{ وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ } [البقرة/177] ، وقوله : { أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا } [الفرقان/75] ، أى بما تحملوا من الصبر فى الوصول إلى مرضاة الله .
ب- ومن السنة ، عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور والصدقة برهان ، والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها " (1) وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يقول الله سبحانه : " ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى ، لم أرض لك ثوابا دون الجنة " (2) .
والصبر لفظ عام ر بما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه (3) :
1- فإن كان حبس النفس لمصيبة سمى صبرا لا غيره ، ويضاده الجزع ، كما روى عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : " مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر فقال : اتقي الله واصبري ، قالت : إليك عