ولا تكاد تمر على الطالب في مراحله الدراسية المختلفة محاضرة أو درس إلا ويكون للاستماع والإنصات نصيب كبير من وقت تلك المحاضرة أو الدرس . وهنا يلفت الباحث نظر المسئولين عن التربية والتعليم والتوجيه والإرشاد إلى الاهتمام باستغلال ملكة السماع لدى المتربين والناشئة لما لها من أثر في تشرب المعرفة وازدياد الإيمان .
ولكي تكون تلك المحاضرات والندوات رافدا من روافد التربية الذاتية ينبغي على الفرد أن يتبعها في مظانها من خلال الجامعات والنوادي الأدبية والمساجد وليحرص قبلا على معرفة المشاركين في تلك اللقاءات الفكرية لأخذ فكرة موجزة على الأقل عنها وحتى لا يفاجأ بأن الوقت قد ضاع في الاستماع لأفكار سخيفة وماجنة .
ويأتي من ضمن المصادر المعاصرة للاستماع والتي تساهم بشكل فعال في التربية الذاتية ما يعرف بالشريط الإسلامي الذي يسهل اقتناؤه ويمكن الاستفادة منه في البيت والسيارة وفي السفر أو الحضر وفي الصباح أو المساء ، أي في الزمان والمكان والحال الذي يختاره الإنسان لنفسه أو الذي يتيسر له فيه الاستماع إليه .
وفي عصرنا الحاضر استحدثت إذاعة للقرآن الكريم يذاع من خلالها برامج ثقافية وشرعية وتلاوات للقرآن الكريم . ولا شك أن في متابعة برامج هذه الإذاعة خير كثير وفوائد جمة . ولذا ينصح الباحث كل مهتم بتربية ذاته أن يتابع برامج هذه الإذاعة لكي يستفيد من برامجها أولا ولكي يسلم من الأذى الذي تبثه الإذاعات الأخرى ثانيا .
جـ ـ اللهو المباح :
لا حرج على المسلم أن يقضي جزءا من وقته في اللهو المباح والمتعة البريئة على ألا يجور في ذلك على حق ربه أو حق نفسه أو حق غيره من المخلوقين . وفي ديننا والحمد لله فسحة للترويح عن النفس كي تبقى معطاءة على الدوام .
عن عطاء بن أبي رباح قال : رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاريين – رضي الله عنهما – يرتميان فمل أحدهما فجلس فقال له الآخر : كسلت ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لغو ولهو أو سهو إلا أربع خصال : مشي الرجل بين الغرضين وتأديبه فرسه وملاعبته أهله وتعلم السباحة . [ رواه أبو نعيم في الحلية . نقلا عن الألباني في الصحيحة برقم 315 ] .
ففي هذا الحديث بيان لبعض وسائل الترويح المباحة . فمن اللهو مباسطة الرجل أهله ومؤانستهم وملاعبتهم . روت عائشة – رضي الله عنها – قالت : كان الحبش يلعبون بحرابهم فسترني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنظر فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن تسمع اللهو . [ البخاري : 3/385 ] .
وفي ذلك يعلق خلدون الأحدب : وكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم إدراكا لحقيقة النفس البشرية وتلبية لنداء الفطرة ، فتمكين القلوب من حقها في الراحة وترويح النفس بأضرب من اللهو المباح يجعل المرء أقدر على مواصلة عطائه بل أكثر استفادة من زمانه (1) .
ومن اللهو المباح ممازحة الرجل لأصدقائه ورفقائه على ألا يخرج في مزاحه عن الضوابط الشرعية . عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قالوا : يا رسول الله إنك تداعبنا . قال : نعم غير أني لا أقول إلا حقا .
[ الترمذي : 4/314 ، وصححه الألباني في مختصر الشمائل المحمدية برقم 202 ]
وعن معاوية بن حيدة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له ويل له .
[ رواه الترمذي 4/483 وقال : حديث حسن ]
وللهو المباح أنواع أخرى ، فمنه ما يفيد في تنمية الجسم والقوى العضلية كبعض الألعاب الرياضية التي قد لا تحتاج إلى مدرب أو موجه مثل المشي الطويل والجري والرماية . ويمكن استغلال فترات من هذه الرياضات في التسبيح والتحميد والتهليل وغيرها من أذكار اللسان التي لا تكلف المرء إلا تحريك لسانه فقط . ومن اللهو أيضا ما يفيد في تغذية العقل وترويح القلب كمناشدة الأشعار وطرح المسابقات الذهنية والثقافية وذكر الطرائف والنوادر .
روي عن علي – رضي الله عنه – قوله : اجمعوا هذه القلوب وابتغوا لها طرائف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان . وعن الزهري قوله : كان بعض العلماء يقول : هاتوا من أشعاركم فإن الأذن مجاجة والنفس حمضة . وقوله أيضا : روحوا القلوب ساعة وساعة (1) .
ومن اللهو المباح أيضا ما يفيد في ترويض العقل والجسم معا كالاستفادة من الألعاب التربوية أو توجيه الألعاب الرياضية وجهة تربوية وهنا تبرز أهمية اتخاذ الألعاب كوسيلة للتربية الذاتية وللتربية عموما في مختلف المراحل التربوية وحسب الفروق الفردية . ولهذا الغرض يجب أن تنظم الألعاب تنظيما تربويا لتحقيق أهداف تربوية عدة لا لمجرد شغل الوقت في أغراض تافهة أو بدون غرض ، بل ينبغي توجيهها لاكتساب المثل العليا والأخلاق الفاضلة وخاصة في المعسكرات التربوية والرحلات الهادفة (2)
وهناك وسائل أخرى كثيرة لملء الفراغ وشغله بما يعود على المرء بالفائدة والخير ولكن المجال لا يتسع لحصرها ومنها : الرحلات والمخيمات – صلة الأرحام والزيارات بين الأصدقاء – الاشتراك في الأنشطة الاجتماعية المفيدة التي تنفع الإسلام والمسلمين .
أما إذا استعرضنا حال علمائنا الأوائل في شغل أوقاتهم لرأينا العجب العجاب . يحدثنا الإمام ابن عقيل عن نفسه فيقول : إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة وبصري عن مطالعة أعمل فكري في حال راحتي وأنا مستطرح فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره ، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين . (3)(2/227)
ويذكر الحافظ الذهبي في ترجمة أبي حاتم الرازي أن أبا حاتم قال : قال لي أبو زرعة : ما رأيت أحرص على طلب الحديث منك . فقلت له : إن عبد الرحمن ابني لحريص . فقال : من أشبه أباه فما ظلم . ولما سئل عن اتفاق السماع له وسؤالاته عن أبيه أجاب بأنه كان يستغل كل لحظة يقضيها مع والده فإذا ما أكل قرأ عليه وإذا مشى قرأ عليه وإذا دخل الخلاء قرأ عليه وإذا دخل البيت في طلب شيء قرأ عليه (1) . وبمثل هذا يكون ملء الفراغ .
إن من لا يستشعر أهمية الوقت يحس بالغبن يوم القيامة فإن كان مفرطا ندم على تفريطه وإن كان مقصرا ود لو كان من المحسنين .
2ـ الوسائل الضارة :
من وسائل ملء الفراغ ما يكون ذا أثر سلبي ومعيقا للتربية الذاتية . ومن هذه الوسائل :
أ ـ الإفراط في النوم .
ب ـ الانغماس في اللهو والباطل .
ونشير إلى أثر هاتين الوسيلتين على التربية الذاتية :
أ ـ الإفراط في النوم :
يظن بعض الناس أن كثرة النوم وزيادته دليل على إعطاء النفس حقها من الراحة والفائدة . والصحيح أن في ذلك ضررا بالغا على النفس .
فمن أضراره أنه يصرف النائم عن أداء أعمال كثيرة مفيدة ويقلل من فرص استثمار وقت الفراغ التي كان من المفترض أن يشغله فيما يعود عليه بالنفع والصلاح . ومن نام كثيرا خسر كثيرا .
وقد دلت الدراسات والأبحاث على أهمية الإقلال من النوم وإنقاص ساعاته بشكل معقول . يقول الدكتور حمدي (2) : فالأطباء يقولون إن الأشخاص الذين يكتفون بفترة نوم قصيرة هم أكثر حيوية ونشاطا من الذين تزيد فترة نومهم عن الثماني ساعات ! ذلك أن محبي النوم غالبا ما يتميزون بالقلق والانطواء والعزلة والكآبة ويغلب عليهم الكبت الجنسي والانهيار العصبي والتردد والحيرة والتأثر بأقل سبب .. والتطير ، كما أنهم غالبا ما يأخذون مشكلاتهم الشخصية مأخذا جديا مفرطا ولذلك يبدون بنومهم هذا وكأنهم يهربون من الحياة ومشكلاتها ومواجهتها .
فكثرة النوم تعتبر هروبا من الواقع ، بينما الحياة ساعات قليلة تستغل في مواجهة هذا الواقع ومجاهدة النفس للتغلب عليه وتوجيهه نحو الأفضل . ويقول حمدي أيضا : كما أن الدراسات التي قام بها الأخصائيون تثبت أن الذين ينامون فترات قصيرة يستمتعون بنوم أعمق من أولئك الذين ينامون أكثر من المعدل اللازم .. فالنوم الكثير ليس صحيا والنوم الأقل يمكن أن يكون شافيا . (1)
ولذل فليراقب المرء نفسه في مقدار النوم الذي يصرف وقته فيه . والمسألة بالتعود ، كما أن النفس تميل إلى ما عودتها عليه .
ومن الأوقات التي غفل عنها وفرط بالنوم فيها كثير من الناس الوقت الذي يلي صلاة الفجر ، وهذا إن لم يناموا عن صلاة الفجر نفسها ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس . وهذا الوقت من الأوقات المباركة التي تقسم فيها الأرزاق المادية والمعنوية . وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التبكير في طلب العلم والسعي إلى الرزق وذلك لعلمه بما فيه من الخير والبركة .
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بورك لأمتي في بكورها . [ رواه الطبراني في الأوسط . نقلا عن الألباني في صحيح الجامع برقم 2838 ] .
كما روى الصحابي الجليل صخر بن وداعة الغامدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : اللهم بارك لأمتي في بكورها . وقال : وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم في أول النهار . وقد استفاد هذا الصحابي من هذا الحديث حيث كان تاجرا فكان يبعث تجارته أول النهار فأثرى وكثر ماله (2)
ولما كان التبكير يجلب الخير ويكثر الربح ويزيد في إنجاز الأعمال وفي إتمامها فإن حرص المرء على عدم النوم في ذلك الوقت المبارك يجعله مستغلا له فيما ينفعه ويساهم في تربية ذاته وتزكيتها .
ب ـ الانغماس في اللهو والباطل
ومن الوسائل الضارة لملء الفراغ والتي تصرف عن التربية الذاتية الانغماس في اللهو والباطل وخاصة عند متابعة كثير من برامج الفيديو والتلفزيون . وتمتاز هاتان الوسيلتان بأنها تثير المشاهدين بلقطاتها الباهرة السريعة مستخدمة أساليب التقنية الحديثة في إعدادها وتنفيذها ورغم ذلك فهي لا تحمل في طياتها إلا قدرا ضئيلا من الفائدة . والأمر المؤسف أن الصور التلفزيونية المتتابعة أمام المشاهد تقف حجر عثرة ضد الملكة النقدية لديه فتتحول تلك الصور لا شعوريا إلى عقله الباطن لتصبح مسلمات وحقائق . وإذا ما استمر الفرد على هذه الحالة مستقبلا لكل ما يعرض عليه من ثقافات وعادات ومتشربا لها فسيفقد يوما ما هويته وشخصيته الأصلية . وهكذا يتبين أن للتلفزيون دورا محدودا في التربية والتعليم . يقول مروان كجك : إن أفضل أنواع التعليم هي التي تعتمد على المشاركة ... ومشاهدة التلفزيون تعتمد على الأخذ فقط والاستغناء عن التفاعل ولا يمكنها عمل شيء سوى استرعاء انتباهك ... ولذا فإن المعلومات تستمر ولكننا لا نتفاعل بعد ذلك ، لا نعرف مع أي شيء نتفاعل ، وعندما تشاهد التلفزيون فإنك تدرب نفسك على عدم التفاعل وتنمي فيك السلبية (1)
وليس ذلك فحسب ، بل إن التلفزيون ينقض في فترة وجيزة ما يبنيه المربون خلال سنوات ، أي أن التلفزيون يروج لعملية التربية الموازية والمضادة لعمليات التربية التي تقوم بها المساجد والمدارس والأسر (2) .(2/228)
وللتلفزيون والفيديو من الآثار السيئة على النفس الإنسانية ما الله به عليم ، وهذه الآثار قد لا تظهر مباشرة بعد انتهاء برامج أو مشهد تلفزيوني ولكن تظهر بعد فترة طويلة . يقول مروان كجك أيضا : ومن المؤكد أن هذه الآثار لا تأتي مباشرة عقب صب المعلومات وتغلغلها في النفس وإنما تظهر بعد حين نتيجة تضافر برامج أخرى تعمل على تراكم الآثار التي تأخذ بدورها من جديد بالاندفاع من الداخل نحو الخارج على صورة سلوك حركي يترجم التفاعل اللاإرادي الذي يأخذ سبيله إلى النفس على شكل مفاهيم امتزجت مع الشخصية فأكسبتها بعضا من ملامحها وأهدافها . (3)
ورغم ما ذكر فإن الباحث يرى أنه لو أحسن توجيه واستغلال وسائل الإعلام عموما وتم إصلاح برامجها وأنشطتها بما يتوافق مع معتقداتنا وأخلاقنا وقيمنا الإسلامية وبشرط ألا تشغل وقت الفرد المسلم فإنه يمكن تلافي الكثير من آثارها السيئة والإفادة منها في مجالات متعددة ومن ضمنها التربية الذاتية .
ثالثا : المحاولة والخطأ
من البديهي أن الإنسان يخطئ أحيانا ويصيب أحيانا ويخطو إلى الأمام خطوات ويتعثر أخرى ولكن يدفعه الأمل والعزيمة إلى المحاولة مرارا وتكرارا لأن الفشل أساس النجاح . ويلجأ الفرد إلى أسلوب المحاولة والخطأ للوصول بالعمل إلى كماله المنشود أو للتثبت من الاجتهادات البشرية واكتشاف خبرات جديدة .
والمقصود بالمحاولة والخطأ هو تكرار العمل أكثر من مرة لتحقيق أقصى نجاح ممكن ، ومن الأدلة على هذا الأسلوب من التربية الإسلامية حديث المسيء صلاته .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ارجع فصل فإنك لم تصل ، فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ارجع فصل فإنك لم تصل ( ثلاثا ) فقال : والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره فعلمني ... الحديث
[ البخاري : 1/257 ]
الشاهد من الحديث أن ذلك الصحابي حاول تصحيح خطئه بنفسه - بعد أن وجهه النبي صلى الله عليه وسلم - وكان من الممكن أن يؤدي العمل كما ينبغي ولجهله عجز ثم سأل . وهذا الأسلوب أوقع في النفس وأدعى إلى قبوله وانطباعه في الذاكرة (1)
ويذكر يالجن مؤكدا على هذا الأسلوب قائلا : والتجربة وهي جعل المتربي يجرب بنفسه القيم والأفكار والحقائق المقدمة إليه ، ذلك أوقع في نفسه وأقرب إلى إدراك قيمة تلك الحقائق والأفكار (2)
ومما ينبغي أن ينتبه إليه أنه ليس كل أمر يصح فيه تجريب أسلوب المحاولة والخطأ للتأكد من صلاحه ونجاحه . فأحكام الشرع مثلا من تحريم لشرب الخمر أو مزاولة الربا وغير ذلك لا يمكن أن نضعها تحت التجربة والمحاولة لأنها منزلة من لدن حكيم خبير . والمسلم الحق يفعل ما يأمره خالقه ويجتنب ما ينهى عنه بدون أدنى تردد في التطبيق . أما المحاولة في تطبيق العمل لإتقانه فهذا أمر مرغوب شرعا لقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه
[ رواه البيهقي في شعب الإيمان . نقلا عن الألباني في صحيح الجامع برقم 1876 ]
وفي رواية أخرى : إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن .
[ رواه البيهقي في شعب الإيمان . نقلا عن الألباني في صحيح الجامع برقم 1887وحسنه]
وحيث أن الغالب على النفس البشرية لقصورها أنها لا تتقن أداء العمل من أول محاولة فإن الأمر يحتاج إلى مرات وكرات . والإنسان السامي لبلوغ الكمال البشري لا ييأس ولا يكل ولا يمل فيحاول ويحاول حتى يصل إلى مبتغاه وينال ما يتمناه . وبالإرادة القوية وتركيز الانتباه تصبح الذات هي محور الحضارة والمحرك الفعال لتحقيق الأماني وتحسين الأداء .
=====================
شبهات النصارى حول الإسلام
جمع وترتيب
وليد كمال شكر
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين(2/229)
الحمد لله الذى جعل لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأرسل فينا رسولا كريما فحبانا بذلك فضلا عظيما وبعد
فإن المتأمل فى هذه الهجمة الشرسة على عقيدة المسلمين وشريعتهم يلمح أثر الحقد الدفين فى طيات هذه الهجمة الضارية فالأعداء يعلمون أن الإسلام كدين يحمل أسباب البقاء فى ذاته ويملك من وسائل التأثير والتغيير مالا يوجد فى غيره من الأديان لذا رأينا الإسلام ينتشر رغم تقصير المسلمين فى نصرته وتبليغه ورأينا الإسلام يفرض نفسه على الأحداث ويظهر بقوة من جديد على الساحة رغم أن أعداءه لا يألون جهدا فى محاربته وتحجيمه لذلك كله لجأ الأعداء إلى وسيلة خبيثة تصرف المسلمين عن دينهم أو تزرع الشك فى نفوسهم وهى وسيلة الشبهات التى تثار حول الإسلام وهم بذلك يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ومن هؤلاء الذين مارسوا هذا النوع من الوسائل النصارى لذا رأيناأن نجمع هذه الشبهات فى كتاب واحد ثم نذكر رد العلماء عليها راجين من المولى سبحانه أن يجعل ذلك فى ميزان حسناتنا وأن يكون هذا العمل عذرا لنا عند ربنا إذا سألنا ماذا قدمتم لدينكم تجاه هذه الهجمة الحاقدة وما كان لى من دور فى ذلك سوى الجمع والترتيب مستفيدا من شتى المواقع الإسلامية على شبكة المعلومات والله أسأل أن يجعل هذا العمل صالحا ولوجهه خالصا .
منهج النصارى في الشبهات عن الإسلام
1- الكذب و التلاعب في النصوص :
مارس النصارى الكذب في نقدهم لهذا الدين،ومن ذلك ما قاله صاحب كتاب "الحق" حين زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات انتظر المسلمون قيامه كما قام المسيح، فلما لم يقم ارتد المسلمون عن الإسلام" .
و من المعلوم أن القرآن صرح بمثلية رسول الله لسائر البشر في خاصية الموت، و قد صرح القرآن بموته، و لم يرد شيء فيه أو عن رسولنا يفيد قيامته صلى الله عليه وسلم من الموت ، و قد روي عن عمر أنه قال مثل هذا القول لحظة ذهوله عند فاجعته برسول الله صلى الله عليه وسلم و سرعان ما أفاق منه.
و أما حركة الردة فقد بدأت إبان حياته صلى الله عليه وسلم بظهور الأسود العنسي ، و فشت بعد وفاته، و لم يكن من دواعيها مثل هذا القول الذي ذكره النصراني.
و من الكذب أيضاً قول القس شروش و هو عربي فلسطيني في مناظرته لديدات أمام جمهور من الأعاجم الذين لا يعرفون العربية، فيقول مكذباً القرآن في عربيته: " لكن محمداً استعمل كثيراً من الكلمات و الجمل الأجنبية في القرآن ، و هذا يترك كثيراً من التساؤل عند الناس إن كانت لغة الله غير كافية بحيث تحتاج إلى عدة لغات أخرى… في كتاب ادعي أن الله أوحاه بالعربية" ، و بالطبع لا يوجد في القرآن جملة غير عربية ، فقد نزل بلسان عربي مبين .
و من الكذب أيضاً قوله: " المسلمون غير العرب يشعرون بأنهم مجبرون أن يحفظوا على الأقل أربعين سورة من القرآن بالعربية مع أنهم لا يتكلمونها و لا يتخاطبونها " و أي من العلماء لم يوجب مثل هذا .
2- تحريف النصوص :
يلجأ النصارى أيضاً إلى تحريف ألفاظ النصوص الإسلامية ، و من ذلك قول القس شروش لمستمعيه الإنجليز:" أنتم معشر المسلمين تعتقدون أن المسيح ما زال على قيد الحياة " .يقول ديدات : نعم. فأكمل القس شروش " لكننا إذا قارنا هذا بما جاء في القرآن فإننا سنجد تناقضاً ، فإن القرآن يقول { و السلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حياً } قرأها في العربية صحيحة ، ثم ترجمها : "و سلام علي يوم ولدت و يوم مت و يوم أبعث حياً " فحول الأفعال المضارعة و التي يراد منها المستقبل إلى أفعال ماضية مستغلاً جهل مستمعيه بلغة العرب، و ظن أن حيلته و كذبه ينطلي على العلامة الأعجمي ديدات .
و من التحريف أيضاً أن النصارى حين استشهادهم بالنصوص الإسلامية كانوا يختارون ما يعجبهم من النص و يدعون ما لا يوافق هواهم ، و من ذلك قول وهيب خليل في كتابه " استحالة تحريف الكتاب المقدس "في سياق حديثه عن أدلة ألوهية المسيح في القرآن و السنة فيقول: "روى البخاري في الجزء الثالث ص107 قائلاً:" لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً " وفي هذا دليل قاطع على ألوهية السيد المسيح،لأن الدينونة لله وحده " .
و قد غض النصراني طرفه عن بقية الحديث و فيه : " فيكسر الصليب و يقتل الخنزير و يضع الجزية و يفيض المال حتى لا يقبله أحد" فالأمور المذكورة في تتمة الحديث تدل على بطلان النصرانية ، و أن المسيح سيحطم رمزها (الصليب) ، و أنه سيحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أن الحديث يتحدث عن أحداث قبل القيامة ، فالساعة لا تقوم حتى تحصل هذه الأمور ، و الدينونة الكبرى إنما تكون بعد قيام الساعة.
و نصوص القرآن صريحة في أن الله هو الذي سيدين الخلائق كما قال تعالى { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق إلا له الحكم و هو أسرع الحاسبين }
3- مغالطات النصارى :
يقع النصارى عند إثارتهم للشبهات في مغالطات في الاستدلال ، و من ذلك قول وهيب خليل:" فإذا كان الإسلام يشهد بأن الذي يحيي العظام و هي رميم هو الذي أنشأها أول مرة فقط ، فمن يكون السيد المسيح الذي يشهد له الإسلام بأنه يحيي الموتى؟ أليس هو الله الحي القيوم المحيي المميت الذي أنشأها أول مرة ؟" .(2/230)
و المغالطة تكمن في أن الآيات نصت في أن ذلك يكون بإذن الله .أي أنه تعالى هو الفاعل الحقيقي للإحياء و الخلق. كما أن معجزات المسيح في سياق النصوص التي وردت فيها بينت أن المسيح إنما هو رسول الله فحسب. ويلجأ النصارى في شبهاتهم إلى محاكمة القرآن إلى كتبهم التي لا سند لها ، و لا اعتداد و لا ثقة بها ، فيعرضها النصارى و كأنها سندات و وثائق تاريخية لا خلاف على صحتها. ومن ذلك تكذيبهم القرآن في قوله بأن اسم والد إبراهيم عليه السلام هو آزر ، لأنه قد جاء في التوراة أنه : تارح (انظر التكوين 11/27) و كذا تكذيبهم أن يكون الذبيح إسماعيل ، لأن التوراة تقول بأنه إسحاق ، (انظر التكوين 22/9-12) و كذا تكذيبهم أن تكون زوجة فرعون قد كفلت موسى ، وقالوا بأن الذي كفله هي ابنة فرعون لما جاء في التوراة (انظر الخروج 2/5-7)، و كذبوا أن يكون لون بقرة بني إسرائيل صفراء فاقع ، لأن التوراة تقول بأنها كانت حمراء اللون (انظر العدد19/1-4) .
الباب الأول :
شبهات النصارى حول القرءان الكريم
ويشتمل على :
الفصل الأول :الشبهات المتعلقة بصحة القرآن وثبوته
الفصل الثانى : الشبهات اللغوية حول القرءان
الفصل الأول
الشبهات المتعلقة بصحة القرآن وثبوته
الشبهة الأولى : القدح فى صحة القرءان
الجواب :
1- إن ثبوت صحة ما في أيدينا من نسخ القرآن الكريم لم يثبت عندنا بدليل أو بدليلين ، بل ثبت بأدلة كثيرة متوافرة لا يقع عليها عاقل منصف إلا ويقطع أنه هو كما أنزله الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم .
2- وقد تعاقبت الأجيال جيلاً بعد جيل تتلو كتاب الله وتتدارسه بينهم ، فيحفظونه ويكتبونه ، لا يغيب عنهم حرف ، ولا يستطيع أحد تغيير حركة حرف منه ، ولم تكن الكتابة إلا وسيلة من وسائل حفظه وإلا فإن الأصل أن القرآن في صدورهم .
3- ولم يُنقل القرآن لنا وحده حتى يمكن تطرق التحريف المدَّعى إليه ، بل نقل تفسير آياته ، ومعاني كلماته ، وأسباب نزوله ، وإعراب كلماته ، وشرح أحكامه ، فأنَّى لمثل هذه الرعاية لهذا الكتاب أن تتطرق إليه أيدي آثمة تحرِّف فيه حرفاً ، أو تزيد كلمة ، أو تسقط آية ؟
4- وإن تحدَّث القرآن عن أشياء غيبية مستقبلية ، أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ليبيِّن أنه من عند الله ، وأن البشر لو أرادوا كتابة كتاب فإنهم قد يبدعون في تصوير حادث ، أو نقل موقف ، لكن أن يتحدث أحدهم عن أمر غيبي فليس له في هذا المجال إلا الخرص والكذب ، وأما القرآن فإنه أخبر عن هزيمة الروم من قبل الفرس ، وليس هناك وسائل اتصال تنقل لهم هذا الحدث ، وأخبر في الآيات نفسها أنهم سيَغلبون فيما بعد في مدة معينة ، ولو أن ذلك لم يكن لكان للكفار أعظم مجال للطعن في القرآن .
5- ولو جئت إلى آية من كتاب الله تعالى فذهبت إلى أمريكا أو آسيا أو أدغال أفريقيا أو جئت إلى صحراء العرب أو إلى أي مكان يوجد فيه مسلمون لوجدت هذه الآية نفسها في صدورهم جميعاً أو في كتبهم لم يتغير منها حرف .
6- ويسرنا أن نختم ردنا بهذه القصة الحقيقية والتي حدثت في بغداد في العصر العباسي ، حيث أراد يهودي أن يعرف صدق الكتب المنسوبة لله من أهلها وهي التوراة عند اليهود ، والإنجيل عند النصارى ، والقرآن عند المسلمين .
فراح إلى التوراة فزاد فيها ونقص أشياء غير ظاهرة جداً ، ثم دفعه إلى ورَّاقٍ – كاتب – منهم وطلب نسخ هذه النسخة ، قال : فما هو إلا زمن يسير حتى صارت نسختى في معابد اليهود وبين كبار علمائهم .
ثم راح إلى الإنجيل فزاد فيه ونقص كما فعل في التوراة ، ودفعه إلى ورَّاقهم وطلب نسخه فنسخه ، قال : فما هو إلا زمن يسير حتى صار يقرأ في كنائسهم وتتناوله أيدي علمائهم .
ثم راح إلى القرآن فزاد فيه ونقص كما فعل في التوراة والإنجيل ، ودفعه إلى ورَّاق المسلمين لينسخه له .
فلما رجع إليه لاستلام نسخته ألقاه في وجهه وأعلمه أن هذا ليس قرآن المسلمين !
فعلم هذا الرجل من هذه التجربة أن القرآن هو كتاب الله بحق وأن ماعداه لا يعدو أن يكون من صنع البشر .
وإذا كان ورَّاق المسلمين قد علم تحريف هذه النسخة فهل يمكن أن تمشي هذه على علماء المسلمين ؟
وإذا أردت تحويل هذه التجربة القديمة إلى واقع حالي فما عليك إلا أن تفعل فعل ذلك اليهودي الذي أسلم وتزيد وتنقص من هذه الكتب الثلاثة ولتر نتيجة تجربتك .
ولن نقول لك اعرض نسختك من القرآن على ورَّاق ، بل سنقول اعرضها على صبيان وأطفال المسلمين ليكشفوا لك خطأ نسختك !
وقد طبعت بعض الدول الإسلامية مصاحف فيها أخطاء كان مكتشفها من الأطفال الصغار قبل الكبار .والله الهادي .
(( نقلا عن موقع الإسلام سؤال وجواب ))
الشبهة الثانية : القدح فى مصدر القرءان
يشكك النصارى في مصدر القرآن الكريم ، و يعتبرونه من صناعة محمد صلى الله عليه وسلم و يذكرون له مصادر أرضية، و يلخص القس أنيس شروش مزاعم النصارى في مصادر القرآن الكريم ، فيقول مخاطباً ديدات:" دعني أتحداك 75% من القرآن الرائع في لغتي العربية الرائعة مأخوذ من الكتاب المقدس"، و يقول:"الواقع أن هناك نصوصاً عديدة من مقاطع العهد الجديد قد استعارها القرآن و اقتبسها ، هناك حوالي 130 مقطعاً في القرآن مستوحاة من سفر المزامير ، و نجد الروايات غير القانونية المرفوضة(الأناجيل الأبوكريفا)عند النصارى موجودة في القرآن ، إن سورة آل عمران الآية 35-37 تحكي بدقة الرواية الإنجيلية الأسطورية التي تحكي قصة زكريا المشهورة و مولد ابنهما " .(2/231)
و يتحدث القس شروش عن مصدر آخر للقرآن هو أشعار العرب ، فيقول عن امرئ القيس" كان من أعظم شعراء العرب القدامى قبل محمد ، و في إحدى قصائده…هناك أربع آيات مأخوذة منها تم إدخالها في القرآن من قبل محمد ، و تظهر في سورة القمر الآية 1، 29، 31، 46…".
و يوضح ذلك فيقول { اقتربت الساعة و انشق القمر } هذا في القرآن ، أما امرؤ القيس فيقول: دنت الساعة و انشق القمر." ، و لم يذكر شاهداً للثانية و الثالثة ، ثم ذكر لقوله تعالى { بل الساعة موعدهم و الساعة أدهى و أمر } فادعى أنها منقولة من قول امرئ القيس: و إذا ما غاب عني ساعة كانت الساعة أدهى و أمر.
ثم ذكر القس أن ابنة امرئ القيس أدركت الإسلام ، و سمعت أبيات أبيها فعرفتها و طالبت بمعرفة كيف ظهرت أبيات أبيها فجأة في السورة .
ومعظم المفكرين المسيحيين يؤمنون ، و يشهد لهم التاريخ الإسلامي أيضاً أن محمداً كان يلتقي بنسطور (و لعله أراد بحيرا) خلال أسفاره إلى الشام ، و حين كان في سن 12 رأى بحيرا فيه علامات النبوة ، و بعد سنة أقنعه بذلك ، و سافر معه ، و علمه كل ما يتعلق بما نسميه قصص الكتاب المقدس " .
و في التمثيل للاقتباسات من الوثنية ذكر شروش تقبيل الحجر الأسود ، و مثله قال صاحب كتاب " الحق " و هو كاهن لم يذكر ابن الخطيب اسمه ، و زعم بأن الحجر الأسود من بقية آلهة العرب التي كانوا يعبدونها .
الجواب :-
نلمس في هذه الشبهات الكثير من الكذب الصراح كالزعم بنقل القرآن من الكتاب المقدس أو من أناجيل لا ترتضيها الكنيسة فهذا لا يصح بحال ، و يظهر بجلاء لكل من وقف على موضوعات الكتاب المقدس و موضوعات القرآن الكريم ، و قد تحدى ديدات القس بأن يأتي بمثال واحد ، فعجز عن ذلك و ينقل ديدات عن العالم ولير قوله : " هناك فقرة واحدة في القرآن جرى اقتباسها من كتاب المزامير" و هي "الأبرار يرثون الأرض " (المزمور 37/11).
و قد ذكر القرآن وجود هذه الفقرة في المزامير فقال { و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } ، فالقرآن ذكر أن الفقرة موجودة في الزبور ، فيما نقل متى الفقرة ذاتها في إنجيله (انظر متى 5/5) و لم يشر إلى أنه اقتبسها من المزامير.
و يتساءل ديدات مراراً عن الـ(75%) المقتبسة من الكتاب المقدس ، و يقول :" أي شيء في الكتاب المقدس يستحق النسخ أو الاقتباس…هذا كتابك المقدس بالعربية ، و هذه نسخة من القرآن بالعربية لأسهل الأمر عليك " ويمكن الرد عليهم من خلال النقاط التالية :-
1- لا ريب في أنه لو كان الكتاب المقدس من عند الله لوجدنا صوراً أكثر من التشابه و التماثل التي تقتضيها وحدة المصدر و الهدف ، و لا يعني حينذاك بأن القرآن مقتبس من الكتب السابقة ، بل ذلك معناه أن الله كما أنزل هذه المعاني على الأنبياء السابقين أنزلها على رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم.
2-ولو صح ذلك لاتخذه أعداؤه من المشركين حجة لهم ، بهدف الطعن فيه ، وهم الذين تعلقوا بأوهى التهم كزعمهم أنه تعلم من رومي حداد أعجمي ، فرد عليهم القرآن الكريم ، قال تعالى : { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} (النحل:103) .
3-أن النبي صلى الله عليه وسلم أميٌّ لا يقرأ ولا يكتب ، ولم يثبت أنه رأى التوراة والانجيل أو قرأ فيهما أو نقل منهما .
4-أن القرآن الكريم فضح اليهود والنصارى ، وهتك أستارهم ، وذمهم ، كما في قوله تعالى : { يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا } (النساء:171) ، ولو كانوا معلِّمين للرسول لمدحهم القرآن ، وأثنى عليهم .
5- أن أحكام الشريعة الإسلامية كانت تتنزَّل متدرجة حسب الحوادث ، والوقائع ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوقف في الحكم على بعض الأمور حتى ينزل الوحي عليه ، مما يدل على أنه ليس لديه علم سابق ، ولم يسأل أهل الكتاب .
6- ومما يُرد به على هذه الشبهة كذلك وجود اختلاف مع أهل الكتاب في كثيرٍ من الأحكام ، بل إن مخالفتهم مقصدٌ شرعي حث الشرع عليه في نصوص كثيرة؛ من ذلك ما جاء في الحديث الصحيح : (خالفوا اليهود والنصارى ،فإنهم لا يصلون في خفافهم ، ولا في نعالهم ) رواه ابن حبان و أبو داود وصححه الألباني .
7- تنبه لبطلان هذه الشبهة بعض المفكرين الغربيين أمثال الفرنسي "الكونت هنري دي كاستري"حيث قال : "ولقد يستحيل أن يكون هذا الاعتقاد وصل إلى النبي محمد من مطالعة التوراة والإنجيل" .
ويقول المستشرق دوزي : "أما أواسط بلاد العرب ، وفي قلب جزيرتهم ...فلم تنجح فيه الدعاية للدين المسيحي " .
وهكذا نرى أن هذه الشبهة مردودة على أصحابها ، وأن الحقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وأن ما يثيره هؤلاء الحاقدون إنما القصد منه إبعاد الناس عن قبول الحق واتباعه ، وأنّى لهم ذلك ، فالحق له نوره الوهّاج الذي يبدد الظلمات من طريقه، قال تعالى: { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون } (التوبة:32) .
(( نقلا عن موقع الشبكة الإسلامية ))(2/232)
8-ما حصل من توافق في بعض الأحكام لا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ منهم ، وتعلم على أيديهم ، وإنما لكون اليهودية والنصرانية أصلهما صحيح يتفق مع أصول الإسلام ، لولا ما اعتراهما من تحريفٍ وتغيير وتبديل . و من التماثل بين شرائع الله تعظيم الكعبة التي بناها إبراهيم عليه السلام و عظمها لأمر الله ، ثم عظمها رسول الله لتعظيم الله لها فقد جعلها قبلة لعباده ، و تقبيل الحجر الأسود من ذلك التعظيم ، و قد قال عمر رضي الله عنه عندما وقف عليه يقبله " إني أعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع ، و لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك " .
و لم يكن تعظيم الرسول للكعبة تعظيم عبادة، إنما كان تعظيماً لشعائر الإسلام و هي منها ، فقد أمر الله نبيه إبراهيم ببناء هذا البيت و تطهيره لعبادته.
هذا و لم يعرف في العرب قط رغم عبادتهم للأصنام أن أحداً منهم عبد الكعبة أو الحجر الأسود.
و أما قول القس و غيره من النصارى عن بحيرا الراهب و نسطور فهو كلام لا دليل عليه البتة ، و الموجود في كتب التاريخ الإسلامي أن رسول الله سافر إلى الشام مرتين إحداهما في طفولته حيث لقيه بحيرا الراهب ، و طلب من أبي طالب أن يحذر على ابن أخيه ، و الثانية في شبابه حيث ذهب في تجارة خديجة ، و عاد بعدها مباشرة ، و من الكذب القول بأن بحيرا قد ذهب معه إلى مكة ، و أنه قد علمه قصص الكتاب المقدس ، بل إن مجرد المقارنة بين قصص الكتاب المقدس و القرآن الكريم المشابهة كقصة آدم و نوح و إبراهيم ، إن مجرد التأمل فيها و المقارنة بينها يكفي في رد هذه الشبهة.
و هذه الشبهة قديمة ذكرها القرآن الكريم و أجاب عنها قال تعالى { و لقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذين يلحدون عليه أعجمي و هذا لسان عربي مبين } { وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه و أعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلماً وزوراً * و قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة و أصيلاً * قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات و الأرض إنه كان غفوراً رحيماً } { و ما كنت تتلو من قبله من كتاب و لا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون } .
و من المعلوم أن أول ترجمة عربية للتوراة كانت بعد ظهور الإسلام بقرن من الزمان ، حيث كان أسقف اشبيلية يوحنا أول من ترجم التوراة إلى العربية عام 750م ، ثم ترجمها سعدية بن يوسف عام 942م ، وكتبها بأحرف عبرية ، ثم كتبها يافث بن علي في أواخر ذلك القرن بأحرف عربية .
و يعجب المرء كيف ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم الاطلاع على كتب لم يكن بمقدور الأحبار و الرهبان في ذلك الزمان أن يطلعوا عليها كاملة
و أما قول القس بأن القرآن منحول من شعر العرب و استدلاله بتماثل بعض الآيات مع شعر امرئ القيس فهو مرفوض من وجوه
1- أن هذه الأبيات غير موجودة فى كتب الشعر والأدب العربى أصلا
2- أن هذه الأبيات غير موجودة فى ديوان امرىء القيس ولا فى أشعاره
3- أن هذه الأبيات لوكانت لامرىء القيس كما ذكروا لعرف العرب ذلك ولجعلوها حجة على النبى إذ لايخفى عليهم شعر امرىء القيس فهو من أشهر شعرائهم إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق
4- أن هذه الأبيات فيها ذكر الساعة والأخرة وهو مالم يكن يؤمن به الشعراء فى العصر الجاهلى كامرىء القيس وغيره ويبعد جدا إن لم يستحل أن تصدر هذه الأبيات الوعظية إن صح التعبير من شاعر جاهلى قضى حياته بين الخمر والنساء
5- أن هذه الأبيات منسوبة فعلا إلى غير امرىء القيس ممن أدرك الإسلام كما ذكر ذلك الذهبى رحمه الله
6- أن التماثل في بعض الألفاظ لا يعني النقل على كل حال ، و وقوع التماثل أمر طبيعي إذ جاء القرآن بما تعهده العرب في كلامها من أمثلة و استعارات و سوى ذلك من ضروب البلاغة
7- أن الوليد بن المغيرة شهد للقرءان بأنه ليس من جنس الشعر فضلا عن أن يكون مقتبسا منه فقالا ( والله ما فيكم رجل أعلم بشعر العرب منى ولا بأشعار الجن منى والله ما يشبه الذى يقول شيئا من ذلك )
8- أن الشعراء الكبار كامرىء القيس نحلت عليهم قصائد بأكملها لم يقولوا منها حرفا واحدا .
(( شبكة بن مريم الإسلامية)) + (( منتديات النور الإسلامية ))
الشبهة الثالثة : حول ثبوته
أثار النصارى شبهات تتعلق بثبوت القرآن الكريم ، فالنصارى يعتقدون أن القرآن كان عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نصوصاً متنافرة و حدها عثمان ، يقول سويجارت: " بعد وفاته ( أي صلى الله عليه وسلم ) كان يوجد عدد لا بأس به من نسخ القرآن المتداولة التي لم تستقر بعد…الخليفة عثمان كان عليه أن يوحد النصوص…لأن نصوصاً كثيرة من القرآن كانت موجودة … بعث عثمان إلى كل إقليم إسلامي بنسخة مما تم نسخه ، و أمر أن تحرق جميع المواد القرآنية الأخرى…، إن لم تكن متناقضة فإني أستغرب لماذا أمر بإحراقها ؟".
و يقول الحداد الخوري عن اقتصار عثمان في جمعه للقرآن على حرف واحد : " بذلك أضاعوا علينا معرفة ما كان في الأحرف الستة من مباينات و مناقضات و اختلافات بالنسبة إلى الحرف الذي أثبتوه و اقتصروا عليه".
و تحدث الحداد أيضاً عما أسماه " الإصدار الثالث للقرآن " ، و قصد به المصحف الذي نقطه الحجاج بن يوسف الثقفي ، و أراد الحداد أن يوهم بأن ثمة تبديلاً أو تغيراً طرأ على القرآن حينذاك".
و تحدث النصارى عن إسقاط المسلمين لبعض الآيات و السور القرآنية كآية رجم الزاني وسورة الحفد و الخلع ، و يقول الخوري معقباً :"و هكذا فقد أسقط عثمان من الصحف قرآناً كثيراً " .
و للرد على هذه الشبهة شرح علماؤنا كيفية نزول القرآن و حفظه من قبل الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم و بعده.(2/233)
الأمر الأول : بقي القرآن محفوظاً في صدور الحفاظ من الصحابة وعلى الجلود وغيرها إلى زمان الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وفي حروب الردة قتل كثير من حفاظ القرآن من الصحابة فخشي أبو بكر- رضي الله عنه - أن يذهب القرآن ويضيع في صدور الصحابة ، فاستشار كبار الصحابة لجمع القرآن كاملا في كتابٍ واحدٍ حتى يبقى محفوظاً من الضياع ، وأوكل المهمة إلى جبل الحفظ زيد بن ثابت رضي الله عنه فأخرج البخاري في " صحيحه " ( 4986 ) عن زَيْدَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي ، فَقَالَ : إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ [أي : كثر] يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ . قُلْتُ : لِعُمَرَ كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ عُمَرُ : هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ . قَالَ زَيْدٌ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ . قال زيد : فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ . قُلْتُ : كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ : هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ . فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ...) حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ فَكَانَتْ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
العُسُب : جريد النخل ، كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض . واللخاف :الحجارة الرقاق .
وكان الصحابي زيد بن ثابت رضي الله عنه يحفظ القرآن ولكن اتخذ منهجا في التثبت فكان لا يقبل أن يكتب آية إلا أن يُشهد على ذلك اثنين من الصحابة أنهما سمعاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
واستمر هذا المصحف بيد الخلفاء إلى زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وكان الصحابة رضي الله عنهم قد تفرقوا في البلاد وكانوا يقرؤون القرآن على حسب ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحرف السبعة ، فكان تلاميذهم يقرأ كل واحد منهم على حسب ما أقرأه شيخه . وكان التلميذ إذا سمع قارئاً يقرأ بخلاف قراءته أنكر عليه وخطأه وهكذا حتى خشي بعض الصحابة أن تحدث فتنة بين التابعين ومن بعدهم فرأى أن يجمع الناس على حرف واحد وهو لغة قريش التي نزل القرآن عليها أولاً لرفع الخلاف وحسم الأمر فاستشار عثمان رضي الله عنه فوافق على هذا الرأي .(2/234)
فروى البخاري في "صحيحه" (4988) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاثَةِ إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ .
وبذلك انقطع الخلاف واتفقت الكلمة وبقي القرآن متواترا ومحفوظا في صدور الرجال إلى يوم القيامة وكان هذا من حفظ الله تعالى لكتابه مصداقاً لقوله تعالى : (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) الحجر/9 ((نقلا عن موقع الإسلام سؤال وجواب))
الأمر الثاني: أن الأساس الذي حفظ القرآن ، واعتمد عليه المسلمون هو حفظ الصدور والسطور ، و قد كان الاهتمام بتدوين القرآن في الصحف أمراً متمماً موثقاً لحفظ الصدور.و قد نزل القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم خلال ثلاث و عشرين سنة ، فكان صلى الله عليه وسلم إذا نزلت السورة أو بعضها أمر الصحابة بكتابتها و وضعها في مكانها بين سور القرآن وآياته ، و كان له كتاب مختصون بكتابة الوحي.و توفي رسول الله و لما يجمع هذا الكتاب المكتوب في مصحف واحد ، و ذلك لتتابع الوحي و عدم انقطاعه ، و إن كان قد علم ترتيب السور والآيات.
و قد كان أصل تنزل القرآن على حرف واحد ، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته فقال:"يا جبريل إني بعثت إلى أميين، منهم العجوز ، والشيخ الكبير، و الغلام و الجارية ، والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط….." فاستجاب الله له و جعل نزول القرآن على سبعة أحرف قال صلى الله عليه وسلم : " أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده و يزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف " ، و في رواية أخرى أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف. فقال أسأل الله معافاته و مغفرته . و إن أمتي لا تطيق ذلك…إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة حروف ، فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا " . تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 65 في صحيح الجامع
و حذر رسول الله من المراء في الأحرف السبع فقال:" أنزل القرآن على سبعة أحرف ، على أي حرف قرأتم أصبتم ، فلا تماروا ، فإن المراء كفر " . تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 4444 في صحيح الجامع.
و خبر نزول القرآن على سبعة أحرف خبر متواتر أراد الله به التيسير على الأمة عند قراءتها للقرآن الكريم ، و ليس في الأحاديث السابقة و غيرها ما يفهم منه أن هذه الأحرف كانت نصوصاً مختلفة ، بل غاية ما فيه هو التسهيل في قراءة القرآن.
و قد ذكر علماؤنا أن الأحرف هي وجوه في القراءة توافق لغات العرب مع السماح ببعض الإبدال لحروف بعض الكلمات أو إبدال بعض الكلمات بدلاً لكلمات أخرى تقاربها في المعنى أو ترادفها من غير مضادة و لا تناقض.
و يفهم من الحديث أن ما فعله عثمان هو نسخ صحف أبي بكر مع إعادة رسم الكتابة و جعلها حسب لغة قريش ، و أهمل الجمع الأخير من الأحرف السبعة ما تعارض مع الرسم العثماني ، و ليس في ذلك إهمال لنص القرآن ، بل عاد الصحابة للأصل الأول و هو لسان قريش بعد أن زال سبب التخفيف و الرخصة التي أنزل الله من أجلها بقية الأحرف، و الذي دعا الصحابة لهذا الصنيع خوفهم من تفرق الأمة و اختلافها بسبب هذه الرخصة التي فات محلها ، و التي وقع الناس لجهلهم بحكمتها في المراء الذي حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم منه.
و قد كان فعل عثمان رضي الله عنه بإجماع الصحابة يقول علي رضي الله عنه : " لا تقولوا في عثمان إلا خيراً ، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا " .
و قد امتثلت الأمة طائعة لأمر خليفتها، فأحرقوا ما في أيديهم من الصحف والمصاحف التي كانت قد كتبت قبل العرضة الأخيرة ففيها ما نسخت تلاوته ،كما فيها بعض الأجزاء الناقصة التي يخشى أن يظن بعد برهة بأنها هي الصحيح فقط .(2/235)
و امتثال الصحابة و فعلهم إقرار لعثمان على صحة ما فعله، و دليل على أن ما فعله عثمان هو إعادة نسخ مصحف أبي بكر ، و لو كان في فعله شائبة لثاروا عليه ، كما ثار عليه البعض حين ولى بعض أقاربه ، و من المعلوم أن عثمان لم يأمر عماله بمتابعة الناس في بيوتهم و معرفة من أحرق و من لم يحرق ، فقد فعل المسلمون ذلك بمحض إرادتهم .
و ما أثبته عثمان في مصحفه هو العرضة الأخيرة كما أثبتها مصحف أبي بكر ، لذا اسقط منه كل منسوخ تلاوة ، و مما يدل على دقة عثمان في جمعه أن عبد الله بن الزبير يقول:" قلت لعثمان { و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج } قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها ؟ أو تدعها ؟ قال: يا ابن أخي لا أغير شيئاً منه عن مكانه" فلم يرفع عثمان الآية و هي منسوخة بآية سورة البقرة رقم: 234.
حول إدعاءات تحريف القرآن الكريم
أولا: فيض الرحمن في الرد علي من ادعي أن الفاتحة قد تم تحريفها بواسطة عبد الملك بن مروان
عن الزهرِي أنه بلغه ((( و أكرر ))) - بلغه- أن النبي وأَبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد كانوا يقرؤون مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الزهري: وأول من أحدث: مَلِكِ هو مروان
و للرد نقول:
1-إن صيغة الحديث كافية فى رد هذا الكلام حيث لم يذكره الزهرى مسندا بل كل ما فى الأمر أنه بلغه كذا وكذا .
2- قال ابن كثير معلقا علي ما قاله الزهري: مروان عنده علم بصحة ما قرأه، لم يطلع عليه ابن شهاب أي أن الذي قاله الزهري خطأ و قوله ليس مسندا و السؤال الان ما دليل ما قاله ابن كثير؟؟
3- وردت الروايات أيضا عند من أخرج خبر الزهري بأن النبي كان يقرأ: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ بدون ألف عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ قِرَاءةَ رَسُولِ اللهِ: بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ،يقطِّع قراءته آيةً آيَةً وعنها أيضا أنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَطِّعُ قِرَاءتَهُ، يَقُولُ: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، ثُمَّ يَقِفُ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، ثُمَّ يَقِفُ، وَكَانَ يَقْرَؤُهَا: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ
4- أن المصاحف العثمانية اتفقت جميعها على رسم ( ملك ) هكذا دون ألف، وهذا الرسم محتمل للقراءتين بالمد والقصر جميعًا .
ثانيا:- فيض الرب في الرد على من ادعى أن هناك سورتين زائدتين في مصحف أبي بن
كعب :
1- عن الأعمش أنه قال: في قراءة أُبَيِّ بن كعبٍ: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك. إن عذابك بالكفار ملحِق
2- عن ابن سيرين قال: كتب أُبَيُّ بن كعبٍ في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين، واللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد، وتركهن ابن مسعودٍ، وكتب عثمان منهن فاتحة الكتاب والمعوذتين وعن أُبَيِّ بن كعبٍ أنه كان يقنت بالسورتين، فذكرهما، وأنه كان يكتبهما في مصحفه
3- عن عبد الرحمن بن أبزى أنه قال: في مصحف ابن عباس قراءةُ أُبَيِّ بن كعبٍ وأبي موسى: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك الخير ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. وفيه: اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفِد. نخشى عذابك ونرجو رحمتك . إن عذابك بالكفار ملحِق
4- كما ورد أن بعض الصحابة كان يقنت بِهاتين السورتين: عن عمر بن الخطاب أنه قنت بعد الركوع، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك. إن عذابك الجد بالكافرين ملحِق
و للرد علي هؤلاء نقول :
1- لم تثبت صحة أى من هذه الروايات ولنضرب المثال فقط لا أكثر الرواية الأولي من كتاب
غريب الحديث و الأثر لابن الاثيرفكالعادة النصاري لا يعرفون أي حديث يؤخذ به ....أو لا يعرفون في علم الحديث أصلا
2-ولو ثيتت صحة هذا الأثر فهل القنوت من القرآن ؟
3- كان الصحابة يثبتون في مصاحفهم ما ليس بقرآن من التأويل والمعاني والأدعية، اعتمادًا على أنه لا يُشكل عليهم أنَّها ليست بقرآن و هذا ما فعله أبي بن كعب .
4- بعض هذا الدعاء كان قرآنًا منَزلاً، ثم نُسخ، وأُبيح الدعاء به، وخُلط به ما ليس بقرآنٍ، فكان إثبات أُبَيٍّ لهذا من باب الدعاء
5- نقل عن أبي بن كعب قراءته التي رواها نافع وابن كثير وأبو عمرو، وغيرهم، وليس فيها سورتا الحفد والخلع -كما هو معلوم
6- كما أن مصحفه كان موافقًا لمصحف الجماعة
قال أبو الحسن الأشعري: قد رأيت مصحف أنسٍ بالبصرة، عند قومٍ من ولدِه، فوجدتُه مساويًا لمصحف الجماعة، وكان ولد أنسٍ يروي أنه خطُّ أنسٍ وإملاء أُبَي بن كعب
ثالثا:- فيض المعبود في الرد على شبهة مصحف ابن مسعود :
في مسند الإمام أحمد وهو )) عن زر بن حبيش قال قلت لأبي بن كعب إن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه فقال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن جبريل عليه السلام قال له قل أعوذ برب الفلق فقلتها فقال قل أعوذ برب الناس فقلتها فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم ))
وقد روي الطبراني في الأوسط ان ابن مسعود قال مثل قول أبي أي ان ابن مسعود أثبت كونهما من القرآن !!!
و هنا ثار أحدهم فقال بل إن القائل في حديث الطبراني هو ابي بن كعب و حدث (( اقلاب )) عند الراوي و استدل بما قاله الحافظ في الفتح حين قال (( و ربما يكون القائل هو أبي و حدث انقلاب عند الراوي ))
والجواب :(2/236)
- أن ابن حجر يقول هذا من وجهة نظر الجمع بين الحديثين و لم يؤكد ابن حجر القول بأن الحديث انقلب علي راويه بل قال (( لعل )) و نص قول ابن حجر ((ووقع في الاوسط ان ابن مسعود ايضا قال مثل ذلك و المشهور انه من قول ابي فربما يكون انقلاب من الراوي ))
فاستخدم أهل الجهل كلمة ربما علي انها تأكيد !!!!
- كل الاحاديث في هذه القصة هي عن زر بن حبيش و كلها علي لسانه أي لم يرد فيها تصريح بقول من ابن مسعود .
مثال : لا يوجد حديث واحد مثلا يقول عن زر عن ابن مسعود انه قال : ان المعوذتين ......
- فى مسند الامام احمد: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبدة وعاصم عن زر قال قلت لأبي إن أخاك يحكهما من المصحف فلم ينكرقيل : ابن مسعود قال نعم وليسا في مصحف ابن مسعود كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرؤهما في شيء من صلاته فظن أنهما رقية وأصر على ظنه وتحقق الباقون كونهما من القرآن فأودعوهما إياه وهذا الحديث هو تفسير من زر و سفيان ان ابن مسعود ((( ظن ))) انهما ليستا قرآناولماذا ظن؟؟ لانه لم يسمع النبي يقرأ بهما في الصلاة
وجميع هذه الاحاديث هي كما ذكرنا من طريق زر بن حبيش و زر كان كثيرا يسأل ابن مسعود في المسألة فلا يفهم منه فيعود الي أبي بن كعب فيسأله إما لزيادة في الفهم أو التأكد ومثال ذلك من مسند الامام احمد ايضا :حديث ليلة القدر
إذن فهذه الأحاديث الواردة في ذكر المعوذتين كلها استنتاج من زر لذا فإن :النووي في شرح المهذب وابن حزم في المحلي و فخر الرازي في أوائل تفسيره و الباقلاني قد اجمعوا علي ان هذه الاحاديث (( اي أحاديث مسند الأمام أحمد)) شاذة ((في المتن أقصد و ليس السند طبعا ))
و اليكم دليلهم :
1- في أسانيد القراءات العشر قراءات تدور علي عبد الله بن مسعود و لم نجد في هذه القراءات إنكارا للمعوذتين و أصحاب هذه القراءات هم : قراءة ابي عمرو البصري وعاصم بن ابي النجود وحمزة بن حبيب الزيات وعلي بن حمزة الكسائي ويعقوب بن اسحاق الحضرمي وخلف بن هشام البزار فان أحدهم لم ينكر المعوذتين رغم أن كلهم أخذوا عن عبد الله بن مسعود !!! (( النشر في القراءات العشر ))
2- ليس لدينا حديث واحد صريح يقول فيه ابن مسعود أنه ينكر فيه المعوذتين
3- ابن مسعود لم يحفظ القرآن كاملا و قيل تعلمه بعد وفاة النبي و قيل مات و لم يختمه وهذا قول القرطبي أي ان ابن مسعود كان قارئا ولم يكن حافظا مثل زيد بن ثابت لذلك يكون الأخذ عن ابن مسعود في القراءة و ليس في الحفظ فان كان ابن مسعود أخذ من فم رسول الله 70 سورة فان زيدا أخذ القرآن كله منه صلي الله عليه و سلم فعدم وجودها فى مصحفه إن صح ذلك ليس لأنه ينكرها بل لأنها لم تكن من السبعين سورة التى أخذها من فم النبى -صلى الله عليه وسلم-
4- مصحف ابن مسعود لم يكن مصحفا جامعا و إنما كتب فيه بعض السور و لم يكتب أخري و مثال ذلك عدم كتابته للفاتحة
5- مصحف ابن مسعود كان مصحفا خاصا به و كان يكتب فيه ما سمعه من النبي في الصلاة فقط و الدليل علي ذلك :
أ- ترتيب السور في مصحفه البقرة ثم النساء ثم آل عمران و ذلك لأن النبي صلي بهم في قيام الليل بهذا الترتيب
ب- عدم كتابة ابن مسعود للفاتحة أكبر دليل علي هذا فقد قال لما سئل لماذا لا تكتب الفاتحة؟ قال لو شئت ان أكتبها لكتبتها في أول كل سورة و هو ما يثبت أن ابن مسعود كان يكتب ما سمعه من الرسول فقط في الصلاة
6- ومما يثبت ضعف هذه الروايات قول الراوي (( و كان يحكهما من مصاحفه)) فما هي مصاحف ابن مسعود؟؟ هل كتب رضي الله عنه اكثر من مصحف؟؟ واذا كان هو الذي كتبهم فلماذا يحك ما كتبه؟؟ أو بالأحري لماذا يكتب ما يحك؟؟
8- لماذا لم ينتشر انكار ابن مسعود علي عثمان أو زيد رضي الله عنهم في ذلك؟ و لم نسمع أحدا من الصحابة ينكر عليه أو أنه ينكر علي أحد من الصحابة؟؟
أما من ذهب لتصحيح هذه الأحاديث(( و كان يحكهما من مصاحفه)) فأجاب بقوله :
1- أن المقصود بالمعوذتين هواللفظ أي أن المكتوب مثلا كان المعوذتين : قل أعوذ برب الفلق..... فكان ابن مسعود يأمر بحك اللفظ و ليس حك السورة نفسها و الدليل علي ذلك :
روي ابن أبي داود عن أبي جمرة قال أتيت ابراهيم بمصحف لي مكتوب فيه : سورة كذا و كذا و سورة كذا كذا آية , فقال ابراهيم امح هذا
فإن ابن مسعود كان يكره هذا و يقول لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه
(( و هو نفس لفظ ابن مسعود (( ان صح )) في المعوذتين )) فذهبوا إلى أن قصده رضي الله عنه كان حك الاسم وليس حك السورة خصوصا أنه لم يرد التصريح أبدا في أي حديث بقوله (( قل أعوذ برب الفلق أو قل أعوذ برب الناس ليستا من القرآن )) ذهب صاحب مناهل العرفان إلى أن ابن مسعود رآها مكتوبة في غير موضعها أو مكتوبة خطأ فأمر بحكها أي فساد تأليف أو فساد نظم.... ((مناهل العرفان ))
و ذهب الرازي أنه أنكر ثم تواتر عنده ذلك فأثبتها........((تفسير الرازي))
الخلاصة أنه ليس هناك دليل واحد علي إنكار ابن مسعود للفاتحة أو المعوذتين سواء عند البخاري أو غيره و كل هذه الأدلة هي تدل علي أحد أمرين
1- إما شذوذ متن الحديث و هذا في حديث مسند الإمام أحمد
2- إما شذوذ تأويله
و أما حديث البخاري فقد ورد لفظه مبهما و لا يفسر حديث البخاري أحاديث شاذة المتن أو لا يفسرها حديث بتأويل شاذ
و بذلك تكون حجتهم واهية
رابعا:- سورة الولاية أو النورين :(2/237)
هذه السورة لا يملك صاحبها غير مجرد الدعوى أنها من القرآن الكريم ، ولايقدر أن يذكر ذلك بإسناد واحد ولو كان ضعيفاً ، نكرر : لا يقدر أن يذكر ذلك باسناد واحد ولو كان ضعيفاً ، وإنما افتراها مفتر ٍفنسبها إلى أنها مما أسقطه الصحابة من القرآن ، فتبعه أصحاب الضلالة من بعده من أشياعه على كذبه وإفكه لأنهم حسبوا فيه نصر ما ينتمون إليه .
وإلا فهل يستطيعون أن يأتوا بإسناد واحد لهذه النصوص المسماه بسورة الولاية ؟؟ ومن المعروف أن شروط قبول القراءة ثلاثة
1- التواتر 2- موافقة الرسم العثمانى 3- موافقة وجه من وجوه النحو
خامسا:- حديث الداجن :
عن عائشة قالت : لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها.
الحديث رواه الإمام ابن ماجه 1/625 والدارقطني: 4/179 وأبو يعلى في مسنده 8/64 والطبراني في معجمه الأوسط 8/12 وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث، وأصله في الصحيحين، وأورده ابن حزم في المحلى 11/236 وقال هذا حديث صحيح.
ولبيان هذا الحديث وتوضيحه نقول: إن التشريع الإسلامي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مر بمراحل عدة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك وقوع النسخ لبعض الأحكام والآيات، والنسخ عرفه العلماء بأنه: رفع الشارع حكماً منه متقدماً بحكم منه متأخر.
والقرآن الكريم رد على هؤلاء وأمثالهم في شأن النسخ رداً صريحاً، لا يقبل نوعاً من أنواع التأويل السائغ لغة وعقلاً، وذلك في قوله تعالى : (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير)[البقرة:106] فبين سبحانه أن مسألة النسخ ناشئة عن مداواة وعلاج مشاكل الناس، لدفع المفاسد عنهم وجلب المصالح لهم، لذلك قال تعالى: (نأت بخير منها أو مثلها) ثم عقب فقال: (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير*ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) والنسخ ثلاثة أقسام:
الأول: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ومثاله آية الرجم وهي(الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة..) فهذا مما نسخ لفظه، وبقي حكمه.
الثاني: نسخ الحكم والتلاوة معاً: ومثاله قول عائشة رضي الله عنها: (كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس معلومات يحرمن) فالجملة الأولى منسوخة في التلاوة والحكم، أما الجملة الثانية فهي منسوخة في التلاوة فقط، وحكمها باق عند الشافعية.
وقولها رضي الله عنها: (ولقد كان………..) أي ذلك القرآن بعد أن نسخ تلاوة (في صحيفة تحت سريري) والداجن: الشاة يعلفها الناس من منازلهم، وقد يقع على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيرها.
قال ابن حزم رحمه الله تعالى: (فصح نسخ لفظها، وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها كما قالت عائشة رضي الله عنها فأكلها الداجن، ولا حاجة إليها.. إلى أن قال: وبرهان هذا أنهم قد حفظوها، فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم وبالله التوفيق.)
وقال ابن قتيبة:
(فإن كان العجب من الصحيفة فإن الصحف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى ما كتب به القرآن، لأنهم كانوا يكتبونه في الجريد والحجارة والخزف وأشباه هذا.
وإن كان العجب من وضعه تحت السرير فإن القوم لم يكونوا ملوكاً فتكون لهم الخزائن والأقفال والصناديق، وكانوا إذا أرادوا إحراز شيء أو صونه وضعوه تحت السرير ليأمنوا عليه من الوطء وعبث الصبي والبهيمة، وكيف يحرز من لم يكن في منزله حرز ولا قفل ولا خزانة، إلا بما يمكنه ويبلغه وجده، ومع النبوة التقلل والبذاذة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويصلح خفه، ويقول: "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد"
وإن كان العجب من الشاة فإن الشاة أفضل الأنعام، فما يعجب من أكل الشاة تلك الصحيفة، وهذا الفأر شر حشرات الأرض، يقرض المصاحف ويبول عليها، ولو كانت النار أحرقت الصحيفة أو ذهب بها المنافقون كان العجب منهم أقل.
وقد أجاب أهل العلم عن هذا الحديث بأجوبة أبسط من هذا يرجع فيها إلى أقوالهم لمن أراد المزيد، وصدق الله تعالى إذ يقول: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذي يستنبطونه منهم)[النساء:83] فلله الحمد والمنة، فنحن على يقين أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسول صلى الله عليه وسلم، وأنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ كما أمر، قال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)[المائدة:67]
وقال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)[الحجر:9] فصح أن الآيات التي ذهبت لو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغها لبلغها، ولو بلغها لحفظت، ولو حفظت ما ضرها موته، كما لم يضر موته عليه السلام كل ما بلغ من القرآن، وإن كان عليه السلام لم يبلغ أو بلغه ولكن لم يأمر أن يكتب في القرآن فهو منسوخ بتبيين من الله تعالى، لا يحل أن يضاف إلى القرآن.
ساسا:- إدعاء أن الحجاج زاد فى القرءان
و أما الحجاج فقد اقتصر فعله على وضع النقط، و لم يصنع سوى ذلك ، و لو صنع باطلاً لشنع عليه أعداؤه في عهد بني أمية ثم بنو العباس ، و لكان فعله من الأمور التي يستمسك بها أعداء دولته ، لكن شيئاً من ذلك لم يكن .و الحجاج لم يباشر بنفسه كتابة المصحف ، بل أمره بعض الحاذقين بذلك ، وإليك القصة كاملة :(2/238)
قال الزرقاني :والمعروف أن المصحف العثماني لم يكن منقوطاً … وسواء أكان هذا أم ذاك فإن إعجام – أي : تنقيط - المصاحف لم يحدث على المشهور إلا في عهد عبد الملك بن مروان ، إذ رأى أن رقعة الإسلام قد اتسعت واختلط العرب بالعجم وكادت العجمة تمس سلامة اللغة وبدأ اللبس والإشكال في قراءة المصاحف يلح بالناس حتى ليشق على السواد منهم أن يهتدوا إلى التمييز بين حروف المصحف وكلماته وهي غير معجمة ، هنالك رأى بثاقب نظره أن يتقدم للإنقاذ فأمر الحجاج أن يُعنى بهذا الأمر الجلل ، وندب " الحجاج " طاعة لأمير المؤمنين رجلين يعالجان هذا المشكل هما : نصر بن عاصم الليثي ، ويحيى بن يعمر ، وكلاهما كفء قدير على ما ندب له ، إذ جمعا بين العلم والعمل والصلاح والورع والخبرة بأصول اللغة ووجوه قراءة القرآن ، وقد اشتركا أيضاً في التلمذة والأخذ عن أبي الأسود الدؤلي، ويرحم الله هذين الشيخين فقد نجحا في هذه المحاولة وأعجما المصحف الشريف لأول مرة ونقطا جميع حروفه المتشابهة ، والتزما ألا تزيد النقط في أي حرف على ثلاث ، وشاع ذلك في الناس بعدُ فكان له أثره العظيم في إزالة الإشكال واللبس عن المصحف الشريف .
وقيل : إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي ، وإن ابن سيرين كان له مصحف منقوط نقطه يحيى بن يعمر ، ويمكن التوفيق بين هذه الأقوال بأن أبا الأسود أول من نقط المصحف ولكن بصفة فردية ، ثم تبعه ابن سيرين ، وأن عبد الملك أول من نقط المصحف ، ولكن بصفة رسميَّة عامَّة ذاعت وشاعت بين الناس دفعاً للبس ، والإشكال عنهم في قراءة القرآن .
" مناهل العرفان " ( 1 / 280 ، 281 ) .
- وأما ما جاء في كتاب " المصاحف " لابن أبي داود : فإليك الرواية فيه والحكم عليها :
عن عبَّاد بن صهيب عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفاً ، قال : كانت في البقرة : 259 { لم يتسن وانظر } بغير هاء ، فغيرها " لَم يَتَسَنه " .
وكانت في المائدة : 48 { شريعة ومنهاجاً } ، فغيّرها " شِرعَةً وَمِنهاجَاً " وكانت في يونس : 22 { هو الذي ينشركم } ، فغيَّرها " يُسَيّرُكُم " . وكانت في يوسف : 45 { أنا آتيكم بتأويله } ، فغيَّرها " أنا أُنَبِئُكُم بِتَأوِيلِهِ وكانت في الزخرف : 32 { نحن قسمنا بينهم معايشهم } ، فغيّرها " مَعِيشَتَهُم " .
وكانت في التكوير : 24 { وما هو على الغيب بظنين } ، فغيّرها { بِضَنينٍ }… الخ ..
كتاب " المصاحف " للسجستاني ( ص 49 ) .
وهذه الرواية ضعيفة جدّاً أو موضوعة ؛ إذ فيها " عبَّاد بن صهيب " وهو متروك الحديث .
قال علي بن المديني : ذهب حديثه ، وقال البخاري والنسائي وغيرهما : متروك ، وقال ابن حبان : كان قدريّاً داعيةً ، ومع ذلك يروي أشياء إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة شهد لها بالوضع ، وقال الذهبي : أحد المتروكين . انظر " ميزان الاعتدال " للذهبي ( 4 / 28 ) .
ومتن الرواية منكر باطل ، إذ لا يعقل أن يغيِّر شيئاً من القرآن فيمشي هذا التغيير على نسخ العالم كله ، بل إن بعض من يرى أن القرآن ناقص غير كامل من غير المسلمين كالرافضة - الشيعة – أنكرها ونقد متنها :
قال الخوئي – وهو من الرافضة : هذه الدعوى تشبه هذيان المحمومين وخرافات المجانين والأطفال ، فإنّ الحجّاج واحدٌ من ولاة بني أُمية ، وهو أقصر باعاً وأصغر قدراً من أن ينال القرآن بشيءٍ ، بل هو أعجز من أن يغيّر شيئاً من الفروع الإسلامية ، فكيف يغير ما هو أساس الدين وقوام الشريعة ؟! ومن أين له القدرة والنفوذ في جميع ممالك الإسلام وغيرها مع انتشار القرآن فيها ؟ وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه ، ولا ناقد في نقده مع ما فيه من الأهمية ، وكثرة الدواعي إلى نقله ؟ وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته ؟ وكيف أغضى المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج وانتهاء سلطته ؟ وهب أنّه تمكّن من جمع نسخ المصاحف جميعها، ولم تشذّ عن قدرته نسخةٌ واحدةٌ من أقطار المسلمين المتباعدة ، فهل تمكّن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب حفظة القرآن وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلاّ الله .البيان في تفسير القرآن(ص 219).
وأما ما قيل عن الإمام السجستاني من أنه ألَّف كتاباً اسمه " ما غيَّره الحجاج في مصحف عثمان " : فغير صحيح بل كذب ظاهر ، وكل ما هنالك أن الإمام السجستاني ترجم للرواية سالفة الذكر عن الحجاج بقوله : ( باب ما كتب الحجَّاج بن يوسف في المصحف ) .
وعلى هذا فإنه لا يمكن أن يعتمد على هذا الرواية بحال من الأحوال ، ويكفي في تكذيبها أنه لم يثبت حتى الآن أن أحداً نجح في محاولة لتغيير حرف واحد ، فلو كان ما روي صحيحاً لأمكن تكراره خاصة في عصور ضعف المسلمين وشدة الكيد من أعدائهم ، بل مثل هذه الشبهات التي تثار هي أحد الأدلة على بطلان هذه الدعاوى ، وأن الأعداء قد عجزوا عن مقارعة حجج القرآن وبيانه فلجؤوا للطعن فيه والله أعلم.
وقد صدق وليم موير حين قال مافند دعاوي النصارى في كتابه " حياة محمد "، فقال :" إن نظم القرآن ومحتوياته تنطق في قوة بدقة جمعه ، فقد ضمت الأجزاء المختلفة بعضها إلى بعض ببساطة تامة ، لا تعسف فيها ولا تكلف ولا أثر لأحد في هذا الجمع سوى التأكد والمراجعة لكل ما كتب ، وهو يشهد بإيمان الجامع وإخلاصه لما يجمع ، فهو لم يجرؤ على أكثر من تناول هذه الآيات المقدسة ووضع بعضها إلى جانب بعض " .
(( نقلا عن موقع الإسلام سؤال وجواب)) +(( ما كتبه الدكتور. عبد الله الفقيه شبكة بن مريم الإسلامية ))
الشبهة الرابعة :
حول ما ظاهره التعارض فى القرءان الكريم
من التناقضات التي تخيلها النصارى في آيات القرآن الكريم(2/239)
1- التناقض بين قوله تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } فهو يثبت النسخ في القرآن، و يرونه مناقضاً لقوله تعالى { و اتل ما أوحي إليك من ربك لا مبدل لكلماته } و لا تناقض فالآية الأولى تتحدث عن نسخ الله بعض الأحكام وفقاً لمصلحة العباد ، فيما تذكر الثانية أن أحداً غير الله لا يستطيع أن يبدل كلماته .
2- توهم النصارى تناقضاً في قوله تعالى { في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون } وبين قوله تعالى { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } وقالوا: اختلفت الآيتان في مقدار يوم القيامة. لكن العلماء لا يرونه تناقضاً
أ- لأن العدد لا مفهوم له في النصين ، بل يراد منه الكثرة كما يقول الرجل: أرسلت خمسين رسالة ، و أتيتك عشرين مرة . و مراده الكثرة .
ب- أو يكون المراد فى الأولى يوم وفى الثانية يوم ءاخر فإحداهما تتحدث عن مقدار اليوم الذى يصعد فيه جبريل من السماء إلى الأرض والأخرى تتحدث عن طول يوم القيامة فأما قوله (يدبر الأمرمن السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة) وذلك أن جبرائيل كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم ويصعد إلى السماء في يوم كان مقداره ألف سنة وذلك أنه من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام فهبوط خمسمائة وصعود خمسمائة عام فذلك ألف سنة وأما قوله (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا) ذلك أن وقت وقوع العذاب للكافرين يوم القيامة تعرج الملائكة وجبرائيل عليه السلام في ذاك اليوم الذي سيكون مقداره خمسين الف سنة , فأين هو التناقض ؟؟!!!
ج- أو المراد أن طول يوم القيامة يختلف من إنسان لأخر فمنهم من يكون عليه كألف سنة ومنهم من يكون عليه بمقدار خمسين ألف سنة وممنهم من يكون عليه كصلاة ظهر أو عصر
د- أو أن الأيام عند الله مختلفة فيوم القيامة يوم مخصوص وهذا مقداره خمسين ألف سنة من أيام الدنيا كما قال تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين آلف سنة}، وأما سائر الأيام عند الله فكل يوم طوله ألف سنة من أيام هذه الدنيا، كما قال تعالى: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون}. ومعلوم أن الأيام على الكواكب تختلف بحسب حجمها وحركتها، فماذا يمنع أن يكون يوم القيامة أطول من سائر الأيام.
3- كذا توهم النصارى تناقضاً في قوله تعالى { لا أقسم بهذا البلد } ، فرأوه مناقضاً لإقسامه به في قوله تعالى { و هذا البلد الأمين } فظنوا أن لا في الآية الأولى نافية ، و هي للتوكيد ، فتأتي في القسم كما في قوله { فلا وربك لا يؤمنون } أي أقسم بربك .
4- رأى النصارى أيضاً أن ثمة تناقضاً في مفهوم القضاء و القدر في القرآن الكريم فقد جاءت آيات تتحدث عن مسئولية الإنسان عن عمله ، و يرونه مناقضاً للنصوص التي تقرر هيمنة الله على هذا الكون { فيضل الله من يشاء و يهدي من يشاء } و قوله تعالى { و لقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن و الإنس } فأبان الجزيري عن معتقد المسلمين في القدر ، و يتلخص في أن الإنسان لا يؤاخذ و لا يعاقب إلا بكسبه ، و لكن أعمال الإنسان الخيرة و الشريرة مخلوقة لله يفعلها الإنسان باختياره ، و لولا خلق الله لها لما استطعنا فعلها.
و يرى الجزيري أن قوله { فيضل من يشاء } لا علاقة له بأفعال العباد ، بل هو في باب الإخبار في أن الله قادر على أن يضل أو يهدي من يشاء بإرسال الرسل أو ترك البشرية على ضلالتها ، لكنه برحمته أرسل الرسل.
و نقل قولاً آخر يفسر الآية و هو أن الله يخلق الهداية للعبد الذي أرادها و سعى إليها ،كما يخلق الضلال لمن أراد العماية و الغواية.
و أما ما جاء عن ختم الله على قلوب العصاة و الكفرة { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم و على سمعهم } فليس معناه أنهم ولدوا كذلك و قد ختم الله على قلوبهم، بل هذا حصل لهم بمقتضى أعمالهم
و يقرر الجزيري أن مثل هذا اللبس يمكن أن يطرح على النصارى ، فبينما جاءت نصوص تقرر مسئولية الإنسان عن عمله كما في (متى 12/ 336-37، 16/ 25) ، و غيرها جاء ما يفيد بأن الله يضل من يشاء، ففي سفر حزقيال " النبي إذا ضل و تكلم بكلام ، فأنا الرب أضللت ذلك النبي " (حزقيال 14/9) ، و قد أضل الله فرعون فقال: " إني أقسي قلب فرعون " (الخروج 7/3) ، و يقول بولس عن الله " هو يرحم من يشاء و يقسي من يشاء …" (رومية 9/18-22).
و في سفر إشعيا أن الله "مصور النور خالق الظلمة و صانع السلام و خالق الشر . أنا الرب صانع كل هذه " (إشعيا 45/7) فهو خالق الشر بما فيه الكفر الذي يقع فيه الناس فكيف يوفقون بين هذه النصوص؟
5- قالوا كيف يمكن القول بأن عيسى لم يمت في الوقت الذي يؤكد فيه القرآن وفاته في سورة آل عمران ؟
الجواب :
لم يرد في القرآن الكريم نص يدل على موت عيسى عليه السلام الموتة النهائية ، وإنَّما الذي ورد لفظ الوفاة والتوفي ، وهذه ألفاظ لا ينحصر معناها في الموت ، بل تحتمل معاني أخرى منها :(2/240)
استيفاء المدة ، وعيسى عليه السلام قد استوفى مدة مكثه الأول في الأرض ، ومنه قوله تعالى: (( إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِليَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذِّينَ كَفَرُوا )) أي : آخذك وافيًا بروحك وبدنك وقد نقل هذا المعنى ابن جرير في تفسيره عن جماعة السلف ، واختاره ورجحه على ما سواه ، وعليه يكون معنى الآية : إني قابضك من عالم الأرض إلى عالم السماء وأنت حي ورافعك إلي ، ومن هذا المعنى قول العرب : توفيت مالي من فلان أي قبضته كله وافياً . وجاء في محاسن التأويل : 4 / 851 : ( إني متوفيك ) ، أي مستوف مدة إقامتك بين قومك ، والتوفي كما يطلق على الإماتة كذلك يطلق على استيفاء الشىء - كما في كتب اللغة - ولو ادعى أن التوفي حقيقة في الأول ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، فنقول : لا مانع من تشبيه سلب تصرفه عليه السلام بأتباعه وانتهاء مدته المقدرة بينهم بسلب الحياة ، وهذا الوجه ظاهر جداً وقد دلت القرآئن من الأحاديث الصحيحة على ذلك .
وقد جزم القرآن الكريم بأن عيسى عليه السلام لم يقتل كما زعم النصارى ، بل رفعه الله تعالى إليه ، قال تعالى : ((... وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ، بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ ...)).
وأمَّا الآية التي في سورة مريم فهي قوله تعالى : (( وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَومَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا )) لا تدل على وفاته، بل الآية ذكرت ثلاثة أيام يوم ولادته ويوم وفاته ، ويوم يبعث يوم القيامة. فمر منها يوم وبقي يومان ، هما يوم وفاته بعد نزوله إلى الأرض ، ويوم يبعث بعد الوفاة، والقول الصحيح أن عيسى عليه السلام رفع إلى السماء حيّاً وسينزل حياً إلى الأرض. ((نقلا عن موقع المسيحية فى الميزان))
6- - عدد أيام خلق السموات والأرض :
لا تناقض في القرآن حول عدد أيام خلق السماوات والأرض .
وهذا السؤال يتعلق بقوله تعالى: { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين، فسواهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها..}.
نعم بجمع هذه الأيام دون فهم وعلم يكون المجموع ثمانية وقد ذكر الله في مواضع كثيرة من القرآن أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام..
وما ظنه البعض تناقضا فليس بتناقض فإن الأربعة أيام الأولى هي حصيلة جمع اثنين واثنين.. فقد خلق الله الأرض خلقا أوليا في يومين ثم جعل فيها الرواسي وهي الجبال ووضع فيها بركتها من الماء، والزرع، وما ذخره فيها من الأرزاق في يومين آخرين فكانت أربعة أيام. فقول الله سبحانه وتعالى: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين}، هذه الأيام الأربعة هي حصيلة اليومين الأولين ويومين آخرين فيكون المجموع أربعة. وليست هذه الأربعة هي أربعة أيام مستقلة أخرى زيادة على اليومين الأولين.. ومن هنا جاء الخطأ عند السائل.. ثم إن الله خلق السماوات في يومين فيكون المجموع ستة أيام بجمع أربعة واثنين..
لا شك أن من ظن أن الرسول افترى هذا القرآن العظيم ثم وقع في مثل هذا الخطأ المزعوم فهو من أحط الناس عقلا وفهما. والحال أن السائل لا يفهم لغة العرب وأن عربيا فصيحا يمكن أن يقول : زرت أمريكا فتجولت في ولاية جورجيا في يومين، وأنهيت جولتي في ولاية فلوريدا في أربعة أيام ثم عدت إلى لندن.. لا شك أن هذا لم يمكث في أمريكا إلا أربعة أيام فقط وليس ستة أيام لأنه قوله: في يومين في أربعة أيام يعني يومين في جورجيا ويومين في فلوريدا..
ومثله هنا قوله تعالى: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام} أي بزيادة يومين عن اليومين الأولين.
7- إخبار الله سبحانه وتعالى عن نوح عليه السلام وابنه. ففي سورة الأنبياء :الآية 76 ذكر بها أن نوح وأهل بيته قد نجوا من الفيضان، ولكن سورة هود :الآيات 32 إلى 48) ذكر بها أن أحد أولاد نوح قد غرق ؟
والجواب :
إن الاستثناء أسلوب معروف في لغة العرب فيذكر المتكلم المستثنى منه على وجه العموم ثم يخرج منهم من أراد إخراجه. ويمكن أن يأتي الإستثناء منفصلا، ويمكن أن يأتي متصلا.. وفي سورة الأنبياء قال الله تعالى عن نوح: {ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم} وقد بين سبحانه وتعالى المراد بأهله في آيات أخرى وهو من آمن منهم فقط حيث أخبر سبحانه وتعالى في سورة هود أنه قال لنوح : { احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن، وما آمن معه إلا قليل}. فقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يحمل أهله معه إلا من سبق القول من الله بهلاكهم.. وقد كان قد سبق في علم الله أن يهلك ابنه مع الهالكين لأنه لم يكن مؤمنا.. ولم يكتب الله لأحد النجاة مع نوح إلا أهل الإيمان فقط، وابنه لم يكن مؤمنا.. وبالتالي فلا تناقض بين قوله تعالى في سورة الأنبياء إنه نجى نوحا وأهله، وبين ما جاء في سورة هود إنه أغرق ابن نوح لأن ابن نوح لم يكن من أهله، كما قال تعالى لنوح لما سأله عن ابنه {يا نوح إنه ليس من أهلك}. وبالتالي فلا تناقض بحمد الله في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.(2/241)
8- الآيات النازلة في شأن جبريل عليه السلام. ويقولون : هناك وجهات نظر متضاربة في إدعاء محمد النبوة. ففي سورة النجم (53 :6-15) ذكر بها أن الله نفسه أوحى إلى محمد. وسورة النحل (16: 102، 26: 192-194)، ذكر بها أن "روح القدس" نزلت إلى محمد. والسورة (15 :8) ذكر بها أن الملائكة (وهم أكثر من واحد) نزلوا إلى محمد. السورة (2: 97) ذكر بها أن الملاك جبريل (واحد فقط) لم يذكر في القرآن ولا في الأناجيل ما يقول أن "روح القدس" هي جبريل.
والجواب :
قوله سبحانه وتعالى في سورة النجم (53 :3-12) عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى} الآيات. فهذا وصف لجبريل الروح القدس الأمين الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بحراء، وجاءه بالوحي من ربه، ولقد رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورته التي خلقه الله عليه وله ستمائة جناح مرتين: واحدة في مكة في بدء الوحي وثانية عندما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء كما جاء ذلك في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين في الصحيحين (البخاري ومسلم) بالإسناد المتفق عليه. وجبريل المذكور في سورة النجم (53)، هو نفسه الذي ذكره الله في سورة النحل (14)، حيث يقول سبحانه وتعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين} (16: 102)، فقد سماه الله روحا لأنه ينزل بما يحيي موات القلوب وهو وحي الله إلى رسله ووصفه بروح (القدس) أي المقدس المنزه عن الكذب أو الغش فهو الذي قدسه الله ورفعه وأعلى من شأنه عليه السلام.
9- لا تناقض في إخبار الرب عن خلق الإنسان مرة من طين وأخرى من ماء وتارة من نطفة .
والجواب :
أن الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أنه بدأ خلق الإنسان بخلق أبي البشر آدم الذي خلقه من التراب، الذي أصبح طينا يعجنه بالماء، ثم حما مسنونا، أي طينا مخمرا، ثم سواه الله بأن خلقه بيديه سبحانه ثم أصبح آدم وهو في صورته الطينية صلصالا كالفخار، وهو الطين إذا يبس وجف، ثم نفخ الله فيه الروح فأصبح بشرا حيا، ثم أمر الملائكة بالسجود له بعد أصبح كذلك ثم خلق الله من أحد أضلاعه زوجته حواء (كما جاء ذلك في الحديث النبوي).. فهي أنثى مخلوقة من عظام زوجها..
والله يخلق ما يشاء مما يشاء كيف يشاء، ثم لما عصى آدم بأكله من الشجرة التي نهاه الله أن يأكل منها أهبطه الله إلى الأرض.
ثم جعل الله تناسل آدم من اجتماع ماء الرجل وماء المرأة، والعرب تسمي المني الذي يقذفه الرجل في رحم الأنثى ماءا، وسماه الله في القرآن {ماءا مهينا} وكل ذلك موجود في القرآن الكريم.
10- قول موسى (سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) الأعراف وقال السحرة (إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين) الشعراء وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين إلى قوله وأنا أول المسلمين) الأنعام قالوا فكيف قال موسى وأنا أول المؤمنين وقد كان قبله إبراهيم مؤمنا ويعقوب وإسحق فكيف جاز لموسى أن يقول وأنا أول المؤمنين وقالت السحرة أن كنا أول المؤمنين وكيف جاز للنبي أن يقول وأنا أول المسلمين وقد كان قبله مسلمون كثير مثل عيسى ومن تبعه فشكوا في القرآن وقالوا إنه متناقض
الجواب : وأما قول موسى (وأنا أول المؤمنين) فإنه حين قال (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني)الأعراف ولا يراني أحد في الدنيا إلا مات فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال (سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) الأعراف يعني أول المصدقين أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات، وأما قول السحرة (أن كنا أول المؤمنين) يعنى أول المصدقين بموسى من أهل مصر من القبط وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم (وأنا أول المسلمين) يعني من أهل مكة فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة .
11- سورة البقرة، آية 29: ( هو الذي خلق لكم مافي الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم )
سورة فصلت، آيات 9-12: ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين و أوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفضاً ذلك تقدير العزيز العليم )
سورة النازعات، آيات 27-30: ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها ) فسورة البقرة وسورة فصلت تذكران خلق الله للأرض أولا ثم السماء. بينما سورة النازعات تذكر خلق السماء أولا ثم الأرض .
الجواب :-
أولا : الدحي ليس معناها الخلق والتي ذكرها الله في آخر سورة النازعات الآية السابعة والعشرون ( والأرض بعد ذلك دحاها )
ثانيا : خلق الله الأرض في يومين ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحا الأرض ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والجمال والآكام وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله ( دحاها ) , فأين هذا التناقض المزعوم ؟؟؟(2/242)
12- ماذا تقولون في قوله تبارك وتعالى حكاية عن موسى (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين). وقال تعالى في موضع آخر (وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب) والثعبان الحية العظيمة الخلقة والجان الصغير من الحيات فكيف اختلف الوصفان والقصة واحدة وكيف يجوز أن تكون العصا في حالة واحدة بصفة ما عظم خلقه من الحيات وبصفة ما صغر منها وبأي شئ تزيلون التناقض عن هذا الكلام
الجواب :
أول ما نقوله ان الذي ظنه السائل من كون الآيتين خبرا عن قصة واحدة باطل بل الحالتان مختلفتان فالحال التي أخبرفيها أن العصا فيها بصفة الجان كانت في ابتداء النبوة وقبل مصير موسى إلى فرعون والحال التي صار العصا عليها ثعبانا كانت عند لقائه فرعون وإبلاغه الرسالة والتلاوة تدل على ذلك وإذا اختلفت القصتان فلا مسألة على أن قوما من المفسرين قد تعاطوا الجواب على هذا السؤال إما لظنهم أن القصة واحدة أو لاعتقادهم أن العصا الواحدة لا يجوز أن تنقلب في حالتين تارة إلى صفة الجان وتارة إلى صفة الثعبان أو على سبيل الاستظهار في الحجة فذكروا وجها تزول به الشبهة :-
أنه تعالى إنما شبهها بالثعبان في إحدى الآيتين لعظم خلقها وكبر جسمها وهول منظرها وشبهها في الآية الاخرى بالجان لسرعة حركتها ونشاطها وخفتها فاجتمع لها مع أنها في جسم الثعبان وكبر خلقه نشاط الجان وسرعة حركته وهذا أبهر في باب الإعجاز وأبلغ في خرق العادة ولا تناقض معه بين الآيتين. وليس يجب اذا شبهها بالثعبان أن يكون لها جميع صفات الثعبان واذا شبهها بالجان أن يكون لها جميع صفاته وقد قال الله تعالى (يطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير قوارير من فضة) ولم يرد تعالى أن الفضة قوارير على الحقيقة وانما وصفها بذلك لأنه اجتمع لها صفاء القوارير وشفوفها ورقتها مع أنها من فضة وقد تشبه العرب الشئ بغيره في بعض وجوهه فيشبهون المرأة بالظبية وبالبقرة ونحن نعلم أن في الظباء والبقر من الصفات مالا يستحسن أن يكون في النساء وإنما وقع التشبيه في صفة دون صفة ومن وجه دون آخر.
13- هل قوله تعالى (لا تبديل لكلمات الله ) يناقض قوله (وإذا بدلنا آية مكان آية..)
وقوله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) يناقض قوله ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب )
الجواب :
الصورة الأولى للتناقض الموهوم بين آية يونس:(لا تبديل لكلمات الله) وآية النحل (وإذا بدلنا آية مكان آية..) لا وجود لها إلا فى أوهامهم ويبدو أنهم يجهلون معنى التناقض تمامًا.
فالتناقض من أحكام العقل، ويكون بين أمرين كليين لا يجتمعان أبداً فى الوجود فى محل واحد، بل لا بد من وجود أحدهما وانتفاء الآخر، مثل الموت والحياة. فالإنسان يكون إما حيًّا وإما ميتا، ومحال أن يكون حيًّا و ميتاً فى آن واحد؛ لأن النقيضين لا يجتمعان فى محل واحد.
والعثور على التناقض بين الآيتين المشار إليهما محال محال ؛ لأن قوله تعالى فى سورة يونس (لا تبديل لكلمات الله) معناه لا تبديل لقضاء الله الذى يقضيه فى شئون الكائنات ، ويتسع معنى التبديل هنا ليشمل سنن الله وقوانينه الكونية. هذه هى كلمات الله عزّ وجلّ.
وقد عبر عنها القرآن فى مواضع أخرى ب.. السنن وهى القوانين التى تخضع لها جميع الكائنات ، الإنسان والحيوان والنبات والجمادات. إن كل شئ فى الوجود ، يجرى ويتفاعل وفق السنن الإلهية أو كلماته الكلية ، التى ليس فى مقدور قوة فى الوجود أن تغيرها أو تعطل مفعولها فى الكون.
ذلك هو المقصود ب " كلمات الله " ، التى لا نجد لها تبديلاً ، ولا نجد لها تحويلاً.
ومن هذه الكلمات أو القوانين والسنن الإلهية النافذة طوعاً أو كرهاً قوله تعالى: ( كل نفس ذائقة الموت ) . فهل فى مقدور أحد مهما كان أن يعطل هذه السنة الإلهية فيوقف " سيف المنايا " ويهب كل الأحياء خلوداً فى هذه الحياة الدنيا ؟
فكلمات الله إذن هى عبارة عن قضائه فى الكائنات وقوانينه المطردة فى الموجودات وسننه النافذة فى المخلوقات.
ولا تناقض فى العقل ولا فى النقل ولا فى الواقع المحسوس بين مدلول آية: (لا تبديل لكلمات الله) وآية: (وإذا بدلنا آية مكان آية..).
لأن معنى هذه الآية: إذا رفعنا آية ، أى وقفنا الحكم بها ، ووضعنا آية مكانها ، أى وضعنا الحكم بمضمونها مكان الحكم بمضون الأولى. قال جهلة المشركين: إنما أنت مفتِرٍ .
فلكل من الآيتين معنى فى محل غير معنى ومحل الأخرى.
فالآية فى سورة يونس (لا تبديل لكلمات الله) والآية فى سورة النحل: (وإذا بدلنا آية مكان آية..) لكل منهما مقام خاص ، ولكن هؤلاء الحقدة جعلوا الكلمات بمعنى الآيات ، أو جعلوا الآيات بمعنى الكلمات زوراً وبهتاناً ، ليوهموا الناس أن فى القرآن تناقضاً. وهيهات هيهات لما يتوهمون.
أما الآيتان (لا مبدل لكلماته) و(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) هاتان الآيتان بريئتان من التناقض براءة قرص الشمس من اللون الأسود فآية الكهف (لا مبدل لكلماته) معناها لا مغير لسننه وقوانينه فى الكائنات. وهذا هو ما عليه المحققون من أهل العلم ويؤيده الواقع المحسوس والعلم المدروس.
وحتى لو كان المراد من " كلماته " آياته المنزلة فى الكتاب العزيز " القرآن " فإنه ـ كذلك ـ لا مبدل لها من الخلق فهى باقية محفوظة كما أنزلها الله عز وجل ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .(2/243)
أما الآيتان الأخيرتان وهما آية الحجر: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وآية الرعد: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) فلا تعارض بينهما كذلك ؛ لأن الآية الأولى إخبار من الله بأنه حافظ للقرآن من التبديل والتحريف والتغيير ، ومن كل آفات الضياع وقد صدق إخباره تعالى ، فظل القرآن محفوظاً من كل ما يمسه مما مس كتب الرسل السابقين عليه فى الوجود الزمنى ، ومن أشهرها التوراة وملحقاتها. والإنجيل الذى أنزله الله على عيسى عليه السلام.
أما الآية الثانية: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) فهى إخبار من الله بأنه هو وحده المتصرف فى شئون العباد دون أن يحد من تصرفه أحد. فإرادته ماضية ، وقضاؤه نافذ ، يحيى ويميت ، يغنى ويفقر ، يُصحُّ ويُمْرِضُ ، يُسْعِد ويُشْقِى ، يعطى ويمنع ، لا راد لقضائه ، ولا معقب على حكمه (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ) .وقد قال البعض أن ذلك المحو والإثبات إنما يكون فى اللوح المحفوظ فالأولى فى القرءان والثانية فى اللوح المحفوظ ، فأين التناقض المزعوم بين هاتين الآيتين يا ترى ؟ التناقض كان سيكون لو ألغت آية معنى الأخرى. أما ومعنى الآيتين كل منهما يسير فى طريقٍ متوازٍ غير طريق الأخرى ، فإن القول بوجود تناقض بينهما ضرب من الخبل والهذيان المحموم ، ولكن ماذا نقول حينما يتكلم الحقد والحسد ، ويتوارى العقل وراء دياجير الجهالة الحاقدة ؟ نكتفى بهذا الرد الموجز المفحم ، على ما ورد فى الجدول المتقدم ذكره.
14- التعارض بين تحريم الخمر في الدنياوتحليلها في الآخرة
قال تعالى (( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَا جْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) سورة المائدة ءاية 90 هذا فى الدنيا أما فى الأخرة فقد قال سبحانه (( مَثَلُ الجَنَّةِ التِي وُعِدَ المُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ )) سورة محمد ءاية 15
الجواب :
الآية الأولى تتكلم عن الخمر في الدنيا والآية الثانية تتكلم عن الخمر في الآخرة والتناقض يكون بين نقيضين في آن ٍ واحد , كالماء والنار والليل والنهار
أما الخمر في هاتين الآيتين فليست كذلك لأنها ذكرت فى موضعين, موضع في الدنيا و موضع في الآخرة , فلا تناقض بين الآيتين إطلاقا . والخمر الحلال فى الأخرة لاتسكر ولاتصدع الدماغ وليست منتنة الطعم فانتفى عنها كل الصفات الخبيثة التى حرمت من أجلها فى الدنياكما قال تعالى(( لا يصدعون عنها ولا ينزفون وقال أيضا بيضاء لذة للشاربين ))
15 – كيف نجمع بين كون القرآن مبين و متشابه
قال تعالى (( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَالسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ )) سورة النحل ءاية 103
وقال تعالى (( هُوَ الذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَا بْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ ))
سورة آل عمران 3: 7
الجواب :
إن معنى كلمة مبين هو الواضح ، والوضوح ليس لكل الناس فعلماء التفسير وأهل اللغة لديهم علم بمعاني الآيات أكثر من غيرهم ، وهناك من هو أعلم منهم ، وهناك من هو أقل علما ، المهم أن هناك من الآيات ما هو متشابه لا يعلمه كثير من الناس . ولا ينفي هذا وضوح القرآن وسهولة لغته التي تتناسب مع كل من يقرؤها .
16- كيف هلك قوم ثمود ، وكيف هلك قوم عاد ؟؟؟
يقول القرآن إن ثمود أهلكتهم الطاغية (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (الحاقة:5) ثم يقول إن ثمود أخذتهم صاعقة العذاب (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (فصلت:17) ثم يؤكد أن ثمود هلكوا بصاعقة مثل عاد : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) (فصلت:13) فهل هلك قوم ثمود بالطاغية أم بالصاعقة ؟؟ وهل هلك قوم عاد بالصاعقة أم بالرياح الشديدة ؟؟؟ وهل هلك قوم عاد وقوم ثمود بنفس الطريقة أم بطريقتين مختلفتين ؟؟ أما عن قوم عاد فاختلف القرآن فيه كم يوما استغرق الله في هلاك قوم عاد هل استغرق الهلاك يوم نحس مستمر ؟؟؟ (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) (القمر:18) (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) (القمر:19)(2/244)
أم استغرق الامر أيام نحسات (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ) فصلت:15 (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) فصلت:16 أم استغرق الأمر سبع ليال وثمانية أيام (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) الحاقة : 6 (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) الحاقة : 7
الجواب :
أولا : قبل الإجابة على هذا الإختلافات المزعومة ,, يجب أن ننوه أن هذه الشبهة مبنيه على جهل تام باللغة العربية
يجب علينا أولا أن نوضح معنى كلمتي الطاغية والصاعقة .
معنى كلمة طاغية يقول القرطبى : فيه إضمار؛ أي بالفعلة الطاغية وقال قتادة: أي بالصيحة الطاغية؛ أي المجاوزة للحد
وقال مجاهد: بالذنوب. وقال الحسن: بالطغيان؛ فهي مصدر كالكاذبة والعاقبة. وقيل: إن الطاغية عاقر الناقة؛ قاله ابن زيد. أي أهلكوا بما أقدم عليه طاغيتهم من عقر الناقة، وكان واحدا، وإنما هلك الجميع لأنهم رضوا بفعله ومالؤوه. و قال الشوكانى : الطاغية الصيحة التي جاوزت الحد، وقيل بطغيانهم وكفرهم، وأصل الطغيان مجاوزة الحد . يعنى المعنى أن ثمود أهلكوا بالطاغية أى بسبب كفرهم المجاوز للحد . أما الصاعقة : فهي إسم للمبيد المهلك , أي العذاب المهلك
أما الصاعقة فقد جاء فى معجم لسان العرب : صَعِقَ الإِنسان صَعْقاً و صَعَقاً فهو صَعِقٌ غُشِيَ عليه وذهب عقله من صوت يسمعه كالهَدَّة الشديدة . وصَعِقَ صَعقَاً وصَعْقاً و صَعْقةً و تَصْعاقاً
فهو صَعِقٌ : ماتَ
معنى ذلك نستطيع ان نقول أن الآية ( فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود ) تعنى أنذرتكم عذابا مثل عذاب عاد وثمود وبذلك تكون صاعقة عاد هى العذاب والهلاك الذي حل بهم وهذا رد على قوله هل اصيبت عاد بالصاعقة ام بالرياح الشديدة .
إذن لا إختلاف هنا لأننا رأينا أن الصاعقة هي اسم للمبيد المهلك ,,, فالرياح التي أرسلها الله على قوم عاد كانت مبيدة ومهلكة فقوم عاد قد صُعقوا بالرياح المهلكة وقوم ثمود صُعقوا بالصيحة الطاغية المجاوزة للحد و بطغيانهم .
السؤال الثاني :-
كم يوما استغرق هلاك قوم عاد يوم أم اكثر.؟؟
المعنى واضح فإن بدء العذاب في سورة القمر كان في يوم نحس ثم هذا العذاب استمر في أيام نحسات .
و هكذا تعرض علماؤنا لما ساقه النصارى من نصوص توهموا منها التناقض و التعارض فأزالوا و بينوا حقيقة المراد من النصوص و ما فيها من عموم و خصوص أو ناسخ و منسوخ ولعل كتاب دفع إيهام الإضطراب عن آى الكتاب للشنقيطى خير كتاب فى هذا الجانب لمن أراد المزيد (( نقلا عن موقع شبكة بن مريم الإسلامية ))
الشبهة الخامسة : الزعم بوجود الخطأ في القرآن
زعم النصارى أيضاً بوجود أخطاء تاريخية في القرآن الكريم
1- فذكروا أن إبراهيم هو ابن تارح و ليس آزر .
2- أن الذي وجد موسى و رباه بعد أن ألقته أمه في اليم هو ابنة فرعون- و ليس زوجه -كما ذكر الكتاب المقدس.
3- عجبوا كيف يذكر القرآن بأن الذي صنع العجل هو السامري ، و السامرة مدينة في فلسطين لم تكن أيام موسى وجدت بعده عام 742. ق. م .
4- رأوا أن الذي صنع العجل هو هارون عليه السلام
5- اعتبر النصارى أن من الخطأ ذكر هامان على أنه وزير لفرعون ، إذ هو وزير لملك فارس كما صرح سفر استير ، و بنى صرحه ببابل و ليس بمصر (و يقصدون برج بابل).
و قد رد علماؤنا على زعم النصارى بأن ما ذكروه ليس بحجة إذ إن التوراة المحرفة لا يمكن أن تكون حجة على القرآن الكريم.
- ما ورد في اسم أبي إبراهيم فإن المفسرين ذكروا أن آزر هو عم إبراهيم ، و سماه القرآن أباً له ، لأن العم بمقام الأب ، وهو استعمال معهود في اللغة ، ومستعمل في المجتمعات العربية حتى الآن.والقول بأن آزر والده لايعارض أبدا بنصوص التوراة المحرفة .
- أما تسمية القرآن لصانع العجل لبني إسرائيل بالسامري فليس نسبة لمدينة السامرة التي بنيت فيما بعد ،بل هو اسم قديم ،فالسومريون اسم لحضارة قديمة وجدت الميلاد بأربعة آلاف سنة في جنوب العراق ، واستمرت هذه الحضارة قائمة حتى عام 2000 ق.م ، وقد تميز السومريون بالمصنوعات الخزفية ، فلعل السامري الذي صنع العجل لبني إسرائيل منهم ، ومما يؤكد قدم هذا الاسم أن السامرة قد سميت بذلك نسبة لسامر الذي باع جبل السامرة بوزنتين من فضة (انظر ملوك (1)16/24) ، وعليه فإن السامري اسم لرجل كان قبل مدينة السامرة ، و ليس من دليل يمنع ذلك ، و الياء الملحقة بالاسم ليست ياء النسب ، فهي كقولنا : الشافعي .
ثم إن كلمة " السامري" في أصلها كلمة عبرانية معناها: " الحارس " فقد يكون مقصود القرآن أن الذي أضل بني إسرائيل هو المعروف بالحارس
- أما هامان فليس هناك ما يمنع أن يكون اسماً لأحد وزراء أو مستشاري فرعون ، و لا يمكن إقامة دليل على عدم وجود مستشار بهذا الاسم أو اللقب(2/245)
- لم تتحدث التوراة عن الصرح الذي طلب فرعون بناءه ، و أما المؤرخون فإن منهم من يقول بأن البناء قد تمّ ، ثم دكه الله فليس هو برج بابل .و أرى أن القرآن لم يتحدث عن بناء الصرح و إن ذكر جرأة فرعون على الله و استخفافه بقومه بأن أوهمهم بأنه إذا بنى الصرح سيغالب الله، لكن كما قال المفسرون فإن فرعون أعقل من أن يجهل عظمة الله ، و لن يجهل ضعف مثله و قعوده عن مقام الربوبية. (( شبكة بن مريم الإسلامية ))
الشبهة السادسة : الزعم بوجود مبالغات في القرآن
و في نقد النصارى للقرآن ذكروا أن فيه مبالغات و أموراً هي للأسطورة منها أقرب للحقيقة ، و مثل القس شروش لذلك بما جاء في قصة الرجل الذي أماته الله و حماره مائة عام ، ثم بعثه ، و تساءل عن الحكمة من بعث الحمار ، و ذكر أيضاً باللمز والسخرية استخدام سليمان للجن و وصف الصرح الذي دخلته ملكة اليمن ، و مثله مسخ البشر إلى قردة و خنازير .
والجواب
أن مثل هذه الإخبار لم يقم دليل ينهض بتكذيبها، وغرابتها غير كافية للحكم بردها ،ثم إن هذه الأخبارإما أنها قد وقعت في موقع الأعجوبة المعجزة أو العقوبة الإلهية المتناسبة مع عظم الضلال الذي وقع به بنو إسرائيل قتلة الأنبياء ،فكان من المناسب أن يعاقبوا بعقوبة يشعرون بمرارتها طويلاً ، ولو أماتهم حينذاك لكان في الموت راحة لهم ، ومسخهم عقوبة أبلغ في العقوبة ، و الله على كل شيء قدير.و أما مسخ عصاة بني إسرائيل إلى قردة وخنازير الوارد في قوله تعالى { و جعل منهم القردة و الخنازير و عبد الطاغوت } فقد ذكر العلماء له معنيين : أولهما أن المسخ كان مسخاً للقلوب فقط أي أنه مجازي.و ثانيهما: و هو قول جمهور المسلمين أنه مسخ حقيقي . و أياً كان فإن النصارى الذين يقولون بتقمص الخالق للمخلوق لا يليق بهم أن يعترضوا على مثل هذه العقوبة الإلهية ، كما أن المسيح يورد ما يفيد جواز وقوع هذا المعنى فيقول:" إن الله قادر على أن يحول هذا الحجر إنساناً " (انظر متى 3/9)
(( شبكة بن مريم الإسلامية ))
الشبهة السابعة : حول إعجاز القرآن الكريم
إبطالاً لمعجزة القرآن فإن النصارى يرون بأن قوة الكتاب اللغوية و جزالته ليست بكافية للحكم بنبوة صاحبه ، و يذكرون بأنه قد كان في الدنيا أعمال أدبية صدر بعضها من أناس لا يعرفون القراءة و الكتابة كالإلياذة اليونانية و التي يقال بأن كاتبها هو الأعمى هوميروس، و كذلك الحال في قوانين حمورابي و المعلقات السبع للعرب.
والجواب
أن المسلمين لا يقولون بأن فصاحة كتاب و بلاغة كاتب دليل على نبوته ، بل يرون أن القرآن ظهر في أمة تتفاخر بنظمها و نثرها ، فدعاهم لمعارضة القرآن، فعجزوا ، فدعاهم ليأتوا بمثل سورة منه ، فعجزوا لمعرفتهم بعظمة هذا الكتاب ، و قد عرفوا قعودهم عن الإتيان بمثله ، ولو كانوا يرون في المعلقات السبع أو غيرها ما يقارب القرآن في نظمه لقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، و لكسبوا منه التحدي، لكنهم في الحقيقة عجزوا عن مقاومته ، و أقر الوليد بن المغيرة - و هو للنبي صلى الله عليه وسلم عدو و خصم - أقر بعظمة القرآن فقال: " قد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس و لا من كلام الجن ، و إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، و إن أعلاه لمثمر ، و إن أسفله لمغدق، و إنه يعلو و لا يعلى عليه ، و إنه ليحطم ما تحته " و لذلك لم يجدوا أمام بيان القرآن إلا أن يقولوا { إن هذا إلا سحر يؤثر } .ثم إن إعجاز القرآن لا يتوقف على بلاغته فقط، يقول نديم الجسر:" إن إعجاز القرآن لا يقوم على بلاغته فحسب كما يظن البعض ، و لكن يمتد إلى ما فيه من آيات معجزات تحمل لعلماء الطبيعة أسراراً من حقائق الطبيعة، و لعلماء الاجتماع أسراراً في نواميس المجتمع ، و للفلاسفة أسراراً من حقائق الوجود، و لعلماء التاريخ أسرار من دقائق الأخلاق، و علماء النفس أسراراً من قواعد علم النفس ، و لعلماء التربية أسراراً من أساليب التربية.
و سر الإعجاز في تلك الآيات أنها نزلت على رسول الله محمد النبي الأمي وليد البيئة الأمية قبل قرون طويلة من انكشاف أسرار العلم التي وصلنا إليها اليوم " .
و بقي التحدي القرآني يدعو أرباب الفصاحة للإتيان بمثل هذا القرآن ، فما قدر على معارضته أحد على كثرة الأعداء ، و توافر البلغاء.
للدكتور منقذ السقار (( نقلا عن موقع شبكة بن مريم الإسلامية))
الشبهة الثامنة : نزول القرءان فى ثوب عائشة
نص الحديث
4253 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ دُرُسْتَ - بَصْرِىٌّ - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ قَالَتْ فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبَاتِى إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُ عَائِشَةُ فَقُولِى لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرِ النَّاسَ يُهْدُونَ إِلَيْهِ أَيْنَمَا كَانَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ فَأَعْرَضَ عَنْهَا ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا فَأَعَادَتِ الْكَلاَمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَوَاحِبَاتِى قَدْ ذَكَرْنَ أَنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ فَأْمُرِ النَّاسَ يُهْدُونَ أَيْنَمَا كُنْتَ. فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ قَالَتْ ذَلِكَ قَالَ « يَا أُمَّ سَلَمَةَ لاَ تُؤْذِينِى فِى عَائِشَةَ فَإِنَّهُ مَا أُنْزِلَ عَلَىَّ الْوَحْىُ وَأَنَا فِى لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرَهَا .
الشرح :(2/246)
نعلم أولا أن القرأن يفسر بعضه بعضا والسنة تفسر بعضها بعضا والسنة أيضا تفسر القرءان كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحرف ( فى ) هو الذى يسبب للنصارى سوء فهم بسبب ضعفهم اللغوى . فقد قال فرعون عن السحرة : (( وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ )) [ سورة طه آية 71 ] ومن الطبيعى ألا يقول عاقل إن السحرة صلبهم فرعون فى داخل النخل !!!! بل ( فى ) هنا تعنى على النخل .
ثانيا أطلق القرءان على النساء والرجال لفظ لباس (( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ )) [ سورة البقرة - آية 187 ] . ولا يعنى هذا ان المرأه بنطلون للرجل أو أن الرجل فستان للمرأه . كما يفهم النصارى , بل إن لفظ ( لباس ) عند المصريين يعنى شئ اخر غير باقى الدول العربية , وطبيعى ان المفهوم من الأية أنه كما تستر الملابس الجسد فإن المرأه تستر زوجها من الزنى والمعاصى وكذلك الرجل يستر على زوجته ويعفها ...
الأمر الأخر لكى نفهم معنى ( فى ثوب عائشة ) هو البحث عن القصة بكل ملابساتها وظروفها فى أحاديث أخرى فى النقاش الذى كان بين الرسول ونسائه , وهنا يتضح لنا المقصود والمعنى فبعض الأحاديث وردت بلفظ لباس وبعضها بلفظ لحاف ومن هنا يتضح أن المقصود بالثوب هو اللحاف وهو الغطاء أو الستره لأن كل نساء النبى لهن سترة ولكن لم يأت الوحى إلا فى بيت عائشة وهذا لفضلها ومن مناقبها رضى الله عنها أ نها
الاول : كانت كثيرة التنظيف والتطهير لثيابها وفراشها .
الثاني : انها ابنة أبي بكر وفضلها من فضل أبيها .
فمفهوم الحديث أن أم المؤمنين السيدة عائشة هي الوحيدة من زوجات النبي التي كان ينزل
الوحي عليه وهو نائم بجانبها في الفراش أو بمعنى ءاخر في فراشها دون وضع جماع .
وفي اللغة العربية من الممكن التعبير بالجزء عن الكل إذا اعتبرنا أن الثياب ملازم للمرء
وملامس لجسده وكذلك الفرش واللحاف لايستغني عنه المرء ودائماً ما يتردد عليه المرء
للنوم ويكون مهاد ورداء لجسده .
ويبقى لنا سؤال ؟
كيف خلع المسيح ثيابه ونشف قدم التلاميذ وبقى عريانا ؟
هل هذا يليق برب خالق و معبود ؟
واليكم النص من انجيل يوحنا 13/5 : (( ثم صبّ ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزرا بها )) .(( منتدى موقع الأستاذ عمرو خالد))
الشبهة التاسعة : مصادر القرآن الكريم " تأليف محمد ص
كما اتهمت قريش محمداً صلى الله عليه وسلم بتأليف القرآن الكريم ، كذلك فعل بعض المستشرقين من أمثال بيرسي هورنستاين - يوليوس فلهاوزن -د.بروس و د. لوبون وقد
أخبرنا الله جل وعلا عن ذلك في عدة مواقع من كتابه الكريم حيث قال :( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُون (هود:35)
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (السجدة:3) إن هذه شبهة واهية لا أساس لها من الصحة ولنا في إثبات ذلك أدلة وهي
1- إن أسلوب القرآن الكريم يخالف مخالفة تامة أسلوب كلام محمد صلى الله عليه وسلم، فلو رجعنا إلى كتب الأحاديث التي جمعت أقوال محمد صلى الله عليه وسلم وقارناها بالقرآن الكريم لرأينا الفرق الواضح والتغاير الظاهر في كل شيء، في أسلوب التعبير ،وفي الموضوعات ، فحديث محمد صلى الله عليه وسلم تتجلى فيه لغة المحادثة والتفهيم والتعليم والخطابة في صورها ومعناها المألوف لدى العرب كافة ، بخلاف أسلوب القرآن الكريم الذي لا يُعرف له شبيه في أساليب العرب.
2- محمد صلى الله عليه وسلم أُمّيّ ما درس ولا تعلم ولا تتلمذ ، فهل يُعقل أنه أتى بهذا الإعجاز التشريعي المتكامل دون أي تناقض ، فأقر بعظمة هذا التشريع القريب والبعيد ، المسلم وغير المسلم ؟ فكيف يستطيع هذا الأمي أن يكون هذا القرآن بإعجازه اللغوي الفريد الغريب وإعجازه التشريعي المتكامل اجتماعياً واقتصادياً ودينياً وسياسياً .... هل يمكن لهذا الكتاب أن يكون من عنده ؟! وهل يجرؤ على تحدي ذلك بقوله " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا " هذا تحدٍ واضح لغير المسلمين فهو يدعوهم لإيجاد خطأ فيه .
3- لماذا يؤلف محمد صلى الله عليه وسلم القرآن وينسبه إلى غيره ؟ فالعظمة تكون أقوى وأوضح وأسمى فيما لو جاء بعمل يعجز عنه العالم كله ، ولكان بهذا العمل فوق طاقة البشرية فيُرفَع إلى مرتبة أسمى من مرتبة البشر ، فأي مصلحة أو غاية لمحمد صلى الله عليه وسلم في أن يؤلف القرآن –وهو عمل جبار معجز- وينسبه لغيره ؟
4- في القرآن الكريم أخبار الأولين بما يُغاير أخبارهم في الكتب المتداولة أيام محمد صلى الله عليه وسلم، فإن القرآن الكريم يحتوي على معلومات كثيرة لا يمكن أن يكون مصدرها غير الله . مثلاً : من أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم عن سد ذي القرنين – مكان يبعد مئات الأميال شمالاً- ؟وماذا عن سورة الفجر وهي السورة رقم 89 في القرآن الكريم حيث تذكر مدينة باسم إرَم " مدينة الأعمدة " ولم تكن معروفة في التاريخ القديم ولم يكن لها وجود حسب معلومات المؤرخين . ولكن مجلة الجغرافية الوطنية وفي عددها الذي صدر في شهر كانون الأول لعام 1978 أوردت معلومات هامة ذكرت أنه في عام 1973 اكتشفت مدينة إلبا في سوريا . وقد قدر العلماء عمرها بستة وأربعين قرناً ، لكن هذا لم يكن الاكتشاف الوحيد المدهش ، بل إن الباحثين وجدوا في مكتبة المدينة سجلاً للمدن الأخرى التي أجرت معها إلبا تعاملات تجارية ، وكانت إرم إحدى تلك المدن ! أي أن مواطني إلبا تبادلوا معاملات تجارية مع مواطني إرم !(2/247)
5- وماذا عما فيه من إعجاز علمي في الكون والحياة والطب والرياضيات....وذلك بالعشرات بل والمئات ، فهل يُعقل أن هذا الأُمي قد وضعها ؟ كيف عرف الأمي :-
- أن الأرض كروية بشكل بيضوي لقوله سبحانه ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا )(النازعات:30)
- أن الحياة ابتدأت من الماء .لا يمكن إقناع من عاشوا منذ أربعة عشر قرناً بهذا ، فلو أنك وقفت منذ أربعة عشر قرناً في الصحراء وقلت " كل هذا الذي ترى" وتشير إلى نفسك " مصنوع بأغلبيته من الماء " فلن يصدقك أحد ، لم يكن الدليل على ذلك موجوداً قبل اختراع الميكروسكوب . كان عليهم الانتظار لمعرفة أن السيتوبلازم وهي المادة الأساسية المكونة للخلية تتكون من 80% من الماء ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ )(الانبياء:30)
- أن هناك اختلافاً في التوقيت بين مناطق العالم ( حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (يونس:24) ومعنى الآية أنه عند نهاية التاريخ ومجيء يوم القيامة ، فإن ذلك سيحدث في لحظة ستصادف بعض الناس أثناء النهار وآخرين أثناء الليل ، وهذا يوضح حكمة الله وعلمه الأزلي بوجود مناطق زمنية ، رغم أن ذلك لم يكن معروفاً منذ أربعة عشر قرناً . إن هذه الظاهرة ليس بالإمكان رؤيتها بالعين المجردة ، أو نتيجة لتجربة شخصية وهذه حقيقة تكفي لتكون دليلاً على مصداقية القرآن الكريم.
- نظرية انتشار الكون لقوله سبحانه ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) (الذريات:47)
- أن كمية الهواء في الأجواء تقل إلى درجة أن الإنسان يضيق صدره فيها ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ) (الأنعام:125)
- أن الشمس والقمر يَسبحان في هذا الفضاء لقوله سبحانه ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) (الرعد:2)
6- في القرآن عتب ولوم لمحمد صلى الله عليه وسلم في مواضع عديدة مثل :-- سورة كاملة عنوانها " عبس " .من آياتها " عَبَسَ وَتَوَلَّى 1 أَن جَاءهُ الْأَعْمَى 2 وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى 3 أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى 4 أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى 5 فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى 6 وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى 7 وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى 8 وَهُوَ يَخْشَى 9 فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى 10 " .
- (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) (التوبة:43)
- ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (آل عمران:161)
- ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (لأنفال:67)
- ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) (التوبة:113)
- ( لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (لأنفال:68)
- ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً ) (الكهف:23)
- ( إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ) (الكهف:24)
- ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً ) (الأحزاب:37)
- ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (التحريم:1)
- بل إن في القرآن الكريم تهديد ووعيد لنبي الله إن لم يؤد ماعليه حيث يقول سبحانه ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ) ( لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ) ( ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (الحاقة44-46)
وقوله سبحانه ( وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ) ( إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ) (الاسراء74-75)(2/248)
هذا العتاب وغيره كثير ، فهل يُعقل أن يؤلف محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب ثم يوجه العتاب إلى نفسه ؟ وحوادث عديدة قام بها محمد صلى الله عليه وسلم آنياً مع أصحابه ثم تبدلت في نص القرآن فلم يجد في نفسه غضاضة ، فلو كان القرآن من عنده لما قام بها ودونها، لغَيَّرها وعمل الأنسب دون تسجيل الحادثة.
7- ودليل آخر : كانت تنزل بمحمد صلى الله عليه وسلم نوازل وأحداث من شأنها أن تحفزه إلى القول ، وكانت حاجته القصوى تلح عليه بحيث لو كان الأمر إليه لوجد له مقالاً ومجالاً ، ولكن كانت تمضي الليالي والأيام تتبعها الليالي والأيام ولا يجد في شأنها قرآناً يقرؤه على الناس فقد حدث أن سأل عن أهل الكهف فقال إنه سيرد عليهم غداً على أمل أن ينزل الوحي بالرد ولكنه لم يقل إن شاء الله فنزلت الآيات الكريمة ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً ) ( إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ) (الكهف23-24)
(( نقلا عن موقع شبكة بن مريم الإسلامية))
الفصل الثانى
الشبهات اللغوية حول القرءان
يعترض النصرانى على القرآن ، ببعض آياته التى أتت على غير الشائع نحوياً ، يظن واهماً أن ذلك ينقص من شأن الكتاب العزيز .
فكيف يكون رد المسلم على ذلك ؟
عادة ما يلجأ المسلم إلى أقوال علماء النحو واللغة ، وفيها تخريجات نحوية للإشكال المتوهم فى الآية ، وغالباً ما يشير ـ العالم ـ إلى أن الإشكال المتوهم هو لغة جائزة عند العرب .
كل هذا جميل ورائع ، لكن هناك شىءعلينا أن نعيه أولاً ، ثم نعلمه للنصارى ثانياً.
إن النصارى يحاكمون القرآن العظيم إلى منهج القواعد النحوية للصف الثالث الإعدادى !يظنون أن القواعد النحوية حاكمة على القرآن ! وهذا جهل فاضح بنشأة علم النحو . إن علم النحو ليس علماً عقلياً ، بمعنى أن سيبويه ـ مثلاً ـ لم يعتمد على التفنن العقلى فى تقرير قواعد النحو .
بل إنه علم مبنى على الاستقراء
. فسيبويه ـ مثلاً ـ أخذ يحلل كل النصوص الواردة عن العرب ، من شعر وخطابة ونثر
غير ذلك ، فوجد أنهم ـ العرب ـ دائماً يرفعون الفاعل فى كلامهم ، فاستنبط من ذلك قاعدة " الفاعل مرفوع " .. وهكذا نتجت لدينا " قاعدة نحوية " تسطر فى كتب النحو ، ليتعلمها الأعاجم فيستقيم لسانهم بالعربية إذا جرت عليه .
فلو كان سيبويه وجد العرب ينصبون الفاعل ، كنا سنجد كتاب القواعد النحوية فى الصف الثالث الإعدادى ، يخبرنا بأنه يجب علينا نصب الفاعل كلما وجدناه!
إن علم النحو مبنى على الاستقراء .. " القواعد النحوية " مستنبطة من " استقراء " صنيع العرب فى كلامهم . إذا فهمت هذه النقطة قارئى الكريم ، سيسهل عليك ـ إن شاء الله ـ فهم ما بعدها
وهو أن العرب لم تكن كلها لهجة واحدة ، ولم تكن كلها تسير على نفس القواعد النحوية ذاتها ، ولم تكن تلتزم كل قبيلة منها بنفس المعاملات النحوية .
إن قبائل العرب لم تكن تسير فى كلامها على منهج النحو للصف الثالث الإعدادى !
وليس معنى ذلك أنه كان لكل قبيلة " نحوها " الخاص بها .. كلا .. وإنما اشتركت كل قبائل العرب فى " معظم " القواعد النحوية المشهورة الآن .. لكنها ـ أبداً ـ لم تجتمع على " كل " تلك القواعد بعينها . لعلك أدركت الآن ـ قارئى الكريم ـ أن دائرة الخلاف فى التعاملات النحوية بين القبائل العربية كانت صغيرة ، لكنها واقعة لا سبيل إلى إنكارها
(( نقلا عن شبكة الحقيقة الإسلامية ))
ويمكن تلخيص ما ذكروه فى هذا الجانب فى النقاط التالية :-
أولا:-ما جاء في القرآن من ألفاظ غير عربية كأسماء الأنبياء السابقين و بعض الأسماء المستعارة من لغات أخرى مثل: استبرق، جهنم، ماعون، سندس، مشكاة هل يقدح في عربية القرآن وبلاغته.
و يرد الألوسي
1- بأن وجود كلمات يسيرة لا تتجاوز الثلاثين غير عربية في القرآن أو في كلام عربي لا تخرجه عن عروبته .
2- هذه الألفاظ ، و إن كانت في أصولها غير عربية فإن العرب عربتها بألسنتها فصارت عربية، و كان الإمام الشافعي يمنع أن تكون أصول هذه الكلمات أعجمية ، بل يراها عربية وإن وجدت في لغات أخرى فهي مما نقله العجم عن العرب ، و كان يقول " لا يحيط باللغة إلا نبي"، و يرى محمد عزة دروزة أن سبب تعريب العرب لهذه الكلمات لأنها تتعلق بمسميات غير مستعملة في الحياة العربية، وصلت إلى العرب من الاحتكاك بالأمم قال ابن عطية : فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية لكن استعملتها العرب وعربتها فهي عربية بهذا الوجه وقد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وبرحلتي قريش وكسفر مسافر بن أبي عمرو إلى الشام وكسفر عمر بن الخطاب وكسفر عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى أرض الحبشة وكسفر الأعشى إلى الحيرة مع كونه حجة في اللغة فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرى مجرى العربي الصحيح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن فإن جهلها عربي ما فكجهله الصريح بما في لغة غيره كما لم يعرف ابن عباس معنى فاطر إلى غير ذلك .
3- يمكن أن تكون هذه الألفاظ قد وجدت في العربية قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم بوقت طويل واستقرت في اللغة العربية حتى أصبحت جزءاً منها وصارت من مفرداتها التي يروج استخدامها بين العرب . (( نقلا عن موقع شبكة بن مريم الإسلامية))
ثانيا:- مما قاله النصارى مشككين في بلاغة القرآن و جزالته قولهم بأن في القرآن أخطاء نحوية .(2/249)
وقد جهل هؤلاء أن القرآن سابق على قواعد النحو التي وضعها سيبويه والخليل الفراهيدي معتمدين في استنباطهم لهذه القواعد على القرآن الكريم و بعض أشعار العرب فلا يمكن أن تكون هذه القواعد اللاحقة حكماً على الأصل الذي صدرت عنه.
ثم إن المتبصر العارف بلغة العرب يرى أن هذه المواضع التي أنكرها النصارى لم تخالف لغة العرب ولنضرب لذلك أمثلة.
1- قوله تعالى { إن هذان لساحران } حيث جاءت كلمة هذان مرفوعة وحقها أن تنصب
الجواب الأول : إنْ بالسكون وهى مخففة من إن ، وإنْ المخففة تكون مهملة وجوباً إذا جاء بعدها فعل ، أما إذا جاء بعدها اسم فالغالب هو الإهمال نحو: (إنْ زيدٌ لكريم) ومتى أُهمِلَت يقترن خبرها باللام المفتوحة وجوباً للتفرقة بينها وبين إنْ النافية كى لا يقع اللّبس. واسمها دائماً ضمير محذوف يُسمَّى ضمير (الشأن) وخبرها جملة ، وهى هنا (هذان ساحران).
الجواب الثانى : أن قوله تبارك وتعالى (( إن هذان لساحران(( هي لغة لبعض القبائل العربية يلزمون المثنى الألف فىجميع حالاته كبني الحارث بن كعب، وخثعم، وكنانة، وعذرة، وزبيد، وغيرهم. يقولون: مررت برجلان ، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه.
كقول الشاعر : إن أباها وأبا أباها قد بلغا فى المجد غايتاها
والأصل أن يقول غايتيها لأنها مفعول والشواهد كثيرة ،ولغة إلزام المثنى الألف لغة مشهورة ، وقد جاء القرآن على أحرف عدة ولغات شتى، فلا غرابة أن يكون في القرآن وجه ورد على لغة لبعض قبائل العرب المشهورة .
الجواب الثالث: أنها للنفي بمعنى: ما هذان إلا ساحران ، و في كلا الحالين ترفع كلمة هذان
2- أشكل على النصارى أيضاً نصب لفظة { الصابرين }
في قوله { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس }
والجواب أن نصبها كان بسبب فعل محذوف ، و تقدير الكلام:أمدح الصابرين. و سبب الإضمار هو الإشعار بفضل الصبر تقديره وأخص بالمدح الصابرين، والعطف هنا من باب عطف الجملة على الجملة.
3- أما تأنيث العدد في قوله { و قطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً } فسببه أن التمييز ليس { أسباطاً } بل: فرقة. و هي مؤنثة و وافقها العدد، و أما أسباطاً فهي بدل كل من كل وكلمة (أمما) نعت للأسباط
4- أما نصب قوله { المقيمين } في قوله تعالى { لكن الراسخون في العلم منهم و المؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك و المقيمين الصلاة } فقد نصبت
أ- لأن الواو التي قبلها ليست بواو العطف، بل الواو المعترضة و ما بعدها نصب على المدح ، و تقدير الكلام: أمدح المقيمين الصلاة .
أي وأمدح المقيمين الصلاة، وفي هذا مزيد العناية بهم، فالكلمة منصوبة على المدح.
وعليه فهذه جملة اعتراضية وهى مفعول به لفعل محذوف تقديره (وأمدح) لمنزلة الصلاة ، فهى أول ما سيحاسب عليه المرء يوم القيامة. وفيها جمال بلاغى حيث يلفت فيها آذان السامعين لأهمية ما قيل.
أما (والمؤتون) بعدها على الرفع فهى معطوفة على الجملة التى قبلها.]
ب- ومنهم من جعل " المقيمين " مجروراً لا منصوباً ، وقال إن جره لأنه معطوف على الضمير المجرور محلاً فى " منهم " والمعنى على هذا:لكن الراسخون منهم والمقيمين الصلاة.
ج- وبعضهم قال إنه مجرور بالعطف على الكاف فى " أنزل إليك " وبعضهم قال إنه مجرور بالعطف على " ما " فى " بما أنزل إليك ".
د - أو هو مجرور بالعطف على " الكاف " فى " قبلك "
5- رفعت كلمة { الصابئون } في قوله { إن الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئون والنصارى من آمن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحاً }
أ- قال سيبويه: الرفع محمول على التقديم و التأخير، و التقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا ….و الصابئون و النصارى كذلك
وتوضيح ذلك أنه لو كان في الجملة اسم موصول واحد لحق لك أن تنكر ذلك ، لكن لا يلزم للاسم الموصول الثاني أن يكون تابعا لإنَّ. فالواو هنا استئنافية من باب إضافة الجُملة للجملة ، وليست عطفا على الجملة الأولى.
لذلك رُفِعَ ( والصابئون ) للإستئناف ( اسم مبتدأ ) وخبره محذوف تقديره والصابئون
كذلك أى فى حكمهم. والفائدة من عدم عطفهم على مَن قبلهم هو أن الصابئين أشد الفرق المذكورين فى هذه الآية ضلالاً ، فكأنه قيل: كل هؤلاء الفرق إن آمنوا وعملوا الصالحات قَبِلَ اللهُ تَوْبتهم وأزال ذنبهم ، حتى الصابئون فإنهم إن آمنوا كانوا أيضاً كذلك.
و هذا التعبير ليس غريبا في اللغة العربية، بل هو مستعمل فيها كقول بشر بن أبي خازم الأسدي الذي قال :
إذا جزت نواصي آل بدر فأدوها وأسرى في الوثاق *** وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ، ما بقينا في شقاق
والشاهد : وأنتم ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ، وبغاة خبر أن ( أو أنتم ) مرفوع، والخبر الثاني محذوف، وكان يمكن أن يقول فاعلموا أنا بغاة وأنتم بغاة، لكنه عطف مع التقديم وحذف الخبر ، تنبيها على أن المخاطبين أكثر اتصافا بالبغي من قومه هو ، فقدم ذكرهم قبل إتمام الخبر لئلا يدخل قومه في البغي ــ وهم الأقل فيه ــ قبل الآخرين
ومثله أيضا قول قيس بن الخطيم: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضِ والرأي مختلف والتقدير ونحن بما عندنا راضون
ب- : إنَّ لفظ إنَّ ينصب المبتدأ لفظا ويبقى مرفوعا محلا، فيصح لغة أن تكون ( والصابئون ) معطوفة على محل اسم إن سواء كان ذلك قبل مجيء الخبر أو بعده .
ج- أو هي معطوفة على المضمر في ( هادوا ).
و هذه الصور و غيرها مما ذكر علماؤنا يدل على جهل مثيري الشبهات من النصارى بقواعد اللغة كما يدل على عظمة القرآن و بيانه. (( نقلا عن موقع شبكة بن مريم الإسلامية ))(2/250)
6- ما جاء في سورة الانعام من قوله تعالى : ( وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ) لماذا جاءت لفظة خالصة مؤنثة، ومحرم مذكرة ؟
الجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : الهاء في خالصة للمبالغة لا للتأنيث ، كقولك : علامة ونسابة .
الثاني : خالصة مصدر كالعافية والعاقبة .
الثالث : قيل إن الهاء للتأنيث ، ولما كان ( ما في بطون هذه الأنعام ) هو الأجنة أنث الخبر على المعنى ، وذكر ( محرم ) على اللفظ
وجاء في تفسير أضواء البيان للإمام الشنقيطي رحمه الله :
وقد دلت الآيات المذكورة على أن الأنعام يصح تذكيرها وتأنيثها. لأنه ذكرها هنا في قوله: «نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهِ» وأنثها في سورة ?لْمُؤْمِنُونَ في قوله« نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَـ?فِعُ كَثِيرَةٌ» ومعلوم في العربية: أن أسماء الأجناس يجوز فيها التذكير نظراً إلى اللفظ، والتأنيث نظراً إلى معنى الجماعة الداخلة تحت اسم الجنس. وقد جاء في القرآن تذكير الأنعام وتأنيثها كما ذكرناه آنفاً. وجاء فيه تذكير النخل وتأنيثها. فالتذكير في قوله« كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ» والتأنيث في قوله« كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ» ونحو ذلك. وجاء في القرآن تذكير السماء وتأنيثها. فالتذكير في قوله« السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ» والتأنيث في قوله« وَ?لسَّمَآءَ بَنَيْنَـ?هَا بِأَيْدٍ» ونحو ذلك من الآيات. وهذا معروف في العربية، ومن شواهده قول قيس بن الحصين الحارثي الأسدي وهو صغير في تذكير النعم : في كل عام نعم تحوونه يلقحه قوم وتنتجونه
7- من ذلك : جاء في سورة البقرة قوله « قال لا ينالُ عهدي الظالمين » وكان يجب أن تكون "الظالمون" فهي جمع مذكر سالم مرفوع بالواو والنون لأنه فاعل الفعل "ينال". فكيف جاءت منصوبة بالياء والنون؟
الجواب : ينال فعل متعدى بمعنى (يشمل أو يَعُم) كما فى الآية أى لا يشمل عهدى الظالمين، فعهدى هنا فاعل، والظالمين مفعول به.
مثال لذلك لقد ناله ظلماً، وأسفنا لما ناله من إهانة.
والإمامة والعهد بالإمامة هنا معناه النبوة، وبذلك تكون جواباً من الله على طلب نبينا إبراهيم أن يجعل النبوة فى ذريته فوافقه الله إلا أنه استثنى الظالمين، كما لو أنه أراد قول (إلا الظالمين من ذريتك).
وتجىء أيضاً بمعنى حصل على مثل: نال الظالم جزاءه.
ومن مصادر اللغة , المعجمات القديمة التي جمعها (لسان العرب) وها هو يقول: والعرب تقول: "نالني من فلان معروف ينالني أي وصل إلي منه معروف" لسان العرب 11/685
8- من ذلك جاء في سورة البقرة 17 « مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ». وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفرداً فيقول ذهب الله بنوره .
الجواب : فهو هنا لم يشبه الجماعة بالواحد وإنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد. ومثال ذلك قوله: « مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثمَّ لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا» [الجمعة 5]. فلما أضاءت ما حوله أضاءت أيضاً للآخرين ، فكان عقاب الله أنها ذهبت بأبصارهم جميعاً، لاحظ أن الله يضرب المثل بقوم استوقد أحدهم ناراً فلمَّا أضاءت ما حول فاعل هذه النار أضاءت أيضاً حول ذهب الله بأبصار هذا القوم.
ونلاحظ أنه قال (ذهب) وهى أبلغ من أذهب لأن ذهب بالشىء اسطحبه ومضى به معه، فكأنما أراد الله أن يذكرهم أنه يرون بنور الله وفى معيته، وحيث أنهم اختاروا طريق الظلمة فقد أخذ الله نوره وتركهم فى ظلمات أنفسهم التى اختاروا البقاء فيها.
9- ومن ذلك ما جاء في سورة الأعراف 56 « وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِين »
وكان يجب أن يتبع خبر إن اسمها في التأنيث فيقول قريبة .
الجواب : إن كلمة قريب على وزن فعيل، وصيغة فعيل يستوى فيها المذكر والمؤنث.
10- ومن ذلك ما جاء في سورة الشورى 42: 17 (اللهُ الذِي أَنْزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ). فلماذا لم يتبع خبر لعل اسمها في التأنيث فيقول قريبة؟
الجواب : خبر لعل هنا محذوف لظهوره البيَّن تقديره لعل حدوث الساعة قريب.
وفيه أيضا فائدة وهي أن الرحمة والرحم عند العرب واحد فحملوا الخبر على المعنى. ومثله قول القائل: إمرأة قتيل. ويؤيده قوله تعالى: (هذا رحمة من ربي) فأتى اسم الإشارة مذكرا. ومثله قوله تعالى: (والملائكة بعد ذلك ظهير).
وقد جهل المعترض بأنه المذكر والمؤنث يستويان في أوزان خمسة :
1 – (فعول): كرجل صبور وامرأة صبور.
2 – (فعيل): كرجل جريح وامرأة جريح.
3 – (مفعال): كرجل منحار وامرأة منحار أي كثير النحر.
4 – (فعيل): بكسر الميم مثل مسكين، فنقول رجل مسكين، وامرأة مسكين.
5 – (مِفعَل): بكسر الميم وفتح العين. كمغشم وهو الذي لا ينتهي عما يريده ويهواه من شجاعته. ومدعس من الدعس وهو الطعن.
11- ومن ذلك ماجاء في سورة الحج 22: 19(هذانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ). وكان يجب أن يثنّي الضمير العائد على المثنّى فيقول خصمان اختصما في ربهما.
الجواب : الجملة في الآية مستأنفة مسوقة لسرد قصة المتبارزين يوم بدر وهم حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة. التقدير هؤلاء القوم صاروا في خصومتهم على نوعين. وينضوي تحت كل نوع جماعة كبيرة من البشر. نوع موحدون يسجدون لله وقسم آخر حق عليه العذاب كما نصت عليه الآية التي قبلها.فالتثنية باعتبار أنهما فرقتين والجمع باعتبار أنهم جمع من الأفراد(2/251)
12- ومن ذلك ما جاء في سورة التوبة 9: 69 (وَخُضْتُمْ كَالذِي خَاضُوا). وكان يجب أن يجمع الاسم الموصول العائد على ضمير الجمع فيقول خضتم كالذين خاضوا.
الجواب : المتعلق (الجار والمجرور) محذوف تقديره كالحديث الذى خاضوا فيه. كأنه أراد أن يقول وخضتم فى الحديث الذى خاضوا هم فيه.
13- ومن ذلك ما جاء في سورة المنافقون (وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) وكان يجب أن ينصب الفعل المعطوف على المنصوب فأَصدق وأَكون .
الجواب: أن يقال إن الكلمة (وأكن) تقرأ بالنصب والجزم ، أما النصب فظاهر لأنها معطوفة على (فأُصدق) المنصوب لفظا في جواب (لولا)، وأما الجزم فلأن كلمة (فأصدق ) وإن كانت منصوبة لفظا لكنها مجزومة محلا بشرط مفهوم من قوله (لولا أخرتني)،حيث إن قوله (فأصدق) مترتب على قوله (أخرتني)، فكأنه قال: إن أخرتني أصدق وأكن. وقد وضع العلماء قاعدة فقالوا: إن العطف على المحل المجزوم بالشرط المفهوم مما قبله جائز عند العرب ، ولو لم تكن الفاء لكانت كلمة أصدق مجزومة، فجاز العطف على موضع الفاء.
[فالواو هنا من باب عطف الجملة على الجملة وليست من باب عطف الفعل على الفعل ، وهو مجزوم فى باب الطلب (الأمر) لأن الطلب كالشرط.]
14- ومن ذلك ما جاء في سورة البقرة 2: 80(لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً).وكان يجب أن يجمعها جمع قلة حيث أنهم أراد القلة فيقول أياماً معدودات .
الجواب : ورد فى القرآن: (إلاَّ أياماً معدودات) [آل عمران 24] و (فى أيَّامٍ معدودات) [البقرة 203] و (فى أيامٍ معلومات) [الحج 28].
إذا كان الاسم مذكراً فالأصل فى صفة جمعه التاء: رجال مؤمنة ، كيزان مكسورة ، ثياب
مقطوعة ؛ وإن كان مؤنثاً كان الأصل فى صفة جمعه الألف والتاء: نساء مؤمنات ، جِرارٌ مكسورات.
إلا أنه قد يوجد نادراً الجمع بالألف والتاء مع الاسم المذكر مثل: حمَّام حمَّامات.
فالله تعالى تكلم فى سورة البقرة بما هو الأصل وهو قوله تعالى (أياماً معدودة) وفى آل عمران بما هو الفرع.
وعلى ذلك يجوز فى جمع التكسير لغير العاقل أن ينعت بالمفرد المؤنث أو الجمع، فنقول: جبال شامخة وجبال شامخات ، ورود حمراء وورود حمراوات. وفى رأى آخر أنها تعنى أياماً قليلة مثل (دراهم معدودة). ولكن الأكثر أن (معدودة) في الكثرة ، و(معدودات) في القلة (فهي ثلاثة أيام المبيت في منى) وهي قليلة العدد.
15- ومن ذلك ما جاء في سورة البقرة 2: 183 و184 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَات). وكان يجب أن يجمعها جمع كثرة حيث إن المراد جمع كثرة عدته 30 يوماً فيقول أياماً معدودة .
الجواب : (أياماً معدودات) أى مقدورات بعدد معلوم ، أو قلائل ، فكأنما يريد الله أن يقول: إنى رحمتكم وخففت عنكم حين لم أفرض عليكم صيام الدهر كله ، ولا صيام أكثره ، ولو شئت لفعلت ذلك ولكنى رحمتكم وما أوجبت الصوم عليكم إلا فى أيام قليلة.
ويجوز فى جمع التكسير لغير العاقل أن ينعت بالمفرد المؤنث أو الجمع، فنقول: جبال شامخة
وجبال شامخات ، ورود حمراء وورود حمراوات.
16- ومن ذلك ما جاء في سورة الصافات 123-132 (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ... سَلاَمٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ ... إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِين). فلماذا قال إلياسين بالجمع عن إلياس المفرد؟ فمن الخطا لغوياً تغيير اسم العلَم حباً في السجع المتكلَّف.
وجاء في سورة التين 1-3 وَالتِّينِ وَالزَيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ . فلماذا قال سينين بالجمع عن سيناء؟ فمن الخطأ لغوياً تغيير اسم العلَم حباً في السجع المتكلف
الجواب : إن اسم إلياس معرب عن العبرية ، فهو اسم علم أعجمي ، مثل إبراهيم وأبرام ، فيصح لفظه إلياس و إلياسين ، وهما إسمان لنبي واحد ، ومهما أتى بلفظ فإنه لا يعني مخالفة لغة العرب ، ولا يعترض على أهل اللغة بما اصطلحوا على النطق به بوجه أو بأكثر. فالاسم ليس من الأسماء العربية حتى يقال هذا مخالف للغة العرب، وكذلك لفظ سيناء يطلق سينين وسَيْنين وسيناء بفتح السين وكسرها فيهما. ومن باب تسمية الشيء الواحد بتسميات متشابهة أيضاً كتسمية مكة بكة.
17- ومن ذلك ما جاء في سورة البقرة 2: 177 (لَيْسَ َالبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ). فأتى باسم الفاعل بدل المصدر والصواب أن يُقال ولكن البر أن تؤمنوا بالله لأن البر هو الإيمان لا المؤمن.
الجواب : يقول الإمام الرازى أنه حذف فى هذه الآية المضاف كما لو أراد قول (ولكن البر كل البر الذى يؤدى إلى الثواب العظيم بر من آمن بالله. وشبيه ذلك الآية (أجعلتم سقاية الحاجِّ ... كَمَنْ ءامَنَ) [التوبة 19] وتقديره: أجعلتم أهل سقاية الحاج كمن آمن؟ ، أو أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن؟ ليقع التمثيل بين مصدرين أو بين فاعلين، إذ لا يقع التمثيل بين مصدر وفاعل.
وقد يُقصدً بها الشخص نفسه فتكون كلمة (البرَّ) هنا معناها البار مثل الآية (والعاقبة للتقوى) [طه 132] أى للمتقين ، ومثله قول الله تعالى (أرأيتم إن أصبح ماءُكم غوراً) [المُلك 30] أى غائراً.
وقد يكون معناها ولكنَّ ذا البر ، كقوله: (هم درجات عند ربهم) [آل عمران 163] أى ذو درجات.(2/252)
والصحيح أن الإيمان عمل. إذن فالبر هو عمل المؤمن. فيصير معنى الآية ولكن البر هو أن يعمل الإنسان كذا وكذا ، فالإيمان بالله من الأعمال الإيمانية وتتضمن أعمالا للقلب تبعث على عمل الجوارح كالخشية والخضوع والتوكل والخوف والرجاء. وهذه كلها تبعث على العمل الصالح.
18- ومن ذلك ما جاء في سورة آل عمران 3: 59 (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون) . وضع الفعل المضارع بدل الماضي وكان يجب أن يعتبر المقام الذي يقتضي صيغة الماضي لا المضارع فيقول قال له كن فكان .
الجواب : قال (فيكون) للإشارة إلى أن قدرة الله على إيجاد شيء ممكن وإعدامه لم تنقض، بل هي مستمرة في الحال والاستقبال في كل زمان ومكان ، فالذي خلق آدم من تراب فقال له (كن) فكان ، قادر على خلق غيره في الحال والاستقبال (فيكون) بقوله تعالى (كن).
وقد نقل المنصرون هذا من كتب التفسير: أي إن المعنى : فكان، فظنوا لجهلهم بفن التفسير أن قول المفسرين بذلك لتصحيح خطأ وقع في القرآن، وأن الصواب : فكان ، بصيغة الماضي . قال القرطبي : "فكان . والمستقبل يكون في موضع الماضي إذا عرف المعنى"
وهل نقول: إذا أمرتك بشيء فعلت؟ أم أن الأصح أن تقول: إذا أمرتك بشيء تفعله؟ وتقدير السياق في الآية فإذا أراد الله شيئا فيكون ما أراد.لأن الفعل المضارع يدل على الاستمرارية
19- ومن ذلك ما جاء في سورة يوسف 12: 15 (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ). فأين جواب لمّا؟ ولو حذف الواو التي قبل أوحينا لاستقام المعنى..
الجواب : جواب لمّا هنا محذوف تقديره فجعلوه فيها أو نفَّذوا مؤامرتهم وأرسله معهم.
وهذا من الأساليب البلاغية العالية للقرآن أنه لا يذكر لك تفاصيل مفهومة بديهية في السياق.
20- ومن ذلك ما جاء في سورة الفتح قوله تعالى مخاطبًا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } (الفتح:8)، وبعد هذه الآية نقرأ قوله تعالى: { لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا } (الفتح:9)، وقد استشكل بعض الناس مرجع الضمائر الثلاثة في الأفعال: { وتعزروه وتوقروه وتسبحوه } هل هي عائدة إلى الله، أم إلى الرسول، أم ماذا ؟
ووجه الإشكال في الآية كما يتوهمه البعض، أن الضمائر الثلاثة إذا عادت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يؤدي إلى اضطراب في معنى الآية، ولا يكون المعنى مستقيمًا ولا سليمًا؛ لأن معنى الآية على هذا: أمر المسلمين بالتسبيح للرسول صلى الله عليه وسلم !!
أما إذا عادت الضمائر الثلاثة إلى الله تعالى، فإن المعنى أيضًا يكون مضطربًا؛ لأن الله ليس بحاجة إلى من يعزره ويقويه وينصره، ولأنه هو القوي العزيز .
وكلام المفسرين حول هذه الآية الكريمة، يكشف لنا أن الآية مستقيمة في تركيبها، وصحيحة في معناها؛
- وذلك أن الضمائر في قوله تعالى: { وتعزروه وتوقروه } تعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فيكون معنى قوله سبحانه: { وتعزروه } أي: تعظموه وتكبروه، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما؛ وقال قتادة معناه: تنصروه بالجهاد معه، والدعوة إلى شريعته؛ ويكون معنى { وتوقروه } من التوقير: وهو الاحترام والإجلال والإعظام. والآية على هذا تأمر المسلمين باحترام الرسول وتعظيمه باتباع ما أمر به، والنهي عما نهى عنه .
أما الضمير في قوله تعالى: { وتسبحوه } فيعود إلى الله تعالى، أي: تسبحون الله بكرة وأصيلاً، يعني: أول النهار وآخره .
ومن الجائز في لغة القرآن أن يكون بعض الكلام راجعًا إلى الله تعالى، وبعضه راجعًا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أمثلة، قال تعالى: { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون } (النور:52)، فالطاعة لله ولرسوله، والخشية والتقوى لله وحده .
وعلى هذا التوجيه للآية، استحسن بعض القراء الوقف في الآية على قوله سبحانه: { وتعزروه وتوقروه } ثم يكون الابتداء من قوله تعالى: { وتسبحوه بكرة وأصيلا }؛ وقد نقل ابن الجزري هذا الاستحسان، ثم قال: لئلا يوهم اشتراك عود الضمائر على شيء واحد، فإن الضميرين الأول والثاني، عائدان على النبي صلى الله عليه وسلم، والضمير الثالث عائد على الله عز وجل .
وهذا التوجيه للآية الكريمة هو الذي ذهب إليه جمهور المفسرين، كالطبري ، و القرطبي ، وابن كثير وغيرهم .
- ولكن فريقًا آخر من المفسرين، رأى أن الضمائر الثلاثة في الآية ترجع إلى الله سبحانه، ويكون المراد بتعزير الله تعالى على هذا الرأي: تعظيم دينه بالعمل به، واحترام رسوله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهديه، والتزام سنته؛ وكل هذا يدخل في قوله تعالى: { وتعزروه وتوقروه } ويمكن حمل الآية عليه. وإلى هذا التوجيه للآية ذهب الزمخشري و الألوسي من المفسرين .
- فالآية على كلا التوجهين صحيحة مستقيمة لا إشكال فيها، سواء أعدنا الضمائر كلها إلى الله، أم أعدنا الضمير الأول والثاني على الرسول، والثالث على الله .
(( نقلا عن موقع الشبكة الإسلامية ))
21- ومن ذلك ما وجاء في سورة الإنسان 76: 4 (إِنَّا أَعْتَدْنَال للْكَافِرِينَ سَلاَسِلاً وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً). فلماذا قال سلاسلاً بالتنوين مع أنها لا تُنوَّن لامتناعها من الصرف؟
الجواب :
قرأت سلاسلَ بالتنوين على لغة من لغات العرب التى تصرِّف كل الأسماء الممنوعة من الصرف فى النثر. أو أن تكون الألف المنونة فى سلاسلاً بدلاً من حرف الإطلاق.
(الكشاف للزمخشرى ج 4 ص 167)(2/253)
وكذلك جاء في سورة الإنسان 76: 15 (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا) بالتنوين مع أنها لا تُنّوَن لامتناعها عن الصرف؟
الجواب : لو رجعتم للمصحف لعرفتم أن قواريرا غير منونة ، فهى غير منونة على قراءة عاصم وكثيرين غيره، ولكن قرأ الإمامان النحويان الكسائى الكوفى، ونافع المدنى قواريراً منصرفة ، وهذا جائز فى اللغة العربية لتناسب الفواصل فى الآيات،أوعلى لغة من لغات العرب تصرِّف كل الأسماء الممنوعة من الصرف فى النثر .
22- ومن ذلك ما جاء في سورة البقرة 2: 196 (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَاِملَةٌ) . فلماذا لم يقل تلك عشرة مع حذف كلمة كاملة تلافيا لإيضاح الواضح، لأنه لا يوجد من يظن أن العشرة تسعة؟
الجواب : إن التوكيد طريقة مشهورة فى كلام العرب ، كقوله تعالى: (ولكن تَعْمَى القلوب التى فى الصدور) [الحج 46] ، وقوله تعالى: (ولا طائرٌ يطير بجناحيه) [الأنعام 38] ، أو يقول قائل سمعته بأذني ورأيته بعيني ، والفائدة فيه أن الكلام الذى يعبر عنه بالعبارات الكثيرة ويعرف بالصفات الكثيرة، أبعد عن السهو والنسيان من الكلام الذى يعبَّر عنه بالعبارة الواحدة ، وإذا كان التوكيد مشتملاً على هذه الحكمة كان ذكره فى هذا الموضع دلالة على أن رعاية العدد فى هذا الصوم من المهمات التى لا يجوز إهمالها ألبتة.
وقيل أيضاً إن الله أتى بكلمة (كاملة) لبيان الكمال من ثلاثة أوجه:
أنها كلمة فى البدل عن الهَدىْ قائمة مقامه ، وثانيهما أنها كاملة فى أن ثواب صاحبه كامل مثل ثواب من يأتى بالهَدىْ من القادرين عليه ، وثالثهما أنها كاملة فى أن حج المتمتع إذا أتى بهذا الصيام يكون كاملاً ، مثل حج من لم يأت بهذا التمتع.
وذهب الإمام الطبري إلى أن المعنى « تلك عشرة فرضنا إكمالها عليكم، إكمال صومها لمتعتكم بالعمرة إلى الحج، فأخرج ذلك مخرج الخبر.
23- ومن ذلك ما جاء في سورة الأنبياء 21: 3 (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الذِينَ ظَلَمُوا) فكان الواجب حذف ضمير الفاعل في أسرّوا لوجود الفاعل ظاهراً وهو الذين .
الجواب : إن التركيب مطابق لقواعد اللغة العربية باتفاق علماء اللغة وإن اختلفوا في الفاعل الذي أسنِدَ إليه الفعل، والجمهور على أنه مسند للضمير، والاسم الظاهر بدل منه.
ووجود علامة التثنية والجمع فى الفعل قبل الفاعل لغة طىء وأزد شنوءة، وهى لغة أكلونى البراغيث وقلنا من قبل إن القرآن نزل بلغات عدة عربية فصيحة ، وهذا أمر كان لا بد منه ، ومع هذا جاء هذا التعبير فى لغة قريش ، ومنه قول عبد الله بن قيس بن الرقيات يرثى مصعب بن الزبير:
تولى قتال المارقين بنفسه * * * وقد أسلماه مبعد وحميم
وقول محمد بن عبد الله العتبى من ولد عتبة بن أبى سفيان الأموى القرشى:
رأين الغوانى الشيب لاح بعارضى * * * فأعرضن عنى بالخدود النواضر
(الذين ظلموا ليست هنا فاعلاً مكرراً ، فكلمة أسر هى الفعل ، والواو فاعله، والنجوى مفعول به، وما بعده نعت )
24- ومن ذلك ما جاء في سورة يونس 10: 22 (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ). فلماذا التفت عن المخاطب إلى الغائب قبل تمام المعنى؟ والأصحّ أن يستمر على خطاب المخاطب.
الجواب :
1- المقصود هو المبالغة كأنه تعالى يذكر حالهم لغيرهم لتعجيبهم منها ، ويستدعى منهم مزيد الإنكار والتقبيح. فالغرض هنا بلاغى لإثارة الذهن والإلتفات لما سيفعله هؤلاء المُبعدين من نكران لصنيع الله بهم.
2- إن مخاطبته تعالى لعباده، هى على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، فهى بمنزلة الخبر عن الغائب ، وكل من أقام الغائب مقام المخاطب ، حسن منه أن يرده مرة أخرى إلى الغائب.
3- إن الإنتقال فى الكلام من لفظ الغيبة إلى الحضور هو من باب التقرب والإكرام كقوله تعالى: (الحمد لله ربَّ العالمين * الرحمن الرحيم) [الفاتحة 2-3] وكله مقام الغيب ، ثم انتقل منها إلى قوله تعالى: (إيَّاكَ نعبدُ وإيَّاكَ نستعين) [الفاتحة 5] ، وهذا يدل على أن العبد كأنه انتقلَ من مقام الغيبة إلى مقام الحضور ، وهو يوجب علو الدرجة ، وكمال القرب من خدمة رب العالمين.
أما إذا انتقل الخطاب من الحضور إلى الغيب وهو من أعظم أنواع البلاغة كقوله: (هو الذى يُسَيَّركم) ينطوي على الامتنان وإظهار نعمة المخاطبين، (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ) (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) ولما كان المسيرون في البر والبحر مؤمنين وكفارا والخطاب شامل لهم جميعا حسن الخطاب بذلك ليستديم الصالح الشكر، ولعل الطالح يتذكر هذه النعمة فيتهيأ قلبه لتذكر وشكر مسديها.
ولما كان في آخر الآية ما يقتضي أنهم إذا نجوا بغوا في الأرض، عدل عن خطابهم بذلك إلى الغيبة، لئلا يخاطب المؤمنين بما لا يليق صدوره منهم وهو البغي بغير الحق.، فهذا يدل على المقت والتبعيد والطرد ، وهو اللائق بحال هؤلاء ، لأن من كان صفته أنه يقابل إحسان الله تعالى إليه بالكفران، كان اللائق به ماذُكِرَ. ففيها فائدتان: المبالغة والمقت أوالتبعيد.
25- ومن ذلك ما جاء في سورة التوبة 9: 62 (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ). فلماذا لم يثنّ الضمير العائد على الاثنين اسم الجلالة ورسوله فيقول أن يرضوهما؟
الجواب :
1- لا يُثنَّى مع الله أحدٌ ، ولا يُذكر الله تعالى مع غيره بالذكر المُجْمَل ، بل يجب أن يفرد بالذكر تعظيماً له.
2- ثم إن المقصود بجميع الطاعات والعبادات هو الله ، فاقتصر على ذكره.(2/254)
3- ويجوز أن يكون المراد يرضوهما فاكتفى بذكر الواحد كقوله: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ والرأى مختلفُ أى نحن بما عندنا راضون.
4- أن العالم بالأسرار والضمائر هو الله تعالى ، وإخلاص القلب لا يعلمه إلا الله ، فلهذا السبب خصَّ الله تعالى نفسه بالذكر.
5- كما أن رضا الرسول من رضا الله وحصول المخالفة بينهما ممتنع فهو تابع لرضاء ربه ، لذلك اكتفى بذكر أحدهما كما يقال: إحسان زيد وإجماله نعشنى وجبرنى. وقد قال أهل العلم: إن إفراد الضمير لتلازم الرضاءين.
6- أو على تقدير: والله أحق أن يرضُوه ورسوله كذلك، كما قال سيبويه: فهما جملتان حذف خبر إحداهما لدلالة الثاني عليه والتقدير: والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك.
26- ومن ذلك ما جاء في سورة التحريم 66: 4 (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا). والخطاب
(كما يقول البيضاوي). موجّه لحفصة وعائشة. فلماذا لم يقل صغا قلباكما بدل صغت قلوبكما إذ أنه ليس للاثنتين أكثر من قلبين؟
الجواب : القلب متغير فهو لا يثبت على حال واحدة ، فلذلك جمعه فصار قلب الإنسان كانه قلوب ، ومثل ذلك (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) [النحل 78] ، ولعل المراد به هو جمع بناء على القلة تنبيهاً على هناك الكثير من يسمع الحق بل ويراه ، لكن هناك قلة من القلوب التى تستجيب وتخشع لله.
أن الله قد أتى بالجمع في قوله (قلوبكما) وساغ ذلك لإضافته إلى مثنى وهو ضميراهما. والجمع في مثل هذا أكثر استعمالا من المثنى. فإن العرب كرهوا اجتماع تَثْنيَيْن فعدلوا إلى الجمع لأن التثنية جمع في المعنى .
(( نقلا عن موقع شبكة بن مريم الإسلامية)) + ((الشبكة الإسلامية))
(( موقع أبو إسلام أحمد عبد الله ))
الباب الثانى
شبهات النصارى حول السُنَّة
ويشتمل على :
الفصل الأول:الشبهات المتعلقة بشخص النبى- صلى الله عليه وسلم -
الفصل الثانى:الشبهات المتعلقة بأحاديث النبى- صلى الله عليه وسلم
الفصل الأول
الشبهات المتعلقة بشخص النبى صلى الله عليه وسلم
الشبهة الأولى :- ما ذكروه من أن النبي كان يستقبل زائريه وهو لابس ثوب زوجته.
والجواب :
أن نص االحديث ((عن عائشة زوج النبي أن أبا بكر استأذن على رسول الله وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف قال عثمان ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة اجمعي عليك ثيابك فقضي إليه حاجته ثم انصرف فقالت عائشة يا رسول الله مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان قال رسول الله إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته )) صححه الالبانى رقم 600السلسلة الصحيحة
فهم هؤلاء من الحديث أن الرسول كان مضطجعا في فراشه لابساً مرط عائشة فلما حضر عثمان لم يرد الرسول أن يراه عثمان هكذا لما يعرفه من حياء عثمان وخجله فأعطى المرط لعائشة وجلس وقال لها اجمعي عليك ثيابك وهذا فهم سقيم لأمور منها :-
- أنه جاء فى الحديث أن أبو بكر وعمر استأذنا على النبي فأذن لهم وهو على تلك الحال ( أي مضطجع وعليه مرط عائشة ) ثم عندما جاء عثمان قال لعائشة اجمعي عليك ثيابك ! أليس هذا دليل على أنها كانت موجودة مستترة أصلا لدخول عمر عليها وهى على تلك الحال
وعليه يكون الجواب كما يلى:-
أولا : المرط ليس فستاناً ولاثوباً ، المرط هو كساء من صوف أو خز يضعه الرجل عليه ، كما تضعه المرأة ، ويلتحف فيه الرجل والمرأة سواء ، كما في جامع الترمذي ( خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط من شعر أسود ) قال الشيخ الألباني : صحيح
( المِرْطُ ): بالكسر كساءٌ من صُوفٍ أوخَزّ [ج] مُرُوط وبالفتح نَتْفُ الشَّعَرِ ( معجم القاموس المحيط )
المِرْطُ : كساءٌ مِنْ خَزٍّ أو صوف أو كَتَّانٍ يؤْتزَر به وتتلفّع به المرأة ج مُرُوطٌ. ( معجم المحيط )
وكذلك تقول العرب ( لابِس )إذا وضع الشيء عليه أو جلس عليه ، ولهذا جاء في حديث ( جالس على حصير بلي من طول ما لبس ) قال الشيخ الألباني : صحيح ـ أو من طول ما جلس عليه تلف الحصير ،
فمعنى كلمة لبس أعم في لغة العرب من معناها في اللهجات العامية ، في اللغة تشمل وضع الرداء أو اللحاف على الجسد ، بل و الجلوس على الحصير أو أي سجاد ـ وهذا هو الذي كان فعله النبي صلى الله عليه وسلم كان ملتحفاً بالمرط أي بالكساء .
وهل يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يلبس فستان امرأة ، ولماذا ؟ ولكن لا بأس فنحنُ نلتمس العذر لسذاجة عقولهم وطريقة تفكيرهم .
وثانياً : القصة واضحة لا إشكال فيها كانت عائشة في ناحية البيت ومتحجبة الحجاب الشرعي، والنبي صلى الله عليه وسلم مضطجع وعليه مرط ، عليه لحاف هو في الاصل تتلحف به عائشة ، ولكنه وضعه عليه وهو مضطجع ، دخل أبو بكر ودخل عمر والنبي على هذا الحال،وعائشة على حجابها ، ثم لما دخل عثمان وهو شديد الحياء خشي أن عثمان يشعر أنه قد أحرج النبي فيمتنع من قول حاجته ، فأمر النبي عائشة أن لا تكتفي بالحجاب ولكن تجمع عليها ثيابها أكثر حتى يبدو أهل البيت في حال استقبال الناس ، وأما هو فجلس له وتهيأ له ، حتى لايمنعه الحياء من سؤال حاجته(2/255)
و النبي صلى الله عليه وسلم بشر من البشر ، ومن طبيعة البشر أنه قد يسقط بعض الكلفة أمام بعض خاصته ، بما لايفعله أمام غيرهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يرى في عثمان حياء شديداً ، فهو يستحي أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الحال ، إنه شخص شديد التحرج ، وخاف النبي صلى الله عليه وسلم أن يمنعه رؤية هيئة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحال أن يذكر حاجته من النبي ، فجلس له وتهيأ له بما يناسب طبيعة عثمان رضي الله عنه ، ثم قال إن هذا الرجل تستحي منه الملائكة ، وليس في هذا نفي أن الملائكة تستحي من النبي ، ولكن ذكر هنا حياءها من عثمان ، لأنه شديد الحياء ، والملائكة أيضا موصوفة بالحياء ، فإذا رأت عثمان استحيت من كونه أشد حياء من الملائكة ، كأن النبي يقول لهذا السبب أنا أقدر شدة حيائه ، وتميزه بهذه الناحية فيكون تهيئي له يختلف عن غيره ، وليس في هذا ما يغض من منزل النبي صلى الله عليه وسلم أبدا ، ولكن الحاقد ينظر بنظرة الحقد لا بعين الانصاف هذا هو المعنى المستفاد من الحديث لا أكثر ، ولهذا رواه أهل الحديث وتلقاه المسلمون من غير استنكار لأنه ليس فيه ما يستنكر ، أما الحاقدون الجاهلون بلغة العرب ، فهم يتوهمون ويُوهمون ماليس يدل عليه سياق الحديث ولا لغته ، وهو أنه كان النبي يلبس ثوب عائشة وهي بلا ثوب ، ثم لما دخل أبو بكر وعمر كان على هذا الحال ، ثم لم دخل عثمان نزع الفستان ولبسته عائشة ، وهذا فهم أعجمي وسقيم وطفولي وغبي ، ولايدل عليه الحديث والقصة بعيده كل البعد عن هذا الفهم المريض ، ولكن لانهم قد أكل الغيظ قلوبهم ، ولهم نقول (قل موتوا بغيظكم ) والله المستعان عليهم (( نقلا عن شبكة نور الإسلام ))
الشبهة الثانية :-
كيف سحر النبى صلى الله عليه وسلم
والجواب :-
أن الله سبحانه وتعالى يبتلي رسله عليهم الصلاة والسلام بأنواع البلاء ، فيزداد بذلك أجرهم ويعظم ثوابهم ، فقد ابتلى رسله بتكذيب أقوامهم لهم ، ووصل ايذاؤهم إليهم ، وابتلى بعض الرسل بالمرض ، ومن الابتلاء الذي أوذي به الرسول صلى الله عليه وسلم ما أصابه من السحر ، روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً من بني زريق يقال له : لبيد بن الأعصم سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى كان رسول الله يخيل إليه أنه كان يفعل الشيىء وما فعله . . . .
إلا أن هناك بعض العلماء أنكروا هذا الحديث ، وردوه رداً منكراً بدعوى أنه مناقض لكتاب الله الذي برأ الرسول من السحر .
وقد أجاب كثير من العلماء عن هذه الشبهة وبينوا زيفها بالآتي :
أولاً :
من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر ، فيجوز أن يصيبه ما يصيب البشر من الأوجاع والأمراض وتعدي الخلق عليه وظلمهم إياه كسائر البشر إلي أمثال ذلك مما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ، ولا كانت الرسالة من أجلها فإنه عليه الصلاة والسلام لم يعصم من هذه الامور ، فغير بعيد أن يصاب بمرض أو اعتداء أحد عليه بسحر ونحوه يخيل إليه بسببه في أمور الدنيا ما لا حقيقة له ، كأن يخيل إليه أنه وطىء زوجاته وهو لم يطأهن وحدث أنه جاء للرسول صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة يعوده قائلاً له : (( إنك توعك يا رسول الله فقال : إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم )) إلا أن الإصابة أو المرض أو السحر لا يتجاوز ذلك إلي تلقي الوحي عن الله سبحانه وتعالى ولا إلي البلاغ عن ربه إلي الناس لقيام الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع سلف الامة على عصمته صلى الله عليه وسلم في تلقي الوحي وإبلاغه وسائر ما يتعلق بشؤون الدين .
والذي وقع للرسول صلى الله عليه وسلم من السحر هو نوع من المرض الذي يتعلق بالصفات والعوارض البشرية والذي لا علاقة له بالوحي وبالرسالة التي كلف بإبلاغها ، لذلك يظن البعض أن ما اصاب الرسول صلى الله عليه وسلم من السحر هو نقصاً وعيباً وليس الأمر كما يظنون لأن ما وقع له هو من جنس ما كان يعتريه من الأعراض البشرية كأنواع الامراض والآلام ونحو ذلك ، واستدل ابن القصار على أن الذي أصابه كان من جنس المرض بقول الرسول في حديث آخر : (( أما أنا فقد شفاني الله )) ويؤيد ذلك حديث ابن عباس عند ابن سعد : (( مرض النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ عن النساء والطعام والشراب ، فهبط عليه ملكان )) فتح الباري 10 : 227 .
وجاء في مرسل عبد الرحمن بن كعب عند ابن سعد ان أخت لبيد بن الاعصم قالت : (( إن يكن نبياً فسيخبر ، وإلا فسيذهله هذا السحر حتى يذهب عقله .)) فوقع الشق الاول .
ثانياً :
دعواهم أن السحر من عمل الشيطان والشيطان لا سلطان له على عباد الله لأن الله يقول : (( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان )) سورة الحجر : 42
فنقول :
إن المراد من قوله سبحانه وتعالى : (( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان )) أي في الاغواء والإضلال فالسلطان المثبت للشيطان هو سلطان إضلاله لهم بتزينه للشر والباطل وإفساد إيمانهم ، فهذه الآية كقوله سبحانه وتعالى حكاية عن الشيطان في مخاطبته رب العزة : (( لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين )) ولا ريب أن الحالة التي تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم لا تنطبق عليها هذه الآية الكريمة .
ولا شك أن اصابة الشيطان للعبد الصالح في بدنه لا ينفيه القرآن ، وقد جاء في القرآن ما يدل على إمكان وقوعها ، ومن ذلك قول أيوب عليه السلام في دعائه ربه : (( أني مسني الشيطان بنصب وعذاب )) سورة ص : 41(2/256)
وموسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل ، وقد خيل إليه عندما ألقى السحرة عصيهم أنه تسعى : (( فأوجس في نفسه خيفة موسى )) سورة طه : 67 فهذا التخيل الذي وقع لموسى يطابق التخيل الذي وقع للرسول صلى الله عليه وسلم ، إلا أن تأثير السحر كما قررنا لا يمكن أن يصل إلي حد الاخلال في تلقي الوحي والعمل به وتبليغه للناس ، لأن النصوص قد دلت على عصمة الرسل في ذلك .
ثالثاً :
لنا أن نسأل النصارى
إذا كنتم تعتقدون أن ما أصاب النبي محمداً على أيدي اليهود من السحر والذي قررنا أنه لم يكن له تأثير في دينه وعبادته ، ولا في رسالته التي كلف بإبلاغها، إذا كنتم تعتقدون أن ما اصابه هو قدح و طعن في نبوته فهل يعني ذلك أنكم اسقطتم أنبياء كتابكم المقدس الذي نص على أنهم عصاة زناة كفار ؟!
ألم يرد في كتابكم المقدس أن نبي الله سليمان كفر وعبد الاوثان وهو نبي من انبياء الله [ سفر الملوك الأول ]
فهل أسقتطم نبوءة سليمان وهل ما أقدم عليه النبي سليمان من السجود للأوثان والكفر بالله هو أمر موجب للطعن في نبوته ومسقطاً لها ؟!
وإذا كان ما قام به النبي سليمان من السجود للأوثان والكفر بالله هو أمر لا يوجب الطعن في نبوته و لا يسقط نبوته عندكم ، فكيف تعتبرون ما أصاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم من السحر الذي لم يكن له تأثير في دينه وعبادته ولا في رسالته التي كلف بابلاغها هو أمر موجبا للطعن في نبوته ؟
ثم أخبرونا عن ذلك الشيطان الذي تسلط على المسيح طوال 40 يوماً كما جاء في إنجيل متى ابتداءً من الاصحاح الرابع ، حيث كان إبليس يقود المسيح إلي حيث شاء فينقاد له . فتارة يقوده إلي المدينة المقدسة و يوقفه على جناح الهيكل وتارة يأخذه إلي جبل عال جداً ... الخ فهل هذا لايقدح فى ألوهية عيسى وذاك يقدح فى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
رابعا
في قصة سحر النبي عليه الصلاة والسلام الكثير من أدلة نبوته عليه الصلاة والسلام طبقاً للآتي :
1- كيف عرف النبي عليه الصلاة والسلام أن الذي سحره هو لبيد بن الأعصم وأن السحرموجود في مكان كذا وكذا لو لم يكن نبياً؟فالنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي أرسل أصحابه ليستخرجوا السحر من المكان الذي وضع فيه وقصة إخبار الملائكة لمحمد عليه الصلاة والسلام بموضع ومكان السحر لم يذكرها هؤلاء الضالون فهم انتقائيون في اختيار موادهم .
2- لقد فك الرسول عليه الصلاة والسلام السحر بقراءة المعوذتين وهذا دليل على أن
المعوذتين كلام الله عز وجل وأن محمداً نبي موحىً إليه.
3-. هذه القصة دليل على كذب المستشرقين عندما قالوا إن السنة النبوية قد وضعها أصحاب النبي ليثبتوا أنه نبي وأنه كامل في كل صفاته فلو كان كلامهم صحيحاً لكان هذا الحديث أول شيء يحذفه الصحابة من السنة لأنه ينقص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم
على حد زعمهم طبعاً فقد أثبتنا الآن أن هذا الحديث يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى} والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم{ ( موقع منتديات البوابة )
الشبهة الثالثة :-
تحت عنوان : ( عرياناً يجر ثوبه ) وضع أعداء الإسلام من النصارى الحديث التالي في
مواقعهم للطعن في رسولنا الكريم .
عن عائشة قالت : قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فأتاه فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده فاعتنقه وقبله قال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث الزهري إلا من هذا الوجه
الجواب :
هذا الحديث أخرجه الترمذي ، ولم تثبت صحته ففي سنده أبي يحيى بن محمد ، قال عنه الذهبي ضعيف وقال عنه الساجي : في حديثه مناكير وأغاليط وفي الحديث علة أخرى : ابراهيم بن يحيى بن محمد وهو لين الحديث وقال عنه الرازي ضعيف ، وقد أورد العلامة الإلباني الحديث ضمن سلسلة الأحاديث الضعيفة [ ضعيف الترمذي / 516 وهكذا عزيزي القارىء يتبين لك مدى ضعف هذه الرواية ومدى سقوط الاحتجاج بها , وأن خصومنا من النصارى يتعلقون بالضعيف والمكذوب نسال الله السلامة ونعوذ بالله من الخذلان.
ولا يفوتنا هنا بعد أن بينا أن هذا الحديث لا يساوي شىء عندنا أن ننقل للنصارى ما جاء في انجيل يوحنا المقدس عندهم عن الرسول بطرس : بطرس الرسول - صخرة الكنيسة - عارياً على شاطىء البحر !!
يروي يوحنا قصة ظهور المسيح لتلاميذه عند بحيرة طبرية قائلاً : (( بعد هذا ظهر أيضاً يسوع نفسه للتلاميذ على بحر طبرية .ظهر هكذا . كان سمعان بطرس وتوما الذي يقال له التوأم ونثنائيل الذي من قانا الجليل وابنا زبدي واثنان آخران من تلاميذه مع بعضهم . قال لهم سمعان بطرس انا اذهب لأتصيد .قالوا له نذهب نحن أيضا معك .فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت وفي تلك الليلة لم يمسكوا شيئا . ولما كان الصبح وقف يسوع على الشاطئ .ولكن التلاميذ لم يكونوا يعلمون أنه يسوع . فقال لهم يسوع يا غلمان لعل عندكم إداما .أجابوه لا . فقال لهم القوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن فتجدوا .فألقوا ولم يعودوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السمك . فقال ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس: هو الرب .فلما سمع سمعان بطرس أنه الرب أتزر بثوبه لأنه كان عرياناً وألقى نفسه في البحر) يوحنا21: 1 - 7 )(2/257)
إن الحدث الغريب حقاً أن بطرس الرسول عندما سمع أن المسيح قد حضر اتزر بثوبه لأنه كان عرياناً وألقى بنفسه في البحر )) . يوحنا 21 : 7 . كيف يكون بطرس كبير الحواريين عرياناً على شاطىء البحر ؟! ولماذا يخجل من التعري عندما سمع بحضور المسيح فقط؟! هل التعري جائز في غياب المسيح وغير جائز في حضورة ؟! كيف كان بطرس الرسول الملقب بصخرة الكنيسة عارياً على الشاطىء أمام التلاميذ ومن كان موجودا ؟!
((نقلا عن موقع المسيحية فى الميزان))
الشبهة الرابعة :- حديث اكشفي عن فخذيك
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الله يعني ابن عمر بن غانم عن عبد الرحمن يعني ابن زياد عن عمارة بن غراب قال إن عمة له حدثته أنها سألت عائشة قالت :
(( إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد قالت أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فمضى إلى مسجده قال أبو داود تعني مسجد بيته فلم ينصرف حتى غلبتني عيني وأوجعه البرد فقال ادني مني فقلت إني حائض فقال وإن اكشفي عن فخذيك فكشفت فخذي فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفئ ونام ))
( رواه أبو داود 1/70 رقم 270 والبيهقي في سننه 1/313 1/55 حديث رقم 120).
الحديث ضعيف. ضعفه الألباني في ضعيف الجامع ص 26. وفي ضعيف الأدب المفرد
ص 30
- فيه عبد الرحمن بن زياد: وهو الإفريقي مجهول. قال البخاري في كتاب الضعفاء الصغير307 » في حديثه بعض المناكير« وقال أبو زرعة » ليس بالقوي« (سؤالات البرذعي ص389) وقال الترمذي ضعيف في الحديث عند أهل الحديث مثل يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل (انظر سنن الترمذي حديث رقم 54 و199 و1980) بل قال » ليس بشيء كما في (الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي2/204 ترجمة رقم2435 وميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي ترجمة رقم6041 تهذيب الكمال21/258).
وقال البزار له مناكير (كشف الأستار رقم2061) وقال النسائي ضعيف (الضعفاء والمتروكون337) وقال الدارقطني في سننه (1/379) » ضعيف لا يحتج به وضعفه أيضا في كتاب العلل.
- و فيه عمارة بن غراب اليحصبي: قال الحافظ في تقريب التهذيب تابعي مجهول. غلط من عده صحابيا« (ترجمة رقم4857).
و قال المنذري : عمارة بن غراب والراوي عنه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي
والراوي عن الأفريقي عبد الله بن عمر بن غانم وكلهم لا يحتج بحديثه .
( انتهى شبكة بن مريم الإسلامية )
الشبهة الخامسة :-شبهة مباشرة رسول الله لزوجته وهى حائض
ذكر المعترضون ما ورد فى الصحيحين من حديث ميمونة بنت الحارث الهلالية (رضى الله عنها) قالت: كان النبى إذا أراد أن يباشر إمراة من نسائه أمرها فأتزرت و هى حائض. ولهما عن عاشة نحوه. و ظنوا بجهلهم أن ذلك يتعارض مع قوله تعالى (( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ
فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) (البقرة 22)
و سبب ذلك أنهم أناس لا يفقهون فالمباشرة المنهى عنها فى الأية الكريمة هى المباشرة فى الفرج أما ما دون ذلك فهو حلال بالإجماع و قد روى الإمام أحمد و أبِو داوود و الترمذى وابن ماجة عن عبد الله بن سعد الأنصارى أنه سأل رسول الله (ص) : ما يحل لى من امرأتى و هى حائض؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " ما فوق الإزار" و لعل ما دفعهم إلى الإعتراض هو وضع المرأة الحائض فى الكتاب اللامقدس(( وَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا،وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. كُلُّ مَا تَنَامُ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ حَيْضِهَا أَوْ تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً، وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ مَنْ مَسَّ مَتَاعاً تَجْلِسُ عَلَيْهِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. وَكُلُّ مَنْ يَلَمِسُ شَيْئاً كَانَ مَوْجُوداً عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. وَإِنْ عَاشَرَهَا رَجُلٌ وَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ طَمْثِهَا، يَكُونُ نَجِساً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَكُلُّ فِرَاشٍ يَنَامُ عَلَيْهِ يُصْبِحُ نَجِساً.))(لاوين-15-19) فهذا هو كتابهم الذى يجعلها فى حيضها كالكم المهمل الذى لا يقترب منه أحد و كأنها ( جربة ) و قد ورد عن أنس أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة منهم لم يواكلوها و لم يجامعوها فى البيوت فسأل الصحابة رسول الله (ص) فى ذلك فأنزل الله تعالى ((البقرة22)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شىء إلا النكاح" فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه .
(( موقع أبو إسلام أحمد عبد الله ))
الشبهة السادسة :-
شبهة قراءة النبى (ص) للقرءان فى حجر عائشة و هى حائض
روى البخارى عن عاشة قالت: كان رسول الله (ص) يأمرنى فأغسل رأسه و أنا حائض وكان يتكىء فى حجرى و أنا حائض فيقرأ القرأن .
و هذا أيضاً لا شبهة فيه و ما دفعهم إلى الإعتراض على ذلك الحديث إلا نفس السبب الذى دفعهم للإعتراض على الحديث السابق و هو تصورهم المتطرف لوضع المرأة الحائض وجعلها كالقاذورات التى تنجس كل ما تمسه و هذا ليس من شريعة الإسلام الوسطية العادلة فالمرأة إن كانت لا يمكنها الصلاة أو الصيام و هى حائض إلا أنها لا تنجس زوجها إذا ما مسته و لا ينظر إليها فى حيضها بهذا الإزدراء حتى أن المرأة الحائض عندهم مذنبة !!(2/258)
((28وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ سَيْلِهَا تَحْسِبُ لِنَفْسِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَطْهُرُ. 29وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تَأْخُذُ لِنَفْسِهَا يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ وَتَأْتِي بِهِمَا إِلَى الْكَاهِنِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 30فَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ الْوَاحِدَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ وَالْآخَرَ مُحْرَقَةً وَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ مِنْ سَيْلِ نَجَاسَتِهَا))(لاويين 28:15-30)-
فأين ذلك من شريعة الإسلام الطاهرة التى تحترم المرأة لذا يستدل العلماء من حديث أم المؤمنين عائشة بجواز ملامسة الحائض وأن ذاتها وثيابها على الطهارة ما لم يلحق شيئا منها نجاسة وفيه جواز القراءة بقرب محل النجاسة , قاله النووي : وفيه جواز استناد المريض في صلاته إلى الحائض إذا كانت أثوابها طاهرة , قاله القرطبي بل و يمكن للمرأة نفسها أن تتعبد بقراءة القرأن دون النطق به ويمكنها تقليب صفحاته باستعمال سواك أو بارتداء قفاز أو ما شابه ذلك بل و عند إبن حزم يمكنها الجهر بقراءة القرءان و هى حائض دون مس المصحف الشريف (( منتدى العقائد والاديان ))
الشبهة السابعة :- شبهة أن رسول الله (ص) طلق سودة لأنها أسنت
اعترضوا بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم طلق أم المؤمنين سودة لمجرد انها أسنت و استدلوا استدلال خاطىء بما جاء فى الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : لَمَّا كَبِرَتْ سَوْدَة بِنْت زَمْعَة وَهَبَتْ يَوْمهَا لِعَائِشَة فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِم لَهَا بِيَوْمِ سَوْدَة وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عن عروة قال:لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه فِي سَوْدَة وَأَشْبَاههَا وَإِنْ اِمْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا وَذَلِكَ أَنَّ سَوْدَة كَانَتْ اِمْرَأَة قَدْ أَسَنَّتْ فَفَرَقَتْ أَنْ يُفَارِقهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَنَّتْ بِمَكَانِهَا مِنْهُ وَعَرَفَتْ مِنْ حُبّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَة وَمَنْزِلَتهَا مِنْهُ فَوَهَبَتْ يَوْمهَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَة فَقَبلَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
والجواب:
إن زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من سودة رضى الله عنها كان من الأساس زواج رحمة و رأفة لا زواج رغبة فقد تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم و هى فى السادسة و الستين من عمرهاوهو كذلك كان فى سن كبيرة فى الثالثة والخمسين من عمره و كانت قد أسلمت مع زوجها و هاجرا إلى الحبشة فراراًً من أذى الجاهلين من قريش و مات بعد أن عادا و كان أهلها لا يزالون على الشرك فإذا عادت إليهم فتنوها فى دينها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمايتها من الفتنة و لكن بعد زمن وصلت أم المؤمنين إلى درجة من الشيخوخة يصعب معها على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيها كامل حقوقها ويصعب عليهاأيضا فى هذا السن أن تقوم بحقوق الزوج فأراد تطليقها رأفةً بها كى لا يذرها كالمعلقة و كى لا يأتى الجهال فى عصرنا و يقولوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يعدل بين أزواجه فقالت رضى الله عنها (فإنى قد كبرت و لا حاجة لى بالرجال و لكنى أريد أن اُبعث بين نسائك يوم القيامة) فأنزل الله تعالى ((وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)) (البقرة) و علمتنا هذه الأية المباركة أن المرأة إذا خافت من زوجها أن ينفر عنها أو يعرض عنها فلها أن تسقط عنه بعض حقوقها سواءً نفقة أو كسوة أو مبيت و له أن يقبل ذلك فلا حرج عليها فى بذلها ذلك له و لا حرج عليه فى قبوله, فراجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم و كان يحسن إليها كل الإحسان.
(( نقلا عن موقع نبى الإسلام ))
الشبهة الثامنة :- شبهة موت الرسول صلى الله عليه وسلم متأثرا بسم الشاة :
اعترض النصارى على عصمة النبى بقصة شاة خيبر فقد روى ابن كثير عن ابن إسحاق
قال: لما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له إمرأة يهودية شاة مصلية و قد سألت أى عضو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها الذراع فأكثرت من السم فيها, ثم سممت الشاة ثم جاءت بها , فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع فلاك منها مضغة لم يسغها و معه بشر ابن براء قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما بشر فأساغها و أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ثم قال"إن هذا العظم يخبرنى أنه مسموم" (( وهذا من معجزاته عليه السلام )) ثم دعا بها فاعترفت, فقال" ما حملكى على ذلك؟" قالت بلغنى ما لم يخف عليك فقلت إن كان كذّابا استرحنا منه و إن كان نبيا فسيخبر" فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم و مات بشر من أكلته ,
أما رسول الله فلم يمت إلا بعد هذه الواقعة بثلاث سنوات كاملة كانت هذه السنوات الثلاث من أهم مراحل الدعوة النبوية ففيها فَتحت مكة و دخل الناس فى دين الله أفواجا و حج النبى صلى الله عليه وسلم حجة الوداع واكتملت الشريعة .
و قد جاءت الإرهاصات التى تشير إلى قرب أجل النبى (ص) قبل مرض موته و بينما كان فى أوج فتوحاته و إنتصاراته ولم يكن حينها يعانى من أثر السم(2/259)
1- منها ما جاء فى القرأن الكريم من قوله تعالى : "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً "(المائدة) و لم ينزل بعد هذه الأية أى من أيات الأحكام و لا يقولن قائل إن سورة المائدة فيها أحكام فى مواضع لاحقة عن هذه الأية لأن الترتيب كان وفق ما يقرره الوحى فكان رسول الله يقول "ضعوا هذه الأية على رأس المائة من سورة كذا" و" ضعوا تلك الأية على رأس المائتين من سورة كذا"
2- كذلك من الإرهاصات التى جاءت فى القرأن الكريم قوله تعالى "إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3)"(النصر)
فكانت هذه السورة إشارة رقيقة إلى أن رسول الله (ص) أدى الرسالة و بلغ الأمانة و نصح للأمة و عليه الأن أن يستعد للرحيل من هذه الدار بسلام إلى دار السلام فكان رسول الله (ص) لا ينقطع عن القول فى ركوعه" سبحانك اللهم ربنا و بحمدك, اللهم اغفر لى" فى كل صلواته عليه السلام .
3- أيضا ما رواه البخارى عن ابن عباس قال:- كان رسوا الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس و كان
أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل و كان يلقاه فى كل ليلة من ليالى رمضان فيدارسه القرأن فكان جبريل يقرأ و النبى يسمع حينا و النبى يقرأ و جبريل يسمع حينا حتى كان العام الذى توفى فيه الرسول فعارضه جبريل بالقرأن مرتين لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلى" و قد شهد العرضة الأخيرة أحد مشاهير كتاب الوحى و هو زيد بن ثابت الأنصارى.
4- منها ما ورد عن أبو مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيقظنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة و قال:إنى أٌمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معى فانطلقت معه صلى الله عليه وسلم فسلم عليهم ثم قال :- ليهنئكم ما أصبحتم فيه, قد أقبلت الفتن كقطع اليل المظلم ثم قال:- قد أُوتيت مفاتيح خزائن الأرض و الخلد فيها ثم الجنة و خُيرت بين ذلك و بين لقاء ربى فإخترت لقاء ربى , ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف . فبدأ مرضه الذى قبض فيه.
5- منها ما ورد عن أم المؤمنين عائشة قالت:- فما رجع من البقيع وجدنى و أنا صداعا و أنا أقول: وارأساه! قال صلى الله عليه وسلم: بل أنا والله يا عائشة وارأساه! ثم قال: ما بالك لو مت قبلى فقمت عليك و كفنتك و صليت عليك و دفنتك؟ فقلت: فكأنى بك و الله لو فعلت ذلك فرجعت إلى بيتى فعرُست ببعض نسائك.
فتبسم و تتام به وجعه و تمرض فى بيتى. فخرج منه يوماً بين رجلين أحدهما الفضل بن العباس و الأخر على قال الفضل: فأخرجته حتى جلس على المنبر فحمد الله و كان أول ما تكلم به النبى صلى الله عليه وسلم أن سلم على أصحاب أحد فأكثر و استغفر لهم ثم قال: أيها الناس إنه قد دنا منى حقوق من بين أظهركم فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهرى فليستقد منه و من كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضى فليستقد منه و من أخذت له مالاً فهذا مالى فليأخذ منه و لا يخش الشحناء فإنها ليست من شأنى و إن أحبكم إلى من أخذ منى حقاً إن كان له أو حللنى فلقيت ربى و أنا طيب النفس ثم نزل فصلى الظهر ثم رجع إلى المنبر فعاد إلى مقولته الأولى فادعى عليه رجل بثلاثة دراهم فأعطاه عوضها ثم قال صلى الله عليه وسلم أيها الناس من كان عنده شىء فليؤده و لا يقول فضوح الدنيا ألا و إن فضوح الدنيا أهون من فضوح الأخرة ثم صلى على أصحاب أحد و استغفر لهم ثم قال : إن عبداً خيّره الله بين الدنيا و ما عنده فاختار ما عنده .فبكى أبو بكر و قال: فديناك بأنفسنا و أبائنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبقين فى المسجد باب إلا باب أبى بكر فإنى لا أعلم أحداً أفضل فى الصحبة عندى منه و لو كنت متخذاً خليلاً لاخذت أبا بكر خليلاً و لكن أُخوَة الإسلام.
6- منها أيضا ما ورد أنه لما إشتد الوجع برسول الله صلى الله عليه وسلم و نزل به الموت جعل يأخذ الماء بيده و يجعله على وجهه و يقول :- واكرباه فتقول فاطمة:- واكربى على كربتك يا أبتى
فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا كرب على أبيك بعد اليوم, فلما رأى شدة جزعها استندها و سارها , فبكت ثم سارها فضحكت , فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم سالتها عائشة عن ذلك فقالت : أخبرنى أبى أنه ميت فبكيت ثم أخبرنى أنى أول أهله لحوقا به فضحكت .
( و قد ماتت رضى الله عنها بعد ر سول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر ).
7- قالت أم المؤمنين عائشة: و كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كثيراً: إن الله لم يقبض نبى حتى يخيره . فلمل احتضر كانت أخر كلمة سمعتها منه و هو يقول: بل الرفيق الأعلى. قالت: قلت إذاً ؤالله لا يختارنا و علمت أنه يخيّر .
فهذه الأدلة تؤكد أن موته صلى الله عليه وسلم لم يكن فجأة بفعل السم حتى يقال إنه مات ولم تتم رسالته بل كان موت النبى صلى الله عليه وسلم بقدر بعدما بلغ الرسالة وعليه فليس فعل السم فيه قادحا فى عصمته(2/260)
و نقول للمتمطعين الذين يقولون إن عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست معجزة وأن أى إنسان يمكنه إدعاءها, فأقول لهم: و هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم كأى إنسان؟ إنه بإعتراف مؤرخى الشرق و الغرب أعظم شخصية عرفها التاريخ و أعظم قائد دينى و سياسى و أعداؤه كانوا أكثر من أن يحصوا من اليهود و النصارى و الوثنيين و المجوس و المنافقين و كلهم حاول إغتياله و القضاء على دعوته المباركة و كان الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم يحرسه الصحبة من كيد الكافرين فلما أنزل الله (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )) "المائدة 67"
فكيف الحال و قد قتل المسيح كما تزعمون بعد بدء دعوته بعام و نصف أو ثلاثة أعوام فقط على أحد الأقوال فهل هو بذلك غير معصوم ومحفوظ كنبى فضلا عن كونه إلاها كما تزعمون تعالى الله عما تقولون علوا كبيرا
(( نقلا عن موقع شبكة بن مريم الإسلامية))
الشبهة التاسعة :-
هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينسى ؟؟
و نجيب بالقول الاتي : وقوع النسيان من النبي يكون على قسمين:
الأول: وقوع النسيان منه فيما ليس هو مأمور فيه بالبلاغ مثل الأمور العادية و الحياتيه فهذا جائز مطلقا لما جبل عليه من الطبيعة البشرية.
والثاني: وقوع النسيان منه فيما هو مأمور فيه بالبلاغ
وهذا جائز بشرطين :
الشرط الأول: أن يقع منه النسيان بعد ما يقع منه تبليغه، وأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلا
الشرط الثاني: أن لا يستمر على نسيانه، بل يحصل له تذكرة إما بنفسه، وإما بغيره
وقال القاضي عياض رحمه الله: بجواز النسيان عليه ابتداء فيما ليس هو مأمور فيه بالبلاغ واختلفوا فيما هو مأمور فيه بالبلاغ والتعليم، و من ذهب الي الإجازة قال: لا بد أن يتذكره أو يذكره به أحد
قال الإسماعيلي النسيان من النبي لشيء من القرآن يكون على قسمين:
أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قرب، وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله في حديث ابن مسعود في السهو: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون
وهذا القسم سريع الزوال، لظاهر قوله ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه لنسخ تلاوته، وهو المشار إليه في قوله تعالى ( سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ )
وهذا القسم مشار إليه في قوله ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا )
إذا فهمنا هذا الأمر فإننا عندئذ نستطيع الرد علي اعتراض النصاري على قوله تعالى: ( سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ )
فزعموا أن الآيات تدل على أن محمد قد أسقط عمدا أو أُنسي آيات لم يتفق له من يذكره إياها، وتدل أيضًا على جواز النسيان على النبي
وحديث البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعَ النَّبِيُّ قَارِئًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فِي الْمسْجِدِ فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَة كَذَا وَكَذَا. وفي رواية: أُنْسِيتُها
فزعموا أن النبي أسقط عمد بعض آيات القرآن
و الجواب عنهم في الاية نقول :
أولاً: بأن قوله: سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى وعد كريم بعدم نسيان ما يقرؤه من القرآن، إذ إن (لا) في الآية نافية،أي أن الله أخبر فيها نبيه صلي الله عليه و سلم بأنه لا ينسى ما أقرأه إياه.
وقيل (لا) ناهية، فهي مثل أن تقول لشخص لا تشرك بالله فهل معني ذلك أنه أشرك؟
ومثل ما قال لقمان لابنه (( لا تشرك بالله)) فهل معني ذلك أنه أشرك؟
ومعنى الآية على هذا : سنعلمك القرآن، فلا تنساه، فهي تدل على عكس ما أرادوا الاستدلال بِها عليه.
ثانيا:-
الاستثناء في الآية معلق على مشيئة الله ولم تقع المشيئة، بدليل ما مر من قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
ثالثًا:-
الاستثناء في الآية لا يدل على ما زعموا من أنه يدل على إمكان أن ينسى شيئا من القرآن، فإن الاستثناء لا يجب حدوثه مثل قوله تعالي خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك
وقيل إن الحكمة في هذا الاستثناء أن يعلم العباد أن عدم نسيان النبي القرآن هو محض فضل الله وإحسانه، ولو شاء تعالى أن ينسيه لأنساه، وفي ذلك إشعار للنبي أنه دائما مغمور بنعمة الله وعنايته، وإشعار للأمة بأن نبيهم لم يخرج عن دائرة العبودية، فلا يفتنون به كما فتن النصارى بالمسيح
رابعا :-
أن الاستثناء المراد به منسوخ التلاوة فيكون المعنى أن الله تعالى وعد بأن لا ينسى نبيه ما يقرؤه، إلا ما شاء - سبحانه - أن ينسيه إياه بأن نسخ تلاوته
والجواب عما زعموه في الحديث الشريف:
أولا:-
الآيات التي أنسيها النبي ثم ذكرها كانت مكتوبة بين يدي النبي و لم تنزل آية علي النبي إلا قام كتبة الوحي بكتابتها وكانت محفوظة في صدور أصحابه الذين تلقوها عنه، والذين بلغ عددهم مبلغ التواتر وليس في الخبر إشارة إلى أن هذه الآيات لم تكن مما كتبه كتاب الوحي ولا ما يدل على أن أصحاب النبي كانوا نسوها جميعا حتى يخاف عليها الضياع
ثانيا: -
أن روايات الحديث لا تفيد أن هذه الآيات التي سمعها الرسول من أحد أصحابه كانت قد محيت من ذهنه الشريف جملة بل غاية ما تفيده أنها كانت غائبة عنه ثم ذكرها وحضرت في ذهنه بقراءة صاحبه وليس غيبة الشيء عن الذهن كمحوه منه فالنسيان هنا بسبب اشتغال الذهن بغيره أما النسيان التام فهو مستحيل على النبي قال الباقلاني( وإن أردت أنه ينسى مثل ما ينسي العالم الحافظ بالقرآن نسيانا لا يقدح فإن ذلك جائز بعد أدائه وبلاغه)(2/261)
ثالثا:-
أن قوله( أسقطتها ) مفسرة بقوله في الرواية الأخرى: ( أُنْسِيتُها )، فدل على أنه أسقطها نسيانا لا عمدا فلا محل لما أوردوه من أنه قد يكون أسقط عمدا بعض آيات القرآن.
قال النووي: قوله "كنت أُنْسِيتُها" دليل على جواز النسيان عليه فيما قد بلغه إلى الأمة
رابعا:-
أخيرا ذهب البعض أن ما نسيه النبي كان مما نسخه الله تعالي و لم يعلم الصحابي بنسخه ثم وقع العلم عند الصحابي بذلك . و نقول للنصاري إن حفظ القرآن و جمعه ليس مسئولية الرسول و ليس مسئولية الصحابة ولا أبي بكر و لا عمر و لا عثمان
فالله بينها واضحة في كتابه ( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ) فمن أنزل الذكر هو الذي عليه حفظه و بيّن جل جلاله ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه و قرآنه ) أي أن المتكفل بجمعه و حفظه للأمة ليس النبي بل الله عز و جل و يفعل الله ذلك علي الوجه الذي يشاء فبهذا تكون شبهتهم واهية .
(( نقلا عن موقع شبكة بن مريم الإسلامية))
الشبهة العاشرة :-
حول شرب الرسول صلى الله عليه وسلم للنبيذ !!
والجواب:-
ما هو النبيذ ؟
النبيذ هوكل ما ينتبذ فى الماء أو اللبن أو غيرها فهو نبيذ
فقد جاء في معجم لسان العرب، لابن المنظور الإفريقي :
والنبيذ: معروف، واحد الأَنبذة.
والنبيذ: الشَّيء المنبوذ.
والنبيذ: ما نُبِذَ من عصير ونحوه.
وقد نبذ النبيذ وأَنبذه وانتبَذه ونَبَّذَه ونَبَذْتُ نبيذاً إِذا تخذته، والعامة تقول: أَنْبَذْتُ.
وفي الحديث: ((نَبَّذوا وانْتَبَذُوا)).
قال: وهي قليلة وإِنما سمي نبيذاً لأَنَّ الذي يتخذه يأْخذ تمراً أَو زبيباً فينبذه في وعاء أَو سقاء ويضع عليه الماء ويتركه حتى يفور فيصير مسكراً.
والنبذ: الطرح، وهو ما لم يسكر حلال فإِذا أَسكر حرم.
وقد تكرر في الحديث ذكر النبيذ، وهو ما يعمل من الأَشربة من التَّمر والزَّبيب والعسل
والحنطة والشَّعير وغير ذلك.
وانتبذته: اتخذته نبيذاً وسواء كان مسكراً أَو غير مسكر فإِنَّه يقال له: نبيذ، ويقال للخمر المعتصَرة من العنب: نبيذ، كما يقال للنَّبيذ: خمر.
فالنبيذ كما هو مشار إليه هو الماء الموضوع فيه قليل من التمر مما يجعل طعم الماء حلو المذاق وليس كما يدعي الكفرة على رسول الله و خير الأنام عليه أفضل الصلاة و السلام.
و شرب النبيذ و العصير جائز بالاتفاق قبل غليانه ـ الغليان أى الاختمار ـ
لحديث أبى هريرة عند أبى داود والنسائى وابن ماجه ، قال علمت أن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يصوم ، فتحنيت فطره بنبيذ صنعته فى دباء ، ثم أتيته به ، فإذا هو ينش ( أى يغلى أى مختمر ) فقال( اضرب بهذا الحائط ، فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ) قال الشيخ الألباني : صحيح رقم3716 السلسلة الصحيحة
وأخرج أحمد عن ابن عمر فى العصير قال ( اشربه مالم يأخذ شيطانه ، قيل وفى كم يأخذه شيطانه ؟ قال فى ثلاث ) قلت : أى ثلاث ليال .
وأخرج مسلم وغيره من حديث ابن عباس ( أنه كان ينقع للنبى صلى الله عليه وسلم الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ، ثم يأمر به فيسقى الخادم أو يهرق )
قلت : ومعنى قوله يسقى الخادم هو ما قاله أبوداود : ومعنى أن يسقى الخادم يبادر به الفساد ومظنة ذلك ما زاد على ثلاثة أيام .
وقد أخرج مسلم وغيره من حديث عائشة ( أنها كانت تنتبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم غدوة ، فإذا كان العشى فتعشى ، شرب على عشائه ، وإن فضل شئ صبته أو أفرغته ثم تنتبذ له بليل ، فإذا أصبح تغدى فشرب على غدائه قالت تغسل السقاء غدوة وعشية )
وهو لا ينافى حديث ابن عباس السابق أنه كان يشرب اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ، لأن الثلاث مشتملة على زيادة غير منافية ، والكل فى الصحيح .
قال صلى الله عليه وسلم : ( إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام ، فامسكوا ما بدا لكم ، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا ) تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 2475 في صحيح الجامع.
ومما سبق يتضح التالى :-
1- أن كل خمر هو نبيذ ولكن ليس كل نبيذ يعد خمرا
2- أن النبيذ الذي كان يشربه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عبارة عن ماء منقوع به قليل من التمر وهو بمثابة العصير الذي لم يختمر ويصبح خمرا مسكرا كالخمر المتعارف عليه ومن المعروف ولا يخفى على أحد أن الخمر ما هي إلا عصائر مخمجه و مغليه .
3- نرى في الأحاديث المغايرة بين النبيذ المسكر والذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وبين النبيذ المحلل شربه قبل غليانه
الحديث الذى لم يفهمه النصارى :
عن حميد عن بكر بن عبد الله أن أعرابيا قال لابن عباس ما شأن آل معاوية يسقون الماء والعسل وآل فلان يسقون اللبن وأنتم تسقون النبيذ أمن بخل بكم أو حاجة فقال ابن عباس ما بنا بخل ولا حاجة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا ورديفه أسامة بن زيد فاستسقى فسقيناه من هذا يعني نبيذ السقاية فشرب منه وقال أحسنتم هكذا فاصنعوا
فهذا النبيذ الذى شربه النبى صلى الله عليه وسلم هو ما ذكرناه لأنه لو كان خمرا لما اتهم ابن عباس بالبخل لأن الخمرأغلى من العسل واللبن
أما الأدلة التى حرم فيها الخمر على لسان النبى صلى الله عليه وسلم فكثيرة منها :-
الحديث الاؤل:(2/262)
- عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا فَقَالَ « وَمَا هِىَ ». قَالَ الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ. فَقُلْتُ لأَبِى بُرْدَةَ مَا الْبِتْعُ قَالَ نَبِيذُ الْعَسَلِ وَالْمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعِيرِ. فَقَالَ « كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ». رَوَاهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ وصححه الألبانى برقم 4550 فى صحيح الجامع
الحديث الثانى :
آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الإِيمَانِ بِاللَّهِ هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَإِقَامُ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ مَا انْتُبِذَ فِى الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ ».4411 البخارى
النقير : أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينتبذ فيه
لحديث الثالث:
- عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْبِتْع(نبيذ العسل)ِ فَقَالَ « كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهْوَ حَرَامٌ )) تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 4529 في صحيح الجامع.
الحديث الرابع :
- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِىِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلاَّ فِى سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِى الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا ». تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 6787 في صحيح الجامع.
أحاديث خاصه بالتمر والبلح :
- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَجْمَعُوا بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ وَبَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ نَبِيذًا ». تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 7232 في صحيح الجامع
- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا فَرْدًا أَوْ بُسْرًا فَرْدًا أَوْ تَمْرًا)) تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 6615 في صحيح الجامع.
وبهذا يا من تبحث عن الحق قد ظهر لك مدى جهل النصارىباللغة العربية ومبادئ القراءة وحقدهم على الاسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم .
(( نقلا عن موقع نبى الإسلام ))
الشبهة الحادية عشرة : ماتت فاضطجع معها !!
الرواية التي يذكرها النصارى:
عن ابن عباس قال: ( لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب ألبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه واضطجع معها في قبرها فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه فقال: إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة واضطجعت معها ليهون عليها) ( الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر )
عن ابن عباس قال: ( لما ماتت أم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم وكانت ممن كفل النبي صلى الله عليه وسلم وربته بعد موت عبد المطلب، كفنها النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه، وصلى عليها واستغفر لها وجزاها الخير بما وليته منه، واضطجع معها في قبرها حين وضعت فقيل له: صنعت يا رسول الله بها صنعا لم تصنع بأحد! قال: إنما كفنتها في قميصي ليدخلها الله الرحمة ويغفر لها، واضطجعت في قبرها ليخفف الله عنها بذلك) ( كنز العمال )
المعنى اللغوي لكلمة اضطجع :
ضجع: أَصل بناء الفعل من الاضْطِجاعِ، ضَجَعَ يَضْجَعُ ضَجْعاً وضُجُوعاً، فهو ضاجِعٌ، وقلما يُسْتَعْمَلُ، واضْطَجَع: نام.وقيل: اسْتَلْقَى ووضع جنبه بالأَرض.
وأَضْجَعْتُ فلاناً إِذا وضعت جنبه بالأَرض
والمَضاجِعُ: جمع المَضْجَعِ؛ قال الله عز وجل: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]؛ أي: تَتَجافى عن مضاجِعِها التي اضْطَجَعَتْ فيها.
والاضْطِجاعُ في السجود: أَن يَتَضامَّ ويُلْصِق صدره بالأَرض، وإِذا قالوا: صَلَّى مُضْطَجعاً فمعناه: أَن يَضْطَجع على شِقِّه الأَيمن مستقبلاً للقبلة.
وفي الحديث: (( كانت ضِجْعةُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أَدَماً حَشْوُها ليفٌ )).
الضِّجْعةُ، بالكسر: مِنَ الاضْطِجاعِ وهو النوم كالجِلْسةِ من الجلوس، وبفتحها المرّة الواحدة.
والمراد ما كان يَضْطَجِعُ عليه، فيكون في الكلام مضاف محذوف تقديره: كانت ذاتُ ضِجْعته أَو ذاتُ اضْطِجاعِه فِراشَ أَدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ.
( لسان العرب لأبن منظور )
فيفهم مما سبق أن المعنى العام للاضطجاع هو النوم أو الإستلقاء على الجنب .
الفهم الأعوج للإضطجاع :
وليتم لنا من أين أتى النصارى بعوج الفهم ( هذا بعد المرض الذي بقلوبهم ) ليتم لنا ذلك نعرض هنا معنى الاضطجاع بكتابهم الملئ بالدنس :
التكوين 19-30:36
32 هلم نسقي أبانا خمرا ونضطجع معه . فنحيي من ابينا نسلا . 33 فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة . ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها . ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها . 34 وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة إني قد اضطجعت البارحة مع أبي . نسقيه خمرا الليلة أيضا فادخلي اضطجعي معه . فنحيي من ابينا نسلا . 35 فسقتا اباهما خمرا في تلك الليلة ايضا . وقامت الصغيرة واضطجعت معه . ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها . 36 فحبلت ابنتا لوط من أبيهما .(2/263)
إذن الأضجاع لديهم هو الزنا , وهذا فهم معوج مناسب لعموم كتابهم , وعلى الرغم من أن نصارى العرب يتحدثون العربية ولكن ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ) فصرفوا الكلمة عن معناها المتعارف عليه إلى المعنى البعيد والمناسب لهدفهم .
تفسير الروايات بعضها البعض :
يفهم كل مسلم وكل عاقل أن المعنى يؤخذ من جمع الروايات ببعضها , وإليك ما ورد في قصة وفاة فاطمة بنت أسد رضي الله عنها لتتبين مدى كذب وحقد هؤلاء , ولن نطيل عليك بذكر السند ولكن فقط المتن :
1- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كفَّن فاطِمَة بِنْت أسد في قميصه واضطجع في قبرها وجَزَّأها خيراً. وروي عن ابن عباس نحو هذا وزاد فقالوا: ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه! قال: " إنه لم يكن بعد أبي طالب أبرّ قاله ابن حبيب. منها إنما ألبستها قميصي لتُكسى من حلل الجنة واضطجعت في قبرها ليهون عليها عذاب القبر " ( أسد الغابة لابن الأثير )
التقط النصارى لفظة اضطجع وفسروها تفسير فاسدا اعتمادا على الرواية التي جاءت بلفظ " اضطجع معها " ومعنى النص في هذه الرواية اضطجع بقبرها كما هو واضح بالرواية الأولى , وكعادتهم تحريف الكلم عن مواضعه ولم يكملوا قراءة بقية الروايات والتي تفسر بعضها البعض .
فلقد كفنها صلى الله عليه وسلم بقميصه = لتكسى من حلل الجنة
اضطجع في قبرها = ليهون عليها عذاب القبر
2- عن الزبير بن سعيد القرشي قال: ( كنا جلوسا عند سعيد بن المسيب، فمر بنا علي بن الحسين، ولم أرَ هاشميا قط كان أعبد لله منه، فقام إليه سعيد بن المسيب، وقمنا معه، فسلمنا عليه، فرد علينا، فقال له سعيد: يا أبا محمد، أخبرنا عن فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهما- قال: نعم، حدثني أبي قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول :
لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، كفنها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في قميصه،
وصلى عليها، وكبر عليها سبعين تكبيرة، ونزل في قبرها، فجعل يومي في نواحي القبر كأنه يوسعه، ويسوي عليها، وخرج من قبرها وعيناه تذرفان، وحثا في قبرها.فلما ذهب قال له عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -: يا رسول الله، رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئا لم تفعله على أحد فقال: ( يا عمرإن أبا طالب كان يصنع الصنيع، وتكون له المأدبة، وكان يجمعنا على طعامه، فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيبا، فأعود فيه.
وإن جبريل -عليه السلام- أخبرني عن ربي -عز وجل- أنها من أهل الجنة.وأخبرني جبريل -عليه السلام- أن الله تعالى أمر سبعين ألفا من الملائكة يصلون عليها) ( مستدرك الحاكم )
3- عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده: ( أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب بالروحاء مقابل حمام أبي قطيفة) ( مقاتل الطالبين الاصفهاني )
4- يوم ماتت صلى النبي صلّى الله عليه وسلّم عليها، وتمرغ في قبرها، وبكى، وقال: ( "جزاك الله من أمٍ خيراً، فقد كنت خير أمّ" ) ( مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر )
فهل يفهم من الروايات السابقة ما ذهب إليه النصارى ؟؟
نبذة تعريفية بفاطمة بنت أسد رضي الله عنها :
نسوق للمسلمين تعريفاً بسيطا بمن هي فاطمة بنت أسد , فمن هي فاطمة بنت أسد ؟؟
هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم علي بن أبي طالب وإخوته قيل إنها ماتت قبل الهجرة وليس بشيء والصواب أنها هاجرت إلى المدينة وبها ماتت.
عن الشعبي قال: أم علي بن أبي طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم أسلمت وهاجرت إلى المدينة وتوفيت بها. قال الزبير: هي أول هاشمية ولدت لهاشمي هاشمياً. قال: وقد أسلمت وهاجرت إلى الله ورسوله وماتت بالمدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وشهدها رسول الله ( الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر )
وكانت فاطمة بنت أسد زوج أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي فولدت له طالبا وعقيلا وجعفرا وعليا وأم هانئ وجمانة وريطة بني أبي طالب وأسلمت فاطمة بنت أسد وكانت امرأة صالحة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل في بيتها ( أي ينام القيلولة وهي نوم الظهر) ( الطبقات الكبرى لابن سعد )
عن جرير سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا النساء إلى البيعة حين أ نزلت هذه الآية " يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " وكانت فاطمة بنت أسد أول امرأة بايعت رسول الله . ( مقاتل الطالبين الاصفهاني )
((نقلا عن شبكة نور الإسلام ))
الشبهة الثانية عشرة :-
زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة أم المؤمنين
نقرر بادئ ذي بدء أن أم المؤمنين عائشة عندما خطبها الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن هو أول المتقدمين لخطبتها بل سبقه غيره ، فقد ذكر بعض المؤرخين أن جبير بن المطعم بن عدي تقدم لخطبة عائشة، وعلى هذا فأم المؤمنين كانت في عمر الزواج ، وكانت تطيقه فلا غرو إذن أن يخطبها النبي صلى الله عليه وسلم .
ويذكر سماحة المستشار الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء ظروف نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين عائشة فيقول سماحته :
أولاً:
إنّ زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها كان أصلاً باقتراح من خولة بنت حكيم على الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لتوكيد الصلة مع أحبّ الناس إليه سيدنا أبي بكر الصدّيق ، لتربطهما أيضاً برباط المصاهرة الوثيق وهذا دليل على أنها كانت في سن زواج .
ثانياً:
أنّ السيدة عائشة رضي الله عنها كانت قبل ذلك مخطوبة لجبير بن المطعم بن عدي، فهي ناضجة من حيث الأنوثة مكتملة بدليل خطبتها قبل حديث خولة.
ثالثاً:(2/264)
أنّ قريش التي كانت تتربّص بالرسول صلى الله عليه وسلم الدوائر لتأليب الناس عليه من فجوة أو هفوة أو زلّة، لم تُدهش حين أُعلن نبأ المصاهرة بين أعزّ صاحبين وأوفى صديقين، بل استقبلته كما تستقبل أيّ أمر طبيعي.
رابعاً:
أنّ السيدة عائشة رضي الله عنها لم تكن أول صبيّة تُزفّ في تلك البيئة إلى رجل في سنّ أبيها، ولن تكون كذلك أُخراهنّ. لقد تزوّج عبد المطلب الشيخ من هالة بنت عمّ آمنة في اليوم الذي تزوّج فيه عبد الله أصغر أبنائه من صبيّة هي في سنّ هالة وهي آمنة بنت وهب
ثمّ لقد تزوّج سيدنا عمر بن الخطّاب من بنت سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه وهو في سنّ جدّها، كما أنّ سيدنا عمر بن الخطّاب يعرض بنته الشابة حفصة على سيدنا أبي بكر الصدّيق وبينهما من فارق السنّ مثل الذي بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها. ولكنّ نفراً من المستشرقين يأتون بعد أكثر من ألف وأربع مائة عام من ذلك الزواج فيهدرون فروق العصر والإقليم، ويطيلون القول فيما وصفوه بأنّه الجمع الغريب بين الكهل والطفولة ، ويقيسون بعين الهوى زواجاً عُقد في مكّة قبل الهجرة بما يحدث اليوم في بلاد الغرب حيث لا تتزوّج الفتاة عادة قبل سنّ الخامسة والعشرين.
خامسا :
يجب الانتباه إلى أنّ نضوج الفتاة في المناطق الحارّة مبكّر جداً وهو في سنّ الثامنة عادة، وتتأخّر الفتاة في المناطق الباردة إلى سنّ الواحد والعشرين كما يحدث ذلك في بعض البلاد الباردة.ولم يتزوجها النبى إلا بعدما بلغت سن الزواج بدليل أنه عقد عليها أولا ثم انتظر ثلاث سنوات حتى دخل بها
وأياً ما يكون الأمر فإنّه عليه الصلاة والسلام لم يتزوّج السيدة عائشة رضي الله عنها من أجل المتعة، وهو الذي بلغ الخامسة والخمسين من عمره، وإنّما كان ذلك لتوكيد الصلة مع أحبّ الرجال إليه عن طريق المصاهرة، خاصّة بعد أن تحمّل أعباء الرسالة وأصبحت حملاً ثقيلاً على كاهله، فليس هناك مجال للتفكير بهذا الشأن.
سادسا :-
لو كان عليه الصلاة والسلام همّه النساء والاستمتاع بهنّ لكان فعل ذلك أيّام كان شاباً حيث لا أعباء رسالة ولا أثقالها ولا شيخوخة، بل عنفوان الشباب وشهوته الكامنة.
غير أنّنا عندما ننظر في حياته في سنّ الشباب نجد أنّه كان عازفاً عن هذا كلّه، حتّى إنّه رضي بالزواج من السيدة خديجة رضي الله عنها الطاعنة في سنّ الأربعين وهو ابن الخامسة والعشرين. وهى ثيب ثمّ لو كان عنده هوس بالنساء لما رضي بهذا عمراً طويلاً حتّى تُوفّيت زوجته خديجة رضي الله عنها دون أن يتزوّج عليها. ولو كان زواجه منها فلتة فهذه خديجة رضي الله عنها توفّاها الله، فبمن تزوّج بعدها؟ لقد تزوّج بعدها بسودة بنت زمعة العامرية جبراً لخاطرها وأنساً لوحشتها بعد وفاة زوجها ، وهي في سنّ كبير، وليس بها ما يرغّب الرجال والخطّاب. هذا يدلّ على أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان عنده أهداف من الزواج إنسانية وتشريعية وإسلامية ونحو ذلك.
ومنها أنّه عندما عرضت عليه خولة بنت حكيم الزواج من عائشة فكّر الرسول صلى الله عليه وسلم أيرفض بنت أبي بكر ، وتأبى عليه ذلك صحبة طويلة مخلصة ،ومكانة أبي بكر عند الرسول والتي لم يظفر بمثلها سواه.
ولمّا جاءت عائشة رضي الله عنها إلى دار الرسول صلى الله عليه وسلم فسحت لها سودة المكان الأول في البيت ، وسهرت على راحتها إلى أن توفّاها الله ، وهي على طاعة الله وعبادته، وبقيت السيدة عائشة رضي الله عنها بعدها زوجة وفيّة للرسول صلى الله عليه وسلم تفقّهت عليه حتّى أصبحت من أهل العلم والمعرفة بالأحكام الشرعية.
وما كان حبّ الرسول صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها إلاّ امتداداً طبيعياً لحبّه لأبيها رضي الله عنهما.
ولقد سُئل عليه الصلاة والسلام: من أحبّ الناس إليك؟ قال: (عائشة) قيل: فمن الرجال؟ قال: (أبوها). هذه هي السيدة عائشة رضي الله عنها الزوجة الأثيرة عند الرسول صلى الله عليه وسلم وأحبّ الناس إليه.
لم يكن زواجه منها لمجرّد الشهوة ، ولم تكن دوافع الزواج بها المتعة الزوجية بقدر ما كانت غاية ذلك تكريم أبي بكر وإيثاره وإدناؤه إليه وإنزال إبنته أكرم المنازل في بيت النبوّة .
(( منقول من موقع إسلام أون لاين ))
الشبهة الثالثة عشرة : محاولة النبى (صلى الله عليه وسلم) الانتحار
الحديث المذكور في صحيح البخاري (6982) هو حديث طويل في قصة بدء الوحي، من رواية الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة –رضي الله عنهما-. وقصة الانتحار جاءت في آخر متن الحديث، مقدمة بعبارة: "وفتر الوحي فترةً حتى حزن النبي –صلى الله عليهوسلم- فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردَّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه، تبدَّى له جبريل، فقال: يا محمد: إنك رسول الله حقًّا. فيسكن لذلك جأشه وتقرَّ نفسه، فيرجع...".
فواضحٌ من قوله في أول هذا الخبر: "حزن النبي – صلى الله عليه وسلم- فيما بلغنا.."، ومن قوله: "فيما بلغنا" خاصة أنه خبر ممن لم يسمع النبي –صلى الله عليه وسلم-، وأنه خبر بلغ هذا الذي قال هذه العبارة دون سماع أو مشاهدة. ومثل هذه العبارة لا يقولها غالباً إلا رجل من التابعين أو من جاء بعدهم، ولا يقولها الصحابة –رضي الله عنهم- غالباً.
ولذلك فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا الكلام من كلام الزهري، يرويه مرسلاً. وهذا هو الذي رجحه الحافظ ابن حجر في كتابه: فتح الباري (12/376). وعليه فهذا الخبر مرسل، والمرسل من أقسام الضعيف، وخاصة مرسل الزهري؛ لكونه من صغار التابعين، ولغير ذلك.(2/265)
وإخراج البخاري لهذه اللفظة لا يلزم منه أنه ُيحكم بصحتها؛ لأنه إذا أخرج الحديث، وأظهر علته (كما حصل هنا)، فإنه يكون قد أبرز ما يدل على عدم صحته، كما نبَّه على ذلك أهل العلم، في مواطن متعددة من صحيح البخاري. وبذلك يزول الإشكال بأن القصة لا تصح أصلاً
وتفصيل ما سبق فى النقاط التالية :-
أولاً :
بحسب نص الرواية التي تستشهدون بها نريد منكم معرفة الآتي :
- من الذي منع محمداً من تحقيق هذه المحاولة ؟ولماذا لم يفعل وعلام يدل ذلك ؟
إذن نقول لكم : إن العصمة متحققة في هذه الحالة ، ووجه ذلك أن الله سبحانه وتعالى صرف عنه هذا السوء ، كما صرف عنه قبل مبعثه حصول التعري ، وشرب الخمر ، والجلوس مع فتيان قريش ، وغير ذلك مما هو مبثوث في السيرة .
ثانيا :
وهوالحق الذى يجب أن يقال.. أن هذه الرواية التى استندتم إليها ـ يا خصوم الإسلام ـ ليست صحيحة رغم ورودها فى صحيح البخارى رضى الله عنه
- لأنه أوردها لا على أنها واقعة صحيحة ، ولكن أوردها تحت عنوان " البلاغات " يعنى أنه بلغه هذا الخبر مجرد بلاغ ، ومعروف أن البلاغات فى مصطلح علماء الحديث: إنما هى مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن
- علق الإمام ابن حجر العسقلانى فى فتح البارى بقوله: إن القائل بلغنا كذا هو الزهرى ، وعنه حكى البخارى هذا البلاغ ، وليس هذا البلاغ موصولاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الكرمانى: وهذا هو الظاهر ".
- بلاغ الزهري هذا حكمه الضعف سنداً ؛ لأنه سقط من إسناده اثنان على الأقل ، وبلاغات الزهري ليست بشيء كما هو الحال في مرسلاته ؛ فهي شبه الريح - أي لا أساس لها بمنزلة الريح لا تثبت - فقد قال يحيى القطان : ( مرسل الزهري شر من مرسل غيره ؛ لأنه حافظ ، وكلما يقدر أن يسمي سمى ؛ وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه ! ) 0 انظر ( شرح علل الترمذي ) لابن رجب 1 / 284 0 فإذا كان هذا حال المرسل ؛ فكيف يكون حال البلاغ ؟
- رواية ابن مردوية التي ذكرها الحافظ في ( فتح الباري ) 12 / 359 - 360 ، وأنها من طريق محمد بن كثير ، عن معمر بإسقاط قوله : ( فيما بلغنا ) فتصير الرواية كلها من الحديث الأصلي ؛
والجواب:
- هذه الرواية ضعيفة أيضاً لا يحتج بها ؛ لأن محمد بن كثير هذا هو المصيصي ، وهو كثير الغلط كما في ( التقريب ) 6291 0
- رواية ابن عباس رضي الله عنهما عند الطبري في ( التاريخ ) 2 / 300 - 302 ، والتي ذكرها ابن حجر في ( الفتح ) 12 / 361 ؛ فإنها واهية جداً بل موضوعة ، فالحمل فيها على محمد بن حميد الرازي ، وهو متهم بالكذب بل كذبه صراحة أبوزرعة الرازي ، وهو أعرف به من غيره فلا قيمة لروايته أصلاً .
- كما أن هذا ليس من المتن. هذه الزيادة ليست مسندة، وإنما علقها البخاري من قول الزهري، وغالب روايته عن تابعين. ومن المتفق عليه أن مرسل الزهري ضعيف لأنه يرسل عن متروكين.
- أخرج البخاري هذا الحديث في عدة مواضع بدون هذه الزيادة. فكأنه أشار إلى بطلانها. ثم إنها ليست من الحديث، وإنما معلقة. وليست كل المعلقات صحيحة.
هذا هو الصواب ، وحاش أن يقدم رسول الله ـ وهو إمام المؤمنين ـ على الانتحار ، أو حتى على مجرد التفكير فيه.
وعلى كلٍ فإن محمداً صلى الله عليه وسلم كان بشراً من البشر ولم يكن ملكاً ولا مدعيًا للألوهية.
والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان صلى الله عليه وسلم يعتنى بها ، وقد قال القرآن الكريم فى ذلك : ( قل سبحان ربى هل كنت إلا بشراً رسولاً ) (3).
ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الإحساس بمشاعر ما نسميه - فى علوم عصرنابالضيق فهذا أمر عادى لا غبار عليه ؛ لأنه من أعراض بشريته صلى الله عليه وسلم.
وحين فتر (تأخر) الوحى بعد أن تعلق به الرسول صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى المكان الذى كان ينزل عليه الوحى فيه يستشرف لقاء جبريل ، فهو محبّ للمكان الذى جمع بينه وبين حبيبه بشىء من بعض السكن والطمأنينة ، فماذا فى ذلك أيها الظالمون
وإذا كان أعداء محمد صلى الله عليه وسلم يستندون إلى الآية الكريمة: ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ً)
فالآية لا تشير أبداً إلى معنى الانتحار ، ولكنها تعبير أدبى عن حزن النبى محمد صلى الله عليه وسلم بسبب صدود قومه عن الإسلام ، وإعراضهم عن الإيمان بالقرآن العظيم ؛ فتصور كيف كان اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس إلى الله ، وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات إلى النور.
وهذا خاطر طبيعى للنبى الإنسان البشر الذى يعلن القرآن على لسانه صلى الله عليه وسلم اعترافه واعتزازه بأنه بشر فى قوله - رداً على ما طلبه منه بعض المشركين0((وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أوتأتى بالله والملائكة قبيلاً * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى فى السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه )). فكان رده)) سبحان ربى هل كنت إلا بشراً رسولاً ((
ثالثا :
نذكركم بشاول الملك والذي يؤمن به اليهود أنه نبي والذي يقول عنه الكتاب المقدس (( فخلع هو ايضا ثيابه وتنبأ هو ايضا امام صموئيل )) [ صموئيل الأول 19 : 24 ] نذكركم بأنه قد مات منتحراً !! في صموئيل الثانى 1: 4-11
((موقع المسيحية فى الميزان وموقع الإسلام اليوم))
الشبهة الرابعة عشرة
ما هي حقيقة زواج رسول الله ( صلَّى الله عليه وسلم ) من زوجة زيد بن حارثة ؟
الجواب :
زينب بنت جحش هي إحدى زوجات النبي و قد تزوج بها الرسول في السنةالخامسة من الهجرة ، و هي بنت أمية بنت عبد المطلب عمة النبي و كانت زوجة لزيد بن حارثة قبل أن تصبح زوجة لرسول الله .(2/266)
أما زيد بن حارثة ـ زوج زينب قبل الرسول ـ فكان يُدعى قبل الإسلام بزيد بن محمد لكنه لم يكن من أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل كان غلاما اشترته خديجه بعد زواجها من النبي ثم أهدته إلى النبي فأعتقه الرسول في سبيل الله ، ثم تبنّاه النبي تبنياً اعتباريا على عادة العرب لرفع مكانته الاجتماعية بعدما عامله والده و قومه بالهجران والطرد ، وهكذا فقد منحه الرسول احتراما كبيرا و شرفا عظيما و رفع من شأنه بين الناس حتى صار يُدعى بين الناس بابن محمد .
وعندما أحس النبي بحاجة زيد إلى الزواج أمره بخطبة بنت عمته زينب بنت جحش ، لكن زينب رفضت ذلك تبعا للتقاليد السائدة في تلك الأيام و لاستنكاف الحرة من الزواج من العبد المعتق خاصة و إن زينب كانت من عائلة ذات حسب و شأن ، فنزلت الآية الكريمة التالية
)) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا(( فأخبرت زينب النبي بقبولها بهذا الزواج ، و هكذا فقد تم الزواج برضا زينب ، نزولا عند رغبة الرسول و خضوعا لحكم الله تعالى . قال الحافظ ابن كثير : " زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية ، وأمها أُميمة بنت عبد المطلب ، وأصدقها عشرة دنانير وستين درهماً ، وخماراً .. فمكثت عنده قريباً من سنة أو فوقها .. " ( تفسير ابن كثير 3 / 495
وهنا نقول لهؤلاء الحاقدين : كيف يطمع الرسول في زينب وهو الذي اقترح واختار زواجها لزيد اساساً ؟
لقد أراد الرسول صلى الله عليه وسلم كسر العادات والتقاليد الخاطئة والتي كانت تمنع زواج العبيد المعتقين من بنات العوائل المعروفة ، و بالفعل فقد تحقق للنبي العظيم ما أراد و تمكن من تطبيق المساواة بصورة عملية بين أفراد المجتمع الإسلامي .
طلاق زينب :
بعد ذلك تأثرت العلاقة الزوجية بين الزوجين ـ زينب و زيد ـ و آل أمرهما إلى الطلاق والانفصال رغم المحاولات الحثيثة التي قام بها النبي لمنع وقوع الطلاق ، و لم تؤثر نصائح النبي في زيد و لم يفلح في تغيير قرار زيد الخاطئ فوقع الطلاق .
زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من زينب :
لا بُدَّ من الإشارة هنا إلى إن زواج النبي من زينب إنما كان بأمر من الله تعالى ولكن النبي كان يخشى العادات و التقاليد التي تُحرم زواج الرجل من زوجة ابنه من التبني لاعتباره ابناً حقيقيا ، و إلى هذه الحقيقة يُشير القرآن الكريم حيث يقول (( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ... )) .
قال القاضي عياض : " وأصح ما في هذا ما حكاه أهل التفسير عن علي بن حسين ـ أن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه ، فلما شكاها إليه زيد قال له : أمسك عليك زوجك واتق الله . وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به من أنه سيتزوجها مما الله مبديه و مظهره بتمام التزويج وتطليق زيد لها .
وروى نحوه عمرو بن فائد ، عن الزهري ، قال : نزل جبريل على النبي يعلمه أن الله يزوجه زينب بنت جحش ، فذلك الذي أخفى في نفسه ويصحح هذا قول المفسرين في قوله تعالى بعد هذا : وكان أمر الله مفعولا ، أي لا بد لك أن تتزوجها . "
قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى : { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } ذكر ابن أبي حاتم والطبري ها هنا آثاراً عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحاً لعدم صحتها فلا نوردها . يريد بذلك أمثال : (( فوقعت في قلبه )) و (( سبحان مقلب القلوب )) . فهذه كلها آثار لم تثبت صحتها. و هذا ما ذهب إليه المحققون من المفسرين كالزهري والقاضي بكر ابن العلاء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي والقاضي عياض في الشفاء.
و لا بُدَّ من الإشارة هنا إلى إن زواج النبي من زينب إنما كان بأمر من الله تعالى ، كما تشهد بذلك تتمة الآية السابقة حيث تقول : { ... فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا * مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا } [3] .
هذا و إن زينب كانت متفهمة لنية الرسول ولما حباها الله تعالى من الشرف العظيم إذ جعل لها دورا في إزالة عادتين خرافيتين ونالت شرف الزواج من الرسول صلَّى الله عليه وسلم فكانت زينب تفتخر على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم و تقول : زوَجَكن أهلُوكن و زوجني الله من السماء .
إذن يمكن تلخيص أهداف زواج الرسول صلَّى الله عليه وآله من زينب كالتالي :
1- تعويض زينب عما لحقها و تضررت به من الطلاق و قد رضيت بالزواج من زيد بأمر من الله و رسوله ، فجاء زواج النبى منها تكريما لها وجزاء صبرها وامتثالها أمر الله ورسوله .
2- كسر العادات و التقاليد الخاطئة التي تمنع الزواج من زوجة الابن من التبنّي ، رغم كونه ابنا اعتباريا لا غير أى تشريع في صورة عملية(2/267)
فالاسلام ـ من خلال القرآن الكريم ـ رفض الاعتراف بالتبني الذي كان سائداً بين العرب في الجاهلية، وعلى أساس ذلك كانوا ينسبون زيد بن حارثة إلى رسول الله فيقولون زيد بن محمد، وجاء الرفض القرآني حاسماً من خلال قوله تعالى (... وما جعل ادعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بافواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل * ادعوهم لابائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم..) سورة الاحزاب. آية4 و5. وكذلك قوله تعالى ( ما كان محمد أبا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً ( سورة الاحزاب. آية40.
وكان التوجيه القرآني للرسول بالزواج من مطلَّقة (زيد بن حارثة) لأجل تأكيد تجاهل المشرع الاسلامي للعرف الجاهلي لتكون ممارسة الرسول رافعة لكل التباس قد يبقى عالقاً في الاذهان، علماً أن تزويج الرسول كان بعد تطليقها من جانب زيد بن حارثة فلم تكن هذه المرأة مرتبطة بأكثر من رجل .
وأخيراً نقول :
أي ضرورة هذه التي تدعو سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم أن يدرج هذه الآية في القرآن فيقرأها الناس كلهم ، وهي من أول حرف فيها إلى آخر حرف عتاب للرسول شديد ، وكشف عما يخفيه في نفسه من معرفة أنه سيتزوج زينب بعد تطليق زيد لها ، ثم هي بيان لما يخشاه من كلام قومه إذا أقدم فتزوج مطلقة زيد - نقول أي ضرورة تدعو سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يدرج هذه الآية في القرآن، ويسجلها على مر الدهر كله ، لو لم يكن هذا القرآن كلام خالقه الذي لا يسعه أن يستخفي على حرف واحد منه ؟!
فإن قلت : فما معنى إذاً قوله تعالى في قصة زيد : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه
فاعلم ـ أكرمك الله ، و لا تسترب في تنزيه النبي صلى الله عليه و سلم عن هذا الظاهر
و أن يأمر زيداً بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها ، كما ذكر عن جماعة من المفسرين .
و أصح ما في هذا ما حكاه أهل التفسير عن علي بن حسين ـ أن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه ، فلما شكاها إليه زيد قال له : أمسك عليك زوجك واتق الله . وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به من أنه سيتزوجها مما الله مبديه و مظهره بتمام التزويج وتطليق زيد لها . وروى نحوه عمرو بن فائد ، عن الزهري ، قال : نزل جبريل على النبي يعلمه أن الله يزوجه زينب بنت جحش ، فذلك الذي أخفى في نفسه وذلك لأمور منها :-
1- قول المفسرين في قوله تعالى بعد هذا: وكان أمر الله مفعولا ، أي لا بد لك أن تتزوجها .
2- قوله تعالى( وتخفى فى نفسك ما الله مبديه ) أن الله لم يبد من أمره معها غير زواجه لها ، فدل أنه الذي أخفاه صلى الله عليه و سلم مما كان أعلمه به تعالى .
3- قوله تعالى في القصة (( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا (( فدل أنه لم يكن عليه حرج في الأمر .
قال الطبري : ما كان الله ليؤثم نبيه فيما أحل مثال فعله لمن قبله من الرسل ، قال الله تعالى : سنة الله في الذين خلوا من قبل ، أي من النبيين فيما أحل لهم ، ولو كان على ما روي في حديث قتادة من وقوعها من قلب النبي صلى الله عليه و سلم عندما أعجبته ، ومحبته طلاق زيد لها لكان فيه أعظم الحرج ، وما لا يليق به من مد عينيه لما نهي عنه من زهرة الحياة الدنيا ، و لكان هذا نفس الحسر المذموم الذي لا يرضاه ولا يتسم به الأتقياء ، فكيف سيد الأنبياء ؟ .
قال القشيري : و هذا إقدام عظيم من قائله ، و قلة معرفة بحق النبي صلى الله عليه و سلم و بفضله . و كيف يقال : رآها فأعجبته وهي بنت عمه ، و لم يزل يراها منذ ولدت ، و لا كان النساء يحتجبن منه صلى الله عليه و سلم ، و هو زوجها لزيد ، و إنما جعل الله طلاق زيد لها ، و تزويج النبي صلى الله عليه و سلم إياها ، لإزالة حرمة التبني و إبطال سنته ، كما قال : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم . و قال : لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم [ سورة الأحزاب 33 ، الآية : 40 ] . و نحوه لابن فورك .
و قال أبو الليث السمرقندي : فإن قيل : فما الفائدة في أمر النبي صلى الله عليه و سلم لزيد بإمساكها ؟ فهو أن الله أعلم نبيه أنها زوجته ، فنهاه النبي صلى الله عليه و سلم عن طلاقها ، إذ لم تكن بينهما ألفة ، و أخفى في نفسه ما أعلمه الله به فلما طلقها زيد خشي قول الناس : يتزوج إمرأة ابنه ، فأمره الله بزواجها ليباح مثل ذلك لأمته ، كما قال تعالى : لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا [الأحزاب 33 ، الآية : 37.
قال : و ليس معنى الخشية هنا الخوف ، و إنما معناه الاستحياء ، أي يستحي منهم أن يقولوا : تزوج زوجة ابنة .
و أن خشيته صلى الله عليه و سلم من الناس كانت من إرجاف المنافقين و اليهود و تشغيبهم على المسلمين بقولهم : تزوج زوجة ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الأبناء ، كما كان ، فعتبة الله على هذا ، و نزهه عن الالتفاف إليهم فيما أحله له ، كما عتبه على مراعاة رضا أزواجه في سورة التحريم بقوله : لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم . وكذلك قوله له ها هنا(( وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ))
و قد روي عن الحسن و عائشة : لو كتم رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ شيئاً كتم هذه الآية لما في من عتبه و إبداء ماأخفاه ) موقع المسيحية فى الميزان)
الشبهة الخامسة عشر والسادسة عشرة
ومن الشبهات التي أثيرت حول شخصه الكريم ، أنه ميّال للنساء ، منشغل بهن ، وقد أكثر منهنّ حتى بلغن إحدى عشرة زوجة(2/268)
لا شك أن من يقول هذا لا حظ له من معرفة سيرته صلى الله عليه وسلم ، وليس له أدنى علم بهديه عليه الصلاة والسلام .
ونلخِّص الإجابة على هذه الشبهة الحاقدة بالنقاط الآتية :
1- أن زواجه صلى الله عليه وسلم ، لم يكن بهدف التمتع وإشباع الشهوة ، وإن كان ذلك أمراً فطريا ًسائغاً لا يعاب الإنسان به ، وقد كان ذلك سائداً بين العرب آنذاك ، ومع ذلك فإن هدف الرسول صلى الله عليه وسلم من زواجه كان أسمى من ذلك وأعلى ، إذ أراد بتعدد الزوجات الدعوة إلى الله ، ومراعاة مصالح عظيمة اقتضتها الدعوة .
أ- كالترابط الأسري الذي فيه اتساع رقعة النسب معه صلى الله عليه وسلم لتنتشر الدعوة .
ب- ومن المصالح تأليف القلوب كزواجه من مارية تأليفا للمقوقس ومن بنت أبى سفيان .
ج-كفالة اليتامى ، والإحسان إلى الأرامل كزواجه من ام سلمة .
د- تعليم النساء أمور دينهن ، ونحو ذلك مما فيه مصلحة عامة ، كما أن من الأسباب أي أسباب التعدد الرغبة في نقل أحوال النبي صلى الله عليه وسلم كافة داخل بيته وخارجه مما لا تستطيع امرأة واحدة نقله أو حصره .
2- أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً إلا زوجة واحدة ، وهي عائشة الصديقة رضي الله عنها ، وغالب من يهدف التمتع يحرص على الأبكار .وقد عقد عليها وهى بنت ست أى لاتشتهى لذلك لم يدخل بها إلا وهى بنت تسع
3- أنه لم يعدد إلا بعد موت خديجة رضي الله عنها ، وقد بلغ ثلاثاوخمسين سنة ، ومن أراد التمتع والشهوة فإنه يتزوج قبل هذه السن في الغالب .ولو كان غرضه التمتع لبدأ الزواج بالبكروليس بإمرأة أكبر منه بخمس وعشرين سنة ولم يتزوج عليها حتى ماتت وكان أول زواجه بعدها بثيب هى سودة وعمره ثلاث وخمسين سنة وعمرها ثلاث وستون سنة .
4- أنّ المهام العظيمة والأعمال الجليلة التي كان يقوم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البعثة ، كانت تشغل وقته وجهده ، ولم ينشغل بالنساء والملذات عن تلك المهام ، فقد كان داعياً ، ومجاهداً ، ومعلماً ، وحاكماً ، وقاضياً ، وعابداً يقوم حتى تتفطر قدماه ، ويكثر من الصيام ، ولم يقصّر في جانب على حساب الآخر .
5- أن التعدد في الزواج ليس مما يعاب به الأنبياء ، وقد عدد الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، فإبراهيم عليه السلام تزوج سارة ثم هاجر ، و يعقوب عليه السلام تزوج بأربع نسوة ، و داود عليه السلام تزوج نساء كُثر .
6-أن النبى لو تزوج واحدة ولم يعدد لما كان أسوة لكل الأزواج
ولكن النبى تزوج الثيب والبكر وتزوج بنت العدو وبنت الحبيب وتزوج الغنية والفقيرة وتزوج الحرة ومن كانت قبل أمة حتى يكون أسوة لكل زوج من المسلمين فى كيفية معاملة زوجته سواء كانت حرة أو أمة غنية أو فقيرة بنت عدو أوبنت صديق هذا مالا يتحقق بزوجة واحدة .
7-أن فساد مثل هذه الشبه قد تنبه له بعض العقلاء من الأعداء أنفسهم ، أمثال الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل الذي قال : " وما كان محمد أخا الشهوات ، برغم ما اتهم به ظلماً وعدواناً ...ونخطئ إذا حسبناه رجلاً شهوانياً لا هم له إلا قضاء مآربه من الملذات ".
وهكذا - عزيزي القارئ - نجد أن هذه الشبهة لا ينهض بها دليل من عقل ولا واقع ، وهي ساقطة الاعتبار من كل وجه، ولا تأثير لها على شخصية كملت من جوانبها كافة .
(( موقع الشبكة الإسلامية ))
الفصل الثانى
الشبهات المتعلقة بأحاديث النبى صلى الله عليه وسلم
الشبهة الأولى :
ورد في صحيح البخاري أن النبي قال لأبي ذر حين غربت الشمس : (( أتدري أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها . ))
والسؤال : كيف تستأذن الشمس وتسجد تحت العرش ؟
الجواب :
- أن سجود الشمس صحيح ممكن
- تأوله قوم بأن سجودها هو ما هي عليه من التسخير الدائم ، وذهابها هو غروبها
- وجه بعض العلماء المعنى بأن المراد من سجودها هو سجود من هو موكل بها من الملائكة فيكون الاستئذان أسند إليها مجازاً , والمراد من هو موكل بها من الملائكة .
- قال ابن بطال : استئذان الشمس معناه أن الله يخلق فيها حياة يوجد القول عندها ; لأن الله قادر على إحياء الجماد والاموات .
- قال صاحب كتاب أيسر التفاسير:"وكونها أي الشمس تحت العرش فلا غرابة فيه فالكون كله تحت العرش وكونها تستأذن فيؤذن لها لا غرابة فيه إذا كانت النملة تدبر أمر حياتها بإذن ربها وتقول وتفكر وتعمل فالشمس أحرى بذلك وأنها تنطق بنطقها الخاص وتستأذن ويؤذن لها". أهـ
وسبحان الله القائل : (( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه يَسْجُد لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم وَالْجِبَال وَالشَّجَر وَالدَّوَابّ وَكَثِير مِنْ النَّاس )) ومعنى سجود هذه الاشياء أي انقيادها وما يرى فيها من أثر الصنعة فالكل يسجد لله سبحانه أي يَخْضَع لَهُ بِمَا يُرَاد مِنْهُ. والسجود هو الخضوع في اللغة . لذلك قال بعض العلماء : إنَّ المراد بسجودها تحت العرش خضوعها لله وانقيادها للنظام الذي وضعه لها.
وهذا أمر يجْري على كلِّ كائن في الوجود مهما تصوَّر الإنسان عظمته وفُتن بقوته وأثره، فهو تحت حُكم الله يتصرف فيه كيف يشاء، وكلُّ حركة في الكون فهي بأمره سبحانه. ولنرى الآن ماذا يقول كتاب النصارى المقدس في سفر الجامعة [ 1 : 5 ] : (( الشمس تشرق ثم تغرب ، مسرعة إلي موضعها الذي منه طلعت !!! )) فمنذ متى كانت الشمس _ عند غروبها _ تسرع عائدة إلي المكان الذي تشرق منه . (( موقع الدكتور فهد العصيمي ))
و يبدو أن السائل قد توهم من معنى السجود توافر الأعضاء والأطراف التي في بني آدم(2/269)
لتحقيق السجود بالنسبة للشمس ولا يلزم هذا كما هو معلوم. وبهذا يكون قد التبس عليه
المعنى الاصطلاحي الذي يستعمله الفقهاء في شرحهم لكيفية السجود في الصلاة بالمعنى
اللغوي الذي هو أوسع دلالة وأكثر معنى مما دل عليه الاصطلاح. ومن معاني السجود في
اللغة الخضوع كما ذكره ابن منظور وغيره. وعليه يُحمل ما في هذا الحديث وهو المقصود
في قوله تعالى في آية الحج:" ألم تر ان الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض
والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فماله من مكرم إن الله يفعل ما يشاء"
قال ابن كثير رحمه الله :" يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له فإنه يسجد
لعظمته كل شيء طوعا وكرها وسجود كل شيء مما يختص به" ا.هـ.
وعليه فسجود الشمس مما يختص بها ولا يلزم أن يكون سجودها كسجود الآدميين كما أن
سجودها متحقق بخضوعها لخالقها وانقيادها لأمره وهذا هو السجود العام لكل شيء خلقه
الله كما في آية الحج السابقة
ولكن لو قال قائل:"هل تنتفي صفة السجود عن الشمس إذا كانت لا تسجد إلا تحت العرش فلا تكون خاضعة إلا عند سجودها تحت العرش وفي غير ذلك من الأحايين لا تكون؟
والجواب
أن الشمس كما قدمنا لها سجدتان: سجود عام مستديم وهو سجودها المذكور في آية النحل والحج مع سائر المخلوقات وسجود خاص يتحقق عند محاذاتها لباطن العرش
فتكون ساجدة تحته وهو المذكور في الحديث وفي كلا الحالتين لا يلزم من سجودها أن يشابه سجود الآدميين لمجرد الاشتراك في لفظ الفعل الدال عليه. ومن أمثلة ذلك من واقعنا أن مشي الحيوان ليس كمشي الآدمي وسباحة السمك والحوت ليست كسباحة الإنسان وهكذا مع أنهم يشتركون في مسمى الفعل وهما المشي والسباحة هذه مسألة.
أما المسألة الثانية
فكما أنه يلزم من سجودنا التوقف عن الحركة لبرهة من الزمن وهو الإطمئنان الذي هو ركن في الصلاة فإنه لا يلزم بالمقابل أن يتوقف جريان الشمس لتحقيق صفة السجود. لأننا رأينا دلالة عموم لفظ السجود من آيتي الحج والنحل ومن شواهد لغة العرب على أن السجود هو مطلق الخضوع للخالق سبحانه. ومن المعلوم أن السجود عبادة والله قد تعبد مختلف مخلوقاته بما يناسب هيئاتها وصفاتها وطبائعها فكان الإنحناء والنزول للآدميين وكان غير ذلك من كيفيات السجود لسائر الكائنات والمخلوقات مع اشتراكهما في عموم معنى السجود الذي هو الخضوع لله تعالى طوعا أو كرها.
فالشمس تجري في الفلك ونراها تشرق وتغرب دائبة ومع ذلك لها سمت أو منتهى يقابلها
على وجه الأرض تسجد عنده لله تعالى ويكون ذلك السمت أو الحد مقابلاً في تلك اللحظة
لمركز باطن العرش كما أشار إلى ذلك ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية.
هذا وبقي في الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم فائدتان لطيفتان تزيلان لبساَ كثيراً
الفائدة الأولى:-
في قوله عليه الصلاة والسلام:" فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش" عند البخاري وغيره. ولم يقل عليه الصلاة والسلام أنها "تغرب تحت العرش" أو "حتى تغرب تحت العرش" وهذا فهم توهمه بعض الناس الذين أشكل عليهم هذا الحديث وهو فهم مردود لأن ألفاظ الحديث ترده. فقوله:"تذهب" دلالة على الجريان لا دلالة على مكان الغروب لأن الشمس لا تغرب في موقع حسي معين وإنما تغرب في جهة معينة وهي ما اصطلح عليه الناس باسم الغرب والغروب في اللغة التواري والذهاب كما ذكره ابن منظور وغيره يقال غرب الشيء أي توارى وذهب وتقول العرب أغرب فلان أي أبعد وذهب بعيداً عن المقصود.
أما الفائدة الثانية :-
فهي في قوله صلى الله عليه وسلم:" فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا" والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يستنكر الناس منها شيئا". وكأن في هذا دلالة ضمنية على علمه صلى الله عليه وسلم بأن هناك من الناس من قد يستشكل معنى الحديث فيتوهم أن الشمس تقف أو تتباطأ للسجود فينكر الناس ذلك ويرهبونه. إلا أنه صلى الله عليه وسلم أشار في الحديث إلى جريان الشمس على عادتها مع أنها تسجد ولكنه سجود غير سجود الآدميين ولذلك تصبح طالعة من مطلعها تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً وواضح من كلامه صلى الله عليه وسلم مفهوم المخالفة الدال على عدم استنكار الناس رغم سجود الشمس واستئذانها وكما قدمنا فإن سجود الشمس لا يستلزم وقوفها وهو اللبس الذي أزاله صلى الله عليه وسلم بقوله:" فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا" كما أن العقل يدل على ذلك إذ إن فرق المسافة التي يقطعها الضوء القادم من الشمس إلى الأرض يبلغ حوالي ثمان دقائق وهذا يعني أنه لو حدث خطب على الشمس أو فيها فإننا لا نراه إلا بعد ثمان دقائق من حصوله وعليه فلا يمنع أن تكون الشمس ساجدة في بعض هذا الوقت ولو بأجزاء من الثانية لله تعالى تحت عرشه ونحن لا نعلم عن ذلك لغفلتنا وانشغالنا بضيعات الدنيا. ولهذا يقول الله تعالى:"وكم من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون" والإعراض صور متعددة منها الغفلة واللهو عن تدبر الآيات كونية وشرعية ولذلك فإن البعض ممن ساء فهمهم لبعض الآيات و الأحاديث إنما أوتوا من قبل أنفسهم بعدم إمعان النظر في آيات الله الكونية وبهجرهم لتدبر كتاب الله وإعراضهم عن التفقه في سنة رسول الله مع عزوفهم عن الاستزادة من العلوم الدنيوية النافعة في هذا الباب
)) نقلا عن موقع ملتقى أهل الحديث ))
الشبهة الثانية :-
ورد في سنن النسائي وغيره حديثاً للرسول قال فيه : (( إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل )) فهل للشيطان ضراط وكيف يحدث هذا ؟
والجواب :-(2/270)
في معنى قوله عن الشيطان : (( وله ضراط )) قولين :-
الأول : أن يكون المعنى عبارة عن شدة نفاره وانزعاجه أي الشيطان . وسماه ضراطاً تقبيحاً له ، وليس المعنى على الحقيقة ويقويه رواية لمسلم [ باب الصلاة وفضل الاذان ] جاء فيها : (( . . . إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص )) مضموم الأول فقد فسره الأصمعي وغيره بشدة العدو . قال الطيبي : شبه شغل الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذى يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره ، ثم سماه ضراطاً تقبيحاً له .
الثاني : ان قوله عن الشيطان : (( وله ضراط (( هي حقيقة ممكنة يجوز حمله عليها ويجوز أن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بتأذيه بالأذان حين سماعه .
قال القاضي عياض : يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح
)). نقلا عن موقع المسيحية فى الميزان ))
الشبهة الثالثة :-
الحق المغمور في رواية الحمار يعفور
يورد النصارى قصة فى مواقعهم مختصرها
عن أبي منظور قال : لما فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خيبراً أصاب من سهمه أربعة أزواج من البغال وأربعة أزواج خفاف ، وعشر أواق ذهب وفضة ، وحمار أسود ومكتل .
قال : فكلم النبي صلى الله عليه وسلم الحمار ، فكلمه الحمار ، فقال له : ما اسمك ؟ قال : يزيد بن شهاب ، أخرج الله من نسل جدي ستين حماراً كلهم لم يركبهم إلا نبي ، لم يبق من نسل جدي غيري ، ولا من الأنبياء غيرك ، وكنت أتوقع أن تركبني ، قد كنت قبلك لرجل يهودي ، وكنت أعثر به عمداَ ، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سميتك يعفور ، يا يعفور ! قال : لبيك ، قال تشتهي الإناث قال : لا . فكان النبي صلى الله عليه وسلم يركبه لحاجته فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر كان لأبي التيهان فتردى فيها فصارت قبره جزعاً منه على الرسول صلى الله عليه وسلم.
راجع : تاريخ ابن كثير 6 : 150 . وكذلك : أسد الغابة ج 4 ص 707 . وكذلك : لسان الميزان ، باب من اسمه محمد ، محمد بن مزيد .وكذلك : السيرة الحلبية ، غزوة خيبر
والجواب :-
أولا :
تاريخ ابن كثير 6 : 150
قبل ان يورد ابن كثير القصة اشار الى أنها ضعيفة ، وقد أنكره غير واحد من الحفاظ الكبار
ثانيا :
أسد الغابة ج 4 ص 707 لابن الاثير
ايضا نص ابن الاثير على أن القصة ضعيفة وليست بصحيحة وإليكم كلامه في نقله عن ابي موسى عقب ذكر القصة:
هذا حديث منكر جداً إسناداً ومتناً لا أحل لأحد أن يرويه عني إلا مع كلامي عليه.
فهل ذكر الموقع كلام أبي موسى عليه في أن الحديث منكر جدا ؟
أم أخفوها حتى يُلبسوا الموضوع على الناس ويخفوا الحق وتضحك الناس ؟
ثالثا:
لسان الميزان ، باب من اسمه محمد ، محمد بن مزيد وهذا الكتاب للحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني
وفي هذا الكتاب أورد ابن حجر هذه القصة كمثال على الكذب الذي يرويه محمد بن مزيد ، وأورد كلام الحافظ ابن حبان واليكم نص الكلام :
محمد بن مزيد أبو جعفر: عن أبي حذيفة النهدي ذكر ابن حبان أنه روى عن أبي حذيفة هذا الخبر الباطل
ثم ذكر ابن حجر القصة كاملة فقال :
قال ابن حبان: هذا خبر لا أصل له وإسناده ليس بشيء.
وقال ابن الجوزي: لعن الله واضعه.
وقال فيه الحافظ أبو موسى المدينى : حديث منكر جدًا ، إسنادًا ومتنا ، لا يحل لأحد أن ينويه إلا مع كلامي عليه . ورواه أبو نعيم بمثله عن معاذ بن جبل ، وهو مطعون فيه .
رابعا :
كلام الامام السيوطي في اللآلئ المصنوعة
الجزء الأول ، (كتاب المناقب)
واسم الكتاب كاملا اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ، وهو خصيصا لتبيان الأحاديث الموضوعة أي المكذوبة
بعد أن ساق الامام السيوطي الحديث قال : موضوع ( اي الحديث )
ثم ذكر كلام الامام الحافظ ابن حبان واليكم كلامه:
قال ابن حبان لا أصل له وإسناده ليس بشيء ولا يجوز الاحتجاج بمحمد بن مزيد.
خامسا :
ذكر الألباني رحمه الله هذه الرواية في سلسلة الأحاديث الضعيفة وصنفها بأنها موضوعة
فكما رأينا جميعا ان الناقل لم يكن أبدا امينا في النقل ، ولقد بتروا الكلام من السياق وأخفوا اقوال العلماء قبل وبعد أن يذكروه وذلك لغاية في أنفسهم .
(( شبكة ابن مريم الإسلامية ))
الشبهة الرابعة :-
حديث أبوال الابل وألبانها
عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَاسًا اجْتَوَوْا فِي الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ يَعْنِي الابِلَ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانُهُمْ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الإبلَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ . رواه البخاري
1- ولعلك مازلت متعجب ومستنكر أيها القارىء الكريم من أن يستخدم( البول )في الشفاء , دعني أخبرك إذن أن هذا الأمر غير عجيب في عالم الطب الحديث !! نعم , وهذا هو الدليل :
من الأدويه التي تستخدم في علاج الجلطة الدموية مجموعه تسمى FIBRINOLYTICS
تقوم آلية عمل هذه المجموعه على تحويل ماده في الجسم من صورتها الغير نشطة PLASMINOGEN إلى الصوره النشطة PLASMIN وذلك من أجل أن تتحلل المادة المسببة للتجلط FIBRIN أحد أعضاء هذه المجموعة هوUROKINASE الذي يستخرج من خلايا الكلى أو من البول كما يدل الإسم URO- البول في الإنجليزيه URINE(2/271)
2- في الحقيقه إن كان هذا أمرا فعلا مثيرا للإشمئزاز ، ولكن لم يطلب أحد منك أن تشرب بول الإبل كفاتح شهية أو أن تستبدل به عصير البرتقال !!
لقد وصى النبي به كعلاج لمرض خطير وهو الإستسقاء ، وما كان العربي القديم يتورع عن فعل ذلك لأنه لم تكن متوفرة له السبل المطلوبة لإستخلاص مادة الشفاء من البول كما فعلنا نحن اليوم .
3- ان الطب شاهد بصحة هذا الحديث و اليك الآن تجربة علمية أثبتت امكانية علاج مرض
الاستسقاء بالافراز البولي للإبل :
جريدة الخرطوم -علي عثمان
دراسة علمية تجريبية غير مسبوقة أجرتها كلية المختبرات الطبية بجامعة الجزيرة بالسودان عن استخدامات قبيلة البطانة فى شرق السودان ( بول الابل) فى علاج بعض الأمراض حيث إنهم يستخدمونه شرابا لعلاج مرض (الاستسقاء ) والحميات والجروح. وقد كشف البروفسور أحمد عبدالله محمدانى تفاصيل تلك الدراسة العلمية التطبيقية المذهلة داخل ندوة جامعة الجزيرة حيث ذكر أن الدراسة استمرت 15 يوما حيث اختير 25 مريضا مصابين بمرض الاستسقاء المعروف وكانت بطونهم منتفخة بشكل كبير قبل بداية التجربة العلاجية. وبدأت التجربة باعطاء كل مريض يوميا جرعة محسوبة من (بول الابل) مخلوطا بلبن الابل حتى يكون مستساغا وبعد 15 يوما من بداية التجربة أصابنا الذهول من النتيجة اذ انخفضت بطونهم وعادت لوضعها الطبيعى وشفى جميع أفراد العينة من الاستسقاء. وتصادف وجود بروفسور انجليزى أصابه الذهول ايضا واشاد بالتجربة العلاجية.
وأوضح د. أحمد المكونات الموجودة فى بول الابل حيث قال إنه يحتوى على كمية كبيرة من البوتاسيوم يمكن ان تملأ جرادل ويحتوى ايضا على زلال بالجرامات ومغنسيوم ومعروف أن مرض الاستسقاء إ نقص فى الزلال أ فى البوتاسيوم وبول الابل غنى بالاثنين معا.
4- وفي مقالة في جريدة الاتحاد العدد 9515 بتاريخ 7/24/200
تتناول دراسة الدكتور محمد مراد الإبل في مجال الطب والصحة حيث يشير الى أنه في الماضي البعيد استخدم العرب حليب الإبل في معالجة الكثير من الأمراض ومنها أوجاع البطن وخاصة المعدة والأمعاء ومرض الاستسقاء وامراض الكبد وخاصة اليرقان وتليف الكبد وامراض الربو وضيق التنفس ومرض السكري
5- كما جاء في صحيفة الوطن مقال للكاتب : امجاد محمود رضا
تحت اسم : اكتشاف طبي جديد ينتظر موافقة الجهات المتخصصة و"براءة الاختراع" لأكثر من 3 سنوات أول مرة في العالم: مستحضر طبي من " بول الإبل" لعلاج الأمراض الجلدية بلا تأثيرات جانبية
6- استثارت عقول الباحثين في السعودية أخيرا وكانت الريادة في البحث والتحقيق للدكتورة أحلام العوضي بالتعاون مع الدكتورة ناهد هيكل في كلية التربية للبنات الأقسام العلمية بجدة حيث استخدمتا بول الإبل للقضاء على فطر A.niger الذي يصيب الإنسان والنبات والحيوان 00وكانت تلك هي نقطة البداية للدكتورة أحلام العوضي- صاحبة 3 اكتشافات علمية - بدأتها باختراع مرشح بسيط من قشرة البيضة وواصلت بحوثها لتضيف أبعادا أخرى تشكل بها إضافات غير مسبوقة تمثلت في اختراعين تقدمت بهما منذ عام 1419هـ لتنال عنهما براءة الاختراع من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وكانت إحدى هذه الإضافات استخدام بول الإبل في علاج الأمراض الجلدية والأخرى مكافحة الأمراض بسلالات بكتيرية معزولة من بول الإبل.
كما أشرفت الدكتورة العوضي على بعض الرسائل العلمية امتداداً لاكتشافاتها - مثلما حدث مع طالبات الكلية- ومنهن عواطف الجديبي ومنال قطان - فبإشرافها على بحث لطالبة الماجستير منال القطان التي نجحت في تأكيد فعالية مستحضر تم إعداده من بول الإبل - وهو أول مضاد حيوي ُيصنع بهذه الطريقة على مستوى العالم- وهو للأمانة على حد قول الباحثة قطان قد جاء تحضيره في رسالة الماجستير بالطريقة التي تضمنتها براءة الاختراع للدكتورة أحلام العوضي والتي تقدمت بها لمدينة لملك عبد العزيز للعلوم والتقنية منذ عام 1419هـ.
7- ال صاحب القانون :
ولا يلتفت إلى ما يقال من أن طبيعه اللبن مضادة لعلاج الاستسقاءفقد علم أن لبن النوق دواء نافع لما فيه من الجلاء برفق ، وما فيه من خاصية وأن هذا اللبن شديد المنفعة ، فلو أن إنسانا أقام عليه بدل الماء والطعام شفي به ، وقد جرب ذلك في قوم دفعوا إلى بلاد العرب فقادتهم الضروره إلى ذلك ؛ فعوفوا . وأنفع الأبوال بول الجمل الأعرابي وهو النجيب. انتهى.
* القانون هو كتاب (القانون في الطب)
وهو كتاب في الطب النظري والعملي ، وفي أحكم الأدوية.
- طبع في روما سنه 1593م.
- ترجم إلى اللاتينيه ومنه استاق الغرب أصول الطب ؛ وما كانوا ليصلوا إلى ربع ما وصلوا إليه إلا بهذه الترجمة وبالإنتفاع به.
- طبع في البندقيه عام 1595م.
أما صاحبه فهو ابن سينا. وهو غني عن التعريف فى مجال الطب
(( موقع أبو إسلام أحمد بن عبد الله))
ثم نقول لك ما قاله المسيح في إنجيل لوقا [ لوقا 6 : 41 ] : (( لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك واما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها )) مع انه لا قذى في عين أخيك حقيقةً ، ألم يرد في كتابك المقدس أن الرب أمر نبيه ( حزقيال ) بأكل الخراء وهو البراز :(( وتأكل كعكعاً من الشعير على الخرء الذي يخرج من الانسان وتخبزه أمام عيونهم ))[ حزقيال 4 : 12 _ 13 ]
و العجب أنك تتكلم على نصح الرسول صلى الله عليه وسلم للأعرابيين بشرب ألبان الإبل وأبوالها ولا تتكلم على أن الاعرابيين تم شفاؤهم فعلاً بهذه الإلبان والابوال كما يذكر الحديث ، ولم يبدوا اعتراضاً لهذا الأمر، فذكر الحديث( حتى صلحت ابدانهم ) وفي راوية : ( فلما صحوا)(2/272)
و ليس في الحديث إلزام لك أو لأي إنسان بشرب ألبان الابل وأبوالها لأن الانسان لا يؤمر بأكل ما تعافه نفسه ولا بشرب ما تعافه نفسه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح أكل الضب ولم يأكله ، وقال (( لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه )) (( نقلا عن منتديات البوابة))
الشبهة الخامسة :-
حول حديث غمس الذباب في الإناء
قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينتزعه فإن في إحدى جناحية داء وفي الأخرى شفاء ) أخرجه البخاري وابن ماجه وأحمد .
وفي لفظ آخر قال عليه الصلاة والسلام : ( إن في أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء ) رواه أحمد وابن ماجه
يرد الأستاذ الدكتور أمين رضا أستاذ جراحة العظام والتقويم بجامعة الإسكندرية، إثر مقال نشرته بعض الصحف لطبيب آخر تشكك في الحديث المذكور.
يقول الدكتور أمين رضا :
رفض أحد الأطباء الزملاء حديث الذبابة على أساس التحليل العلمي العقلي لمتنه لا على أساس سنده .
وامتدادًا للمناقشة الهادئة التي بدأتها هذه الجريدة أرى أن أعارض الزميل الفاضل بما يأتي :
1- ليس من حقه أن يرفض هذا الحديث أو أي حديث نبوي آخر لمجرد عدم موافقته للعلم الحالي . فالعلم يتطور ويتغير . بل ويتقلب كذلك . فمن النظريات العلمية ما تصف شيئًا اليوم بأنه صحيح . ثم تصفه بعد زمن قريب أو بعيد بأنه خطأ . فإذا كان هذا هو حال العلم فكيف يمكننا أن نصف حديثًا بأنه خطأ قياسًا على نظرية علمية حالية . ثم نرجع فنصححه إذا تغيرت هذه النظرية العلمية مستقبلاً ؟.
2- ليس صحيحًا أنه لم يرد في الطب شيء عن علاج الأمراض بالذباب ؛ فعندي من المراجع القديمة ما يوصف وصفات طبية لأمراض مختلفة باستعمال الذباب ، أما في العصر الحديث فجميع الجراحين الذين عاشوا في السنوات التي سبقت اكتشاف مركبات السلفا - أي في السنوات العشر الثالثة من القرن الحالي - رأوا بأعينهم علاج الكسور المضاعفة والقرحات المزمنة بالذباب ، وكان الذباب يربي لذلك خصيصًا ، وكان هذا العلاج مبنيًا على اكتشاف فيروس البكتريوفاج القاتل للجراثيم .
على أساس أن الذباب يحمل في آن واحد الجراثيم التي تسبب المرض، وكذلك البكتريوفاج الذي يهاجم هذه الجراثيم . وكلمة بكتريوفاج هذه معناها " آكلة الجراثيم " ، وجدير بالذكر أن توقف الأبحاث عن علاج القرحات بالذباب لم يكن سببه فشل هذه الطريقة العلاجية ، وإنما كان ذلك بسبب اكتشاف مركبات السلفا التي جذبت أنظار العلماء جذبًا شديدًا . وكل هذا مفصل تفصيلاً دقيقًا في الجزء التاريخي من رسالة الدكتوراه التي أعدها الزميل الدكتور أبو الفتوح مصطفى عيد تحت إشرافي عن التهابات العظام والمقدمة لجامعة الإسكندرية من حوالي سبع سنوات.
3- في هذا الحديث إعلام بالغيب عن وجود سم في الذباب . وهذا شيء لم يكشفه العلم الحديث بصفة قاطعة إلا في القرنين الأخيرين . وقبل ذلك كان يمكن للعلماء أن يكذبوا الحديث النبوي لعدم ثبوت وجود شيء ضار على الذباب , ثم بعد اكتشاف الجراثيم يعودون فيصححون الحديث.
4- في هذا الحديث إعلام بالغيب عن وجود شيء على الذباب يضاد السموم التي تحملها ، والعلم الحديث يعلمنا أن الأحياء الدقيقة من بكتريا وفيروسات وفطريات تشن الواحدة منها على الأخرى حربًا لا هوادة فيها ، فالواحدة منها تقتل الأخرى بإفراز مواد سامة ، ومن هذه المواد السامة بعض الأنواع التي يمكن استعمالها في العلاج ، وهي ما نسميه " المضادات الحيوية " مثل البنسلين والكلوروميستين وغيرهما.
5- هذا الحديث النبوي لم يدعُ أحدًا إلى صيد الذباب ووضعه عنوة في الإناء، ولم يشجع على ترك الآنية مكشوفة، ولم يشجع على الإهمال في نظافة البيوت والشوارع وفي حماية المنازل من دخول الذباب إليها.
6- إن من يقع الذباب في إنائه ويشمئز من ذلك ولا يمكنه تناول ما فيه فإن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
7- هذا الحديث النبوي لا يمنع أحدًا من الأطباء والقائمين على صحة الشعب من التصدي للذباب في مواطنه ومحاربته وإعدامه وإبادته، ولا يمكن أن يتبادر إلى ذهن أحد علماء الدين أن هذا الحديث يدعو الناس إلى إقامة مزارع أو مفارخ للذباب ، أو أنه يدعو إلى التهاون
محاربته ، ومن صنع ذلك أو اعتقد فيه فقد وقع في خطأ كبير " أ هـ.
8- نزل الإسلام شرعة للعالمين الغنى والفقير فقد يحتاج الإنسان فى حال من الأحوال إلى هذا الماء الذى وقع فيه الذباب ولا يستطيع أن يسكبه فجاء الحديث ليوضح المخرج فى هذه الحالة
(( شبكة بن مريم الإسلامية))
الشبهة السادسة :-
رضاع الكبير
اتفق علماء الصحابة وأئمة المذاهب الفقهية وأتباعهم على أن الرضاع المحرّم هو ذاك الذي يناله الرضيع وهو دون السنتين من العمر ، لصريح قول الله تعالى : (( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ )) ولقوله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها : ( ( إنما الرضاعة من المجاعة ) ) اي أن الرضاعة المعتبرة التي كانت في فترة صغر الطفل كي يكون هذا اللبن سبب في بناء لحمه فتكون المرضعة قد أنبتت من لبنها لحم الطفل كما الأم تنبت من رحمها لحم الطفل فتكون المرضعة كالأم في هذا الحين ، وفي الترمذي وصححه عن أم سلمة مرفوعاً : (( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام )) و للدارقطني عن ابن عباس يرفعه : (( لا رضاع إلا في الحولين )) وعند أبي داود عن ابن مسعود يرفعه (( لا رضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم )) .(2/273)
فكل هذه الأحاديث الصحيحة تدل على أن الرضاعة المحرمة هي ما كانت دون السنتين قبل الفطام ، وما بعد ذلك فلا أثر له،
وأما ما جاء في حديث سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة من قصة سالم مولى أبي حذيفة من أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالماً، فلما صارت امرأة أبي حذيفة يشق عليها دخول هذا الغلام الذي كبر لما رأت من تغير في وجه زوجها أبي حذيفة ، استفتت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أرضعية تحرمي عليه " وكيف أن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد رأت أن هذا الأمر عاماً ، ( كما في سنن أبي داود ) فكانت تأمر بنات أخواتها و بنات إخوتها أن يُرضِعنَ من أحبت عائشة أن يراها ، أو يدخل عليها خمس رضعات ثمّ يدخل عليها ، فالجواب عن ذلك هو :
- ذهب جمهور العلماء إلى أن قصة سالم هي واقعة خاصة بسالم لا تتعداه إلى غيره ، ولا تصلح للاحتجاج بها. قال الحافظ ابن عبد البر : " عدم تحديث أبي مليكة بهذا الحديث لمدة سنة يدل على أنه حديث ترك قديما ولم يعمل به ، ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه ، بل تلقوه على أنه مخصوص " . ( شرح الزرقاني على الموطأ 3/292)، وقال الحافظ الدارمي عقب ذكره الحديث في سننه : " هذا لسالم خاصة "
وبذلك صرحت بعض الروايات ، ففي صحيح مسلم عن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ (( : أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بهذه الرضاعة ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ : وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إلا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً ، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ وَلَا رَائِينَا ))
- أما ما روي عن عائشة رضي الله عنها فإنه مؤول بأنها إذا تفرست بطفل خيرا وأرادت أن يدخل عليها بعد بلوغه تأمر بنات أخيها أن يرضعنه وهو صغير، فإذا كبر دخل عليها . وبالتالي يكون عملها - رضي الله عنها - اجتهاد منها ليس إلا ، تثاب عليه في كل الأحوال ، بأجر أو بأجرين . وكان فهم وعمل الصحابة وسائر ازواج النبي صلى الله عليه وسلم على خلافه .
- ذهب البعض إلى إن حديث سهلة بنت سهيل مخصوص بمن حاله كحال سالم مولى أبي حذيفة. فلو وجد أحد تبنى شخصاً حتى كان هذا الابن مثل ابنه في دخوله على أهله وبساطتهم معه، واضطرت امرأته لأن ترضعه ليبقى على ما هو عليه من الدخول - لو وجد هذا – لقلنا بجوازه. لكن هذا في الوقت الحاضر ممتنع، لأن الشرع أبطل التبني، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إياكم والدخول على النساء، قالوا يا رسول الله : أرأيت الحمو؟ قال : الحمو الموت" ولو كان إرضاع الكبير مؤثراً لقال : " الحمو ترضعه زوجة أخيه مثلا حتى يدخل على امرأة من محارمة " فلما لم يرشد النبي صلى الله عليه وسلم أو يوجه إلى هذا علم أن رضاع الكبير بعد إبطال التبني لا يمكن أن يكون له أثر.
يقول الدكتور. سعد الدين بن محمد الكبي :
فقياس غير سالم بسالم قياس وإلحاق مع الفارق، لأن سالماً رضي الله عنه كان دخوله جائزاً على سهلة رضي الله عنها، حيث كان ولدها بالتبني، وذلك عندما كان التبني جائزاً، وهذا يدل على أن دخوله كان مباحاً في الأصل، ولما حرم التبني، ووجد الحرج والمشقة من الاحتجاب؛ لأنه كان بمثابة الولد، رخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - في إرضاعه كبيراً ليستمر له ما كان في حقه مباحاً، أما وبعد أن حرم التبني، فليس أحد من الرجال يكون دخوله على النساء مباحاً فيطرأ الحرج والمشقة في حقه حتى نحتاج إلى إزالتهما فتأمل، والله أعلم.
و الظاهر أنّ لتخصيص الرخصة بسالم رضي الله عنه من دون الناس هو الراجح من حيث اختيار معظم أمهات المؤمنين له ، وذهاب معظم الصحابة و جمهور العلماء إلى القول به ، وهو المفهوم من ظاهر النصوص المعارضة لحديث سهلة بنت سهيل ، و لو كان الأمر على إطلاقه لشاع بين الصحابة الكرام فمن بعدهم من السلف ، و تعدّدت طرقه ، و رويت أخباره .
والسؤال :هل تحل رضاعة الكبير الان ؟؟؟
لا تحل و الدليل أنها لا تحل بعد الحولين ما قاله :
علي بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود وجابر وابن عمروأبي هريرة وأم سلمة وسعيد بن المسيب وعطاء والشافعي ومالك ( رغم أنه اخرج الحديث في الموطأ ) وأحمد واسحاق والثوري وأما ابو حنيفة فخالف و رده تلامذته ( أبو يوسف و محمد ) و علي رأي أبويوسف
و محمد الذي هو التحريم يدور مذهب الاحناف .
فهل معني ذلك أن عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها كانت تدعو لأمر حرام؟؟!!
نقول بالطبع لا و لكن حدث نسخ لهذا الأمرو الكل أجمع في الثلاثة اراء المذكورة آنفا ان هذا الأمر بتحليل رضاعة الكبير كان لفترة عارضة إلا السيدة عائشة فإذا أثبتنا أن السيدة عائشة نفسها اعترفت بهذا النسخ فلا مجال إذن لحجج النصاري كيف نثبت ذلك؟؟
نقول اثبات ذلك عقلا و نقلا هو من البخاري
فقد بوّب البخاري رحمة الله عليه بابا اسمه باب من قال لا رضاعة بعد الحولين
- هل جزم أحد أن هذا الحديث ناسخ للحديث الذي قبله ؟؟
نعم و منهم المحب الطبري في الاحكام .
و لكن كيف تستدل أن عائشة رضي الله عنها قد علمت بهذا النسخ ؟؟؟
لأن بمنتهي البساطة هذا الحديث هو من رواية عائشة رضي الله عنها(2/274)
و إليكم الحديث : أخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن النبي دخل عليها وعندها رجل فكأنما قد تغير وجهه فقالت إنه أخي فقال انظرن ما إخوانكن إنما الرضاعة من المجاعة ) فان قال النصاري ربما المراد بذلك الأمر هو ( عدد الرضعات و ليس السن ) لأجبناهم أن هذا يستحيل فإن احاديث أعداد الرضعات التي تحرم التي روتها هي عائشة رضي الله عنها و هي تعلمها جيدا
كذلك لفظ الحديث لا يدل علي العدد و انما يدل علي السن ( انما الرضاعة من المجاعة ) اي في السن الذي يكون سد الجوع فيه هو اللبن الذي يرضعه الرضيع
كذلك بوّب البخاري الحديث كما ذكرنا في باب من قال انه لا تجوز الرضاعة بعد الحولين .
تنبيه : - كيف تتم رضاعة الكبير؟؟ وهل يري بذلك عورة المرأة
لقد فهم جهال النصارى من قوله - عليه الصلاة والسلام – لسهلة : (( أرضعيه )) أنه
يتحتم ملامسة الثدي فقالوا كيف يكون هذا ؟! ومن أحسن ما قيل في توجيه ذلك قول الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم ( 10 / 31 ) : ( قال القاضي : لعلّها حَلَبَته ثم شرِبَه ، دون أن يمسَّ ثديَها ، و لا التَقَت بشرتاهُما إذ لا يجوز رؤية الثدي ، ولا مسه ببعض الأعضاء ، و هذا الذي قاله القاضي حَسَنٌ ، )
وقال أبو عمر : (( صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه فأما أن تلقمه المرأة ثديها فلا ينبغي عند أحد من العلماء، وهذا ما رجحه القاضي والنووي )) (شرح الزرقاني3/316).
فإن قيل إنه ورد في الحديث قول سهلة : (( و كيف أرضعه و هو رجل كبير ؟ )) نقول هذا وصف نسبي بالنسبة لما يعرف عن الرضاع بأنه عادة لا يكون إلا للصغير.
فإن أبيتم روينا لكم ما رواه ابن سعد في طبقاته عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن أبيه قال كانت سهلة تحلب في مسعط أو إناء قدر رضعته فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسر رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة» (الطبقات الكبرى8/271 الإصابة لابن حجر7/716).
ثم إن النص لم يصرح بأن الارضاع كان بملامسة الثدي. وسياق الحديث متعلق بالحرج من الدخول على بيت أبي حذيفة فكيف يرضى بالرضاع المباشر كما فهم هؤلاء؟أونسي هؤلاء أن النبي حرم المصافحة؟ فكيف يجيز لمس الثدي بينما يحرم لمس اليد لليد؟
ثم إننا نسأل هؤلاء : هل الطفل الذي يشرب الحليب من غير ارتضاعه من الثدي مباشرة يثبت له حكم الرضاعة أم لا؟
والجواب كما عند جمهور العلماء أنه يثبت ، وبالتالي نقول انه إذا كان شرب اللبن بدون مباشرة الثدي يثبت حكم الرضاع للصغير فإنه أولى به للكبير ذلك لأن شرب اللبن بدون مباشرة الثدي يصح أن يكون رضاعاً .
وأخيراً ننقل من كلام العالم النحوي ابن قتيبة الدينوري (ت 276هـ) في توجيهه لحديث سهلة :
قال ابن قتيبة : فأراد رسول الله صلى الله عليه و سلم - بمحلها عنده، و ما أحب من ائتلافهما، و نفي الوحشة عنهما أن يزيل عن أبي حذيفة هذه الكراهة، و يطيب نفسه بدخوله فقال لها "أرضعيه".
و لم يرد : ضعي ثديك في فيه، كما يفعل بالأطفال. و لكن أراد: احلبي له من لبنك شيئا، ثم ادفعيه إليه ليشربه. ليس يجوز غير هذا، لأنه لا يحل لسالم أن ينظر إلى ثدييها، إلى أن يقع الرضاع، فكيف يبيح له ما لا يحل له و ما لا يؤمن معه من الشهوة؟
( تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص308-309)
وأما النصارى فإذا كانوا يستنكرون على المسلمين هذا الحديث فنذكرهم بما جاء فيم يطلقون عليه الكتاب المقدس :
من أن الرب يأمر بالرذيلة و يوقع الناس في الزنا عقاباً لهم !!! :
سفر صموئيل الثانى [12: 11-12] : رب الأرباب نفسه يسلم أهل بيت نبيه داود عليه السلام للزنى عقاباً له : (( هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَئَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجِعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هَذِهِ الشَّمْسِ. لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِالسِّرِّ وَأَنَا أَفْعَلُ هَذَا الأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ الشَّمْسِ.))
يهوذا جد المسيح يزني بثامار ( زوجة ابنه )
سفر التكوين [ 38 : 15 ] : فرآها يهوذا فحسبها زانية لأنها كانت قد غطت وجهها. فمال إليها على الطريق وقال: هاتي أدخل عليك. لأنه لم يعلم أنها كنته. فقالت : ماذا تعطيني لكي تدخل علي. فقال: إني أرسل جدي معزى من الغنم. فقالت: هل تعطيني رهنا حتى ترسله؟ فقال: ما الرهن الذي أعطيك؟ فقالت: خاتمك وعصاك التي في يدك. فأعطاها ودخل عليها فحبلت منه... وبعد ثلاثة شهور قيل ليهوذا: إن كنتك ثامار قد زنت وها هي الآن حبلى من الزنا ثم إنهم يجعلون نسب المسيح جاء من فارص وزارح ، التوأم اللذين حملت بهما ثامار من الزنى !!!
والحاصل : أن طائفة كتبت هذا الكلام في كتابها ، لا يصح عقلاً ولا منطقاً أن تتفوه أوتنكر شىء على اتباع الديانات الأخرى ...
((.موقع الحقيقة)) + (( شبكة بن مريم الإسلامية ))
الباب الثالث : شبهات النصارى حول أحكام الشريعة
ويشتمل على
الفصل الاول : شبهات متعلقة بالمرأة
الفصل الثانى : شبهات عامة
الفصل الاول : شبهات متعلقة بالمرأة
الشبهة الاولى : -
لماذا شرع الإسلام الطلاق ؟؟
يأخذ الكثير من الغربيين على الإسلام أنه أباح الطلاق ، ويعتبرون ذلك دليلاً على استهانة الإسلام بقدر المرأة ، وبقدسية الزواج ، وقلدهم في ذلك بعض المسلمين الذين تثقفوا بالثقافات الغربية ، وجهلوا أحكام شريعتهم ، مع أن الإسلام ، لم يكن أول من شرع الطلاق ، فقد جاءت به الشريعة اليهودية من قبل ، وعرفه العالم قديماً.(2/275)
وقد نظر هؤلاء العائبون إلى الأمر من زاوية واحدة فقط ، هي تضرر المرأة به ، ولم ينظروا إلى الموضوع من جميع جوانبه ، وحَكّموا في رأيهم فيه العاطفة غير الواعية ، وغير المدركة للحكمة منه ولأسبابه ودواعيه.والإسلام أحرص الاديان على الحياة الزوجية ويتضح ذالك بأمور
- منها أن الإسلام يفترض أولاً ، أن يكون عقد الزواج دائماً ، وأن تستمر الزوجية قائمة بين الزوجين ، حتى يفرق الموت بينهما ، ولذلك لا يجوز في الإسلام تأقيت عقد الزواج بوقت معين.
غير أن الإسلام وهو يحتم أن يكون عقد الزواج مؤبداً يعلم أنه إنما يشرع لأناس يعيشون على الأرض ، لهم خصائصهم ، وطبائعهم البشرية ، لذا شرع لهم كيفية الخلاص من هذا العقد ، إذا تعثر العيش ، وضاقت السبل ، وفشلت الوسائل للإصلاح ، وهو في هذا واقعي كل الواقعية ، ومنصف كل الإنصاف لكل من الرجل والمرأة
- ومن جانب آخر ، نفّر من الطلاق وبغضه إلى النفوس فقال صلى الله عليه وسلم: ( أيما
امرأة سألت زوجها الطلاق في غير بأس ، فحرام عليها رائحة الجنة ) ، تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 2706 في صحيح الجامع
- واعتبر الطلاق آخر العلاج ، بحيث لا يصار إليه إلا عند تفاقم الأمر ، واشتداد الداء ، وحين لا يجدي علاج سواه ، وأرشد إلى اتخاذ الكثير من الوسائل قبل أن يصار إليه ، فرغب الزوج في الصبر والتحمل على الزوجات ، وإن كانوا يكرهون منهن بعض الأمور ، إبقاء للحياة الزوجية ، ( وعاشروهن بالمعروف ، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ).
- وأرشد الزوج إذا لاحظ من زوجته نشوزاً إلى ما يعالجها به من التأديب المتدرج: الوعظ ثم الهجر ، ثم الضرب غير المبرح ، (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في
المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً).
- وأرشد الزوجة إذا ما أحست فتوراً في العلاقة الزوجية ، وميل زوجها إليها إلى ما تحفظ به هذه العلاقة ، ويكون له الأثر الحسن في عودة النفوس إلى صفائها ، بأن تتنازل عن بعض حقوقها الزوجية ، أو المالية ، ترغيباً له بها وإصلاحاً لما بينهما.
- وشرع التحكيم بينهما ، إذا عجزا عن إصلاح ما بينهما ، بوسائلهما الخاص.
كل هذه الإجراءات والوسائل تتخذ وتجرب قبل أن يصار إلى الطلاق ، ومن هذا يتضح ما للعلائق والحياة الزوجية من شأن عظيم عند الله.
فلا ينبغي فصم ما وصل الله وأحكمه ، ما لم يكن ثَمَّ من الدواعي الجادة الخطيرة الموجبة
للافتراق ، ولا يصار إلى ذلك إلا بعد استنفاد كل وسائل الإصلاح.
ولكن كثيراً ما يحدث بين الزوجين من الأسباب والدواعي ، ما يجعل الطلاق ضرورة لازمة ، ووسيلة متعينة لتحقيق الخير ، والاستقرار العائلي والاجتماعي لكل منهما ، فقد يتزوج الرجل والمرأة ، ثم يتبين أن بينهما تبايناً في الأخلاق ، وتنافراً في الطباع ، فيرى كل من الزوجين نفسه غريباً عن الآخر ، نافراً منه ، وقد يطّلع أحدهما من صاحبه بعد الزواج على ما لا يحب ، ولا يرضى من سلوك شخصي ، أو عيب خفي ، وقد يظهر أن المرأة عقيم لا يتحقق معها أسمى مقاصد الزواج ، وهو لا يرغب التعدد ، أولا يستطيعه ، إلى غير ذلك من الأسباب والدواعي ، التي لا تتوفر معها المحبة بين الزوجين ولا يتحقق معها التعاون على شؤون الحياة ، والقيام بحقوق الزوجية كما أمر الله ، فيكون الطلاق لذلك أمراً لا بد منه للخلاص من رابطة الزواج التي أصبحت لا تحقق المقصود منها ، والتي لو ألزم الزوجان بالبقاء عليها ، لأكلت الضغينة قلبيهما ، ولكاد كل منهما لصاحبه ، وسعى للخلاص منه بما يتهيأ له من وسائل ، وقد يكون ذلك سبباً في انحراف كل منهما ، ومنفذاً لكثير من الشرور والآثام، لهذا شُرع الطلاق وسيلة للقضاء على تلك المفاسد ، وللتخلص من تلك الشرور ، وليستبدل كل منهما بزوجه زوجاً آخر ، قد يجد معه ما افتقده مع الأول ، فيتحقق قول الله تعالى: ( وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته ، وكان الله واسعاً حكيماً ).
وهذا هو الحل لتلك المشكلات المستحكمة المتفق مع منطق العقل والضرورة ، وطبائع البشر وظروف الحياة. ولا بأس أن نورد ما قاله ( بيتام ) رجل القانون الإنجليزي ، لندلل للاهثين خلف الحضارة الغربية ونظمها أن ما يستحسنونه من تلك الحضارة ، يستقبحه أبناؤها العالمون بخفاياها ، والذين يعيشون نتائجها.
يقول ( بيتام ):( لو وضع مشروع قانوناً يحرم فض الشركات ، ويمنع رفع ولاية الأوصياء ، وعزل الوكلاء ، ومفارقة الرفقاء ، لصاح الناس أجمعون: أنه غاية الظلم ، واعتقدوا صدوره من معتوه أو مجنون ، فيا عجباً أن هذا الأمر الذي يخالف الفطرة ، ويجافي الحكمة ، وتأباه المصلحة ، ولا يستقيم مع أصول التشريع ، تقرره القوانين بمجرد التعاقد بين الزوجين في أكثر البلاد المتمدنة ، وكأنها تحاول إبعاد الناس عن الزواج ، فإن النهي عن الخروج من الشيء نهي عن الدخول فيه ، وإذا كان وقوع النفرة واستحكام الشقاق والعداء ، ليس بعيد الوقوع ، فأيهما خير؟ .. ربط الزوجين بحبل متين ، لتأكل الضغينة قلوبهما ، ويكيد كل منهما للآخر؟ أم حل ما بينهما من رباط ، وتمكين كل منهما من بناء بيت جديد على دعائم قوية؟ ، أو ليس استبدال زوج بآخر ، خيراً من ضم خليلة إلى زوجة مهملة أو عشيق إلى زوج بغيض ).
والإسلام عندما أباح الطلاق ، لم يغفل عما يترتب على وقوعه من الأضرار التي تصيب الأسرة ، خصوصاً الأطفال ، إلا أنه لاحظ أن هذا أقل خطراً ، إذا قورن بالضرر الأكبر ، الذي تصاب به الأسرة والمجتمع كله إذا أبقى على الزوجية المضطربة ، والعلائق الواهية التي تربط بين الزوجين على كره منهما ، فآثر أخف الضررين ، وأهون الشرين.(2/276)
وفي الوقت نفسه ، شرع من التشريعات ما يكون علاجاً لآثاره ونتائجه ، فأثبت للأم حضانة أولادها الصغار ، ولقريباتها من بعدها ، حتى يكبروا ، وأوجب على الأب نفقة أولاده ، وأجور حضانتهم ورضاعتهم ، ولو كانت الأم هي التي تقوم بذلك ومن تتبع الدواعي والأسباب الداعية إلى الطلاق يتضح أنه كما يكون الطلاق لصالح الزوج ، فإنه أيضاً يكون لصالح الزوجة في كثير من الأمور ، فقد تكون هي الطالبة للطلاق ، الراغبة فيه ، فلا يقف الإسلام في وجه رغبتها وفي هذا رفع لشأنها ، وتقدير لها ، لا استهانة بقدرها ، كما يدّعي المدّعون ، وإنما الاستهانة بقدرها ، بإغفال رغبتها ، وإجبارها على الارتباط برباط تكرهه وتتأذى منه.
وليس هو استهانة بقدسية الزواج كما يزعمون ، بل هو وسيلة لإيجاد الزواج الصحيح السليم ، الذي يحقق معنى الزوجية وأهدافها السامية ، لا الزواج الصوري الخالي من كل معاني الزوجية ومقاصدها.إذ ليس مقصود الإسلام الإبقاء على رباط الزوجية كيفما كان ، ولكن الإسلام جعل لهذا الرباط أهدافاً ومقاصد ، لا بد أن تتحقق منه ، وإلا فليلغ ، ليحل محله ما يحقق تلك المقاصد والأهداف.
لماذا جعل الطلاق بيد الرجل :
ويثار كذلك عن الحكمة في جعل الطلاق بيد الرجل ؟وليس في ذلك ما ينقص من شأن المرأة ؟
وفي ذلك نقول : إن فصم رابطة الزوجية أمر خطير ، يترتب عليه آثار بعيدة المدى في حياة الأسرة والفرد والمجتمع ، فمن الحكمة والعدل ألا تعطى صلاحية البت في ذلك ، وإنهاء الرابطة تلك ، إلا لمن يدرك خطورته ، ويقدر العواقب التي تترب عليه حق قدرها ، ويزن الأمور بميزان العقل ، قبل أن يقدم على الإنفاذ ، بعيداً عن النزوات الطائشة ، والعواطف المندفعة ، والرغبة الطارئة.
والثابت الذي لا شك فيه أن الرجل أكثر إدراكاً وتقديراً لعواقب هذا الأمر ، وأقدر على ضبط أعصابه ، وكبح جماح عاطفته حال الغضب والثورة ، وذلك لأن المرأة خلقت بطباع وغرائز تجعلها أشد تأثراً ، وأسرع انقياداً لحكم العاطفة من الرجل ، لأن وظيفتها التي أعدت لها تتطلب ذلك ، فهي إذا أحبت أو كرهت ، وإذا رغبت أو غضبت اندفعت وراء العاطفة ، لا تبالي بما ينجم عن هذا الاندفاع من نتائج ولا تتدبر عاقبة ما تفعل ، فلو جعل الطلاق بيدها ، لأقدمت على فصم عرى الزوجية لأتفه الأسباب ، وأقل المنازعات التي لا تخلو منها الحياة الزوجية ، وتصبح الأسرة مهددة بالانهيار بين لحظة وأخرى.
وهذا لا يعني أن كل النساء كذلك ، بل إن من النساء من هن ذوات عقل وأناة ، وقدرة على ضبط النفس حين الغضب من بعض الرجال ، كما أن من الرجال من هو أشد تأثراً وأسرع انفعالاً من بعض النساء ، ولكن الأعم الأغلب والأصل أن المرأة كما ذكرنا ، والتشريع إنما يبني على الغالب وما هو الشأن في الرجال والنساء ، ولا يعتبر النوادر والشواذ ،
وهناك سبب آخر لتفرد الرجل بحق فصم عرى الزوجية.
إن إيقاع الطلاق يترتب عليه تبعات مالية ، يُلزم بها الأزواج
- فيه يحل المؤجل من الصداق إن وجد ،
- وتجب النفقة للمطلقة مدة العدة ،
- وتجب المتعة لمن تجب لها من المطلقات ،
- كما يضيع على الزوج ما دفعه من المهر ، وما أنفقه من مال في سبيل إتمام الزواج ،
- وهو يحتاج إلى مال جديد لإنشاء زوجية جديدة ،
ولا شك أن هذه التكاليف المالية التي تترتب على الطلاق ، من شأنها أن تحمل الأزواج على التروي ، وضبط النفس ، وتدبر الأمر قبل الإقدام على إيقاع الطلاق ، فلا يقدم عليه إلا إذا رأى أنه أمر لا بد منه ولا مندوحة عنه.
أما الزوجة فإنه لا يصيبها من مغارم الطلاق المالية شيء ، حتى يحملها على التروي والتدبر قبل إيقاعه –إن استطاعت– بل هي تربح من ورائه مهراً جديداً ، وبيتاً جديداً ، وعريساً جديداً.
فمن الخير للحياة الزوجية ، وللزوجة نفسها أن يكون البت في مصير الحياة الزوجية في يد من هو أحرص عليها وأضن بها.
والشريعة لم تهمل جانب المرأة في إيقاع الطلاق ، فقد منحتها الحق في الطلاق ، إذا كانت قد اشترطت في عقد الزواج شرطاً صحيحاً ، ولم يف الزوج به ، وأباحت لها الشريعة الطلاق بالاتفاق بينها وبين زوجها ، ويتم ذلك في الغالب بأن تتنازل للزوج أو تعطيه شيئاً من المال ، يتراضيان عليه ، ويسمى هذا بالخلع أو الطلاق على مال ، ويحدث هذا عندما ترى الزوجة تعذر الحياة معه ، وتخشى إن بقيت معه أن تخل في حقوقه ، وهذا ما بينه الله تعالى في قوله: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به).
ولها طلب التفريق بينها وبينه ، إذا أُعسر ولم يقدر على الإنفاق عليها ، وكذا لو وجدت بالزوج عيباً ، يفوت معه أغراض الزوجية ، ولا يمكن المقام معه مع وجوده ، إلا بضرر يلحق الزوجة ، ولا يمكن البرء منه ، أو يمكن بعد زمن طويل ، وكذلك إذا أساء الزوج عشرتها ، وآذاها بما لا يليق بأمثالها ، أو إذا غاب عنها غيبة طويلة.
كل تلك الأمور وغيرها ، تعطي الزوجة الحق في أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها ، صيانة لها أن تقع في المحظور ، وضناً بالحياة الزوجية من أن تتعطل مقاصدها ، وحماية للمرأة من أن تكون عرضة للضيم والتعسف.
نقلا عن(( نقلا عن موقع شبكة بن مريم الإسلامية))
منقول من موقع islamunveiled ن
الشبهة الثانية :-
عن أحوال النساء في الجنة وماذا ينتظرهن فيها
والجواب عن هذه الشبهة تتلخص فى عدة نقاط(2/277)
1- النفس البشرية مولعة بالتفكير في مصيرها ومستقبلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر مثل هذه الأسئلة من صحابته عن الجنة وما فيها ومن ذلك أنهم سألوه صلى الله عليه وسلم : ) عن الجنة و بنائها ؟ ) فقال صلى الله عليه وسلم : ( لبنة من ذهب ولبنة من فضة ...( إلى آخر الحديث . و قالوا له : ( يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة ؟ ) فأخبرهم بحصول ذلك.
- الجنة ونعيمها ليست خاصة بالرجال دون النساء إنما هي قد (أعدت للمتقين ) آل عمران آية 133 - من الجنسين كما أخبرنا بذلك تعالى قال سبحانه : ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ) النساء آية 124 .
3- ينبغي للمرأة أن لا تشغل بالها بكثرة الأسئلة والتنقيب عن تفصيلات دخولها للجنة : ماذا سيعمل بها ؟ أين ستذهب ؟ إلى آخر أسئلتها .. وكأنها قادمة إلى صحراء مهلكة ! ويكفيها أن تعلم أنه بمجرد دخولها الجنة تختفي كل تعاسة أو شقاء مر بها .. ويتحول ذلك إلى سعادة دائمة وخلود أبدي ويكفيها قوله تعالى عن الجنة : ( لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين ( – الحجر آية48- وقوله : ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ( – الزخرف آية 71- . ويكفيها قبل ذلك كله قوله تعالى عن أهل الجنة : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ( – المائدة 119-.
4-عند ذكر الله للمغريات الموجودة في الجنة من أنواع المأكولات والمناظر الجميلة والمساكن والملابس فإنه يعمم ذلك للجنسين ( الذكر والأنثى ) فالجميع يستمتع بما سبق . ويتبقى : أن الله قد أغرى الرجال وشوقهم للجنة بذكر ما فيها من ( الحور العين ) و ( النساء الجميلات ) ولم يرد مثل هذا للنساء .. فقد تتساءل المرأة عن سبب هذا !؟ والجواب
أن الله( لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون)فهو لا يفعل شيئا إلا لحكمة .
أن الله لو صرح بذلك لاستحيت من ذلك المرأة فيكون فى ذلك حرج شديد لها حتى إنها ستتأذى بقراءة القرءان .
ج- قال الشيخ ابن عثيمين : إنما ذكر – أي الله عزوجل – الزوجات للأزواج لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عن الأزواج للنساء ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج .. بل لهن أزواج من بني آدم .
فالمرأة لا تخرج عن هذه الحالات في الدنيا فهي :
1- إما أن تموت قبل أن تتزوج .
2- إما أن تموت بعد طلاقها قبل أن تتزوج من آخر .
3- إما أن تكون متزوجة ولكن لا يدخل زوجها معها الجنة – والعياذ بالله –
4- إما أن تموت بعد زواجها .
5- إما أن يموت زوجها وتبقى بعده بلا زوج حتى تموت .
6- إما أن يموت زوجها فتتزوج بعده غيره .
هذه حالات المرأة في الدنيا ولكل حالة ما يقابلها في الجنة : - فأما المرأة التي ماتت قبل أن تتزوج فهذه يزوجها الله – عزوجل – في الجنة من رجل من أهل الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما في الجنة أعزب ) – أخرجه مسلم – قال الشيخ ابن عثيمين : إذا لم تتزوج – أي المرأة – في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر بها عينها في الجنة .. فالنعيم في الجنة ليس مقصورا على الذكور وإنما هو للذكور والإناث ومن جملة النعيم الزواج .
- ومثلها المرأة التي ماتت وهي مطلقة .
- ومثلها المرأة التي لم يدخل زوجها الجنة . قال الشيخ ابن عثيمين : فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال . أي فيتزوجها أحدهم .
-وأما المرأة التي ماتت بعد زواجها فهي – في الجنة – لزوجها الذي ماتت عنه .
- وأما المرأة التي مات عنها زوجها فبقيت بعده لم تتزوج حتى ماتت فهي زوجة له في الجنة .
- أمّا إن كان أحد الزوجين من أهل النار فإمّا أن يكون كافراً ، فهذا يُخلَّد فيها ، و لا ينفعه كون قرينه من أهل الجنّة ، لأنّ الله تعالى قضى على الكافرين أنّهم ( خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ و لا هُمْ يُنْظَرُونَ ) [ البقرة : 162 و آل عمران : 88 ] .
وقضى تعالى بالتفريق بين الأنبياء و زوجاتهم إن كنّ كافرات يوم القيامة ، فقال سبحانه : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَ امْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) [ التحريم :10 ] ، فكان التفريق بين سائر الناس لاختلاف الدين أولى . قال الحافظ ابن كثير [ في تفسيره : 4 / 394 ] عند هذه الآيةالكريمة : قال تعالى ( كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ) أي : نبيين رسولين عندهما في صحبتهما ليلاً ونهاراً يؤاكلانهما و يضاجعانهما و يعاشرانهما أشد العشرة و الاختلاط ، (فَخَانَتَاهُمَا) أي : في الإيمان لم يوافقاهما على الإيمان ، و لا صَدَقاهما في الرسالة ، فلم يُجدِ ذلك كله شيئاً ، و لا دفع عنهما محذوراً ، و لهذا قال تعالى ( فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ) أي : لكُفرهما ، و قيل للمرأتين ( ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) .اهـ .
أما إن كان للمرأة في الدنيا أكثر من زوجٍ ، فإنّ من فارقَها بطلاق حُلّ زواجه بطلاقه ، فتعيّن افتراقهما في الآخرة كما افترقا في الدنيا .
و أمّا إن مات عنها و هي في عصمته ، ثم تزوّجت غيره بعده ، فلأهل العلم ثلاثة أقوال في من تكون معه في الجنّة :
القول الأول : أنّها مع من كان أحسنَهُم خُلقاً و عشرةً معها في الدنيا . .
القول الثاني : أنها تُخيَّر فتختار من بينهم من تشاء ، و لا أعرف دليلاً لمن قال به .(2/278)
و هذان القولان ذكرهما الإمام القرطبي في كتابه الشهير التذكرة في أحوال الموتى و أمور الآخرة [ 2 : 278 ] . و اختار الثاني منهما الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله ، و بعض المعاصرين .
والقول الثالث : أنها تكون في الجنّة مع آخر زوجٍ لها في الدنيا ، أي مع من ماتت وهي في عصمته ، أو مات عنها و لم تنكح بعده ، و يدلّ على هذا القول ما رواه البيهقي في سننه [ 7 / 69 ] عن حذيفة رضي الله عنه ثم أنه قال لامرأته إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة لأخر أزواجها في الدنيا فلذلك حرم الله على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة ، و حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم قال : ( أيما امرأة توفي عنها زوجها ، فتزوجت بعده ، فهي لآخر أزواجها ) و قد صححه العلاّمة الألباني رحمه الله [ في السلسلة الصحيحة 1281] ، و لم أقف على تصحيح أحدٍ قَبلَه له .
و إذا صح الحديث فلا يُعدَل عنه إلى غيره ، و لا يُعدَلُ به غيرُه ، فلذلك كان القول الثالث أولى الأقوال بالاعتبار ، و أرجَحَها .
أما إذا لم يكُن للمرأة زوجٌ من أهل الدنيا في حياتها ؛ فإنّ الله تعالى يزوّجها بمن تقرُّ به عينُها في الجنّة ، لأنّ الزواج من جملة النعيم الذي وُعد به أهل الجنّة ، و هو ممّا تشتهيه النفوس ، و تتطلّع إليه ، و قد قال تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَ أَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( . ( الزخرف( 71
و ينبغي للمسلم أن يشتغل بسؤال الله تعالى الجنّة و نعيمها على وجه الإجمال) فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) ، و من دخَلها فحق على الله أن يُرضيه ، و الله الموفّق
مسألة : قد يقول قائل : إنه قد ورد في الدعاء للجنازة أننا نقول (وأبدلها زوجا خيرا من زوجها ) فإذا كانت متزوجة .. فكيف ندعوا لها بهذا ونحن نعلم أن زوجها في الدنيا هو زوجها في الجنة وإذا كانت لم تتزوج فأين زوجها ؟ والجواب كما قال الشيخ ابن عثيمين : إن كانت غير متزوجة فالمراد خيرا من زوجها المقدر لها لو بقيت وأما إذا كانت متزوجة فالمراد بكونه خيرا من زوجها أي خيرا منه في الصفات في الدنيا لأن التبديل يكون بتبديل الأعيان كما لو بعت شاة ببعير مثلا ويكون بتبديل الأوصاف كما لو قلت بدل الله كفر هذا الرجل بإيمان وكما في قوله تعالى : ( ويوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) – سورة إبراهيم آية 48- والأرض هي الأرض ولكنها مدت والسماء هي السماء لكنها انشقت .) : ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم للنساء : ( إني رأيتكن أكثر أهل النار ...) وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم : ( إن أقل ساكني الجنة النساء ) –أخرجه البخاري ومسلم – وورد في حديث آخر صحيح أن لكل رجل من أهل الدنيا ( زوجتان ) أي من نساء الدنيا . فاختلف العلماء – لأجل هذا – في التوفيق بين الأحاديث السابقة : أي هل النساء أكثر في الجنة أم في النار ؟ فقال بعضهم : بأن النساء يكن أكثر أهل الجنة وكذلك أكثر أهل النار لكثرتهن . قال القاضي عياض : ( النساء أكثر ولد آدم ) . وقال بعضهم : بأن النساء أكثر أهل النار للأحاديث السابقة . وأنهن – أيضا – أكثر أهل الجنة إذا جمعن مع الحور العين فيكون الجميع أكثر من الرجال في الجنة . وقال آخرون : بل هن أكثر أهل النار في بداية الأمر ثم يكن أكثر أهل الجنة بعد أن يخرجن من النار – أي المسلمات – قال القرطبي تعليقا على قوله صلى الله عليه وسلم : ( رأيتكن أكثر أهل النار ) : ( يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء في النار وأما بعد خروجهن في الشفاعة ورحمة الله تعالى حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال : لا إله إلا الله فالنساء في الجنة أكثر ) .
- إذا دخلت المرأة الجنة فإن الله يعيد إليها شبابها وبكارتها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الجنة لايدخلها عجوز .... إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا ( .
- ورد في بعض الآثار أن نساء الدنيا يكن في الجنة أجمل من الحور العين بأضعاف كثيرة نظرا لعبادتهن الله .
- قال ابن القيم ( إن كل واحد محجور عليه أن يقرب أهل غيره فيها ) أي في الجنة . وبعد : فهذه الجنة قد تزينت لكن معشر النساء كما تزينت للرجال ( في مقعد صدق عند مليك
) .نقلا عن المنتديات الإسلامية منتدى بوابة ماجدة ركن المناقشة والحوار (
الشبهة الثالثة :-
ليس للمراة مكانة فى الإسلام
والجواب بلغت المرأة في الإسلام مكانة عالية , لم تبلغهافى ملة ماضية , ولم تدركها فى أمة تالية , إذ إن تكريم الإسلام للإنسان تشترك فيه المرأة و الرجل على حد سواء , فهم أمام أحكام الله في هذه الدنيا سواء, كما أنهم أمام ثوابه وجزاءه في الدار الآخرة سواء , قال تعالى : (( ولقد كرمنا بني آدم )) سورة الإسراء : 70 , وقال عز من قائل : (( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون )) سورة النساء : 7, وقال جل ثناؤه (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) سورة البقرة : 228, وقال سبحانه : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) سورة التوبة : 71 , وقال تعالى ((وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إمَّا يبلُغنَّ عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً - واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رًّب ارحمهما كما ربياني صغيراً )) سورة الإسراء : 23 ,24 .(2/279)
وقال تعالى : (( فاستجاب لهم ربهم أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى )) سورة آل عمران : 195, وقال جل ثناؤه : (( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحييه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) سورة النحل : 97 , وقال عز من قائل : (( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً )) سورة النساء/124 .
وهذا التكريم الذي حظيت به المرأة في الإسلام لا يوجد له مثيل في أي ديانة أو ملة أو قانون
- فقد أقرت الحضارة الرومانية أن تكون المرأة رقيقاً تابعاً للرجل , ولا حقوق لها على الإطلاق , واجتمع في روما مجمع كبير وبحث في شؤون المرأة فقرر أنها كائن لا نفْس له , وأنها لهذا لن ترث الحياة الأخروية , وأنها رجس .
- وكانت المرأة في أثينا تعد من سقط المتاع , فكانت تباع وتشترى , وكانت تعد رجساً من عمل الشيطان .
- وقررت شرائع الهند القديمة : أن الوباء والموت والجحيم وسم الأفاعي والنار خير من المرأة , وكان حقها في الحياة ينتهي بانتهاء أجل زوجها - الذي هو سيدها - فإذا رأت جثمانه يحرق ألقت بنفسها في نيرانه , وإلا حاقت عليها اللعنة .
- أما المرأة في اليهودية فقد جاء الحكم عليها في العهد القديم ما يلي : ( درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً , ولأعرف الشر أنه جهالة , والحماقة أنها جنون ؛ فوجدت أمرّ من الموت : المرأة التي هي شباك , وقلبها شراك , ويدها قيود ) سفر الجامعة , الإصحاح 7 : 25 , 26 , ومن المعلوم أن العهد القديم يقدسه ويؤمن به اليهود والنصارى .
تلك هي المرأة في العصور القديمة , أما حالها في العصور الوسطى والحديثة فتوضحها الوقائع التالية :شرح الكاتب الدانمركي wieth kordsten اتجاه الكنيسة الكالوثوليكية نحو المرأة بقوله ( خلال العصور الوسطى كانت العناية بالمرأة الأوربية محدودة جداً تبعاً لاتجاه المذهب الكاثوليكي الذي كان يعد المرأة مخلوقاً في المرتبة الثانية )
وفي فرنسا عقد اجتماع عام 586 م يبحث شأن المرأة وما إذا كانت تعد إنساناً أو لا تعد إنساناً ؟ وبعد النقاش : قرر المجتمعون أن المرأة إنسان , ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل .
- وقد نصت المادة السابعة عشرة بعد المائتين من القانون الفرنسي على ما يلي : ( المرأة المتزوجة - حتى لو كان زواجها قائماً على أساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها - لا يجوز لها أن تهب , ولا أن تنقل ملكيتها ولا أن ترهن , ولا أن تملك بعوض أو بغير عوض بدون اشتراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابية .
- وفي إنجلترا حرّم هنري الثامن على المرأة الإنجليزية قراءة الكتاب المقدس وظلت النساء حتى عام 1850 م غير معدودات من المواطنين , وظللن حتى عام 1882 م ليس لهن حقوق شخصية , سلسلة مقارنة الأديان , تأليف د . أحمد شلبي , ج3 , ص: 210 - 213 .
- أما المرأة المعاصرة في أوروبا وأمريكا وغيرها من البلاد الصناعية فهي مخلوق مبتذل مستهلك في الأغراض التجارية , إذ هي جزء من الحملات الإعلانية الدعائية , بل وصل بها الحال إلى أن تجرد ملابسها لتعرض عليها السلع في واجهات الحملات التجارية وأبيح جسدها و عرضها بموجب أنظمة قررها الرجال لتكون مجرد متعة لهم في كل مكان.
وهي محل العناية ما دامت قادرة على العطاء والبذل من يدها أو فكرها أو جسدها , فإذا كبرت وفقدت مقومات العطاء تخلى عنها المجتمع بأفراده ومؤسساته , وعاشت وحيدة في بيتها أو في المصحات النفسية .
قارن هذا - ولا سواء - بما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى : (( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )) سورة التوبة/71 , وقوله جل ثناؤه : (( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) سورة البقرة / 228 . وقوله عز وجل : (( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إمَّا يبلُغنَّ عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً - واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رًّب ارحمهما كما ربياني صغيراً )) سورة الإسراء / 23, 24 .
وحينما كرمها ربها هذا التكريم أوضح للبشرية قاطبة بأنه خلقها لتكون أماً وزوجة وبنتاً وأختاً , وشرع لذلك شرائع خاصة تخص المرأة دون الرجل) نقلا عن لموقع الإسلام سؤال وجواب)
وإبيك بعض النصوص التى تبين وضع المراة عند الاخرين.
أولا
لنقرأ من العهد القديم سفر التكوين ذلك الحوار بين اله الكتاب المقدس و بين ادم ( الرجل الاول ) و حواء ( المرأة الاولى ) و الحية ( الشيطان ) :
11 فقال من اعلمك انك عريان.هل اكلت من الشجرة التي اوصيتك ان لا تأكل منها.
12 فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي اعطتني من الشجرة فأكلت.
13 فقال الرب الاله للمرأة ما هذا الذي فعلت.فقالت المرأة الحيّة غرّتني فاكلت.
14 فقال الرب الاله للحيّة لانك فعلت هذا ملعونة انت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية.على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل ايام حياتك.
15 واضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها.هو يسحق راسك وانت تسحقين عقبه.
16 وقال للمرأة تكثيرا اكثر اتعاب حبلك.بالوجع تلدين اولادا.والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك.
17 وقال لآدم لانك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي اوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الارض بسببك.بالتعب تأكل منها كل ايام حياتك.
18 وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل.
19 بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود الى الارض التي أخذت منها.لانك تراب والى تراب تعود نقرا بوضوح من هذا النص من العهد القديم ان خطأ ادم كان بسبب حواء ..!!! و ما عوقب ادم الا ل( سماعه لقول امرأته )...!!! فالشيطان اغوى المراة و المراة اغوت ادم ...!!!(2/280)
و هكذا صار حمل المرأة وولادتها عقابا لها على اغوائها لادم ...!!! و هكذا يرينا النص نقطة مهمة من نظرة اليهود و النصارى الى المراة .
انها فى نظرهم ( عميل الشيطان ) لاغواء الرجل ...!!! فهى السبب فى اخراج الرجل الاول ( ادم ) من الجنة .
و لنقارن ايها الاخوة بين هذا النص و بين ما ورد فى القران الكريم الذى اكد المسئولية الفردية عن الخطأ و لم يجعل الذنب ذنب حواء ... لنقرا من سورة طه : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا {115} وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى {116} فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى {117} إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى {118} وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى {119} فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى {120} فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى {121})
و السؤال ... ايهما اكرم المراة ؟؟؟
اليهود و النصارى الذين ( لبسوا الخطيئة ) بالكامل لحواء و بناتها ...!!! اما القران الذى نفى عنها هذه التهمة و جعل المسئولية و الامانة و التكليف مشتركة ؟؟ ثمة ملاحظة اخرى فى نفس النص ...ان الكتاب ( المقدس ؟؟!!!) يعلن بوضوح ان الحمل و الولادة و الامهما عقاب للمرأة على اغوائها لادم ...!!! و على هذا فكلما حملت امرأة او اشتاقت الى رجلها فعليها ان تتذكر ان هذا عقاب لها على ذنبها و جرمها فى حق الرجل الذى اخرجته من الجنة ...!!!
فاين هذا من القرءان الذى جعل هذه الالام فضيلة لها و سببا لاكرامها ؟؟
يقول القران الكريم فى سورة لقمان : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {14} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {15})
و بهذا الوهن و الضعف و الام الحمل قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم حسن صحبتها على حسن صحبة الوالد .
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : { جاء رجل فقال : يارسول الله من أحقُّ الناس بحسن صحابتي ؟؟ قال : أُمُّك قال : ثم مَنْ قال : أمك قال : ثم مَنْ ؟؟ قال أُمُّك قال ثم مَنْ قال : أبوك }
و لا زال السؤال ساريا ... من أنصف المرأة ؟؟؟
و العجيب ان اضطهاد المرأة و قهرها ليس فقط باشعارها ان حملها وولادتها و الامها عقابا على خطيئتها بل يمتد هذا الاضطهاد الى حالة ما اذا انجبت انثى ...!!!
و لنرى من الكتاب المقدس ما يحدث للمراة التى تنجب انثى و نقارنه بتلك التى تنجب ذكرا ....!!!
يقول الكتاب ( المقدس ) فى سفر اللاويين :
2 كلم بني اسرائيل قائلا.اذا حبلت امرأة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة ايام.كما في ايام طمث علتها تكون نجسة.
3 وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته
4 ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوما في دم تطهيرها.كل شيء مقدس لا تمسّ والى المقدس لا تجيء حتى تكمل ايام تطهيرها.
5 وان ولدت انثى تكون نجسة اسبوعين كما في طمثها.ثم تقيم ستة وستين يوما في دم تطهيرها.
6 ومتى كملت ايام تطهيرها لاجل ابن او ابنة تأتي بخروف حولي محرقة وفرخ حمامة او
يمامة ذبيحة خطية الى باب خيمة الاجتماع الى الكاهن
هكذا ...!!! المرأة ( نجسة ) طوال ايام طمثها ثم عندما تلد تصير ( نجسة ) ...!!!
فاين هذا من قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ( لا ينجس المؤمن حيا و لا ميتا ) ...؟؟؟؟
و الاغرب : كون المراة التى تلد انثى ( نجسة ) ضعف الفترة التى تبقى فيها ( نجسة ) حال ولادتها ذكرا ...!!!
لا زال السؤال يلح بقوة ... ايهما انصف المرأة ؟؟؟
ثانيا
بطلة من بطلات الكتاب المقدس تم تكريمها فى العهد القديم و نجحت فى انتزاع الحظوة لدى بولس - كبير محرفى دين المسيح –
راحاب الزانية الجاسوسة ...!!!
اعطاها العهد القديم التكريم و حق الحياة بعد ابادة اهل مدينتها بالكامل :
يشوع 6:17 فتكون المدينة وكل ما فيها محرّما للرب.راحاب الزانية فقط تحيا هي وكل من معها في البيت لانها قد خبأت المرسلين اللذين ارسلناهما.
يشوع 6:23 فدخل الغلامان الجاسوسان واخرجا راحاب واباها وامها واخوتها وكل ما لها واخرجا كل عشائرها وتركاهم خارج محلّة اسرائيل.
يشوع 6:25 واستحيا يشوع راحاب الزانية وبيت ابيها وكل ما لها.وسكنت في وسط اسرائيل الى هذا اليوم.لانها خبأت المرسلين اللذين ارسلهما يشوع لكي يتجسّسا اريحا ثم يجدد بولس - القديس ؟؟!!!- تكريمها فيقول :
عبرانيين 11:31 بالايمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة اذ قبلت الجاسوسين بسلام..!!!!!
هذا هو دور المرأة عند اليهود و النصارى ...!!! عاهرة و اداة متعة و جاسوسة ...!!!
و لا عزاء لنساء اليهود و النصارى لانشغالهن بالتدريب على فنون الدعارة المقدسة ....!!!
دعونا بعد هذا نستمر فى مقارنة وضع المرأة فى الاسلام بوضعها فى كتب اليهود و النصارى المقدسة ....
ثالثا الميراث
يقول المولى عز وجل فى سورة النساء :
الآية: 7 {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}.(2/281)
فجعل الله عز وجل للمرأة حقا معلوما فى الميراث كما ان للرجل حقا ... يقول الامام القرطبى فى مناسبة نزول هذه الاية : ( لما ذكر الله تعالى أمر اليتامى وصله بذكر المواريث. ونزلت الآية في أوس بن ثابت الأنصاري، توفي وترك امرأة وثلاث بنات له منها؛ فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما: سويد وعرفجة؛ فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئا، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة. فذكرت المرأة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما، فقالا: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلا ولا ينكأ عدوا. فقال عليه السلام: (انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن). فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم، وإبطالا لقولهم وتصرفهم بجهلهم؛ فإن الورثة الصغار كان ينبغي أن يكونوا أحق بالمال من الكبار، لعدم تصرفهم والنظر في مصالحهم، فعكسوا الحكم، وأبطلوا الحكمة فضلوا بأهوائهم، وأخطؤوا في آرائهم وتصرفاتهم. )
ارايتم دفاعا عن المرأة و حقوقها كهذا ؟؟؟ تلك المراة لم تجد ناصرا و لا حاميا لها الا شرع الله عز وجل .
و مع هذا النصيب المفروض للمرأة فى الميراث لم يكلفها الله بنفقة بل جعل الانفاق وظيفة الرجل . فالرجل مسئول عن نفقات ما تحته من النساء .
يقول عز وجل : (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( حق المرأة على الزوج: أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت)
تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 3149 في صحيح الجامع
و اعطى الاسلام للمرأة الحرية المالية الكاملة و جعلها مستقلة بمالها عن زوجها فان شاءت أعطته و ان شاءت منعته قال عز وجل : ( وَآتُواْالنَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا {4})
ومن المواقف التى تؤكد هذه الاستقلالية المالية الكاملة هذا الموقف : عن حَفْصُ بنُ عُمَرَ أخبرنا شُعْبَةُ وأخبرنا ابنُ كَثِيرٍ أنْبأنَا شُعْبَةُ عن أيّوبَ عن عَطَاءِ قال: "أشْهَدُ عَلَى ابنِ عَبّاسٍ وَشَهِدَ ابنُ عَبّاسٍ عَلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنّهُ خَرَجَ يَوْمَ فِطْرٍ فَصَلّى ثُمّ خَطَبَ ثُمّ أتَى النّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ ـ قال ابنُ كَثِيرٍ: أكْبَرُ عِلْمِ شُعْبَةَ ـ فأمَرَهُنّ بالصّدَقَةِ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ"
فالمرأة فى نظر الاسلام عاقلة رشيدة لا تحتاج وصاية مالية عليها ... بل هى قادرة على التصرف فى اموالها بمعرفتها و لها مطلق الحرية و مطلق الاهلية فى هذه المسالة .
هذا موقف الاسلام رايناه فى القران و السنة .
فما موقف كتب اليهود و النصارى فى المقابل ؟؟؟
هنا يمكننا ان نقول ان موقف النصارى ملخص فى هذه الجملة من انجيل متى : ( متى 5:17 لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء.ما جئت لانقض بل لاكمّل.)
وعليه فوجهة النصارى تابعة لوجهة اليهود و مستمدة من شرائع العهد القديم .
فلننظر الى كتاب اليهود و النصارى المقدس لنتعرف على وجهة نظرهم فى تلك المسالة كجزأ من نظرتهم الى المرأة .
فالمراة فى كتبهم لا ميراث لها و لا حق ....ولا ترث الا فى حال واحد : الا يكون لها أخوة ذكور .
و لنقرأ هذا من سفر العدد :
8 وتكلم بني اسرائيل قائلا أيّما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه الى ابنته.
هكذا نرى ان كتابهم المقدس جعل الميراث كاملا للابن الذكر ... فان لم يكن للمتوفى ابن ذكر ففى هذه الحالة فقط : ترث الانثى .
بل الاسوا للانثى انها ليست فقط محرومة من الميراث ... بل انها ايضا محرومة من المهر ذلك الحق الذى اعطاه لها الاسلام ... بل و الاسوا و الانكى انها مطالبة بدفع شىء لمن يتقدم لها للزواج ... فهى تدفع حتى يرضى الرجل بالزواج منها و الا كانت العنوسة مصيرها .
والواقع اننى حينما اتحدث عن قضية ميراث المراة فى كتب اليهود و النصارى المقدسة انما اتحدث عنه من نافلة القول ... ذلك ان المراة ذاتها جزء من الميراث عند اليهود و النصارى .
فالمرأة التى يموت عنها زوجها جزء من ميراث اخو الزوج ..... يتزوجها و ان لم ترض به و ان كانت كارهة له .
والواقع ان هذه العملية لا تعتبر زواجا بالمعنى المفهوم بل هى(ميراث)او بالأدق (اغتصاب).
لنقرا هذا من كتابهم المقدس فى سفر التثنية :
5 اذا سكن اخوة معا ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصر امرأة الميت الى خارج لرجل اجنبي.اخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب اخي الزوج.
6 والبكر الذي تلده يقوم باسم اخيه الميت لئلا يمحى اسمه من اسرائيل
7 وان لم يرضى الرجل ان يأخذ امرأة اخيه تصعد امرأة اخيه الى الباب الى الشيوخ وتقول قد ابى اخو زوجي ان يقيم لاخيه اسما في اسرائيل.لم يشأ ان يقوم لي بواجب اخي الزوج.
ان هؤلاء جعلوا المراة مجرد حيوان يرثه اهل المتوفى و لهم مطلق الحرية فى التصرف فيه .
هل راى احد القراء او سمع او تخيل امتهان للمراة و انسانيتها و انوثتها بل و عفتها ابشع من ذلك ؟؟؟ و مرة اخرى .... هنيئا للمسلمات اسلامهن .
ومرة اخرى ... لا عزاء لنساء اليهود و النصارى .
رابعا
كيفية معاملة الرجل لزوجته .... كيف تصور الاسلام هذه المعاملة ؟؟؟
بداية حافظ الاسلام على المرأة المسلمة ووقاها من الفتنة فى دينها فمنع زواجها من كافر ...بل و فرق بين من تدخل الاسلام و بين زوجها الكافر .(2/282)
يقول الله عز وجل فى سورة البقرة:{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون}.
فجعل زوج المسلمة لابد و ان يكون مسلما مثلها .... ثم بعد ذلك حدد صفات هذا الزوج المقبول للمسلمة . يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه. إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض). تحقيق الألباني : (حسن) انظر حديث رقم: 270 في صحيح الجامع هذه صفات الزوج الذى ارتضاه الاسلام للمرأة .... فهو مسلم ... و هو ملتزم بدينه ... و هو متين الخلق .
فلكأن الاسلام اب حنون للمرأة يحنو عليها و هو يختار لها زوجا يعينها فى دينها و دنياها .
فماذا عن اعداء الاسلام ؟؟ لقد جعل اعداء الاسلام كما اسلفنا من قبل المرأة حيوانا يباع و يشترى ... فهم يتاجرون بعرضها ... و هم يدفعون بها الى فرش اعدائهم لتحقيق مصالحهم و اهوائهم ... و على هذا فقد كان طبيعيا ان يتركوا تلك المراة نهبا لكل طامع و فاسق و كافر .
اقرأوا موقف بولس من الزوج الكافر للمرأة المؤمنة : كورنثوس 7:13 والمرأة التي لها رجل غير مؤمن وهو يرتضي ان يسكن معها فلا تتركه.
وهكذا يترك بولس القديس المرأة المؤمنة تحت وصاية زوجها و لو كان كافرا ... فالامر يرجع لرغبة هذا الزوج ... ان اراد ان يحبسها على نفسه فواجب المراة ان تطيعه ...!! و ان لم يكن له غرض منها فليلقيها فى الطريق ...!!!
و هكذا تردت المرأة فى نظر كتاب ( الكتاب المقدس ) الى هاوية لم تتردى اليها حتى الحيوانات....!!! و السؤال : هل كفل الاسلام للمراة حق رفض او قبول الزوج المتقدم لها ؟؟؟
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : (آمروا النساء في أنفسهن، فإن الثيب تعرب عن نفسها. وإذن البكر صمتها) تحقيق الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 13 فى صحيح الجامع .
و يقول صلى الله عليه و سلم : «لاَ تُنْكَحُ الأَيّمُ حَتّى تُسْتَأْمَرَ وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتّى تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ» تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 2942 في صحيح الجامع
(نقلا عن موقع شبكة بن مريم الإسلامية ركن شبهات وردود )
الشبهة الرابعة :-
الميراث بين الرجل والمرأة في الإسلام
من الشائع جداً عند غير المسلمين ، بل وعند كثير من المسلمين أن الرجل يأخذ ضعف المرأة فى الميراث ، وهذا غير صحيح فلا يجب أن نقول كلمة الرجل بصورة عامة ضعف المرأة على الإطلاق , لكن المتأمل للآيات القرآنية يجد أن الأخ يأخذ ضعف أخته , فهب أنك تركت بعد وفاتك 000 30 ( ثلاثين ألف جنيهاً ) والوارثون هم ابنك وابنتك فقط. فعلى حساب الإسلام يأخذ ابنك 000 20 (عشرين ألف) ، وتأخذ ابنتك 000 10 (عشرة آلاف).
ولكن لم ينته الموضوع إلى هذا التقسيم , فالإبن مُكلَّف شرعاً وقانوناً بالإنفاق على أخته من أكل وشرب ومسكن ومياه وكهرباء وملابس وتعليم ومواصلات ورعاية صحية ونفسية ويُزوِّجها أيضاً , أى فأخته تشاركه أيضاً فى النقود التى قسمها الله له ( فى الحقيقة لهما ) , هذا بالإضافة إلى أنه مُكلَّف بالإنفاق على نفسه وأسرته من زوجة وأولاد ، وإذا كان فى الأسرة الكبيرة أحد من المعسرين فهو مكلف أيضاً بالإنفاق عليه سواء كانت أم أو عم أو جد أو خال .. (مع تعديل التقسيم فى الحالات المختلفة) .
وبذلك تأخذ الابنة نصيبها (عشرة آلاف جنيهاً) وتشارك أخوها فى ميراثه ، فلو أكلت كما يأكل وأنفقت مثل نفقاته ، تكون بذلك قد اقتسمت معه ميراثه ، أى تكون هى قد أخذت (عشرين ألفاً) ويكون الأخ قد انتفع فقط بعشرة آلاف , فأيهما نال أكثر فى الميراث؟ هذا لو أن أخته غير متزوجة وتعيش معه ، أما إن كانت متزوجة ، فهى تتدخر نقودها أو تتاجر بها ، وينفق زوجها عليها وعلى أولادها ، وأخوها مكلَّف بالإنفاق على نفسه وزوجته وأولاده ، فتكون الأخت قد فازت بعشرة آلاف بمفردها ، أما الأخ فيكون مشارك له فى العشرين ألف ثلاثة أو أربعة آخرين (هم زوجته وأولاده ) , فيكون نصيبه الفعلى خمسة آلاف. أى أيضاً نصف ما أخذته أخته من الميراث. أرأيتم إلى أى مدى يؤمِّن الإسلام المرأة ويكرمها؟
فالتشريع الإسلامي وضعه رب العالمين الذي خلق الرجل والمرأة ، وهو العليم الخبير بما يصلح شأنهم من تشريعات .
فقد حفظ الإسلام حق المرأة على أساس من العدل والإنصاف والموازنة ، فنظر إلى واجبات المرأة والتزامات الرجل ، وقارن بينهما ، ثم بين نصيب كل واحدٍ من العدل أن يأخذ الابن " الرجل " ضعف الإبنة " المرأة " للأسباب التالية :
1- فالرجل عليه أعباء مالية ليست على المرأة مطلقًا , فالرجل يدفع المهر ، يقول تعالى : (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)[النساء/4] ، [ نحلة : أي فريضة مسماة يمنحها الرجل المرأة عن طيب نفس كما يمنح المنحة ويعطي النحلة طيبة بها نفسه ] ، والمهر حق خالص للزوجة وحدها لا يشاركها فيه أحد فتتصرف فيه كما تتصرف في أموالها الأخرى كما تشاء متى كانت بالغة عاقلة رشيدة .(2/283)
2- والرجل مكلف بالنفقة على زوجته وأولاده , لأن الإسلام لم يوجب على المرأة أن تنفق على الرجل ولا على البيت حتى ولو كانت غنية إلا أن تتطوع بمالها عن طيب نفس , يقول الله تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا…)[الطلاق/7] ، وقوله تعالى : (…وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ …)[البقرة/233] .
وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجة الوداع عن جابر رضي الله عنه : " اتقوا الله في النساء فإنهنَّ عوان عندكم أخذتموهنَّ بكلمة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهنَّ عليكم رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف " . تحقيق الألباني : (حسن) انظر حديث رقم: 7880 في صحيح الجامع .
والرجل مكلف أيضًا بجانب النفقة على الأهل بالأقرباء وغيرهم ممن تجب عليه نفقته ، حيث يقوم بالأعباء العائلية والالتزامات الاجتماعية التي يقوم بها المورث باعتباره جزءًا منه أو امتدادًا له أو عاصبًا من عصبته
فهل رأيتم كيف رفع الإسلام المرأة كتاج على رؤوس الرجال ، بل على رأس المجتمع بأكمله.
وهذا لم تأت بها شريعة أخرى فى أى كتاب سماوى أو قانون وضعى , فالأخت التى يُعطونها مثل أخيها فى الميراث فى الغرب ، هى تتكلف بمعيشتها بعيداً عنه ، وهو غير ملزم بها إن افتقرت أو مرضت أو حتى ماتت. فأى إهانة هذه للمرأة؟!
وعلى ذلك فإن توريث المرأة على النصف من الرجل ليس موقفًا عامًا ولا قاعدة مطّردة فى توريث الإسلام ، فالقرآن الكريم لم يقل : يوصيكم الله للذكر مثل حظ الأنثيين.. إنما قال: (يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) , أى إن هذا التمييز ليس قاعدة مطردة فى كل حالات الميراث ، وإنما هو فى حالات خاصة ، بل ومحدودة من بين حالات الميراث , وبذلك فإن كثيرين من الذين يثيرون الشبهات حول أهلية المرأة فى الإسلام ، متخذين من تمايز الأخ عن أخته أو الأب عن زوجته فى الميراث سبيلاً إلى ذلك لا يفقهون قانون التوريث فى الإسلام .
بل إن الفقه الحقيقى فى الميراث يكشف عن أن التمايز فى أنصبة الوارثين والوارثات لا يرجع إلى معيار الذكورة والأنوثة .. وإنما ترجع إلى حِكَم إلهية ومقاصد ربانية قد خفيت عن الذين جعلوا التفاوت بين الذكور والإناث فى بعض مسائل الميراث وحالاته شبهة تُأخذ ضد كمال أهلية المرأة فى الإسلام .
ففى الحقيقة إن التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات فى حكمة الميراث الإسلامى تحكمه ثلاثة معايير:
أولها : درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى وبين المُوَرَّث المتوفَّى فكلما اقتربت الصلة .. زاد النصيب فى الميراث .. وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين..
فإبنة المتوفى تأخذ مثلاً أكثر من أبى المتوفى أو أمه ، فهى تأخذ بمفردها نصف التركة ( هذا إذا كان الوارث الابنة والأب والأم فقط ) وسأُبين الحالات فيما بعد بالتفصيل.
وثانيها : موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للأجيال .. فالأجيال التى تستقبل الحياة ، وتستعد لتحمل أعبائها ، عادة يكون نصيبها فى الميراث أكبر من نصيب الأجيال التى تستدبر الحياة. وتتخفف من أعبائها ، بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها ، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات ..
- فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ ..
- وترث البنت أكثر من الأب! – حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها .. وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التى للابن ، والتى تنفرد البنت بنصفها!
- وكذلك يرث الابن أكثر من الأب ـ وكلاهما من الذكور.. وفى هذا المعيار من معايير حكمة الميراث فى الإسلام حِكَم إلهية بالغة ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين! وهى معايير لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة على الإطلاق ..
وثالثها : العبء المالى الذى يوجب الشرع الإسلامى على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين .. وهذا هو المعيار الوحيد الذى يثمر تفاوتاً بين الذكر والأنثى .. لكنه تفاوت لا يفضى إلى أى ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها .. بل ربما كان العكس هو الصحيح!
ففى حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون فى درجة القرابة .. واتفقوا وتساووا فى موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال - مثل أولاد المتوفَّى ، ذكوراً وإناثاً - يكون تفاوت العبء المالى هو السبب فى التفاوت فى أنصبة الميراث .. ولذلك، لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى فى عموم الوارثين، وإنما حصره فى هذه الحالة بالذات، فقالت الآية القرآنية: (يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) .. ولم تقل: يوصيكم الله فى عموم الوارثين.. والحكمة فى هذا التفاوت ، فى هذه الحالة بالذات ، هى أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى ـ هى زوجه ـ مع أولادهما .. بينما الأنثى الوارثة أخت الذكرـ فإعالتها ، مع أولادها ، فريضة على الذكر المقترن بها .. فهى ـ مع هذا النقص فى ميراثها بالنسبة لأخيها، الذى ورث ضعف ميراثها، أكثر حظًّا وامتيازاً منه فى الميراث فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ، لجبر الاستضعاف الأنثوى، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات .. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين ..(2/284)
وإذا كانت هذه الحكمة الإسلامية فى تفاوت أنصبة الوارثين والوارثات وهى التى يغفل عنها طرفا الغلو ، الدينى واللادينى ، الذين يحسبون هذا التفاوت الجزئى شبهة تلحق بأهلية المرأة فى الإسلام فإن استقراء حالات ومسائل الميراث ـ كما جاءت فى علم الفرائض (المواريث) ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة فى هذا الموضوع .. فهذا الاستقراء لحالات ومسائل الميراث ، يقول لنا:
أ ـ إن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل :
1) فى حالة وجود أولاد للمتوفى ، ذكوراً وإناثا (أى الأخوة أولاد المتوفى) لقوله تعالى (يوصيكم الله فى أولادكم ، للذكر مثل حظ الأنثيين) النساء 11
2) فى حالة التوارث بين الزوجين ، حيث يرث الزوج من زوجته ضعف ما ترثه هى منه.
لقوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنَّ ولد ، فإن كان لهنَّ ولد فلكم الربع مما تركن ، من بعد وصية يوصينَ بها أو دين ، ولهنَّ الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد ، فإن كان لكم ولد فلهنَّ الثمن مما تركتم من بعد وصية توصونَ بها أو دين) النساء 12
3) يأخذ أبو المتوفى ضعف زوجته هو إذا لم يكن لإبنهما وارث ، فيأخذ الأب الثلثان والأم الثلث.
4) يأخذ أبو المتوفى ضعف زوجته هو إذا كان عند ابنهما المتوفى ابنة واحدة ، فهى لها النصف ، وتأخذ الأم السدس ويأخذ الأب الثلث.
ب ـ وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماماً :
1) فى حالة وجود أخ وأخت لأم فى إرثهما من أخيهما، إذا لم يكن له أصل من الذكور ولا فرع وارث (أى ما لم يحجبهم عن الميراث حاجب). فلكل منهما السدس ، وذلك لقوله تعالى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة) أى لا ولد له ولا أب (وله أخ أو أخت) أى لأم(فلكل واحد منهما السدس ، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء فى الثلث ، من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ، وصية من الله، والله عليم حليم)النساء: 12
2) إذا توفى الرجل وكان له أكثر من اثنين من الأخوة أو الأخوات فيأخذوا الثلث بالتساوى.
3) فيما بين الأب والأم فى إرثهما من ولدهما إن كان له ولد أو بنتين فصاعداً:
لقوله تعالىولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إ ن كان له ولد) النساء:11
4) إذا ماتت امرأة وتركت زوج وأخت شقيقة: فلكل منهما النصف
5) إذا ماتت امرأة وتركت زوج وأخت لأب: فلكل منهما النصف
6) إذا ماتت امرأة وتركت زوج وأم وأخت شقيقة: فللزوج النصف ، وللأم النصف ، ولا شىء للأخت (عند بن عباس)
7) إذا ماتت امرأة وتركت زوج وأخت شقيقة وأخت لأب وأخت لأم: فللزوج النصف ، والأخت الشقيقة النصف ، ولا شىء للأخت لأب وللأخ لأب.
8) إذا مات الرجل وترك ابنتين وأب وأم: فالأب السدس والأم السدس ولكل ابنة الثلث.
9) إذا مات الرجل وترك زوجة وابنتين وأب وأم: فللزوجة الثمن وسهمها 3، والأب الربع وسهمه 4 ، والأم الربع وسهمها 4 ، ولكل ابنة الثلث وسهم كل منهما 8.
10) إذا مات الرجل وترك أماً وأختاً وجداً: فلكل منهم الثلث. فقد تساوت المرأة مع الرجل.
11) إذا مات الرجل وترك (أربعين ألف جنيهاً) وابن وابنة وزوجة لها مؤخر صداق (ثلاثة عشر ألف جنيهاً) فستجد أن نصيب الأم تساوى مع نصيب الابن. ويكون التقسيم كالتالى:
الزوجة 000 13 + ثمن الباقى (ثلاثة آلاف) = 000 16 ألف جنيهاً
الابن : ثلثى الباقى 000 16 (ستة عشر ألف) جنيهاً
الابنة : الثلث ويكون 000 8 (ثمانية آلاف) جنيهاً
ج ـ وهناك حالات تزيد عن خمسة عشر حالة ترث فيها المرأة أكثر من الرجل:
1) إذا مات الرجل وترك أم وابنتين وأخ
فلو ترك المتوفى 24000 ألف جنيهاً لكانت أنصبتهم كالتالى:
الأم : 3000 جنيهاً (الثُمُن)
البنتين: 16000 جنيهاً للواحدة 8000 جنيهاً (الثلثين)
الأخ: 5000 جنيهاً (الباقى)
وبذلك تكون الإبنة قد أخذت أكثر من 150% لميراث الأخ
2) إذا مات الأب وترك ابنة وأم وأب وترك 24000 جنيهاً
فالإبنة تأخذ النصف أى 12000 جنيهاً
الأم تأخذ السدس 4000 جنيهاً
الأب يأخذ السدس فرضاً والباقى تعصباً أى 4000 + 4000جنيهاً
وبذلك تكون الإبنة قد أخذت 150% لميراث الأب
3) إذا مات الرجل وترك ابنتين وأب وأم: فلكل ابنة الثلث ، والأب السدس والأم السدس.
فلو ترك الرجل 000 24 (أربعة وعشرين ألف جنيهاً) لكان نصيب كل من الابنتين 000 8 (ثمانية آلاف جنيهاً) ويتساوى الأب مع الأم ونصيب كل منهما 000 4 (أربعة آلاف) جنيهاً ، وبذلك تكون الإبنة قد أخذت 200% لميراث الأب
4) إذا ماتت امرأة وترك زوج وأم وجد وأَخَوَان للأم وأخين لأب: فللزوج النصف ، وللجد السدس ، وللأم السدس ، ولأخوة الأب السدس ، ولا شىء لأخوة الأم.
فلو ترك المتوفى 000 24 (أربعة وعشرين ألف جنيهاً) لكان نصيب الزوج 000 12 (اثنى عشر ألف جنيهاً) ويتساوى الجد مع الأم ونصيب كل منهما 000 4(أربعة آلاف) جنيهاً ، ويأخذ الأخان لأب كل منهما 2000 (ألفين من الجنيهات). وبذلك فقد ورثت الأم هنا 200% لميراث أخو زوجها.
5) إذا ماتت امرأة وترك زوج وأم وجد وأَخَوَان للأم وأربع أخوة لأب: فللزوج النصف ، وللجد السدس ، وللأم السدس ، ولأخوة الأب السدس ، ولا شىء لأخوة الأم.
فلو ترك المتوفى 000 24 (أربعة وعشرين ألف جنيهاً) لكان نصيب الزوج 000 12 (اثنى عشر ألف جنيهاً) ويتساوى الجد مع الأم ونصيب كل منهما 000 4(أربعة آلاف) جنيهاً ، ويأخذ كل من الأخوة لأب كل منهم 1000 (ألف جنيه) وتكون بذلك الأم قد ورثت أربعة أضعاف الأخ لزوجها أى 400%.
6) إذا ماتت امرأة وترك زوج وأم وجد وأَخَوَان للأم وثمانية أخوة لأب: فللزوج النصف ، وللجد السدس ، وللأم السدس ، ولأخوة الأب السدس ، ولا شىء لأخوة الأم.(2/285)
فلو ترك المتوفى 000 24 (أربعة وعشرين ألف جنيهاً) لكان نصيب الزوج 000 12 (اثنى عشر ألف جنيهاً) ويتساوى الجد مع الأم ونصيب كل منهما 000 4(أربعة آلاف) جنيهاً، ويأخذ كل من الأخوة لأب كل منهم (500 جنيهاً) وتكون بذلك الأم قد ورثت ثمانية أضعاف أضعاف أخو الزوج أى 800%.
7) إذا مات انسان وترك بنتين، وبنت الإبن، وابن ابن الإبن: فالإبنتين لهما الثلثان وسهم كل منهما 3 ، وبنت الابن سهم واحد وابن ابن الإبن سهمين.
فلو ترك المتوفى 000 18 (ثمانية عشر ألفاً) لكان نصيب كل ابنة (ستة آلاف) ، وكان نصيب بنت الابن (ألفين) وابن ابن الإبن (أربعة آلاف). وبذلك تكون الإبنة قد أخذت 150% لنصيب ابن ابن الإبن.
8) إذا ماتت امرأة وتركت زوج وأخت شقيقة وأخت لأب وأخت لأم: فللزوج النصف ، والأخت الشقيقة النصف، ولا شىء للأخت لأب وللأخ لأب. وبذلك يكون الزوج والأخت الشقيقة قد أخذا الميراث ولم يأخذ منه الأخ لأب وأخته.
9) إذا مات رجل وترك ابنتين وأخ لأب وأخت لأب: فلكل من الشقيقتين الثلث وسهم كل منهما 3 ، والباقى يأخذ منه الأخ الثلثين وأخته الثلث.
فإذا ترك المتوفى 000 90 (تسعين ألف جنيهاً) ، فيكون نصيب كل من الإبنتين (ثلاثين ألف جنيهاً) ، ويكون نصيب الأخ لأب (عشرين ألفاً) ونصيب الأخت لأب (أخته) عشرة آلاف. وبذلك تكون الإبنة قد أخذت 150% لنصيب الأخ لأب.
10) إذا مات رجل وترك زوجة وجدة وابنتين و12 أخ وأخت واحدة: فالزوجة الثمن وسهمها 75 ، والبنتان الثلثين وسهم كل منهما 200 ، والجدة السدس وسهمها 100 ، والأخوة 24 سهم لكل منهم 2 سهم ، والأخت سهم واحد.
فلو ترك المتوفى 000 300 (ثلاثمائة ألف جنيهاً) ، فستأخذ الزوجة 000 75 ألف جنيها ، وكل بنت من الإبنتين 000 100 (مائة ألف) ويأخذ الجد (مائة ألف) ، ويأخذ كل أخ (ألفين) وتأخذ الأخت ألفاً واحداً. وعلى ذلك فالإبنة أخذت 37.5 ضعف الأخ وتساوت مع الجد.
11) إذا ماتت وتركت زوج ، وأب ، وأم ، وابنة ، وابنة ابن ، وابن الإبن: فللزوج الربع وسهمه 3، ولكل من الأب والأم السدس وسهم كل منهما 2، والإبنة النصف وسهمها 6، ولا شىء لكل من ابنة الابن وابن الابن.
فلو تركت المتوفاة 000 12 (اثنى عشر ألفاً) ، لوجب أن تقسم التركة على 13 (ثلاثة عشر) سهماً ، لأخذ الزوج 5538 جنيهاً ، ولأخذ كل من الأب والأم 3692 جنيهاً ، ولأخذت الإبنة 076 11 جنيهاً ، ولا شىء لإبنة الابن ولابن الإبن. وهنا تجد أن الإبنة قد أخذت أكثر من ضعف ما أخذه الزوج وأكثر من 250% مما أخذه الأب.
12) إذا مات أو ماتت وترك جد ، وأم وأخت شقيقة وأخ لأب وأخت لأب: فتأخذ الأم السدس وسهمها 3، ويأخذ الجد ثلث الباقى وسهمه 5، والأخت الشقيقة النصف وسهمها 9، ثم يقسم سهم واحد على ثلاثة للأخ والأخت لأب (للذكر مثل حظ الانثيين).
فإذا ترك المتوفى 000 18 ألف جنيهاً لأخذت الأم (ثلاثة آلاف) جنيهاً، ولأخذ الجد (خمسة آلاف) ، ولأخذت الأخت الشقيقة (تسعة آلاف) ولأخذ الأخ(666) جنيهاً تقريباً، ولأخذت أخته (333) جنيهاً تقريباً.وهنا تجد أن الأخت الشقيقة أخذت أكثر من(13)ضعف ما أخذه الأخ لأب.
13) إذا مات الرجل وترك زوجة وابنتين وأب وأم: فللزوجة الثمن وسهمها 3، والأب السدس وسهمه 4، والأم السدس وسهمها 4 ، ولكل ابنة الثلث وسهم كل منهما 8. فيكون عدد الأسهم 27 ، فلو ترك المتوفى 000 24 (أربع وعشرين ألفا) لوجب أن تعول إلى 27 سهم بدلاً من 24 ، ويأخذ كل منهم عدد الأسهم التى فرضها الله له. وفى هذه الحالة ستأخذ الزوجة 2666 جنيهاً ، وستأخذ الإبنتين 15222 ألف مناصفة فيما بينهما ، أى 7111 لكل منهن ، والأم 3555 والأب 3555. وهنا تجد أن الإبنة أخذت ما يقرب من ضعف ما أخذه لأب.
14) إذا مات أو ماتت وترك أماً وجداً وأختاً: فيأخذ الجد السدس ، وتأخذ الأم ضعفه وهو الثلث ، وتأخذ الأخت النصف.
فلو ترك المتوفى 000 120 ألف جنيهاً ، لكان نصيب الجد 000 20 ألف ، وكان نصيب الأم 000 40 ألف ، وكان نصيب الأخت 000 60 ألف. أى أخذت امرأة ضعفه وأخذت الأخرى ثلاثة أضعافه.
15) إذا مات الرجل وترك (أربعين ألف جنيهاً) وابن وابنة وزوجة لها مؤخر صداق (ستة عشر ألف جنيهاً) فيكون التقسيم كالتالى:
الزوجة 000 16 + ثمن الباقى (000 3 آلاف) = 000 19 (تسعة عشر ألف) جنيهاً
الابن : الثلثى بعد خصم مؤخر الصداق 000 16 (ستة عشر ألف) جنيهاً
الابنة : الثلث بعد خصم مؤخر الصداق 000 8 (ثمانية آلاف) جنيهاً
16) ولو مؤخر صداقها أكبر لورثت أكثر من ابنها كثيرا مثال ذلك:
إذا مات الرجل وترك (ستين ألف جنيهاً) وابن وابنة وزوجة لها مؤخر صداق (ستة وثلاثون ألف جنيهاً) فيكون التقسيم كالتالى:
الزوجة 000 36 + ثمن الباقى (000 3 آلاف) = 000 39 (تسعة وثلاثين ألف) جنيهاً
الابن : ثلثى التركة بعد خصم مؤخر الصداق000 16 (ستة عشر ألف) جنيهاً
الابنة : ثلث التركة بعد خصم مؤخر الصداق 000 8 (ثمانية آلاف) جنيهاً
د ـ وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال :
1) إذا ماتت امرأة وتركت زوج وأخت شقيقة وأخت لأب وأخت لأم: فللزوج النصف ،
والأخت الشقيقة النصف ، ولا شىء للأخت لأب وللأخ لأب.
2) إذا ماتت وتركت زوج ، وأب ، وأم ، وابنة ، وابنة ابن ، وابن الإبن: فللزوج الربع وسهمه 3 ، ولكل من الأب والأم السدس وسهم كل منهما 2 ، والابنة النصف وسهمها 6، ولا شىء لكل من ابنة الابن وابن الابن ، أى الابنة ورثت ستة أضعاف ابن الابن.
3) إذا ماتت وتركت زوجاً وأماً وأَخَوَان لأم وأخ شقيق أو أكثر.
للزوج النصف وسهمه ( 3 ) وللأم السدس وسهمها ( 1 ) وللإخوة لأم الثلث وسهم كل واحد منهما ( 1 ) وتصح من ( 6 ) ولا يبقى للأشقاء ما يرثونه. (عمر بن الخطاب)(2/286)
4) إذا ماتت امرأة وتركت زوج وجد وأم واخوة أشقاء واخوة لأم: فللزوج النصف ، وللجد السدس ، وللأم السدس ، وللاخوة الأشقاء الباقى ، ولا شىء لأخوة الأم.
ذ ـ وهناك حالات يرث فيها الرجل أكثر من المرأة سواء أقل أو أكثر من الضعف :
1) فلو مات الابن وترك أب وأم وأخوة وأخوات ، فترث الأم السدس ، ويرث الأب خمسة أسداس تعصيباً ويحجب الإخوة. فقد ورث الرجل هنا خمسة أضعاف المرأة.
2) إذا مات رجل وترك زوجة وأم وأب: فللزوجة الربع وسهمها 3 وللأم الثلث وسهمها 4 والأب يأخذ الباقى وسهمه 5. فلم يأخذ ضعف أياً منهما.
3) إذا ماتت امرأة وتركت زوج وأم وأب: فللزوج النصف وسهمه 3 ، وللأم ثلث الباقى وسهمها 1 والأب ثلثا الباقى وسهمه 2. فقد أخذ الزوج ثلاثة أضعاف الأم.
4) إذا مات رجل وترك ابناً وست بنات: فالإبن يأخذ الثلث والبنات الثلثين: وفى هذه الحالة سيكون الابن ثلاث أضعاف أى من البنات الستة. فإذا ترك 18000 ألف جنيهاً ، فسيأخذ الابن 6000 ، وكل بنت تأخذ 2000 جنيهاً. فيكون الأخ أخذ ثلاثة أضعاف أخته.
5) ماتت وتركت زوج وأم وأَخَوَان لأم وأخ شقيق أو أكثر: فالزوج يأخذ النصف وسهمه 9، والأم السدس وسهمها 3 ، والأُخوة الثلاثة الباقية الثلث ، وسهم لكل منهم. (على بن أبى طالب والمذهب المالكى والشافعى أخذوا به) فيكون الزوج أخذ ثلاثة أضعاف الأم.
فلو تركت 000 18 (ثمانية عشر ألف) جنيهاً ، لكان نصيب الزوج (تسعة آلاف) ، ونصيب الأم (ثلاثة آلاف) ، والثلث الباقى يقسَّم على الثلاث أخوة بالتساوى، لكل منهم (ألفين). وهنا تجد أن الزوج أخذ ثلاثة أضعاف الأم.
أى أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل ، أو أكثر منه ، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال ، فى مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل .
تلك هى ثمرات استقراء حالات ومسائل الميراث فى علم الفرائض (المواريث) ، التى حكمتها المعايير الإسلامية التى حددتها حكمة الإسلام فى التوريث .. والتى لم تقف عند معيار الذكورة والأنوثة ، كما يحسب الكثيرون من الذين لا يعلمون ! ... وبذلك نرى سقوط هذه الشبهة الواهية المثارة حول أهلية المرأة . (( موقع أبو إسلام أحمد عبد الله ))
الشبهة الخامسة :-
لماذا لا يتزوج غير المسلم بالمسلمة
لا يجوز للنصارى أن ينكروا ذلك لوجود مثله فى كتابهم .
ورد في سفر تكوين الإصحاح 24 العدد 3 ، 4 قول ابراهيم عليه السلام لكبير بيته : " لا تأخذ زوجة لابني من بنات الكنعانيين الذين أنا ساكن بينهم. بل إلى ارضي و إلى عشيرتي تذهب و تأخذ زوجة لابني اسحق " ثم تكلم الرب بعد ذلك على فم موسى موصياَ شعبه قديماَ في ( سفر تثنية الإصحاح 7 العدد 3 ) " لا تصاهرهم بنتك لا تعط لابنه و بنته لا تأخذ لابنك"
ومن قوانين الأحوال الشخصية المسيحية أن اختلاف الدين مانع من الزواج ، فلا يجوز زواج يهودي بمسيحية ، ولا زواج مع اختلاف المذهب في الدين الواحد ، كزواج أرثوذكسي من كاثوليكية . فإذا منع الاسلام زواج المسلمة من غير المسلم فأي غرابة في تشريعه ؟
إن المسلمة مؤمنة بكل الأنبياء ، أما غير المسلم فهو جاحد لغير واحد منهم فهو أقل ديناً وإيماناً فما تستحق أن تكون له القوامة عليها.إن غير المسلم ، ولو كان كتابياً ، لا يعترف بدين المسلمة ، بل يكذب بكتابها ، ويجحد رسالة نبيها ، ولا يمكن لبيت أن يستقر وهذه حال القيم فيه . وعلى العكس من ذلك إذا تزوج المسلم بكتابية فإنه يعترف بدينها والإيمان بكتابها ونبيها جزء من إيمانه .. ولا يتأتى منه إجبارها على ترك دينها .
(( موقع المسيحبة فى الميزان ))
(( من كتاب الرد الجميل على المشككين في الاسلام . تأليف عبد المجيد صبح - دار المنارة - مصر المنصورة . ))
الفصل الثانى : شبهات عامة
الشبهة الأولى :-
يذكر النصارى حد الردة في الإسلام على أنه دليل وحشية المسلمين وأنه الإسلام دين لايعترف بالأخر وليس فيه مجال للحرية الإنسانية
الجواب :
أولاً : إن كان هذا الأمر طعناً فإنه يقع على كتاب النصارى المقدس بأشنع وجه وإليك الأدلة :
1- جاء في سفر الخروج [ 2 2 : 20 ] قول الرب :
(( مَنْ يُقَرِّبْ ذَبَائِحَ لِآلِهَةٍ غَيْرِ الرَّبِّ وَحْدَهُ يهلك ))
2- جاء في سفر التثنية [ 13 : 6 ] قول الرب :
(( وَإِذَا أَضَلَّكَ سِرّاً أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ، أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ، أَوْ زَوْجَتُكَ الْمَحْبُوبَةُ، أَوْ صَدِيقُكَ الْحَمِيمُ قَائِلاً: لِنَذْهَبْ وَنَعْبُدْ آلِهَةً أُخْرَى غَرِيبَةً عَنْكَ وَعَنْ آبَائِكَ 7مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الأُخْرَى الْمُحِيطَةِ بِكَ أَوِ الْبَعِيدَةِ عَنْكَ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاهَا، 8فَلاَ تَسْتَجِبْ لَهُ وَلاَ تُصْغِ إِلَيْهِ، وَلاَ يُشْفِقْ قَلْبُكَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَتَرََّأفْ بِهِ، وَلاَ تَتَسَتَّرْ عَلَيْهِ. بَلْ حَتْماً تَقْتُلُهُ. كُنْ أَنْتَ أَوَّلَ قَاتِلِيهِ، ثُمَّ يَعْقُبُكَ بَقِيَّةُ الشَّعْبِ. ارْجُمْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ . . . )) ترجمة كتاب الحياة
3 _ ورد في سفر الخروج [ 32 : 28 ] ان الرب أمر نبيه موسى عليه السلام بقتل عبدة العجل من بني لاوي فقتل منهم 23 ألف رجل : (( فَأَطَاعَ اللاَّوِيُّونَ أَمْرَ مُوسَى. فَقُتِلَ مِنَ الشَّعْبِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوَ ثَلاَثَةِ آلافِ رَجُلٍ. 29عِنْدَئِذٍ قَالَ مُوسَى لِلاَّوِيِّينَ: «لَقَدْ كَرَّسْتُمُ الْيَوْمَ أَنْفُسَكُمْ لِخِدْمَةِ الرَّبِّ، وَقَدْ كَلَّفَ ذَلِكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قَتْلَ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ، وَلِكِنْ لِيُنْعِمْ عَلَيْكُمُ الرَّبُّ فِي هَذَا اليَوْمِ بِبَرَكَةٍ ))(2/287)
وهذه التشددات لا توجد في القرآن الكريم ، فالعجب من النصارى المتعصبين ، أن الكتاب المقدس لا يلحقه عيب بهذه التشدادت ، وأن الاسلام يكون معيباً !!!
فى العهد القديم جرائم عقوبتها القتل، مثل : الأكل من شحوم البهائم التى تقدم كقرابين [لاويين 7/25]
وأكل الدم [لاويين 7/27]
والذبح بعيدًا عن باب خيمة الاجتماع [لاويين 17/3]
واللواط [لاويين 20/13]
وإتيان البهائم [لاويين 20/15]
وإتيان المرأة فى حيضها [لاويين 20/18]
والعمل فى يوم الكفارة [لاويين 23/30]
والامتناع عن صوم يوم الكفارة [لاويين 23/29]
وسب الوالدين [لاويين 20/9]
وعمل السحر أو العرافة [لاويين 20/27]
فهذه جرائم عقوبتها القتل، ومعلوم أن الكفر بالله أشد الجرائم فى جميع الأديان، فهل شرع الرب فى العهد القديم القتل عقوبة على هذه الجرائم، ولم يشرع القتل على أشد الجرائم وهو الكفر؟ .. وإذا كان مستحسنًا من الرب أن يشرع عقوبة القتل على هذه الجرائم وغيرها، فلماذا تستقبح نفس العقوبة على جريمة الردة وهى أشد خطرًا من هذه الجرائم ؟ .
ثانياً : هناك أمور يجب ذكرها فى هذا النطاق
إن الإسلام يقرر حرية اختيار الدين ، فالإسلام لا يكره أحداً على أن يعتنق أى دين يقول الله تعالى (( لا إكراه فى الدين )) غاية ما هنالك أن الإسلام لا يقبل الشرك بالله ولا يقبل عبادة غير الله وهذا من صلب حقيقة الإسلام باعتبار كونه دين من عند الله جل وعلا ، ومع ذلك يقبل النصارى واليهود ولا يقاتلهم على ما هم عليه ولكن يدعوهم إلى الإسلام. كما أن الإسلام لا يبيح الخروج لمن دخل فى دين الله لا يكلف أحداً أن يجهر بنصرة الإسلام ، ولكنه لا يقبل من أحدٍ أن يخذل الإسلام ، والذى يرتد عن الإسلام ويجهر بذلك فإنه يكون عدوًّا للإسلام والمسلمين ويعلن حرباً على الإسلام والمسلمين
لا عجب أن يفرض الإسلام قتل المرتد ، فإن كل نظام فى العالم حتى الذى لا ينتمى لأى دين تنص قوانينه أن الخارج عن النظام العام له عقوبة القتل لا غير فيما يسمونه بالخيانة العظمى.
وهذا الذى يرتد عن الإسلام فى معالنة وجهر بارتداده ، إنما يعلن بهذا حرباً على الإسلام ويرفع راية الضلال ويدعو إليها المنفلتين من غير أهل الإسلام وهو بهذا محارب للمسلمين يؤخذ بما يؤخذ به المحاربون لدين الله.
3- الإسلام لا يقبل أن يكون الدين ألعوبة يُدخل فيه اليوم ويُخرج منه غداً على طريقة بعض اليهود الذين قالوا: (( آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون )) [ آل عمران : 72 ]
والردة عن الإسلام ليست مجرد موقف عقلى ، بل هى أيضاً تغير للولاء وتبديل للهوية وتحويل للانتماء. فالمرتد ينقل ولاءه وانتماءه من أمة إلى أمة أخرى فهو يخلع نفسه من أمة الإسلام التى كان عضواً فى جسدها وينتقل بعقله وقلبه وإرادته إلى خصومها ويعبر عن ذلك الحديث النبوى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: [ التارك لدينه المفارق للجماعة ] [ رواه مسلم ] ، وكلمة المفارق للجماعة وصف كاشف لا منشئ ، فكل مرتد عن دينه مفارق للجماعة.
4- مهما يكن جرم المرتد فإن المسلمين لا يتبعون عورات أحدٍ ولا يتسورون على أحدٍ بيته ولا يحاسبون إلا من جاهر بلسانه أو قلمه أو فعله مما يكون كفراً بواحاً صريحاً لا مجال فيه لتأويل أو احتمال
5- إن التهاون فى عقوبة المرتد المعالن لردته يعرض المجتمع كله للخطر ويفتح عليه باب فتنة لا يعلم عواقبها إلا الله سبحانه. فلا يلبث المرتد أن يغرر بغيره ، وبذلك تقع الأمة فى صراع وتمزق فكرى واجتماعى وسياسى ، وقد يتطور إلى صراع دموى بل حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس.
6- جمهور الفقهاء قالوا بوجوب استتابة المرتد قبل تنفيذ العقوبة فيه بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية هو إجماع الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ وبعض الفقهاء حددها بثلاثة أيام وبعضهم بأقل وبعضهم بأكثر ومنهم من قال يُستتاب أبداً ، واستثنوا من ذلك الزنديق ؛ لأنه يظهر خلاف ما يبطن فلا توبة له وكذلك سابّ الرسول صلى الله عليه وسلم لحرمة رسول الله وكرامته فلا تقبل منه توبة وألَّف ابن تيمية كتاباً فى ذلك أسماه " الصارم المسلول على شاتم الرسول ".
والمقصود بهذه الاستتابة إعطاؤه فرصة ليراجع نفسه عسى أن تزول عنه الشبهة وتقوم عليه الحُجة ويكلف العلماء بالرد على ما فى نفسه من شبهة حتى تقوم عليه الحُجة إن كان يطلب الحقيقة بإخلاص وإن كان له هوى أو يعمل لحساب آخرين ، يوليه الله ما تولى.
(( نقلا عن موقع الحقيقة ))
الشبهة الثانية:-
نصراني يسأل عن حكم الجزية في الاسلام .
الجواب :
لم يكن الإسلام أول الأديان والملل تعاطياً مع شريعة الجزية، بل هي شريعة معهودة عند أهل الكتاب يعرفونها كما يعرفون أبناءهم فهاهم بنو اسرائيل عندما دخلوا بأمر الرب إلى الارض المقدسة مع نبيهم يشوع أخذوا الجزية من الكنعانيين، فيقول النص في سفر يشوع 16 : 10 : (( فلم يطردوا الكنعانيين الساكنين في جازر. فسكن الكنعانيون في وسط افرايم الى هذا اليوم وكانوا عبيداً تحت الجزية )) وفي سفر القضاة 1 : 1 نجد ان بنى اسرائيل سألوا الرب قائلين : (( من منّا يصعد الى الكنعانيين أولا لمحاربتهم . فقال الرب يهوذا يصعد. هوذا قد دفعت الارض ليده )) و في الأعداد 30 _ 33 نجدهم يضعون الجزية على الكنعانيين . وعلى سكان قطرون وسكان نهلول و سكان بيت شمس و سكان بيت عناة وغيرهم .(2/288)
ونجد في كتابهم المقدس أيضاً أن نبي الله سليمان عليه السلام كان متسلطاً على جميع الممالك من النهر الى أرض فلسطين وإلى تخوم مصر. وكانت هذه الممالك تقدم له الجزية وتخضع له كل أيام حياته. ملوك الأول 4 : 21 . فيقول النص كما في ترجمة كتاب الحياة : (( فكانت هذه الممالك تقدم له الجزية وتخضع له كل أيام حياته )) وفي ترجمة الفانديك : (( كانوا يقدمون الهدايا ويخدمون سليمان كل أيام حياته ))
بل إن كتابهم المقدس فيه من الشرائع والأحكام ما هو أشد و أعظم بكثير من حكم الجزية ، فالرب مثلاً يأمر أنبياءه أن يضعوا الناس تحت نظام التسخير والعبودية بخلاف الجزية التي هى أهون بكثير من هذا النظام .... فعلى سبيل المثال نجد في سفر التثنية 20 : 10 أن الرب يأمر نبيه موسى قائلاً : (( حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها الى الصلح. فان أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. )) ويقول كاتب سفر صموئيل الثاني 8 : 1 كما في ترجمة كتاب الحياة عن نبي الله داود : (( وقهر أيضاً الموآبيين وجعلهم يرقدون على الأرض في صفوف متراصة، وقاسهم بالحبل . فكان يقتل صفين ويستبقي صفاً . فأصبح الموآبيين عبيداً لداود يدفعون له الجزية . ))
لقد كانت الجزية من شرائع التوراة والمسيح عليه السلام لم يذكر كلمة واحدة لإلغائها أو استنكارها . بل إن بولس قد أكد على ضرورة الالتزام بها وذلك في قوله في رسالة رومية 13 : 7 : (( فأعطوا الجميع حقوقهم . الجزية لمن له الجزية . الجباية لمن له الجباية . والخوف لمن له الخوف والإكرام لمن له الإكرام ))
وبالتالي كيف يصح لعاقل من النصارى قرأ كتابه المقدس أن يعيب ويطعن على حكم الجزية ؟! ألا يعلم المبشرون أن طعنهم على هذا الحكم هو في الحقيقة طعن على كتابهم المقدس ؟!
هذا وإن الجزية في الإسلام هي ضريبة مالية تفرض على غير المسلمين من المقاتلين ،وتسقط عن الفقراء والنساء والصغار والعبيد والمجانين والشيخ الفاني. ودليل ذلك قوله سبحانه وتعالى:(( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ولا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ولا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ))التوبة: 29
قال الإمام القرطبي : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : والذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من الرجال المقاتلين , لأنه تعالى قال : " قاتلوا الذين " إلى قوله : " حتى يعطوا الجزية " فيقتضي ذلك وجوبها على من يقاتل . ويدل على أنه ليس على العبد وإن كان مقاتلا , لأنه لا مال له , ولأنه تعالى قال : " حتى يعطوا " . ولا يقال لمن لا يملك حتى يعطي . وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين , وهم الذين يقاتلون دون النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني . أ هـ الجامع لأحكام القرآن (8/72).
يقول احمد محمد جمال أستاذ التفسير في جامعة أم القرى
(( والحقيقة المستنبطة من تاريخ تعامل الخلفاء والأمراء والقادة العسكريين في العصور الإسلامية الأولى هي :
أولاً : أن الجزية هي علامة لإلقاء أعداء الإسلام سلاحهم ، وكفهم عن مقاتلة المسلمين ، ومعارضة الدعوة الإسلامية، وإفساح المجال أمامها ليدخل فيها من أحب دون إكراه أو إرغام .
ثانياً : أن الجزية تؤخذ في مقابل حماية الدولة الإسلامية لأموال هؤلاء الذميين وأنفسهم ولا أدل على ذلك من رد أبي عبيدة عامر بن الجراح لأهل الشام جزيتهم وخراجهم عندما بلغه أن الروم قد جمعوا للمسلمين ، فهو وجنده لا يستطيعون حماية هؤلاء الذميين . لأنهم سيتفرغون لقتال الروم . وجاء في كتابه لهم : (( إنما رددنا لكم أموالكم لأنه قد بلغنا ما جمع الروم لنا من الجموع ، و إنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم ، وإنا لا نقدر على ذلك ، وقد رددنا لكم ما أخذنا منكم ونحن لكم على الشرط وما كتبنا بيننا إن نصرنا الله )) ( كتاب الخراج ، لأبي يوسف )) القرآن الكريم كتاب أحكمت آياته تأليف احمد محمد جمال - دار إحياء العلوم بيروت
وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم نماذج رائعة في التسامح مع أهل الذمة في ظل المجتمع الإسلامي فهو القائل : (( من ظلم معاهداً أو انتقصه حقاً أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه ـ أي خصمه ـ يوم القيامة )) .
صححه الألبانى فى السلسلة الصحيحة رقم 445
والصغار هو جريان أحكام الإسلام عليهم كما نقل عن الإمام الشافعي. وقال الرافعي في أول كتاب الجزية : الأصح عند الأصحاب تفسير الصغار بالتزام أحكام الإسلام و جريانها عليهم . ( راجع التفسير الواضح للدكتور محمد محمود حجازي )
(( منتديات البوابة ))
الشبهة الثالثة : مالحكمة من الحج ؟؟
تتحقق في الحج منافع دينية ودنيوية عديدة يقول الدكتور وهبة الزحيلي تحت عنوان: (ليشهدوا منافع لهم):الإسلام وشرائعه خير كلّه،ورحمة كلّه،ومصلحة كلّه وهذا واضح كل الوضوح ، ففي جانب العبادات المفروضة في الإسلام ـ من صلاة وزكاة وصيام وحجّ على سبيل المثال ـ حصر دقيق لغاياتها في القرآن،يدور حول التقويم والتهذيب والتربية والإصلاح .
فهناك غايات تربوية سامية تتحقق بممارسة العبادات ، ومنها فريضة الحجّ(2/289)
بدءاً من رحلة المغادرة للوطن ثم العودة إليه ، وهذه الرحلة تدريب عملي ميداني على آداب الإسلام وأخلاقه ، وتجرد خالص للعبادة ، وإظهار شامل للطاعة المطلقة ، وتصفية الأعمال من شوائب المادة وآصار الدنيا ومغرياتها ، وتعلقات الحياة الرغيدة ومفاتنها ، وتجوال الفكر العميق في تقديس الله ـ تعالى ـ وجلاله وعظمته ،
وتحقيق ـ كغيره من العبادات ـ لمنافع الدين والدنيا والآخرة .قال الله تعالى في كتابه الكريم : { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}
فجاء الأمر الإلهي ـ في هاتين الآيتين ـ بفريضة الحجّ ، مقروناً ببيان حكمة الحجّ ، للفرد والجماعة والأمة ، ، فكانت منافعه وفوائده خاصة وعامة ، لأنه بمثابة مؤتمر عام ، يستفيد منه الحجّاج فوائد دينية بأداء الفريضة ،
وتربوية أخلاقية بالممارسة الفعلية للعلاقات الاجتماعية الحساسة والعادية ،
وسياسية إسلامية . يتداول فيه المسلمون ـ بنحو جماعي ـ أوضاع بلادهم ، وشؤون شعوبهم ، بإخلاص وصراحة ، وجدية وحرارة ، ونقد بنّاء ، ومذاكرة في هموم وآمال وآلام الأمة الإسلامية ، يعودون بعدها لبلادهم ، وهم مزوّدون بماينبغي فعله على الصعيدين : المحلي الخاص والدولي العام ، واضعين نصب أعينهم وحدة الأمة الإسلامية ومصلحتها العليا ، وأخوّة المؤمنين وما تتطلبه من تضحيات جسام وتعاون وتضامن فعّال ، ووقوف بصرامة وجرأة أمام مخططات الأعداء ومؤامراتهم الخبيثة أو المشبوهة ، ومحاولة التغلب عليها وإحباطها ، حفاظاً على العزّة والكرامة الإسلامية ، وحماية لوجود المسلمين ، ورعاية لمصالحهم في الداخل والخارج ، سواء في وقت السلم والاستقرار ، أو في وقت المحنة والحرب والصراع المسلح ، والمجابهة الاقتصادية والتحديات المختلفة .
وأمّا تنكير كلمة «منافع» فهو كما قال الفخر الرازي : إنما نكّر المنافع ; لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة ، دينية ودنيوية ، لا توجد في غيرها من العبادات . وقال الآلوسي : «منافع» أي عظيمة الخطر ، كثيرة العدد ، فتنكيرها ـ وإن لم يكن فيها تنوين ـ للتعظيم والتكثير ، ويجوز أن يكون للتنويع ، أي نوعاً من المنافع الدينية والدنيوية .
وأما المراد بكلمة «منافع» فيروى عن محمد الباقر(رضي الله عنه) تخصيص المنافع بالأخروية وهي العفو والمغفرة . وفي رواية عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ تخصيصها بالدنيوية .
أي أنه حملها على منافع الدنيا ، وهي أن يتجروا في أيام الحجّ ، وتكون إذناً بالاتجار ، كما جاء في آية أخرى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } 7 . قال القرطبي : ولا خلاف في أن المراد بالآية : التجارة .
والأولى عند جماهير المفسّرين حمل الكلمة على الأمرين ، أي المنافع الدينية والدنيوية معاً ، وروي ذلك عن ابن عباس ، فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال في الآية : منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة ، فأما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى ، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من لحوم البُدْن (الإبل والبقر ونحوهما) في ذلك اليوم ، والذبائح والتجارات . وخصّ مجاهد منافع الدنيا بالتجارة ، فهي جائزة للحاج من غير كراهة، إذا لم تكن هي المقصودة من الحج وحدها .
ويمكن تلخيص فوائد الحج فيما يأتى :-
في المؤتر الكبير الذي يعقد في عرفات ، رمز لتوحيد كلمة المسلمين وتوجيههم إلى تدارس المشكلات والأمور التي تواجه شعوبهم ،
وفي الحج مساواة عملية بين الأمير والفرد العادي ، فلا تمييز : لباس واحد ، وحياة واحدة ، بل سمو فوق المادة والحسب والنسب والمال والجاه . حقاً ان هذا المؤتر الإسلامي العالمي لا شبيه له . . .
الحج رياضة روحية فكر وروح وتربية ومنافع .
ويمكن تقسيم المنافع إلى :
المنافع الدنيوية : هي التي تكون سبباً لتقدم الحياة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية والعادات كلها .
فيكون الحجّ والعمرة مدرسة عملية تدريبية على تحقيق المساواة التامة بين الناس في مظهرهم وحقوقهم وواجباتهم.
- وبعد أداء المناسك يتذاكر الحجاج الآراء في تبادل خيراتهم ومنتجاتهم وثرواتهم ، فينتفع الكل فرداً وجماعة ، ويعقدون الصفقات أو يصدرون الوعود ، وتتم المكاتبات ومعرفة العناوين لإكمال ما تمت المفاوضة حوله .
- وفي أثناء ممارسة تلك الشعائر يتعاطف الناس ، ويتعلمون كيفية التخلص من داء الشح والبخل ، فتسخو الأيدي ، ويكثر العطاء والبذل ، ويزداد الإنفاق في سبيل الله ، وتراق الدماء من الأضاحي والقربات ، ويعم الخير الطوعي ، ويستفيد الكل من هذا وذاك . وهذا يحقق تضامناً وتكافلا اجتماعياً وطيد الجذور بين الأسرة الإسلاميّة الكبرى ، ويغتني الفقراء ، وتظهر ثمرات نداء سيدنا إبراهيم (عليه السلام) فيما حكاه الله عنه : { رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } 8 .(2/290)
- ويقوى الشعور بالانتماء الخالد للأمة الإسلاميّة ، والغيرة على مصالحها ، والإحساس بواجب المسلم وحقه على أخيه المسلم ، وضرورة الإسهام في تفادي المشكلات ، وتخطي المحن والأزمات والصعاب ، ويمكن تلخيص منافع الحجّ الدنيوية : بطهر النفس ، ونقاء القلب ، وعفة اللسان ، وسلامة الجوارح (الأعضاء) من كل ما يشينها ويوقع في الأذى .
منافع الحجّ الأخروية : هي وجوه التقرب إلى الله تعالى ، بما يمثّل عبودية الإنسان من قول وفعل ، وترك لذائذ الحياة وشواغل العيش ، كما جاء في تفسير الميزان .
وثمرته واضحة وهي محو الذنوب ، وغفران السيئات ،
وتحقيق المساواة بين العباد ، فلا تفاضل بينهم إلا بالتقوى والعمل الصالح ، كما في قوله تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } 11 .
والوقوف بعرفة في ساحة الرضوان الإلهي ، الساحة الواحدة الشاملة لجميع الحجّاج ، إقبال خالص على الله عزّ وجلّ ، واتصال روحاني مباشر مع الله ، واحتماء بسلطان الله ، وطلب فضله ورحمته ، موقناً الحاج بإجابة دعائه . وأما الرمي أو رجم إبليس في يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة : فهو رمز مادي لمقاومة وساوس الشيطان وأهوائه ، والتخلص من نزعات الشر ، ومحاربة الفساد والانحراف ، فهو كما يقول المناطقة : « المحسوس يدل على المعقول » فيكون رمي الجمرات ، واستلام الحجر الأسود ، والطواف حول الكعبة ، تمثيلا للحقائق بصور المحسوسات ، ورمزاً لمعان عميقة بصور حركية مادية ، تذكّر المؤمن بأهدافها وغاياتها ، وتحمله على استدامة المقاومة لشرور النفس ونزعاتها .
الحكمة من الطواف بينها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : (( إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله )) رواه أبو داود ، فالطائف يطوف بجسده وأما قلبه وروحه فإلى الله اتجهاهما ، وبه تعلقهما . ولسان الحاج وقلبه يلهجان بقولهما : (( لبيك اللهم لبيك )) وما سمعنا عن أحد أنه قال : (( لبيك يا كعبة لبيك )) ، فالطواف والتلبية استجابة لأمر الله ، وليست للكعبة . . ولعل مما يفسر هذا قول بعض الصالحين : طاف الجسد بالبيت ، وطاف القلب برب البيت .
وأما ما أورده بعض الزنادقه من أن الطواف بالبيت هو وثنية ، فذاك من زندقتهم وإلحادهم وجهلهم ،فإن المؤمنين ما طافوا به إلا بأمر الله ، وما كان بأمر الله فالقيام به عبادة لله تعالى .
ويرجم الحاج الشيطان رمزاً لما بعد الحج ، فهي رياضة روحية للمؤمن ، لذلك فإن الحاج بعد الحج يتذكر الرجم والحرب التي أعلنها على الشيطان ، فلا يتلكأ عن معاداة من رجمه ، ولذا تتوضح آثار الرجم بعد الحج في السلوك والمعاملات وفي الصمود للمغريات .
ألم تر عزيزي السائل إلى الجندي وهو يتدرب على تمثال من ورق أو خرق ، يطعنه ويصرخ ، فلم يفعل هذا ؟ هل هذا سخف ؟ لا . . . لأنه تدريب ليوم اللقاء الحقيقي مع الأعداء .
ألم تسمع عن الجيوش ، إنها تقوم بمناورات بذخيرة غير حية ، فهل تهدر الوقت وتضيع تعب الجند وجهدهم عبثاً ؟ لا . . إنها تتدرب على هدف رمزي تحتله وهو من بلادها ، ويهتف الجند صيحة النصر . إن هذا رمز وتدريب للمعركة الحقيقية القادمة .
وكذلك الرجم : إنه لرمز كتمثال الجندي ، وكالبقعة التي احتلت وصرخ الجميع لاحتلالها صرخة النصر . . فتمثل الشيطان الذي يصد عن سبيل الله في مكان الرجم ثم رجمه ، معناه لا طاعة له بعد اليوم ، بل حرب معلنة بين الحاج وبينه حتى يلقى الحاج ربه فكلما عرض له في أمر يريد غوايته تذكر الرجم والحرب المعلنة ، فلا يخضع له ولا يطيعه ، وتبقى طاعته لله وحده . . . هذا هو القصد من هذه الشعائر ، وليس كما يتصور سخفاء العقول من المستشرقين ، وضعفاء الإيمان ، أن مناسك الحجّ دوران حول أحجار ، وتعظيم للرموز المادية ، وامتداد للوثنية .
وقد تنتهي هذه الشعائر بذبح الأضاحي والنذور وجزاءات المخالفة للمناسك ; ليكون ذلك الوداع الأخير للرذيلة بإراقة الدم تعبيراً عن التخلص منها ، والتزام فضيلة التضحية والفداء ، كما قال الله تعالى : { لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} 15 .
- وما أجمل منافع الحجّ في حديث رواه البيهقي : (الحجاج والعمّار وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم ) تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 4171 في صحيح الجامع
(( منتديات البوابة )) + (( نقلا عن موقع شبكة بن مريم الإسلامية))
الشبهة الرابعة :-
أن الإسلام لو كان دين حق لتمسك به أبناؤه
والجواب من وجوه :-
1- أن المسلمين الذين يقصرون فى أمور دينهم لا يؤثر هذا على عقائدهم وهذا بخلاف المجتمع المسيحى اسما العلمانى حقيقة ومعنى 2- أن المسلمين المقصرين متى وجدوا الواعظ الصادق كان لذلك الأثر السريع فى توبتهم متى عرفوا الحق الذى يشوهه فىعيونهم المضلون من أذناب الغرب أما النصارى فالعلمانية هى السمة الغالبة حتى لبعض رجال الدين .
فقد أظهر استطلاع للرأي في بريطانيا أن غالبية الشخصيات البارزة في المجتمع البريطاني بمن فيهم كبار رجال الدين المسيحي لايؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام .
وقد أعرب ثلاثة فقط من بين 103 من رجال الدين المسيحي شملهم الاستطلاع عن اعتقادهم في صحة رواية خلق العالم التي وردت في التوراة والإنجيل(2/291)
وقال ثمانون ممن شاركوا في التحقيق الذي أجراه أحد برامج هيئة الإذاعة البريطانية إنهم لايعتقدون أن السيدة مريم أنجبت عيسى عليه السلام دون أن يمسسها بشر كما لايعتقدون بوجود آدم وحواء إلا أن الأشخاص الذي أدلوا بآرائهم في هذه الدراسة ومنهم رجال دين ومديرو مدارس وهيئآت تعليمية وسياسيون بارزون وعلماء ورؤساء تحرير صحف يؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى قادر على تصريف شؤون الكون والتأثير على أحداثه وأن الوصايا العشر يمكن تطبيقها في عصرنا هذا . نقلاً عن هيئة الاذاعة البريطانية
(نقلا عن موقع الشبكة الإسلامية ركن الحوار الإسلامى المسيحى )
الشبهة الخامسة :-
أنهم يؤمنون بعيسى والمسلمون يؤمنون به أيضا فلابد أنهم على حق لأتهم يؤمنون بمن عليه اتفاق بخلاف المسلمين فيؤمنون بمحمد وهو مختلف فيه
والجواب
1- أن يقلب الكلام فنحن نؤمن بالجميع على أنهم أنبياء الله فالحق مع أيهم فنحن أحق به بل إننا لانفترض تعارضا أصلا بين الإيمان بهم جميعا
2- أننا لانسلم أنهم يؤمنون بعيسى عليه السلام يقول ابن القيم فى كتابه هداية الحيارى
لا يمكن الإيمان بنبي من الأنبياء، أصلا مع جحود نبوة محمد، رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه من جحد نبوته، فهو لنبوة غيره من الأنبياء أشد جحدا، وهذا يتبين بوجوه :
منها :-
أن الأنبياء المتقدمين، بشروا بنبوته، وأمروا أممهم بالإيمان به، فمن جحد نبوته، فقد كذب الأنبياء قبله، فيما أخبروا به، وخالفهم فيما أمروا وأوصوا به، من الإيمان به، والتصديق به، لازم من لوازم التصديق بهم، وإذا انتفى اللازم، انتفى ملزومه قطعا ( ص 185 )
ومنها:-
أن دعوة محمد بن عبد الله، صلوات الله، وسلامه عليه، هي دعوة جميع المرسلين قبله، من أولهم إلى آخرهم، فالمكذب بدعوته، مكذب بدعوة إخوانه كلهم، فإن جميع الرسل جاؤوا بما جاء به، فإذا كذبه المكذب، فقد زعم أن ما جاء به باطل،
وفي ذلك تكذيب كل رسول أرسله الله، وكل كتاب أنزله الله،
ومنها :-
إن الآيات والبراهين، التي دلت على صحة نبوته، وصدقه، أضعاف أضعاف آيات من قبله، من الرسل فليس لنبي من الأنبياء، آية توجب الإيمان به، إلا ولمحمد صلى الله عليه وسلم مثلها، أو ما هو في الدلالة مثلها، وان لم يكن من جنسها،
فآيات نبوته أعظم، وأكبر، وأبهر، وأدل، والعلم بنقلها قطعي، لقرب العهد، وكثرة النقلة، واختلاف أمصارهم، وأعصارهم، واستحالة تواطئهم على الكذب، فالعلم بآيات نبوته، كالعلم بنفس وجوده، وظهوره، وبلده، بحيث لا تمكن المكابرة في ذلك، والمكابر فيه في غاية الوقاحة، والبهت، كالمكابرة في وجود ما يشاهده الناس، ولم يشاهده هو من البلاد، والأقاليم، والجبال، والأنهار .
فإن جاز القدح في ذلك كله، فالقدح في وجود عيسى، وموسى، وآيات نبوتهما، أجوز وأجوز
(( نقلا عن موقع الخيمة العربية))
الشبهة السادسة : هل انتشرالإسلام بالسيف :
والجواب
ما كان من فتوحات إسلامية لكثير من الدول ليس لإكراه الناس على الإسلام ،وإنما لإزالة منكر كبير من الأرض هو حكم طاغوت كافر حتى يرى الناس الإسلام على حقيقته من دون خوف ولا إكراه ويدل على ذلك أن في الإسلام تشريع (أهل الذمة) وهؤلاء غير مسلمين رغبوا في العيش في دار الإسلام مع المسلمين على أن يبقوا على دينهم ، والدولة الإسلامية تجبهم إلى طلبهم وتدخل معهم بعقد يسمى (عقد الذمة) بموجبه يصير آمناً على نفسه وماله ودمه مع بقائه على دينه ولو كان الإسلام ينتشر بالسيف لما شرع الإسلام عقد الذمة وآثاره ما ذكرته
والخلاصة فإن السيف الذي شهره المسلمون هو لإزالة العقبة عن طريق هداية الإسلام، وذلك بإزالة الحكم الكافر وقانونه الكافر وطرح الإسلام وعرضه وجهاً لوجه مع أولئك الناس الذين كانوا تحت سلطات الكفر ولا مجال للإكراه في حمل الناس على الإسلام
ووصايا النبى فى الحرب خير دليل على ذلك
كان النبى- صلى الله عليه وسلم- يدعو المؤمنين إلى عدم تمني لقاء العدو فكان يقول ” لا تتمنوا لقاء العدو ، وإذا لقيتموه فاصبروا “(أخرجه البخاري في الجهاد 32/112، 156 ،ومسلم في الجهاد 19/20.
لقد كان النبي r حريصاً على منع القتال حتى بعد أخذ الأهبة له،فهو يقول لمعاذ بن جبل وقد أرسله إلى اليمن :”لا تقاتلوهم حتى يقتلوا منكم وقولوا لهم : هل إلى خير من هذا من سبيل ؛ فلإن يهدي الله على يديك رجلاً واحداً خير لك مما من حمر النعم ( سنن البيهقي ، الجزء التاسع ، ص 106(
ج- إذا بعث جيوشه أو سراياه قال لهم :”تألفوا الناس ولا تغيروا على حي حتى تدعوهم إلى الإسلام فوالذي نفس محمد بيده ما من أهل بيت من وبر ولا مدر تأتوني بهم مسلمين إلا أحب إلي من أن تأتوني بنسائهم وأبنائهم وتقتلون رجالهم (زوائد الهيثمي ،الجزء الثاني ،الحديث رقم(637)
د- اغزو باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله أغزو ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا (صحيح مسلم ،الجزء الثالث ،الحديث رقم(1731)
و- قال قتادة:” بلغنا أن النبي كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة
(صحيح البخاري ، الجزء (5)،الحديث (3956)
ز- ماذا فعل النبى مع الذين ءاذوه وطردوه وعذبوا أصحابه حتى مات منهم من مات تحت التعذيب قال ما تظنون أنى فاعل بكم قالوا أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء لا أقول لكم إلا ما قاله أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين (أخرجه البخارى في المغازي 3/345)
وإليك ايها النصراني الأدلة من كتابك المقدس نفسه التي تثبت أن الجهاد وحمل السيف والقتال هي من الأمور الربانية الغير مسقطة للنبوات وقد أمر بها الرب وأوصى :
_ جاء في سفر الخروج [ 23 : 22 ] : قول الرب لموسى :(2/292)
(( هَا أَنَا مُرْسِلٌ مَلاَكِي أَمَامَكَ لِيَحْرُسَكَ طَوَالَ الطَّرِيقِ، وَيَقُودَكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْدَدْتُهَا لَكَ . . . 23إِذْ يَسِيرُ مَلاكِي أَمَامَكَ حَتَّى يُدْخِلَكَ بِلاَدَ الأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ الَّذِينَ أَنَا أُبِيدُهُمْ. 24إِيَّاكَ أَنْ تَسْجُدَ لِآلِهَتِهِمْ، وَلاَ تَعْبُدْهَا، وَلاَ تَعْمَلْ أَعْمَالَهُمْ، بَلْ تُبِيدُهُمْ وَتُحَطِّمُ أَنْصَابَهُمْ. ))
_ وجاء في سفر الخروج [ 34 : 11 ] : أن الرب أمر موسى بدخول أراضي الامم الاخرى ليحطم اصنامهم ومذابحهم الوثنية في سبيل نشر دينه يقول النص :
(( أَطِعْ مَا أَوْصَيْتُكَ الْيَوْمَ بِهِ. هَا أَنَا طَارِدٌ مِنْ أَمَامِكَ الأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. 12إِيَّاكَ أَنْ تَعْقِدَ مُعَاهَدَةً مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ مَاضٍ إِلَيْهَا لِئَلاَّ يَكُونُوا شَرَكاً لَكُمْ. 13بَلِ اهْدِمُوا مَذَابِحَهُمْ، وَاكْسِرُوا أَنْصَابَهُمْ، وَاقْطَعُوا أَشْجَارَهُمُ الْمُقَدَّسَةَ. 14إِيَّاكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا إِلَهاً آخَرَ غَيْرِي، لأَنَّ الرَّبَّ اسْمُهُ غَيُورٌ جِدّاً.))
_ وجاء في رسالة بولس إلى العبرانيين [ 7 : 1 ، 2 ] أن نبي الله إبراهيم حارب الملوك وقهرهم وأخذ الغنائم منهم !!
فإذا كان حمل السيف هو أمر منافي للنبوة فلماذا أمر الرب موسى وإبراهيم بحمله ؟
لقد دأب المسيحيون على التشنيع على المسلمين بأن دينهم دين حرب وقتال وسفك للدماء وتعطش للنساء والاموال ، ويزعمون ان هذا هو الدافع الرئيس وراء الفتوحات الإسلامية !
ونسوا أن في كتابهم المقدس ما لا يخطر على البال من الحروب والإبادة واخذ الأموال بأمر الرب مما لا يقارن بحال مع ما ينكرونه على المسلمين :
أولا : إباحة قتل الرجال والنساء والأطفال من ست قبائل كاملة مع التدمير الكامل !!!
مع أن الإسلام نهى عن قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان .
ورد في سفر التثنية [ 20 : 10 ] قول الرب : (( وَحِينَ تَتَقَدَّمُونَ لِمُحَارَبَةِ مَدِينَةٍ فَادْعُوهَا لِلصُّلْحِ أَوَّلاً. 11فَإِنْ أَجَابَتْكُمْ إِلَى الصُّلْحِ وَاسْتَسْلَمَتْ لَكُمْ، فَكُلُّ الشَّعْبِ السَّاكِنِ فِيهَا يُصْبِحُ عَبِيداً لَكُمْ. 12وَإِنْ أَبَتِ الصُّلْحَ وَحَارَبَتْكُمْ فَحَاصِرُوهَا 13فَإِذَا أَسْقَطَهَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ فِي أَيْدِيكُمْ، فَاقْتُلُوا جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. 14وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ، وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ أَسْلاَبٍ، فَاغْنَمُوهَا لأَنْفُسِكُمْ، وَتَمَتَّعُوا بِغَنَائِمِ أَعْدَائِكُمُ الَّتِي وَهَبَهَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ لَكُمْ. 15هَكَذَا تَفْعَلُونَ بِكُلِّ الْمُدُنِ النَّائِيَةِ عَنْكُمُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ الأُمَمِ الْقَاطِنَةِ هُنَا.
16أَمَّا مُدُنُ الشُّعُوبِ الَّتِي يَهَبُهَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ لَكُمْ مِيرَاثاً فَلاَ تَسْتَبْقُوا فِيهَا نَسَمَةً حَيَّةً، 17بَلْ دَمِّرُوهَا عَنْ بِكْرَةِ أَبِيهَا، كَمُدُنِ الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ كَمَا أَمَرَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ، 18لِكَيِ لاَ يُعَلِّمُوكُمْ رَجَاسَاتِهِمِ الَّتِي مَارَسُوهَا فِي عِبَادَةِ آلِهَتِهِمْ، فَتَغْوُوا وَرَاءَهُمْ وَتُخْطِئُوا إِلَى الرَّبِّ إِلَهِكُمْ ))
ثانيا: طرد وإبادة سبع أمم بكاملها ، وعدم قبول العهد والصلح منهم جاء في سفرالتثنية [ 7 : 1 ] قول الرب لموسى : (( وَمَتَى أَدْخَلَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ مَاضُونَ إِلَيْهَا لِتَرِثُوهَا، وَطَرَدَ مِنْ أَمَامِكُمْ سَبْعَ أُمَمٍ، أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ مِنْكُمْ، وَهُمُ الْحِثِّيُّونَ وَالْجِرْجَاشِيُّونَ وَالأَمُورِيُّونَ وَالْكَنْعَانِيُّونَ وَالْفِرِزِّيُّونَ وَالْحِوِّيُّونَ وَالْيَبُوسِيُّونَ. 2وَأَسْلَمَهُمُ الرَّبُّ إِلَيْكُمْ وَهَزَمْتُمُوهُمْ، فَإِنَّكُمْ تُحَرِّمُونَهُمْ. لاَ تَقْطَعُوا لَهُمْ عَهْداً، وَلاَ تَرْفُقُوا بِهِمْ، 3وَلاَ تُصَاهِرُوهُمْ. فَلاَ تُزَوِّجُوا بَنَاتِكُمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ، وَلاَ أَبْنَاءَكُمْ مِنْ بَنَاتِهِمْ، 4إِذْ يُغْوُونَ أَبْنَاءَكُمْ عَنْ عِبَادَتِي لِيَعْبُدُوا آلِهَةً أُخْرَى، فَيَحْتَدِمُ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ وَيُهْلِكُكُمْ سَرِيعاً. 5وَلَكِنْ هَذَا مَا تَفْعَلُونَهُ بِهِمْ: اهْدِمُوا مَذَابِحَهُمْ وَحَطِّمُوا أَصْنَامَهُمْ وَقَطِّعُوا سَوَارِيَهُمْ وَأَحْرِقُوا تَمَاثِيلَهُمْ ))
وجاء في سفر العدد [ 1 : 45 ] :
(( فَكَانَ الْمَجْمُوعُ الْكُلِّيُّ لِلرِّجَالِ الْمُحْصَيْنَ مِنْ إِسْرَائِيلَ الْبَالِغِينَ مِنْ الْعُمْرِ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ، حَسَبَ بُيُوتِ آبَائِهِمْ مِنَ الْقَادِرِينَ عَلَى الْقِتَالِ فِي الْحَرْبِ فِي إِسْرَائِيلَ 46سِتَّ مِئَةِ أَلْفٍ وَثَلاَثَةَ آلافٍ وَخَمْسَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ. ))
ثالثاً : صورة أخري من القتل والاستيلاء على المغانم
ورد في سفر العدد [ 31 : 17 ] : (( فَالآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ مِنَ الأَطْفَالِ، وَاقْتُلُوا أَيْضاً كُلَّ امْرَأَةٍ ضَاجَعَتْ رَجُلاً، 18وَلَكِنِ اسْتَحْيَوْا لَكُمْ كُلَّ عَذْرَاءَ لَمْ تُضَاجِعْ رَجُلاً .))
أوامر الرب بأخذ الغنائم وتوزيعها :(2/293)
جاء في سفر العدد [ 31 : 25 ] : (( وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: 26«أَحْصِ أَنْتَ وَأَلِعَازَارُ الْكَاهِنُ وَرُؤَسَاءُ الْعَشَائِرِ الْغَنَائِمَ وَالسَّبْيَ مِنَ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ، 27وَقَسِّمِ الْغَنَائِمَ مُنَاصَفَةً بَيْنَ الْجُنْدِ الْمُشْتَرِكِينَ فِي الْحَرْبِ وَبَيْنَ كُلِّ الْجَمَاعَةِ. 28وَخُذْ نَصِيباً لِلرَّبِّ مِنْ غَنَائِمِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَاحِداً مِنْ كُلِّ خَمْسِ مَئَةٍ مِنَ النَّاسِ وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ وَالْغَنَمِ. 29 مِنْ نِصْفِ أَهْلِ الْحَرْبِ تَأْخُذُهَا وَتُعْطِيهَا لأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ تَقْدِمَةً لِلرَّبِّ. 30وَتَأْخُذُ مِنْ نِصْفِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاحِداً مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ مِنَ النَّاسِ وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ وَالْغَنَمِ وَسَائِرِ الْبَهَائِمِ، وَتُعْطِيهَا لِلاَّوِيِّينَ الْقَائِمِينَ عَلَى خِدْمَةِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ.
رابعاً: داود النبي وقواته يقتلون 40 ألف فارس :
وفي صموئيل الثاني : 10 : 18
(( وَاجْتَازَ نَهْرَ الأُرْدُنِّ حَتَّى قَدِمَ إِلَى حِيلاَمَ فَالْتَقَى الْجَيْشَانِ فِي حَرْبٍ ضَرُوسٍ. 18وَمَا لَبِثَ الأَرَامِيُّونَ أَنِ انْدَحَرُوا أَمَامَ الإِسْرَائِيلِيِّينَ، فَقَتَلَتْ قُوَّاتُ دَاوُدَ رِجَالَ سَبْعِ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ، وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ فَارِسٍ. وَأُصِيبَ شُوبَكُ رَئِيسُ الْجَيْشِ وَمَاتَ هُنَاكَ ))
خامساً ً : والتاريخ الحديث شاهد على جرائمهم
قولهم من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر “فكلام لم يعرفه المسيحيون مع أنفسهم يوماً ولا مع أعدائهم ساعة.يذكر المؤرخون أن الذين قتلتهم المسيحية في انتشارها في أوروبا يتراوح عددهم بين سبعة ملايين كحد أدنى وخمسة عشر مليوناً كحد أعلى ، وفضاعة هذا العدد تتضح عندما نتذكر أن عدد سكان أوروبا آنذاك كان جزءاً ضئيلاً من سكانها اليوم!
1- تقول ملكة إنجلترا (الكاثوليكية)في القرن السادس عشر في كتاب (بناة الإنسانية ) بما أن أرواح الكفرة سوف
تحرق في جهنم أبداً ؛ فليس هناك أكثر شرعية من تقليد الانتقام الإلهي بإحراقهم على الأرض
في الحروب الصليبية – التي استمرت أكثر من ثلاثة قرون ضد الإسلام والمسلمين- أبيدت الملايين ودمرت القرى والمدن ، وهدمت المساجد والمعابد، وكانت تبقر بطون الحوامل لإخراج الأجنة ثم حرقها بعد ذلك في ضوء الشموع والمشاعل
شارلمان هو الذي فرض المسيحية بحد السيف –
والملك (أولاف) ذبح كل من رفض اعتناق المسيحية في النرويج ،قطع أيديهم وأرجلهم ونفاهم وشردهم ، حتى انفردت المسيحية بالبلاد –
وفي الجبل الأسود بالبلقان قاد الأسقف الحاكم (دانيال بيتر وفتش عملية ذبح غير المسيحيين ليلة عيد الميلاد –
وفي الحبشة قضى الملك سيف أرعد(1342-1370م)بإعدام كل من أبى الدخول في المسيحية أو نفيهم من البلاد –
ثم نجد أن المسيحية-وليس الإسلام-هي التي أبادت الهنود الحمر في أمريكا –
ثم نجد المسيحية هي التي اقتلعت الشعب الفلسطيني من أرضه لتسليمها إلى أعداء المسيح ومحمد -عليهما السلام- على السواء –
من الذي أشعل الحروب العالمية ، لقد قتل في الحرب العالمية الأولى عشرة ملايين وفي الثانية حوالي 70مليون .
وكم قتل من البشر بالقنابل الذرية التي ألقيت على (نجازاكي) و(هيروشيما) .
وترى المسيحية في حربها الصليبية عندما حاصرت بيت المقدس وشددت الحصار ورأى أهلها أنهم مغلوبين فطلبوا من قائد الحملة (طنكرد) الأمان على أنفسهم وأموالهم فأعطاهم الأمان على أن يلجأوا إلى المسجد الأقصى رافعين راية الأمان فامتلاء المسجد الأقصى بالشيوخ والأطفال والنساء ، وذبحوا كالنعاج وسالت دماءهم في المعبد حتى ارتفعت الدماء إلى ركبة الفارس وعجت شوارعنا بالجماجم المحطمة والأذرع والأرجل المقطعة والأجسام المشوهة ، ويذكر المؤرخون أن الذين قتلوا في داخل المسجد الأقصى فقط سبعين ألفاً ولا ينكر مؤرخو الفرنج هذه الفضائح.
لكنك إذا التفت إلى الجانب الإسلامي بعد 90 سنة من هذه المجزرة فتح صلاح الدين بيت المقدس فماذا فعل لقد كان فيها ما يزيد على مائة ألف غربي بذل لهم الأمان على أنفسهم وأموالهم –
وعصرنا اليوم خير شاهد على ذلك ، نرى اليهود ماذا يفعلون في فلسطين ، ونشاهد المسيحيين ماذا يعملون ..لقد قصفوا أفغانستان ،ثم تحولوا إلى العراق ليدمروها فقصفوا وقتلوا وعاثوا في الأرض فساداً .. فأين وصايا المسيح التي يدعونها ويتشدقون بها!!.
ألم يقف ( اللورد اللنبي ) ممثل الحلفاء : إنجلترا ، وفرنسا ، وإيطاليا ، ورومانيا ، وأميركا ، في بيت المقدس في سنة 1918 ، حين استولى عليه في أخريات الحرب الكبرى الأولى قائلاً: (اليوم انتهت الحروب الصليبية ) ؟! .
وألم يقف الفرنسي ( غورو ) ممثل الحلفاء أيضاً - وقد دخل دمشق - أمام قبر البطل المسلم ( صلاح الدين الأيوبي ) قائلاً (لقد عدنا يا صلاح الدين ) ؟!!
وهل هدمت الديار ، وسفكت الدماء ،واغتصبت الأعراض في البوسنة والهرسك إلا باسم الصليب ؟
بل أين هؤلاء مما حدث في الشيشان - ومازال يحدث -؟ وفي إفريقيا ؟واندونيسيا ؟ و...غيرها ؟ وهل يستطيع هؤلاء إنكار أن ما حدث في كوسوفا كان حربا صليبية ؟ ألم يقل بوش فى حربه الأخيرة ستكون حربا صليبية(2/294)
و مثل هذه الفظائع لم يقع في جهاد المسلمين لأعدائهم فما كانوا يقتلون النساء و لا الأطفال و لا الدهماء من الناس ، و يجدر أن نذكر بوصية الصديق حيث قال لأسامة بن زيد و جنده:"لا تخونوا و لا تغدروا و لا تغلوا و لا تمثلوا ، و لا تقتلوا طفلاً و لا شيخاً كبيراً و لا امرأة ، و لا تعزقوا نخلاً و لا تحرقوه ، و لا تقطعوا شجرة مثمرة، و لا تذبحوا شاة و لا بقرة و لا بعيراً إلا للأكل.و إذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم و ما فرغوا أنفسهم له …."
بل ما رأي هؤلاء في الدول التي لم يدخلها مسلم مجاهد بسيفه ؟ وإنما انتشر فيها الإسلام بوساطة العلماء والتجار والبحّارة كأندونيسيا ، والصين ، وبعض أقطار إفريقيا ، وأوروبا وأمريكا ، فهل جرَّد المسلمون جيوشاً أرغمت هؤلاء على الإسلام ؟ ألا فليسألوا أحرار الفكر الذين أسلموا من أوروبا وغيرها ، وسيجدون عندهم النبأ اليقين .
(نقلا عن موقع المسيحية فى الميزان )
(حوار صريح بين عبد الله وعبد المسيح .د/ عبد الودود شلبي ص(190- 197) بتصرف
نقلا عن موقع موقع بسمك اللهم للرد على النصارى تحت عنوان هل انتشر الإسلام بحد السيف) .
(الشبكة الإسلامية السيرة النبوية للشيح: محمد أبوشهبة ) .
الشبهة السابعة : من الذي أحرق مكتبة الاسكندرية ؟؟
من الاتهامات الشائعة التى يُرمى بها الإسلام والمسلمون هو إحراق عمرو بن العاص لمكتبة الأسكندرية. ويستشهدون ببعض النصوص التى ذكرت فى بعض المراجع التاريخية التى كتبها بعض المؤرخين من المسلمين والنصارى.
وحجتهم فى ذلك ما كتبه عبد اللطيف البغدادى ( 1231 م ) فى كتابه “الإفادة والاعتبار فى الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر” ، والمقريزى يكاد ينقل ماذكره البغدادى حرفياً ، وكذلك ابن القفطى ( 1248 م ) فى كتابه “أخيار العلماء بأخبار الحكماء” ، وكذلك الكاتب النصرانى أبا الفرج الملطى ( 1277 م ) فى كتابه “مختصر الدول”.
والجواب أنه :
- من المعروف أن عمرو بن العاص قد فتح مصر عام 642 م، وقد تلاحظ من التواريخ أعلاه أن أول من كتب عن هذا هو عبد اللطيف البغدادى بعد الفتح بزمن يبلغ تقريباً 600 عام. أضف إلى ذلك أن المؤرخين الذين سبقوه لم يشيروا إلى هذه التهمة أية إشارة مع أنهم قد تكلموا فى كتبهم بإسهاب عن الفتح العربى لمصر. ومن هؤلاء المؤرخين سعيد بن البطريق( 905 م ) تقريباً والطبرى واليعقوبى والبلاذرى وابن عبد الحكم والكندى وغيرهم. أضف إلى ذلك أن الكتاب فى القرنين السابقين للفتح العربى لم يذكروا شيئاً عن وجود مكتبة عامة فى الأسكندرية، وكذلك لم يشر إليها حنا النقيوس ولا إلى إحراقها مع أنه كتب عن الفتح العربى.
- أكَّدَ لوبون جوستاف فى كتابه “حضارة العرب” المطبوع عام 1884 بباريس (صفحة 208 ): أن المكتبة لم تكن موجودة عند الفتح العربى ، إذ كانت قد أُحرِقَت عام 48 ق . م عند مجىء يوليوس قيصر إلى الأسكندرية.
وهذا ما أكده بطلر فى كتابه “فتح العرب لمصر” صفحة 303 - 307 وأضاف أن يوليوس قيصر كان محصوراً سنة 48 ق . م فى حى البروكيون يحيط به المصريون من كل جانب تحت قيادة أخيلاس ، فأحرق السفن التى فى الميناء لقطع خط الرجعة على يوليوس وقيل إن النيران امتدت إلى المكتبة (يقصد هنا مكتبة المتحف أو المكتبة الأم) وأحرقت المكتبة وأفنتها أو قد فنيت تماماً فى القرن الرابع الميلادى.
ويواصل بطلر دفاعه قائلاً: أما المكتبة الوليدة التى قامت فى السيرابيوم فإنها كانت فى حجرات متصلة ببناء معبد السيرابيوم وقد أحرق هذا المعبد فى عهد تيودوسيوس عام 391 م على يد المسيحيين الذين كان يقودهم رئيسهم تيوفيلوس.
- أكَّدَ جيبون فى كتابه “إضمحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية” الجزء التاسع (صفحة 275 ): أن المكتبة قد أُحرِقَت عام 387 - 395 م فى عهد تيودوسيوس.
وقد يدل على صدق هذه الأقوال أن أحد الرحالة الرومان واسمه أورازيوس قد زار مصر فى أوائل القرن الخامس الميلادى وكتب عنها سنة 416 م وذكر أنه لم يجد سوى رفوف خالية من الكتب فى هذه المكتبة.
ذكر جرجى زيدان فى جزئه الثالث من كتابه التمدن الإسلامى (صفحة 42 – 43) نقلاً عن أبى الفرج الملطى (النصرانى) – وهذا مانقله المقريزى عنه بالحرف - أن يوحنا النحوى صرَّح أن المكتبة كان بها على عهد بطولماوس فيلادلفوس أكثر من 120 50 كتاباً وأن هذه الكتب تم احراقها فى ستة أشهر بعد أن وزعت على أربعة آلاف حمام.
- ويعترض فريق من المؤرخين على رواية أبى الفرج لأسباب كثيرة لا يقرها العقل:
1- مات يوحنا النحوى قبل فتح العرب لمصر بحوالى 30 أو 40 سنة.
2- كيف يعمل عمرو بن العاص على إحراق الكتب ثم يسلمها إلى الحمَّامات التى يقوم على خدمتها نصارى مصر – مع العلم بوجود كتب ومقتنيات نفيسة فى هذه المكتبة؟
3- ألم يكن فى استطاعة أصحاب الحمامات أن يبيعونها ويتربحوا منها؟
4- ألم يكن فى استطاعة أحد الأثرياء من أمثال يوحنا النحوى أن يشتروها؟
5- كانت الكتب تصنع من ورق الكاغد الذى لا يصلح لإيقاد النار.
6- من المعروف أن المسلمين كانوا يعملون على نشر العلم منذ غزوة بدر، ولذلك كانوا يطلقون سراح الأسير إذا قام بتعليم عشرة من المسلمين.
7- المدقق فى الحديث المنسوب ليوحنا النحوى لعمرو بن العاص حيث ذكر أن هذه الكتب نفيسة ولا تُقدَّر بمال. وما كان لعمرو بن العاص أن يحرقها لأنها مال يخص أقباط مصر ، والعهد الذى أخذه عمرو على نفسه يقتضى حماية الأقباط وأموالهم.(2/295)
8- دفع عمرو بن العاص للمصريين فى الوجه القبلى ثمن ما أتلفه الرومان فى هجومهم الثانى على مصر بسبب خطته التى كانت ترمى إلى سحب القوات الرومانية بعيداً عن الأسكندرية. فيستبعد أن يكون قد أتلف ممتلكاتهم وأموالهم إبراراً بعهده معهم.
9- رأى الرسول عليه الصلاة والسلام مع عمر بن الخطاب رقوقا من الكتاب المقدس ولم يأمره بحرقه أو التخلص منه. كذلك سأل الرسول عليه الصلاة والسلام اليهود عن قول التوراة فى الزناة وقرأوا عليه من الكتاب الذى بأيديهم ، ولم يأمر أحداً بنزعه منهم أو حرقه.
10- على الرغم من أن الكتاب المقدس به بعض النصوص التى يراها المسلم شركاً بيناً أو كفراً صريحاً أو قذفاً لا مراء فيه فى حق الأنبياء ، وعلى الرغم أن البعض قد يفهم النصوص التى تشير إلى زنا الأب ببناته ، أو زنا الحمى بكنته، إلا أنه لم يقم أحد من المسلمين بحرق نسخة واحدة من الكتاب المقدس ولا توجد نصوص فى القرآن أو السنة تحض على ذلك.
11- أنشأ المأمون عام 830 م فى بغداد “بيت الحكمة” وهو عبارة عن مكتبة عامة ودار علم ومكتب ترجمة، ويُعد بيت الحكمة أعظم صرح ثقافى نشأ بعد مكتبة الأسكندرية. فيستبعد على مسلم أُمِرَ بالعلم والقراءة والبحث والتدبر أن يحرق كتاباً للعلم.
12- قيام الكثيرين من العرب بدراسة اللغات الأجنبية وترجمة كتب بعض مشاهير العلوم فى العصر الأغريقى، وإرسال العلماء العرب (على نفقاتهم الخاصة) التجار إلى بلاد الهند وبيزنطة للبحث عن كتب العلم وشرائها .
أنقل بعضاً منهم من كتاب “شمس العرب [أصل الترجمة شمس الله] تسطع على الغرب” للكاتبة زيجريد هونكه مثل :
1) كان العلماء المسلمين حريصين على اقتناء كتب العلم اليونانية و الرومانية ودراسة ما فيها. ومن أمثال ذلك رجل العلم العظيم موسى بن شاكر وأولاده الثلاث محمد وأحمد وحسن فى عصر الخليفة المأمون. وقد برعوا فى علم الفلك ودراسة طبقات الجو والرياضة. وكانوا يرسلون أتباعهم إلى بلاد البيزنطيين على نفقاتهم لشراء الكتب وترجمتها والاستفادة من علومهم. ولو كان فى الإسلام نص ينهى عن ذلك لما اقترفوا إثم البحث عن العلم وترجمة الكتب وتعليم الغرب.
2) حرص العلماء أمثال الخوارزمى على اقتناء كتب العلم الهندية وغيرها. فقد كان على علم بكتب بطلميوس عن جداول الحساب والجبر وهو من قام بتصحيحها.
3) ترجم ثابت بن قرة لبنى موسى عدداً كبيراً من الأعمال الفلكية والرياضية والطبية
لأبولونيوس وأرشميدس وإقليدس وتيودوسيوس وأرستوطاليس وأفلاطون وجالينوس وأبوقراط وبطلميوس. كما أنه صحح ترجمات حنين بن اسحق وولده ثم شرع فى وضع مؤلفات ضخمة له، فوضع 150 مؤلفاً عربياً و 10 مؤلفات باللغة السريانية فى الفلك والرياضيات والطب. فهذا نموذجاً من النماذج المشرقة فى صفحات علم العرب وتقديسهم للعلم.
فهل يصدق أحد العقلاء أن المسلمين قاموا بإحراق مكتبة عظيمة مثل مكتبة الأسكندرية ثم بعد ذلك يتكبد علماؤهم مشقة البحث عن مؤلفات لنفس العلماء الذين حُرِقت كتبهم؟!!!
فهل قابل الغرب هذا بالشكر؟ لا.
فقد طمسوا الهوية العربية حتى لا يظهر الإسلام متلألأً وسط الظلام الذى فرضه قساوسة وأساقفة وباباوات الدين النصرانى على كل من أتى بحقيقة علمية تخالف الكتاب المقدس وتُظهر جهل من ألَّفوه.
فقد أسموْ الخوارزمى “ألجوريزموس” Algorizmus وأسموْ ابن سينا “أريستوفوليس” Aristofolis أو Avicienne وأسموْ ابن رشد “أفيروس” Averoes
ونختتم هذا الرد بقول ألدوميلى Aldo Mieli فى كتابه القيِّم: “العلم عند العرب”:
“فى القرن الأول من خلافة العباسيين [بداية القرن الثامن] كان المترجمون (من الأغريقية إلى السريانية ، ومن السريانية إلى العربية) هم الذين يحتلون المرتبة الأولى – على وجه الخصوص – من النشاط العلمى” وكان من بين هؤلاء العلماء والمترجمين نصارى ويهود احتضنتهم قصور الخلافة نفسها. فلا يُعقل أن نحرق كتبهم ونبيد علومهم ثم نحتضن علماءهم. ومن أمثال هؤلاء العلماء تيوفيل بن توما الرهاوى وهو مسيحى مارونى توفى عام 785 م، وجرجس بن جبريل بن بختيشوع المتوفى عام 771 م ، وكذلك أبى يحيى البطريق المتوفى عام 800 م ، (صفحة 184 من شمس العرب تشرق على الغرب).
( نقلا عن شبكة بن مريم الإسلامية )
الشبهة الثامنة : يحتج النصارى ببعض الحجج الواهية على صحة ما هم عليه :
- منها أنهم قالوا: إن القرآن الكريم ورد بأن عيسى عليه السلام روح الله تعالى وكلمته ، وهو اعتقادنا .
والجواب من وجوه أحدها: أن من المحال أن يكون المراد الروح والكلمة على ما تدعيه النصارى ، وكيف يليق بأدنى العقلاء أن يصف عيسى عليه السلام بصفة ، وينادي بها على رؤوس الأشهاد ، ويطبق بها الآفاق ، ثم يكفر من اعتقد تلك الصفة في عيسى عليه السلام ويأمر بقتالهم وقتلهم وسفك دمائهم وسبي ذراريهم ، وسلب أموالهم ، وهذا برهان قاطع على أن المراد على غير ما فهمه النصارى.
ثانيها: أن الروح اسم الريح الذي بين الخافقين يقال لها : ريح وروح لغتان ، وكذلك في
الجمع رياح وأرواح ، واسم لجبريل عليه السلام وهو المسمى بروح القدس ، والروح اسم للنفس المقومة للجسم الحيواني ، والكلمة اسم للفظة المفيدة من الأصوات .
وتطلق الكلمة على الحروف الدالة على اللفظة من الأصوات ، ولهذا يقال : هذه الكلمة خط حسن ومكتوبة بالحبر ، وإذا كانت الروح والكلمة لهما معان عديدة فعلى أيهما يحمل هذا اللفظ ؟ وحمل النصراني اللفظ على معتقده تحكم بمجرد الهوى المحض .(2/296)
وثالثهما :وهو الجواب بحسب الاعتقاد لا بحسب الإلزام ، أن معنى الروح المذكور في القرآن الكريم في حق عيسى عليه السلام هو الروح الذي بمعنى النفس المقوم لبدن الإنسان ، ومعنى نفخ الله تعالى في عيسى عليه السلام من روحه أنه خلق روحا نفخها فيه ، فإن جميع أرواح الناس يصدق أنها روح الله ، وروح كل حيوان هي روح الله تعالى ، فإن الإضافة في لسان العرب تصدق حقيقة بأدنى الملابسة ، كقول أحد حاملي الخشبة لآخر : شل طرفك يريد طرف الخشبة ، فجعله طرفا ، للحامل ، ويقول : طلع كوكب زيد إذا كان نجم عند طلوعه يسري بالليل ، ونسبة الكوكب إليه نسبة المقارنة فقط ، فكيف لا يضاف كل روح إلى الله تعالى، وهو خالقها ومدبرها في جميع أحوالها ؟ وكذلك يقول بعض الفضلاء لما سئل عن هذه
الآية فقال : نفخ الله تعالى في عيسى عليه السلام روحا من أرواحه ، أي جميع أرواح الحيوان أرواحه ، وأما تخصيص عيسى عليه السلام ، وعلو منزلته بذكر الإضافة إليه ، يقال : كما قال
تعالى :{وما أنزلنا على عبدنا}. .{إن عبادى ليس لك عليهم سلطن}مع أن الجميع عبيده ، وإنما التخصيص لبيان منزلة المخصص ، وأما الكلمة فمعناها أن الله تعالى إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون ، فما من موجود إلا وهو منسوب إلى كلمة كن ، فلما أوجد الله تعالى عيسى عليه السلام
قال له : كن في بطن أمك فكان ، وتخصيصه بذلك للشرف كما تقدم ، فهذا معنى معقول متصور ليس فيه شئ كما يعتقده النصارى من أن صفة من صفات الله حلت في ناسوت المسيح عليه السلام ، وكيف يمكن في العقل أن تفارق الصفة الموصوف ، بل لو قيل لأحدنا : إن
علمك أو حياتك انتقلت لزيد لأنكر ذلك كل عاقل ، بل الذي يمكن أن يوجد في الغير مثل الصفة ، وأما أنها هي في نفسها تتحرك من محل إلى محل فمحال لأن الحركات من صفات الأجسام ، والصفة ليست جسما ، فإن كانت النصارى تعتقد أن الأجسام صفات ، والصفات أجسام ، وأن أحكام المختلفات وإن تباينت شئ واحد سقطت مكالمتهم ، وذلك هو الظن بهم ؛ بل يقطع بأنهم أبعد من ذلك عن موارد العقل ومدارك النظر ، وبالجملة فهذه كلمات عربية في كتاب عربي ، فمن كان يعرف لسان العرب حق معرفته في إضافة وتعريفاته وتخصيصاته ، وتعميماته ، وإطلاقاته وتقييداته ، وسائر أنواع استعمالاته فليتحدث فيه ويستدل له ، ومن ليس كذلك فليقلد أهله العلماء به ، ويترك الخوض فيما لا يعنيه ولا يعرفه .
- ومنها : أنهم قالوا في الكتاب العزيز إنه : {وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة}.
والجواب:
أن الذين اتبعوه ليسوا النصارى الذين اعتقدوا أنه ابن الله ، وسلكوا مسلك هؤلاء الجهلة ، فإن اتباع الإنسان موافقته فيما جاء به وكون هؤلاء المتأخرين اتبعوه محل النزاع ، بل متبعوه هم الحواريون ، ومن تابعهم قبل ظهور القول بالتثليث ، أولئك هم الذين رفعهم الله في الدنيا والآخرة ، ونحن إنما نطالب هؤلاء بالرجوع إلى ما كان أولئك عليه فإنهم قدس الله أرواحهم آمنوا بعيسى وبجملة النبيين صلوات الله عليهم أجمعين ، وكان عيسى عليه السلام بشرهم بمحمد – صلى الله عليه وسلم - ، فكانوا ينتظرون ظهوره ليؤمنوا به عليه السلام ، وكذلك لما ظهر عليه السلام جاءه أربعون راهبا من نجران فتأملوه فوجدوه فهو الموعود به في ساعة واحدة بمجرد النظر والتأمل لعلاماته ، فهؤلاء هم الذين اتبعوه وهم المرفوعون ، وأما هؤلاء النصارى فهم الذين كفروا به مع من كفر ، وجعلوه سببا لانتهاك حرمة الربوبية بنسبة المقدس عن صفات البشر إلى الصاحبة والولد الذي ينفر منها أقل رهبانهم ، حتى أنه قد ورد أن الله تعالى إذا قال لعيسى عليه السلام يوم القيامة :{ءأنت قلت للناس اتخذونى وأمي إلهين من دون الله }. يسكت أربعين سنة خجلا من الله تعالى حيث جعل سببا للكفر به ، وانتهاك حرمة جلاله ، فخواص الله تعالى يألمون ويخجلون من اطلاعهم على انتهاك الحرمة ، وإن لم يكن لهم فيها مدخل ولا لهم فيها تعلق ، فكيف إذا كان لهم فيها تعلق من حيث الجملة ، ، فما آذى أحد عيسى عليه السلام ما آذته هؤلاء النصارى ، ونسأل الله العفو والعافية بمنه وكرمه .
5- ومنها:أنهم قالوا : إن القرآن الكريم شهد بتقديم بيع النصارى وكنائسهم على مساجد المسلمين بقوله تعالى : {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا}فقد جعل الصوامع والبيع مقدمات على المساجد ، وجعل فيها ذكر الله كثيرا ، وذلك يدل على أن النصارى على حق
والجواب : من وجوه
أحدها: أن المراد بهذه الآية أن الله تعالى يدفع المكاره عن الأشرار بوجود الأخيار ، فيكون وجود الأخيار سببا لسلامة الأشرار من الفتن والمحن ، فزمان موسى عليه السلام يسلم فيه أهل الأرض من بلاء يعمهم بسبب من فيه من أهل الاستقامة على الشريعة الموسوية ، وزمان عيسى عليه السلام يسلم فيه أهل الاستقامة على الشريعة العيسوية ، وزمان محمد –صلى الله عليه وسلم - يسلم فيه أهل الأرض بسبب من فيه من أهل الاستقامة على الشريعة المحمدية ، وكذلك سائر الأزمان الكائنة بعد الأنبياء عليهم السلام ، كل من كان مستقيما على الشريعة الماضية هو سبب لسلامة البقية ، فلولا أهل الاستقامة في زمن موسى عليه السلام لم يبق صوامع يعبد الله تعالى فيها على الدين الصحيح لعموم الهلاك ، فينقطع الخير بالكلية ، وكذلك في سائر الأزمان ، فلولا أهل الخير في زماننا لم يبق مسجد يعبد الله فيه على الدين الصحيح ، ولغضب الله تعالى على أهل الأرض .(2/297)
والصوامع أمكنة الرهبان في زمن الاستقامة حيث يعبد الله تعالى فيها على دين صحيح ، وكذلك البيعة والصلاة والمسجد ، وليس المراد هذه المواطن إذا كفر بالله تعالى فيها وبدلت شرائعه ، وكانت محل العصيان والطغيان لا محل التوحيد والإيمان ، وهذه المواطن في أزمنة الاستقامة لا نزاع فيها ، وإنما النزاع لما تغيرت أحوالها ، وذهب التوحيد وجاء التثليث وكذبت الرسل والأنبياء عليهم السلام ، وصار ذلك يتلى في الصباح والمساء ، حينئذ هي أقبح بقعة على وجه الأرض وألعن مكان يوجد ، فلا تجعل هذه الآية دليلا على تفضيلها .
وثانيها:أن هذه الآية تقتضي أن المساجد أفضل بيت عند الله تعالى على عكس ما قاله هؤلاء الجهال بلغة العرب ، وتقريره أن الصنف القليل المنزلة عند الله تعالى أقرب للهلاك من العظيم المنزلة ، والقاعدة العربية أن الترقي في الخطاب إلى الأعلى فالأعلى أبدا في المدح والذم والتفخيم ، والامتنان ؛ فتقول في المدح : الشجاع البطل ، ولا تقول : البطل الشجاع ، لأنك تعد راجعا عن الأول ، وفي الذم: العاصي الفاسق ، ولا تقول: الفاسق العاصي ، وفي التفخيم : فلان يغلب الألف والمائة ، وفي الامتنان لا أبخل عليك بالدرهم ولا بالدينار ، ولا يقول بالدينار والدرهم ، والسر في الجميع أنك تعد راجعا عن الأول كقهقرتك عما كنت فيه إلى ما هو أدنى منه ، إذا تقرر ذلك ظهرت فضيلة المساجد ومزيد شرفها على غيرها ، وإن هدمها أعظم من تجاوز ما يقتضي هدم غيرها ، كما نقول : لولا السلطان لهلك الصبيان والرجال والأمراء ، فترتقي أبدا للأعلى فالأعلى لتفخيم أمر عزم السلطان ، وإن وجوده سبب عصمة هذه الطوائف ، أما لو قلت: لولا السلطان لهلك الأبطال والصبيان لعد كلاما متهافتا .
وثالثها:أن الآية تدل على أن المساجد أفضل بيت وضع على وجه الأرض للعابدين من وجه آخر ، وذلك أن القاعدة العربية أن الضمائر إنما يحكم بعودها على أقرب مذكور ، فإذا قلت : جاء زيد ، وخالد ، وأكرمته فالإكرام خاص بخالد ، لأنه الأقرب فقوله تعالى:{يذكر فيها اسم الله كثيرا}. يختص بالأخير الذي هو المساجد ، فقد اختصت بكثرة ذكر الله تعالى ، وهو يقتضي أن غيرها لم يساوها في كثرة الذكر ، فتكون أفضل ، وهو المطلوب .
- ومنها: أنهم قالوا : القرآن دل على تعظيم الحواريين والإنجيل ، وأنه غير مبدل بقوله تعالى:{وأنزلنا إليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب }. وإذا صدقها لا تكون مبدلة ، ولا يطرأ التغيير عليها بعد ذلك لشهرتها في الأعصار والأمصار ، فيعذر تغيرها ، ولقوله تعالى في القرآن :{الَمَ * ذلك الكتب لا ريب فيه هدى للمتقين }. والكتاب هو الإنجيل لقوله تعالى: {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءو بالبينات والزبر والكتب المنير }. والكتاب ها هنا هو الإنجيل ، ولأنه تعالى لو أراد القرآن لم يقل ذلك ؛ بل قال هذا ، ولقوله تعالى: {ءامنت بما أنزل الله من كتب }.
والجواب:أن تعظيم الحواريين لا نزاع فيه ، وأنهم من خواص عباد الله الذين اتبعوا عيسى عليه السلام ، ولم يبدلوا ، وكانوا معتقدين لظهور نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- في آخر الزمان ، على ما دلت عليه كتبهم وإنما كفر وخالف الحادثون بعدهم : وأما تصديق القرآن لما بين يديه فمعناه : أن الكتب المتقدمة عند نزولها قبل تغييرها وتخبيطها كانت حقا موافقة للقرآن ، والقرآن موافق لها ، وليس المراد الكتب الموجود اليوم فإن لفظ التوراة والإنجيل إنما ينصرفان إلى المنزلين .
وأما قوله تعالى : { ذلك الكتب } ، وأنه المراد به الإنجيل : فمن الافتراء العجيب والتخيل الغريب ، بل أجمع المسلمون قاطبة على أن المراد به القرآن ليس إلا ، وإذا أخبر الناطق بذا اللفظ ، وهو رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن المراد هذا الكتاب ، كيف يليق أن يحمل على غيره ، فإن كل أحد مصدق فيما يدعيه في قول نفسه إنما ينازع في تفسير قول غيره ، إن أمكنت منازعته ، وأما الإشارة بذلك التي اغتر بها هذا السائل فاعلم أن للإشارة ثلاثة أحوال : ذا للقريب ، وذاك للمتوسط ، وذلك للبعيد ، لكن البعد والقرب يكون تارة بالزمان وتارة بالمكان ، وتارة بالشرف ، وتارة بالاستحالة ، ولذلك قالت زليخا في حق يوسف عليه السلام بالحضرة: وقد قطعن أيديهن من الدهش بحسنه ، {فذلكن الذي لمتننى فيه }، إشارة لبعده عليه السلام في شرف الحسن ، وكذلك القرآن الكريم لما عظمت رتبته في الشرف أشير إليه بذلك ، وقد أشير إليه بذلك لبعد مكانه ، لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ ، وقيل: لبعد زمانه لأنه وعد به في الكتب المنزلة قديما ، وأما قوله تعالى :{جاءو بالبينت والزبر والكتاب المنير *}.
فاعلم : أن اللام في لسان العرب تكون لاستغراق الجنس نحو حرم الله الخنزير والظلم ، وللعهد نحو قولك لمن رآك أهنت رجلا : أكرمت الرجل بعد إهانته ، ولها محامل كثيرة ليس هذا موضعها فتحمل في كل مكان على ما يليق بها ، فهي في قوله تعالى : { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } للعهد ، لأنه موعود به مذكور على ألسنة الأنبياء عليهم السلام ، فصار معلوما فأشير إليه بلام العهد وهي في قوله تعالى : {بالبينت والزبر والكتاب } للجنس ، إشارة إلى جميع الكتب المنزلة المتقدمة ، ولا يمكن أن يفهم القرآن الكريم إلا من فهم لسان العرب فهما متقنا ، وقوله تعالى لنبيه عليه السلام ، فهو أمر له بأن يقول : {ءامنت بما أنزل الله من كتاب } . فالمراد الكتب المنزلة لا المبدلة ، وهذا لا يمتري فيه عاقل ، ونحن ننازعهم في أن ما بأيديهم منزلة ، بل هي مبدلة مغيرة في غاية الوهن والضعف ، وسقم الحفظ ، والرواية والسند بحيث لا يوثق بشئ منها .(2/298)
ومنها : أنهم قالوا : إن الله تعالى أخبر خبرا جازما أنا نؤمن بعيسى عليه السلام بقوله تعالى : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به قبل موته }. فكيف نتبع من أخبر الله تعالى عنه أنه شاك في أمره بقوله تعالى :{وإنا أو إياكم لعلى هدى أو ضلال مبين } وأمره في سورة الفاتحة أن يسأل الهداية إلى صراط مستقيم { صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} والمنعم عليهم هم النصارى ، والمغضوب عليهم اليهود ، والضالون عبدة الأصنام .
والجواب: أن النصارى لما لعبوا في كتابهم بالتحريف والتخليط صار ذلك لهم سجية ، وأصبح الضلال والإضلال لهم طوية ، فسهل عليهم تحريف القرآن ، وتغيير معانيه لأغراضهم الفاسدة ، والقرآن الكريم برئ من ذلك .
وأما قوله تعالى :{وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به قبل موته }ففيه تفسيران :
أحدهما: أن كل كافر إذا عاين الملائكة عند قبض روحه ساعة الموت ظهر له منهم الإنكار عليه بسبب ما كان عليه من الكفر ، فيقطع حينئذ بفساد ما كان عليه ، ويؤمن بالحق على ما هو عليه ، فإن الدار الآخرة لا يبقى فيها تشكك ولا ضلال ، بل يموت الناس كلهم مؤمنين موحدين على قدم الصدق ومنهاج الحق ، وكذلك يوم القيامة بعد ا لموت ، لكنه إيمان لا ينفع ولا يعتد به ، وإنما يقبل الإيمان من العبد حيث يكون متمكنا من الكفر ، فإذا عدل عنه وآمن بالحق كان إيمانه من كسبه وسعيه ، فيؤجر عليه ، أما إذا اضطر إليه ، فليس فيه أجر فما من أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن بنبوة عيسى عليه السلام وعبوديته لله تعالى قبل موته ، لكن قهرا لا ينفعه في الخلوص من النيران وغضب الديان .
التفسير الثاني: أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان عند ظهور المهدي بعد أن يفتح المسلمون القسطنطينية من الفرنج ،فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ، ولا يبقى على الأرض إلا المسلمون ، ويستأصل اليهود بالقتل ويصرح بأنه عبد الله ونبيه، فتضطر النصارى إلى تصديقه حينئذ لإخباره لهم بذلك ، وعلى التفسيرين ليس فيه دلالة على أن النصارى الآن على خير .
وأما قوله تعالى :{ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } فهو من محاسن القرآن الكريم ، لأنه من تلطف الخطاب وحسن الإرشاد ، فإنك إذا قلت لغيرك أنت كافر فآمن ، ربما أدركته الأنفة فاشتد إعراضه عن الحق ، فإذا قلت له : أحدنا كافر ينبغي أن يسعى في خلاص نفسه من عذاب الله تعالى ، فهلم بنا نبحث عن الكافر منا فنخلصه ، فإن ذلك أوفر لداعيته في الرجوع إلى الحق والفحص عن الصواب ، فإذا نظر فوجد نفسه هو الكافر فر من الكفر من غير منافرة منك عنده ، ويفرح بالسلامة ، ويسر منك بالنصيحة ، هكذا هذه الآية سهلت الخطاب على الكفار ليكون ذلك أقرب لهدايتهم ، ومنه قول صاحب فرعون المؤمن لموسى عليه السلام : { يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جآءنا } إلى قوله : { وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم } فخصهم أولا بالملك والظهور لتنبسط نفوسهم مع علمه بأنه وبال عليهم ، وسبب طغيانهم ، ولم يجزم في ظاهر اللفظ بصدق موسى عليه السلام مع قطعه بصدقه ، بل جعله معلقا على شرط ، لئلا ينفرهم فيحتجبوا عن الصواب ، فكل من صح قصده في هداية الخلق سلك معهم ما هو أقرب لهدايتهم ، وكذلك قوله تعالى لموسى وهارون في حق فرعون :{ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى } وقوله لمحمد صلوات الله عليهم أجمعين :{ ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك}.وقوله :{ *ولا تجادلوا أهل الكتب إلا بالتي هي أحسن } فهذا كله من محاسن الخطاب لا من موجبات الشك والارتياب ، وأما أمره تعالى لمحمد عليه السلام ولأمته بالدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم ، فلا يدل على عدم حصول الهداية في الحال ، لأن القاعدة اللغوية أن الأمر والنهي والدعاء والوعد والوعيد والشرط وجزاءه إنما يتعلق بالمستقبل من الزمان دون الماضي والحاضر ، فلا يطلب إلا المستقبل ، لأن ما عداه قد تعين وقوعه ، أو عدم وقوعه ، فلا معنى لطلبه والإنسان باعتبار المستقبل لا يدري ماذا قضي عليه ، فيسأل الهداية في المستقبل ليأمن من سوء الخاتمة ، كما أن النصراني إذا قال : اللهم أمتني على ديني ، لا يدل على أنه غير نصراني وقت الدعاء ، ولا أنه غير مصمم على صحة دينه ، وكذلك سائر الأدعية ، وأجمع المسلمون والمفسرون على أن المغضوب عليهم اليهود ، وأن الضالين النصارى . ((مختصر مهذب من رسالة (الأجوبة الفاخرة) للقرافي إعداد سليمان بن صالح الخراشي نقلا عن موقع صيد الفوائد))
الشبهة التاسعة :-
كيف يحكي القرآن عن إسراء النبى-صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى مع أن المسجد الاقصى قد بني بعد النبى-صلى الله عليه وسلم- بنحو مئة سنة .
الجواب :
أولاً : إن مفهوم المسجد الأقصى في الفكر الإسلامي ليس مقصود به ما فهمه المعترض . فإن مفهوم المسجد هو أن الأقصى ثاني مسجد بني على الأرض عندما أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض, و المسجد الحرام بني قبله بأربعين عاما كما جاء في حديث مسلم عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال : (( قلت: يا رسول الله: أي مسجد وُضع في الأرض أول؟ قال : "المسجد الحرام". قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى". قلت: كم بينهما؟ قال : "أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد" )). ولهذا فتسمية ذلك المكان بالمسجد الأقصى في القرآن الكريم تسمية قرآنية اعتبر فيها ما كان عليه من قبل، لأن حكم المسجدية لا ينقطع عن أرض المسجد. فالتسمية باعتبار ما كان، وهي إشارة خفية إلى أنه سيكون مسجداً بأكمل حقيقة المساجد .
ثانياً : ما معنى كلمة مسجد ؟(2/299)
إن كلمة مسجد اسم مكان لمكان السجود ، والسجود جاء في كل الرسالات ، وهناك فرق بين الشيىء حينما يستعمل وصفاً اشتقاقياً ، وبين أن يستعمل علماً ، وهل كلمة مسجد بقيت علماً عندنا على المكان الخاص به ، إنما المسجد هو كل مكان يسجد فيه لله سبحانه وتعالى ، وهم اتخذوه أيضاً مسجداً لله ، بدليل قوله سبحانه وتعالى : (( يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الراكعين )) [ آل عمران : 42 ] فكأن السجود موجود في كل الرسالات كلها ، وأيضاً يقص علينا سبحانه وتعالى قصة أهل الكهف فيقول : (( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا )) الآية 21 . فكأن كلمة المسجد لم تأت ابتداء مع الإسلام ، إنما شاع استعمالها في هذه الأماكن مع الإسلام ، وإلا فكل مكان يسجد لله فيه يكون مسجداً ، ونجد أنه كان في اليهودية سجود مصداقا لقوله تبارك وتعالى لبني إسرائيل (( وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا )) فعندما حدثت حادثة الإسراء لم يكن بهذا المكان بناء معروف بالمسجد الأقصى، وإنما كان المكان الموجود بين أسوار الحرم الشريف بالقدس مكانا مخصصاً لعبادة الله سبحانه وتعالى، ولم يكن مسجدا بالمعنى المفهوم حاليا، وإنما سمي بالمسجد لأنه مكان العبادة .
وقد حدث الإسراء والمعراج بالنبي صلى الله عليه وسلم وكان المكان ما زال خالياً من أي بناء، إلا أنه محاط بسور فيه أبواب داخله ساحات واسعة هي المقصودة بالمسجد الأقصى في قوله ـ تعالى ـ: { سٍبًحّانّ الذٌي أّسًرّى بٌعّبًدٌهٌ لّيًلاْ مٌَنّ المّسًجٌدٌ الحّرّامٌ إلّى المّسًجٌدٌ الأّقًصّا الذٌي بّارّكًنّا حّوًلّهٍ لٌنٍرٌيّهٍ مٌنً آيّاتٌنّا إنَّهٍ هٍوّ السَّمٌيعٍ البّصٌيرٍ } [الإسراء: 1]
نقلا عن موقع http://albawabaforums.com))/))
الشبهة العاشرة :-
قولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم أعفى لحيته لعدم وجود حلاقين في زمنه، وبأن اللحية تجعل منظر الإنسان غير جميل؟ وهل هناك صورة للنبي عليه الصلاة والسلام تثبت أنه أعفى لحيته؟
والجواب
القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعفى اللحية لعدم وجود الحلاق قول غير صحيح، لوجود الحلاقة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن أنس قال: رأيت رسول صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر" وفي الصحيحين عن كعب بن عجرة أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم محرماً فقمل رأسه ولحيته، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فدعا الحلاق فحلق رأسه " الحديث.
وتأمل هذا الحديث فإنه حلق رأسه ولم يحلق لحيته.
وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحية وأكد ذلك، وهذا الأمر موجه إلى كل رجل إلى قيام الساعة، ولا توجد صورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لنهيه عن التصوير والإنكار الشديد على فاعله. لكن من أراد أن يقف على وصف دقيق له صلى الله عليه وسلم فهذا موجود في كتب السنة والسيرة .
أما قول القائل: لا فائدة من إعفاء اللحية لأنه يجعلك في منظر غير منظم، فهذا منكر من القول عظيم، فإعفاء اللحية واجب بدلائل الأحاديث الصحيحة، فكيف يقال عن أمر واجب إنه لا فائدة فيه، وهل تأتي الشريعة بإيجاب العبث؟! والاستهزاء باللحية أو التنقص منها استهزاء بشعيرة من شعائر الإسلام، وواجب من واجباته، فيخشى على صاحبه الانسلاخ من الإسلام والخروج منه. والواجب على المسلم أن يمسك لسانه عن القدح في أي أمر من الدين، ولوكان سنة من السنن، فإن عجز عن التطبيق والعمل فليستغفر الله دون اعتراض أو سخرية
(( مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه الشبكة الإسلامية ))
الفهرس
م
الموضوع
الصفحة
مقدمة ................................................................................................
منهج النصارى في الشبهات عن الإسلام ..............................................................
الباب الأول : شبهات النصارى حول القرءان الكريم...................................................
الفصل الأول الشبهات المتعلقة بصحة القرآن وثبوته .................................................
الشبهة الأولى : القدح فى صحة القرءان ..............................................................
الشبهة الثانية : القدح فى مصدر القرءان ............................................................
الشبهة الثالثة : حول ثبوته ...........................................................................
الشبهة الرابعة : حول ما ظاهره التعارض فى القرءان الكريم .........................................
الشبهة الخامسة : الزعم بوجود الخطأ في القرآن .....................................................
الشبهة السادسة : الزعم بوجود مبالغات في القرآن ....................................................
الشبهة السابعة : حول إعجاز القرآن الكريم ...........................................................
الشبهة الثامنة : نزول القرءان فى ثوب عائشة ........................................................
الشبهة التاسعة : مصادر القرآن الكريم " تأليف محمد ص .............................................
الفصل الثانى الشبهات اللغوية حول القرءان .........................................................
الباب الثانى : شبهات النصارى حول السُنَّة ..........................................................(2/300)
الفصل الأول:الشبهات المتعلقة بشخص النبى- صلى الله عليه وسلم - ..............................
الشبهة الأولى : ما ذكروه من أن النبي كان يستقبل زائريه وهو لابس ثوب زوجته ...................
الشبهة الثانية : كيف سحر النبى صلى الله عليه وسلم .................................................
الشبهة الثالثة : تحت عنوان : ( عرياناً يجر ثوبه ) ...................................................
الشبهة الرابعة :- حديث اكشفي عن فخذيك ...........................................................
الشبهة الخامسة :-شبهة مباشرة رسول الله لزوجته وهى حائض ......................................
الشبهة السادسة : شبهة قراءة النبى (ص) للقرءان فى حجر عائشة و هى حائض ......................
الشبهة السابعة :- شبهة أن رسول الله (ص) طلق سودة لأنها أسنت ..................................
الشبهة الثامنة :- شبهة موت الرسول صلى الله عليه وسلم متأثرا بسم الشاة ...........................
الشبهة التاسعة : هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينسى ؟؟ ....................................
الشبهة العاشرة : حول شرب الرسول صلى الله عليه وسلم للنبيذ !! .................................
الشبهة الحادية عشرة : ماتت فاضطجع معها !! ......................................................
الشبهة الثانية عشرة : زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة أم المؤمنين ...................
الشبهة الثالثة عشرة : محاولة النبى (صلى الله عليه وسلم) الانتحار...................................
الشبهة الرابعة عشرة:ما هي حقيقة زواج رسول الله(صلَّى الله عليه وسلم)من زوجة زيد بن حارثة ؟....
الشبهة الخامسة عشر والسادسة عشرة: ومن الشبهات التي أثيرت حول شخصه الكريم ، أنه ميّال للنساء ، منشغل بهن ، وقد أكثر منهنّ حتى بلغن إحدى عشرة زوجة .........................................
الفصل الثانى : الشبهات المتعلقة بأحاديث النبى صلى الله عليه وسلم ................................
الشبهة الأولى : كيف تستأذن الشمس وتسجد تحت العرش ؟ ..........................................
الشبهة الثانية : هل للشيطان ضراط وكيف يحدث هذا ؟ ..............................................
الشبهة الثالثة : رواية الحمار يعفور ..................................................................
الشبهة الرابعة : حديث أبوال الابل وألبانها ...........................................................
الشبهة الخامسة : حول حديث غمس الذباب في الإناء .................................................
الشبهة السادسة : رضاع الكبير ......................................................................
الباب الثالث : شبهات النصارى حول أحكام الشريعة .................................................
الفصل الاول : شبهات متعلقة بالمرأة ................................................................
الشبهة الاولى : لماذا شرع الإسلام الطلاق ؟؟ ........................................................
الشبهة الثانية : أحوال النساء في الجنة ................................................................
الشبهة الثالثة : ليس للمراة مكانة فى الإسلام ..........................................................
الشبهة الرابعة : الميراث بين الرجل والمرأة في الإسلام ..............................................
الشبهة الخامسة : لماذا لا يتزوج غير المسلم بالمسلمة ................................................
الفصل الثانى : شبهات عامة .........................................................................
الشبهة الأولى : حد الردة في الإسلام .................................................................
الشبهة الثانية : نصراني يسأل عن حكم الجزية في الاسلام ............................................
الشبهة الثالثة : مالحكمة من الحج ؟؟ .................................................................
الشبهة الرابعة : أن الإسلام لو كان دين حق لتمسك به أبناؤه ..........................................
الشبهة الخامسة : أنهم يؤمنون بعيسى والمسلمون يؤمنون به فلابد أنهم على حق ......................
الشبهة السادسة : هل انتشرالإسلام بالسيف ...........................................................
الشبهة السابعة : من الذي أحرق مكتبة الاسكندرية ؟؟ .................................................
الشبهة الثامنة : يحتج النصارى ببعض الحجج الواهية على صحة ما هم عليه .........................
الشبهة التاسعة : إسراء النبى-صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى .............................
الشبهة العاشرة : إن النبي صلى الله عليه وسلم أعفى لحيته لعدم وجود حلاقين ........................
================
سياسة التطهير الطائفي في جنوب العراق
الأسباب - الآثار - المعالجات
بقلم
عبدالله الرشيد
البصرة 1427هـ - 2006م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان الا على الظالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله الأمين محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين ..
وبعد ..(2/301)
فهذا تقرير موسع حول ( سياسات التطهير الطائفي في جنوب العراق ) ، يعتمد اسلوب الرصد والتحليل والاحصاء لكشف الحقائق المأساوية التي يتعرض لها سكان البصرة الأصليين من أهل السنة والجماعة ، وقد قام الباحث بجمع مادته من الشبكة العنكبوتية / الانترنيت ، ومن مصادر ميدانية مطلعة وقريبة من الحدث ، وقد جاء متضمناً الفقرات الآتية :-
• مقدمات
المقدمة الأولى : الانقسامات الطائفية وآثارها المستقبلية.
المقدمة الثانية : تحريم القتل بغير حق في الشريعة الاسلامية.
المقدمة الثالثة : مظاهرالانشطار الطائفي في العراق.
المقدمة الرابعة : شيعة العراق.
• أسباب الاحتقان الطائفي في جنوب العراق.
• سياسة التطهير الطائفي في جنوب العراق ( البصرة .. حقائق وأرقام ).
للفترة من الجمعة 5/5/2006م ولغاية لحظة إعداد التقرير في الجمعة 9/6/2006م
• معالجات الاحتقان الطائفي في جنوب العراق.
ملحق : بعض بيانات هيئة علماء المسلمين الخاصة بأحداث البصرة.
أسأل الله العلي العظيم أن يغفر لي ما طغى به قلمي ، وزلت به قدمي ، وأن ينفع بهذا الجهد المتواضع كاتبه وناشره وقارئه إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وهو من وراء القصد ..
abd_alrasheed@yahoo.com
السبت 10/10/2006م
مقدمات
المقدمة الأولى : الانقسامات الطائفية وآثارها المستقبلية
أولا: الإشكالات المفاهيمية
ثانيا: الأشكال التاريخية للانقسامات
ثالثا: الانقسامات الطائفية.. من التجانس إلى التجاوز
اشتدت "الأزمة الطائفية" في العراق، وصارت تؤذن بشر خطير مستطير لن يقتصر على العراق -وحده- بل يتهدد العالم الإسلامي -كله- وخاصة منطقة الخليج وإيران وسوريا ولبنان، وما تركيا وغيرها من ذلك ببعيد. والمعالجات القائمة على ردود الأفعال السريعة لن تغني عن الأمة شيئا؛ ولذلك فإنني أفضل أن أبدأ بمناقشة المفاهيم الأساسية ذات العلاقة بهذه الإشكالية المدمرة، فأقول وبالله التوفيق:
أولا- الإشكالات المفاهيمية:
لعل موضوع "الطائفية" واحد من الموضوعات التي شهدت نوعا من الخلط المفاهيمي والتداخل في المعاني والاصطلاحات الذي لم يزدها إلا غموضا وقد دفع ذلك إلى تأزيمها، بل تفجيرها. وفي سبيل توضيح حقيقة هذا المفهوم لا بد من ممارسة عملية نقد وتفكيك للبنية المفاهيمية التي يمثل مفهوم "الطائفية" جزءا منها وأحد أركانها.
*الطائفة- الطائفية:مفهوم "الطائفية" مفهوم مشتق من جذر متحرك؛ فهو مأخوذ من "طاف يطوف طوافا فهو طائف"؛ فالبناء اللفظي يحمل معنى تحرك الجزء من الكل، دون أن ينفصل عنه، بل يتحرك في إطاره، وربما لصالحه. قال تعالى):فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُل فِرْقَةٍ منْهُمْ طَآئِفَةٌ ليَتَفَقهُواْ فِي الدينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلهُمْ يَحْذَرُونَ (التوبة: 122. وهو أيضا مفهوم يشير إلى عدد قليل من البشر؛ إذ لا يتجاوز -لغة- الألف من الأفراد. ومن ثم فإن هذا المفهوم في جوهره يتضمن فكرة الأقلية العددية الصغيرة المتحركة في إطار الكل، المشدودة إليه، بغض النظر عن دينها أو عرقها أو لغتها... إلخ، فهو مفهوم كمي عددي لا غير؛ لذلك ظل اللفظ يُستخدم ليشير إلى كيانات مختلفة متعددة في خصائصها، ولكن القاسم المشترك بينها هو القلة العددية، فقد أطلق على جملة من المقالات أو الآراء -نسبة إلى ما كانت الأكثرية تتبناه- "طوائف" مثل طائفة المعتزلة وطائفة الشيعة؛ ثم لما حدثت مقالات انقسمت حولها هذه الطوائف في داخلها، سميت بطوائف -أيضا- مثل الإمامية والزيدية ونحوهما، ثم انقسمت هذه بدورها إلى مجموعات سميت "طوائف" كذلك. ولم يبرز هذا المفهوم باعتباره إشكالية أو أزمة إلا في القرنين الأخيرين خاصة، وذلك تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية في ظرف تاريخي معين ساعد على إحداث نوع من التطابق بين الأمراض الداخلية والمؤثرات الخارجية. فالعربي تعامل مع اليهودية والمسيحية والإسلام تعامله مع اختلافات اعتقادية لا تعني المفاصلة والعداء أو تهديد وحدة الكيان، والخروج عنه، أو محاولة الانتماء لكيان آخر خارجه. أو السعي للانفصال عنه فقط بحجة الاختلاف في العقيدة، ومن أقدم النصوص العربية الإسلامية في هذا المجال "وثيقة المدينة".تلك هي أبرز الانقسامات التي شهدها التطور التاريخي العربي إلى ما قبل الحملة الفرنسية على مصر والشام. وكما بين لنا التاريخ، لم تكن هذه الانقسامات عناصر تهديد لوحدة الكيان العربي أو مبررا للتمايز والانفصال والتمزق بين أبنائه، أو وسيلة للاختراق من قبل الآخر؛ فالمسيحيون العرب لم يعلنوا -على سبيل المثال- مناصرة الصليبيِين في حملاتهم على البلاد العربية، ولم يتحالفوا معهم حتى في لحظات انكسار المسلمين.
ثم مُزج مفهوم الطائفة ذات المكون العددي مع مفاهيم أخرى ذات مضمون فكري أو فلسفي أو عرقي أو مذهبي أو ديني، فتحول إلى ما يشبه "المصدر الصناعي" في لغتنا ليفيد معنى الفاعلية الخاصة بالأقلية العددية، والمنفصلة عن فاعلية الأمة، وبذلك أصبح مفهوم الطائفة يستخدم بديلا لمفاهيم الملة والعرق والدين التي كانت سائدة قبل ذلك. واختلطت هذه المفاهيم جميعا في بيئة متأزمة فكريا وسياسيا، مأزومة ثقافيا فأنتجت مفهوم "الطائفية" كتعبير عن حالة أزمة تعيشها مجتمعات عربية وإسلامية تكاد تكون شاملة لمجموع المحيط العربي والإسلامي كله مثل لبنان والعراق واليمن وسوريا والسعودية ودول الخليج وإيران والباكستان وأفغانستان حيث تحول الجزء إلى كل، والبعض إلى كيان مستقل، وأصبحت الطائفية مذهبا وأيديولوجية وهوية حلت محل الهويات الأخرى والانتماءات الأعلى، بل وبدأت تتعالى عليها، وقد تبدي الاستعداد للتقاطع معها، وأخذ موقعها.(2/302)
*الفرقة – المذهبية:يشير مفهوم "الفرقة" -أيضا- إلى الدلالات العددية، وإن كان يؤدي إلى معاني التفرق والانفصال دون تجاوز الجذور، كما أن معنى التفرقة فيه أكثر من الطائفية، وعلى الرغم من ذلك استخدم مفهوم الفرقة في الخبرة الحضارية العربية للدلالة على معان فكرية واعتقادية ومذهبية، فالمسيحية تنقسم إلى فرق، وكذلك الإسلام، ومن ثم فإن هذا المفهوم لا يحمل أية دلالات عرقية أو دلالات تعطي معنى التناقض الكلي أو الخلاف الشامل بين الفرق حتى عند من يشترط قبل ذلك وحدة جامعة تظهر بعدها أنواع من التفرق.إلا أنه في عصور الانحطاط الحضاري تحولت الفرق إلى مذهبيات منفصلة متعارضة متعادية خصوصا بعد الصراع العثماني الصفوي الذي استمر قرابة ثلاثة قرون ونصف. فتحولت الفرق إلى مذهبيات أو أيديولوجيات متناقضة تعمل على تجذير خلافاتها بحيث لا يكون هناك مجال للتلاقي أو الوصال أو التفاعل والتحاور. وقد يحل بعض الكاتبين مفهوم "الفرقة" محل الطائفة ويضفي عليها المعاني ذاتها..
ثانيا- الأشكال التاريخية للانقسامات في الوطن العربي:
إن النظرة الكلية لتاريخ الانقسامات في الوطن العربي تبين لنا أن هناك مرحلتين مختلفتين في تاريخ الانقسامات في هذه الأمة، أولاهما: مرحلة الانقسامات طبقا لمفاعلات داخلية.
وهذه هي المرحة الطبيعية التي تكون خلالها الكيان العربي وتطور، ومن ثم حدثت انقساماته الداخلية طبقا لعوامل ذاتية نابعة من داخله في مضمونها، تلقائية في تأثيرها والتفاعل معها. وأهم هذه الانقسامات:
*الانقسامات المذهبية:يعتبر هذا النوع من الانقسامات تطورا طبيعيا في أي نسق معرفي حيث لا يمكن أن يجتمع الناس على فكرة واحدة بصورة مطلقة، وحيث إن التعدد الفكري بين الناس طبيعي في مصدره، ووظيفي في غايته؛ لذلك كانت الانقسامات المذهبية للأمة الإسلامية بصفة عامة، وفي الكيان العربي بصفة خاصة مسألة لا تقضي على الوحدة، ولا تؤدي إلى التمزق أو التشرذم في ذاتها، وما لم تكن هناك مؤثرات خارجية تعجل بالتمزق أو تسرع به لا يكون لهذه الانقسامات تأثير سلبي.
*الانقسامات المللية:وطبقا لما سبق تأكيده في موضوع الانقسامات المذهبية، فإن الانقسامات إلى ملل في إطار الإيمان بثوابت دينية واحدة كانت أمرا طبيعيا وتطورا تلقائيا، ولم تكن سببا للتمزق أو الانقسام والتشرذم.
وثانيهما: مرحلة الانقسامات طبقا لمفاعلات خارجية. تؤكد دائما أدبيات التكامل والاندماج المجتمعي والوطني على أن الانقسامات الاجتماعية الطبيعية مثل الانقسامات القبلية والإقليمية واللغوية والثقافية والطبقية لا تشكل تهديدا للمجتمع؛ طالما ظلت دون تفعيل في وعي الجماعة، وطالما لم يتطابق محوران للانقسام معا؛ فالانقسام الإقليمي مثلا ما لم يمتزج معه نوع آخر من الانقسامات مثل اللغة أو الدين أو الوضع الاقتصادي لا يمثل تهديدا لتكامل المجتمع واندماج مكونات الأمة.فوجود مجموعة من دين معين في داخل مجتمع من دين آخر لا يمثل تهديدا لتكامل المجتمع في ذاته، وإنما يظهر التهديد عندما تصبح هذه المجموعة ذات لغة مستقلة أيضا، أو تصبح مضطهدة سياسيا أو فقيرة اقتصاديا أو معزولة إقليميا. ولذلك ظلت الانقسامات الطبيعية في الوطن العربي دون تفعيل ودون تأثير حتى النصف الثاني من حياة الدولة العثمانية في طور انحدارها وتدهورها سياسيا وحضاريا، حيث بدأت تتطابق الانقسامات وبدأ يتم التعامل مع العرب كلهم كموضوع للحكم وطرف أدنى، كما بدأ التعامل مع بعض الطوائف العربية كأقليات مورس ضدها نوع من الظلم أو تم تغذية شعورها بأنها مخالفة أو أنها جزء خارج المجتمع أو أن لها وضعا سياسيا خاصا... إلخ. كل تلك السياسات أدت إلى تفجير الشعور الطائفي.ثم جاءت مرحلة النفوذ الأجنبي وادعاء الدول الأوربية -الطامعة في ممتلكات الرجل المريض- أنها حامية لأقليات مسيحية في الشرق العربي، ثم كان الاستعمار والتقسيم وتغذية عوامل وعناصر التفرق وتضخيمها ودفعها لتحتل مقدمة الوعي الثقافي العربي. وكانت ذروة المشكلة في حلولها، سواء الحلول القومية التي بذرت النزعة الذاتية لدى الكيان العربي ضد الدولة العثمانية ولم تستطع أن توقف نمو الشعور القومي بمعانيه الذاتية الخصوصية الضيقة عند حدود العرب، بل نما هذا الشعور وتطور داخل مكونات الأمة العربية، وبدأت تثار قضايا أخرى مثل الفرعونية والفينيقية والبربرية والمارونية والقبطية... إلخ، وقد تمثلت عناصر تفجير الانقسامات في هذه المرحلة في القضايا التالية:(2/303)
*الدينية:سبق تحديد الخطوط العامة لمفهوم الدين، خصوصا في الأديان السماوية الثلاثة حيث تعتبر جميع الأديان السماوية من حيث المصدر وكثير من الأساسيات: دينا موحدا يرجع إلى إبراهيم عليه السلام والحنيفية السمحاء، ولذلك لم يكن البعد الديني محورا أساسيا في بناء المجتمع والتفاعل بين أبنائه اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ولم يكن الدين محورا للاندماج والتكامل الاجتماعي. ولكن مع الممارسات العثمانية في مرحلة انحدار الدولة، ومع تدخل القوى الأوربية بصوره المختلفة: بدأ الدين ينقلب إلى دينية أيديولوجية تنفي الآخر، وتنعزل عنه بصورة أو بأخرى، فبدأت الدولة العثمانية تعامل المسيحيين كأجانب واستغلت الدول الأوربية ذلك وادعت الحماية واستجابت طائفة من المسيحيين ودعت إلى الانفصال. وفي نفس الوقت بدأت القوى السياسية المنتمية إلى المجموع المسلم من العرب تدعو أحيانا إلى رفض الدين وإخراجه من العملية السياسية، أو إلى هيمنة الدين بمفهومه المضيق على مجمل الحياة السياسية. وقبل ذلك لم يكن هناك وجود لمثل هذه الإشكاليات في العقل العربي بنفس الحدة والكيفية، فلم يكن العقل العربي يقيم تطابقا بين الدين والجنس أو الدين والقومية.ولعل تغلغل العقلية اليهودية في إطار الحضارة العربية أدى إلى نوع من التطابق بين الدين والجنس واللغة، بحيث يصبح الإسلام مساويا للعروبة وللعربية، فقد كان العقل العربي قبل ذلك يدرك الحدود والفوارق، ويعلم أن الدين للبشرية، وأن اللغة أداة والجنس ممتد متواصل ولكل حدود ولكل حقوق؛ فحقوق أبناء الرابطة اللغوية والمكانية والعرقية لا تفت فيها حقوق الرابطة الدينية. وقد ظهر -على مر التاريخ- كيف كان الاختيار عندما تعارضت الروابط فلم ينحز المسيحيون العرب لأمثالهم في الدين من الأوربيين في الحروب الصليبية، ولم يستقر حال المسلمين العرب مع ممارسات الدولة العثمانية ضد بعض الطوائف المسيحية ولم يرتضوا ذلك منها. وكذلك ممارساتها ضد المذاهب والطوائف الإسلامية لم تكن موضع رضا العرب عموما... إلخ.
*الأيديولوجية:على الرغم من أن البيئة الفكرية العربية على مر تاريخها قد عرفت العديد من السجالات الفكرية والخلافات المذهبية والاعتقادية، فإنها لم تعرف مفهوم الأيديولوجيا بمدلولاته الفنية، أي تلك البيئة الفكرية المحكمة التي تتسم بقدر من الانفلات والتناقض مع الآخر، وتسعى للهيمنة والتطبيع من خلال مشروع سياسي عام؛ فقد دخلت هذه الأطر الفكرية إلى حيز الثقافة العربية مع ازدياد التواصل بالتيارات الفكرية الأوربية خصوصا الاشتراكية. فقد أدى تبني بعض الأحزاب العربية للعقيدة الماركسية إلى ظهور أطروحات مقصدها نفي الرابطة العربية وتجاوزها للأممية الاشتراكية أو الشيوعية، وفي مقابل ذلك كان لتأثر بعض المفكرين المسلمين بعلماء شبه القارة الهندية الأثر عينه؛ إذ لم ترتبط الدعوات الإصلاحية الإسلامية الأخيرة بالعروبة واعتبارها القاعدة الأساس للأمة الإسلامية مثلما كان الحال عند الكواكبي ورشيد رضا ومحمد عبده والأفغاني ومن سبقهم مثل محمد بن عبد الوهاب والألوسيين في العراق والشوكانيين في اليمن وقبلهم ابن تيمية ومدرسته.
*النخبوية:على الرغم من أن الانقسامات الاجتماعية إلى طبقات أو شرائح مسألة طبيعية في كل المجتمعات الإنسانية وعلى الرغم من أن المجتمع العربي طوال تاريخه كان يعرف مفهوم النخبة أو علية القوم ممثلة بمدارس العلماء، فإن انفصال النخبة عن المجتمع مسألة حديثة لم تبرز إلا مع آثار نهضة محمد علي في مصر حيث أدى ازدواج التعليم إلى بروز نخبة مثقفة على الطريقة الغربية تختلف ثقافتها عن ثقافة عامة الأمة. بصورة تجعل من النخبة طائفة منفصلة عن الأمة لها مصالحها وأهدافها وطموحاتها المستقلة؛ وهو ما أدى إلى عدم تفاعل الجماهير مع المشروعات النخبوية التي طرحت في المرحلة الأخيرة.تلك هي أهم الأشكال التاريخية للانقسامات والانشطارات في الوطن العربي وتلك هي الصور المختلفة للطائفية بمعناها العام أو بمضمونها العام، فماذا عن المستقبل الذي هو جوهر بحثنا وماذا علينا أن نفعل لصيانة هذا المستقبل، أو التأثير الإيجابي فيه، أو توجيهه الوجهة المطلوبة؟.
ثالثا- الانقسامات الطائفية العربية من التجانس إلى التجاوز:بداية ينبغي التأكيد على أن المستقبل بأيدينا الآن، نؤثر فيه ونتأثر به، سواء أدركنا أم لم ندرك، ومن ثم فإن العناصر المشكلة للمستقبل هي أهم الظواهر التي نتفاعل معها الآن.وبالنظر إلى مستقبل الطائفية -في الوطن العربي- نجد أنه يأخذ مسلكين مختلفين، أحدهما:
*دوافع التجاوز:فهناك مجموعة من الدوافع التي تقود إلى التجاوز، أي تجاوز الوحدة إلى التشرذم، والهوية العربية إلى هويات أخرى أصغر منها وجزئية منبثقة عنها أو أكبر متجاوزة لها مثل الإسلامية التعميمية الرافضة للعروبة أو الأممية أو العالمية. وأهم هذه الدواعي:(2/304)
أ- مفهوم الشرق أوسطية الذي بدأ يتحول من اصطلاح في علم السياسة يصف منطقة معينة من موقع آخر إلى حقيقة واقعة يتم الدفع، وبشدة، لتحقيقها في الواقع من خلال طرائق سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية تبلغ حد القهر والفرض.ب- الحلول المعروفة بالأصولية التي تغيب عنها حقائق الواقع وإشكالاته، وتظن إمكان إعادة إنتاج الفترات التاريخية المنصرمة، وتنكر الصيرورة، وتغرق في خيال رومانتيكي ليس له وجود في أرض الواقع. وفي نفس الوقت تجهل السريان الطبيعي للأشياء والصيرورة التاريخية وتأثيرها، وتحلم بأن الرابطة الإسلامية قد تستغني عن الرابطة العربية التي هي جوهر الأمة الإسلامية ومصدر نشأتها ووسيلة حمايتها والحفاظ عليها. فالأمة العربية هي القلب وبدون القلب لا يستطيع الجسد الاستمرار في الحياة.ج- العولمة: خصوصا في تطورها المعاصر الداعي إلى تجاوز الخصوصيات والقضاء عليها ونشر القيم الثقافية الغربية كقيم عالمية. ومن الداعي للتيقظ أن اتجاهات العولمة بدأت تدخل العقل العربي وتعيد بصورة مختلفة اجترار وتكرار تلك الصراعات الفكرية التي عايشتها الساحة العربية خصوصا مع الدعاة الأولين لها أمثال د. طه حسين حين بدأ الدعوة إلى الانخراط في الحضارة اليونانية على أساس أنها العالمية ومن يرثها أيضا هو وريث العالمية. وقد بدأت في الفترة الأخيرة مراكز أبحاث انتشرت في العالم العربي مؤخرا تعمل معظمها على ترويض العقل العربي المسلم لتقبل عملية التنازل عن الخصوصيات وقبول فكرة الذوبان في العولمة رغم إدراك هذه المراكز والقائمين عليها بأن مضمون العولمة السائد: اقتصادي استغلالي وسياسي يكاد يجعله أقرب إلى النزعات الإمبراطورية منه إلى اتجاهات العالمية التي يتطلع البشر إليها.وهي غير عالميتنا الإسلامية العربية التي نبشر بها، لننبه إلى المشترك بين بني الإنسان، وكثرته بالنسبة للخاص في إطار من القيم المطلقة والنظرة الكلية للكون والإنسان والحياة.د- المذهبية القومية التي تريد تكرار التجربة الغربية بكل ملابساتها وظروفها من علمانية وغيرها. متجاهلة خصائص الكيان العربي الإسلامي الذاتية وتجربته التاريخية التي لا يمكن أن تنفك عن الإسلام، حتى بالنسبة للمسيحيين العرب الذي يمثلون جزءا ثقافيا لا يتجزأ من حضارة إسلامية لغير العرب.هـ- تجذير الوطنية الإقليمية وترسيخها في العقل العربي المعاصر من خلال الدفع الفكري والبحثي ومحاولة حفر جذور تاريخية لكيانات قطرية مفتعلة رسمتها خرائط المستعمر أكثر من خصائص الواقع. فنقرأ الآن عن تاريخ دولة قطر أو الشعب البحريني والثقافة العمانية والثقافة العراقية والثقافة السورية والعودة إلى الجذور الفرعونية والفينيقية والبابلية، وكأن هناك جذورا تاريخية منفصلة لهذه الكيانات التي لا يمكن إيجاد صور تاريخية لها خارج إطار النصف الثاني من القرن الحالي.و- النخبوية وتزايد انعزال النخبة العربية عن الجماهير، واتساع الشقة بينها بصورة تجعل كلا منهما يعيش في عالم مختلف عن الآخر بصورة شبه كاملة.
*مسالك التجانس:تتعدد مسالك التجانس وتتسع، ويسهل التعامل معها؛ لأن بقية منها لم تزل كامنة في عقل الأمة وروحها، ومن ثم تصبح يسيرة الاستدعاء سريعة التأثير. وأهم هذه المسالك:
أ- التأكيد على الهوية الحضارية للأمة العربية من خلال التأكيد على المشترك الثقافي والحضاري في تاريخ هذه الأمة. ومن خلال فصل الحضاري عن العقيدي والمذهبي.
ب- الإصلاح الفكري والمعرفي من خلال عمليات نقد وتفكيك لبنية الثقافة العربية وتحليلها بصورة تحدد وبدقة مواطن الخلل وطرائق الإصلاح.
ج- التأكيد على البعد الحضاري للإسلام الذي مثل هوية لمجموع الأمة العربية مسلميها ومسيحييها.
د- التأكيد على أهمية التفاعل الثقافي بين الجماعات الثقافية العربية من مختلف التخصصات وكذلك التفاعل الإعلامي والفني.
هـ- تفعيل دور الجماهير ورفعه ليكون دورا مؤثرا ثم فاعلا ثم أساسيا في إعادة بناء الكيان العربي الواحد مرحلة ضرورية لإعادة بناء الأمة المسلمة.
و- إعادة بناء مؤسسات الأمة، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية أو غيرها. من خلال تكوين أطر اجتماعية مفتوحة نابعة من أدنى، وليس مؤسسات شكلية تضعها حكومات لأغراض استهلاكية.
ز- إعادة بناء العلاقة مع الأطراف التي تأثرت باتجاهات تجاوز وحدة الأمة من طوائف وعناصر تمثل أجزاء من هذا الكيان الواحد.إننا لا بد لنا لتفعيل اتجاهات الوحدة والتوحيد بين مكونات أمتنا الإسلامية ابتداء بالكيان العربي منها: اتخاذ "التأليف" منطلقا أساسا لذلك. ومفهوم التأليف مفهوم قرآني ذو فاعلية حقيقية وعملية كبيرة؛ فهو أقوى بكثير من مفاهيم التقريب أو الوحدة، أولا لقرآنيته وما فيه من إعجاز. ثانيا: لأنه مفهوم يراعي بشكل غاية في الأهمية جميع الخصوصيات، بل يفعلها ليجعل منها جزءا من وسائل التأليف بين القلوب وتجاوز أسباب التنافر وإعطاء تلك الخصوصيات الفاعلية في إطار الكيان الواحد. كما أنه المنطلق الذي تكونت أمتنا به في الماضي، وحفظت به كل مكونات كيان هذه الأمة الاجتماعي على خصوصياتها، وجعلت منها عناصر إيجابية في جدلية التعارف بعد التآلف ثم التعاون.تلك هي أهم النقاط التي تحتاج إلى إعمال عقل وتحاور مستمر، وبصورة دائمة ومفتوحة من جميع الخلفيات والمواقع بغية التعامل مع الطائفية كقضية أمة وليست مشكلة جماعة أو طائفة أو أمة، وليوجد التيار الاجتماعي الفاعل إن شاء الله.
[الانقسامات الطائفية وآثارها المستقبلية ، د.طه جابر العلواني ، موقع هيئة علماء المسلمين ، ملفات سياسية بتاريخ 4/5/2006 بتصرف ].
المقدمة الثانية : تحريم القتل بغير حق في الشريعة الاسلامية(2/305)
زاد القتل في الأمة وانتشرت وسائل القتل وجاء الأعداء من الخارج والداخل لقتل المسلمين تحت ذرائع شتى ما أنزل الله بها من سلطان.
أولاً: التحذير من الفتنة:
1- بتحريم القتل للغير ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق [الأنعام:151]. والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق [الفرقان:68].
2- تحريم قتل النفس يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً [النساء:29].
3- بتحريم الاعتداء حين الأخذ بالحق ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لِوَليِّه سلطاناً فلا يُسرف في القتل إنه كان منصوراً [الإسراء:33].
4- بتعظيم نفس المؤمن ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً [النساء:92].
5- أن القاتل كأنه قتَل الناس جميعا من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً [المائدة:32].
6- بوضع ضوابطه: روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود: ((لا يَحِلُّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه والمفارق للجماعة)).
7- بضرورة الإصلاح بين المتقاتلين وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما [الحجرات:9].
8- قتال من يسعى لقتل المؤمنين فإن بَغَت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي [الحجرات:4]. وفي الحديث المتفق عليه أبي سعيد: ((لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وثمود)). وفي كتاب السنة لابن أبي عاصم عن علي: ((أمرت بقتال المارقين)). المارقون هم الخوارج أبي سعيد: ((تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق)).
9- التحذير من السعي في فتنة القتال: روى أحمد ومسلم عن أبي بكرة: ((إنها ستكون فتن ألا ثم تكون فتن القاعد فيها خير من الماشي)). روى أحمد وابن ماجه عن أُهبان: ((إذا كانت الفتنة بين المسلمين فاتخذ سيفاً من خشب)). ورى ابن ماجه من حديث محمد بن مسلمة: ((إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف فإذا كان كذلك فأت بسيفك أُحداً فاضربه حتى ينقطع ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يدٌ خاطئة أو منيّة قاضية)).
10- بحكاية عواقب القتل: ومن يقتل مؤمناً متعمِّداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له جهنم وساءت مصيراً [النساء:93]. إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون في أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين [المائدة:29]. روى أحمد عن عقبة بن عامر: ((إن الله أبى عليّ فيمن قتل مؤمناً ثلاثاً)). وفي الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود: ((أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)).
وفي الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود: ((سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر)). روى أبو داود أبي الدرداء: ((كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً أو قتل مؤمناً متعمِّداً)).
وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)). روى الترمذي عن أبي سعيد: ((لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لكبّهم الله في النار)). وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر: ((ويحكم لا ترجِعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)). روى أبو داود عن عبادة: ((لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يُصِب دماً حراماً)). روى الترمذي عن ابن عباس: ((يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دماً فيقول: يا رب سَلْ هذا فيم قتلني حتى يدنيه من العرش)).
ثانياً : أسباب القتل
1- عدم الخوف من الله لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين .
2- الحقد والحسد واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك [المائدة:27].
3- الاختلاف في العقيدة الذين قالوا إن الله عَهِد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين [آل عمران:183]. وقال فرعون ذروني أقتل موسى ولْيَدْعُ ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد [غافر:26]. وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه [غافر:28]. عذاب. إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق [البروج:10]. ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا [البقرة:217].
4- زيادة في الفتنة: ((فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه [غافر:25]. وقال الملأ من قوم فرعون أتَذَرُ موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون [الأعراف:127].: وقال فرعون ذروني أقتل موسى ولْيدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد [غافر:26]. قد خسر الذين قتلوا أولادهم سَفَهاً بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراءً على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين [الأنعام:140].
5- بالتأويل، قتال الخوارج للمسلمين – قتل أسامة لذلك الرجل الذي شهد الشهادة عندما همّ أسامة بقتله– وخالد في موقعة أخرى حيث قتل مالك بن نويرة متأولاً إجاباته بأنها ردة عن الإسلام.(2/306)
6- بالحرص على المال: روى مسلم عن أُبي بن كعب: ((يوشك الفرات أن يَحسِر عن جبل من ذهب فإذا سمع به الناس ساروا إليه فيقول من عنده: لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله، قال: فيقتتلون عليه فيُقتل من كل مائة تسعة وتسعون)) وزاد مسلم: ((يقول كل رجل منهم: لعلّي أكون أنا الذي أنجو)). روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة: ((يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً)).
7- بالغضب الشديد.
8- بالسحر.
9- بأمر الأعداء.
10-حب الانتصار والظهور على الآخرين.
11-العادة المُتأصِّلة.
12-الطاعة العمياء.
13-خوف الفضيحة.
14-غياب المفهوم الصحيح للقتال.
وقفات:
- لا تُعن أحداً على القتل روى الترمذي في حديث أبي سعيد: ((لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبّهم الله في النار)).
- أعِدَّ جواباً لمن تريد قتله ((يا رب سل هذا فيم قتلني)).
- لا تلعب بالسلاح في حضرة الآخرين.
- لا تُمازح أحداً بالسلاح: وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة: ((لا يُشِر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعلّ الشيطان ينزع في يده , فيقع في حفرة من النار)). وروى مسلم: ((من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع وإن أخاه لأبيه وأمه)).
- لا تكن جندياً في صفوف الظالمين: روى أحمد والحاكم عن أبي أمامة: ((سيكون في آخر الزمان شرطة يَغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله)). روى ابن حبان من حديث أبي سعيد وأبي هريرة: ((ليأتينّ عليكم أمراء يُقرِّبون شرار الناس ويؤخِّرون الصلاة عن مواقيتها فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفاً ولا شرطيّاً ولا جابياً ولا خازناً)).
- لا تشهد الزور خاصة فيما يؤدي إلى القتل.
- لا تتكلّم فيمن قتل أو قتل إلا بالحق.
- لا تُعرِّض نفسك لما يوجب القتل.
- لا تأخذ بالثأر.
[الحذر من فتنة القتل، مراد القدسي ، موقع المنبر ، رقم المادة العلمية 1231].
المقدمة الثالثة : مظاهرالانشطار الطائفي في العراق
لم يكن للمرء حقيقة أن يلحظ أن ثمة "مشكلا طائفيا حادا" بالعراق إلا في أعقاب دخول الجيوش الأنجلوأمريكية له واستصدار عناصر سيادته وإزاحة شتى أشكال الممانعة (المادية كما الرمزية سواء بسواء) التي كانت تطبع نظام الرئيس صدام حسين وثوت خلف كل مظاهر التحامل عليه لدرجة أضحى أمر إسقاطه "شأنا استراتيجيا" بامتياز.
والواقع أنه لو تم التسليم بوجود "إشكال طائفي" من نوع ما بعراق ما قبل الاحتلال، فإنه لم يكن بالحدة ولا بالقوة (ولا بالراهنية حتى) التي شهدها عقب غزوة مارس وأبريل من العام 2003 على الأقل في ظل أكثر من عقد ونصف حوصر خلالها البلد برا وجوا وبحرا وتم الشروع في الإجهاز على وحدته من خلال ثلاث مناطق حذر جغرافية استشعرنا عبرها من حينه البعد الطائفي الذي يحكم الإستراتيجية الأنجلوأمريكية في التعامل مع "عراق المستقبل".
وإذا كان من التجاوز حقا الالتفاف على التنوع الطائفي الذي طبع ولا يزال يطبع التركيبة الاجتماعية للكيان العراقي منذ نشأته، فإنه من غير المبالغ فيه أيضا الاعتراف بأن إذكاء نعرة الطائفية وتأجيج مداها إلى ما يشبه، منذ مدة، الفلتان الطائفي إنما ثوى خلفها الاحتلال بجعله عنصر المحاصصة ركيزة ترتيباته الحاضرة والمستقبلية لثلاثية "الطائفة والسلطة والثروة" بالعراق:
*فتشكيل "مجلس الحكم" الذي رتب له الحاكم الأمريكي للعراق بول بريمر (شهورا فقط بعد سقوط البلاد تحت الاحتلال) تحكمت في توليفته الروافد الطائفية (والمذهبية والعرقية أيضا) لدرجة بدا معها الأمر كما لو أن القاسم/المفارق المشترك بين العراقيين في تقاسم السلطة إنما هو القاسم الطائفي بداية وبمحصلة المطاف...لم يعمد الاحتلال فقط إلى جعل الطائفية المظهر الأساس للمشهد العراقي العام، بل عمل على شرعنتها لتغدو المعطى الناظم لكل مجريات ما بعد سقوط بغداد. .
*والانتخابات، كما توزيع المناصب كما التعيينات بالإدارات والسفارات وما سواها، حكمتها الخلفية الطائفية واعتمد فيها مبدأ المحاصصة الطائفية كما لو أن لا مقياس آخر بالإمكان على أساسه إفراز نخب سياسية تدير حال العراق تحت الاحتلال أو تفتح له في السبل مستقبلا للتداول السياسي على السلطة كما وعدت بذلك " ديموقراطية الاحتلال".(2/307)
*وتكوين الأحزاب (كما إنشاء المنابر الإعلامية والفضائيات) كما تأسيس الميليشيات (وأعضاء "الجيش العراقي" أيضا) إنما تم بالاحتكام إلى " مبدأ" الطائفية الذي بات مصدر الهوية والانتماء والعنصر المحدد " للتباري على السلطة" وبلوغ " سدة الحكم".لم يقتصر الأمر عند حد اعتماد المحاصصة الطائفية كنمط في تحديد آليات "اللعبة السياسية الجديدة"، بل اتخذت كمرتكز أساس باستحضاره أفرغت العديد من الوزارات والجامعات من كوادرها (لتعوض بمقربين من الطائفة) واعتمدت سياسات في التهجير والتطهير والتصفيات ثوت خلفها ميليشيات لم تعرف منذ احتلال العراق من ولاء إلا ولاء الطائفة والعشيرة أو الحزب المعبر عنهما شكلا وبالمضمون، بل قل إن السقف الطائفي (والمشترك العقائدي) هو الذي أضحى الخيط الناظم " للعملية السياسية" التي ارتضت لنفسها الاشتغال من بين ظهراني الاحتلال وتحت حمايته وعلى هدي من توجيهاته. وعلى هذا الأساس، فإن عنصر الهوية (المرتكز على العروبة والإسلام والانتماء للوطن الواحد) قد تحول ليتخذ له من الركيزة الطائفية المرجعية والفلسفة... والهوية أيضا.ليس من المبالغة في شيء القول بأننا، بالعراق المحتل، إنما بإزاء شرخ في التركيبة الاجتماعية يبرز مشهدها العام كما لو أن الكل بات مع الكل ضد الكل... دونما فارز جوهري اللهم إلا فارز الطائفة أو العشيرة أو القبيلة (أو المذهب الديني) بصورة بدائية قاتمة أو متخذة لها تلوينات سياسية في إطار الحزب أو الجمعية أو الهيئة أو التكتل العقائدي وهكذا... لكنها بالأساس عنصر تناحر وتمنع يتقاتل بموجبها أبناء الوطن على خلفية من الإنتماء البدائي للطائفة أو للعشيرة أو للقبيلة أو لغيرها. إنها (الطائفية أقصد) غدت العزوة بامتياز، بالاتكاء عليها تتحدد موازين القوة وبالركون إليها يؤشر على قوة هذا الطرف أو ذاك. وهو أمر لا يعبر فقط عن ضيق أفق سياسيي "العراق الجدد"، بل وأيضا عن عدم نضجهم السياسي واحتكامهم إلى أشكال في الصراع هي بدائية بكل المقاييس. وإذا كانت الاستراتيجية الأنجلوأمريكية قائمة، في توجهاتها الكبرى على الأقل، على تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث أو أكثر (وهي التي مهدت بالأمس لذلك من خلال مناطق الحذر وتمهد له اليوم عبر تجذير الطائفية لدرجة اعتمدت في توزيع أطياف الهاتف المحمول) فإنها تتخذ من الخاصية الطائفية الغاية والوسيلة وتدفع بجهة إنمائها وتطعيمها لتصبح، بمرور الزمن، أمرا مستساغا، مقبولا ومبررا فضلا عن كل هذا وذاك.
لا تعلن الاستراتيجية إياها ذات الغاية (تماما كالمتشبعين بالطائفية من أبناء العراق)، بل تدفع بها بالمضمر وتشجع أدواتها (الفردية كما الجماعية) حتى تغدو بقوة الأمر الواقع "حالة طبيعية" يقبل بها العراقيون (في ظل الفيديرالية غالبا) كما لو أنها المخرج من حالة "الاحتقان الطائفي" التي لازمت العراق لعقود طويلة... أو هكذا يقال.ليس من الموضوعية في شيء أن ينكر المرء التركيبة الطائفية التي تميز المجتمع العراقي (فهي لازمة تاريخية قائمة)، لكنها كانت ولعهود طويلة مضت أيضا، مصدر تنوع وعنصر تمازج وأداة تواصل بين أبناء العراق. بالتالي، فهي لم تغد عنصر فرقة وممانعة (ومدخلا للتقسيم) إلا في ظل الاحتلال... لكنها لن تفتأ بزوال هذا الأخير أن تعود إلى صورتها الأولى... صورة عنصر التمازج المرتكز على مقومات الحضارة العربية/الإسلامية بتلويناتها المختلفة.وإذا سلم المرء بأن ظاهرة التناحر الطائفي أضحت قائمة (ومحيلة حتما على الاقتتال الأهلي إن تم الدفع بها إلى أقصى مدى ممكن)، فإن المطلوب هو العمل على تجاوز الحالة إياها بإعادة استنبات جسور التواصل بين التقسيم الطائفي الحاصل وبين المشروع الوطني الذي تدفع به المقاومة وتتخذ منه شعارا للتحرير.ليس من حق كائن من يكن أن يزايد على العراق تنوعه الطائفي (أو العرقي أو المذهبي أو ما سواها)، فهو (التنوع أعني) كان ولا يزال مصدر ثرائه وغناه. وبالقدر ذاته، فليس من حق أحد (اللهم إلا حماة الاحتلال ودعاة الفرقة والاقتتال) أن يخلق منه نعرة للاحتراب والاقتتال والتقسيم...وإذا كانت ظروف التقسيم قائمة اليوم ويدفع بجهتها بقوة، فإننا نتساءل عن الكيفية التي من خلالها سيقتسمون فيما بينهم حضارة العراق وجغرافية دجلة والفرات...المخترقة لكل بساتين العراق.
[مظاهر الانشطار الطائفي في العراق ، د. يحيى اليحياوي ، موقع هيئة علماء المسلمين ، قضايا وآراء بتاريخ 30/5/2006 ].
المقدمة الرابعة : شيعة العراق
بعد مرور 38 شهراً على سقوط نظام صدام لم يعد مصطلح «شيعة العراق» يقدم لنا دلالة واضحة على مجريات الأحداث، وبدلاً من ذلك يصبح استخدام تسميات أخرى مثل «تيار الصدر، المجلس الأعلى، حزب الدعوة، فيلق بدر.. إلخ» ذا دلالة أكثر دقة وموضوعية وإرباكاً في الوقت نفسه؛ لأنه في الشأن الشيعي هناك عدد هائل من التساؤلات التي يصح الإجابة عنها برأيين متعارضين، وتصريحات يصعب حصرها تحتمل كلا الوجهين، ومواقف متباينة يتخذها حزب أو تيار واحد في أوقات متقاربة. وفي الحقيقة فإنه يمكن تشريح المجتمع الشيعي باعتبارات متعددة: الانتماء التنظيمي، المرجعية، الولاء لأطراف خارجية، الموقف من: الاحتلال، الانتخابات، أهل السَّنة، ولاية الفقيه، وإقامة دولة دينية.. إلخ، ولا يكاد يوجد فصيلان يتخذان موقفاً موحداً من هذه القضايا الحيوية، وأي تحالفات داخلية بين الشيعة هي مؤقتة؛ لأن مفهوم الولاء والبراء ليس له مدلول واضح في الثقافة الشيعية؛ فهو قابل للتعديل أو التغيير أو الإلغاء.(2/308)
وقد نشرت مجلة النيوزويك (16/12/2001م) تحقيقاً عن شيعة العراق قالت فيه: (قد يبدو شيعة العراق من الخارج مجموعة متجانسة ولكن عند النظر إليهم من الداخل يتبين أنهم يشكلون تركيبة معقدة وغاضبة من التنافس على المال والسلطة).
وهذا التنافر الشديد في البناء الشيعي الداخلي أنتج مظاهر وصوراً كثيرة من التناقضات والاضطرابات التي تزيد وترسخ من تبعية الكيانات الشيعية للأطراف الخارجية؛ بحيث يحق لنا أن نقول إن شيعة العراق «مجازاً» إنما ينفذون في الأساس أجندات تلك الأطراف، وحتى هدف إقامة دولة شيعية مستقلة الذي يعتبره أغلبية الشيعة مشروعهم القومي يكتنفه الغموض سواء ذلك في إمكانية تنفيذه أو القدرة على حمايته في حال تحققه، مع اعتبار أن العقبة الأولى في طريق نجاح هذا المشروع هم الشيعة أنفسهم قبل غيرهم.
ونسعى في هذا المقال إلى تقديم رؤية تحليلية للعلاقات المتبادلة بين الشيعة في العراق والطرفين الخارجيين الأبرز وهما: إيران وأمريكا، مع التقديم لذلك بإلقاء الضوء على التناقضات التي يعاني منها الشيعة والتي لها تأثير كبير على قدرتهم على تحقيق مشروعهم القومي.
? الفسيفساء الشيعية في العراق:
حتى تتكون لدينا صورة واضحة عن الأداء المركب للتيارات الشيعية العراقية سوف نستخدم منهجاً تحليلياً مزدوجاً يبدأ بتشريح التيارات الشيعية أفقياً لبيان حجم التنافر والتناقض فيما بينها، ثم نُثنِّي بتحليل رأسي لإظهار التناقض داخل التيار الواحد أو في مواقف إحدى القيادات.
ينقسم الشيعة بداية باعتبار مرجعيتهم المكانية والبشرية؛ فمدينة قم يمثلها كمرجعية المجلس الأعلى للثورة، بينما يرتكز حزب الدعوة على الحوزة العلمية في كربلاء، ومنظمة العمل الإسلامي تعتمد مرجعية النجف وبالأخص محمد صادق الشيرازي، وبين المدن الثلاث تنافس كبير في جذب الشيعة، وذلك بالإضافة إلى تعدد المرجعيات العلمية التي يختص كل منها بأتباع ومقلدين، وفي دلالة على هذا الزحام المرجعي فإن بوابة المرقد المزعوم للحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ في كربلاء مغطاة تقريباً بملصقات دعائية كثيرة لرجال دين متنافسين يقيم بعضهم في العراق وآخرون في إيران.
ومن التقسيمات التي أحدثت شرخاً في البناء الشيعي: التفرقة بين شيعة الداخل والخارج؛ فالفريق الأول يعتبر نفسه تحمل المشاق وعانى الكثير من نظام صدام وفي مقدمة هؤلاء بالطبع تيار الصدر، في حين أن التيارات الخارجية مارست نشاطها في ظروف إيجابية وتلقت الدعم من قوى عظمى مثل الولايات المتحدة، وعلى سبيل المثال فإن عبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عاش في الكويت 23 عاماً قبل أن يعود إلى العراق على ظهر دبابة أمريكية، ولذلك يقول كاظم العبادي الناصري أحد مساعدي الصدر: «أي شخص تدعمه أمريكا يستحق لعنتنا.. أولئك الذين يدعون أنهم شخصيات معارضة كانوا خونة غادروا العراق وتركونا نعاني هنا». وينبغي هنا إثبات خطأ الادعاء بأن كل الشيعة كانوا يعانون من نظام صدام؛ فقد كان 58% من كوادر حزب البعث في محافظات الجنوب ونسبة كبيرة من شاغلي المناصب الحكومية من الشيعة (الحياة 6/12/2004م).
وبالنظر إلى قضايا الشورى والولاية وغيرها فإن هناك خلافات واضحة بين المجلس الأعلى ومنظمة العمل الإسلامي من ناحية، وبين المجلس وحزب الدعوة من ناحية أخرى، وأصل الخلاف يرجع إلى تأثر المجلس بالرؤية الإيرانية للدولة الإسلامية الشيعية، كما أن منظمة العمل تأسست أصلاً نتيجة الخلاف مع حزب الدعوة حول تلك القضايا، أما تيار الصدر فبعد أن كان ينادي بتعريب أو «تعريق» المرجعيات الدينية تغير موقفه من إيران، وصار مقتدى الصدر ينظر إلى نظام طهران باعتباره نموذجا يُحتذى به في تطبيق مفهوم ولاية الفقيه، ويقول مقتدى: «أريد أن يحكم العراق رجل دين شيعي سواء كان عراقياً أو إيرانياً، وأفضّل أن يحكمه شخص مثل الخميني من أي عراقي علماني». ويلاحظ طبعاً استبعاده لأن يحكم العراق رجل من السنَّة.
وفي المقابل فإن السيستاني يرفض مبدأ ولاية الفقيه، وأصدر فتوى بعد الاحتلال مباشرة ينادي فيها بابتعاد رجال الدين عن الشؤون الإدارية والتنفيذية والسياسية، كما يؤكد على أن الفتاوى الصادرة عن رجال دين أحياء هي فقط التي ينبغي أن تتبع، وهو يلمح بذلك إلى اعتماد مقتدى الصدر على والده في فتاواه القديمة، وبين الطرفين يقف المجلس الأعلى؛ حيث كان محمد باقر الحكيم الذي اغتيل قبل أكثر من عامين يرى اتباع مبدأ ولاية الفقيه، ولكن وفق رؤية عراقية ترسخ دولة المجتمع المدني.
وبالطبع هناك التوجهات الشيعية العلمانية وأبرزها حزب الوفاق وزعيمه إياد علاوي، والمؤتمر الوطني بزعامة أحمد الجلبي، وهؤلاء يتبنون دولة علمانية، ولكن يعترفون بقدر من السيطرة للمرجعيات الشيعية.(2/309)
وعادة ما تبدي الفصائل الشيعية اتفاقاً نسبياً فيما بينها تجاه قضية محورية كما حدث في الانتخابات السابقة ؛ حيث شارك أغلب الشيعة ضمن قائمة الائتلاف التي يدعمها السيستاني، ولكن بمجرد أن انتهت الانتخابات حتى تلاشى هذا الاتفاق المصلحي الى حد ما فظهرت الصراعات داخل الكتلة الواحدة كما في قضية ترشيح رئيس الوزراء واقتسام الكعكة عند المنافسة على المناصب الوزارية وما حصل عقب ذلك من انسحاب حزب الفضيلة ؛ ومما يؤكد ذلك أنه قبل الاحتلال الأمريكي للعراق كان هدف إسقاط صدام هو تقريباً الشيء الوحيد الذي يجمع هذه الفصائل الشيعية، وبعد الاحتلال مباشرة لم يعد ذلك الشيء الذي يوحدهم موجوداً، ومن ثم اشتعلت حرب تنافسية شديدة بين هذه الفصائل؛ فقد تدافعت عناصر فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى من إيران، ودخلوا إلى العديد من المدن الجنوبية، وشكلوا لجاناً ثورية بالاستعانة بالخبرة الإيرانية عند بداية ثورة الخميني، واحتلوا مباني وإدارات حكومية، وقاموا بإبعاد السنة من الوظائف، ودفعوا رواتب للطلبة والعلماء والشباب لكي ينظموا تظاهرات تعلن تأييدها للحكيم. وفي نفس الوقت سارع تيار الصدر إلى منافستهم بتأسيس العديد من المراكز والفروع التابعة له، وأغدق الأموال على الموظفين الحكوميين، ونشر ميلشيا مسلحة في بعض المناطق بحجة حفظ الأمن، وظل الصراع بين الطرفين قائماً إلى الوقت الحالي، وقد وجه تيار الصدر اتهامات صريحة إلى فيلق بدر بتقديمه دعماً مباشراً لقوات الاحتلال في صراعها مع جيش المهدي التابع له، كما أعلن علي سميسم المتحدث باسم مقتدى الصدر أن هناك أطرافاً شيعية تحيك مؤامرة ضد تيار الصدر وسمى منها صراحة المجلس الأعلى وحزب الدعوة، ولكنه لم يحدد طبيعة المؤامرة. والطريف هنا أن حزب الدعوة أسسه المرجع الشيعي محمد باقر الصدر أحد عمومة مقتدى، ولكن حدثت انشقاقات في الحزب بعد اغتيال مؤسسه أخرجته عن سيطرة عائلة الصدر.
وعلى صعيد التحالفات المتناقضة، على سبيل المثال؛ فإن المجلس الأعلى بزعامة الحكيم تأسس في إيران وتلقى دعمه الرئيس من نظامها، وفي الوقت نفسه ظل يحتفظ بعلاقات قوية مع الأمريكيين؛ بل إن عبد العزيز الحكيم زعيم المجلس كان يتولى لسنوات طويلة من الكويت مهمة التنسيق مع الجانب الأمريكي في جهود إسقاط نظام صدام، ولكن عندما تحقق لهم ما يريدون بغزو العراق أعلن باقر الحكيم مؤسس المجلس إدانته للهجوم الأمريكي، وحذر الأمريكيين من المقاومة المسلحة إذا بقوا في العراق بعد صدام، وبالنسبة للسيستاني فقد امتُدح من قِبَل المسؤولين الأمريكيين لأنه اتخذ موقف الحياد الإيجابي من الاحتلال؛ بينما كان في سبتمبر/ أيلول عام 2002م قد أصدر فتوى يقول فيها إن من يساعد الأمريكان سيحيق به العار في الدنيا، ويلقى العقاب في الآخرة.
هذا قبس من التناقضات التي يعاني منها الشيعة في علاقاتهم الحزبية بصورة عامة، ولو ألقينا نظرة رأسية على نماذج من التيارات والقيادات الشيعية فسنجد التناقضات نفسها مترسخة داخل التيار الواحد وفي مواقف الزعامة الواحدة، ونأخذ مثالين: تيار الصدر، وتيار السيستاني.
نبدأ بتيار الصدر الذي سبق بيان تراجعه ولو ظاهرياً عن مطلب «المرجعية العراقية» لصالح إيران، وانتفاضاته التي ينفذها أتباعه تنتهي في الغالب بتحقيق رغبات لم تنشأ الحاجة إليها إلا بتأثير الانتفاضة، لتنتهي المواجهات دون أن يعلم أحد لماذا بدأت أو لماذا انتهت؟ وأسرف مقتدى في إطلاق التصريحات الرنانة التي يتراجع عنها بعد ذلك؛ فعندما كان متحصناً في النجف مع أتباعه صرَّح للصحفيين: «لن أخرج منها، وبقائي هنا مدافعاً عن المدينة؛ لأنها أشرف المدن، وسأبقى فيها حتى آخر قطرة دم». وقال موجهاً الخطاب لجيش المهدي: «من يريد أن يبقى فأهلاً وسهلاً به، والذي يريد الذهاب فأهلاً وسهلاً به أيضاً». لكن لم يلبث مقتدى الصدر بعد أيام قليلة أن خرج من النجف، وقال مخاطباً أتباعه: «إلى كل فرد من أفراد جيش المهدي الذين ضحوا بالغالي والنفيس» فدعاهم أن يوقفوا القتال وأن: «يرجعوا إلى محافظاتهم للقيام بواجباتهم وما يرضي الله ورسوله وأهل البيت».
وبالنسبة للانتخابات؛ فقد أعلن الصدر صراحة أنه لن يشارك فيها، وسوَّغ ذلك بقوله: «عندما أقول إني في خدمتك يا أمريكا وأنا تحت إمرتك وأدخل الانتخابات؛ ففي ذلك الوقت سيتوقفون عن الهجوم، لكن أنا أعلنت أني عدو لأمريكا، وأمريكا عدوة لي إلى يوم الدين». ولكنه اتفق بعد ذلك مع الأمريكيين على أن يتحول إلى المشاركة السياسية مقابل توقف الهجوم، وصرح قيس الخزعلي أحد مساعديه: «التيار الصدري يواصل تشكيل تنظيم سياسي جديد يكون ضمن التشكيل الجديد للعراق الجديد» وتلقى الصدر مديحاً من الرئيس الأمريكي جورج بوش وتأييداً ضمنياً: «الولايات المتحدة لم تعد تستبعد أن يلعب مقتدى الصدر دوراً في الحياة السياسية العراقية». ثم تراجع الصدر مرة أخرى، وأعلن أنه لن يشارك في الانتخابات؛ لأن قوات الاحتلال تواصل اعتقال أنصاره، لكن رغم هذا الإعلان فقد صرح مكتب المرجع السيستاني بأن 20 شخصاً من تيار الصدر تم إدراجهم كمستقلين في قائمة الائتلاف الموحد الشيعية، وقال سعد جواد رئيس المكتب السياسي للمجلس الأعلى إن هناك أربع شخصيات بارزة لها علاقة بالصدر قُدمت أسماؤها للترشح بصورة مستقلة، وفي نفس الوقت قال حيدر الموسوي الناطق باسم المؤتمر الوطني بزعامة أحمد الجلبي إن لائحة حزبه تحظى بدعم الكثيرين من أنصار الصدر (إسلام أون لاين 16/12/2004م) ثم ما لبث أن شارك في الانتخابات ونسف كل التصريحات والمواقف السابقة.(2/310)
ويعاني التيار من وجود خلافات بين صفوفه من أبرزها الخلاف بين حازم الأعرجي في الكاظمية، وأسعد الناصري في البصرة. كما تسبب الاتفاق الأخير بين التيار والاحتلال في حدوث اضطرابات داخلية، وكان المسؤول العسكري الأمريكي في مدينة الصدر صرح بقوله: «نعرف حوالي أربعة من المسؤولين المهمين بينهم عبد الوهاب الدراجي الذي يظهر لا مبالاة واضحة حيال نزع الأسلحة، وقيس الخزعلي، والآخران لن أذكر اسميهما؛ لأنهما قد يبدلان مواقفهما». وقال: «نعرف أن عناصر من الميلشيا لن تلتزم بتعليمات القيادة ولن تتجاوب مع تعليمات مقتدى الصدر».
أما المرجع علي السيستاني، فقد سبق الإشارة إلى فتاواه المتناقضة من الاحتلال، ورغم أنه يرفض مبدأ ولاية الفقيه، فإن دوره السياسي في العراق يعتبر ترجمة واقعية لهذا المبدأ، والعجيب أن بعض أنصاره يدافعون عن رفضه إصدار فتوى تؤيد المقاومة بأن المرجع «لا يمارس دوراً ولائياً، وإنما يمارس دوراً فقهياً في حدود الأمور الحسبية» ، ولكنهم في الوقت نفسه يثبتون له الحق في مطالبة الاحتلال بإقامة الانتخابات وعقد مباحثات مع أعضاء مجلس الحكم الانتقالي وسلطات الاحتلال حول تشكيل الحكومة الانتقالية ومجلس الحكم والانتخابات، ومقابلة مندوب الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي وتحديد الموقف الشيعي من الدستور المؤقت والإشراف على إعداد قائمة الائتلاف الموحد الشيعية.. إلخ.
ورغم أن السيستاني أشرف على إعداد القائمة الشيعية الموحدة التي تحمل توقيعه ضمنياً فإن مكتبه في حوار مع صحيفة الرأي العام الكويتية أكد: «يبارك السيد السيستاني القائمة الوطنية الموحدة التي ضمت غالبية الأحزاب الشيعية، لكنه في الوقت نفسه يدعم كل القوائم الوطنية» ما الفرق بين من يبارك أو يدعم؟ وكيف يؤيد السيستاني قائمتين متنافستين في وقت واحد؟ لا أحد يعرف.
وفي نهاية عام 2003م عندما شعر السيستاني أن مطالبه بخصوص الانتخابات لن تنفذ حرك الشارع الشيعي للقيام بمظاهرات حاشدة «كانت تظاهرتا البصرة وبغداد والتظاهرات المنتظرة لاحقاً لتظهر أن السيستاني لا يمزح، وأنه يمثل حالة مرجعية عامة لا اختلاف عليها». ولكن عندما دكت القوات الأمريكية المراقد التي يقدسها الشيعة في النجف لم يحرك السيستاني ساكناً، ولم يصدر فتوى، ولم يحرك الشارع السياسي؛ فهل كانت الانتخابات أكثر قداسة عنده من مراقد النجف؟
? تقاطع المصالح بين شيعة العراق وإيران:
يصعب على المراقب المباشر لهذه الفسيفساء الشيعية في العراق أن يعثر على خطوط منطقية لتفسير هذا الأداء المعقد، ولكن عند إضافة البعد الإيراني للمشهد العراقي تتكون على الفور ملامح قابلة للفهم؛ فالعراق بالنسبة لإيران يمثل امتداداً سياسياً وجغرافيا ومذهبياً، ولا يعترف الملالي في طهران بإمكانية وجود دولة عراقية مستقلة بجوارهم، ولذلك تنبني استراتيجيتهم بعيدة الأمد على كون العراق ـ الجنوب على الأقل ـ مقاطعة إيرانية شيعية طال الزمن أم قصر، ويتعاملون مع شيعة العراق باعتبارهم ميداناً للسيطرة وممارسة النفوذ ومدخلاً للاستحواذ على الجنوب. وفكرة الهلال الشيعي التي اتهم قادة ومسؤولون عرب إيران بالتخطيط لها لا تنطوي على أي مبالغة؛ فهذا هو التصور الإيراني للمنطقة بغض النظر عن تواضع إمكانياتهم الحالية عن السعي لتحقيقه.
والمصالح الشيعية العراقية تختلف مع المصالح الإيرانية في المشروع السياسي غير المعلن لكل طرف، وهو إقامة دولة مستقلة وقوية للشيعة في الجنوب بالنسبة للعراقيين، وإقامة مقاطعة شيعية تابعة لإيران أو دولة ضعيفة تستمد قوتها من طهران، بالنسبة للإيرانيين. وهناك بعض القضايا الأخرى التي يختلف فيها شيعة العراق وإيران، مثل: التنافس بين مرجعية النجف وقم، ومسألة ولاية الفقيه، والعلاقة مع الاحتلال، ولكن تبقى مع ذلك نقاط كثيرة تتقاطع فيها المصالح بين الطرفين، على الأقل في الوقت الحالي، ومن أبرزها: تحويل الجنوب إلى مقاطعة شيعية خالصة - الموقف من العرب السنة ..
أولاً: تحويل الجنوب إلى مقاطعة شيعية خالصة:(2/311)
نشرت صحيفة الحياة (6/12/2004م) تحقيقاً بالغ الأهمية عن جهود تشييع الجنوب ذكرت فيه أن هناك «حملة للتطهير الطائفي أدواتها الاغتيالات والخطف ومصادرة المساجد والأوقاف السنية وإدارة مؤسسات الدولة وعلى رأسها الأجهزة الأمنية على أساس مذهبي وحزبي». واللافت هنا أن الأطراف الثلاثة: شيعة العراق، وإيران، والاحتلال تواطؤوا على ضرب السنة في تلك المنطقة؛ فهناك اعتداءات متتالية ينفذها عناصر فيلق بدر وفرق للموت شيعية المظهر ضد السنة في مناطق متعددة منها مدينة اللطيفية جنوب العراق، وذكر شهود عيان أن عناصر الفيلق كانوا يطلقون أسلحتهم على الأهالي بينما تحلق الطائرات الأمريكية كغطاء جوي لهم، ويذكر آخرون أنه يوجد في كل محافظة جنوبية ضباط مخابرات إيرانيون، وأنهم يتولون التحقيق مع الدعاة الذين يُعتقلون من أبناء السنة، ولا يخفى تدفق أعداد هائلة من الشيعة عبر الحدود المفتوحة مع إيران لتغيير التركيبة السكانية، وذلك بالحصول على هويات مزورة وجنسيات عراقية بدعوى أنهم من العراقيين الذين نفاهم صدام إلى إيران، وحقيقة الأمر أن أغلب هؤلاء ينتمون إلى إيران ولكنهم يقومون بدورهم في تغيير نسبة السكان، ومن ثم يمكنهم الرجوع إلى بلدهم متى ما أرادوا، وقد اتهم زعيم عربي إيران بتسليم مليون إيراني بطاقات انتخابية مزورة للتلاعب بنتيجة الانتخابات. ومن ناحية أخرى فإن التعداد السكاني الذي كان من المقرر تنفيذه في وقت سابق تم تأجيله لأسباب غير مفهومة، واعتُمِد في تسجيل الناخبين على البطاقة التموينية التي يسهل تزويرها. وفي المقابل تعرض السنة في العديد من المناطق لمداهمات يومية وأحداث خطف وتعذيب واغتيال من قِبَل الحرس الوطني وأجهزة الداخلية ـ واجهة فيلق بدر ـ كانت تقترن بالاستيلاء على الأوراق الثبوتية لمنعهم من الإدلاء بأصواتهم، والأنكى من ذلك أن حماية الناخبين موكولة في الأساس إلى هذا الحرس المشبوه.
وقد بدأ منذ فترة التلويح بالاستقلال الذاتي للجنوب عن طريق عدد من المحاولات، منها الإعلان عن إقامة إقليم جنوب العراق في محافظات (البصرة وميسان وذي قار) من خلال مؤتمر عقد في البصرة 26/12/2004م وشارك فيه شخصيات شيعية مستقلة وقيادات سياسية ومسؤولون حكوميون ورؤساء عشائر، وادعى الإعلان أن إقامة الإقليم تستند إلى الفقرة ج من المادة 53 من قانون إدارة الدولة الذي أصدره الاحتلال الأمريكي ثم ما تبع ذلك من تشريعات دستورية نص عليها في مسودة الدستور التي مررت رغم أنف العراقيين بإرادة أمريكية ، وكانت 600 شخصية شيعية بارزة يمثلون محافظات الفرات الأوسط (النجف، كربلاء، بابل، القادسية، المثنى) قد عقدت اجتماعاً بحثت فيه تشكيل مجلس موحد تمهيداً لإقامة حكم ذاتي في إطار عراق فيدرالي (موقع البينة) ومن أخطر ما جاء في البيان الصادر عن الاجتماع آنذاك تأكيده لضرورة إيجاد «آفاق للتعاون الإقليمي» مع الدول المجاورة لهذه المحافظات والمقصود من ذلك بالطبع: إيران. ولا ينكر السيستاني تأييده لهذه الجهود؛ فقد صرح مكتبه لصحيفة الرأي العام أن الفيدرالية تحتاج إلى سنوات من الديمقراطية لكي تكون حالة إيجابية في العراق. ويلخص سياسي شيعي عراقي رؤية طائفته بالقول: «إن كان أهل المثلث ـ السني ـ يرغبون في تكرار تجربة طالبان أخرى فحظاً سعيداً» (الشرق الأوسط 161/12/2004م).
ثانياً: الموقف من العرب السنة:
أقرب عدو لشيعة إيران هم السنة العراقيون العرب؛ فالصراع بين الطرفين تاريخي، ولن تأمن إيران لحدودها الغربية إلا بضمان السيطرة عليهم، وشيعة العراق لن يستقر لهم الجنوب إلا بدحر السنة في العراق الأوسط، وتمارس إيران سياسة متعددة الأبعاد لتحقيق مخططاتها ضد سنة العراق؛ فمن الناحية الاستخباراتية والعسكرية، يقوم فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى وفرق للموت تم تشكيلها في وقت سابق من قبل هيئات دينية وأحزاب سياسية معروفة في السلطة بدور المنفذ لخطة اغتيال واسعة النطاق ضد الرموز الدينية السنية والدعاة المؤثرين والعلماء البارزين لإضعاف قدرة السنة على تولي زمام أمورهم والمطالبة بحقوقهم، ويقوم عناصر المخابرات الإيرانية بدور كبير في هذا الشأن. ومن الناحية السياسية فإن أهم الكوادر السنية الصالحة لتولي المناصب المهمة كانوا في الأساس ينتمون قسراً إلى حزب البعث، ولذلك تم استخدام تهمة الانتماء البعثي لإبعاد هذه الكفاءات عن تسلم أي مناصب مهمة من خلال ما عرف عند العراقيين بقانون اجتثاث البعث سيء الصيت وهو في جوهره اجتثاث لاهل السنة وكل من يعارض أجندتهم السياسية ولو كان شيعياً. وعلى صعيد العلاقات بين التيارات الشيعية والسنة فإن تيار الصدر في مرحلة سابقة كان يقوم بدور المهدئ بين الطرفين؛ إذ يؤكد مراراً على الانتماء الوطني والروابط بين السنة والشيعة، وعندما تعرضت مساجد سنية لهجمات تحمل بصمات فيلق بدر، قال: «إني أبدي استعدادي لحماية إخواني أهل السنة وجوامعهم، وكذلك إخواني الشيعة ومقدساتنا، ولا فرق بين الأخوين إطلاقاً إلا بتقوى الله».
ولكنه عاد وكشر عن انيابه بعد ما حصل في سامراء وقد تورط عناصر من جيش المهدي في حملة الاعتداء على مساجد أهل السنة ورموز أهل السنة في الآونة الاخيرة ..(2/312)
ويبدو أن الصدر لا يجد شخصاً تقياً من أهل السنة يمكن أن يتولى رئاسة العراق، حسبما ذكر في تصريحه السابق أعلاه، وقد نشرت صحيفة «إشراقات الصدر» التي تصدر عن التيار مقالاً هاجمت فيه اختيار غازي الياور رئيساً للعراق رغم أن المنصب شرفي إلى حد كبير، فقالت: «هل من المعقول أن يرضى شعب ضُرب وتحمل الكثير من نظام صدام حسين، وعانى من ذل المحتل لأكثر من عام أن يحكمه رئيس سني ورئيس وزراء أكثر خبثاً من اليهودي؟». وذلك رغم أن الياور أثنى عليه بقوة بعد اتفاقه الأخير مع القوات الأمريكية واعتبرها خطوة ذكية، ودافع عنه ضد اتهامه بالتحريض لقتل عبد المجيد الخوئي في إبريل/ نيسان 2003م، وقال: «الزعيم الشيعي بريء حتى تثبت إدانته». وقد أشار قائد القوات البريطانية في البصرة إلى حقيقة الموقف الشيعي من السنة في الجنوب فقال لوفد من وجهاء العشائر السنية (لو أخذت بالتقارير التي أرسلت لي ما تركت شيئاً يمشي على الأرض في البصرة). (مفكرة الإسلام، 23/12/2003م).
? شيعة العراق والولايات المتحدة:
وجدت الإدارة الأمريكية نفسها بعد 38 شهراً من غزو العراق واقعة في دوامة شيعية يصعب عليها التخلص منها؛ فهي من ناحية تخطط لتأسيس نظام علماني في العراق يسيطر عليه الشيعة، وهذا النظام الشيعي العلماني سيكون بدوره عاملاً رئيساً في زعزعة استقرار نظام الملالي الشيعي الديني، ولكن واشنطن اكتشفت في نهاية الأمر أن دعمها للشيعة يصب في مجمله لصالح نظام طهران، ولكنها مع ذلك لا تستطيع التوقف عن دعم الشيعة في هذه المرحلة الحرجة؛ لأنهم الحليف الرئيس لها في مواجهة العرب السنَّة؛ كما أن فيلق بدر يشكل قوة أساسية في تكوين الحرس الوطني العراقي وما تلاه من التشكيلات الامنية الذي شارك في قتال المسلمين في الفلوجة، والفيلق يتبع المجلس الأعلى الذي أسسته إيران في المنفى لجمع شتات الرموز الشيعية وسلمت قيادته لعائلة الحكيم. واللافت أن إيران نجحت أيضاً في اختراق أصحاب التوجهات العلمانية الشيعية؛ فأحمد الجلبي الذي كان فرس رهان الإدارة الأمريكية تبين أنه عميل مزدوج قدم خدمات جليلة لنظام طهران، ورغم انقلاب إدارة بوش عليه فإنه ظل متماسكاً، وعاد ليحشر نفسه في زمرة السيستاني الذي ضمه إلى القائمة الشيعية الموحدة التي تضم 228 مرشحاً ليكون من أبرز عشرة مرشحين فيها ..
ومن الأحداث التي تقدم تفسيراً للكيفية التي يحاول بها الأمريكيون إدارة الفسيفساء الشيعية موقفهم من تيار الصدر في المواجهة الأخيرة؛ فقد وضعت أمام قوات الاحتلال خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها تحت أي ظرف، في مقدمتها اغتيال مقتدى الصدر وتصفية جيش المهدي، وكان المطلوب فقط معاقبة التيار وممارسة ضغوط تدفعه للتحول إلى المشاركة السياسية وهذا ما حصل بالفعل ، وكان ذلك واضحاً، فلم يكن الصدر متخفياً في جميع الأوقات أو ممتنعاً عن استخدام الهواتف المحمولة ومن ثم لم يكن رصد مكانه عملاً صعباً، ورغم تصريح أكثر من مسؤول أمريكي أن الصدر مطلوب اعتقاله أو قتله لم يُصَب الزعيم الشيعي بخدش واحد، فقط ظهر في إحدى المرات أمام الفضائيات برباط صغير من الشاش حول معصمه ربما لذر الرماد، وقد فسر كثير من المراقبين الأسلوب الأمريكي بأن الاحتلال لا يريد أن يفقد تيار الصدر كعنصر مهم في موازنة القوى الشيعية الأخرى التي يناصبها العداء مثل المجلس الأعلى وحزب الدعوة، وقد أثبتت المواجهات الأخيرة أن قدرة الأمريكيين على التحكم في القوى الشيعية تزداد عندما تتصاعد حدة الصراعات، وقد بلغ تحكم الإدارة الأمريكية في السيستاني ذروته في تلك الفترة؛ خاصة عندما قصفت المراقد في النجف بينما كان السيستاني يتلقى العلاج في عاصمة الحليف الأول لأمريكا: لندن، وقد بلغ الأمر حد وصف الصحفي الأمريكي فريد زكريا رئيس طبعة النيوزويك الدولية السيستاني بأنه: «حليف كبير محتمل للولايات المتحدة» (نيوزويك، 20/4/2004م)، كما وصفه بالذكاء لأنه يتجنب التحالف العلني مع قوات الاحتلال أو مقابلة المسؤولية الأمريكية. (نيوزويك، 2/3/2004م).
وعلى الجانب الشيعي فقد تحالف شيعة العراق مع الاحتلال الأمريكي من أجل تحقيق أربعة أهداف: إسقاط صدام حسين، تثبيت أكذوبة الأغلبية الشيعية، إقامة انتخابات يفوز بها الشيعة، تأسيس دولة شيعية في الجنوب، وقد حقق لهم الأمريكيون الهدفين الأولين والثالث تم لهم في العام الماضي ثم حدثت تحولات جذرية عندما أصر السنة على خوض الانتخابات فأربكت الموقف ووضعت عراقيل كأداء في طريقهم ويبقى الهدف الرابع قيد البحث.
وبالنسبة للانتخابات فإن الشيعة في العراق يهدفون إلى تقوية البناء السياسي للدولة العراقية، وتحقيق قدر من الاستقرار من أجل إعادة تفكيك الدولة من جديد بعد أن يكونوا قد امتلكوا زمامها بحكم الأغلبية المصطنعة، وهم يدركون جيداً أن تنفيذ هدف الدولة المستقلة لن يمكن من خلال وضعية الفوضى والعشوائية السياسية السائدة حالياً، وبذلك نفهم سر دعوة السيستاني الدائمة إلى تبني المقاومة السلمية؛ فهو يعلم تماماً أن المقاومة المسلحة لن تفيد في تحقيق الدولة الشيعية .(2/313)
خلاصة الشأن الشيعي العراقي أن إيران وأمريكا يتبادلان تحريك تياراته حسب رؤية كل منهما لمصالحه، وفي الفترة الحالية كان تقاطع المصالح بين الشيعة وكلا الدولتين متحققاً بوضوح، ولكن كلما اقترب الشيعة من تحقيق مشروعهم السياسي في الجنوب فإن افتراق المصالح يبدو قريباً، وفي حال بقي نظام طهران قوياً فإنه لن يسمح أبداً بدولة شيعية مستقلة عنه، وفي حال نجح الأمريكان في إسقاط نظام الملالي وإقامة نظام علماني فستفقد أحزاب الشيعة ذات الأجندة الدينية مصدر دعمها الرئيس، وتتحول الدفة إلى الأحزاب العلمانية التي توالي الإدارة الأمريكية، ولا يُتوقع أن تقوم إدارة أمريكية مهما كان توجهها بتكرار التجربة الإيرانية الخمينية مرة أخرى، وهذا يعني أن خيار الدولة المستقلة مجرد سراب يُقاد إليه الشيعة - الفسيفساء.
[ الشيعة ، أحمد فهمي ، موقع مجلة البيان الاسلامية ، العراق ودائرة الاستعمار، بتصرف ].
أسباب الاحتقان الطائفي في جنوب العراق
قد لا تقع الأزمات بصورة مباشرة، ولكن تأخذ مداها التاريخي وتتجذر في واقع المجتمعات حتى يحين الوقت الذي تطل فيه على الجميع فتتفاوت حينئذ الأنظار وتختلف الرؤى والتحليلات وتتعاظم وتكثر وصفات العلاج، ولكن الجميع سيتفق وقتها على أن هناك أزمة ناشبة تنذر بخطر وشر مستطير على استقرار البلدان ومستقبلها في نواحيها المختلفة الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل والجغرافية كذلك.
لم يعد مناسبًا ولا موضوعيًا أن نقول: إن العلاقة بين السنة والشيعة في العراق هي علاقة قوية ومتينة، فمما لا شك فيه أن هناك احتقانًا طائفيًا حقيقيًا وموضوعيًا، له الكثير من الأسباب التي لو استمرت لهددت بالفعل نسيج الوحدة الوطنية العراقية ..
إن ما يجري ونشاهده في ( المشكل العراقي ) من مواجهات طائفية تهدد بانفجار حالة من الاحتراب الاهلي والمجتمعي لا سمح الله ، ولا شك أن لهذه الظاهرة أسبابها الموضوعية ودوافعها التي فاقمت منها حتى وصلت الى ما وصلت اليه في بلادي التي تنزف رجالاً ونساءً من بحر دمها الذي صنع حضارة للناس في يوم من الدهر!
وفيما يأتي محاولة لرصد هذه الاسباب .
أولاً : البعد التاريخي ، وهذا يخص الشيعة بالتحديد فهم يعانون من ( عقدة تاريخية ) مزمنة ، التهميش السياسي والاقصاء في أزمنة تعاقب الحكومات السنية الدينية في العهود الماضية ( الاموي – العباسي – العثماني ) ، فهم ينظرون الى التاريخ من زاوية ضيقة جداً يملؤها التشاؤم وعدم الثقة ، ويخلطون ذلك كله بالمظالم التي وقعت على أهل البيت ويحملون المؤسسة السياسية السنية والمؤسسة الدينية والمجتمع برمته المسؤولية التاريخية ، ويريدون من أنفسهم اليوم أن يكفروا عن تلك الخطيئة التاريخية بتحميل أبناء السنة الذين يعيشون في عام 2006المسؤولية كاملة ، وعليهم أن يدفعوا ثمن ما ارتكبه أجدادهم بحسب هذا التصور المغلوط ..
ثانياً : التراث الديني ، وهذا عامل مهم لعب دوراً اساسياً في إذكاء الصراع المذهبي بين الطائفتين فهناك في الجانب الشيعي ركام من المرويات والاقوال التي تكفر الصحابة وتصفهم بالردة وتكفر من يأخذ عن الصحابة وتتهمه بنصب العداء لأهل البيت وتسميهم بـ ( النواصب ) ، وبعض الروايات الشيعية المنسوبة لأهل البيت تبيح قتلهم وتستحل اموالهم ولو بالحيلة .. وفي تاريخ الصراع الحديث ازداد الأمر تعقيداً بإدخال ( الوهابية والفكر الوهابي ) في المشكل المذهبي والعقائدي فحمل العقل الجمعي الشيعي ألواناً من مفاهيم الكراهية والعداء وربيت المجتمعات الشيعية لا بحجة أنه من الوهابيين أو من النواصب أحلاهما مر !!
ومن الجانب الآخر برزت مشكلة ( تكفير الشيعة ) ووصفهم بالرافضة ! ، وحاولت بعض المدارس السنية أن تحيي الفتاوى القديمة الصفراء وتروج لها ليس بين طلاب العلم والنخب المثقفة فحسب بل بين العامة من الناس فحصلت فوضى تكفيرية واختلطت القواعد الشرعية البسيطة بأهواء صغار طلبة العلم وأنصاف المثقفين من الغلاة ، وانتشرت في العقدين الماضيين الكتيبات المذهبية التي تناقش محاور الاختلاف بنفس متشدد لدى الفريقين فحدثت هوة اجتماعية ( ولاء وبراء ) و ( مفاصلة ) تحولت تدريجياً الى عداء مستحكم بين الطرفين ما لبث أن انفجر معبراً عن حالته الاحتقانية بعد سقوط النظام السابق .(2/314)
ثالثاً : دور المرجعيات الدينية ، فهي لم تتدخل لا قبل احتدام الصدام ولا أثناءه ولا بعده الا بمحاولات باردة وعلى استحياء لذر الرماد في العيون ، وكان كثير من مثقفي الشيعة وزعمائهم يصرون على تبرير ما يجري لأهل السنة في مناطقهم بعدم تكفير مراجع السنة للزرقاوي وعدم وجود إدانة صريحة لأعماله التي تستهدف الشيعة وهذا كلام فارغ من أي مضمون علمي وأخلاقي ( وعذر أقبح من فعل !! ) ، فما يتعرض له الشيعة في بعض المناطق يمكن أن تختلط فيه الأوراق فهناك جهات عديدة خارج الحكومة وداخلها من مصلحتها أن يحدث هذا للشيعة لتحقيق بعض المكاسب السياسية فليست جماعة الزرقاوي وحدها من يستهدف المجتمع الشيعي فهناك الاحتلال وهناك مخابرات بعض الدول الاقليمية وهناك أوراق تكشفت مؤخراً تفيد تورط بعض الشيعة في استهداف الشيعة ناهيك عن التضخيم الاعلامي لما يحصل كما لا يخفى ومع هذا فهيئة علماء المسلمين كانت قد أدانت وببيانات واضحة كل هذه الاعمال وجرمت مرتكبيها وأخرجتهم عن روح الاسلام .. اما ما يجري لأهل السنة في البصرة فلا يمكن تفسيره الا بالحرب الطائفية الاستئصالية التي يشنها طرف واحد يملك أجهزة الدولة وكل عناصر القوة تجاه فئة مستضعفة لا تحمل السلاح وتحب السلام وبمباركة كثير من المراجع وبفتاوى سرية وأخرى علنية ولم نسمع لحد الآن أي إدانة واضحة لما يتعرض له أهل السنة في الجنوب من قبل علماء الشيعة ، وهناك فتواى عامة مطاطية غير صريحة يمكن تأويلها على أكثر من وجه ومثل هذه الفتاوى لا تداوي جرحاً ولا تضع حداً لهذه الانتهاكات .
رابعاً : التدخل الخارجي ، وبالتحديد دور الاطلاعات الايرانية في تأجيج الوضع ودفع بعض السياسيين نحو تطبيق أجندة مرتبطة بإيران ، فهناك أحقاد قديمة وحسابات تاريخية تريد إيران تصفيتها مع عرب العراق السنة بل ومع كل عراقي ساهم بشكل مؤثر في حربه عليهم أيام الثمانينات ، ناهيك عن أحلام إيران في ابتلاع جنوب ووسط العراق تمهيداً لاقامة امبراطورية مذهبية ، وهو عين ( الهلال الشيعي ) الذي حذر منه الملك عبدالله بن الحسين عاهل الاردن ، وهو ما أشار اليه الامير سعود بن طلال وعبر عنه بتسليم العراق لايران ، وهو يتساوق تماماً ايضاً مع تصريحات عبدالله كول في تركيا عندما نبه الى النفوذ والتدخل الايراني السافر في العراق وحذر دول المنطقة من مغبة السكوت على هذا الأمر ..
الدور الإيراني المشبوه !
"عندما قرر التحالف الأميركي ـ البريطاني غزو العراق للإطاحة بنظام صدام واحتلال الأرض عسكرياً؛ فإنه كان يراهن على استقطاب تأييد التنظيمات الشيعية التي رأت في الغزو والاحتلال فرصة نادرة لتصفية حساباتها مع البعثيين.
والآن تكتشف الولايات المتحدة وبريطانيا أن الاعتماد على الدعم الشيعي له ثمن سياسي باهظ. فالنفوذ السياسي الشيعي في العراق فتح الباب منذ الوهلة الأولى للغزو لتدخل إيراني متعاظم ومتعدد الجوانب.
فعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات منذ أن وطأت القوات الأميركية ـ البريطانية الأراضي العراقية، ظلت إيران تبني لنفسها بمساعدة التنظيمات الشيعية العراقية وجوداً عسكرياً واستخباراتياً وسياسياً بموافقة ضمنية من قوى الاحتلال.
فعندما اندلعت المقاومة العراقية المسلحة ضد الاحتلال فور دخول القوات الأجنبية راهنت الولايات المتحدة وبريطانيا على الميليشيا الشيعية التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في التصدي للمقاومة، التي هي سنية في المقام الأول.
لقد كانت إدارة بوش وحكومة بلير سعيدتين بأن السيستاني أمر قوات الميليشيات الشيعية بعدم التعرض لقوات الغزو والاحتلال قبل أن يصدر فتوى بتحريم المقاومة ضد المحتلين.
لكن ما يقلق كلاً من واشنطن ولندن الآن أنهما تكتشفان ـ ربما بعد فوات الأوان ـ أن ائتلاف التنظيمات الشيعية أصبح القوة الأعظم المتحكمة سياسياً في العراق، وبالتالي أصبحت إيران القوة الإقليمية المهيمنة على المصير السياسي للعراق".
[هل يتخلى شيعة العراق عن جرائمهم الطائفية؟ ، د. علي عبد الباقي ، موقع مفكرة الاسلام ، تقارير رئيسية ، الاثنين 1 مايو 2006م ].
دور بعض الجماعات المسلحة المنتمية الى المقاومة العراقية :
فهي تتبنى في خطابها ( تكفير الشيعة ) وتصفهم بالردة وموالاة الاحتلال ، وتحاول ان تبرر شن بعض الهجمات التي تستهدف رموز الشيعة وحسينياتهم واماكن زياراتهم في سياقها الديني بما ينسجم مع تنظيرات فقهية معروفة في أدبيات تنظيم القاعدة ، وتارة يقع الخلط منها في مسأئل شائكة كمسألة ( العمليات الاستشهادية ) و ( قتل الترس ) و ( الهدنة ) و (تكفير العوام ) و ( العذر بالجهل ) وغيرها من المسائل ، وكثير من أتباع هذه الجماعات تنقصه الخبرة الفقهية والسياسية فتحصل من الأخطاء الكارثية ما الله به عليم ..
هل من المصلحة اعلان الحرب على الشيعة ؟(2/315)
الإرهابيون يوحدون صفوفهم لإشعال فتيل حرب أهلية في العراق، بهذا العنوان علقت صحيفة التايمز على أحداث شهدتها العاصمة العراقية بغداد، حيث اعتبرت الصحيفة أن جماعات المقاتلين وحدت صفوفها لضرب مصالح الطائفة الشيعية لتتمكن بالتالي من إشعال فتيل حرب أهلية في العراق. وتقول الصحيفة نقلا عن مصادر استخباراتية أمريكية، إن أبا مصعب الزرقاوي ( وقد رحل الرجل الآن فما هي حجة الامريكان ؟ ) بات يتحكم في آلاف المقاتلين المنتمين إلى جماعات مختلفة وانه يستعد لشن موجة جديدة من الهجمات والتفجيرات. وحسب أحد ضباط المخابرات الأمريكية فان الزرقاوي " أعطيت له القيادة التكتيكية داخل المدينة لمجموعات انتهى بها الأمر إلى توحيد صفوفها من أجل البقاْء". وتشير التايمز الى وجود وثيقة استخباراتية قامت باحصاء للمقاتلين المنضوين تحت لواء تنظيم القاعدة. وحسب هذه الوثيقة فإن من بين 16 ألف مقاتل سني هناك 6700 من المتشددين الاسلاميين – بحسب زعمها - انضم اليهم أربعة آلاف عضو اثر انضمام جماعة جيش محمد اليهم. وحول ما نسب الى الزرقاوي من شن حرب شاملة على الشيعة قال الشيخ الخالصي، الذي كان جده العلامة مهدي الخالصي قائد واحدة من أهم الثورات على المستعمرين البريطانيين : " أن الهدف من ذلك هو تقريب الشيعة من المحتل الأميركي، ذلك أن الشيعة سيجدون في الأميركي ملاذهم بدلاً من الإنضواء تحت جناح المقاومة، فالشيعة يشاركون في المقاومة في الجنوب وفق ما تشهد على ذلك الهجمات التي حصلت، خصوصا في البصرة ".
[من له المصلحة في إشعال فتيل حرب أهلية في العراق؟ ، موقع اذاعة العقاب 22/9/2005].
فبعض الأعمال التي تنسب الى ( تنظيم التوحيد والجهاد ) لا يمكن الإقرار عليها شرعاً بعد التسليم بصحة نسبتها الى التنظيم ، وهي تمثل حالة من ( الغلو ) في ( التطبيق الجهادي والقتالي ) ، ولعل بعضها قد أسهم الى حد ما في إثارة الطرف الآخر أو في تجنيد مجتمع كامل وطائفة كاملة بعدما كان الصراع محصوراً مع أحزابه ومليشياته الصفوية ..
وقدد حددت هيئة علماء المسلمين – وهي المرجعية الشرعية لمسلمي العراق من اهل السنة – موقفها مما تنسبه وسائل الإعلام الى أبي مصعب الزرقاوي في أكثر من مناسبة وبيان ، ومنها البيان رقم 157 تعقيباً على دعوة الأخير الى شن حرب مفتوحة على الشيعة ، ورأيت أنه من المناسب الإتيان بنص البيان بنسخته الأصلية في موقع الهيئة .
خامساً : الاحتلال الانكلو- أمريكي للعراق ، من خلال تعاونه الوثيق مع طائفة الشيعة ، ودعمه اللامتناهي للزعامات الشيعية ، وتسويق فكرة ( الأكثرية والأقلية ) ، وربط المقاومة بالصداميين ، وشن حملات عسكرية منظمة ودورية على المناطق السنية وتوريط قيادات شيعية ومليشيات شيعية تشكلت منها وحدات الجيش العراقي في الموضوع لتحويل الصراع من عراقي – أمريكي الى عراقي – عراقي أو سني – شيعي ..
كذلك فإن الولايات المتحدة الامريكية ما جاءت لبناء ديمقراطية يحتذى بها في المنطقة كما تحاول أن تروج له الماكنة الاعلامية الامريكية والعراقية التابعة لها ، بل جاءت لتحويل العراق الى أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة ، جاءت لنهب ثروات العراق وعولمته اقتصادياً ليتحول الى سوق مستهلك للبضائع الرخيصة .. جاءت لتفتيت العراق وتقسيمه ، وهذا لا يتأتى الا على جسر من الاكاذيب والتضليلات والدماء والاشلاء والمعارك الطائفية والاحتراب الاهلي بين مكونات النسيج العراقي الاجتماعي ..
والغريب أن معظم الشعب العراقي يعرف هذه الحقيقة ومع ذلك هو مستمر بتطبيق مفرادتها !!
* أمريكا والطائفية !
"تتحدث السياسات والأفكار الأمريكية المطروحة على الساحة العربية من خلال الإعلام وعبر أبواق الولايات المتحدة عن المساواة وحقوق المواطنة والعلمانية وفصل الدين عن الدولة وما شابه ولكن الممارسة الأمريكية الفعلية في واقع الأوضاع السياسية في الوطن العربي تكذب هذا الزعم وتشير إلى أن أمريكا تنطلق في هذه الممارسات من موقف يكرّس الطائفية والمذهبية والعنصرية في أشد صورها تخلفاً.
كما تكشف هذه الممارسات عن أن أمريكا توجّه دعاوى العلمنة ونبذ الدين إلى الأغلبيات الإسلامية وحدها بينما تتوجه إلى الأقليات الدينية غير المسلمة بفكر التكتل الطائفي والحشو والتعبئة والتعبير عن الهوية وفق أسس دينية محضة تتمحور حولها ذاتية وكيان تلك الطوائف وصولاً بعد ذلك إلى هدف الاستقلال والانفصال والانعزال عن الوطن الواحد إسلامي الهوية.
وقد ترنحت هذه السياسة المتناقضة التي تمثل أحد أبرز جوانب ما أصبح يعرف بازدواجية المعايير في المواقف الأمريكية إلى حد أنها وصلت في العراق إلى تقسيم المسلمين إلى طائفتين أو ديانتين متصارعتين هما السنّة والشيعة وذلك عندما لم تجد أقليات مسيحية ذات وزن عددي يسمح بإجراء لعبة الطائفية معها كما لم تجد أي ديانات أخرى بنفس الغرض.
ويدل هذا على أن الاعتماد على القسمة الطائفية كأساس لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية قد أصبح أمراً أصيلاً عند ساسة الولايات المتحدة وصانعي قرارها.(2/316)
وهكذا وبين يوم وليلة كما خُيّل للناس وجدنا القيادات والمراجع الشيعية المشهورة وذات الأتباع تتحدث وتتصرف كما لو كانت تمثل ديناً مستقلاً عن الإسلام وهو دين يبحث عن الاستقلال وتحقيق الكيان بمعزل عن باقي أهل العراق من السنّة عرباً أو أكراداً، واستمراراً لمخطط التأصيل الطائفي الذي تزكيه أمريكا وجدنا في العراق نمطاً شاذاً من أنماط التقسيم يضاف إلى نمط التقسيم الطائفي ألا وهو التقسيم العرقي الذي يسري على أبناء طائفة دينية معينة ليزيد من إضعافهم. بينما لا يسرى على أبناء الطائفة الأخرى بل يسري العكس منه تماماً فلكي يتحول السنّة في العراق إلى أقلية، بالغ في الإقلال من حجمها وفرض عليها وداخلها وحدها التقسيم بين عرب وأكراد وهو تقسيم قائم على أسس لغوية وعرقية وجغرافية وبالتالي تحول الحديث إلى الأكراد كأمة قائمة بمفردها وأساس هويتها هو القومية العرقية واللغوية، وليس الدين أو المذهب [السنّي] أما أهل السنة [العرب] من العراقيين فقد تحولوا إلى كيان يتم تحديد هويته ليس على أساس القومية اللغوية أو القبلية الطابع وإنما على أساس المذهب الذي تحول في عرف الدعاية الأمريكية إلى ما يشبه الدين القائم بذاته وليس إلى المذهب الفقهي الأكثر شيوعاً بين المسلمين.
وبهذا التحديد التعسفي للعرب السنّة [بعد فصل الأكراد السنّة عنهم على الأساس والأرضية القومية] تحول هؤلاء إلى أقلية ضئيلة يقدرونها بحوالي 20% من سكان العراق ويزيد من تقليل أعدادهم أنهم عزلوا عن سائر عرب العراق [من الشيعة] وهم يشكلون على أساس هذا التعريف القومي [العروبة] الأغلبية الكبرى والساحقة من العراقيين.
وعلى الجانب الآخر فإن تعريف الشيعة أو تحديد هويتهم على أساس ديني / مذهبي / طائفي بحت لم يدخل معه ـ كما في حالة السنّة ـ تقسيماً عرقياً قومياً آخر يؤدي إلى تفتيته. وبالتالي فلم يشر أحد إلى انقسام الشيعة في العراق بين ذوي الأصول العربية وهم الكثرة الساحقة وذوي الأصول الفارسية وهم أقلية ضئيلة، وحدث العكس تماماً حيث جرت عملية إدخال أعداد كثيفة للغاية من العرب [الإيرانيو الجنسية والقومية واللغة] إلى العراق لكي يدخلوا ضمن أعداد الشيعة العراقيين ويكثروا من هذه الأعداد. وفي هذه الحالة ومع الرغبة ذات الطابع الطائفي في إظهار الشيعة كدين يدين به الغالبية الساحقة من شعب العراق جرى التغاضي عن الانقسام العرقي أو القومي هذا داخل صفوف الشيعة بينما لم يجر التغاضي عن الانقسام القومي داخل الصف السنّي [عرب/ أكراد] لأن النية مبيّتة لإضعاف كيانهم والإيحاء بأنهم في هيئة العرب السنة ليسوا سوى أقلية ضئيلة فرضت نفسها بالقوة والقهر على سائر العراقيين [الشيعة والأكراد والأقليات الدينية الضئيلة الأخرى] وقد حان أوان إعادتهم إلى حجمهم الحقيقي وتسليم الحكم والسلطة والثروة إلى الأغلبية الحقيقية.
إن هذا التوجه الطائفي الواضح هو الذي يحكم السياسة أو الإستراتيجية الأمريكية في العراق بل وفي المنطقة كلها".
[ انظر: أمريكا والطائفية ، د. محمد يحيى ، موقع مفكرة الاسلام ، تقارير رئيسية ، 26 نوفمبر 2005 م] .
لماذا فشلت أمريكا بإثارة الحرب الأهلية في العراق ؟
لفت انتباهي حقيقة أن كل محاولات الفتنة لم تنجح بحمد الله رغم كثرتها وقوتها أحيانا - أقصد حين يُقتل عدد كبير من الشيعة مثلا - فكنت أقول أن كل هذه المحاولات كانت ستنجح فعلا لو أنها انطلت على أهل العراق .. لكنها لم تنطل عليهم بفضل الله وكرمه !ولا أخفيكم أن ذلك أثار دهشتي .. مع إعجابي طبعا ولكنني فكرت كثيرا في الأمر فرأيت أن عدم نجاح كل هذه المحاولات يعود لأحد أمرين:إما أن جهود المخلصين العاملين على درء الفتنة أكبر من كل جهود العاملين على زرعها - مع أن كل وسائل الإعلام بيد العاملين على زرعها - فانتصر المخلصون ..أو - وهو ما أرجحه حقيقة - أن أهل العراق يرون الحقيقة بأعينهم ويعلمون أن أمريكا وأعوانها هم من وراء زرع الفتنة الطائفية ويعلمون يقينا أن أمريكا هي وراء التفجيرات القذرة ..وأنهم لا يعانون من هذه الطائفية بشكل حقيقي على الأرض وإنما هو أمر من نسج الإعلام ..
وآخرون يعتقدون بأن أمريكا قد تنجح في اثارة الفتنة الطائفية :(2/317)
الإنسان محتوى وترجمته مواقفه أفعالا واقولا ويبدو ان كثير من الناس الذين يتحدثون عن الإخوّة الشيعية السنية حالمون لان هناك مشكلة ربما لم يدركوها حتى الآن تتلخص في ان الكمّاش ((كمّاش الفتنة)) ذو فكين أمريكيين ومع إيماني التام بان الشيعة المستقلين وقبلهم السنة المستقلين يرفضون هذه الفتنة شكلا وموضوعا فإنني أُدرك ان الكمّاش ينجح تدريجيا بتسويغها في الفئتين وللإضاءة أكثر لابد من تقرير حقيقة تتلخص في ان الفكين ألزرقاوي والأحزاب السنية المشبوهة من جهة وقوات بدر والأحزاب الشيعية المشبوهة من جهة أخرى بيد أمريكية تحركها بنجاح كبير فيما يُسرّّع الفتنة ويزيد من حجمها والإعلام الأمريكي كله تقريبا حتى الصليب الذي لا يخضع لأمريكا يهمهه كثيرا أمر هذه الفتنة وأذكّر بالكتاب الأبيض البريطاني والآن اسأل عن سر إصرار جماعة ألزرقاوي على إضفاء طبيعة طائفية مع كثير من الشخصيات السنية على هذه الحرب القذرة وسر ترحيل كثير من السنة في جنوب الوطن وانخراط كثير من الشيعة وبدفع من الأحزاب المأجورة في سلك الشرطة والحرس الوطني زيادة على ربط سنة اليوم بأمية الأمس البعيد وبعثية الأمس القريب مع علم الجميع بان القضية مقلوبة تماما فان معظم المدن الشيعية كانت مقفلة لحزب البعث وان كل وان كل المحاولات لإسقاط النظام ألبعثي كانت سنية إذا ما استثنينا المحاولة الشعبانية التي تآمر بوش الكبير مع صدام لإحباطها وعود على بدء من خرج على علي "عليه السلام" ومن قتله ومن غدر بالحسين "عليه السلام" ومن قتله ثم ليتابع كل منصفي سيرة أهل البيت" عليهم السلام" ولينظر بدقة من المسئول مباشرة عما حل بهم في حياتهم وعن التشويه الذي لحق بهم حتى الآن
هل يُسر أهل البيت ان تقف الأحزاب مرتدية زيهم إلى جانب الصليبية ضد إخوانهم في الدين؟
ان الحرب الأهلية في تصوري توشك ان تقوم من سجون الحكومة العراقية ومعتقلاتها حيث الظلم الذي يفوق محاكم التفتيش وحيث الطبيعة الطائفية لهذا الظلم الذي يفرض على كل معتقل ان يخرج طائفيا زرقاويا على الرغم من انفه وفي تفاصيل ذلك ما يدمي القلوب ويقرح الجفون ولا يخفى على الحالمين أمره.
[الحالمون ، محمد أمين ، موقع اذاعة العقاب ، 22/9/2005].
سادساًً : تغييب الصوت العاقل والمعتدل ولغة التفاهم والحوار العلمي والوطني واستبدالها بلغة الرصاص وقطع الرؤوس ، وهذا أحد عوامل تفاقم الوضع الطائفي في العراق وهو تصدر الامعات ونفعيي الاحزاب والوصوليين والمرضى نفسياً والحاقدين والغرباء وبعض المرجعيات المشبوهة للساحة العراقية وسيطرتها تماماً على مقاليد الأمور في البلاد وفي المقابل جرى تهميش واقصاء وقتل المثقفين والوطنيين والمعتدلين وبعض المراجع العاقلة والحريصين على مصلحة البلد ، ففرغت الساحة وضعف الصوت الوسطي الهاديء وعلت أصوات الغوغاء والهمج الرعاع وسادت لغة العنف التهديد وشراء الضمائر والاقلام بالاموال والمناصب والرشى ، فباض هذا التوجه وعشعش وفرخ في بلادنا وتحول بمرور الوقت الى ما يشبه ( عصابات المافيا ) تخرس كل صوت يقف في وجهها إن بالترغيب أو الترهيب .
سابعاً : المناسبات الدينية الشيعية ، لا شك أن مقتل سيدنا الحسين بن علي عليه السلام وجمع من أهل بيته وأصحابه في واقعة كربلاء حادثة محزنة والجرح الذي خلفته في قلوب المسلمين لا يقل عمقًا وألمًا عن الجروح التي خلفها مقتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين وهم عمر وعثمان وعلي سلام الله عليهم أجمعين.
بالإضافة إلى هذه المآسي فقد شهد تاريخ الأمة حوادث مأساوية أخرى كثيرة قتل فيها خلفاء ورعايا من أبناء الأمة الإسلامية بطرق وحشية قل مثيلها، وذلك خلال الهجمات والغزوات البربرية التي تعرض لها المسلمون على يد المغول والتتر والصليبيين والصهاينة.ولو راجعنا التاريخ لوجدنا أن أعداد النساء والأطفال والشيوخ الأبرياء من المسلمين الذين قُتلوا في كل غزوة من هذه الغزوات يفوق مئات أو آلاف المرات عدد الذين قتلوا بواقعة كربلاء. ومع ذلك لم نجد من ينصب لهم مأتمًا ليحيي ذكراهم.
ومن هنا يتبين أن إحياء ذكرى واقعة كربلاء بهذا الشكل الذي نراه ونسمعه في كل عام وبهذه الطريقة المقززة للنفس فهي ليست مجرد إحياء ذكرى وإنما هناك أهداف أبعد مما يتخيله البسطاء من الشيعة وسائر المسلمين الذين غلبت عليهم العاطفة والغفلة وعدم الدراية والمعرفة بالدسائس التي حاكها أعداء الإسلام وما زالوا يحيكونها من خلال هكذا مناسبات.
فلو كان هذا الأمر فيه منفعة للمسلمين لما توانى عنه علماء الأمة ومجاهدوها الذين نراهم اليوم يبذلون أقصى جهدهم للوقوف في وجه المخططات الخبيثة التي تستهدف النيل من المقدسات الإسلامية عاملين كل حسب طريقته التي تتناسب مع الزمان والمكان. بينما نجد المدعين للإسلام يشغلون الناس في إحياء ذكرى حوادث الانشقاق والصراعات الداخلية المؤسفة التي مرت بها أمتنا قبل ألف وأربعمائة عام لزرع الكراهية بين المسلمين وتوسيع شق الخلاف بينهم؛ لتمكين الصليبين والصهاينة من تحقيق أهدافهم.
وهذا منهج خطه الصفويون قبل أكثر من خمسة قرون تقريبًا عندما دخلوا في حربهم مع الدولة العثمانية بالتحالف مع الصليبيين بهدف إضعاف المسلمين وإسقاط دولتهم.
لقد جعل الصفويون التركيز على المسائل الخلافية أحد أهم نصوص المنهاج التربوية لمذهبهم المسمى جزافًا بالمذهب الجعفري؛ حيث عملوا على إظهار أهل السنة بمظهر المعادي لآل البيت وإطلاق تسميات 'النواصب' و'المعادون' عليهم. وقد باتت هذه المسميات يتغذى بها [الشيعي] منذ نعومة أظافره من خلال استماعه للخطب والإرشادات التي تقدم له في المناسبات المتعددة التي ابتدعها الصفويين لنشر ثقافتهم وترسيخها في أذاهن أتباعهم.(2/318)
وقد قسموا هذه المناسبات إلى شقين: شق يسمى الأفراح، والآخر يسمى الأحزان.
فأما مناسبات الفرح والتي من أبرزها ما يسمى بعيد الغدير , نسبة إلى موقع 'غدير خم' محط رحال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند عودته من حجة الوداع, حيث اتخذها الصفويون على أنها المناسبة التي تم فيها تنصيب الإمام علي بن أبي طالب خليفة من قبل الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
أما المناسبة الأخرى فهي ما يسمى بعيد 'فرحة الزهراء'، وهو يوم استشهاد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد فيروز أبو لؤلوة المجوسي.
هذا إضافة إلى ما يسمى بعيد مولد الإمام المهدي المنتظر، وغير ذلك من المناسبات التي ابتدعت لترسيخ ثقافة الكراهية ضد أهل السنة وخلق الشقاق بين المسلمين في العراق وغير العراق.
أما المناسبات الحزينة فمن أهمها مقتل سيدنا الحسين في وقعة كربلاء، بالإضافة إلى 'وفاة الزهراء السيدة فاطمة' رضوان الله عليهم أجمعين.
وهناك مناسبات عديدة أخرى حيث ـ وكما هو معروف ـ إن هناك اثني عشر إمامًا للشيعة، ولكل منهم مناسبة فرح ومناسبة حزن، يتم الاحتفال بها على مدار السنة.
ولكن على الرغم من اختلاف هذه المناسبات إلا أن الخطاب فيهن واحد، وهو قائم على سب العرب والمسلمين وتكفير ولعن الصحابة بدعوى سكوتهم على مقتل أئمة الشيعة على يد الخلفاء الأمويين والعباسيين. وقد أنشأت جراء هذا الخطاب أجيال شيعية متشنجة ومعادية لأبرز الصحابة والخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين ولكل ما هو سني. قد طال هذا العداء حتى المساجد والجوامع السنية؛ حيث نجد أن طهران العاصمة الإسلامية الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها مسجد واحد لأهل السنة، هذا ناهيك عن تدمير عدد كبير من مساجد أهل السنة في مدن إيرانية كبرى كمدينة 'مشهد' عاصمة إقليم 'خراسان'.
وهذا العداء كما سبق وقلنا منشأه النصوص والمناهج الثقافية التي وضعها الصفويون مستغلين حادثة كربلاء كأحد أهم الحوادث السوداء في تاريخ الأمة لإذكاء روح الفتنة وزرع الأحقاد بين المسلمين.
لقد أفهم الشيعي أن أهل السنة معادون لآل البيت، وأن للحسين ثأرًا عند السنة، والشيعة هم أصحاب الثأر، ولهذا فإننا كثيرًا ما نسمع ونشاهد رفع الشيعة شعار 'يا لثارات الحسين'، وهي كلمة تردد باستمرار على ألسنة خطباء المجالس الحسينية، وتكتب على اليافطات السوداء، ويحملوها الصبية والشبان الشيعة المغفلون وهم يسيرون بها في المواكب ومسيرات اللطم ومهرجانات شق الرؤوس [التطبير]، خصوصًا في مثل هذه الأيام دون أن يعرفوا أبعاد هذه الشعارات وما هي مقاصد واضعيها.
نقرأ في سيرة الحسين سلام الله عليه أنه كان يبكي يوم كربلاء حزنًا على قاتليه الذين سوف يدخلون النار بسببه، وهذا قمة الخُلُق والإنسانية. إذن فطالما كان الحسين يتعامل هكذا مع خصومه فلماذا يجعل مدعيّ حب الحسين ذكرى مقتله وسيلة لنشر البغضاء والعداوة بين المسلمين المحبين للحسين؟!!
واللافت للنظر أيضًا أنه في مثل هذه الأيام يكثر الشيعة من القول بشعار 'هيهات من الذلة' المنسوب لسيدنا الحسين، ويجعلونه في مقدمة الشعارات التي ترفع في هذه المناسبة. فإذا كان المقصود من هذا الشعار هو عدم الرضوخ والذلة للغازي والمحتل والظالم للمسلمين فإن هذا الشعار أصبح لا معنى له اليوم، بدليل أن الغزاة يسرحون ويمرحون في ديار الإسلام، وهذه حوزة النجف العلمية التي تتزعم مرجعيته الشيعة في العالم وتسير مواكب اللطم وشق الرؤوس نراها تحاط بدبابات الغزاة والظلمة من الصليبيين الذين انتهكوا حرمة المقدسات الشيعية في العراق قبل غيرها، فأين إذن شعار 'هيهات من الذلة'؟!!
هذا وناهيك عن أن الغزاة لم يقف عدوانهم عند انتهاك المقدسات الدينية فقط، بل إنه بلغ قتل النفس المسلمة وانتهاك الأعراض والنواميس وتدمير البيوت والممتلكات وذلك كله أمام مرأى ومسمع أرباب الحوزة وخطباء المجالس الحسينية الذين يعتلون المنابر في عاشوراء محرضين الناس على الفتنة والكراهية.
لقد بات معلومًا أن المقصود من وراء شعار 'هيهات من الذلة' لا يعني عدم الذلة والرضوخ للحاكم الظالم أو المستبد كما يحاول دهاقنة المذهب الصفوي ترويج ذلك، وإنما المقصود منه هو عدم قبول الشيعة لنظام يحكمه سني، حتى وإن كان هذا الحاكم عادلاً؛ فانتمائه إلى أهل السنة يستوجب رفع شعار 'هيهات من الذلة' في وجهه.
لذلك نرى أن أحياء ذكرى واقعة كربلاء بما هي عليه من هذا السلوك والأساليب والثقافة ما هي إلا عاملاً اساسياً لرفد مشاعر الكراهية الطائفية في الوسط الشيعي لأهل السنة ، ونحن ندعو الشيعة لأن يستبدلوا هذه الثقافة بثقافة أخرى لنشر الوحدة والتآخي بين المسلمين؛ لكي يتحقق هدف الحسين الذي خرج من أجله، ويندثر بذلك فكر أعدائه من الصهاينة والصليبيين والصفويين.
[ انظر: دعوة لالغاء ذكرى عاشوراء ، صباح الموسوي ، موقع مفكرة الاسلام ، تقارير رئيسية ، 9 فبراير 2006 م بتصرف يسير] .
آراء في الموضوع
انفجار العنف الأهلي نتاج لنظام طائفي تقسيمي(2/319)
هل يصح ان نستمر في القذف بكل عقدنا وأمراضنا إلي العتبة الأمريكية. هناك بالفعل محتلون، ولكن هل كان الاحتلال هو الذي وجهنا لهذا الافتراس الأهلي الدموي لبعضنا البعض. ثمة قدر كبير من السذاجة أو السطحية أو سوء النية، يجتمع أو يتوزع علي هذه الأسئلة، لأن الإجابة الوحيدة الممكنة لها هي نعم، الاحتلال والنظام البشع، المشوه، المعادي لتاريخ العراق وشعبه، الذي أقامه المحتلون، هو المسؤول المباشر عن هذا العنف.ربما كان العراق يسير بالفعل نحو حرب أهلية، وربما استطاعت حكمة بعض من قادته وعلمائه وأعيان مجتمعه انقاذ العراقيين من جحيم هذه الحرب. ولكن أحداً لا يجب ان يخطئ حجم الدمار السياسي والاجتماعي الذي أوقعه الاحتلال وحلفاؤه بالعراق. العراق ليس الوطن الوحيد في العالم الذي يضم شعباً متنوعاً من الإثنيات والطوائف، بل ان الدول المتجانسة إثنياً وطائفياً هي من القلة في العالم بحيث يصعب حتي الجزم بوجودها. وما ينطبق علي الشرق العربي والإسلامي، حيث الدولة القومية الحديثة لم تتعمق جذورها بعد، ينطبق أيضاً علي الدول الأوروبية الغربية، حيث ولدت الدولة الحديثة واكتسبت ملامحها السياسية والقانونية. لابريطانيا، ولا بلجيكا، ولا أسبانيا، ولا فرنسا، بنيت علي تجانس عرقي وديني. وحتي ألمانيا، حيث العرق الجرماني هو السائد، تكونت الدولة (في أي حدود اعتبرت لها) من كاثوليك وبروتستانت ويهود، وخالط بنيتها القومية روس وبولونيون، بينما انتشرت المجموعات الإثنية الجرمانية في بلاد أوروبية أخري عديدة. في أي من هذه البلدان المعروفة اليوم باستقرارها (بعد حروب أهلية طويلة ودموية)، يمكن ان ينفجر السلم الأهلي في لحظات، إن وضعت في سياق شبيه بالسياق الذي دفع إليه العراق خلال السنوات الثلاث الماضية. كان مدهشاً، بالطبع، في الأيام القليلة السابقة لتفجير مقام الإمامين العسكريين ان نسمع السفير الأمريكي في بغداد يشن هجوماً صريحاً علي التوجه الطائفي لوزارة الداخلية ومؤسسات الحكم العراقي الجديد.ولكن السؤال الذي كان يجب علي السفير (أفغاني الأصل، المتحدث بالعربية) أن يسأله هو من المسؤول، من الذي وضع الأسس التي بني عليها هذا الحكم البشع، الغريب عن العراق وتاريخه. حتي قبل انطلاق مشروع الغزو كانت أوساط أمريكية وبريطانية تروج لعراق منقسم علي ذاته، عراق صور كأنه صنيعة بريطانية من التحام ولايات عثمانية مختلفة. وما أن أسس المحتلون أنفسهم في المنطقة الخضراء، حتي أطلق مشروع سياسي ودستوري واضح المعالم لدفع العراق إلي طريق الانقسام علي الذات. قيل للعراقيين انهم باتوا منذ اليوم أكثريات وأقليات، وان دولتهم الجديدة ستقوم علي نظام فيدرالي إثني وطائفي معاً، وهو واحد من أغرب الفيدراليات التي عرفها العالم. وما ان بدأت الدولة الجديدة في التشكل، بتأسيس مجلس الحكم سيئ الذكر، حتي قسم العراقيون إلي سنة وشيعة، وإلي أكراد وعرب، وإلي مسلمين ومسيحيين. وما انطبق علي مجلس الحكم، انطبق علي الحكومات الانتقالية. ثم جاء مشروع الدستور الجديد ليعيد التوكيد علي تقسيم العراق وشقه علي ذاته، إدارة وحكماً وتمثيلاً برلمانياً ووطناً.يتفق أغلب العراقيين علي معارضة الغزو والاحتلال، ويتفقون علي ان هناك ظلماً شاملاً أصابهم جميعاً في ظل النظام السابق، وإن بدرجات مختلفة. ولكن أحداً لم ير العراقيين يخرجون في حركة شعبية عارمة تطالب بتقسيم البلاد عرقياً وطائفياً، بمعني ان النظام الذي أقامه الاحتلال لم يأت للاستجابة لمطالب شعبية وطنية عراقية، بل جاء نتيجة لتواطؤ ضمني بين مديري الاحتلال وحفنة من السياسيين العراقيين الذين وضعوا أنفسهم في صف الغزو والاحتلال. وهنا أخذ مشروع التقسيم في محاولة تأسيس مواقع شعبية له. حفنة من السياسيين الطائفيين، من اللصوص والطامعين في ثروة البلاد وقوت شعبها، من المنظمات السياسية المحترفة، فشلت في تقديم نفسها إلي العراقيين بصفتها قوي وطنية فلجأت إلي كهف الخطاب الطائفي التقسيمي المظلم لتسويغ الامتيازات ومواقع السلطة والحكم التي منحت لها من إدارة الاحتلال. صاغت هذه القوي، التي يتصف أغلبها بجهل العراق وشعبه، تاريخاً جديداً للعراق وطوائفه وأعراقه، وتاريخاً جديداً للدولة العراقية وسياساتها، وتاريخاً آخر للوطن العراقي. أصبحت أساطير الاضطهاد الطائفي صناعة، احترفها رجال دين وسياسيون ركيكون، ومراكز إعلامية رخيصة الخطاب والحرفة. ولم يكن مستغرباً بالتالي أن يبدأ العراقيون في اكتشاف هويات لم يعرفها تاريخهم السياسي من قبل، وأن تبدأ جدران الخوف الطائفي في الفصل بين شمالهم ووسطهم وجنوبهم، بين الجار وجاره، الطالب وزميله، بل والرجل وزوجته. فجأة، اكتشف أبناء تميم وشمر والدليم أنهم شيعة وسنة، واكتشفت أبناء أسر بأكملها أن عليهم مخاصمة أخوالهم وأجدادهم من الطائفة الأخري. ولم يعرف تاريخ الأمم والشعوب ما عرفه العراق خلال العامين أو الثلاثة الماضية، عندما أخذ من يدعون أنهم أكثرية سكان العراق في الدعوة إلي تقسيم الوطن إلي كانتونات طائفية متصارعة، لا يعرف أحد أين يبدأ حدود الشيعة فيها وأين تنتهي حدود السنة. وفي حين يعرف أكثر العراقيين لغة التطرف واستباحة الدماء التي تحاول التغطي بغطاء المقاومة، وينكرونها، فإن تكفيريين قتلة يقفون علي رأس قوي سياسية ويحتلون مقاعد وزارات جعلوا منها مراكز لعصابات الاغتيال الطائفي والتعذيب والاختطاف علي الهوية.ما شهده العراق في الأسبوع الثالث من هذا الشهر لم يكن انفجاراً طارئاً، كما يقول الاعتذاريون بحسن نية، ولا هو سمة متأصلة في الشخصية العراقية، كما يحاول الجهلة والسفهاء التأكيد. هذا نتاج طبيعي ومتوقع لنظام سياسي أريد له، بوعي(2/320)
أو بدون وعي، ان يوصل العراق إلي ما وصل إليه، ولمنطق سياسي أريد له ان يزرع الخوف بين الطوائف، ولنمط حكم أريد له تشظية الشعب وإقامة هوة من الدم بين جماعاته وقواه. ومن العبث التعامل مع هذا الانفجار باعتباره حدثاً عابراً يمكن حصاره بعدد من اللقاءات بين بعض المسؤولين وقادة الأحزاب والعلماء. مثل هذا الجهد وهذه اللقاءات ضروري لوضع حد لسفك الدماء ومنع الأوضاع من التفاقم والتصعيد، ولكن العلاج الحقيقي يتطلب جهداً أكبر وأوسع وأكثر عمقاً.
علي القوي الإسلامية الشيعية، محل ثقة الأمة، داخل المنطقة العربية وخارجها، ان ترفع الغطاء عن الجماعات الطائفية الانفصالية التي تحاول إغراق العراق في الدم خدمة لمصالح سياسية صغيرة. لم يعد من الممكن ان تقوم هيئة علماء المسلمين في العراق واتحاد العلماء المسلمين (الذي يقوده الشيخ القرضاوي) بالتبرؤ من الزرقاوي وأمثاله، بينما تقوم القوي والشخصيات الشيعية العربية بتوفير الغطاء والاعتذار للطائفيين القتلة في العراق. التنظيمات التي تقودها عمائم هي أكثر خطراً من تلك التي يقودها نكرات، وإن كان للمسلمين أن يحافظوا علي وحدتهم داخل العراق وخارجه، فلا بد من عزل جميع القتلة، التكفيريين والطائفيين، سنة وشيعة. علي الإسلاميين العرب جميعاً، سنة وشيعة، ان يعلنوا موقفاً واضحاً وصلباً ضد مشاريع تقسيم العراق، باسم الفيدرالية أو بأي اسم آخر، وأن يطالبوا بإلغاء الدستور المسخ الذي وضع تحت ظل ظروف شاذة من الاحتلال وسيطرة عناصر لم تكن وليس من المتوقع ان تصبح محل إجماع من العراقيين، دستور تم تمريره في أجواء من الخوف الأهلي والاستقطاب الطائفي، وبوسائل التزييف والعبث بأصوات العراقيين. وعلي القوي العراقية الوطنية، إسلامية كانت أو غير إسلامية، مقاومة كانت أو غير مقاومة، ان تستمر في رفضها للوضع الراهن ولكل ما ولد من رحم نظام الاحتلال، حكومة ودستوراً ونظاماً انتخابياً وجيشاً وقوي أمنية. هذا العراق غير قابل للحياة، لا بمقاييس تاريخ العراق ذاته، لا بالمقاييس العربية والإسلامية، ولا حتي بمقاييس أهل الرأي داخل الولايات المتحدة وأوروبا. وعبثاً يحاول البعض ترقيع هذا المولود المشوه بتعديل دستوري هنا واتفاق حزبي هناك. الخطأ هو في جوهر وأساس هذا العراق، وهو ما يستدعي إعادة بنائه في ظل ظروف مختلفة تماماً عن الظروف التي سادت منذ الاحتلال. بدون ذلك، فسيظل العراق عرضة للانفجارات المتكررة، مرة بين السنة والشيعة، ومرة بين العرب والأكراد، مرة بين القوي الشيعية أو الكردية، وأخري بين القوي السنية، حتي يأتي يوم يقع فيه الانفجار الكبير حيث سيلغ الجميع في دم الجميع. وعندها لن يغرق العراق وحده، فكل الاجتماع المشرقي العربي ـ الإسلامي تعددي ومتنوع، إثنياً وطائفياً.أليست مجتمعات إيران وتركيا وسورية ولبنان والسعودية ودول الخليج هي مجتمعات تعددية؟ هل يمكن صناعة تفجير سني ـ شيعي في العراق، ومنع عواقبه من الامتداد إلي إيران والسعودية ولبنان، أم هل يمكن صناعة كيان كردي في شمال العراق، يهيمن بقوة السلاح علي جواره العربي، بدون أن تمتد عواقبه إلي سورية وتركيا وإيران؟ العراق هو صورة مصغرة للشرق كله، وسواء أراد العرب والمسلمون أم لم يردوا، فقد بات مفتاح الاستقرار لكل الشرق، عربه وفرسه وأتراكه وكرده. وهذا الاستقرار لن يستعاد من جديد بدون التخلص من الاحتلال ونظامه. الاحتلال هو المسؤول الأول عن تشظي الاجتماع العراقي، وهو المسؤول عن إقامة هذا النظام المشوه، وهو الذي زرع في رحم الدولة العراقية الجديدة عوامل الانفجار والانقسام والصراع الدائم. بدون نهاية الاحتلال لن يتحرر العراق من كوابيسه، ومن العبث تسويغ المطالبة باستمرار الاحتلال الأجنبي خوفاً من تداعي النظام وانفجار العنف الداخلي. فالنظام متداع علي أية حال، والعنف الداخلي يكاد الانحدار إلي حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. ثم، أليست القوي المطالبة باستمرار الاحتلال هي ذاتها القوي الساعية إلي تقسيم البلاد، والتي تلعب الدور الرئيسي في تأجيج مناخ العزلة والخوف والثأر الطائفي؟وبعد، فخلف ما يشهده العراق درس لا يجب لكل صاحب نظر ان يغفله. إن ميزان قوي يقوم علي تدخل الأجنبي ووجوده سرعان ما سينهار، إما بخروج الأجنبي أو بقيامه بتغيير تحالفاته. ولشعوب هذه المنطقة ذاكرة طويلة وعميقة لن تنسي لأحد مواقفه وأفعاله.
[انفجار العنف الأهلي نتاج لنظام طائفي تقسيمي، د. بشير موسي نافع، موقع هيئة علماء المسلمين ، مقالات بتاريخ 2/3/2006بتصرف ].
هل يتخلى شيعة العراق عن جرائمهم الطائفية؟
لم يكن مفاجأة لي أن أقرأ أن أكثر من مائة وخمسين من مقاتلي فيلق بدر إضافة إلى مائتين من مقاتلي جيش المهدي قد شاركوا في العمليات العسكرية التي نفذها الجيش الأمريكي مؤخراً في مدينة سامراء العراقية، وهم يرتدون ملابس مغاوير الداخلية؛ لإضفاء صفة شرعية أثناء اقتحامهم القرى السنية المحيطة بسامراء.
وانعدام المفاجأة بالنسبة لي ولغيري ينبع من سلوك الحكومات العراقية المتتابعة في عهد الاحتلال الأمريكي البريطاني، والتي يسيطر عليها الشيعة، حيث أكدت ممارسات هذه الحكومات المتعاقبة على المنحى الطائفي المتعصب، الذي ينطلق من تحميل السنّة مسئولية جرائم صدام حسين، ومن ثم الانتقام منهم، والحيلولة بين مشاركتهم في السلطة والحكم.(2/321)
الحكومات العراقية إذن تغذي المشاعر الطائفية، والشواهد على ذلك بلا حصر، وهي تتضح في قائمة طويلة من الممارسات، لعل أحدها محاكمة صدام حسين على محاولة اغتياله في الدجيل، وهو الحادث الذي وقع في عام 1982. فلماذا إذن انتقاء هذا الحادث تحديداً وإسقاط كل الممارسات التي وقعت قبله وبعده، الإجابة معروفة وهي أن ما جرى في أعقاب محاولة الاغتيال هذه استهدف الشيعة، وهم الآن يريدون الانتقام.
مسئول دولي يفضح ميليشيات الشيعة
ولم يكن مفاجئاً كذلك اتهام جون بيس، الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العراق، فيلقَ بدر بالوقوف وراء مئات حالات الإعدامات في البلاد, موضحًا أن ضحايا الإعدامات يمثلون الآن ثلاثة أرباع الضحايا الذين تتسلم دائرة الطب العدلي جثثهم كل أسبوع.
جون بيس أكد للعالم أن جثث معظم الضحايا تحمل أيضًا آثار تعذيب، وحمّل بيس فيلق بدر مسؤولية هذه الإعدامات، وقال إن الأغلبية العظمى للجثث ظهرت عليها علامات إعدام عاجل، والكثيرون رُبطت أيديهم وراء ظهورهم، وتظهر على البعض آثار التعذيب، مع كسور في مفاصل السيقان والأذرع من جراء استخدام المثاقب الكهربائية.
هذا المسئول الدولي، الذي هو بكل تأكيد غير سني وغير معادٍ للشيعة، أكد أيضاً أن السجلات، المدعمة بالصور لهذه الانتهاكات الخطيرة، جاءت من معهد بغداد للطب العدلي، والتي سُلّمت إلى الأمم المتّحدة. وقال إن مشرحة بغداد تسلّمت أكثر من سبعمائة جثة في الشهر. وبلغت الأرقام الذروة في يوليو/تموز الماضي حيث بلغت 1100 جثة، الكثير منها تحمل آثار التعذيب.
وكشف هذا المسئول الدولي عن فرار فائق بكر مدير مشرحة بغداد، هارباً من العراق؛ خوفًا على حياته بعد كتابته تقارير تؤكد بأنّ أكثر من 7.000 شخص قتلوا من قِبل فرق الموت الشيعية في الأشهر الأخيرة.
حتى السفير الأمريكي !!
أما السفير الأمريكي في بغداد زلماي خليل زاد فإنه يواجه حملة عدائية شرسة تشنها ضده قوى وشخصيات سياسية شيعية عراقية تتهمه بالانحياز للسنّة، وإطلاق تصريحات تشجع على الإرهاب وتهيئ لحرب أهلية طائفية.
وسبب هذه الحملة هي تصريحات خليل زاد الشهيرة عن رفض تولي 'أشخاص طائفيين' لحقيبتي وزارتي الداخلية والدفاع، وحديثه عن جرائم ترتكبها مليشيات تابعة للداخلية، التي يتولاها قيادي في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبد العزيز الحكيم، هو بيان جبر صولاغ وزير الداخلية الشيعي المتطرف.
الجنرال الأميركي جوزيف بيترسون، وهو أحد المسئولين عن تدريب العسكريين العراقيين، قال هو الآخر لصحيفة [شيكاغوتريبيون]: إن هناك فرقة موت داخل وزارة الداخلية العراقية، وهي مسئولة عن الكثير من جرائم القتل التي ارتكِبت في البصرة. وقال الجنرال الأمريكي: إن 22 من أفراد شرطة النجدة يرتدون زي قوات المغاوير أوقفوا في نهاية كانون الثاني الماضي شمال بغداد، بينما كانوا في طريقهم لتنفيذ عملية قتل رجل سني، وأن الوزارة عزلت أربعة من قادة ألوية الشرطة الخاصة بعد نشر الكثير من التقارير عما تقوم به وحداتهم من إساءات.
فيلق بدر ذروة التطرف الشيعي
لقد دخلت العراق حشود من الشيعة العراقيين الذي عاشوا في المنفى الإيراني عقودًا من الزمن، تحت لواء 'المجلس الأعلى للثورة الإسلامية' و'حزب الدعوة الإسلامية'، محملين بأثقال من روح الثأر والانتقام الأعمى، تقودهم قيادات انتهازية تستبيح كل شيء في سبيل تحقيق حلمها التاريخي بحكم العراق والهيمنة عليه، حتى ولو كان ذلك من خلال امتطاء دبابات دولة محتلة طالما وصموها بوصمة 'الشيطان الأكبر'. وقد ارتكبت الميليشيات التابعة لهذين الحزبين فظائع ضد أهل السنّة، متسترة بستار وزارة الداخلية والدفاع العراقيتين اللتين تسيطران عليهما، أو بستار الشرطة والجيش الوطني، وما ثَمَّ جيش وطني في العراق اليوم، وإنما هي ميلشيات طائفية بغيضة تتسمى باسم الجيش العراقي.
وقد تشكّل فيلق بدر نهاية عام 1980 من ذوي الأصول الإيرانية الذين أبعدهم صدام حسين إلى إيران، ومن الأسرى العراقيين في إيران. إذ كان الخيار بينهم إما الموت أو الدخول في فيلق بدر.
وكانت مهمة بدر هي حفر الخنادق الأمامية للجيش الإيراني في الحرب مع العراق. ثم أصبح جزءًا من القوات الإيرانية وبقيادة ضباط من حرس الثورة الإيرانية. وقد انضم العديد من العراقيين منهم لمنظمة بدر؛ تخلصًا من التعذيب الذي كان يواجههم في أقفاص الأسر في إيران، وأصبح عددهم 35ألف مقاتل.
وكانت مهمة فيلق بدر هي قتل الأسرى العراقيين وتعذيبهم، وكان ذلك بقيادة باقر الحكيم. وقد ارتكب فيلق بدر العديد من المجازر بحق الأسرى العراقيين راح ضحية هذه المجازر عشرات الآلاف منهم.
وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق دخلت قوات بدر مع الاحتلال. وبالنظر لقيام بريمر بحل المليشيات الخاصة بموجب قراره المرقّم 96 أعلن فيلق بدر أنه أصبح منظمة سياسية.
وحصل فيلق بدر على أسلحة كبيرة من العراق، وأقام معسكرات تدريب في إيران. واستغل الحالة المعاشية للمواطنين، وعمل على فتح التطوع وإرسال المتطوعين إلى إيران للتدريب قرب الحدود العراقية.
ومنذ دخول فيلق بدر توزّعت قواته على عدة تشكيلات، فكان منها قوة المختار التي تتولى اغتيال البعثيين، خاصة في المدن الجنوبية وجميعهم من البعثيين الشيعة. وكان هناك أيضاً قوة الثأر والانتقام وتقوم باغتيال المسئولين السابقين في جهاز المخابرات والجيش والأمن.
وكان هناك كذلك المتطوعون في الشرطة العراقية من أعضاء فيلق بدر ومهمتهم اغتيال السنّة.
ومن تشكيلات فيلق بدر أيضاً المتطوعون في الجيش العراقي، ومهمتهم مساعدة القوات الأمريكية في عملياتها العسكرية في مدن السنّة.(2/322)
وقد اشترك فيلق بدر في العديد من العمليات مع القوات الأمريكية في مناطق متعددة في العراق في مدن السنّة، مثل الموصل وبعقوبة وتلعفر والفلوجة والرمادي والقائم واللطيفية.
جرائم 'بيان جبر' المتطرف
لقد عمدت مليشيات الشيعة، وعلى رأسها فيلق بدر، إلى أساليب الاغتيال والتهديد والتهجير والإرهاب التي طالت أئمة المساجد والعلماء والأطباء والأساتذة والطيارين، وكل قوى الشعب العراقي الرافضة للغزو، وقد تم تهديد وتهجير مئات العوائل السنية من مساكنهم في محافظات الجنوب.
واستولت هذه المليشيات على تشكيلات وزارة الداخلية التي تولاها بيان جبر صولاغ، وشرعت في تنفيذ حرب طائفية قذِرة ضد أهل السنّة ورواد المساجد.
إن وزارة الداخلية العراقية ضالعة في الإرهاب والتعذيب وقتل الأبرياء في ظل أجهزة صولاغ، ومليشيات العامري، وفي ظل حكومة الجعفري المتستر على فضائح السجون السرية في ملجأ الجادرية وفي أرجاء العراق، وهو المسئول الأول عن الجرائم التي طالت أئمة المساجد والعلماء، من تعذيب وتمثيل وتثقيب للرؤوس بالمثقب الكهربائي بأساليب لم تشهد لها البشرية مثيلاً.
كل الخبراء العرب والأجانب يؤكدون سيطرة ميليشيا فيلق بدر على وزارة الداخلية ابتداءً من 12 –5 – 2005م، وهو اليوم الذي تسلّم فيه صولاغ مهام وزارة الداخلية، حيث قام بإصدار أوامر بضم منظمة بدر الشيعية إلى الوزارة؛ حتى تكون جرائمها تحت ستار ومظلة القانون، في الوقت الذي أبعد فيه الضباط والقادة السنّة عن وزارة الداخلية.
ولعل أبشع الفضائح التي واجهت وزير الداخلية الشيعي المتعصب بيان جبر صولاغ هي جرائم التعذيب الوحشية التي ارتكِبت مؤخرًا ضد 176 معتقلاً في مركز اعتقال تابع لوزارة الداخلية العراقية بضاحية الجادرية جنوبي بغداد.
وليست هذه هي المرة الأولي التي تُتهم فيها حكومة إبراهيم الجعفري، وتحديداً وزارة الداخلية، بإساءة معاملة المعتقلين في سجونها. وما أن شاع خبر هذه الفضيحة حتى أسرع الجعفري بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق في الحادث, كما سارع صولاغ بتشكيل لجنة خاصة لمتابعة القضية. والمقصود من هذه اللجان هو تهدئة الأوضاع فقط ليس أكثر.
[هل يتخلى شيعة العراق عن جرائمهم الطائفية؟ ، د. علي عبد الباقي ، موقع مفكرة الاسلام ، تقارير رئيسية ، الاثنين 1 مايو 2006م ].
التطرف الديني ظاهرة خطيرة
الشيخ د. محمد بشار الفيضي الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين في العراق المتطرفون الغربيون هم سبب التطرف الديني ولو تركونا وشأننا لم ينشأ في بلادنا.
س / كيف يمكن للإسلام - من منطلقاته الصحيحة والجوهرية - الدفاع عن ثوابته أمام التطرف الديني في هكذا ظروف كلفتنا الكثير من الدماء؟
ج / التطرف الديني ظاهرة خطيرة لكن من وجهة نظري فالمسلمون أنفسهم لم يقفوا وراء نموها، بل كان من أوجدها وسعى في إنمائها الغربيون ممن يحملون التطرف الديني، فقد عملوا منذ مدة ليست بالقصيرة على مصادرة ما يمتلكه المسلمون من معطيات ومصادرة حرياتهم في إسقاط هذه المعطيات على واقعهم، ووصل الأمر بالغرب إلى حد التدخل العسكري في البلدان الإسلامية تحت ذرائع غير مقنعة وبعد مسيرة طويلة من التدخل الثقافي والاجتماعي عبر حكومات تواطأت معهم أو منظمات أو غير ذلك.
هذا الفعل السيئ ولد فعلاً سيئاً آخر في الاتجاه المعاكس، بمعنى أن التطرف الديني الغربي هو من أوجد في بلادنا التطرف الديني الشرقي والقاعدة الفيزيائية تقول لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه، وأنا أعتقد لو أن الغرب تركنا وشأننا نختار لحياتنا ما نحب لم ينشأ في بلادنا أي تطرف ديني.
س / هنالك فهم دولي خاطئ تجاه ديننا الحنيف، فمنهم من يتهم الإسلام بالإرهاب، وهنالك أيضاً دعاة من أجل نشر فضيلة الدين إلى كل بقاع العالم، ولأن ديننا بريء من كل الدماء التي أزهقت بالباطل, فما هو تعليقكم من أجل فهم الدين بأنقى ما نريده كي يفهم من يريد بهذا الدين الأذى؟
ج / ليس في ديننا الحنيف أي معنى من معاني الإرهاب. والمتأمل في تشريعات هذا الدين لا يجد عناء في فهم ذلك. يكفي أن الإسلام أباح للمرء حرية المعتقد والتدين مع وجود أديان فيها كفر وشرك كما في قوله تعالى ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ).
كلمة الإرهاب - بمعنى مصدر الأذى للآخرين - كلمة صنعها الغرب وسخر آلاته الإعلامية الضخمة لترويجها إلى الحد الذي قلبت فيه الموازين، فنجد رئيس حكومة كشارون يقتل يومياً من المدنيين والأطفال والنساء ما يشاء ويهدم بيوتهم ويسمي ذلك حرباً على الإرهاب في حين يوصف من يدافع عن أرضه ويعمل لإخراج المحتل بأنه إرهابي. هذه الكلمة أعني الإرهاب أصبحت ممجوجة لدى الذوق العام بسبب التطبيقات السيئة والمتناقضة لمن وضعها.
س / كيف نعالج المفاهيم التي مررت من خلال التدليس المتعمد ضد هذا الدين؟
ج / لن نجازف بالقول إن التطرف الديني لا وجود له في بلاد المسلمين، فهذا مجانب للصواب، هنالك تطرف ديني سببه كما بينا تطرف ديني طرأ علينا من جهة الغرب. ونحن المسلمين نرفض التطرف الديني بكل أشكاله سواء أكان في بلاد الغرب أم في بلاد المسلمين ونعمل على احتوائه وانتزاع عوامل تأجيجه.
ولكن المشكلة أننا من الممكن أن ننجح في جوانب من خلال جهودنا في التوعية الإسلامية وكشف الغشاوة عن المبتلين بهذا المرض، ولكننا في جوانب أخرى سنخفق؛ لأنها متعلقة بأسباب لا نملك قطعها، فلسنا نملك القدرة في هذه المرحلة لنقطع دابر التدخل الغربي في شؤوننا وخصوصياتنا على مستوى العالم الإسلامي، وما دام هذا التدخل قائماً فإن التطرف يبقى نامياً.(2/323)
ولذا فأنا أقول دائماً إن الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة الزمنية هي من رعت الإرهاب وأنمت غراسه في العالم بسبب سياساتها الخاطئة وحقدها على معطيات ديننا التي مثلت فيها الذروة على عهد الرئيس الحالي جورج دبليو بوش.
س / بماذا تنصح المسلمين في هذا الظرف العصيب الذي تمر به الأمة الإسلامية؟
ج / أنا أتوجه بالنصح أولاً إلى من يمارس التطرف الديني في بلادنا أن لا ينزلق إلى أسلوب رد الفعل، وأن يتعامل منطلقاً من ثوابتنا الدينية؛ لأن رد الفعل غالباً ما يكون خارجاً على هذه الثوابت وتتحكم فيه النوازع البشرية.
ويجب أن لا ننسى أن رسالتنا الإسلامية خالدة، ويجب أن نعمل على بقائها خالدة، والتصرف برد الفعل يضر بهذا الخلود، لو تذكرنا فتح مكة حين دخل الرسول صلى الله عليه وسلم منتصراً ووقف أمام أعدائه وهم أذلاء كان بمقدوره أن يصدر أمراً بالإشارة ليقتل كل أعدائه ويجعل من باحات مكة مذابح للرجال، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يتصرف برد الفعل وهو النبي المعلم، بل عفا عن أعدائه وكأنهم لم يؤذوه ووهبهم الحرية وكانوا يتمنون الحياة ولو أرقاء.
وبهذه الخطوة النبوية بدأت لحظات الخلود بالرسالة الإسلامية، ولو أنه عليه الصلاة والسلام أعمل فيهم السيف لم يكن الإسلام ليبسط ذراعه على طرفي العالم، وهكذا ينبغي أن نكون فالتطرف الديني يلحق بنا خسائر أضعاف ما يلحق بأعدائنا.
س / بماذا تنصح الشباب المسلم في عصر الشبكات العنكبوتية التي من جوانبها السلبية النيل من القيم والأخلاق؟ وكيف السبيل لإخراجه من عتم الثقافات المستوردة؟
ج / لم يعد بالإمكان في هذه المرحلة العيش بمعزل عن العالم، والذين كانوا يفتون بحرمة التلفاز وأجهزة الإعلام الأخرى لم يعد الناس يلتفتون إلى فتواهم لعموم البلوى، لذلك لا بد من التعامل مع هذه الظاهرة بحكمة لا سيما وأنها سلاح ذو حدين بقدر ما فيها من تدمير يمكن أن يكون فيها خير، وهذه مهمة جيلنا الجديد أن يقتحم هذا العالم بثقة ويحسن استخدامه لخدمة دينه ووطنه وذاته.
وأنا شخصياً لم أعد أخشى كثيراً من الثقافات المستوردة؛ لأنه بعد الحرب على العراق كشفت النوايا وتبينت للعالم الإسلامي على اختلاف مستويات أبنائه أن وراء هذه الثقافة نفساً استعمارياً خطيراً، ولذا بدأ الضعف يدب في التعامل مع هذه الثقافة. والفرصة سانحة لإيجاد البديل الذي يسد حاجة مجتمعاتنا ويرضي تطلعاته، وهذه كما قلت مهمة جيلنا الجديد.
س / هنالك صدى لجريدة البصائر التي تديرها لما تحتويه من مواضيع تخدم الجيل وتطور - حسب منهج الدين - السياسة. وكذلك تخلق توازناً معرفياً بين واقعية الحياة والالتزام، وهذا ما يشدنا للتمحيص في هذه المباحث التي تعبر عن رؤية مفتوحة باتجاه الخير. هل ستفتح منافذها على العالم الإسلامي كتعميم يخدم المرحلة؟
ج / بالنسبة لجريدة البصائر لست من يديرها بل أعمل مستشاراً فيها، وهي تنطق بلسان حال هيئة علماء المسلمين هذه الهيئة المباركة التي تأسست فور سقوط النظام السابق، وعملت على سد النقص السياسي والديني والإداري في مجتمعنا.
والبصائر كانت منها خطوة في هذا الاتجاه، لذلك - على ما أظن - ستبقى في هذه المرحلة قطرية، ولن تخرج عن مواصفات المرحلة التي تتمتع بها الآن؛ لأنها بصدد تأدية واجب معروف، ويوم ينتهي الاحتلال وتعود للبلد حريته وسياسته فمن الممكن للبصائر أن تفتح منافذها على العالم الإسلامي.
س / بماذا تنصح المسلمين في العراق والديانات الأخرى؟ وهل ترى المستقبل بعين البصيرة تجاه هذا البلد الذي يريد خير البشرية جمعاء؟
ج / أنا ابتداء قلت أكثر من مرة إنني متفائل بمستقبل العراق، ولدي يقين بأن العراق - وقد أراد له أعداؤه أن يكون نكسة للعالم الإسلامي - سيكون سبباً للنهضة في هذا العالم، ووقائع الأحداث بدأت تبشر بذلك، والولايات المتحدة الأمريكية اليوم في وضع لا تحسد عليه، ودخولها إلى العراق وما جرّ ذلك عليها من تداعيات جعلها اليوم على حافة من الانزلاق إلى الأفول بدأ عده التنازلي.
لذلك فإن المطلوب من أبناء العراق على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم واتجاهاتهم أن يعوا أهمية المرحلة التي يمر بها بلدنا وعظم المهمة المناطة بأبنائه، فهم مرشحون في تقديري لقيادة العالم العربي والإسلامي قيادة فكر وتجربة ونهضة، وعليهم أن يؤدوا هذا الدور بأمانة، وبطبيعة الحال لا يمكنهم النجاح ما لم يعملوا كاليد الواحدة.
وأنا أشبه العراقيين دائماً بحزمة الضوء التي تضم ألواناً زاهية لا تبدو للناظر إلا حين ينكسر شعاعها ويتم تحليله إلى عناصره الأولية، فالعراق جميل بتعدد أطيافه أدياناً ومذاهب وقوميات.
س / ماذا تعني السيادة الآن من وجهة نظر الشريعة؟ وهل هي فعلاً سيادة كاملة كما يشاع؟ وما السبيل لجعلها سيادة كاملة؟
ج / لا يختلف اثنان على أن عراقنا اليوم لا يتمتع بسيادة، وأن الاحتلال لم ينقطع عن هذه الأرض سوى أنه انتقل من صورة إلى صورة. لا يمكن لشعب أن ينال الحرية والسيادة وعلى أرضه 150 ألف مقاتل مدججون بالسلاح يقطعون البلاد طولاً وعرضاً ويملؤون سماءه بالطائرات المقاتلة.
ما زلنا رهن الاحتلال، والحكومة الحالية منبثقة منه، ولا أظنها ستحل المشكلة، بل ربما إذا لم تحسن التصرف فستزيد السوء سوءاً والطين بلّة. السيادة تكون للبلد يوم يحكم نفسه بنفسه ويختار دستوره بإرادته ويتصرف بثرواته وفق مصالحه ولا يقف على أرضه غير أبنائه، وأي غض من هذه المعاني مكابرة لا قيمة لها والأمريكيون واهمون جداً حين ظنوا أن فكرة هذه الحكومة ستقنع العراقيين.(2/324)
س / هل من المؤمل أن تخرج قوات الاحتلال وتدع العراقيين يديرون شؤونهم بأيديهم أو ستبقى تماطل بالحجج؟ وبماذا تنصح القادة المدنيين الجدد الذين تسنموا سلطة العراق كأمانه في أعناقهم؟
ج / ابتداء من الممكن أن تخرج قوات الاحتلال وليس ذلك مستحيلاً، ولكن ما يجب أن يعرفه الجميع هو أن قوات الاحتلال لن تخرج حتى تيأس من قدرتها على البقاء، فلقد أنفقت أموالاً باهظة في سبيل احتلالها العراق، وفقدت الآلاف من جنودها، ولن تخرج بسهولة، لكن يوم تشعر أن بقاءها سيجعلها تخسر المزيد من الأموال والمزيد من القوات، وأنه لا أمل في تغيير هذه المعادلة فإنها ستخرج حتماً وإن اقتضى ذلك خروجها على حين غرة كما حدث في الصومال، وأنا لا أظن أن الحكومة الحالية تغيب عنها هذه الحقيقة، ولكن ليس النجاح في الفهم وحده بل بالقدرة على توظيف هذا الفهم لمصلحة العباد والبلاد.
س / ما دور هيئة علماء المسلمين التي استحدثت أخيراً في خلق توازن إيجابي بين مختلف القوى السياسية والأطياف الدينية في العراق؟ وهل هناك تيار سياسي أو تمثيل للهيئة في الحكومة الجديدة؟
ج / هيئة علماء المسلمين منذ نشأتها عملت في ثلاثة اتجاهات:
الأول: وكان الأهم في بداية نشوئها العمل على نزع فتيل الطائفية من خلال التواصل مع المراجع الدينية من كل الأطياف وفتح الحوار العقلاني وإصدار الفتاوى المشتركة لبيان حرمة دماء أبناء الوطن.
والاتجاه الثاني: رعاية المساجد التي فقدت مع مطلع الاحتلال الإدارة المؤسساتية لرعايتها.
والاتجاه الثالث: التثقيف ضد الاحتلال وبيان نواياه وأهدافه الخطيرة.
وهي لما تزل تعمل في هذه الاتجاهات الثلاثة، وإن كان عملها في الاتجاه الثاني ضعف لسبب تشكيل ديوان للأوقاف يتولى شؤون المساجد.
ويجب التنبيه هنا إلى أن هيئة علماء المسلمين ليست حزباً سياسياً ولا حركة سياسية إنما هي مرجعية دينية، وقد اضطرت في كثير من الأحيان إلى الوقوف مواقف سياسية بسبب خلو الساحة من المعارضة السياسية وانخراط كثير من الأحزاب الوطنية ومنها الدينية في الجانب المسالم لقوات الاحتلال.
أما بالنسبة للتمثيل في الحكومة الجديدة فقد بينت الهيئة موقفها أكثر من مرة بهذا الصدد وهي أنها لن تشارك في أية عملية سياسية تقوم في ظل الاحتلال، وهذا مبدأ لا يمكن التنازل عنه.
س / كلمة أخيرة موجهة إلى أبناء المسلمين وشبابهم في العراق؟
ج / أنا أذكرهم بحقيقة يؤمن بها كل إنسان في العالم وهي أن الاحتلال مرّ وأن الحرية والسيادة حق، وعليهم أن لا يقبلوا بالمرّ على حساب الحق مهما كان الثمن غالياً، وهذه الكلمة ليست موجهة إلى المسلمين في بلادنا فحسب بل إلى كل عراقي وعراقية.
أجرى الحوار: الشاعر والصحفي عبد الكريم الكيلاني
[المتطرفون الغربيون هم سبب التطرف الديني ، د. الفيضي، موقع هيئة علماء المسلمين ، مقابلات صحفية بتاريخ 28/5/2006 بتصرف ].
سياسة التطهير الطائفي في جنوب العراق
( البصرة .. حقائق وأرقام )
خاص - الهيئة نت - بلغ عدد العوائل المهجرة من البصرة منذ بداية الاحتلال وحتى إعداد هذا التقرير ما يقارب من 2000 عائلة كان أكثرهم قد غادر البصرة بعد أحداث سامراء حيث تلقت أكثر العوائل تهديدات بالقتل والتمثيل من جهات مجهولة عبر منشورات ألقيت في منازلهم ورسائل ومكالمات عبر أجهزة الهاتف النقال تتهمهم بأنهم أعداء لآل البيت.
وفقد آخرون أبناءهم وإخوانهم بسبب الاغتيالات والاعتقالات فكان هذا سببا بترك أكثر من 800 عائلة منهم العراق إلى بلدان أخرى في حين فضل الباقون الانتقال إلى محافظات أخرى يشعرون فيها بشيء من الأمان علّهم يرجعون يوما إلى منازلهم.
وبلغ عدد الشهداء المغدورين عقب أحداث سامراء أكثر من (180) شهيدا وشهيدة من مختلف الاختصاصات وعلى النحو الآتي:-
1.أئمة وخطباء مساجد.
2.أطباء.
3.أساتذة جامعات ومعاهد.
4.معلمون ومدرسون.
5.قضاة.
6.محامون.
7.موظفون في شتى الدوائر.
8.كسبة.
كما تم اغتيال 12عراقيا ما بين مهندس وعامل في ساحة سعد وسط البصرة ومثل بجثثهم ووضع على الجثث قصاصات ورقية فيها تهديد وتوعد للسنة بترك العمل في الدوائر والشركات لئلا يصيبهم ما أصاب هؤلاء بعملية بشعة بعد دخولهم إلى الشركة المذكورة إمام انظار ومسمع من الناس علما انه لم يتم التحقيق في أية جريمة من هذه الجرائم من قبل جهاز الشرطة بتاتا.
هذا وقد شهد الشهر المنصرم اغتيال كل من:-
- الشيخ خالد السعدون
-الأستاذ طارق السعدون
-احمد عبد المطلب
-الشيخ خليل جابر
-وولده - احمد خليل جابر ( 12سنة استشهد مع والده بعد صلاة الجمعة مباشرة )
-سامي جاسم محمد المنصور
-عبد العزيز نوري سلطان الحزبة
-عماد المرابحي
-قحطان عدنان معتوق
-جاسم محمد الراشد
-علي فالح
-هشام الدغمان
-قيس جاسم
-نوفل احمد العقرب
-حيدر شبوط
-محمد داود
-توفيق العرادة
-احمد عيسى
-جلال مصطفى الشنان
- علي الشناوة (مقدم مرور)
-جاسم الهجول
-عادل صكر
-عبد الله محمد علي العيثان
-فرقد عبود الخالدي
-سعود عبد العزيز
- ضياء ابو نور
-شعيب يوسف
-عبد القادر ابو ايمان
-عمار نادر
-منتظر حكمت الشريدة
-سالم داود النجدي
-رضوان كامل العبد الله
-محمد عبد المعبود الغانم
-هيثم موفق
-ميمونة عبد الكريم الحمداني
-شريف عبد الله الحلاق
-خليل ابراهيم الشاهين
-خليل ابراهيم الدوسري
-عبد الله فايز
-شاكر الدليمي
-مهدي محسن نعمة
-يحيى شاكر
-حارث مصعب عبد الجليل
-عبد الوهاب حمزة محمود
-علي جاسم
أسماء التدريسيين الذين تمت تصفيتهم من جامعة البصرة:-
الأستاذ الدكتور/ أسعد سليم الشريدة كلية الهندسة
الأستاذ/ خالد الشريدة كلية الهندسة
الأستاذ الدكتور/ علاء داود الدراسات التاريخية
الأستاذ الدكتور/ حيدر البعاج كلية الطب(2/325)
الدكتور/ غضب جابر عطار كلية الهندسة
الدكتورة/ كفاية حسين صالح كلية التربية
الدكتور/ جمهور كريم خماس كلية الآداب
الدكتور/ عبد الحسين ناصر خلف كلية الزراعة
الدكتور/ عمر فخري كلية العلوم
الدكتور/ سعد الربيعي كلية العلوم
الدكتور/ كاظم مشحوت عودة كلية الزراعة
الدكتور/ عبد الله حامد الفضل كلية الطب
الأستاذ/ صلاح عزيز هاشم المعهد الفني
الدكتور/ سلطان عبد الستار سلطان المعهد الفني
الدكتور/ عبد الكريم حسين ناصر كلية الزراعة
يتضح أن معظم الأكاديميين في البصرة خصوصاً وفي العراق عموماً يتعرضون لتصفية خطيرة حيث تم قتل الكثير منهم وتشريد الآلاف واختفاء المئات وبهذا يتعرض العراق لاستنزاف خطير للعقول العلمية، إلا أن ما يجري في البصرة هو نوع من إرهاب وتخويف مئات من الأساتذة من جامعة البصرة حاليا الأمر الذي أدى إلى هروب بعضهم إلى خارج العراق والبعض الآخر داخل العراق وهذا بحد ذاته استنزاف رهيب لعقول العراقيين ونوع من التصفية الخطيرة.
ومعظم التدريسيين مستاءون من هذه الأوضاع وأصبح القلق والشك يتسلل إليهم وهذا ما ينعكس سلباً على العملية التربوية في مخطط واضح لاجتثاث الأفكار الرافضة للعملية التقسيمية والمتعارضة مع مفهوم إقليم الجنوب، وكذلك لتكريس سلطتهم الطائفية من خلال رفع وإبعاد جميع الأفكار التي تشكل عائقا أمام مخططاتهم.
بلغ عدد المعتقلين في سجون الأجهزة الأمنية أكثر من ( 370 ) معتقلا قتل بعضهم بعد أحداث سامراء على أيدي مجاميع دخلت تلك المعتقلات وأخرجتهم إلى مناطق مهجورة وقامت بإعدامهم بعد تعذيبهم، حدث هذا في التسفيرات وسجن الاستخبارات والشؤون أمام أعين حراس تلك المعتقلات, وأطلق سراح البعض منهم فيما لا يزال ما يقرب من ( 200 ) في المعتقلات المعلومة والمجهولة منها.
بلغ عدد الجوامع والمراقد التي تعرضت إلى الاعتداءات بعد أحداث سامراء ( 9 ) هي:-
1.جامع السلام - في الطويسة
2.جامع العشرة المبشرة - وقد احرق بالكامل ولا يزال شاهدا على الجريمة
3.جامع الحمزة
4.جامع المصطفى - في حي الجامعة
5.جامع الفيحاء - في الأمن الداخلي
6.جامع الفاروق - في الجبلة
7.جامع الكويتي - في حي الجزائر
8.مرقد سيدنا طلحة بن عبيد الله - في الزبير
9.مرقد سيدنا انس بن مالك - في الشعبة بنسف القبر
يذكر أن هذه الإحصائيات هي أقل بكثير مما يجري على أرض الواقع والسبب يعود إلى خوف الناس من كشف أسماء أبنائهم وذويهم من المعتقلين والشهداء والمهجرين مخافة أن تبطش بهم الأجهزة الأمنية والمليشيات المتعاونة معها ولكن ستظهر الحقائق يوما ما لتبهت العالم وهي تكشف لهم عن مدى الظلم والقهر والاذلال الذي يعيشه أبناء العراق عموما والبصرة خصوصا في القرن الواحد والعشرين على أيادي الأمريكان المحتلين والمتعاونين معهم الذين يدعون التحرير ونشر الديمقراطية وبناء عراق جديد!!.
*كما قامت – في وقت لاحق ( الجمعة 16/6/2006م) مجموعة مرتزقة تسندها قوات حكومية باغتيال :
[- فضيلة الشيخ الدكتور يوسف بن يعقوب الحسان أمام وخطيب جامع البصرة الكبير ، ورئيس هيئة علماء المسلمين في جنوب العراق ، ومفتي البصرة وعالمها ..]، أضيف لاحقاً ، وسيتم نشر رسالة خاصة عن ملابسات الحادث وأسبابه ، مع سيرة ذاتية للشيخ رحمه الله ..
وفيما يلي سرد لأهم الاحداث التي حصلت في البصرة خلال الايام القليلة الماضية :
لجمعة 5/5/2006م
*استشهاد اثنين من اهل السنة واغتيال أستاذ جامعي
شهدت مدينة البصرة أحدث موجة من الاغتيالات لأهل السنة, حيث تم اغتيال ثلاثة منهم وإصابة اثنين آخريْن بجروح.فقد اغتيل الأخ ليث موفق فاضل, في محله التجاري بمنطقة 'حي الجمعيات' وسط البصرة, عندما هاجمه مسلحون يستقلون سيارة مجهولة؛ فأردوه قتيلاً على الفور.
وكان ليث أحد المصلين بمسجد 'المناصير', وقد تعرّض المصلون بمسجد 'المناصير' لأبشع حملة اغتيالات وتصفيات, حيث بلغ عدد القتلى منهم قرابة 15 مصليًا.
كما قُتل الأستاذ قحطان عدنان معتوق - مدير مدرسة 'ابن أم مكتوم الابتدائية' في الزبير وعضو المجلس البلدي - حيث اغتاله مسلحون في مركز مدينة البصرة.
كما تم اغتيال حيدر شبوط, وهو من المصلين بمسجد 'الأجبال', حينما أُطلقت عليه النيران أمام منزله في منطقة 'الأجبال' جنوبي البصرة؛ ما أدى إلى مقتله, وإصابة اثنين آخريْن بجروح.
يشار إلى أن حيدر شبوط تعرّض للاعتقال عدة مرات؛ لأنه ينحدر من أصول شيعية, وتحوّل إلى مذهب أهل السنة.
الأحد 7/5/2006م
*تفسخ أجساد أحدى عشرة جثة سعودية
لا تزال جثث أحد عشر قتيلاً سعوديًا ملقاة في مديرية الطب العدلي بالبصرة وذلك نتيجة مقتلهم بعد أحداث سامراء, وقد مضى على قتلهم أكثر من شهرين.
وقد حاولت العديد من المنظمات الإنسانية استلام الجثث ودفنها إلا أن الشرطة الشيعية المسئولة عن حماية الطب العدلي رفضت بشكل قاطع تسليمها لأية جهة بدعوى أن الحكومة ستقوم بدفن الجثث في وقت لاحق وإنها الآن تخضع لعمليات التحقيق.(2/326)
وفي السياق نفسه أفاد شهود عيان - اطلعوا على الجثث في ثلاجة حفظ الموتى ـ أنها بدأت في التفسخ وأصبح لا يمكن التعرف على أشكال القتلى بسبب الفترة الطويلة التي مضت على الجثث في مديرية الطب العدلية في البصرة.كما أن جهات سنية قد سعت بشكل حثيث لاستلام الجثث ودفنها إلا أنها لم تستطع ذلك، ووصل الأمر إلى تلقيها تهديدات من قبل جيش المهدي مفادها أن أي شخص سيحاول الوصول إلى هذه الجثث أو التقاط أية صور لها سوف يكون مصيره هو نفس المصير الذي لاقاه أصحاب الجثث.الجدير بالذكر أن القتلى السعوديين هم من زوار منطقة البصرة من أهل السنة وكانوا يزورون أقارب لهم هناك، وقد تم اعتقالهم بناء على الجنسية السعودية ووضعهم في معتقل الاستخبارات العراقية في البصرة المعروف بأنه سيئ السمعة حيث تتجاوز الجرائم التي ترتكب داخله ما يجري في داخل سجن 'أبو غريب'.وقد تم قتل هؤلاء المواطنين السعوديين جميعًا بعد اختطافهم من قبل جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، حيث أعدموا بعد ساعات من اعتقالهم من قبل أنصار جيش المهدي.
الاثنين 8/5/2006م
*استشهاد واصابة خمسة من اهل السنة
مع تصاعد عمليات الاغتيال ضد أهل السنة اغتيل اثنان من أهل السنة
, وأصيب أستاذ في كلية الزراعة بجروح بعد نجاته من محاولة اغتيال.وذكر مراسل 'مفكرة الإسلام' أن أحد المصلين اغتيل في منطقة الزبير الليلة الماضية من قبل مسلحين؛ حيث اغتالوه بعد عودته من عمله في محل تجاري, بينما قتل آخر في البصرة وبالتحديد في منطقة الجمهورية, وذلك على أيدي مسلحين مجهولين.في غضون ذلك نجا الأستاذ يوسف من محاولة اغتيال أثناء توجهه إلى الدوام الرسمي في كلية الزراعة؛ حيث أصيب بعيارين ناريين أحدهما في الكتف والآخر بجوار الرأس.من جانب آخر تشهد مدينة البصرة توترًا واضحًا عند ساعات الليل, خصوصًا بعد إسقاط المروحية البريطانية, حيث تتحرك المعدات البريطانية العسكرية بشكل واضح في شوارع المدينة الخاضعة لحظر تجوال ليلي, ويسمع إطلاق نار متقطع هنا وهناك طوال الليل.
الثلاثاء 9/5/2006م
*المزيد من منشورات التهديد للعوائل السنية بمغادرة المدينة
تواصل مسلسل إلقاء المنشورات الطائفية في مدينة البصرة جنوب العراق من قبل الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، وذلك بعد أن تكثفت حملة التهديدات ضد أهل السنة منذ أحداث سامراء.
وأن إلقاء هذه المنشورات الطائفية بدأ يصحب بإرفاق رصاصة بندقية كلاشنكوف لغرض الإرهاب والتخويف ولكي تكون إشارة إلى التهديد بالقتل ضد المقصودين من تلك المنشورات.واليكم صورة من هذه المنشورات :
الخميس11/5/2006م
*اغتيال قيادي بارز من الحزب الاسلامي في البصرة
اغتيل قبيل صلاة المغرب الشيخ خالد السعدون مسئول مكتب الدعوة والإرشاد في الحزب الإسلامي العراقي في البصرة, كما اغتيل معه ابن عمه طارق السعدون, وهو عضو المجلس البلدي للزبير, ومرافق ثالث يدعى أحمد عبد المطلب.وأفاد شهود عيان أن الشيخ خالد السعدون كان متوجهًا إلى منزله جنوب قضاء الزبير وقرب مسجد أسامة بن زيد باغتتهم سيارة مجهولة فأطلقت النار عليه من الخلف فأردته قتيلاً على الفور مع الاثنين الذين كانوا معه.وقد نقلت جثامين القتلى الثلاثة إلى مسجد حي المعلمين في الزبير ليتم تشييعهم صباح يوم الخميس وسط حشد كبير.من الجدير بالذكر أن الشيخ خالد السعدون ينتمي إلى عشيرة السعدون السنية في البصرة ويعمل إمامًا وخطيبًا لمسجد أسامة بن زيد منذ 13 عامًا, وهو في بداية العقد الرابع من العمر.وتأتي هذه الحادثة في أعقاب حملة اغتيالات في قضاء الزبير منذ أسبوع تقريبًا.
*اغتيال اثنين من السنة في قضاء أبي الخصيب في البصرة
عُثر مساء الخميس على جثتي اثنين من مواطني أهل السنة على طريق الزبير العام.
وذكرت مصادر اعلامية أن عبد العزيز نوري سلطان وسامي جاسم المنصور قد اعتقلتهما سيارات رسمية مظللة من مكان عملهما في مديرية الدفاع المدني في 'أبي الخصيب' بالبصرة جنوب العراق.وادعى راكبو السيارة التي قامت بعملية التوقيف أنهم من جهة رسمية وأن الاعتقال جاء بغرض التحقيق, ثم بعد مضي عدد قليل من الساعات على عملية الاعتقال تم العثور على جثتي المواطنيْن العراقييْن في الشارع علمًا بأنهم يسكنان في قضاء 'أبي الخصيب'.
الجمعة12/5/2006م
*اغتيال امام وخطيب جامع الخضيري وسط البصرة
بعد إلقائه خطبة جمعة في جامع الخضيري وسط مدينة البصرة استشهد الشيخ خليل جابر إمام وخطيب جامع الخضيري مع ابنه أحمد البالغ من العمر 12 سنة خلال عملية اغتيال نفذتها مجموعة مسلحة.وأفاد ابن الشيخ الأكبر والذي كان مع والده عندما وقعت جريمة الاغتيال أنه استقل مع والده وشقيقه سيارة أجرة من الشارع القريب للجامع متوجهين إلى منزلهم حيث بوغتوا بسيارة مجهولة تقطع الطريق وبشخص من داخل السيارة يهم بالتوجه إليهم حيث أطلق النار صوبهم من مسدس بحوزته فأصاب الشيخ خليل برصاصتين في الرأس، كما أصيب الطفل أحمد برصاصة في الرأس.وأكد نجل الشيخ أن دوريات الشرطة كانت قريبة من مكان الحادث وتم إبلاغها بالجريمة إلا أنها رفضت متابعة السيارة بزعم أنها غير مخولة بالتدخل من قبل جهة قضائية.ويعتبر الشيخ خليل هو ثاني إمام وخطيب سني يقتل خلال يومين وبذلك يرتفع عدد قتلى أهل السنة خلال 48 ساعة إلى سبعة شهداء.
*الوقف السني يدعو لوقف المجازر ضد أهل السنة(2/327)
صرّح مدير الوقف السني في البصرة الدكتور عبد الكريم ناصر الخزرجي لقناة بغداد الفضائية بأن عدد القتلى في صفوف أهل السنة قد ارتفع خلال الـ48 ساعة الأخيرة في البصرة إلى ثمانية أشخاص من بينهم أئمة وخطباء وقيادات سنية.وطالب الخزرجي الحكومة العراقية والمجتمع الدولي بوضع حد لهذه الاغتيالات.وأكد مدير الوقف السني أن العديد من الدوائر التي تخضع لسيطرة الحكومة قد طلبت منها إحصائيات لأهل السنة من منتسبيهم وفيما بعد يتم اغتيالهم بحسب هذه القوائم.وقال الدكتور عبد الكريم ناصر: 'إذا ضاق الشيعة في البصرة ذرعًا بالسنة فإننا سنرحل بشكل جماعي إلى إحدى دول الجوار لنحقن دماء المسلمين'.وأوضح الدكتور ناصر أن محافظ البصرة أصبح لا يرد حتى على الهواتف عند الاتصال به ولم يواس أهل السنة في أي حادث اغتيال وقع.تأتي هذه التصريحات في ظل أكبر حملة اغتيالات تشهدها البصرة منذ سنوات.
الاربعاء17/5/2006م
*في بيان لهيئة علماء المسلمين : تهجير 2000 عائلة سنية من البصرة
أعلنت هيئة علماء المسلمين عن إحصائيات جديدة لشهداء أهل السُنّة وعدد العائلات السُنّية التي تم تهجيرها من مدينة البصرة خلال الفترة السابقة.وقال مسئول العلاقات الخارجية في الهيئة الشيخ 'عبد السلام الكبيسي' في مؤتمر صحفي: إن 2000 عائلة من أهل السنة هُجّرت من البصرة, مشيرًا إلى أن 800 منها نزحت إلى خارج العراق والباقي في محافظات أخرى داخل العراق.كما أكد 'الكبيسي' أن أكثر من 200 من الرجال والنساء السُنّة من بينهم أساتذة وعلماء وأئمة وخطباء ومصلو مساجد قتلوا من قِبل ميليشيات معروفة في البصرة.وكشف مسئول هيئة علماء المسلمين عن الحصول على قائمة تحتوي أسماء 35 أستاذًا من أهل السُنّة مطلوب قتلهم وتصفيتهم, قُتل منهم إلى الآن 15 شخصًا, أُعلنت أسماؤهم في المؤتمر الصحفي, بينما تحفظ عن ذكر أسماء الذين تركوا البصرة للبحث عن ملاذ يأمنون فيه على أنفسهم وأهليهم.وتأتي تصريحات الهيئة بعد تصاعد أزمة الاغتيالات في البصرة ونزوح عدد كبير من أهل السنة إلى خارج المدينة؛ إثر التهديدات التي دأبت المليشيات الشيعية على إصدارها في مدن الجنوب العراقي وخاصة مدينة البصرة وتتوعد أهل السُنّة بالقتل إذا لم يتركوا المدينة.
الخميس18/5/2006م
*مسئول عراقي : ما يجري ابادة شاملة لاهل السنة في البصرة
أكّد مسئول عراقي في وزارة المهجّرين والمهاجرين العراقية في الحكومة الحالية أن ما يجري في البصرة الآن عملية إبادة شاملة لأهل السنة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل.
ونقلت مصادر اعلامية موثوقة - عن مسئول رفيع المستوى في وزاره المهجرين والمهاجرين العراقية - قوله: إن حقيقة ما يجري في البصرة اليوم هو عمليه لإبادة السنة من تلك المنطقة بقتلهم أو تهجيرهم أو تشييعهم بالقوة والقسر.وأكد المسئول - الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأغراض أمنية - أن الأرقام الحقيقية التي تداولتها وزارة الصحة والمهجرين والمهاجرين حول وضع سنة البصرة تخالف الأرقام التي تكشف عنها الحكومة، حيث إن عدد العائلات السنية التي هربت من البصرة وتركت أموالها ومنازلها بلغ حتى الآن أكثر من 1200 عائلة, وهو رقم أكبر من رقم الشيعة المهجّرين في كل المحافظات العراقية، فيما بلغ عدد الشهداء الذين اغتيلوا من أهل السنة في البصرة حتى الساعة أكثر من 400 مواطن سني.وأشار المسئول إلى أن لعبة محافظ البصرة مع ممثل السيستاني في المدينة هي محاولة لصرف أنظار الإعلام عن حقيقة ما يجري في هذه المدينة؛ حيث إن الطرفين يشتركان في هذا اللعبة القذرة, حسب وصفه.وأضاف المسئول: لدينا معلومات مؤكدة عن ضلوع عناصر من الحرس الثوري الإيراني وجهاز إطلاعات الإيراني بعمليات القتل التي تستهدف السنة في البصرة مع فيلق بدر وجيش المهدي.وأوضح أن أي رقم لعدد ضحايا السنة في البصرة سواء كان القتلى أو المطرودين تحت تهديد السلاح هو رهن بتوقيع من حكومة الجعفري, والتي تقوم بتزوير الحقائق وعدم إعطاء العالم الوضع الحقيقي للسنة هناك.وذكر أن أهل السنة اليوم باتوا يخشون من الخروج من منازلهم, وبعضهم لا ينام من الليل إلا ساعة أو ساعتين بسبب ملازمته لسلاحه من فوق شرفه منزله دفاعًا ضد مهاجم أو مهاجمين محتملين يريدون قتله أو قتل عائلته.وذكر أن الشرطة التي تتألف من فيلق بدر وجيش المهدي وحركة 'ثأر الله' الإيرانية تشترك في عمليات قتل السنة ولا تحميهم كما زعم محافظ البصرة قبل أيام.
الاحد 21/5/2006م
*مسئول أمني : عناصر ايرانية وراء اغتيالات السنة في البصرة
اعترف ضابط كبير في الجيش العراقي الموالي للاحتلال بأن مسلسل الاغتيالات والتفجيرات التي تطال أهل السنة ورموزهم الدينية خلال الأشهر الثلاثة الماضية يقف وراءه إيرانيون قدموا إلى البصرة بعد تفجيرات سامراء بمعاونة من عناصر فيلق بدر وجيش المهدي وحركة ثار الله الإيرانية, والتي تمتلك مقرًا لها في مدينة البصرة جنوبي العراق.(2/328)
ونقلت مصادر مطلعة في البصرة عن ضابط برتبة مقدم في لواء حفظ الحدود العامل حاليًا في مدينة الفاو على الحدود العراقية الإيرانية - والذي طلب عدم الكشف عن اسمه - قوله: إن العشرات من الإيرانيين تغلغلوا في البصرة وعاثوا فيها فسادًا عن طريق اغتيالات في صفوف السنة وقتل رموزهم الدينية والعشائرية وتدمير مساجدهم.وأضاف أن الجيش العراقي تمكن من اعتقال 244 إيرانيًا أغلبهم ضباط في الحرس الثوري خلال المدة من 17/3/2006 وحتى 9/5/2006, إلا أنه وبأمر من الحوزة الشيعية أطلق سراحهم بعد أيام من اعتقالهم, بل وتم نقل آمِر لواء حفظ الحدود في الفاو لاعتراضه على القرار إلى محافظة الأنبار الساخنة كعقوبة له.وذكر المصدر أن دخول المخابرات الإيرانية 'اطلاعات' والحرس الثوري إلى مدينة البصرة معلوم لدى الحكومة المعينة والبريطانيين, إلا أنهم لم يتدخلوا في الأمر، مشيرًا إلى أن تلك العناصر الإيرانية تبيت وتأكل وتشرب في مقرات أحزاب المجلس الأعلى والدعوة ومنظمة بدر ومكتب الصدر التابع لجيش المهدي.وإلى ذلك، ذكر المصدر نفسه أن تلك العناصر الإيرانية قامت كذلك باغتيال مواطنين شيعة من أهالي البصرة ممن كانوا ينتمون إلى حزب البعث أو إلى الجيش العراقي السابق.
الاثين 22/5/2006م
*محافظ البصرة يقطع رواتب موظفي السنة الذين عادروا المدينة
أفاد مصدر مطلع - رفض الكشف عن اسمه - أن محافظ البصرة – وهو من حزب الفضيلة الشيعي - أصدر أمرًا بقطع رواتب كل الموظفين السنة الذين هاجروا من المدينة بسبب الاضطهاد الطائفي من قبل الميليشيات الشيعية، وأكد أن الأمر طُبِّق اعتبارًا من شهر أبريل الماضي.وبحسب ما ذكرت بعض المصادر الاعلامية صرح شاهد عيان أنه ذهب لاستلام راتب أحد أقاربه من إحدى الدوائر الحكومية, إلا أنه تم إبلاغه أن الراتب توقّف عن الصرف بأمر المحافظ, علمًا بأن قريبه يتمتع بإجازة رسمية لمدة سنة تمكّنه من استلام راتب كامل حسب القانون العراقي النافذ، وهو ما يشير إلى أن المحافظ خالف القوانين بإصداره هذه الأوامر.ويُعد هذا القرار نوعًا من التضييق على أهل السنة - حتى المهاجرين منهم - حيث إنهم كذلك لم يسلَموا من بطش سلطات البصرة.هذا، وأفادت مصادر محلية أن من يريد بيع منزله من أهل السنة لا يتم شراؤه إلا بنصف سعره الحقيقي، وذلك في عملية لتضييق الخناق الاقتصادي على أهل السنة وتهجيرهم من البصرة مع الاستحواذ على ممتلكاتهم ومنازلهم.
الاربعاء 24/5/2006م
*قتل سني بعد اعتقاله بالبصرة
قضى واحدٌ من أهل السنّة نحبه في قضاء الزبير بالبصرة بعد اعتقاله من عناصر الشرطة في المدينة.وذكرت مصادر مطلعة أن 'صباح نوري الهاجري'، وهو من أهل السنّة في قضاء الزبير، قُتل بعد اعتقاله من قِبل الشرطة أثناء ممارسته لعمله في محل حلاقة، حيث حوصر المكان واقتيد بعد أن وضعت القيود في يديه.وأشارت إلى أنه بعد ساعات من اعتقاله وجدت جثته وعليها آثار تعذيب، كما أفاد شهود عيان في منطقة القبلة وسط المدينة.من جانب آخر أفادت مصادر سياسية من محافظة البصرة أن موفد الحكومة عادل عبد المهدي، بشأن أحداث البصرة الأخيرة، لم يلتقِ بأي وفد يمثل أهل السنّة، بل اقتصر في محادثاته مع الأحزاب الشيعية وممثلي مجلس محافظة البصرة وكلهم من الشيعة؛ في تجاهل واضح لوجود أهل السنّة في البصرة، وربما تأييدًا لعمليات الاغتيال المنظمة ضدهم من قِبل أجهزة الأمن الموالية للاحتلال.
الخميس 25/5/2006م
*اعتقال 13 سنياً بتهمة مهاجمة قوات الاحتلال البريطانية
شنّت قوات الاحتلال البريطانية الأربعاء وفجر الخميس حملة اعتقالات ودهم وتفتيش استهدفت عدداَ كبيراَ من مناطق أهل السنة في البصرة.ونقلت مصادر مطلعة في البصرة أن قوات الاحتلال البريطانية اعتقلت 13 مواطنًا من أهل السنة بتهمة مهاجمة القوات البريطانية.وأوضحت أن قوات الاحتلال البريطانية اعتقلت عددًا من الشيعة أيضًا يقدر عددهم بخمسة أشخاص دون أن توضح قوات الاحتلال سبب اعتقال المواطنين الشيعة.
*اغتيال ثلاثة من أهل السنة في البصرة
في استمرار لعمليات الاغتيال المنظم ضد أهل السنة في البصرة وخاصة بعد انتهاء زيارة عادل عبد المهدي ممثل رئاسة الجمهورية؛ قتل صباح الخميس ثلاثة من أهل السنة في قضاء الزبير.
وأفادت مصادر مطلعة أن سيارات رسمية مظللة حاصرت محلات أهل السنة الثلاثة وسط سوق المدينة، حيث قتل الأول وهو 'عدنان محمد' صاحب محل للمواد الاحتياطية للسيارات، وذلك أثناء مقاومته الخاطفين داخل محله.بينما قام المهاجمون باختطاف الاثنين الآخرين وهما 'حازم عبد الكريم'، و'إياد عبد الخالق' صاحبيْ محل لتصليح المولدات الكهربائية, وقد عثر على جثتيهما بعد ساعتين من اختطافهما في مركز الطب العدلي في البصرة.وبذلك يرتفع عدد القتلى من أهل السنة منذ أحداث سامراء إلى أكثر من 150 قتيلاً قتلوا على أيدي الميليشيات الشيعية في المدينة.
*اغتيال خمسة من أهل السنة في البصرة
بلغ عدد القتلى من أهل السنة اليوم الخميس في مدينة البصرة خمس ضحايا وذلك عقب موجة من تصعيد أعمال العنف ضد السنة هي الأولى من نوعها بعد زيارة المسئول العراقي عادل عبد المهدي. وذكرت مصادر موثوقة أنه قد اغتيل صباح اليوم ثلاثة من أهل السنة في الزبير ثم اغتيال قريب لهؤلاء الثلاثة فيما قتل الشخص الخامس وهو عضو المجلس البلدي لمنطقة البصرة القديمة 'عبد الله محمد حسن' حينما كان خارجًا من مقر المجلس.(2/329)
ونقلت مصادر عن شهود عيان أن سيارة مجهولة تقل مسلحين اعترضت طريق حسن وأطلق المسلحون النار عليه فأرده قتيلاً على الفور واستمروا في إطلاق النار إلى أعلى لتفريق المتجمعين حول مكان الحادث. تأتي هذه الاغتيالات في إطار حملة عنيفة موجهة ضد أهل السنة بعد أحداث سامراء حيث أفادت إحصائية نشرتها وزارة الصحة العراقية بأن عدد القتلى في البصرة بلغ 400 قتيل منذ أحداث سامراء يوم 22/2/2006 إلى اليوم، وهو ما يعادل خمسة قتلى من أهل السنة كل يوم.
الجمعة 26/5/2006م
*اغتيال الشيخ وفيق الحمداني والوقف السني وهيئة علماء المسلمين يقرران اغلاق كافة المساجد في البصرة
في تصعيد خطير لحملة الاغتيالات التي تشهدها مدينة البصرة أفادت مصادر موثوقة بأن الشيخ وفيق الحمداني إمام وخطيب جامع الكواز وسط البصرة قد اغتيل ظهر اليوم الجمعة ومعه أحد شباب المسجد على يد مسلحين مجهولين.وذكرت أن المعتدين المسلحين أطلقوا النار على الشيخ الحمداني أثناء توجهه لأداء خطبة الجمعة في منطقة البصرة القديمة قرب مسجد الكواز.وأشارت إلى أن الشيخ وفيق يبلغ من العمر ثمانين عامًا ويعد من مشايخ البصرة البارزين. وعلى إثر هذه التطورات وبعد اغتيال خمسة من أهل السنة يوم أمس الخميس؛ أعلن الوقف السني في المنطقة الجنوبية إغلاق كافة مساجد أهل السنة البالغ عددها 170 مسجدًا احتجاجًا على قتل الأبرياء وحفاظًَا على أرواح المصلين 'على حد وصف البيان'، وقد ناشد البيان الدول العربية والمؤسسات الإعلامية أن تطلع بدورها في هذا المجال. كما ناشد البيان رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء وضع حد لهذه الحملة وسرعة تدارك الموقف الأمني المتدهور في البصرة.
الاحد 28/5/2006م
*تواصل حملة الاعتداءات على أهل السنة
استمرت حملة الاغتيالات ضد أهل السنة في البصرة خلال الأيام القليلة الماضية حيث اغتيل الأخ خالد الراشد من أهل السنة في قضاء الفاو خلال قدومه من الفاو إلى البصرة.
وقالت مصادر مطلعة: إن سيارة مجهولة استوقفت الراشد وأنزلته من سيارته ثم تم قتله أمام زوجته وأطفاله. إلى ذلك تعرض أحد منتسبي الوقف السني لاعتداء حيث أصيب بطلقات نارية حينما حاول مسلحون اغتياله في أحد شوارع البصرة.وفي الزبير ألقى أهالي منطقة الزهيرية القبض على سيارة تقل مسلحين يبدو أنهم كانت يترصدون بعض أهل السنة وعند إبلاغ الشرطة قامت دوريات الشرطة في الزبير بإخلاء سبيل السيارة بحجة عدم ثبوت أية أدلة عليها.
الاحد 28/5/2006م
*الشيخ القرضاوي يحذر من تداعي استهداف أهل السنة في البصرة
حذّر الشيخ يوسف القرضاوي الداعية الإسلامي من تداعيات الأمور في مدينة البصرة بجنوب العراق، حيث يتم استهداف المواطنين السُنة من قبل بعض الجماعات الشيعية المسلحة والمدعومة من قوات الاحتلال الأمريكية.وقال القرضاوي - خلال حديثه لبرنامج 'الشريعة والحياة' بفضائية الجزيرة-: 'إن ما يحدث في البصرة خطر جسيم.. ما يسمونه بالتطهير العرقي أو الطائفي الذي يصيب أهل السُنة في البصرة من القتل اليومي والتهديد الذي يصل إلى البيوت بورقة, حيث تطالب بعض الجماعات المسلحة أهالي السُنة بالمغادرة, ومن لم ينفذ يتم قتله في الحال'.وأضاف القرضاوي أنه تلقى عددًا من الاتصالات التليفونية من عدد من السنة الموجودين في البصرة نقلوا الصورة المؤلمة والفظيعة عما يواجهونه من عمليات إبادة وقتل جماعي على أيدي جماعات تطلق على نفسها أسماءً مثل 'أنصار المختار' و'الثأر'، وأشار إلى أنه لابد من عدم السكوت على ذلك؛ لأن هذا الأمر سيؤدي إلى فتنة تقضي على الأخضر واليابس, ولن يستفيد منها أحد سوى الاحتلال الذي يقف وراء مثل هذه الأفعال الوقحة'.وطالب القرضاوي المراجع الشيعية وآيات الشيعة بأن ينتبهوا إلى هذا الأمر الخطير وتحريمه, وأن يقولوا كلمة واضحة وبيّنة؛ لأن ما يحدث لا ينبغي السكوت عليه مطلقًا.وأكد القرضاوي أن هيئة علماء المسلمين في العراق وبعض العراقيين اتصلوا به، محذرًا من أن هذا الأمر يتم تحت رعاية الاحتلال, وأن هذا ينذر بخطر شديد على وحدة العراق وطنًا وشعبًا ومسلمين بكل فئاته.وقال في ختام كلمته: 'هذه كلمة تحذير أرسلها إلى جميع العراقيين ليضعوا على عاتقهم إيقاف مثل هذه الأفعال الوقحة، آملاً للعراق أن ينجو من هذه المكائد التي لا يعرف عواقبها إلا الله عز وجل.
الاربعاء 31/5/2006م
*الهاشمي يؤكد استمرار الانتهاكات الواقعة على أهل السنة في البصرة على الرغم من مزاعم انتهائها
أكد 'طارق الهاشمي' نائب الرئيس العراقي أن مأساة أهالي السُنّة في مدينة البصرة مستمرة, في ظل تواصل الانتهاكات والاغتيالات التي تقوم بها الميليشيات الشيعية في المدينة؛ فيما زعم مجلس محافظة البصرة أن 'الوضع مستقر'.وجاءت تصريحات الهاشمي خلال مرافقته لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أثناء زيارته الأولى للبصرة بعد تسلمه مهام منصبه, على رأس وفد رسمي ضم الهاشمي, إضافة إلى عدد من أعضاء البرلمان العراقي.
وتأتي زيارة المالكي ـ بحسب تأكيده ـ في أعقاب تدهور الوضع في مدينة البصرة وتوارد أنباء عن الاغتيالات الطائفية في المدينة.وأكد طارق الهاشمي في كلمته أن أهل السُنّة يعانون مأساة لم تشهدها البصرة من قبل وأن عددًا كبيرًا من أهل السُنّة ينوون مغادرة البصرة إلى مكان آمن مع انتهاء الامتحانات الثانوية وهذا أمر مفزع يجب وضع حد له.
وطالب ـ بحسب ما نقلته بعض امصادر ـ أن تأخذ أجهزة الدولة تأخذ دورها في حفظ الأمن ومباشرة إعمار البصرة التي تعرضت لثلاثة حروب منهكة .
وبعد كلمة للمالكي والهاشمي تحولت قاعة المؤتمر إلى فوضى عارمة بين جماهير المدينة الغاضبة ومجلس محافظة البصرة الذي زعم أن المدينة الآمنة .(2/330)
وتحدث رئيس مجلس محافظة البصرة 'محمد سعدون' عن البصرة واصفًا حالها بأنها 'مستقرة وأن الأمن فيها أحسن من الأنبار والفلوجة والموصل', على حد ادعائه.
وواصل مزاعمه قائلاً في إشارة ضمنية لأهل السُنّة: إنه لا يوجد تهجيرًا قسريًا بل من أراد الخروج فهو من طواعية نفسه.وتحولت القاعة بعد ذلك إلى فوضى وارتفعت أصوات الحاضرين منادين على رئيس مجلس المحافظة بـ'كذاب'.واحتدم الموقف حينما تحدث ممثل السيستاني في البصرة عن ما اسماه 'تجرؤ' محافظ البصرة على السيستاني في بيان له قبل أسابيع.
وكان المحافظ قد اتهم مرجعية السيستاني في البصرة وما يسمى 'المجلس الأعلى للثورة الإسلامية' بزعامة الحكيم بقيادة فرق الموت في المدينة والمسئولية عن زعزعة الأمن.
ووسط هذه الفوضى, حاول المالكي التهدئة لأكثر من مرة, وأُنهيت الجلسة؛ في انتظار عقد اجتماعات بكل جهة على حدة لوضع حد لأحداث البصرة, فيما وعد المالكي في نهاية الجلسة بأن لا يعود إلى بغداد إلا وقد انتهت الأزمة في البصرة, على حد قوله.
الجمعة 2/6/2006م
*مقتل مؤذن جامع الحسنين قبيل صلاة الجمعة
وقع أول حادث اغتيال ضد أهل السنة في أعقاب زيارة المالكي للبصرة, حيث اغتيل ظهر اليوم الأخ عصمت الدوسري مؤذن جامع الحسنين وسط البصرة .وأكّد إمام المسجد أن الدوسري كان متوجهًا إلى المسجد حينما كانت سيارة حديثة تقل مسلحين تترصّد له, وأطلقت عليه النيران من السيارة التي كانت تقف قرب حسينية شيعية في المنطقة.وقال الإمام: إن المؤذن تُرك في الشارع ينزف, ولم تنقله الشرطة التي قدمت إلى مكان الحادث. وقد نقله إمام مسجد الحسنين بسيارته الخاصة إلى المستشفى حيث تُوفي هناك جراء إصابته.وتعد هذه الحادثة الأولى بعد فرض حالة الطوارئ في المدينة, في أعقاب زيارة رئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية للمدينة مؤخرًا.
الجمعة 2/6/2006م
*الاعتداء على جامع العرب من قبل الشرطة وقتل حراس الجامع وخطف وقتل 9 مصلين
في مجزرة هي الأولى من نوعها في مدينة البصرة جنوب العراق أقدمت قوات الشرطة العراقية بإسناد من أجهزة الأمن في البصرة بمهاجمة جامع العرب وسط المدينة.
وذكر المصادر أن الهجوم بدأ في الساعة الحادية عشرة ليلة أمس حيث حوصر المسجد من قبل الشرطة وبدأت الاشتباكات بينهم وبين الحراس الرسميين المعينين من قبل الوقف السني حتى الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل حيث استخدمت عناصر الشرطة الأسلحة المتوسطة والثقيلة 'القاذفات والهاونات'. وقد أفاد شهود عيان بأن قوات الشرطة التي داهمت المنطقة كانت كبيرة جدًا ومنعت دخول الإسعاف للمسجد أو لنجدة الحراس الذين فيه.و نقلاً عن الشهود أنه قد قتل جميع حراس الجامع البالغ عددهم سبعة حراس ويظهر من صورهم أن قتلهم كان إعدامًا بعد اقتحام المسجد من قبل الشرطة وإحراق أجزاء كبيرة منه.وتعد هذه الحادثة هي الأولى من نوعها في البصرة التي ترتكبها قوات الداخلية خصوصًا بعد تشكيل الحكومة الجديدة.جدير بالذكر أن جامع العرب من المساجد العريقة بالبصرة ، كما وقامت الاجهزة الامنية بخطف واعتقال 9 مصلين من ابناء المنطقة القريبة من المسجد بشكل عشوائي ثم قامت بقتلهم .
الاحد 4/6/2006م
*الوقف السني في البصرة يدين الاعتداء على جامع العرب
أصدر الوقف السني في البصرة بيانًا حول اقتحام الشرطة العراقية لجامع العرب, واصفًا الحادث بأنه مجزرة جديدة تضاف إلى مجازر الشرطة العراقية في مدينة البصرة.
وأوضح البيان أن هذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الأفعال, معلنًا براءة أهل السنة مما ينسب إليهم من تهمة 'الإرهاب'. وحمّل البيان الشرطة العراقية المسئولية الكاملة عن أحداث اقتحام جامع العرب، وانتقد الجيش والأجهزة الأمنية والمحافظة بسبب عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحل الأزمة على الرغم من الاتصالات معهم في هذا الجانب. وطالب البيان قوات الاحتلال البريطانية باتخاذ موقف واضح وصريح من الحدث.وقد صدر البيان بهدف تفنيد ادعاءات الشرطة حول وجود سيارات مفخخة في الجامع, ووضح الوقف السني في بيانه ثلاث فقرات جاء فيها :
1- أن هذا التصريح يدلل بما لا يقبل الشك أن الشرطة العراقية في البصرة هي المسئولة عن أحداث يوم أمس باقتحام جامع العرب وقتل الحراس الأبرياء فيه.
2- أن جامع العرب من المساجد العريقة والمعروفة في البصرة, وليس له علاقة من قريب ولا من بعيد بأية تهمة تنسب إليه, وإن محاولة تلفيق التهم ليست إلا عملية تغطية لما اقترفته الشرطة بحق المسجد وحراسه ومحاولة الخروج من عنق الزجاجة التي وضعت شرطة البصرة نفسها فيه.
3- لا يمكن للشرطة في البصرة أن تبرر هذه الأعمال بهذه الطريقة بعد أن تخبطت في تلفيق التهم لأهل السنة أو مساجدهم, وإننا نعلن على الملأ أن مساجدنا هي مصدر أمن وأمان لأهل البصرة جميعًا, ولن تكون يومًا إلا ما أراد الله تعالى {أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}.
الاربعاء 7/6/2006م
*في مجزرة جديدة .. استشهاد 14 سنياً من عائلة واحدة(2/331)
اغتالت المليشيات الشيعية 15 سنيًا من عائلة واحدة في مدينة البصرة, في جريمة جديدة تضاف لجرائمها ضد أهل السنة. وأوضح مراسل 'مفكرة الإسلام' أن تلك الميليشيات اغتالت 'ماجد طعمة مالك' يوم أمس الثلاثاء في منطقة أبي الخصيب ولدى وصول عائلة الشهيد إلى مستشفى الطب العدلي في مركز مدينة البصرة وأثناء وقوفهم عند باب المستشفى لانتظار استلام الجثة، هاجمهم مسلحون من المليشيات الشيعية المواليه للاحتلال من قوات بدر الشيعية يستقلون ثلاث سيارت صالون لا تحمل أرقامًا بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة.ونقل عن شهود عيان أن الهجوم أسفر عن استشهاد 14 سنيًا من عائلة واحدة تحت مرئى أفراد الشرطة والجيش العراقي الموالي للاحتلال، حيث كانت دوريات لقوات الشرطة والحرس الوطني الموالي للاحتلال تنتشر في المكان.وأكد أهالي الضحايا أن دوريات الشرطة والجيش شاهدوا المسلحين من المليشيات الشيعية وهم يقومون بإطلاق النار نحو المدنيين من أبناء السنة الواقفين في باب المستشفى لمدة 15 دقيقه تقريبا ولم يحركوا ساكنا .
الجمعة 9/6/2006م
*اغتيال استاذ جامعي في البصرة
قال مصدر أمني من شرطة الطورائ اليوم الجمعة إن مسلحين مجهولين اغتالوا الليلة الماضية أستاذا جامعيا وسط مدينة البصرة، فيما عثر على جثة لمواطن ملقاة في مدينة البصرة القديمة.
وقال المصدر إن مسلحين مجهولين اغتالوا الليلة الماضية التدريسي في كلية العلوم جامعة البصرة (أحمد عبد القادر عبد الله) وسط المدينة في شارع الاستقلال في مركز إنترنيت يملكه." في الوقت نفسه قال المصدر إنه تم العثور على جثة ملقاة قرب مدرسة عائشة في البصرة القديمة (على بعد 3 كم عن مركز المدينة) بعد منتصف الليلة الماضية. وأوضح أن الجثة كانت مصابة بثلاث طلقات، وهي لشخص يدعى (فهد محمد عبد الرحيم) من سكنة عويسيان في قضاء أبي الخصيب.
رحم الله شهداءنا وأسكنهم فسح جناته ..
*قيادي شيعي : الحكيم يشرف على تهجير السنة من البصرة
اتهم قيادي شيعي في مدينة البصرة عمار الحكيم، نجل رئيس [المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق] عبد العزيز الحكيم، بـ'الإشراف المباشر على تهجير السنة من المدينة'.
وقال أبو كاظم، في اتصال هاتفي بوكالة الأنباء الإيطالية إن 'هناك خطة مدروسة تقضي بتهجير السنة قسرا من البصرة إلى مناطق العراق الغربية' بهدف خطة ترمي إلى 'إنشاء إقليم شيعي جنوبي العراق'. وأكد ابو كاظم أنه 'يشرف على العملية مسؤولون في المجلس الأعلى في مقدمتهم عمار الحكيم وهادي العامري' وأن 'التنفيذ في البصرة يتم بإشراف حسن الراشد قائد منظمة بدر في المدينة'. وعن الغاية من هذا 'التهجير'، بيّن أبو كاظم بأن 'أصحاب فكرة الإقليم الشيعي يسعون لتغيير التركيبة الجغرافية لضمان سيطرة النجف على الإقليم' وبالتالي، 'فإن زيادة عدد الشيعة قدر الإمكان سيحسم المسألة بشكل أسهل'. وعما إذا كان للمخابرات الإيرانية دور في الموضوع، أشار أبو كاظم إلى أن 'الفكرة، أساسا، جاءت من إيران'، .وأوضح 'عراقية الجهاز التنفيذي' لهذه الفكرة. جدير بالذكر أن مجموعات سنية أشارت إلى وجود 'تهجير قسري للسنة من البصرة' يتمثل في 'الاغتيالات والتعدي على الأملاك' وهو ما لا تعترف به الجهات الرسمية في المدينة.
الاربعاء 7/6/2006م
* زعماء العشائر العراقية تطالب الجامعة العربية بالتدخل لإنقاذ الوضع في البصرة
كونا / طالب زعماء العشائر العراقية من جامعة الدول العربية بـ "التدخل العاجل" لانقاذ الشعب العراقي من اعمال العنف المتصاعدة في مدينة البصرة.جاء ذلك في عدة رسائل عاجلة تلقتها الجامعة من زعماء العشائر العراقية في البصرة تطالبها بالتدخل العربي السريع لوقف عمليات القتل العشوائي في المدينة.من جانبها اعربت جامعة الدول العربية عن قلقها الشديد لتصاعد موجة اعمال العنف التي استهدفت البصرة اخيرا وادت الى سقوط المزيد من الضحايا المدنيين الابرياء مستنكرة هذا الوضع الماساوي.وناشدت في بيان لها اليوم الجميع التحلي بضبط النفس والتهدئة داعية الاطراف المعنية الى التوقف فورا عن هذه الاعمال وعدم الانسياق نحو المزيد من التوتر واذكاء نار الفتنة الطائفية.. داعية الى الحفاظ على النسيج الاجتماعي للشعب العراقي والحرص على وحدته الوطنية.
*د. مثنى الضاري: ما يحدث في البصرة مؤامرة لاستئصال السنة
عكاظ / اكد الدكتور مثنى حارث الضاري، الناطق باسم هيئة علماء المسلمين ان احداث البصرة خطيرة جدا، وان خطوة الحكومة جاءت متأخرة بعد ان استفحلت الاغتيالات والاعتداءات وازداد التهجير، وخاصة على اهل السنة في المدينة. وقال الضاري ان ما يجري في البصرة هو تصفية حسابات متراكمة بين القوى السياسية المتحالفة، والتي انكشفت خلافاتها اثر تشكيل الحكومة الاخيرة.
هذا بالاضافة الى وجود كثيف لقوى وعناصر امنية مدربة ومجهزة من خارج العراق، وبالتحديد من دولة مجاورة ( ايران )، لها دورها الفاعل على الارض في تلك المدينة. واشار الضاري الى تعرض اهل السنة الى استهداف مصالحهم الاقتصادية واغتيال كفاءاتهم وتهجير عدد كبير من العائلات المسالمة.
*رئيس الوقف السني: مخاطر حقيقية تهدد السنة جنوبي العراق(2/332)
الجزيرة نت / اتهم رئيس ديوان الوقف السني في جنوبي العراق ما سماها فرق الموت والمليشيات باستهداف العرب السنة في المنطقة وشن حملة تصفية بحق الأئمة وأساتذة الجامعات. وقال الدكتور عبد الكريم الخزرجي في حوار مع الجزيرة نت إن هناك استهدافا حقيقيا لأهل السنة في البصرة, "وهو استهداف بدأ بالتهميش والإبعاد من كل مفاصل الدولة ودوائرها هناك, بدءا من مجلس المحافظة وحتى أصغر دائرة خدمية". وأضاف أن حملات تصفية أودت حتى اليوم بحياة أكثر من 15 أستاذا جامعيا و10 من الأئمة والخطباء ورؤساء العشائر والموظفين وعموم المصلين, وأنها شملت السنة في كل مناطق المحافظة. واعتبر الخزرجي أن ما وصفها بعمليات الترهيب التي يتعرض لها السنة أدت إلى انزوائهم في بيوتهم لتتحول هذه البيوت إلى سجون تمنع الكثيرين من التوجه إلى أعمالهم أو السعي في طلب الرزق وهو ما أدى لتفاقم أوضاعهم الاقتصادية.
حكم المليشيات
وأشار أيضا إلى "حملات التهجير التي تشمل أهل السنة بالبصرة والتي وصلت إلى حد وضع علامات حمراء على البيوت وإرسال مذكرات تهديد تطالب بإخلائها ومغادرة ساكنيها للبصرة". وأضاف الخزرجي أن "السنة الذين كانوا يشكلون نحو 40% من سكان البصرة يوم غزو العراق واحتلاله, لم يعودوا يشكلون اليوم, بعد الهجرة الواسعة والتهجير المتعمد, أكثر من 15%". وأشار رئيس الوقف السني في جنوبي العراق بأصابع الاتهام إلى "مليشيات محددة منها سرايا المختار وفرق الموت إضافة إلى سرايا الثأر التي لا يعرف أحد إلى أي تيار تنتسب أو من يقوم بتوجيهها". ورفض المسؤول السني توجيه الاتهام برعاية تلك المليشيات لأي جهة، وقال إن إطلاق التهم أمر خطير وربما يخلط الأوراق, ولكنه اعتبر أن الجهات المسؤولة قادرة لو أرادت أن تصل إلى حقيقة من يقف وراء هذه الجرائم. ولكنه أشار إلى دولة مجاورة للعراق لم يسمها، وقال إن لها دورا كبيرا فيما يجري في البصرة, وأن تدخلها هناك لا يمكن لأحد أن يشكك فيه أو يتجاهله. وعن المخرج من هذا الوضع الأمني المريع, رأى الخزرجي أن حل مشكلة وزارتي الداخلية والدفاع وإسنادهما إلى أشخاص أكفاء وطنيين يتمتعون بمهنية وحيادية, قد يساهم في الحل. ولكنه حذر من أن استمرار الوضع الحالي "قد يقود إلى كارثة لا أحد يعلم حدودها". وأوضح رئيس الوقف السني بالبصرة أن القيادات السنية وجهت رسائل للمراجع الدينية الكبرى كالمرجع الشيعي السيد علي السيستاني والسيد مقتدى الصدر والسيد اليعقوبي وغيرهم، في سعيها للخروج من المأزق. كما التقت قيادات السنة مع رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم للمساعدة في حل مشكلة المعتقلين من السنة. ورغم تأكيده أن تلك الاتصالات لم تثمر شيئا، فإن الدكتور الخزرجي أشاد كثيرا بموقف العديد من رؤساء العشائر الشيعية في البصرة, "فضلا عن ضباط وعسكريين شيعة, عبروا عن استعدادهم للوقوف مع إخوانهم السنة والدفاع عنهم باعتبارهم أخوة دين وشركاء وطن".
نذير مبين
وفيما يشبه نداء الاستغاثة حذر الخزرجي دول الجوار والدول العربية من مغبة ترك سنة العراق والبصرة خصوصا, "لكي يواجهوا منفردين مصيرا مجهولا لا يهددهم فقط بل يهدد النسيج الاجتماعي لكل جوار العراق". وأهاب بكل الأطراف التدخل "لا من أجل الانتصار للسنة, ولكن من أجل بقاء العراق بنسيجه التاريخي الذي كان للعرب ولقضاياهم, وكانت قوته مصدر قوة لهم". كما ناشد المنظمات الإنسانية التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وأضاف الخزرجي أن هناك الكثير من الحقائق والتفاصيل "التي لا يمكن كشفها أو التصريح بها, حفاظا على الوحدة وأمن العراق, وتجنبا لمخططات العدو التي تريد قصم ظهر البلاد"، بيد أنه ناشد وسائل الإعلام "كشف ما يصل إليها من حقائق من أجل وضع حد لما يجري في العراق والبصرة على وجه الخصوص".
*نائب عراقي يرسم صورة قاتمة للمدينة ... البصرة في عهد قوات التحالف: ثأر وأمراض وفوضى شاملة
الحياة / حصلت "الحياة" على رسالة وجهها النائب العراقي عن مدينة البصرة الشيخ خيرالله البصري الى أحد أصدقائه، شرح فيها أوضاع المدينة ودور القوات البريطانية بعد سقوط نظام صدام حسين. وتنشر "الحياة" نص الرسالة نظراً الى أهمية مضمونها.
لا أسمح لنفسي أن أتحدث عن البصرة وحدها. فإن جراحات العراق كلها تمسني بالصميم ولكن تبقى البصرة هي الوطن ومسقط الرأس والتي حملتني عملية تمثيلها في مجلس النواب، لذا أسعى جاهداً أن أضع المسؤولين في الصورة الحقيقية والتي اختصرها بانعدام الأمن بأركانه الأربعة.
الركن الأول: المعلومات والمخبرون، فليس هناك من جهاز معلوماتي دقيق يرصد التحركات المشبوهة والعابثة في البلد. وحتى إذا توافرت مصادر معلوماتية شعبية فهي تتعرض للخطر والانتقام حينما تكشف أسماؤها، الأمر الذي أدى بهم الى الإحجام عن الإدلاء بالمعلومات.
الركن الثاني: جهات القبض، كثيراً ما تكون هذه الجهات منتمية الى أحزابها ولا تمثل جهات القبض قوة مركزية بل تمثل انتماءها الى الأحزاب والميليشيات، ووجود مصادر أمنية متعددة يربك العملية الأمنية ولا يصلحها.
الركن الثالث: الجهات القضائية (المحاكم)، للأسف الشديد ان القضاء العراقي قد أقفل بتصميم من النظام البائد للشخصيات البعثية وهم الآن يتولون النظر بكل الدعاوى ومنها الدعاوى الأمنية.(2/333)
الركن الرابع: جهاز الحفظ (السجون)، التي يحفظ بها المجرمون والمتهمون وما زالت تحت قبضات مجهولة. ففي ظل جهاز أمني مخترق ومتعدد الولاءات لجهات اقليمية ومحلية وعالمية لا يمكن ان يستقيم وضع البصرة الأمني. ولعل نظرية الفوضى الخلاقة هي مصداق لما يجري في البصرة وليس هناك من سجون خاصة مستقلة تحت سيطرة قوى الأمن العراقية يحفظ بها المجرمون، الأمر الذي سبب هروب كل المجرمين الذين سببوا كوارث أمنية في العراق وقد تكون كل هذه الصور المطروحة هي صور لما يسمى بنظرية الفوضى الخلاقة.
إن ما يجري في البصرة الحبيبة من قتل يومي للأبرياء من مختلف طبقات البصريين وخصوصاً العسكريين والأطباء وأساتذة الجامعة والكوادر العلمية وعلماء الدين من كلا المذهبين لهو أمر يبعث على القلق والخوف، لا سيما بعد أن اتخذ أشكالاً من ردود الفعل العشوائي والثأر العشائري، والذي قد يلقى دعماً من هذه الميليشيا أو غيرها، الأمر الذي يهدد بالحرب الأهلية التي قد تنطلق شراراتها من البصرة المدينة التي كانت الأكثر أماناً وعلى امتداد التاريخ.
لا شك ولا ريب في أن القوات البريطانية هي المسؤولة عن الملف الأمني بحسب قانون الاحتلال المشرع من الأمم المتحدة، الأمر الذي كان يستدعي من لدن القوات البريطانية مسك الملف الأمني والهيمنة على مجريات الأمور.، والنظر بعين بعيدة المدى الى مستقبل الأحداث الأمنية وما يحيط بهذه البلدة الآمنة من مخاطر ودول موتورة من النظام البائد. وسقوط هذا النظام يعني حلول لحظة الثأر والانتقام من هذا النظام الذي سبب الكثير من الأذى والأضرار لكل الدول المجاورة وفي الوقت نفسه كان ينبغي على هذه الدول أن تعرف ان الثأر والانتقام لا يجوز أن يكونا من أهل البصرة. فالبصرة دفعت من الأذى ضريبة الدم وما عادت بعد هذا اليوم ان تحتمل الانتقام والثأر من جيرانها والذين تنتظر منهم كل المساعدة والعون على تخطي هذه الأزمة.
ولكن الذي حدث هو تراخٍ في مسك الملف الأمني من جانب البريطانيين وتمدد من الميليشيات المدعومة من هذه الدولة وتلك على حساب أمن هذه البلدة الآمنة غير قاصد النيل من المجاميع المجاهدة والتي هزت عرش النظام. ولكن أنحي باللائمة كثيراً على الميليشيات التي بنيت على نفايات حزب البعث فأصيبت بالاختراق الذي غير صورتها من أسماء إسلامية الى ميليشيات متهمة بالقتل والإرهاب في ذهن الشارع البصري. وكان الأولى بالقوات البريطانية ألاّ تسمح بهذا النحو المفرط للميليشيات التي أصبحت تهدد بحرب أهلية على المستوى الأمني.
أذكر انني قرأت في مجلة اقتصادية أجنبية ان مهمات استطلاعية كانت مدعومة بالأقمار الاصطناعية باحثة عن مصادر الثروة في العالم فكانت النتيجة ان حددت في البصرة بالذات وفي غرب القرنة تحديداً آبار تشكل حوض وادي الرافدين النفطي الذي لا ينتهي إلا بعد مرور 250 وخمسون سنة. وفي الوقت نفسه تدعو المهمة الاستطلاعية الشركات الغربية الى التعجل والاستثمار النفطي في حوض الرافدين. هذا الخبر وحده يفسر كل التدخلات والأساطيل والميليشيات الموجودة في البصرة، فكما كانت موضع صراع العالم القديم هي موضع صراع العالم الحديث، فهي مصدر الطاقة (البترول) وهي المنفذ البحري الوحيد للعراق والمنفذ الحدودي لثلاث دول كما هي تمثل الجار الملاصق لإيران.
هذه نبذة مختصرة عن الحال الأمنية ما قبل وبعد سقوط النظام والتي تدهورت بفعل الأخطاء البريطانية الفادحة بعد هيمنتها على البصرة وهناك جملة من الأخطاء الكبرى سببت هذه المضاعفات الخطيرة يمكن ان نجملها في الأمور الآتية:
1 – انعدام الخدمات، يؤسفني أن أقول ان البريطانيين طوال هذه الفترة لم يوفروا الماء الصالح للشرب للمدينة بينما يستحم (غيرهم) ببرك من مياه البحر المحلاة ولا أحد يقدر حاجة البصرة في الصيف الحار الى الخدمات المائية التي قد تسبب المزيد من التوتر.
2 – انعدام الصناعات النفطية حتى على مستوى التكرير البسيط لمعامل التصفية المحلية KBR الموجودة في إقليم كردستان والتي ساعدت على تخفيف أزمة الوقود والبنزين. وقد تأكد من مصادر مختصة ان هناك تعمداً في إهمال الصناعات النفطية لأسباب مجهولة في الوقت ذاته ثبت بما لا يقبل الشك سرقات نفطية هائلة ومن المصادفات الغريبة ساعة إعداد هذا البيان وبتاريخ 26/5/2006، ان أسمع من قناة "العربية" الفضائية أن قيمة السرقات النفطية من جنوب العراق تقدر شهرياً بمليار دولار، إضافة الى الخسائر الهائلة من دعم البنزين والتي يمكن أن نعوضها بمصانع التكرير المحلية KBR الموجودة في كردستان الآن وفي أثناء الحرب العراقية - الإيرانية.
3 – انعدام قوانين الاستثمار التي تؤهل البلاد للنهوض الاقتصادي وتجاوز الظروف الاقتصادية الخانقة التي تسبب الكثير من المشاكل. ولنأخذ على ذلك مثالاً ما قامت به مصر من استثمار ميناء السخنة الذي منح مساطحة لرجل أعمال سعودي وسترجع ملكيته الى مصر بعد عقد من الزمن. فلماذا لا تؤهل الموانئ العراقية في البصرة؟(2/334)
4 – انعدام الخدمات الصحية، فلو قارنا مثلاً ما قامت به القوات اليابانية في السماوة بما قامت به القوات البريطانية في البصرة لكان الفارق كبيراً، فقد استطاع اليابانيون ترميم الكثير من المستشفيات وتأهيل الصرف الصحي ومشاريع لضخ الماء الصالح للشرب كما أصبحت السماوة مقياساً للنظافة، بينما تكتظ شوارع البصرة بالنفايات حتى أصبحت مرتعاً للقاذورات وبؤرة للذباب والبعوض وقد أهملت الحالات المرضية الخطيرة مثل حالات الإصابة بالسرطان والولادات المشوهة ومعوقي الحروب فقد أكدت الأرقام ان ما يقرب من 184 ألف إصابة بالسرطان نتيجة لضرب البصرة بالبيولوجي والكيماوي وكانت الأولى ان يكون مستشفى الأمراض السرطانية في البصرة وليس في محافظة أخرى مما يضطر البصري ان يشد الرحال وليس له أجرة الفندق.
5 – عدم تحسين الكفايات، ان من يبحث عن الرحيل يعمد الى خلق كوادر بديلة تسد الفراغ وتؤدي الحاجة إلى أن ما فعله البريطانيون في البصرة لم يكن شيئاً يذكر إلا بضع سفرات سياحية لأعضاء مجلس المحافظة من أجل اطلاعهم على آخر تطورات إدارة المجالس المحلية. ولكن للأسف الشديد ان الكثير من أعضاء مجلس المحافظة لم يسبق له أن سافر من قبل الى خارج العراق كما ليس لديه القدرة على نقل التجارب العالمية. وأخطر من هذا طاولت عمليات الإبعاد الطاقات الخلاقة والقدرات المبدعة وأصحاب الاختصاص.
6 – المقترح، اقترح إصلاح المجالس المحلية وترشيدها وعدم القياس على المجالس المحلية البريطانية، فهي نتيجة تجربة أكثر من مئتي سنة والمجالس المحلية خلقت لنا أزمات في غاية الخطورة وأخطرها الأزمة الأمنية الحاضرة، إذ ولدت لدى بعض أعضائها حال من حالات الهيمنة على مصادر الثروة والسلطة التي أصبحت تهدد أمن الوطن والمواطن. لذا أقترح: أولاً: الحد من هيمنة مجلس المحافظة بإيجاد مجلس يسمى مجلس خبراء المحافظة ويحتفظ هذا المجلس بأرشيف كامل للمحافظة في كل فعالياتها ونشاطاتها وخدماتها.
ثانياً: تفعيل قانون الرقابة المالية واعتماد مبدأ المحاسبة وإنشاء دائرة للصرف المالي في مجلس المحافظة لا تكون تابعة لسلطان المحافظ ورئيس مجلس المحافظة. فإن عمليات الصرف التي كانت من نصيب البصرة والتي تقدر بـ114 مليون دولار من كل المنح البالغة بما يقرب من 80 مليار دولار قد تبخرت ولم يكن لها أثر على الأرض.
*اتهامات خطيرة يوجهها حزب الفضيلة الى الاحزاب والحركات الشيعية الأخرى في البصرة - تقرير خطير يكشف أسماء المتورطين في فرق الموت
بعد تدهور الوضع الامني في البصرة، تحاول الاحزاب والحركات الشيعية التي تسيطرعلى مجلس المحافظة ابعاد الاتهامات التي وجهت اليها من خلال اتهام بقية الاحزاب والحركات بعدم النزاهة ودعمهم لفرق الموت في المحافظة .وهذا منشور وزع في البصرة تحت عنوان (البعد الدولي والاقليمي لاحداث البصرة) ويتوقع ان هذا المنشور صادر من حزب الفضيلة، الحزب الذي ينتمي اليه محافظ البصرة:البعد الدولي والاقليمي لاحداث البصرةكذبت ثمود بطغواها اذ انبعث اشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها)شهدت الايام الماضية حملة مسعورة استهدفت حزب الفضيلة ومحافظ البصرة (محمد مصبح الوائلي) وقد يظن البعض ان هذه الحملة متعددة الاطراف جاءت بشكل عفوي ، فاريد في هذا البيان ان اوضح ابعاد هذه الحملة من خلال بيان بعض النقاط.
1- قام الشيخ محمد فلك من خلال بعض خطب الجمعة باتهام المحافظ باختلاسات وسرقات واتهام حزب الفضيلة بعمليات الاغتيالات التي طالت عددا من ابناء المحافظة ، وهم اكثر الناس اطلاعا على حال المحافظة ، فنتحداهم ان يثبتوا ان المحافظ لم يكن نزيها على اي مستوى من المستويات ، اضافة الى ذلك عدم وجود تخصيصات مالية الى المحافظة اطلاقا.
2- تبنت جماعة مرتزقة تمول من احدى الدول المجاورة هذه الحملة ايضا ، وذلك في صحيفة البينة التابعة لحركة حزب الله ، التي يرأسها المرتزق حسن الساري ، وان حسن الساري هذا عضو في الجمعية الوطنية مع العلم انه لا يمتلك الشهادة الاعدادية ، وقد زوروا له شهادة مع زميله السيد داغر الموسوي امين (حركة سيد الشهداء) وزميلهما حسن كاظم حسن (ابو احمد الراشد محافظ البصرة السابق) الذي رقن قيده في الثاني متوسط في متوسطة الفردوس في القرنة والذي زور لهم الشهادات حسين عذاب الذي يعمل في جامعة البصرة ونائب داغر الموسوي .
3- ان حادثة اسقاط الطائرة البريطانية يأتي في اطار زعزعة الوضع الامني في المحافظة ، ونسأل هل ان حزب الفضيلة يمتلك مصنعا للصواريخ المتطورة جدا، ام ان الصاروخ الذي انطلق من التنومة جاء من الحدود المجاورة .
4- تم القاء القبض على احد عناصر فرق الموت ، اسمه (رغيد عنس) عندما قام باغتيال احد افراد عشيرة بيت سعيد ، وهو الشهيد (جواد) الذي ينتمي لهذه العشيرة ، وبعد التحقق مع المجرم (رغيد) اعترف على افراد مجموعته وعددهم تسعة اشخاص ينتمون الى كل من (منظمة بدر والمجلس الاعلى وحركة سيد الشهداء وحركة حزب الله وحزب ثأر الله) ، ويرأس هذه المجموعة احد ممثلي المجلس الاعلى في ناحية الامام الصادق (ع) واسمه (هادي) وهو هارب الآن ومطلوب من قبل القضاء ، وقد تم تسجيل الاعتراف بشهادة شيوخ عشائر الامارة وبني مالك ومياح والشرش وشيخ عرفات ، واعترف انه يتلقى اوامر الاغتيال من ممثلية المجلس الاعلى في ناحية طلحة .
5- قام احد اعضاء مجلس المحافظة بارسال اشخاص الى احدى الدول المجاورة لغرض تدريبهم على عمليات التفخيخ والاغتيالات وهو ايضا قد زور شهادته مع احد افراد اسرته .(2/335)
6- اغتيال النقيب (مكرم) احد ضباط الجيش الاكفاء من قبل من قبل اللواء عبد اللطيف ثعبان آمر الفرقة العاشرة والمجرم يوسف سناوي والمجرم ماجد الساري الذي ينتحل صفة مستشار وزير الدفاع .
7- تم ارسال عدد كبير من الاشخاص الى احدى الدول المجاورة للتدريب على تسقيط المحافظ عن طريق العمل كسائقين في سيارات اجرة وذلك براتب شهري مقداره خمسمائة دولار .
ثم ذكر بيان الفضيلة أسباب هذه الهجمة التي وصفها بالحاقدة ومنها :
أ- وصول تعليمات من احدى الدول المجاورة الى مرتزقتها في البصرة لابعاد تجار البصرة من اجل هيمنة الدخلاء المرتبطين باقتصاد هذه الدولة .
ب - مطالبة محافظ البصرة بجزء من نفط البصرة لصالح المحافظة ، وقد رفض نصف اعضاء المجلس الحالي ذلك ، وهؤلاء يمثلون العصابات المنتمية لماوراء الحدود .
ج - قام محافظ البصرة بفتح ملفات الفساد الاداري والمالي التي تورط بها المحافظ السابق حسن الراشد وشريكه الشيخ محمد فلك ، وهذه الملفات وثائق تدين هؤلاء اللصوص بسرقة اموال ابناء محافظة البصرة .
د - قام محافظ البصرة بالغاء اي دور للاحزاب السياسية في دوائر الدولة ومؤسساتها وذلك لكي لايتم تسيس هذه الدوائر والمؤسسات .
هـ- قام المحافظ بدعم المستقلين غير الخاضعين لاتجاهات سياسية او دينية ، وكان تعامله مع الاشخاص على اساس الكفائة والنزاهة .
و- ومن الاسباب المهمة التي ادت الى شن هذه الحملة ضد حزب الفضيلة وضد ابنها محافظ البصرة قضية اختطاف افراد من القوة النهرية واستشهاد احدهم على يد القوات الايرانية بعد ان انكرت وجودهم الحكومة الايرانية وبعد اصرار المحافظ وتأكيده على عودتهم واسترجاعهم سالمين حاول الطرف الاخر ان يساوي المسئلة بصورة سرية ولكن المحافظ ابى الا ان تكون القضية على مرآى ومسمع الشعب العراقي .وقد تعرض محافظ البصرة مع اشقائه لعدة محاولات لاغتيالهم ، بعد ان رفض الانصياع للضغوط التي يقوم بها الطابور الخامس والمرتزقة .فاذا كان حزب الفضيلة هو الذي يمتلك فرق الموت في المحافظة فمن يحاول يحاول ان يغتال المحافظ وهو مرشح حزب الفضيلة ، وكذلك من الذي قتل عددا من شباب الفضيلة في القرنة وغيرهم .ياابناء البصرة الغيارى ، ويا ابناء جنوب العراق ، يوجد مخطط لاقامة فيدرالية التسع محافظات ، على ان تكون النجف هي العاصمة السياسية للاقليم ، وان يكون عبد العزيز الحكيم او ولده عمار رئيسا للاقليم، ليبقى ابناء الجنوب عبيداً عندهم ، ولكن ابنائكم من ابناء الفضيلة يقفون ضد هذا المخطط بحزم حتى لو ادى الى سفك دمائهم ، وقد رفض محافظكم الغيور تلبية دعوتين في محافظة النجف وذلك لمؤتمرين عقدا هناك ، وكان رفضه خطوة في طريق رفض التمهيد لهذا الاقليم المشبوه الذي يراد منه خلق دويلة تابعة لدولة مجاورة ، لابقاء سيطرتهم وتسلطهم على ابناء جنوب العراق ونهب خيراته .ان هذه المجموعة المشبوهة هي بنفسها التي قامت بحملتها المسعورة ضد رمز الاسلام الاول في هذا العصر الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر (قده) وهاهي تعود اليوم ضد ابنائه المخلصين عن طريق عمليات التصفية المنظمة ضد اخوتنا من ابناء السنة وغيرهم من الكفاءات ، ويحاولون لصقها بحزب الفضيلة الاسلامي الوطني الحزب الوحيد الذي تأسس في العراق ولم يدخل يده في جيب اي دولة اجنبية كانت او مجاورة ، كما تفعل الاحزاب التي تنسب نفسها الى الاسلام .
ولا تنسى البصرة ابنها البار الشهيد حازم العينجي الذي لم يكن الاول او الاخير في سلسلة تصفية ابناء المحافظة المخلصين ، فمن الذي اغتال العينجي وهو مرشح الفضلاء في مجلس المحافظة السابق ومقرره ؟اننا نقول وبشكل صريح ان كل من حسن كاظم حسن (ابو احمد الراشد محافظ البصرة السابق) وصلاح البطاط (قيادي في المجلس الاعلى) والسيد داغر (امين عام حركة سيد الشهداء) ويوسف سناوي (امين عام حزب ثار الله) وحسين عذاب وغيرهم من مصاصي الدماء وناهبي ثروات البصرة هم رموز فرق الموت وقادة عصابات النهب .
فان لم يلتفت ابناء البصرة الى حجم المؤامرة فان الاوان قد يفوت وسوف يتسلط على رؤوسهم هؤلاء المرتزقة الجهلة مؤسسي فرق الموت في عراقنا الحبيب الغالي .اللهم قد بلغت ... اللهم قد بلغت ... اللهم قد بلغت .(وان عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا)
جماهير محافظة البصرة
[نقلا عن : موقع الرابطة العراقية 4/6/2006م ].
*رسالة خطيرة من محافظ البصرة تشير الى تورط ممثلي السيستاني وقوات الأمن والجيش بأعمال القتل الطائفية في البصرة والارتباط بجارة الشر ايران.
اتهم محافظ مدينة البصرة محمد مصبح الوائلي أمس السبت قيادات في الجيش والشرطة العراقية بالوقوف وراء موجة الاغتيالات التي شهدتها البصرة خلال الفترة الأخيرة، كما اتهم ممثلين للمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بدعم فرق الموت في المدينة، كما تبين الرسالة التالية التي أصدرها المحافظ يوم السبت 13/5/2006 :(2/336)
إن المعلومات المتوفرة لدينا بأن هناك مجاميع تخريبية جاءت من خارج المدينة, وقسم منها من خارج الحدود, وذلك للقيام بأعمال ارهابية وتخريبية ضدّ المحافظة, وبعض دوائر الدولة والبنوك, وأن والذي يراد بهِ أن يحصل في البصرة وباقي المدن العراقية الغاية منهُ أهداف سياسية وطائفية, لتأزيم الوضع الأمني. " وللأسف هناك بعض المسميات الحزبية قامت بالتنسيق مع هذه الجهات التخريبية, وأن سيناريو الهجوم سيمهد له بتظاهرة سوف تدعو لها قيادات الارهاب في العراق, وأن بعض القيادات الدينية في البصرة, ممن لهم تأثير في الشارع البصري, يدفعون بهذا الاتجاه وأن هذا الفعل الذي سوف يكون غطاءً للفوضى في البصرة يتحمل مسؤروليته بعض الكيانات السياسية وبعض تجار الدين. " لذا دعونا شيوخ العشائر ووجهاء المدينة في البصرة للتصدي لهذا العمل الارهابي, ووجهنا رسالة لوزارتي الدفاع والداخلية للمساندة, وإني لأستغرب بأن موجة الاغتيالات التي حدثت في البصرة لم تقم الشرطة في البصرة بأي تحقيق اتجاهها, ونلاحظ أن بعض منتسبي قوات الحدود وبعض قادة الجيش في البصرة لهم علاقات مشبوهة مع بعض المطلوبين للقضاء, الذي ثبت ضلوعه بجرائم الاغتيالات, ولذلك قمت بتوجيه انذار نهائي لهذه القيادات للتصدي لهذه الأعمال التي هي بعيدة كل البعد عن أهالي البصرة وأخلاقهم والمعروفين بالطيبة والتسامح والكرم, وسوف أقوم باللازم لاقالة جميع القيادات إذا لم تقم بواجبها الصحيح. فأمن المواطن وحيلاتهِ أمانة في أعناقهم. كما أدعو ضباط الشرطة ومنتسبي الجيش الابتعاد عن الحزبية والعمل لصالح العراق وأن لا تحركهم أحزابهم, وسوف نتخذ أشدّ الاجراءات باتجاه كل من نجد لهُ يداً في زعزعة الأمن في البصرة. " إننا اليوم نقف أمام مرحلة خطيرة من مسيرة بلدنا ومدينتنا وتكمن خطورة هذه المرحلة في حجم التحديات التي تحيط بمديتنا الناتج عن تطلعات وأطماع قوى واتجاهات لها ارتباطاتها المعروفة خارج العراق، بالاضافة لما يراد بمدينة البصرة أن تكون ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية بين قوى لدول تريد نشر هيمنتها ونفوذها السياسي والاجتماعي والثقافي على مدينتنا بوابة الخير للعراق العزيز. " ولعلني وطوال هذه الفترة كنت أتجنب كشف أوراق هذه المؤامرة وهذا التقاتل الاقليمي في الساحة العراقية ودعونا لعدة مرات وبعدة قنوات سياسية للكف عن هذه الممارسة اللاانسانية، الا أن الواقع يكشف اصرار القوى المعادية الشريرة التي كشفت عن مخططاتها عبر سلوك أذرعتها الارهابية والدموية المناهضة والعادية للقانون التي ترعرعت في بلادنا ومدينتنا خلال المرحلة السابقة واليوم ومن مستوى المسؤولية القانونية فإني ومع تحميلي لهذه القوى امعادية للقانون المسؤولية الكاملة عن ازهاق أرواح الأبرياء من مدينتنا فقد قررنا التالي:
أولاً : تجمد كل صلاحيات مدير شرطة البصرة ويحال ويحال طلب اقالته إلى مجلس المحافظة لاتمام عملية عزلهِ من منصبهِ.ثانياً: نطالب وزير الدفاع وللمرة الرابعة بعزل قائد قوات الفرقة الرابعة اللواء عبد اللطيف ثعبان لعدم أهليتهِ وعدم تعاونهِ معنا ولتحزبه لجهات معادية للقانون. وثالثاً: يتحمل كل من الشيخ محمد فلك المالكي والسيد عماد البطاط المسؤولية القانونية لقيامهم بتحريض الناس البسطاء للوقوف ضدّ القانون وزرع الفوضى في أوساط الدوائر والمؤسسات الحكومية, ولدعمهم الأحزاب الدموية لفرق القتل والاغتيال وبدعم خارجي وأطالب الجهات الدينية التي يرجعون لها بتوجهيههم بما يتوافق مع مصالح الأمة.محمد مصبح محمد الوائلي محافظ البصرة
13/5/2006
-----------
ان ما ذكر أعلاه لا يبريء ساحة (الوائلي) مما اقترفه في البصرة خلال السنتين الماضيتين، فهو من قام بنهب الملايين بل المليارات حسب ما تداولهُ أهالي البصرة.. وموقفه المفاجئ هذا ربما ينطلق من صراع على الكراسي بعد انسحاب حزب الفضيلة (والذي ينتمي له) من الحكومة المزمع اعلانها.. ولعله الآن يريد أن يظهر بمظهر الشريف والوطني وهو قبل فترة قصيرة قام باطلاق عصابات تهريب المخدرات بعد أن رفضت الشرطة والضباط اطلاق سراحها، واستنجد بسادتهِ في الداخلية من أجل اطلاق أفرادها لأنهم ايرانيون.. وهذا مقطع من الرسالة :
*رئيس هيئة علماء المسلمين / المنطقة الجنوبية الدكتور يوسف الحسان يشارك في مؤتمر يدعو إلي نبذ الطائفية والإرهاب في البصرة
عقد في محافظة البصرة مؤتمر وطني ضد الطائفية والارهاب وعلي قاعة البتروكميات في خور الزبيرتحت شعار(وحدتنا وعملنا الجاد سبيلنا لبناء العراق ومحاربة الطائفية والارهاب) .
وألقي كل من رئيس هيئة علماء المسلمين في البصرة الدكتور الشيخ يوسف الحسان والدكتور احمد الحسني والمهندس رياض جبر و والشيخ عبد الحافظ البغدادي كلمات تنادي بالوحدة الوطنية ومحاربة الارهاب .وقال رئيس المؤتمرالدكتور ضياء الاسدي ان (الكلمات التي القيت في المؤتمر دعت الي نبذ الفتنة الطائفية ومحاربة الارهاب بأشكاله كافة والوقوف صفا واحدا لبناء الوطن) مشيرا الي ان(اهم نتائج المؤتمر كان التوقيع علي مسودة حلف البصرة الداعي الي نبذ الطائفية والارهاب والعنف ومواصلة بناء المدينة بناء صحيحا وسليما).
[ جريدة (الزمان) الدولية - العدد 2414 - 31/5/2006 ].
معالجات الاحتقان الطائفي في جنوب العراق
كيف يمكن تدارك الخطر ؟
بحسب رؤيتنا يتوجب على أهل العراق أن يبادروا قبل أن يفاجئوا، وأن يسرعوا في العلاج قبل أن يداهمهم المرض العضال، وما يمكن طرحه في هذا الشأن يتلخص في النقاط الآتية:(2/337)
1ـ أن تحشد طاقات المجتمع في الاتجاه الصحيح، وهو ما يمكن تسميته بمحاولة إيجاد 'المشروع الوطني' الذي تتناغم فيه كافة المجهودات والهمم، ويكون هو السبيل لنمو المجتمع ورفاهيته، ولا يكون فقط حصرًا على فئة دون غيرها.
وهنا يأتي دور المرجعيات الدينية ومؤسسات المجتمع المدني وبعض القوى الاجتماعية والعشائرية الفاعلة في المجتمع في محاولة منها لايقاف هذه المهزلة المروعة والانتكاسة الحضارية والانسانية من خلال معالجات في بنية الخطاب الديني والمذهبي ، والتأكيد على حقوق المواطنة ، وأهمية ( التعايش السلمي ) لبناء الجنوب وإعماره تمهيداً للقضاء التام على الفتن الداخلية التي تعصف بأمن المنطقة وتهدد استقرارها .
2ـ أن يفعل أهل السنة دور الاعلام في هذه المرحلة من خلال فتح قنوات إعلامية جديدة لنقل معانات أبناء الجنوب الى العالم بأسره في خطوة لتحريك الرأي العام العالمي والعربي والاقليمي .
3ـ أن تتوحد جهود العاملين في الساحة ، وأن يتفقوا على كلمة سواء ، وأن يبنوا كياناً موحداً منظماً ومتماسكاً كي يشعر الآخر بقوة أهل السنة وهيبتهم فلا يفكر باستئصالهم وكأنهم لقمة سائغة .
4ـ أن تتحرك دول الخليج وبقية دول العالم العربي والاسلامي على المستويين الشعبي والرسمي لمناصرة أخوانهم في جنوب العراق من خلال الضغط على الحكومة العراقية في المحافل العربية والدولية وفي اللقاءات الرسمية ، وأن يتحرك الشارع العربي والاسلامي اعلامياً وانسانياً وإغاثياً لنجدة أخوانهم في جنوب العراق ، وأن تعقد الندوات والمحافل واللقاءات الفضائية لتوجيه أنظار العالم على ما يجري في البصرة وبقية أنحاء الجنوب .
5ـ أن يعقد لقاء علني وعاجل بين أكبر الزعامات الدينية في العراق ممن يمثل الطائفتين السنة والشيعة ( ومن الضروري أن يضم الشيخ حارث الضاري والسيد علي السيستاني ) والخروج ببيان واضح اللهجة لادانة هذه السياسات والممارسات ، وللتأكيد على الاخوة الوطنية والدينية بين المسلمين بمختلف مذاهبهم ونحلهم .
6ـ على جبهة التوافق العراقية ( وهي كيان سياسي سني مشارك في الحكومة الحالية ) أن تبذل المزيد من الجهود والضغوط للتسريع بإيقاف ما يجري لاهل السنة في الجنوب ، وللحد من ظواهر التصفية الطائفية الشاملة والتي تقوم بها أجهزة أمنية حكومية معروفة تسندها مليشيات مشخصة في الشارع العراقي .
7ـ أن يقوم العقد الاجتماعي القائم في الدولة على أساس المشاركة لا الاستئصال، وأن يكون أساس الاختيار هو الكفاءة وحسن الأداء وليس فقط الولاء للاحزاب أو المذهب، وهو ما يعني أن تكون شرائح المجتمع متساوية في كافة الحقوق والواجبات، وأن يكون التمايز بينها في تبوء المناصب القيادية بمعايير موضوعية واضحة للجميع.
8ـ الابتعاد عن الأسلوب القسري والعقاب الجماعي في التعامل، خاصة مع فئات تشعر بتمايزها عن بقية المجتمع أو ينمو عندها الإحساس بالتهميش من جانب الحكومة الشيعية ، ومحاولة علاج الإشكاليات التي تطرأ في الإطار السياسي والمجتمعي لا الأمني فقط والذي يُبرزالجانب السلطوي للدولة؛ وهو ما قد يدعو أهل السنة إلى اللجوء إلى العنف أو اختيار المغادرة والهجرة من البصرة.
9ـ مراعاة الخصوصية المذهبية والعقائدية التي تصطبغ بها فئة معينة أو فئات من الشعب، طالما أنها لا تخالف ثوابت المجتمع، مع محاولة دمجها بصورة أو أخرى في الإطار الكلي للمجتمع، وسحبها إلى المشاريع الوطنية الكبرى التي لا تدحض هويتها.
10ـ على اهل السنة أن يصبروا ويحتسبوا الأجرعند الله تعالى ، وأن يتقوا الله في خاصة أنفسهم ، وأن يضاعفوا من الاستغفار ، وأن يطيلوا من الركوع والدعاء والتضرع والبكاء بين يدي الله تعالى عسى الله أن يفرج عنهم ما هم فيه من البلاء والامتحان والأذى { وما أصابكم من مصيبة فبإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم } .
11ـ على اهل السنة إغلاق كافة المساجد الفرعية والصغيرة يوم الجمعة والتوجه الى ( المسجد الجامع / البصرة الكبير ) لأداء صلاة الجمعة ، ولا بأس من إعادة فكرة الجمعة الموحدة مع تيارات شيعية معينة حتى ولو كانت باغية .
حل لأزمة البصرة
يبدو ان مجلس رئاسة الدولة العراقية كان يحتاج هذا الكم الكبير من الخراب الذي أصاب البصرة لكي يجتمع ويبحدث أمر البصرة إذ كان من الضروري ان يموت عشرات الناس أو مئات الناس اغتيالا وان تهجر مئات العائلات البصرية وان يهرب من المدينة كوادرها المتعلمة من أساتذة ومحامون وصناعيون وأطباء وان يغلق أهل البصرة أبواب مساكنهم عليهم وان يدب الخوف والرعب في اوصال المدينة من آولئك الزوار غير المعروفين الذين لا يتكلمون إلا ومسدساتهم بأيديهم ، فهل كان الثمن الذي دفعته البصرة عاصمة المدن العراقية دون منازع كافيا لحد الآن أم ان بعضهم يطلب منها المزيد من التدهور والمزيد من الخطف والموت والتهجير .(2/338)
لقد حركت المنارة منذ عدة أعداد تلك المياه الآسنة الراكدة ورفعت الصوت عاليا بان البصرة تحتضر وتموت ولكنها لن تموت إلا واقفة لكي تخزي قتلتها والساكتين على قتلها اليوم والى يوم الدين ويبدو اننا نجحنا في ان نحرك الضمائر إلى جانب عدد من شرفاء البصرة الآخرين في ان يجتمع مجلس الرئاسة ونعترف بان مساهمتنا على أهميتها كانت محدودة إلى جانب ما جرى من تفجر مفاجئ للأوضاع السياسية في المدينة حيث لفت الوضع السياسي المتفجر الأنظار لمحنة المدينة واهتم بأمرها القاصي والداني وتقاطرت بعض الوفود عليها ونأمل ان تكون هذه المرحلة بداية نهاية الإرهاب المحلي الذي تعاني منه المدينة ونسميه بالإرهاب المحلي لأنه لم يأتينا من الخارج لان الذين يمارسونه يعرفون تفاصيل المدينة تماما ويختفون فيها ويغيرون سياراتهم وملابسهم بسهولة دون ان نعثر لهم على اثر ودون ان نقدم أي واحد منهم للعدالة او على اقل تقدير للفضائيات العربية او غير العربية .
يؤلمنا ان ثمن تحرك القيادات السياسية في بغداد لنجدة البصرة كان عشرات الجثث ومئات العوائل المشردة وتوتر امني بالغ الخطورة أصاب مفاصل حياة المدينة ومزق نسيجها الاجتماعي ويؤلمنا ان المؤسسة السياسية في بغداد كانت تحصي جثث أهل البصرة كأنها كانت تنتظر ان يصل الرقم إلى الحدود الحمراء لكي تتحرك ، أي انهم كانوا بانتظار خراب البصرة .اليوم وقد اجتمعوا وتناقشوا وقرروا ما قرروا عليهم ان ينقذوا البصرة لا بإعادة الأمن إلى شوارعها بل بتقديم من ارتكبوا تلك المجازر إلى العدالة فلن يرضى مواطن واحد من أهل البصرة الشرفاء بان يتم تطبيق مقولة عفا الله عما سلف ، لان الله سبحانه لا يعفوا عن القتلة ولا يعفوا عن الذين يتموا العوائل وقتلوا أبنائها دون ذنب وان طبقوا هذا الشعار لا فائدة من نصرتهم للمدينة .
قوى الأمن تعرف من الذي يمارس عمليات القتل ، لكن قوى الأمن تخاف من سطوة العصابات ولذلك فان مفتاح الحل والربط في إخراج قوى الأمن من محنتها الحالية محنة الخوف من الذين يدوسون على القانون بأقدامهم ، ومفتاح الحل والربط هو بفتح تحقيق دقيق بكل حوادث الاغتيال التي جرت في المدينة واحدة واحدة دون نسيان أي منها أو دون إغفال أي منها منذ سقوط النظام إلى اليوم مع التركيز على الأشهر الأربعة الأخيرة حيث جرى سبي البصرة بطريقة منهجية ويومية ومستمرة فبينما سقط العشرات من القتلى في الأشهر الأربعة الأخيرة لم يسقط ولا قاتل واحد في قبضة العدالة وتلك هي نقطة البدء ومربط الفرس ان صح التعبير .
ان أرادت الدولة ان تداوي البصرة بالمسكنات فلا خير بهذا الدواء ، وفي الحقيقة انها لا تملك اليوم غير المسكنات وبالتالي لا ندري على أي أساس سوف تتحرك وكيف خصوصا وان دولتنا لا تتنازعها المهنية والمصداقية وإنما تتنازعها الحزبية والطائفية والمصالح السياسية وهنا يكمن مصدر خوفنا بأنها لن تكون جدية في إحداث تغيير شامل بالوضع الأمني والاقتصادي في المدينة وغياب الجدية هو عيب عام مستشري في جميع مفاصل الدولة العراقية وكأن ما يجري في كل مكان مجرد عمليات وقتية أو مرحلية أو انها لامتصاص النقمة أي العمل بالمسكنات .
ان جميع القوى السياسية في المحافظة ، جميع الأحزاب الدينية، جميع الشخصيات مطالبة اليوم بحل طلاسم الوضع الأمني المتردي ، مطالبة ان تضع ما لديها من معلومات بيد العدالة وان تتكاتف لإنقاذ البصرة وهنا فقط يكمن الحل الجدي والحقيقي للمشكلة وان لم تفعل فانها تشارك بشكل أو بآخر باستمرار محنة البصرة.
[بعد خراب البصرة ! - د. خلف المنشدي، موقع هيئة علماء المسلمين ، مقالات بتاريخ 28/5/2006 بتصرف ].
فتوى شرعية.. بوجوب وحدة الأمة وتحريم سفك الدماء والاعتداء على دور العبادة
اجتمع عدد من علماء المسلمين بتاريخ 25 شوال 1424 هـ في جامعة مدينة العلم في مدينة الكاظمية شمال بغداد، وتدارسوا أوضاع العراق بعد الاحتلال الأنكلو- أمريكي الغاشم والمشكلات الطارئة عليه، فأصدروا فتوى في ضوء الكتاب والسنة - ملزمة لجميع المسلمين - بوجوب وحدة الأمة وتحريم سفك دماء الأبرياء والاعتداء على ممتلكاتهم ودور العبادة المختلفة.
وفيما يأتي نص الفتوى:-بسم الله الرحمن الرحيم فتوى شرعية الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:يقول الله سبحانه وتعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } 59 – النساء.لقد اجتمع عدد من علماء المسلمين في جامعة مدينة العلم للإمام الخالصي في الكاظمية في اليوم الخامس والعشرين من شهر شوال من عام 1424 هـ.وبعد دراسة مجمل أوضاع المسلمين في البلاد والنظر في المشكلات الطارئة عليهم في ضوء كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله أصدروا هذه الفتوى الملزمة لكل مسلم يقر بالشهادتين:إن الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية واجب شرعي يقدم على كل الأمور، وإن كل قول أو فعل يفضي إلى فرقة الأمة وضعفها هو من المحرمات الشرعية القطعية، وإن المسلم حرام على أخيه المسلم بنص الحديث الشريف: كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه]وفي ضوء ذلك فإن ما يجري – هذه الأوقات – من اغتيالات للعلماء والمثقفين العراقيين واعتداءات على المساجد ودور العبادة يعدّ من الآثام الشرعية التي لا يقدم مسلم صالح على اقترافها، وإن الواجب الشرعي يلزم علماء الأمة ودعاتها من خطباء ومرشدين وغيرهم التأكيد على أمر الوئام والوحدة والتحذير من الشتات والفرقة وما يفضي إليهما من مواقف وخطابات لا تراعى فيهما حرمة الأمة ومصلحتها.يقول الله عز وجل: { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون }10 - سورة الحجرات.(2/339)
اللهم اشهد أنا قد بلغنا .. اللهم اشهد أنا قد بلغنا وقع على هذه الفتوى بعض كبار العلماءالحاضرين في اللقاء المذكور وغير الحاضرين ممن اطلعوا عليها ولاحظوا أهميتها
– حارث سليمان الضاري
– محمد مهدي الخالصي
– د. عبد السلام داود الكبيسي
– إبراهيم منير المدرس
– د. محمد بشار الفيضي
– أحمد الحسني البغدادي
– قاسم الطائي
– محمد أحمد الراشد
– جواد الخالصي
– عبد الرضا الجزائري 15 ذي القعدة 1424 هـ
[فتوى شرعية.. بوجوب وحدة الأمة وتحريم سفك الدماء والاعتداء على دور العبادة، موقع هيئة علماء المسلمين ، وثائق سياسية بتاريخ 30/4/2006 ].
هيئة علماء المسلمين تضع حلولا للازمة
بسم الله الرحمن الرحيم
ميثاق شرف وطني
قال الله تعالى: (( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ((
وبعد: فإن هيئة علماء المسلمين في العراق تعتقد - بناءً على الحقائق التاريخية وعلى التجارب الحالية الجارية على الأرض - أن مصلحة العراق وشعبه لا يعرفها ولا يقدرها إلا العراقيون أنفسهم، ولا يخرجه من الدوامة المأساوية في كل المجالات التي وضع فيها منذ أكثر من عام إلا أهله إن هم أرادوا ذلك، وأخلصوا لله ولوطنهم وتركوا الاعتماد على الغير مهما كان الغير قريباً أم بعيداً، فهو لا يتحرك إلا وفق مصالحه ومخططاته على حساب مصالح الشعب العراقي وتطلعاته. لذا تدعو هيئة علماء المسلمين في العراق أبناء الشعب العراقي الكريم بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم إلى نبذ الخلافات والعمل معاً تغليباً لمصلحة العراق التي هي مصلحة الجميع والتلاقي على ميثاق شرف يقوم على الأمور الآتية:
أولاً: الولاء لله أولاً ثم للعراق ثانياً، وتقديم مصلحته على كل المصالح الشخصية والسياسية والمذهبية والعرقية وغيرها.
ثانياً: رفض الاحتلال بشتى صوره كلٌّ حسب استطاعته وبالطريقة التي يراها مناسبة ومؤدية لهذا الواجب الديني والوطني.
ثالثاً: العمل الجاد لإنهاء الاحتلال بأسرع وقت ممكن وبكل الوسائل المشروعة الممكنة؛ لأن الاحتلال يمثل المشكلة التي لا يمكن للعراق الخروج من الكارثة التي هو فيها اليوم بدون زواله نهائياً.
رابعاً: المصالحة الوطنية الصادقة التي يتم فيها جدياً القضاء على النزاعات والخلافات وكل المظاهر المزعجة الغريبة على شعبنا والمهددة لاستقراره ووحدته كالاختطاف والقتل والتصفيات الوظيفية ومحاولات الاستيلاء على الأموال العامة والخاصة ودور العبادة وغير ذلك من الأعمال الشاذة وغير المبررة.
خامساً: الإقلاع عن كل ما يولد الحساسيات ويثير الخلافات ويؤجج الفتن من أقوال وأفعال وسلوكيات شخصية أو إعلامية أو غيرها.
سادساً: العمل الجاد على جمع الكلمة ووحدة الصف وتوحيد الهدف للجميع في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ بلدنا وشعبنا لقطع الطريق على من يريدون الشر بالعراق وأهله تحقيقاً لمآربهم الخاصة.
سابعاً: الحرص على وحدة العراق أرضاً وشعباً وعدم التفريط بها تحت أي ظرف من الظروف أو عذر من الأعذار. ثامناً: إيجاد مرجعية أو لجنة متابعة عليا لتفصيل مواد هذا الميثاق من كل الفئات الفاعلة وذات التأثير الحقيقي في الشارع العراقي للنظر في الأحداث والقضايا المستجدة التي تحتاج إلى حل أو رأي مشترك فيها، وبواقع ممثل واحد على الأقل من كل جهة.
هيئة علماء المسلمين في العراق المقر العام
27/ جمادى الأولى/ 1425هـ
15/ تموز/2004م
[ميثاق شرف وطني، موقع هيئة علماء المسلمين ، وثائق سياسية بتاريخ 8/5/2006].
رسالة إلى المرجعية الشيعية في العراق.. التاريخ لم يتوقف
أمقت الكتابة عن الطائفية والطائفيين وأمقت أن أكون كالبوم الذي يبشر بحرب أهلية طائفية سيكون وقودها وحطبها شعوب المنطقة برمتها في ظل العولمة الحاصلة في كل دقائق الحياة عربتها الفضائيات ووسائل الإعلام المنتشرة على مد البصر،لكن ما يجري في العراق يدفع أي غيور على هذا البلد العريق والحضاري أن يكتب عنه ليس من باب الحرص على أهله فقط وإنما من باب الحرص على المنطقة من برميل بارود إسلامي ينتظر أن ينفجر في وجهنا جميعا. كان على المرجعية الشيعية في العراق أن تعلن موقفا لا غموض فيه ولا لبس تجاه الاحتلال وتجاه ما يجري في عراق اليوم، كان عليها أن تجيش الجيوش من أجل رحيل الاحتلال إلا أنها للأسف لم تقم بذلك الواجب المنوط بها شرعيا ومنطقيا وآثرت الفاني على الباقي، وهو ما سيدفع ثمنه شعب العراق شيعة وسنة، وهنا لا أريد أن أغمط حق بعض المرجعيات الشيعية الوطنية التي كان لها موقف مشرف في الوقوف إلى جانب القوى الوطنية العراقية في رفض الاحتلال ومقارعته، ولكن للأسف فإن الصوت العالي والذي يمثل الغالبية الشيعية في العراق هو من يدعو إلى الاستكانة والتعايش مع الاحتلال. لم يستهدف أي هجوم الشيعة في العراق إلا وسمعنا تنديدا به من قبل هيئة علماء المسلمين ولكن للأسف لم نسمع بأي تنديد من المرجعيات الشيعية لما يجري في مناطق أهل السنة وهو ما دفع فصائل في المقاومة أن تضع شيعة العراق في صف المتعاونين مع الاحتلال.(2/340)
إن على المرجعيات الشيعية في العراق أن تنظر إلى الوضع هناك من زاويتين مهمتين الأولى وطنية على أساس أن ما يجري سيمزق جسد هذا الشعب العريق بشيعته وسنته وبالتالي المطلوب مواقف وطنية حقيقية تجاه مغاوير الداخلية وممارساتها، وتجاه ما يحاك للعراق وألا تصب الزيت على النار ففي الوقت الذي جيشت العالم ضد تفجير القبة الذهبية في سامراء صمتت صمت القبور على ضرب مسجد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه على يد قوات الاحتلال، وفي الوقت الذي جيشت الشارع العراقي والشيعي في العالم الإسلامي ضد تفجير سامراء وهو مدان بأقوى العبارات إلا أنها صمتت تماما على استهداف أكثر من مائة وسبعين مسجدا سنيا في العراق، وهنا أهمس في أذن هذه المرجعيات فأقول بإن ما يجري في العراق ليس نهاية التاريخ، وعالم الزمن لم يتوقف هنا، وعجلة العصر تدور وتمضي ولن يبقى إلا المواقف المشرفة التي تأخذ في الاعتبار المصلحة العليا. أما الزاوية الثانية فإنه حتى لو سلمنا بأن الشيعة أغلبية في العراق وهو أمر جد مشكوك فيه في ظل وجود أكراد وتركمان بالإضافة إلى عرب السنة، ولكن حتى لو سلمنا بذلك فإن الحرب الطائفية التي بشر بها السفير الأمريكي في العراق زالماي خليل زاده لن تنحصر في العراق وستمتد إلى كل بلد إسلامي لا سمح الله وحينها على المرجعيات أن تدرك أن الشيعة وأتباعها أقلية في العالم الإسلامي وهي بالتالي ستدفع ثمن سياسات مرجعياتها لا سمح الله.
على الدول والمرجعيات وأصحاب الفكر أن يحذروا من برميل بارود إسلامي ينتظر أن ينفجر بوجوهنا جميعا ولن يكون أحد بمنأى عن هذا البرميل، ومن ظن يوما أنه سيحصر وسيقتصر على العراق فهو واهم فمشاركة الآلاف من المقاتلين العرب والمسلمين في المقاومة العراقية سينقلون الحرب إلى بلادهم وحينها فلا ساعة مندم.
[رسالة إلى المرجعية الشيعية في العراق، أحمد زيدان ، موقع هيئة علماء المسلمين ، مقالات بتاريخ 19/3/2006].
دعوة الى الشيعة بإعادة النظر(2/341)
هناك بعدان أساسيان يمكن التوقف عندهما في هذا السياق؛ يتعلق أولاهما بالمواقف السياسية للمراجع الكبار في النجف الأشرف وعلى رأسهم السيد علي السيستاني، فيما يتعلق الثاني بدلالات ما جرى بعد الجريمة من اعتداءات على العرب ومساجدهم. بالنسبة للبعد الأول لا بد من القول إن علينا الاعتراف بأن من حق أي طرف أن يختار النهج الذي يراه مناسباً في التعامل مع الاحتلال، من دون أن يصادر حق الآخرين في رفض ذلك النهج والتعريض به بالطريقة التي يراها، وهنا ينبغي القول إن الشيعة، وكما العرب السنة لم يتفقوا على رأي واحد، إذ مال بعضهم إلى التوافق مع الاحتلال بهدف تحقيق مكاسب طائفية، فيما مال آخرون إلى الرفض السياسي وتبني خيار المقاومة من دون المشاركة المباشرة فيها، كما هو حال التيار الخالصي والبغدادي، أما الطرف الثالث فقاوم ثم عاد ومال إلى المقاومة السياسية كما هو حال التيار الصدري. من هنا يمكن القول إن المراجع الكبار في النجف لم يمثلوا عموم الشيعة في موقفهم، لأنهم بدعمهم الخيار السياسي في التعامل مع المحتل قد انحازوا لأطراف معينة في اللعبة دون أخرى، وهو ما ينفي عنهم صفة الحياد التي يتدثرون بها، كما ينفي عنهم مقولة عدم التدخل في الشأن السياسي. لقد تدخل السيد السيستاني وما زال يتدخل في السياسة، الأمر الذي ينطبق على المراجع الآخرين، وقد فعلوا ذلك في أهم المحطات بالنسبة للشيعة، كما هو الحال مع الانتخابات ومع الدستور، وها إن الموقف الأخير ممثلاً في الدعوة إلى التظاهر بمناسبة اعتداء سامراء يؤكد ذلك. في سياق السلوك السياسي للمراجع، وعلى رأسهم السيد السيستاني يمكن القول إننا إزاء سلوك طائفي إلى حد كبير، فالاحتلال لم يتعرض إلى الحد الأدنى من الهجاء من قبل هؤلاء، على رغم أن وجوده هو الذي يوفر أجواء الفوضى في العراق، كما أن الاعتداءات التي يتعرض لها العرب السنة وعلى رغم بشاعتها لا تتعرض لأي انتقاد من قبلهم، فكم من مرة خرجت التقارير تتحدث عن السجون الأمريكية وما يحدث فيها ومعها مسالخ وزارة الداخلية، وكم من مرة تعرضت المدن العربية السنية إلى اعتداءات بشعة، لكن ذلك كله لم يدفع المراجع إلى توجيه أي انتقاد. والأسوأ أن شيئاً من ذلك قد وقع بالنسبة للاعتداء على النجف يوم تحصن فيها الصدريون. الأسوأ أن قضايا الأمة الخارجية لا تحضر في خطابهم أيضاً، مع أن السيد السيستاني هو المرجع الأهم بين مراجع الشيعة في العالم، ففي حين استنكر العالم الإسلامي ما جرى من عدوان على النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في واقعة الرسوم، لم يتفضل (السيد) بأي موقف على هذا الصعيد؛ لا هو ولا مراجع النجف الثلاثة الآخرين (إسحق الفياض، محمد سعيد الحكيم، بشير النجفي) في حين سمعنا الكثير من السيد محمد حسين فضل الله في لبنان، كما سمعنا من السيد حسن نصر الله أيضاً. خلاصة القول إن ثمة حاجة إلى إعادة النظر في السلوك السياسي لمراجع النجف، ليس على صعيد الصراع الداخلي بين فرقاء القوى الشيعية، ولكن أيضاً على صعيد صراع الوطن برمته، ومن بعد ذلك على صعيد قضايا الأمة، وما من شك أن جوهر مواقف الأمة منهم لا تتحدد بشكل أساسي بسبب رؤاهم الفقهية أو الاعتقادية، بل تبعاً لمواقفهم السياسية، أكان من العدوان الذي تتعرض له من الخارج، أم من وحدتها وتسامحها مع بعضها البعض. نأتي إلى البعد الثاني ممثلاً في دلالات ما جرى بعد جريمة سامراء، ذلك أن ما تابعناه من حشد طائفي واعتداءات لا يمكن أن يفسر بوقوع الجريمة إياها، ولا بد أن يكون وراء ذلك حشد طائفي استثنائي يدفع باتجاه اعتبار المعتدى عليهم أعداء وأي أعداء، ولا حاجة هنا للكثير من لغة السياسة، لكن ذلك لا يحول دون التشكيك في رواية من يسمون التكفيريين بحسب المصطلح المستخدم، ليس لأن هؤلاء قد أنكروا ذلك فحسب (لا ينكرون في العادة ما يفعلون)، ولا لأن المدينة كانت بأيديهم شهوراً طويلة ولم يمسوا المكان المستهدف، بل أيضاً لأن ثمة آخرين لهم مصلحة واضحة، بل راجحة فيما جرى، وعلى رأسهم المحتلون. مع ذلك، وحتى لو اعتقدنا أن ثمة فئة تكفيرية من بين العرب السنة قد استهدفت المقام، فهل يعقل أن يأتي الرد بالاعتداء على المساجد، وحتى تدنيس المصاحف ذاتها، فضلاً عن القتل الأعمى للناس في الشوارع؟ هل يعقل أن يعاقب العرب السنة على ذنب فئة محدودة، ثم هل يختلف ذلك عن القول باستباحة دماء الشيعة لأن قوات بدر أو مغاوير الداخلية يقتلون العرب السنة وأئمتهم ورموزهم؟ لقد قلنا وسنظل نقول إن أتباع المذاهب السنية، باستثناء قلة يتشددون حتى مع المخالفين من السنة، لا يكفرون الشيعة، وهو ما يبدو مختلفاً في الحالة الشيعية، إذ يميل الخطاب العام إلى استمرار الحشد المذهبي على نحو لا ينطوي على تكفير واضح فحسب، بل على استنفار واسع للثارات التاريخية كما لو أنها وقعت بالأمس وليس قبل قرون طويلة. والنتيجة هي أن السنة سيظلون عنواناً أبدياً ليزيد القاتل ما بقي دم الحسين طازجاً على هذا النحو، مع أننا إزاء جريمة لا يتذكرها مسلم على وجه الأرض إلا شعر بالمرارة والقهر. ثمة حاجة لتحكيم العقل، وليس من المنطق أن ينسخ بعض أخوتنا الشيعة أكثر من مليار مسلم سني من حساباتهم ثأراً لدم الحسين من دون أن يكون لهم ذنب فيما جرى، والأسوأ أن يحدث ذلك في وقت لا يفرق العدو في حربه بين إيران الشيعية وبين سواها من حواضر الأمة، أو بين حزب الله الشيعي وبين حماس السنية. إننا لا نطالب أحداً بالتنازل عن معتقداته، مع أن المراجعة تبقى مطلوبة من الجميع، ولاسيما أن استمرار تحميل السنة وزر دم الحسين، أو حتى ذنب أبي بكر وعمر بدعوى سرقتهما لحق علي في الخلافة، لن يكون صائباً، ولا بد من العودة(2/342)
إلى أصول الدين التي استقرت قبل ذلك كله. لكن عدم حدوث ذلك لا يجب أن يعفي العقلاء من البحث عن أسس للتعايش ومواجهة العدو المشترك.
[قراءة مختلفة لدلالات ما وقع بعد جريمة سامراء، ياسر الزعاتره، موقع هيئة علماء المسلمين ، مقالات بتاريخ 11/3/2006 بتصرف ].
*مشايخ من خارج العراق يحذرون من الحرب الطائفية :
يقول الشيخ عبد المنعم :
" قال تعالى:) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ (آل عمران:187.
من منطلق الشعور بالمسؤولية وما يجب علينا من تبيانٍ للحق، والصدع به، وعدم كتمانه .. وإبراء للذمة .. وما يجب علينا ـ في هذه الظروف العصيبة ـ من نصح للأمة بعامة، وأهلنا في العراق بخاصة، نخط هذا البيان ـ مستعينين بالله، ومتوكلين عليه ـ فنشير إلى جملة من الحقائق والأمور:
أولاً: الحرب الطائفية في العراق بدأت من طرف واحد؛ من طرف أرباب وقادة بعض الاحزاب والمليشيات المرتبطة بإيران ، ومعهم حلفاؤهم من قوات الغزو الصليبي .. ضد مسلمي وسنة العراق، منذ الأيام الأولى من أفول وسقوط نظام البعث العراقي .. منذ ذلك التاريخ ومعالم هذه الحرب الطائفية الحاقدة الأحادية الجانب تتضح معالمها يوماً بعد يوم .. حيث الجرائم الصفوية المنظمة تُرتكب يومياً ضد مسلمي السنة .. وضد مدنهم .. وضد علمائهم .. ومساجدهم .. وأعراضهم، وحرماتهم .. وكأنَّ القوم على موعد ـ بفارغ من الصبر ـ مع ذلك اليوم لينفِّثوا عن شيء من أحقادهم وأضغانهم البغيضة ضد الإسلام، وضد مسلمي العراق وأهله من السنة!
عند الحديث عن الحرب الطائفية وشرورها في العراق .. لا بد من أن نتذكر ذلك .. ونتذكر أن الحلف الصفوي الصليبي هم الذين بدؤوا .. ولا يزالون يدمرون ويخربون ويعتدون على الحرمات الآمنة .. والبادئ أظلم!
ثانيا : ان من حق المسلمين المجاهدين في العراق أن يُدافعوا عن أنفسهم، ودينهم، وأعراضهم، وحرماتهم، ومدنهم .. وأن يُقابلوا العدوان بعدوانٍ مماثل، وأن يُقاتلوا الغزاة الصليبيين وكل من دخل في حلفهم، وشاركهم التآمر والحرب على العراق .. وتدمير وتقتيل العراق وأهله، أياً كان انتماؤه الطائفي، فمن رد الظلم والعدوان عن بلاد المسلمين وحرماتهم .. فما ظلم، ولا تجاوز العدل .. بل هو من أعظم الجهاد في سبيل الله.
قال تعالى:) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (الحج:39.
وقال تعالى:) فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (البقرة:194.
وقال تعالى:) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (الشورى:39.
ثالثاًً: ما تقدم ذكره لا يعني مطلقاً أننا نبرر ونجيز الحرب الطائفية في العراق؛ بحيث تُقتَّل الناس على أسمائهم، وهوياتهم، وانتمائهم الطائفي .. بغض النظر عن مواقفهم وأفعالهم .. وما يُوجب القتل والقتال شرعاً .. لا؛ هذا لا نريده ولا نعنيه، ولا نجيزه .. إذ ليس كل الشيعة في العراق بأعيانهم وذواتهم وعوامهم كفاراً .. كما أن ليس كل الشيعة من دون استثناء أحدٍ منهم يُقاتلون مع الغزاة ومتواطئين معهم .. أو يُشاركون في قتل المسلمين السنة والاعتداء على حرماتهم وأعراضهم .. وبالتالي لا يجوز تعميم الحرب والقتل عليهم جميعاً ومن دون استثناء أحدٍ منهم، ومن دون النظر إلى ما تجيزه نصوص الشريعة وما تحرمه.
فإن وجد منهم الظالمون، والخونة المتآمرون ـ مهما كثروا ـ فإنه لا يبرر معاملة الأبرياء منهم كما ينبغي أن يُعامَل الظالمون المعتدون؛ قال تعالى:) وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الأنعام:164.
وقال تعالى:) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) البقرة:190.
وفي الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأحد أصحابه:" أما أنه لا يجني عليك ـ أي ولدك ـ ولا تجني عليه "، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:) وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (".
وقال صلى الله عليه وآله وسلم في حجَّة الوداع:" ألا لا يجني جانٍ إلا على نفسه، ولا يجني والدٌ على ولده، ولا مولودٌ على والده ".
وقال صلى الله عليه وآله وسلم:" لا يؤخذُ الرجلُ بجريرة أبيه، ولا بجريرة أخيه ". وفي رواية:" لا يؤخذُ الرجلُ بجناية أبيه، ولا بجناية أخيه ". وغيرها كثير من النصوص الشرعية التي توجب بأن لا يؤخذ المرء بجريرة غيره، ولا البريء بجريرة الظالم المعتدي .. مهما كان هذا الظالم قريباً لذاك البريء أو لصيقاً به .. وهذا من أعظم قوانين العدل في الإسلام.
كذلك لم يُعرف عن عالم من علماء الإسلام المعتبرين من أفتى بجواز قتل كل شيعي لمجرد كونه شيعي .. أو ينتمي للطائفة الشيعية .. ونحن نعيذ أنفسنا وإخواننا من أن نبتدع شيئاً خطيراً كهذا لا نصّ عليه يُجيزه .. وليس لنا فيه سلف معتبر!
وهذا ما أكد عليه سعادة الأمين العام لهيئة علماء المسلمين الدكتور حارث الضاري في أكثر من مناسبة ، حيث أوضح بأن المشكلة ليست مع المجتمع الشيعي وإنما مع الاحزاب السياسية الشيعية التي تبغي إثارة الفتنة بين أبناء البلد الواحد ومن هنا وجه بعد صبر طويل أصابع الاتهام الى منظمة بدر وبعض المليشيات بعد أن تمادى الطرف الآخر في عدوانه على أهل السنة .
رابعاً: الحرب الطائفية تعني جملة من الأخطاء القاتلة:(2/343)
منها: أنها تعني قتل الناس على أسمائهم وهوياتهم الشخصية .. بغض النظر عن مواقفهم وأفعالهم .. ومن دون التمييز بين البريء عمن سواه، وهذا عين الظلم، كما تقدم.
ومنها: أنها تعني سفك الدم الحرام والتسبب في سفك الدم الحرام المقابل؛ فمن سبَّ آباء الناس جلب السبَّ لأبيه ولا بد، ومن قتل آباء الناس وأبناءهم قتل الناسُ آباءه وأبناءه؛ إذ لكل فعل ردة فعل .. وهكذا يتسع الخرق .. وتُزهق الأرواح .. ويقع الإسراف في القتل .. إلى أن يشمل الجميع، ويقتل الجميع الجميع، ويُقتَلُ الإنسان ولا يعرف لماذا قُتل وفيما قُتِل .. وهذا مالا نريده ولا نقره ولا نرضاه لأهلنا في العراق!
قال تعالى:) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً (الإسراء:33.
قال أهل العلم في قوله:) فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ (؛ أي فلا يُسرف ولي المقتول في القتل فيقتص من غير القاتل.
ومنها: أن الحرب الطائفية مطلب من مطالب الغزاة الصليبيين؛ فهي أولاً تشتت من جهود وسهام المجاهدين عنهم .. وثانياً فهي تُطيل من بقاء واستعمار الغزاة الصليبيين للبلاد تحت ذريعة ضرورة استتباب الأمن والمحافظة عليه .. وثالثاً فهي تبرر للخونة العملاء المطالبة ببقاء الغزاة المستعمرين تحت ذريعة الحاجة إلى حمايتهم .. والمحافظة على الأمن!
ومنها: أنها ستوهن من عضد المجاهدين .. وقد تؤدي إلى تفرق كلمتهم وصفوفهم .. فإذا كان الواحد منهم يجد للحرب الطائفية مبرراتها ومسوغاتها .. فقد يُقابله عشرة من المجاهدين يختلفون معه ولا يوافقونه الرأي .. وهكذا يقع الاختلاف والشقاق والتفرق .. وهذا مطلب من مطالب الغزاة وعملائهم!
ومنها: أنها تُفقِد المقاومة العراقية المشروعة .. على مستوى العالم الإسلامي وغيره .. مبرراتها ومسوغاتها .. إذ كثير من الناس سيفسر الأحداث على أنها نوع من التقاتل الداخلي .. والثأر الداخلي بين أفراد الشعب الواحد .. لا علاقة لها بجهاد الغزاة المحتلين وعملائهم .. وهذا لا شك أنه سيُفقد كثيراً من الأنصار والمؤيدين .. وهو أمر من السياسة الشرعية مراعاته والانتباه إليه، وإلى مضاعفاته.
وفي الختام فإننا نُطالب إخواننا وأبناءنا في العراق وبخاصة منهم المجاهدين، بأن يكونوا وقَّافين عند حدود الله .. وأن يتقوا الله ينصرهم الله .. وأن يُغلِّبوا الحكم الشرعي على حب التشفي والانتقام .. وهم أهل لذلك بإذن الله.
كما نطالبهم بأن يوسعوا دائرة الشورى فيما بينهم وبين من يستأنسون بآرائهم من علماء الإسلام العاملين، وبخاصة في المسائل الكبار التي تنعكس آثارها على مجموع الأمة، فالمسلمون أمرهم شورى بينهم، كما قال تعالى:) وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ (الشورى:38.
كما وأننا نضم صوتنا إلى صوت إخواننا في هيئة علماء المسلمين في العراق .. بضرورة تراجع المجاهدين عن كل تصريح أو بيان يدل ولو من بعيد على الدعوة إلى حرب طائفية شاملة أو الشروع فيها، للأسباب الآنفة الذكر أعلاه .. فالرجوع إلى الحق فضيلة وهو من شيم وصفات المجاهدين المخلصين".
[ بيانٌ حولَ الحرب الطائفيَّةِ في العراق، عبد المنعم مصطفى حليمة، بتاريخ 17/9/2005 م، ص1-4 بتصرف ].
نهاية التقرير
--------------
[1] - إرشاد الساري للقسطلاني 5 / 31
[2] - لسان العرب لابن منظور 3 / 135
[3] - إرشاد الساري 5 / 31
[4] - فتح الباري لابن حجر 6 / 5
5 - الجهاد هو السبيل الأستاذ مصطفي مشهور ص 3 ط دار الدعوة.
[6] - الحديث رواه البخاري في صحيحه 60 - كتاب الجهاد والسير. 146 - باب: قتل النساء في الحرب. الحديث رقم: 2852 - عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما ورواه الإمام مالك في الموطأ أبواب السِّيَر 3 - باب قتل النساء - الحديث رقم: 867 - وابن ماجة في السنن (30) باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان. الحديث رقم: 2841-
[7] - البقرة {217}
[8] السياسة الشرعية - مجموع الفتاوى 28 / 354
[9] - هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم 36 ، 37
[10] - رواه الإمام أحمد في مسنده بسند جيد كما في الفتح الرباني 15 / 14
[11] - رواه الإمام أحمد في مسنده كما في الفتح 14/25 ورجاله ثقات وأورده السيوطي في الجامع الصغير ح 740 وقال حديث حسن
[12] - سورة آل عمران 146
[13] - رواه البخاري في صحيحه ك باب: من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر. ح 6544 -
[14] - مختصر تفسير ابن كثير للصابوني 2 / 546
[15] - سورة الأنبياء
[16] - رواه الإمام مسلم في صحيحه كتاب. الجهاد باب فضل الشهادة في سبيل اللّه تعالى.
([17]) تضمين من إعلام الموقعين لابن القيم ( 2/126 ) .
([18])منقول بتصرف واختصار من إعلام الموقعين ( 3/130 ).
([19])معجم مقاييس اللغة ( 2/386 ) . لسان العرب ( 3/172 ) .
([20])الروض المربع مع الحاشية ( 7/399 ) .
([21])سير أعلام النبلاء ( 2/221 ) . طبقات ابن سعد ( 8/97 ) .
([22])مجموع الفتاوى ( 7/278 ) .
([23])تفسير ابن كثير ( 7/227 ) . السيرة لابن هشام ( 2/542 ) . تفسير الطبري ( 14/333 ) .
([24])السيرة لابن هشام باختصار ( 1/476 ) .
([25])مجموع الفتاوى ( 7/279 ) .
([26])اجتالتهم : أي استخوهم فذهبوا بهم ، وأزالوهم عما كانوا عليه . شرح النووي ص 1666 .
([27])صحيح مسلم ( 2765 ) .
([28])انظر : اقتضاء الصراط المستقيم ص 53 .
([29])المرجع السابق ص 54 .
([30])صحيح البخاري ( 4477 ) . صحيح مسلم ( 141 ) .(2/344)
([31])انظر : مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة لمحمد سعد اليوبي ص 183 ، 210 .
([32])صحيح البخاري ( 3892 ) . صحيح مسلم ( 1709 ) .
([33])في ظلال القرآن ( 3/1231 ) .
([34])انظر : التشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادر عودة ( 1/662 ) .
([35])عقوبة الإعدام عقوبة مقررة في الشرائع السابقة وفي القوانين الوضعية المعاصرة وقد أيدها عدد من المفكرين منهم روسو وفولتير ومونتسيكو وغيرهم بل بعض الدول الغربيّة التي ألغت عقوبة الإعدام عادت فأقرتها مثل إيطاليا ، والاتحاد السوفيتي بحجّة أن من ارتكب جرمًا خطيرًا أو شديد الضرر فعليه أن يدفع حياته ثمنًا لإثمه الكبير ، وكونها عقوبة ضرورية لتخليص المجتمع من الأشخاص الخطرين ، وأنها تصرف عن الإقدام على الجريمة .
انظر : علم الإجرام والعقاب للدكتور عبّود السرّاج ص 407 - 417 ؛ أساسيات علم الإجرام والعقاب للدكتور فتوح الشاذلي ص 106 - 119 ؛ النظريّة العامة لقانون العقوبات د. سليمان عبد المنعم ص 729 فما بعدها .
([36])تفسير الطبري ( 5/496 ) .
([37])المرجع السابق .
([38])صحيح البخاري ( 7 ) .
([39])انظر : فتح الباري لابن حجر ( 1/49 ) .
([40])في ظلال القرآن ( 3/1231 ) .
([41])البداية والنهاية ( 16/612 ) .
([42])البداية والنهاية ( 14/640 ) .
([43])أضواء البيان في أيضاح القرآن بالقرآن ( 6/478 ) .
([44])فالرسائل التي كتبها ( المبشرون ) من سوريا والشرق الأدنى بين عامي 1830م بلغت ثمانية وثلاثين مجلدًا ، ولما اجتمع مؤتمر التبشير العالمي عام 1910م أصدر تقريرًا عن النواحي التي يجب أن يهتم لها المبشرون ثم طبعه في عشر مجلدات ، أما مؤتمر التبشير في القدس عام 1928م الذي اجتمع لمدة أسبوعين فقط فقد وضع تقريرًا في ثمانية مجلدات ومؤتمر كلورادو عام 1978م قدمت فيه أربعون دراسة ورصد للتبشير فيه ألف مليون دولار .
أما المجلات التي صدرت في بلدان مختلفة وبلغات مختلفة لغرض التنصير فأكثر من أن تحصى وكذلك الإذاعات والقنوات .====
وأحيل القارئ الكريم إلى : كتاب الغارة على العالم الإسلامي الذي تولى نشره محب الدين الخطيب ، وكتاب التبشير في البلاد العربيّة لمصطفى خالدي وعمر فرّوخ ، وكتاب الغارة الجديدة على الإسلام لمحمد عمارة وهو يتضمن الترجمة الكاملة لتقرير مؤتمر كولورادو ، وكتاب أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها للميداني .
([45])البعد الديني في السياسة الأمريكية للدكتور يوسف الحسن ص 67 ، 83 .
([46])صحيح البخاري ( 25 ) ؛ صحيح مسلم ( 22 ) .
([47])صحيح البخاري ( 391 ) .
([48])انظر : جامع العلوم والحكم ( 1/230 ) .
([49])مجموع الفتاوى ( 20/102 ) .
([50])مجموع الفتاوى ( 7/273 ) .
([51])زاد المسير ص 596 ؛ ومثله في الكشاف للزمخشري ص 442 ؛ والشوكاني في فتح القدير ( 2/545 ) .
([52])صحيح البخاري ( 3017 ) .
([53])الدارمي ( 2545 ) وصححه ابن حبان ( 4879 ) .
([54])سنن أبي داود ( 2762 ) وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 5328 ) .
([55])سنن البيهقي ( 17337 ) ؛ والدارقطني ( 3/118 ) ؛ وانظر : تلخيص الحبير ( 4/49 ) .
([56])صحيح البخاري ( 1846 ) ؛ صحيح مسلم ( 1357 ) .
([57])صحيح البخاري ( 6878 ) ؛ صحيح مسلم ( 1676 ) .
([58])صحيح مسلم ( 1676 ) .
([59])سنن الترمذي ( 2158 ) وحسنّه ؛ والنسائي ( 7/91 ) ؛ وابن ماجة ( 2533 ) .
([60])سنن النسائي ( 7/103 ) .
([61]) مسند أحمد ( 4/295 ) ؛ سنن أبي داود ( 4457 ) ؛ الترمذي ( 1362 ) ، ابن ماجة ( 2607 ) وصححه ابن حبان ( 4112 ) ؛ والحاكم ( 2/191 ) ووافقه الذهبي . وصححه الألباني في إرواء الغليل ( 8/18 ) وفيه روايات الحديث .
([62])مجموع الفتاوى ( 20/92 ) . ولابد أن تعلم أن هذا ليس مجرد فاعل معصية بل فعل ذلك مستحلاً للحرام فصار كافرًا .
([63])صحيح البخاري ( 3017 ) .
([64])سنن البيهقي ( 12/400 ) فما بعدها .
([65])صحيح البخاري ( 6923 ) .
([66])الإجماع لابن المنذر ص 123 .
([67])انظر : حاشية الروض المربع ( 7/399 ) فما بعدها ؛ مغني المحتاج ( 4/142 ) ؛ حاشية ابن عابدين ( 4/668 ) ؛ الموسوعة الفقهيّة الكويتية ( 22/194 ) ؛ التشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادر عودة ( 2/706 ) .
([68])انظر : موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر ( 3/439 ) ؛ موقع إسلام أون لاين : الإسلام وقضايا العصر مقال بعنوان : عقوبة الردة تعزير لا حدّ لمحمد سليم العوّا .
([69])موقع إسلام أون لاين ، ملف : قضيّة الردة هل تجاوزتها المتغيرات ، مقال لجمال البنا بعنوان : لا عقوبة لردة ؛ كتاب حرية الفكر في الإسلام لعبد المتعال الصعيدي .
([70])نزهة النظر ص 228 .
([71])انظر : المنهج المقترح لفهم المصطلح للشريف حاتم العوني ص 100 فما بعدها .
([72])الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ( 1/156 ) ؛ وانظر : كتاب الفقيه والمتفقه ( 1/286 ) .
([73])صحيح البخاري ( 5939 ) .
([74])وقد حاول هؤلاء جمع نصوص فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل بعض من كفر بعد إسلامه .
ومما ذكروه قصة الأعرابي الذي بايع النبي صلى الله عليه وسلم فلما استوخم المدينة قال : يا محمد أقلني بيعتي . فأبى فخرج الأعرابي ، وهذا بيّن الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 4/116 ) ، ( 13/212 ) أنه استقال من الهجرة الواجبة وليس من الإسلام وإلا لكان قتله على الردة ، ولو كان مرتدًا لما احتاج أن يستأذن النبي !! .
وذكروا قصة الرجل النصراني الذي كان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد نصرانيًا فلما مات ودفن لفظته الأرض وهذا خرج كما في صحيح مسلم فارًا حتى لحق بأهل الكتاب . فتح الباري ( 6/723 ) .(2/345)
([75])انظر : مجموعة بحوث فقهيّة لعبد الكريم زيدان ص 416 ؛ تلبيس مردود في قضايا حية لصالح بن حميد ص 33 ؛ حقوق الإنسان في الإسلام لسليمان الحقيل ص 155 .
[76] رواه البخاري ح (335)، ومسلم ح (1163).
[77] تفسير القرآن العظيم (2/466).
[78] سماحة الإسلام، أحمد الحوفي (209).
[79] درء تعارض العقل والنقل (1/242).
[80] أحكام أهل الذمة (2/873).
[81] أحكام أهل الذمة (2/873-874).
[82] حاشية البجيرمي (4/263).
[83] أحكام أهل الذمة (2/874).
[84] تحرير ألفاظ التنبيه (325).
[85] أحكام أهل الذمة (2/874).
[86] رواه عبد الرزاق في المصنف (5/224) , والبيهقي في السنن (9/95).
[87] رواه البخاري ح (6158), ومسلم (336) .
[88] رواه البخاري ح (7300) , ومسلم ح (1370)
[89] شرح السير الكبير (2/551).
[90] الكافي في فقه ابن حنبل (4/333)، والحديث رواه أبو داود ح (3762)، وأحمد ح (3752)، واللفظ له.
[91] الكافي في فقه ابن حنبل (4/333).
[92] المغني (9/199).
[93] تفسير القرآن العظيم (2/67).
[94] الإحكام في أصول الأحكام (2/64).
[95] تفسير القرآن العظيم (2/466).
[96] الجامع لأحكام القرآن (10/161).
[97] فتح القدير (3/90).
[98] رواه البخاري ح (1313)، ومسلم ح (961).
[99] تفسير القرآن العظيم (1/416).
[100] المحلى (11/196).
[101] السير الكبير (10/103).
[102] المغني (9/29)، وانظر كشاف القناع للبهوتي (6/180).
[103] أهل الذمة في الإسلام، د. أ س ترتون (214).
[104] أهل الذمة في الإسلام، د. أ س ترتون (214).
[105] الطبقات الكبرى (1/266)، وانظر كتاب الأموال، ابن زنجويه (2/449).
[106] تاريخ الطبري (4/449)، ويجدر هنا التنبيه إلى أن الصيغة التي أوردها ابن القيم رحمه الله للعهدة العمرية لا تصح، وقد نبه العلماء على ضعف سندها، فقال الألباني: " وإسناده ضعيف جداً من أجل يحيى بن عقبة، فقد قال ابن معين : ليس بشيء. وفي رواية : كذاب خبيث عدو الله. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو حاتم : يفتعل الحديث ". إرواء الغليل (5/104).
[107] انظر: المصدر السابق (4/449).
[108] انظر : فتوح البلدان (239).
[109] سميت كذلك لأن اليهود كانوا يلقون في مكانها القذر قبل أن تطهره هيلانة أم الامبرطور قسطنطين، وتتخذه كنيسة. انظر: تاريخ ابن خلدون (1/435).
[110] تاريخ ابن خلدون (2/266). وقد نقل هذه الحادثة بإعجاب المستشرق درمنغم في كتابه "The live of Mohamet" فقال: "وفاض القرآن والحديث بالتوجيهات إلى التسامح، ولقد طبق الفاتحون المسلمون الأولون هذه التوجيهات بدقة، عندما دخل عمر القدس أصدر أمره للمسلمين أن لا يسببوا أي إزعاج للمسيحيين أو لكنائسهم، وعندما دعاه البطريق للصلاة في كنيسة القيامة امتنع، وعلل امتناعه بخشيته أن يتخذ المسلمون من صلاته في الكنيسة سابقة، فيغلبوا النصارى على الكنيسة"، ومثله فعل ب سميث في كتابه: "محمد والمحمدية". نقلاً عن التسامح والعدوانية، صالح الحصين، ص (120-121).
[111] رواه البلاذري في فتوح البلدان (166)، وانظر كتاب الأموال، ابن زنجويه (2/473).
[112] رواه أبو يوسف في الخراج (175).
[113] رواه أبو عبيد في الأموال (138).
[114] المنتقى شرح موطأ مالك (2/178).
[115] غاية المنتهى وشرحه (2/604)، وقد أكد عليه عدد من الفقهاء. انظر: الإنصاف للمرداوي (4/248)، وكشاف القناع للبهوتي (3/140)، والحديث رواه الترمذي ح (2733)، والنسائي ح (4078)، وأحمد ح (17626).
[116] اختلاف الفقهاء (233).
[117] التمهيد (14/392)، وانظر: أحكام أهل الذمة (1/317)، والمحلى (9/118).
[118] رواه أبو عبيد في الأموال (223)، وانظره في فتوح البلدان (171-172).
[119] رواه أبو عبيد في الأموال (223)، وانظر الأموال، ابن زنجويه (1/388)، وفتوح البلدان (169).
[120] عمدة القاري (16/161)
[121] عمدة القاري (16/161)
[122] الإنصاف (4/222).
[123] قصة الحضارة (12/131).
[124] قصة الحضارة (12/132).
[125] الدعوة إلى الإسلام (99).
[126] حاشية الصفحة 128 من كتاب "حضارة العرب" لغوستاف لوبون.
[127] أهل الذمة في الإسلام (159).
[128] فن الحكم في الإسلام، مصطفى أبو زيد فهمي (387).
[129] الدعوة إلى الإسلام (51).
[130] شمس العرب تسطع على الغرب (364) .
[131] حوار الثقافات في الغرب الإسلامي، سعد بوفلاقة (14).
[132] شمس العرب تسطع على الغرب (365) .
[133] قصة الحضارة ().
[134] طبقات ابن سعد (5/283)، والدعوة إلى الإسلام لأرنولد (93).
[135] الإسلام وأهل الذمة (111).
[136] حضارة العرب (127).
[137] حضارة العرب (605).
[138] قصة الحضارة (13/133).
[139] روح الدين، عفيف طبارة (412).
[140] الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري (2/93).
[141] الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري (2/95).
[142] الإسلام وأهل الذمة، الخربوطلي (119).
[143] جامع البيان (12/62).
[144] رواه مسلم ح (2553) .
[145] الفروق (3/21-22)، وقد بين رحمه الله في كلام نفيس له ضوابط المعاملة مع غير المسلمين، وما يجوز منها وما لا يجوز، فليرجع إليه.
[146] تفسير القرآن العظيم (3/446).
[147] رواه البخاري ح (2620)، ومسلم (رقم 1003).
[148] فتح الباري (5/234).
[149] المبسوط (4/105).
[150] رواه أبو عبيد في الأموال (804).
[151] رواه مسلم ح (2543).
[152] شرح النووي على صحيح مسلم (16/97).
[153] رواه أحمد ح (2009) ، والترمذي ح (3232).
[154] رواه البخاري ح (1356).
[155] رواه ابن زنجويه في كتاب الأموال (2/589).
[156] رواه البخاري ح (2617)، ومسلم (2190).
[157] رواه أحمد ح (12789).
[158] انظر البخاري ح (1482)، وأحمد ح (749).(2/346)
[159] المغني (9/262) وانظر: كتاب الأموال، ابن زنجويه (2/590).
[160] البخاري ح (886)، ومسلم ح (2086).
[161] شرح النووي على صحيح مسلم (14/39).
[162] رواه البخاري في الأدب المفرد ح (95)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ح (72).
[163] الأحكام السلطانية (158)، والحديث رواه أبو داود ح (3750)، وابن ماجه ح (3677)، وأحمد ح (16720).
[164] رواه الترمذي ح (2954)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ح (2353).
[165] رواه البخاري ح (2937)، ومسلم ح (2524).
[166] رواه مسلم ح (2599).
[167] الجامع لأحكام القرآن (6/110).
[168] مواهب الجليل (137).
[169] رواه أبو داود ح (3052)، و نحوه في سنن النسائي ح (2749)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ح (2626).
[170] رواه أحمد ح (12140).
[171] رواه أبو داود ح (3051)، ورواه سعيد بن منصور في سننه ح (2603) وضعفه الألباني لإبهام في إسناده في ضعيف أبي داود ح (665).
[172] رواه أبو عبيد في الأموال (219).
[173] الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 266) .
[174] رواه البخاري ح (3166).
[175] فتح الباري (12/259).
[176] فتح الباري (12/302)
[177] رواه ابن حبان ح (5982)، والبيهقي في السنن ح (9/142)، والطبراني في معجمه الأوسط (4252).
[178] أحكام أهل الذمة (2/ 737).
[179] الجامع لأحكام القرآن (2/246).
[180] رواه عبد الرزاق في مصنفه (10/101).
[181] رواه الشافعي في مسنده (1/344)، والبيهقي في السنن (8/34).
[182] رواه عبد الرزاق في مصنفه (10/101).
[183] رواه أبو داود ح (3050)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (882).
[184] الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه (6/410).
[185] الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه (4/171).
[186] الفروق (3/20).
[187] حلية الأولياء (4/141)، والبداية والنهاية (8/4 - 5).
[188] انظر: تاريخ عمر، ابن الجوزي (129-130)، وانظر فتوح مصر، لابن الحكم (195).
[189] رواه أحمد ح (14526).
[190] القصة رواها الطبراني في معجمه الكبير (17/52)، وأبو نعيم في الحلية (1/248)، قال الهيثمي: " رواه الطبراني، وفيه عبد الملك بن إبراهيم بن عنترة، وهو متروك ". مجمع الزوائد (9/383)، ويشهد له خبر ابن عساكر الآتي.
[191] ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق (46/493)، والمتقي الهندي في كنز العمال ح (37446).
[192] انظر: صفة الصفوة (2/115- 116)، والبداية والنهاية (9/213-214).
[193] رواه أبو عبيد في الأموال (236)، والبلاذري في فتوح البلدان (217).
[194] رواه مسلم ح (2613).
[195] فتوح البلدان (213-214)، وانظر الأموال، ابن زنجويه (1/425).
[196] فتوح البلدان (211).
[197] رواه أبو عبيد في الأموال )247-248)، انظر: فتوح البلدان للبلاذري (222).
[198] تاريخ الطبري (2/503).
[199] رواه البلاذري في فتوح البلدان (144).
[200] رواه أبو عبيد في الأموال )91).
[201] رواه أبو عبيد في الأموال (223)، وابن زنجويه في الأموال (1/386). والبلاذري في فتوح البلدان (179).
[202] رواه البخاري ح (1392).
[203] كنز العمال (14304).
[204] رواه أبو يوسف في الخراج (18).
[205] تاريخ ابن عساكر (20/28).
[206] رواه أبو يوسف في الخراج (149).
[207] رواه البلاذري في فتوح البلدان (187).
[208] شمس العرب تسطع على الغرب (364).
[209] رواه البخاري ح (7376).
[210] تحفة الأحوذي (6/42).
[211] الجامع لحكام القرآن (8/174)، و قد منع كثير من الفقهاء إعطاء أهل الذمة من الزكاة المفروضة استدلالاً بقوله r: ((فتؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)).
[212] المبسوط (2/210)
[213] بدائع الصنائع (4/262).
[214] رواه أبو عبيد في الأموال ح (1321)، وابن زنجويه في الأموال ح (1862) وصححه الألباني في تمام المنة (1/389).
[215] رواه أبو عبيد في الأموال ح (1322)، وصحح الألباني إسناده إلى سعيد في تمام المنة (1/378).
[216] رواه الطبراني في معجمه الكبير ح (18410)، قال الهيثمي: "إسناده حسن" مجمع الزوائد (6/86).
[217] الشرح الكبير (6/212).
[218] الفروق (3/21).
[219] شرح القرشي على مختصر خليل (3/109).
[220] رواه أبو يوسف في كتاب الخراج (151).
[221] رواه أبو يوسف في الخراج (150-151)، وانظر الأموال (1/163).
[222] رواه أبو يوسف في كتاب الخراج (151).
[223] تاريخ مدينة دمشق (1/178).
[224] رواه البلاذري في فتوح البلدان (177).
[225] رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (94) وانظر: الأموال، ابن زنجويه (1/169).
[226] انظر : تاريخ أهل الذمة في العراق ، توفيق سلطان ( 124).
[227] الجامع لأحكام القرآن (8/114)، وانظر: فتح الباري (6/259)، والمغرب في ترتيب المعرب (1/143)، وانظر مختار الصحاح (1/44).
[228] المنتقى شرح موطأ مالك (2/175).
[229] المغني (9/263).
[230] الجامع لأحكام القرآن (8/72).
[231] الموطأ كتاب الزكاة (619).
[232] فتح الباري (6/260).
[233] رواه أبو عبيد في كتابه الأموال (51)، وصححه الألباني في إرواء الغليل ح (1255).
[234] رواه ابن عبد الحكم في فتوح مصر وأخبارها (70).
[235] الحضارة الإسلامية (1/96).
[236] قصة الحضارة (12/130-131).
[237] رواه الترمذي ح (623)، وأبو داود ح (1576)، والنسائي ح (2450)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ح (509).
[238] رواه مالك في الموطأ ح (618)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ح (3970).
[239] أورده البخاري في عنوان باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب، ورواه أبو عبيد في الأموال (57).
[240] رواه البخاري ح (1392).
[241] فتح الباري (6/267).
[242] الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري (1/96).
[243] روح الدين الإسلامي، عفيف طبارة (406).(2/347)
[244] روح الدين الإسلامي، عفيف طبارة (407).
[245] أحكام أهل الذمة (1/250).
[246] الأحكام السلطانية (160).
[247] رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/266) .
[248] رواه ابن عبد الحكم في فتوح مصر وأخبارها (68) .
[249] تاريخ الطبري (2/319).
[250] المنتقى شرح موطأ مالك (2/175).
[251] الأحكام السلطانية (143).
[252] انظر: مغني المحتاج (4/253).
[253] المغني (10/362)
[254] الفروق (3/20).
[255] الفروق (3/20).
[256] مطالب أولي النهى (2/602).
[257] مجموع الفتاوى (28/617-618).
[258] السير الكبير وشرحه (5/1892-1891).
[259] رواه أبو يوسف في الخراج (166) ، وانظره في: فتوح البلدان للبلاذري (187).
[260] انظر: مقال علي بن علي منصور بعنوان: "بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي"، مجلة "رسالة الإسلام"، العدد (54)، وانظر: فتوح البلدان (210- 211).
[261] رواه البلاذري في فتوح البلدان (217).
[262] رواه البلاذري في فتوح البلدان (215-216).
[263] تاريخ الطبري (2/538).
[264] تاريخ الطبري (2/540).
[265] تاريخ الطبري (2/541).
[266] الحضارة الإسلامية (1/74).
[267] الدعوة إلى الإسلام (58).
[268] قصة الحضارة (12/130-131).
[269] الإسلام وأهل الذمة (107).
[270] المنتقى شرح موطأ مالك (2/176).
[271] الجامع لأحكام القرآن (8/73-74).
[272] فتح الباري (6/259).
[273] الجامع لأحكام القرآن (8/115) ، وتفسير الماوردي (2/351-352).
[274] أحكام أهل الذمة (121).
[275] كفاية الأخيار (1/669).
[276] أحكام أهل الذمة (120-121).
[277] كفاية الأخيار (1/669).
[278] فتح الباري (6/259).
[279] - حصلت على هذه المعلومات من مارتن كريمر تلميذ لويس في مرحلة الدكتوراه ، ومارتن كريمر هو مدير معهد دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بجامعة تل أبيب حين لقيته في ليدن بهولندا.
[280] -سورة الزخرف آية 51.
[281] -سورة غافر آية 29.
[282] - Bernard Lewis. " Return of Islam." In Commentary , Vol. 62 , January 1976.pp 89-101.
[283] - Lewis, The Arabs in History. London: 1950 and 5th edition 1970. P 43
[284] - Lewis. " Islamic Revolution." In New York Review of Books, 27 January 1988. P47.
[285] - Lewis " Islamic Revolution, Op., Cit.
[286]- - المرجع نفسه.
[287] - المرجع نفسه.
[288] -سورة النساء آية 64.
[289] - ابن هشام الحميري . سيرة ابن هشام ، تحقيق مصطفى السقا وآخرون( القاهرة 1955) القسم الأول ص 295.
[290] - سيد قطب . في ظلال القرآن. (بيروت 1973)ص 1005.
[291] - سورة الممتحنة آية 12.
[292] -سورة الأنعام آية 162.
[293] - رسالة بولس الرسول الراهب ووحيه ، الإصحاح الثالث عشر :1.
[294] - حورية توفيق مجاهد. الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده. ( القاهرة:1986) ص 132.
[295] - عبد العزيز البدري. الإسلام بين العلماء والحكام . (بدون ناشر) ص 80 وما بعدها
[296] - ضياء الدين الريس. النظريات السياسية الإسلامية. (القاهرة: 1979 )ص 366 نقلاً عن De Santillana: The Legacy of Islam. P 256.
[297] - ابن هشام ، السيرة النبوية ، القسم الثاني ، ص 661.
[298] - الريس، مرجع سابق ص 377
[299] - المرجع نفسه والصفحة نفسها.
[300] -Sulyman Naying and Samir Abed Rabbo. " Bernard Lewis and Islamic Studies: An Assessment." In Orientalism, Islam and Islamists( Vermont(USA):1984). P.271
[301] - الريس ، مرجع سابق، ص 385.
[302] - Bernard Lewis. " Islamic Concept of Revolution." In Revolution in the Middle East. Edited by P.J. Vatikiotis ( Totowa N. J. 1972) p.p. 30-40.
[303] - Lewis. " Communism and Islam." In International Affairs. No. 30 (1954) p.p. 1 -12.
[304] - يلاحظ أن لويس لم يستخدم التوثيق العلمي في هذا المقال وعندما أشار إلى نص ابن جماعة لم يذكر المصدر ن وقد وجدت النص محققاً والعبارات بين معقوفتين ليست في النص كما حققه فؤاد عبد المنعم أحمد. تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام للإمام بدر الدين بن جماعة (ت 773) (قطر :1407هـ/1987م) ص2. وعبارات لويس السابقة من مقالته عن الإسلام والشيوعية المرجع السابق ص 8.
[305] -لويس . " الفرد والدولة في المجتمع الإسلامي " في مجلة الثقافة .(الجزائر)ع 90، السنة 15 صفر-ربيع الأول 1406، نوفمبر /ديسمبر 1985م ص 79.
[306] - Lewis, Islam in History. ( London:1973) P.297.
[307] - Bernard Lewis. " Democracy in the Middle East, Its State and Prospects." In Middle Eastern Affairs. Vol. vi, No. 4, April 1955. P. p. 101-108.
[308] - أبو جعفر ابن جرير الطبري. تاريخ الأمم والملوك.،تحقيق أبو الفضل إبراهيم ( القاهرة :بدون تاريخ) مجلد3 ص 522.
[309] - أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، منهاج السنّة النبوية، تحقيق محمد سالم رشاد.(الرياض 1406) ج1 ص 142.
[310] - عبد الله بن فهد النفيسي ، عندما يحكم الإسلام .(لندن: بدون تاريخ) ص 156.
[311] -سورة آل عمران آية 159.
[312] - رواه مسلم في كتاب الإيمان.
[313] - البخاري …
[314] - الطبري، مجلد 4، ص 204.
[315] - علي محمد جريشه. المشروعية الإسلامية العليا. ط2( القاهرة 1406، 1986* ص 242.
[316] -المرجع نفسه ن ص 246.
[317] - سورة البقرة ، آية 256.
[318] -عبد الحليم عويس . " موقف الفكر الإسلامي من الحضارة الحديثة " في المنهل، ع 495، شوال وذو القعدة 1412، أبريل ومايو 1992، ص 15-28.
[319] - يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف. الخراج ،(بيروت 1399/1979) ص 35.(2/348)
[320] - جيل كيبل. الحركات الأصولية المعاصرة في الأديان الثلاث. ترجمة نصير مروة (قبرص: 1992م) ص 11.
[321] - Bernard Lewis. The Political Language of Islam. ( Chicago: 1988) P.117-118
[322] -المرجع نفسه ، ص 115-116.
[323] -كيبل، مرجع سابق ص 116.
[324] - المرجع نفسه ص 215.
[325] -جون اسبوزيتو ." التهديد الإسلامي " ترجمة وإعداد المؤسسة المتحدة للنشر والبحوث في واشنطن، الحلقة الثانية. في مجلة المجتمع. (الكويت) ع 1034، 26 رجب 1413، 19يناير 1993.ص 38-41، ويشير اسبوزيتو بعبارة الغضب الإسلامي إلى مقالة للويس نشرت في مجلة أتلانتك الشهرية The Atlantic Monthly بعنوان " جذور الغضب الإسلامي"The Roots of Muslim Rage. .
[326] - Bernard Lewis. " Western Civilization: A View from the East." The 19th Thomas Jefferson Lecture in the Humanities. Sponsored by the National Endowment for the Humanities, May 2, 1990. P.23.
[327] -المرجع نفسه ص 24-25.
[328] - Bernard Lewis. The Arabs in History. P. 177.
[329] - عبد الحميد بن باديس .ابن باديس حياته وآثاره. جمع وإعداد عمار الطالبي ( الجزائر :1388هـ، 1968م)ج 4 س 68.
[330] - Islamic Fundamentalism in The Muslim World. Hearings of the 99th Congress in 1985.Testomony of John Esposito.
[331] -لويس ، الغرب والشرق الأوسط ، ترجمة نبيل صبحي.(بدون ناشر) ص 173.
[332] - Lewis , " The return of Islam." Op. Cit.
[333] - لويس ، الغرب والشرق الأوسط. ص 174.
[334] - Lewis. " The Return of Islam." Op., Cit. P. 14.
[335] - برنارد لويس . " عودة الإسلام" في مجلة الدعوة (النمسا) ع 87، ذو الحجة 1403هـ سبتمبر 1983، ص 35.
[336] - Bernard Lewis. " The Middle East and North Africa." In Chamber's Encyclopaedia World Survey, 1955. P.p. 306-312.
[337] - عبد الله الفهد .الإخوان المسلمون في الفكر الغربي. (عمّان : 1399هـ/1979م) ص 28 نقلاً عن
Nadaf Safran. Egypt in Search of Political Community: An Analysis of the Intellectual and Political Evolution of Egypt: 1804-1952: (Oxford: 1961)p. 199.
[338] - المرجع نفسه نقلاً عن: George Lenozowski. The Middle East in World Affairs.(Cornell:1962)3ed. Edition. p. 489
[339] - Manfred Halpern. The Politics of Social Change in The Middle East and North Africa. (Princeton:1963) P. 48.
[340] -حسن البنا. مذكرات الدعوة والداعية. (بيروت:1394-1974)ط3، ص 66.
[341] -سورة البقرة آية 247.
[342] - المرجع نفسه ص 85 وما بعدها.
[343] -زكريا سليمان بيومي .الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية 1928-1948.( القاهرة: 1399هـ/1979م) ص 84.
[344] -المرجع نفسه ص 87.
[345] ريتشارد ميتشل. الإخوان المسلمون. ترجمة محمود أبو السعود وتعليق صالح أبو رقيق. ط2( القاهرة: 1979م) ص.84.
[346] -البنا، مذكرات الدعوة والداعية، مرجع سابق، ص 251-258 عن مجلة النذير عدد 27 في 6رجب 1358هـ.
(1) انظر هداية الحيارى في الرد على اليهود والنصارى لابن القيم الجوزي رحمه الله.
(1) انظر هداية الحيارى
(1) انظر الرحيق المختوم للشيخ صفي الرحمن المباكفوري.
(1) انظر الرحيق المختوم
(1) ومنها : ( scientology La) التي ظهرت في أمركا ثم وجدت طريقها إلى بقية دول الغرب, و ما هو مغروف عندهم ب: (Mouvement Raélien) وغيرهما من النحل الشريرة التي تحمل أفكارا سرية هدامة.
(1) انظر الدرة المختصرة في محاسن الإسلام للشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله.
(1) أحمد في مسنده: (9187) وغيره وهو صحيح
(1) انظر تفسير ابن كثير (سورة النور, الآية:27 ) وكذلك أضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمهما الله (الموضع نفسه)
(1) جاء ذكر هذه الأنواع في حديث عائشة الذي رواه البخاري: النكاح (5127).
(1) انظر تفسير ابن كثبر (النساء, الآية:19 و 22 )
(2) انظر تفسير ابن كثبر (الأنعام, الآية:52 )
(1) البخاري في الصحيح: الأدب (6050), ومسلم في صحيحه: الأيمان (4403)
(2) أحمد في المسند (24204)
(3) مسلم في صحيحه: الجنة وصفة نعيمها وأهلها (7389), وأبو داود في السنن: الأدب (4897)
(1) يلاحظ شيء من ترداد كلمة "الحضارة" إثباتا ونفيا" إلا أن المعتبرة من الحضارات هي ما أسس على دين صحيح ونظام عادل؛ كما مر الإشارة ضمنا.
(1) انظر أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني.
(2) البخاري في صحيحه: المناقب (3549), ومسلم في صحيحه: الفضائل: (6212)
(3) البخاري المصدر نفسه: المناقب (3551), ومسلم المصدر نفسه: (6210)
(4) البخاري في المناقب (3556), ومسلم في التوبة (7192)
(5) البخاري في المناقب (3548), ومسلم في الفضائل (6235)
(6) مسلم في الفضائل (6200)
(7) الدارمي في سننه: المقدمة (67)
(1) راجعه وأسانيده في السيرة النبوية الصحيحة للدكتور أكرم ضياء العمري (1/212)
(2) البخاري في صحيحه: الأدب (6033), مسلم في صحيحه كذلك: الفضائل (6146)
(3) البخاري: بدأ الوحي (6), ومسلم: الفضائل (6149)
(4) مسلم في الجهاد والسير (4716) وأحمد في المسند (1363) من حديث علي رضي الله عنه.
(5) أبو داود في سننه: الأدب (4775)
(6) البخاري في الأدب (6034), ومسلم في الفضائل (6158)
(7) البخاري في المناقب (3562), ومسلم في الفضائل (6176)
(8) البخاري في المناقب (3559), ومسلم في الفضائل (6177)
(1) البخاري في صحيحه: الأدب (6031), وأحمد في مسنده (12798)
(2) البخاري في الحدود (6786), ومسلم في الفضائل (6193) مختصرا.
(3) مسلم في الفضائل (6195), وأحمد (27160)
(4) أحمد (25338)(2/349)
(5) أحمد (9187), والبيهقي في سننه: الشهادات (21301)
(6) البخاري في التهجد (1130), ومسلم:صفة القيامة والجنة والنار (7302)
(7) البخاري: الأطعمة (5409), ومسلم: الأشربة (5504)
(8) أحمد (12679), والترمذي في سننه: الأدب (2978)
(9) البخاري: الجنائز (1356), وأحمد (13129)
(10) مسلم: الفضائل (6189), أبو داود في سننه: الأدب (4820)
(1) البخاري في صحيحه: الأدب (6072), وابن ماجة في سننه: الزهد (4317)
(2) النسائي في سننه: الجمعة (1425), والدارمي في سننه: المقدمة (75)
(3) مسلم في صحيحه: الفضائل (6168), وأحمد في مسنده (12430)
(4) مسلم: السلام (5193), وأحمد (12671)
(6) مسلم: المساجد (1557), وأحمد (21411)
(7) أحمد (21357), والبيهقي في سننه: الشهادات (21647)
(8) البخاري: الأذان (676), والترمذي في سننه: صفة القيامة (2677)
(9) مسلم: الزهد والرقائق (7634), وأحمد (24880)
(1) البخاري في صحيحه: الرقاق (6460), ومسلم في صحيحه: الرقاق (7630)
(2) النسائي في سننه: الزهد (4243), وأحمد في المسند (3781)
(1) انظر الجواب الصحيح.
(1) انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام رحمه الله (1/174-175)
(1) انظر هداية الحيارى لابن القيم الجوزي رحمه الله (ص 104)
(2) انظر الحديث في صحيح البخاري: بدأ الوحي رقم (7), ومسلم: الجهاد والسير رقم (4707).
(1) كيف وعليه نزل: ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ) {الأنعام: 93}
(1) هذا مجرد تمثيل وليس قياسا ل UN برسالة رسول الله, كلا وكلا, فرسالة محمد وحي ونور من الله, معصومة من الخطأ والجور, وأما UN فإنها هيئة أسست على آراء رجال, وهي تحت قبض ست دول متزاحمة على مصالحها, قد تجتمع على ما هو في صالحها, وليس من الضروري أن يكون في صالح بقية الدول المتفرجة؛ بل قد يكون على حسابها, وهو بالفعل كثير.
(1) انظر هداية الحيارى لابن القيم: (ص )
(1) انظر هداية الحيارى لابن القيم الجوزي.
(2) انظر السيرة النبوية الصحيحة: (1/337-343) بتصرف.
(2) أحمد في المسند: (21830)
(3) البخاري في الصحيح: الجنائز (1284) ومسلم في الصحيح: الجنائز (2174)
(4) البخاري : الأدب (5997), ومسلم: الفضائل (6170)
(5) أحمد في المسند: (4099) وأبو دود في السنن: الأدب (5270)
(6) البخاري في صحيحه: المظالم (2466), ومسلم في صحيحه: السلام (5989)
(7) أحمد في المسند: (15997 )
(1) البخاري في صحيحه: الأدب (6009) ومسلم في صحيحه: السلام (5996)
(3) أبو داود في السنن: الأدب (4943), الترمذي في السنن: البر والصلة (2049)
(1) انظر صحيح البخاري: الجهاد (2910), ومسلم في صحيحه: الفضائل (6090)
(4) الحاكم في المستدرك: (1/35) وصححه ووافقه الذهبي.
(5) انظر السيرة النبوية الصحيحة: (1/635-638)
(1) لم تتوقف مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية فحسب, بل وفي الأولى ولي إندوشين (Indochine )
(1) هذه القاعدة العظيمة من كلام شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: (20/163)
(1) ابن ماجة في السنن: (2/1124) رقم: (3392) وأخرجه البخاري: (5/108) ومسلم: (3/1585) رقم: (2001) بلفظ قريب منه.
(1) على هؤلاء الغربيين أن يعترفوا بفشلهم في هذا الجانب, والحياة الزوجية عندهم أصبحت حملا ثقيلا, يحذر كل من الزوجين الآخر حذرا شديدا, لأن البيت الزوجي عندهم بيت بلا رب, بل هو بيت بأرباب, يستوي فيه حق الزوج والزوجة, وليس للأب حق في تربية أولاده, بل للأولاد حق على أن يختاروا لأنفسهم التربية التي يريدون ! وعلى الوالد أن يكون على حذر معهم, وإلا اتصلوا بالرقم المجاني الذي يحفظه حتى الرضع؛ ليكون مصيره التردد يوميا إلى مركز الشرطة؛ لأخذ نصيبه من المسائلات والتحقيقات.
ولهذا فالروابط الأسرية عند مفككة, والبيوت في دمار وانهيار, وإن لم يتوقفوا ليصبحُنَّ عبرة للمعتبرين. ومما يصدق ذلك أنه قدم وفد فرنسي رفيع المستوى قدم إلى بلدنا " السنغال" مبعوثا من قبل الحكومة الفرنسية, قالوا ليتباحثوا مع الطرف السنغالي في قضايا متعلقة بالقضاء والأحوال الاجتماعية, ومنها الاستفادة مما لدى الأفارقة من الحكمة في التنظيم الأسري !!! حيث يتدخل أقارب كل من الزوجين عند حدوث خلاف؛ للصلح بينهما, ولدرء وقوع الفرقة وتشتت الأسرة, ويعترف رئيس وفدهم بأن هذه المثل تنقص مجتمعهم الأوروبي !!!ونحن نعرف السبب الذي حول حياتهم الزوجية عذابا لا يطاق, هو كون الحياة عندهم مادية جافة, والعلاقات أنانية بلا رحمة. ليس لأحد - ولو كان رئيس الدولة - أن يتدخل في أمور غيره - ولو كان ابنه - . هذا هو الذي ألجأهم إلى الفرار إلى أفريقيا للاستفادة مما عندهم من أنماط الحياة الزوجية.
(1) انظر الدرة المختصرة في محاسن الدين الإسلامي: (ص 30)
(2) المصدر نفسه: (22-24)
(1) رواه البخاري (2079)، ومسلم (1532)
(2) (الفتح) (4/386)
(3) انظر فتاوى أركان الإسلام للشيخ ابن العثيمين رحمه الله
(4) انظر رسالة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ( الإسلام دين كامل).
(1) الدرة المختصرة: (29)
(2) انظر الحديث في صحيح البخاري: الحدود(6788), وصحيح مسلم: الحدود: (4506)
(3) انظر السير النبوية الصحيحة (2/488) بتصرف يسير.
(2) أحمد في المسند: (3978)
(1) حسن الترابي آراؤه واجتهاداته في الفكر والسياسة، محمد الهاشمي الحامدي، دار المستقلة، لندن 1996.
(2) المغني، كتاب المرتد، مطبعة هجر القاهرة، 12/264.(2/350)
(3) مؤتمر الأديان الذي عقد بالخرطوم بتاريخ 8/10/1994، وكان ذلك بمحاضرة بعنوان: "الحوار بين الأديان التحديات والآفاق".
(4) انظر كتابي دراسات في السيرة النبوية، ص: 305، دار الأرقم.
(5) انظر كتابه: "قيمة الدين.. رسالية الفن". الناشر: اتحاد طلاب جامعة القاهرة بالخرطوم.
(6) جريدة الصحافة: 15/11/79 والبيان الثاني للإخوان المسلمين: 23/9/1980.
(7) رقم السبب الذي دفعه إلى اتخاذ هذا القرار.
(8) قدم الكاتب تقريره لقيادة جماعة الترابي في أوائل الثمانينيات.
(9) أنظر كتابي "دراسات في السيرة النبوية"، وكنت قد استمعت إلى شريط محاضرته، ونقلت منه هذه الفقرات.
(10) ندوة تلفزيونية حول الشريعة، ونشرتها جريدة الأيام السودانية في 20/6/1988.
(11) تتبع نفر من أهل العلم والفضل بالخرطوم محاضرات الترابي، وعنهم وعن الشيخ الأمين الحاج محمد أحمد نقلت هذه الشواهد التي تكشف مواقف هذا الضال المضل من أنبياء الله والصحابة الكرام ومن جاء بعدهم من أئمة هذا الدين، ومن شاء مزيداً من التوثيق فليراجع كتابي الأمين الحاج: (مناقشة هادئة لبعض أفكار دكتور الترابي)، (الرد القويم لما جاء به الترابي والمجادلون عنه من الافتراءات والكذب المهين).
(12) مقل: مقله في الماء مقلاً: غمسه وغطه. [لسان العرب، 11/627].
[347] لسان العرب (4/217).
[348] مفردات القرآن (262).
[349] الجامع لأحكام القرآن (10/403).
[350] تفسير الجلالين (1/724).
[351] رواه النسائي ح (5498)، وابن ماجه ح (3888)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (3136).
[352] الجامع لأحكام القرآن (19/273).
[353] رواه مسلم ح (61).
[354] شرح النووي على صحيح مسلم (2/50).
[355] الحوار وآدابه (2).
[356] الحوار الإسلامي المسيحي (20).
[357] لسان العرب (11/105).
[358] لسان العرب (12/105).
[359] التعريفات (102).
[360] الكافية في الجدل (19- 21).
[361] المعجم الوسيط (1/111).
[362] لسان العرب (11/105).
[363] رواه الترمذي ح (3253)، وابن ماجه ح (48)، وأحمد ح (21660)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ح (2593).
[364] تفسير القرآن العظيم (3/84).
[365] التعريفات (298)، لسان العرب (5/217).
[366] التعريفات (298).
[367] لسان العرب (5/217).
[368] تاج العروس (3/575).
[369] آداب البحث والمناظرة (2/3).
[370] تفسير القرآن العظيم (2/67).
[371] الإحكام في أصول الأحكام (2/64).
[372] الجامع لأحكام القرآن (9/114).
[373] تفسير القرآن العظيم (2/466).
[374] التفسير الكبير (18/76).
[375] انظر : الجامع لأحكام القرآن (9/114).
[376] تيسير الكريم الرحمن (2/396).
[377] تفسير المنار (12/193).
[378] الجامع لأحكام القرآن (9/330).
[379] الجامع لأحكام القرآن (10/161).
[380] جامع البيان (3/215).
[381] فتح القدير (3/90).
[382] جامع البيان (30/166).
[383] تفسير القرآن العظيم (4/121).
[384] رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (7/267)، وابن ابي حاتم في تفسيره ح (7630).
[385] ذكره ابن هشام في سيرته (1/511)، ، ونقل مثله ابن القيم في زاد المعاد عن أبي أمامة (3/630-631)، وانظر الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (4/5).
[386] رواه ابن جرير في تفسيره (3/163) ، وأبو نعيم في دلائل النبوة (2/258).
[387] رواه الطبري في تفسيره (3/177).
[388] رواه الطبري في تفسيره (3/305).
[389] رواه مسلم ح (2135)، وسيأتي بيانه.
[390] انظره في صحيح البخاري ح (3595).
[391] ذكره الطبراني في معجمه الكبير ح (2108)، ونقله ابن حجر عن ابن إسحاق في الإصابة (1/441).
[392] انظر: عيون المناظرات (185).
[393] الاستيعاب (1/315).
[394] انظر: عيون المناظرات (207-208).
[395] انظر: عيون المناظرات (213).
[396] انظر : سير أعلام النبلاء (17/191-192)، وعيون المناظرات (248-249).
[397] انظر: عيون المناظرات (217).
[398] انظر : درء تعارض العقل والنقل (3/127).
[399] انظر : مناظرة في الرد على النصارى، الرازي، تحقيق: عبد المجيد النجار، كما أثبت مقاطع منها في تفسيره لسورتي آل عمران والنساء.
[400] ذكر طرفاً منها ابن القيم في هداية الحيارى (384- 385).
[401] انظر : رسالة راهب فرنسا للأمير المقتدر بالله ، ورد الباجي عليها، تحقيق: محمد الشرقاوي.
[402] حققه محمد شامة، ونشره بعنوان : بين الإسلام والمسيحية .
[403] درء تعارض العقل والنقل (7/156).
[404] درء تعارض العقل والنقل (1/51-52).
[405] رواه أبو داود ح (2504)، وأحمد ح (11837)، والنسائي ح (3096)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ح (2186).
[406] الإحكام في أصول الأحكام (1/27).
[407] الإحكام في أصول الأحكام (1/26).
[408] الإحكام في أصول الأحكام (1/26).
[409] مجموع الفتاوى (20/164-165).
[410] انظر: الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية (287)، وقد نقله عن جزء مخطوط لم يطبع من كتاب "أعيان العصر وأعوان النصر" للصفدي.
[411] زاد المعاد (3/639).
[412] جامع البيان (3/301).
[413] رواه أحمد ح (23464)، وصححه الألباني في موارد الظمآن ح (1764).
[414] رواه مسلم ح (351).
[415] رواه أحمد ح (1658)، والبخاري في الأدب المفرد ح (570)، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي (2/219)، والطحاوي في مشكل الآثار ح (5217)، ووصححه الألباني في فقه السيرة بمجموع طرقه (ص 72)، وانظر: السيرة النبوية (1/258).
[416] فتح الباري (4/473).
[417] رواه مسلم ح (2530).
[418] الجامع لأحكام القرآن (6/33)، وانظر شرح النووي على مسلم (16/82).
[419] تحفة الأحوذي (5/173).
[420] حاشية ابن القيم (8/101).
[421] فتح الباري (10/502).
[422] مشكل الآثار للطحاوي ح (5217).(2/351)
[423] رواه مسلم ح (2530).
[424] رواه البخاري ح (2294)، ومسلم ح (2529).
[425] جامع البيان (12/341).
[426] الجامع لأحكام القرآن (10/169).
[427] فتح الباري (10/502).
[428] دعوة التقريب (1/360).
[429] مجموع الفتاوى (14/ 164).
[430] مجموع الفتاوى (28/523).
[431] الرد على المنطقيين (282).
[432] دعوة التقريب بين الأديان (1/398-399).
[433] دعوة التقريب بين الأديان (2/ 935-937)، والحوار مع أهل الكتاب (128-132).
[434] جامع البيان (12/127).
[435] جامع البيان (29/21).
[436] فتح الباري (10/454).
[437] مجموع الفتاوى (22/162).
[438] الشفا (2/1071).
[439] مجموع الفتاوى (28/524)، وانظر مختصر الفتاوى المصرية (507).
[440] أحكام أهل الذمة (1/373).
[441] رواه البخاري ح (3443).
[442] فتح الباري (6/564).
[443] أحكام أهل الذمة (1/374).
[444] مجموع الفتاوى (35/364).
[445] الجامع لأحكام القرآن (2/16).
[446] جامع البيان (1/392).
[447] الجامع لأحكام القرآن (10/276).
[448] الجامع لأحكام القرآن (10/277).
[449] تفسير القرآن العظيم (2/592).
[450] الرد على المنطقيين (468).
[451] فتح القدير (3/203).
[452] الفتاوى الهندية (5/348).
[453] الجامع لأحكام القرآن (14/195).
[454] جامع البيان (14/194).
[455] تفسير القرآن العظيم (1/14).
[456] جامع البيان (21/1).
[457] الاستقامة (1/38).
[458] الجامع لأحكام القرآن (2/71).
[459] رواه البخاري ح (6401).
[460] رواه البخاري ح (3405)، ومسلم ح (1062).
[461] انظره : الدر المنثور (7/245).
[462] مجموع الفتاوى (16/455).
[463] الجامع لأحكام القرآن (4/108).
[464] رواه الطبري في تفسيره (3/163)، و أبو نعيم في دلائل النبوة (2/258).
[465] رواه مسلم ح (351).
[466] ذكره ابن هشام في سيرته (1/511)، ، ونقل مثله ابن القيم في زاد المعاد عن أبي أمامة (3/630-631)، وانظر الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (4/5).
[467] زاد المعاد (3/638).
[468] أحكام أهل الذمة (1/408).
[469] رواه مسلم ح (2135).
[470] الجواب الصحيح (1/226-227).
[471] رواه البخاري ح (6032).
[472] فتح الباري (10/454).
[473] رواه البخاري ح (7)، ومسلم ح (1773).
[474] فتح الباري (1/38).
[475] شرح النووي على صحيح مسلم (12/108).
[476] رواه الترمذي ح (2954)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ح (2353).
[477] رواه الترمذي ح (2735)، الحاكم في المستدرك ح (5059)، والطبراني في الكبير ح (1021)، وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي ح (518).
[478] رواه ابن أبي شيبة في المصنف ح (35829)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/267).
[479] الجامع لأحكام القرآن (15/310).
[480] الجامع لأحكام القرآن (14/289).
[481] الجامع لأحكام القرآن (2/14).
[482] الجامع لأحكام القرآن (16/119).
[483] جامع البيان (25/103).
[484] التفسير الكبير (13/40،41).
[485] دقائق التفسير (2/112).
[486] مدارج السالكين (3/61).
[487] جامع البيان (1/564).
[488] درء تعارض العقل والنقل (1/43).
[489] مجموع الفتاوى (4/ 107).
[490] درء تعارض العقل والنقل (1/188).
[491] تيسير الكريم الرحمن (3/93).
[492] الرد على المنطقيين (468).
[493] رواه البخاري ح (3275).
[494] رواه مسلم ح (2898).
[495] رواه ابن إسحاق في سيرته، انظر فتح الباري (7/188).
[496] رواه أحمد ح (26533).
[497] رواه أبو داود ح (4611)، والبيهقي في سننه (10/210).
[498] مجموع الفتاوى (5/101).
[499] السيرة النبوية (2/131)، وحسنه الألباني في فقه السيرة.
[500] سير أعلام النبلاء (5/86).
[501] تفسير ابن عطية (6/412).
[502] الموافقات (3/105-106)، وما نقله الشاطبي رحمه الله من إجماع المحققين على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن، لا يسلم له، وإن كان هذا الرأي منقولاً عن كثيرين من أهل العلم، والصحيح عند المحققين منهم خلافه، فيجوز نسخ القرآن بخبر الآحاد إذا صح مخرجه.
[503] الإتقان في علوم القرآن (2/66).
[504] الإحكام في أصول الأحكام (4/484).
[505] الإتقان (2/65).
[506] جامع البيان (21/3).
[507] الجواب الصحيح (1/218- 219).
[508] الجواب الصحيح (1/231-232).
[509] الجواب الصحيح (1/238).
[510] الجواب الصحيح (1/238).
[511] زاد المعاد (3/642).
[512] بدائع الفوائد (1/140-141).
[513] المحلى (11/196).
[514] الطبقات الكبرى (6/ 158)، تفسير القرآن العظيم (1/312).
[515] تاريخ الطبري ( 3/609).
[516] جامع البيان (10/128).
[517] الجامع لأحكام القرآن (13/350).
[518] الجواب الصحيح (1/241).
[519] تفسير القرآن العظيم (3/416).
[520] نواسخ القرآن (1/188).
[521] الجامع لأحكام القرآن (4/46).
[522] نواسخ القرآن (1/104)، وانظر (1/183).
[523] المصفى من علم الناسخ والمنسوخ (1/40).
[524] المصفى من علم الناسخ والمنسوخ (1/59).
[525] نواسخ القرآن (1/252).
[526] دعوة التقريب بين الأديان (2/780-782).
[527] مشروعية حوار الأديان ( 17).
[528] مشروعية حوار الأديان (17-18).
[529] رواه الطبري في تفسيره (3/296).
[530] رواه أحمد ح (4386).
[531] الحديث السابق.
[532] رواه أبو داود ح (4977).
[533] عون المعبود (13/221).
[534] رواه البخاري ح (6261)، ومسلم ح (1773).
[535] فتح الباري (1/38).
[536] شرح النووي على صحيح مسلم (12/108).
[537] درء تعارض العقل والنقل (7/156).
[538] الرد على المنطقيين (536-537).
[539] الجامع لأحكام القرآن (4/108).
[540] تفسير القرآن العظيم (1/373).
[541] درء تعارض العقل والنقل (7/173).
[542] انظر: الحوار مع أهل الكتاب (162).
[543] جامع البيان (25/88).(2/352)
[544] درء تعارض العقل والنقل (7/173-174).
[545] تيسير الكريم الرحمن (3/93).
[546] رواه أحمد ح (3829) والترمذي ح (1977)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ح (1610).
[547] إحياء علوم الدين (3/125).
[548] رواه مسلم ح (2599).
[549] انظر : إحياء علوم الدين (3/126).
[550] انظر : لباب النقول في أسباب النزول (119)، والجامع لأحكام القرآن (7/61).
[551] الجامع لأحكام القرآن (7/61).
[552] رواه مسلم ح (868).
[553] رواه البخاري ح (6261)، ومسلم ح (1773).
[554] شرح النووي على صحيح مسلم (12/108).
[555] الفتاوى الكبرى (1/452).
[556] سورة الإسراء - 82
[557] سورة الإسراء - 1
[558] سورة الجن - 19
[559] صحيح البخاري - كتاب تفسير القرآن - حديث 4459
[560] سورة البينة- 5
[561] صحيح مسلم - كتاب الأقضية - حديث 1718
[562] صحيح مسلم - كتاب البر والصلة - حديث 4661
[563] أي لم ينقد لهم العلم ولم يسلم زمامه لهم إلا عندما أخلصوا النية لله وجردوها من كل شائبة وهوى
[564] رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة، واللفظ لأبي داود
[565] سورة البقرة - آية 200 خلاق : أي نصيب
[566] سورة الجن - 21
[567] سورة العلق - 6-7 ومعنى الآية أن الإنسان يحسب بما أوتيه من علم أو قوة أو مال أنه يستغني عن الله عز وجل فيؤدي به ذلك إلى الطغيان ومجاوزة الحد، والله أعلم.
[568] سورة الشعراء - 80
[569] سورة البقرة- 197
[570] سورة النحل - 128
[571] سورة آل عمران - آية 18
[572] سورة آل عمران - آية 79
[573] سورة فاطر - آية 28
[574] سورة العلق - آية 6-7
[575] سورة القصص - آية 77
[576] سورة القصص - آية 78
[577] سورة القصص - آية 24
[578] سورة البقرة - آية 32
[579] سورة الكهف - 82
[580] سورة الفرقان - آية 73
[581] سورة آل عمران - آية 191
[582] سورة الذاريات - آية 21
[583] سورة فصلت - آية 53
[584] إشارة إلى الذين لا يزالون يلهثون وراء سراب الداروينية
[585] سورة الزمر - آية 38
[586] سورة الأعراف - آية 30
[587] سورة البقرة- آية 32
[588] سورة البقرة-آية 29
[589] صحيح البخاري - كتاب الطب - حديث 5252
[590] المرجع السابق
[591] زاد المعاد - ابن قيم الجوزية - 37/4
[592] سورة الزمر - آية 18
[593] أي الشذوذ الجنسي الذي يروج له المجرمون بحجة أنه سلوك بشري طبيعي عليهم لعائن الله
[594] صحيح البخاري - كتاب الرقاق - حديث 5996
[595] هذا الفصل للمؤلف ألقاه محاضرةً في جمعية طالبات الطب في كلية الطب في جامعة الإمارات بتاريخ 31 ديسمبر 2003
[596] سورة الجاثية - 24
[597] سورة الحج - آية 65
[598] سورة البقرة - آية 143
[599] سورة البقرة - آية 196
[600] سورة البقرة - آية 10
[601] سورة الأحزاب - آية 32
[602] سورة الأنفال - آية 24
[603] سورة الحج - آية 46
[604] سنن أبي داود واللفظ له، وأخرجه النسائي وابن ماجة وحسّن الجميع الشيخ الألباني رحمه الله
[605] سورة الأحقاف - آية 4
[606] تفسير القرآن العظيم - تفسير سورة الأحقاف - ابن كثير
[607] زاد المعاد - ابن قيم الجوزية - 37/4
[608] فالسنة الصحيحة المقبولة حجة كالقرآن وإنما أردت التنبيه على أنه ليس كل ما ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح فيجب تمييز المقبول من السنة والمردود منها كالضعيف والموضوع، فتنبه.
[609] صحيح البخاري - كتاب الطب - والسام هو الموت
[610] وأنبه هنا إلى أن التثبت بطريق التجربة يجب أن ينطلق من يقين مطلق بثبات هذا النفع بطريق الوحي وأن يتجه البحث والتجربة إلى التعرف على كيفية تطبيق هذا العلاج لا أن يكون على سبيل التثبت من مصداقية النقل أو مراغمةً له فهذا والعياذ بالله من أبواب الهلاك
[611] صحيح البخاري - كتاب الطب
[612] وتحرير هذه المسألة أن تميز ين ما هو خطاب لعموم المسلمين وما هو خطاب لبعضهم ومثال ذلك حديث عدم استقبال القبلة بالبول والغائط وموضع الشاهد فيه :" ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا"، فمن الواضح أنه خطاب لأهل المدينة وما يسامتها ولو جئت تطبقه على أهل المغرب والمشرق لوقعوا في المحذور، ولكن الكثير يقع في توهم العموم والإطلاق في مثل هذا لعدم التنبه إلى سياق الحس ونحوه.
[613] الخرفة: الثمر إذا نضج وجُني، وهو كناية عن الثواب
[614] صحيح مسلم - كتاب البر والصلة والآداب
[615] سورة الجاثية- آية 13
[616] سورة المائدة - آية 5
[617] صحيح البخاري - كتاب الطب - من حديث أبو هريرة رضي الله عنه
[618] ومع ذلك فإن نصوص الشرع قد جاءت بأصول الطب ولم تغفلها كما يتبين لاحقاً
[619] أي جمع ما يضر بالبدن تفريقه
[620] أي زيادة ما يضر بالبدن نقصانه
[621] سورة البقرة - آية 184
[622] سورة النساء - آية 29
[623] سورة البقرة - آية 196
[624] فتح الباري شرح صحيح البخاري - الحافظ ابن حجر العسقلاني - كتاب الطب
[625] صحيح مسلم - كتاب الأشربة
[626] صحيح البخاري - كتاب الأشربة - باب شراب الحلواء والعسل
[627] سورة البقرة- آية 219
[628] لبعض أهل العلام تفصيل في هذا - أعني عدم جواز التكليف بما لا يطاق - باعتبار بعض أنواع ما لا يطاق، ولكنه لا يقدح في موضع الشاهد ويمكن مراجعة الأمر بتفصيلاته في مظانه.
[629] سورة البقرة - آية 286(2/353)
[630] ولقد تولى كِبَرَ مثل هذا الزعم باحث اسمه دين هامر من المعهد القومي للصحة في الولايات المتحدة الأمريكية في بحث نشره عام 1993 وزعم فيه أنه اكتشف وجود ارتباط مورثي على الصبغي X يؤهب للميول الجنسي المثلي عند الذكور، ثم قامت دعوى كشفت وجود بعض التحريف في معطيات البحث بما يغير من نتيحته، وتشكل فريق من لجنة التحقق من نزاهة البحث العلمي وطوي الأمر من جهة التحقيق، ولم يطوَ هذا الإدعاء الزائف وإن كانت عدة بحوث وراثية علمية أخرى قد عارضت ما زعمه من نتائج.
[631] سورة هود - آية 82-83
[632] سورة الحجرات - آية 6
[633] مع ملاحظة أن كل كافر فاسق ولا عكس
[634] سورة النساء - آية 83
[635] المقصود بالجراحة التلف الذي يلحق بالبدن دون فوات النفس
[636] سورة القصص - آية 78
[637] سورة الروم - آية 7
[638] صحيح البخاري - كتاب الأحكام
[639] هذه نهاية محاضرة "بحث المنهج العلمي للطبيب المسلم"
[640] مسند الإمام أحمد - باقي مسند المكثرين - حديث 8595
[641] سورة آل عمران - آية 200
[642] سورة الحشر - آية 10
[643] جزء من حديث - صحيح البخاري - كتاب الأدب - حديث 5604 ، وسيأتي بتمامه إن شاء الله
[644] سورة الفلق - آية 5
[645] الحديث السابق ،انظر رقم 17
[646] صحيح البخاري - كتاب العلم - حديث 71
[647] صحيح البخاري - كتاب النكاح - حديث 4747
[648] سنن الترمذي، وقال أبو عيسى :حديث حسن، وذكره الألباني في صحيح الترمذي
[649] سورة آل عمران - آية 187
[650] تأمل هذه المشكلة بوضوح في أدوية مرض نقص المناعة المكتسب "الإيدز"، حيث تحسنت الحالة الصحية لملايين المصابين في الغرب نتيجة توفر الدواء في حين لا تزال الملايين الفقيرة في أفريقيا تقضي تحت شدة المرض فلا هي تستطيع شراء الدواء ولا يسمح لشركات دوائية أخرى بتصنيعه بسعر رخيص، هذا في نفس الوقت الذي يتشدق فيه العالم الغربي والأمم المتحدة برغبتهم في مكافحة الإيدز في أفريقيا فلا ينتج عنهم سوى برامج "التوعية" التي لا تعين في الحقيقة إلا على نشر الرذيلة وتقنينها ، والله المستعان.
[651] صحيح البخاري ، من حديث عبد الله بن عمر برقم 2262
[652] مثال ذلك طبيب أعطى مريضه مضاداً حيوياً لعلاج إنتان ولكن يوجد مضاد حيوي أفضل منه، فإذا كان المضاد الحيوي المفضول كافياً ولا يتضرر المريض ولا تفوت عليه مصلحة علاجه فلا ينبغي التشهير بهذا الطبيب أمام المريض والناس وإن كان لا بأس بالتناصح بين الأطباء بعضهم البعض.
[653] سورة الحجر - آية 88
[654] سورة المائدة - آية 54
[655] سورة الفتح - آية 29
[656] صحيح البخاري - كتاب الجنائز
[657] سورة آل عمران - آية 159
[658] سورة العلق - آية 7-8
[659] سورة القصص - آية 78
[660] عندما كنا ندرس في المركز الطبي في مدينة هيوستن الأمريكية كان هذا الوصف شائعاً جداً - أعني وصف بعض المتميزين بخبرات طبية دقيقة أو فائقة - فيكاد يكون معتاداً أن تسمع عن فلان أنه "إله" هذا الفن أو ذاك، ولم أكد أنهي دراستي هناك عام 2000 حتى كان ابتلاء الله تعالى لتلك المدينة بفيضان هائل أغرق المدينة الطبية بكاملها ودمر رصيد عقود من الأبحاث الطبية والمخبرية الدقيقة هذا ناهيك عن الخسائر المقدرة بمليارت الدولاارت، فقلت في نقسي: سبحان الله، قد أراهم الله تعالى من هو الإله حقاً
[661] سنن أبي داود - كتاب الأدب - وحسنه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، وصحيح الجامع.
[662] صحيح البخاري - كتاب العلم - حديث 124
[663] وهذه القاعدة الفقهية نص حديث شريف رواه ابن ماجه، والإمام أحمد في مسنده والإمام مالك في موطأه، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه وغيره
[664] القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه - د. محمد أبو بكر إسماعيل - من 96 إلى 114
[665] سبق تخريجه برقم 31
[666] أي يرتدع
[667] سورة المائدة - 2
[668] قال صاحب القاموس المحيط : نصح : خلص، وتأمل معي قوله تعالى :" ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم"(التوبة 91) يتبين لك معنى النصح وهو الإخلاص والصدق، ومنه التوبة النصوح أي الصادقة، فتأمل.
[669] سورة النساء - 58 آية
[670] صحيح البخاري - كتاب الإيمان
[671] سنن الترمذي - كتاب البر والصلة، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن، وحسنه الألباني أيضاً في صحيح الترمذي وحسنه من حديث أبي داود أيضاً
[672] أما الندرج بالنسبة للمريض يكون من الطبيب المسلم إلى الطبيب غير المسلم إلى الطبيبة المسلمة إلى الطبيبة غير المسلمة وكل هذا مقيد ومقدر بالحد الذي تندفع به الضرورة والحاجة.
[673] صحيح مسلم - كتاب الحيض ورواه الترمذي وابن ماجة وصحح حديثهما الألباني - واللفظ لمسلم(2/354)
[674] ولعل من أهم الأمثلة على هذا الموضوع المهم ما يتعلق بتركيب ما يسمى "اللولب" لمنع الحمل وما يتعلق بأخذ البويضات وزرع المشيج الملقح في الرحم ضمن إجراءات ما يعرف "بأطفال الانابيب" وهذه الإجراءات تتضمن الإطلاع على ما لا يحل الإطلاع عليه من العورات وليس منع الحمل بضرورة عند معظم من يستخدمن اللوب وإن كان منع الحمل ضرورياً لسبب طبي يتعلق بخطر الحمل على الأم فهذا خارج عن محل النزاع مع ملاحظة أن الوسيلة غير متعينة ومأخذنا في هذا المثال على الوسيلة لا على المنع نفسه، أما بالنسبة للإنجاب عبر وسيلة أطفال الأنابيب فأيضاً لا توجد ضرورة طبية تبيح الإطلاع على هذه العورة وما قد يرد من أن مصلحة التناسل ضرورة صحيح بالنسبة للنوع الإنساني لا بالنسبة للأفراد والأعيان فتأمل الفارق ، ولهاتين المسألتين كلام ومآخذ يضيق عنها المقام وإنما أردت ضرب المثال لمحل ورود مسألة التهاون في كشف العورات بين الطبيب والمريض وإن اتفق جنسهما.
[675] سورة الفتح - آية 29
[676] سورة المائدة - آية 54
[677] سورة الحجر- آية 88
[678] سن الترمذي - كتاب البر والصلة وقال أبو عيسى حسن صحيح، وصححه الألباني رحمة الله على الجميع
[679] قمن: أي جدير بك
[680] صحيح البخاري - كتاب الوضوء
[681] وأضعف الإيمان وأقل ما تبرأ به الذمة أن ينبه الطبيب مريضه إلى ضرورة سؤال من يثق بدينه من أهل العلم كي يفتيه ويرشده إلى ما يحتاج إليه.
[682] سورة الحج - آية 78
[683] صحيح البخاري - كتاب الجمعة - باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب
[684] وأذكر في هذا المقام والد أحد المرضى الذين أتابعهم في عيادتي وقد حدثني أنه مصاب بحالة مرضية في إحدى عينيه وقد نصحه أحد الأطباء بالامتناع عن السجود في حين أشار عليه طبيب آخر بأن لا حرج في ذلك، فالتبس عليه الأمر فلم يقنع بالركون إلى الرخصة حتى تكبَّد مشقة السفر إلى مركز طبي متخصص في بلد بعيد وأشير عليه بأن لا مانع طبي من السجود ، والشاهد أن الورع يقضي بأن يحتاط المريض ولا يركن إلى الأسهل والأحوط طبياً بل يجتهد في الرجوع إلى أهل الخبرة والفن ، فتأمل كيف اجتهد هذا الرجل فمنّّ الله تعالى عليه بالاطمئنان على حالته الصحية والاطمئنان إلى أداء عبادته أكمل ما يكون فجمع الله تعالى له خيري الدنيا والآخرة ولله الأمر من قبل ومن بعد.
[685] ولهذا الأمر ضوابطه الفقهية عند العلماء فيرجع إليها في مظانها أو يستفتى فيها أهل العلم
[686] صحيح البخاري - كتاب الحيض - الدُرجة : القطنة ونحوها تحتشي به المرأة في موضع الحيض. الصفرة: أثر الحيض وهي في زمن الحيض حيض وأما خارج زمن الحيض فليست بشيء، والقصة البيضاء : أي القطنة البيضاء دليل انقطاع أثر الحيض
[687] المتحيرة : من لا تستطيع ضبط عادتها بزمن ولا لون ولا رائحة
[688] وإنما كان الحياء مذموماً في هذا الموضع لأنه أصبح عائقاً عن التعرف على أحكام الشرع
[689] صحيح مسلم - كتاب الإيمان
[690] النشرة ما يطلب به فك السحر وتكون محرمة إذا كان فيها كلام غير مفهوم أو استعانة بغير الله من جن ونحوه
[691] والمانع يكون من جهة خوف ضرر أكبر يترتب على إزالة الوشم من إتلاف عضو ونحوه
[692] سورة العلق - آية 6-7
[693] سنن الترمذي - كتاب الطب ، وسنن ابن ماجه في الجنائز، واللفظ للترمذي، وقال أبو عيسى : حديث غريب. ( فيه موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي منكر الحديث)
[694] صحيح البخاري - كتاب الجنائز
[695] صحيح البخاري - كتاب المساقاة
[696] راجع فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر- كتاب المساقاة
[697] وهذا خاص بأهل الكتاب الذميين ومن في حكمهم كالمجوس على الصحيح من أقوال العلماء، ولعقد الذمة شروط وأحكام تراجع في مظانها ككتاب أحكام أهل الذمة للحافظ ابن فيم الجوزية رحمه الله تعالى، والمقصود أن الإسلام لما حقن دماء أهل الذمة بموجب عقد الذمة لم تعد هناك غضاضة في تعاطي أسباب رعاية أبدانهم طالما هم موفون بالعهد.
[698] سورة الممتحنة - آية 8
[699] سورة آل عمران-آية 190-191
[700] سورة الفرقان - آية 73
[701] سورة فصلت - آية 33
[702] سورة فصلت - آية 53
[703] سورة السجدة - آية 16
[704] سورة فصلت - آية 33
[705] إن استعمال الباحثين المعاصرين في كل المجالات لهذه الأحقاب الزمنية المديدة التي لا يمكن تصورها ناهيك عن تصديقها حيث يذكرون المئة مليون سنة والمائتي مليون سنة ليس له من هدف إلا إيهام الناس بقدم العالم أي أن العالم قديم جداً غير متناهٍ في القدم وهذا مما يعين على ترويج الإلحاد وإنكار الخلق، وهو منهج قديم ومعروف ليس فيه جديد ولكنه أصبح يروج اليوم باسم العلم، وغريب جداً كيف أن كل العلوم المعاصرة اليوم تستخدم نفس الأسلوب فمنذ مئات الملايين من السنين كانت الديناصورات وكانت الأجرام وكانت الجراثيم وكان وكان وكان...
[706] ولا بد من وجود مستشارين في الفقه الطبي في كل مشفى يعالج فيه المسلمون بحيث يكون هؤلاء حلقة الوصل بين الأطباء والمرضى من جهة وبين الفقهاء وأهل العلم من جهة أخرى
[707] صحيح البخاري - كتاب المرضى - باب فضل من ذهب بصره - حديث 5653، وحبيبتيه : عينيه
[708] صحيح مسلم - كتاب الزهد - حديث 2999
[709] صحيح البخاري - كتاب الطب - باب ما يذكر في الطاعون - حديث 5728
[710] صحيح البخاري - كتاب الطب - باب الجذام - حديث 5707
[711] صحيح البخاري - كتاب الطب - باب ما يذكر في الطاعون - حديث 5732
[712] سورة الشعراء - آية 80
[713] سورة الأنبياء - آية 35(2/355)
[714] سنن الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال أبو عيسى :حسن صحيح، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي وصحيح الجامع - برقم 5815- وفي صحيح الترغيب، وصحيح الأدب المفرد
[715] صحيح مسلم - كتاب الزهد والرقائق - رقم 5318
[716] سورة إبراهيم - آية 7
[717] أمة الدعوة - كما هو معلوم - يقصد بها من لم يدخل في الإسلام ممن يتوجه إليهم خطاب النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام، فمن أسلم من أمة الدعوة يصطلح عليه أنه من أمة الإجابة، والكل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار.
[718] سورة الإسراء - آية 59
[719] سورة البقرة -آية 256
[720] سورة هود - آية 6
[721] سورة الإسراء - آية 67
[722] صحيح مسلم - كتاب البر والصلة - حديث 4785
[723] سورة القلم - آية 35-36
[724] صحيح البخاري - كتاب المساقاة - حديث 2190
[725] كمن يُخشى من ارتفاقه بالدواء والطعام والشراب أن يترتب عليه أذى على المسلمين، راجع فتح الباري لابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى.
[726] سورة يوسف - آية 37-38
[727] سنن الترمذي - كتاب الإيمان وقال أبو عيسى حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي
[728] سورة التحريم - آية 9
[729] سورة التوبة - آية 38
[730] سنن أبي داود - كتاب الملاحم - حديث 3754 ، ورواه أحمد في مسنده واللفظ لأبي داود وصحح الألباني رحمة الله على الجميع
[731] صحيح البخاري- كتاب الطب - حديث 5316
[732] سورة الزمر - آية 62
[733] سورة الحج- آية 73
[734] مسند الإمام أحمد - مسند الشاميين - حديث 17170، واللفظ له ، ورواه ابن ماجة في الوصايا، رحمة الله على الجميع
[735] وهو ما يحاول البعض ترسيخه في قلوب الناس من خلال ذكر أحقاب زمنية خيالية فيقول لك إنه قبل مائي مليون سنة أو مليون مليون سنة كانت البكتريا على نحو كذا ثم تطورت إلى كذا وكذا، فإن استخدام هذه الأحقاب الزمنية طريق إلى ترسيخ قِدم العالم وبالتالي نفي خالقية الله تعالى لهذا الكون.
[736] سورة الصافات - آية 96
[737] سنن أبي داود - كتاب النكاح - 1754 وقا ل الألباني حسن صحيح
[738] صحيح مسلم - كتاب القسامة والمحاربين - حديث 3187، والعاقلة هم عصبة المرء الذين يتحملون عنه دية القتل الخطأ ، والغرة : أي غرة عبد وهذه هي دية الجنين
[739] سنن الترمذي والنسائي وابن ماجة، واللفظ للترمذي - كتاب الديات - حديث 1315
[740] اللولب وسيلة غير متعينة لمنع الحمل بمعنى أنه توجد غيره من الوسائل إذا شُرع منع الحمل، أما محظورات اللولب فمن جهة كشف العورة المغلظة بغير ضرورة أو حاجة متعينة وهذا محرم ولو كانت التي تضع اللولب طبيبة، ومن جهة إرباك عادة المرأة في تمييز حيضها وما يترتب عليه من خلل في ضبط العادة ومن جهة الأضرار الصحية الناجمة عن اللولب كالالتهابات والحمل الهاجر ونحوها، وأما الوسائل الدائمة لمنع الحمل فما لم يكن منع الحمل متحتماً لحفظ حياة الأم فالورع ألا تتخذ هذه الوسائل لما فيها من إشعار بتمام التوكل على السبب وقطع مادة النسل والاعتراض على أمر الله تعالى في حين يبقى للوسائل غير الدائمة فرصة للعبد لإعادة تقييم الوضع وهي أحرى باستخراج عبودية الخوف والرجاء وعدم الركون التام للأسباب والله أعلم.
[741] صحيح مسلم - كتاب الحدود - باب من اعترف على نفسه بالزنى - حديث 1695
[742] سورة النساء - آية 29
[743] صحيح البخاري - كتاب التفسير - حديث 4253
[744] صحيح البخاري - كتاب الأدب - حديث 5659
[745] وأشد هذه المحاذير خطورةً التهاون في كشف العورة المغلظة بغير ضرورة وليس طلب النسل ضرورة شرعية بالنسبة للأفراد، نعم هي ضرورة بالنسبة للنوع الإنساني أما الأفراد فإن حياة الواحد منا لا تتوقف على حصول الولد والإنجاب، فتأمل.
[746] ووجه التناقض هنا واضح إذ أن مسألة تنظيم النسل تستلزم تحديد النسل نظراً لأن فترة الخصوبة عند المرأة محددة، فأصبح القول بتحريم تحديد النسل مع القول بجواز تنظيم النسل نوعاً من التعارض والتناقض،فتأمل!
[747] ولقد فصلت في هذه المسألة في كتابي (تربية الطفل للإسلام ) فارجع إليه غير مأمور
[748] سنن الترمذي - كتاب الديات - حديث 1341 - وقال حديث حسن صحيح
[749] صحيح البخاري - كتاب العلم - حديث 65
[750] إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير من تقليد اليهود والنصارى وفيه :" حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه"
[751] صحيح مسلم - كتاب الإمارة - باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة - حديث 1843
[752] صحيح مسلم - كتاب الإمارة - باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة - حديث 1842
[753] سورة الحجرات - آية 15
[754] صحيح مسلم - كتاب الإمارة
[755] سورة التوبة - آية 46
[756] ولست أعني بهذه العبارة التثريب أو الإنكار أو المنع على من فعل ذلك حاشا لله فأي شيء أحب إلى المرء من بذل روحه رخيصة في سبيل الله وإنما أقصد ضرورة توخي الحكمة في توزيع وتوجيه طاقات الأمة بما يحقق مصالحها على أكمل الوجوه.
[757] صحيح البخاري - كتاب الجهاد والسير - حديث 2631
[758] صحيح مسلم - كتاب الإمارة - حديث 3511
[759] صحيح مسلم - كتاب الإمارة - حديث 3484
[760] سورة التوبة- آية 46
[761] سورة الأنعام - آية 115
[762] سورة التوبة - آية 39
[763] سورة محمد - آية 38
[764] سورة الأنبياء - آية 107(2/356)
* وإلا كيف قامت قبلهما حضارات يعجز اللسان عن وصفها، وكيف استثمرت خلالها ثروات الأرض بشكل يفوق ماهو عليه الآن إتقاناً، وجودة، ومتانة؛ وكيف ساهمت كافة الشعوب في ذلك حسب إمكاناتها وعلومها وثقافاتها وتراثها -دون أن توصم بالمتخلفة- ودون قوانين المادية التاريخية في النظام الماركسي، وقوانين العرض والطلب في ظل الحرية. المطلقة في النظام الرأسمالي؟!....
* لودفينج فيورباخ، صفحة 95.
* "إن الظروف التي ينتج البشر في ظلها، تختلف بين قطر وآخر. كما تختلف في القطر الواحد من جيل لآخر. لذا فليس من الممكن أن يكون للأقطار كافة وللأدوار التاريخية جمعاء، اقتصاد سياسي واحد.
انظر: ضد دوهرنك: ج2 ص5.
* انظر "شمس الله تشرق على الغرب" للكاتبة الألمانية (هونكة)، وهو مترجم إلى كافة اللغات ومنها اللغة العربية بعنوان: "شمس العرب تشرق على الغرب".
* تحدد قيمة السلعة في النظام الرأسمالي بعدد ساعات العمل المصروفة في إنتاجها وفي النظام الماركسي بكمية العمل للحفاظ على تلك القوة وتجديدها، أي بكمية العمل لإعاشة العامل والمحافظة على قواه.
* إن الستالينية الرهيبة لم تكن ممكنة لولا تدمير الحزب الشيوعي والقضاء على خيرة قادته ومناضليه. في الواقع، إن كل ثورة انبثقت منذ مدة تزيد على المائة عام، في كل قطر من أقطار العالم، امتدت إليها الأصابع الخفية من داخلها، بثورة مضادة لكي تقضي باسمها نفسه على خيرة رؤوسها الحقيقيين، وتسلم مقاليدها لأيد غريبة عنها من المرتزقة وتجار الشعارات، الذين يعبثون بالمبادئ الحقيقية ويقضون على أهدافها. فالثورة الفرنسية -على سبيل المثال- جاءت لاسترداد حقوق الشعب وتخليصه من الفقر والحرمان، واتخذ الثوار شعاراً لهم "نريد خبزاً"، وبعد أن دفع الشعب حياته لنجاحها، انبثت فيها الأصابع الخفية، وأخذت في تصفية زعمائها الحقيقيين. وكلنا يعلم الأقوال المأثورة التي ترددت على ألسنة قادتها في طريقهم إلى المقصلة: "ستتبعني عما قريب"، "الثورة كالقطة تأكل أبناءها".. الخ، إلى أن أصبح الشعب الفرنسي يردد في الوقت الحاضر، ليس فقط "نريد خبزاً"، بل "نريد سقفاً". والتاريخ يشهد على انحراف الزعماء الذين تبوؤوا قيادة الثورات المضادة تحت اسم "الإصلاحيين"، من الهند إلى الصين فالاتحاد السوفياتي وغيرها.. وغيرها...
* علماً بأن البلدان الاشتراكية، وعلى رأسها الاتحاد السيوفياتي، كانت تشكو أكثر من أي بلد آخر من نقص المواد الغذائية الرئيسية، وعلى رأسها الحبوب، ذلك أنها كانت، تحت دافع المادية التاريخية وفرق القيمة في حقل الصناعة، أول من حد من الإنتاج الزراعي واعتبره متخلفاً. وكانت تبعيتها لأمريكا في استيراد الحبوب من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انهيار النظام اقتصادياً؛ كما أنها مازالت تهدد استقلال روسيا ووجودها السياسي بعد انهيار النظام الاشتراكي. فأمريكا، وصندوق النقد الدولي من خلفها، تفرض عليها شروطاً خطيرة للغاية من أجل مساعدتها بأطنان القمح المطلوبة، كما أنها أصبحت موضع سخرية باستراتيجيتها التي كانت قائمة على الصناعات الثقيلة فقط:
فعبارة: "الشعب السوفياتي لم تستطع معدته أن تهضم الحديد الصلب" أصبحت على كل لسان. والأدهى من ذلك، فقد صدرت هذا الخطأ الفاحش إلى كافة بلدان العالم الثالث، والتي كان مايزيد على ثلاثة أرباع شعبها يعتمد على الزراعة في حياته. فخسرت هذه البلدان الزراعة والصناعة معاً، وشرد الفلاحون وطردوا من قراهم، وكدسوا في براكات الموت في المدن، بينما كبلت الحكومات بالديون الباهظة التي لن تقو على تسديدها.
إقرأ كتابنا: التكنولوجيا الحديثة، الديون والجوع، وربما نهاية العالم مؤسسة الرسالة -دمشق- 1996.
* فإلى متى سيعيش هذا النظام؟! مما لا شك فيه، أن المبالغة في التطرف التي وصل إليها، سوف تقضي على النظام ذاته بذاته. فبذور إنحلاله تترعرع فيه. وها هي الأنظمة المتفرعة عنه تتداعى تباعاً؛ من النمور الآسيوية والأعجوبة اليابانية، إلى الدول الاشتراكية منذ أن بزغ فيها أول شعاع من الحرية، فدول أمريكا اللاتينية، وملوك الذهب الأسود والأصفر.. والبقية تأتي.. دون أن تستثني كلاً من أوروبا وأمريكا اللتين بدأت بوادر الانهيار فيهما بالظهور خلال عام 1999. والخسارة الباهظة في أسواق سندات"الاقتصاد التكنولوجي الجديد" (ناسداك)عام 2000
* وإن كان المنتجون الحقيقيون الأصليون في ظل النظام الاشتراكي قد انقرضوا عن طريق التأميم والطرد والثورات الدامية، فإن الكارتلات الإنتاجية الضخمة قد ابتلعتهم سلمياً، في النظام الرأسمالي، وحولت قسماً منهم إلى أجراء، وقذفت بالقسم الباقي إلى الطرقات.
* في الواقع، إن هذا النمط نفسه، كان متبعاً في الاتحاد السوفياتي وكافة الدول السائرة في ركابه. فالصناعات التي كانت قائمة في هذه البلدان كانت تعتمد اعتماداً كلياً على استيراد التكنولوجيا الغربية، وكذلك بالنسبة لإبادة الأراضي الزراعية وحرمان الفلاحين من زراعتها. وهذا ما جعلها ترزح تحت وطأة الديون المتراكمة، والحرمان من المواد الغذائية بكافة أصنافها، وجعلها تحت رحمة النظام الرأسمالي في تغذية شعوبها، ذلك النظام الذي أولى الزراعة في بلاده المكان الأول، واستلم مقاليد الأمن الغذائي في العالم أجمع بيده من ورائها.(2/357)
ومما يجعلنا نشك في نوايا المسؤولين عن السلطة والتوجيه الاقتصادي في النظام الاشتراكي، واحتمال تعاونهم الضمني مع نظرائهم الغربيين في هذا المجال، أن الاتحاد السوفياتي كان أول من احتل الفضاء في العالم..وأن بلداً يملك أعلى درجات التكنولوجيا هذه، كيف يعجز عن صناعة ما يلزمة لتكنولوجيا الإنتاج الصناعي والزراعي، وتأمين استقلاله عن الغرب. وخاصة الغذائي، الذي هو أمنع أنواع الاستقلال؟! فكثيراً ما لجأت فرنسا حين وقوع خلافات سياسية بينها وبين الاتحاد السوفياتي، إلى شن حرب اقتصادية عليه، بحرمانه من تكنولوجيتها العالية (مثال احتلال السوفييت لأفغانستان)، كما كانت، وما زالت أمريكا تمنع عنها الحبوب في حالة عدم إنصياعها لخططها، كما تحارب لهذا الغرض كلاً من ليبيا، والعراق وإيران...!
* انظر: قواعد الأحكام، للعلامة الحلي ص 222 من الطبعة الحجرية كتاب: إحياء الموات، المطلب الثاني.
* هذا، بينما يبذل الحكام الغربيون الجهود الجبارة والأموال الغفيرة لتحديد النسل ولكن في بلدان العالم الثالث فقط، على العكس من جهودهم الجبارة لزيادة النسل في بلادهم).
والغريب في ذلك، أن مؤتمر التطور الديموغرافي الذي عقد في لاهاي حول السكان عام 1999، برعاية صندوق الأمم المتحدة للسكان، قد نص على تخصيص مبلغ 17 مليار دولار سنوياً للسياسات السكانية للحد من السكان، بحلول عام 2000، و21مليار دولار بحلول عام 2015. وكان من المفترض أن تحول البلدان النامية ما مجموعه ثلثا المبلغ (أي أن القسم الأكبر من المبلغ لا بد أن يقع على عاتق الضحية نفسها)، وتقدم الدول الصناعية الباقي إلا أن التطبيق أثبت أنه بعد مرور خمسة أعوام على المؤتمر الأول المنعقد في القاهرة عام 1994، فقد أرغمت الدول الفقيرة على تسديد 80% من أصل العشرة مليار دولار التي خصصت للمشروع الأول، ولكن الدول الغنية لم تدفع شيئاً..!
والسؤال، لماذا تغدق كل هذه المليارات من الدولارات، لتحديد نسل هذه البلدان، واجتثاث أصولها وفروعها، ومن حسابها بالذات -علماً بأنها جميعاً مكبلة بالديون، وذات عجز فاحش في ميزانياتها ولا تصرف لمساعدتها بمشاريع تنموية إنتاجية مفيدة، تعتمد بصورة خاصة على الطاقة البشرية النقية من الملوثات، أو -على الأقل- أن تدعها تساعد نفسها بنفسها. طالما أن هذه الأموال بمجموعها تصرف من حسابها؟!
علماً بأن العودة إلى التاريخ تثبت اقتران زيادة السكان بالازدهار الاقتصادي وليس العكس، إذا ما تحولت الثروة البشرية إلى ثروة منتجة وخلاقة، وليس إلى معاقين، وعاطلين عن العمل، وأفواه فاغرة فقط كصغار العصافير..!
انظر كتابنا: "التكنولوجيا الحديثة، الديون والجوع وربما نهاية العالم" ومقالنا المنشور في جريدة السفير اللبنانية، بتاريخ 15/3/1995. مع قمة كوبنهاغن، صفحة 17 بعنوان:
"حقائق وأوهام، حول تفشي الجوع وزيادة السكان"
* - أي الفائدة السنوية + قسم من رأس المال المستحق تسديده.
* فالمجتمع الرأسمالي الذي رفع شعار الاستهلاك لتشجيع الإنتاج، نزح الثروات الطبيعية، المتجددة، وغير المتجددة، من كل مكان من المعمورة، وكأنه يغرف من بحر، وأجرى عليها صناعات سريعة وفاسدة تجعلها سريعة العطب لكي لا تدوم طويلاً، فيعاود الناس الشراء، وكأنهم يغرفون الدخول من بحر..
ونظراً لارتفاع أسعارها، وحرمان القسم الأكبر من الشعوب من مستوى الدخل الكافي لاقتناء حتى حاجاته الرئيسية، فسد القسم الأعظم منها في مخازنه ومستودعاته. ولذا، فهي إما أن تصرف إلى أسواق بلدان العالم الثالث التعيسة بفضل رجال أعمالها، أو تلقى إلى المزابل، وعمق البحار، لدرجة يسمى علماء البيئة هذا العصر، بعصر المزابل..!
* وكلنا يعلم حجم الصراعات التي تقع كل عام على مدارج الملاعب، وما ينجم عنها من ضحايا، إذ تحولت بالفعل، من أمكنة لتربية النشء تربية رياضية، أخلاقياً وجسمياً، إلى ساحات لتصفية الحسابات الانتقامية بين الفرقاء- عن طريق العنف بكافة صنوفه وأنواعه من الشباب العاطلين عن العمل في كل مكان.
* انظر كتابنا: التكنولوجيا الحديثة، الديون والجوع، وربما نهاية العالم" 1996- دار الرسالة- دمشق.
** وكلنا يعلم أن مختلف الثروات التي تحتويها الأرض في جوفها، أو على سطحها، تبقى بعد استثمارها محصورة في الأرض نفسها، عدا المحروقات كالبترول والغاز، فهي تستخرج من باطن الأرض لتصعد إلى السماء كأبخرة سامة، ولذا فإنني أعتقد أنها تحدث بذلك اختلالاً في توازن الأرض أكثر من غيرها. وهذا برأيي ما يفسر حدة الاضطرابات الأرضية منذ استخراج البترول حتى الآن، هذا، بالإضافة إلى أضرارها البيئية المعروفة بخطورتها على الجنس البشري.
* في الواقع، إن أي جهاز حكومي، من الشرق أو الغرب، لم يتمكن من حل المشكلة الاجتماعية بالقوة، ويوقف الدوافع الذاتية عند حدها. فالإنسان الذي يخشى الله يطيعه في تنفيذ أحكامه في سره كما يطيعه في جهره، دون حسيب أو رقيب، لأن له في ذلك المردود المضاعف عند الله.
هذا، وبينما يلجأ الإنسان في النظام الرأسمالي إلى التهرب بشتى الوسائل، من الضرائب وكافة الالتزامات، إذ يرى فيها خسارة حقيقية غير معوضة، فلا خلود لغير المال ولا سعادة لغيره، ولا تهديد ولا وعيد، ولا ترغيب ولا تثويب. وهو لا يجد أية غضاضة في سرقة العامل وخفض إجرته إلى ما دون الكفاف، أو تسريحه ورميه إلى الطريق دون عمل لمجرد أن ربحه يمكن أن ينخفض أو لا يرتفع بالقدر الذي يطمع فيه. "إنهم الذين قست قلوبهم" بفعل المال والكفر بالله.(2/358)
وكذلك، لم ينجح النظام الاشتراكي بجعل الطبيب والمهندس والعالم يقبلون بذات الدخل المحدد للعامل، رغبةً في تساوي الدخول وتوحيد الطبقات، وإن صور له أن مصلحة الوطن والنظام تقتضي ذلك، وأن قيمته تقاس بمقياس نوعية العمل الذي يقدمه. وما ذلك إلا لأن النظام المذكور قد جرده من كل شعور ديني بالرغبة أو الرهبة من قوة عليا لا تدانيها قوة الحكام هذا، علماً بأن هذا الإجراء نفسه، أشعره بالغبن وضياع الحق وتبديد الجهود الزائدة التي يبذلها عبثاً، على العكس من الإسلام الذي "رفع بعضهم فوق بعض درجات" تماشياً مع اختلافهم في الإمكانيات الطبيعية التي منحهم الله إياها، وتنوعها، لكي تتم تأمين الخدمات بكاملها للمجموع من أعلاها إلى أدناها. فالإنسان الذي يبذل مزيداً من الجهد، ويقدم مزيداً من العمل المثمر والفكر والإبداع جدير بأن يحصل على مزيد من المكافآت الدنيوية والسماوية لكي يواصل جهوده في التطور والإبداع.
• لكن.. ما هي الحطمة حسب الشرح الإلهي منذ عشرات القرون؟
أنها النار التي تطلع على الأفئدة..!
والتي توصل عن طريق أسلاك، ممددة بأعمدة..!
والسؤال: ما هي القوة التي تطلّع على الأفئدة؟
وما هي الأعمدة والتمديدات؟
وهل كانت في عهد الرسول القوة التي تصور الأفئدة أي الأحشاء الداخلية؟ وهل كان هنالك تمديدات وأعمدة؟! إنني من خلال أطلاعي على التفسيرات الواردة لهذه الآية لم أر ما يشير إلى هذا التفسير وذلك على ما أعتقد -لعدم وجود ما يشير إلى توفرها قبل أواسط هذا العصر، بتفاصيلها التي جاءت في هذه الآية الكريمة.
في الواقع، إن مثل هذه الآيات التي نكتشف مدلولها مع الاكتشافات الحديثة، والتي سبقتها بمدة قرون عديدة تكمن معجزة القرآن..! ] بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، ولمّا يأتهم تأويله[ (سورة يونس- 39).
* إن ما يزيد على 2000 مليون نسمة (نصف البشرية تقريباً) تعيش حالياً في براكات الموت (Bidon.villes) في ظروف معيشية لا تليق بأدنى أنواع الحيوانات، نتيجة لطرد الفلاحين من أراضيهم، والاستغناء عنهم بسبب إحلال الآلات الضخمة محلهم..!
* رغبة في التوسع قليلاً في الزكاة، نظراً لأهميتها الكبيرة في الإمكانيات التي تؤمن تنفيذ أحكام الضمان الاجتماعي، فإنني أرجأت البحث فيها إلى ما بعد القطاعات العامة.
* يحتاج الإيمان العميق -في الواقع- إلى أن يكون مدعوماً بالتأمل والعلم العميق، والإدراك الواعي لكنه الطبيعة بكل مافيها. فالإيمان العميق ليس عملية سهلة كإيمان العامة الفطري أو القسري ]لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي[. وإنما يشتد باشتداد إدراك الفكر البشري لعظمة، وجلال، ونبوغ، ودقة، ونظام، وفوائد لكل ما حوله من خلق الله، فيرى نفسه ضئيلاً أمامه. وقد اعتاد البشر في العصر الحديث،وخاصة العلمانيين، على تأليه البشر وتبجيل واحترام آرائهم والتقيد بها، وخاصة فيهم الذين استطاعوا أن يكشفوا سراً من أسرار هذا الكون وعلومه؛ ويترفعون عن تقديس الإله نفسه الذي خلق هذا الكون، وخلق هؤلاء البشر أنفسهم ]أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون[ (الواقعة-95) ]علم الإنسان مالم يعلم[، هذا، علماً بأن البشر مهما عظمت علومهم وعلت ابتكاراتهم، ما زالوا بعيدين عن الحقيقة الكاملة لكشف أسرار الكون بعدهم عن اكتشاف الحقيقة الأخيرة والتي لا بعدها حقيقة وهي: من الذي خلق الله؟! فبمقدار محدوديه عقول البشر يزداد تجبرهم على الخالق..!ولذا، فإن من يخشى الله فعلاً هم -في الواقع- العلماء الضالعون في العلم.
** لقد نسف القائمون على هذا العصرعلوماً كان قد ثبت نفعها من خلال تطبيقها على مدى قرون عديدة، وتصليحها باستمرار على ضوء هذا التطبيق والإضافة إليها، مما يتماشى مع نتائج التطبيق، وأحلوا محلها علوماً من بنات خيالهم قائمة على منافعهم المادية البحتة، وإحكام سيطرتهم الكاملة على العالم أجمع، وذلك تحت اسم التطور والتحديث.
لقد ثبت من خلال النتائج التي آلت إليها تطبيقات هذه العلوم، أن ذلك لم يكن تطوراً، بل تغييراً إلى الأسوأ، وبتعبير آخر:
تغيير من الصواب إلى الخطأ، ومن النافع إلى الضار.
* انظر كتابنا: "اليمن بين قديمه وحديثه"، صفحة 39.
* للأسف الشديد، لقد اقتصرت عملية صيد الأسماك، مع التطور الحديث، على الشركات الأجنبية العالمية وحدها، وآلاتها الجبارة، لتجرفها معها إلى البلاد الغنية، وحرمت كافة الشعوب المغلوبة على أمرها، من الصيد، وحرمتها ذوق السمك، وطعم السمك في بلادها بالذات...
* وكلنا يعلم أن تطفل الإنسان الغربي الحديث على الطبيعة، وتعليمها دروسها، قد أفسد النباتات، ففقدت مذاقها، وأصبح ضررها أكثر من نفعها من جراء المواد الكيميائية السامة التي يستعملها. ولذا، فقد لجأ إلى نقل كافة البذور من كافة الأنواع، من القطن حتى البصل، من بلدان العالم الثالث قاطبة، (بعد دثر كافة الكروم والبساتين والحقول فيها) إلى بنوك خاصة بها في أوروبا وأمريكا تسمى (بنوك المنتجات الإرثية"، والآن يعمل لنقل التربة أيضاً وهو ما تفعله إسرائيل في لبنان.
انظر مقالتنا في مجلة : الفكر العربي ــ 1987 ــ العدد 49 ــ بيروت. "اندثار الزراعات الإرثية"
* وإذا كان النظام الرأسمالي يسمح بتعويض البطالة لفترة محدودة، فهذا لا يحصل عليه إلا الذين سبق أن عملوا، وحولوا جزءاً من رواتبهم لمؤسسة الضمان الصحي والاجتماعي (وهي ــ بحد ذاتها ــ نسبة كبيرة)، ومن ثم سرحوا من العمل. إلا أنه بعد سقوط المعسكر الاشتراكي، والاطمئنان إلى إخماد ثورة العمال المزعومة في مهدها، فقد أصبح التسريح عشوائياً، والاستخدام مؤقتاً لا يحمل في طياته أي ضمان...(2/359)
وكذلك، فإن المحرومين من العمل بالأصل، والفقراء والمساكين، والذين تغص بهم الطرقات ومداخل المترويات، وزوايا الساحات، فليس لهم على خوان الطبيعة شيئاً، وعليهم أن يضمحلوا، فحكمهم حكم المزابل البشرية التي تفسد الطبيعة كما هي الحال في نظر المسؤولين الإسرائيليين، بالنسبة للشعب في جنوب لبنان.
* انظر "اقتصادنا" الجزء الثاني، صفحة 592، للإمام: محمد باقر الصدر.
* اقرأ كتابنا: "العولمة في النظم التكنولوجية الحديثة"، والتفتيش عن طريق بديل"، دار الرسالة- دمشق- باللغة العربية. وباللغة الفرنسيه:
Mondialistion
* اعتذار من عدم ذكر اسميهما.
* وتجار الجنس، من الطفل في المهد حتى ريعان الشباب من ذكور وإناث.
* يسخر الأغبياء والمغرضون من الإسلام في هذا المعرض، ويعتبرون بذلك المرأة بمثابة السلعة تشرى بالمال.. وإنني أجيبهم: هل من الأفضل في رأيكم أن تشتري المرأة الرجل بأن تدفع له "الدوطه"، وتقدم له المنزل والسيارة وزهرة شبابها على طبقٍ من الفضة!؟... وماذا سيحل بها إذا ما طلقها ورماها بعد ما ذبلت زهرة شبابها؟ أليست بحاجة إلى شيء من الضمان تعتمد عليه إلى أن تتوصل إلى تدبير سبل حياتها من جديد؟!…
* لقد كرم الإسلام المرأة كطفلة بقول الرسول (ص): "من كانت له عدة بنات فرباهن فأحسن تربيتهن أدخله الله الجنة"، وحماها من ظلم الجاهلية "وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنبٍ قتلت"؟
وكرمها شابة، زوجة كانت أو أخت -كما ذكرنا- وكرمها كهلة:
"الجنة تحت أقدام الأمهات"
ولم يذكر الآباء أو الذكور في هذا المقام. فعندما سأل أحدهم الرسول (ص) "من أحق الناس بحسن رعايتي" أجاب: "أمك"، سأل "ثم من؟" أجاب: "أمك" وسأل ثالثة: "ثم من؟" أجاب: "أمك"، وفي الرابعة أجاب الرسول: "ثم أباك".
* لم يتجرأ دعاة حقوق الإنسان على الاعتراض على ذلك، وشطبه -على الأقل- من مقدمة التوراة والإنجيل المشوهين بهذه العبارات، لئلا تنزل عليهم اللعنة والعقاب الصارم والغرامات المادية باتهامهم بوصمة العصر "ضد السامية"، ممن ليسوا -في الأصل- من السامية في شيء..
* اقرأ كتاب "إسرائيل وشعوبها" المترجم عن الفرنسية، للكاتبة، مع التعليق عليه. وهو قيد النشر في دار الرسالة- بيروت.
(1) دراسات في النفس الإنسانية : محمد قطب . دار الشروق ، بيروت ، الطبعة السادسة 1403 هـ
(2) تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير : محمد نسيب الرفاعي . مكتبة المعارف ، الرياض ، 1407هـ ( 4 أجزاء . 4/489 )
(1) ما أصل الإنسان ؟ إجابات العلم والكتب المقدسة : موريس بو كاي ، الرياض ، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج 1406هـ ، ص : 15
(2) الإنسان بين المادية والإسلام : محمد قطب . دار الشروق ، بيروت ، الطبعة السادسة ، 140هـ ، ص 16
(1) في ظلال القرآن : سيد قطب . دار الشروق ، بيروت ، الطبعة التاسعة ، 1400 هـ ، ( 6 أجزاء ) ، 4/2458- 2459
(2) ما أصل الإنسان ؟ : مرجع سابق ص : 207
(1) صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم : عبد الرحمن بن محمد الدوسري . مكتبة دار الأرقم ، الكويت ، 1406 هـ . 2/72
(2) تفسير القرآن العظيم : إسماعيل بن كثير . دار المعرفة ، بيروت ، 1400 هـ ، ( 4 أجزاء ) 1/249
(3) تيسير العلي القدير : مرجع سابق 2/252
(1) تفسير القرآن العظيم : مرجع سابق 1/250
(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري : أحمد بن حجر العسقلاني . تصحيح وتحقيق عبد العزيز بن عبد الله بن باز . الرياض ، مكتبة الرياض الحديثة ، 1379 هـ ، 8/383 .
(1) العبودية : أحمد بن عبد الحليم بن تيمية . دار الكتب العلمية ، بيروت 1401 هـ ، ص 4 .
(2) في ظلال القرآن : مرجع سابق /3387
(1) الحسنة والسيئة : أحمد بن عبد بن الحليم بن تيمية . دار الكتب العلمية ، بيروت ، ص 56
(1) الروح : محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1406 هـ ، ص 97
(2) مشاهد القيامة في القرآن : سيد قطب ، دار الشروق ، بيروت ، ص 41-43
(1) شرح العقيدة الطحاوية : أبو العز علي بن علي بن محمد ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة السادسة ، 1400 هـ ، ص 453
(1) لسان العرب : محمد بن منظور ، دار صادر ، بيروت 1300 هـ ، 15 جزءا ، 10 /27
(2) المعجم الوسيط : عبد السلام هارون وآخرون ، طهران ، المكتبة العلمية ، 10 / 42
(1) التربية الإسلامية والمشكلات المعاصرة : عبد الرحمن النحلاوي ، الرياض ، مكتبة أسامة وبيروت المكتب الإسلامي ، الطبعة الثانية1405هـ ص 55
(2) الإصلاح التربوي والاجتماعي والسياسي من خلال المبادئ والاتجاهات التربوية عند التاج السبكي : عبد الرحمن النحلاوي ، بيروت ، المكتب الإسلامي ، 1410 هـ ، ص 50
(1) فلسفة التربية : فينكس ، 1402 هـ ، ص 422
(2) المسئولية : محمد أمين المصري ، الكويت ، دار الأرقم ، الطبعة الثانية ، 1400 هـ ، ص 156
(1) الإنسان بين المادية والإسلام : محمد قطب ، دار الشروق ، بيروت ، الطبعة السادسة ، 1400 هـ ، ص 168
(1) في ظلال القرآن ، مرجع سابق 1/291 .
(1) السيرة النبوية : ابن هشام ، أبو محمد عبد الملك الحميدي ، تحقيق / مصطفى السقا وآخرون 1/348
(2) حياة الصحابة : محمد يوسف الكاندهلوي ، دمشق ، دار القلم ، 1403هـ ، 3 أجزاء ، 1/386
(1) صحيح مسلم بشرح النووي: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ، الإسكندرية ، دار الريان للتراث ، 1407 هـ ، 9 أجزاء 5/102
(2) جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم : عبد الرحمن بن رجب ، القاهرة ، مؤسسة الكتب الثقافية ، 1382هـ ، ص 79
(1) صحيح مسلم بشرح النووي : مرجع سابق ، 4/116
(2) مختصر منهاج القاصدين : المقدسي أحمد بن عبد الرحمن المقدسي مكة دار الباز 1398هـ ، ص 65(2/360)
(1) تهذيب مدارج السالكين : عبد المنعم العزى ، جدة ،دار المطبوعات الحديثة ، 1405 هـ ، ص 72
(1) تهذيب مدارج السالكين : عبد المنعم العزى ، جدة ، دار المطبوعات الحديثة ، 1405 هـ ، ص 73
(2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية : جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي. النجدي وابنه محمد ، الرياض ، مطابع الرياض ، الطبعة الأولى ، 1381هـ ،1/5 ـ 6
(3) العبودية : ابن تيمية ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1401هـ ، ص 29
(1) الأحكام في أصول الأحكام (370 ) : أبو الحسن علي الآمدي ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1400هـ ، 4 أجزاء ، 4 /218
(2) شرح الكوكب المنير : ابن النجار ، تحقيق محمد الزحيلي ونزيه حماد ، مكة ، جامعة أم القرى ، مركز البحث العلمي ، 1400 هـ ، 4 أجزاء ، 4/459
(3) تفسير القرآن العظيم : إسماعيل بن كثير دار المعرفة ، بيروت ، 1400 هـ ، 4 أجزاء
(1) الثروة في ظل الإسلام : البهي الخولي ، القاهرة ، دار الاعتصام ، الطبعة الثالثة ، 1398 هـ ، ص 71.
(1) الاكتساب في الرزق المستطاب ، محمد بن الحسن الشيباني ، تحقيق محمود عرنوس ، مكة دار الباز للنشر والتوزيع ، 1406 هـ ، ص 35 ـ 36 .
(1) الثروة في ظل الإسلام مرجع سابق ، ص 49
(1) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين : محمد علان الصديقي ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1405 هـ ، 4 أجزاء 2 / 385.
(1) العدالة الاجتماعية في الإسلام : سيد قطب ، جدة ، دار الشروق ، 1399 هـ ، ص 166.
(2) من هدي سورة الأنقال : محمد أمين المصري ، تقديم محمد العبدة ، الكويت ، مكتبة دار الأرقم ، ص 47 .
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد : ابن القيم الجوزية ، تحقيق / شعيب وعبد القادر الأرناؤوط ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 1405 هـ ، 6 أجزاء ، 2 / 22 ـ 23
(1) أهداف التربية الإسلامية : ماجد عرسان الكيلاني ، المدينة المنورة ، مكتبة دار التراث ، 1408 هـ ، ص 61 .
(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري : أحمد بن حجر العسقلاني ، تصحيح وتحقيق / عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرياض ، مكتبة الرياض الحديثة ، 1379هـ ، 1/165 .
(1) المرجع السابق . 1/170
(2) إحياء علوم الدين : أبو حامد الغزالي ، بيروت ، دار المعرفة ، 5 أجزاء ، 1 /19 .
(1) فضل علم السلف على الخلف : ابن رجب ، عمان ، دار عمار ، 1406 هـ ، ص 52
(2) تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم : ابن جماعة الكناني ، بيروت ، دار الكتب العلمية .
(1) زاد المسير في علم التفسير : عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي . بيروت ، المكتب الإسلامي ، 1404 هـ ، 6/289
(2) الولاء والبراء في الإسلام من مفاهيم عقيدة السلف : محمد سعيد سالم القحطاني ، الرياض ، دار طيبة ، 1402 هـ ،ص 76
(1) فتاوى ابن تيمية : مرجع سابق ، 3 /327 ــ 329
(1) رفع الحرج في الشريعة الإسلامية : صالح عبد الله بن حميد ، مكة ، جامعة أم القرى ، مركز البحث العلمي ، 1403 هـ ، ص 230 ــ 237
(1) المسئولية وصلتها بالتكاليف الشرعية في ضوء القرآن الكريم : عبد الصمد بكر عابد . مكة ، جامعة الملك عبد العزيز ، 1398 هـ ، ص 71- 78
(2) في ظلال القرآن : سيد قطب . دار الشروق ، بيروت ، الطبعة التاسعة ، 1400 هـ ( 6 أجزاء ) ، 4/2217
(1) دستور الأخلاق في القرآن : محمد عبد الله دراز ، تعريب وتحقيق / عبد الصبور شاهين ، بيروت مؤسسة الرسالة ، الكويت ، دار البحوث العالمية ، الطبعة الرابعة ، 1402 هـ ، ص 139
(1) معاني القرآن الكريم : أبو جعفر النحاس . مكة ، جامعة أم القرى ، 1409 هـ ( 6 أجزاء ) 2/530
(1) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة : محمد أحمد الأنصاري القرطبي . القاهرة ، دار الريان للتراث ، الطبعة الثانية ، 1407هـ ، ص 137
(2) سيرة عمر بن عبد العزيز : ابن الجوزي . د.ت ، ص 195
(1) تفسير القرآن العظيم : مرجع سابق ، 2/416 .
(1) شرح العقيدة الطحاوية : علي بن علي بن محمد أبو العز . المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة السادسة ، 1400 هـ ، ص 470
(1) في ظلال القرآن : مرجع سابق ، 3/1421
(1) زاد المسير في علم التفسير : مرجع سابق ، 3/43
(2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان : عبد الرحمن بن سعدي . المدينة المنورة ، مطبوعات الجامعة الإسلامية ، 1398 هـ ، 1/194
(1) تفسير القرآن العظيم : مرجع سابق ، 1/390
(1) تفسير القرآن العظيم : مرجع سابق ، 2/299
(1) مختار الصحاح : محمد بن أبي بكر الرازي . 1408 هـ ، ص 130
(2) لسان العرب : مرجع سابق ، 1/473 .
(1) حتى يغيروا ما بأنفسهم : جودت سعيد ، تقديم / مالك بن نبي ، 1397 هـ ، ص 14
(2) أزمة التعليم المعاصر : زغلول النجار ، الكويت ، مكتبة الفلاح ، 1400هـ ، ص 56
(1) أصول علم النفس العام : عبد الحميد محمد الهاشمي ، جدة ، دار الشروق ، 1404 هـ ، ص 89
(1) فتح الباري : مرجع سابق ،11/347
(2) أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري : حمد بن محمد البستي الخطابي ، تحقيق ودراسة الدكتور محمد بن سعد آل سعود . مكة ، نشر مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي ، جامعة أم القرى ، 1409 هـ ، 4 أجزاء
(1) دعوة الفطرة : د. يوسف أبو هلالة ، دار العاصمة ، الرياض ، ص 122
(2) ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي : تحقيق محمد عبده عزام ، مصر ، دار المعارف ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء 2/23
(3) منهج القرآن في التربية : محمد أحمد شديد ، 1402هـ ، ص 179
(1) التبيان في آداب حملة القرآن : النووي ، مكتبة دار البيان ، دمشق ، 1405 هـ، ص 46
(2) الإتقان في علوم القرآن : جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ، بيروت ، دار المعرفة ، الطبعة الرابعة ، 1398هـ ، جزءان، ص 138(2/361)
(1) التبيان في آداب حملة القرآن : مرجع سابق ، ص 48
(1) الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب : ابن قيم الجوزية ، تحقيق وتخريج / بشير عيون دمشق دار البيان ، 1406 هـ ، ص 85 ـ96
(2) المرجع السابق : ص 97
(3) المرجع السابق : ص 142
(1) النوم ...أسراره وخفاياه : أنور حمدي ، بيروت المكتب الإسلامي ، 1406 هـ ، ص 56
(2) تفسير القرآن العظيم : مرجع سابق ، 4/345
(1) قيام الليل : المروزي ، 1402 هـ ، ص 41
(1) في ظلال القرآن : مرجع سابق ، 6/3745
(2) منهج القرآن في التربية : مرجع سابق ، ص 34
(1) المرجع السابق : ص 30
(1) معاتبة النفس : الحارث بن أسيد المحاسبي ، تحقيق / محمد عبد القادر عطا ، القاهرة ، دار الاعتصام ، 1406 هـ ، ص 20
(2) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين : ابن قيم الجوزية ، تحقيق / محمد حامد الفقي ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1392 هـ ، 3 أجزاء ، 1/169
(1) الزهد : أحمد بن حنبل ، القاهرة ، دار الريان للتراث ، 1408 هـ ، ص 149
(2) الزهد : مرجع سابق : ص 149
(3) محاسبة النفس : عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، تحقيق / مجدي السيد إبراهيم ، القاهرة ، مكتبة القرآن ، 1407هـ ، ص 33
(4) المرجع السابق : ص 35
(1) المرجع السابق : ص 94
(2) إحياء علوم الدين : الغزالي ، بيروت ، دار المعرفة ، 5 أجزاء ، 4/393 ـ394
(3) محاسبة النفس : الحافظ ابن أبي الدنيا ، تحقيق مجدي السيد إبراهيم ، مكتبة الساعي ، القاهرة ، 1407 هـ ، ص 67
(4) المرجع السابق : ص 34
(1) إحياء علوم الدين : مرجع سابق ، 4/405
(2) تهذيب مدارج السالكين : مرجع سابق ، ص 115
(1) محاسبة النفس : مرجع سابق ، ص 36
(2) إحياء علوم الدين : مرجع سابق ، ص 4/405
(3) معاقبة النفس : مرجع سابق ، ص 56 ـ 60
(1) تهذيب مدارج السالكين : مرجع سابق ، ص 116
(2) إحياء علوم الدين : مرجع سابق ، 3/64 ـ65
(1) زاد المسير في علم التفسيبر : مرجع سابق ، 6/427
(2) تفسير القرآن العظيم : مرجع سابق ، 3/521
(3) نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس : ابن رجب ، تحقيق وتعليق / محمد بن ناصر العجمي . الكويت ، دار الأقصى ، 1406 هـ ، ص 24
(1) فتح المبين لشرح الأربعين : أحمد بن حجر الهيثمي . بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1398 هـ ص 164 .
(2) النووي : 1382 هـ ، ص 138
(1) صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم : عبد الرحمن بن محمد الدوسري . مكتبة دار الأرقم ، الكويت ، 1406 هـ ، 2/5
(2) الوافي في شرح الأربعين النووية : مصطفى البغا ومحيي الدين مستو . دمشق ، دار الإمام البخاري للنشر والتوزيع ، 1400 هـ ، ص 34 .
(3) من هدي سورة الأنفال : مرجع سابق ، ص 7 .
(1) القيم الخلقية في الإسلام : أحمد ماهر البقري . الإسكندرية ، مؤسسة شباب الجامعة ، 1407 هـ ، ص 7
(2) اكتساب الخلق الإسلامي : عبد الحميد الأقطش . مجلة الدعوة ، عدد 1267 ، الرياض ، إصدار مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية ، 1410 هـ ، ص 50
(1) سير أعلام النبلاء : محمد أحمد عثمان الذهبي . التحقيق والتخريج بإشراف شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة ، 1402 هـ ، ( 23 جزءا ) 3/242
(2) المجموع شرح المهذب ويليه فتح العزيز شرح الوجيز للإمام الرافض ويليه التلخيص الحبير في تخريج الرافعي الكبير لابن حجر العسقلاني : النووي . بيروت ، دار الفكر ، 20 مجلدا ، 1/37- 38 .
(1) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين : ابن قيم الجوزية . تصحيح ومراجعة نعيم زرزور . بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1403 هـ ، ص 8 .
(1) الزهد : مرجع سابق ، ص 149
(2) المجموع شرح المهذب : مرجع سابق ، 1/35
(1) إحياء علوم الدين : مرجع سابق ، 1/50
(2) ديوان الإمام الشافعي : جمع وتعليق محمد الزعبي ، بيروت ، مؤسسة الزعبي ودار الجيل ، الطبعة الثالثة ، 1392 هـ ، ص 29
(3) الرسول العربي المربي : عبد الحميد محمد الهاشمي ، دمشق ، دار الثقافة للجميع ، 1401هـ ، ص 433
(1) جامع بيان المعرفة وفضله وما ينبغي في روايته وحمله : ابن عبد البر . القاهرة ، دار الفتح ، 2/97
(1) الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب : مرجع سابق ، ص 82 - 83
(2) الموافقات : الإمام الشاطبي .د.ت ، 1/94 - 95
(1) ديوان الإمام الشافعي : مرجع سابق ، ص 81
(1) الرسول العربي المربي : مرجع سابق ، ص 233
(1) سير أعلام النبلاء : مرجع سابق ، 3/344
(2) كتاب فضائل الصحابة : أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ، تحقيق وتخريج / وصي الله محمد عباس ، نشر مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي ، مكة ، مؤسسة الرسالة ، 1403 هـ ، جزءان ، 2/844
(3) جامع بيان العلم : مرجع سابق ، 1/87 ـ88
(4) ديوان أمية بن أبي الصلت : جمع وتحقيق ودراسة عبد الحفيظ السطلي ، دمشق ، المطبعة التعاونية ، الطبعة الثانية ، 1394هـ ، ص 436
(1) في أصول الحوار : الندوة العالمية للشباب الإسلامي ، الرياض ، وحدة الدراسات والبحوث ، 1408هـ
(1) في ظلال القرآن : مرجع سابق ، ص 5/2914
(2) الرسول العربي المربي : مرجع سابق ، ص 452 - 453
(1) وقفات تربوية في ضوء القرآن الكريم : قل إنما أعظكم بواحدة . عبد العزيز ناصر الجليل . الرياض ، دار طيبة ، 1410هـ ، ص 26 - 30
(2) وقفات تربوية في ضوء القرآن الكريم : المرجع السابق ، 2/227
(1) إحياء علوم الدين : مرجع سابق 2/227 .
(1) العزلة : حمد بن محمد البستي الخطابي . حققه وعلق عليه ياسين محمد السواس ، بيروت ، دمشق ، دار ابن كثير ، 1407 هـ ، ص 101
(1) إحياء علوم الدين : مرجع سابق ، 2/238 .
(1) إحياء علوم الدين : مرجع سابق ، 2/239
(1) فقه الواقع : ناصر العمر ، ص 20 - 35
(2) فقه الواقع : ناصر العمر ، ص 36 - 50(2/362)
(1) العزلة : مرجع سابق ، ص 237
(2) الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب : مرجع سابق
(1) أصول علم النفس العام : مرجع سابق ، ص 136
(2) المناوي في الجامع الصغير .
(1) أصول علم النفس العام : مرجع سابق ، ص 138
(2) أزمة التعليم المعاصر : مرجع سابق ، ص 130
(3) صحيح مسلم بشرح النووي ، مرجع سابق ، ص 94
(1) المحجة في سير الدلجة : ابن رجب . تحقيق / يحيى غزاوي . بيروت ، دار البشائر الإسلامية ، 1404 هـ ، ص 44
(2) المحجة في سير الدلجة: مرجع سابق ، ص 46
(1) لسان العرب : 8/444
(2) الترويح وأوقات الفراغ في المجتمع المعاصر : كمال درويش ومحمد الحمامصي . مكة ، مركز البحوث التربوية ، جامعة أم القرى ، 1406 هـ ، ص 33
(1) التعليم الذاتي بين النظرية والتطبيق : أحمد محمد العلي . الكويت ، ذات السلاسل ، 1408 هـ ، ص 26 .
(2) تقييد العلم : الخطيب البغدادي . تحقيق / يوسف العشي . دار إحياء السنة النبوية . الطبعة الثانية ، 1394 هـ ، ص 124
(1) المسلم قارئا ومثقفا : جاسر الجاسر . مجلة البيان ، عدد 22 ، لندن ، المنتدى الإسلامي ، 1411 هـ ، صلى الله عليه وسلم 54 – 57
(1) تقييد العلم : مرجع سابق ، ص 60
(1) سوانح وتأملات في قيمة الزمن : خلدون الأحدب . جدة ، مكتبة دار الوفاء ، 1407 هـ ، ص 53 .
(1) جامع بيان العلم : مرجع سابق ، 1/105
(2) جوانب التربية الإسلامية الأساسية : مقداد لحن . بيروت ، دار الريحاني ، 1406 هـ ، ص 325 - 328
(3) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم : ابن الجوزي . الهند ، حيدر أباد ، دائرة المعارف العثمانية ، 1359 هـ ( 10 أجزاء ) ، 9/214
(1) سير أعلام النبلاء : مرجع سابق ، 13/250 - 251
(2) النوم .. أسراره وخفاياه : أنور حمدي ، ص 379
(1) النوم .. أسراره وخفاياه : ص 379
(2) فضائل الصحابة : مرجع سابق ، 1/154
(1) الأسرة المسلمة أمام الفيديو والتلفزيون : مروان كجك . الرياض ، دار طيبة للنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية ، 1408 هـ ، ص 95
(2) بصمات على ولدي : طيبة اليحيى . الكويت ، مكتبة المنار الإسلامية ، الطبعة الثالثة ، 1409هـ ، ص 35
(3) الأسرة المسلمة أمام الفيديو والتلفزيون : مرجع سابق ، ص 106
(1) أصول التربية الإسلامية وأساليبها : عبد الرحمن النحلاوي . دمشق ، دار الفكر ، 1399 هـ ، ص 238
(2) جوانب التربية الإسلامية الأساسية : مرجع سابق ، ص 353
الفهرس العام
الباب الأول…11
نص الآية القرآنية وشرحها…11
سبب نزول الآية :…11
وفي الدرالمنثور :…12
ويقول الطبري :…16
وفي الكشاف :…25
ويقول القرطبي :…25
ويقول ابن كثير :…29
وفي تفسير الرازي :…32
وقال ابن الجوزي :…35
وفي تفسير الثعالبي :…37
وفي تفسير الألوسي :…38
وقال الشوكاني :…42
وقال السعدي :…44
وقال الشيخ صالح بن عثيمين :…45
ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله :…49
وفي فتح القدير ج: 1 ص: 275…60
الباب الثاني…64
أقوال الفقهاء…64
وفي مشكل الآثار :…64
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْرِهِ بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ) .…64
ويقول الجصاص :…68
قوله تعالى : { لَا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ }…68
بَابُ الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ…71
وفي المحلى :…75
الحجر على الحر…77
الْآثَارُ الْوَارِدَةُ فِي الْجَدِّ 1736 - مَسْأَلَةٌ :…91
1799 - مَسْأَلَةٌ : وَيُحْكَمُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ شَيْءٍ - رَضُوا أَمْ سَخِطُوا , أَتَوْنَا أَوْ لَمْ يَأْتُونَا - وَلَا يَحِلُّ رَدُّهُمْ إلَى حُكْمِ دِينِهِمْ , وَلَا إلَى حُكَّامِهِمْ أَصْلًا .…99
2187 - مَسْأَلَةٌ : هَلْ تُقَامُ الْحُدُودُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ؟…101
وَمَنْ قَالَ : بِقَتْلِ الْمُرْتَدِّ وَلَا بُدَّ , دُونَ ذِكْرِ اسْتِتَابَةٍ أَوْ قَبُولِهَا :…108
وفي المبسوط :…111
قَالَ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ يُكْرَهُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ إلَّا , وَهُوَ يُرَدُّ إلَّا مَا جَرَى فِيهِ عِتْقٌ , أَوْ تَدْبِيرٌ , أَوْ وِلَادَةٌ , أَوْ طَلَاقٌ , أَوْ نِكَاحٌ , أَوْ نَذْرٌ , أَوْ رَجْعَةٌ فِي الْعِدَّةِ , أَوْ فِي الْإِيلَاءِ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ 0…112
وقال ابن العربي :…116
قوله تعالى : { لَا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ }…116
وفي المغني :…119
( 7115 ) فَصْلٌ : وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يَجُوزُ إكْرَاهُهُ , كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ , فَأَسْلَمَ , لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ , حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ طَوْعًا 0…119
وقال ابن تيمية :…120
12 - مَسْأَلَةٌ : سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اشْتَدَّ نَكِيرُهُمْ عَلَى مَنْ أَكَلَ مِنْ ذَبِيحَةِ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ مُطْلَقًا , وَلَا يَدْرِي مَا حَالُهُمْ , هَلْ دَخَلُوا فِي دِينِهِمْ قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَحْرِيفِهِ وَقَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَمْ بَعْدَ ذَلِكَ , بَلْ يَتَنَاكَحُونَ , وَتُقَرُّ مُنَاكَحَتُهُمْ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ , وَهُمْ أَهْلُ ذِمَّةٍ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ , وَلَا يُعْرَفُ مَنْ وَلَّاهُمْ مِنْ آبَائِهِمْ , فَهَلْ لِلْمُنْكِرِينَ عَلَيْهِمْ مَنْعُهُمْ مِنْ الذَّبْحِ لِلْمُسْلِمِينَ , أَمْ لَهُمْ الْأَكْلُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ كَسَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ؟…120
وفي البحر الزخار :…132
وفي مواهب الجليل :…133(2/363)
ص ( وَلَيْسَ لِامْرَأَةٍ يَحْتَاجُ لَهَا زَوْجٌ تَطَوُّعٌ بِلَا إذْنٍ )…133
وفي الروضة البهية :…134
الرِّقِّيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ…134
وفي دقائق أولي النهى :…139
( وَإِنْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ عَلَى إقْرَارٍ بِإِسْلَامٍ )…139
وفي الفواكه الدواني :…139
( وَمِنْ الْفَرَائِضِ ) عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ ( الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ )…139
وفي مطالب أولي النهى :…144
( وَإِنْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ ) أَوْ مُسْتَأْمَنٌ ( عَلَى إسْلَامٍ ) فَأَقَرَّ بِهِ ( لَمْ يَصِحَّ ) إسْلَامُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُهُ حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ طَوْعًا ;…144
وفي نيل الأوطار :…144
3482 - ( وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : أَوَّلُ مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَهْلُ نَجْرَانَ وَكَانُوا نَصَارَى رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ ) .…144
وفي شرح النيل :…146
( وَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَمِيلًا ) لَمْ يَجِدْ الْمُدَّعِي ضَمِينًا لِتَعَاصِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِضَمِينٍ أَوْ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَضْمَنْ عَنْهُ ,…146
وفي الموسوعة الفقهية :…147
أَسْبَابُ الْخِلَافِ الرَّاجِعِ إلَى الدَّلِيلِ :…147
ثَالِثًا - عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِي عَقِيدَتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ :…148
وَفِيمَا يَلِي أَحْكَامُ الرَّقِيقِ الْقِنِّ , ثُمَّ أَحْكَامُ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُبَعَّضِ…150
فَضْلُ الدَّعْوَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى :…152
وفي المغني :…153
( 4692 ) فَصْلٌ : وَإِنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ , وَقَالَ : اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ . أَوْ قَالَ : هَذِهِ وَصِيَّتِي , فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَا .…153
وفي غذاء الألباب :…154
مَطْلَبٌ : أَذْكَارُ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ .…154
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى :…162
( ذبائح أهل الكتاب )…162
( أصل الأيمان وأنواعه )…171
إذا كان لا إكراه في الدين فلِمَ شرع الجهاد؟!…178
الباب الثالث…190
الخلاصة في أحكام الإكراه…190
هذه خلاصته من الموسوعة الفقهية :…190
رَدُّ الْإِبْرَاءِ :…190
الْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِتْلَافِ وَمَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ :…191
الْمَبْحَثُ الثَّانِي الْعَاقِدَانِ وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْعَاقِدَانِ :…192
إجْبَارٌ التَّعْرِيفُ :…192
أَسْبَابُ الْخِلَافِ الرَّاجِعِ إلَى الدَّلِيلِ :…194
اخْتِلَالٌ التَّعْرِيفُ :…194
اخْتِيَارٌ التَّعْرِيفُ :…195
شُرُوطُ الِاخْتِيَارِ :…196
تَعَارُضُ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ مَعَ الِاخْتِيَارِ الْفَاسِدِ :…196
اشْتِرَاطُ الِاخْتِيَارِ لِتَرْتِيبِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ :…197
أَثَرُ الْإِذْنِ فِي الْجِنَايَاتِ :…197
إرَادَةٌ التَّعْرِيفُ :…197
اسْتِسْلَامٌ التَّعْرِيفُ :…198
الِاسْتِغَاثَةُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْفَاحِشَةِ :…199
حُكْمُهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ :…199
( تَرْكُ الِاسْتِقْبَالِ ) :…199
أَنْكِحَةُ الْأَسْرَى :…202
إكْرَاهُ الْأَسِيرِ وَالِاسْتِعَانَةُ بِهِ :…202
مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْقِطِ :…203
حَالَاتُ الِاضْطِرَارِ :…204
تَنَاوُلُ الْمُضْطَرِّ لِلْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا :…205
إظْهَارُ الْمَرْءِ غَيْرَ مَا يُبْطِنُ فِي الْعَقَائِدِ :…207
الثَّانِي - الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ :…208
( أَعْضَاءٌ ) التَّعْرِيفُ :…212
إغْلَاقٌ ) التَّعْرِيفُ :…213
إقَامَةُ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ :…214
إكْرَاهٌ التَّعْرِيفُ :…215
حُكْمُ الْإِكْرَاهِ :…217
شَرَائِطُ الْإِكْرَاهِ الشَّرِيطَةُ الْأُولَى :…217
الْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ وَالْإِكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ :…221
أَثَرُ الْإِكْرَاهِ :…222
أَثَرُ الْإِكْرَاهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ :…225
أَثَرُ الْإِكْرَاهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ :…226
أَثَرُ الْإِكْرَاهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ :…227
أَثَرُ إكْرَاهِ الصَّبِيِّ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ :…228
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَاعِدَةِ تَحَرِّي الْحَلَالِ فِي الْأَكْلِ :…229
إلْزَامٌ التَّعْرِيفُ :…229
الْأَحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ إجْمَالًا : طَاعَةُ الْأَوَامِرِ :…230
اشْتِرَاطُ الْأَمْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ :…231
أَمْثِلَةٌ مِنْ الِانْتِحَارِ بِطَرِيقِ السَّلْبِ :…231
الْإِكْرَاهُ عَلَى الِانْتِحَارِ :…233
الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ : يُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ لَفْظَ الِانْتِشَارِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ :…234
انْحِنَاءٌ التَّعْرِيفُ :…235
حُكْمُ الْإِنْكَارِ كَذِبًا :…236
ثَالِثًا - عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِي عَقِيدَتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ :…237
مَا يُنْقَضُ بِهِ عَهْدُ الذِّمَّةِ…239
عَوَارِضُ الْأَهْلِيَّةِ :…240
ثَانِيًا : الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ الَّتِي مِنْ غَيْرِ الْإِنْسَانِ نَفْسِهِ :…240
( شَرَائِطُ الْإِيلَاءِ ) :…241
ج - مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُولِي :…244
( 2 ) لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا :…246
التَّرْخِيصُ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ لِلضَّرُورَةِ :…247
الْحِنْثُ فِي الْيَمِينِ مَعْنَاهُ وَمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ :…248
شَرَائِطُ الْحِنْثِ :…250
ثَانِيًا : أَثَرُ الْبُطْلَانِ فِي الْمُعَامَلَاتِ :…254
الثَّمَنُ وَأَحْكَامُهُ وَأَحْوَالُهُ أَوَّلًا : تَعْرِيفُ الثَّمَنِ :…255
بَيْعُ التَّلْجِئَةِ التَّعْرِيفُ :…256
11 - الضَّرْبُ الثَّانِي :…257
الْبَيْعُ الْجَبْرِيُّ تَعْرِيفُهُ :…259
حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ :…260(2/364)
ج - الْبَيْعُ بِالْإِكْرَاهِ :…260
حُكْمُ بَيْعِ الْوَفَاءِ :…261
هَلْ الْبَيْعَةُ عَقْدٌ ؟ وَتَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ ؟…263
التَّجَسُّسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَرْبِ :…264
مَنْ يَمْلِكُ التَّخَارُجَ :…267
تَخْوِيفٌ التَّعْرِيفُ :…268
ب - التَّخْوِيفُ بِأَخْذِ الْمَالِ وَإِتْلَافِهِ :…268
تَرَاضٍ التَّعْرِيفُ :…269
تَرْسِيمٌ التَّعْرِيفُ :…271
13 - الْأَصْلُ أَنَّ التَّزْوِيرَ فِي الْيَمِينِ حَرَامٌ ,…271
مُخَالَفَةُ التَّسْعِيرِ…271
تَشَبُّهٌ التَّعْرِيفُ :…272
سَابِعًا : التَّعَدِّي عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا :…274
أَنْوَاعُ التَّعْذِيبِ :…275
التَّعْوِيضُ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ :…276
تَفَرُّقُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْبَيْعِ :…276
حُكْمُ الْعَمَلِ بِالتَّقِيَّةِ :…277
شُرُوطُ جَوَازِ التَّقِيَّةِ :…279
أَنْوَاعُ التَّقِيَّةِ :…282
مَا تَحِلُّ فِيهِ التَّقِيَّةُ :…282
أَكْلُ لَحْمِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِ :…282
التَّقِيَّةُ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ : 26…283
مَا يَنْبَغِي لِلْآخِذِ بِالتَّقِيَّةِ أَنْ يُرَاعِيَهُ :…283
أَسْبَابُ التَّخْفِيفِ :…285
السَّبَبُ الثَّالِثُ : الْإِكْرَاهُ :…286
جَبْرٌ التَّعْرِيفُ :…287
جَلْدٌ التَّعْرِيفُ :…287
أَسْبَابُ الْحَاجَةِ : 19…288
أَحْكَامُ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَحْبُوسِ :…288
الرُّجُوعُ عَلَى الْمَحْبُوسِ بِالْمَالِ الْمَدْفُوعِ عَنْهُ لِتَخْلِيصِهِ :…289
الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ :…289
شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَدِّ :…291
تَقْدِيمُ الْحُقُوقِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ تَيَسُّرِهِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ :…292
حِنْثُ النَّاسِي , وَالْمُكْرَهِ , وَالْجَاهِلِ…295
رِضَا الْمُحَالِ :…296
خَطَأٌ التَّعْرِيفُ :…297
مَعْنَاهُ فِي الِاصْطِلَاحِ :…297
ثَانِيًا - الْخَطَأُ فِي الْحِنْثِ :…299
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ :…300
دَارُ الْحَرْبِ التَّعْرِيفُ :…303
كَيْفِيَّةُ الْعِلْمِ بِالْمُدَّعَى بِهِ فِي دَعْوَى الْعَقْدِ :…304
الصِّيَغُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الرُّخْصَةِ :…304
أَقْسَامُ الرُّخْصَةِ :…305
الْمُكْرَهُ عَلَى الرِّدَّةِ :…309
عُيُوبُ الرِّضَا :…315
رَفْعُ الْحَرَجِ :…316
ب - الرُّخْصَةُ :…316
أَسْبَابُ رَفْعِ الْحَرَجِ :…318
أَلِغَاءُ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِأَنْوَاعٍ مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ :…318
5 - مِنْ شُرُوطِ حَدِّ الزِّنَى أَنْ يَكُونَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ مُخْتَارًا :…320
( ظُهُورُ الْحَمْلِ ) :…321
الْإِكْرَاهُ عَلَى سَبِّ اللَّهِ تَعَالَى , أَوْ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم :…321
سُخْرَةٌ ) التَّعْرِيفُ :…321
( الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ ) :…322
الشَّرْطُ الثَّانِي : الْقَصْدُ :…324
إثْبَاتُ السَّرِقَةِ :…324
شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَدِّ : يُشْتَرَطُ لِإِيجَابِ الْحَدِّ مَا يَلِي :…326
( وُجُودُ رَائِحَةِ الْخَمْرِ ) :…328
سَمَاعُ الشَّهَادَةِ :…329
الْقَتْلُ بِالسُّمِّ :…330
شِعَارٌ التَّعْرِيفُ :…331
( الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ ) :…331
مَا يَجُوزُ الِاسْتِرْعَاءُ فِيهِ :…332
7 - الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ :…334
( مُبْطِلَاتُ الصَّلَاةِ ) :…335
مُفْسِدَاتُ الصَّوْمِ :…339
خَامِسًا : عَوَارِضُ الْإِفْطَارِ :…340
سَادِسًا : الْإِكْرَاهُ :…342
مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَيُوجِبُ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ :…343
رَابِعًا : الْإِمْسَاكُ لِحُرْمَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ :…346
شُرُوطُ الصِّيغَةِ :…350
ضَرُورَةٌ التَّعْرِيفُ :…352
8 - شُرُوطُ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ : يُشْتَرَطُ لِلْأَخْذِ بِمُقْتَضَى الضَّرُورَةِ مَا يَلِي :…353
9 - حَالَاتُ الضَّرُورَةِ :…355
16 - الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ :…357
الزِّنَى تَحْتَ تَأْثِيرِ الْإِكْرَاهِ :…358
18 - الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ :…358
الْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ فِي الضَّمَانِ :…358
حُكْمُ ضَمَانِ الدَّرَكِ فِي حَالَتَيْ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ :…361
ب - ( الْمُكْرَهُ ) :…361
أَنْوَاعُ الطَّلَاقِ : 33…361
ظُلْمٌ التَّعْرِيفُ :…362
الشَّرْطُ الْخَامِسُ :…363
الشَّرْطُ السَّابِعُ :…364
الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ :…366
عَدَاوَةٌ التَّعْرِيفُ :…368
ج - الْإِكْرَاهُ :…368
الثَّالِثُ - الرِّضَا وَالِاخْتِيَارُ :…369
عُيُوبُ الرِّضَا :…370
سَادِسًا : الْعَقْدُ الصَّحِيحُ , وَالْبَاطِلُ , وَالْفَاسِدُ .…370
د - ( حَفْرُ الْبِئْرِ وَوَضْعُ الْحَجَرِ ) :…373
الصُّورَةُ السَّابِعَةُ : الْقَتْلُ بِسَبَبٍ :…373
الرُّكْنُ الثَّانِي : الْعَاقِدَانِ ( الْمُقْرِضُ وَالْمُقْتَرِضُ ) :…373
( الْقُرْعَةُ لِلسَّفَرِ ) :…375
( شُرُوطُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ ) :…377
و - أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُخْتَارًا :…378
كُرْهٌ التَّعْرِيفُ :…379
الرُّكْنُ الثَّانِي - الْكَفِيلُ :…381
كيفيّة المفارقة الّتي يلزم بها البيع :…382
ثالثاً - القيود الواردة عند انتقال الملك :…384
الزّيادة في المهر والحط منه :…385
خامساً - الإكراه على الزّنا :…387
أقسام الموقوف :…388
حرمة أكل الميتة :…389
مقدار ما يباح للمضطرّ تناوله من الميتة :…391
الباب الرابع…393
أقوال المعاصرين…393
الإكراه وحرمة الإضرار بالمسلمين…393
إن هناك أموراً يجب على المسلم معرفتها وهي :…398
- أ ولاً : يقول الله تعالى : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » [الحجرات:10]…398(2/365)
- ثانياً : وجوب تخليص المسلمين من أيدي الكفار ودفع المال لذلك ، وبذل النفس حتى لا يبقى أسرى تحت أيدي الكفار .…400
مجموع فتاوى و مقالات ابن باز - (ج 8 / ص 260)…415
الجمع بين إيجاب حد الردة وآية "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"…417
إذا كان لا إكراه في الدين، فلِمَ شرع الجهاد؟!…420
معنى لا إكراه في الدين…431
لا تعارض بين قوله تعالى (لا إكراه في الدين) وقوله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس)…432
معنى هذه الآية لا إكراه في الدين…433
لا إكراه في الدين…434
تفسير قوله تعالى لا إكراه في الدين…440
رمضان يتحدى العولمة…442
إلزام الزوجة الكتابية الحشمة بعد الإسلام…446
رابعا:تحقيق توحيد الله تعالى في الأرض وعدم الإشراك به.…449
الجواب عن شبهات الداعين إلى علمانية العاصمة القومية…466
وإذا لم يعتذر البابا..فكان ماذا ؟.…474
الأقلية حين تتحكم في الأكثرية…481
طاغوت العصر…489
لقاء ملتقى أهل الحديث…495
أحكام أهل الذمة باقية لم تنسخ…535
تلبيس مردود في قضايا حيَّة…545
أقوال العلماء في الرسالة المنسوبة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الجهاد…586
بعض أحكام الردة والمرتدين…603
هل انتشر الإسلام بالسيف؟…608
هل تجوز له الهجرة إلى أوربا إذا لم يستطع إظهار دينه في بلده ؟…613
لماذا فتح المسلمون الأندلس ؟…618
الجهاد والدعوة…626
معنى لا إكراه في الدين…628
إذا كان لا إكراه في الدين، فلِمَ شرع الجهاد؟!…629
رجل الرحمة والمحبة والسلام (1/3)…640
رجل الرحمة والمحبة والسلام (2/3)…646
رجل الرحمة والمحبة والسلام (3/3)…652
الإكراه وعقوبة الردة…660
معالم حول أوضاع غير المسلمين في الدولة الإسلامية…661
رداً على ما جاء في بيان المثقفين الأمريكان :…675
حِكْمَةُ الجهادِ في الإسلامِ…728
حرية الرأي في الإسلام…735
قوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) فهل يعني أن ألإنسان مُخيّر في اختيار الدِّين ؟…739
الشبهة الأولى : (( وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية ))…742
محمد الفاتح = شارون !!..…747
هل سيشهد العالم موت الأزهر ؟ [1]…756
الإسلام في عيون غربية منصفة - (1)…759
دراسة مسيحية : الإسلام لم ينتشر بحد السيف…762
سياسة نصرانية جديدة ؟؟؟!!!...…765
الحرب الصليبية الحذرة…771
جريمة الردّة…774
مشروع إصلاح ونهضة الأمة الإسلامية وتحرير البلاد والعباد…790
غير المسلمين في المجتمع المسلم…811
منهج المستشرق برنارد لويس في دراسة الفكر السياسي الإسلامي…855
شخصية الرسول…882
نظرات شرعية في فكر الدكتور حسن الترابي…940
الإسلام والآخر الحوار هو الحل…1015
الحوار مع أتباع الأديان (مشروعيته وآدابه)…1115
حلية الطبيب المسلم…1176
حراسة النفس…1256
الإسلام بين كينز وماركس وحقوق الإنسان في الإسلام…1346
التربية الذاتية من الكتاب والسنة…1484
عجز العقل العلماني…1600
شبهات النصارى حول الإسلام…1602
سياسة التطهير الطائفي في جنوب العراق…1804(2/366)
عجز العقل العلماني
يد الدويهيس
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد : فهذا الكتاب عبارة عن رحلة للبحث عن الحقائق في عالم المبادئ ، رحلة تبحث أين الحق والصواب ؟ وأين الباطل والخطأ ؟ وما هو العلم وما هو الجهل ؟ وسنتطرق فيه للعقل والفلسفة والدين والواقع والتاريخ ، وسنتحدث عن العلمانية والإسلام والرأسمالية والشيوعية وأصول العقائد والمبادئ ، وما هو نصيبها من الحقائق والأوهام والظنون ؟ وحاولت أن نخرج جميعاً من أي انحياز لبيئة أو انفعال أو ظن همنا هو الوصول للعلم والنور ...
أعطيت العلمانية حقها كاملاً بأن تدافع عن نفسها واستشهدت بما قاله أهلها ، وسرت معها حتى آخر الطريق وشرحت وجهة النظر الإسلامية بصورة موضوعية بعيداً عن تطرف المتطرفين ، وتساهل المفرطين .
هذا الكتاب عبارة عن عمليات جراحية في الأسس والأصول التي تنطلق منها المبادئ الرئيسية التي نعرفها من دينية وغير دينية هذه المبادئ التي تحدد لنا العقائد والنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتحدد لنا معاني العدل والحرية وحقوق الإنسان ، أي : ما هي المبادئ الصحيحة وما هي الخاطئة ؟ والمبادئ الصحيحة أي الحقائق الفكرية هي الأساس في بناء الفرد والأسرة والشعب والدولة . والتطرق إلى موضوع بهذه الأهمية يتطلب الشرح والتفصيل والإثباتات والصبر ، ويتطلب القراءة العميقة المتأنية ، والقدرة على الربط بين الأفكار المختلفة ، وقد حاولت قدر المستطاع أن أكتب هذا الموضوع بطريقة علمية ومنطقية ، وأعطي كل موضوع حقه ، وأتمنى ألا يستعجل البعض في إطلاق أي اتهامات أو نقد فقد تم إعداد الكتاب بعد الرجوع إلى مراجع كثيرة ومتنوعة ، وبعد حصيلة كبيرة امتدت لسنين طويلة من القراءة والمعايشة والحوار في علوم كثيرة فكرية ومادية ، وأحمد الله سبحانه وتعالى الذي أنعم علي من خلال تعليمي وعملي وقراءاتي وعلاقاتي أن أتعامل مع أنواع مختلفة من العلوم كالكيمياء والأحياء والبحث العلمي والإدارة والإسلام والفلسفة والعلمانية والرأسمالية والاشتراكية ، واستفدت من كل ما تعلمت في وضع النقاط على الحروف في الوصول للحقائق الفكرية .
أسئلة كثيرة يجب عليها هذا الكتاب منها ما هي أنواع العلم ؟ وهل العلمانية هي الطريق إلى الحقائق ؟ وما هي العلاقة بين العلمانية والفلسفة ؟ وما هو الأسلوب الصحيح في الوصول للحقائق بنوعيها المادي والفكري ؟ وما هي العلاقة بين الإسلام والعقل ؟ وما هو العدل ؟ وما هي الحرية ؟ وهذه الأسئلة وغيرها تستحق أن نقف عندها ونتعمق فيها إذا كنا نريد أن نبني حياتنا على أسس علمية وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا لما يحبه ويرضاه ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطل ويرزقنا اجتنابه ، وفي الختام أجد من واجبي أن أشكر كل من ساعدني في إنجاز هذا الكتاب ، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيهم خير الجزاء ، وأن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم ، وأسال كل من انتفع بشيء منه أن يدعو لي ولوالدي وللمسلمين أجمعين .
عيد بطاح الدويهيس
الكويت في 2 جمادى الأولى 1420هـ
13 أغسطس 1999م
العلم الفكري والعلم المادي
من أهم القضايا التي ستساهم بإذن الله في وصولنا إلى الحقائق هو تقسيمها إلى قسمين رئيسين ( هناك أقسام أخرى فرعية سنتطرق إليها لاحقاً ) ، وهما الحقائق الفكرية ، والحقائق المادية ، ولنسميها ، العلم الفكري والعلم المادي وعكسها الجهل الفكري المادي .
فالعلم الفكري هو الذي يبحث عن الحقائق في مجال العقائد والقضايا السياسية والحياة الاجتماعية ، والحياة الاقتصادية أي هل الحق مع العقائد الدينية أو مع اللادينية ( العلمانية ) وهل نطبق في الاقتصاد والسياسة والحياة الاجتماعية النظام الرأسمالي أم الشيوعي أم الإسلامي ؟ وما هو التعريف الصحيح للحرية أو العدل ؟ وهل أصاب أو أخطأ هذا الفيلسوف أو ذاك في قوله ؟ وما هو موقفنا من الديمقراطية أو فصل الدين عن الدولة أو من الأحزاب السياسية ؟ وما هي مناهج الإصلاح الصحيحة ؟ وما هي الأسس الصحيحة للعلاقة الزوجية ؟ وكيف نربي أبناءنا ؟ وما هو الموقف الصحيح من الانتماءات العرقية ، ما في هذا العالم من عقائد أو أفكار وأنظمة وحكومات ؟ ومن هي قوى الخير والنور ؟ ومن هي قوى الشر والظلام ؟ ومن هو التقدمي ؟ ومن هو الرجعي ؟ ومن هو العالم ؟ ومن هو الجاهل ؟ فالعلم الفكري هو المبادئ والعقائد الصحيحة ، والجهل الفكري هو المبادئ والعقائد الخاطئة ، أما الحقائق المادية أي العلم المادي فهو الذي يتعلق بالأمور المادية مثل الكيمياء والفيزياء وعلم البحار والأحياء والطب والهندسة والحاسب الآلي والرياضيات والزراعة والتكنولوجيا والصناعة ... الخ وسنحاول أن نفرق في النقاط التالية بين العلم الفكري والعلم المادي :(3/1)
1- الوصول إلى الحقائق المادية يتم من خلال التجربة والمشاهدة والاستنتاج ، أما الوصول للحقائق الفكرية فهو من خلال الأدلة الفكرية ، ففي العلم المادي يمكن من خلال مشاهدة تجربة غليان الماء عند 100 درجة مئوية في الظروف العادية أن نعتبر غليان الماء عند هذه الدرجة حقيقة مادية ، أما بالنسبة للعلم الفكري فلا يمكن أن نحكم على صواب أو خطأ فكرة مثل هل لهذا الكون خالق من خلال تجربة ومشاهدة واستنتاج ، كما أن معرفة أي الأنظمة الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية المناسبة لحياة البشر لا يمكن الوصول فيها إلى حقائق حاسمة من خلال التجربة والمشاهدة والاستنتاج : وذلك لأن الإنسان لا يتصرف كما يتصرف الماء ( المادة ) : فبعض البشر يطغى ويتكبر إذا حصل على الماء الكثير ، وبعضهم يتواضع ، وبعضهم كريم ، وبعضهم بخيل ، وبعضهم يحسن لمن أحسن إليه ، وبعضهم يقابل الإحسان بالإساءة ، فلا يمكن أن نستنتج حقائق فكرية ، فالنتائج متناقضة في حين أن كل ما يغلي عند 100 درجة مئوية في الظروف العادية ، كما أننا حتى لو أخضعنا شعبا لتجارب فكرية بأن نجعله يطبق الرأسمالية لخمس سنوات ، ثم الإسلام ثم الشيوعية : ونكتب مشاهداتنا واستنتاجاتنا فإن ذلك لن يوصلنا إلى حقائق فكرية لأن التصرفات ستكون متناقضة ومختلفة فهناك عوامل كثيرة ستؤثر في هذه التجارب مثل : نوعية الشعب ، والظروف المحيطة ومن هم لجنة التحكيم ؟ وهل تصرف الناس بإخلاص أو أظهروا خلاف ما نشاهد منهم وغير ذلك قال الأستاذ العقاد : " أما العلوم الطبيعية " المادية " نفسها فليس من شأنها أن تخول أصحابها حق القول الفصل في المباحث الإلهية والمسائل الأبدية ، لأنها : من جهة مقصورة على ما يقبل المشاهدة والتجربة والتسجيل ، ومن جهة أخرى مقصورة على نوع واحد من الموجودات " (1)
2- لا يختلف البشر حول الحقائق المادية في الطب والزراعة والكيمياء والهندسة ، فالجامعات والمدارس في الولايات المتحدة الأمريكية الرأسمالية ، وفي روسيا الشيوعية ، وفي الدول الإسلامية تدرس الحقائق المادية ، وهي متفقة عليها ، فعلماء الفيزياء على سبيل المثال متفقون على ما يعتبر حقائق مادية في علم الفيزياء ، وأثبتوا ذلك من خلال التجربة والمشاهدة والاستنتاج ، في حين أن الاختلافات الفكرية بين المتخصصين في العلوم الفكرية كبيرة ولا يوجد حولها اتفاق فكري عالمي ، أو حتى محلي ، فهناك من يقول عن الرأسمالية أنها حق وصواب وهناك من يقول عنها باطل وخطأ وكذلك الأمر بالنسبة للإسلام والشيوعية والبوذية والهندوسية والنازية والعلمانية والتصوف والإلحاد ... الخ فالعالم كان ولا زال مختلفاً أشد الخلاف فيما هو حقائق فكرية ، بل لم يتفق البشر حتى يومنا هذا على صواب نظام اقتصادي أو اجتماعي ، بل حتى لم يتفقوا على تعريف واحد للحرية ، أو للعدل ، مع أننا نعيش في آخر القرن العشرين : ولدينا آلاف الجامعات والمفكرين قال د. ألكسيس كاري: " إن كلا من الملحد والروحاني يتفقان على تحليل قطعة صوديوم كلورايد ( الملح ) ، ولكن شتان بين رأييهما حول الذات الإنسانية " (2)
3- حقق العلم المادي قفزات هائلة في مختلف فروعه ، فالطب اليوم متقدم بمئات المرات عن الطب قبل قرنين ، وتكنولوجيا الاتصالات حققت قفزات هائلة ، وعرفنا حقائق مادية كثيرة عن علم الكيمياء .. الخ ، ويتم تطوير المناهج التي تدرس هذه العلوم بسرعة كبيرة حتى تواكب الاختراعات والاكتشافات الجديدة ، ولا نجد في العلم المادي من يقول اليوم من علماء المادة أن الأرض ليست كروية ، أو أن الذرة أصغر مكون للمادة ، في حين أن العلم الفكري لا زال يناقش القضايا التي كان يناقشها منذ آلاف السنين حول وجود الله سبحانه وتعالى ، وصحة الأديان ، وأصلح الأنظمة لحياة الإنسان ، ومعاني العدل والحرية ، وأسس الأمن الوطني ، وحقوق المرأة ... إلخ فالشيوعية والعنصرية والطبقية والأديان السماوية .. الخ عقائد تتصارع منذ آلاف السنين ، ولا زالت تتصارع حتى يومنا هذا ، وهذا يعني أن العقل البشري لم يصل في العلم الفكري إلى تقدم وقفزات فكرية قال آلان ريكاردسون في محاضرته " حقائق الدين في عصر العلم " هذا لأن وجودنا الإنساني الأساسي لم يتبدل ، فما يجعلنا أناساً ، أي كائنات تتحد علاقتها مع الله ومع الآخرين ، هو نفسه ما كان أيام قدامى المسرحيين والأنبياء والفلاسفة لذلك يستطيع المسرحيون والأنبياء والشعراء أن يخبرونا عن وجودنا الإنساني الأساسي ما يخبرنا إياه المحدثون " (1)
وقال الأستاذ هنترميد " وهكذا فإن المبتدئين ، سواء كانوا من الواثقين أم من غير الواثقين بأنفسهم ، يكتشفون عادة أنهم ليسوا وحيدين في تفكيرهم ، إذ أنهم سرعان ما يعلمون أنه لا جديد – إلا القليل جداً – تحت شمس الفلسفة ولابد أن تمر بالمرء لحظة هائلة ، قد تملكه فيها فحرة طاغية ، أو خيبة أمل عميقة عندما يكتشف أنه شريك في الفكر لأفلاطون ، أوبار كلي ، أواسبينيوزا " (2)
وقال الأستاذ أديب صعب " يخطئ من يظن أن الفلسفة القديمة كانت علما بدائيا يفتقر إلى التجربة الدقيقة " (3)(3/2)
وعموماً فالفلاسفة والمفكرون وعلماء الإسلام والأديان السماوية لم يكونوا يعيشون في أبراج عاجية منعزلين عن العالم والواقع ، بل قرأوا ودرسوا وتأملوا وفكروا وحللوا وكتبوا ، فالنقاش الفكري الراقي موجود والموضوعات التي تم مناقشتها هي نفسها المواضيع الحالية المتعلقة بالكون والحياة والإنسان ولكن لم يتم الاتفاق على حقائق فكرية معينة بينهم ، وهذا وضع سيستمر وللأبد ، ولكن من يريد أن يصل للحقائق الفكرية بصدق وإخلاص ويسلك الطريق المؤدي إليها سيهديه الله سبحانه وتعالى ، ووجود تناقضات فكرية لا يعارض تحقيق تقدم فكري جزئي في فترات مختلفة من التاريخ القديم والحديث لمفكرين أو دول ، كالاقتناع بالمساواة والعدل والمشاركة الشعبية في الحكم والمقصود هنا أن الحيرة والتناقض هو في الأغلبية الساحقة من القضايا الفكرية ، وهي مشكلة إنسانية قديمة وحديثة .
4- تسعى الدول لاكتساب الحقائق المادية ، والتعرف عليها بشتى الوسائل : من تعليم وتدريب وتجسس لمالها من تأثيرات تكنولوجية واقتصادية في حين أن أغلبها تحارب بشتى الوسائل الآراء الفكرية لأعدائها كما حصل بين الدول الرأسمالية والدول الشيوعية ، فلا تعتبر الدول الآراء الفكرية للأعداء وللآخرين " حقائق فكرية " تحتاجها للرقي والحضارة ، بل تعتبرها " أخطاء وأوهام فكرية " يجب محاربتها ، وهذا يفسر لنا لماذا أصبح المفكرون الشيوعيون منبوذين من الحكم الروسي الجديد بعد سقوط الشيوعية ، في حين أن علماء الفيزياء والطب وغيرهم من العلوم المادية سيبقى لهم مكان في روسيا للحاجة إليهم في الصناعة والزراعة والمستشفيات .
5- من الصعب أو المستحيل أن يتكلم في علم الكيمياء أو الرياضيات أو الطب من لم يدرسه ومن لم يلتزم بحقائقه ، ولو فعل أحدهم ذلك لقال عنه علماء هذا العلم بأنه جاهل . في حين أن الكثيرين يتكلمون في العلم الفكري سواء كانوا فلاسفة أو سياسيين أو مفكرين أو متخصصين في الدراسات الدينية ، بل بعضهم يعتبرون أنفسهم علماء فيه ، فالملحد يعتبر نفسه مثقفاً وواعياً ، وكذلك المسلم والمسيحي وغيرهم وبإمكان الإنسان العادي أن يتكلم في العلم الفكري ويكتب وينتفد ويشرح ويفتي ويحدد الصواب من الخطأ في عقائد وأحكام وأنظمة وأفكار ، فمن الصعب أن يدخل أحد في العلوم المادية إن لم يكن ذا علم فيها حيث سيجد جبهة من العلماء يرفضونه في حين أن الدخول في العلوم الفكرية سهل لأن علماء هذا العلم مختلفين ومتناقضين ولا توجد عندهم حقائق فكرية متفق عليها ، أو حتى قواعد عامة .
فوائد تقسيم العلم إلى فكري ومادي :
1- ما نريد أن نصل إليه في هذا الكتاب هو الحقائق الفكرية ، أي العلم الفكري لأن هناك اتفاق بشري حول الحقائق المادية أي العلم المادي ، فحقائقه معروفة ولا اختلاف حولها وعلماؤه متفقون والنجاحات التي يحققها في شتى المجالات معروفة للجميع .
2- تقسيم العلم إلى نوعين فكري ومادي ، أي حقائق فكرية وحقائق مادية هو ابتعاد عن أغلب التقسيمات التي نجدها في الكتب ، والتي أرى أن أغلبها ساهم في خلط الأوراق وضياع الحقائق الفكرية من أول الطريق ، حيث ناقش الموضوع من خلال عناوين مثل الفلسفة والدين أو العقل والدين أو الدين والعلم أو العلوم الدينوية والعلوم الآخروية أو الأمور الحسية والأمور التغيبية أو أهل الكنيسة وأهل العلم أو قضايا الإيمان وقضايا العقل أو العلم والإيمان ... الخ في حين أنني ناقشت الموضوع من حيث ما هي الحقائق الفكرية أي العلم الفكري وكيف نصل إليه فالقضية هي ما هو العلم " الحقائق الفكرية " وما هو الجهل " الأوهام والظنون الخاطئة " وأي تصنيف غير ذلك سيؤدي إلى الضياع والحيرة فالحقيقة هي المقبولة سواء كانت دنيوية أو غيبية أو عقلية أو فلسفية ... الخ وما هو ليس بحقيقة ليس مقبولاً .
3- لا شك أن العقل هو وسيلتنا للوصول للحقائق الفكرية ، فلا يتم قبول شيء بدون دليل عقلي واضح ، وسنضع كل المبادئ الرئيسة في ميزان عقلي عادل وموضوعي ، وسنقارن في أصولها وجذورها وحقها من الأدلة العقلية ، ويكون بحثنا في الأساس نظرياً حتى نبتعد عن التطبيقات الصحيحة أو الخاطئة في الواقع البشري لأي فكر ، وسنبتعد عن التأثر بالقوة فالميزان هو العقل ، وليس ما تقوله دولة عظمى أو صغرى ، وسنبتعد كذلك عن التأثير بالبيئات وبالمعلومات الخاطئة والتجارب الشخصية ، فسنأخذ ما يقول أهل المبادئ عن مبادئهم لا ما يقوله خصومهم ، وسنبتعد عن الماضي والتاريخ وإذا نجحنا إن شاء الله في ذلك سنكون ابتعدنا كثيراً عن ظنون وشبهات ومعلومات خاطئة تؤدي إلى الضياع .(3/3)
4- تقسيم الحقائق إلى مادية وفكرية ، والعلم إلى علم مادي وعلم فكري من شأنه أن يسهل علينا الاقتناع بان التطور في مجال العلم المادي لا يعني بالضرورة التقدم في العلم الفكري ، فالبعض يربط بين الموضوعين ، وهذا يعني أن تقدم الدول الغربية في العلوم المادية لا يعني أنها بالضرورة متقدمة في العلوم الفكرية ، فقد تكون كذلك أولا ، وهذا يفسر أيضاً التقدم المادي التكنولوجي الأمريكي والياباني مع اختلافاتهما الفكرية الكبيرة ، كما أن العكس صحيح أيضاً ، وقد نجد دولاً متخلفة في المجالين معا ، كما أن الاختلاف بين العلم المادي والعلم الفكري يجعلنا نفهم أن معارضة بعض علماء الدين المسيحيين أو المسلمين أو غيرهم لحقائق مادية هو في أساسه تدخل في مجال غير مجالهم ، وهناك استثناءات سنتكلم عنها إن شاء الله تعالى في موضوع آخر ، كما أن تكلم أهل العلم المادي وخاصة العلماء منهم في القضايا الفكرية هو تكلم في مجال غير مجالهم ، كما أن استخدام الأساليب والمفاهيم والتجارب العلمية المادية في مجال العلم الفكري خطأ فادح ، وخلط للأوراق أدى إلى ضياع الحقائق الفكرية أو تشويهها .
5- من الأمور الهامة في بيان الحقائق الفكرية الاقتناع بأن هناك تشابه جزئي بين كثير من العقائد والأيدلوجيات ، فليس كل ما تقوله الشيوعية أو الرأسمالية خطأ ، بل هناك خطأ وصواب ، فمثلاً ليس الاختلاف بين النظام الإسلامي والدول الغربية هو في الديمقراطية وحقوق الإنسان وإنصاف المرأة ومبدأ الملكية الفردية أو المفاهيم الاقتصادية المتعلقة بدور القطاع الخاص والعرض والطلب وحرية التجارة والعمل والاستثمار أو السياسات الاقتصادية .. الخ بل الاختلاف هو مع العلمانية ، والهدف من الحياة والمفاهيم الصحيحة للحرية الشخصية ، وتحريم الزنا والخمر والربا ... الخ والذي يمكن اختصاره بكلمات قليلة في هل نختار توحيد الله سبحانه وتعالى وطاعته وشريعته ؟ أم نرفض ذلك ، أي هو اختلاف حول الحقائق الفكرية الكبرى ، ومثل هذا يقال أيضاً للاشتراكيين فنحن لا نختلف معهم حول أنصاف العمال والفقراء ومحاربة التبذير والإسراف والتعصب العرقي ، وهذا التشابه الفكري يجعلنا نقول بأن بعض المبادئ العلمانية حققت نجاحات جزئية ، وهذا لا يتعارض مع وجود جهل فكري كبير ، وفشل عريض في الجانب الأكثر منها ، فالمشكلة ليست فيما نتفق عليه بل في ما نختلف عليه ، لأنه منبع الشر والصراع في الأرض ، ونريد أن نعرف بأسلوب علمي ونقاش موضوعي من هو على حق ؟ ومن هو على باطل ؟ لأنه إذا كان من يعرف الحقائق المادية قادر على بناء مصانع ناجحة فإن من يعرف الحقائق الفكرية قادر إذا طبقها على بناء الفرد والأسرة والمجتمع والدولة على أسس من العدل والحرية والسعادة .
6- بداية نحن أمام احتمالين أما أن تكون هناك حقائق فكرية أو لا توجد حقائق فكرية فإذا عجز العقل البشري عن الوصول للحقائق الفكرية ، فليس من حق أحد أن يقول إن مبادئي صحيحة ومبادئ الآخرين خاطئة لأنه لا توجد حقائق " علم فكري " ، أما إذا كانت هناك حقائق فكرية وصلنا إليها بعقولنا فإن هذه الحقائق هي النور والصواب والحكمة ويجب أن نستخدمها في حياتنا الفكرية بكافة جوانبها العقائدية والسياسية والشخصية ... الخ . فعلينا أن نقدسها وندافع عنها ولا نرفضها نتيجة أهواء أو شهوات أو تقاليد خاطئة أو اتباع للأباء والأجداد أو لمصالح أو لآراء شخصية أو تصويت شعبي أو قانوني أو رغبة حكومية ، فالحقائق تبقى حقائق حتى لو أنكرناها قال الأستاذ يوسف أبو الهيجاء " الحقيقة حقيقة سواء صدقت أنت بها أم لم تصدق إنها حقيقة ولو لم يصدقها أي عقل . الحقيقة حقيقة لأنها حقيقة ، وليس حقيقة لأن هناك عقل أو عقول صدقت بها الحقيقة باقية خالدة ولم لم يكن ثمة عقل " (1) ومن صفات الحقيقة أنها فوق السلطات والأهواء والآراء والشهوات يربح ويسعد من يؤمن بها ويخسر ويشقى من يتجاهلها أو يرفضها باختصار الحقائق الفكرية لها نفس الحصانة العلمية للحقائق المادية ، فالحقيقة الفكرية لا تتغير مع الزمن ، وهي قوة عظمى دائمة .
7- إذا كنا في مجال الحقائق المادية نستخدم عقولنا ونطبق التجربة والمشاهدة ، الاستنتاج ، وما نصل إليه من حقائق نقبله بغض النظر عن آرائنا السابقة ، وتوقعاتنا وظنوننا فوصولنا إلى حقيقة أن الماء يغلي عند 100 درجة مئوية تجعل أي كلام غير هذا باطل ، ومرفوض ، فإن هذا هو المطلوب في الحقائق الفكرية نقول هذا لأننا نعلم أن هناك قناعات سابقة عند الكثيرين ، ونعلم أن هناك شبهات ومعلومات خاطئة نتوقع أن ترفض حتى ما يثبت العقل صوابه ، فالبعض قد يصل إلى الحقائق الفكرية أو بعضها ، ثم يقول لا أقبل هذا . هذا تطرف ، هذا جمود ، هذا ظلم في حين أن الصحيح أننا لن نستطيع أن نحدد أهذا تطرف أم عدل أم ظلم قبل أن نعرف أولاً ما هي الحقائق الفكرية ؟ فالظلم هو أن تنحرف أو ترفض هذه الحقائق والعدل هو أن تطبقها وقبل أن نجمع الحقائق الفكرية في مجال الحرية لن نستطيع تعريفها تعريفاً صحيحاً ، فالطريق الصحيح هو أن عقولنا هي التي ستوصلنا بإذن الله تعالى إلى الحقائق ، وأن وصولنا للحقائق هو الذي سيحدد لنا الحرية الصحيحة ، والعدل الصحيح والعقائد الصحيحة ، ومن الأخطاء الكبرى في هذا الموضوع هو أن أدافع عن الحرية قبل أن أعرف ما هي الحقائق الفكرية لأن الحرية هنا تصبح إما هدف عام لا اختلاف بين البشر عليه ، أو مفاهيم كثيرة جداً متناقضة حسب ما لدى البشر من عقائد ، أي اعتقادات أن لديهم حقائق فكرية فالحقائق الفكرية هي التي تحدد معنى الحرية وليست الحرية هي التي تحدد لنا ما هي الحقائق ؟(3/4)
8- يمكن تعريف المجتمع الراقي بأنه هو الذي يعرف ويطبق أكبر قدر من الحقائق الفكرية ، والحقائق المادية ، وأن الفرد الراقي هو الذي تسلح بسلاح العلم الفكري ، وسلاح العلم المادي ، فكلاهما له ثمرات طيبة يحتاجها الإنسان ، بل نرى أن الأولوية يجب أن تعطي للعلم الفكري لأنه مفتاح العدل والحرية والسعادة الأسرية والأخلاق الرفيعة والفاء والتضحية والتواضع والتعاون والحب .. الخ وهذه الأمور لها علاقة بكل إنسان وعائلة وقبيلة وحزب وشعب وأمة ودولة ، فالعم الفكري هو العمود الفقري لعقل الإنسان وعواطفه وسلوكه وعلاقاته ، فالجهل به سيؤدي إلى التعاسة والقلق والمشاكل والصراع .. الخ بحسب حجم الجهل ونوعه في حين أن أهمية العلم المادي أقل من ذلك ، ويكفيك منه مهنة كأن تكون طبيباً أو مدرساً أو عاملاً وقد تعيش طول عمرك وأنت لا تعرف أساسيات الكيمياء أو الزراعة أو الحاسب الآلي بل من يملك المال قد لا يحتاجه حتى لو تمتع بثمراته أما العلم الفكري فلا نستطيع الاستغناء عنه : أو الاكتفاء بأجزاء منه ، قال الأستاذ يوسف أبو الهيجاء : " امتلاك الحقائق اللامادية أهم بكثير من امتلاك الحقائق المادية ، وإن خالطك شك فيما أقول فقارن بين هاتين الثمرتين امتلاك السيارة ، والشفاء من القلق ، أيهما أعظم وأهم ؟ ثمرة الحقائق المادية السيارة والراديو والتلفزيون ... وثمرة الحقائق الروحية الخلاص من القلق الذي هو مفتاح السعادة ، إن لم يكن هو السعادة بعينها " (1)
9- يقصد بالفلسفة : إيثار الحكمة ، أي البحث عن الحقائق بشكل عام سواء كانت مادية ، أو فكرية ، وأصبحت مع مرور الوقت متخصصة أكثر في القضايا الفكرية ، فالفلسفة والأديان والعلمانية والرأسمالية والشيوعية .. الخ هي جميعاً تبحث عن الحق والصواب في المجال الفكري ، أي تبحث عن الحقائق الفكرية ، ووجود التناقضات الكبيرة بين هذه المبادئ وغيرها أدى إلى اختلافات وصراعات فكرية وسياسية وعسكرية واقتصادية ، فألفت الكتب الكثيرة التي تنتقد وتمدح ، وأقيمت المؤتمرات والندوات ، وأنشئت المؤسسات والجامعات والمدارس ، ومن يقرأ في كتب الفلاسفة والعلمانية وعلماء الأديان وغيرهم سيجد أن البشرية بحاجة ماسة ، لأن تضع الجهود الكبيرة ، وتسلط كثيراً من الأضواء على هذا الموضوع ، وتفكر بعقل صحيح وبموضوعية لا نريد مناقشات بيزنطية ولا جدل ، ولا مؤتمرات للدعاية الفكرية والسياسية ، ولا نريد " صراعاً " فكرياً بل نريد أن يجتمع بعض المخلصين الواعين بهدف البحث عن الحقائق الفكرية لخدمة البشر نريد أن نتحاور وندرس ونفكر ونناقش من أجل الوصول للحقائق ، وليس لأي هدف آخر نريد أن نخرج من تعصب وتقليد ومعلومات خاطئة وبيئات تربوية عشنا بها ، وتضليل إعلامي ، وغش علمي نعم ستبقى أغلب هذه المبادئ فهناك جهل وتعصب ومصالح وضياع وستبقى الاختلافات والصراعات ، ولكن نريد أن يكون المخلصون في خندق الحق والحقائق والصواب والخير لا في خندق لا أدري أو عقيدة ضالة أو ضائعة فكل الخنادق الأخرى هي خنادق الباطل والخطأ والشر .
10- علم الواقع : هناك حقائق أخرى يمكن أن نسميها " علم الواقع " وهي تتعلق بالإجابة عن أسئلة مثل ما هي أسباب ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمع ما ؟ وما هي العقائد الفعلية لجماعة أو حزب أو شعب ؟ وما الذي حدث في اليابان في القرن التاسع عشر ؟ وما هي حقائق الأوضاع الاقتصادية في الهند ؟ وما هي خلفيات هذا القرار أو الموقف ؟ ومن يتآمر على من ؟ ومن يملك أسلحة نووية ؟ وهناك اختلافات بين البشر في درجة معرفتهم بهذه الحقائق ، وهناك تناقضات كبيرة بينهم ، وحلها يتطلب جمع المعلومات الصحيحة ، وتحليلها كما يحدث في حل الغموض الذي يحدث في الجرائم ومعرفة هذه الحقائق أو بعضها ضروري ، ولكنها ليست موضوعنا في هذا الكتاب ، ومعرفة هذه الحقائق ذات أهمية خاصة في علم التاريخ وعلم السياسة وعلم الاقتصاد وأجزاء من علم الاجتماع وغير ذلك ، كما أن هناك علوم مثل الإدارة والتجارة والإعلام والموسيقى والشعر والأدب واللغات وغير ذلك ، وهي علوم وضع البشر لها أصولاً وقواعد وهي أيضاً ليست موضوعنا .
11- من الأمور الهامة جداً أن نعرف ما هو العلم ؟ وما هو الجهل ؟ فالعلم هو الحقيقة والحق والصواب والشيء الصحيح ، فعندما نقول في العلم المادي أن الماء يتكون من الهيدروجين والأوكسجين ، فإن هذه حقيقة مادية أي علم ، ومن يعرفها يكون عنده جزء من العلم المادي ، والحقائق المادية كثيرة جداً ، وكلما زاد الإنسان معرفة بها أصبح عنده علم ، وقد يتميز به حتى يصبح عالماً ، أما من يجهل هذه الحقائق المادية فعنده جهل بها ، وإذا كان لا يدري مما يتكون الماء ، ولا يعرف حقائق مادية كثيرة ، فهو جاهل بالعلم المادي ، وكذلك يعتبر جاهلاً من يعطي إجابات خاطئة على الأسئلة المادية ، وهذا ينطبق أيضاً على العلم الفكري ، فمن لديه حقائق فكرية لديه علم ، والحقائق الفكرية هي الإجابات الصحيحة على الأسئلة الفكرية ، أما ما يعطي إجابات خاطئة ، أو لا يدري ، فعنده جهل ، وهو جاهل إذا كان لا يعرف الإجابات الصحيحة على الأسئلة الهامة في العلم الفكري ، وقد يكون الإنسان مثقفاً لا يعرف أيها المنهج الصحيح ، أو ما هي الإجابة الصحيحة على سؤال فكري مع معرفته بإجابات مختلف الأطراف ، فهذا عنده ثقافة ، وليس علم ، فهو مثقف ولكنه جاهل ، وهذا يعني عندنا أربع مستويات في دائرة الفكر : أولها وأفضلها علم وثقافة وثانيها علم بلا ثقافة ، وثالثها ثقافة بلا علم ، ورابعها لا علم ولا ثقافة .
أنواع العلم(3/5)
تعريف العلم : هو الحقائق المادية والفكرية والواقعية ، وهذه أمور ثابتة لا تتغير مع الزمن ، وهي معلومات يقينية ليست ظنية ولا اجتهادية ولا افتراضية ، والوصول لها يتم من خلال أساليب علمية محددة ، والعلم هو إعطاء إجابات صحيحة على الأسئلة المطروحة ذات العلاقة .
تعريف الجهل : هو الظن والضياع ولا أدري ولا أعلم سواء في المجالات المادية أو الفكرية أو الواقعية ، وهو عدم معرفة الجواب الصحيح على الأسئلة المطروحة ، أو إعطاء إجابات خاطئة نابعة من آراء شخصية لم يتم الوصول لها بناء على أدلة يقينية .
أنواع العلم
الموضوع…العلم المادي …العلم الفكري …علم الواقع …علوم الإدارة
والإعلام واللغات والموسيقى ... الخ
مجال الاختصاص …الحقائق المادية …الحقائق العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية …حقائق عن الواقع الحديث والقديم للشعوب سواء كانت عقائدية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو تكنولوجية …مبادئ وأصول وضعها البشر في مجالات معينة للوصول لأغراض محددة
أمثلة من الأسئلة التي يتعامل معها العلم …ما هي درجة غليان الماء ؟
ما هي الخواص الطبيعية لمادة الحديد ؟
ما هي العوامل المؤثرة في زراعة …هل لهذه الكون خالق ؟
هل يوجد أنبياء ؟ هل الإسلام مبدأ صحيح ؟
هل العلمانية مبدأ …ما هي أسباب ارتفاع نسبة الطلاق ؟
ما الذي حدث في اليابان في القرن التاسع …ما هي قواعد اللغة الألمانية ؟
ما الفرق بين الخطط القصيرة والطويلة ؟
ما هي الآلات
القمح ؟
كيف نجري عملية جراحية ناجحة في القلب ؟
كم عدد النجوم في مجرة فلكية محددة ؟ …صحيح ؟
هل الربا خير أم شر ؟ ما هي الحرية ؟
ما هي حقوق المرأة ؟
كيف نري أطفالنا تربية صحيحة ؟ …عشر ؟
ما حقيقة الأوضاع الاقتصادية في الهند ؟ من يتآمر على من ؟ ما هي خلفيات هذا القرار ؟ …الموسيقية
الشرقية ؟
ما هي مبادئ الإدارة ؟
كيف نحقق نجاحاً إعلامياً ؟
المجالات والعلوم ذات العلاقة …الكيمياء ، الفيزياء ، الطب ، الفلك ، الزراعة ، الهندسة ، الحاسب الآلي ... الخ …الأديان السماوية وغير السماوية ، الفلسفة ، العلمانية ، الشيوعية ، الرأسمالية ، الوجودية ، النازية الاشتراكية .. الخ …التاريخ ، الواقع الاقتصادي ، الإحصاء ، أجزاء من علم السياسة ، أجزاء من علم الاجتماع .. الخ …الإدارة ، اللغات ، الإعلام ، الموسيقى ، الشعر ، الأدب ، المسرح ، التخطيط
الثمرات والفوائد المرجوة …من يعرف الإجابات الصحيحة أو كثيراً منها يكن عنده علم مادي وتقدم تكنولوجي ومن …من يعرف الإجابات الصحيحة يكن لديه علم فكري ومن يجهلها يكن لديه جهل …من يعرف الإجابات الصحيحة يكون قادراً على التعامل مع الناس والأحداث والدول …معرفة الإجابات الصحيحة أحياناً تكون ضرورية كما في علم الإدارة وأحياناً لا فائدة منها كما يجهلها يكون متخلفاً مادياً وتكنولوجياً ، والتطور المادي يؤدي إلى تحقيق تقدم مادي وتكنولوجي ، أي بناء الأجهزة والسيارات والطرق والمباني وإنتاج الغذاء والدواء .. الخ …وتخلف فكري فالتطور الفكري يؤدي إلى تحقيق تقدم عقائدي واقتصادي واجتماعي وسياسي وأخلاقي ، أي بناء الأفراد والأسر والمجتمع على أسس صحيحة ... الخ …بصورة أفضل ، والتطور في هذا المجال يؤدي إلى تحقيق تقدم في اتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة وتطوير عملية الاجتهاد المادي والفكري …في الموسيقى ، والتطور في هذا المجال يؤدي إلى تحقيق تقدم إداري وتقدم في الاتصالات ، والإعلام ، هذا بالنسبة للعلوم النافعة منها فقط ،
الطريق إلى الوصول للعلم …التجربة والمشاهدة والاستنتاج …الدليل الفكري ( العقلي )…جمع المعلومات الصحيحة من الشهود والكتب والجرائد وتحليلها ومشاورة المتخصصين والخبراء …دراسة العلم على أيدي المتخصصين فيه
هل هناك اختلافات ؟ …الحقائق المادية واضحة ولا يوجد اختلاف بين البشر حولها ، ويوجد اتفاق على أسلوب الوصول إليها الاختلافات حول ما هي الحقائق الفكرية جذري وكبير ، وهناك اتهامات بالجهل والباطل والخطأ بين المتخصصين ، ولا يوجد اتفاق حول أسلوب الوصول إلى الحقائق الفكرية …يوجد اختلاف بين البشر في بعض أو كثير من الحقائق الواقعية لوجود معلومات خاطئة ، أو لخطأ في التحليل لا يوجد اختلافات جذرية في هذه العلوم لأن أغلبها علوم وضعها البشر ، أي وضعوا لها معايير الصواب والخطأ
الإجابات العلمانية(3/6)
الصراع بين المخلصين : مجال العلم الفكري هو البحث عن الحقائق في العقائد والأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والشخصية ، أي ما هي العقائد والأفكار الصحيحة ؟ وما هي الخاطئة ؟ وما هو الحق ؟ وما هو الباطل في الأيدلوجيات والمناهج والآراء الفكرية ؟ أي ما هو طريقنا لمعرفة هل الإسلام نظام فكري صحيح أم لا ، وكذلك بالنسبة للرأسمالية والشيوعية والمسيحية والاشتراكية والنازية واليهودية ... الخ ، ونحن نريد أن نعرف الحقائق الفكرية لأننا على أساسها نستطيع بناء حياة صحيحة في عقائدها واقتناعاتها وسلوكها ، وحتى نقف مع الحقيقة والنور والحكمة والبصيرة ، ونبتعد عن الجهل والظلام والضياع والحيرة ، فالحقائق هي التي ستوضح لنا العدل من الظلم ، والحرية من الفوضى ، والعبادة الصحيحة من العبادة الخاطئة ، والاعتدال من التطرف ... الخ ، وإذا عرفنا الحقائق الفكرية فسنستطيع تصنيف الأفراد والأنظمة والدول إلى أهل حق وحكمة وإلى أهل باطل وضلال سواء بصورة كلية أو جزئية ، ونستطيع حل كثير من الاختلافات والصراعات التي تحدث بين المخلصين من أصحاب المبادئ الكثيرة ن لأن اختلاف المخلصين سببه اعتقادهم أن مبادئهم صحيحة ، فالمبادئ الفكرية هي أساس اتخاذ الدساتير والقوانين والمواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي المتحكمة في الأفراد والأسر والقبائل والشعوب والأمم ، ونعلم أن كثيراً من الأفراد والدول وغيرهم يتحركون بناء على مصالحهم وشهواتهم والطمع والخوف ... الخ إلا أن المخلصين هم الذين يتحركون بناء على اقتناعاتهم بأن هذا الأمر حق وواجب ، وتصارعوا فيما بينهم لاعتقاد كل فريق منهم أن يتملك الحقيقة الفكرية ، نريد أن نصرخ كما صرخ أرخميدس عندما أكتشف قانون الطفو المادي " وجدتها " نريد " وجدتها " ، في المجال الفكري قال الأستاذ يوسف أبو الهيجاء " أما من يريد أن يحس بمقدار ما تتمتع به مشكلة الحقيقة من أشكال فما عليه إلا أن يحاول – جاداً – أن يصنع من مجموعة أفراد أمة واحدة ، وما عليه إلا أن يحاول فض خلاف تعمقت جذوره بين أقوام ، أو أن يجعل من الآخرين أو الأغيار على حد تعبير حكماء صهيون إخواناً عزيزين عليه بتبنيهم فكرة عزيزة عليه يتبناها " (1)
ما هي العلمانية ؟ تعود أصل كلمة العلمانية إلى اللاتينية : " وهي مأخوذة من كلمة Secularism وتعني الدنيا أو الدنيوية أو اللادينية " (1) " والعلمانية حركة تاريخية حملت الأفراد داخل المجتمع الغربي من المجتمع " الثيوقراطي " الديني إلى المدنية الأرضية ، وفي هذا السياق ، لم يعد الإنسان مجبراً على تنظيم أفكاره وأعماله وفق معايير فرضت على أنها إرادات إلهية " (2) وجاء في قاموس اكسفورد التعريف التالي " العلمانية مفهوم يرى ضرورة أن تقوم الأخلاق والتعليم على أساس غير ديني " (3) وبكلمات أخرى يرى العلمانيون أنهم يستطيعون بعقولهم المجردة ، وبدون الحاجة إلى رسالات سماوية وأنبياء الوصول إلى العلم الفكري ( الحق والصواب ) في العقائد والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وأن العقل وحده قادر على تحديد العدل من الظلم ، والحرية من العبودية ، والحياة الزوجية السعيدة ، والنظام الاقتصادي الصحيح ... الخ قالت الأستاذة أنعام أحمد قدوح " تنحصر عناصر العلمانية الأساسية وخطها الفكري في جملة نقاط هي :
1.…الدنيا أو الحياة الدنيوية
2.…اللادين مقابل الدين
3.…فصل الأخلاق عن الدين ، وكذلك فصل العلم عنه
4.…إقامة دولة ذات مؤسسات سياسية على أساس غير ديني " (4)
وإذا كانت هذه هي العلمانية ، فمن المهم أن نفصلها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتقدم التكنولوجي وغير ذلك من أمور يعتبرها البعض ذات علاقة بالعلمانية ، وهي فعلاً ليست كذلك فقد تكون علمانياً ولكنك لست ديمقراطياً ، أولا تؤمن بحقوق الإنسان ، كما أن تعريف العلمانية بأنها العالمية أو التحديث أو العقلانية أو العلمية هو من باب خلط الأوراق وتضيع الحقائق والبديهيات فالعلمانية هي الطبعة الجديدة من اقتناعات الفلاسفة وآرائهم ، والعلمانية هي الامتداد الطبيعي للفلسفة والعلمانيون هم الفلاسفة الجدد .
أسئلة للعقل العلماني :
سنسأل الآن بعض الأسئلة الفكرية الهامة ، وسنرى بعد ذلك الإجابات التي قدمها لنا العقل العلماني ، وهل هي إجابات صحيحة أم لا ؟ وكيف وصل إليها ؟ ومن هذه الأسئلة
أ- في مجال العقائد : هل الله سبحانه وتعالى موجود أم لا ؟ وإذا كان موجوداً فما هي صفاته ؟ ولماذا خلقنا ؟ وما هو أصل الإنسان ؟ وهل هنالك حياة بعد الموت أم لا ؟ وهل هناك أنبياء أم لا ؟ وكيف نعبد الله بطريقة صحيحة ؟ وإذا لم يكن وجود الله سبحانه وتعالى حقيقة ، فما هو هدفنا من الحياة ؟ ومن يضع هذا الهدف ؟ وماذا سنفعل مع من يعارض هذا الهدف ؟
ب- ما هو النظام الاقتصادي الصحيح ؟ هل هو النظام الرأسمالي أم الشيوعي أم الاشتراكي أم الإسلامي ؟ وهل النظام الربوي حق أم باطل ؟ وهل نسمح بوجود قطاع خاص أم نرفض ذلك ؟ وهل نسمح بالقمار أم لا ؟ وهل نوافق على أن تصل ثروة بعض البشر إلى الملايين من الدولارات أم لا ؟ وهل من حق الإنسان أن يتصرف بماله كيف يشاء ؟ وهل من حقه أن يتبرع به كله لأعمال الخير أو الجمعيات الرفق بالحيوان ؟ وهل من حق زوجته أن تشاركه في ماله أم لا ؟ وهل للفقراء حق في مال الأغنياء أم لا ؟(3/7)
جـ- ما هو النظام السياسي الصحيح ؟ هل يحكمه العمال أم الأغنياء أم العلماء ؟ وهل يكون الحكم فيه للأغلبية أم للأقلية أم لفرد ؟ وما هي مواصفات الأغلبية هل هي عرقية أم سياسية أم دينية أم طبقية أم مهنية ؟ وما هي حقوق الأقلية ؟ وما هي حدود حرية الرأي ؟ أم أنها بلا حدود ؟ وهل نساوي بين العلماء والمثقفين وغيرهم في حقوق الانتخابات والترشيح أم لا ؟ وهل نسمح بوجود أحزاب دينية أو طبقية أو علمانية أو نرفض بعض أو كل هذا ؟ وما هو موقفنا من التعصب العرقي ؟ وما الفرق بين التعصب والانتماء العرقي ؟ وما هو موقفنا من تعارض المصالح بين العمال والتجار وبين المستأجر والمالك ؟ وهل الديمقراطية الصحيحة هي تلك التي في أمريكا أم هي التي في روسيا الشيوعية سابقاً ؟ وهل نساوي بين البشر في رواتبهم أم نرفض ذلك ؟ وهل العدالة الاجتماعية أهم كما تقول الشيوعية أم أن الحرية الفردية أهم كما تقول الرأسمالية ؟
د- ما هي أسس الحياة الزوجية الصحيحة ؟ وما هو الأسلوب التربوي الصحيح لتربية الأبناء ؟ وهل نسمح بالطلاق أم لا ؟ وما هي الحقوق والواجبات المترتبة عليه ؟ وكيف نوزع الميراث بطريقة عادلة ؟ ومن هم الورثة ؟ وهل الزنا حرية شخصية أم فساد مرفوض ؟ وهل نسمح ببيع المجلات والأفلام الجنسية ؟ وما هو نظام العقوبات العادل للمخدرات والاغتصاب والقتل والسرقة ... ؟ وما هي السعادة ؟ وكيف نعالج الأمراض النفسية ؟ وهل نسمح بالإجهاض أم نرفضه ؟ وهل الأنانية صفة محمودة أم مذمومة ؟ وهل الغيرة ميزة أم صفة سيئة ؟
إجابات العقل العلماني(3/8)
تعالوا لنرى ما هي الإجابات العلمانية على الأسئلة السابقة وغيرها سنجد الآلاف من الكتب العلمانية الحديثة والقديمة تعطي إجابات كثيرة متناقضة ، فلكل سؤال من الأسئلة السابقة سنجد إجابات علمانية متناقضة ، وسنأخذ الرأسمالية والشيوعية كعقائد علمانية رئيسة شغلت العالم في القرن العشرين لنبين طريقة التفكير العلماني ، وما هي الإجابات التي وصل إليها وما هي الأدلة التي يستخدمها العلمانيون لإثبات " صواب " عقائدهم ؟ وهذا لا يتعارض مع معرفتنا بسقوط أغلب الأنظمة الشيوعية في العالم لأننا نناقش هنا الشيوعية كعقيدة علمانية اقتنعت بصوابها كثير من العقول العلمانية وسيطرت كدول لعشرات السنين على نصف الكرة الأرضية ، ومن فوائد اختيار هذين النموذجين هو أننا عايشناهما ، وسمعنا آراء أصحابهما ، وكلاهما حاول أن يثبت أن يتبع الأسلوب العلمي ، وأنه العلماني الحقيقي ، ووصل للعدل والحرية والمساواة ، وهناك عقائد علمانية كثيرة كالوجودية والمثالية والعنصرية والاشتراكية وغير ذلك ولكن أغلبها عالجت قضايا فكرية جزئية ، وهي يجهلها أغلب الناس ، وأكثر من يهتم بها الفلاسفة العلمانيون ، وبالتالي فتسليط الأضواء على الرأسمالية والشيوعية يعطينا مادة علمانية غنية بعقائدها وأدلتها وأفكارها وتطبيقاتها ونتائجها ولنبدأ الرحلة مع العلمانية ، وسنجد أن الرأسمالي يقول أن الرأسمالية هي أفضل نظام للبشر ، ألا ترى حرية الرأي في أمريكا ؟ ألا تعلم أن الاقتصاد الأمريكي هو أقوى اقتصاد في العالم ؟ وأن الأنظمة الغربية هي التي تقود التقدم المادي التكنولوجي ؟ وهي التي حققت نجاحات كثيرة في قضايا حقوق الإنسان ؟ وأن تداول السلطة يتم بطريقة سلمية ، وأن أغنى الشعوب هي شعوب الدول الرأسمالية الغربية ؟ ويكفي أن نعلم أن الولايات المتحدة تصدر القمح إلى عشرات الدول ، وبعضها دول شيوعية ... وإذا انتهت الرأسمالية من كلامها سنجد الشيوعية تقول إن ديمقراطية الرأسمالية كاذبة لأنها ديمقراطية الأغنياء فالفقير لا يستطيع أن يرشح نفسه للانتخابات لأن الترشيح يحتاج أموالاً كثيرة ، أما ديمقراطية الشيوعية فهي تمثيل حقيقي لأغلبية المواطنين من عمال وفقراء لأنهم هم الأغلبية ؟ كما أن الشيوعية لا تسمح بأن يسيطر الأغنياء على الإنتاج والوظائف فيضطهدوا العمال والضعفاء وهي لا تعترف بالانتماءات العرقية القومية والوطنية ، فهي عقيدة أممية تساوي بين جميع البشر ، ألا يكفي أن جعلت الشيوعية روسيا والصين من الدول العظمى القادرة على إنتاج أسلحة نووية ، ألا يكفي أن توفر الشيوعية العلاج والتعليم مجاناً للجميع ؟ وسنرد الرأسمالية بقولها إن الشيوعية أنتجت الفقر والاستبداد ،فقد سيطر الحزب الشيوعي على الناس ، وأوجد أكبر ديكتاتورية في تاريخ البشر ، وتدخل حتى في اختيار أماكن العمل والسكن ومنعت الشيوعية الناس حتى من حرية الهرب من الدول الشيوعية ولا يوجد في الشيوعية حرية صحافة ، كما أن ستالين قتل الملايين من الروس والشعوب السوفيتية ، أم الاستبداد الفكري فيحدث عنه ولا حرج ، فالشيوعية لم تضطهد الأديان السماوية فقط وتهدم الكثير من المساجد والكنائس بل اضطهدت كل الأفكار والعقائد العلمانية الأخرى ، ولم تسمح الفلاسفة الروس والأدباء بحرية القول بل حتى لم تسمح للشيوعيين بذلك فقد سيطرت على الناحية الفكرية مجموعة فلاسفة شيوعيين فرضوا على الشيوعيين وغيرهم ما يقرأون ، وما يقولون وسترد الشيوعية بقولها إن التطبيق الخاطئ هو الذي أنتج الاستبداد والفقر ، ففرقوا بين النظرية والتطبيق فليس كل من يدعي أنه شيوعي صادق في ذلك وهذا ما حدث في بعض الأنظمة كما أن الحرب الأمبريالية للشيوعية ساهمت في فقر وإضعاف بعض الدول الشيوعية ومن قال إن كل الدول الرأسمالية غنية ؟ ألا ترون الدول الرأسمالية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية . كما أن السيطرة الفكرية الشيوعية في الاتحاد السوفيتي هدفها حماية الحقائق الفكرية من التشويه والأعداد الداخليين ، وكل ثروة في حاجة إلى فترة لبناء وطنها دول السماح بأي هزات فكرية أو سياسية وهذه مرحلة مؤقتة وبعد أن ثبتت الشيوعية نفسها ستفتح الأبواب الثقافية كما الشيوعية ناقشت الرأسمالية وغيرها خارج الاتحاد الشوفيتي ، فهي ليست عاجزة عن الحوار وكان المفكرون الشيوعيون موجودين في كل قارة ولهم ، أحزاب وكتب ومؤلفات وكانت كثير من الدول الرأسمالية تضطهدهم وتمنع كتبهم وتسجنهم .(3/9)
وإذا اعتبرنا ما فات معركة يصعب حسمها وسيحتار العقل في تقصي الحقائق وفي جمع المعلومات وفي التعرف على حقائق الواقع وماذا حدث ؟ ولماذا حدث ؟ وما هو الحقيقي والصادق ؟ وما هو الوهمي والكاذب ؟ سنجد أن الشيوعية تقول أن الحق معي لأنني بناء على أدلة " علمية " أثبت أن الله غير موجود وتأملت في تاريخ الإنسان فوجدت أن هناك علاقة وثيقة بين المصلحة وبين الإنسان ، وحركة التاريخ ، واستنتجت النظرية الماركسية ، وهذا ما يثبت أنني وصلت للحقائق الفكرية بطريق عقلي ، فقد بذلت جهوداً عقلية كبيرة حتى وصلت لهذه الحقائق ، فأنا العدو الأول لاستغلال البشر من قبل الإقطاعيين والأغنياء وأصحاب الأعمال والتجار وأنا أطبق المساواة الحقيقية بين جمع البشر ، ولا أجعل وسائل الإنتاج بيد أي فئة ما عدا العمال والفلاحين لأنهم هم من يقومون فعلاً بالإنتاج ودورهم أهم من المدراء وأصحاب العمل ولهذا قمت بتأميم المصانع الخاصة والمزارع وأنشأت قطاعاً عاماً قوياً يسعى لتحقيق فائدة الشعب ، ويديره أبناء الشعب ، وألغيت الصراع الطبقي ، وألغيت وسائل الإعلام الخاصة التي تسعى لمصالح التجار ، وتشوه الرأي العام ، ولا تهتم بمصالحه ، كما أنني لم أجامل كالرأسمالية بل حددت الحقائق في كل المجالات ، وحاربت الدين لأنه أفيون الشعوب ولأنه يمنع العمال من الثورة على الأغنياء ولا أومن بأي شيء عاطفي أو نفسي أو روحي أو أخلاقي فالأساس هو المصلحة ، وأهم شيء هو العمل والإنتاج ، والأهداف السامية هي التي تتعامل مع تضميد جروح الفقراء والمستضعفين ، وهؤلاء هم الفئة النقية الطاهرة في المجتمع ، وأنا أهتم كثيراً جداً بتقدير العلماء في العلوم المادية ، وأرى أن العلم المادي هو العلم الوحيد الصحيح ، وهو الذي يفسر جميع الظواهر المادية ، والفكرية ، أما الأخلاق والدين فهما خدعة بورجوازية تتستر من ورائها البورجوازية من أجل مطامعها ، كما أن العدل والمساواة بين الناس ستؤدي إلى توزيع الثروة والإنتاج والمكاسب ، وستؤدي إلى عدم الحاجة إلى السرقة لأن للجميع نفس الممتلكات ، ولا يوجد جوع ولا فقر ، فالسرقة هي وضع فرضته الأوضاع الأمبريالية ، وجعلت لها عقوبات رادعة حتى تحمي الأغنياء من الفقراء ، أما الرأسمالية فمبدأها الأقوى هو الذي يسيطر ويعيش وهي لا تعتمد في بنيانها الفكري على حقائق فكرية بل على التعايش مع الواقع والوصول إلى حلول وسط ، فهي تخضع للظروف والمصالح وليس للعقل البشري ، أما الرأسمالية فستقول إن عقلي أوصلني للحقائق ، فأنا فكرت بعقلي فوجدت أن الدين المسيحي خاطئ ، وأن فيه تناقض مع بعض الحقائق العلمية المادية التي اكتشفتها في الفلك ، وعلم الأحياء ، واقتنعت بأن ، العقل هو طريقي للتعرف على الحقائق وفتحت المجال للفلاسفة والمفكرين والسياسيين وغيرهم أن يختاروا أنظمتهم العقائدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وفتحت الأبواب ، الواسعة للنقاش والحوار ، ووضعت وثائق ودساتير وقوانين أدت إلى تبني مفاهيم محددة في قضايا الحرية والعدل والمساواة والاقتصاد ، منها حرية الرأي ، وأن الحكم هو للأغلبية ، وأن هناك حقوق للأقليات وأن الناس حرة في اختيار عقائدها ، فهذا الأمر لا تتدخل فيه الدولة ، كما أنها حرة في جوانب كثيرة من حياتها الشخصية وعلاقاتها الاجتماعية ، فلا أفرض عليها شيئاً ، ولا أحدد لها الصواب من الخطأ ، فبإمكانك في عقائدك أن تكون مسيحياً أو مسلماً أو بوذياً أو وجودياً أو رأسمالياً أو حتى شيوعياً أو لا تؤمن بأي عقائد وبإمكانك في حياتك الشخصية أن تكون عفيفاً أو زانياً ، وبإمكانك أن تشرب الخمر أو تمتنع عنها ولك الحرية في التصرف في مالك كيف تشاء وبإمكانك أن تتزوج أو تبقى عازباً طول عمرك ، فالحرية الفردية مقدسة ، ومن خلالها أحقق المنفعة للمجتمع ، فلا يوجد تعارض بين الاهتمام بالفرد وتحقيق مصالح الجماعة ، وكثير من الاختلافات الموجودة في المجتمع يتم حسمها من خلال التصويت والأغلبية فالمبادئ عندي والقوانين والقرارات تستند في أحيان كثيرة بل في الأغلبية الساحقة للتصويت سواء في مجالس الشعب أو في المحاكم من خلال هيئة المحلفين ، كما أن من مبادئي الحلول الوسط في أحيان كثيرة ، فأنا لست مع الإيمان بالله ، ولا مع إلا لحاد ، وأنا لست مع المدارس الدينية ولا ضدها ، ولا مع الاحتشام ولا مع التبرج ، وأسعى دائماً إلى الحلول الوسط بين الاختلافات والصراعات الموجودة في المجتمع ، سواء كمصالح أو مفاهيم أو مواقف وذلك من خلال الحوار والنظر بواقعية للأمور ، كما أنني اقتنعت بأن رفض الأديان سيؤدي إلى إضعاف التعصب الديني الذي كان وراء كثير من الحروب في الماضي كما أن جعل القرار الأخير للشعب وللأغلبية سيؤدي إلى التخلص من انحرافات الحكومات ، وتسلطها وانفراد الأفراد والأقليات بالتحكم بالأغلبية ، كما أن النظام الاقتصادي الرأسمالي قد أثبت نجاحات كبيرة وحقيقية من خلال حجم الإنتاج ، واستفاد جميع المواطنين من تشجيع الإبداع التكنولوجي والتنافس التجاري ، وتقديم أجود الخدمات ، وتحقيق قفزات هائلة في رفاهية الإنسان أما بالنسبة للفكر الماركسي فهو مهزلة فكرية ، اختار بعض الفترات من التاريخ التي تناسبه ، وتجاهل الفترات الأخرى ، فلم يدرس ماركس التاريخ بحياد وموضوعية ، بل انطلق من حقد وكراهية للأغنياء ، وليس من عقل بشري ، كما أن أغلب بل كل نبوءات ماركس حول المستقبل ، والتي منها توقع سيطرة الشيوعية على العالم فشلت فشلاً ذريعاً ، وانهارت الأنظمة الشيوعية ، وأصبح مكان الفكر الشيوعي المتاحف .
الآف الاجابات العلمانية المتناقضة :(3/10)
ولم تخرج لنا العقلية العلمانية الفلسفتين الشيوعية والرأسمالية فقط ، بل أنتجت كذلك الاشتراكية والنازية والفلسفات القومية والقبلية ... الخ ، فأصحاب الفكر النازي العلماني اقتنعوا بأن العرق الآري الألماني هو أفضل الأعراق البشرية ، وأن من حقه أن يسيطر على الآخرين ، وبنوا اعتقاداتهم على الدور الألماني في التاريخ الحديث ، وف التقدم التكنولوجي ، وجعلوا الأخلاق والقدوة مرتبطة أساساً بالعرق ، لا باللغة ولا بالعمل ولا بالاجتهاد ، فالعرق الألماني متميز بالفطرة ن أي خلقه الله كذلك واعتبروا أي خلط لهذا العرق مع غيره عن طريق الزواج خطأ وكارثة ووسيلة لتلويث هذا العرق وقدموا أدلتهم العقلية العلمانية على هذه الفلسفة ، وراجع كتاب كفاحي لهتلر ، وراجع بعض الفلاسفة الألمان الذين ساندوا هذه الفلسفة ، وإذا أضفنا مدارس أخرى فلسفية مثل الفلسفة المادية والتي تحتوي على مدارس فلسفية مختلفة مثل فلسفة برتراند رسل ، والوضعية الجديدة ، والمادية الجدلية " الشيوعية " التي أثرت في الغرب الرأسمالي ، والشرق الشيوعي ، ومفكري هذه المدارس وتناقضاتهم فيما بينهم حول كثير من القضايا الفكرية ولنقرأ أيضاً الفلسفات المثالية ، وهؤلاء مقتنعون بأن العقل يختلف عن المادة ، وهو مقتنعون بأن الحواس والتجربة والمادة ليست المصدر الوحيد للمعرفة ومن فلاسفة هذه الفلسفة بندتو كرويشه ، وليون برنشفيك ، وكانت ، ومن مدارسها المدرسة الواقعية ، والمدرسة الميتافيزيقية ، والمدرسة المنطقية ، والمدرسة النسبية ، والمدرسة النفسية والمدرسة القيمية ، وهناك أربعة مدارس تابعة لها " مدرسة الدفعة الحيوية " عند برجسون ، والبراجماتية الأمريكية ، والإنجليزية ، والمذهب التاريخي عند دلتاي ، وفلسفة الحياة الألمانية ، ومن فلاسفتها هنري برجسون ، ووليم جيمس ، وفرد ناند شللر ، وجون ديوي ، وفيلهلم دلتاي ، وهناك فلسفة الماهية ( الفينومينولوجيا ) ومن فلاسفتها ادمند هسلال ، وماكس شلر ، وهناك الفلسفة الوجودية ، وتناولت هذه الفلسفة دراسة معنى الحياة ، ومشكلة الموت ومشكلة الألم ، ومشكلات أخرى ، وهي فلسفة تنبع أفكارها واقتناعاتها من تجربة حية معاشة ، تسمى تجربة وجودية بالمنبع لأفكارهم ليس العقل ، بل التعامل مع الواقع ، ومن فلاسفة ، هذه المدرسة جان بول سارتر ، وسيمون دي بفوار ، وهناك فلسفة الوجود ، ومن فلاسفتها صامول الكساندر ، وباول هيبرلن ووايتهد .
فالموضوعات التي ناقشتها العلمانية كثيرة جداً في العقائد والأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية سواء ما يتعلق بالالهيات ، أو الطريق للوصول للحقائق الفكرية والمادية ومسألة أصل الإنسان ، والقضايا الاجتماعية والجنسية والأخلاق والشر والخير والحرية والإدارة والواقع والطبيعة وما وراء الطبيعة ، والهدف من الحياة ، والظلم والعدل ، والآلام والفضائل والرذائل ، والثورة والأنظمة والاستغلال ، والانتماءات العرقية ، والاختلافات اللغوية ، والأمراض النفسية ، والطبائع البشرية وقضايا الإيمان وقضايا الإلحاد ، وأما المصطلحات التي تم استخدامها في العلمانية والفلسفة فهي كثيرة ذكرنا بعضاً من مسمياتها أعلاه ، ونضيف إليها الانطولوجيا ، والكسمولوجيا ، والموقف الطبيعي والمطلق ، والفعلية واللا إدارية والمذهب الذري ومذهب السلطة والبعدي والديكارتي والمذهب السلوكي والوجود والأمر المطلق والمعرفة والسببية ونظرية الوجهين والثنائية ، والدفعة الحيوية والانبثاق ، ومذهب اللذة والأبيقورية ، ومذهب الظاهرة الثانوية ومذهب السعادة والمذهب الشكلي وحرية الإرادة والنزعة الإنسانية ، ومذهب حيوية المادة والحلول واللاحتمية والوسيلية والمنطق والحدس ومذهب التأثير المتبادل والتجريبية المنطقية والمادة والآلية والمذهب الحيوي والموناد ( الذرة الروحية ) ، والواحدية والمذهب الأسمي والشيء في ذاته والمذهب الفرصي ومذهب شمول النفس ووحدة الوجود ، ومذهب التوازي ومذهب الكمال ، والمذهب التعددي والمذهب العقلي ، والحتمية الذاتية والانسجام المقدر ، والواقعية الميتافيزيقية ، ومذهب الذات الوحيدة ومذهب الشك والجوهر ، والخير الأسمي والقياسي ، والرواقية ، والمذهب فوق الطبيعي ، ومذهب المنفعة ، ومذهب الاتفاق ، والعالي (1) وهناك مصطلحات أخرى ولكن هذه على سبيل المثال لا الحصر .(3/11)
المتأمل في هذه الإجابات العلمانية يرى أنها متناقضة أشد التناقض ، فهناك أنواع من الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية والعنصرية والوجودية والانتقائية وغير ذلك ، وهناك فلسفات كثيرة متناقضة ومتداخلة مع بعضها البعض ، وهناك تشكيلات متنوعة من المبادئ المختلطة ولكل تشكيلة تركيبة خاصة ، أما بالنسبة لأعداد وآراء الفلاسفة فحدث ولا حرج ، فمنهم على سبيل المثال أفلاطون وسقراط وأرسطو وفرويد وفوليتر وسيمون دي بفوار وماركس وآدم سميث وبرتراندرسل وجان بول سارتر وماوتسي تونغ وهلسكي وهتلر وهنري برجسون وإد مند هسرل وماكس شلر ومارتن هيدجر وهيجل ونيقولاي هارثمان وبندتو كروتشة وكانت وشلنج .. إلخ ومن قرأ في كتبهم يجد أن البديهة الأولى هي تناقض هؤلاء العلمانيين في آرائهم أشد التناقض ، وكل فريق منهم وأحياناً كل فيلسوف يتهم الآخرين أنهم أخطأوا ، وأنه على صواب ويقدم الأدلة العلمانية على وجهة نظره ولا نبالغ حين نقول إنك لا تجد اتفاق بين عشرة منهم في عشرة قضايا رئيسة .. فأين الحقائق الفكرية أيها العلمانيون أن عقلكم العلماني أعطانا الآلاف من الإجابات حول الأسئلة التي طرحناها ، ونحن نريد إجابات صحيحة ، أي حقائق فكرية ، لا نريد رأي هذا المفكر أو ذاك الفيلسوف ، أو تلك المدرسة الفكرية ، نريد أن نعرف الحقائق ، ألم تقولوا لنا اتبعونا وسنصل للحقائق ، ألم تقولوا إن العقل البشري قادر على الوصول للحقائق الفكرية ، أين هي الحقائق ؟ .. إن كل واحد منكم يقول إن الحقائق هي التي وصلت لها أنا أما بقية العلمانيين فهم ضائعون ومخطئون فمن نصدق منكم ومن منكم يملك الأدلة العقلية الصحيحة التي يثبت صحة ما يقول ؟ أدلتكم متناقضة ومتعارضة وأنتم لستم بحاجة إلى أن ينتقدكم فرد من خارجكم فأنتم تتهمون بعضكم البعض بالجهل ، وهذا وغيره يثبت عجز العقل العلماني في الوصول إلى الحقائق الفكرية ، لأن العلمانية وصلت إلى إجابات متناقضة حول كل سؤال .. !!
عجز العقل العلماني
أين الحرية الصحيحة ؟
تناقض العلمانيون في كل أفكارهم وعقائدهم ، ولم يتفقوا حتى على حقيقة فكرية واحدة سواء كانت عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ، وهذا ينطبق على القضايا الكبرى كوجود الله سبحانه وتعالى ، فبعضهم يؤمن بوجوده وبعضهم ينفيه وبعضهم يقول لا أدري ، وهم أيضاً يختلفون حول الأصول والفرعيات الاجتماعية والسياسية ، ولنأخذ قضية الحرية كمثال على تناقض العلمانيين ، ولنأخذ الرأسماليين والشيوعيين كطرفين علمانيين وسنجد أن بينهما تناقضات جذرية فكانوا في روسيا الشيوعية العلمانية يحددون للإنسان ما هو العمل المناسب له ؟ وفي أي مدينة وأين يسكن ؟ وماذا يقرأ ؟ ويعتبرون هذا لا يتعارض مع الحرية ، بل هذه هي الحرية الصحيحة ، أما في أمريكا فقد فتحوا الباب على مصراعيه ، فمن الحرية أن تقول أشياء كثيرة منها نقد الحكومة والسخرية منها ، ومن حقك أن تختار عملك وسكنك وماذا تقرأ ، ومن الحرية أن تمارس الجنس قبل الزواج ، أما بعد الزواج فلا يجوز ولك حرية في أن تعمل في السياسة وأن تنشئ من الأحزاب ما شئت حتى لو كان حزباً شيوعياً ، ومن الحرية الشخصية أن تتبرج المرأة ، ويسمح في سواحل معينة بالعري الكامل ، ولا يعتبرون هذا فساداً بل حرية ، والإنسان عندهم حر في ماله ومن حقه أن يبذره ومن حقه أن يتبرع به كله للحيوانات ، ولك الحرية في لعب القمار ، وأن تستخدم الكلمات البذيئة ما لم يمنعها القانون ، وهناك حرية إصدار الصحف في حين أن هذا من الممنوعات في الشيوعية العلمانية ويمنع تشكيل أي أحزاب ولا يسمح بالانتماء إلا للحزب الشيوعي ، ومثل هذا الاختلاف ينطبق على العدل والمساواة ، قال الأستاذ أديب صعب " وقد استفاض فلاسفة الأخلاق في معالجة مسألة الحرية التي تشكل أحد موضوعاتهم الرئيسة ، وملأوا الصفحات والكتب الكثيرة في هذا المجال ، وتوزعوا مدارس حيال هذه المسألة فمنهم من سلم بحرية الإنسان التامة لكي يؤدي ما هو واجبه أو لا يؤديه ، مما يستتبع مسئوليته ومنهم من حد الحرية والمسئولية ببعض الشروط ومنهم من نفى الحرية والمسئولية نفيا تاماً " (1) ومن هنا ندرك معنى قول من قال " كم من جرائم ارتكبت باسم الحرية " أما بالنسبة للعدل فقد قال الدكتور محمد عمارة " ولهذا رأينا " العدل الليبرالي " متميز المضمون مختلف المفهوم عن " العدل الشيوعي " الأمر الذي اقتضى " للعدل الليبرالي " حكومة ليبرالية " و " نظام حكم ليبرالي " يحققان المضمون المتميز " للعدل الليبرالي " ، وكان الحال على ذات المنوال مع " العدل الشيوعي " ، ثم قال : فمن التمثيل الطبقي إلى التوجه الاجتماعي .. إلى النظام السياسي إلى تحديد الأولياء والأعداء .. إلى الموقف الفلسفي .. والمذهبية الحاكمة للفكر والثقافة والآداب والفنون .. كل أركان النسق والنظام تتمايز تبعاً لتمايز " المرجعية أهي ليبرالية ؟ أم شيوعية " (1)
فنحن إذن وصلنا إلى نتيجة غريبة وهي أن للحرية معاني كثيرة ومتناقضة وأن للعدل معاني كثيرة ومتناقضة ، وكذلك للمساواة والحقوق الإنسان ومفاهيم وأساليب العدالة الاجتماعية والحقوق العادلة في الحياة الزوجية ، والأسلوب الصحيح لتربية الأبناء ومعنى السعادة والاستبداد والظلم والمصلحة والخير والشر .. الخ فلابد إذن إن هناك معنى واحد صحيح للحرية أما بقية المعاني فهي كاذبة وخاطئة وباطلة وكذلك بالنسبة للعدل والسعادة والظلم والمصلحة .. نريد الحرية الحقيقية والعدل الحقيقي ولا نريد آراء وظنون وأوهام ، وهنا يظهر التناقض العلماني في هذه المفاهيم وهو دليل على أن العقل العلماني لم يصل إلا إلى السراب والعجز .
المبررات المنطقية :(3/12)
السبب الرئيس في تناقض الإجابات وضياع العلمانيين أن العقل العلماني قادر على إعطاء مبررات منطقية عقلية لكثير من الإجابات ، فهناك مبررات قدمتها الشيوعية لتعريف الحرية أو العدل أو النظام السياسي الصحيح ، وهناك أيضاً مبررات قدمتها الرأسمالية والاشتراكية والنازية لإعطاء تعاريف أخرى متناقضة كلياً أو جزئياً فالشيوعية تقول إن السماح بالعمل السياسي لكل الأحزاب اليمينية واليسارية سيؤدي إلى سيطرة الأغنياء ، واضطهاد الفقراء وفتح الباب للجدل وهدم الثورة الشيوعية كما أنه لا توجد مبررات لهذه الأمور لأن الحزب الشيوعي يمثل الأغلبية الساحقة ، وسيسعى لمصالحها وإن فتح الباب ليست حرية بل فوضى سياسية وفساد يجب أن يحارب ، أما الرأسمالية فهي أيضاً لها مبرراتها ولها تفسيراتها التي تقدمها لمعنى الحرية أو العدل الذي اختارته ، فهي تقول إن الحرية هي ذات ضوابط قانونية ، وأن الحرية الشخصية تنتهي عند حدود حرية الآخرين ، وأن وجود تنوع سياسي في الأحزاب لن يؤدي إلى فوضى ، بل سيؤدي إلى تنافس في العمل وتقوية الرقابة ، وأن القرار الشعبي هو الأساس وأن حرص السياسيين على مصالحهم سيجعلهم يهتمون بمصلحة الشعب لأنه قادر على عزلهم ، أما إذا قلت لهم ، أن الزنا له ، سلبيات كبيرة قالوا هذه حرية شخصية ، ولا أحد يجبر أحداً على الزنا ومن يريد أن يتزوج فليفعل ، أما بالنسبة للحمل والأبناء غير الشرعيين فهناك ملاجئ تحتضنهم إذا تنكر لهم أباؤهم وهناك وسائل لمنع الحمل ، كما أن التمتع بالحياة هو هدف أساسي في فكرنا المادي الرأسمالي ، وسنجد هناك مبررات كثيرة لكثير من الآراء العلمانية المتناقضة سواء كانت في الرأسمالية أو الشيوعية أو النازية أو أقوال كثير من الفلاسفة ، فهذا الفيلسوف يعطي المصلحة وزناً كبيراً جداً أما الآخر فيهتم بالمبادئ المعنوية ، والثالث يركز أكثر على الجنس ويجعله العامل الرئيس المحرك للإنسان ، والرابع يهتم بقضية الحرية الفردية ، والخامس يركز على مصلحة الجماعة والسادس يعطي التبريرات على وجود الله سبحانه وتعالى والسابع ينكر هذا الوجود ، والثامن يحاول أن يقنعك بأن الغية تبرر الوسيلة ، والتاسع أن الأخلاق بدعة برجوازية والعاشر أن الشر هو الصفة السائدة في البشر ، والحادي عشر أن الزواج مؤسسة رجعية تضطهد المرأة ، وكل فكرة من هذه القضايا سواء كانت صحيحة فعلاً أو خاطئة لها مبررات منطقية تجعلها تبدو صحيحة قال الأستاذ تقي الدين النبهاني " والأسلوب المنطقي وإن كان أسلوباً من أساليب الطريقة العقلية ولكنه أسلوب معقد ، وأسلوب فيه قابلية الخداع والتضليل ، وقد يوصل إلى عكس الحقائق التي يراد إدراكها " (1)(3/13)
والطريف أن كل إنسان مثقف بإمكانه أن يكون مفكراً علمانياً وفيلسوفاً ، وهذا يحدث في القضايا الفكرية والسياسية وتبرير المواقف والتصرفات وتبرير حتى العقائد الغريبة ، قال الزعيم الهندي غاندي : " عندما أرى البقرة لا أجدني أرى حيواناً ، لأني أعبد البقرة ، وسأدافع عن عبادتها أما العالم أجمع " وقال " وأمي البقرة تفضل أمي الحقيقية من عدة وجوه ، فالأم الحقيقية ترضعنا مدة عام أو عامين وتتطلب منا خدمات طول العمر نظير هذا ، ولكن أمنا البقرة تمنحنا اللبن دائماً ولا تطلب منا شيئاً مقابل ذلك سوى الطعام العادي (2) ويمكن أن نقول أننا كذلك نشرب حليب الغنم والماعز ولماذا لا نعبد الشجرة المثمرة ؟ ولو تمسكنا بالحقائق الفكرية التي جاء بها الرسل لما ضاع العلمانيون ، ولو سألنا العقل الأمريكي لقال عن البقرة إنها مصدر أساسي للبروتين ولحياة الناس ، وقد تصيب العالم مجاعات إذا لم نأكل اللحوم وقد يزيد البقر ويأكل الأخضر واليابس وهذا ضد التوازن البيئي ، وعموماً فذكر الإيجابيات والسلبيات ليس الأسلوب الصحيح للحكم على صواب أو خطأ فكرة ما ، فالخمر كما لها سلبيات لها منافع تجارية لمن يزرعها ويتاجر بها ، والقطاع الخاص له إيجابياته وسلبياته ، وكذلك القطاع الحكومي وكذلك الزواج والإجهاض والحرب والسلم ولا يتم الوصول للحقائق في العلم المادي من خلال آراء لإيجابيات وسلبيات أن يغلي الماء عند 20 درجة أو مئة أو مئة وخمسين بل التجربة والمشاهدة والاستنتاج أي الدليل المادي هو الذي يحدد الحقيقة المادية والمفروض أن نسأل ما هو الدليل الفكري على صحة الفكرة لا إيجابياتها وسلبياتها ولنتذكر أن مصالح أمريكا وغيرها من الدول القوية هي التي تعطي لها " الحق " في التدخل في الدول الأخرى فهي تقيس الأمور بالإيجابيات والسلبيات من زاويتها وليس ما هو حق وصواب باختصار : هناك مبررات عقلية منطقية بإمكانها أن تجعل كثيراً من الآراء تبدو كأنها حقائق ، وللعقلية العلمانية قدرة عجيبة على تقديم مبررات منطقية لبيان أن كل شيء سواء كان حق ، أو باطل ( ومنها آراء الآخرين ) باطلاً ، فمثلاً إذا عفوت عمن ظلمك قالوا هذا ضعف وجبن وتشجيع للانحرافات ، وإذا عاقبته قالوا لماذا لا تسامح أليس في قلبك رحمة أنه تعلم من خطئه ولهم قدرة عجيبة على مدح الحرب أو السلم ، ولهم قدرة عجيبة على مدح أمة أو شعب وذم شعب آخر والعكس ، فهم يختارون ما يشاءون من معلومات ومبررات للمدح أو الذم وهذا يجعلهم يرون العدل ظلماً والظلم عدلا والحرية فوضى والفوضى حرية ، وعموماً فسياسة الكيل بمكيالين عند العلمانيين في تعاملهم مع الأحداث العالمية تأتي أحياناً نتيجة نوايا فاسدة ، وأحياناً نتيجة طبيعية للعقلية العلمانية ، فالمشكلة التي لا زالت تواجههم أنهم لا يعرفون الحرية الحقيقية ولا العدل الحقيقي ولا العقائد الحقيقية ، فقد قالوا إجابات كثيرة متناقضة وأعطوا مبررات كثيرة متناقضة ، وعاشوا ولا زالوا يعيشون على التناقض والظنون والآراء وليس الحقائق الفكرية ، بل إن العقل العلماني يقدم أحياناً مبررات منطقية علمانية تقول إن المصلحة الشخصية للفرد هي في النفاق أو البخل أو التعصب العرقي أو الكسل أو الأنانية وهي أمور اتفق عقلاء البشر على خطئها ورفضها ، فبعض العلمانيين يقولون النفاق هو الطريق المختصر للوصول للمناصب والأموال ، وهذا واقع معروف وكلنا سمع من له هذه العقلية العلمانية ويقدم أدلة واقعية أن هذا الفرد نافق فوصل إلى أعلى المناصب وهكذا وسيجد في العقلية العلمانية ، أدلة منطقية تثبت أن الصدق يؤدي على أضرار ونفور وعداوات وأن الأفضل هو الكذب أو المجاملة أو الصمت ، ونذكر هنا مثالاً يوضح تناقض العقول البشرية فيروى أن جحا وابنه وحماره كانوا يسيرون في طريق ، فسمع من يقول من الناس إن هذا الرجل وابنه أحمقان ، لماذا لا يركب أحدهما على الحمار ، فركب جحا ، وبعد مسافة سمع من يقول إن هذا الأب قاسي القلب حيث يركب هو ويترك ابنه يمشي ، فنزل جحا وأركب ابنه فسمع بعد مسافة من يقول إن هذا الابن عاق لأنه يترك أباه يمشي ويركب هو ، فركب هو ابنه الحمار ، فسمع من يقول إن هذين ليس في قلبهما رحمة حيث إنهما يرهقان الحمار والمقصود من هذه الحكاية أن العقل البشري قادر على مدح وذم أي حالة وأي قرار وأي عقيدة وأي نظام وسيجد لكل رأي أو عقيدة أو قرار أو نظام مؤيدون ومعارضون مؤيدون يرون أنه الحق ومعارضون يرون أنه الباطل وهذا هو الجنون العلماني والضياع العلماني والعجز العلماني وهذا يفتح باباً لا ينتهي من الجدل والنقاش البيزنطي فهذا يستشهد بقول الفيلسوف الأول ، والثاني يستشهد بقول الفيلسوف الثاني ، والثالث يقول هذا رأيي وهذه أدلتي وهكذا مما جعلهم لا يتفقون حتى على حقيقة فكرية واحدة مع أن عمر العلمانية الحديثة عدة قرون ، وعمر العقل العلماني الآلاف من السنين ، قال الرازي " لقد تأملت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية ، فما رأيتها تشفي عليلاً ، ولا تروي غليلاً "
وقال :
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا(3/14)
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في من تأثر من المسلمين بالفلسفة وبالطريقة العلمانية في التفكير مما أنتج ما يسمى بعلماء الكلام من المسلمين : " لو يعلم الناس ما في علم الكلام من الأهواء فروا منه فرارهم من الأسد " وقال هنترميد " كذلك فإن هذا هو الموقف الطبيعي " ما الحقيقة " ؟ لأي شخص في مركز الفيلسوف المحترف ، إذ أنه بدورة قد صادف أنصاراً عديدين لمذاهب متعددة ، كلهم يدعون أن لديهم " الحقيقة " ، وكلهم تقريباً يدهشون حين يجدون أي شخص يتحدى ادعاءهم بسؤال بيلاطس الملح " مال الحقيقة " (1) وقال المفكر الفرنسي بليز باسكال : " الفلسفة كلها تستحق ساعة تعب " وقال " التفلسف الحقيقي هو الهزء من الفلسفة " (1) وقال الدكتور عمر الأشقر " يشعل المنهج الفلسفي الكلامي الباحث والناظر فيه في قضايا ينقضي العمر ولا ينتهي من بعضها ، بل إن الذي يحصله منها ينطوي على شبهات تجعل اليقين غير موجود ، فيصاب الباحث بالحيرة والشك والاضطراب " (2) وقال الأستاذ يوسف أبو الهيجاء " حقا ما أسرع ما ينقض العقل نفسه بنفسه ، يصدر اليوم حكماً وينقضه غداً ، أرى الآن أن هذا حق وحقيقة ، وأعود فأراه باطلاً ، أقتنع الآن أن هذا العمل جد مثمر ، ثم لا ألبث أن أراه عبثاً ، أكون رأياً في الصباح ، أنقضه في المساء مكتفياً بأن أقول : إنه رأي خاطئ " وقال " صحيح أن العقل هو الملجأ الوحيد لإصدار الأحكام الإيجابية أو السلبية .. أما إذا ثبت أنه يصدر أحكاماً متناقضة أو متباينة ، فعندها وعندها فقط يكون البلاء أشد ، وندرك تمام الإدراك أننا في حوزة قاض وحيد غير ثقة " (3)(3/15)
المعايير العقلية العلمانية : لا زلنا نسأل العلمانية نفس السؤال : ما هي الحقائق الفكرية ؟ وما هو الطريق العقلي العلماني لهذه الحقائق ؟ نحن نريد حقائق ، وليس أراء وظنون ، نريد طريقاً مشابهاً لطريق التجربة والمشاهدة والاستنتاج الذي يوصلنا للحقائق العلمية المادية فإذا كان مرفوضاً أن يقول علماء المادة أظن أن الماء يغلي عند 20 درجة مئوية في الظروف العادية أو أظن أن الأكسجين غاز لا يساعد على الاشتعال ومبرراتي هي أن ذرته تتكون من كذا وكذا فإن مثل هذه الآراء لا وقت عند علماء المادة حتى لسماعها ، فالعلم المادي بشقيه الإحيائي والتكنولوجي يعتمد على حقائق لا أراء ولا مبررات عقلية متناقضة ، فعندما يقولون غليان الماء عند 100 درجة مئوية حقيقة ، فإنه لا أحد يستطيع أن يعارض ، فالعلمانية أعطتنا مبررات منطقية وثبت أنها متناقضة وحاول الفلاسفة وضع معايير عقلية لتحديد الحق والصواب فقالوا : النأخذ الحرية والعدل والمنفعة والسعادة ... الخ ، ومن الصعوبات التي واجهتهم أن هناك تناقض بين هذه المعايير ومنها أن هذه أهداف عامة لا اختلاف حولها ، فلا يوجد عاقل يقول أن هدفي هو التعاسة أو الظلم ، وأنها مقياس لتحديد الحق من الباطل ، ومن التناقض في هذه المبادئ : أن العلمانية الرأسمالية أعطت وزناً أكبر لقضايا الحرية مما جعل وزن العدل يقل في حين أن العلمانية الشيوعية فعلت العكس ، فالحرية تجعل الناس يتفاوتون في ثرواتهم وحظهم من الغنى والفقر فقد يسكن فرد منهم قصراً به مئات الغرف ، وينام الآخر في العراء ، في حين أن الشيوعية تحرص على نفس السكن أو مساكن متقاربة ولا تعتبر هذا يعارض الحرية الشخصية بل لا تعتبر تملك الثروة الهائلة بل المعتدلة من الحرية أصلاً ، والمشكلة أنه ليست عندنا حرية أو عدل فقط بل هناك مساواة ومصلحة جماعة ومصلحة فرد مصلحة شعب ، وهناك السعادة والرحمة والمنفعة " المصلحة " والإخاء والاحترام والحب والإبداع والتمتع والراحة النفسية والعزة والرفاهية والاستقرار والتملك والراحة الجسدية واللذة ، وهذه وغيرها أهداف نريد أن توصلنا لها عقائدنا ونظمنا ومفاهيمنا وقوانيننا ونريد أن نصل إلى نظام صحيح يحقق التوازن الصحيح بين هذه الأمور ، فلا نتطرف في ماديات ولا روحانيات ولا غرائز وهذه الأمور أهداف متداخلة مع بعضها ، وأحياناً متناقضة واقتناع العقول البشرية بأهميتها كلها أو بعضها أمر مختلف فيه كما أن إعطاء أوزان لها أمر مختلف فيه حتى لو تم الاتفاق على بعضها أو كلها كعناصر معيارية فقد تكون الانتخابات تعطي حرية ولكنها قد لا تعطي عدلاً ، وقد يخسرها المخلصون والعلماء وينجح بها المنافقون والجهلاء ، أما إذا حددنا مواصفات دقيقة تمنع ترشيح الجهلاء والمنافقين فإن هذا معناه تقليل حجم الحرية ، فالبعض لن يكون من حقه الترشيح أو حتى الانتخاب ، بحث العلمانيون والفلاسفة هذه القضايا فقالوا لنعتبر الشيء حقاً وصواباً إذا حصل على اتفاق الأغلبية أي من خلال التصويت وما عداه خاطئ ، وقال آخرون لنجعل معيارنا للحق السلطة سواء كانت أباً أو أماً أو حكومة ، وقال آخرون إن مقياس الحقيقة هي أن نعيش تجربة عملية ، ثم نستنتج بعدها حقائق هذا الواقع وقال غيرهم لنجعل المصلحة هي الميزان ونقيس الإيجابيات والسلبيات ، واختلفوا في ذلك والإيجابيات والسلبيات تختلف وزناً واتجاهاً من طرف إلى آخر ، وقد قيل مصائب قوم عند قوم فوائد ، وقال آخرون ما رأيكم أن يكون معيارنا هو تجربة كل فكرة على الواقع ، والفكرة التي تبقى وتعيش هي الصحيحة ، أما التي تموت فهي الخاطئة وبعضهم قال لنجمع علماء من مختلف التخصصات ، ونجعلهم يحددون المعايير وبعضهم قال لنأخذ بعض العلماء ونجعلهم يعرفون كل أنواع العلم ، ثم سيكونون قادرين على وضع هذه المعايير ، وبعضهم حاول أن يصنع معياراً مركباً من عدة نقاط ، وكل هذه المعايير وجدت من يرفضها كلياً أو جزئياً وينفي مناسبتها لتحديد الحق من الباطل ، وطبعاً سيختلف الناس فيمن يضع هذه المعايير بمعنى لو اخترنا مئة عالم أمريكي لأعطونا معايير متأثرة بخبرتهم وتجاربهم ، ولو أخذنا مئة عالم صيني لأعطونا معايير أخرى ، وهكذا فستكون معايير تحديد الحق من الباطل هي معايير ظنية ومتغيرة ومختلفة من فريق إلى آخر وهنا نحن نفترض أن المئة عالم " مفكر " أمريكي سيتفقون على معايير واحدة من خلال نقاش وحوار وسيتضح للجميع أن هذه هي المعايير الصحيحة لتحديد الصواب من الخطأ أي أن الاتفاق لن يكون من خلال التصويت ، وهذا أيضاً افتراض خيالي لأن العقول الأمريكية متعارضة كفلاسفة وعلمانيين ومفكرين ، فإذا كان من الصعب وأحياناً من المستحيل أن يتفق فيلسوفان كبيران على عشر حقائق فما بالك بمئة عقل وما بالك بمئة عقل من مختلف أنحاء العالم ، إن النتيجة المنطقية والبديهية أننا لن نصل إلى معيار لتحديد ما هو الحق وما هو الباطل في القضايا المختلف حولها وأقول " المختلف حولها لأن هناك قضايا لا اختلاف حولها بين العقلاء مثل أن السرقة شر والاعتداء على الناس خطأ ، والتواضع صفة محمودة ، ومساعدة الفقراء رقي وحضارة .. الخ ، وقال هنترميد عن معيار مركب : " حدود المعيار المركب : ولكن من سوء الحظ أن جزءاً فقط من القضايا التي يتعين الحكم عليها بأنها " حقيقة " أو " بطلان " هو وحده الذي يستطيع الصمود لكل هذه المعايير " (1) وقال " تعد مشكلة الحقيقة من أعقد المشكلات التي يتعين على الفلسفة بحثها ، ذلك لأنه ليست هناك كثرة من " الحقائق " فحسب ، بل إن الناس نادراً ما يعنون نفس الشيء عندما يضعون عبارة بأنها " حقيقة " وقال " لأن الخلاف الأساسي يكمن في أن أحد الفريقين يستخدم نظرية أو معياراً معيناً(3/16)
للحقيقة ، في حين يرتكز الآخر على مفهوم مختلف كل الاختلاف " وقال " فإذا قلت " حقيقي " وكان في ذهني معنى معين ، وقلت أنت نفس اللفظ وكان في ذهنك معنى آخر ، لكن في مواصلة الحديث مضيعة للوقت (2) أي إذا كان الميزان الذي في ذهنك لتحديد الحق من الباطل يختلف عن الميزان لدى فرد آخر فلا فائدة حتى من الحوار ، فالعلمانية عجزت عن إيجاد الميزان الصحيح ، ومعنى هذا الكلام إن كان معيار تقييمك للرجال أن الأفضلية هي للأصدق والأكرم في حين أن فرداً آخر عنده الأفضلية ، هي للأغنى والأجمل فإن اختلافكم هنا هو في المعيار ، وبالتالي لن تتفقا على ترتيب عشرة رجال حسب الأفضلية وهذا ما حدث مع اختلاف المعايير في العلمانية حيث تحديد الحقيقة يصبح مستحيلاً إذا كان كل فرد أو حزب أو دولة تستخدم معايير مختلفة ، فهذا سيؤدي إلى أن كل طرف يرى الحقيقة التي صنعها أو ما يريد أن يعتبره حقيقة مما يجعل لدينا حقائق لكل طرف أو آراء مقتنع بها كل طرف ، ونحن نريد حقائق أصلية وليست مسميات وهمية لوجهات نظر شخصية وآراء ظنونية ،قال تعالى " إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى " النجم (23) وقال تعالى " وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا " النجم (28) وقال تعالى " وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون " يونس (36) معنى هذه النتيجة التي وصل إليها العلمانيون أنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى العلم الفكري والحقائق الفكرية ، وإليكم هذه الاعترافات ، وهذه الأقوال قال برتراند رسل في كتابه تطوري الفلسفي : " إنه لا يمكن الادعاء بالقطعية ( في النظرية أو الآراء ) على النحو الذي سار عليه الفلاسفة المتسرعون ، بكثرة وبدون جدوى " (1) وقال أ.م. بوشنسكي " ولم يعتقد برتراند رسل ، منذ البداية أن بإمكان الفلسفة أن تقدم إجابات مؤكدة كثرة ، وحيث أن وظيفتها هي أن تفتح مجالات أما العلم ، فإن عليها أن تثير المشكلات لا أن تجد حلها ، أن المهمة الرئيسة للفلسفة مهمة نقدية " (2) وعلق أ.م. بوشنسكي " ومن مزايا هذه الطريقة في التناول أنها تنبه العقل ، ولها من القيمة ما يفوق الإجابات الفلسفية التي تحمل الشك بين طياتها للأبد " (3) وأعلق لا نريد جدلاً ونقداً وحواراً لا ينتهي ، نريد أن نصل للحقائق الفكرية وقال جوليان هكسلي : " يجب أن نستعد لمواجهة الحقيقة ، وهي أن جهلنا بالحقائق النهائية سوف يستمر إلى الأبد بسبب فطرتنا المحدودة " (4) وقال دكتور الكسيس كاريل " نحن ضحايا تخلف علوم الحياة عن علوم المادة " (5) وقال جوليان : " إن محاولة تقديم تفسير لعلم الإنسان ينطبق على كل إنسان ضرب من المستحيل وجرى وراء السراب " (6) أما الأستاذ عادل ضاهر فقد قال في كتابه الأسس الفلسفية للعلمانية " فالمشكلة الأساسية هنا هي أن ادعاءنا امتلاك معرفة معيارية بصورة مستقلة ، بعكس ادعاءنا امتلاك معرفة علمية بصورة مستقلة ، هو ما يشكل موضوع تساؤل ، ليس فقط من قبل منظري الحركات المناهضة للعلمانية ومن لف لفهم ، بل وحتى من قبل جزء كبير من الفلاسفة العلمانيين ، فإن بين الأخيرين عدداً لا يستهان به ينفي إمكان وجود معرفة عقلية ، على المستوى المعياري ، بينما بالمقابل ، يكاد يستحيل أن نجد شخصاً واحداً عاقلاً ينفي وجود أم إمكان وجود معرفة عقلية مستقلة على المستوى العلمي " (1) والمقصود هنا أن هناك حقائق في المجال المادي في حين أن هناك عدم قدرة للوصول للحقائق في المجال الفكري وقال الشيخ عبد الحليم محمود : " والواقع أن العالم منذ أن نشأ ، وهو يحاول أن يجد مقياساً عقلياً ليزن به الحق والباطل ، في ميدان الأخلاق وما وراء الطبيعة ولكنه ، على مر الدهور ، وعلى اختلاف البيئات ، وبرغم الجهد المتواصل ، لم يجد هذا المقياس العقلي " (2) وقال ابن القيم : " وقد أجمع العلماء على أن ما لم يتبين ولم يتيقن فليس بعلم ، وإنما هو ظن ، والظن لا يغني من الحق شيئاً " وقال النبي ? : " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " (3) وجاء في كتاب نظرات في النبوة " إن للعقل اختصاصه وميدانه وطاقته ، فإذا اشتغل خارج اختصاصه جانبه الصواب ، وحالفه الشطط والتخبط ، وإذا أجري في غير ميدانه كبا وتعثر ، وإذا كلف فوق طاقته كان نصيبه العجز والكلال " (4) وقال الأستاذ عبد الباري الندوي " لم يستطع علماء الأخلاق حتى الآن أن يعينوا المعيار الحقيقي للخير والشر " (5)
العلمانية منبع الجهل(3/17)
عندما أقول : أن العلمانية منبع الجهل فهذه حقيقة فكرية أساسية يجب أن يعرفها كل من يبحث عن الحقائق ، وقد يقول قائل كيف تتهم العلمانية بأنها منبع الجهل ، وهي التي تدعو للاعتماد كلياً على العقل ، وتدعو للقراءة والتفكير والنقاش وأقول إن استخدام العقل على الطريقة العلمانية يوصل للتناقض والحيرة والضياع أي الجهل أي الفشل في الوصول على الحقائق ، أما القراءة والتفكير والنقاش فلن يؤدون إلى حقائق بل هذا يعتمد على نوعية ما نقرأ والطريق الصحيح في النقاش وإلا ستكون النتيجة هي الجدل والنقاش البيزنطي ، وإذا أخذنا الموقف العلماني من كل القضايا الفكرية الأساسية وجدناه مشوهاً ، ولا يوصلنا إلى الحقيقة ، فإذا قلنا هل الله موجود أم لا ؟ قال بعضهم نعم موجود وقال آخرون لا غير موجود ، وقال فرق ثالث أنا أشك في وجوده ، فهم بين الإيمان والإلحاد والشك ، ولست أنا وحدي من يتهم العلمانية بالجهل فالعلمانيون يتهمون بعضهم بالجهل فكل واحد منهم يتهم من يناقضونه الرأي بأنهم على خطأ أي جهل ، فالعلمانيون يتناقشون ويتكلمون ولكنهم لا يتفقون على حقائق فكرية ، بل يتناقضون ، بل هم لم يتفقوا على حقيقة فكرية واحدة مع أن العلمانية لها أكثر من ثلاثة قرون تقرأ وتتأمل وتبحث وتناقش ، بل منذ آلاف السنين من أيام الفلاسفة القدماء ، وهم لم يتفقوا على حقيقة واحدة وهذا يعني أنه لا يوجد عندهم علم فكري ولا يوجد حقائق فكرية فكل شيء خطأ ، وفي نفس الوقت كل مبدأ أو فكرة أو رأي تجد له مؤيدين منهم ، فأي شيء بإمكانه أن يكون صواباً وحقاً حتى لو كان فكرة سخيفة وكل شيء بإمكانه أن يعتبر خطأ وباطلاً حتى لو كان حقيقة فكرية عظمى تسندها الأدلة العقلية كوجود الله سبحانه وتعالى ، وكصدق الأنبياء ، فمن البديهيات أنه لا يوجد فكر علماني بل توجد مبادئ وآراء كثيرة ومتناقضة من الرأسمالية إلى الشيوعية إلى غيرها من المبادئ ، ولا يوجد وهذه قضية مهمة عقل بشري واحد ، بل توجد عقول بشرية كثيرة ، فهناك عقل رأسمالي وعقل شيوعي وعقل نازي ، وعقل اشتراكي ، وعقل انتقائي ... الخ ، فعندما قالت لنا العلمانية اتبعوني وسأوصلكم بالعقل للحقائق الفكرية وجدنا أنها لم توصلنا إلى حقائق بل إلى آراء ووجدنا أن هناك أكثر من عقل بشري ، وكل عقل يعتبر نفسه الواعي والذكي وكما قيل : " كل بعقله راض " كما أن العلمانية لم تعطنا نظاماً اقتصادياً متكاملاً بل أعطتنا أنظمة اقتصادية متناقضة رأسمالية وشيوعية واشتراكية .. الخ ، وهذا ينطبق أيضاً على النظام الاجتماعي والسياسي والتربوي ... الخ ، وإذا أوصلنا العلمانية إلى أنه لا توجد حقائق فكرية فهذا قمة الجهل ، وقمة الضياع وقمة التخلف فإذا كان ما يوجد هو آراء وليس حقائق فمعناه لا يوجد علم ، ولا يوجد جهل وهذا هو الجهل بعينه ، وبالتأكيد أن الجهل لم يحلم في تاريخه الطويل بأن يتساوى مع العلم ، وهذا هو ما وصلت إليه العلمانية قال برتراند رسل " تدعي الفلسفة منذ القدم ادعاءات كثيرة ، ولكن حصيلتها أقل بكثير بالنسبة إلى العلوم الأخرى " (1) وقال آلان ود " برتراندرسل فيلسوف بدون فلسفة " (2) قال هنترميد " الفلسفة مضيعة للوقت " الفلسفة لا تحل أية مشكلة " الفلسفة لا تعالج إلا مشكلاتها الوهمية الخاصة – بل إنها تعجز عن حل هذه المشكلات " مثل هذه الملاحظات توجه إلى الفيلسوف المحترف وإلى طالب الفلسفة " (3) وقال أ.م . بوشنسكي " ولكن الأهم من هذا كله أن كل هؤلاء الفلاسفة الماديين يقفون حيارى لا يكادون يبينون بشأن كبريات مشكلات الإنسان وهي المشكلات التي اهتم بها الفكر الأوربي في القرن العشريين الميلادي أعظم اهتمام ، ففيما يخص الألم والعذاب والأخلاق والدين فإنهم يقتصرون على القول بأنها أمور لا تحمل مشكلات للفلسفة ، أو قد يقول بعضهم : إنه من المخالف للعقل اعتبارها مشكلات فلسفية على الإطلاق " (4) وقال " حيث يرون " الفلاسفة الماديون " أن أيه مناقشة حول أمور نفسية لا تكون بذات معنى " (5) وقال هنترميد " حرية الإرادة في مقابل الحتمية : على الرغم من أن علم النفس الحديث قد دعم وجهة النظر الحتمية بقوة فإن الحتمية ما زالت حتى الآن فرضاً لم يتم إثباته " (6) وقال " على أن أيا من جانبي النزاع الحاد الخاص بحرية الإرادة لم يفلح في قهر الجانب الآخر ، وما زالت هذه المشكلة ، على الأرجح أكثر أبناء الفلسفة إثارة للضجيج والمتاعب ، ولكن هناك على الأقل احتمال في أن يؤدي تطور علم النفس إلى تسوية نهائية لهذه المسألة القديمة العهد ، ولو حدث ذلك لكان هذه يوماً سعيداً لأمها الفلسفة " (7) ولاحظ هنا كلمات لم يتم إثباتها ، وهناك احتمال ، ولو حدث هذا ، وحيارى وادعاءات ، وليست ذات معنى ، وانظر إلى الفيلسوف هنترميد وهو يقول : " ففي وسع المرء أن يستبعد المشكلات التي عرضناها حتى الآن ، ( مشكلة الله ، مشكلة حرية الإنسان ، مشكلة الدين ) على أساس أنها ليست بذات أهمية علمية ملحة مهما تكن حقيقتها ودلالتها من حيث هي مشكلات عقلية ، ولكن ها هي ذي مشكلة تعد أكثر المشكلات الإنسانية الكبرى اتصالاً بالإنسان ، وأعمقها تأصلاً فيه ، وربما أشدها إلحاحاً عليه وأعني بها وما الحياة الخيرة " ؟ (1) فهو يجعل وجود الله والدين وحرية الإنسان قضايا غير ذات أهمية عملية ، وما فعله خطأن أولهما هروب من قضايا كبرى اهتم بها الإنسان وعجزت عنها العلمانية والفلسفة والشيء الثاني أن هذه القضايا ذات أهمية عملية عظمى ، فالإيمان بالله والعقائد الدينية تترجم إلى أعمال وعبادة وجهاد وأنظمة فكرية وسلوك وأحزاب وجماعات ودول وأخلاق ومعاملات وشعارات وحرب وسلام وهذه أمور يعرفها كل إنسان عاقل حتى لو لم يكن مؤمناً بوجود الله(3/18)
، ولكن العلمانية لها أساليب وآراء في تشويه الحقائق الفكرية خدعت بها كثيرين وللأسف فأحياناً تقول إن القضايا الإيمانية ليست لها علاقة في الحياة الدنيا ، بل فقط بالحياة الآخرة ، وأحياناً تقول : لا علاقة للدين بالسياسة ، وأحياناً تقول لا نحتاج الدين في حياتنا .. الخ وهذا من أساليب نشر الجهل واتباع الأوهام والظن ، وليت كل العلمانيين والفلاسفة يعترفون كما اعترف سقراط حين قال " إنني جاهل ، وأعرف أنني جاهل ، وأما هم فجهلة ويجهلون أنهم يجهلون " ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل نجد الأستاذ عادل ضاهر يعلق على الأسئلة الكبيرة أي أكثر كفاية من الآخرين لمعالجة أسئلة مقلقة كهذه ولا سلطة دينية أو علمانية يمكنها أن تدعي ذلك " (2) ولو قال الأستاذ عادل أن العلمانيين عجزوا لقلنا هذا صحيح ، وهذه حقيقة فكرية واضحة نتفق معهم فيها ، ولكنه تكلم بالنيابة عن أهل الإسلام والأديان السماوية ، وقال هم أيضاً ليست لديهم الكفاية لمعالجة هذه الأسئلة المقلقة في حين أن أهل الإسلام يقولون عكس ذلك ، فهم لديهم إجابات معروفة ، وأدلة عقلية ووضوح ونور وهداية وعلم وبصيرة وحكمة قال سبحانه وتعالى " أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق " سورة الرعد 19 ، 20 وقال تعالى " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " سورة الحديد 25 فما أنزله الله سبحانه وتعالى هو الحق ، أي الحقائق الفكرية التي تجيب على الأسئلة المقلقة وغيرها مما يحتاجه البشر ، وسنتحدث في مقال قادم إن شاء الله عن الطريق الإسلامي للوصول للحقائق الفكرية وأدلته العقلية ، وسنداعب العلمانيين قليلاً لنقول إن أغلبكم وليس جميعكم مقتنعون ومتفقون على قضية واحدة ، ويرون أنها صواب وحق وهي أن من يريد الحقائق والعقل فليبتعد عن الأديان السماوية فلا يوجد فيها حقائق ، ونقول لهم أن هذه " الحقيقة " الفكرية الوحيدة عندكم هي أيضاً خاطئة فالإسلام هو منبع العلم الفكري والحقائق ، وأنتم أخذتم تبحثون في مكان آخر ولهذا ضعتم وجهلتم ومشكلتنا مع العلمانية ليست فقط أنها منبع الجهل الذي أصاب العالم خلال الثلاثة قرون الماضية بل أيضاً إنها حتى هذه اللحظة لم يقتنع العلمانيون يجهلهم ، قال أحد علماء المسلمين : " ما عصي الله بمعصية أعظم من الجهل قيل هل تعلم يا أبا محمد معصية أعظم من ذلك قال : نعم الجهل بالجهل " فمن لا يعرف الحقائق الفكرية هو أعمى فكرياً ، ومن لا يعلم أنه أعمى فكرياً فهو أعمى مركباً لأنه لم يدرك جهل وجنون العلمانية الذي جاء في قول الدكتور عبد الحليم محمود أستاذ الفلسفة وشيخ الأزهر : " إن الفلسفة لا رأي لها ، وذلك لأنها في مسائل ما وراء الطبيعة وما شابهها من القضايا الكبرى تقول الشيء وضده ، وتصدر الحكم ونقيضه ، يعني أن ما يقوله فيلسوف ينقضه آخر ، وما يبنيه واحد يأتي آخر في عصره أو بعده فيهدمه من أساسه ، وبهذا لا تستطيع الفلسفة أن تعطي رأياً واحداً محدداً في قضية كبرى " (1) ونحن لا نريد آراء متناقضة ولا حتى آراء متفقة بل نري حقائق فكرية وعلم فكري ، قال الشافعي رحمه الله " مثل الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل ، يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري " (2) وهنا ننبه إلى قضية هامة وهي أن العلمانيين أحياناً يصلون إلى حقائق فكرية وهذا هو الاستثناء لا القاعدة ، بمعنى أن من يعطي إجابات كثيرة متناقضة فإن بعض هذه الإجابات ستكون صحيحة ، فهناك من العلمانيين من آمن بوجود الله ، وهناك من أنكر ، وهناك من أخذ موقفاً متشككاً ، فمن آمن وصل إلى حقيقة فكرية ، وهذا ينطبق على قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية ، فليس كل ما تقوله العلمانية خطأ وهذا ليس ذكاء منها بل لأنها تعطي إجابات كثيرة متناقضة ، ولكنها لا تدري أيها الإجابة الصحيحة من الإجابات الكثيرة التي يقدمها العلمانيون والفلاسفة ، فالعلمانية هي التي لوثت الحقائق الفكرية ، وضربت العلم الفكري بالصميم ، وفتحت الأبواب الواسعة للجهل ليتكلم وينتج الآراء والفلسفات والعقائد الباطلة ، ويبني الأنظمة والأحزاب لتختلف وتتصارع وتملأ الأرض جهلاً وشراً وظلماً وضياعاً وتفككاً ، فالجهل هو أعدى أعداء الإنسان وهو منبع الانحرافات والشر والظلام ولكن العلمانية ألبسته ثوباً عقلياً وعلمياً مزوراً ، فإذا كان الجهل سائداً فإن هذا معناه بناء الأنظمة والعقائد والعقوبات والأعمال على أسس خاطئة وباطلة قال ابن القيم " فيا لله العجب ! كيف تستباح الفروج والدماء والأموال والحقوق وتحلل وتحرم بأمر أحسن أحواله وأفضلها لا أدري ؟ " (1) فمع اعتراف الفلاسفة والعلمانيين بالضياع والحيرة والتناقض ولا أدري إلا أنهم شرعوا الدساتير والقوانين ووزعوا الحقوق والواجبات وادعوا العلم والتقدمية والحضارة ، قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : " الناس ثلاثة : " فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق " (2) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " والجهل والظلم هما أصل كل شر كما قال سبحانه " وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً " (3) سورة الأحزاب 72 وقال ابن القيم رحمه الله " إن كل صفة مدح الله بها العبد في القرآن فهي ثمرة العلم ونتيجته ، وكل ذم ذمه فهو ثمرة الجهل ونتيجته " (4) وقال " الجهل نوعان : عدم العلم بالحق النافع وعدم العمل بموجبه ومقتضاه فكلاهما جهل لغة وعرفا وشرعاً وحقيقة " (5) وأقول البناء العلمي الفكري الصحيح في العقائد والأنظمة والدساتير والقوانين والحياة(3/19)
الزوجية والجوانب السياسية والاقتصادية هو الذي يحقق العدل والحرية والسعادة والمساواة والحب والتواضع ، وإنسان بدون حقائق فكرية ( علم فكري ) كمن يريد بناء مصنع معقد ومتطور بدون حقائق مادية ، وعلم مادي ونقول بأعلى صوتنا أن العلم الفكري هو الأساس في تحديد المعنى الصحيح للحرية والعبادة والعدل والعقيدة الصحيحة ،وهو يحد لنا من الأحرار ومن العبيد ومن الدولة العادلة ومن الدولة الظالمة ومن الواعي ومن الجاهل ، ألم يقل الإمام علي بن أبي طالب " اعرف الحق تعرف أهله " وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه " الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب لأن الجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه " (1)
الأسس الجاهلية للعلمانية
لم تستند العلمانية أبداً إلى حقائق فكرية على مختلف مدارسها الرأسمالية والشيوعية والنازية وغيرها إنما استنادها هو فقط للظن والتخمين والرأي والاحتمال والحل الوسط والتصويت ولا أدري ، وكما يقول الإنجليز في نهاية اليوم لا بد أن تتخذ عقائد وأنظمة ومبادئ ونظريات ، فأخذت مبادئها حسب درجة الضياع التي وصلت لها كل مدرسة من مدارسها الضائعة ، وتجاهلت دعوتها لنا لنتبع عقلها الذي يوصلنا للحقائق الفكرية ، ولم تعترف اعترافاً صريحاً كما اعترف بعض كبار فلاسفتها بأنها ضائعة وأنها وصلت لطريق مسدود ، وأن الطريقة العلمانية في استخدام العقل كانت خاطئة ، وإليكم بعض الطرق والوسائل والمنطلقات التي اعتمدتها المدارس العلمانية حتى نعرف مدى ضعفها وخطئها وغياب أي أسس علمية لها .
1) الإنسان مادة : اتبع الشيوعيون والفلاسفة الماديون أسلوب التجربة والمشاهدة والاستنتاج أي أسلوب الوصول للحقائق المادية في مجال الحقائق الفكرية ، فاعتبروا الإنسان مادة ، واعتبروا أن العقائد الصحيحة يمكن الوصول إليها من خلال حركة الحياة التاريخية والتعامل مع الإنسان كمادة نراقبها وندرسها ، واقتنعوا بأن المحرك للإنسان هو المصلحة فقط ، ولا توجد مبادئ ولا عقائد ولا أديان ولا حتى أمور عاطفية ولا علاقات اجتماعية ولا أخلاق ولا انتماءات عرقية ولا إله وظنوا أن الحياة تتحرك كمادة ، وأن المستقبل سيؤدي إلى حتمية معينة وهي سيطرة الشيوعية ، لأن هذا جزء من التطور المادي ، وسموا نظريتهم الاشتراكية العلمية ، وقدموا تبريرات عقلية واهية يظنون أنها تثبت نظريتهم فأخذوا بعض النظريات ولا أقول الحقائق المادية كنظرية التطور لداروين ، واختاروا بعض القصص والأحداث التاريخية كأدلة لفكرهم ، وتجاهلوا ما يعارضها وقد ذكرنا أن الإنسان يختلف عن المادة ولا يتصرف كما يتصرف الحديد أو الماء إذا أخضع لتجربة مادية ، ولكنهم تجاهلوا هذا أيضاً ولأن فكرهم هزيل ولا يصمد للنقاش فقط اضطروا إلى اضطهاد علماء الأديان السماوية ، والفلاسفة غير الماركسيين في روسيا الشيوعية ونفوا بعضهم وسجنوا آخرين وأعدموا بعضهم فلا حرية ولا نقاش ، والفكر الهزيل بحاجة على قوة تحميه وأخيراً سقطت الشيوعية سقوطاً ذريعاً ، ونقول إن أطفال المسلمين يعلمون أن هذا فكر باطل وشيطاني وجاهل ولكن روسيا احتاجت سبعين عاماً حتى تعلن ذلك ، والمشكلة ليست في العقل البشري ولكن في الطريقة العلمانية في استخدامه ، وإليكم ما قاله ميلوفان دجيلاس النائب السابق لرئيس يوغسلافيا عن الانتخابات الشيوعية " أنها سباق يعدو فيه حصان واحد " وقال عن الأحزاب الشيوعية " لقد أكدت هذه الطبقة الجديدة إنها أكثر تسلطاً في الحكم من أية طبقة أخرى ظهرت على مسرح التاريخ ، كما أثبتت في الوقت نفسه أنها تحمل أعظم الأوهام ، وأنها تركس أعتى أساليب الظلم في مجتمع طبقي جديد " (1) وهذا الفشل لا ينفي وجود نجاح جزئي بالوصول لبعض الحقائق الفكرية من خلال دراسة واقع الإنسان وتصرفاته وأحداث التاريخ والأسباب والنتائج .(3/20)
2) لا توجد حقائق فكرية : أما العلمانيون الرأسماليون فكانوا أذكى بكثير من العلمانيين الشيوعيين ، فهم لم يتطرفوا في ادعاء العلم والحقائق الفكرية بل حرصوا على مصالحهم المادية وشهواتهم وأشغلوا أنفسهم بالأغاني والأفلام والروايات والفنون التشكيلية والمسرحيات والموسيقى ، وتركوا كثيراً من الأسئلة بدون إجابات ، ولم يدعوا كالشيوعيين أن علمانيتهم توصلهم لكل الحقائق ، فلم يحددوا الحق من الباطل والصواب من الخطأ في كثير من العقائد والعبادات والأمور الاجتماعية ، ولم يقدموا أدلة علمية على صواب فكرهم ، وقالوا أنت حر في عقائدك وعبادتك وحياتك الشخصية فيجوز أن تعبد الله أو تعبد صنم أو لا تؤمن بشيء ، ولتختر كل دولة ما تشاء من قوانين اجتماعية وسياسية واقتصادية ، وحاولوا من خلال مبدأ التصويت ومبدأ الحلول الوسط حل اختلافاتهم العقلية العلمانية ، ونجحوا كثيراً في قضايا العلم المادي ، وهذا هو ما أكسبهم قوة ، ونجحوا أيضاً في الوصول إلى حقائق فكرية كالديمقراطية وحرية الرأي وحقوق الأقليات كأسس وليس في كل جوانبها وهذا أعطاهم قوة فكرية جزئية ، ولكن فشلهم العقائدي والاجتماعي واضح جداً في شقائهم الاجتماعي والعقائدي والشخصي ، والرأسماليون اعتبروا ما وراء الطبيعة أي القضايا الفكرية الكبرى لا علاقة لها بالواقع ، فأعتقد ما شئت فيها أما القضايا السياسية والاقتصادية فيحلونها بالتصويت وليس بالاحتكام إلى العقل ، أما القضايا الاجتماعية والشخصية فأنت حر فيها أي ، أنهم فلسفوا عجزهم العقلي بأنه لا داعي للعقل ولا حاجة للحقائق الفكرية ، أما المهم عندهم فهو أن تقرأ لشكسبير وأن تكون قرأت قصة العجوز والبحر أو أحدب نوتردام ، أو أن تعرف الموسيقيين الكبار وتاريخ أمريكا ، وكتاب هذا السياسي ، أو ذاك فالأمور الثانوية أو غير الهامة هي التي يقيسون بها ثقافة وعلم الأفراد في حين أن الحقائق الكبرى يتجاهلونها ويجعلونها ولا يعتبرون ذلك جهلاً ونبين هنا قضية مهمة جداً وهي الفرق بين العلم والثقافة ، وبين العالم والمثقف ، فالثقافة هو أن تعرف العلم من الجهل ، فأنت جاهل مثقف ، فالقراءة والبحث لا تعني أنك صاحب علم بل العلم يقاس بكمية الحقائق الفكرية التي تعرفها .
3) العرق هو المنبع الفكري : أقام النازيون والعنصريون عموماً فلسفتهم بناء على اختلاف الأعراق سواء بين أجناس أو أمم أو شعوب أو قبائل أو عوائل ، واختاروا من أقوال العلمانيين والتاريخ وغير ذلك أدلة عقلية مزورة تثبت " صواب " عقائدهم وأفكارهم ، ولا داعي لمناقشتهم ولكن يكفي أن نقول إن المسلمين والمسيحيين يعلمون أن الله خلق البشر متساويين ، وأن أكرمهم عند الله أتقاهم ، وهذه حقائق فكرية راقية يعرفها الناس منذ عشرات القرون ، ومع هذا نجد الفكر النازي العلماني وفي القرن العشرين مقتنع بأن العرق الآري أفضل البشر ، فأصحاب الأديان السماوية يعرفون سخافة الفكر العنصري بمختلف مدارسه ، ولكن العقل العلماني الألماني مقتنع به ، أما العقل العلماني الرافض له كالشيوعي والرأسمالي فإنه عاجز عن إثبات انحرافه لأن نقاش العقول العلمانية لا ينتهي في الغالب إلى نتائج متفق عليها ، بل إلى جدل لا ينتهي لأن لكن طرف مبررات منطقية تبدو كأنها صحيحة.
4) التجربة خير برهان : قال الفلاسفة الوجوديون : إنك ستصل إلى الحقائق الفكرية من خلال تجربة حية أي من خلال التجارب الشخصية وممارسة الواقع ، فالمسألة لم تعد العقل والتفكير ، بل التجربة الشخصية ، وهذا أيضاً باب من أبواب الضلال فكل إنسان سيكون عقائده ومفاهيمه عن الحق والباطل والصواب والخطأ من خلال تجربة شخصية ، أي ستناقض الحقائق بعدد الآراء المتناقضة من التجارب الشخصية وتصور إنسان عليه أن يصل للحقائق من خلال التجربة أي عليه أن يدخل تجارب الألم والفرح واللذة والعبادة والغضب والثورة والظلم والعدل ... الخ حتى يكون مبادئه .. أفكار هزيلة ومبادئ عنكبوتية نجد أنفسنا مجبرين على نقاشها لأنها دمرت عقولاً بشرية ، ونقول لا توجد علاقة واضحة كيف سيكون الوصول إلى الحقائق عن طريق تجربة حية نعلم أن الشخص ذو الخبرة والعمر الطويل وممارسة العمل إذا كان ذكياً من المتوقع أن يكون أصوب في الرأي ونعرف أن المثل يقول : " اسأل مجرب ولا تسأل طبيب " ولكن هذا لا ينطبق على الجميع ولا حتى الأغلبية كما أن ما علاقة تجارب شخصية بالوصول إلى مئات الحقائق الفكرية في أنظمة اقتصادية واجتماعية وعقائدية ومن لديه الوقت والإمكانيات للتعرف أو لتجربة كل هذه الموضوعات ومن قال إن نتائج التجارب البشرية ستكون متشابهة وستصل إلى نفس الاقتناعات فهذا يتزوج ويمدح الزواج والآخر يتزوج ويذمه فأين الحقيقة ؟(3/21)
5) البقاء للأصلح : قال الأستاذ زكريا فايد : وبالنسبة للفلسفة البرجمانية المنتشرة في أمريكا ، فعندهم أن الدين مثل أي فكرة أو أي قيمة ، فالأفكار والقيم عندهم ما هي إلا أدوات للعمل ، الواقع وحده أو بالتحديد قابلية هذه الأفكار وتلك القيم للتطبيق العملي هو الذي يحدد مدى صلاحية أو عدم صلاحية هذه القيم ، وتلك الأفكار ، ولا يستثنى من هذا شيء عندهم لا الدين ولا الأخلاق " (1) فبعض العقول الغربية قالت أن الطريق للوصول للحقائق هو ترك الواقع يحسمها بمعنى أن الواقع وليس العقل من سيقودنا وبنوا قولهم على أن الصراع بين المتناقضات وبين الحق والباطل سيؤدي إلى انتصار الحق وبقائه لأن الباطل ليست لديه عناصر العلم ، ونعلم أن البشر إذا لم ينصروا الحق سينهزم وسينتصر الباطل فأي ظالم سيتمادى بظلمه إذا لم يجد بشراً يردعونه فالظلم إذا وجد أنصاراً سيبقى ، ولو كان الحق هو الذي ينتصر لما عاش الباطل حتى عصرنا هذا ففلسفتهم هي طبق الإعدام ، فإذا نجح في ردع المجرمين فهو حق أما إذا لم ينجح فهو باطل ، ومعروف أن هناك عوامل تتدخل في الواقع من مبادئ ومصالح وظروف وغنى وفقر فهذا الطريق لا يوصل إلى الحقائق فما ينجح في بلد يفشل في بلد آخر ، فالحقيقة الفكرية تثمر في مكان ولا تثمر في مكان آخر إذا لم تكن التربة صالحة ، كما أن معنى هذا الكلام أن تطبق في بلد ما أنظمة اقتصادية رأسمالية وشيوعية وإسلامية .. الخ حتى نترك الواقع يقرر ما هو أصلح أي الذي سيبقى هو الأصلح ، وهذا قمة الفوضى والانحراف وعدم الوضوح وعدم الاستقرار ووضع الناس والأجهزة الحكومية في وضع مأساوي ، ومعنى هذا اترك الأفكار والأفراد والأحزاب والدول تتصارع والبقاء سيكون للصواب والحقيقة هي أن البقاء سيكون للأقوى ، وأن هذه هي الشريعة المطبقة في الغاية ، وإذا كانت القوى الديكتاتورية في شعب أقوى من القوى الديمقراطية فإن التطبيق سيكون للديكتاتورية ، وقد نستمر عشرات السنين بل قروناً فهل هذه هي التقدمية العلمانية أم الرجعية الحقيقية .
6) الهرم المعقد : من الأمور الغريبة التي أدت إلى ستر الجهل العلماني طويلاً هو الفيضان الكتبي حيث نجد للفلاسفة والعلمانيين آلاف الكتب بدل كتاب أو كتابين للحقائق الفكرية كما في الأديان السماوية ، وهذا جعل الباحث عن الحقائق عليه أن يقرأ الكثير من الكتب ولن يصل ليس فقط لأن ما عندهم آراء وليس حقائق بل لأنهم يعطونك آلاف الكتب وهناك صعوبة لأن يفهم بعضهم بعضاً كما أنهم يستخدمون مصطلحات كثيرة ذكرت بعضها في مقال سابق ، وكثير منها غامض ومتناقض ، وكلامهم كثير ومعقد مما يجعل الإنسان الطبيعي يمل من قراءات آلاف بل حتى مئات الصفحات من الكلام المتناقض غير المفيد بعكس الوضع مع الحقائق الإسلامية الفكرية التي يفهمها الناس لأنها واضحة وسهلة قال أ.م . بوشنسكي " والواقع أن إدراكنا أن حياة كاملة تقضى في البحث هي أمر ضروري لمعرفة فيلسوف واحد فقط " (1) وقال هنترميد : " أما أفكار معظم المفكرين الكبار فتصاغ عادة من خلال مصطلح فني أكثر تجريداً ، ينبغي أن نتعلمه مثلما نتعلم المصطلح الخاص بأي علم ، وهذا المصطلح الفني هو في الوقت ذاته الحاجز الأكبر الذي يقف حائلاً بين معظم الفلاسفة وبين عامة الناس " (2) ونقول إن مصطلحات أي علم آخر متفق عليها كما في مصطلحات الكيمياء أو الطب أو الإسلام ، أما المصطلحات الفلسفية فهي آراء متناقضة ، وهي ترجع لآراء علمانية وليس للعلم الفكري ، كما أن هذا القول يجعل كأن العلم الفكري معقد وصعب وهو ليس كذلك ولكن ضياع العلمانيين هو الذي جعلهم يصنعون هرماً عملاقاً معقداً ومتناقضاً ، فالجهل العلماني حمى العلمانية وحمى الفلاسفة بالغموض والتعقيد حتى يظن الإنسان العادي أنه لم يفهم ما يقوله هؤلاء لأنه لم يصل إلى مستواهم من العلم والنور ، فالعلم الفكري لا يتم التوصل إليه بكثرة المكتبات والكتب كما نشاهد في الغرب بل بما فيها من حق وباطل ، فالكثرة مع التناقض والاختلاف جهل وليس علماً ، ولنتذكر دائماً أنه لا يوجد شيء اسمه علم الفلسفة كما في علم الطب أو علم الفيزياء فأنت تقول يقول علم الطب ، ولكنك لا تستطيع أن تقول يقول علم الفلسفة لأنه لا يوجد علم بل توجد آراء متناقضة ، والأصح أن نقول يقول فلان الفيلسوف كذا ، ويقول الفيلسوف الآخر كذا ، ولو سألت العلمانيين هل قرأتم وفهمتم كل كتب الفلاسفة ؟ لقال كلهم لا ومع هذا يطبقون مالا يفهمونه وما يعتبر غامضاً ، فهم رفضوا تصديق واتباع رجال الكنيسة ومع هذا يتبعون رجال الفلسفة بإيمان أعمى وتقليد أعور ، أليس هذا تضييعاً للعلم والحقائق الفكرية بتصديق الفلاسفة المتناقضين ورفض تصديقهم الأنبياء المتفقين .(3/22)
7) التصويت هو الحل : لجأ بعض العلمانيين إلى التصويت كطريق لحل خلافاتهم ، وهذا معناه أن ما سوف يطبق هو ما سيحصل على الأغلبية ، فلا يوجد حق ولا باطل ولا علم ولا جهل ، ولكن يوجد من ينال الأغلبية فيتحكم بالحياة وحتى لو كانت هذه الأغلبية جاهلة أو صاحبة مصالح فإن قرارها هو الصحيح لأنه لا بديل ولا طريق للوصول للحقائق ، فلتوزن الأمور بميزان الأغلبية فالحق يصبح باطلا ً إذا خسر الأغلبية والعكس صحيح ، فرضى الناس هو المقياس للحق لا العقل ولا الأدلة العقلية ، ولو طبقنا الأغلبية على المجال العلمي المادي لما استطعنا أن نصل إلى الحقائق المادية الكثيرة التي وصلنا لها ونعلم أن الحقائق المادية تخضع للتجربة والمشاهد والاستنتاج ، وما ثبتت صحته هو حقيقة حتى لو عارضها كل البشر ، وكذلك يجب أن تكون الحقائق الفكرية غير خاضعة لرأي ومزاج أغلبية ، ونمزقها بالحلول الوسط ، ونعرضها للنوايا المخلصة والفاسدة لتحددها ، وستختلف هذه " الحقائق " من شعب إلى آخر ، والتصويت ضمن شروط يصلح لأمور معينة فكرية ، أما جعله العمود الفقري للوصول للحقائق والدساتير والقوانين والعقائد والحياة الاجتماعية والاقتصادية ... الخ فهذه كارثة علمية كبيرة ، وهذا ما فعلته الحضارة العربية الرأسمالية أي إعطاء الجهل شرعية التطبيق من خلال التصويت ، وطبقوا التصويت حتى في المحاكم التي فيها حكم على دماء وأموال الناس ، فعندما تقول العلمانية لا نريد أن يفرض أحد رأيه على الآخرين والمسألة للتصويت فهي تقول الحقيقة مرفوضة حتى لو كانت تملكها أقلية أو فرد فهي مرفوضة كعقيدة أو نظام أو قانون أو رأي ، فالحل هو التصويت ويعتبرون هذه مساواة بين الجميع وهي فعلاً مساواة بين الحق والباطل والصواب والخطأ والإيمان والإلحاد بل إن حياد السلطة العلمانية ليس حياداً حقيقياً بل هو فعلاً تعصب علماني لأنه فرض المفاهيم العلمانية كالتصويت وغيره على الآخرين ، ومعناه أن الحكومة بلا مبادئ حتى إشعار آخر أي حتى يتم التصويت ، ومعارك التصويت هي التي ستحدد مبادئنا كدولة ، وستتجند كل الطاقات الفكرية والسياسية والاقتصادية لتنتصر لاقتناعاتها ومصالحها في ساحة الانتخابات والمجالس النيابية والأحزاب السياسية ، وفارق التصويت حتى لو كان قليلاً كما في الغالب هو ما سيحدد الحق من الباطل ، ولن تنتهي المعركة عند التصويت فسيحاول الخاسرون الاستعداد للمعركة القادمة ، وفي نفس الموضوع وق يتغير القانون ويصبح حراماً ما كان حلالاً أو العكس وهكذا ، ولا شك أن المشاركة الشعبية والتصويت سيؤديان إلى درجة كبيرة من التوازن بين القوى الرئيسة في الشعب من أغنياء وفقراء وانتماءات سياسية وعرقية .. الخ وسيؤدي الرأي الجماعي إلى الاعتدال والوسطية والواقعية وهذه الأمور ذات علاقة قوية بالعدل قال تعالى " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " سورة البقرة 143 كما أن وجود الرقابة الشعبية وتداول السلطة سيوجد ضغوطاً على ممثلي الشعب تدفعهم للالتزام بالعدل في أحيان كثيرة ، ولكن هذا لا يعني أن التصويت هو الطريق إلى الحقائق الفكرية لأنه ينجح فقط في القضايا الاجتهادية الفكرية إذا توفرت الضوابط الصحيحة له ولكن بالتأكيد ليس مجاله القضايا الأساسية الفكرية مثل وجود الله وصدق الأنبياء والأحكام الاجتماعية والأسس السياسية والاقتصادية .. الخ فليس التصويت هو الذي سيحدد لنا الحق من الباطل في هذه القضايا وهي التي يختلف حولها الناس في عقائدهم العلمانية والدينية بمختلف مدارسهم القديمة والحديثة فالأحكام فيها للعقل لا للتصويت ، كما أن التصويت يتأثر بالعصبيات السياسية والعرقية والطبقية والمصالح والتحالفات وشراء الذمم والصفقات السياسية والعداء الشخصي وفساد الضمائر والعقائد المتناقضة للمصوتين .. الخ ، وكل هذا يجعل دور " العقل " داخل المجالس الديمقراطية وفي اختيار أعضائها دور ضعيف وهذا واقع يعرفه كل منصف .(3/23)
8) ركوب الحصان المادي : استغلت العلمانية التقدم العلمي المادي وجعلت الناس يظنون أنها التي كانت خلفه ، وهذا جزئياً صحيح وبالتالي فما تقوله في القضايا الفكرية هو أيضاً صحيح ، فإذا قالت : " الدين أفيون الشعوب صدقوها وإذا قالت المصلحة في فصل الدين من السياسة فصدقوها ، وقالت العلمانية لم يعد هناك مكان إلا للعلم ، وهي تقصد العلم المادي ، ومع هذا فالكلام والاختلاف معها هو في العلم الفكري ، فالتقدم العلمي المادي ستر العلمانية وضلل كثيرين ، وخلط الأوراق أي زاد في نسبة الجهل الفكري العالمي وإذا أضفنا إليه ما حققه التقدم العلمي المادي من غنى وإبداع ورفاهية مما جعل الناس تصدق كثيراً مما تقوله العلمانية ، فالناس أو كثير منهم لا يهتمون إلا بالمال والقوة العسكرية والرفاهية ، ولا يهمهم الحقائق الفكرية فأمريكا هي القوية والغنية ونريد أن نقلدها وهذا هو الهدف الأول للكثيرين ، ولكن تأكدوا أن الحقيقة أقوى وأغنى من أمريكا العظمى فالعلم المادي حقق قفزات كبيرة ، نعم ولكن العلمانية لم تحقق إلا الفشل والضياع ، فالعلمانية الكسيحة صعدت ظهر الحصان المادي القوي فظن الناس أن التقدم مشترك في حين أن الحقيقة غير ذلك ، كما أن العلمانية جعلت الناس تعتقد أن التقدم المادي العلمي هو الابن الشرعي لها ، وهذا خطأ فالعلمانية ساهمت في بعض النجاح لأنها تستخدم التفكير والتحليل والنقاش ، ولكن تطور العلم المادي خلال القرون الأخيرة حدث لأسباب أخرى أيضاً منها التنافس الاستعماري والقومي بين الدول الأوروبية ، وارتباط العلم والتكنولوجيا بمصالح اقتصادية وأموال وتجارة ، فلم يعد العلم قضية تهم العلماء فقط ، ولهذا حدثت استثمارات مالية كبيرة في البحث العلمي ، واهتمت الدول والشركات في الاستثمار العلمي المادي ، وإذا أضفنا إلى هذا أن العلوم المادية كانت موجودة منذ آلاف السنين سواء في الأقمشة أو التحنيط أو الطب أو صناعة السفن أو الفلك أو غير ذلك ، وهذه حقيقة تاريخية ، فإن اقتناع البعض أن العلمانية والتقدم المادي وجهان لعملة واحدة ساهم في انتشار الفكر العلماني اعتماداً على قوة الرصيد النقدي للعلم المادي .
9) الجدل البيزنطي هو العلم : من الأمور الغريبة أن البعض رفض الهدف الرئيس للفلسفة والعلمانية والذي هو الوصول للحقائق الفكرية ، وجعل هدفها هو النقد والنقاش والحوار أي نقد الأفكار والمبادئ ، و " فتح الأبواب أمام العقل " بطرح أسئلة جديدة ، فكأنها إذا فعلت هذا فقد قامت بواجبها وهذا اعتراف ضمني بالعجز الفلسفي العلماني فهو يقول ليس مهما أن أصل إلى الهدف " الحقائق " يكفي أنني أمشي للأبد باحثاً عن الحقائق ، فالمهم تأليف كتب في نقد الآخرين أو تشويههم ، ولكن إذا سألتني ما هو الصحيح وأين الحق ؟ فلا أدري أي أدري أنك على خطأ ولا أدري أين الصواب وبإمكان الفلسفة العلمانية أن تثير الشبهات حول الإسلام وتتهمه بتهم باطلة وتشوهه ، وإذا قلت لهم جدلاً نعم نحن نتفق معكم فما هو نظامكم العقائدي والسياسي والاقتصادي .. الخ ؟ قالوا لم نتفق حتى الآن ، أو قال بعضهم إنه النظام الرأسمالي ، وقال آخرون إنه النظام الاشتراكي وقال غيرهم غير ذلك ولك هذه أنظمة علمانية وع هذا لا تعطي العلمانية أي شرعية لأي منها ولا تستطيع ذلك ، كما لا تستطيع إلغاء الصفة العلمانية عن أي منها ، والعلمانية تهاجم وتنتقد وتهدم الأديان وحتى المبادئ العلمانية الأخرى ، ولكنها لا تبني بيتاً متكاملاً للبشر ، وهي تعتبر البيوت الفكرية زجاجية ، ولا تبني حتى بيتاً زجاجياً مثلها بل تكتفي أن تقول كلمات قليلة هي اتبعوا العقل وهو سيهديكم ، وما تقوله لا يختلف معها أحد ولكن عقل العلمانية عجز عن بناء فكر لها يهديها فالعلمانية جعلت نقد الآخرين هو فكرها وأحياناً تتبرأ منه أو من أجزاء منه ، فالذي يريد أن يحارب العلمانية جعلت نقد الآخرين هو فكرها وأحياناً تتبرأ منه أو من أجزاء منه ، فالذي يريد أن يحارب العلمانية يحتار فهي أحياناً بلا وجه ولا ملامح ، وأحياناً بملامح كثيرة متناقضة ، وإذا وجهت سهامك إلى نموذج علماني ثبت فشله يتبرأ منه العلمانيون ، فهي أحياناً لا شيء وأحياناً كل مبدأ علماني وأحياناً بعض المبادئ والآراء حسب مزاج العلماني ، وكل علماني يختلف عن الآخر فكيف إذن سيحددون حقائقهم العلمانية ؟ وكيف ستستطيع مناقشتهم وحالتهم من الجهل والغموض لهذه الدرجة ، وما ينطبق على العلمانية ينطبق على الفرد العلماني ، فإذا قالوا هذا الفرد علماني فأنت لا تعرف ملامحه الفكرية ، وهل هو رأسمالي أو شيوعي أو عنصري وما هي عاداته الاجتماعية .. أما إذا قالوا هذا مسلم ، وأقصد المسلم الملتزم فإنك تعرف طريقة تفكيره ، وتستطيع أن تبني علاقة معه من خلال معرفتك للإسلام ومبادئه ، ومن هنا ندرك أن الزواج العلماني زواج بين أطراف غامضة ومتناقضة في حين أن الزواج الإسلامي هو بناء علاقة على أسس واضحة .(3/24)
10) عقائد بلا أدلة علمية : تعطي الفلسفة العلمانية إجابات غريبة هروباً من إعلان عجزها ، فهي تؤمن بأن لكل مخلوق خالق كمبدأ منطقي ، ومع هذا نجد من لا يؤمن بذلك من العلمانيين يقول : إن هذا الكون المنظم خلق بالصدفة أو لا أدري ولكن لست مستعداً لأن أؤمن بوجود الله لأنني أؤمن بأن الطفرة هي التي حولت القرد إلى إنسان ، ولا توجد أدلة علمية مادية أو فكرية صحيحة إطلاقاً على هذه الأمور بل هي غالباً ما تكون أقوال فلاسفة ليست لديهم معرفة كافية بالعلم المادي ولم يشاهدوا طفرة حولت قرداً إلى إنسان ، ولم يشاهدوا الصدفة التي خلقت الكون هي فقط افتراضات وظنون ونظريات لم تثبت يقيمون بناء عليها أفكاراً وعقائد وأنظمة وقوانين ودولاً وأحزاباً ، والعلمانية تعارض مبادئ منطقية صحيحة وتهرب منها بتفسيرات غير منطقية بل هي فعلاً أوهام وخرافات وجدل وعناد ومكابرة ، قال تعالى " كلا إنه كان لآياتنا عنيدا " سورة المدثر / 16
11) الهروب إلى المستقبل : من وسائل استمرار الجهل هو ما تفعله العلمانية من عمل الإنسان والمجتمع حقل تجارب لآراء ونظريات جديدة وحلول جديدة لمشاكل صنعتها العلمانية سواء كانت عقائدية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية ، فإذا زادت أمراض المجتمع الاجتماعية من طلاق وعنوسة وأمراض نفسية فالحل هو زيادة ميزانية القضايا الاجتماعية وعمل مزيد من الأبحاث وتغيير القوانين ، وإذا لم تحل المشكلة كما تثبت الإحصائيات والواقع فالحل هو تجربة حلول جديدة وأفكار جديدة ، فالرأسمالية الحديثة ذات مفاهيم جديدة وأبعاد عالمية وهناك مفكرون جدد عملوا نظريات جديدة وفلسفات جديدة فالحل هو الجري وراء سراب جديد وأمل ضعيف ، فهي دائماً تقدم مشاريع وبرامج وتجري وراء سراب ، وأحياناً وهذا مشاهد تعتبر الانحراف والخطأ شيئاً مقبولاً وشرعياً حتى لو كان الشذوذ الجنسي أو تعتبر هذا الانهيار الاجتماعي كالطلاق والخيانة الزوجية جزءاً من التقدم الاقتصادي والحضارة ، فمتى كان الانحراف جزءاً من تقدم اقتصادي أو تكنولوجي بل الأغرب من هذا عندما يقول الإسلام : ومن البديهيات أن الإيمان بالله تعالى يقضي على القلق والأمراض النفسية وكثير من الأمراض الجنسية كالإيدز وغيره لا ترضى العلمانية حتى بالاعتراف بهذا الواقع المشاهد لأنها تعتبر الدين رجعية وخطأ ، وهذا التفكير أعطى الجهل عمراً أطول كما أن الحلول الجديدة العلمانية تعطي الجهل خلوداً لم يحصل عليه في كثير من العقائد الأخرى فعناد العلمانية حمى الجهل ، ومن الأمور الغريبة أن العلمانية تعرف وتعترف بأنها لم تهتد للحق والصواب ، وأنها ضائعة ولا تعلم ، ومع هذا تتهم الإسلام بالخطأ وأنه باطل ، فمن لا يعرف الحق كيف يحكم على أن هذا الشيء باطل وهذا ليس غريباً إذا عرفنا أن طبيعة العلمانية النقدية تجعلها تشوه كل شيء حتى ما يقوله العلمانيون .(3/25)
12) المبادئ الجزئية : من البديهيات العقلية أن أمور الحياة متشعبة ، وأننا بحاجة إلى فكر شامل يعالج قضايا عقائدية وسياسية واجتماعية واقتصادية ، ولكن العلمانية جعلت الكثيرين يعتقدون أن الاتفاق الجزئي على بعض الآراء والأفكار والشعارات كاف لبناء الإنسان والمجتمع ، فتجد بعض العلمانيين يتفقون على بعض الآراء فيعملوا الفكر الرأسمالي أو النازي ، أي أن الجنين الفكري العلماني لم يكتمل ، ومع هذا يعيشون فيه ويعتبرون أنهم متفقون مع اختلافهم وتناقضهم في الأغلبية الساحقة من القضايا الفكرية فهذا مؤجل ، وهذا سيتم التصويت عليه ، وهذه قضايا غير مهمة ، وهذه أنت حر فيها .. الخ والفرد العلماني غالباً ما يكون ناقصاً فكرياً ، فأغلب القضايا الفكرية ليس له فيها رأي ، وإذا سألتهم أين الشمولية والتكامل والوضوح الفكري لم يدركوا أن غياب هذا يعني أنه يقع في دائرة الجهل ، وأنهم " لديهم بعض العلم الفكري حسب ظنهم " ، ويظنون أنه يكفيهم ، وهذا يفسر تصارعهم وخلافاتهم كلما سارت القافلة العلمانية سواء كانت أفراداً أو حزباً أو دولة ، وهذا الاقتناع الجزئي ببعض الآراء جعل هناك تناقضاً بين أفراد الأسرة الواحدة ، وبين ما هو صحيح وما هو خاطئ داخل الحزب والمجتمع في كثير من الأمور مع وجود اتفاق جزئي على بعض الآراء ، وقد تكون الجزئية الفكرية غير مقتطعة من فلسفة واحدة بل من عدة فلسفات حيث نجد بعض العلمانيين ذوي مبادئ متنوعة وأحياناً متناقضة ، فقد يكون للعلماني أفكار شيوعية ، وفي نفس الوقت يتعصب لأمة أو شعب ، وقد تجده رأسمالياً ولكن لا يؤمن بالديمقراطية الغربية وما نقوله موجود بكثرة في عالمنا العربي حيث نجد أن عقول العلمانيين أو من تأثروا بالعلمانية أو صلتهم إلى اقتناعات انتقائية تختلف من فرد إلى آخر ، فنجده ماركسياً ولكنه يصلي والآخر محافظ جداً في المفاهيم التي يطبقها على أخته وزوجته وابنته ومتحرر في علاقاته مع النساء الأخريات ، أما الثالث فأخذ من الفلسفات العلمانية ما جعله يعيش في بيته أنانية تدور حول مصالحه وأهوائه الشخصية وعنصريته فيصبح إنساناً انعزالياً وسلبياً فيما يتعلق بأمور مجتمعه أو حتى عائلته أو أسرته وهكذا ، وهذا التمزق والتناقض الفكري أحد أسباب تفرق العلمانيين وضعفهم محلياً وعالمياً .. ونقول إن المبادئ الجزئية تعني أنه لم يحدد العلمانيون موقفهم من القضايا الكبرى في الكون كوجود الله سبحانه وتعالى ، والغاية من خلق الإنسان ، والمفاهيم الأساسية للتربية والأخلاق والإصلاح والحياة الزوجية ... الخ وكيف يتم التعامل مع الأهواء ، والشهوات والمصالح والمناصب والمال ؟ فما الفائدة من الديمقراطية إذا قلت نسبة الرجولة في الذكور أو انعدمت وما فائدة حرية الراي إذا كنا نستخدمها في الدفاع عن مصالح فاسدة أو تشويه الآخرين أو السخرية منهم وأي حقوق للإنسان ستتحقق إن لم يكن في ضمائرنا خوف من الله سبحانه وتعالى فليس بالسياسة أو الديمقراطية فقط يحيا الإنسان ، فالفرق شاسع بين إنسان مغرور وآخر متواضع ومن يأكل المال الحرام وآخر يمتنع عنه ، ومن يتعاطى المخدرات ومن يحاربها ، ومن يبر والديه ومن يعقمها .. الخ ، وهذه الأمور هي التي نعايشها كل يوم في تعاملنا مع الناس وهي منبع كثير من سعادتهم ، أو تعاستهم وباختصار بناء الفرد والمجتمع يتطلب معرفة حقائق فكرية كثيرة ، والالتزام بها ، وإلا سيبقى النجاح سراباً كلما وصلناه لم نجد شيئاً قال تعالى " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب " سورة النور 39
13) كل جديد صحيح : الحقيقة هي الحقيقة لا تتأثر بالزمن ، فالحقيقة الفكرية أو المادية تعتمد على الأدلة العقلية الصحيحة .. فغليان الماء حقيقة علمية مادية لم تتغير على مر السنين ، ومن الخطأ أن نرفضها لأنها حقيقة " قديمة " وكذلك في المجال الفكري ، فما قاله الأنبياء من حقائق فكرية تبقى حقائق إلى الأبد سواء ما يتعلق مها بصفات الله سبحانه وتعالى ، أو الأحكام الاجتماعية ، أو غير ذلك .. هذه البديهية العلمية رفضها كثير من العلمانيين ، وظنوا أن العلم والتقدم والوعي يتطلب فتح الأبواب لكل جيد حتى لو كان آراء سخيفة ، أو صرعات شبابية ماجنة ، أو تهجم من كاتب زنديق على الإسلام واتهموا من يعارض ذلك بأنه جامد فكرياً ، ومتعصب دينياً ، ويطالب بالعيش في الماضي أو خاضع لفكر ديني لا يقبل التجديد والتطور .. الخ ونقول ليس كل جيد صحيحاً وليس كل قديد خاطئاً فأغلب الانحرافات الحديثة من فسق وزندقة والحاد هي أيضاً أفكار قديمة ، فماذا لا يكون تشجيعها جموداً وعودة إلى الخلف .. كما أن التوحيد والصدق ، والعفاف وبر الوالدين والدفاع عن المظلومين ومساعدة الفقراء وحق التملك وشرعية الزواج .. الخ هي حقائق قديمة ، فهل نرفضها ونستبدلها بما يخالفها حتى نكون تقدميين وقبولنا للاختراعات الجديدة في العلم المادي يتم لأنها حقائق مادية جديدة لا تخالف حقائق مادية قديمة ، إن هؤلاء لا يريدونا أن نحارب الجهل الفكري لأن ميزانهم " كل جيد علم ، و " كل قديم جهل " " ولم يعد العقل ميزان تحيد الحق من الباطل ، وبالتأكيد أن كل جديد سيصبح قديماً بعد مائة سنة ، وعليهم أن يحاربوا في المستقبل ما يدافعون عنه اليوم وعليه فإنه لا يسعنا إلا أن نقول الجهل ظلمات بعضها فوق بعض ولا يظلم ربك أحدا .(3/26)
الخلاصة : من الواضح أن الأسس الفكرية التي اعتمدت عليها العلمانية بمختلف مدارسها كمنبع لاتخاذ العقائد والاقتناعات والأحكام هي أسس ليس لديها أدلة عقلية تثبت صوابها ، وهي أسس يعارضها العقل السليم وأثبت الواقع فشلها ، وهذا لا يتعارض مع وجود نجاح جزئي لبعضها مثل التصويت والبحث والقراءة والحلول الوسط والتأمل في الواقع والخبرة والتجارب الشخصية .. الخ والعكس صحيح أيضاً أي أن الفشل يكون نصيب هذه الأدوات والأسس إذا استخدمت في غير مكانها كما أثبتنا ، وفي كل الأحوال هذه ليست أسساً عقلية صحيحة لتحديد الحق من الباطل في العلم الفكري ، وحتى لا نظلم العلمانية نقول إنها أرقى من أوضاع فكرية مختلفة متأثرة بالاستبداد السياسي ، والتخلف الفكري المتمثل في الخرافات والسحر والجمود وتقليد الأباء والأجداد وتجميد العقل والتفكير والطاعة العمياء لرجال الدين وعقائد واقتناعات منسوبة زوار وبهتاناً للأديان السماوية إلا أنها مختلفة جداً إذا تم مقارنتها بالحقائق الفكرية الإسلامية ، وإذا كانت الأسس التي اتبعها العلمانيون لا توصلهم للحقائق الفكرية فإن الحقائق الفكرية واضحة عند المسلمين ، ومنبعها القرآن الكريم والسنة النبوية ، قال تعالى : " ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراً للمتقين " سورة الأنبياء 48 وقال تعالى " ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور " سورة إبراهيم (5) وقال تعالى " ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكل بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون " 63 إن الله هو ربكم فأعبدوه هذا صراط مستقيم 64 فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم " 65 سورة الزخرف وقال تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " 89 سورة النحل وقال تعالى " ألم (1) الله لا إله إلا هو الحي القيوم (2) نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل (3) من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام (4) سورة آل عمران وقال الغزالي قال تعالى " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " سورة الحديد 25 ، ثم قال " واعلم يقيناً أن هذه الميزان هو ميزان معرفة الله وملائكته وكتبه ورسله وملكه وملكوته " ثم قال " والخلق كلهم يتعلمون من الرسل مالهم طريق في المعرفة سواه " وقال : " فمن تعلم من رسل الله ، ووزن بميزان الله ، فقد اهتدى ، ومن عدل عنها إلى الرأي والقياس فقد ضل وتردى " (1) وقال " أما ميزان الرأي والقياس ، فحاش لله أن أعتصم به ، فذلك ميزان الشيطان ، ومن زعم من أصحابي أن ذلك ميزان المعرفة ، فأسال الله تعالى أن يكفي شره عن الدين فإنه للدين صديق جاهل ، وهو شر من عدو عاقل " (2) وقال " أزنها بالقسطاس المستقيم ، ليظهر لي حقها وباطلها ، ومستقيمها ومائلها ، اتباعاً لله تعالى وتعلماً من القرآن المنزل على لسان نبيه الصادق ، حيث قال " وزنوا بالقسطاس المستقيم " (1) سورة الشعراء (182) ، وأقول الإسلام هو عقلنا الثاني : وهو الذي نزن به الأمور فنعرف العدل من الظلم والحرية من الفوضى ، والانتماء من التعصب ، ومعاني الرحمة والقسوة والخير والشر والعقاب العادل والإخلاص والنفاق والمنفعة والمضرة وكيف نبني أسرنا ودولنا ؟ وكيف نتعامل مع الناس والأحداث ؟ وهو معيارنا في تقييم التطرف والاعتدال والإيمان والكفر والعلم والجهل والحكمة والحماقة والهداية والضلال ، وكما قيل الإسلام للعقل كالشمس للبصر فإذا لم تكن هناك شمس فلا ينفع البصر السليم ولكن العلمانية تظن أن بصرها ينفعها في سيرها في الظلام ، وأنها ليست بحاجة إلى شمس ، نحن لسنا ضد العقل بل ضد العلمانية والجهل .
العلمانية والعلم الفكري
يمكن الحديث عن العلاقة بين العلمانية والعلم الفكري من خلال النقاط التالية :(3/27)
1- تشويه الحقائق الفكرية : إذا كانت العلمانية قد عجزت عن الوصول إلى حقيقة فكرية واحدة واقتنعت بأنه لا يوجد شيء اسمه علم فكري ، فإن هذا لم يمنعها من تشويه كل شيء بما في ذلك الحقائق الفكرية التي جاءت بها الأديان السماوية ، فكل شيء يستطيع العقل العلماني تشويهه حتى آراء ونظريات العلمانيين وفلاسفتهم وصحيح أن هناك تعارض بين حقائق العلم المادي وبعض اجتهادات رجال الدين المسيحي ، أو التحريف الذي حدث للمسيحية ولقد استغلت العلمانية هذه الأمور التي ليست أصلاً من الدين ، وقامت بتشويه كل ما في المسيحية والإسلام وقالت العلمانية إن الاختلاف بين الإسلام والمسيحية يفرض علينا اتخاذ البديل العلماني في الحكم ، وإن اختلافهما يجعلنا نرفضهما ونقول إن التشابه بين الإسلام والمسيحية كبير لدرجة كبيرة ، وكان على العلمانيين أن يعتبروا هذا التشابه حقائق فكرية مشتركة بين البشر حتى يزيد حجم الاتفاق بينهم ، ولكنهم لم يفعلوا ذلك ، ولم يحاولوا أن يفهموا طبيعة الاختلاف ، وأنه جاء لأسباب مختلفة لعل من أهمها حدوث تحريف جزئي للمسيحية ، ففي الإسلام ذكر لعيسى وأنه نبي ، وتوجد سورة كاملة باسم مريم ، وفيه ذكر كثير لموسى وإبراهيم عليهما السلام ، وفيه آيات تبين أن أقرب الناس للمسلمين هم المسيحيون ، وجعل لهم معاملة مميزة وعاش المسيحيون قروناً كثيرة في وسط إسلامي لا يعاديهم ولا يضطهدهم وإذا حصل ظلم أحياناً لهم فهذا جزء من الظلم الذي يقع على جميع الشعب بمختلف فئاته الطائفية أو العرقية أو الطبقية ، فحتى الملتزمين بالإسلام يتعرضون داخل الشعوب الإسلامية إلى ظلم ، فقد قتل بعض علماء المسلمين وسجن بعضهم واضطهاد آخرون وبمرور سريع على التشابه الموجود نجد إن الإسلام والمسيحية متفقان على وجود الله سبحانه وتعالى ، ووجوب عبادته وطاعته ، واتباع الأنبياء والعلماء ، وبر الوالدين والزهد في الدنيا والبعد عن الزنى والتبذير والعصبيات العرقية ... الخ وإذا سلطنا الأضواء على العالم الغربي لوجدناه بعيداً عن الله سبحانه وتعالى ورسله وكتبه وعلماء الأديان السماوية ولوجدناه غارقاً في الشهوات وحب الدنيا والمال والمظاهر والتعصب القومي والوطني .
ومن أهم صفات العلمانية أن لها قدرة عجيبة على التشويه بمعنى إذا تبرعت لفقير قالت هذا تشجيع له على الكسل ، وإذا طبقت دولة عقوبة الإعدام على القاتل قالت هذه عقوبة قاسية ، وأيضاً إذا حكمت عليه بعشرين سنة سجن ، قالت هذه عقوبة متساهلة لن تردع الإجرام ، وهكذا ، وكان المفروض أن ترفض العلمانية فقط ما ثبت بالعلم المادي أنه خطأ لا أن ترفض الدين كله ، وتعتبر كل ما يقوله خطأ ، وما فعلته العلمانية من فصل الدين عن السياسة وعن الحياة هو فعلاً فصل للحقائق الفكرية عن الحياة والسياسة ، وفتح المجال لمختلف الآراء والعقائد لتختلف وتتصارع ، وهي عقائد الجهل والضلال والضعف والعلمانية بتركيبتها ومفاهيمها عقيدة ضعيفة نجحت جزئياً في عزل الدين ، ولكنها لم تنجح في عزل أو إضعاف عقائد كثيرة منحرفة ولعل أوضح مثال النازية والشيوعية فالأولى سقطت عسكرياً والثانية سقطت لأنها فاشلة جداً ، وليس " بقوة العلمانية الرأسمالية وحجبها الفكرية القوية " ، أما بقاء الرأسمالية الغربية فذلك لأنها أسوأ الموجود ، فالجهل الفكري الذي توارثه البعض عن الأباء والأجداد بقي ، والعصبيات العرقية العنصرية موجودة حتى في أمريكا حيث البيض والسود ، ومن جعل همه المال والجنس أو المنصب لا يوجد في الصيدلية العلمانية دواء يثبت خطأه ومن هو عاطفي وخيالي لا يوجد في العلمانية فكر قادر على إقناعه ، بل العكس صحيح ، أي أنه سيجد كل منحرف في العلمانية وتناقضاتها ما يؤيد رأيه ، أو يقول أنا أتبع عقلي وهو الذي أوصلني أو أنا حر وكل هذه مفاهيم علمانية أعطت للجهل قوة في تبرير الانحرافات والجهل .
2) الجميع علماء : جرأت العلمانية الناس على العلم الفكري ، فليس هناك علم فكري ، وليست هناك طريقة للوصول إليه ، ولا مراجع وكتب يعتمد عليها ، ومعترف بها ، وهذا يعني أن كل إنسان قادر على أن يتكلم في العلم الفكري ، بل ويجادل بلا شهادة ولا تزكية ولا حتى قراءة وبحث ، وما دام عندنا قاعدة تقول ( كل بعقله راض ) فإن إصرار كل فرد على رأيه شيء متوقع وفي نفس الوقت لا يوجد مرجع أو عالم علماني قادر على تفنيد الآراء ، وبيان الصواب من الخطأ ، فالعلمانيون الكبار متعارضون ومتناقضون ، وأصبح العلم الفكري هو العلم الوحيد الذي يتكلم فيه بلا ضوابط ، ولا حتى حد أدنى من الأمور المتفق عليها ، بل أصبح كل مثقف عادي قادر على كتابة فلسفة جديدة ، فإذا رأى أن المال أهم شيء عمل له فلسفة ومبدأ فكرياً وإذا اقتنع بأهمية العلاقات الاجتماعية علم لها مبدأ فكرياً ، وتكلم العاقل والمجنون والذكي والغبي وأصبح عندنا منهج كامل اسمه ما رأيك الشخصي في هذه القضية سواء كانت عقائدية ، أو اجتماعية أو اقتصادية ، ونحن لا نريد أن نسمع آراء شخصية بعدد سكان الكرة الأرضية نحن نريد أن نعرف الحقائق الفكرية لأنها تفيدنا ، ولا نريد أن نسمع آراء كثيرة متناقضة لا تعرف منها ما هو صحيح وما هو خاطئ ، أي ما يفيدنا وما يضرنا ، فارحمونا من هذا الجل الكبير ، ومن البديهيات التي يعرفها البشر أن العلم والعلماء والقرب منهم هو نور وهداية وفي العلمانية لا يوجد علم ولا علماء ، فكيف سنتعلم ؟ ما سنفعله هو الاستماع للأراء والخرافات الشخصية فهذا الفيلسوف يعتقد أن الأسرة يجب تدميرها ، والثاني لا يرى ضرورة للزواج ، والثالث يرى أن التعامل مع البشر هو فقط بالقوة والشر ، وأن الخير حالة استثنائية ..... الخ(3/28)
3) المرجعية العلمانية : أحد أبواب الجهل العلماني هو أنه ليست هناك مرجعية ككتب أو علماء تحسم الاختلافات أو تبدى وجهة النظر بها ، وليس هناك حتى قبول بأي مرجعية ، فمن يحدد الحقائق الفكرية هل هو فريق أمريكي ، أو ألماني ، أو صيني ، أو ..... ؟ ولماذا علينا أن نطيعه ؟ أليست لدينا عقول ؟ وهل نعمل فريقاً دولياً للوصول للحقائق ؟ ومن يضمن صدقه ووعيه وذكائه ؟ أو عدم تحيزه للرجل أو المرأة وبالتأكيد لن يصلوا إلى اتفاق ، فلماذا يكون الحل بالتصويت ، وإذا كان فهذا ليس حلاً علمياً بل سياسياً ، وهل تضع الحقائق الفكرية أو حتى الفكر العلماني الدول المتقدمة تكنولوجياً فقط ومن قال أنها المتقدمة فكرياً ومن يضمن لنا أن الحقائق التي سيقولون أنهم توصلوا لها غير متأثرة بتجاربهم الشخصية وبيئتهم الفكرية ؟ ثم كم قضية سيتم مناقشتها أننا أمام مئات أو الآلاف من القضايا الفكرية وبأيها سنبدأ ؟ ومتى سننتهي منها كلها ؟ وكيف نضمن التكامل بينها ؟ وهل يقلد بقية البشر هذا الفريق تقليداً أعمى ؟ ومن قال أن عد البشر الوقت والجهد ليبحثوا فرداً فرداً عن الحقائق الفكرية ، ويقرأوا آلاف الكتب ، ويفكروا ويحللوا أن هذا بحاجة إلى مال ووقت وعمر طويل ، والبشر مشغولون بأمور معيشتهم فدراسة الهندسة مثلاً تحتاج خمس سنوات ، فكيف بالموضوعات الكثيرة في العلم الفكري إن هذه الحالة ستبقى البشرية جاهلة للأبد خاصة إذا تذكرنا أن كل الجهد العلماني لم يتفق حتى على حقيقة فكرية واحدة طوال عمر الإنسانية ومشكلتنا مع العلمانية أن الأخطاء الكبيرة في صناعة الطائرة تسقطها أما الأخطاء الكبيرة في الإنسان العلماني لا تقتله بل يبقى حيا يتكلم ويناقش ولكنه تعيس وشقي قال تعالى " أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات لي بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كان يعملون " 122 سورة الأنعام
4) إيمان العلمانيين : حتى الله سبحانه وتعالى الحقائق الفكرية عن طريق الكتب السماوية المنزلة على أنبيائه الذين هم قدوة في أخلاقهم وصدقهم يريدون الخير للناس ، واقتنع الناس بأنهم أفضل البشر أما العلمانية فهي تفتح الأبواب ليضع الحقائق العلمانية والآراء أي إنسان حتى لو كان ضائعاً أو فاسقاً أو فاشلاً أو غاضباً أو عنصرياً أو غير ذلك ، فالعلم الفكري أصبح في بعض الأيدي غير الأمينة بل التي لا تريد أن تصل إلى حقائق ولا أن تفكر ، بموضوعية بل ، قد تكذب وتختار من الأفكار ما يلبي أهدافها الخاصة أو يحقق لها مجداً أو يضر خصومها أو أعداءها أو يرضي حكومة أو شعباً ، وهذا سيزيد من نسبة الجهل في العقل العلماني ، لأنه ليس قادراً على تمييز المخلصين الموضوعيين من الكاذبين ، فهذه أمور داخل النفس لا يستطيع أن يطلع عليها البشر ، ولنفترض جدلاً أن بعض العلمانيين المخلصين وصلوا إلى حقائق فكرية ، فلا يوجد دافع لنشرها أو حتى تطبيقها على أنفسهم ، بل قد يتصرفون بعكسها ، وهذا أيضاً فيه تضييع للحقائق الفكرية فعندهم الهدف هو المعرفة ، ولا يوجد " إيمان " بها يساهم في نشرها وتطبيقها ، وهنا يتضح رقي الإسلام وتخلف العلمانية في هذا الموضوع ، حيث أن الإسلام يعتبر المعرفة دون تطبيق معرفة إبليسية ، كما يفرض على المسلمين نشر الحقائق الفكرية والدفاع عنها من خلال الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أي الأمر بالحق والنهي عن الباطل ، فالعلمانيون بطبيعتهم متناقضون ومختلفون وهذه كارثة ولا يوجد ما يمنع دخول الخونة والمفسدين ، وهذه كارثة ثانية ، ومن يصل منهم لحقائق فكرية غير ملزم بتطبيقها ونشرها ، وهذه كارثة ثالثة .. أي هي ظلمات بعضها فوق بعض .(3/29)
5) تجاهل الاختلاف : حاول العلمانيون بطرق مختلفة الهروب من تناقضهم واختلافهم في القضايا الفكرية ، فأحياناً يعتبرون بعض القضايا الهامة قضايا هامشية لا داعي للاختلاف حولها ، وأحياناً يحتكمون للتصويت أو الحلول الوسط ، وأحياناً يحملون المصالح المشتركة أو الوحدة الوطنية أو التسامح أكثر مما تحتمل ، أو يصفقون لاتفاق جزئي بين علمانيين متناقضين ويصورونه كأنه اتفاق شامل وضع " أسساً ثابتة " لبناء جبهة شعبية قوية ، وهكذا يحاولون تجاهل حقيقة فكرية وهي أن تناقضاتهم الفكرية هي تناقضات جذرية ، وأنها منبع الاختلاف والصراع بين البشر ، فهذه ليست " آراء اجتهادية " يمكن التعايش معها ، بل " اختلافات جذرية " يجب حسمها وتحديد الموقف منها بناء على العقل لأن الاختلافات الجذرية هي التي أدت للصراع من بداية وجود الإنسان إلى يومنا هذا ، وهذا لا يمنع أن تؤدي الاختلافات الاجتهادية أحياناً إلى صراع في حالات معينة ، وبالتالي فالتعايش مع الاختلافات الجذرية هو حالة مؤقتة واستثنائية ، ولا شك أن الاختلاف الآراء سيفسد للود ألف قضية ، وهذه حقيقة فكرية لا يمكن تغييرها أو تجاهلها ، كما لا يمكن تجاهل أن الأرض تدول حول الشمس ، لأن هذه حقيقة مادية ، من لا يتعامل معها لا ينجح في التعامل مع علاقة الأرض بالشمس ، وهذا يعني أنه حتى لو بلغ المخلصون القمة في الإخلاص والوطنية والتسامح فإن الترابط بينهم سيبقى حلماً إذا كنا نبحث عن ترابط شامل قادر على تحقيق الإنجازات الكبيرة ومواجهة الصعوبات الكثيرة ، فالاتفاق في العقائد والأفكار والآراء هو الذي يصنع الود والمحبة ، والاختلاف هو الذي يصنع الاختلاف كما حصل في الاختلاف في الرأي بين الآراء الرأسمالية الأمريكية والآراء النازية الألمانية والآراء الشيوعية الروسية حيث انتج الحرب العالمية الثانية ... والاختلاف الجذري هو سبب شقاء الأسر والأحزاب والتجمعات والدول ، وقيل الاختلاف شر كله ، ونقول الإسلام يقضي نهائياً على الاختلافات الجذرية ، ويقوم بترشيد الاختلافات الاجتهادية ، ويمنعها من إثارة الفتن والصراع ، ونتمنى أن يتعمق العلمانيون في عقائدهم وأهدافهم وشعاراتهم حتى يقتنعوا بما نقول ، وحتى يضعوا شعار : " اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية " في مكانه الصحيح ، ولا يحملونه أكثر مما يحتمل
6) المقارنة الفكرية : وتعالوا الآن لنقرأ بعض الأجوبة العلمانية والإسلامية حول الأسئلة الهامة التي اختلف حولها الناس
1.…هل يوجد خالق لهذا الكون ؟
1.…الإجابات العلمانية :
1.…نعم يوجد
2.…لا يوجد
3.…لا أعلم
الدليل العقلي
1.…للإجابة بنعم الدليل هو أنه لابد لكل مخلوق من خالق
2.…للإجابة بلا نظرية دارون ، لماذا يوجد شر وظلم ؟
أدلة قائمة على نظريات وليست حقائق ، وقائمة على ظنون وافتراضات أي على جهل
3.…للإجابة بلا أعلم : الحيرة بين أدلة المؤيدين وأدلة المعارضين
ملاحظات :
1.…تناقض الإجابات العلمانية هو الجهل ، وكلما كان الجهل في قضايا كبرى كلما كان جهلاً عظيماً
2.…الأدلة العقلية أعطت إجابات متناقضة وهذا ليس دليلاً على خطأ العقل ، بل على عجز العلمانيين عن استخدامه بصورة صحيحة وذلك بخلطهم بين الحقائق والظنون والشبهات .
ج- هناك إجابة صحيحة وهي "نعم " فأغلبية العلمانيين يؤمنون بوجود الله لصواب الدليل العقلي القائل بأنه لابد لكل مخلوق من خالق ووجود إجابة صحيحة على هذا السؤال وغيره يبين أن بعض العلمانيين يصلون أحياناً إلى حقائق فكرية بعقولهم ، أو من خلال التصويت ، كما وصل الغرب إلى أهمية الديمقراطية وأجزاء كبيرة من الحرية الصحيحة .
الإجابة الإسلامية : نعم يوجد خالق
الدليل العقلي لابد لكل مخلوق من خالق فلابد لهذا الكون والكائنات والبشر من خالق
ملاحظات :
1.…إثبات وجود الله سبحانه وتعالى بدليل عقلي معناه خطأ كل العقائد الشيوعية وغير الشيوعية القائمة على إنكار الخالق لأنها قائمة على باطل .
2.…إثبات وجود الله سبحانه وتعالى قائم على أدلة عقلية وليس إيماناً فطرياً أو وراثياً وسنتطرق لهذا الموضوع لاحقاً .
2.…هل يوجد أنبياء ؟ وهل محمد ? نبي ؟
أ- الإجابة العلمانية : (1) نعم (2) لا (3) لا أعلم
الدليل العقلي : لكل فريق أدلته العقلية وهناك إجابة واحدة صحيحة ، وإجابتان خاطئتان والخطأ ليس في العقل بل في صحة الأدلة واعتمادها على حقائق أو ظنون وأوهام .
ملاحظات : أ- من يؤيد من العلمانيين بصدق كل أو بعض الأنبياء يقول : أنه يؤمن بالدين كعلاقة بين الإنسان وخالقه ، وأن الدين لا علاقة بالدولة والسياسة والاقتصاد ، وهذا فهم خاطئ ، فمن يؤمن بصدق محمد ورسالته " الإسلام " لا يحق له تحريف ورفض أجزاء واضحة من الإسلام .
ب- من ينكرون وجود الأنبياء من العلمانيين ليست لديهم أدلة عقلية صحيحة تثبت صواب قولهم أو تفند صحة الأدلة العقلية التي جاء بها الأنبياء من معجزات وغيرها .
ج- الإجابة الإسلامية : نعم
الدليل العقلي : معجزات الأنبياء والتي منها القرآن الكريم ، وعظمة الشرائع السماوية ، وسيرة حياة الأنبياء الراقية .
ملاحظة :
1.…الاقتناع العقلي بصدق محمد ? معناه خطأ كل المبادئ العلمانية الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية ... الخ ، والدينية الأخرى لأنها ليست قائمة على أدلة عقلية ، أو حدث فيها تحريف كما حصل في الأديان السماوية السابقة .
2.…القرآن الكريم والسنة النبوية هما منبع الحقائق الفكرية سواء كانت عقائدية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية .
5.…الاقتناع بالرسل قائم على أدلة عقلية ، فالإيمان قائم على العلم وليست هذه الأدلة وراثية أو عاطفية .
3.…ما هي الإجابات الصحيحة عن بقية الأسئلة العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ؟(3/30)
أ- الإجابة العلمانية :
1.…الرأسمالية
2.…الاشتراكية
3.…الشيوعية
4.…النازية
5.…الوجودية
6.….... الخ إجابات كثيرة متناقضة ولا يوجد معيار لتحديد الصواب من الخطأ والإجابات تعتمد على آراء شخصية وأدلة عقلية متناقضة ، فهناك آلاف الإجابات العلمانية المتناقضة الشاملة والجزئية ، وهذا قمة الجهل والضياع والتخلف ، ولا تستطيع العلمانية إعطاء إجابة واحدة ، وهذا لأنها لا تعرف ما هي الحقائق الفكرية ، ولم تصل إليها ، ولن تصل إليها .
ب- الإجابة الإسلامية : القرآن الكريم والسنة النبوية هما منبع الحقائق الفكرية وفيهما الأجوبة الصحيحة على كل الأسئلة الفكرية وهما معيار تحديد الحق من الباطل .
4.…كيف تتعامل مع الحياة ؟
أ- الإجابة العلمانية :
1- الجهل الفكري ( العلمانية أو أحد مدارسها رأسمالية أو شيوعية أو وجودية ... الخ ) ( 2) العقل (3) علم الواقع (4) العلم المادي (5) العلوم الأخرى النافعة وغير النافعة .
النتيجة النهائية : تخبط وظلام وصراعات وصواب وخطأ وضياع للفرد والمجتمع والبشرية .
ب- الإجابة الإسلامية :
1.…العلم الفكري ( الإسلام ) + ( 2) العقل + (3) علم الواقع + (4) العلم المادي + (5) النافع من العلوم الأخرى كالإدارة وغيرها النتيجة النهائية : نور وهداية وحكمة وبصيرة للفرد والمجتمع والبشرية .
من سلبيات العلمانية
أدى الاقتناع بالعلمانية إلى كوارث ومصائب كثيرة ، ولعنا لا نبالغ أبداً إذا قلنا أن أكبر كارثة أصابت البشرية خلال القرون الثلاثة الماضية هي العلمانية ، فهي الأم لأغلب الكوارث والانحرافات العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي حصلت ، وإليكم بعضاً من أهم سلبياتها :
1.…انتشار الجهل الفكري : أدى الاقتناع بالعلمانية إلى انتشار الجهل الفكري بين البشر ، فلم تعد هناك حقائق فكرية تؤمن بها البشرية ، ولم يعد هناك علم فكري صحيح ، وأخذ الكثيرون من فلاسفة وسياسيين واقتصاديين وغيرهم يتكلمون في العلم الفكري عن جهل ، ويؤلفون النظريات العقائدية والاقتصادية والاجتماعية كالرأسمالية والشيوعية والنازية والوجودية والفرويدية ...الخ مما أدى إلى ضياع الحقائق الفكرية ، وضياع البشرية ، والعلم يوحد والجهل يؤدي إلى اختلافات وتناقض وتخبط وجدل وصراعات وحروب ، فالعلمانية هي التي أعمت البشرية وتركتها تسير في طريق كله أشواك بدون بصيرة وحكمة ونور ، وهذه السلبية هي أساس السلبيات الأخرى ، ونقدها الخاطئ ، لما بقي عند البشر من حقائق فكرية دينية أو وراثية أو عقلية جعل الكثيرين يرفضون هذا الحقائق ويعتبرونها تخلفاً وجهلاً ورجعية ، فهي لم تكتف بنشر جهلها بل ساهمت حتى في تحطيم حقائق فكرية يملكها الآخرون فالعلمانية أعطت الجهل " الشهادات العلمية المزورة " ، وضاعت بلايين الساعات في جدل لا ينتهي ، وصرفت أموالاً طائلة على جامعات ومعاهد ومدارس وكتب وبرامج وأنشطة أغلب ما فيها هو جهل وضياع وصحيح أن العلمانية شجعت الحوار ، ولكن الأغلبية الساحقة من هذه الحوارات لا يصل أصحابها إلى اتفاق ، بل هي حوار الطرشان ، ومن المعروف أن الشيوعيين هم أكثر الناس علمانية وعداء للدين ، وهذا ما جعلهم أشد الناس جهلاً وضياعاً مما انعكس على تخلف عقائدهم وأنظمتهم السياسية واقتصادهم وحياتهم الاجتماعية ، فهل من الحكمة أن تتجرع البشرية كل هذه المرارة حتى تقتنع بفشل الشيوعية العلمانية وهل من الصواب أن ندخل ناراً عظيمة ونحترق بها حتى نتأكد بأنها شر ، وكان علماء المسلمين يتهمون بالتخلف والرجعية لأنهم كانوا يقولون الشيوعية كفر وجهل وسخافة وخطأ ، وأين هم اليوم المتشدقون بالعلمية والتقدم والتفكير العلمي ؟ أما العلمانية الغربية فهي أقل جهلاً من الشيوعية ، فهي لم تدع " العلمية " بتطرف ، ولكن لا زالت تقول أنا ضائعة ، ولا زالت تفكر كيف تصل للحقائق ؟ ولا زالت تنتج نظريات فكرية تصيب وتخطئ ، ولا زالت وستبقى وللأبد خاضعة للآراء الشخصية وللواقع وتأثيراته ، وما تقرره الأغلبية أو الأقلية أيهما أقوى ولم تعد تهتم كثيراً بأين الحقائق افكرية وأين الحق وأين المبادئ الصحيحة ؟ بل أصبحت مادية تدور أفكارها حول الاقتصاد والمال والقوة والشهوات .(3/31)
2.…البعد عن الله سبحانه وتعالى : ساهمت العلمانية في ابتعاد الكثيرين عن الأديان السماوية مما أدى إلى ابتعاد البشر عن خالقهم ، فالابتعاد عن الكنيسة والمسجد وعلماء الدين أدى إلى الابتعاد عن الله سبحانه وتعالى ، والعلمانية تدعونا للابتعاد عن الدين ، ولفصل الدين عن الدولة ، بل عن الحياة كلها ، وهذا ابتعاد عن الله سبحانه وتعالى ، والدين هو القرب من الله وعبادته وذكره ، ومعرفة قصص أنبيائه وشريعة الله وأمر الله ، وهذه أمور أصبحت لا تجدها في السياسة ولا أنظمة التعليم العلماني ولا التفكير العلماني ، ولا فهمنا للغاية من خلق الإنسان ، فاتهام العلمانية للأديان السماوية بأنها رجعية وتخلف وأساطير وأنها ضد العلم والتقدم والحضارة وربطها جهلاً بما صدر عن بعض المتعصبين للأديان من حروب وجرائم وهل أدى في النهاية إلى ابتعاد كثير من البشر عن الله سبحانه وتعالى ورسله وكتبه مما أغلق أبواب كثيرة للخير وفتح أبواباً كثير للشر ولو انتقدت العلمانية الجمود والتخلف المنسوب خطأ للأديان السماوية لقلنا أحسنت ولكنها أحرقت الأخضر واليابس ومن الحقائق المعروفة في تاريخ البشرية وبعيداً عن تشويه العلمانيين ، أن أفضل البشر حكمة وأخلاقاً ورحمة هم المؤمنون حقاً بالله سبحانه وتعالى والقريبون من كتبه ، وقد قالوا قديماً : رأس الحكمة مخافة الله وقالوا : خف ممن لا يخاف الله سبحانه وتعالى ، فالحقائق الواقعية القديمة والحديثة تثبت أن هؤلاء لا يظلمون ولا يكذبون ، وليست لديهم طموحات غير مشروعة ولم تفتنهم الدنيا بمناصب أو مال أو شهوات ، أسرهم أفضل الأسر وأكثرها ترابطاً ورحمة ، وصحيح أنه ظهر في تاريخ البشر نماذج بشرية متميزة بالخير إلا أن أغلب المتميزين هم أتباع الرسل ، وتميزهم في مختلف المجالات أي هم يجسدون النموذج البشري الراقي ومن المعروف أن سعادة الإنسان مرتبطة كلياً بالعلاقة الصحيحة مع الله سبحانه وتعالى ، فهذه العلاقة هي باب العلم الفكري ، وباب العبادة ، وباب الإخلاص في العمل وباب الأخلاق الرفيعة .. الخ وقد يقول قائل إن في هذا تجن على العلمانية لأن هناك كثير من العلمانيين يؤمنون بوجود الله وليس كلهم ملحدين ، ونقول الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى بدون معرفته وعبادته وتصديق أنبيائه والالتزام بشرائعه هو كفر بالله ، فكفار قريش كانوا يؤمنون بالله ، قال تعالى : " ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله " سورة لقمان (25) فالعلمانية جعلت حتى هؤلاء بعيدين عن الله ، فهم يبحثون عن العلم الفكري في أقوال الفلاسفة والمفكرين ، وشجعت الكثيرين على الانحرافات الأخلاقية لأن التمسك بالأخلاق والعبادة أصبح من صفات الرجعية والتخلف ، ونقول ونكرر نحن ض المفاهيم الخاطئة التي نسبت للأديان فنحن ضد عبادة القبور ، وضد الفتاوى والاجتهادات الخاطئة وضد ظلم وانحراف الحكام والأغنياء وضد إهمال الدنيا والانعزال للآخرة وضد عقائد وأساطير وحكايات مزورة تنسب جهلاً للأديان السماوية ، فلا يوجد في الإسلام تصوف ولا رجال دين ولا رفض لحقائق مادية فالعلمانية هي أم الإلحاد والزندقة ، قال جود " لا أستطيع أن أعد أكثر من ستة من معارفي ممن أعدهم مؤمنين بالمسيح والمسيحية ، في حين أستطيع أن أعد بسهولة أكثر من مائة من معارفي الملحدين " (1) وقال الغزالي عن الفلاسفة " فإني رأيتهم أصنافاً ، ورأيت علومهم أقساماً ، وهم على كثرة أصنافهم يلزمهم وصمة الكفر والإلحاد ، وإن كان بين القدماء منهم والأقدمين ، وبين الأواخر منهم والأوائل تفاوت عظيم في البعد عن الحق والقرب منه " (2) وما قلناه لا يتعارض مع وجود كنائس ومساجد وأعمال خيرية وعبادات ومؤسسات دينية وغير ذلك في الدول العلمانية ولا ينفي أيضاً وجود احترام للأديان وللمناسبات الدينية في دول علمانية .(3/32)
3.…المادية : من أهم أسباب انتشار سيطرة المادة على الإنسان العصري هو اقتناعه بالعلمانية أو نتيجة انتشار العلمانية في طريقة التفكير البشري ، فأهم شيء أصبح اليوم عند الكثيرين هو الحصول على المال ، وبأي طريق ومستقبل الكثيرين أصبح يعني فقط المستقبل المادي ، وهذا ينطبق على الأفراد والدول ولا شك أن المال مهم وضروري ، ولكنه أخذ مساحة كبيرة جداً ، وأكثر مما يستحق ، فالمال الآن قوة كبيرة لشراء النفوس والمناصب التنفيذية والتشريعية ، وكما قالت أم جون كنيدي : " معك دولار فقيمتك دولار " أي لا قيمة للإنسان ، بل القيمة الوحيدة هي للمال وأصبح يجوز في سبيل الحصول على المال أن تنافق وتكذب وتغش ، فالمبادئ والقيم الروحية كالإخلاص والصدق والأمانة لا مكان لها في نفوس كثيرين ، بل يتهم بالسذاجة والسطحية من يرفض قبول رشاوى أو هدايا مشبوهة أو يرفض مبدأ الوسيلة تبرر الغاية هذا المبدأ الذي شجعه ميكافيللي الفيلسوف العلماني ، فالعبقرية العلمانية صنعت لنا إنساناً من نوعية " ينهم دينارهم " فالمصالح وأهمها المال هي التي تحرك الكثيرين وجعلت عقيدة الإنسان هي الحياة الدنيا والتمتع بها فلا مكان لحياة أخروية ولا يوجد ثواب ولا عقاب إلهي ، ولا يوجد خالق أنعم علينا بالخير والصحة والمطر والأولاد والهواء والماء والشمس والأكل والملبس ... الخ ولا توجد شريعة إلهية وأحكام نلتزم بها تمنع من الكذب والنفاق والغرور والفساد والظلم والمال الحرام ... الخ ولو آمن الإنسان بأن الرازق هو الله سبحانه وتعالى ، وأن المناصب هي بيد الله سبحانه وتعالى يعطيها من يشاء وينزعها ممن يشاء وغير ذلك من العقائد الإسلامية لأمتنع عن كثير من الانحرافات ، وأصحاب الأعمال وأصحاب المناصب هم الآلهة التي يعبدها الإنسان العصري فهم عبيد له يتضاحكون إذا ضحك ، ويتباكون إذا بكى ، ففي سبيل المادة يتم التضحية بكثير من المبادئ ، وهذه هي الحالة التي وصل لها إنسان الحضارة الغربية بشكل عام كان المفروض أن تنتج غنى العالم الغربي إنساناً عزيزاً وقوياً ، ولكن العلمانية جعلته ضعيفاً ، فهو لا يعرف القناعة ولا يؤمن بأن الرزق من الله ، وهدفه التمتع بأكبر قدر من الرفاهية في المسكن والملبس والمأكل والمركب ، ولهذا تجده يسعى نهاراً وليلاً ليعيش حياة مادة تعيسة فحياته أصبحت عملاً مرهقاً وجنساً وخمراً فنصفها للمال ونصفها للشهوات ، وليس من الخطأ أن نطلق عليه إنسان مالي جنسي ، فالعمود الفقري لحياته هو المال والجنس ، وإذا كانت الأديان السماوية تقول للإنسان التزم بالمبادئ والأخلاق في حياتك الدنيوية ، فالعلمانية تقول له تمتع بالشهوات والملذات فأنت تعيش مرة واحدة ، وهذه فلسفة شيطانية ، والعقائد المادية تجعل علاقة الإنسان بالله وبوالديه وجيرانه وأقاربه ضعيفة ، ومن المعروف أن الغربيين من أكثر شعوب الأرض قطعاً للرحم ، وإهمالاً لآبائهم وأمهاتهم ، وهذا تصرف طبيعي لأنه إذا كان الدافع للعلاقات الاجتماعية مادياً فكثير من هذه العلاقات غير ذات فائدة ، في حين أن الإسلام يجعل من أهم الواجبات على المسلم طاعة أمه وأبيه ، ويجعلهما أولويتهما تأتي قبل الجهاد في سبيل الله ، ويمنعه حتى أن يقول لهما كلمة أف ويجعل رضى الله من رضاء الوالدين ، وتبقى نقطة أخيرة وهي أن الإسلام لا يتجاهل أهمية الجوانب المادية في حياة الإنسان ، فهو يدعوه للعمل والاجتهاد فيه ، فالمال من ضروريات الحياة ، ولا يمنعه من الطموح المشروع للمناصب ، ولا يمنعه من الاستمتاع بالحياة ، بل يدعوه لأن يسعى في طلب رزقه ، وأن يطور نفسه علمياً وعملياً ، وأن يتمتع بالأمور الحلال وهي كثيرة جداً ، فاعمل واستثمر واقرأ واجتهد وتزوج وكل واشرب ضمن ضوابط شرعية ، وبدون أن تطغى هذه الجوانب أو تتعارض مع العقائد والعبادات وعلاقتك بالله سبحانه وتعالى .(3/33)
4.…الديكتاتورية وأخواتها : قد يبتسم بعض العلمانيين عندما نتهم العلمانية بالديكتاتورية ، وقد يتهمنا بأننا ظلمنا العلمانية لأنها تدعو للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ، ونقول أولاً العلمانية تدعو لاستخدام العقل في البحث عن الحقائق الفكرية ، فهي ليست في أساسها مع الديمقراطية ، ولا الديكتاتورية ، كما أن تطبيق الديمقراطية في الدول الغربية العلمانية لا ينفي تطبيق الديكتاتورية في الدول الشيوعية العلمانية وفي كثير من الدول النامية العلمانية ، كما أن في كثير من الدول العلمانية يتم رفض إعطاء حرية لأحزاب دينية ، بل يمنع تشكيل الجماعات والتجمعات الدينية ، هذا غير التدخل حتى في منع الحجاب الإسلامي في المدارس والجامعات وأحياناً الحياة العامة ، ونحن كمسلمين مع الشورى وحكم الأغلبية وحقوق الأقلية والانتخابات وحرية الرأي ولكننا ضد العلمانية ، فالقول بأن الدول الغربية الديمقراطية هي الدول العلمانية الصحيحة أما بقية الدول العلمانية الديكتاتورية فليست دولاً علمانية هو خطأ شائع ، فأغلب الدول الديكتاتورية في العالم هي دول علمانية فهي في مرجعيتها الديكتاتورية لا ترجع في أغلبيتها الساحقة إلى دين سماوي في اختبار دستورها وقوانينها وأهدافها وسياستها ، بل تتحكم فيها آراء عقلية علمانية لحاكم أو حزب أو عرق أو طبقة أو عصابة ، وأهدافهم هي أهداف دنيوية مادية أي علمانية ، وليست دينية ، وفشل العلمانية في الوصول إلى علم فكري شامل عقائدي وسياسي واقتصادي واجتماعي جعل الباب مفتوحاً لكل علماني ، ولكل دولة علمانية أن تختار ما تشاء من دساتير وقوانين ، ولهذا نجد دولاً ديمقراطية ، ودولاً ديكتاتورية ، وما بينهما ، ونجد مختلف ألوان الطيف الاجتماعي وكل أنواع الأخلاق الفاضلة والفاسدة ، وكل أنواع الشعارات وجميع الأهداف المتناقضة ، فالمخلصون العلمانيون يتخبطون في كل هذا عن جهل ، كما أن أصحاب النوايا الفاسدة يستغلون الفوضى العلمانية والجنون العلماني لاختبار ما يشاؤون من دساتير وقوانين لتحقيق مصالحهم وتبرير ديكتاتوريتهم فالعلمانية فتحت الباب لكل انحراف ومنها الديكتاتورية لأنه لا توجد حقائق فكرية بل توجد آراء ، فما دام الأمر كذلك فاختر ما شئت من آراء ، وكل عقيدة باطلة استفادت من الضياع العلماني في إيجاد فلسفة لها جعلها تبدو كأنها علمياً صحيحة ، ولو كان هناك اقتناع بأن الإسلام هو الحقائق الفكرية لعرفنا أن الشورى واجبة وأن دماء الناس وأموالهم حرام وأن العصبية العرقية جاهلية منتنة ، وأن التعصب الطبقي للأغنياء أو الفقراء جاهلية مرفوضة وأن حرية الرأي قضية بديهية ... الخ وبالتالي فالمخلص سيعرف الطريق إلى الديمقراطية والعدل والحرية والمنحرف لن يسهل عليه الخداع أو المتاجرة ، ونحن لا نريد أن نظلم العلمانية ونقول أنها دعت الناس للديكتاتورية ، فهي لم تدعهم لا للديمقراطية ولا للديكتاتورية ولكنها ساهمت بصورة أساسية في انتشار الديكتاتورية لأن العقل البشري المخلص قد يتبنى أنظمة ديكتاتورية وهو يعتقد أنها حقائق فكرية وأنها الديمقراطية " الحقيقة " كما حصل مع الشيوعيين المخلصين ، حيث طبقوا أسوأ ديكتاتورية عرفتها البشرية ، وأقنعتهم عقولهم بأن تحطيم المعارضة والحرية الإعلامية هو عمل مشروع لأنه جزء من الصراع الطبقي ، وجزء من حماية الثورة والوطن .. الخ وكان الشيوعيين يدعون أنهم أهل العلمانية الحقيقية ، وأنهم أهل العقل والعلمية ، وسيطروا على دول كثيرة بل كانوا يحكمون حوالي نصف البشر ، والعلمانية هي التي أعطتهم الشرعية الفكرية التي يحتاجونها لأنها جعلت العقل البشري يبتعد عن الله سبحانه وتعالى ، وكلما ابتعد أكثر كلما تطرف أكثر ، وصار أكثر ديكتاتورية ، وما ينطبق على الديكتاتورية ينطبق على الانحرافات الأخرى وأرجو أن نقتنع بأن العلمانية فتحت أبواباً كبيرة للانحرافات وللصراع الوطني والقوني والعالمي ، فكل انحراف سواء كان ديكتاتورية ، أو ظلماً أو غروراً أو مخدرات أو وزناً أو اختلاساً .. الخ فالعلمانية شجعته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ولا يقتصر ذلك على الانحرافات الحديثة بل ينطبق على كل انحراف قديم أيضاً كان فاعله يتصرف بناء على عقله بدون التزام صحيح بالأديان السماوية بل حتى الانحرافات التي تنسب للدين قديماً وحديثاً فإن أصحابها اتبعوا عقولهم ، ولم يتبعوا الدين لأن الدين ، الصحيح لا يأمر بالانحراف والظلم ، والمبررات العقلية الخاطئة كما ذكرنا سابقاً تعطي الشرعية الوهمية لكل انحراف ، فإذا قلت لأحدهم لماذا تشتري هذه السيارة غالية الثمن ؟ لقال أنا حر ، في مالي وإذا قلت لبلد لماذا تعطون هذه الرواتب المتدنية للعمالة الوافدة ؟ لقالوا الاقتصاد حر ، أو إذا لم يعجبه الأجر فليترك البلد ، فالمطار مفتوح والأمثلة كثيرة جداً ، وقد يقول قائل أن الانحرافات تحدث حتى في المجتمعات المسلمة وعند أفراد مسلمين ، ونقول نعم ولكن الإسلام لا يعطيها شرعية وموافقة في حين أن الانحرافات جزء من الفكر العلماني لأنه يفتح المجال لعقائد باطلة كالشيوعية والنازية والرأسمالية ، فالصادق يظن أنها عدل أو حرية ، والكاذب يستغل العلمانية لاكتساب فلسفة لانحرافات وتصرفاته الخاطئة وانحرافات المسلمين جاءت لتركهم الإسلام واتباع شهواتهم ومصالحهم غير المشروعة نتيجة ضعف إيمانهم أو جهلهم بالدين ، ونعرف جميعاً أن المسلم الملتزم والواعي هو أبعد الناس عن الانحرافات بكافة أشكالها وأفضل الناس أخلاقاً ، كما أن الرادع الأساسي للانحرافات في العلمانية هو القانون أي الحكومة في حين إضافة إلى ذلك يردع المسلم حبه لله سبحانه وتعالى ، وشكره لنعمه الكثيرة ، وخوفه من عقابه ، وحرصه على حماية(3/34)
أبنائه من المال الحرام ، ويردعه رغبته في الجنة وخوفه من النار وحرصه على أن يكون قدوة لأبنائه ، وكل هذه الأمور تردع عن الانحرافات " الشر " وتدفع لأمور الخير الكثيرة ، في حين أن العلمانية تجعلك شخصاً بلا مسؤوليات ولا واجبات ولا محرمات خارج إطار القانون
5.…غرق السفينة الزوجية : في الإسلام حقائق فكرية كثيرة مرتبطة بصورة مباشرة وغير مباشرة بالحياة الزوجية ، فتصورك للكون والحياة له أثر كبير في نجاح الحياة الزوجية ، واقتناعك بالمفاهيم الإسلامية للظلم والخيانة الزوجية والواجبات والحقوق الزوجية يجعل لديك معايير لترشيد حركة السفينة الزوجية ، والأمراض الاجتماعية في خيانة زوجية أو خمر أو مخدرات أمور بعيدة عن حياة المسلم الملتزم ، كما أن الأمور المالية وهي مصدر كثير من المشاكل الزوجية لها ضوابط منها الصرف من مسؤولية الزوج ، وعدم التبذير في المسكن الملبس والمأكل وعدم تدخل كلا الزوجين في الحقوق المالية للطرف الآخر ، وغير ذلك كثير هذه الحقائق الفكرية وغيرها تجعل الحياة سهلة وسعيدة وناجحة ، أما بالنسبة للبيئة العلمانية فالزواج يتم بين أطراف غامضة ، فهل هو رأسمالي أو شيوعي أو عنصري ؟ وهل هو خيالي أو مثالي أو وجودي أو ميكافيللي ؟ وما هي فلسفته في الأمور المالية ؟ وهل مبادئه تردعه عن الخيانة والظلم ؟ وما هو أسلوبه في تربية الأبناء ؟ وغير ذلك كثير ، كل هذه الأمور بالنسبة للأزواج العلمانيين أو حتى المتأثرين بالعلمانية جزئياً هي آراء شخصية ، وغالباً لا يمكن التعرف عليها قبل الزواج حتى لو كانت هناك معرفة سابقة ، فكل إنسان يحاول أن يظهر بأفضل صورة ممكنة أمام الطرف الآخر في فترة ما قبل الزواج فلن تجد شاباً عاقلاً يقول لمن يريد أن يتزوجهما أن رأيي الشخصي أن علاقات الرجل الجنسية بعد الزواج نوع من الحرية الشخصية ، أو أنني أتعاطى المخدرات ، وإذا حدث الزواج فإن الأسرة بحاجة إلى قوانين تحكمها ، فلابد من صياغة هذه القوانين العلمانية من خلال النقاش البيزنطي والجدل وميزان القوة والضعف ، واستخدام الأدلة العقلية المتناقضة وقد تعتبر المرأة من حقها أن تعمل في أي مجال وأي مكان ، وأي وقت بدون الحاجة إلى موافقة الزوج وقد يكون الزوج ، مقتنعاً بأن الالتزامات المالية الأسرية مناصفة بين الرجل والمرأة وغير ذلك ، فكل قضية أساسية يمكن أن يحدث حولها اختلاف ، فالآراء الشخصية متناقضة جداً بين البشر ، ولا يوجد لدى العلمانيين أو من تأثر بهم قرآن ولا أحاديث ولا علماء يتم الاحتكام لهم في موضوع الخلاف ، كما أن كلمات مثل أنا حر ، وهذا رأيي الشخصي أمور خطرة جداً إذا دخلت في دائرة الثوابت الفكرية ، والعلمانية هي التي فتحت لها هذه الدائرة ، فالآراء الشخصية في الأمور التي فيها حرية شخصية أمر مقبول ، أما في الأمور الأساسية أي الحقائق الفكرية الزوجية فهي أمر مرفوض لأن القرار العلمي الفكري الصحيح هو أننا لا نريد حتى أن نسمعها ، باختصار العلمانية أشعلت الخلاف والصراع والغموض والضياع في الحياة الزوجية الغربية ، فإذا كانت الأسر منبع المشاكل والهموم والتعاسة فكيف سيسعد الإنسان ؟ ما نقوله ليس افتراضاً أو توقيعات بل هو حقائق واقعية في الحياة الغربية مما أدى إلى عزوف أعداد كبيرة من الرجال والنساء عن الزواج ، فالغرب من أعلى دول العالم عزوبية وطلاقاً وعنوسة ، وفي هذا تعاسة كبيرة للجميع ، ومنهم الأطفال وإذا كان أغلبنا كمسلمين عشنا في أسر سعيدة ومستقرة فهذه نعمة كبيرة ودليل أننا وصلنا للحقائق الفكرية الاجتماعية وطبقناها ورأينا نتائجها ، ولو فكر العقل البشري بطريقة صحيحة لاقتنع بأن بناء الأسرة السعيدة من أهم أدلة التقدم والحضارة والمدينة ، وتصور الوضع التربوي المأساوي في أسرة علمانية الأب ملحد والأم متشككة في وجود الله والابن يتعلم أموراً متناقضة ، يريد الأب أن يربي ابنه على فكر عنصري ، أما الأم فتريد أن تجعله شيوعياً أو رأسمالياً ، وكل سؤال يسأله الطفل يجد إجابات متناقضة ، ولا يتعلم غير الجدل والنقاش البيزنطي ، وعمودهم الفقري في التربية هو نقول لك مختلف الآراء وأنت حر في اختيار طريقك ، أي عليه أن يبحث بعقله الصغير عن الحقائق وعن فلسفة يقتنع بها ، أي يبدأ من الصفر ، وهذا دليل على إفلاس العلمانية فكأن في تاريخ البشر لا يوجد علم ولا أنبياء ، ولا عقول ناضجة .(3/35)
6.…فتنة العلمانية : قال الأستاذ زكريا فايد : " والعلمانية بفصلها الدين عن الدولة ، تفتح المجال للانتماءات الوضعية لكي يلتف حولها الناس ، لأنه لا يمكن للإنسان إلا الانتماء ، وبالتالي في تفتح المجال للفردية والطبقية والعنصرية والمذهبية والقومية والحزبية والطائفية والعشائرية " (1) فالعلمانية فتحت الأبواب للعقول البشرية لتبحث عن الحقائق الفكرية بأسلوب خاطئ ، ولتصل إلى عقائد ومبادئ متناقضة ، وبالتالي فهي المنبع الرئيس للاختلافات والصراعات بين المخلصين لأن كل واحد منهم سيدافع عن ما يراه حقائق فكرية ، وهذا أشعل نيران الفتنة والحروب ليس فقط بين العلمانيين وأهل الأديان السماوية بل أيضاً بين العلمانيين أنفسهم ، كما حصل بين الرأسمالية والشيوعية حيث انقسمت كثير من الدول في القرن العشرين إلى أحد العسكرين ، وأشعلت حروباً ساخنة وباردة ، ويكفي أن نعرف أن العلمانية من نازية ورأسمالية وشيوعية كانت خلف حربين عالمتين في القرن العشرين ، ومن أشرس حروب البشر في تاريخهم ، كما أن أغلب الحروب في القرن العشرين هي حروب علمانية ، وأغلب أهدافها فكرية ضائعة ، أو مصالح ، فالصراع بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني هو صراع بين طرفين علمانيين ، والصراع العرقي والسياسي في بعض الدول الأفريقية هو صراع بين علمانيين ، ولنتذكر أن الشعوب والحكومات المتمسكة بالمبادئ السماوية على اختلافها في القرن العشرين هي حالات قليلة وينسى الكثيرون أن الدول الأوروبية أو بعضها هي الدول الاستعمارية خلال القرون الثلاثة الماضية ، كما أن طلبة الدول النامية الذين درسوا في الغرب وخدعتهم العلمانية تصارعوا عندما عادوا إلى بلادهم مع عقائد ومبادئ قومهم ، وتصارعوا أيضاً فيما بينهم ، ولم يكونوا أبداً جبهة واحدة ، فأضافوا فتناً عقائدية وسياسية لأوطانهم وأممهم ، فهم كعلمانيين لديهم قدرة على تشويه المبادئ الأخرى ولكن ليست لديهم القدرة على طرح البديل الفكري ، فبعضهم رأسمالي ، وبعضهم اشتراكي ، وبعضهم عنصري ، وبعضهم شيوعي ... الخ ويمكن تقسيم المجتمعات النامية إلى تقسيمات كثيرة متنافرة ومتصارعة فاتجاه مع التبرج والاختلاط ، واتجاه ، مع الاحتشام ، واتجاه مقلد للغرب ، واتجاه وطني وقومي ، واتجاه مع المعسكر الشرقي ، واتجاه مستقل ، واتجاه مع المعسكر الغربي واتجاه مع الحكومة ، واتجاه ضدها ، واتجاه مع الحرية " المجهولة " ، واتجاه ضدها ، واتجاه مع الأغنياء ، واتجاه مع الفقراء ، واتجاه مع أعراق معينة ، واتجاه مع أعراق أخرى ، وهذه اختلافات جذرية وليست اجتهادية يمنكن القبول بها كالاختلافات بين أصحاب المبدأ الواحد ( الإسلام أو الرأسمالية أو الشيوعية ) حيث الاختلاف حول الأولويات أو الفرعيات والاختلاف الجذري هو بين حق وباطل ، وهو منبع الفتنة وجعل الكثيرون يعيشون في دائرة الاختلافات الجذرين مما أضر مجتمعاتهم وجعلهم يدورون في حلقة مفرغة منعتهم من الانتقال لقضايا هامة ومواضيع جديدة وتحديات معاصرة ، فكل اتجاه له آراؤه وأفكاره وأدلته العلمانية من منطق وتاريخ وأحداث معاصرة ... الخ وهذا الاختلاف والشر ثمرة العلمانية أو التأثر بها جزئياً في حين أن التقسيم الصحيح هو من مع الله سبحانه وتعالى ومن مع الشيطان ؟ من مع الحقائق الفكرية ومن ضدها أي من مع الإسلام ومن مع الكفر والشرك ؟ وكانت العلمانية تقول أن العقل العلماني سينقذ البشرية من الحروب والتعصب الديني والاختلاف فإذا العكس صحيح ، كما أن الدين الصحيح ليس مصدراً للتعصب أبداً ، وإذا حدث تعصب منسوب للدين فهو خطأ من البشر لا من الدين ، أما حروب الدين الصحيح فهي حروب لنصرة الحقائق الفكرية أي العدل الحقيقي والعقائد الصحيحة .. الخ ، أما حروب العلمانية فهي حروب مصالح مادية أو أوهام فكرية ، وظن العلمانيون وما أكثر ما يظنون أن استعداد العقل العلماني لمناقشة مختلف الآراء سيوصلهم للحقائق ، ولم ينجحوا ، وظنوا أنهم سيكونون بعيدين عن العصب لآرائهم فشاهدنا صراعاً عنيفاً بن العقائد العلمانية في القرن العشرين عندما تحولت آراء الفلاسفة إلى عقائد وأحزاب ودول رأسمالية وشيوعية ونازية وشاهدنا ألواناً من التعصب في أفكارهم وأقوالهم ومواقفهم ، وترجم هذا التعصب إلى اضطهاد وسجون وتعذيب وقتل وحروب .
الطريق إلى الحقائق الفكرية
كيف نصل للحقائق الفكرية ؟(3/36)
بعد أن أثبتنا عجز العقل العلماني في الوصول إلى الحقائق الفكرية فإنه من المهم أن نذكر أن الخطأ ليس في العقل ولكن في الطريق العلمانية في استخدامه أما الطريقة الصحيحة فهي الطريقة الإسلامية والتي تدعو إلى البحث أولاً في القضايا الكبرى أي في وجود الله سبحانه وتعالى وصدق الأنبياء كما قال أرسطو " إن أرقى العلوم هو علم المبادئ الأولى الذي سماه الفلسفة الأولى أو الميتافيزيق أو اللاهوت " (1) أما نقاش قضايا فرعية فلن يوصلنا إلى نتائج حاسمة فالمقارنة بين اقتصاد رأسمالي واقتصاد شيوعي واقتصاد إسلامي مقارنة محدودة الفائدة ، وهناك تبريرات منطقية من الصعب بيان صوابها أو خطئها فنحن بحاجة إلى التركيز على القضايا الكبرى وما هي أدلتها العقلية ؟ وما مدى صحة هذه الأدلة ؟ فإذا كان الدليل العقلي صحيحاً قبلنا الفكرة وقلنا إنها حقيقة فكرية أما إذا كان الدليل العقلي خاطئاً رفضناها واعتبرناها باطلة والقضايا الكبرى هي الأصول والأساس والمنابع للعقائد والنظمة والأخلاق والشعارات والدساتير والقوانين ومفاهيم الحرية والعدل والمساواة المطروحة على الساحة ، فالشيوعية كمبدأ قائم على عدة أصول أهمها أنه لا يوجد خالق لهذا الكون ، فإذا ثبت وجود خالق بطريق عقلي فالشيوعية مبدأ قائم على الخطأ والوهم والظن والجهل ، وإذا ثبت أن محمداً نبي فإن الإسلام دين صحيح ، وهو منبع الحقائق الفكرية ، وكم ضل كثير من البشر في الوصول على الحقائق الفكرية لأنهم سلكوا طرقاً خاطئة قال الغزالي رحمه الله : " اختلاف الخلق في الأديان والملل ، ثم اختلاف الأمة في المذاهب على كثرة الفرق وتباين الطرق ، بحر عميق غرق فيه الأكثرون ، وما نجا منه إلا الأقلون " (2) .
الدليل الفكري للملحدين : ولنطالب المسلمين والملحدين بإعطاء أدلة تثبت أن مبادئهم تقوم على أدلة عقلية ، سنجد الملحدين يقولون أن دليلهم الفكري هو أننا لا نرى الله فهو أذن غير موجود ، ولنسألهم أين بحثتم عن الله ؟ وما الأماكن التي بحثتم عن الله فيها فلم تجدوه ولم تشاهدوه ؟ وهل بحثتم في الكرة الأرضية ؟ نعم تستطيعون أن تقولوا ذلك ، هل بحثتم عنه في المجموعة الشمسية ؟ نعم تستطيعون أن تقولوا ذل ، ولكنكم نسيتم أن تناسيتم حقيقة علمية مادية وهي أن في هذا الكون عشرات الآلاف من النجوم والكواكب لم بحثوا فيها عن الله ويكفي أن نعرف أن في هذا الكون نجوماً تبعد عن الأرض أكثر من عشرة ملايين سنة ضوئية والسنة الضوئية أطول بكثير من السنة العادية بمعنى لو خرج ضوء من أحد هذه النجوم البعيدة في هذه اللحظة سيصل إلى الكرة الأرضية بعد اكثر من ثلاثين مليون سنة عادية ، فهل بحث الملاحدة ومنهم الشيوعيون في هذه الأماكن ، ولم يجدوا الله ولم يشاهدوه أنهم كمثل من بحث عن فرد في جامعة الكويت ، فلما لم يجده قال إن هذا الشخص غير موجود في الكرة الأرضية كلها ، فهل هذا كلام علمي أو منطقي ؟
إذن فالدليل العقلي الذي يبني عليه الملحدون كلامهم دليل غير صحيح ، فاعتقادهم بعدم وجود الله ليس إذن حقيقة علمية ، ثم أن الله سبحانه وتعالى ليس مخلوقاً نبحث عنه هنا أو هناك بل هو خالق هذا الكون بما فيه من كواكب ونجوم وبشر قال الله تعالى " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمنه سبحانه وتعالى عما يشركون " 67 سورة الزمر .
الأدلة الفكرية للمؤمنين بوجود الله : والآن تعالوا لنسأل الذين يؤمنون بوجود الله عن دليلهم الفكري وسنجد لديهم دليلين أولهما : أن هناك خالقاً لكل شيء منظم ، فعندما نشاهد طائرة أو سيارة أو تلفاز نعرف أن هناك من صنع ذلك ، فالطائرة بها خزان للوقود وعجلات للإقلاع والهبوط ومحركات وأماكن مكيفة وأجهزة كهربائية لقياس الارتفاع والضغط ، فالطائرة عبارة عن نظام متكامل ويوجد تنسيق بين أجهزتها ، وهذه الطائرة لم توجد صدفة لأن البشرية خلال تاريخها كله لم تجد طائرة تكونت بالصدفة ، ولا حتى سيارة أو دراجة بخارية أو هوائية ، فلابد أن يكون هناك صانع لكل نظام متكامل دقيق ولو قارنا الطائرة بالأرض أو الكون لوجدنا أن الأرض أكثر نظاماً والإنسان أكثر تعقيداً ودقة من الطائرة فلابد أن يكون هناك من صنع الأرض والإنسان والكون ، فالكون يسير وفق نظام دقيق متوازن ، قال تعالى " الذي خلق سبع سماوات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوتت فارجع البصر هل ترى من فطور ( 3 ) ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير (4 ) سورة الملك وقال تعالى " أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون " سورة الطور 36) وباختصار لابد أن يكون هناك من صنع هذا الكون ، والشواهد في الكون كثيرة قال تعالى : " سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " (53) سورة فصلت وقال تعالى " هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين " (11) سورة لقمان .(3/37)
فإذا كان العقل البشري يقول لابد أن يكون هناك صانع لكل شيء ، وهذه حقيقة فكرية ومادية واضحة لأننا نشاهد أرضاً وسماوات وبشراً وكائنات وشمساً ونجوماً ورياحاً وماء وبحاراً ونباتات وغلافاً جوياً ، فلابد أن يكون هناك صانع لذلك وهو الله سبحانه وتعالى ، فالآيات القرآنية تخاطب عقولنا وتقول لا يمكن أن يكون هذا الخلق من غير خالق ، ولا يمكن أن يكونوا هم الذين خلقوا السماوات والأرض وأنفسهم ، إذن لابد أن يكون هناك خالق عليم حكيم قادر قوي قال الدكتور عمر الأشقر " وقد تقرر في العقول أن الموجود لابد من سبب لوجوده " وقال " ولا يكاد يعرف منكر لوجود الخالق في الماضي إلا النزر اليسير ، وهم لا يمثلون في البشرية نسبة تذكر " (1) وقال الدكتور إبراهيم مدكور " سلك فلاسفة الإسلام في هذه البرهنة ( على وجود الله سبحانه وتعالى ) مسلك المتكلمين من معتزلة وأشاعرة ، فعولوا على الدليل الكوني الذي يحاول أن يثبت وجود الله عن طريق وجود الكون ، والدليل الغائي الذي يستخلص من نظام الكون وإبداعه أن له هدفاً وغاية لا تصدر إلا عن مدبر حكيم " (2) وقال الدكتور وأين أولت " إن ذلك النظام البديع الذي يسود هذا الكون يدل دلالة حتمية على وجود إله منظم " (3) وقال هنترميد " ذلك لأن الإيمان بوجود الله قد تأصل في التفكير الغربي منذ أقدم العهود إلى حد أصبح معه أي تحد لهذا الإيمان ، أو حتى التفكير جدياً في أي بديل عنه ، يعد في نظر أذهان كثيرة أمراً لا يتصوره العقل " (4) ونقول لأن وجود الله سبحانه وتعالى بديهية عقلية قامت عليها كثير من الأدلة العقلية ولأنه ينسجم مع الفطرة ، قال تعالى " قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض " سورة إبراهيم (10) وقال تعالى " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الريح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون " سورة البقرة (164) أي لمن لديهم عقول صحيحة قال الأستاذ أديب صعب " معظم الفلاسفة الذين اعترف بهم دارسو الفلسفة ومؤرخوها ، على اختلاف نظرات هؤلاء الدارسين إلى الموضوع ، لا يجوز نعتهم بالملحدين على الإطلاق ، والآحرى أنهم اعترفوا بوجود الله ، وكان لهذا الاعتراف أثر بارز في توجيه أنظمتهم الفكرية ككل ، أما الذين أنكروا وجود الله علنا أو وقفوا موقفاً تشكيكياً من الأمر أو اعتبروا أن الله ليس موضوعاً للفلسفة من قريب أو بعيد فكانوا قلة بين الفلاسفة (1) وقال الإمام الغزالي " ليكف عن غلوائه من يظن أن التجمل بالكفر تقليداً يدل على حسن رأيه ، ويشعر بفطنته وذكائه ، إذ يتحقق أن هؤلاء الذين يتشبه بهم من زعماء الفلاسفة ورؤسائهم براء عما عرفوا به من جحد الشرائع ، وأنهم مؤمنون بالله ، ومصدقون رسله ، وأنهم اختبطوا في تفاصيل بعد هذه الأصول قد زلوا فيها ، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل " (2) وقال الأستاذ أديب صعب " وكانت فلسفة أفلاطون دينية إلى الحد الذي جعل الآباء المسيحيين الأوائل ينظرون إليه كما لو كان مسيحياً قبل المسيح " (3) وقال الأستاذ أحمد أمين " يكاد يكون كل إنسان مفطوراً عل الاعتقاد بوجود إله خلق العالم ودبره ، ويكاد الناس بفطرتهم يجمعون على ذلك مهما اختلفت أسماء الله عندهم ، واختلفت صفاته ، يستوي في ذلك الممعن في البداوة ، والمعرق في الحضارة " (4) وصحيح أن قلة من العلمانيين ينكرون وجود الله سبحانه وتعالى ولكنهم جميعاً يفصلون الدين عن الدولة والحياة ، ولا يعتبرون الدين مصدراً للحقائق الفكرية ، ويعترفون بوجود الله ولكنهم يرفضون معرفته ، ولماذا خلقنا ؟ ولا ما هي العقائد والأنظمة التي يريدها خالقنا ؟ ولا ما هي نهايتنا كبشر عندما نموت ؟ وأخذوا يضعون أهدافاً للناس والدول ، ويتكلمون في الحقائق الفكرية ، ومن البديهي أن المفروض أن نتساءل لماذا خلقنا الله سبحانه وتعالى ؟ فهو لم يخلقنا عبثاً وبلا هدف ، وبالتالي فإذا تركنا الفلاسفة العلمانيين يقررون لنا ما نفعل في حياتنا فقد تجاهلنا الهدف من خلقنا ، فما دام أغلبية البشر من المؤمنين بوجود الله سبحانه وتعالى سواء كانوا أهل أديان سماوية أو علمانيين فإن هذا يفرض أن يتساءل الجميع لماذا خلقنا الله سبحانه وتعالى ؟ فوجود الله سبحانه وتعالى حقيقة فكرية واضحة عند أهل الأديان السماوية وعند أغلب العلمانية ووصلنا لها من خلال تفكير عقلي ، فالدين إذن قائم على تفكير عقلي ، وليس إيماناً أعمى ، وسنأتي بعد قليل لبعض شبهات الملاحدة لنبين خطأها وعدم وجود أدلة عقلية عليها والدليل الفكري الثاني على وجود الله سبحانه وتعالى هو وجود الأنبياء ومعجزاتهم ، فالمسلمون والمسيحيون واليهود شاهدوا معجزات الرسل ، فمن عاصر عيسى عليه السلام شاهد كيف أحيا الموتى بإذن الله ، وكذلك شاهد الناس ومهم السحرة معجزات موسى عليه السلام وما فعله الأنبياء ليس سحراً فالنسا تعرف السحر وحدوده وإلا لشاهدنا معجزات السحرة وتعالى موسى وقومه من فرعون بأن أنقذوا قومهم من أخطار شديدة كما أنقذ الله سبحانه وتعالى موسى وقومه من فرعون بأن جعل لهم طريقاً داخل البحر لينقذهم ثم ليغرق فرعون وقومه ، فوجود معجزات يعجز البشر عنها دليل على أن هناك قوة خارقة هي التي ساعدت الأنبياء ، وهذه القوة هي قوة الله سبحانه وتعالى ، والمعجزات هي دليل أيضاً على صدق الأنبياء والأدلة على صدق الأنبياء كثيرة ومن أهمها ما يلي :(3/38)
1) المعجزات هي أمور خارقة للعادة ومن أمثلتها معجزة القرآن الكريم ومنها عصى موسى عليه السلام وغيرها قال تعالى " ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات " سورة الإسراء (101) ومنها إنزال المن والسلوى وشق البحر له ، أما معجزات عيسى عليه السلام فبعضها مما جاء في قوله تعالى " وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني ، وإذ تخرج الموتى بإذني " سورة المائدة 110 ومعجزة محمد ? القرآن ومعجزات أخرى حدثت في وقتها قال الدكتور عمر الأشقر " وقد تحدى الله بهذا الكتاب فصحاء العرب ، وقد كانت الفصاحة والبلاغة وجودة القول هي بضاعة العرب التي نبغت بها ، وقد عادى العرب دعوة الإسلام ورسول الإسلام ، وكان مقتل هذه الدعوى أن يعارض فصحاؤهم هذا الكتاب ويأتوا بشيء من مثله ولكنهم عجزوا عن ذلك قال تعالى " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين " سورة البقرة 23-24 " (1) وقال تعالى " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " سورة الإسراء 88 وقال الدكتور عمر الأشقر عن القرآن " معجزاً في بنائه التعبيري وتنسيقه الفني باستقامته على خصائص واحدة ، في مستوى واحد ، لا يختلف ولا يتفاوت ، ولا تتخلف خصائصه ، كما هي الحال في أعمال البشر " (1) وقال " معجزاً في بنائه الفكري ، وتناسق أجزائه وتكاملها ، فلا فلتة فيه ولا مصادفة ، كل توجيهاته وتشريعاته تلتقي وتتناسق وتتكامل ، وتحيط بالحياة البشرية ، وتستوعبها ، وتلبيها وتدفعها ، دون أن تتعارض جزئية واحدة من ذلك المنهج الشامل الضخم مع جزئية أخرى " (2) وقال " معجزاً في يسر مداخله إلى القلوب والنفوس ، ولمس مفاتيحها ، وفتح مغاليقها ، واستجاشة مواضع التأثر والاستجابة فيها ، وعلاجه لعقدها ومشكلاتها في بساطة ويسر عجيبين " (3) فالقرآن معجزة دائمة ، وتتحدى الناس قديماً وحديثاً وهي أهم دليل على صدق محمد ? وعموماً فمعجزات الأنبياء والتي شهدها الناس وآمن بها اليهود والمسيحيون والمسلمون دليل عقلي قاطع على وجود رسل ، ووجود معجزات وهذا أمر لم يختلف فيه بينهم وإن اختلفوا في الإيمان ببعض الأنبياء ، والمعجزات ليست اختراعاً إسلامياً بل حقيقة فكرية لا يجادل فيها إلا ضال أو معاند فالقول بأن المعجزات نوع من السحر يرد عليه بأن الناس تعرف حدود قوة السحرة ، وأنهم لا يحيون الأموات ، كما أننا لم نشاهد سحرة ادعوا النبوة خلال عشرات القرون ، ونجحوا في دعوتهم .
2) من أدلة صدق محمد ? هو بيان القرآن لحقائق غيبية قديمة ومستقبلية منها قوله تعالى " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون " سورة آل عمران (44) فكثير من التفاصيل التي حدثت للأنبياء وأقوامهم ذكرها القرآن مع أن النبي ? لم يكن كاتباً ولا قارئاً وقد أخبر أيضاً عن أحداث مستقبلية كاستشهاد قادة المسلمين الثلاثة في معركة مؤتة وإخباره بمقتل بعض الكفار في معركة بدر قبل بدايتها وقال ? " إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتفقن كنوزهما في سبيل الله " رواه البخاري ومسلم والترمذي وحدث هذا وانتصر المسلمون على الفرس والروم بعد موت النبي ? وأخبر بأحداث أخرى حدثت ولو قارناها بتنبؤات ماركس المثقف لوجدنا أن تنبؤاته أخطأت أغلبها إن لم نقل كلها ، ونعطي أمثلة على ذلك مما قال الدكتور مصطفى محمود " ولهذا أخطأ ماركس في جميع تنبؤاته فقال بخروج الشيوعية من مجتمع صناعي رأسمالي متقدم مثل انجلتر أو ألمانيا فكذب التاريخ نبوءته وخرجت الشيوعية من بلد زراعي متخلف كالصين " (1) وقال " تنبأ ماركس بازدياد تمركز رءوس الأموال في احتكارات هائلة يزداد معها غنى الأغنياء وفقر الفقراء ولكن الذي حدث كان اتجاهاً إلى تفتيت رءوس الأموال " (2) .... الخ ونعلم أن الإنسان مهما كان ذكياً فلا يستطيع التنبؤ بأحداث مستقبلية كثيرة ، فالغيب مجهول للبشر ، ومعرفة الأنبياء به جاءت لأن الله أعلمهم بذلك .
3- حياة الأنبياء كتاب مفتوح ، قرأه الناس وعرفوا صدقهم وزهدهم في الدنيا وسمو أخلاقهم واجتهادهم في العبادة وبعدهم الكبير عن أهداف دنيوية أو أطماع أو مناصب أو انتقام أو تعصب عرقي أو طبقى أو عذر ... وكانوا قدوة في صبرهم وتواضعهم وحكمتهم ... فهذه الصفات ليست أبداً صفات كذابين قال أحمد شوقي رحمه الله في مدح الرسول ?
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت مالا تفعل الأنواء (3)
وإذا عفوت فقادراً ، ومقدراً لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا رحمت فأنت أم ، أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء(3/39)
4- من الأدلة القوية على صدق الرسل جميعاً هو دراسة القرآن والسنة والنظر فيما فيهما من العلم والحكمة والنور ومقارنتهما مع عقائد البشر وأحكامهم فتجد في الإسلام العقائد المنطقية المتكامل المدعمة بأدلة فكرية ومادية وواقعية ، وتجد الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية العادلة والمفيدة ، وتجد الأهداف السامية وتجد الأخلاق الفاضلة وقد سئل أعرابي بم عرفت أن محمداً رسول الله ؟ فقال : ما أمر بشيء فقال العقل : ليته ينهى عنه ، ولا نهى عن شيء ، فقال العقل : ليته أمر به ، ولو تأملنا في الجوانب الاقتصادية في الإسلام لوجدناها وسطاً في جوانب كثيرة بين الرأسمالية والشيوعية ، ولو درسنا أسلوب التربية الإسلامي لوجدنا الحكمة والعلم والبصيرة ... الخ فالعقول السليمة تقبل الإسلام ، وتقتنع بصوابه ، ولكن العلمانية والمستشرقين والأعداد والفهم الخاطئ لبعض المسلمين والمتطرفين وعدم دراسة الإسلام على أيدي علماء مخلصين وأعين مثقفين غير جامدين ولا متطرفين ... كل هذا وغيره أدى إلى تشويه مفاهيم وعقائد وأحكام الإسلام عند الكثيرين ، ومن الأمور الغريبة أن بعض من رفض الإسلام لم يدرسه ولم يعرفه ولا يريد أن يعرفه ومع هذا يحكم عليه بالرجعية والتخلف ، قال ابن القيم " فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها ، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل ، فالشريعة عدل الله بين عباده ، ورحمته بين خلقه ، وظله في أرضه ، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسول الله ? أتم دلالة وأصدقها " (1)
5- قال الدكتور عمر الأشقر " ومما يدلنا على صدق الأنبياء والمرسلين نصرة الله لهم ، وحفظه إياهم ، فإنه يستحيل على الله تعالى أن يتقول عليه متقول ، فيدعي أنه مرسل من عند الله وهو كاذب في دعواه ، ثم بعد ذلك يؤيده الله وينصره " (2) فالله سبحانه وتعالى يخذل من يدعي النبوة وهو كاذب ، وينصر النبي الصادق ومن قرأ سيرة الرسول ? يعلم أنه مؤيد بنصر من الله لأنه تعرض إلى مخاطر كثيرة منها عدة محاولات لقتله وتعرض لحروب كثيرة ، وكان النصر الأخير له ، ولو كان رجلاً عادياً لما عارض قومه ولسايرهم لأن له هدفاً مادياً أو سياسياً ولما عرض حياته لأخطار وحروب ، وكان النبي يقول دعوته صريحة وواضحة وقوية في عقر دار الكفار وهو ضعيف ، ولا سند له إلا إيمانه بالله سبحانه ، وهو يفعل ذلك تنفيذاً لأوامر الله ، فكيف ينتصر رجل أعلن عقيدة ضد قريش والعرب والفرس والروم وهو ليست لديه أموال ولا قبيلة قوية ولا دولة ولا حصون تحميه ولا أسلحة متطورة ومع هذا ينتصر عليهم .
6- وقال تعالى " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء " سورة النمل 88 وهذه الآية الكريمة تقول أن الجبال متحركة وتسير ، وهذه حقيقة علمية مادية ثبتت قبل حوالي خمسمائة سنة ، أي بعد أكثر من سبعة قرون من وفاة الرسول ? فمن أين يعلم الرسول هذه الحقيقة لو لم يخبره الله سبحانه وتعالى ، وفي القرآن الكريم حقائق مادية أثبتها العلم المادي مثل انخفاض كمية الأوكسجين بالارتفاع عن سطح الأرض ، قال تعالى : " ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء " سورة الأنعام (125) وأن الرياح تقوم بنقل حبوب اللقاح من الزهور المذكورة إلى الزهور المؤنثة قال تعالى " وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه " سورة الحجر / 22 (1)
الدليل الفكري للرأسمالية العلمانية :(3/40)
العلمانية الرأسمالية كفكر ليست قائمة على أدلة تنفي وجود الله ، أو تنفي صدق الأنبياء ، بل هي قائمة على فصل الدين عن الدولة وعن الحياة ، وما دمنا أثبتنا وجود الله وصدق الأنبياء فإن تقييم العلمانية الرأسمالية يعتمد على ميزان الإسلام لأن الكتب السماوية هي الحقائق الفكرية ، وهي العلم الفكري ، وبها نعرف الحق من الباطل ، والصواب من الخطأ قال تعالى " ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور " سورة إبراهيم (5) وقال تعالى مخاطباً محمداً ? " ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " سورة النحل 89 وقال تعالى " وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون " سورة النحل (64) وقال تعالى " أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم " سورة الملك (22) وقال رسول الله ? " تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك " وبناء على منبع الحقائق الفكرية نقول إن فصل الدين عن الدولة أي الرأسمالية العلمانية خاطئة وضائعة ومظلمة بدليل قوله تعالى " فأحكم بينهم بما أنزل الله " سورة المائدة (48) وقوله تعالى " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون (18) إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين (19) هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون " (20) سورة الجاثية وقال ابن تيمية " ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين ، وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد ? فهو كافر " (2) وقال الدكتور أحمد كمال أبو المجد " أما قضية فصل الدين عن الدولة بمعنى أقصاء الدين عن أن يكون له دور في تنظيم أمور المجتمع فإنها المكون الرئيس من مكونات العلمانية الذي يسع مسلماً قبوله " (3) فهدف الرسل هو إذن بيان الحق من الباطل في عقائد الناس وقوانينهم وأنظمتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحياتهم الأسرية والشخصية وتأتي العلمانية الرأسمالية لترفض هذه الحقائق الفكرية ولتتخبط في عقائدها وأنظمتها ، فتحصد التعاسة والشقاء والقلق والضياع بل تأتي بعد الرفض الإسلامي الصريح لها من خلال آيات وأحاديث لتقول لا يوجد تعارض بين العلمانية والإسلام ، وتتجاهل هذه الآيات الصريحة ، وأقوال العلماء وهذه محاولة فاشلة لم يعد يصدقها الناس ، وأقل ما يقال عن أصحابها أنهم لا يملكون الشجاعة الأدبية ، أو أنهم يكذبون فإذا قال العلمانيون نؤمن بوجود الله سبحانه وتعالى وصدق محمد ? وبأن القرآن كتاب الله ، فلماذا إذن يفصلون الإسلام عن الدولة فهم كأنهم يقولون وصلنا إلى الحقائق الفكرية ، ولكن لا نريد أن نستخدمها في الدولة ولا في حياتنا الشخصية ، وتعالوا نبحث عن الحقائق الفكرية في مكان آخر ، أو لنبني حياتنا على أساس من الآراء الخاطئة المتناقضة وكأنهم يقولون نحن كبشر لا نحتاج هذه الحقائق ، وأخطأ الله سبحانه وتعالى في تبليغها لنا بل ، هي منبع التعصب والتطرف والجهل ، ومثل هذا الكرم معناه أن ما يوجد في القرآن ليس بحقائق فكرية وأنه لا يوجد أنبياء ، وأن ما ثبت بالعقل السليم صحته مرفوض ، وأن الآراء الفكرية المتناقضة التي يصل إليها العلمانيون والشعوب هي التي يجب أن تطبق وهذا ليس فقط كفراً بواحا بل أيضاً جهل عظيم بالله سبحانه وتعالى وبرسله وبكتبه وبالهدف من خلق الإنسان وبالمبادئ الصحيحة والقوانين العادلة ، وهناك من العلمانيين من يقول نعم الإسلام دين صحيح ولكنه علاقة بين الإنسان وخالقه ولا دخل في السياسة وشؤون الدولة ، وهذا أيضاً من الجهل لأن الإسلام يقول عكس ما يقولون وليس من حقهم أن يعطوا تعريفاً للإسلام يناقض آيات قرآنية وأحاديث صريحة ، فمثل هذا التعريف ليس لديه أي شرعية موضوعية ، فالعلمانية الرأسمالية ليست لديها أي أدلة عقلية صحيحة تثبت صوابها وليست لديها شريعة دينية مستندة إليها والغريب فعلاً أنه ليس لديها إطلاقاً إثبات على صحة أصولها الفكرية ، فهي قائمة على رد فعل لأخطاء الكنيسة وعلى بحر من الآراء والأفكار المتناقضة ، وفلسفة الحلول الوسط واتباع الشهوات والهوى ، والهروب من الأسئلة القلقة فهذه هي الأسس " العلمية " للعلمانية الرأسمالية فالابتعاد عن الكنيسة ليس معناه أنك تسير في الاتجاه الصحيح ، وتناقض الأفكار وتصادمها لم يكن أبداً جزءاً من العلم ، والحلول الوسط ليست أسلوباً للوصول للحقائق الفكرية أو المادية ، أما الهروب من الأسئلة القلقة هو دليل عجز وحيرة وضياع ويأس ، وفتح الباب للشهوات والأهواء دليل على الطيش والجهل لا التفكير والعلم قال تعالى " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين " (16) سورة البقرة وقال تعالى " قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى " (123) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى " (124) سورة طه ولو نظرنا للعلمانية الرأسمالية والمؤمنين بوجود الله من العلمانيين من زاوية عقلية ثانية لوجدنا أن وجود الله سبحانه وتعالى حقيقة فكرية وصدق رسله حقيقة فكرية ، ووجود كتب سماوية حقيقة فكرية ، ويؤمنون بأن الله أعلم وأحكم وأقوى منهم ومع هذا يقولون سنصل بعقولنا إلى نظام لحياتنا أفضل وأرقى مما علمنا الله سبحانه وتعالى قال ابن الجوزي " وهذه هي المحنة التي جرت لإبليس ، فإنه أخذ يعيب الحكمة بعقله ، فلو تفكر علم أن واهب العقل أعلى من العقل ، وأن حكمته أوفى من كل حكيم ، لأنه بحكمته التامة أنشأ العقول " (1) قال ابن تيمية قال الله تعالى "أومن كان(3/41)
ميتاً فأحييناه وجلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " سورة الأنعام (122) فهذا وصف المؤمن ، كان ميتاً في ظلمة الجهل ، فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان ، وجعل له نوراً يمشي به في الناس ، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات " (2) وقال ابن القيم في كتاب مفتاح دار السعادة " حاجة الناس إلى الشريعة ضرورية ، فوق حاجتهم إلى كل شيء ، لا نسبة لحاجتهم إلى علم الطب إليها ، ألا ترى أكثر العالم يعيشون بغير طبيب " وقال ابن القيم " ومن ههنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول ، وما جاء به ، وتصديقه فيما أخبر به ، وطاعته فيما أمر ، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل ، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم ، ولا ينال رضا الله ألبتة إلا على أيديهم ، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاءوا به ، فهو الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأخلاقهم توزن الأخلاق والأعمال وبمتابعتهم يتميز أهل الضلال " (3)
وقال " فالعقل يدرك حسن العدل ، وأما كون هذا الفعل المعين عدلاً أو ظلماً فهذا مما يعجز العقل عن إدراكه في كل فعل وعقد " (1) أي العقل يريد العدل ويعلم أنه هدف نبيل ولكن لا يستطيع في كل القضايا الفكرية أو أغلبها معرفة ما هو العدل فهل من العدل أن نوزع المسؤولية المالية في الأسرة بين الزوجين بالتساوي أم هي مسؤولية الزوج وما هو الموقف العادل من الربا أو الثورة على الحكومات أو حقوق الحكومات ... الخ وقال ابن القيم " فمن أين للعقل معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته أو من أين له معرفة تفاصيل شرعه ودينه الذي شرعه لعباده ؟ ومن أين له معرفة تفاصيل محبته ، ورضاه ، وسخطه ، وكراهيته ؟ ومن أين له معرفة تفاصيل ثوابه وعقابه ، وما أعد لأوليائه وما أعد لأعدائه ، ومقادير الثواب والعقاب وكيفيتهما ودرجاتهما ؟ " (2) وبعد أن ثبت للعقل البشري وجود الله وصدق الأنبياء فعليه أن يعتبر الإسلام مصدره للحقائق الفكرية فالتفكير العقلي العلماني المجرد يؤدي إلى تناقضات ، فالإيمان بما جاء به الرسل جاء عن عقل وتفكير وعلم وبحث ، ولم يكن أبداً إيماناً أعمى كما يقول كثير من العلمانيين قال الشيخ عبد الحليم محمود رحمه الله " لقد كان من الطبيعي – بعد أن تثبت النبوة – أن يتلقى العرب كل ما جاء في القرآن بالقبول " (3) فالوحي هو الذي جاء بالحقائق الفكرية ولهذا قيل " والوحي مع العقل كنور الشمس أو الضوء مع العين ، فإذا حجب الوحي عن العقل لم ينتفع الإنسان بعقله ن كما أن المبصر لا ينتفع بعينيه إذا عاش في ظلمة ، فإذا أشرقت الشمس وانتشر ضوءها انتفع بناظريه " (4)
شبهات حول الحقائق الفكرية
ذكرت أدلة عقلية واضحة تثبت وجود الله وصدق الأنبياء ، وسأذكر هنا قضية مهمة جداًَ ، وكثيراً ما غابت عن المدافعين عن وجود الله ، وعن المدافعين عن الحقائق الفكرية وهي أن النقاش يجب أن يكون نقاشاً عادلاً وواضحاً ، ويتعامل مع أدلة لآراء لا يسندها أي دليل فإذا قال الملحد مثلاً أن الكون خلق صدفة نقول أين الدليل العقلي على وجود صدفة أي أثبت علمية كلامك أولا ولا تقل كلاماً لا يثبت بدليل ، أي نريد حقائق لا نريد آراء فالكلام مجاناً ، وإلا فبالإمكان القول بأن الكون خلق من صدفتين أو عشر ، وأن الإنسان تطور من قرد أو حمار فهذه الأقوال آراء وافتراضات وظنون وأوهام وليست حقائق مادية أو فكرية ، وقبل أن نناقش العلمانيين في الشبهات التي يثيرونها ويشككون بحقائق فكرية إسلامية نقول الرد المختصر على كل هذه الشبهات هو أننا وصلنا بالعقل والأدلة الصحيحة إلى إثبات صحة الحقائق الإسلامية وبالتالي فما يخالفها هو بالتأكيد باطل لأن العقل السليم لا يعارض العقل السليم ، والحقائق لا تعارض الحقائق فإن كان الله سبحانه وتعالى قد أرسل لنا أنبياء وكتب فيستحيل أن يكون فيها باطل أو خطأ لأن الله سبحانه وتعالى عليم وحكيم وقادر وعادل ورحيم ، ويستحيل من ناحية عقلية أن يستطيع العقل البشري والذي نعرف محدوديته وجهله وضعفه ، أن يهدينا إلى عقائد وشرائع أفضل مما هدانا الله سبحانه وتعالى فلا توجد إطلاقاً مقارنة بين علم الله وقدرته على الخلق وقوته وبين ما عند البشر جميعاً ، وهذه حقيقة فكرية وحقيقة مادية أيضاً نراها في ما خلق الله سبحانه وتعالى من كون وكائنات وقوانين وما خلفها من علم وقدرة وإبداع ، وقد أدرك المسلمون هذه الحقيقة ، فلم تخدعهم الشبهات والأوهام ، وأخذوا يبنون بنيانهم الفكري على الحقائق الفكرية بطريقة متسلسلة ومنطقية ومتكاملة وشاملة ، وتعالوا معنا نناقش ما يقول العلمانيون والملاحدة :(3/42)
1- قال الدكتور صادق جلال العظم " ولماذا لا نفترض أن المادة الأولى غير معلولة الوجود وبذلك يحسم النقاش دول اللجوء إلى عالم الغيبيات " (1) وقال " في الواقع علينا أن نعترف بكل تواضع بجهلنا حول كل ما يتعلق بمشكلة المصدر الأول للكون .. وعندما تسألني وما علة وجود المادة الأولى ؟ فإن أقصى ما أستطيع الإجابة به : لا أعرف إلا أنها غير معلولة الوجود " (1) لاحظ كلمة نفترض أي نظن ونقترح ، وفي نفس الوقت يعترف بجهله في هذه القضية والغريب أنه يصل إلى أن المصدر الأول غير معلول الوجود ، وهذا ما يقوله المؤمنون بالله سبحانه وتعالى ولكنه يرفض أن يكون هذا المصدر هو الله سبحانه وتعالى ، فنفى وجود الله لم يعتمد على دليل عقلي ولكنه افتراض ، كما أننا لم نلجأ كمسلمين إلى افتراضات وغيبيات بل عندنا حقيقة واضحة أن هناك كون منظم وخلق فلابد من خالق ، فالدليل الإلحادي هو دليل مبني على الجهل والظن وليس العلم واليقين ، ومع هذا يشرعون ويعتبرون أنسهم مفكرين ويطالبون الناس باتباعهم ، وأسسهم الفكرية الجهل والظن ، وهم يعترفون بأنهم ضائعون وحائرون وجاهلون قال أندرو كونواي أيفي " وقد ينكر منكر وجود الله ولكنه لا يستطيع أن يؤيد إنكاره بدليل ... أنني لم أقرأ ولم أسمع في حياتي دليلاً عقلياً على عدم وجوده تعالى " (2) وقال الدكتور مصطفى محمود " ثم من كان موجوداً أول الخلق ليقول : في البدء كانت المادة هذا كلام ظني غيبي ولا علمية فيه " (3) وقال الأستاذ محمد علي يوسف " وكل منطق يؤدي في نهايته إلى التسليم بوجود خالق مدبر حكيم ، عند المؤمنين ، ينتهي عند الملاحدة بوجود شيء لا وجود له ، هو المصادفة " (4) وجاء في كتاب العلم يدعو للإيمان ترجمة محمود صالح الفكي " وإذا نظرنا إلى حجم الكرة الأرضية ، ومكانها في الفضاء ، وبراعة التنظيمات ، فإن فرصة حصول بعض هذه التنظيمات مصادفة هي بنسبة واحد إلى مليون ، وفرصة حدوثها كلها معا لا يمكن حسابها حتى بالنسبة للبلايين ، وعلى ذلك فإن وجود هذه الحقائق لا يمكن التوفيق بينه وبين أي قانون من قوانين المصادفة " (5) وجاء في سيرة مختصرة عن حياة ألبرت اينشتاين العالم الفيزيائي الشهير " وعلى الرغم من أن اينشتاين قد نشأ في عائلة منكرة للدين ، فإنه قد ارتد إلى حظيرة الإيمان بعد أن توغل في معرفة حقيقة العالم الذي لا يمكن إلا أن يكون نتيجة تدبير محكم لإله قادر عظيم ، وقد استبعد دور المصادفة في حقل العالم وقى عنده الشعور الديني ، فقال إن كل بحث علمي دقيق هو ما قام على شعور ديني يستند إلى أن العالم نتيجة عقل مدبر وليس وليد صدفة عشوائية " (1)
2- يقول هيجل " إنني أستطيع خلق الإنسان لو توفر لي الماء والمواد الكيماوية والوقت " (2) ونقول له أخلق ذبابة أولاً ولا تقول لدي القدرة على خلق إنسان فهذا افتراض وظن لا يصح بناء عليه أن تنفي وجود خالق كما أن المطلوب أسهل من ذلك أمنع الموت عنك ... وهو قد مات فعلاً أو أحيي من مات من البشر وهو أمر أسهل من خلقهم ، بمثل هذا الكلام وغيره ، شوه بعض الفلاسفة الحقائق الفكرية ، ووجود الله سبحانه وتعالى هو الحقيقة الكبرى في الوجود وهي الأساس لكل الحقائق الفكرية ، فالفيلسوف الذي يجهل ذلك هو من أكثر الناس جهلاً حتى لو ألف مئات الكتب وحصل على أعلى الشهادات الجامعية .
3- من أساليب تزوير الحقائق ما قاله الفلاسفة الماديون حيث قالوا نحن لا نعتبر شيئاً حقيقة ما لم يخضع للتجربة والمشاهدة والاستنتاج ، ونقول لهم هذا الأسلوب لا ينطبق على القضايا الفكرية ، كما أن هذا الأسلوب لم يوصلكم إلى أن وجود الله سبحانه وتعالى ليس حقيقة بل أقصى ما يقول إنني لا أستطيع أن أنفي ولا أثبت وجود الله لأنه شيء غيبي وراء الطبيعة ، فلماذا إذن اعتبرتم عدم وجود الله حقيقة وهو شيء لم يثبت من خلال التجربة والمشاهدة والاستنتاج ولماذا اعتبرتم الدين باطلاً ولم يثبتوا في المختبر أنه باطل وأيضاً لم يثبتوا في المختبر أن الرأسمالية أو العلمانية أو الشيوعية أنظمة صحيحة قال الأستاذ وحيد الدين خان " إذا كان المبدأ هو أن الحقيقة ليست إلا نتائج المشاهدة والتجربة العلمية ، فلن تستقيم قضية معارضي الدين إلا إذا توصلوا ، بالمشاهدة والتجربة إلى أن الدين في حقيقته النهائية باطل " (3) كان المفروض أن يقولوا أن العلم المادي لا يتدخل في القضايا الفكرية وأن يكون جوابهم في هذه القضايا لا أدري
قال هكسلي " إن المادة وقوانين المادة قد أبطلتا عقيدة الخلق ووجود الروح " (1) وهذا الكلام هو خلط للأوراق ، وظلم للعلوم المادية المختبرية لأن هذه العلوم لم تبطل قضية الخلق أبدأ ، ولم تبحث في المختبر قضية الروح لأنه لا يمكن بحثها لأنها ليست قضية مادة ، والصحيح هو ما قاله الأستاذ عبد الباري الندوي " والواقع أن أسطورة الصدام بين العلم " المادي " والدين مصطنعة وملفقة لا أساس لها مطلقاً " (2)(3/43)
4- من الأمور التي اقتنع بها بعض الفلاسفة الملحدين هو الربط بين بعض الأمور وبين وجود الله كما قال برتراند رسل " إن الشر الطبيعي والخلقي برهان ساطع على عدم وجود الله " (3) وقال الأستاذ أديب صعب " وفي الفلسفة الوجودية بجانبها الملحد نقع على النتيجة نفسها والمنطق نفسه : (1) إذا كان الله موجوداً ، لا يمكن أن يوجد الشر (2) لكن الشر موجود (3) إذا الله غير موجود " (4) وقال أم بوشنسكي " والدين عند برتراند رسل يقوم على الخوف ، وبالتالي فهو شر ، وهو كما يقول رسل عدو للطيبة والذوق في العالم الحديث ، وهو يوجد عن الأقوام التي لم تبلغ بعد نضجها " (5) والرد على هذا هو ما علاقة الشر أو الخوف أو الخير بوجود الله وكيف تكون برهاناً عقلياً ساطعاً كما يقول على عدم وجود الله ولماذا لا يقول الخير كثير وموجود وهو دليل على وجود الله ، والحقيقة الفكرية هي أن الله سبحانه وتعالى سمح بوجود شر في الأرض لحكم منها العقاب ، ومنها الاختبار ، وهو ليس بعاجز عن منعه لو أراد ، فلا يوجد ربط علمي بين وجود الشر والخوف ووجود الله ، وليس صحيحاً أن الدين قائم على الخوف وأين الحب والشكر والرجاء والجنة والاقتناع وهذا يثبت حقيقة نعلم يقيناً أنها جزء من مشكلة العلمانيين على اختلاف مدارسهم وهو جهلهم بالدين الصحيح ومفاهيمه وأهدافه وعقائده ، ولكن كما قلت يقولون كلاماً واتهامات بدون أدلة تشوه الحقائق الفكرية أي الدين أما الظن بأن الدين موجود عند أقوام لم تبلغ نضجها فهو ظن خاطئ لأن هذه الأقوام وصلت للحقائق الفكرية ، ونضج عقلها ، والعقول التي لم تنضج هي العقول العلمانية التي لا تملك ولم تتفق حتى على حقيقة واحدة وتتبنى مبادئ ثم تكفر بها ، وتغير رأيها وتتناقض مع بعضها البعض وهذا دليل على ضياعها ، وعدم نضجها ، وعدم وصولها للحقائق ، وإثارة شبهات وربطها بطريقة غريبة باستنتاجات معينة ليس أسلوب حديث ، فهو أسلوب الملاحدة والمعاندين في كل زمان فقد قال الكفار في الماضي لماذا لا يكون النبي رجلاً له مكانة كبيرة ؟ لماذا يكون إنساناً عادياً ؟ وقالوا لماذا يكون النبي بشراً مثلنا ؟ فهذه الأمور تثير الشبهات ولكنها ليست أدلة عقلية مقنعة ، والمفروض أن يناقشوا صدق الرسول وأدلته العقلية ، أي البينات لا أي قضايا أخرى ، قال تعالى " ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد " سورة التغابن (6) قال ابن الجوزي رحمه الله : " وإذا نظر العاقل إلى أفعال الباري سبحانه رأي أشياء لا يقتضيها العقل ، مثل الآلام ، والذبح للحيوان ، وتسليط الأعداء على الأولياء مع القدرة على المنع ، والابتلاء بالمجاعة للصالحين ، والمعاقبة على الذنب بعد البعد بزلة ، وأشياء كثيرة من هذا الجنس ، يعرضها العقل على العادات في تدبيره ، فيرى أنه لا حكمة تظهر له فيها ، فالاحتراز من العقل به أن يقال له : أليس قد ثبت عندي أنه مالك ، وأنه حكيم ، وأنه لا يفعل شيئاً عبثاً ؟ فيقول : بلى : فيقال : فنحن نحترز من تدبيرك الثاني بما ثبت عندك في الأول ، فلم يبق إلا أنه خفي عليك وجه الحكمة في فعله ، فيجب التسليم له ، لعلمنا أنه حكيم ، حينئذ بذعن ويقول : قد سلمت " (1) وقال بعض الحكماء : من لم يحترز بعقله هلك بعقله ، ومعنى هذا أن العقل الذي أوصلنا بأدلة عقلية صحيحة إلى الحقائق الفكرية ، وأنها موجودة في القرآن والسنة ، وأن هناك خالق لهذا الكون حكيم وعليم وقوي يأتي ليثير شبهات فكرية مثل لماذا يحدث الظلم في هذه الأرض ؟ لماذا هناك فقر وأمراض وشر ؟ ويأتي ليطعن في حكمة الخالق وعلمه وعدله بل حتى وجوده وكل هذا يحدث بدون أدلة عقلية صحيحة تثبت أن وجود الفقر أو الظلم أو المرض يتعارض مع وجود الله سبحانه وتعالى ومع صفاته الكمالية ومع صدق أنبيائه وشريعته ، فلا يوجد تعارض فهذه الدنيا دار اختبار ، وهناك ثواب وعقاب ، وسيؤخذ لكل إنسان مظلوم حقه يوم القيامة بل سيصل العدل حتى إلى إنصاف الحيوانات بعضها من بعض ، وأي عمل سواء كان خيراً أو شراً حتى لو بلغ من الصغر مقدار ذرة لن يتم نسيانها ، وسيأتي بها الله وأعطى الله ، سبحانه وتعالى الإنسان العقل والحرية وأمره بأن يعمل الخير ويبتعد عن الشر ، وعموماً فمن وصل بالعقل السليم ، إلى أن الله سبحانه وتعالى حكيم وعادل لا يعود ليتبع ظنون وشبهات لعقول ضائعة ويقول إن الله سبحانه وتعالى ليس حكيماً وعادلاً ، فالله سبحانه وتعالى حكيم ، هذه حقيقة فكرية " أي علم " أما اتهام الله سبحانه وتعالى بعكس ذلك فهذه أوهام فكرية ، أي هل ، وكثير من الشبهات التي تشكك في صحة بعض الحقائق الفكرية الإسلامية هي فعلاً تشكيك في وجود الله سبحانه وتعالى ، أو عدله أو صدق أنبيائه ، وهذه حقائق بأدلة عقلية قطعية ، ومن لديه علم بالإسلام وبما قاله علماء الإسلام يعلم أن الله سبحانه وتعالى ذكر الحكمة في بعض الأمور كوجود المصائب ، وشرح ذلك كثير من العلماء وتطرق العلماء أيضاً إلى الحكمة من أحكام الشريعة كالأمر بالزكاة والصدقات والزواج والعمل الإنتاجي وصلة الرحم ... الخ والحكمة من منع الزنا والربا والخمر ، وأي عاقل منصف سيقول بأعلى صوته هذا هو ما تدعو له العقول السليمة وهذا هو الحق والعدل .(3/44)
5- ومن الأدلة التي يستند إليها الملحدون في نفي وجود الله وفي نفي صحة الدين ما حصل من تعارض بين ما يقوله رجال الكنيسة وبين بعض الحقائق المادية ، فقد كان رجال الكنيسة يعتبرون الأرض مسطحة وأن الأرض هي مركز الكون ن وأن علاج الأمراض هو بإقامة الطقوس لطرد الشياطين التي تجلب المرض وهذا ليس صحيحاً فقد كان علماء المادة لديهم أدلة من التجربة والمشاهدة والاستنتاج تقول أن الأرض كروية وأنها صحيح ، وما يقول علماء الكنيسة خطأ فاستنتجوا أن الكنيسة على خطأ في كل ما تقول ، فلا يوجد إله لأن الإله لا يقول أشياء خاطئة وحل هذه الإشكالية بسيط وهو أن معارضة الكنيسة لبعض الحقائق الفكرية والمادية جاء أحد احتمالين ، أما إضافات غير صحيحة للكتب السماوية ، أو تفسيرات خاطئة لنصوص دينية ، وإذا أضفنا إلى ذلك أن الإسلام قال قبل خمسة عشر قرناً ( أي قبل أن تأتي العلمانية الحديثة ) بأن هناك تحريف في المسيحية واليهودية ، وفي فهم حقائقها وخاصة في القضايا الفكرية يصبح اكتشاف العلمانية أخطاء في الديانة المسيحية حقيقة تتفق فيها مع الإسلام والإسلام كدين حق لم يتطرف ويعتبر كل ما في المسيحية خطأ كما فعلت العلمانية وجعل الملحدون من العلمانيين ذلك دليلاً على عدم وجود الله وهذا تطرف وربط غير منطقي ، وكان المفروض علمياً أن يقال أن الكنيسة أخطأت في هذه القضايا المادية ، لا أن يتم رفض كل الحقائق الفكرية المسيحية ، بل حتى لو افترضنا جدلاً أن المسيحية كلها خاطئة فإن هذا ليس دليلاً على عدم وجود الله ، فأدلة وجود الله من خلق لا زالت قائمة ، ولا توجد أدلة على عدم وجود الله ، فالعلم المادي أثبت وجود انحرافات في المسيحية ، ولكنه لم يقل ولم يثبت عدم وجود الله ولكن خلط الأوراق العلماني ضيع الحقائق ، كما أن العلمانية اتهموا كل دين بأنه باطل حتى قبل أن يدرسوا الإسلام ويعرفوه ، ولم يثبتوا وجود أي تناقض بين العلم المادي والحقائق الفكرية والمادية الموجودة في القرآن ، ولا شك أن أي تشكيك في حقيقة قرآنية من علماء العلوم المادية أو مفكرين علمانيين هو باطل وخطأ هذا إذا فهمنا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بصورة صحيحة بعيداً عن تفاسير خاطئة قديمة أو حديثة .
6- تقول نظرية دارون : أن أصل المخلوقات كائن صغير تطور مع مرور السنين إلى سلالات أخرى أرقى إلى أن وصلنا إلى الإنسان ، وبما أن الأديان السماوية تقول ، أن الله خلق الإنسان مباشرة ، وأنه لم يتطور من قرد فإن هذا يخالف نظرية دارون ، إذن الأديان خاطئة والله غير موجود ، ونقول إن نظرية دارون وخاصة تكون الإنسان من قرد عملية لم تثبت علمياً أبداً بل هي نظرية أي رأي ووجهة نظر ، قال الأستاذ وحيد الدين خان " فقبل كل شيء يجب ألا يفوتنا أن الداروينية لا تزال نظرية غير ثابتة كلياً حتى الآن ، أن نظرية الارتقاء لا تثبت شيئاً أكثر من أن الأنواع المختلفة لم توجد في وقت واحد " (1) وقال آرثر كيث " الارتقاء غير ثابت ولا يمكن إثباته " (2) وقال الأستاذ وحيد الدين خان " إن محامي نظرية الارتقاء لم يتمكنوا حتى الآن من تمكيننا من مشاهدة أو تجربة أي أساس تقوم عليه مزاعمهم فعلى سبيل المثال ليس بوسعهم أن يثبتوا لك بالرؤية المباشرة في معمل ما ، كيف توجد الحياة من مادة لا حياة فيها " (3) وقال الأستاذ محمد علي يوسف " هل يمكن أن تكون الطفرات حقيقة وسيلة للتطور ، أن الدراسة الطويلة المتصلة لهذه الطفرات في كثير من الكائنات وخاصة ذبابة الفاكهة المسماة دورسوفيلا ميلانوجستر تدل على أن الغالبية العظمى من الطفرات تكون من النوع المميت ، أما الأنواع غير المميتة منها فإن التغيرات المصاحبة لها تكون من النوع الذي يؤدي إلى التشويه ، أو على الأقل من النوع المتعادل الذي يحدث تأثيرات فسيولوجية تضعف من قوة الفرد " (4) ومع أن الأدلة المادية لم تثبت أن الإنسان تحول من قرد ، " وأن رأي الطفرة كلام في الهواء وظن وافتراض إلا أننا سنرد جدلاً بأن البشر لم يشاهدوا خلال تاريخهم أي قرد تحول إلى رجل ، وإذا كان هذا حدث نتيجة طفرة فالغريب أن تحدث طفرة أخرى لقردة لتتحول إلى امرأة وأن يجتمع الرجل والمرأة في الأرض الشاسعة في مكان واحد وزمن واحد كما أن محاولة إيجاد تسلسل في الخلق غير منطقية ، فهناك حيوانات وطيور وحشرات وأسماك ونباتات وبينها تناقضات كثيرة لا يجوز تجاهلها حتى لو كان هناك بعض التشابه ، فما هو التشابه بين الحمامة والحمار ، وبين السمكة والشجرة وبين البعوضة والفيل ، وحكاية التطور تصلح كقصة خرافية أو أفلام خيالية ومع هذا حصلت على شهرة عالمية لأسباب لعل أهمها ، أن كثيراً ممن تكلموا فيها وأيدوها ليس لديهم معرفة بعلم الأحياء ولم الطفرة بالذات بل هم فلاسفة لا يعرفون حتى بديهيات علم الوراثة ، ولكن وجدوا فيها " تأييداً " لفكرهم الإلحادي سواء كان ماركسياً أو غير ماركسي ، أما ما مدى صحة هذه النظرية فليس مهماً المهم هو أن يجادلوا المؤمنين بالله وبالأديان ، والمهم أن يتخلصوا من سيطرة الكنيسة ومن أعدائهم الفكريين والسياسيين ، ومثل هؤلاء الذين لا تهمهم الحقائق لا يهديهم الله ، قال الدكتور عمر الأشقر " إن آيات الله في الكون لا تتجلى على حقيقتها الموحية إلا للقلوب الذاكرة العابدة " (1) وقال تعالى " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداَ وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار " 190-191 سورة آل عمران(3/45)
7- محاكمة الواقع : الحقائق الفكرية هي أجوبة نظرية صحيحة لأسئلة عقائدية وسياسية واجتماعية واقتصادية وصلنا لها بأدلة عقلية ، ولكن هناك من عجز عن تشويه هذه الحقائق بأدلة عقلية وبحث وحوار ، فأخذ يسلط الأضواء على سلبيات التطبيق عند دول أو جماعات أو أفراد ليثبت بعد ذلك أن الخلل هو بسبب الإسلام ونقول تدخل في الجانب العملي لأي مبدأ سواء كان الإسلام أو غيره عوامل كثيرة من واقع وبشر ومعلومات وإشاعات فهناك مخلصون ومنافقون وهناك أذكياء وأغبياء ، فمحاكمة الفكر بناء على الواقع مرفوضة علمياً ، وهذا لا يمنع أن يكون الواقع هو عنصر ثانوي في المناقشة بمعنى أن الهدف من الفكر هو خدمة الناس وإصلاح الواقع ، ومن المعروف أن بعض من يحملون مسمى المسلمين لا يتورعون عن قتل أو سرقة أو نفاق أو غير ذلك مع أن الإسلام كفكر يأمر بعكس ذلك ، كما أن هناك من الحكومات من ترفع الشعارات الإسلامية لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وهناك جماعات إسلامية متطرفة شرح تطرفها علماء مسلمون مخلصون وواعون ، ونقول أن الممثلين الحقيقيين هم من يلتزمون بالمبادئ الإسلامية ويطبقونها بقدر ما يستطيعون ، وهذا لا يعني أنهم أنبياء أو كالصحابة في إيمانهم ووعيهم وأخلاقهم ، بل يبقون بشراً ولكن لهم إيجابياتهم الكثيرة وأيضاً لهم بعض السلبيات والأخطاء الفكرية أو السياسية أو الاجتماعية ، وبالتالي فمحاكمة البشر والواقع يجب أن تكون محاكمة ذات معايير واقعية وإسلامية ، وليست مثالية أو علمانية ، فإذا اعتبرنا الطالب الذي يحصل على أقل من 90% ساقطاً فسيسقط الأغلبية ، أما إذا كنا واقعيين واعتبرنا علامة النجاح 60% فإن المحاكمة ستكون عادلة وهذا ينطبق على أفراد وجماعات ودول إسلامية حيث نجد لهم كثيراً من الإيجابيات وقليلاً من السلبيات ، وإذا قارناهم بغيرهم فإنهم أفضل بكثير إذا حدثت مقارنة شاملة في العقائد والأخلاق والأمانة والصدق وهم بالتأكيد أمل الأوطان والأمة والإنسانية في واقع أفضل ونقول للعلمانيين العرب إذا كنتم صادقين في إيمانكم بالإسلام وأن اختلافكم هو مع جماعات ودول إسلامية وترون أنها متطرفة فطبقوا أنتم الإسلام بصورة صحيحة .
8- الاتهامات السرية : تبني المبادئ الصحيحة " الحقائق الفكرية " عملية يجب أن تتم بصورة عقلية وعلنية ولكن بعض العلمانيين العرب يهربون من النقاش العلمي في ساحة الأدلة العقلية ، إلى ساحات الاتهامات للإسلام بالمثالية أو الاستبداد أو السطحية ، أو غير ذلك ، وهناك نوع غريب من الاتهامات السرية حيث يقول بعض هؤلاء همساً أو في دوائر مغلقة إنكم يا مسلمون لا تعرفون دينكم ، ففيه تعارض بين بعض الآيات القرآنية أو أن تفسير هذه الآية يعني كذا وكذا مما لا يقبله عقل أو مبادئ إسلامية معروفة أو يوجد في كتب تاريخية إسلامية كذا وكذا ، أو أن الإمام البخاري لم يكن علمياً في جمعه الأحاديث الصحيحة أو غير ذلك ، وما يقوله هؤلاء هو ترديد لشبهات كثيرة نقلوها من مستشرقين أو أعداء للمسلمين قديماً وحديثاً ، وهي أمور تكلم فيها علماء الإسلام ، وبينوا أنها إما فهم خاطئ ، أو كذب ، والمشكلة أن توجيه اتهامات سرية في دوائر مغلقة أسلوب يضر صاحبه حيث تبقى في عقله معلومات خاطئة لأنه لم يوصل شبهاته إلى علماء مسلمين يشرحون له الحقائق الفكرية ، وقد يقول قائل إنهم لا يستطيعون ذلك خوفاً من غضب الناس ، ونقول أن هناك وسئل مختلفة لسماع وجهة نظر علماء كمخاطبتهم هاتفياً ، أو الكتابة لهم بأسماء مستعارة ، أو غير ذلك ، والأهم من ذلك أن من الخطأ تبني عقائد واقتناعات في مجال الفكر من خلال بيئة السرية والظلام لأنه تسمع فيها آراء ولا تسمع من يخالفها ، وهذا ما جعل بعض الجماعات الإسلامية تتطرف حيث تتكون الاقتناعات في دوائر مغلقة وهي دوائر يرح بها الجهل ويرفضها العلم ، وعموماً فالسرية مقبولة في نشاط سياسي أو عسكري أو صناعي أو إداري ، ولكن ليس مجالها العقائد والمبادئ .(3/46)
الخلاصة : إنكار وجود الله سبحانه وتعالى وصد ق الأنبياء ? ، وصحة الكتب السماوية ضيع المنبع للحقائق الفكرية ، وفتح المجال لأراء وأفكار ونظريات أسسها الظن والافتراض ، أي الجهل ، وبنوا عليها عقائد وأخلاقاً وحقوقاً وواجبات وأنظمة ، فبعضهم اعتبر الإنسان كالمادة ، ووضعه تحت التجارب والتأمل ، وأنتج نظريات وآراء كما فعلت الشيوعية وعلم النفس ، وبعضهم أخذ يدرس التاريخ وببني عليه نظريات سياسية واجتماعية واقتصادية ، وبعضهم دفعه الإعجاب بشعبه إلى تبني مفاهيم وعقائد عنصرية ، وبعضهم نتيجة اليأس والإحباط من حرب أو أوضاع بلده السيئة أخذ يؤلف نظريات متشائمة وعقائد غريبة قال أ.م . بوشنسكي " ويصح أن يرى الباحث في فلسفة سارتر ( الوجودية ) تعبيراً عن يأس الإنسان الأوروبي في فترة ما بعد الحرب ، والإنسان الفرنسي خاصة ، وأن يجد أن تلك الفلسفة هي التي تقابل تصور العالم عند كائن بلا إيمان أو عقيدة ، بلا عائلة ، وبغير هدف في الحياة ، كما قال بعضهم " (1) وأقول هذا هو جان بول سارتر الفيلسوف المشهور تنبع أفكاره من اليأس لا من العقل ، فالمسألة أصبحت فوضى فكرية ضيعت الحقائق الفكرية حتى لو أصابت في حالات جزئية فإعطاء مختلف الآراء والإجابات على مشكلات الإنسان يجعل بعض الإجابات صحيحة ، ونذكر هنا أنه ليس كل ما تقوله الرأسمالية أو الشيوعية أو غيرهما خطأ بل هم يتفاوتون في نسبة صوابهم وخطئهم ، ولكن الأخطاء الكبيرة هي السائدة في عقائدهم وفكرهم قال الدكتور مصطفى محمود " ومن هذه الأمور أيضاً " علم النفس " وهو ليس بعلم على الإطلاق ، ولا ينطبق على بحوثه التي قدمها فرويد وأدلر وغيرهما شروط العلم الواجبة .... فلا هو يقيني ، ولا هو موضوعي بل هو مجموعة نظريات وفروض وتخمينات اختلف فيها أصحابها وتناقضوا وكذب كل منهم الآخر " (1) وقال الأستاذ وحيد الدين خان " ولقد بلغ الصراع بين مختلف مدارس علم النفس أقصاه لدرجة أن بعض العلماء قد ذهب إلى إنكار وجود شيء اسمه " علم " فيما يتعلق بالنفس " (2) والأفضل أن نقول الدراسات النفسية لأن ليس كل ما فيه علم ، بل فيه علم ( أي حق وصواب ) ، وفيه جهل " أي باطل وخطأ ، وما ينطبق على علم النفس ينطبق على علم العقيدة ، وعلم الاقتصاد وعلم الزواج ، وعلم العبادة ، وعلم الأسس السياسية ، وعلم الأخلاق ، وعلم الإصلاح ، وعلم تربية الأبناء .... الخ فالكلام فيها كثير ومتناقض ، فالعلمانية هي التي شوهت كل هذه العلوم ، وحولت محتوياتها ، إلى آراء متناقضة لا يعرف الدارس لها أيها الصواب وأيها الخطأ وتركت ذلك لإقناعه الشخصي وجعلت البشر حقول تجارب لاقتناعات شخصية لعلماء العلمانية ، أما من درس الإسلام وفهمه فهو لديه كل أنواع العلم الفكري من عقيدة وسياسة وتربية واقتصاد وأخلاق ... الخ قال تعالى " ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور " سورة النور (40)
لماذا انتشرت العلمانية ؟
ذكرت سابقاً الضعف العقلي والعلمي للعلمانية وإنه ليس لها نصيب من الحقائق الفكرية ومن القوة الفكرية ، ومع هذا نجد أنها كفكرة منتشرة ونجد عقولاً كثيرة مقتنعة بها والسؤال الطبيعي هو لماذا انتشرت ؟ والجواب أن لذلك أسباباً كثيرة لعل أهمها :(3/47)
1- انحراف رجال الدين المسيحيين : أحداهم أسباب انتشار العلمانية هو انحراف رجال الدين المسيحيين في العصور الوسطى وخاصة في معارضتهم لحقائق مادية قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق " وعندما بدأ عصر النهضة الأوروبية ، واكتشفت بعض العلماء حقائق جديدة عن الأرض والكون والحياة هب الرهبان والقساوسة ينكرون ذلك ، ويتهمون من يعتقد بالحقائق الجديدة ويصدق بها بالكفر والزندقة ، ويوعزون إلى السلطات الحاكمة بقتلهم وحرقهم بالنار ، ولقد لقي كثير من العلماء هذا المصير المؤلم جزاء مخالفتهم لآراء الكنيسة ..... ولكن حركة العلم لم تتوقف واستطاع العلماء أن يقدموا كل يوم براهين جديدة ، وكانت الجولة في النهاية لعلماء المادة على رجال الكهنوت فاندفع الناس نحو الإيمان بالعلم المادي كإله جديد سيحمل الرخاء والقوة والرفاهية للناس " (1) وقال " لقد كانت الكنيسة الأوروبية سبباً غير مباشر أحياناً وسبباً مباشراً أحياناً أخرى في نشر الإلحاد والزندقة والكفر الكامل بوجود الله وذلك لأن القائمين على هذه الكنيسة من الرهبان والقساوسة أدخلوا في دينهم كثيراً من الخرافات والخزعبلان وجعلوها ، عقائد دينية " وقال الشيخ عبد الرحمن " وفتش الناس أسرار الكنيسة فها لهم ما رأوه من فساد أخلاقي بين الرهبان والراهبات ، وأرادوا التخلص ، إلى غير رجعة من السلطان الكهنوتي والقهر الزمني الذي ما رسته الكنيسة ضدهم ومن الإتاوات والضرائب التي فرضتها الكنيسة على رقابهم ، فكان الرفض الكامل لكل المعتقدات الدينية ، والكراهية العامة لكل عقيدة تنادي بالغيب ، واتهام الرسل جميعاً بالكذب والتدليس ، وهكذا برزت الموجة الأولى من موجات الإلحاد العالمي " (2) فالكنيسة قالت إن المرض من الشياطين ويمكن مداواته بإقامة القداس والتمسح بالصلبان وأثبت الطب ( العلم المادي ) خطأ ذلك ، وقالت إن الأرض مسطحة ، وأثبت الفلك ( العلم المادي ) أنها كروية ، فأصبح الإنسان العادي لا يستطيع أن يعتنق المسيحية إلا إذا ألغى عقله ، فالكنيسة عارضت بعض الحقائق العلمية المادية نتيجة تحريف التعاليم المسيحية ، أو خطأ في التفسير ، كما أن فساد رجال الكنيسة وتحالفهم مع الأنظمة الحاكمة سبب غضب الفقراء والناس عموماً ، وأدى إلى النفور منهم ، فالصراع الحقيقي هنا ليس بين دين صحيح وعلم صحيح وبين علم فكري صحيح وعلم مادي صحيح ، بل هو بين علم مادي صحيح وتحريفات وتفسيرات خاطئة حدثت للمسيحية ، كما أن انحراف رجال الكنيسة ليس دليلاً على خطأ المسيحية أو الدين ، فالانحرافات البشرية موجودة في كل العقائد السماوية والعلمانية ووجدنا أيضاً علماء مسلمين منحرفين في سلوكهم ، فنجد المنافق وتجد المتطرف وهكذا فالحقيقة هنا هي انتصار العلم المادي على الأخطاء والانحرافات التي نسبت زوراً للمسيحية وننبه هنا إلى أن العلماء الماديين تطرفوا في عدائهم لرجال الكنيسة التي اضطهدتهم ، وجعلوا كل تطور مادي يحققونه كأنه هزيمة للكنيسة وعلمائها مع أن تخصصهم هو العلم المادي ، وتخصص الكنيسة هو العلم الفكري ، والمفروض أن يرفض أجزاء من المسيحية لأكل المسيحية واعتبارها رجعية وأساطير ، فالعقل الأوربي تشكل من خلال الصراع والاضطهاد والثأر والعواطف ورد الفعل والفهم الخاطئ وخلط الأوراق ، وليس من خلال بحث عقلي أمين ، قال الدكتور عبد الحليم عويس : " فالأناجيل مع اختلاف في الدرجة إنما هي صياغة شخصية لأفكار وانطباعات فردية عن المسيح ، وليست نصا صادراً مباشرة عن المسيح أوحاه الله إليه " (1) وقال " أما الجانب الآخر من القضية ، ففي رأينا ورأي من نعرف من الدار سين المحايدين أن النص القرآني هو النص الوحيد الصادر عن الله بألفاظه ومعانيه " (2) والتطرف الأوروبي جعله يعتبر كل دين خطأ وخرافات قياساً على ما حدث عنده حتى لو لم يدرسه ويعرفه ، وحتى لو لم يجد فيه أي تناقض مع العلم المادي ، أو العقل السليم ، ووجدنا هذا عند بعض العرب ممن درسوا في أوروبا وأمريكا فقد عادوا بعقائد علمانية وهم لم يعرفوا حقيقة ما حدث في أوروبا ، ولا حتى حقائق واقعنا حيث لا توجد عندنا مشكلة في الصراع بين الإسلام والعلم المادي ، ولا في أي عقائد يقولها الإسلام ويعارضها العقل الواعي ، بل كل ما فعلوه أنهم قلدوا أوروبا والتقليد ليس علماً ، قال الدكتور محمد عمارة " المستغربون استعاروا مشكلة أوروبية كي يستعيروا لها حلاً أوروبياً " وقال الأستاذ عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين عن من تأثر من الشباب العربي بالعلمانية ممن درس في أمريكا والغرب " فهم عندما واجهوا الغرب واجهوه بقلوب فارغة وعقول خاوية ونفوس مجردة من معاني الأصالة والعزة واستقلال الشخصية ، واجهوه مواجهة سطحية من مواطن الجهل والذلة والشعور بالدونية والهزيمة ، فانبهروا بكل ما عنده دون مناقشة " (3) وقال عن العلمانيين بشكل عام " وداء العلمانيين الأول الذي جرهم إلى ما هم فيه هو الجهل بدين الإسلام " (4)(3/48)
2- القدرة العلمانية على تشويه الحقائق الفكرية : يؤدي استخدام العقل بالطريقة العلمانية إلى القدرة على تشويه أي عقيدة أخرى من خلال المبررات المنطقية التي تكلمنا عنها سابقاً ، فإذا سجد المسلم لخالق هذا الكون قالوا هذا إضاعة لوقت يمكن استخدامه في الإنتاج ، وإذا تبرع السلم لفقير قالوا هذا تشجيع للكسل أو أن هناك أهدافاً سياسية لهذا العمل ، وإذا سكت عن انحراف الأنظمة أو نصحها سلماً قالوا هذا عميل أو من وعاظ السلاطين ، وإذا حمل السلاح عليها قالوا هذا إرهابي ويزعزع الأمن والاقتصاد ، وكان بعض العلمانيين العرب يتهمون الاتجاه الإسلامي في الخمسينات والستينات بأنه عميل لأمريكا لأنه يعادي الشيوعية وبعض الأنظمة العربية ، واذكر جواب عالم فاضل عندما سئل : هل يجوز شراء أجهزة كمبيوتر تمت صناعتها في دولة أسيوية من دون رخصة من الشركة الأمريكية الأم لأنها تباع بسعر رخيص فقال : لا يجوز ، ثم ابتسم وعلق " فتوى أمريكية " ، والطريف أن أغلب العلمانيين العرب وخاصة الشيوعيين والاشتراكيين أصبحوا اليوم خلفاء وأصدقاء لأمريكا بعد أن كانوا يعادونها ويتهمونها بالإمبريالية وأنها العدوة رقم واحد للأمة العربية ، فالعقل العلماني نجح في تشويه كثير من الأمور والحقائق فقال عن الإسلام ليس به ديمقراطية ، وأنه يضطهد المرأة وأنه ضد الحريات وأن علماء الإسلام الواعين ، أما جامدون وأما متطرفون وإما أصحاب مصالح وإما غير ذلك ولم يتركوا تقريباً عقيدة أو حكماً إسلامياً إلا ووجهوا إليه سهامهم ، وحتى الأعمال الخيرية عادوها وشوهوها وكل أو أغلب ما قالوا غير صحيح إذا استثنينا الممارسات البشرية والأخطاء الاجتهادية ، فالإسلام هو دين الشورى منذ أربعة عشر قرناً أما تطبيقها في الواقع فهو مسؤولية البشر لا الإسلام ، وقد طبقها بصور مختلفة كثير من الحكام المخلصين على مدى تاريخنا الإسلامي ، والحرية الواعية الصحيحة هي تلك الموجودة في الإسلام وحقوق الإنسان عرفناها قبل أن نعرف الغرب بقرون كثيرة ، ومكانة المرأة في الإسلام ، وعند المسلمين الملتزمين أفضل مئة مرة من مكانتها الموجودة في الغرب وسنتكلم عن بعض هذه الأمور لاحقاً ، وما نريد أن نصل إليه أن العلمانية شوهت كل خصومها ، ومنهم الإسلام من خلال اتهامات ليست لها أدلة صحيحة ، وهي أصابت أحياناً في نقدها للعقائد الخاطئة ، ولكنها أخطأت في فهمها للإسلام ، وسلاح التشويه يستخدمه العلمانيون ضد بعضهم البعض كما حصل بين الرأسمالية العلمانية والشيوعية العلمانية وكما نشاهده يحدث بين التجمعات والأحزاب والدول العلمانية في كل مكان وزمان
3- الأقنعة الكثيرة : أحد أسباب نجاح العلمانية هي قدرتها على التأقلم وتغير أقنعتها ، وهذا يؤدي إلى بقائها على الساحة ، فالمبررات المنطقية العلمانية تجعلها قادرة أيضاً على الدفاع عن أي فكرة أو نظام أو حاكم أو مصلحة أو عقيدة سواء كانت صحيحة أو خاطئة ، فهي تتأقلم مع الواقع فأحياناً هي شيوعية وأحياناً هي رأسمالية ، وأحياناً هي نازية ، وأحياناً هي قومية أو وطنية ، وأحياناً مع الأغنياء ، وأحياناً مع الفقراء ، فكل هذه المبادئ علمانية فالعلمانية لم تطرح نظاماً فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً واحداً سيثبت الواقع والعقل نجاحه أو فشله ، بل هي تتحرك بألف وجه ، فالشيوعية سقطت ، ولكن العلمانية بقيت لأنها تتبرأ من الشيوعية بعد سقوطها مع أن الشيوعية أكثر علمانية من الرأسمالية ، وأصدق في علمانيتها في حين أن الرأسمالية تقبل الحلول الوسط ، ولا تبحث عن الحقائق الفكرية ، فالعلمانية تتأقلم مع الواقع وتغيير جلدها وتنوعه ، وبالتالي تبقى كاسم ، وتصلح لأي نظام وأي فكر وأي حاكم سواء كانوا صادقين أو كاذبين ، فالعلمانية تفتح الأبواب لهم ليقولوا ما شاءوا والمبررات المنطقية العلمانية ستساندهم ، وابتعاد العلمانية عن تحديد فكر وأنظمة وعقائد محددة ومفصلة جعلها تتبرأ ممن يسقط أو يفشل وتنسب إليها من يبقى وينجح جزئياً فاليوم أمريكا قوية فإذاً العلمانية هي الرأسمالية ونسي الناس أن الشيوعية علمانية أيضاً ، فالعلمانية يؤيدها مخلصون ضائعون اقتنعوا بأحد وجوهها الكثيرة ، ويتبنى بعض هذه الوجوه فئة غير مخلصة لا تهمها المبادئ بل تسعى لمصالحها وانحرافاتها وشهواتها ، فمثلاً المنحرف أخلاقياً يجد في بعض الفلسفات العلمانية ما يؤيد أفكاره وانحرافه ، ويعطيه الشرعية العلمية المزورة ، فيعتبر هذا حرية شخصية ، ومن يكره الأغنياء سيجد فيها أيضاً أفكاراً اشتراكية وشيوعية كلية أو جزئية تبرر أفعاله وأقواله ، وهكذا بالاستناد إلى العقل المجرد يمكن تبني أي عقائد منحرفة بل يمكن اختراع فلسفات جديدة علمانية لإثبات " صحة " أي عقيدة منحرفة ، فوجودها على الساحة العالمية ليس دليلاً لإثبات " صحة " العلمانية ، وليس دليلاً على قوتها الفكرية ، بل لأنها ثوب يستطيع أن يلبسه من يشاء لأنه ثوب ليس داخله فكر أو محتوى ثابت .(3/49)
4- المتاجرة بالشعارات والأهداف العامة : نجحت العلمانية نجاحاً كبيراً في جعل نفسها من خلال الشعارات والأهداف العامة وغيرهما كأنها المنفذ للإنسانية ، فهي التي تطالب بالحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية وإنصاف المرأة ، وهي أم التقدم العلمي المادي والتكنولوجي ، وهي منبع الحضارة والغنى والرفاهية ، وهي التي ستقضي على الحروب وعلى التعصب الديني لأن الجميع سيحتكم للعقل ، وتزعم العلمانية بأنها عدوة الاختلاف والتفرق مع أنها المصنع الأول له في العالم وأنها مع التسامح الديني وحرية القول ، هذه الأمور بحاجة إلى تفصيل ، فإذا كانت العلمانية الرأسمالية نجحت في أمور كثيرة من الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية فأن العلمانية الشيوعية فشلت فشلاً ذريعاً ، فماذا نأخذ الوجه الرأسمالي للعلمانية ، وننسى الوجه الشيوعي ، كما أن هناك كثير من الأنظمة العلمانية الرأسمالية في الدول النامية ليست ديمقراطية ، ولا تحترم حقوق الإنسان مع أنها أنظمة وشعوب علمانية وليست دينية ، وكذلك بالنسبة للغنى والفقر فليست كل الأنظمة العلمانية غنية ، وليست كل الأنظمة الأخرى فقيرة ، كما أن العلمانية الغربية كما في أمريكا وأوروبا من أسوأ الأنظمة في العالم في مجال حياة المرأة وتعاستها وسنتطرق إلى هذا الموضوع لاحقاً ، إن شاء الله ، وهناك قضية مهمة جداً وهي أن الشعارات والأهداف العامة هي خلق كل المبادئ الرئيسة أي هي أهداف لا خلاف عليها ، فلا يوجد مبدأ يقول إنني ضد الحرية أو ضد الشعب أو ضد العدل أو ضد حقوق الإنسان فالمسلمون والمسيحيون وحتى الشيوعيون يقولون هذه أهدافنا الرئيسة ، ولكن العلمانية الرأسمالية نجحت في إعطاء صورة مزورة كأنها الوحيدة الساعية لذلك وكأنها الوحيدة التي نجحت في ذلك ، وهي أيضاً نجحت في إخفاء فشلها ، أما بالنسبة للربط بين العلمانية والديمقراطية فهو أيضاً ربط خاطئ ، فالشيوعية علمانية ولكنها ليست ديمقراطية ، كما أن الشورى جزء من المنهج الإسلامي منذ أربعة عشر قرناً ووجدت أنظمة تشاور شعوبها على مدى التاريخ ، ولكن بصور متنوعة فالمبدأ نفسه موجود قال تعالى " وأمرهم شورى بينهم " سورة الشورى 38 وقال تعالى " وشاورهم في الأمر " سورة آل عمران 159 ومن الكذب الذي قالت به العلمانية أنها تستخدم العقل كأن البشرية على مدى تاريخها لم تستخدم العقل مع أن كل إنسان مثقف محايد يعلم أن التاريخ البشري مملوء بالكتب والحوارات والآراء والعلم والدراسة والبحث بين المؤمنين والملحدين ، وبين أهل الأديان السماوية وبين مختلف العقائد ، وهناك حوارات عقلية بين موسى عليه السلام وفرعون ، وبين إبراهيم وقومه ، ونجد في كتب علماء المسلمين القديمة مختلف المناقشات والأدلة العقلية والحوارات بينهم وبين غيرهم وبينهم أنفسهم ، ولكن للأسف أكثر الناس لا يقرأون ولا يبحثون بل هم سطحيون يصدقون ادعاءات العلمانية واتهاماتها للغير ، ومنها أنها الوحيدة ضد الخرافات والبدع والسحر وهي أمور حطمها الإسلام وعارضها وبينها في آيات قرآنية واضحة وصريحة ، فالعمل السحري مرفوض فهو من الذنوب الكبيرة والشورى تم تطبيقها وحرية العقيدة تم احترامها وحمايتها وتعليم المرأة هدف إسلامي فمن المعروف أن عائشة رضي الله عنها زوجة الرسول ? كانت عالمة ، وتعليم الناس ومحاربة الجهل والخرافات والظلم هو عمل قام به علماء واعون عل مدى تاريخنا الإسلامي ، ولكن العلمانية شوهت هذا التاريخ ، ولم تر فيه إلا صفحات سوداء ، وتجاهلت الصفحات البيضاء بل نسبت الصفحات السوداء للإسلام لا للبشر ، كما أن العلمانية نسبت إليها التقدم العلمي المادي وجعلت نفسها أما له في حين أن العلم المادي كان موجوداً على مدى التاريخ ، وصحيح أن العلمانية كانت أحد العوامل التي شجعته ولكن هناك عوامل أخرى هامة مثل التنافس الاستعماري الأوروبي ، والتنافس القومي ، وارتباط العلم المادي بالاقتصاد والشركات ، فلم يعد قضية تهم العلماء بل أصبح يهم الدول والأغنياء ، وله أثر هام في كسب الحروب وتأثير الحروب في التطور التكنولوجي كبير ، فكل هذه العوامل ساهمت في التقدم العلمي والكيمياء والطب والفيزياء دون أن يسمع كلمة علمانية ، وهذه العلوم المادية تنجح في بيئة إسلامية أو مسيحية أو بوذية وليس فقط في البيئة العلمانية ، كما أن الدين الصحيح لا يعارض ولم يعارض التقدم العلمي المادي لا في تاريخنا الإسلامي ولا في زمننا الحالي ، بل إن حتى رجال الكنيسة لم يعارضوا من العلم المادي إلا ما ظنوا أنه يخالف المسيحية ، أما أغلبية العلم المادي والتقدم به على مدى التاريخ من صناعة سفن وأقمشة وأسلحة وهندسة مدنية وزراعة .... الخ فلم يتم معارضتها ، وفي نفس الوقت الذي قامت العلمانية بنسبة كل خير وتقدم في العصور الحديثة لها حتى لو لم يكن لها قامت أيضاً بإنكار كل سلبية حديثة أو تجاهلها ، فالاستعمار الأوروبي خلال الثلاث قرون الماضية تم في العصر العلماني ، ومن دول علمانية والحروب الكثيرة المدمرة ومنها حربان عالميتان في القرن العشرين من إنتاج العلمانية وصناعة أسلحة ذرية قادرة على تدمير الأرض عدة مرات يتم بأيدي دول علمانية ، وهذا وحده أخطر على البشرية من كل الظلم والانحرافات التي تنسب للعقائد الصحيحة والباطلة في تاريخ البشرية ، كما أن ارتفاع نسبة الطلاق والعنوسة والأمراض النفسية والجنسية وأعداد الأطفال غير الشرعيين وجرائم القتل والاغتصاب وانتشار الفقر في العالم والحروب كلها أمور موجودة في الدول الغربية والعالم في العصر العلماني ، فلماذا تنسب لها الخير وتنفي عنها الشر وباختصار العلمانية نجحت في نسبة كل خير لها ، وتبرأت من كل شر ، فظن الكثيرون أن النور ظهر بظهور(3/50)
العلمانية ، والحقيقة أن الظلام الفكري زاد من خلال افتراءات وادعاءات كثيرة قالت بها العلمانية فشوهت عقائد وتاريخ ومفاهيم لخصومها، أما بالنسبة لإدعاء التسامح الديني فنقول أن العلمانية هي العدوة الأولى للدين ، فما هو التسامح إن التسامح الديني موجود على الطريقة العلمانية وهو أن تنفصل العلمانية عن الدولة والسياسة والحياة وتبقى سجينة في مكاتب ومباني كما فعلت مع الدين فهي لم تحمه بل سجنته ، فالعلمانية لم تكن أبداً موضوعية أو محايدة في مدح نفسها أو في نقد خصومها فكأن حضارات البشر وعقولهم وكتبهم وما حققوه من تقدم فكري ومادي في كل تاريخهم هو فقط أساطير وخزعبلات وصفحات سوداء ، قال الدكتور عبد الحليم عويس " وفي تعميم شديد تذهب رواية أخرى إلى أن العلم ظاهرة متأخرة في حياة البشرية ، وأن البشرية عاشت قبل ذلك عشرات الألوف من السنين دون أن يتكشف نشاطها عن تلك الظاهرة التي يطلق عليها : اسم العلم ، أن هذه الجرأة في الحكم الظالم على مراحل تاريخية طويلة وحضارات مندثرة هي بذاتها ليست من العلم في شيء " (1) ولو قرأت البشرية ما كتبه الإمام ابن القيم أو الإمام الغزالي قبل مئات السنين لتعجبت من ثقافتهم وعلمهم وذكائهم وتنوع كتبهم ، وهما وبلا مبالغة أرقى فكرياً من كل فلاسفة ومفكري العلمانية مجتمعين ، ولكن المشكلة أن كثيراً من الناس لا تقرأ ولهذا خدعتهم العلمانية فمن من الناس بحث في الأصول العلمية للعلمانية ؟ ومن من الناس يعرف العلاقة بين العقل والحقائق الفكرية ؟ ومن من الناس درس اتهامات العلمانية للأديان وتعمق فيها وسأل عن أدلة تثبتها ؟ أو درس ردود المتهمين ودفاعهم ؟ أو درس التاريخ بموضوعية ومن مصادر أمنية ؟ .... الخ
5- الدفاع عن المظلومين والفقراء : قال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق " تبنت الشيوعية الدفاع عن المظلومين والفقراء وهذه قضية عادلة وإنسانية في ذاتها ولذلك تبنى هؤلاء الفقراء والمظلمون وهم أغلبية الناس دائماً هذه العقيدة الجديدة والدين الجديد ، لأنه يدافع عن مصالحهم ويتبنى قضاياهم وبالطبع أخذ هذا الدين بفلسفته العقائدية وليس بفكره الاقتصادي فقط " (1) وقال الدكتور مصطفى محمود : " حينما بدأت أكتب في الخمسينات كانت الماركسية هي موضة الشباب الثائر في ذلك الوقت ... وكنا نقرأ منشوراتها في نهم فتحرك مثالياتنا بما تعد به من فردوس وعدالة ورخاء وغذاء وكساء للعامل والفلاح ومحاربة الإقطاع والاستغلال وتحرير للجماهير الكادحة " (2) وقال " ويذكروني ما يحدث برأي للدكتور والمفكر المغربي المهدي بن عبود بأن الماركسية ليست فكراً ولا فلسفة وإنما هي طبع وخلق وغل مكبوت لنفوس موتورة تطلب الثأر ولا ترتاح إلا للقتل والتنكيل والاعتقال والتسلط ، وهي تجد في الأيدلوجية الماركسية أفضل ذريعة وأحسن مبرر تتستر به " وقال " ثم نكتشف في النهاية أننا لا نتعامل مع عقول وإنما نتعامل مع طباع ورغبات وشهوات مجردة عن المنطق " (3) فأحد أسباب انتشار الشيوعية العلمانية هو استغلالها للظلم الرأسمالي العلماني ، وتشجيع الناس على الانتقام والثأر ، فالنجاح ليس نجاحاً علمياً فكرياً للنظرية الشيوعية العلمانية بل هو نجاح لشعارات ورفعتها مثل العدل وإنصاف العمال الفقراء وتحطيم الإقطاعيين ، فهي أخرجتهم من ظلم لتوقعهم في ظلم أفدح وأشد ، وتمنعهم حتى من الخروج من الدول الشيوعية .
6- القوة والمال : استفادت العلمانية الرأسمالية كثيراً من قوة العلم التكنولوجي الغربي مما جعل الناس يظنون أنه والعلمانية وجهان لعملة واحدة ، فالناس تريد التكنولوجيا والغنى والرفاهية والقوة العسكرية ولا تريد أن ترى إلا هذا الجانب ، وهو الجانب الأهم عندها كما أن العلمانية الغربية نجحت فكرياً لدرجة كبيرة في قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وهذا ساهم في انتشارها ولكن النسا لم ينتبهوا إلى ضياعها وجهلها العقائدي والاجتماعي ، والعلمانية الغربية أرقى من غيرها من العلمانيات وهي أرقى من الانحرافات والأساطير والجمود والتعصب المنسوب للأديان السماوية ولكن الإسلام أرقى فكرياً منها بكثير ، بل لا مجال للمقارنة ، فارتباط مصالح البعض في الدول النامية بالعلمانية الأمريكية سواء مصالح سياسية أو مالية أو عسكرية جعل هؤلاء أفراداً أو حكومات يتقربون لأمريكا وهي قوة عظمى وذكية فالقضية هي مصالح مع دول عظمى ، وليس نجاحاً للعلمانية ، فالقوة والغنى تجذب الكثيرين ، وقد وجدنا في الدول النامية من تعاون وتحالف مع روسيا الشيوعية ليس بسبب اقتناعه بها بل لأن مصالحه معها ، وخصومه وأعداءه مع أمريكا وعندما انهار الاتحاد السوفيتي تغير هؤلاء أو أغلبهم ، وماتت الشيوعية واليسارية والاشتراكية وحقوق العمال ، أما اليوم فالقوة والانتشار هو لأمريكا القوية والغنية لا للعلمانية الضعيفة والفقيرة فكرياً .(3/51)
7- غياب الفكر الإسلامي الصحيح : لا شك أن أحد أهم عوامل انتشار العلمانية هو غياب الفكر الإسلامي الصحيح عن الساحة ، فالإسلام كقرآن وأحاديث موجود ولكن علماء المسلمين الواعين كانوا قلة وخاصة خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين ، كما أن فقر المسلمين واختلافهم وجهلهم واستعمار أغلب دولهم أضعف كثيراً من قدرتهم على بيان جهل العلمانية ، خاصة عندما نعلم أن أغلب دول المسلمين كانت فقيرة وتفتقد الاستقرار السياسي وتعيش في عزلة كبيرة وخاصة عن العالم الغربي ، فصوت الحق كان ضعيفاً لأسباب مختلفة ، كما أن كثيراً من الكتب الإسلامية التي انتقدت العلمانية بصورة جزئية موجهة أساساً للعلمانيين العرب ومركزة على التعارض بين الإسلام والعلمانية ، أو كانت غير منصفة في نقدها للعلمانية بمعنى ترفض حتى ما يتم تحقيقه من نجاح فكري جزئي في الغرب وخاصة في الديمقراطية والحرية ولعل أهم العوامل هو ضعف قدرة المسلمين على بيان عظمة الإسلام ورقية الفكري وترجمة هذا الرقي في كتب وأفراد وأحزاب ودول فمن المعروف أن التزام كثير من المسلمين بدينهم ضعيف ، كما أن هناك متطرفين وجامدين يشوهون الإسلام ويعرضونه بطريقة منفرة غير صحيحة ، هذا مع صدقهم وإخلاصهم ، ووجدنا في بعض الشباب المسلمين ممن درسوا في الغرب نماذج سيئة خلقياً ، وعاجزة فكرياً عن فهم الإسلام وشرحه بل الأغلبية الساحقة منهم ذهبت وهي جاهلة بإسلامها لدرجة كبيرة لا تعرف من الإسلام إلا أجزاء بسيطة ، فالعلمانية كانت تعدو في سباق ليس فيه غيرها ، ولهذا كانت تفوز به والضعف ليس في الفكر الإسلامي بل في المسلمين ، ومن الواضح أن هناك قفزات في وعي المسلمين وفي قدرتهم على بيان فكرهم في العقدين الأخيرين ، وفي بيان سلبيات العلمانية وأخطائها مما جعلها منبوذة في العالم الإسلامي ، وحالات شاذة هي من تعلن في العالم العربي والإسلامي اقتناعها بالعلمانية .
الإسلام والعقل
الاختلاف بين العلمانية والإسلام أن العلمانية تقول إن العقل لوحده قادر على الوصول، إلى الحقائق الفكرية في حين أن الإسلام يقول إن العقل سيوصلنا للحقائق الفكرية الكبرى أي وجود الله وصدق الأنبياء، ثم بعد ذلك نعتمد في معرفة الحقائق الفكرية على الكتب السماوية أي هي منبع العلم الفكري. ولكن العلمانية اتهمت الإسلام بأنه ضد العقل، واتهمته أنه ضد الحقائق الفكرية، وهذا خطا أيضا، واليكم الأدلة:(3/52)
1.…الإسلام والعقل والعلم: قال الدكتور عبد الحليم عويس "لقد حشد القرآن ما يقرب من خمسين آية في تحريك العقل البشري وانتشاله من وهدة التقليد والتبلد، كما حشد عشرات الآيات في إيقاظ الحواس من سمع ولمس، وعشرات أخرى في إيقاظ التفكير والتفقه فضلا عن آيات طلب البرهان والحجة والجدال بالتي هي أحسن . . بل أن القرآن أضاف حقيقة في غاية الأهمية هي أنه أطلق كلمة العلم على الدين قال تعالى"ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذن لمن الظالمين" سورة البقرة (145) وقال تعالى "فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم إنك إذن لمن الظالمين" سورة آل عمران (61) أي: الدين " (124) ونقول الدين "الإسلام"هو العلم الفكري، إما العلمانية فهي الجهل الفكري قال تعالى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب" سورة الزمر (9) وقال تعالى "وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون" سورة النحل (12) وقال تعالى "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير" سورة الملك (10) وقال تعالى "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" سورة آل عمران (190) وقال تعالى "يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، وما يذكر إلا أولو الألباب" سورة البقرة (269)، فالقرآن هو منبع العلم الفكري وكل ما فيه حقائق فكرية فالإنسان العالم هو الذي عرف الله سبحانه وتعالى، وان صفاته هي التي جاءت في القرآن والسنة، وعرف قصص الأنبياء وسنن اله تعالى في الكون وعرف شريعته وكيفية تطبيقها، والتزم بها، ومن ينفي وجود الله أو يشكك في شريعته فهو الجاهل لأن عقيدته نابعة من الظن والشبهات أو الهوى والعناد، وكان المسلمون، ولازالوا يطلقون كلمة العلم وأهل العلم على القرآن والسنة، وعلماء الإسلام، أما أهل العلمانية فاعتبروا العلماء هم فقط أهل العلم المادي اما في الجانب الفكري فلبس عندهم علم لان أرائهم متناقضة، ومع هذا عندهم مفكرون "علماء"، وهذا تناقض قال الدكتور عبد الحليم عويس " وحسبنا أن نشير إلى كلمة"علم" بتصرفاتها المختلفة قد وردت في القرآن أكثر من سبعمائة وخمسين آية" (1) أما بالنسبة للعلم المادي من كيمياء وطب وزراعة وصناعة فقد كان موقف الإسلام مشجعا له قال الرسول صلى الله عليه وسلم "انتم أعلم بشؤون دنياكم" ودعا الإسلام إلى العمل وإعداد ما استطعنا من قوة في الحرب وغيرها، واهتم المسلمون بعلوم الفلك وصناعة السفن وصناعة الأقمشة وعلوم الزراعة والطب ولم يوجد في تاريخنا أبداً أي اضطهاد لعلماء العلوم المادية، ونجح المسلمون في كثير من فروع العلم المادي، وظهر منهم علماء بارزون قال الدكتور عبد الحليم عويس "وقد ظلت آثار هؤلاء العلماء المسلمين هي الآثار العلمية المعتمدة خلال العصر الوسيط كله ، ومن هؤلاء العلماء: ابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى، وجابر ابن حيان مكتشف الصودا الكاوية وحامض الكبريتيك المخفف بعد تقطيره، والرازي مكتشف زيت الزاج وعدة أمراض ، وابن الهيثم مكتشف علم البصريات والفرغاني واضع علم المثلثات" (2).فالمسلم وصل إلى الحقائق الفكرية من خلال العقل والأدلة العقلية القوية التي أثبتت وجود الله سبحانه وتعالى وصدق الأنبياء وبنى أفكاره وعقائده بناء على آراء شخصية له وللفلاسفة المتناقضين فكريا ومن خلال التصويت والحلول الوسط والمصالح الشخصية أو الجماعية والأهواء والشهوات . . الخ وما نقوله ليس اتهاما بل هو اعتراف من العلمانيين بان فكرهم يعتمد على الرأي وليس على الحقيقة. والرأي قد يصيب وقد يخطئ، أما الحقيقة فهي العلم، والرأي عندهم هو منبع أسسهم الفكرية في حين ان الرأي والاجتهاد عندنا ضمن حدود معينة، أما الحقائق الفكرية فهي ثابتة ولا تتغير لأنها حقائق وعلم. كما أن الحقائق الفكرية الإسلامية ترشد استخدام الرأي، وتجعله يصيب أكثر مما يخطئ، قال الدكتور عبد الحليم عويس "وليس ما يشرعه الله إلا سياجا يحوط مسيرة العقل من الحيرة والزيغ، وليس – كما يتصور البعض ... عقبات في طريق مسيرة العقل" (3) فالاقتناع بالإسلام ليس مبنياً على إيمان أعمى كما يقول العلمانيون، بل على عقل متفتح واع اقتنع بأدلة وجود الله وهو أمر مقتنع به اغلب العلمانيين أيضا واقتنع بصدق الأنبياء بناء على أدلة عقلية حيث رأى معجزاتهم في القران الكريم وفي إحياء الموتى وفي عصر موسى وفي حكمة وصواب ما يدعون اليه، وفي رقي أخلاق الأنبياء، وفي عظمة البناء الفكري الإسلامي وفي اعتداله وواقعيته وشموليته. وباختصار المسلمون اتبعوا العقل الصحيح ، والعلمانيون اتبعوا العقل الضائع ، ويتميز المسلمون في القضايا الاجتهادية بالحذر من الكلام بها خوف الخطأ مع إن عقولهم لديها القران والسنة (فقد سئل الإمام مالك ابن انس رضي الله عنه عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها لا ادري، وسئل"ابو يوسف" عن شيء فقال "لا ادري" فقيل له تأكل من بيت المال كل يوم كذا وكذا وتقول لا ادري : فقال:"آكل منه بقدر علمي ، ولو أكلت بقدر جهلي ما كفاني ما في الدنيا جميعا" (1) ما العلمانيون فإذا سألتهم مئة سؤال فكري فاغلبهم سيجيبون عليها لا العلمانية فتحت أبواب الفكر والعلوم الفكرية لكل من له لسان وقلم، فعلماء الإسلام كلامهم اقل من علمهم والعلمانيون كلامهم أكثر بكثير من علمهم هذا إذا كان لبعضهم علم.(3/53)
2- ثقافة المسلمين: تتهم العلمانية الإسلام والمسلمون بالجمود وعدم الثقافة وعدم التعليم، ونقول إن الجمود حدث في القرون الأخيرة لأسباب مختلفة منها الفقر وعدم الاستقرار السياسي والتأثر باقتناعات معينة جاءت كرد فعل لأحداث فكرية قديمة منها تعطيل باب الاجتهاد، وأما المسار الفكري والثقافي الأصلي والمعروف فهو العلم والثقافة والانفتاح قال الأستاذ تقي الدين النبهاني "نعم إن الإسلام لم ينه عن الدراسة الفكرية بل أباحها، ولم ينه عن اخذ الأفكار بل أباح أخذها، ولكن الإسلام قد جعل العقيدة الإسلامية قاعدة الأفكار، ومقياسا لأخذها أو رفضها، فأنه لا يجيز أخذ فكر يتناقض مع هذه القاعدة" (2)قال الشيخ عبد الحليم محمود " درس الكندي الفلسفة اليونانية والفلسفة الفارسية والفلسفة الهندية ودرس الهندسة والطب والجغرافيا والموسيقى " (3) وكتب الكندي أكثر من مئتي كتاب ورسالة أما الفارابي فله أكثر من مائة كتاب ورسالة في الفلسفة وغيرها ولأبي موسى الأشعري أكثر من ستين مؤلفاً منها كتاب الفصول ، وكتاب " إيضاح الرهان " وكتاب " للمع " وكتاب " التبيين عن أصول الدين " وكتاب " الشرح والتفصيل في الرد على أهل الإفك والتضليل " وكتاب " القياس " وكتاب " الجهاد " ... الخ وألف الإمام الغزالي قبل أكثر من ألف عام كتاب مقاصد الفلاسفة وكتاب تهافت الفلاسفة وكتاب المنقذ من الضلال وكتاب الاقتصاد في الاعتقاد وكتاب " إحياء علوم الدين " ... الخ وفي هذه الكتب مناقشة للفلاسفة والفرق الإسلامية وتكلم في العقائد والأخلاق فكيف يقال أن العقل الإسلامي تعطل منذ القرن الأول أو الثاني الهجري وهم كانوا يناقشون الفكر العالمي كله بمدارسة العلمانية والدينية وفهموه بطريقة صحيحة ويصلحون له أخطاءه قال ابن القيم " وأرباب هذه المذاهب مع كل طائفة منهم خطأ وصواب وبعضهم أقرب إلى الصواب وبعضهم أقرب إلى الخطأ ، وأدلة كل منهم وحججه ، إنما تنهض على بطلان خطأ الطائفة الأخرى ، لا على إبطال ما أصابوا فيه ... وأهل السنة وحزب الرسول ، لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء .. بل هم مع هؤلاء فيما أصابوا فيه ، وهم مع أولئك فيما أصابوا فيه ، فكل حق مع طائفة ، فهم يوافقونهم فيه ، وهم يراء من باطلهم .. فمذهبهم جمع حق الطوائف بعضه على بعض ، والقول به ، ونصره ، ونفي باطل كل طائفة وكسره " (1) وما ذكرناه من أسماء لعلماء الإسلام هو فقط عينة قليلة ، فالعالم عرف منذ قديم الزمان الحوارات والكتب والمدارس والأفكار والعقائد والأدلة ولكن العلمانية تظن أن العقل البشري لم يعرف ذلك قال الشيخ عبد الحليم محمود " ومن المعروف أن الإلهيات والأخلاق ( الكتب اليونانية القديمة ) لم يترجما إلا في أيام المأمون وفي هذه الفترة كان هناك معتزلة وصوفية ونصيون وملحدون يتصارعون فيما بينهم تصارعاً لا هوادة فيه " (2) وقال " ويرى الكندي وابن سينا وغيرهما موقف الإسلاميين من الفلسفات القديمة : نظروا فيها فانتقدوا منها الباطل ، واعتنقوا الحق ، وساهموا في تكملة صرح الحق ، على قدر طاقتهم " (3) وقال الدكتور إبراهيم مدكور " وقدس المعتزلة أيضاً حرية الرأي ، قدسوها لدى معارضيهم كما قدسوها فيما بينهم ، فاستمعوا من خصومهم إلى أغرب الآراء وأشنعها ، وحللوها وأثبتوا بطلانها ، وأفسحوا مجال البحث فيما بينهم ، ولم يضرهم أن يعارض التلميذ أستاذه " (4) وقال " الأشاعرة مدرة موفقة ، حاولت أن تقف موقفاً وسطاً بين طرفين ، بين النقل والعقل ، بين السلف والمعتزلة " (5) ومن الشبهات الغريبة لبعض العلمانيين العرب هو قولهم بأنهم معتزلة في حين المعتزلة لا يؤمنون بفصل الدين عن الدولة ، ويلتزمون بالنصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة وبالصلاة وكثيراً ما نلاحظ مثقفين عرب يستشهدون بما قال مفكرون وسياسيون غربيون ، ونحن لسنا ضد ذلك ، فالحكمة ضالة المؤمن ولكننا نستغرب أن يجهل هؤلاء أو كثير منهم ما في ثقافة المسلمين من آراء وأفكار واجتهادات وطرائف وأشعار ، ولو قارنا الشعر العربي من عنترة بن شداد ليومنا هذا لوجدناه أرقى وأغزو من الشعر الإنجليزي أو الفرنسي ووجدنا أن لغتنا العربية أجمل وأعرق وأشمل ولكنها وللأسف الهزيمة النفسية ، والتقليد الأعمى ، ونضيف إلى ثقافة المسلمين أن الإسلام لم يغلق أبواب الإبداع الفكري أو الأدبي أو الرياضي أو السينمائي فالقيود الشرعية هي ضد الخرافات والسخرية والأمور التافهة والإثارة الجنسية والألفاظ السوقية والإلحاد والزندقة ... الخ وهي مع القصة الهادفة ، ومع المسرحية المحترمة ، ومع الفلم المفيد ومع الشعر الجميل ، ولم نجد من علماء المسلمين من انتقد أي عمل فكري أو أدبي أو مسرحي مفيد أو ترفيهاً برئياً .(3/54)
3- الاجتهاد العقلي : لا ينتهي دور العقل بأن يوصلنا إلى أن القرآن والسنة هما مصدر الحقائق الفكرية ، بل لا زال مهما وأساسياً في فهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، وفي التأمل في الكون والكائنات والحياة ، وفي معرفة عقائد ونظريات الأمم والشعوب وفي معرفة حقائق الواقع السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وأيضاً في تحقيق التقدم الزراعي والصناعي والطبي ... الخ والمجالات التي ذكرتها في العلم الفكري تحتاج دراسة وبحثاً وتجميع معلومات ونقاشاً فالقرآن والسنة يعطياننا الحقائق الرئيسة والنور ، والعقل يعطينا العين ، قال الدكتور أحمد كما أبو المجد : " على " المؤمن " أن يعيش حياته محلقاً في الكون من حوله بجناحيه ، أحدهما جناح العقل والآخر جناح النقل ( أي النصوص الدينية ) " (1) قال عليه السلام " من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد " فقمة التقدم الفكري موجودة في الإسلام لأنها تشجع البحث الحاد ، والدراسة ، و" الاجتهاد " إلى درجة أن من يخطئ بعد ذلك الجهد له أجر ، وقال ? لمعاذ بن جبل " بم تحكم ؟ " قال " بكتاب الله " فقال " إن لم تجد ؟ " قال " بسنة رسول الله " فقال " إن لم تجد ؟ " فقال " أجتهد رأي " فقال عليه السلام " الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضاه رسول الله " (1) وقال ابن القيم " وقد نهى النبي ? أميره بريدة أن ينزل عدوه إذا حاصرهم على حكم الله ، وقال " فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ؟ لكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك " وقال ابن القيم عن الأمور الاجتهادية واختلافها " ولا يكفر ولا يفسق من خالفها ، فإن أصحابها لم يقولوا هذا حكم الله ورسوله ، بل قالوا اجتهدنا برأينا فمن شاء قبله ومن شاء لم يقبله ، ولم يلزموا به الأمة " وقال أبو حنيفة " هذا رأيي ، فمن جاءني بخير منه قبلناه " (2) وقال الدكتور احمد كمال أبو المجد " إن النصوص مهما تعددت – فهي محدودة بالقياس إلى المشاكل المتجددة .. والسوابق الثابتة من عهد النبوة وعهد صدر الإسلام مهما تعددت كذلك فهي محدودة العدد بالقياس إلى ما يطرأ كل يوم من أوضاع جديدة ومشاكل لم تكن تواجه الناس العصر الأول " (3) وقال " ليعلم هؤلاء كذلك أن التجربة الإنسانية لا ترفض لمجرد أنها تمت في ارض غير إسلامية أو تحت راية غير إسلامية وأن هذا لا يكفي وحده لرميها رمية مسبقة قاطعة بأنها تجربة " جاهلية " فالحق هو الحق ، والحكمة ضالة المؤمن ، والحضارات قيم ومبادئ من ناحية ونظم وأدوات لخدمة هذه القيم والمبادئ ، من ناحية أخرى " (4) ومعنى هذا أن الاجتهاد وهو ( النص + العقل ) له مكانة كبيرة في الإسلام ، وأن تطبيق النصوص القرآنية والنبوية لم يكن أبداً تطبيقاً ، أعمى فالعقل له دور في فهمها ، وفي فهم الواقع ، وفي ترتيب الأولويات ، وثبات النصوص القرآنية هو عبارة عن حقائق فكرية لا تتغير فصفات الله سبحانه وتعالى وأسمائه لا تتغير ، وطبائع النفس البشرية من حب وكره وغضب ورضى ... الخ لا تتغير ، والمبادئ الرئيسة في السياسة والاقتصاد من عدل وشورى ومساواة لا تتغير ، وهناك مرونة للقضايا السياسية والاقتصادية حتى تناسب واقع كل مكان وزمان ، وهنا يكون للاجتهاد دور كبير في اتخاذ قرارات البرامج السياسية ، وتوزيع الميزانيات وتحديد الأهداف ، والاستراتيجيات والخطط ، وفي اختيار تفاصيل النظام السياسي والاقتصادي الذي يتناسب مع المصلحة الوطنية ، قال الدكتور يوسف القرضاوي " وهكذا كان في الفقه الإسلامي منطقة مغلقة لا يدخلها التغيير أو التطوير ، وهي منطقة ( الأحكام القطعية ) وهذه هي التي تحفظ على الأمة وحدتها الفكرية والسلوكية ... ومنطقة مفتوحة هي منطقة ( الأحكام الظنية ) ، ثبوتاً أو دلالة ، وهي معظم أحكام الفقه ، وهي مجال الاجتهاد ، ومعترك الأفهام ، ومنها ينطلق الفقه إلى الحركة والتطور والتجديد " (1) وهنا ننبه إلى قضية هامة وهي أن مساحة الاجتهاد كبيرة في الفكر الإسلامي ، ولكن لا يسمح بالدخول لها من غير دراسة وفهم للآيات والأحاديث واللغة العربية وفهم الواقع وآراء الآخرين وبذل الجهد في الوصول إلى الرأي الصحيح أي الحقيقة مع أن ما يتم الوصول إليه يعتبر اجتهاداً وليس حقيقة ملزمة ومن هنا يتضح خطأ اتهام الإسلام بأنه دين يعتمد كلياً على النص القرآني ، وأن لا مكان فيه للعقل ، ومكانة العقل في الإسلام تم الاختلاف في درجة فهمها بين العلماء ، وبين الفرق الإسلامية ، فهناك من قللوها لدرجة كبيرة كالخوارج وهناك من زادوها لدرجة كبيرة كالمعتزلة ، وهناك من اعتلوا كأهل السنة والجماعة على اختلاف آرائهم ، أما بالنسبة للتطبيق الحالي في واقع المسلمين فإننا نرى أن هذا التطبيق ليس صحيحاً في بعض جوانبه ، وبقي متأثراً بالجمود الفكري الذي عاشه المسلمون ، أي لا ينسجم مع الإسلام قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد " وإذا كانت آفة الدنيا من حولنا أن الأرض قد أخذت زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها ، وتصوروا أن " العقل " يستطيع – بغير النقل – أن يهي إلى الرشد فإننا آفتنا نحن المسلمين – أننا عطلنا العقول ، وركنت عامتنا وخاصتنا إلى المنقول " (2) وهناك اتهام يوجهه بعض العلمانيين وهو اتهام المسلمين بأن اجتهاداتهم كثيرة ومتناقضة ، وحالهم حال العلمانيين ، ونقول أولاً اتهاماتكم لا تنتهي فمرة نحن نتبع النص ولا نختلف ، ومرة نحن نختلف حول كل شيء والجواب هو أننا نتكلم عن أهل السنة والجماعة وليس ، عن كل ما في التاريخ الإسلامي من آراء ونقول إن أهل السنة والجماعة متفقون على كل ما في القرآن والأحاديث الصحيحة وهذه مئات الحقائق الفكرية أو أكثر في حين أن العلمانيين لم يتفقوا على حقيقة فكرية واحدة(3/55)
كما أن اختلاف أهل السنة والجماعة هو في الأمور الاجتهادية ، وهذا لا يخالف الإسلام ولا يتعارض مع حقائق الكتاب والسنة أي هو اختلاف صحي يتم حسمنه إذا كانت هناك حاجة من خلال مجالس العلماء أو مجالس السياسيين المسلمين أو الاقتصاديين أو غيرهم ، أي حسب نوعية الاجتهاد ، أما التناقض العلماني فهو في الأسس الفكرية ، وفي الأمور الاجتهادية ، كما أن الالتزام بالأسس الفكرية الإسلامية يمنع الاختلاف الاجتهادي من التحول إلى اختلاف خطر يفرق الناس ، ولنضع الأمر بصورة أخرى الحقائق الكبرى ليس بها اختلاف بين المسلمين ، أما الفرعيات والتفاصيل فمن الطبيعي الاختلاف حولها ، ومن الاتهامات التي تثيرها العلمانيون هو القول بأن وجود كتب سماوية يعيق العقل من الانطلاق والتفكير ، ونقول لا يوجد تعارض ، فمن يدرس الكيمياء أو الهندسة بحاجة إلى أن يقرأ كتب مقررة حتى يتعلم حقائق العلم المادي ، ولم يقل أحد أن وجود كتب كيميائية يعيق الكيميائي ويعطل عقله ويمنعه من التفكير والبحث والفهم ، بل الكتب الصحيحة تنير له طريقه ، وتجعله قادراً على الإبداع والاستفادة وتحقيق المصالح المرجوة ، فالكتب السماوية هي النور الذي تحتاجه لترى طريقك في ظلمات الجهل ، وإذا وجد هذا النور تستطيع أن تبصر بعقلك وتسير في حياتك الشخصية والعقائدية والفكرية بخطوات ثابتة قوية(3/56)
4- فقه الواقع : فقه الواقع عنصر من عناصر الاجتهاد وأحببت أن أفصله لأبين أهميته ودور العقل به ، قال ابن القيم رحمه الله " فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله " (1) وقال " من شروط المفتي معرفة الناس ، والإراج عليه المكر والخداع والاحتيال " (2) وقال الدكتور أحمد كمال أبو المجد " وحين يمارس الاجتهاد ، وتعرض على المشرع والفقيه ورجل السياسة حلول متعددة تقبلها الشريعة الإسلامية وتتسع لها ، فإن الاختيار حينئذ لابد أن يحكمه فهم الواقع الاجتماعي وتحليل حركته ، لذلك وجب أن يستقر في ذهن دعاة الإسلام والمنادين بتطبيق الشريعة أن الجهد الفقهي الخالص لابد أن يتممه عمل اجتماعي واسع ، حتى تأتي ثمرته رحمة حقيقية للناس ، ومخرجا لهم من الضيق ، ورفعاً للحرج " (3) ونقصد بقراءة الواقع وفقه الواقع معرفة حقائقه العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فما هي عقائد هؤلاء القوم حسب التعامل معهم لا حسب الكتب ؟ وما هي حقيقة الصراع الفكري والسياسي في منطقتنا وعالمنا ؟ وما هي أهداف هذه الجماعة أو ذاك الحزب ؟ وما هي سيرتهم الحقيقية بعيداً عن التشويه مدحاً أو ذماً ؟ وهذا ينطبق على الحكومات والأفراد أيضاً ، وإذا أخذنا الواقع السياسي فمن الضروري أن نفهم المعنى الصحيح للديمقراطية وإيجابيات وسلبيات الانتخابات والقوى السياسية المؤثرة من طبقية وعرقية وفكرية فنجد من علماء المسلمين من رفض الديمقراطية وهو لم يفهمها بعمق ونجد منهم من تكلم بالسياسة وهو لم يقرأ كتاباً واحداً فيها والمفروض أن يتعلمها كأي علم آخر مثل علم المحاسبة أو العقيدة ، فالاجتهاد الإسلامي السياسي لا يكون صحيحاً إن لم يكن هناك علم ودراسة لعلم السياسة وواقعها ونظرياتها ، هذا طبعاً مع معرفة الفكر السياسي الإسلامي وحقائقه الفكرية في القرآن والسنة ، فمن الخطأ أن نجد متخصصاًَ في العلوم الشرعية الإسلامية يتكلم في قضايا سياسية وعلاقته بالسياسة محدودة لا تزيد عن متابعة الجرائد والأخبار ، ولا يعرف ما فيها من صدق وكذب ، وما نقوله ليس شيئاً جديداً بل فعله الرسول ? في تعامله مع الناس والقبائل والدول ، فأحياناً يأخذ قرار بالسلام ، وأحياناً بالحرب وأحياناً يسامح ، وأحياناًَ يعاقب ، وهذا يكون من ضمن اجتهاد ينطلق من معرفة النصوص القرآنية ومن معرفة الواقع وما هو أفضل قرار يحقق المصلحة للمسلمين ، أما الاجتهاد من دون معرفة الواقع فقد جعل بعض العلماء يخطئون في فتاويهم واجتهادتهم ، وكل جوانب الواقع بحاجة إلى عقل يقرأ ويعايش ويسمع ويفكر ويحلل ويستنتج وبدون ذلك لا يكون هناك اجتهاد أصلاً ونصيب المسلمين سيكون من الحقائق الاجتهادية محدوداً أو لا شيء ، والإسلام في قضايا لا يقبل المساومة ، وفي قضايا أخرى يقبلها بمعنى أنه يصر على مبادئه ولكن يقبل ما هو متاح وممكن إذا كان أفضل الخيارات المطروحة حتى لو كانت جميعاً بعيدة عما يريد فالإصلاح ، خطوات كثيرة ، ولابد أن يسير فيها المسلمون ، وما ينطبق على الجانب السياسي ينطبق على الجانب العقائدي والاجتماعي والاقتصادي ، ونذكر هنا أن الاجتهاد ليس قراراً للمتخصصين فقط في العلوم الإسلامية بل ، هو جهد جماعي حسب نوع الاجتهاد ، أي يتطلب علماء الشريعة وعلماء السياسة ومشاورة المختصين من قانونيين واجتماعيين وتجار ومدرسين ونواب .. الخ كما أن وجود مجالس علمية أصبح عملية ضرورية لترشيد الاجتهاد ، والرأي الجماعي أصوب غالباً من الرأي الفردي ، ودور علماء الشريعة هو بيان النصوص القرآنية والأحاديث وتفسيرها بصورة واضحة وترشيد ، حركة واجتهادات الآخرين بوضع الضوابط الإسلامية لها قال خير الدين التونسي 1825-1890 : " أهم العوائق في تقدم المسلمين وجود طائفتين متعاندتين ، رجال الدين يعلمون الشريعة ولا يعلمون الدنيا ويريدون أن يطبقوا أحكام الدين بحذافيرها بقطع النظر عما جد واستحدث ، ورجال السياسة يعرفون الدنيا ولا يعرفون الدين ، ويريدون أن يطبقوا النظم الأدبية بحذافيرها من غير رجوع على الدين ، فنقول للأولين : اعرفوا الدنيا ، ونقول للآخرين اعرفوا الدين .. ، فهناك أصول الدين يجب أن تراعى ، وهناك أمور لم ينص عليها تقتضيها مصالح الأمة ، يجب أن تقاس بمقياس المنفعة والمضرة ، ويعمل فيها العقل " (1) ولنتذكر أن كثير من اختلافات المسلمين اليوم سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو شعوباً أو حكومات في " اجتهاداتهم " لم تأت من خطأ في فهم آية قرآنية أو حديث نبوي بل جاءت من خطأ في فهم الواقع السياسي أو العقائدي أو الاجتماعي أو الإداري وتبنى الآراء والاقتناعات بلا دراسة شاملة ومتعمقة ليس اجتهاداً بل جهلاً ففهم الواقع المحلي والعالمي بمختلف جانبه له دور كبير في تحقيق الاتفاق والتعاون وصناعة الإصلاح .(3/57)
5- العقل والنقل : من شبهات العلمانيين هو ظنهم إن الإسلام يقدم النقل على العقل أي إذا قال العقل شيئاً وقال النص القرآني شيئا آخر فالصواب للنص القرآني والخطأ للعقل وهذا شيء صحيح ، ولكن حقيقة هذه القضية هو أن النص القرآني أو الحديث النبوي هو صحيح بشهادة العقل لأن العقل أثبت وجود الله سبحانه وتعالى ، وصدق محمد ? ، فكل ما في القرآن هو صحيح بشهادة العقل ، فكيف يأتي العق ليختلف مع النص القرآني أي العقل بعارض هنا ما أثبته هو بنفسه وما دام النص القرآني صحيح فإن العقل هو المخطئ في رأيه الجديد فالقرآن حقائق فكرية ، والعقل يقول هذا رأيي ، والحقيقة أصوب من الرأي ، وقد يكون هناك احتمال خطأ في تفسير النص القرآني ، أو في تفسير الحديث النبوي وليس في النص نفسه وعندما قال علماؤنا باتباع النقل على العقل فهذا شيء صحيح عقلياً ، وهو إذا تعمقنا فيه إتباع للعقل وليس رفضا له ولا يمكن أبداً أن تكون هناك حقيقة فكرية قرآنية أو حقيقة من حقائق العلم المادي فالحقائق لا تتصادم أبداً والرأي أو الحقيقة والرأي لا النقل والعقل ومن النقاط الهامة في هذه القضية أن البعض يتحدث عنها كأن عندنا مشكلة فكرية في عشرات القضايا الفكرية وهذا خطأ فلا توجد أبداً أزمة بين النصوص القرآنية وعقولنا وإذا وجدت أحياناً فهي نادرة جداً أو ظن بأن هناك تعارض فهو وهم في العقول وليس تعارضاً حقيقياً وما أكثر ما يشغلنا العلمانيون باتهامات وظنون باطلة وأي قول يقوله الفلاسفة ويزعمون أنه يعارض النصوص القرآنية فنقول لهم إن آراءكم باعترافكم آراء وليس حقائق فإذا عارضت حقائق قرآنية فهي الخاطئة والأهم من ذلك أثبتوا أن آراءكم حقائق ثم تعالوا لتناقشونا والتعارض الموجود هو بين آرائكم بعضها مع بعض فحلوا هذه المشكلة واتفقوا على رأي واحد ولا نقول حقيقة واحدة وعندها قد يكون عندنا وقت لمناقشتكم قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد " وقولنا الذي نردده في ذلك أن النقل رواية عن واهب العقل ... وأن صريح المعقول لا يمكن أن يناقض صحيح المنقول .... إذ لا يمكن لليقين أن يصادم اليقين ، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " (1) وقال الإمام الغزالي " إن أهل السنة قد تحققوا أن لا معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول " (2) وقال " فالمعرض عن العقل ، مكتفيا بنور القرآن ، مثاله – المتعرض لنور الشمس مغمضاً للأجفان ، فلا فرق بينه وبين العميان ، فالعقل مع الشرع نور على نور " (3) وقال ابن رشد " إن معشر المسلمين نعلم ،على القطع ، أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع فإن الحق لا يضاد الحق ، بل يوافقه ويشهد له ... أعني أن الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة " (4)
وقال الإمام الغزالي " وإياكم أن تجعلوا المعقول أصلاً ، والمنقول تابعاً ورديفاً فإن ذلك شنيع منفر ، وقد أمركم الله تعالى بترك الشنيع والمجادلة بالأحسن ... فإياكم أن تخالفوا الأمر ، فتهلكوا وتهلكوا وتضلوا وتضلوا " (5) وقال " فإن قوماً اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ، وجعلوا التعليمات النبوية هباء منثوراً ، وكل ذلك من فضول الجاهلين ودعواهم في نصرة الدين منصب العارفين قال تعالى " وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير عام إن ربك هو أعلم بالمعتدين " (6) سورة الأنعام 119
6- علم الكلام : أحمد الأخطاء الفكرية التي وقع بها المسلمون من معتزلة وغيرهم هو أنهم حاولوا الرد على القضايا الفكرية التي أثارها الفلاسفة وأسئلتهم حول صفات الله سبحانه وتعالى والروح والخير والشر والحياة الآخرة وغير ذلك بالبحث عن الأدلة العقلية المباشرة ، أي استخدام الأسلوب العلماني من أدلة وآراء وأمثلة وجدل ، فأصبحوا يتكلمون بألفاظ فلسفية ، ويجاوبون على أسئلة لا معنى لها ولا أهمية ويدخلون في نقاش لا ينتهي مع أهل الإلحاد ، والفلاسفة والمفروض أن يتركز النقاش على قضيتين الأولى وجود الله سبحانه وتعالى والثانية صدق النبي ? أما غير ذلك فإن الأجوبة على الأسئلة العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية موجودة في القرآن والسنة ، فالحقائق الفكرية موجودة واضحة في مختلف المجالات فما الفائدة من الأسئلة الفلسفية والجدل البيزنطي والافتراضات والظنون وما الفائدة من البحث عن دليل عقلي قوي لإثبات كل حقيقة فكرية إسلامية والرد على شبهات الفلاسفة فإذا لم يكونوا يؤمنون بالله ورسوله فلا فائدة من أن يقتنعوا بصواب جزئيات أخرى من الدين ، كما أن إتباع الطريقة العلمانية في استخدام الحقائق الإسلامية في الرد على الفلاسفة وغيرهم تبعد الناس عن الحقائق الفكرية ، وتجعل النقاش والجدل هو السائد ، فعلم الكلام هو أسلوب استخدمه بعض المسلمين في الرد على الفلاسفة من خلال استخدام الأسلوب الفلسفي في النقاش ، ولهذا حذر منه علماء المسلمين الواعين ونهوا عنه ليس عجزاً عن النقاش بل معرفة بأن هذا أسلوب محدود الفائدة إن لم يكن مضراً وأنه يبعد الناس عن الحقائق ، ويبعد الناس عما يفيدهم ويجعلهم يضيعون في المتاهات التي ضاع بها الفلاسفة قال الإمام الشافعي رحمه الله " لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه فرارهم من الأسد " (1) وقال " حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ، ويطاف بهم في القبائل والعشائر ، ويقال : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام " (2) وقال " ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس " (3) وقال الإمام أحمد بن حنبل " لا تجالسوا أهل الكلام وإن ذبوا عن السنة " وقال الرازي " لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ، ولا تروي غليلاً " (4) وقال :(3/58)
ولم تستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وقال الغزالي عن علماء الكلام من المعتزلة وغيرهم " وكان أكثر خوضهم في استخراج مناقضات الخصوم ( الفلاسفة ) ومؤاخذتهم بلوازم مسلماتهم ، وهذا قليل النفع في حق من لا يسلم سوى الضروريات شيئاً أصلاً " (5) وقال الجويني " يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام ، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به " (6) فعلماؤنا عرفوا أن الجدل والطريقة العلمانية في التفكير هي مضيعة للوقت ، فالحقائق الفكرية موجودة في القرآن والسنة ، والمطلوب هو فهمها وتطبيقها في الحياة وليس النقاش والجدل حولها ، فالإسلام منهج تطبيقي عملي ، والعلمانية منهج فلسفي جدلي ، الإسلام يريد الحقائق وما يفيد الناس والعلمانية تريد الكلام والجدل حتى لو كان بلا فائدة ، ولا يوصل لحقائق كما يفعل فلاسفتها بل تعتبر الجدل وطرح الأسئلة والتحدث حول أي موضوع ميزة بها في حين أن عدم رغبة أهل الإسلام في الكلام الكثير والأسئلة الفلسفية الضائعة ليس جهلاً منهم ولا ضعفنا بل هو حكمة فهم وصلوا إلى الحقائق الفكرية ، ولديهم الأجوبة الصحيحة ، ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عندما سئل عن الفرقة الناجية : " إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم " فمن كان قريباً من حقائق القرآن والأحاديث النبوية فهو الأقرب للنجاة والحكمة والنور والبصيرة .(3/59)
7- الإسلام دين العقل : قال محمد إقبال " إنه كان من الطبيعي أن يكون محمد عليه السلام هو آخر الأنبياء لأنه بعد أن أسلم البشرية إلى عقلها لم يعد هناك مجال لنبوة جديدة ورسالة جديدة " – إذا كان وجود الله سبحانه وتعالى هو حقيقة فكرية أثبتها العقل فإن واجبنا أن نعبد الله ونطيعه ونحبه ونخاف منه ونشكره على نعم كثيرة لا تحصى من صحة وهواء وماء وعقل وكون منظم وبحار وجبال وسهول ونجوم وشمس وأنعام وزراعة ... الخ وهو لا شك خالق وقوي وعزيز وعليم وحكيم وكريم ورحيم وشديد العقاب وقادر .... الخ فإذا أمرنا أن نعبده ونكفر بطواغيت الأرض من أصنام وآلهة مزورة وعقائد باطلة وخرافات فلسفية علمانية وآراء علمانية فإن التصرف العقلي الصحيح هو أن نفعل ما يأمرنا الله به ففي ، هذا مصالحنا والفوائد الكثيرة وفي عكسه ضررنا والخسائر الكبيرة ولنضرب مثلاً أن أي دولة صغيرة تخاف من الدول الكبيرة القوية ، وترجو منفعتها وتخاف من عصيان أوامرها ، وكذلك يفعل الإنسان مع الحكومة القوية ولو فعل العكس لا تهم بالحماقة وتعريض النفس والوطن للأخطار ، فمن باب أولى أن نخاف من الله سبحانه وتعالى فهو أقوى بلا حدود من كل القوى العظمى ومن كل الخلق كما أن الله سبحانه وتعالى يملك على الحقيقة الخير والمصلحة والغنى ، ويملك حياتنا وصحتنا ورزقنا وأولادنا وأمننا وسعادتنا ، وأخبرنا القرآن الكريم بصفات الله وأسمائه تنسجم مع التأمل العقلي في هذا الكون ومخلوقاته فلا واسطة عند الله سبحانه وتعالى ، وهو يعلم كل شيء وهو قادر وليس عاجزاً عن شيء وخلقنا لعبادته ، وهو غني عن عبادتنا وسيحاسبنا على أعمالنا وأقوالنا أما العلمانيون فيتجاهلون الخالق القوي الجبار ، ويضعون أهدافاً للبشر تتعارض مع الأهداف التي خلقهم الله لها ومن البديهي عقلياً أن من خلق ( أو صنع ) شيئاً لمهمة فيجب أن يؤديها ، فالخالق هو الأعلم ، والعلمانيون يعلم منهم من يؤمن بوجود الله بذلك ومع هذا يضع أهدافاً دنيوية للإنسان ويقولون له أنت حر ، افعل ما تشاء ولا تهتم بالأديان السماوية ولا بما حدده الله لك من مهمات ، وإذا أطعتنا فأنت إنسان عالمي وحضاري وعقلاني ، وحقيقة الأمر أنه جاهل ومتخلف لأنه يصدق بشراً ضائعين ويرفض تصديق الله سبحانه وتعالى وأنبياءه الصادقين الواعين ، ولأنه إنسان يعبد ويطيع عقلاً ضائعاً ولا يطيع من خلق هذا العقل ، ويعبد المال ولا يعبد من يملك ثروات السموات والأرض ، ويجعل كل أمله في الصحة بيد الأطباء ولا يجعلها في من هو أقدر من الأطباء على التحكم بالصحة والحياة والموت ، فالعقل السليم يعرف هذا ويعرف أن الحقائق القرآنية تشرح هذه المفاهيم المنطقية المعروفة ، وإذا تخلص العقل البشري المعاصر من سيطرة الشهوات ومن المعلومات الخاطئة والفهم الأعوج والمعايير العلمانية المتناقضة فإنه سيجد أن الخير والمصلحة والعدل الحقيقي والحرية الحقيقية .... الخ في عقائد الإسلام وأحكامه ونظامه وأخلاقه فمثلاً العمود الفقري للزواج هو إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان والمسؤوليات بين الزوجين موزعة بطريقة عادلة ، ويدعوا الإسلام للزهد والقناعة والصبر وللاجتهاد في العلم والعمل والنوايا ولإعمار الأرض ، وأحكامه هي الشورى والعدل ويسمح بالتجارة والبيع ، ويحرم الربا والقمار والخمر والزنا ، ونظامه الاقتصادي وسط بين النظام الرأسمالي والنظام الشيوعي ونظامه الاجتماعي متوازن ويحقق الرحمة والتكافل والتعاون والفضيلة ويرفض الغيبة والغرور والتعصب العرقي والطبقي والحقد والحسد وعقوق الوالدين والتبذير ، وفيه توازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع ، وفيه وقت للعبادة ووقت للعمل ومقت للاستمتاع البريء ، وتعامله مع المال تعامل راق يشجع على اكتسابه وإنفاقه ويجعله في يدك لا في قلبك ، ويوجهه نحو القضايا الهامة من مأكل وملبس ومشرب ويبعده عن التبذير والإسراف والبخل ....الخ كل هذه الأمور وغيرها يؤيدها العقل ولها فوائد كثيرة للإنسان تجعله يصل إلى السعادة في هذه الدنيا وهذه الأمور جسدها الأنبياء والصالحون في كل زمان ومكان ، ولو درسنا أي جانب من الإسلام فإننا سنجد الحكمة والفائدة والمصلحة وهذه أمور بينها العلماء ، فتحريم الخمر له فوائد كثيرة وقد اقتنعت أمريكا العلمانية بمضار الخمر وحرمتها في بداية القرن العشرين ، ولكنها تراجعت بعد ذلك عندما سيطرت المصالح المحرمة والشهوات على القرار ، والطريف أن العلمانية الأمريكية التي تقول إنها قائمة على العقل تسمح قوانينها بشرب الخمر التي تعطل العقل وتتهم في نفس الوقت الإسلام الذي يمنع الخمر ، ويمنع تعطيل العقل ويعتبر الخمر من كبائر الذنوب بأنه ضد العقل ، وعموماً النظام السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي الإسلامي كله حكمة ومصلحة ولكن أغلب الناس لم يتعمقوا في الدراسة وفي المقارنة مع الأنظمة الأخرى ونعلم أن كثيراً من العلمانيين ليسوا على إطلاع كاف على الإسلام ويجهلون ما كتب علماؤنا ويجهلون قضايا الإيمان والشرك ومعانيها ويجهلون الفرق بين الزهد والتصوف ، وبين الشريعة والفقه ، وبين الحرية والفوضى وبين الإيمان بالغيب والتواكل ، وبين الانتماء العرقي والتعصب ، وبين البيع والربا ، وبين الحوار العلمي والجدل .
الإسلام والعلمانية
وجهت العلمانية اتهامات كثيرة لسلام أدت إلى تشويه كثير من الحقائق الفكرية الإسلامية فهي أحياناً تستند باتهاماتها إلى كتب مستشرقين لم يفهموا ، وأحياناً إلى واقع متخلف في دول لا علاقة للإسلام به ، وأحياناً تستغل تطرف جماعات محسوبة على الإسلام وهو برئ منها ..... الخ والاتهامات كثيرة وسأحاول إن شاء الله أن أوضح حقائق هذه الاتهامات وذلك من خلال المواضيع التالية :(3/60)
1) الديمقراطية هي الشورى : جوهر الديمقراطية هو في مبدأين أساسين : الأول حكم الأغلبية والثاني شرعية المعارضة وهذان المبدآن إسلاميان مائة بالمائة وهما من أساسيات الشورى فالقول بأن الشورى ملزمة معناه حكم الأغلبية ، وهذا المبدأ قال به علماء المسلمين منذ قديم الزمن ، وشرعية المعارضة تتطلب الإيمان بالحقوق والحريات العامة والتي منها حرية الرأي والفكر والتجمع والصحافة ، وهذا لا يعني التشابه الكامل بين الشورى والديمقراطية الأمريكية العلمانية ففي ، الإسلام الحقائق الفكرية هي أساس فوق التصويت ولا تخضع للمشارة إلا في كيفية تطبيقها بمعنى أن الخمر مرفوضة وكذلك الربا وهذه الأمور لا تصبح قانونية ، أما في الديمقراطية الغربية فإذا وافقت الأغلبية على المخدرات أو الشذوذ الجنسي أو القمار أو الزنا فإنه يصبح قانوناً يتم تطبيقه وحمايته ، أما تحديد موقع الشورى وحجمها فهذا متروك للشعوب لتختار ما يناسبها ففي الإسلام لا توجد ديكتاتورية ، ولا استبداد في حين أن ليست كل دولة علمانية أو كل فكر علماني هو فكر ديمقراطي فالشيوعية فكر علماني ولكنه ليس ديمقراطيا والنازية كذلك وأغلب الدول النامية هي دول علمانية ولكنها ليست ديمقراطية ، فالديمقراطية ليست جزءاً لا يتجزأ من العلمانية في حين أن الشورى هي جزء لا يتجزأ من الإسلام ، فدور الشعوب في حكم نفسها وأهمية حرية الرأي قضايا أساسية في الإسلام بشرط أن لا تتصادم مع الحقائق الفكرية ، أما الأجتهادات بمختلف أنواعها فهي في أغلبها يمكن أن يتم الاتفاق على حسمها من خلال التصويت وأغلب الأمور السياسية والاقتصادية تدخل ضمن الدوائر الاجتهادية .(3/61)
2- الإسلام والواقع : الإسلام كمبدأ هو عقائد وأحكام أي قضايا نظرية ، وهذا يعني أن الحكم عليه يكون من خلال أدلته العقلية على صوابه ولكن بعض العلمانيين يربطون بين الإسلام وتاريخ الدول الإسلامية وما فيها من خير وشر ، أو ما في واقع المسلمين الحالي من خير وشر ، ونقول إن تاريخ الدول ليس هو تاريخ الإسلام بمعنى أن في التاريخ والواقع مسلمين صادقين وفيه منافقون وأصحاب مصالح وشهوات يحملون أسماء إسلامية ، فليس كل ما في التاريخ والواقع تطبيق صادق للإسلام ، فالإيمان والكفر والوعي والجهل والعمل والكسل هي أمور تختلف من فرد إلى آخر ومن شعب إلى آخر ، ونجد في واقعنا الحالي من ينتسب للإسلام اسمياً وهو لا يوجد به ذرة من الإيمان بالإسلام ، ولا ذرة من أعماله وأخلاقه ، فالصفحات السوداء في تاريخنا ليس الإسلام مسؤولاً عنها كما أن محاكمة التاريخ قضية لا توصلنا للحقائق إلا ما ندر ، بمعنى أن الناس تختلف حالياً حول صلاح وفساد أنظمة حكم حديثة لاختلاف المعايير والمفاهيم والمعلومات ، ولدخول الأهداف والنوايا والمصالح وغير ذلك ، وهذا يحدث في القرن العشرين فما بالك بتاريخ قديم تم تشويه جوانب كثيراً فيه وصوره كثيراً من أعدائه على أنه تاريخ أسود لأهداف عقائدية ، وجعلوه تاريخاً للاستبداد والجهل والظلام وهذا غير صحيح ، فهناك من يستشهد بروايات جاءت في كتاب تاريخ الأمم والملوك للإمام الطبري ويستخدمها في الطعن في الصحابة والمسلمين ، ويجعلهم أصحاب طمع وقسوة وجاهلية ومناصب ، ولو أنصف هؤلاء لقالوا إن الطبري كتب الروايات التي سمعها ، وهذا ليس التاريخ الحقيقي وقد ذكر ذلك الطبري بنفسه حيث قال " فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة ولا معنى في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدى إلينا " (1) ولماذا يأخذ هذا النص الروايات التي تجعل التاريخ أسود ، ولا يأخذ الروايات التي تجعله أبيض وهي موجودة في تاريخ الطبري أيضاً (2) ومن البديهي أننا لو جمعنا ما قيل من روايات وقصص عن حرب الخليج الثانية وصدقنا الروايات السيئة فقد لاقتنعنا بأنه لا توجد ذرة خير لا في الشعوب ولا القوى السياسية ولا الأنظمة ، ومن المعروف أن الحقائق هي أول الضحايا للحروب والصراعات والاختلافات لأن هناك الحروب الإعلامية والشائعات الكاذبة وأعداء يمكرون ويكذبون وهذا يحدث في ظل وسائل أعلام قوية جداً فما بالك بالتاريخ القديم ونختصر القول في تاريخنا بأن فيه صفحات بيضاء كثيرة ، وفيه صفحات سوداء كحال بقية الأمم فقد أقمنا ثلاثة دول عظمى وهي الأموية والعباسية والعثمانية ، ودولاً أخرى كثيرة في آسيا وأفريقيا وأوروبا وحققنا نجاحات فكرية هائلة ، فقد وصل الإسلام حتى لأندونيسيا والصين ومناطق في روسيا وأواسط وغرب أفريقيا وفي تاريخنا حكام عادلون وأنظمة عادلة ومفكرون مميزون وانتصارات عسكرية كثيرة ... الخ ومن المستحيل تحقيق هذه الصفحات البيضاء الكثيرة من خلال الجهل والظلم ويكفي أن نقول أن الوحدة بين الدول العربية والتي لا نتوقع تحقيقها قبل عدة عقود مع وجود العلم والإمكانيات الكبيرة والاتصالات والاجتماعات تم تحقيقها عدة مرات في تاريخنا ، ولكن مشكلة البعض أنه غير منصف في قراءة التاريخ لأنه جاهل أو كاذب أو يحاكمه بمعايير مثالية ، ومن المعروف أن المسلمين الأوائل اهتموا بكتابة القرآن وتفسيره والأحاديث الصحيحة لما لهما من فوائد عظمية لأنهما مصدر الحقائق الفكرية ولكنهم لم يهتموا بكتابة التاريخ لأنه علاقته بالحقائق الفكرية محدودة ، وفوائد كتابته محدودة أيضاً ، وعموماً فإنه من المهم جداً الفصل بين الإسلام والواقع ، وإلا فعلينا أن نحكم على الشيوعية من خلال تطبيقات ستالين ، وعلى الرأسمالية من خلال اضطهاد الهنود الحمر والأمريكيين الأفارقة والقنابل الذرية والحروب العالمية ، ولا شك أن التطبيق عنصر هام ولكنه ليس الأساس ، والتطبيق الصحيح للإسلام حدث في دول كثيرة قديماً وحديثاً ، ونشاهده في أفراد ذوي أخلاق عالية ووعي واعتدال ونشاط وإنتاج وتواضع ... ولكن العلمانيين للأسف يخلطون بين الإسلام والواقع ، وبين الإسلام واجتهادات خاطئة أو حتى شاذة ، قال الأستاذ أديب صعب ، " إن أي اتهام للمسيحية أو لأي دين آخر على أساس تفسير شاذ أو متطرف أو على أساس ممارسات سلبية قامت بها هذه المؤسسة الدينية أو تلك باسم الدين ، مثل إقدام محاكم التفتيش الكاثوليكية في عصر النهضة الأوروبية على اضطهاد العلماء والمؤلفين والمبدعين في الغرب باسم صيانة القيم المسيحية ، هو مغالطة منطقية وواقعية لا تميز بين المبدأ الأصلي وتشويهه " (1) وقال الدكتور محمد عمارة ، " ليس هناك إنسان بلا عورة ولا بشر بلا خطايا ، ولا أمة بلا هزائم وكبوات ، ولا تراث بلا تيارات للتقليد والجمود ، ولا حضارة بلا دورات في الازدهار والتراجع والانحطاط .. ولكن الشذوذ ألا يرى كاتب التاريخ إلا العورات والخطايا والهزائم والكبوات والتقليد والجمود والقمامة والسوءات والانحطاط ... دون غيرها من الإيجابيات والحسنات والانتصارات ومظاهر الصحة والتقدم والازدهار والصفحات المشرفة في حياة الأمم والشعوب والحضارات " (1)(3/62)
3- حقوق الإنسان : قال جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي " إن الناس يولدون أحراراً ولكنهم يعيشون مكبلين بالسلاسل في كل مكان " (2) وجاء في وثيقة الاستقلال الأمريكي النص التالي " نؤمن أن الحقائق التالية تثبت صحتها بنفسها : إن الناس خلقوا جميعاً متساويين ، وأن الله منحهم حقوقاً غير قابلة للتبديل ومن هذه الحقوق الحرية ، والحياة ، وطلب السعادة " (3) هذا الكلام الجميل لا اختلاف عليه ، وهو حقائق فكرية يؤيدها الإسلام وكل فطرة سليمة وكل عقل سليم ، وهي أهداف عامة لا تختلف حولها المبادئ السماوية وغير السماوية إلا في حالات نادرة ولكن العلمانية الغربية عادة ما تحتكر حقوق الإنسان والحرية والمساواة مع أن الإسلام أعلن منذ خمسة عشر قرناً أن الناس جميعاً من آدم وحواء ، وأنه لا فرق بين الأجناس البشرية ، وأن هذه التفرقة جاهلية منتنة ، وأعطى للناس حرية الاعتقاد ، وحرية العبادة ، والعمل وحرية التجارة والسكن ، وحرية الرأي ، ولم يتدخل إلا في قضايا محدودة مثل السخرية من الدين أو التهجم على النبي أما النقاش الموضوعي فهو مفتوح وحرية القول السياسية محترمة والاعتداء على الآخرين مرفوض ، قال r " ومن ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة " وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما اعتدى مسلم على قبطي " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً " فالمسلم هو الإنسان الوحيد الحر لأنه عبد الله فقط وليس عبداً لسلطة ولا مال ، ولا شهوات ولا علمانية ، وهو حر حتى لو سجن فحريته هي حرية فكر وعقائد وإيمان ، وهو حر لأنه قوي أما الانحرافات ، وما نجحنا فيه وطبقنا في الحرية لا نجد من يردده وينشر في حينه أن ما قاله مفكرو الغرب نجد أعلاماً قوياً ينشره فيظهره كأنه صناعة غربية لم تعرفها البشرية ، ونعلم جميعاً أن شعارات الثورة الفرنسية فشلت في تطبيق الحرية أي ظلمت واستبدت حتى قال قائلهم كم من جرائم ارتكبت باسم الحرية " أما بالنسبة للثورة الأمريكية فقد نجحت لدرجة كبيرة في تطبيق الحرية وحقوق الإنسان ، وهذا لا نختلف معه وأن اختلفنا أنها أعطت الحرية حتى للفساد كالشذوذ والزنا والخمر ، وكلنا يعرف أنه على مدى التاريخ كانت هناك ثورات وتغيرات وحكومات أقامت العدل والمساواة والحرية فلماذا تسلط الأضواء فقط على الثورة الفرنسية أو الأمريكية وتاريخ العالم من شماله ، إلى جنوبه ومن شرفه ، إلى غربه به نماذج كثيرة من الأقوال والأعمال الطيبة والأبطال والحركات والنجاح ، ونحن كمسلمين مع حقوق الإنسان وإن اختلفنا في جزئيات قليلة تعارض عقيدتنا ونحن نعتبر هذه الحقوق جزءاً من إسلامنا في حين أن العلمانيين أحرار في الإيمان بها أو الكفر فبإمكانك أن تكونعلمانياً ولا تؤمن بصوابها ، أي صواب حقوق الإنسان أما نحن فلا نستيطع لأننا إذا لم نؤمن لن نكن مسلمين كما أن اقتناعنا بالمساواة بين البشر ليس هو اقتناع قانوني أو في وثيقة بل يجب أن نقتنع به داخل نفوسنا ونطبقه في قضايا اجتماعية وشخصية وسياسية وهذا ما فعله المسلمون الأوائل ويفعله كل مسلم ملتزم ، أما وثيقة الاستقال الأمريكي فلم تعط الأمريكيين السود حق الانتخابات إلا بعد أكثر من مئتين سنة مع كلامها الجميل عن المساواة كما أن حقوق الإنسان العالمية هي قرار تم من خلال التصويت وقد تتغير بعض هذه الحقوق في حين أن حقوق الإنسان الإسلامية لا تتغير وهي ثابتة ، ومن المهم أن نذكر أن بعض المسلمين يخطئون إذا رفضوا التعاون مع جمعيات حقوق الإنسان سواء طالب بها علمانيون أو غيرهم لأن الاتفاق بين حقوق الإنسان ، الإسلامية والعالمية كبير جداً وإذا وجدت بعض الاختلافات فيمكن التحفظ عليها ، فالتعاون على الخير مبدأ إسلامي ، ومن قال كلمة حق قبلناها منه وساعدناه على تنفيذها ، وتبقى قضية مهمة في الحرية وهي أن الحرية الحقيقية مقيدة بضوابط فليس من الحرية أن يفعل الإنسان ما يشاء في وقته أو ماله أو أقواله وليس من الحرية أن تتكلم بكلمات قاسية مع والديك أو بألفاظ بذيئة مع أصدقائك ، وليس من الحرية أن تنحرف أخلاقياً ولي من الحرية أن تلبس المرأة أو الرجل ما يشاءون ... الخ فهذه ليست حرية بل فوضى وفساد ، قال الدكتور إبراهيم مدكور " ليس معنى الحرية أن تسيء إلى العدالة ، أو أن تخرج عن القانون ، ومن أبسط ضوابطها أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به ، وليست الحرية في أن نسلم من المؤثرات الخارجية فحسب ، بل أن نسلم أيضاً من المؤثرات الداخلية ، فنقاوم الميول والأهواء ، ونبرأ من الضغائن والأحقاد وتلك هي حرية الحكيم " (1) ونعرف ونعترف أن المسلمين اليوم انشغلوا بقضايا عقائدية وعبادية واجتماعية وهذا شيء مطلوب ، ولكنهم لم يطبقوا المبادئ الإسلامية في حقوق الإنسان ، فلم يجعلوا تطبيق الشورى من أولوياتهم ولم يقفوا مواقف قوية وكثيرة مع الفقراء والعمال ولم يهتموا بإنصاف الأقليات الدينية والعرقية ، ولم يقفوا ضد العنصرية بكافة أشكالها ، كما أن دور المرأة المسلمة يحتاج إلى خطوات كثيرة تنصفه من الجمود والتخلف والظلم ، فهذه الأمور أساسيات في الإسلام ، ولكن جهود المسلمين محدودة في هذه المجالات ويجهل كثير من الناس أن هدف الجهاد بأنواعه المختلفة هو الدفاع عن حقوق الإنسان الصحيحة كما أن فريضة النهي عن المنكر من أساسيات الإسلام والمنكر هو الظلم والانحراف ولم يكتف الإسلام بذلك بل دعا عن طريق الأمر بالمعروف إلى الالتزام بواجبات الإنسان الصحيحة أي واجباته نحو الله سبحانه وتعالى ووالديه وأقاربه وجيرانه والفقراء ... الخ فالمعادلة الصحيحة قم بواجباتك أولاً ثم طالب بحقوقك ، ونحن بحاجة ماسة(3/63)
إلى منظمات لواجبات الإنسان فهي الأهم لأنها تتعامل مع الخير ومع كل جوانب الحياة بما فيا الجوانب السياسية التي تكاد تقتصر عليها أنشطة منظمات حقوق الإنسان ، وهناك شبهه يثيرها بعض العلمانيين وهي أن الأديان السماوية تحمل في تعاليمها وتوجهاتها تمايزاً بين أتباع الديانات أو البشر بشكل عام ، ونقول مبدأ التمايز موجود ، فلا يتساوى الإنسان المستقيم والإنسان المجرم ، ولا المخلص لوطنه مع الخائن ، ولا الطالب المجتهد مع الكسول ، وبالتالي فلا يجوز أن يتساوى من يلتزم بالحقائق الفكرية ( الإسلام ) أي من يطيع الله سبحانه وتعالى ويتبع الرسول ? بمن يتمرد ويكفر وينحرف ويتبع الجهل والظن وأهواءه وشهواته وعصبياته العرقية أو الطبقية ، فهذه الانحرافات أكبر من انحراف المجرم والخائن لأن فضل الله علينا أكبر من فضل أوطاننا وأمهاتنا وآبائنا ، فالتمايز الإسلامي مبني على العلاقة بالحقائق الفكرية اعتقاداً ومعرفة وإيماناً وعملاً ، ولنتذكر أن كل ما يعارض الحقائق الفكرية ليس مساواة ولا رحمة ولا عدلاً وهذا ما أثبته العقل فلا نتبع الظن فنضل ونشقى .(3/64)
4- الدولة الدينية : من الأمور التي يثيرها العلمانيون مبدأ الحاكمية لله في الإسلام ، ويظنون أن هذا المبدأ يستغله البعض ليظلم ويضطهد ويحقق مصالحه الشخصية والسياسية باسم الله ، ونقول قال الدكتور يوسف القرضاوي " إن ( الحاكمية ) التي قال بها المودودي وقطب ، وجعلاها لله وحده ، لا تعني أن الله تعالى هو الذي يولي الخلفاء والأمراء ، يحكمون باسمه ، بل المقصود بها الحاكمية التشريعية فحسب ، أما سند السلطة السياسية فمرجعه إلى الأمة " (1) وقال " وهذه الحاكمية لا تنفي أن يكون للبشر قدر من التشريع أذن به الله لهم " (2) وقال " فمن حق المسلمين أن يشرعوا لأنفسهم في دائرة ما لا نص فيه أصلاً وهو كثير " (3) وهذا الكلام يعني أن الدولة الإسلامية ليست دولة دينية بالمفهوم الغربي ، بل هي دولة مدنية ، والله سبحانه وتعالى لم يحدد للناس حكامهم وحكوماتهم ، ولا تتكلم الحكومات الإسلامية باسم الله ، بل هي حكومات بشرية تجتهد برأيها ضمن حقائق الإسلام وخطوطه العريضة فتصيب وتخطئ وتولي وتعزل وذلك شيء يقرره الشعب المسلم ، والالتزام بالإسلام هو التزام بالحقائق الفكرية ، فالحكم الإسلامي معناه الحكم للحقائق الفكرية أي للحق والصواب ، والنور والهداية ، وهذه هي المبادئ التي تحكمنا كأفراد وحكام وحكومات وأحزاب ، فقمة التقدم هو أن نخضع للحقائق أي للعدل الصحيح والمساواة الصحيحة والحرية الصحيحة ... الخ فالولاء ليس لطبقة أو عقل ضائع أو تعصب عرقي أو حزب أو رجال دين أو أغنياء أو غير ذلك قال الدكتور أبو المجد " فالمسلم لا يكون مسلماً إلا إذا اختار الالتزام بشريعة الإسلام ، وأيقن أن ما ثبت عن الله تعالى أو عن نبيه ? ، فهو المصلحة بعينها ، والرحمة كلها ، والعدل كله " وقال " أما حكم تعالى ، وحكم رسول الله ? فالإيمان به رسوخ في العلم والتسليم له عز ، والاستقامة على أمره مدخل لكل خير " (4) ، فالحكم الإسلامي يكتسب شرعيته من قضيتين الالتزام بالحقائق الإسلامية والقبول الشعبي به ، في حين أن النظام في الولايات المتحدة قائم فقط على القبول الشعبي ، ولا يوجد هناك التزام بحقائق فكرية ، فأي شيء يقتنع به الشعب ولو كان باطلاً و ظالماً يجب تنفيذه كقانون أو برنامج أو سياسية ، وترك الإسلام قضايا كثيرة في نظام الحكم ليقررها الناس كطريقة اختيار الحاكم ، والسماح بالنظام الحزبي أو غيره وعدد المجالس النيابية واختصاصاتها ، وطرق حسم الاختلافات السياسية سواء بالتصويت أو التحكيم أو غير ذلك ، وهذه المرونة السياسية ، تعطي الشعب المسلم والعقل المسلم دوراً كبيراً جداً في قضايا تنظيمية وهيكلية وسياسية ولا تمنعه من الاستفادة من التجربة الإنسانية في الغرب والشرق ، إذا لم تكن تتعارض مع ديننا ، ولكن الاتهامات الباطلة جعلت الكثيرين يعتقدون أن الحكم الإسلامي هو قطع بد السارق ، وأن علماء الإسلام سيكونون القيادة السياسية ، وهذا غير صحيح ، فلا توجد أصلاً طبقة اسمها علماء الإسلام ذات مزايا خاصة ، كما أن تطبيق الإسلام يبدأ بالتربية والعمل والإنتاج والتعاون والتسامح ، وإنصاف الأقليات الدينية والعرقية والعلاقات الطيبة مع الدول الإسلامية ومع العالم وسد منافذ الفساد بكافة أنواعه وتطبيق العدل ثم بعد ذلك تأتي الحدود ، أما الحكم العلماني الغربي فهو يرفض الالتزام بالحقائق الفكرية سواء وصلنا لها من خلال العقل أو الدين ولا يدري أصلاً ما هي الحقائق الفكرية ، فالشعب هو الذي يقرر ما يريد حتى لو تعارض مع الحقائق ن فالتصويت هو الذي يحدد ما يطبق وما لا يطبق ، ويرفض الحكم العلماني أن يترك للشعب قرار اختيار الحكم المناسب له ، بل يجب أن يكون حكماً علمانياً والعلمانيون العرب مثلاً لا يقبلون أن يتم استفتاء شعوبنا أو أمتنا على الاختيار بين الإسلام والعلمانيون مع أنهم يقولون نحن نرضى بحكم الشعب ليس فقط لأنهم يعرفون نتيجة هذا الاستفتاء بل أيضاً لأنهم يقبلون أن يحكموا الشعب ، حتى لو كان كارها لهم وهذا يتناقض مع مبادئ من يؤمن منهم بالديمقراطية ، وحكم الشعب ، قال الدكتور عصمت سيف الدولة : " إن العلمانية المعاصرة أصبحت ديناً ومذهباً ، ويريدون إكراه الأكثرية المسلمة على حكم الأقلية العلمانية " (1) أما بالنسبة لقضية أن الحكم الإسلامي قد يستغل من حكومات لأهداف خاصة فهذا وضع موجود في كل المبادئ أي قد يستغل النظام الرأسمالي من حكومته لمصالح خاصة وتجعل معارضيها السياسيين خونة وتتهمهم بأنهم أعداء الوطن ، وهذا حدث ويحدث في كل زمان ومكان ، فإذا سارت الحكومة حسب الإسلام فهي حكومة مسلمة أما إذا تاجرت بالشعارات الإسلامية ، فهذا انحراف يجب أن يصححه الشعب وهناك من حول الديمقراطية والانتخابات إلى ساحات للصراعات ، والجدل والتنازع ، وشراء الأصوات الانتخابية فهل الحل هو رفض الديمقراطية حتى لا يتم استغلالها من البعض ومثل هذا يقال للتعصب للدين أو للحزب أو للرياضة ... الخ(3/65)
5- التطرف الإسلامي : في كل المبادئ يوجد معتدلون ومتطرفون ومتساهلون ، ونعرف وتعترف بأنه يوجد في الاتجاه الإسلامي متطرفون عقائدياً أو سياسياً أو اجتماعياً ، وهذا التطرف درجات بعضه عنيف ودموي ، وبعضه مسالم ، وبعضه كبير ، وبعضه صغير ، ونحن لا ندافع عن هؤلاء بل نعتبرهم من أخطر أعداء الدين ، وأغلب هؤلاء ليسوا فقط ضد أعداء فكريين أو دون أجنبية أو أنظمة حاكمة محلية بل هم حتى ضد المسلمين الملتزمين المعتدلين ، سواء كانوا جماعات أو أفراداً ن وضد علماء مسلمين مشهود لهم بعلمهم ، وإخلاصهم ، وعموماً فالأغلبية الساحقة من الاتجاه الإسلامي معتدلة في فهمها للإسلام وبعيدة عن التطرف ولكن البعض لديه مرض في عقله أو قلبه ولهذا يحرص على تشويه كل مسلم ملتزم بدينه ، والمتطرف هو الذي يخالف ما اتفق عليه أغلب علماء المسلمين وهو الذي يستخدم العنف ، ويسميه جهاداً وهو الذي يتهم الناس بالكفر والإلحاد دون علم وبصيرة ودون مشاورة العلماء ، وهو الذي يريد أن يضطهد الأقليات الدينية ، وهو الذي يتهم الحكومات بالعمالة والخيانة دون فهم لحقائق الدين والسياسة ، والمتطرفون في غالبيتهم شباب متحمس ليس لديه علم صحيح بالإسلام ، ولا خبرة بالواقع ، وهؤلاء أقلية فعلاً ونقول للصادقين من أبناء الأمة إذا كنتم ضد التطرف فنحن معكم ، ولكن يجب أن تفرقوا بين التطرف والالتزام الصحيح بالإسلام ، ويجب عليكم أن تلتزموا بالإسلام التزاماً صحيحاً فهذا يقربكم من المعتدلين في الاتجاه الإسلامي ويجعلنا نحقق الكثير من الفوائد ، ونقول للمعتدلين في الاتجاه الإسلامي تعاونوا مع الجميع على ما فيه الخير ، ومدوا جسور الحوار والتعاون واللقاءات فالطريق طويل ، ويحتاج إلى تجميع أبناء الأمة ضمن برامج واتفاقات وأعمال ، فكثير ممن يتهمون بالعلمانية أو غيرها ليسوا كذلك وأعلموا أن المتطرفين هم من أخطر أعداء الإسلام حتى لو كانت نوايا أغلبهم صادقة ، وواقعنا بحاجة إلى الكثير من التسامح والصبر والواقعية والتدرج وحسن الظن ... الخ ، وهذا ليس سذاجة وهو أيضاً ليس تنازلاً عن المبادئ الإسلامية ، بل جزء منها ، واللقاء مع الآخرين لا يعني أبداً التنازل عن مبادئنا بل سيؤدي إلى فهم بعضنا لبعض وهذا ما لا يريده أعداؤنا ، وننبه إلى أن هناك متطرفين علمانيين خطرين جداً ، ولا يقلون عن خطر المتطرفين الإسلاميين قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد " ولكن هناك فريقاً آخر من العلمانيين يتاجر ويزايد ويصفي حسابات تحت ستار المخاوف من الإسلاميين .... والقضية عندهم ليست مقاومة التطرف بأي صورة من صوره ، ,إنما كراهية أصيلة ، وكأنها مرض في القلوب ، فهو يكره كل ما هو إسلامي " وقال " وهذا مسلك أقل ما يقال فيه أنه شديد الهبوط وشديد الخيانة ، وعظيم الضرر " (1)(3/66)
6- الإسلام الصحيح : نحن نتكلم هنا عن الإسلام الصحيح ، أي القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة ، أي إسلام أهل السنة والجماعة ، ووجود فرق إسلامية أخرى هو حقيقة لا نختلف عليها ، والحل لهذا الاختلاف هو بدراسة الخلاف ، والبحث عن الأدلة الفكرية لها من القرآن والسنة ، وهذه الأمور موجودة في الكتب ، وبالنسبة لأهل السنة والجماعة فإسلامهم إسلام واحد معروف بعقائده وأحكامه وما يسمى بالمذاهب الأربعة أو غيرها هو اختلافات اجتهادية ، واختلاف علماء المسلمين قديماً وحديثاً في بعض الأمور الاجتهادية أمر صحي ، وهو اختلاف جزئي أما الأغلبية الساحقة من الحقائق الفكرية فلا يوجد خلاف حولها ، وتوجد حالياً مجالس للعلماء ، ومنظمة للدول الإسلامية وتشاور وتعاون فلا توجد إطلاقاً تناقضات فكرية جذرية بين علماء المسلمين ، أو الغالبية الساحقة منهم ، لأن الحالات الشاذة لا يقاس عليها ، كما أن كثرة أسماء الجماعات والحركات الإسلامية لا يعني أنهم أو أغلبهم على الأقل مختلفون جذرياً بل هي اختلافات اجتهادية في أولويات الدعوة وفي فهم الواقع وفي فهم العقائد الأخرى ومثل هذه الاختلافات طبيعية ، فهناك جماعات تعمل في الجانب السياسي وأخرى تركز على القضايا العقائدية ، وثالثة على القضايا الاجتماعية ورابعة على العمل الخيري أو الدعوي .... الخ وكلما أصبحنا أكثر وعياً بإسلامنا وبواقعنا وزاد علمنا وخبرتنا وصدقت نوايانا كلما اقتربنا أكثر ، واتفقنا أكثر ، وهذا واقع مشاهد ، فلا توجد عندنا مشكلة في معرفة الإسلام الصحيح أبداً فالعلماء موجودون والكتب موجودة والجامعات والكليات الإسلامية موجودة والمسألة ليست بالصورة التي يتخيلها البعض فالقرآن الكريم والأحاديث النبوية ليست طلاسم معقدة ككتب بعض الفلاسفة بل هي كلام عربي واضح ، وهناك كتب التفسير وهناك علماء لا اختلاف على علمهم وإخلاصهم ، فلا توجد مشكلة ولكن اتهامات العلمانيين لا تنتهي فإذا كان أي إنسان عادي سيحتار في اختيار الدواء الصحيح لمرضه من صيدلية بها مئات الأدوية ، فالمشكلة في عقله وجهله لا في علم الصيدلة ، أي لو درس علم الصيدلة سيعرف حقائق مادية كثيرة ، وكذلك إذا درس علم الإسلام لن يسأل أين الإسلام الصحيح ؟ ومن اتهامات العلمانيين أن الإسلام يسمح بكل ألوان الطيف السياسي والفكري الموجودة في الأنظمة الرأسمالية والشيوعية وأن أي نظام يمكن أن يطلق عليه نظام إسلامي كما قال الدكتور صادق العظم ، ونقول لا يوجد عندنا كمسلمين واعين عاديين أي عمى ألوان فنحن نعرف الإسلام من القرآن والسنة ونعرف ما هو العدل الإسلامي ؟ وما هي حقوق الناس في الإسلام ؟ وما هي أخلاق المسلمين وما هي أحكام الإسلام الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ؟ ووصف موظفين حكوميين متخصصين في الشريعة الإسلامية لنظام ما بأنه إسلامي أو غير إسلامي لا يعطي النظام شهادة إيمان أو كفر ، بل الحقائق الفكرية الإسلامية التي نعرفها هي التي تجعلنا نقتنع بأن هذا النظام إسلامي أو لا فبإمكان أي صيدلي مخادع أن يقول لك عن سم ا بأنه دواء نافع ، فإذا كنت تعرف علم الصيدلة فستبتسم ولن يخدعك ، فإذا كان الحكم على إنسان ما في الحي أو المنطقة أو الوزارة أو الشركة عملية سهلة نسبياً من خلال أقواله وأعماله وأخلاقه وأصدقائه فإن المسألة نفسها بالنسبة للأنظمة فنحن كمسلمين لا نحتكم للأقوال والشعارات وشهادات الزور بل نحتكم للحقائق الفكرية ، ونحتكم للواقع وحقائقه ولا نحاكم الناس والأنظمة بمقاييس مثالية ، فهناك حدود دنيا لا يقبل نجاوزها وهناك قضايا تخرج المسلم والدولة من الإسلام ، وهناك انحرافات لا تخرج من الإسلام ونعلم أن الإسلام أعطى المسلمين مرونة في اختيار تفاصيل النظام السياسي حتى يتناسب مع ظروف واحتياجات كل بلد وهذا الاختلاف ليس تناقضاً مع الإسلام بل هو تنوع سمح به الإسلام ، فالتأقلم مع ضروريات الواقع ليس معناه إطلاقاً أن النظام الإسلامي بلا هوية ، بل معناه أنه نظام واقعي .(3/67)
7- انتشار الإسلام : يظن العلمانيون أن الإسلام عقيدة انتشرت بالسيف وأن انتشاره راجع لضعف العقائد الأخرى وتخلفها ، ونقول إن الإسلام انتشر لأنه عقيدة صحيحة تدعمها الأدلة العقلية وبه توازن بين الأمور الروحية والمادية ، وهو منهج فكري شامل وعادل يناسب البشر العقلاء ، وكان هدف الجهاد إيصال الدعوة الصحيحة للناس جميعاً ، وليس فرض الاعتقاد بالإسلام ، فلا إكراه في الدين ، وأغلب الشعوب بقيت على عقائدها السابقة لفترة ما ، ودخولها لم يكن من خلال اضطهاد أبداً ، كما أن الإسلام انتشر في دول كثيرة منها اندونيسيا وغيرها من خلال الدعوة ، ولم يجد الإسلام الساحة العربية والعالمية خالية من العقائد ، بل وجد عقائد كثيرة من مسيحية ومجوسية وعرب مشركين وغيرهم وهؤلاء لهم عقول ، واتهموا الإسلام والنبي باتهامات كثيرة ، وناقشوه في كثير من القضايا وجاء الإسلام ليبين للمسيحيين واليهود العقائد الصحيحة ، والشريعة الصحيحة ، وليبن لهم أين أخطأوا ، ولم يكن طريق الإسلام والمسلمين مفروشاً أبداً بالزهور ، والإسلام عقيدة صحيحة وقوية تقتنع بها العقول السليمة والنفوس الطيبة ، وجسد لهم العدل والحرية والمساواة والصدق والأمانة والعفة والتواضع .... الخ ولهذا أخذ الناس يدخلون في هذا الدين العظيم وهو دين قام بترشيد المصالح البشرية ، وجعلها تسير في خطوط متوازنة ومتكاملة وهو دين قضى على الخرافات والبدع والكسل والسحر والقمار والخمر .... الخ وما نقوله ليس افتراضات ، بل كان واقعاً ونشاهده في كل من ينتمي لهذا الدين دولة كان أو فرداً في حين أن العلمانية نجحت في تشويه الآخرين ، وعجزت عن هزيمة التعصب العرقي بأنواعه المختلفة وعن هزيمة المصلحة ,أثرها في النفس والدولة ، وعجزت عن إعطاء تصور واضح متكامل عن أصل هذا الكون ونهايته ولماذا خلق الإنسان ؟ وما هو هدفه في الحياة ؟ وعجزت عن بناء حياة زوجية صحيحة ، ومفاهيم تربوية صحيحة ، فهي ضعيفة في بنائها الفكري ، وهي مجموعة عقائد كثيرة متناقضة من رأسمالية وشيوعية واشتراكية وهي عاجزة أمام الانحرافات والعقائد الباطلة ولا نجد إلا ما ندر جداً من المسلمين الذين فهموا الإسلام ممن يصبح علمانياً في حين أن العكس موجود ، ونجد الإسلام ينتشر في أمريكا وأوروبا واليابان فالعلمانية حصان خاسر وقوتها اليوم تستمدها من قوة أمريكا وأوروبا الاقتصادية والسياسية والعسكرية فهي لا تملك قوة فكرية حقيقة ، وسلبيات العلمانية كثيرة أضرت الغرب وأضرت العالم كله ولكن أغلب الناس لا يدركون خطرها وضررها ، فالمال والقوة غير قادرين على ستر العيوب لوقت طويل ، أما العلمانية في الوطن العربي فهي مفككة ، ويتصارع العلمانيون فما بينهم وفشلوا في تطبيق الديمقراطية وحرية الرأي وليست لهم قوة شعبية وليسوا بقادرين على التأثير الجذري في الأحداث ، وهم جيوب صغيرة منعزلة عن فكر أمتها والقواعد الشعبية ولا يجيدون في الغالب غير الكلام والكتابة والجدل ، قال الأستاذ عادل ضاهر " إن العلمانية في حالة تراجع كبير في العالم العربي اليوم والقوى العلمانية يتقلص ويتهمش دورها وتأثيرها الفاعل على الأحداث باطراد متزايد " (1) وهذا اعتراف ممن يؤيد العلمانية ، أما الاعتراف الثاني فقد جاء من أحد المدافعين عنها وهو الدكتور فؤاد زكريا حيث قال " من جهة أخرى العلمانية المعاصرة والتي نعيشها اليوم هي علمانية دفاعية وليست هجومية ، بمعنى أنها لا تريد أن تقيم مجتمعاً معينا له سمات كيت وكيت .. . الخ (2) وهذا اعتراف بأنها لا زالت ضعيفة بعد أكثر من قرنين من وجودها في الساحة العربية ، وهذا اعتراف أيضاً بأنها لا زالت ضعيفة بعد أكثر من قرنين من وجودها في الساحة العربية ، وهذا اعتراف أيضاً بأنها لم تحدد حتى الآن عقائدها وأنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فهي فقط شعارات وأهداف عامة يشترك فيها الرأسمالي والاشتراكي والشيوعي والعنصري .... الخ فهي لا تعرف شكل ومحتويات البناء الذي تريده للمجتمع ، وهذا شيء طبيعي لأن العلمانية هي أفكار فلسفية متناقضة ، بمعنى أن المجتمع العلماني ليس مؤمناً بالله ولا ملحداً ، وهو ليس رأسمالياً ولا اشتراكياً ، ولا مع أمريكا ولا ضد أمريكا ولا مع روسيا ولا ضد روسيا ، وحتى الآن لا زال يبحث عن الحقائق الفكرية ، وسوف يقرر موقفه منها عندما يصل إلى الحكم من خلال التصويت والديمقراطية ، وحتى الآن فإن العقال العلماني العربي لم يعرف ما هي الحقائق الفكرية ؟ وما هو العلم الفكري ؟ وما هي البصيرة والحكمة والنور ؟(3/68)
8- الإسلام أو العلمانية " يظن أغلب العلمانيين ، وما أكثر اعتمادهم على الظن ،أن العلمانية ليست ضد الإسلام بدليل أنها تدافع عن حرية الاعتقاد والعبادة ، وهذا ليس بصحيح ، فالإسلام نظام عقائدي وسياسي واجتماعي واقتصادي ، وهو دين ودولة ، وبالتالي ففصله عن الدولة هو رفض له ، والشعار العلماني " الدين لله والوطن للجميع " معناه ابعدوا الإسلام عن التأثير في البشر والدول ، احبسوه في المساجد وقولوا لله حسبانه وتعالى نحن لسنا بحاجة إلى هداية لا أنبياء ولا كتب سماوية ، وما ليس له علاقة بالدين فسنأخذ منه دساتيرنا وقوانيننا وعقائدنا ، وهذه حرب صريحة وواضحة على الإسلام ، فالأديان السماوية جاءت للتعامل مع الدول والبشر والقوانين ، ولتعلن حرباً على أهل الكفر والظلم والجهل ، فإذا كان العلماني يعتقد أن الإسلام ديناً سماوياً صحيحاً ومع هذا يرفضه فهو كافر ، وإذا كان يظن ألا تعارض بينه وبين العلمانية فهو جاهل ، وعليه أن يسأل علماء الإسلام حتى يبني اقتناعاته على علم لا على ظن ولا نبالغ عندما نقول إن حقيقة العلمانية في الوطن العربي هو مخالفة الإسلام في كل ما يقول وأصبحت جبهة يتحالف فيها الرأسماليون والشيوعيون والعنصريون والاشتراكيون ... الخ لا يجمعهم إلا العداء للإسلام وفي هذا دليل على ضعفهم متفرقين أو خيانتهم لمبادئهم لمصالح شخصية ، والغريب فعلاً أن الإسلام في جوانب كثيرة يأت كأنه حل وسط بين الرأسماليين والشيوعيين وغيرهم ومع هذا يتحالفون ضده وهذا غباء فكري وسذاجة سياسية وجهل بهذا الجحم عاجز عن بناء الأوطان والأمم ، وقد قال لي أحد المدافعين عن العلمانية مع مرور الوقت أخذت أقتنع بأنه لا يوجد تناقض بين الدين والعلمانية والعلمانية لها دائرتها السياسية ، والدين له دائرته الشخصية والاجتماعية ، ونقول الإسلام ضد العلمانية والعلمانية ضد الإسلام إذا عرفنا المعاني الصحيحة للإسلام والعلمانية أما إذا كنا نقصد بالعلمانية الدولة المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان والاجتهاد العقلي ووجود دوائر متنوعة لكل دائرة أهلها من سياسيين واجتماعيين وعلماء إسلام واقتصاديين فهذه مبادئ إسلامية كما وضحت سابقاً وبالتالي ليست مجال اختلاف .
9- القضاء والقدر : من الواضح أن كثيراً من العلمانيين لم يفهموا الأديان السماوية فهماً صحيحاً فبعض العلمانيين يعتبرون الفرق بين العلمانيين والمتدينين هو أن المتدينين يرجعون الأمور دائماً إلى القضاء والقدر سواء بالنسبة لحادث مروري أو خسارة تجارة ، في حين أن العلمانيين ينظرون إلى الأسباب المادية ، فيحملون مسؤولية الحادث المروري لسرعة السائق والخسارة لأخطاء تجارية ، ونقول ليس صحيحاً أن المسلمين يجهلون أهمية الأسباب المادية في الحياة فشعارهم هو اعقلها وتوكل على الله ، وكان من يشاهد كيف كان الرسول ? يأخذ بالأسباب المادية يظن أنه لا يؤمن بوجود أسباب فكرية كالدعاء ، وذكر الله ، ومن يراه يأخذ بالأسباب الفكرية يظن أنه لا يؤمن بوجود أسباب مادية ، وحقيقة الأمر أن الأخذ بالأسباب المادية والفكرية بأكبر قدر ممكن ، وفي مختلف المجالات ، هو من البديهيات الإسلامية في حين أن العلمانيين يؤمنون فقط بالأسباب المادية ، وعلى أساسها يفهمون الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، كأن الله سبحانه وتعالى لا يعز من يشاء ولا يذل من يشاء ولا يرزق ولا يعاقب .... الخ في الحياة الدنيا وكأن ما جاء في الكتب السماوية من ارتباط الخير والنصر والسعادة في الدنيا بطاعة الله والشقاء بمعصيته أمور لا وجود لها في الواقع ، وأنها كذب في كذب ، وقد نفهم أن من يقول هذا هم الزنادقة من العلمانيين ، أما أن يقتنع به العلمانيون المؤمنون بوجود الله وصدق الأنبياء فهو أمر يتناقض كلياً مع بديهيات الإيمان .(3/69)
10- قضايا متنوعة : من المعروف أن الغالبية الساحقة من الأمة العربية مسلمون ، وأن الإسلام دين ودولة وإن إرضاء الأقليات غير الإسلامية لا يتم برفض النظام الإسلامي لأن تطبيق النظام الإسلامي واجب لا يمكن أن يتنازل عنه المسلمون ، وأن المعادلة الصحيحة هي حكم الأكثرية وحقوق الأقلية ، وأن مساحة المساواة بين الناس مسلمين وغير مسلمين كبيرة جداً في النظام الإسلامي ، وأن بالإمكان إيجاد تمثيل سياسي ومؤسسات دينية خاصة بالأقليات غير المسلمة ، فالعلمانية مرفوضة كمبدأ وهي سببت حالة من الصراع الفكري والعقائدي والسياسي بين أصحابها وبين المسلمين ، وكذلك بين أصحابها ، فانقسموا إلى شيوعيين واشتراكيين ورأسماليين ، فأحدثت فتناً كبيرة في الأمة وهي لم تنصف الأقليات بل استفزت الأغلبية على الأقلية ، وهي لم تقض على التعصب الديني ، بل زادته ، وأنتجت تعصباً علمانياً وأنتجت حروباً كثيرة وصراعات كثيرة حتى بين أصحابها لأن العلمانية هي عبارة عن تجميع لأفكار متناقضة وضبابية وأهداف عامة وهي أنتجت آلاماً وجراحاً وصراعاً في مختلف المجالات في الأمة ، بل أصبحت العدوة رقم واحد لكل مسلم واع والعلمانية بطبيعتها النقدية والتشويهية والهجومية والظنية أصبحت منبوذة وضعيفة وليست لها قدرة إطلاقاً على البناء ن بل قدرتها فقط على الهدم وصناعة الاختلاف والتفرق واستعدادها للنقاش والحوار هو ضياع لأنه نقاش جدلي لا ينتهي بالوصول إلى حقائق فكرية ، بل هو نقاش لا هدف ، والنقاش وسيلة وليس هدفاً ومن البديهيات أن الإيمان بالإسلام يوجد وحدة فكرية وانسجاماً ، وأن الإسلام هو للأمة العربية فكر وتاريخ وأبطال وانتصارات وشعر وثقافة وأن التناقض والحيرة الموجودة في عقول العلمانيين ليست موجودة عند جماهير الأمة ، كما أن محاولة تسويق العلمانيين للعلمانية قد فشل فهي ضد الإسلام ، ولن ينفع أن يستشهدوا بكتابات للأستاذ علي عبد الرازق صاحب كتاب " الإسلام وأصول الحكم " والذي قال فيه إن ألإسلام لا علاقة له بالدولة فهذا قول شاذ ومرفوض وترفضه آيات صريحة من القرآن ، ويرفضه كل علماء الإسلام الواعين ، فلا تبنوا أحلامكم على بيوت العنكبوت وفهم الإسلام يؤخذ من القرآن والسنة ، والعلماء المخلصين ، وليس من العلمانيين العرب أو المستشرقين والعمل السياسي الإسلامي موجود اليوم في أغلب الدول أن لم نقل جميعها ، ولا شك أن أي معركة ضد الحقائق الفكرية ( الإسلام ) والعقل والشعب والديمقراطية هي معركة خاسرة ، وهذا واقع مشاهد ، وجعل الصراع بين العلمانيين وبين الإسلام كأنه صراع بين العلمانيين والمتطرفين الإسلاميين هو عملية خداع مكشوفة عند الكثيرين ، وحبل الخداع عموماً قصير ، كما أن العلمانيين ليس لديهم مبدأ فكري ونظام سياسي واقتصادي يتفقون عليه ، فاتفقوا أولاً فكرياً ثم ، أعلنوا فكركم للشعوب ولن تتفقوا أبداً حتى لو اتفقتم جزئياً ، وأقصد بالاتفاق الفكري الشامل المتكامل ، فالاتفاق الجزئي حدث حتى بين أمريكا الرأسمالية وروسيا الشيوعية على بعض الأمور ، ومن الحقائق الفكرية الواضحة التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يراها العلمانيون هي أنه كلما زاد علم المسلم بالإسلام ، وزاد تطبيقه له كلما تخلص من شهواته وعصبياته العرقية وتأثير المال الحرام عليه ، وأصبحت حياته رخيصة في سبيل مبادئه ، وكان نموذجاًَ في بر والديه ، ونجاح أسرته ، واتفاق عمله ، وابتعد عن النفاق والكذب واستخدم ماله بطريقة صحيحة فحب الله سبحانه وتعالى وشكره ورجاؤه والخوف منه أصل كل خير والبعد عنه أصل كل شر قال " ديل كارنجي " في كتابه " دع القلق وأبدأ الحياة " " إن أطباء النفس يدركون أن الإيمان القوي والاستمساك بالدين كفيلان بأن يقهرا القلق ، والتوتر العصبي ، وأن يشفيا من هذه الأمراض " (1) ويقول وليم جيمس فيلسوف المنفعة والذرائع :" إن أعظم علاج للقلق – ولا شك هو الإيمان " (2) وقال فوليتر : " لم تشككون في وجود الله ولولاه لخانتني ، زوجتي وسرقني خادمي " (3)
المرأة والعلمانية
أدت العلمانية بمفاهيمها المتناقضة والخاطئة إلى شقاء وتعاسة الإنسان الغربي وخاصة في عقائده وحياته الشخصية والاجتماعية ، وسنسلط الأضواء على واقع المرأة الغربية لنقتنع بأن هناك فارق كبير بين الشعارات والأهداف التي تقول العلمانية أنها تسعى لتحقيقها للمرأة وبين واقع المرأة الغربية حيث الشقاء والتعاسة والقلق والخوف والوحدة والتعب ، وذلك لأن المبادئ العلمانية خاطئة ، ولا توصل للأهداف التي تعلنها فهي مبادئ صنعها الجهل ، ولم تصنعها العلم وإليكم الأدلة :
1- شهادات الإحصائيات : (1) تعتبر الإحصائيات الصحيحة حقائق واقعية تعكس درجة تقدم أو تخلف مجتمع ما في المجال الاجتماعي أو الاقتصادي أو غير ذلك وسنجد في الإحصائيات الاجتماعية في الدول الغربية دليلاً واضحاً على بعض جوانب الفشل العلماني وإليكم ما تقوله الإحصائيات :
أ) نسبة حالات الطلاق إلى كل مئة حالة زواج في عام 1996 هي في السويد 64% الولايات المتحدة 49% ، بلجيكا 56% ، بريطانيا 53% ، روسيا 65% تركيا 6% ، وكان عدد حالات الزواج في الولايات المتحدة في سنة 1900 هو 709.000 حالة زواج مقابل 55.751 حالة طلاق أي 8% في حين أنها في سنة 1997 2.384.000 حالة زواج مقابل 1.163.000 حالة طلاق أي 49% وهذا يثبت أنه كلما تشبعت الولايات المتحدة أكثر بالمفاهيم العلمانية كلما تدهورت أوضاعها أكثر ، وإذا أضفنا إلى حالات الطلاق في الغرب انفصال الصديق عن صديقته ( بدون زواج ) بعد علاقة استمرت شهوراً أو سنوات نقتنع أن أوضاع المرأة الغربية مأساوية لن للطلاق والفراق آثاراً نفسية سيئة .(3/70)
ب) عدد حالات الاغتصاب المسجلة في الولايات المتحدة في سنة 1994 هي 102 ألف حالة أي بمعدل 38 لكل مئة ألف من السكان في حين أن معدلها في كندا هو 104 واستراليا 75 والصين 3.6 والسودان 1.8 وماليزيا 4.8
هـ ) عدد حالات الإجهاض في سنة 1995 في الولايات المتحدة 1.210.883 حالة ثمانون في المئة منها لنساء غير متزوجات ، أما عدد حالات الإجهاض في روسيا الأكثر علمانية والأكثر عداء للأديان السماوية 1990فهو 4.102.425 حالة علماً بأن عدد سكان روسيا هو 147 مليون في حين أن عدد سكان الولايات المتحدة 270مليون .
ء) عدد الأمهات غير المتزوجات لسنة 1994 في الولايات المتحدة 1.290.000 في حين أن عددهن كان في سنة 1980 666.000 أي أن الرقم تضاعف خلال أربعة عشر عاماً ، ومن أكبر الجرائم أن يولد أطفال غير شرعيين ومن هؤلاء من لا يعرف أباه أو حتى أمه وهذا يجعله يعيش في مأساة نفسية طول عمره وأعداد هؤلاء كبيرة جداً إذا جمعنا أعدادهم خلال الثلاثين سنة الأخيرة .
هـ ) عدد النساء في الولايات المتحدة ممن يبلغن 15 عاماً وأكثر ممن يعشن وحدهن 14.592.000 امرأة في حين أن هناك 10.140.000 رجل يعيشون لوحدهم أي أن هناك خمسة وعشرين مليون فرد يعيشون لوحدهم في أمريكا وهذه نسبة مرتفعة بالنسبة لعدد السكان في حين أنه في سنة 1970 كان عدد النساء اللاتي يعشن لوحدهن 7.319.000 أي أن عددهن تضاعف خلال ربع قرن .
و) في سنة 1995 يوجد في الولايات المتحدة 12.514.000 أسرة تعيلها أمرة ليس لها زوج وهناك 3.513.000 أسرة يعيلها رجل وليس له زوجة وقد كان عدد الأسر التي تعيلها امرأة في سنة 1960 هو 4.494.000 أي أن العدد تضاعف ثلاث مرات خلال 35 سنة .
ز) تقول الإحصائيات أن عدد جرائم القتل في الولايات المتحدة 15.848 في سنة 1996 وعدد المنتحرين في نفس السنة 30.862 وهناك إحصائيات تثبت أن نسب أعداد متعاطين المخدرات في الدول الغربية هي الأعلى في العالم وغالباً ما يكون الفرق شاسعاً في النسب عندما نقارنها بالدول الإسلامية في أغلب الإحصائيات الاجتماعية المتعلقة بالطلاق والعنوسة والاغتصاب والمخدرات والأبناء غير الشرعيين والسرقات ... الخ وعلينا أن نعرف أن كثيراً من الناس يجهلون هذه الحقائق الواقعية الواضحة أو علاقتها بالتفكير العلماني ومن المهم أن نذكر أن المعاناة النفسية هي المنبع الأكبر لشقاء البشر وأنه ليس بالماديات وحدها يسعد الإنسان أو يشقى فأسرة فقيرة مترابطة سعيدة أرقى مليون مرة من أسرة غنية مفككة تعسة .
2- عمل المرأة : يعمل الإنسان رجلاً كان أو امرأة بهدف الحصول على أجر ليعيش منه ، وهناك حاجة لأن تعمل المرأة في كثير من المجتمعات سواء في مجال الزراعة أو التعليم أو الطب أو غير ذل ، وهذا شيء معروف ولم تخترعه العلمانية ، ولكن العلمانية الغربية أقنعت المرأة الغربية أنه يجب عليها أن تعمل ، وأن تعتبر دورها في الأسرة دوراً ثانوياً بل غير مهم ، فالأولوية لعملها خارج المنزل ، ونجد المرأة الغربية المتزوجة والعازبة تخرج في الصباح الباكر لتواجه برودة الطقس وازدحام المواصلات ، لتعمل في وظيفة لمدة ثمان ساعات مرهقة ، وتواجه العمل بمزاياه وعيوبه لتعود في آخر اليوم متعبة لتجد المرأة المتزوجة زوجها متعباً أيضاً ، وأطفالها بحاجة إلى رعاية واهتمام وجهد وطعام ، وهي بالتأكيد ليست قادرة نفسياً ولا جسدياً على إنجاز حتى بعض هذه الأعمال مما يعني أن مسؤولياتها تضاعفت فهي تقاتل على جبهتين أحدهما خارج المنزل والثانية داخل المنزل مما يعلها متوترة ، لأنها تحس بتقصيرها في منزلها ، أما واجباتها في العمل فإنها تؤديها بكفاءة لأن الفصل هو العقاب لو قصرت ، قالت آجاتا كريستي الكاتبة الإنجليزية للقصص البوليسية " إن المرأة الحديثة مغفلة لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً يوما بعد يوم " وقالت " ومن المحزن أن نجد بعد أن أثبتنا نحن النساء أننا الجنس اللطيف نعود اليوم لنساوى في الجهد والعرق الذي كان من نصيب الرجل وحده " (1) وحتى لو كان الزوج قادراً على تحمل تكاليف الأسرة المالية فإن خوف الزوجة من الطلاق لعدم استقرار الأسرة الغربية يجعلها تهتم كثيراً بمستقبلها وتطورها الوظيفي ، أما بالنسبة للمرأة العازبة فهي تعمل حتى تسدد تكاليف معيشتها من سكن ومواصلات ومأكل وملبس ... الخ فعمل المرأة ليس ميزة حقيقة بل عبء ثقيل والدليل أن الأغلبية الساحقة وبالذات من النساء المتزوجات سيتركن العمل إذا أعطي لهن راتب بلا عمل ، ولا أدري ما هي المزايا الموجودة في عمل المرأة بائعة تقف الساعات الطوال لتتعامل مع نوعيات مختلفة من البشر ، أو سكرتيرة تطبع يومياً عشرات الأوراق أو صحفية تنتقل من مكان إلى آخر وراء المشاكل والهموم ، أو مديرة لتسمع شكاوى الموظفين وتتابع انتاجية العمل وكتبت الممثلة الأمريكية الشهيرة مارلين مونرو قبل انتحارها " احذري المجد ، احذري من كل من يخدعك بالأضواء إني أتعس امرأة على هذه الأرض .. لم أستطع أن أكون أما ... إني امرأة أفضل البيت ، الحياة العائلية الشريفة على كل شيء " وقالت " إن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة نالت من المجد والشهرة الزائفة " (1)(3/71)
3- إنهم يقتلون الحب : يجهل كثيرون منا أن كلمات مثل الحب والإخلاص والوفاء والتضحية والاستقرار والاستمرار والشوق والاحترام .... الخ بدأت تضعف وتنقرض في الحياة الغربية ، فالمعاني الحقيقية لهذه الكلمات نادراً ما تكون موجودة في الحياة الغربية وذلك لأن هذه القيم الرفيعة لا تستطيع أن تعيش في بيئة مشبعة بالفساد الأخلاقي ، ألم تقل العلمانية للمرأة وللرجل افعلوا ما شئتم فأنتم أحرار ، مما جعلهم يعتبرون ممارسة الجنس جزءاً من الحرية الشخصية ، ومن المعروف أن الرجل يزهد في المرأة عاطفياً إذا كانت على علاقة جنسية مع رجل آخر ، والمرأة الغربية ذات علاقات جنسية كثيرة ومتنوعة ، وهذه الفوضى الجنسية جعلتها رخيصة ، ولا يستطيع الحب والوفاء والإخلاص العيش في بيئة كهذه ، كما أن التبرج والمثيرات الجنسية تجعل البشر مخدرين جنسياً ومن المعروف أن أخطر أعداء الزواج هو الخيانة الزوجية أو خيانة الصديق لصديقته ، وكيف تصدق المرأة رجلاً يقول إنه يحبها وفي نفس الوقت لا يريد أن يتزوجها ولا يريد أن يقطع علاقته بالأخريات ، ولا يريد أن يتحمل أية مسؤوليات ، ومن المعروف أن الأ/ور العاطفية هي أمور هامة جداً في حياة كل إنسان ، وهذه الأمور أصابها التلف والشقاء في الغرب فلا يخدعكم إعلامهم القوي ، وتعمقوا في التأمل والشمولية حتى تقتنعوا بتعاسة الإنسان الغربي .
4- ارتفاع العنوسة : قد لا يعرف الكثيرون أن نسبة النساء العانسات مرتفعة جداًَ في الغرب مقارنة بدول العالم ، فالعزوبية هي السائدة ، سواء كانت المرأة عانساً أو مطلقة ، ومن المعروف أن الإنسان اجتماعي بطبعه يريد أن يعيش ضمن أسرة ويكره الوحدة ، وجعلت العلمانية بفسادها الأخلاقي وبأفكارها احتمالات الحصول على زوج احتمالات ضعيفة ، وجعلت نسبة الطلاق عندما يحدث الزواج نسبة مرتفعة أي حوالي 50% وتواجه المرأة العازبة معركة الحياة لوحدها بلا زوج ولا أبناء ولا من يحميها أو يحادثها أو يعتني بها إذا مرضت ، وعليها ن تعمل لتدفع ، إيجار مسكنها وتكاليف معيشتها ، وهي تخشى أن يدخل عليها لص أو عدو وتريد طفلاً تلاعبه فلا تراه إلا على شاشة التلفاز ، وتشعر بغريزتها الجنسية فلا تعرف طريقاً إلى إشباعها فتعرض نفسها رخيصة للآخرين وقد يرفضها أحدهم فتشعر بالإهانة ، وقد تقيم علاقة مع رجل لا تعرف حتى اسمه الحقيقي ، تعرفت عليه في الخمارة ، ولننقل الكاميرا إلى مجتمع إسلامي ملتزم بإسلامه حيث نسبة العنوسة متدنية جداً وغالبية النساء يعشن في بيوت أزواجهن ، والزواج يعطي المرأة الجنس والأطفال والسكن والمأكل والملبس والاحترام وزوجاً يخدمها في كثير من الأمور ، ويشاركها هموم الحياة وطموحاتها ، أما المرأة العازبة فهي تعيش في بيت أبويها أو أخيها ضمن أسرة فيها حياة وضحك ومن وتكاتف ورحمة ... وليس عليها تكاليف مالية ، وإذا وجدت فهي قليلة وموزعة بين أكثر من طرف ، إن أي امرأة عاقلة ستقتنع بالفرق الهائل بين المجتمعين الإسلامي والغربي ، ولكن المرأة الغربية قالت وداعاً للزواج والأبناء والحب والإخلاص والاستمرار والتعاون ، فما الفائدة من مال واقتصاد وتكنولوجيا ، إذا فقدت المرأة كل ذلك ، واقتنع الغرب بأفكار علمانية خاطئة مثل قول الفيلسوفة العلمانية سيمون دي بفوار " ستظل المرأة مستعبدة حتى يتم القضاء على خرافة الأسرة وخرافة الأمومة والغريزة الأبوية " (1) أليس ما تقوله جنوناً فكرياً قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد " إن الحضارة الغربية تمر بأزمة ما في ذلك شك ، فالمؤرخون وأهل هذا العصر كلهم يكادون يجمعون على التقدم المادي والصناعي الذي هيأ للإنسان درجة من السيطرة على ما حوله لم يحلم بمثلها من قبل لم يصاحبه تقدم في نوعية العلاقات الإنسانية السائدة ، وإن الثمن المدفوع لهذا التقدم قد دفع غالياً من أمن الإنسان واطمئنانه وتناسق مكوناته النفسية ، واستقرار حياته اليومية مع نفسه وأسرته والناس جميعاً " (2)(3/72)
5- جمال المرأة : لأن العلمانية لا تعرف الحقائق الفكرية فقد أخطأت في التعامل مع جمال المرأة وحولته إلى شر ونقمة ، فتسليط الأضواء العلمانية على جسد المرأة جعل المرأة تضع البيض كله في سلة الجمال الجسدي من خلال المساحيق التجميلية والعطور والملابس المثيرة والرشاقة .....الخ أما الجمال المعنوي من أخلاق وذكاء وعبادة وثقافة وحكمة .... الخ فلا تجد من يهتم بها ويشجعها ويطورها ، ومن المعروف أن نسبة النساء الجميلات محدودة ، وأن قدرة أدوات التجميل على اكتساب الجمال محدودة أيضاً كما أن قوة جذب الجمال الأصلي والمكتسب هي مؤقتة وغير قادرة على الاحتفاظ بزوج أو صديق ، وإذا أضفنا إلى ذلك أن للجمال تأثير على الر جال ، وأن من الصعب مقاومته في أحيان كثيرة ، فهذا يعني أن الزوجة الغربية الشابة والجميلة تصبح غير قادرة على المنافسة فلكل جمال جاذبيته ، ولهذا تعيش قلقة على زوجها الذي تراه يتعرض إلى مغريات جمالية في العمل والأسواق والحفلات ، وهذا يحدث أيضاً مع كل فتاة أو امرأة لها صديق وعرض الجمال ، بهذه الصورة يجعل الرجال يسعون وراءه ، وينتقلون من امرأة إلى أخرى وهو وضع يؤدي إلى الخيانة وإلى كساد سوق نساء كثيرات لقلة نصيبهن من الجمال ومن لم يحصل من الرجال على الجمال النسائي فهو يتألم أو يغضب أو ينتقم ، وأصبح الجمال ، إذن فتنة ومشكلة في الغرب ، وأضر كثيراً من النساء والرجال ، والرجل الغربي ممن عنده بقايا من غيرة يرفض أن تظهر امرأته أو أخته أو ابنته في مجلات خليعة ومسابقات الجمال ، ومع هذا يعتبر ظهور نساء أخريات نوعاً من الحرية والحضارة وهذا من الكيل بمكيالين والمعايير العلمانية تتحكم فيها الشهوات ، وليس العقل والعدل ، وباختصار المرأة الغربية تحارب في معركة خاسرة اسمها التنافس بل الصراع الجمالي المفتوح ، وكل النساء سيخسرون في هذا السباق حتى أجمل الجميلات ، لأن الجمال أشكال وأنواع ، ولأن العمر يمضي وهذا وضع يجعل المرأة تعيش في عالم من الغيرة والخوف والحسد والتنافس والصراع ، وهذه أمور تتعب النفس والجسد ، أما التعامل الإسلامي مع الجمال فهو يعتبره كالمجوهرات يتم حجبها عن الناس قدر المستطاع ، وذلك بالحجاب والحشمة ، وهو من حق الزوج فقط فلماذا يراه الرجال الآخريات أن مثل هذا الزوج لن يزهد بزوجته حتى لو كانت عادية في جمالها ، ولن يدخل في مقارنات في شكلها ورشاقتها وكلامها وأسلوبها وطبائعها مع الأخريات ، وأليس من الأفضل للمجتمع أن يهتم الرجال والنساء بأمور حياتهم وأهدافهم وأعمالهم بدلاً من النظر إلى بعضهم البعض .
6- المرأة كالرجل : أقنعت العلمانية النساء أن المساواة بين الرجل والمرأة يجب أن تكون في كل شيء في السياسة ، والعمل ، والحياة الاجتماعية ، وكل الحقوق ، والمشكلة في أن قدرات وصفات المرأة تختلف عن قدرات وصفات الرجل ، فالمرأة تغلب عليها العواطف ، وهي منبع الحنان والجمال والصبر والحب ، وهي أقدر على التعامل مع الأطفال وأكثر صبراً على احتياجاتهم ومشاكلهم ، ولها اهتمامات خاصة بالملابس والذب والأثاث .... الخ في حين أن الرجل أقدر على النجاح في مجالات العمل خارج البيت ، وخاصة السياسي والعسكري والتجاري منها وهو أقل رغبة في صرف المال ، ويتعامل مع الأمور بقدر أكبر من العقل وقدر أقل من العواطف ، ولا ندري أي مزايا للرجل في العمل كجندي يتعرض للأخطار والقتل والأسر والأمراض والجوع والبرد والحر أو أي مزايا في العمل السياسي حيث الصراعات والنفاق والمكر والانقلابات والحسد والاختلاف .... الخ ، ولماذا تقول العلمانية أن المرأة مضطهدة ، ولا تقول إن الرجل كان طوال التاريخ هو وقود الحروب ، وهو يعمل كالخادم ويتعرض للأخطار لإحضار الطعام لزوجته وأبنائه ، ولماذا لم تحقق العلمانية للمرأة الغربية منصب رئيس الولايات المتحدة أو حتى نائبه خلال قرنين من الحكم العلماني ، وإذا وجدت بعض النساء قد نجحن في العمل السياسي فهذه حالات استثنائية لا يقاس عليها ، وشوهت العلمانية مكانة المرأة في الإسلام واتهمته بأنه سبب اضطهادها في بعض المجتمعات الإسلامية مع أن هذا الاضطهاد سببه عادات جاهلية أما حقوق ومزايا المرأة في الإسلام فهي كثيرة جداً ، فالزوجة المسلمة لا تواجه خيانات زوجية ، ولا زوج سكير ولا مخدرات ، ولا صراعات ولا مشاحنات بل ، تجد الحب والاحترام والتعاون والراحة النفسية ، ولها حق التعليم ويفتح أمامها مجالات العمل ، ولكنه يراعي ظروفها وحياتها الأسرية ، ودورها في الحرب موجود ولكن في الخطوط الخلفية ، وإذا احتاجها الدين والوطن فتتقدم للخطوط الأمامية ، وتعتبر الأمر بالنسبة لكل رجل مسلم أهم إنسان في حياته ، وتأتي قبل أبيه الرجل ... الخ
7- الصحوة الغربية : جاء في كتاب دوافع اعتناق المرأة الغربية للإسلام – دراسة ميدانية للأستاذة هـ . بول وترجمة الدكتور وليد محمود علي هذه الآراء النسائية الغربية :
أ) " الإسلام أعاد صياغة حياتي وجعل لها شكلاً وحدوداً "
ب) " حياتي لم تكن مستقرة ، فلا منهج ولا يقين ولا هدف واضح "
جـ) " لم يكن لي دين ، ولم تكن لي مقاييس للسلوك لتساعدني وقت الشدائد ... كنت محتاجة لمعرفة طريقة التصرف في ظروف معينة تكون فيها المقاييس الأخلاقية العادية عديمة الجدوى "
د) " إنني أرى الأشياء وكأنها جزء من خطة كونية ، أنا أعلم الآن موقعنا ، وما هو مطلوب منا "
هـ) " لقد دفعني الإسلام إلى إعادة النظر في طبيعة الوجود بأكملها لأعرف أخيراً قيمة الخالق ووحدانيته ، وتتضح لي طبيعة الإنسان "
و) " حياتي كانت محررة من الالتزام بالمبادئ "
ز) " القرب ، الحب ، العطف ، الحنان ... هذه هي الفوائد التي حصلت علها "(3/73)
ف) " لم تعد تصادفني أية مشكلة في العلاقات لتعكر صفوى ، بدأت ألمس يسر الأمور أكثر من السابق ، لقد أعطاني الإسلام ثقة كبيرة في التعامل مع الناس "
س) " الإسلام جعلني أشعر بالحاجة إلى ضبط حياتي بطريقة إيجابية ، ولأحرر نفسي من المقاييس الزائفة في المجتمع "
ص) " المغزي الأخلاقي في الإسلام ذو أهمية فائقة ، فلو تمسك كل إنسان بهذا المغزي ، لكان العالم اليوم أحسن حالاً "
الإسلام هو العلم الفكري
وضحت سابقاً أن الإسلام هو العلم الفكري وسأحاول أن أبين هنا جوانب من هذه القضية وذلك من خلال النقاط التالية :(3/74)
1) وضوح الحقائق الفكرية : العلم الفكري ( الإسلام ) واضح ، وهو موجود في القرآن والسنة ، فكثير من الحقائق الفكرية الإسلامية معروفة للناس ، ولا توجد صعوبة في فهم الإسلام ، فهو ليس طلاسم ولا محتكر من قبل علماء الإسلام ، ولا توجد طبقة من رجال الدين في الإسلام ، كما أن اللغة العربية لغة واضحة ومفهومة ودقيقة وعلماء الإسلام قد يكون منهم المدرس والتاجر والعامل والسياسي والاقتصادي والطبيب ، في حين أن العلمانية لا نجد فيها علماً بل آراء فكرية متناقضة وتجد مصطلحات غامضة وكتباً كثيرة ، فلا توجد مرجع واحد للفكر العلماني ، ولا يوجد حتى اتفاق على حقيقة فكرية واحدة قال تعالى " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم " (256) سورة البقرة وظن بعض العلمانيين أن سقوط الاتحاد السوفيتي جعل الفكر السائد في العالم هو الفكر الأمريكي الرأسمالي ، وأضافوا إليه وثائق وقرارات هيئة الأمم المتحدة ، واعتبروا هذا هو الفكر العصري الصحيح ، والذي اتفقت عليه دول العالم ، ونقول سيطرة أمريكا هي سيطرة اقتصادية وعسكرية وليست فكرية فالعقائد الإسلامية والمسيحية والعنصرية والهندوسية والاشتراكية وحتى الشيوعية لا زالت موجودة ، أما الغالبية الساحقة من قرارات الأمم المتحدة فهي لا خلاف عليها بين الناس كما لا خلاف على أغلب الأهداف العامة والشعارات الجميلة التي ترفعها أمريكا مثل حرية الإنسان ، وحقوق المرأة والديمقراطية وأهمية القطاع الخاص فالخلاف هو من الفكر الذي يحقق هذه الأهداف ؟ هل هو الإسلامي أو العلماني الرأسمالي أو العنصري أو العلماني الاشتراكي أو غير ذلك أو خليط من هذه المبادئ ، فما يحدث في العالم اليوم من اهتمام بالشعارات الأمريكية هو متأثر بالواقع وحقائقه الاقتصادية والعسكرية والسياسية ولي سيطرة فكرية ، فكثير من السياسيين وجدوا من مصلحتهم ومصلحة دولهم فتح الأبواب للديمقراطية والقطاع الخاص ، ليس إيماناً بذلك الفكر العلماني ، بل خضوعاًَ للمصالح والقوة ، كما أن اعتبار التجار في الدول النامية أصحاب فكر علماني تصور خاطئ ، فالتجار وراء مصالحهم من تجارة وصناعة ، وإذا كان الشيوعيون العلمانيون في السابق يعتبرون العمال والفلاحين وجميع الفقراء شيوعيين فإن العلمانيين أو أغلبهم يخطئون إذا اعتبروا التجار علمانيين أو اعتبروا كل من يشجع القطاع الخاص ، أو يطالب بإنصاف المرأة علمانياً ، وباختصار فالفكر الإسلامي واضح ومحدد ، والفكر العلماني متناقض ومتصارع وغير معروف ومتغير ، ففي أمريكا يمكن تغيير أي قانون أو حتى مادة في الدستور بناء على التصويت ، فالشذوذ الجنسي يصبح حقاًَ وحرية إذا قرر الشعب ذلك ، وهاذ ما فعلوه ، ويصبح خطأ وباطلاً إذا قرر الشعب ذلك فالفكر والحياة العلمانية بعقائدها وقوانينها وأخلاقها وعلاقاتها الاجتماعية متغيرة في حين أن علماء المسلمين وكل الشعوب الإسلامية غير قادرين على تغيير حقيقة فكرية موجودة في الإسلام فالحقائق الفكرية فوق الجميع ، ولا تخضع للتصويت والأهواء والمصالح والحلول الوسط ، قال ابن القيم رحمه الله " وعرفهم معبودهم وإلههم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله ، وعرفهم الأنبياء وأممهم وما جرى لهم وما جرى عليهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها " وقال " وكذلك عرفهم ? من أمور معايشهم ما لو علموه وعملوه لاستقامت لهم الدنيا أعظم استقامة " (1) فإذا أردت أن تعرف الحقائق الفكرية فاقرأ القرآن الكريم وأحاديث النبي ? وكتب العلماء المخلصين الواعين من أمثال الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل والإمام ابن القيم والدكتور أحمد كمال أبو المجد والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والدكتور عمر الأشقر وغيرهم ، أما بالنسبة للاجتهادات الإسلامية على مدى التاريخ فإن فيها الصواب وفيها الخطأ ، ومن الأخطاء التي حدثت التركيز على بعض الجزئيات وتعقيد العلم بمصطلحات فلسفية وصوفية ومذهبية ونحن بحاجة إلى تركيز الجهود الفكرية على القضايا الرئيسة التي تواجه الناس ، وتأليف كتب جديدة تستفيد من القرآن والسنة ، ومما كتبه علماؤنا الأفاضل ، وتتخلص من النظرة الجزئية والجمود الفكري والتشدد والتصوف والتعقيد وغير ذلك ، والاتفاق على الحقائق الفكرية يوحد النظرة العقائدية والسياسية والاجتماعية بين الناس مما يؤدي إلى اتحاد مواقفهم من مختلف القضايا المحلية والعالمية ، في حين أن اختلاف العلمانيين يؤدي إلى تفرقهم ، فنادراً ما يخرج العلماني من انتماءاته العرقية والوطنية وشهواته ومصالحه ليلتف حول مبادئ محددة ، فالفلسطيني العلماني مثلاً يقاتل الإسرائيلي العلماني وحتى لو كان الاثنان مخلصين للعلمانية فمواقفهما حددهما مكان ولادتهما ، وتأثيراً بالبيئة المحيطة بهما لا بعقولهما ، فمن السهل الاتفاق على قضايا كثيرة بين العرب الملتزمين بإسلامهم ، لأن الوحدة الفكرية هي أساس البناء والتعاون ، أما الاتفاق بين المسلمين والعلمانيين أو العلمانيين أنفسهم فهي اتفاقات جزئية ومؤقتة وذات فوائد محدودة وهذه الحقيقة الفكرية كثيراً ما غابت عن أهل الإصلاح في الأمة مما أضاع طاقات وجهوداً كبيرة وكثيرة .(3/75)
2- وجوب العلم والعمل والإخلاص : أخطر أعداء العلم الفكري هو الجهل به ، وعدم تطبيقه في الواقع وفي الإسلام اهتمام كبير بطلب العلم ، قال تعالى " قل هل يستوي الذين يعلمون والذبن لا يعلمون " سورة الزمر (9) وقال تعالى " وقل رب زدني علما " سورة طه (114) فمعرفة الحقائق الفكرية واجب وهناك حد أدنى لا يقبل أقل منه ، فلابد أن تعرف العقائد الصحيحة من صفات الله سبحانه وتعالى ، ولماذا خلقك ؟ وما تحتاج إليه في حياتك الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعبادية ، وذلك من خلال التعليم والقراءة والسؤال ، قال تعالى " فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " سورة الأنبياء / 7 سورة النحل / 43 وأول آية نزلت في القرآن هي " اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5) سورة العلق ، أما بالنسبة للعمل فهو ضروري وواجب قال ? " الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل " والمعرفة بدون تطبيق هي معرفة إبليسية ، فتحويل الحقائق الفكرية إلى واقع في شتى مجالات الحياة دليل على الاقتناع بها ، ويضيف الإسلام إلى العلم والعمل شيئاً هاماً جداً وهو النوايا واكتسابه ونشره هدفه كسب رضى الله وليس الشهرة أو مجادلة الآخرين والعمل من زكاة وصدقة وجهاد وقول هدفه رضى الله وهكذا .
3- ما هو الإيمان ؟ : الإيمان هو الوصول بالعقل للحقائق الفكرية ، والالتزام بها ، وهو معرفة ما هي المبادئ الصحيحة ، وتطبيق ما نستطيع منها ، فالمسلم يدافع عن الحق والعدل الصحيح والحرية الصحيحة والمساواة الحقيقية .. الخ أما الكفر فهو رفض الحقائق الفكرية " الإسلام " مع الاقتناع بصوابها ، وبوجود البينات على صحتها ، فالمعرفة وحدها مع عدم التطبيق هي معرفة إبليسية ، ورفض الحقائق يحث نتيجة مصالح وهمية ، أو من أجل عقائد باطلة ، أو عناداً ، أو غروراً ، أو هو الجهل الشديد بعدم قبول الأدلة العقلية الواضحة على وجود الله سبحانه وتعالى وصدق محمد ? ، وهناك من قال أن هذا يعتبر جاهلاً وليس كافراً والأمر فيه اختلاف أما المعصية فهي بشكل عام عدم الالتزام أحياناً بالحقائق الفكرية مع الاقتناع والإيمان بصوابها ، وهذا الانحراف يحدث نتيجة ضعف أو هوى شهوة أو خوف أو غير ذلك أما من يرفض حقيقة فكرية قرآنية واضحة فهو كافر حتى لو آمن بأغلب الحقائق القرآنية ، وكذلك من يعادي المسلمين الملتزمين لأنه يعادي من أطاعوا الله سبحانه وتعالى ، وطبقوا الحقائق الفكرية ، وهذا وما شابهه عداء للعلم الفكري والحقائق والعقول السليمة والنفوس الزكية والعدل والحرية ، وهذا هو الفساد الذي تشكو منها البشرية ، وعكسه هو الإصلاح ، فالعمود الفقري للإصلاح هو أن تقتنع عقولنا بالعلم الفكري بعقائده وشريعته وعبادته ، وتلتزم نفوسنا به ، فإذا أصلحنا عقائدنا فقد قفزنا خطوات في الإصلاح ، وإذا حاربنا النفاق وتعاملنا بالصدق فقد حققنا قفزات أخرى ، وإذا تحركنا للصلاة في المساجد خمس مرات يومياً فقد غسلنا قلوبنا من كثير من الأمراض كالحسد والغرور والطمع والكراهية ، وهكذا والحمد لله الذي سهل لنا سبيل الإصلاح ، ولو أدركت الشعوب هذه الحقائق الفكرية وكانت جادة في رغبتها واستعدادها لقضت على كثير من أسباب الصراعات والشر الحالية ، ولعلمت أن الاطروحات العلمانية هي التي جعلتها تنتقل من شقاء إلى آخر ، ومن مصيبة إلى كارثة ، ومن تعاسة إلى قلق ، فالحقائق الفكية هي التي تحدد لنا المفاهيم الصحيحة للإيمان والكفر والعدل والحرية والمساواة والرحمة والعقاب والعبادة والعلاقات الاجتماعية والأنانية والتواضع والعز والغرور والذل ... الخ وهي توجد تكاملاً وتوازناً صحيحاً بين كل ذلك ، فلا يطغى العلم على العمل ، ولا المصلحة الشخصية على مصلحة الجماعة ، ولا الروحانيات على الماديات ، ولا المستقبل على الحاضر ، ولا الزوج على الزوجة ، ولا الجسد على النفس ، ولا الحكومة على الشعب ... الخ ولا عكس ذلك ، وهذه الحكمة تتأقلم مع اختلاف الزمان والمكان والبشر والظروف .(3/76)
4- تبليغ الحقائق الفكرية : فرض الله سبحانه وتعالى على المسلمين نشر الحقائق الفكرية وإبلاغها للناس ، قال تعالى " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " سورة النحل (125) وجعل نشر هذه الحقائق من أهم الأمور في حياة السلم ، وعليه أن يبلغها للآخرين ، وكانت الفتوحات الإسلامية تسعى لنشر الإسلام وإبلاغه للناس ، وتحطيم الباطل الفكري سواء كان عقائد أو عبادات أو أحكاماً ، ولم تكن حروباً ذات هدف مادي أو سياسي و عنصري فمن لا يحارب الحقائق الفكرية الإسلامية فلا يتم حربه ، وجعل الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً من الواجبات الرئيسة في المجتمع المسلم لتصحيح الانحرافات النظرية والعملية في مجال الحقائق ، قال تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون على الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (104) ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم (105) سورة آل عمران وقال ? : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما صنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر " رواه أبو داود والترمذي ، وقال ? " أفضل الجهاد كلمة عدل ( وفي رواية : حق ) عند سلطان جائر " (1) أي بيان حقيقة فكرية فإذا وجدت مجتمعاً مسلماً يرى الظلم والانحرافات ولا يتحرك ، فأعلم أنه مجتمع لا إيمان له أو ذو إيمان ضعيف ، فالإسلام يجعل الحقائق الفكرية أمانة في عنق كل مسلم يجب أن يقولها ويلتزم بها ويدافع عنها ويخالف أهواءه وشهواته وأسرته وعائلته وقبيلته وشعبه وأمته والبشر عامة في سبيل ذلك ، وقديماً قالوا " إذا قلت الحق أبغضوك " أما بالنسبة للعلمانية فإن العلماني ، إذا كان مقتنعاً بآراء فكرية معينة ويعتقد أنها حقائق فكرية وكذلك لا يوجد ما يدفعه إلى نشرها وإبلاغها للناس والتضحية بوقته وماله ناهيك عن الدفاع عنها ، كما أن تنظيم دعوة علمانية بين مجموعة أفراد علمانيين قضية صعبة إن لم نقل مستحيلة ، فلا يوجد فكر محدد يراد تبليغه ، فالآراء متناقضة ، وإذا كان هناك اتفاق على رأي أو موقف أو أكثر فهو اتفاق محدود مقارنة بخلافات جذرية هائلة بين العلمانيين فهم مجموعة متنافرة أو مفككة ومتصارعة والدعوة الإسلامية ليس هدفها الجدل أو احراج الآخرين أو السخرية منهم ، قال تعالى " ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون " سورة الزخرف (58) وقال بعض السلف " إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل ، وإذا أراد الله بعبد شراً أغلق عنه باب العمل وفتح له باب الجدل " (2) وقيل لمالك : الرجل يكون عالماً بالسنة ثم يجادل عنها قال : لا ولكن يخبر بالسنة ، فإن قبل منه وإلا سكت " وقال : المراء والجدل في العلم يذهب بنور العلم (1) قال تعالى " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " سورة الفرقان (63) ومن المعروف أن العلمانية قائمة على الجدل ، بل جعلته كأنه هدفها في الحياة وفرق شاسع بين جدل وعلم .
5- التحالف الأبدي : قال الإمام علي كرم الله وجهه " اعرف الحق تعرف أهله " فالحق أي الحقائق الفكرية أي الإسلام هو أساس تحديد الآراء والمواقف والدساتير والقوانين والحقوق والواجبات والحياة الزوجية والشخصية ... الخ فالمسلم يجد نفسه مجبراً على تحالف أبدي مع الحق وليس له خيار آخر فلا يبني حياته على تحالف مع حكومة أو جماعة أو حزب أو قبيلة أو عائلة أو فرد بل يدور مع الحق حيث دار ، والحق فوق كل ذلك ، وهو مقتنع بأن مصالحه وأهدافه مع الحق حتى لو رأى ظاهريا أنه يخسر ويتعب ويختلف مع أقرب الناس إليه ، قال تعالى " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز " سورة الحج (40) ونقول إن أغلب ما في مجتمعاتنا من الخير والوعي والإخلاص جاء نتيجة ، إيماننا بالإسلام ، وكل الانحرافات جاءت نتيجة ضعف الإيمان أو غيابه أو الجهل بالإسلام ، وإذا قبلنا التنازل عن مبادئنا الإسلامية فسيكون من السهل التنازل عن الدستور والقانون ، فلا شيء يهم ، وسنجعل المصالح الشخصية والعصبيات العرقية والشهوات وغير ذلك هي التي تتحكم بنا ، فالدستور ليس هو الذي خلقني والقانون ليس الذي يرزقني ، ومصلحتي الشخصية ستكون عندي أهم من مصلحة الشعب ورأي الشعب والتصويت ، ولنتأكد بأن من يبيع إسلامه يبيع تقريباً كل شيء ولا توجد عقائد أو فلسفة ستقنع الإنسان العاقل بأن يطيع قانوناً أو شعباً أو حكومة أو أباً أو أماً ويكفر بالله سبحانه وتعالى وكتبه ورسله ، فالدافع الأول للخير والعدل وبر الوالدين ... الخ هو طاعة الله والالتزام بالحقائق الفكرية ( الإسلام ) .
6- نور الحقائق الفكرية : لا يصل للحقائق الفكرية ويستفيد منها إلا من يؤدي الطاعات ويبتعد عن المعاصي قال تعالى " إن الله لا يهدي القوم الفاسقين " سورة المنافقون (6) وقال تعالى " إن الله لا يهدي القوم الظالمين " سورة المائدة (51) فالمعاصي ظلام ، والعلم الفكري نور ، وهما شيئان متنافران قال الإمام الشافعي رحمه الله :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي(3/77)
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عندما سئل : من نسأل بعدك ؟ فقال سل عبد الوهاب : قيل : إنه ليس له اتساع في العلم ، فقال أبو عبد الله : إنه رجل صالح مثله يوفق لإصابة الحق (1) وقال عن معروف : معه أصل العلم خشية الله ، وقال ابن مسعود وغيره : كفى بخشية الله علماً وكفى بالإغترار بالله جهلاً ، وقال بعض السلف : ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية وقال بعضهم : من خشي الله فهو عالم ، ومن عصاه فهو جاهل " (2) وقال سفيان بن عينية : ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر ، ولكن العاقل الذي يعرف الخير فيتبعه ، ويعرف الشر فيجتنبه " فإذا رأيت كثيراً من الناس من سياسيين وتجار وإداريين وعمال وأزواج وزوجات يخطئون في قراراتهم أو أعمالهم أو حياتهم الاجتماعية أو تربية أبنائهم أو تخطيطهم لمستقبلهم أو غير ذلك أخطاء كبيرة وواضحة وفي أمور منطقية وعقلية ولا اختلاف حولها فأعلم أن ضياعهم حدث لأنهم لا يرون الحقائق الفكرية مما جعل حياتهم قلق وفشل وتعاسة ، فوجود الخبراء والمستشارين والأذكياء والخبرة والشهادات العلمية والأصدقاء والكتب المفيدة لن يؤدي إلى رؤية حقائق الحياة الفكرية والاستفادة منها إذا لم يكن الإنسان ملتزماً بطاعة الله ومبتعداً عن المعاصي ، فإذا أقنعك عقلك بأن مصلحتك الشخصية أو سعادتك هي في الانحرافات والمعاصي فأعلم يقينا أنك ترى مصالح وهمية وسراباً ، وأعلم أن عقلك يخدعك ، وتذكر أن من يبتعد عن الطاعات يبتعد عن النور ألا هل بلغت اللهم فأشهد .
7- العلم الفكري أهم من المال : هذه حقيقة فكرية يجهلها كثير من الناس ، وأحد أهم أدلة انتشار الجهل العلماني بين الناس هو اقتناعهم بأن المال أهم من العلم الفكري ، ولو حكموا عقولهم لاقتنعوا بالعكس ، فالعالم اليوم غير مقتنع ليس فقط بالإسلام ، بل ليس مقتنعاً بأن هناك حقائق فكرية ، وعلم فكري ، فالمهم هو المال والتجارة والاقتصاد والبطالة وأسعار الأسهم ، قال ابن القيم رحمه الله " وفضل العلم على المال يعلم من وجوه : أحدها أن العلم ميراث الأنبياء ، والمال ميراث الملوك والأغنياء ، والثاني أن العلم يحرس صاحبه ، وصاحب المال يحرس ماله ، والثالث أن المال تذهبه النفقات ، والعلم يزكو على النفقة ، والرابع أن صاحب المال إذا مات فارقه ماله ، والعلم يدخل معه قبره ، والخامس أن العلم حاكم على المال ، والمال لا يحكم على العلم ، والسادس أن المال يحصل للمؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، والعلم النافع لا يحصل إلا للمؤمن ، والسابع أن العالم يحتاج إليه الملوك فمن دونهم ، وصاحب المال إنما يحتاج إليه أهل العدم والفاقة ، والثامن أن النفس تشرف وتزكو بجمع العلم وتحصيله ، وذلك من كمالها وشرفها ، والمال لا يزكيها ولا يكملها ولا يزيدها صفة كمال ، بل النفس تنقص وتشح وتبخل بجمعه والحرص عليه ، فحرصها على العلم عين كمالها ، وحرصها على المال عين نقصها ، والتاسع أن المال يدعوها إلى الطغيان والفخر والخيلاء ، والعلم يدعونا إلى التواضع والقيام بالعبودية ، فالمال يدعونا إلى صفات الملوك ، والعلم يدعوها إلى صفات العبيد ، والعاشر أن العلم جاذب موصل إلى سعادتها التي خلقت لها ، والمال حاجب بينها وبينها ، والحادي عشر أن غنى العلم أجل من غنى المال ، فإن غنى المال بأمر خارجي عن حقيقة الإنسان لو ذهب في ليلة أصبح فقيراً معدماً ، وغنى العلم لا يخشى عليه الفقر بل هو في زيادة أبدا " فالمسلم الواعي لحقائق الإسلام الفكرية يعلم أشياء كثيرة منها ، أن العلم أهم من المال بكثير في حين أن العلماني يسعى ليلاً ونهاراً وراء المال والمنصب والشهوات ، ويعتبر ذلك أهم شيء في الحياة ، وأهم من الحقائق الفكرية .(3/78)
8- من صحون الحقائق : حرص الإسلام على قضايا كثيرة تحمي العلم الفكري منها الفرق بين الشريعة والفقه ن فالشريعة هي حقائق فكرية والفقه اجتهادات بشرية في سبيل الوصول إلى الحقائق وهو يحتمل الصواب والخطأ ، والعلماء ليسوا معصومين كما حذر من الظن والسطحية والسرعة في الوصول إلى الاقتناعات والقرارات ، قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم " سورة الحجرات (12) ودعا إلى تجميع المعلومات من مصادر صحيحة ، ودعا للتفريق بين النظرية والأفراد ، وطالبنا بأن نعرف الحق حتى نعرف أهله وفرض علينا أن نعدل ونقول الحق لو كان لأعدائنا ، وأن لا تأخذنا العواطف والأهواء ، ورفض مبدأ تقليد الآباء والأجداد في عقائدهم وأعمالهم إذا كانت خاطئة ودعا للتفكير والنقاش الهادي الرفيع ومشاورة العلماء وحرية الرأي والاجتهادات أي بذل الجهد في سبيل تجميع الحقائق ودعا إلى معرفة الواقع والرأي الجماعي وتحكيم الأغلبية الواعية المخلصة ، وليست أي أغلبية في كثير من القضايا الاجتهادية سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ودعا إلى الاستماع للآخرين وآرائهم وعقائدهم ومجادلتهم بالحسنى ودعا إلى الواقعية في قضايا التعامل مع الواقع ، ودعا في نفس الوقت إلى الالتزام بالمبادئ وإعلانها ، ورفض النظر بمثالية للأمور ، وأن نبتعد عن الشبهات ، ودعا إلى مشاركة الآراء من مختلف التخصصات ذات العلاقة في الموضوع الاجتهادي سواء كان سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً واهتم الإسلام بمكانة العلماء واحترامهم ، وحذرنا من أن يصل المسلم إلى اقتناع أو ينفذ عملاً بدون أن يعرف الحقيقة الفكرية في هذا الموضوع ، كما نشاهد في حياة كثير من المسلمين حيث يتعاملون في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية أو السياسية دون فهم لحقائق الإسلام ، فيعتمدون على آراء شخصية أو معلومات خاطئة أوظنون أو يشككون في النوايا أو يرون أجزاء من الصورة ودعا إلى تقليل الكلام والتحذير من خطره ، ودعا إلى إشغال أوقاتنا بما يفيد من علم وقراءة وعلم ورياضة ، قال رسول الله ? : " اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها " وعن زيد بن أسلم قال قيل يا رسول الله : ما أعلم فلاناً قال بم قالو : أنساب الناس قال : " علم لا ينفع وجهالة لا تضر " فلا وقت عند المسلمين لعلوم لا تنفع ، وتفاصيل دقيقة غير هامة في التاريخ وفي حياة الناس الشخصية وللنقاشات الفلسفية ولعلوم الموسيقى والرسم والروايات والأفلام الهابطة والأغاني والتعمق في أنواع الملابس والساعات والأحذية والأثاث ... الخ ما أمرنا الإسلام به يجعل الإنسان قريبا من الحقائق الفكرية ومن القضايا العملية التي تفيد عقله ونفسه وجسمه وتفيد الشعوب والأمم .
كتب المؤلف
1.…الطريق إلى الوحدة الشعبية " دعوة لبناء الجسور بين الاتجاهين القومي والإسلامي "
2.…الطريق إلى السعادة
3.…إصلاح الشعوب أولاً
4.…لا للتعصب العرقي
5.…عجز العقل العلماني
6.…الكويت الجديدة " تحت الإعداد "
7.…تطوير البحث العلمي الخليجي " تحت الإعداد
=====================
حرية الاعتقاد
التشريع الجنائي في الإسلام - (ج 1 / ص 35)
25 - حرية الاعتقاد: والشريعة الإسلامية وهي أول شريعة أباحت حرية الاعتقاد وعملت على صيانة هذه الحرية وحمايتها إلى آخر الحدود، فلكل إنسان - طبقاً للشريعة الإسلامية - أن يعتنق من العقائد ما شاء، وليس لأحد أن يحمله على ترك عقيدته أو اعتناق غيرها أو يمنعه من إظهار عقيدته.
وكانت الشريعة الإسلامية عملية حين قررت حرية العقيدة، فلم تكتف بإعلان هذه الحرية وإنما اتخذت لحمايتها طريقين:
أولاهما: إلزام الناس أن يحترموا حق الغير في اعتقاد ما يشاء وفي تركه يعمل طبقاً لعقيدته، فليس لأحد أن يكره آخر على اعتناق عقيدة ما أو ترك أخرى، ومن كان يعارض آخر في اعتقاده فعليه أن يقنعه بالحسنى، ويبين له وجه الخطأ فيما يعتقد، فإن قبل أن يغير عقيدته عن اقتناع فليس عليهما حرج، وإن لم يقبل فلا يجوز إكراهه ولا الضغط عليه، ولا التأثير عليه بما يحمله على تغيير عقيدته وهو غير راضٍ، ويكفي صاحب العقيدة المضادة أنه أدى واجبه؛ فبين الخطأ، وأرشد إلى الحق، ولم يقصر في إرشاد خصمه وهدايته إلى الصراط المستقيم. واقرأ إن شئت هذه المعاني صريحة واضحة في قول تعالى لرسوله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، وقوله: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]، وقوله: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 21 - 22]، وقوله: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54].(3/79)
ثانيهما: إلزام صاحب العقيدة نفسه أن يعمل على حماية عقيدته، وأن لا يقف موقفاً سلبياً، فإذا عجز عن حماية نفسه تحتم عليه أن يهاجر من هذه البلدة التي لا تحترم فيها أهله العقيدة، ويمكن فيه من إعلان ما يعتقد، فإن لم يهاجر وهو قادر على الهجرة فقد ظلم نفسه قبل أن يظلمه غيره، وارتكب إثماً عظيماً، وحقت عليه كلمة العذاب، أما إذا كان عاجزاً عن الهجرة فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وهذا هو القرآن ينص صراحة على ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا* إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً* فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 97 - 99].
وقد بلغت الشريعة الإسلامية غاية السمو حينما قررت حرية العقيدة للناس عامة مسلمين وغير مسلمين، وحينما تكفلت بحماية هذه الحرية لغير المسلمين في بلاد الإسلام، ففي أي بلد إسلامي يستطيع غير المسلم أن يعلن عن دينه ومذهبه وعقيدته، وأن يباشر طقوسه الدينية، وأن يقيم المعابد والمدارس لإقامة دينه ودراسته دون حرج عليه، فلليهود في البلاد الإسلامية عقائدهم ومعابدهم وهم يتعبدون علناً وبطريقة رسمية، ولهم مدارسهم التي يعلمون فيها الدين الموسوي، ولهم أن يكتبوا ما يشاءون عن عقيدتهم وأن يقارنوا بينها وبين غيرها من العقائد ويفضلوها عليها في حدود النظام العام والآداب والأخلاق الفاضلة، وكذلك حال المسيحيين مع اختلاف مذاهبهم وتعددها، فلكل أصحاب مذهب كنائسهم ومدارسهم، وهم يباشرون عباداتهم علناً، ويعلمون عقائدهم في مدارسهم، ويكتبون عنها وينشرون ما يكتبون في البلاد الإسلامية.
==============
المسلمون والذميون:
التشريع الجنائي في الإسلام - (ج 1 / ص 367)
243 - المسلمون والذميون: وتسوي الشريعة بين المسلمين والذميين في تطبيق نصوص الشريعة في كل ما كانوا فيه متساوين، أما ما يختلفون فيه فلا تسوي بينهم فيه؛ لأن المساواة في هذه الحالة تؤدي إلى ظلم الذميين، ولا يختلف الذميون عن المسلمين إلا فيما يتعلق بالعقيدة، ولذلك كان كل ما يتصل بالعقيدة لا مساواة فيه، والواقع أنه إذا كانت المساواة بين المتساوين عدل خالص فإن المساواة بين المتخالفين ظلم واضح، ولا يمكن أن يعتبر هذا استثناء من قاعدة المساواة، بل هو تأكيد للمساواة، إذ المساواة لم يقصد بها إلا تحقيق العدالة، ولا يمكن أن تتحقق العدالة إذا سوى بين المسلمين والذميين فيما يتصل بالعقيدة الدينية؛ لأن معنى ذلك هو حمل المسلمين على ما يتفق مع عقيدتهم، وحمل الذميين على ما يختلف مع عقيدتهم، ومعناه أيضاً عدم التعرض للمسلمين فيما يعتقدون، والتعرض للذميين فيما يعتقدون وإكراههم على غير ما يدينون، ومعناه أخيراً الخروج على قواعد الشريعة العامة التي تقضي بترك الذميين وما يدينون، والخروج على نص القرآن الصريح: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256].
والجرائم التي تفرق فيها الشريعة بين المسلمين والذميين هي الجرائم القائمة على أساس ديني محض كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير، فالشريعة الإسلامية تحرم شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ومن العدل أن يطبق هذا التحريم على المسلم الذي يعتقد طبقاً لدينه بحرمة شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ولكن من الظلم أن يطبق هذا التحريم على غير المسلم الذي يعتقد بأن شرب الخمر غير محرم وأن أكل لحم الخنزير لا حرمه فيه، ولو طبقت قاعدة المساواة تطبيقاً أعمي لأخذ الذميون بأفعال هي في عقيدتهم غير محرمة، وفي هذا ظلم بين، فكان من العدل الذي أخذت به الشريعة نفسها أن قصرت التحريم على المسلمين دون غيرها، فالمسلم إذا شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير ارتكب جريمة معاقباً عليها، أما الذمي فلا يعتبر شربه الخمر وأكله لحم الخنزير جريمة.
ولكن يعاقب الذميون على الجرائم القائمة على أساس ديني إذا كان إتيانها محرماً في عقيدتهم، أو يعتبر عندهم رذيلة، أو إذا كان إتيان الفعل مفسداً للأخلاق العامة، أو ماساً بشعور الآخرين، فمثلاً شرب الخمر ليس محرماً في عقيدة الذميين ولكن السكر محرماً عندهم، أو هو رذيلة، فضلاً عن أنه مفسد للأخلاق العامة، ومن ثم كان الذميون معاقبين على السكر دون الشرب، فمن شرب حتى سكر عوقب، ومن شرب ولم يسكر فلا عقوبة عليه. والشريعة توجب الصوم على المسلم، وترى في عدم الصوم معصية، وفي التظاهر بالإفطار معصية، ولكنها لا تعاقب على عدم الصوم إلا المسلم؛ لأنه ملزم به طبقاً لعقيدته، ولأن غير المسلم ليس ملزماً بالصوم؛ لأنه لا يعتقد به، ولو حمل عليه بالعقوبة ظلم وأكره على عمل ما لا يعتقد، ولا إكراه في الدين.
أما التظاهر بالإفطار فيعاقب عليه المسلم والذمي معاً؛ لأن الذمي وقد التزم أحكام الإسلام يجب عليه أن يمتنع عن كل ما يمس شعائر الإسلام وشعور المسلمين، وهذا دون شك في استطاعته، ولا يمس أي مساس بعقيدته، والتظاهر بالإفطار فيه مساس بشعيرة الصوم، وبشعور الصائمين، فإذا ما تظاهر الذمي بالإفطار عوقب على تظاهره بالإفطار، وإذا لم يتظاهر فلا عقاب عليه ولو أنه مفطر؛ لأن الصوم ليس واجباً عليه.(3/80)
244 - ميزة للشريعة: ويترتب على التفرقة في تطبيق نصوص الشريعة بين المسلمين والذميين أن تكون الجرائم في الشريعة قسمين: قسم عام يعاقب على إتيانه كل المقيمين في دار الإسلام، وقسم خاص يعاقب على إتيانه دون غيرهم، ولا يمكن أن يقع إلا منهم، وأساس هذا القسم هو الدين.
وليس في القوانين الوضعية الحديثة - على ما أعلم - قانوناً واحداً لم يسلك مسلك الشريعة من حيث جعل بعض الجرائم عاماً يقع من كل الرعايا، وبعضها خاصاً يقع من بعض الرعايا فقط، ولكن القوانين لا تجعل أساس التفرقة الدين.
وقد اضطرت الشريعة الإسلامية لسلوك هذا الطريق لتحقيق العدالة، وتوفير حرية الاعتقاد، والمحافظة على النظام، وأساس النظام في الشريعة هو الإسلام. أما القوانين الوضعية فليس فيها ما يحمل واضعها على سلوك هذا الطريق؛ لأن القوانين تجرد عادة من كل ما له مساس بالعقائد والأخلاق والدين على العموم، ويكتفي فيها بحريم ما يمس علاقات الأفراد المادية، أو يمس الأمن، أو نظام الحكم. وقد أدت طريقة القوانين إلى فساد الأخلاق، وشيوع الفوضى، والتحلل من كل القيود، وأوجدت في الجماهير روح التمرد، والاستعداد للخروج على قواعد القانون والاستهانة بها، فكثرت الثورات والانقلابات، وصارت النظم تتغير يوماً بعد يوم، وكل نظام يلاقي مصير الذي سبقه.
ولقد أوقع المشرعين الوضعيين في هذا الخطأ الفاحش أنهم أرادوا أن يحققوا المساواة، ويطبقوا مبدأ حرية الاعتقاد، فلم يروا وسيلة لتطبيق هذين المبدأين معاً إلا أن يجردوا القانون من كل ما يمس العقائد والأخلاق والأديان، فأدى بهم هذا التطبيق السيئ إلى هذه النتائج المحزنة، ولو أنهم أخذوا بطريقة الشريعة الإسلامية لضمنوا تحقيق ما شاءوا من مبادئ، ولمنعوا من وقوع هذه المساوئ.
ولعل عذر المشرعين الوضعيين فيما حدث أن القوانين الوضعية كانت إلى ما قبل الثورة الفرنسية تقوم على أساس ديني يراعى فيه مذهب الحاكم واعتقاده، لا مذاهب المحكومين جميعاً وعقائدهم، بحيث كان المخالفون في العقيدة يحملون حملاً بسطوة القانون على اعتناق مذهب الحاكم أو عقيدته، وقد أدى هذا المسلك إلى إثارة الشحناء والبغضاء بين أفراد الشعب الواحد، وإراقة الدماء وتعدد المذابح، مما كان له رد فعل قوي حمل المشرعين على أن يعالجوا هذه الحالة بتجريد القوانين الحديثة من كل ما يمس العقائد والأخلاق والأديان، ولكن هذا العلاج أدى إلى نتائج لا تقل سوءاً كما رأينا، ولا أظن أن هناك علاجاً موفقاً كعلاج الذي ارتأته الشريعة، فإنه يؤدي إلى الأخذ بمبدأي المساواة وحرية الاعتقاد، كما يؤدي في الوقت نفسه إلى الاحتفاظ بالقيم الأخلاقية والروحية، وهي الأساس الأول في احترام الشرائع والقوانين.
ويجب ألا ننسى حين نقارن القوانين الوضعية بالشريعة الإسلامية، أن الشريعة الأخيرة شريعة دينية أساسها الإسلام، فلا يمكن بطبيعة الحال أن تتجه اتجاهاً يخالف الإسلام، وأن الدين الإسلامي يعتبر النظام الأساسي للدولة بكل ما يشتمل عليه من صوم وصلاة وزكاة وحج وتوحيد، وبكل ما يوجبه ويحرمه، وهو نظام لا يقبل التجزئة بطبيعته، فليس من المستطاع الأخذ ببعضه وترك بعضه؛ لأن الأخذ ببعضه وترك بعضه هدم له. وقد فهم أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الوضع حق الفهم، فحاربوا مانعي الزكاة بعد وفاة الرسول واعتبروهم مرتدين، مع أن المسلمين كانوا في أشد الحاجة إلى المسالمة في هذا الوقت العصيب الذي انتفضت فيه شبه جزيرة العرب كلها على المسلمين.
فالشريعة إذن لا يمكن بأي حال أن تتخلى عن العقاب على الجرائم الدينية أو الأخلاقية؛ لأنها تقوم على النظام الإسلامي، ولأنها وجدت لحماية هذا النظام والمحافظة على مقوماته، فلابد أن تحرم كل ما يسمه وتعاقب عليه.
ولا يصح أن يعتبر عيباً في الشريعة الإسلامية، لأنه صفة أساسية لاصقة بكل نظام أقيم أو يقام على وجه الأرض، فكل نظام له أسسه التي يقوم عليها، ومقوماته التي لا يستمر بغيرها، ولا يمكن أن يقوم أي نظام وضعي إذا أهملت أسسه، وتجوهلت مقوماته، فالديموقراطية لها أسس معينة ومقومات خاصة، وكل نظام من هذه الأنظمة تختلف أسسه ومقوماته اختلافاً ظاهراً عن أسس النظام الآخر ومقوماته، ولا يمكن أن يعيش أي نظام من هذه الأنظمة إذا أهملت بعض أسسه أو تجوهلت بعض مقوماته؛ لأنه بهذه الأسس والمقومات وجد وعاش، وتميز عن غيره من الأنظمة، ونحن نعلم أن كل نظام من هذه الأنظمة الثلاثة يضع عقوبات قاسية على كل ما يمس أسس النظام أو يهدم مقوماته، فلا عيب إذن على الشريعة إذا عاقبت على كل ما يمس النظام الذي قامت عليه؛ لأن ما تفعله الشريعة هو طبيعة لازمة لكل نظام يراد له البقاء والنماء والاستقرار. وإذا كانت الشريعة تعاقب على ما لا تعاقب عليه القوانين الوضعية فليس ذلك بشيء؛ لأنه يرجع إلى تغاير النظم واختلاف طبائعها، وما دامت اتجاهات النظم مختلفة، وطبائعها مختلفة، فلا يمكن أن تتفق فيما تحل وفيما تحرم.
والأمثلة على ذلك بارزة في الأنظمة الوضعية، فالشيوعية مثلاً تعاقب على الدعوة للنازية والديموقراطية، والنازية تعاقب على الدعوة للديموقراطية والشيوعية، والديموقراطية تحارب الشيوعية والنازية وتعاقب عليهما، والملكية الفردية مباحة إلى غير حد في البلاد الديموقراطية، ولكنها جريمة في البلاد الشيوعية. فاختلاف الأفعال المحرمة في النظم لا يمكن أن يكون عيباً بذاته، لأن قيمة النظام لا تقاس بما يحل وما يحرم، ولا بعمومه وخصوصه، وإنما يقاس بما يؤدي إليه من إسعاد الجماعة، ورقيها وتفوقها، ونشر العدل والمساواة والتراحم بين أفرادها.(3/81)
ولست أترك هذا الموضوع قبل أن أبين حقيقة مقررة في الشريعة الإسلامية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وهي أن الشريعة نصت على أفعال معينة واعتبرتها جرائم، وأوجبت العقوبات عليها، ولم تجعل لولي الأمر حق العفو عن العقوبة أو الجريمة في بعض هذه الجرائم، وهي الحدود والقصاص، وجعلت له حق العفو عن الجريمة أو العقوبة في بعضها الآخر، وهي جرائم التعازير، كذلك ترك لولي الأمر أن يحرم كل الأفعال التي تقتضي مصلحة الجماعة والنظام العام تحريمها، وأهم هذه الأفعال هي الأفعال التي تخالف روح الشريعة أو مبادئها العامة، فإن رأى ولي الأمر أن المصلحة تقتضي تحريم فعل معين حرمه وعاقب عليه بعقوبة تعزيرية، وحق ولي الأمر في التحريم والعفو عن العقوبة أو الجريمة مقيد بالصالح العام والنظام العام؛ أي النظام الإسلامي وعلى هذا يمكن القول بأن كل الجرائم ذات الأساس الديني البحت لا خيار في العقاب عليها، لأن الجريمة إن كانت حداً فلا محيص من العقاب عليها، وإن كانت الجريمة تعزيراً فإن العفو عن العقوبة أو الجريمة مقيد بمصلحة النظام الإسلامي، ولا شك أن العفو في كل الأحوال يتنافى مع هذا النظام.
كذلك فإن ولي الأمر ملزم بتحريم كل ما يتنافى مع روح الإسلام ومبادئه العامة وفرض عقوبة عليه، فسلطان ولي الأمر في التحريم وعدم التحريم والعفو وعدم العفو مقرر لمصلحة النظام الإسلامي، وليس لمصلحة ولي الأمر ولا لأية مصلحة أخرى.
والعقوبة المقررة للجرائم الدينية إنما قررت لمصلحة النظام الإسلامي دون غيره، وما كان مقرراً لمصلحة نظام ما فلا يصح أن يجادل فيه من يريد إقامة هذا النظام، ولا يصح أن يتهاون في شأنه القائمون على أمر هذا النظام، ولا ضير في أن تخالف الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية في العقاب على الجرائم الدينية، فإن الخلاف راجع إلى اختلاف طبيعة النظم، ولن يثني هذا الخلاف المسلمين عن تفصيل النظام الإسلامي على غيره من الأنظمة، كما لم يثن الشيوعيين عن تحبيذ الشيوعية وتفضيلها على غيرها من الأنظمة، مع أنها تخالف كل نظام وضعي أو سماوي وجد على وجه الأرض حتى اليوم، كما أنها لا تتفق مع طبائع الأشياء.
ولقد قلنا: إن الشريعة الإسلامية تقسم الجرائم إلى جرائم عامة تقع من كل الرعايا، وجرائم خاصة تقع من المسلمين دون غيرهم، وإن أساس هذه الجرائم الخاصة هو الدين. وقلنا: إن هذا المسلك غير غريب على القوانين الوضعية في اتجاهها الحديث وإن كانت لا تجعل أساس التفرقة الدين. وتفصيل ذلك أن القوانين الوضعية الحديثة لا تخلو من نصوص خاصة لا تنطبق إلا على بعض الأشخاص أو بعض الهيئات، كالنصوص التي تنطبق على القضاة دون غيرهم، أو على المحامين أو الأطباء، وهذه النصوص تحرم على بعض الأشخاص أو بعض الهيئات أفعالاً معينة، وتعاقب عليها بعقوبات خاصة، وتحريم بعض الأفعال على أشخاص أو فئات معينة يساوي ما فعلته الشريعة من عقاب المسلم على بعض الأفعال المحرمة عليه دون غيره، ومعنى ذلك أن القوانين الوضعية الحديثة قد اضطرت لحماية المصلحة الفردية والعامة أن تأخذ بالنظرية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية من أربعة عشر قرناً لحماية مصالح الجماعة ونظامها العام.
=============
الشروط الواجب توافرها في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر:
التشريع الجنائي في الإسلام - (ج 2 / ص 47)
343 - الشروط الواجب توافرها في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر: رأينا فيما سبق أن جمهرة الفقهاء توجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كافة أفراد الأمة لا على فئة معينة منها، ولكنهم مع ذلك يشترطون شروطاً خاصة فيمن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، وبعض هذه الشروط يرجع إلى طبيعة الواجب، وإلى مبادئ الشريعة العامة، وبعضها متفق عليه، وبعضها مختلف فيه، وهي جميعاً لا تخرج عن خمسة شروط:
الشرط الأول: التكليف: يشترط فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون مكلفاً؛ أي مدركاً مختاراً، وهذا الشرط لازم إذا نظر إلى وجوب الأمر والنهي؛ لأن ترك القيام بالواجب يؤدي إلى مسئولية التارك، ولا مسئولية على غير مكلف طبقاً لقواعد الشريعة العامة، وعلى هذا فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتباره واجباً لا يجب إلا على المكلف.
واعتبار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً لا يمنع غير المكلف من الأمر والنهي باعتبارهما قربة من القربات((1))؛ لأن غير المكلف أهل للقربات، وله أن يأتي القربات ولو أنها لا تجب عليه، ولا يجوز منعه من إتيانها، ولكن له هو إن شاء أن يمتنع من نفسه عن إتيانها، كصلاة الصغير وصومه، فإن الصلاة لا تجب عليه، وكذلك الصوم فإذا أتي أحدهما كان عمله قربة، ولم يجز لأحد أن يمنعه من الصلاة أو الصوم، لكن إذا شاء الصغير أن يمتنع فلا إثم عليه في الامتناع، وعلى هذا فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا لم يكن واجباً على غير المكلف فهو حق له يأتيه إن شاء ويتركه إن شاء، فالصبي المراهق للبلوغ له - وإن لم يكن مكلفاً - إنكار المنكر، وله أن يريق الخمر ويكسر أدوات الملاهي، وإذا فعل ذلك نال به ثواباً، ولم يكن لأحد منعه على اعتبار أنه غير مكلف به.
__________
(1) إحياء علوم الدين المجلد الثاني ج7 ص14.
الشرط الثاني: الإيمان: يشترط فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون مؤمناً بالدين الإسلامي، فالمسلم وحده هي الذي يقع على عاتقه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما غير المسلم فلا يلتزم بهذا الواجب((1)).(3/82)
وقد روعي في اشتراط هذا الشرط ترك الحرية التامة لغير المسلم في أن يعتقد ما يشاء، وحمايته من الإكراه على اعتناق ما يخالف عقيدته، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدخل فيه كل ما أوجبته الشريعة عمله أو حببت للناس فعله من صلاة وصيام وحج وتوحيد وغير ذلك، والنهي عن المنكر يدخل فيه النهي عن كل ما خالف الشريعة من أفعال وعقائد فيدخل عن التثليث وعن القول بصلب المسيح وقتله، ويدخل فيه النهي عن الترهب وعن شرب الخمر وعن أكل لحم الخنزير وغير ذلك مما تخالف فيه الشريعة الإسلامية الأديان الأخرى، فلو ألزم غير المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لألزم بأن يقول بما يقول به المسلم وبأن يعتقد بما يعتقد به المسلم، ولألزم بأن يبطل عقيدته الدينية ويظهر عقيدة الإسلام، وهذا هو الإكراه في الدين الذي تحرمه الشريعة الإسلامية في قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] فمن أجل حماية حرية العقيدة جعل هذا الواجب على المسلم دون غيره.
الشرط الثالث: القدرة: ويشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون قادراً على الأمر والنهي وتغيير المنكر، فإن كان عاجزاً فلا وجوب عليه إلا بقلبه؛ أي عليه أن يكره المعاصي وينكرها ويقاطع فاعليها.
__________
(1) إحياء علوم الدين المجلد الثاني ج7 ص15.
وسقوط الواجب لا يترتب على العجز الحسي وحده، بل يلحق بالعجز الحسي خوف الآمر والناهي من أن يصيبه مكروه، أو أن يؤدي نهي الناهي إلى منكر شر من المنكر الذي نهى عنه، ففي هذين الحالين يسقط الواجب أيضاً، فمن علم أن أمره أو نهيه لن ينفع وأنه سيضرب إذا تكلم لم يجب عليه أمر أو نهي، وعليه فقط أن يكره المعصية وينكرها بقلبه ويقاطع فاعليها وأن لا يحضر مواضع المعاصي والمناكر، ومن علم أن نهيه إذا نهى منكر سيؤدي إلى إزالته أو إلى أن يزول ويخلفه ما هو أقل منه رتبة فقد وجب عليه النهي عن لمنكر، وإذا علم أن النهي عن المنكر سيؤدي إلى منكر آخر في درجته فهو بالخيار إن شاء منع المنكر ونهى عنه، وإن شاء تركه بحسب ما يؤديه إليه اجتهاده.
أما إذا علم أن إزالة المنكر ستؤدي إلى ما هو شر منه فقد سقط عنه الواجب، بل حرم عليه النهي، ومن الأمثلة على ذلك أن يجد مع شخص شراباً حلالاً نجس بسبب وقوع نجاسة فيه ويعلم أنه لو أراقه لشرب صاحبه الخمر فلا معنى لإراقته، ومثل ذلك ما حدث من ابن تيمية، فقد مر وبعض أصحابه في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم أصحاب ابن تيمية شرب الخمر ولكن ابن تيمية أنكر على أصحابه قولهم، وقال لهم: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال، فدعوهم وخمرهم((1)).
ومن علم أن أمره أو نهيه لا يفيد ولكنه لم يخف مكروهاً، فلا يجب عليه الأمر والنهي((2)) لعدم فائدتهما، ولكن يستحب له أن يأمر وينهى لإظهار شعائر الإسلام وتذكير الناس بأمر الدين((3)).
__________
(1) إحياء علوم الدين المجلد الثاني ج7 ص26 وما بعدها، أعلام الموقعين ج3 ص28 مجموعة الرسائل، الحسبة ص67، 68.
(2) إحياء علوم الدين المجلد الثاني ج7 ص26.
(3) يرى البعض أن الواجب لا يسقط في هذه الحالة. راجع: أسنى المطالب ج4 ص180.
ومن استطاع أن يبطل المنكر بفعله ولكنه يعلم أنه يصاب بمكروه بسبب تعرضه لإبطال المنكر، فلا يجب عليه إبطال المنكر، ولكن ستحب له أن يبطله((1))، كمن يقدر على إراقة الخمر أو تكسير أدوات اللهو، ولكنه يعلم أنه سيضرب إن فعل هذا، فلا يجب عليه إبطال المنكر، وإنما يستحب له أن يبطله لا باعتباره واجباً، بل باعتباره قربة من القربات.
ويلحق بالعجز الحسي العجز العلمي، فالعامي لا يجب عليه الأمر والنهي إلا في الجليات المعلومة كشرب الخمر والزنا والسرقة وترك الصلاة، وفيما عدا الجليات المعلومة لا يجب عليه أمر ولا نهي؛ لأنه يعجز عن فهم حقائقها ومعرفة فقهها ولو سمح به بالخوض فيها لكان ما يفسده أكثر مما يصلحه((2)).
ولا يشترط في إسقاط الواجب بالعجز وما يلحق به أن يكون العجز وما في حكمه معلوماً علماً محققاً، بل يكفي فيه الظن الغالب؛ لأن للظن الغالب في هذه الحالات معنى العلم والحكمة، فمن غلب على ظنه أن إنكاره لا يفيد لم يجب عليه إنكار، ومن غلب على ظنه أنه يصاب بمكروه لم يجب عليه، وإن غلب على ظنه إنه لا يصاب وجب عليه، أما إذا شك فيه من غير رجحان، فإن الشك لا يسقط الوجوب((3)).
الشرط الرابع: العدالة: يشترط بعض الفقهاء هذا الشرط، فيرون أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا يصح أن يكون فاسقاً، ويحتجون بقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة: 44]، وبقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3]، وعندهم أن هداية الغير فرع للاهتداء، وتقويم الغير فرع للاستقامة، وأن العاجز عن إصلاح نفسه أشد عجزاً عن إصلاح غيره.
__________
(1) إحياء علوم الدين المجلد الثاني ج7 ص26.
(2) إحياء علوم الدين المجلد الثاني ج5 ص28، تفسير المنار ج4 ص34.
(3) إحياء علوم الدين المجلد الثاني ج5 ص28، 29.
ولكن الرأي الراجح لى الفقهاء: أن للفاسق أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأنه لا يشترط في الآمر أو الناهي أن يكون معصوماً عن المعاصي كلها؛ لأن في اشتراط هذا الشرط سداً لباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا قال سعيد بن جبير: "إن لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر إلا من لا يكون فيه شيء لم يأمر أحد بشيء".(3/83)
والأصل أن الفاسق يفسق بإتيانه المعاصي؛ أي بإتيانه المحرمات وترك الواجبات، فإذا حرم على الفاسق أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كان معنى ذلك أن ترك الواجب يسقط غيره من الواجبات، وأن الواجب يصير حراماً بارتكاب حرام آخر.
وليس في الآيتين اللتين استدل بهما الفريق الأول ما يمنع الفاسق من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما جاءا بالنعي على من يأمر بالمعروف ولا يأتيه وينهى عن المنكر ويأتيه، والمقصود منهما أن يجعل الإنسان فعله مصدقاً لقوله؛ ليكون لقوله أثره ونتيجته المرجوة((1)).
__________
(1) إحياء علوم الدين المجلد الثاني ج5 ص15- 17، الكشاف ج1 ص319، أحكام القرآن للجصاص ج2 ص33.
===============
الجمع بين حديث من بدل دينه فاقتلوه وبين آية لا إكراه في الدين
المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان - (ج 1 / ص 367)
93 ـ ما مدى صحة الحديث القائل : ( من بدل دينه فاقتلوه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 8/50 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] وما معناه وكيف نجمع بينه وبين قوله تعالى : { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } [ سورة البقرة : آية 256 ] وبين قوله تعالى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ سورة يونس : آية 99 ] وبين الحديث القائل : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل ) وهل يفهم أن اعتناق الدين بالاختيار لا بالإكراه ؟
أولاً الحديث ( من بدل دينه فاقتلوه ) حديث صحيح رواه البخاري وغيره من أهل السنة بهذا اللفظ : ( من بدل دينه فاقتلوه ) . وأما الجمع بينه وبين ما ذكر من الأدلة فلا تعارض بين الأدلة ولله الحمد . لأن قوله صلى الله عليه وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 8/50 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] في المرتد الذي يكفر بعد إسلامه فيجب قتله بعد أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وأما قوله تعالى : { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } [ سورة البقرة : آية 256 ] وقول تعالى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ } [ سورة يونس : آية 99 ] فلا تعارض بين هذه الأدلة؛ لأن الدخول في الإسلام لا يمكن الإكراه عليه؛ لأنه شيء في القلب واقتناع في القلب، ولا يمكن أن نتصرف في القلوب، وأن نجعلها مؤمنة، هذا بيد الله عز وجل هو مقلب القلوب، وهو الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء .
لكن واجبنا الدعوة إلى الله عز وجل والبيان والجهاد في سبيل الله لمن عاند بعد أن عرف الحق، وعاند بعد معرفته، فهذا يجب علينا أن نجاهده، وأما أننا نكرهه على الدخول في الإسلام، ونجعل الإيمان في قلبه هذا ليس لنا، وإنما هو راجع إلى الله سبحانه وتعالى لكن نحن، أولاً : ندعو إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة ونبيّن للناس هذا الدين .
وثانيًا : نجاهد أهل العناد وأهل الكفر والجحود حتى يكون الدين لله وحده، عز وجل، حتى لا تكون فتنة .
أما المرتد فهذا يقتل، لأنه كفر بعد إسلامه، وترك الحق بعد معرفته، فهو عضو فاسد يجب بتره، وإراحة المجتمع منه؛ لأنه فاسد العقيدة ويخشى أن يفسد عقائد الباقين، لأنه ترك الحق لا عن جهل، وإنما عن عناد بعد معرفة الحق، فلذلك صار لا يصلح للبقاء فيجب قتله، فلا تعارض بين قوله تعالى : { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } [ سورة البقرة : آية 256 ] وبين قتل المرتد، لأن الإكراه في الدين هنا عند الدخول في الإسلام، وأما قتل المرتد فهو عند الخروج من الإسلام بعد معرفته وبعد الدخول فيه .
على أن الآية قوله تعالى : { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } [ سورة التوبة : آية 5 ] فيها أقوال للمفسرين منهم من يقول : إنها خاصة بأهل الكتاب، وأن أهل الكتاب لا يكرهون، وإنما يطلب منهم الإيمان أو دفع الجزية فيقرون على دينهم إذا دفعوا الجزية، وخضعوا لحكم الإسلام، وليست عامة في كل كافر، ومن العلماء من يرى أنها منسوخة بقوله تعالى : { فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ سورة التوبة : آية 5 ] فهي منسوخة بهذه الآية .
ولكن الصحيح أنها ليست منسوخة، وأنها ليست خاصة بأهل الكتاب، وإنما معناها أن هذا الدين بيِّن واضح تقبله الفطر والعقول، وأن أحدًا لا يدخله عن كراهية، وإنما يدخله عن اقتناع وعن محبة ورغبة . هذا هو الصحيح .
=============
فضل الجهاد والمجاهدين
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 2 / ص 401-420)
الحمد لله الذي أمر بالجهاد في سبيله ، ووعد عليه الأجر العظيم والنصر المبين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم : وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله أفضل المجاهدين وأصدق المناضلين وأنصح العباد أجمعين صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الكرام الذين باعوا أنفسهم لله وجاهدوا في سبيله حتى أظهر الله بهم الدين وأعز بهم المؤمنين ، وأذل بهم الكافرين رضي الله عنهم وأكرم مثواهم وجعلنا من أتباعهم بإحسان إلى يوم الدين .(3/84)
أما بعد : فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات ، ومن أعظم الطاعات ، بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض ، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين ، وقمع الكافرين والمنافقين وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين ، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور ، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين ، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين ، وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية ، ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل ، والصدق في جهاد أعداء رب العالمين ، وهو فرض كفاية على المسلمين إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين ، وقد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية التي لا يجوز للمسلم التخلف عنها إلا بعذر شرعي ، كما لو استنفره الإمام أو حصر بلده العدو أو كان حاضرا بين الصفين .
والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة معلومة ، ومما ورد في فضل الجهاد والمجاهدين من الكتاب المبين قوله تعالى : انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ
ففي هذه الآيات الكريمات يأمر الله عباده المؤمنين أن ينفروا إلى الجهاد خفافا وثقالا ، أي : شيبا وشبابا ، وأن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، يخبرهم عز وجل بأن ذلك خير لهم في الدنيا والآخرة ، ثم يبين سبحانه حال المنافقين وتثاقلهم عن الجهاد وسوء نيتهم ، وأن ذلك هلاك لهم بقوله عز وجل : لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا
وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ الآية .
ثم يعاتب نبيه صلى الله عليه وسلم عتابا لطيفا على إذنه لمن طلب التخلف عن الجهاد بقوله سبحانه : عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ويبين عز وجل أن في عدم الإذن لهم تبينا للصادقين وفضيحة للكاذبين ، ثم يذكر عز وجل أن المؤمن بالله واليوم الآخر لا يستأذن في ترك الجهاد بغير عذر شرعي؛ لأن إيمانه الصادق بالله واليوم الآخر يمنعه من ذلك ، ويحفزه إلى المبادرة إلى الجهاد والنفير مع أهله ، ثم يذكر سبحانه أن الذي يستأذن في ترك الجهاد هو عادم الإيمان بالله واليوم الآخر المرتاب فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وفي ذلك أعظم حث وأبلغ تحريض على الجهاد في سبيل الله ، والتنفير من التخلف عنه ،
وقال تعالى في فضل المجاهدين : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
ففي هذه الآية الكريمة الترغيب العظيم في الجهاد في سبيل الله عز وجل ، وبيان أن المؤمن قد باع نفسه وماله على الله عز وجل ، وأنه سبحانه قد تقبل هذا البيع وجعل ثمنه لأهله الجنة ، وأنهم يقاتلون في سبيله فيقتلون ويقتلون ، ثم ذكر سبحانه أنه وعدهم بذلك في أشرف كتبه وأعظمها التوراة والإنجيل والقرآن ،
ثم بين سبحانه أنه لا أحد أوفى بعهده من الله ليطمئن المؤمنون إلى وعد ربهم ويبذلوا السلعة التي اشتراها منهم وهي نفوسهم وأموالهم في سبيله سبحانه ، عن إخلاص وصدق وطيب نفس حتى يستوفوا أجرهم كاملا في الدنيا والآخرة ، ثم يأمر سبحانه المؤمنين أن يستبشروا بهذا البيع لما فيه من الفوز العظيم والعاقبة الحميدة والنصر للحق والتأييد لأهله . وجهاد الكفار والمنافقين وإذلالهم ونصر أوليائه عليهم إفساح الطريق لانتشار الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة ، وقال عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(3/85)
في هذه الآيات الكريمات الدلالة من ربنا عز وجل على أن الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله هما التجارة العظيمة المنجية من العذاب الأليم يوم القيامة ، ففي ذلك أعظم ترغيب وأكمل تشويق إلى الإيمان والجهاد ، ومن المعلوم أن الإيمان بالله ورسوله يتضمن توحيد الله وإخلاص العبادة له سبحانه ، كما يتضمن أداء الفرائض وترك المحارم ويدخل في ذلك الجهاد في سبيل الله لكونه من أعظم الشعائر الإسلامية ومن أهم الفرائض ، ولكنه سبحانه خصه بالذكر لعظم شأنه ، وللترغيب فيه لما يترتب عليه من المصالح العظيمة والعواقب الحميدة التي سبق بيان الكثير منها ،
ثم ذكر سبحانه ما وعد الله به المؤمنين المجاهدين من المغفرة والمساكن الطيبة في دار الكرامة ليعظم شوقهم إلى الجهاد وتشتد رغبتهم فيه ، وليسابقوا إليه ويسارعوا في مشاركة القائمين به ، ثم أخبر سبحانه أن من ثواب المجاهدين شيئا معجلا يحبونه وهو النصر على الأعداء والفتح القريب على المؤمنين ، وفي ذلك غاية التشويق والترغيب .
والآيات في فضل الجهاد والترغيب فيه وبيان فضل المجاهدين كثيرة جدا ، وفيما ذكر سبحانه في هذه الآيات التي سلف ذكرها ما يكفي ويشفي ويحفز الهمم ويحرك النفوس إلى تلك المطالب العالية والمنازل الرفيعة ، والفوائد الجليلة ، والعواقب الحميدة ، والله المستعان .
نشر هذا الموضوع مع الموضوع السابق في رسالة طبعها الحرس الوطني عام 1393هـ بعنوان : ( مواقف اليهود في الإسلام وفضل الجهاد والمجاهدين ) .
أما الأحاديث الواردة في فضل الجهاد والمجاهدين ، والتحذير من تركه والإعراض عنه فهي أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر ، ولكن نذكر طرفا يسيرا ليعلم المجاهد الصادق شيئا مما قاله نبيه ورسوله الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم في فضل الجهاد ومنزلة أهله .
ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصائم القائم وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة أخرجه مسلم في صحيحه ، وفي لفظ له تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي اللون لون الدم والريح ريح المسك متفق عليه ، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم ،
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي العمل أفضل ؟ قال إيمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا قال حج مبرور وعن أبي عبس بن جبر الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار رواه البخاري في صحيحه ، وفيه أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه شيء حتى ترجعوا إلى دينكم رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن القطان ، وقال الحافظ في البلوغ : رجاله ثقات .
والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين وبيان ما أعد الله للمجاهدين الصادقين من المنازل العالية ، والثواب الجزيل ، وفي الترهيب من ترك الجهاد والإعراض عنه كثيرة جدا ، وفي الحديثين الآخرين ، وما جاء في معناهما : الدلالة على أن الإعراض عن الجهاد
وعدم تحديث النفس به من شعب النفاق ، وأن التشاغل عنه بالتجارة والزراعة والمعاملة الربوية من أسباب ذل المسلمين وتسليط الأعداء عليهم كما هو الواقع ، وأن ذلك الذل لا ينزع عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم بالاستقامة على أمره والجهاد في سبيله ، فنسأل الله أن يمن على المسلمين جميعا بالرجوع إلى دينه ، وأن يصلح قادتهم ويصلح لهم البطانة ويجمع كلمتهم على الحق ويوفقهم جميعا للفقه في الدين والجهاد في سبيل رب العالمين حتى يعزهم الله ويرفع عنهم الذل ، ويكتب لهم النصر على أعدائه وأعدائهم إنه ولي ذلك والقادر عليه .
المقصود من الجهاد
: الجهاد : جهادان : جهاد طلب ، وجهاد دفاع ، والمقصود منهما جميعا هو تبليغ دين الله ودعوة الناس إليه وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، وإعلاء دين الله في أرضه ، وأن يكون الدين كله لله وحده ، كما قال عز وجل في كتابه الكريم في سورة البقرة : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ وقال في سورة الأنفال : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وقال عز وجل في سورة التوبة : فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(3/86)
والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله وفي صحيح مسلم عنه أيضا رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به
وفي صحيح مسلم أيضا عن طارق الأشجعي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وفي هذه الآيات الكريمات الدلالة الظاهرة على وجوب جهاد الكفار والمشركين وقتالهم بعد البلاغ والدعوة إلى الإسلام ، وإصرارهم على الكفر ، حتى يعبدوا الله وحده ويؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ويتبعوا ما جاء به ، وأنه لا تحرم دماؤهم وأموالهم إلا بذلك وهي تعم جهاد الطلب ، وجهاد الدفاع ، ولا يستثنى من ذلك إلا من التزم بالجزية بشروطها إذا كان من أهلها ، عملا بقول الله عز وجل : قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من مجوس هجر ، فهؤلاء الأصناف الثلاثة من الكفار وهم اليهود والنصارى والمجوس ثبت بالنص أخذ الجزية منهم فالواجب أن يجاهدوا ويقاتلوا مع القدرة حتى يدخلوا في الإسلام أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، أما غيرهم فالواجب قتالهم حتى يسلموا في أصح قولي العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل العرب حتى دخلوا في دين الله أفواجا ، ولم يطلب منهم الجزية ، ولو كان أخذها منهم جائزا تحقن به دماؤهم وأموالهم لبينه لهم ، ولو وقع ذلك لنقل . وذهب بعض أهل العلم إلى جواز أخذها من جميع الكفار لحديث بريدة المشهور في ذلك المخرج في صحيح مسلم ، والكلام في هذه المسألة وتحرير الخلاف فيها وبيان الأدلة مبسوط في كتب أهل العلم من أراده وجده ، ويستثنى من الكفار في القتال النساء والصبيان والشيخ الهرم ونحوهم ممن ليس من أهل القتال ما لم يشاركوا فيه ، فإن شاركوا فيه وساعدوا عليه بالرأي والمكيدة قوتلوا كما هو معلوم من الأدلة الشرعية ،
وقد كان الجهاد في الإسلام على أطوار ثلاثة :
الطور الأول : الإذن للمسلمين في ذلك من غير إلزام لهم ، كما في قوله سبحانه : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ
الطور الثاني : الأمر بقتال من قاتل المسلمين والكف عمن كف عنهم ، وفي هذا النوع نزل قوله تعالى : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ الآية
، وقوله تعالى : وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ وقوله تعالى : وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ في قول جماعة من أهل العلم ، وقوله تعالى في سورة النساء : وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا والآية بعدها .
الطور الثالث : جهاد المشركين مطلقا وغزوهم في بلادهم حتى لا يكون فتنة ويكون الدين كله لله ليعم الخير أهل الأرض وتتسع رقعة الإسلام ويزول من طريق الدعوة دعاة الكفر والإلحاد ، وينعم العباد بحكم الشريعة العادل ، وتعاليمها السمحة ، وليخرجوا بهذا الدين القويم من ضيق الدنيا إلى سعة الإسلام ، ومن عبادة الخلق إلى عبادة الخالق سبحانه ، ومن ظلم الجبابرة إلى عدل الشريعة وأحكامها الرشيدة ، وهذا هو الذي استقر عليه أمر الإسلام وتوفي عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه قوله عز وجل في سورة براءة وهي من آخر ما نزل : فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ الآية ، وقوله سبحانه في سورة الأنفال : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ والأحاديث السابقة كلها تدل على هذا القول وتشهد له بالصحة ،(3/87)
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الطور الثاني وهو القتال لمن قاتل المسلمين والكف عمن كف عنهم قد نسخ؛ لأنه كان في حال ضعف المسلمين فلما قواهم الله وكثر عددهم وعدتهم أمروا بقتال من قاتلهم ومن لم يقاتلهم ، حتى يكون الدين كله لله وحده أو يؤدوا الجزية إن كانوا من أهلها ، وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن الطور الثاني لم ينسخ بل هو باق يعمل به عند الحاجة إليه ، فإذا قوى المسلمون واستطاعوا بدء عدوهم بالقتال وجهاده في سبيل الله فعلوا ذلك عملا بآية التوبة وما جاء في معناها ، أما إذا لم يستطيعوا ذلك فإنهم يقاتلون من قاتلهم واعتدى عليهم ، ويكفون عمن كف عنهم عملا بآية النساء وما ورد في معناها ، وهذا القول أصح وأولى من القول بالنسخ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبهذا يعلم كل من له أدنى بصيرة أن قول من قال من كتاب العصر وغيرهم : أن الجهاد شرع للدفاع فقط قول غير صحيح والأدلة التي ذكرنا وغيرها تخالفه ، وإنما الصواب هو ما ذكرنا من التفصيل كما قرر ذلك أهل العلم والتحقيق ، ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه رضي الله عنهم في جهاد المشركين اتضح له ما ذكرنا وعرف مطابقة ذلك لما أسلفنا من الآيات والأحاديث ، والله ولي التوفيق .
وجوب الإعداد للأعداء
وقد أمر الله سبحانه عباده المؤمنين أن يعدوا للكفار ما استطاعوا من القوة ، وأن يأخذوا حذرهم ، كما في قوله عز وجل : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وقوله سبحانه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ وذلك يدل على وجوب العناية بالأسباب والحذر من مكايد الأعداء ، ويدخل في ذلك جميع أنواع الإعداد المتعلقة بالأسلحة والأبدان ، كما يدخل في ذلك إعداد جميع الوسائل المعنوية والحسية وتدريب المجاهدين على أنواع الأسلحة وكيفية استعمالها ، وتوجيههم إلى كل ما يعينهم على جهاد عدوهم والسلامة من مكائده في الكر والفر والأرض والجو والبحر وفي سائر الأحوال ، لأن الله سبحانه أطلق الأمر بالإعداد وأخذ الحذر ولم يذكر نوعا دون نوع ولا حالا دون حال ، وما ذلك إلا لأن الأوقات تختلف والأسلحة تتنوع ، والعدو يقل ويكثر ويضعف ويقوى ، والجهاد قد يكون ابتداء وقد يكون دفاعا ، فلهذه الأمور وغيرها أطلق الله سبحانه الأمر بالإعداد وأخذ الحذر ليجتهد قادة المسلمين وأعيانهم ومفكروهم في إعداد ما يستطيعون من القوة لقتال أعدائهم وما يرونه من المكيدة في ذلك ،
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : الحرب خدعة ومعناه : أن الخصم قد يدرك من خصمه بالمكر والخديعة في الحرب ما لا يدركه بالقوة والعدد وذلك مجرب معروف ، وقد وقع في يوم الأحزاب من الخديعة للمشركين واليهود والكيد لهم على يد نعيم بن مسعود رضي الله عنه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان من أسباب خذلان الكافرين وتفريق شملهم واختلاف كلمتهم ، وإعزاز المسلمين ونصرهم عليهم ، وذلك من فضل الله ونصره لأوليائه ومكره لهم ، كما قال عز وجل : وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
ومما تقدم يتضح لذوي البصائر أن الواجب امتثال أمر الله والإعداد لأعدائه وبذل الجهود في الحيطة والحذر ، واستعمال كل ما أمكن من الأسباب المباحة الحسية والمعنوية ، مع الإخلاص لله والاعتماد عليه والاستقامة على دينه ، وسؤاله المدد والنصر ، فهو سبحانه وتعالى الناصر لأوليائه والمعين لهم إذا أدوا حقه ، ونفذوا أمره وصدقوا في جهادهم وقصدوا بذلك إعلاء كلمته وإظهار دينه ، وقد وعدهم الله بذلك في كتابه الكريم وأعلمهم أن النصر من عنده ليثقوا به ويعتمدوا عليه مع القيام بجميع الأسباب قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وقال سبحانه : وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ وقال عز وجل : وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ
وقال عز وجل : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا الآية ، وقال تعالى : وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وقال سبحانه : إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ(3/88)
وقد سبق في هذا المعنى آية سورة الصف وهي قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
والآيات في هذا المعنى كثيرة ، ولما قام سلفنا الصالح بما أمرهم الله به ورسوله وصبروا وصدقوا في جهاد عدوهم نصرهم الله وأيدهم وجعل لهم العاقبة مع قلة عددهم وعدتهم وكثرة أعدائهم ، كما قال عز وجل : كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وقال عز وجل : إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ولما غير المسلمون وتفرقوا ولم يستقيموا على تعاليم ربهم وآثر أكثرهم أهواءهم أصابهم من الذل والهوان وتسلط الأعداء ما لا يخفى على أحد . وما ذاك إلا بسبب الذنوب والمعاصي ، والتفرق والاختلاف وظهور الشرك والبدع والمنكرات في غالب البلاد ، وعدم تحكيم أكثرهم الشريعة ، كما قال الله سبحانه : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
وقال عز وجل : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ولما حصل من الرماة ما حصل يوم أحد من النزاع والاختلاف والإخلال بالثغر الذي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلزومه ، جرى بسبب ذلك على المسلمين من القتل والجراح والهزيمة ما هو معلوم ، ولما استنكر المسلمون ذلك أنزل الله قوله تعالى : أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ولو أن أحدا يسلم من شر المعاصي وعواقبها الوخيمة لسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام يوم أحد وهم خير أهل الأرض ويقاتلون في سبيل الله ، ومع ذلك جرى عليهم ما جرى بسبب معصية الرماة التي كانت عن تأويل لا عن قصد للمخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتهاون بأمره ، ولكنهم لما رأوا هزيمة المشركين ظنوا أن الأمر قد انتهى وأن الحراسة لم يبق لها حاجة وكان الواجب أن يلزموا الموقف حتى يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بتركه ، ولكن الله سبحانه قد قدر ما قدر وقضى ما قضى لحكمة بالغة وأسرار عظيمة ، ومصالح كثيرة قد بينها في كتابه سبحانه وعرفها المؤمنون ، وكان ذلك من الدلائل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقا ، وأنه بشر يصيبه ما يصيب البشر من الجراح والآلام ونحو ذلك ، وليس بإله يعبد وليس مالكا للنصر ، بل النصر بيد الله سبحانه ينزله على من يشاء ، ولا سبيل إلى استعادة المسلمين مجدهم السالف واستحقاقهم النصر على عدوهم إلا بالرجوع إلى دينهم والاستقامة عليه وموالاة من والاه ، ومعاداة من عاداه ، وتحكيم شرع الله سبحانه في أمورهم كلها ، واتحاد كلمتهم على الحق وتعاونهم على البر والتقوى ،
كما قال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه : " لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها " وهذا قول جميع أهل العلم ،
والله سبحانه إنما أصلح أول هذه الأمة باتباع شرعه والاعتصام بحبله والصدق في ذلك والتعاون عليه ، ولا صلاح لآخرها إلا بهذا الأمر العظيم .
فضل الرباط والحراسة في سبيل الله
الرباط هو : الإقامة في الثغور ، وهي : الأماكن التي يخاف على أهلها أعداء الإسلام ، والمرابط هو : المقيم فيها المعد نفسه للجهاد في سبيل الله والدفاع عن دينه وإخوانه المسلمين ، وقد ورد في فضل المرابطة والحراسة في سبيل الله أحاديث كثيرة إليك أيها الأخ المسلم الراغب في الرباط في سبيل الله طرفا منها نقلا من كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري رحمه الله :
عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها رواه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم ، وعن سلمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان رواه مسلم واللفظ له والترمذي والنسائي والطبراني وزاد وبعث يوم القيامة شهيدا .
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ، وابن حبان في صحيحه وزاد في آخره قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : المجاهد من جاهد نفسه لله عز وجل وهذه الزيادة في بعض نسخ الترمذي .(3/89)
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رباط شهر خير من صيام دهر ومن مات مرابطا في سبيل الله أمن الفزع الأكبر وغدي عليه وريح برزقه من الجنة ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله عز وجل رواه الطبراني ورواته ثقات .
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمي له عمله ويجري عليه رزقه إلى يوم القيامة رواه الطبراني في الكبير بإسنادين رواة أحدهما ثقات .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من مات مرابطا في سبيل الله أجري عليه الصالح الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع الأكبر رواه ابن ماجة بإسناد صحيح والطبراني في الأوسط أطول منه وقال فيه : والمرابط إذا مات في رباطه كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة وغدي عليه وريح برزقه ويزوج سبعين حوراء وقيل له قف اشفع إلى أن يفرغ من الحساب وإسناده متقارب .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عينان لا تمسهما النار عين بكت خشية من الله وعين باتت تحرس في سبيل الله قال حديث حسن غريب . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : عينان لا تمسهما النار أبدا عين باتت تكلأ في سبيل الله وعين بكت خشية من الله رواه أبو يعلى ورواته ثقات ، والطبراني في الأوسط إلا أنه قال عينان لا تريان النار
وعن عثمان رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها رواه الحاكم ، وقال : صحيح الإسناد .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية للراغب في الخير . ونسأل الله أن يوفق المسلمين للفقه في دينه ، وأن يجمعهم على الهدى ، وأن يوحد صفوفهم وكلمتهم على الحق ، وأن يمن عليهم بالاعتصام بكتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وتحكيم شريعته والتحاكم إليها ، والاجتماع على ذلك والتعاون عليه إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
===============
ليس الجهاد للدفاع فقط
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 3 / ص 173)فما بعد
محاضرة ألقاها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عندما كان نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في دار الحديث بالمدينة في أول موسم المحاضرات لعام 88 - 89 هـ في الجهاد .
ولما كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة عامة إلى جميع أهل الأرض من جن وإنس ، أرسله الله عز وجل بشريعة صالحة لجميع أهل الأرض في زمانه ، وبعد زمانه إلى يوم القيامة ، عليه الصلاة والسلام .
هكذا اقتضت حكمة الله عز وجل ، واجتمعت الرسل على الأصول والأسس عليهم الصلاة والسلام ، وتنوعت الشرائع على حسب ظروف الأمم وأحوالهم وبيئاتهم ، على ما تقتضيه حكمة الخالق العليم ، ورحمته عز وجل ، وإحسانه إليهم ولطفه بهم جل وعلا . أما جنس التوحيد الذي هو أصل الأصول ، فقد اجتمعت الرسل عليه ، وهكذا بقية الأصول كوجوب الصدق والعدل وتحريم الكذب والظلم والأمر بمكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، والنهي عن ضدها فهذه الأصول اجتمعت عليها الرسل عليهم الصلاة والسلام كما قال عز وجل : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وقال عز وجل : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ وقال عز وجل : رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
ومن الأصول الأساسية : الإيمان بالله ورسوله وتوحيده ، والإخلاص له ، والإيمان باليوم الآخر ، وبالجنة والنار ، والإيمان بجميع الرسل ، وعدم التفريق بينهم ، وما أشبه هذه الأصول هذا كله مما اجتمعت عليه الرسل جميعا ، وقد جاءت الكتب الإلهية كلها يصدق بعضها بعضا ، ويؤيد بعضها بعضا .(3/90)
أما جنس الفروع فقد تنوعت بها الشرائع ، فقد يباح في شريعة من المسائل الفرعية ما يحرم في الشريعة الأخرى ، وقد يحرم في شريعة سابقة ما يباح في شريعة لاحقة ، ومن هذا أن الله جل وعلا بعث عيسى عليه الصلاة والسلام بشريعة التوراة مع التخفيف والتيسير لبعض ما فيها ، وإخبارهم ببعض ما اختلفوا فيه ، وإحلال بعض ما حرم عليهم في التوراة ، كل هذا من لطفه وتيسره جل وعلا ، كما قال سبحانه وتعالى لما ذكر التوراة والإنجيل والقرآن قال بعد هذا كله : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وهو سبحانه حكيم في شرعه عليم بما يصلح عباده وما يستطيعون ، كما أنه حكيم في أقداره سبحانه وتعالى ، قال جل وعلا : إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ هذا كله في شريعة التوراة ، وقد أقره الله لهذه الأمة وبينه لهم مقرا له ومشرعا في هذه الأمة ، وجاءت السنة تؤيد ذلك وتبين أن هذا شرع الله لهذه الأمة في النفس والعين والأنف والأذن والسن ، كما هو في شريعة الله المعلومة من كتابه سبحانه ، ومن سنة رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام ، ثم قال بعد ذلك : وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ فدل ذلك على أن هذا الكتاب العظيم وهو الإنجيل ، فيه هدى ونور وفيه مواعظ وتوجيهات ،
ثم قال بعد ذلك : وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ فدل على أن فيه أحكاما يحكم بها أهل الإنجيل من علماء بني إسرائيل ومعلوم أن عيسى عليه الصلاة والسلام أرسل بشريعة التوراة ، ومع ذلك أرسل بأشياء غير ما في التوراة . . وفي شريعته أيضا تخفيف وتيسير لبعض ما في التوراة ، ثم قال بعد هذا : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ثم قال عز وجل وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا هكذا قال لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام ، وأنزل كتابه القرآن بالحق؛ لأن الله أنزله بالحق وللحق ، فهو جاء مشتملا على الحق ومؤيدا للحق ، وشارعا للحق ومصدقا لما بين يديه من الكتب الماضية ، والرسل الماضين فيما جاؤوا به . فكتاب الله العظيم القرآن مصدق للرسل الماضين ، ومصدق للكتب الماضية ، وشاهد أنها من عند الله عز وجل : التوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وإبراهيم وغيرها من الكتب التي أنزلها الله على الرسل عليهم الصلاة والسلام ، ثم بين الله جل وعلا أن لكل منهم شرعة ومنهاجا ، فدل ذلك على أن الشرائع التي جاء بها الأنبياء والرسل متنوعة كما بين الأسس من الإيمان بالله ورسله والملائكة والكتب والإيمان باليوم الآخر ، والإيمان بالجنة والنار ، والقدر وغير
هذا من الأحكام العامة التي توجب العدل والصدق ، وتحريم الظلم والكذب ونحو ذلك فهذه أصول عامة متبعة .
وكان من حكمته عز وجل أن أرسل كل رسول بلسان قومه ، حتى يفقههم ويفهمهم ما بعث به إليهم بصورة واضحة ، وبيان واضح؛ ولهذا قال عز وجل : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الآية .
ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم من العرب ، وكان العرب هم أول الناس يستمعون دعوته ، ويواجههم بدعوته ، أرسله الله بلسانهم ، وإن كان رسولا للجميع عليه الصلاة والسلام ، ولكن الله أرسله بلسان قومه ، وجعل قومه مبلغين ودعاة إلى من وراءهم من الأمم ، وأمر الناس جميعا باتباع هذا النبي عليه الصلاة والسلام والسير على منهاجه ، فوجب عليهم أن يتبعوه ، وأن يعرفوا لغته ولغة كتاب الله العظيم ، وهذا النبي العظيم هو محمد عليه الصلاة والسلام بعثه الله رحمة للعالمين جميعا ، كما قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فكما أرسل الرسل قبله رحمة لمن أرسلوا إليه ليوجهوهم وليزيلوا عنهم الظلم ، والفساد وأحكام الطواغيت ، وليحلوا مكان ذلك النظم الصالحة والأحكام العادلة ، وهكذا أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم أيضا ، ليقضي على النظم الفاسدة في المجتمع الإنساني ، والأخلاق المنحرفة ، والظلم والجور ، وليحل محلها نظما صالحة ، وأحكاما عادلة ، فبعثه صلى الله وسلم ربه ليزيل ما في الأرض من الظلم والطغيان ، وليقضي على الفساد ، وليزيح النظم الفاسدة والطواغيت المستبدة ، الذين يتحكمون في الناس بالباطل ، ويظلمونهم ويتعدون على حقوقهم ، ويستعبدونهم .(3/91)
فبعث الله هذا النبي عليه الصلاة والسلام ، ليزيل هذه النظم الفاسدة ، والأخلاق الظالمة ، وليقضي على الطغاة المتجبرين ، والقادة المفسدين ، وليحل محل ذلك قادة مصلحين ، ونظما عادلة مستقيمة ، وشرائع حكيمة عادلة ، توقف الناس عند حدهم ، ولا تفرق بين أبيض وأسود ، ولا بين أحمر وغيره ، ولا بين غني وفقير ، ولا بين شريف عند الناس ، ووضيع عندهم ، بل جعل شريعته لا تفرق بين الناس ، بل توجههم جميعا وتأمرهم وتنهاهم جميعا ، وبين الله سبحانه وتعالى أن أكرم الناس عند الله هو أتقاهم ، كما قال جل وعلا : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ولم يقل لتتفاخروا ، أو ليترفع بعضكم على بعض ، أو يستعبد بعضكم بعضا ، أو يفخر بعضكم على بعض ، ولكن قال : " لتعارفوا " ثم قال سبحانه : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد خرجه مسلم في صحيحه .
وقال الله جل وعلا في القرآن الكريم : إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ فهذا النبي العظيم عليه الصلاة والسلام أرسله الله برسالة عامة ونظام شامل عام في جميع الشئون العبادية والسياسية ، والاقتصادية والاجتماعية ، والحربية وغير ذلك من شئون الناس ، فما ترك شيئا إلا وأرشد إلى حكم الله فيه ، وقال فيه عز وجل وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وقال عز وجل يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا فبين الله سبحانه وتعالى أن هذا الرسول سراج منير للناس ينير لهم الطريق ويهديهم السبيل إلى ربهم سبحانه ، - عليه الصلاة والسلام- الذي من استقام على دينه نجا وفاز بالخير والعاقبة الحميدة ومن حاد عنه باء بالخيبة والخسارة والذل والهوان ، وقال عز وجل : قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
هكذا قال جل وعلا في هذا النبي العظيم وكتابه المبين .
إن هذا الكتاب وهذا الرسول يخرج الله بهما الناس من الظلمات إلى النور من ظلمات الكفر والجهل والظلم والاستبداد والاستعباد إلى نور التوحيد والإيمان ، إلى نور الهدى والعدل ، إلى سعة الإسلام ، بدلا من جور الملوك والطغاة ، وبدلا من أحكامهم الظالمة الجائرة ، فشريعة الله التي بعث بها نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم- شريعة كاملة ، شريعة فيها الهدى والنور ، وفيها العدل والحكمة ، وفيها إنصاف المظلوم من الظالم ، وتوجيه الناس إلى أسباب السعادة ، وإلزامهم بالحق والعدل ، ومنعهم من الظلم والجور ، وربطهم بالأخوة الإيمانية ، وأمرهم بالتعاون على البر والتقوى ، والتواصي بالحق والصبر عليه ، والتآخي والنصح من بعضهم لبعض ، وفيها تخليصهم من الظلم والجور والبغي والكذب وسائر أنواع الفساد حتى يكونوا جميعا إخوة متحابين في الله متعاونين على البر والتقوى ، ينصح كل واحد الآخر ، ويؤدي الأمانة ولا يغش أخاه ولا يخونه ، ولا يكذبه ، ولا يحقره ، ولا يغتابه ولا ينم عليه ، بل يحب له كل خير ويكره له كل شر ، كما قال جل وعلا : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وقال عليه الصلاة والسلام : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام : الدين النصيحة قيل : لمن يا رسول الله؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم خرجه مسلم في صحيحه . وقال سبحانه في كتابه العزيز في عموم الرسالة قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
وأخبر سبحانه وتعالى أن هذا الرسول يزكيهم من أخلاقهم الذميمة وأعمالهم المنكرة إلى أخلاق صالحة ، وإلى أعمال مستقيمة قال جل وعلا : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ وقال جل وعلا : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ إلى غير ذلك من الآيات الدالات على نصحه عليه الصلاة والسلام ، وأن الله بعثه ليعلم الناس ويرشد الناس ويزكي الناس ويخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ من ظلمات جهلهم وكفرهم وأخلاقهم الذميمة ، إلى نور الإيمان والتوحيد وإلى سعادة الأخلاق الكريمة ، والعدل والصلاح والإصلاح ،(3/92)
ولما كانت الأرض قبل بعثته عليه الصلاة والسلام مملوءة من الظلم والجهل والكفر ، وكان الشرك قد عم الناس وعم البلاد وانتشر فيها الفساد إلا ما شاء الله من بقايا يسيرة من أهل الكتاب ماتوا أو معظمهم قبل بعثته عليه الصلاة والسلام ، لما كان الأمر هكذا رحم الله أهل الأرض ولطف بهم سبحانه وبعث فيهم هذا الرسول العظيم محمدا عليه الصلاة والسلام وهم في أشد الحاجة بل الضرورة إلى بعثته وإرساله ، فبعثه الله بأشرف كتاب وأشرف رسالة وأعمها فأنقذ الله به الأمة . وأخرج الله به أهل الأرض من الظلمات إلى النور ، أخرجهم الله به من الضلالة إلى الهدى ، أخرجهم الله به من الجور والظلم والعسف إلى العدل والإنصاف والحرية الكاملة المقيدة بقيود الشريعة ، وأمره سبحانه وتعالى حينما بعثه بالدعوة إلى الله عز وجل والإرشاد إليه ، وإقامة الحجج على ما بعثه الله به من الدين الحق والصراط المستقيم ، فلم يزل هكذا يدعو إلى الله ويرشد في مكة عليه الصلاة والسلام ، وهكذا من أسلم معه من أهل مكة يقوم بدوره في الدعوة على حسب حاله تارة في السر وتارة في العلن ، كما هو معلوم فمكث في مكة عليه الصلاة والسلام ثلاثة عشر عامل يدعو إلى الله عز وجل وينذر قومه ويوجههم إلى الخير ويتلو عليهم كتاب الله ، ويدعوهم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، ولم يأمره الله بقتالهم ، وإنما هي دعوة فقط ليس فيها قتال بل توجيه وإرشاد وإيضاح للحق والخلق الكريم ، وتحذير من خلافه بالكلام الطيب واللطف والجدال بالتي هي أحسن كما قال جل وعلا : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وقال جل وعلا : فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ وقال سبحانه : وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا وقال سبحانه : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إلى أمثال هذه الآيات التي
فيها الأمر بالصفح والإعراض عنهم والجدال بالتي هي أحسن إلى غير ذلك ، وليس فيها الأمر بقتالهم ، لأن المقام لا يتحمل ذلك؛ لأن المسلمين قليلون وأعداؤهم كثيرون وبأيديهم السلطان والقوة فكان من حكمة الله أن منع رسوله والمسلمين من الجهاد باليد وأمرهم بالاكتفاء بالجهاد باللسان والدعوة وأمرهم أن يكفوا أيديهم عن القتال ، فهدى الله بذلك من هدى من المسلمين كالصديق رضي الله عنه وعمر الفاروق رضي الله عنه وعثمان ، رضي الله عنه . وعلي رضي الله عنه والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله وجم غفير من الصحابة ، رضي الله عن الجميع وأرضاهم .
ولما صدع النبي بالدعوة وبين بطلان آلهتهم التي يعبدونها من دون الله وأرشدهم إلى توحيد الله والإخلاص له ، عظم على أهل مكة ذلك واشتد عليهم الأمر؛ لأنهم يعظمون تلك الآلهة ولأن كثيرا منهم يرى في عبادتها والتعلق بها حفظا لرئاسته ومنزلته وسيطرته على الضعفاء ، وصاروا يحاولون الذود عنها ويكذبون على الرسول صلى الله عليه وسلم أكاذيب كثيرة وينفرون الناس عنه ويقولون عنه إنه شاعر ، وتارة مجنون وتارة ساحر وتارة كذاب ، إلى غير ذلك ، وهي أقاويل كلها باطلة وهم يعلمون أنها باطلة ، أعني أعيانهم ورؤساءهم وأهل الحل والعقد منهم ، كما قال سبحانه قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ولكن ليس لهم حيلة إلا أن يقولوا هكذا من الكذب والفرية والتزييف على الضعفاء من أهل مكة ومن غيرهم فأبى الله إلا أن يتم نوره ، ويظهر الحق ويدمغ الباطل ولو كره الكافرون ، فلم يزل يدعوهم عليه الصلاة والسلام ولم يزل يناظر الناس ويتلو عليهم كتاب الله ويرشدهم إلى ما بعثه الله به ويصدع بأمر ربه عز وجل ، حتى ظهرت الدعوة في مكة وانتشرت وسمع بها الناس ، العرب وغيرهم في البوادي والمدن ، فصارت الوفود تأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويتصلون به سرا ويسمعون منه عليه الصلاة والسلام حتى فشا الإسلام وظهر وبان لأهل مكة ، فعند ذلك شمروا عن ساعد العداوة وآذوا الرسول وآذوا أصحابه إيذاء شديدا ، وأمرهم معروف في السير والتاريخ فمنهم من عذب بالرمضاء ومنهم
من عذب بغير ذلك .
فلما اشتد الأمر بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم واشتد بهم الأذى أذن لهم صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة ، فهاجر من هاجر إلى الحبشة ومكثوا هناك ما شاء الله ثم بلغهم أن هناك تساهلا من المشركين .
وروي أنه بلغهم أنهم أسلموا لما سجدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم فرجع من رجع منهم فاشتد عليهم الأذى فهاجروا الهجرة الثانية إلى الحبشة وبقوا هناك إلى أن قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر من الحبشة مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وعنهم ، ثم استمرت الحال والشدة على الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة . . وجرى ما جرى في حصاره في شعب أبي طالب وغير هذا من الأذى ، ثم إن الله جل وعلا بعد ذلك أذن له بالهجرة إلى المدينة بعدما يسر الله له من الأنصار من يساعده ويحميه ويؤويه ، فإن الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم ، من الأوس والخزرج لما بلغتهم الدعوة اتصلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم واجتمعوا به عند العقبة في منى مرات ثم في المرة الأخيرة بايعوه ، بايعه منهم جماعة فوق السبعين ، فبايعوه على الإسلام وعلى أن ينصروه ويحموه مما يحموا منه نساءهم وذرياتهم ، وطلبوا منه أن يهاجر إليهم فوافق على ذلك عليه الصلاة والسلام .(3/93)
وأذن لأصحابه بالهجرة ثم انتظر أمر ربه فأذن الله له بعد ذلك فهاجر إلى المدينة فلله الحمد والمنة . وكان صلى الله عليه وسلم في مكة- كما هو معلوم- لم يكن يجاهدهم باليد ولا بالسيف ولكنه كان يجاهد بالدعوة والتوجيه والإرشاد والتبصير والعظة والتذكير وتلاوة القرآن ، كما قال الله تعالى : وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا وهكذا كان أصحابه صلى الله عليه وسلم الذين بقوا في مكة ، كانوا هكذا إذا تمكنوا من الدعوة بذلوها لمن يتصل بهم في التوجيه والإرشاد والنصيحة ، ولكن مع هذا كله فالمسلمون قليلون والكفار أكثر ولهم السلطة ، ولهم اليد في مكة ، ولهذا قال الشاعر ويروى ذلك لحسان رضي الله عنه :
دعا المصطفى دهرا بمكة لم يجب
وقد لان منه جانب وخطاب
فلما دعا والسيف صلت بكفه
له أسلموا واستسلموا وأنابوا
هكذا كانت الحال بمكة ، إنما أجاب القليل وامتنع الأكثرون بسبب المآكل والرئاسة والكبر والحسد والبغي لا عن جهل بالحق ، ولا عن رغبة في الباطل ، لأنهم يعرفون أنه رسول الله وأنه صادق ، وكانوا يسمونه الأمين عليه الصلاة والسلام ، ولكن الحسد والبغي وحب الرئاسة والتسلط على الأمة يمنع الكثير من الناس عن قبول الحق وهكذا عظماء الروم وفارس ورؤساؤهم وأعيانهم ليس يخفى عليهم الحق وأدلته وبراهينه ، ولكن السلطان والرئاسة واستعباد الناس وما يلتحق بهذا يمنعهم من الخضوع إلى الحق ، ولما سأل هرقل أبا سفيان عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أبو سفيان بذلك عرف أنه رسول الله واتضح له أنه نبي الله ودعا أمته لذلك؛ فلما رأى منهم النفرة وعدم الاستجابة نكس على عقبيه ورجع عما أظهر وقال : ( إنما فعلت هذا وقلت ما قلت لأمتحنكم وأعرف صلابتكم في دينكم ) ثم استمر على دين قومه وطغيانه وكفره نسأل الله العافية فآثر الدنيا على الآخرة . وهكذا أشباهه ونظراؤه يحملهم البغي والحسد وحب الرئاسة على خلاف الحق وعلى التنكر له ولأهله كما سبق في قوله جل وعلا : قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ
هكذا يقول ربنا عز وجل عن فرعون وقومه وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وقال الله عز وجل عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه قال لفرعون لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ فهؤلاء الكفرة من الكبراء والأعيان يعرفون الحق وأن ما جاءت به الرسل هو الحق ، ولكن تمنعهم الرئاسات والتسلط على العباد وظلم العباد والاستبداد بالخيرات يمنعهم ذلك من قبول الحق؛ لأنهم يعرفون أنهم إذا قبلوا صاروا أتباعا وهم لا يرضون بذلك إنما يريدون أن يكونوا متبوعين ورؤساء ومتحكمين ومتسلطين ، فالإسلام جاء ليحارب هؤلاء ويقضي عليهم ليقيم دولة صالحة بقيادة صالحة يؤثرون حق الله وإنصاف الناس ويرضون بما يرضى به إخوانهم ، ولا يتجبرون ولا يتكبرون بل ينصفون إخوانهم ويسعون في صلاحهم وفلاحهم ويحكمون بينهم بالعدل ، ويشتركون معهم في الخيرات ولا يستبدون بها عنهم .
هكذا بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بدين شامل ونظام عادل وشرائع مستقيمة تكسح نظم الفساد وتزيل أحكام الطغاة وتقضي على طرق الفساد وأخلاق المفسدين ، وتوجب على المسلمين اتباع هذا النظام المنزل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما توجب عليهم هذه الشريعة أن يتخلقوا بالعدل والإنصاف وأن يستقيموا على ما شرعه الله لهم وأن يحافظوا على ذلك ، وأن ينصف بعضهم بعضا ، وأن يؤدي الأمانة بعضهم لبعض ، وأن يحكموا فيما بينهم بشرع الله وأن يحاربوا الفساد والضلال وطرق الغي والغواية .
فلما هاجر عليه الصلاة والسلام واستقر به القرار في المدينة المنورة أمره الله بالتقوى وتطهيرها من الفساد وأهل الفساد وعمارتها بالمصلحين والصالحين ، فلما استقر به القرار في هذه البلاد المقدسة وحوله الأنصار والمهاجرون ، استمر في الدعوة عليه الصلاة والسلام ونشر ما بعثه الله به من الهدى ، وأذن الله له ولأصحابه في القتال والجهاد ، وأنزل في ذلك قوله سبحانه أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ففي هذه الآية أذن لهم في الجهاد؛ لأنهم مظلومون ، والمقصود : أن الله جل وعلا أذن لهم بالقتال والجهاد ثم فرض الله ذلك سبحانه وتعالى وأوجبه بقوله جل وعلا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ الآية وأوجب عليهم سبحانه وتعالى الجهاد والقتال وأنزل فيه الآيات الكثيرات وحرض عليه سبحانه وتعالى وأمر به في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فكان أولا مباحا مأذونا فيه ثم فريضة على الكفاية كما قاله أهل العلم .
وقد يجب على الأعيان إذا اقتضت الأسباب ذلك كما لو حضر الصف ، أو حصر بلده أو استنفره الإمام ، ففي هذه المسائل الثلاث يتعين القتال إذا حضر الصفين ليس له أن ينصرف ولا أن يفر ، وكذلك إذا حاصر بلده العدو وجب عليه وعلى أهل البلد أن يقاتلوا ويدافعوا بكل ما يستطيعون من قوة وكذلك إذا استنفره الإمام وجب النفير كما هو معروف في محله ، فالمقصود أن الله فرض الجهاد وجعله فرضا على المسلمين وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين ، وصار في حقهم سنة مؤكدة .(3/94)
وقد يجب على الأعيان للأسباب التي تقتضي ذلك كما سبق ، فكان عليه الصلاة والسلام أولا يقاتل إذا رأى المصلحة في ذلك ويكف إذا رأى المصلحة في الترك ، ثم أمره الله سبحانه بقتال من قاتله وبالكف عمن كف عنه ، كما قال الله جل وعلا وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ قال بعض السلف في هذه الآية : ( إنه أمر في هذه الآية بقتال من قاتله والكف عمن كف عنه ) ، وقال آخرون في هذه الآية : ( إن هذه الآية ليس فيها ما يدل على هذا المعنى وإنما فيها أنه أمر بالقتال للذين يقاتلون أي من شأنهم أن يقاتلوا . إلخ . ويصدوا عن سبيل الله وهم الرجال المكلفون القادرون على القتال بخلاف الذين ليس من شأنهم القتال كالنساء والصبيان والرهبان والعميان والزمناء وأشباههم فهؤلاء لا يقاتلون لأنهم ليسوا من أهل القتال )
وهذا التفسير كما سيأتي إن شاء الله تعالى أظهر وأوضح في معنى الآية ، ولهذا قال بعدها بقليل : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فعلم بذلك أنه أراد قتال الكفار لا من قاتل فقط ، بل أراد قتال الكفار جميعا حتى يكون الدين كله لله وحتى لا تكون فتنة والفتنة الشرك ، وأن يفتن الناس بعضهم بعضا عن دينهم فتطلق الفتنة على الشرك كما قال تعالى وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ يعني الشرك ، وتطلق أيضا على ما يقوم به بعض الكفار من قتل بعض الناس والتعدي عليهم وإلجائهم إلى أن يكفروا بالله عز وجل ، فالله أمر بقتالهم حتى لا تكون فتنة ، يعني حتى لا يقع شرك في الأمة وحتى لا يقع ظلم من الكفار للمسلمين بصدهم وقتالهم حتى يرجعوا عن الحق ، وقال عز وجل في سورة النساء وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ
سُلْطَانًا مُبِينًا قالوا فهذه الآيات فيها الدلالة على أن الله جل وعلا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن يقاتلوا من قاتلهم ، وأن يكفوا عمن اعتزل القتال وكف عنهم ، ثم أنزل الله بعد ذلك آية السيف في سورة براءة وهي قوله جل وعلا : فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال العلماء رحمة الله عليهم : إن هذه الآية ناسخة لجميع الآيات التي فيها الصفح والكف عن المشركين والتي فيها الكف عن قتال من لم يقاتل قالوا : فهذه آية السيف هي آية القتال ، آية الجهاد ، آية التشمير عن ساعد الجد وعن المال والنفس لقتال أعداء الله حتى يدخلوا في دين الله وحتى يتوبوا من شركهم ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام .
هذا هو المعروف في كلام أهل العلم من المفسرين وغير المفسرين ، كلهم قالوا فيما علمنا واطلعنا عليه من كلامهم : إن هذه الآية وما جاء في معناها ناسخة لما مضى قبلها من الآيات التي فيها الأمر بالعفو والصفح وقتال من قاتل والكف عمن كف ، ومثلها قوله جل وعلا في سورة الأنفال : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ومثلها قوله جل وعلا في سورة براءة بعد ذلك : وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ومثلها قوله جل وعلا : قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
فأمر الله سبحانه وتعالى بقتال أهل الكتاب ولم يأمر بالكف عنهم إلا إذا أدوا الجزية عن صغار ولم يقل : حتى يعطوا الجزية أو يكفوا عنا ، بل قال : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، واكتفى بذلك وقال في الآية السابقة آية السيف : فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ وقال في آية أخرى فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ(3/95)
فدل ذلك على أنه لا يكف عن الكفار إلا إذا تابوا من كفرهم ورجعوا إلى دين الله واستمسكوا بما شرع الله ، فهؤلاء هم الذين يكف عنهم ويكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، لكن أهل الكتاب إذا بذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون كففنا عنهم وإن لم يسلموا ، أما من سواهم فلا بد من الإسلام أو السيف ويلحق بأهل الكتاب المجوس لما رواه البخاري في صحيحه رحمه الله عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ، فصار المجوس ملحقين بأهل الكتاب في أخذ الجزية فقط لا في حل طعامهم ونسائهم ، فهذه الطوائف الثلاث تؤخذ منهم الجزية ، هذا محل وفاق بين أهل العلم فإما أن يسلموا ، وإما أن يؤدوا الجزية ، وإما القتال ، وفي آخر الزمان إذا نزل عيسى عليه الصلاة والسلام زال هذا الأمر ، فأخذ الجزية مؤجل ومؤقت إلى نزول عيسى ، فإذا نزل عيسى عليه الصلاة والسلام انتهى هذا الشرع ووجب بعد ذلك إما الإسلام وإما السيف ، هكذا يحكم عيسى عليه السلام بهذه الشريعة المحمدية ، والأحاديث الواردة في ذلك تدل على أن أخذ الجزية مؤقت إلى نزوله عليه الصلاة والسلام وقد أوضح عليه الصلاة والسلام أن أخذ الجزية مؤقت إلى نزول عيسى ، فإذا نزل عيسى حكم فيهم بالسيف أو الإسلام وترك الجزية ، وذلك بتقرير النبي صلى الله عليه وسلم وشرعه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك وأقره فدل ذلك على أن هذا هو شرعه في آخر الزمان .
واختلف أهل العلم فيما عدا هذه الطوائف الثلاث من العجم وعباد الأوثان ، فقال بعض أهل العلم : تؤخذ الجزية من جميع المشركين عربهم وعجمهم ولا يستثنى أحد ، وهذا هو المنقول عن مالك ونسبه إليه القرطبي رحمه الله في تفسيره والحافظ ابن كثير في تفسيره وهو : أن الجزية تؤخذ من الجميع من العرب والعجم .
وقال أبو حنيفة رحمه الله : ( تؤخذ من العجم جميعا كاليهود والنصارى والمجوس ولا تؤخذ من العرب ) .
وقال أحمد رضي الله عنه والشافعي رضي الله عنه وجماعة من العلماء : إنما تؤخذ من أهل الكتاب والمجوس فقط ، لأن الأصل قتال الكفار وعدم رفع السيف عنهم حتى يسلموا ولم يأت رفع السيف بعد بذل الجزية إلا في هذه الطوائف الثلاث اليهود والنصارى والمجوس . جاء الكتاب في اليهود والنصارى ، وجاءت السنة الصريحة في المجوس ومن سواهم لا يرفع عنهم السيف بل لا بد من الإسلام أو السيف فقط؛ لأن الله جل وعلا قال : فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ولم يقل : أو كفوا عنكم ، وقال : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فعمم بقتالهم جميعا وتعليق الحكم بالوصف المشتق يدل على أنه هو العلة فلما علق الحكم بالمشركين والكفار ولمن ترك الدين ولم يدن بالحق عرف أن هذا هو العلة وأنه هو المقتضي لقتالهم ، فالعلة : الكفر بالله مع شرط كونه من أهل القتال لا من غيرهم ، فإذا كانوا من أهل القتال قاتلناهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية إن كانوا من اليهود والنصارى والمجوس أو حتى يسلموا فقط إذا كانوا من غير هؤلاء الطوائف الثلاث وإلا فالسيف .
لكن من ليس من أهل القتال كالنساء والصبيان والعميان والمجانين والرهبان وأرباب الصوامع والزمنى ، ومن ليس من شأنهم القتال؛ لكونهم لا يستطيعون كمن تقدم ذكرهم ، وهكذا الشيوخ الفانون فهؤلاء لا يقاتلون عند جمهور العلماء؛ لأنهم ليسوا من أهل القتال فمن محاسن الإسلام تركهم وعدم قتالهم ، وفيه أيضا دعوة لهم ولأهاليهم وقومهم إلى الإسلام إذا عرفوا أن الإسلام يرحم هؤلاء ويعطف عليهم ولا يقتلهم ، فهذا من أسباب دخولهم في الإسلام أو عدم تفانيهم في العداء له .
وبعض أهل العلم حكى الإجماع على عدم قتل النساء والصبيان وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام النهي عن قتل النساء والصبيان في الأحاديث الصحيحة ، وقد جاء في أحاديث السنن النهي عن قتل الرهبان والشيوخ الفانين وأشباههم .
وذكر بعض أهل العلم أن آية السيف وهي قوله جل وعلا : فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ الآية ليست ناسخة ولكن الأحوال تختلف ، وهكذا قوله جل وعلا : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ الآية ، وقوله سبحانه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ وهكذا قوله سبحانه
وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ وهكذا قوله سبحانه : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ(3/96)
فهذه الآيات وما في معناها قال بعض أهل العلم : ليست ناسخة لآيات الكف عمن كف عنا وقتال من قاتلنا وليست ناسخة لقوله : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ولكن الأحوال تختلف فإذا قوي المسلمون وصارت لهم السلطة والقوة والهيبة استعملوا آية السيف وما جاء في معناها وعملوا بها وقاتلوا جميع الكفار حتى يدخلوا في دين الله أو يؤدوا الجزية إما مطلقا كما هو قول مالك رحمة الله وجماعة ، وإما من اليهود والنصارى والمجوس على القول الآخر ، وإذا ضعف المسلمون ولم يقووا على قتال الجميع فلا بأس أن يقاتلوا بحسن قدرتهم ويكفوا عمن كف عنهم إذا لم يستطيعوا ذلك فيكون الأمر إلى ولي الأمر إن شاء قاتل ، وإن شاء كف ، وإن شاء قاتل قوما دون قوم على حسب القوة والقدرة والمصلحة للمسلمين لا على حسب هواه وشهوته ولكن ينظر للمسلمين ، وينظر لحالهم وقوتهم ، فإن ضعف المسلمون استعمل الآيات المكية ، لما في الآيات المكية من الدعوة والبيان والإرشاد والكف عن القتال عند الضعف ، وإذا قوي المسلمون قاتلوا حسب القدرة فيقاتلون من بدأهم بالقتال وقصدهم في بلادهم ويكفون عمن كف عنهم فينظرون في المصلحة التي تقتضيها قواعد الإسلام وتقتضيها الرحمة للمسلمين والنظر في العواقب كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وفي المدينة أول ما هاجر .
وإذا صار عندهم من القوة والسلطان والقدرة والسلاح ما يستطيعون به قتال جميع الكفار أعلنوها حربا شعواء للجميع ، وأعلنوا الجهاد للجميع كما أعلن الصحابة ذلك في زمن الصديق وعمر وعثمان رضي الله عنهم وكما أعلن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته بعد نزول آية السيف ، وتوجه إلى تبوك لقتال الروم ، وأرسل قبل ذلك جيش مؤتة لقتال الروم عام 8 من الهجرة وجهز جيش أسامة في آخر حياته صلى الله عليه وسلم
وهذا القول ذكره أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله واختاره وقال : ( إنه ليس هناك نسخ ولكنه اختلاف في الأحوال؛ لأن أمر المسلمين في أول الأمر ليس بالقوي وليس عندهم قدرة كاملة فأذن لهم في القتال لمن قاتلهم فقط ، ولما كان عندهم من القدرة بعد الهجرة ما يستطيعون به الدفاع أمروا بقتال من قاتلهم وبالكف عمن كف عنهم ، فلما قوي الإسلام وقوي أهله وانتشر المسلمون ودخل الناس في دين الله أفواجا أمروا بقتال جميع الكفار ونبذ العهود وألا يكفوا إلا عن أهل الجزية من اليهود والنصارى والمجوس إذا بذلوها عن يد وهم صاغرون ) وهذا القول اختاره جمع من أهل العلم واختاره الحافظ ابن كثير رحمه الله عند قوله جل وعلا في كتابه العظيم : وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وهذا القول أظهر وأبين في الدليل؛ لأن القاعدة الأصولية أنه لا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر الجمع بين الأدلة ، والجمع هنا غير متعذر ، كما تقدم بيانه والله ولي التوفيق .
أما ما يتعلق بالجزية فقول من قال إنها تؤخذ من الجميع أظهر إلا من العرب خاصة . ووجه ذلك ما ثبت في الصحيح عن بريدة رضي الله عنه أن النبي 0 كان إذا بعث أميرا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا ثم قال " امض باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله فعلق الحكم بالكفر ، فدل ذلك على أنهم يقاتلون لكفرهم ، إذا كانوا من أهل القتال ، كما تدل عليه آيات أخرى .
ثم قال صلى الله عليه وسلم : اغزوا في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ثم قال بعد هذا : " وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام ثم قال بعد ذلك : فإن أبوا فاسألهم الجزية ثم قال بعد ذلك : فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم فأمر صلى الله عليه وسلم أميره على الجيش والسرية أن يدعو الأعداء أولا للإسلام ، فإن أجابوا كف عنهم ، فإن أبوا دعاهم إلى الجزية ، فإن أجابوا كف عنهم ، وإلا فاستعان بالله وقاتلهم .
ولم يفرق بين اليهود والنصارى وغيرهم ، بل قال : عدوك من المشركين
وهذا يظهر منه العموم ، ولكن ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن عامة العلماء لم يروا أخذها من العرب .
قالوا : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي تنزل عليه الآيات ، وهو أعلم بمعناها لم يأخذها من العرب ، بل قاتلهم حتى دخلوا في الإسلام . وهكذا الصحابة بعده لم يقبلوها من عربي ، بل قاتلوا العرب في الجزيرة حتى دخلوا كلهم في دين الله . والله جل وعلا قال في حقهم وغيرهم : فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ وقال في الآية الأخرى : فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ولم يذكر الجزية في هذا المكان .
فالقول بأنها لا تؤخذ من العرب هو الأقوى والأظهر والأقرب ، وأما من سواهم فقول من قال : بعموم النص- أعني حديث بريدة- أظهر ، أخذا بالأدلة من القرآن والسنة جميعا ، ولأن المقصود من الجهاد هو إخضاعهم للحق ، ودعوتهم إليه ، وأن يكفوا عنا أذاهم وظلمهم ، فإذا فعلوا ذلك ودخلوا في دين الله ، فالحمد لله ، وإن أبوا طالبناهم بالجزية ، فإن بذلوها والتزموا الصغار والشروط التي تملى عليهم قبلناها منهم وكففنا عنهم .
فإن أبوا أن يدخلوا في الإسلام ، وأن يبذلوا الجزية قاتلناهم؛ لما في ذلك من المصلحة لهم وللمسلمين ، ولأن ذلك هو الموافق لحديث بريدة رضي الله عنه مع الآيات في اليهود والنصارى ، ومع حديث عبد الرحمن في المجوس .(3/97)
أما العرب فإن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لم يأخذوها منهم ، وهكذا من بعدهم الأئمة ، ويتضح من سيرتهم وعملهم أنه لا يجوز أن يبقى العرب على الشرك بالله أبدا ، بل إما أن يحملوا هذه الرسالة ، ويبلغوها الناس ، وإما أن يقضى عليهم ، فلا يبقوا في الأرض .
أما بقاؤهم بالجزية فغير لائق . . ولهذا جرى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلفاؤه ، على عدم قبولها من العرب ، وإنما قبلوها من الأعاجم كالمجوس وأشباههم ، كما قبلوها من اليهود والنصارى .
أما قول من قال بأن القتال للدفاع فقط ، فهذا القول ما علمته لأحد من العلماء القدامى ، أن الجهاد شرع في الإسلام بعد آية السيف للدفاع فقط ، وأن الكفار لا يبدءون بالقتال وإنما يشرع للدفاع فقط .
وقد كتب بعض إخواننا رسالة في الرد على هذا القول وفي الرد على رسالة افتراها بعض الناس على شيخ الإسلام ابن تيمية ، زعم فيها أنه يرى أن الجهاد للدفاع فقط . وهذا الكاتب هو فضيلة العلامة : الشيخ سليمان بن حمدان رسالة ذكر فيها أن هذا القول منقول عن بعض أهل الكوفة ، وإنما اشتهر بين الكتاب مؤخرا . . وأما العلماء فلم يشتهر بينهم ، وإنما المعروف بين العلماء أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما هاجر أذن له في القتال مطلقا ، ثم فرض عليه الجهاد وأمر بأن يقاتل من قاتل ، ويكف عمن كف ، ثم بعد ذلك أنزل الله عليه الآيات الآمرة بالجهاد مطلقا ، وعدم الكف عن أحد حتى يدخل في دين الله ، أو يؤدي الجزية إن كان من أهلها كما تقدم . وهذا هو المعروف في كلام أهل العلم .
وقد تقدم ذكر قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجمع بين النصوص وأنه هو الأقرب ولا نسخ ، وإنما تختلف الأحوال بقوة المسلمين وضعفهم : فإذا ضعف المسلمون جاهدوا بحسن حالهم ، وإذا عجزوا عن ذلك اكتفوا بالدعوة ، وإذا قووا بعض القوة قاتلوا من بدأهم ومن قرب منهم ، وكفوا عمن كف عنهم ، وإذا قووا وصار لهم السلطان والغلبة ، قاتلوا الجميع وجاهدوا الجميع حتى يسلموا ، أو يؤدوا الجزية ، إلا من لا تؤخذ منهم كالعرب . عند جمع من أهل العلم .
وقد تعلق بعض الكتاب الذين قالوا : إن الجهاد للدفاع فقط ، بآيات لا حجة لهم فيها ، وقد سبق الجواب عنها ، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله . ومعلوم أن الدفاع قد أوجبه الله على المسلمين ضد من اعتدى عليهم ، كما قال تعالى : فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ وكما في الآيات السابقة .
والإسلام جاء بدعوة الكفار أولا إلى الدخول فيه ، فإن أبوا فالجزية ، فإن أبوا وجب قتالهم مع القدرة كما تقدم في حديث بريدة ، وإن رأى ولي الأمر المصالحة ، وعدم القتال لأسباب تتعلق بمصلحة المسلمين ، جاز ذلك ، لقوله سبحانه : وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا الآية ، ولفعله صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة يوم الحديبية .
وبذلك يعلم أنه لا حاجة للقتال إذا نجحت الدعوة ، وأجاب الكفار إلى الدخول في الإسلام .
فإن احتيج للقتال قوتل الكفار حينئذ بعد الدعوة والبيان والإرشاد فإن أبوا فالجزية إن كانوا من أهلها ، فإن أبوا وجب القتال أو المصالحة حسبما يراه ولي الأمر للمسلمين ، إذا لم يكن لدى المسلمين قدرة على القتال ، كما تقدم ، وقد تعلق القائلون بأن الجهاد للدفاع فقط بآيات ثلاث :
الأولى قوله جل وعلا : وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا والجواب عن ذلك كما تقدم أن هذه الآية ليس معناها القتال للدفاع ، وإنما معناها القتال لمن كان شأنه القتال : كالرجل المكلف القوي ، وترك من ليس شأنه القتال : كالمرأة والصبي ونحو ذلك ، ولهذا قال بعدها : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ
فاتضح بطلان هذا القول ، ثم لو صح ما قالوا ، فقد نسخت بآية السيف وانتهى الأمر بحمد الله .
والآية الثانية التي احتج بها من قال بأن الجهاد للدفاع هي قوله تعالى : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ وهذه لا حجة فيها؛ لأنها على الأصح مخصوصة بأهل الكتاب والمجوس وأشباههم ، فإنهم لا يكرهون على الدخول في الإسلام إذا بذلوا الجزية ، هذا هو أحد القولين في معناها .
والقول الثاني أنها منسوخة بآية السيف ولا حاجة للنسخ بل هي مخصوصة بأهل الكتاب كما جاء في التفسير عن عدة من الصحابة والسلف فهي مخصوصة بأهل الكتاب ونحوهم فلا يكرهون إذا أدوا الجزية وهكذا من ألحق بهم من المجوس وغيرهم إذا أدوا الجزية فلا إكراه ، ولأن الراجح لدى أئمة الحديث والأصول أنه لا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع ، وقد عرفت أن الجمع ممكن بما ذكرنا . فإن أبوا الإسلام والجزية قوتلوا كما دلت عليه الآيات الكريمات الأخرى .
والآية الثالثة التي تعلق بها من قال أن الجهاد للدفاع فقط قوله تعالى في سورة النساء : فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا قالوا : من اعتزلنا وكف عنا لم نقاتله . وقد عرفت أن هذا كان في حال ضعف المسلمين أول ما هاجروا إلى المدينة ثم نسخت بآية السيف وانتهى أمرها ، أو أنها محمولة على أن هذا كان في حالة ضعف المسلمين فإذا قووا أمروا بالقتال كما هو القول الآخر كما عرفت وهو عدم النسخ .(3/98)
وبهذا يعلم بطلان هذا القول وأنه لا أساس له ولا وجه له من الصحة ، وقد ألف بعض الناس رسالة افتراها على شيخ الإسلام ابن تيمية وزعم أنه لا يرى القتال إلا لمن قاتل فقط ، وهذه الرسالة لا شك أنها مفتراة وأنها كذب بلا ريب ، وقد انتدب لها الشيخ العلامة سليمان بن سحمان رحمة الله عليه ورد عليها منذ أكثر من خمسين سنة وقد أخبرني بذلك بعض مشايخنا ، ورد عليه أيضا أخونا العلامة الشيخ سليمان بن حمدان رحمه الله القاضي سابقا في المدينة المنورة كما ذكرنا آنفا ورده موجود بحمد الله وهو رد حسن واف بالمقصود . فجزاه الله خيرا . وممن كتب في هذا أيضا أخونا الشيخ صالح بن أحمد المصوعي رحمه الله فقد كتب فيها رسالة صغيرة ، فند فيها هذه المزاعم وأبطل ما قاله هؤلاء الكتبة بأن الجهاد في الإسلام للدفاع فقط .
وصنف أيضا أخونا العلامة أبو الأعلى المودودي رحمه الله رسالة في الجهاد وبين فيها بطلان هذا القول وأنه قول لا أساس له من الصحة .
ومن تأمل أدلة الكتاب والسنة ونظر في ذلك بعين البصيرة وتجرد عن الهوى والتقليد عرف قطعا بطلان هذا القول وأنه لا أساس له ومما جاء في السنة في هذا الباب مؤيدا للكتاب العزيز ما رواه الشيخان عن ابن عمر- رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله وما رواه الشيخان أيضا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وصلوا صلاتنا وأكلوا ذبيحتنا واستقبلوا قبلتنا فلهم ما لنا وعليهم ما علينا
ومن ذلك ما رواه مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : " قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله و ومن هذا ما رواه مسلم في الصحيح أيضا عن طارق بن أشيم الأشجعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قال لا إله إلا الله وفي لفظ من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وكلها تدل على أن القتال شرع لإزالة الكفر والضلال ودعوة الكفار للدخول في دين الله لا لأنهم اعتدوا علينا فقط ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها " ولم يقل فإذا كفوا عنا أو اعتزلونا ، بل قال : " حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك الحديث .
فدل ذلك على أن المطلوب دخولهم في الإسلام وإلا فالسيف ، إلا أهل الجزية كما تقدم ، وإنما اقتصر عليه الصلاة والسلام على الشهادتين والصلاة والزكاة لأنها الأسس العظيمة والأركان الكبرى فمن أخذ بها ودان بها وتمسك بها فإنه يؤدي ما وراءها عن إيمان وعن اطمئنان وإذعان من باب أولى .
وهذا ما أردت التنبيه عليه باختصار وإيجاز ، وأرجو أن يكون وافيا بالمطلوب من بيان الحق وإزهاق الباطل ، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعا للفقه في دينه والاستقامة عليه ، وأن يهدينا صراطه المستقيم ، وأن يعلمنا ما ينفعنا ويهدينا لما فيه السعادة والنجاة وأن يوفق المسلمين جميعا للاستقامة على دينه والجهاد في سبيله ، والحذر من مكايد الأعداء إنه على كل شيء قدير .
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين .
==============
لا إكراه في قبول الإسلام
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 6 / ص 241)
س : يقول بعض الزملاء : من لم يدخل الإسلام يعتبر حرا لا يكره على الإسلام ويستدل بقوله تعالى : أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وقوله تعالى : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ فما رأي سماحتكم في هذا؟ .
جـ : هاتان الآيتان الكريمتان والآيات الأخرى التي في معناهما بين العلماء أنها في حق من تؤخذ منهم الجزية كاليهود والنصارى والمجوس ، لا يكرهون ، بل يخيرون بين الإسلام وبين بذل الجزية . وقال آخرون من أهل العلم : إنها كانت في أول الأمر ثم نسخت بأمر الله سبحانه بالقتال والجهاد ، فمن أبى الدخول في الإسلام وجب جهاده مع القدرة حتى يدخل في الإسلام أو يؤدي الجزية إن كان من أهلها ، فالواجب إلزام الكفار بالإسلام إذا كانوا لا تؤخذ منهم الجزية ؛ لأن إسلامهم فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة ، فإلزام الإنسان بالحق الذي فيه الهدى والسعادة خير له من الباطل ، كما يلزم الإنسان بالحق الذي عليه لبني آدم ولو بالسجن أو بالضرب ،فإلزام الكفار بتوحيد الله والدخول في دين الإسلام أولى وأوجب ؛ لأن فيه سعادتهم في العاجل والآجل إلا إذا كانوا من أهل الكتاب كاليهود والنصارى أو المجوس ، فهذه الطوائف الثلاث جاء الشرع بأنهم يخيرون . فإما أن يدخلوا في الإسلام وإما أن يبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون ،
وذهب بعض أهل العلم إلى إلحاق غيرهم بهم في التخيير بين الإسلام والجزية ، والأرجح أنه لا يلحق بهم غيرهم ، بل هؤلاء الطوائف الثلاث هم الذين يخيرون ؛ لأن الرسول قاتل الكفار في الجزيرة ولم يقبل منهم إلا الإسلام ، قال تعالى : فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ولم يقل : أو أدوا الجزية ، فاليهود(3/99)
والنصارى والمجوس يطالبون بالإسلام ، فإن أبوا فالجزية ، فإن أبوا وجب على أهل الإسلام قتالهم ، إن استطاعوا ذلك ، يقول عز وجل : قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
ولما ثبت عن النبي أنه أخذ الجزية من المجوس ، ولم يثبت عن النبي ولا عن أصحابه رضي الله عنهم أنهم أخذوا الجزية من غير الطوائف الثلاث المذكورة ، والأصل في هذا قوله تعالى : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وقوله سبحانه فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وهذه الآية تسمى آية السيف.وهي وأمثالها هي الناسخة للآيات التي فيها عدم الإكراه على الإسلام .
والله الموفق .
================
هل للولد حرية اختيار الدين ؟
فتاوى الزحيلي - (ج 2 / ص 256)
ذكر بعض الفقهاء أنه ينبغي للولد إذا بلغ أن ينطق بالشهادتين ، هل يعني هذا أن له الحرية في اختيار الدين الذي يشاؤه إذا بلغ؟ أم أنه يبقى مسلماً بالتبعية لوالديه؟ وإذا قلنا يبقى مسلماً بالتبعية ، ألا يعارض هذا قضية الحرية في دين الإسلام والله تعالى يقول : " لا إكراه في الدين" فكيف نوجه هذه الآية في هذه المسألة؟
1- لا داعي لهذا النطق ، ويكفي تعويد الولد على الصلاة والأذان والولد تابع لوالديه ، وعند البلوغ يستمر حكم السابق ، وعلى الوالد تحذير الولد عند وجود تردد أو شك في إسلامه من الانحراف.
2- وكل إنسان حر في اختيار العقائد ، فلا إكراه في الدين ، ولكن الولد محكوم بإسلامه تبعاً لأبويه ، فإذا أعلن ردته عن الإسلام عند البلوغ جاز قتله شرعاً ، والذي يقتله هو الحاكم لا الوالد.
فلا نكره أحداً ابتداء على الإسلام ، ولكن إذا ثبت وجود الإسلام ثم حدث هدمه وإعلامه ، وجب عقابه ، زجراً عن التلاعب بالدين ، وتحدي مشاعر الجماعة ، والإخلال بالنظام الإسلامي ، فيقتل لإخلاله بهذه المعاني ولحرابته وإساءته للأمة.
أما المسؤولية بينه وبين الله فعلى صاحبها ، ونحن نريد الخير لجميع الناس وهو اختيار الدين الحق ، ومن أهم ذلك مصالح الأولاد ، فمن أساء صادم الفطرة وتخلى عن رابطته الإسلامية الاجتماعية ، وأضمر الشر لها والعدوان ، فيعاقب لهذا.
==============
الرد على شبهة إن عقوبة الردة بقتل المرتد تدخل في حرية العقيدة ومصادرة لها واكراه للانسان على اعتقاده ما لا يريد،
موسوعة الأسرة المسلمة الشاملة - (ج 3 / ص 18)
413- أما قولهم: إن عقوبة الردة بقتل المرتد تدخل في حرية العقيدة ومصادرة لها واكراه للانسان على اعتقاده ما لا يريد، فهذا القول مأخذه الجهل في طبيعة هذه العقوبة، ومعنى الردة، ومعنى الاكراه على تبديل الدين. فالردة كما قلنا الرجوع عن الاسلام، أي ان مسلماً يرجع عن اسلامه، فنحن اذن إزاء مسلم ارتكب جرماً معيناً يسمى "الردة" ولسنا أمام رجل يهودي أو نصراني نكرهه على تبديل عقيدته، ومبدأ لا اكراه في الدين مقرر في الشريعة الاسلامية وفي نص القرآن الكريم، ولا يجوز المساس به، بدليل واضح ان الاسلام شرع الجزية، والجزية اقرار لغير المسلم على دينه، فلو كان هناك اكراه على تبديل عقيدة غير المسلم وتحويله بالجبر عن عقيدته لما شرعت الجزية.
أما سبب عقوبة المرتد وجعلها القتل فيرجع الى أمرين خطيرين: الأول: ان المسلم بردته أخل بالتزامه، لأن المسلم باسلامه يكون قد التزم أحكام الاسلام وعقيدته فاذا ارتد كان ذلك منه اخلالاً خطيراً في اصل التزامه، ومن يخل بالتزامه عمداً يعاقب، وقد تبلغ عقوبته الاعدام، الا يرى ان من تعاقد مع الدولة لتوريد الطعام لافراد الجيش ثم أخل بالتزامه عمداً في حالة احتياج الجيش للارزاق أن جزاءه قد يصل الى الاعدام؟ الثاني: ان المرتد مع اخلاله بالتزامه يقوم بجريمة أخرى هي الاستهزاء بدين الدولة والاستخفاف بعقيدة سكانها المسلمين، وتجريء لغيره من المنافقين ليظهروا نفاقهم، وتشكيك لضعاف العقيدة في عقيدتهم، وهذه كلها جرائم خطيرة يستحق معها المرتد استئصال روحه وتخليص الناس من شره. وإنما قلنا: إن المرتد من يرتكب هذه الامور، لأنه لا يعرف ارتداده إلا بالتصريح وإلا لو اخفى ردته لما عرف. ومع هذا فقد قلنا: إنه يمهل ثلاثة أيام لاعطائه فرصة الرجوع عن ردته، وهذا الامهال واجب عند كثير من الفقهاء فهل يمكن بعد هذا ان يقال: عقوبة الردة قاسية أو أن فيها إكراها على تبديل العقيدة أو أن فيها تدخلا في حرية العقيدة؟
=============
الجِهَادُ في سَبِيْل الله
لخص الإمام ابن القيم سياق الجهاد في الإسلام في " زاد المعاد(3/100)
" في الفصل الذي عقده باسم : " فصل في ترتيب هديه مع الكفار والمنافقين من حين بعث إلى حين لقي الله عزَّ وجلَّ " : ( أول ما أوحى به تبارك وتعالى ، أن يقرأ باسم ربه الذي خلق ، وذلك أولى نبوته ، فأمره أن يقرأ في نفسه " فأنذر " فنبأه بقوله : " اقرأ " وأرسله بـ : " يا أيها المدثر " ، ثم أمره أن ينذر عشيرته الأقربين ، ثم أنذر قومه ، ثم أنذر من حولهم من العرب ، ثم أنذر العرب قاطبة ، ثم أنذر العالمين . فأقام بضع عشرة سنة بعد نبوته ينذر بالدعوة بغير قتال ولا جزية ، ويؤمر بالكف والصبر والصفح . ثم أذن له في الهجرة وأذن له في القتال . ثم أمره أن يقاتل من قاتله ، ويكف عمن اعتزله ولم يقاتله ، ثم أمره بقتال المشركين حتى يكون الدين كله لله .. ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام : أهل صلح وهدنة ، وأهل حرب ، وأهل ذمة .. فأمر بأن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم ، وأن يوفى لهم به ما استقاموا على العهد ، فإن خاف منهم خيانة نبذ إليهم عهدهم ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد ، وأمر أن يقاتل من نقض عهده .. ولما نزلت سورة براءة نزلت ببيان حكم هذه الأقسام كلها : فأمر أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، أو يدخلوا في الإسلام ، وأمره فيها بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم فجاهد الكفار بالسيف والسنان . والمنافقين بالحجة واللسان ، وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار ونبذ عهودهم إليهم .. وجعل أهل العهد في ذلك ثلاثة أقسام : قسماً أمره بقتالهم ، وهم الذين نقضوا عهده ، ولم يستقيموا له ، فحاربهم وظهر عليهم . وقسماً لهم عهد مؤقت لم ينقضوه ولم يظاهروا عليه ، فأمره أن يتم لهم عهدهم إلى مدتهم . وقسماً لم يكن لهم عهد ولم يحاربوه ، أو كان لهم عهد مطلق ، فأمر أن يؤجلهم أربعة أشهر ، فإذا انسلخت قاتلهم .. فقتل الناقض لعهده ، وأجل من لا عهد
له أو له عهد مطلق ، أربعة أشهر ، وأمره أن يتم للموفي بعهده عهده إلى مدته ، فأسلم هؤلاء كلهم ولم يقيموا على كفرهم إلى مدتهم . وضرب على أهل الذمة الجزية .. فاستقر أمر الكفار معه بعد نزول براءة على ثلاثة أقسام : محاربين له ، وأهل عهد ، وأهل ذمة .. ثم آلت حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام فصاروا معه قسمين : محاربين ، وأهل ذمة . والمحاربون له خائفون منه ، فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام : مسلم مؤمن به ، ومسالم له آمن ، وخائف محارب .. وأما سيرته في المنافقين فإنه أمر أن يقبل منهم علانيتهم ، ويكل سرائرهم إلى الله ، وأن يجاهدهم بالعلم والحجة ، وأمر أن يعرض عنهم ، ويغلظ عليهم ، وأن يبلغ بالقول البليغ إلى نفوسهم ، ونهى أن يصلى عليهم ، وأن يقوم على قبورهم ، وأخبر أنه إن استغفر لهم فلن يغفر الله لهم .. فهذه سيرته في أعدائه من الكفار والمنافقين ) ..
سمات أصيلة في المنهج الحركي لهذا الدين
ومن هذا التلخيص الجيد لمراحل الجهاد في الإسلام تتجلى سمات أصيلة وعميقة في المنهج الحركي لهذا الدين ، جديرة بالوقوف أمامها طويلاً ، ولكننا لا نملك هنا إلا أن نشير إليها إشارات مجملة :
السمة الأولى : هي الواقعية الجدية في منهج هذا الدين ..
فهو حركة تواجه واقعاً بشرياً .. وتواجهه بوسائل مكافئة لوجوده الواقعي .. إنها تواجه جاهلية اعتقادية تصورية ، تقوم عليها أنظمة واقعية عملية ، تسندها سلطات ذات قوة مادية .. ومن ثم تواجه الحركة الإسلامية هذا الواقع كله بما يكافئه .. تواجهه بالدعوة والبيان لتصحيح المعتقدات والتصورات ، وتواجهه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليها ، تلك التي تحول بين جمهرة الناس وبين التصحيح بالبيان للمعتقدات والتصورات ، وتخضعهم بالقهر والتضليل وتعبِّدهم لغير ربهم الجليل .. إنها حركة لا تكتفي بالبيان في وجه السلطان المادي ، كما إنها لا تستخدم القهر المادي لضمائر الأفراد .. وهذه كتلك سواء في منهج هذا الدين وهو يتحرك لإخراج الناس من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده كما سيجيء .
والسمة الثانية في منهج هذا الدين : هي الواقعية الحركية ..
فهو حركة ذات مراحل ، كل مرحلة لها وسائل مكافئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية ، وكل مرحلة تسلم إلى المرحلة التي تليها .. فهو لا يقابل الواقع بنظريات مجردة . كما أنه لا يقابل مراحل هذا الواقع بوسائل متجمدة .. والذين يسوقون النصوص القرآنية للاستشهاد بها على منهج هذا الدين في الجهاد ، ولا يراعون هذه السمة فيه ، ولا يدركون طبيعة المراحل التي مر بها هذا المنهج ، وعلاقة النصوص المختلفة بكل مرحلة منها .. الذين يصنعون هذا يخلطون خلطاً شديداً ويلبسون منهج هذا الدين لبساً مضللاً ، ويحملون النصوص ما لا تحتمله من المبادئ والقواعد النهائية . ذلك أنهم يعتبرون كل نص منها كما لو كان نصاً نهائياً ، يمثل القواعد النهائية في هذا الدين ، ويقولون - وهم مهزومون روحياً وعقلياً تحت ضغط الواقع اليائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان - : أن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع ! ويحسبون أنهم يسدون إلى هذا الدين جميلاً بتخليه عن منهجه وهو إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعاً ، وتعبيد الناس لله وحده ، وإخراجهم من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد ! لا بقهرهم على اعتناق عقيدته ، ولكن بالتخلية بينهم وبين هذه العقيدة .. بعد تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة ، أو قهرها حتى تدفع الجزية وتعلن استسلامها والتخلية بين جماهيرها وهذه العقيدة ، تعتنقها أو لا تعتنقها بكامل حريتها .
والسمة الثالثة : هي أن هذه الحركة الدائبة ، والوسائل المتجددة ، لا تخرج هذا الدين عن قواعده المحددة ، ولا عن أهدافه المرسومة .(3/101)
فهو - منذ اليوم الأول - سواء وهو يخاطب العشيرة الأقربين ، أو يخاطب قريشاً ، أو يخاطب العرب أجمعين ، أو يخاطب العالمين ، إنما يخاطبهم بقاعدة واحدة ، ويطلب منهم الانتهاء إلى هدف واحد هو إخلاص العبودية لله ، والخروج من العبودية للعباد . لا مساومة في هذه القاعدة ولا لين .. ثم يمضي إلى تحقيق هذا الهدف الواحد في خطة مرسومة ، ذات مراحل محددة ، لكل مرحلة وسائلها المتجددة . على نحو ما أسلفنا في الفقرة السابقة .
والسمة الرابعة : هي ذلك الضبط التشريعي للعلاقات بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات الأخرى على النحو الملحوظ في ذلك التلخيص الجيد الذي نقلناه عن " زاد المعاد " –
وقيام ذلك الضبط على أساس أن الإسلام لله هو الأصل العالمي الذي على البشرية كلها أن تفيء إليه ، أو أن تسالمه بجملتها فلا تقف لدعوته بأي حائل من نظام سياسي ، أو قوة مادية ، وأن تخلي بينه وبين كل فرد ، يختاره أو لا يختاره بمطلق إرادته ، ولكن لا يقاومه ولا يحاربه ! فإن فعل ذلك أحد كان على الإسلام أن يقاتله حتى يقتله أو حتى يعلن استسلامه !
* * * *****************
والمهزومون روحياً وعقلياً ممن يكتبون عن " الجهاد في الإسلام " ليدفعوا عن الإسلام هذا " الاتهام " يخلطون بين منهج هذا الدين في النص على استنكار الإكراه على العقيدة ، وبين منهجه في تحطيم القوى السياسية المادية التي تحول بين الناس وبينه ، والتي تعبِّد الناس للناس ، وتمنعهم من العبودية لله .. وهما أمران لا علاقة بينهما ولا مجال للالتباس فيهما .. ومن أجل هذا التخليط ، وقبل ذلك من أجل تلك الهزيمة ! - يحاولون أن يحصروا الجهاد في الإسلام فيما يسمونه اليوم : " الحرب الدفاعية " .. والجهاد في الإسلام أمر آخر لا علاقة له بحروب الناس اليوم ، ولا بواعثها ، ولا تكييفها كذلك .. إن بواعث الجهاد في الإسلام ينبغي تلمسها في طبيعة " الإسلام " ذاته ودوره في هذه الأرض ، وأهدافه العليا التي قررها الله ، وذكر الله أنه أرسل من أجلها هذا الرسول بهذه الرسالة ، وجعله خاتم النبيين وجعلها خاتمة الرسالات .
إن هذا الدين إعلان عام لتحرير " الإنسان " في " الأرض " من العبودية للعباد - ومن العبودية لهواه أيضاً وهي من العبودية للعباد - وذلك بإعلان ألوهية الله وحده - سبحانه - وربوبيته للعاليمن .. ! إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها : الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها ، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض ، الحكم فيه للبشر بصورة من الصور .. أو بتعبير آخر مرادف : الألوهية فيه للبشر في صورة من الصور .. ذلك أن الحكم الذي مردّ الأمر فيه إلى البشر ، ومصدر السلطات فيه هم البشر ، هو تأليه للبشر ، يجعل بعضهم لبعض أرباباً من دون الله . إن هذا الإعلان معناه انتزاع سلطان الله المغتصب ورده إلى الله ، وطرد المغتصبين له ، الذين يحكمون الناس بشرائع من عند أنفسهم ، فيقومون منهم مقام الأرباب ويقوم الناس منهم مكان العبيد .. إن معناه تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض ، أو بالتعبير القرآني الكريم :
{ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ } [ الزخرف : 84 ] .
{ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } [ يوسف : 40 ] .
{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [ آل عمران : 64 ] .
ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم - هم رجال الدين - كما كان الأمر في سلطان الكنيسة ، ولا رجال ينطقون باسم الآلهة ، كما كان الحال فيما يعرف باسم " الثيوقراطية " أو الحكم الإلهي المقدس !! - ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة ، وأن يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة .
وقيام مملكة الله في الأرض ، وإزالة مملكة البشر ، وانتزاع السلطان من أيدي مغتصبيه من العباد ورده إلى الله وحده .. وسيادة الشريعة الإلهية وحدها وإلغاء القوانين البشرية .. كل أولئك لا يتم بمجرد التبليغ والبيان ، لأن المتسلطين على رقاب العباد ، والمغتصبين لسلطان الله في الأرض ، لا يسلمون في سلطانهم بمجرد التبليغ والبيان ، وإلا فما كان أيسر عمل الرسل في إقرار دين الله في الأرض ! وهذا عكس ما عرفه تاريخ الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - وتاريخ هذا الدين على ممر الأجيال !
إن هذا الإعلان العام لتحرير " الإنسان " في " الأرض " من كل سلطان غير سلطان الله ، بإعلان إلوهية الله وحده وربوبيته للعالمين ، لم يكن إعلاناً نظرياً فلسفياً سلبياً .. إنما كان إعلاناً حركياً واقعياً إيجابياً .. إعلاناً يراد له التحقيق العملي في صورة نظام يحكم البشر بشريعة الله ، ويخرجهم بالفعل من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده بلا شريك .. ومن ثم لم يكن بد من أن يتخذ شكل " الحركة " إلى جانب شكل " البيان " .. ذلك ليواجه " الواقع " البشري بكل جوانبه بوسائل مكافئة لكل جوانبه(3/102)
والواقع الإنساني ، أمس واليوم وغداً ، يواجه هذا الدين - بوصفه إعلاناً عاماً لتحرير " الإنسان " في " الأرض " من كل سلطان غير سلطان الله - بعقبات اعتقادية تصورية ، وعقبات مادية واقعية .. وعقبات سياسية واجتماعية واقتصادية وعنصرية وطبقية ، إلى جانب عقبات العقائد المنحرفة والتصورات الباطلة .. وتختلط هذه بتلك وتتفاعل معها بصورة معقدة شديدة التعقيد .
وإذا كان " البيان " يواجه العقائد والتصورات ، فإن " الحركة " تواجه العقبات المادية الأخرى - وفي مقدمتها السلطان السياسي القائم على العوامل الاعتقادية التصورية والعنصرية والطبقية والاجتماعية والاقتصادية المعقدة المتشابكة - .. وهما معاً - البيان والحركة - يواجهان " الواقع البشري " بجملته ، بوسائل مكافئة لكل مكوناته .. وهما معاً لا بد منهما لانطلاق حركة التحرير للإنسان في الأرض .. " الإنسان " كله في " الأرض " كلها .. وهذه نقطة هامة لا بد من تقريرها مرة أخرى !
إن هذا الدين ليس إعلاناً لتحرير الإنسان العربي ! وليس رسالة خاصة بالعرب ! .. إن موضوعه هو " الإنسان " .. نوع " الإنسان " .. ومجاله هو " الأرض " .. كل " الأرض " . إن الله - سبحانه - ليس رباً للعرب وحدهم ولا حتى لمن يعتنقون العقيدة الإسلامية وحدهم .. إن الله هو " رب العالمين " .. وهذا الدين يريد أن يرد " العالمين " إلى ربهم ، وأن ينتزعهم من العبودية لغيره . والعبودية الكبرى - في نظر الإسلام - هي خضوع البشر لأحكام يشرعها لهم ناس من البشر .. وهذه هي " العبادة " التي يقرر أنها لا تكون إلا لله ، وأن من يتوجه بها لغير الله يخرج من دين الله مهما ادعى أنه في هذا الدين . ولقد نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن " الاتِّباع " في الشريعة والحكم هو " العبادة " التي صار بها اليهود والنصارى " مشركين " مخالفين لما أمروا به من " عبادة " الله وحده ..
أخرج الترمذي - بإسناده - عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أنه لما بلغته دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فر إلى الشام ، وكان قد تنصر في الجاهلية ، فأسرت أخته وجماعة من قومه ، ثم منَّ رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - على أخته فأعطاها ، فرجعت إلى أخيها فرغَّبته في الإسلام ، وفي القدوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتحدث الناس بقدومه ، فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقه - أي " عدي " صليب من فضة وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية .. { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } (1) .. قال : فقلت : إنهم لم يعبدوهم ، فقال : " بلى ! إنهم حرَّموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم " .
وتفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقول الله سبحانه ، نص قاطع على أن الاتِّباع في الشريعة والحكم هو العبادة التي تخرج من الدين ، وأنها هي اتخاذ بعض الناس أرباباً لبعض .. الأمر الذي جاء هذا الدين ليلغيه ، ويعلن تحرير " الإنسان " في " الأرض " من العبودية لغير الله ..
ومن ثم لم يكن بد للإسلام أن ينطلق في " الأرض " لإزالة " الواقع " المخالف لذلك الإعلان العام .. بالبيان وبالحركة مجتمعين .. وأن يوجه الضربات للقوى السياسية التي تعبِّد الناس لغير الله .. - أي تحكمهم بغير شريعة الله وسلطانه - والتي تحول بينهم وبين الاستماع إلى " البيان " واعتناق " العقيدة " بحرية لا يتعرض لها السلطان . ثم لكي يقيم نظاماً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً يسمح لحركة التحرر بالانطلاق الفعلي - بعد إزالة القوة المسيطرة - سواء كانت سياسية بحتة ، أو متلبسة بالعنصرية ، أو الطبقية داخل العنصر الواحد !
__________
(1) التوبة : 31
إنه لم يكن من قصد الإسلام قط أن يكره الناس على اعتناق عقيدته .. ولكن الإسلام ليس مجرد " عقيدة " . إن الإسلام كما قلنا إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد . فهو يهدف ابتداء إلى إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر وعبودية الإنسان للإنسان .. ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحراراً - بالفعل - في اختيار العقيدة التي يريدونها بمحض اختيارهم - بعد رفع الضغط السياسي عنهم ، وبعد البيان المنير لأرواحهم وعقولهم - ولكن هذه التجربة ليس معناها أن يجعلوا إلاههم هواهم ، أو أن يختاروا بأنفسهم أن يكونوا عبيداً للعباد ! وأن يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله ! .. إن النظام الذي يحكم البشر في الأرض يجب أن تكون قاعدته العبودية لله وحده ، وذلك بتلقي الشرائع منه وحده . ثم ليعتنق كل فرد - في ظل هذا النظام العام - ما يعتنقه من عقيدة ! وبهذا يكون " الدين " كله لله . أي تكون الدينونة والخضوع والاتباع والعبودية كلها لله .. إن مدلول " الدين " أشمل من مدلول " العقيدة " . إن الدين هو المنهج والنظام الذي يحكم الحياة ، وهو في الإسلام يعتمد على العقيدة ، ولكنه في عمومه أشمل من العقيدة .. وفي الإسلام يمكن أن تخضع جماعات متنوعة لمنهجه العام الذي يقوم على أساس العبودية لله وحده ولو لم يعتنق بعض هذه الجماعات عقيدة الإسلام .(3/103)
والذي يدرك طبيعة هذا الدين - على النحو المتقدم - يدرك معها حتمية الانطلاق الحركي للإسلام في صورة الجهاد بالسيف - إلى جانب الجهاد بالبيان - ويدرك أن ذلك لم يكن حركة دفاعية - بالمعنى الضيق الذي يفهم اليوم من اصطلاح " الحرب الدفاعية " كما يريد المهزومون - أمام ضغط الواقع الحاضر وأمام هجوم المستشرقين الماكر - أن يصوروا حركة الجهاد في الإسلام - إنما كان حركة اندفاع وانطلاق لتحرير " الإنسان " في " الأرض " .. بوسائل مكافئة لكل جوانب الواقع البشري ، وفي مراحل محددة لكل مرحلة منها وسائلها المتجددة .
وإذا لم يكن بد أن نسمي حركة الإسلام الجهادية حركة دفاعية ، فلا بد أن نغير مفهوم كلمة " دفاع " ، ونعتبره " دفاعاً عن الإنسان " ذاته ، ضد جميع العوامل التي تقيد حريته وتعوق تحرره .. هذه العوامل التي تتمثل في المعتقدات والتصورات ، كما تتمثل في الأنظمة السياسية ، القائمة على الحواجز الاقتصادية والطبقية والعنصرية ، التي كانت سائدة في الأرض كلها يوم جاء الإسلام ، والتي ما تزال أشكال منها سائدة في الجاهلية الحاضرة في هذا الزمان !
وبهذا التوسع في مفهوم كلمة " الدفاع " نستطيع أن نواجه حقيقة بواعث الانطلاق الإسلامي في " الأرض " بالجهاد ، ونواجه طبيعة الإسلام ذاتها ، وهي أنه إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد ، وتقرير ألوهية الله وحده وربوبيته للعالمين ، وتحطيم مملكة الهوى البشري في الأرض ، وإقامة مملكة الشريعة الإلهية في عالم الإنسان ..
أما محاولة إيجاد مبررات دفاعية للجهاد الإسلامي بالمعنى الضيق للمفهوم العصري للحرب الدفاعية ، ومحاولة البحث عن أسانيد لإثبات أن وقائع الجهاد الإسلامي كانت لمجرد صد العدوان من القوى المجاورة على " الوطن الإسلامي " - وهو في عرف بعضهم جزيرة العرب - فهي محاولة تنم عن قلة إدراك لطبيعة هذا الدين ، ولطبيعة الدور الذي جاء ليقوم به في الأرض . كما أنها تشي بالهزيمة أمام ضغط الواقع الحاضر ، وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد الإسلامي !
ترى لو كان أبو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - قد أمنوا عدوان الروم والفرس على الجزيرة أكانوا يقعدون إذن عن دفع المد الإسلامي إلى أطراف الأرض ؟ وكيف كانوا يدفعون هذا المد ، وأمام الدعوة تلك العقبات المادية من أنظمة الدولة السياسية ، وأنظمة المجتمع العنصرية والطبقية ، والاقتصادية الناشئة من الاعتبارات العنصرية والطبقية ، والتي تحميها القوة المادية للدولة كذلك ؟!
إنها سذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير " الإنسان " .. نوع الإنسان .. في " الأرض " .. كل الأرض .. ثم تقف أمام هذه العقبات تجاهدها باللسان والبيان ! .. إنها تجاهد باللسان والبيان حينما يخلى بينها وبين الأفراد ، تخاطبهم بحرية ، وهم مطلقو السراح من جميع تلك المؤثرات .. فهنا " لا إكراه في الدين " .. أما حين توجد تلك العقبات والمؤثرات المادية ، فلا بد من إزالتها أولاً بالقوة ، للتمكن من مخاطبة قلب الإنسان وعقله ، وهو طليق من هذه الأغلال !
إن الجهاد ضرورة للدعوة ، إذا كانت أهدافها هي إعلان تحرير الإنسان إعلاناً جاداً يواجه الواقع الفعلي بوسائل مكافئة له في كل جوانبه ، ولا يكفي بالبيان الفلسفي النظري ! سواء كان الوطن الإسلامي - وبالتعبير الإسلامي الصحيح : دار الإسلام - آمناً أم مهدداً من جيرانه . فالإسلام حين يسعى إلى السلم ، لا يقصد تلك السلم الرخيصة ، وهي مجرد أن يؤمن الرقعة الخاصة التي يعتنق أهلها العقيدة الإسلامية . إنما هو يريد السلم التي يكون فيها الدين كله لله . أي تكون عبودية الناس كلهم فيها لله ، والتي لا يتخذ فيها الناس بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله . والعبرة بنهاية المراحل التي وصلت إليها الحركة الجهادية في الإسلام - بأمر من الله - لا بأوائل أيام الدعوة ولا بأواسطها .. ولقد انتهت هذه المراحل كما يقول الإمام ابن القيم : " فاستقر أمر الكفار معه - بعد نزول براءة - على ثلاثة أقسام : محاربين له ، وأهل عهد ، وأهل ذمة .. ثم آلت حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام .. فصاروا معه قسمين : محاربين ، وأهل ذمة . والمحاربون له خائفون منه .. فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام : مسلم مؤمن به ، ومسالم له آمن ( وهم أهل الذمة كما يفهم من الجملة السابقة ) وخائف محارب " ..
وهذه هي المواقف المنطقية مع طبيعة هذا الدين وأهدافه ، لا كما يفهم المهزومون أمام الواقع الحاضر ، وأمام هجوم المستشرقين الماكر !(3/104)
ولقد كف الله المسلمين عن القتال في مكة ، وفي أول العهد بالهجرة إلى المدينة .. وقيل للمسلمين : { كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } (1) .. ثم أذن لهم فيه ، فقيل لهم : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } (2).. ثم فرض عليهم القتال بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم فقيل لهم : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } (3) .. ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة ، فقيل لهم : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً } (4) .. وقيل لهم : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } (5) . فكان القتال - كما يقول الإمام ابن القيم - " محرماً ، ثم مأذوناً به ، ثم مأموراً به لمن بدأهم بالقتال ، ثم مأموراً به لجميع المشركين " ..
إن جدِّية النصوص القرآنية الواردة في الجهاد ، وجدية الأحاديث النبوية التي تحض عليه ، وجدية الوقائع الجهادية في صدر الإسلام ، وعلى مدى طويل من تاريخه .. إن هذه الجدية الواضحة تمنع أن يجول في النفس ذلك التفسير الذي يحاوله المهزومون أمام ضغط الواقع الحاضر وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد الإسلامي !
ومن ذا الذي يسمع قول الله سبحانه في هذا الشأن وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويتابع وقائع الجهاد الإسلامي ، ثم يظنه شأناً عارضاً مقيداً بملابسات تذهب وتجيء ، ويقف عند حدود الدفاع لتأمين الحدود ؟!
لقد بين الله للمؤمنين في أول ما نزل من الآيات التي أذن لهم فيها بالقتال أن الشأن الدائم الأصيل في طبيعة هذه الحياة الدنيا أن يدفع الناس بعضهم ببعض ، لدفع الفساد عن الأرض :
__________
(1) النساء : 77
(2) الحج : 39-41
(3) البقرة : 190
(4) التوبة : 36
(5) التوبة : 29
{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً } .. [ الحج : 39 - 40 ]
وإذن فهو الشأن الدائم لا الحالة العارضة . الشأن الدائم أن لا يتعايش الحق والباطل في هذه الأرض . وأنه متى قام الإسلام بإعلانه العام لإقامة ربوبية الله للعالمين ، وتحرير الإنسان من العبودية للعباد ، رماه المغتصبون لسلطان الله في الأرض ولم يسالموه قط ، وانطلق هو كذلك يدمر عليهم ليخرج الناس من سلطانهم ويدفع عن " الإنسان " في " الأرض " ذلك السلطان الغاصب .. حال دائمة لا يقف معها الانطلاق الجهادي التحريري حتى يكون الدين كله لله .
إن الكف عن القتال في مكة لم يكن إلا مجرد مرحلة في خطة طويلة . كذلك كان الأمر أول العهد بالهجرة . والذي بعث الجماعة المسلمة في المدينة بعد الفترة الأولى للانطلاق لم يكن مجرد تأمين المدينة .. هذا هدف أولي لا بد منه ، ولكنه ليس الهدف الأخير .. إنه هدف يضمن وسيلة الانطلاق ، ويؤمن قاعدة الانطلاق .. الانطلاق لتحرير " الإنسان " ، ولإزالة العقبات التي تمنع " الإنسان " ذاته من الانطلاق !
وكف أيدي المسلمين في مكة عن الجهاد بالسيف مفهوم . لأنه كان مكفولاً للدعوة في مكة حرية البلاغ .. كان صاحبها - صلى الله عليه وسلم - يملك بحماية سيوف بني هاشم ، أن يصدع بالدعوة ، ويخاطب بها الآذان والعقول والقلوب ، ويواجه بها الأفراد .. لم تكن هناك سلطة سياسية منظمة تمنعه من إبلاغ الدعوة ، أو تمنع الأفراد من سماعه ! فلا ضرورة - في هذه المرحلة - لاستخدام القوة ، وذلك إلى أسباب أخرى لعلها كانت قائمة في هذه المرحلة . وقد لخصتها في ظلال القرآن عند تفسير قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ .. } [ الآية 77 من سورة النساء ] . ولا بأس في إثبات بعض هذا التلخيص هنا :(3/105)
" ربما كان ذلك لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد ، في بيئة معينة ، لقوم معينين ، وسط ظروف معينة . ومن أهداف التربية والإعداد في مثل هذه البيئة بالذات ، تربية نفس الفرد العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم على شخصه أو على من يلوذون به ، ليخلص من شخصه ، ويتجرد من ذاته ، ولا تعود ذاته ولا من يلوذون به محور الحياة في نظره ودافع الحركة في حياته . وتربيته كذلك على ضبط أعصابه ، فلا يندفع لأول مؤثر - كما هي طبيعته - ولا يهتاج لأول مهيج ، فيتم الاعتدال في طبيعته وحركته . وتربيته على أن يتبع مجتمعاً منظماً له قيادة يرجع إليها في كل أمر من أمور حياته ، ولا يتصرف إلا وفق ما تأمره به - مهما يكن مخالفاً لمألوفه وعادته - وقد كان هذا هو حجر الأساس في إعداد شخصية العربي ، لإنشاء " المجتمع المسلم " الخاضع لقيادة موجهة ، المترقي المتحضر ، غير الهمجي أو القبلي !
" وربما كان ذلك أيضاً . لأن الدعوة السلمية كانت أشد أثراً وأنفذ ، في مثل بيئة قريش . ذات العنجهية والشرف . والتي قد يدفعها القتال معها - في مثل هذه المرحلة - إلى زيادة العناد ، وإلى نشأة ثارات دموية جديدة كثارات العرب المعروفة التي أثارت حرب داحس والغبراء ، وحرب البسوس ، أعواماً طويلة ، تفانت فيها قبائل برمتها . وتكون هذه الثارات الجديدة مرتبطة في أذهانهم وذكرياتهم بالإسلام ، فلا تهدأ بعد ذلك أبداً ، ويتحول الإسلام من دعوة ودين إلى ثارات وذحول تنسى معها وجهته الأساسية ، وهو في مبدئه ، فلا تذكر أبداً !
" وربما كان ذلك أيضاً ، اجتناباً لإنشاء معركة ومقتلة في داخل كل بيت . فلم تكن هناك سلطة نظامية عامة ، هي التي تعذب المؤمنين وتفتنهم ، إنما كان ذلك موكولاً إلى أولياء كل فرد يعذبونه ويفتنونه " ويؤدبونه ! " ومعنى الإذن بالقتال - في مثل هذه البيئة - أن تقع معركة ومقتلة في كل بيت .. ثم يقال : هذا هو الإسلام ! ولقد قيلت حتى والإسلام يأمر بالكف عن القتال ! فقد كانت دعاية قريش في الموسم . في أواسط العرب القادمين للحج والتجارة : إن محمداً يفرق بين الوالد وولده ، فوق تفريقه لقومه وعشيرته ! فكيف لو كان كذلك يأمر الولد بقتل الوالد ، والمولى بقتل الولي .. في كل بيت وفي كل محلة ؟
" وربما كان ذلك أيضاً لما يعلمه الله من أن كثيرين من المعاندين الذين يفتنون أوائل المسلمين عن دينهم ، ويعذبونهم ويؤذونهم ، هم بأنفسهم سيكونون جند الإسلام المخلص ، بل من قادته .. ألم يكن عمر بن الخطاب من بين هؤلاء ؟!
" وربما كان ذلك أيضاً ، لأن النخوة العربية ، في بيئة قبلية ، من عادتها أن تثور للمظلوم الذي يحتمل الأذى ، ولا يتراجع ! وبخاصة إذا كان واقعاً على كرام الناس فيهم .. وقد وقعت ظواهر كثيرة تثبت صحة هذه النظرة - في هذه البيئة - فابن الدغنة لم يرض أن يترك أبا بكر - وهو رجل كريم - يهاجر ويخرج من مكة ، ورأى في ذلك عاراً على العرب ! وعرض عليه جواره وحمايته .. وآخر هذه الظواهر نقض صحيفة الحصار لبني هاشم في شعب أبي طالب ، بعد ما طال عليهم الجوع واشتدت المحنة .. بينما في بيئة أخرى من بيئات " الحضارة " القديمة التي مردت على الذل ، قد يكون السكوت على الأذى مدعاة للهزء والسخرية والاحتقار من البيئة ، وتعظيم المؤذي الظالم المعتدي !
" وربما كان ذلك ، أيضاً ، لقلة عدد المسلمين حينذاك . وانحصارهم في مكة ، حيث لم تبلغ الدعوة إلى بقية الجزيرة أو بلغت أخبارها متناثرة ، حيث كانت القبائل تقف على الحياد من معركة داخلية بين قريش وبعض أبنائها ، حتى ترى ماذا يكون مصير الموقف . ففي مثل هذه الحالة قد تنتهي المعركة المحدودة ، إلى قتل المجموعة المسلمة القليلة - حتى ولو قتلوا هم أضعاف من سيقتل منهم - ويبقى الشرك ، وتنمحي الجماعة المسلمة ، ولم يقم في الأرض للإسلام نظام ، ولا وجد له كيان واقعي . وهو دين جاء ليكون منهاج حياة ، وليكون نظاماً واقعياً عملياً للحياة .
" ... إلخ " ...
فأما في المدينة - في أول العهد بالهجرة - فقد كانت المعاهدة التي عقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع اليهود من أهلها ومن بقي على الشرك من العرب فيها وفيما حولها ، ملابسة تقتضيها طبيعة المرحلة كذلك ..
أولاً : لأن هناك مجالاً للتبليغ والبيان ، لا تقف له سلطة سياسية تمنعه وتحول بين الناس وبينه ، فقد اعترف الجميع بالدولة المسلمة الجديدة ، وبقيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تصريف شؤونها السياسية . فنصت المعاهدة على ألا يعقد أحد منهم صلحاً ولا يثير حرباً ، ولا ينشئ علاقة خارجية إلا بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان واضحاً أن السلطة الحقيقة في المدينة في يد القيادة المسلمة . فالمجال أمام الدعوة مفتوح ، والتخلية بين الناس وحرية الاعتقاد قائمة .
ثانياً : إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يريد التفرغ في ، هذه المرحلة - لقريش ، التي تقوم معارضتها لهذا الدين حجر عثرة في وجه القبائل الأخرى الواقعة في حالة انتظار لما ينتهي إليه الأمر بين قريش وبعض بنيها ! لذلك بادر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإرسال " السرايا " وكان أول لواء عقده لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة .(3/106)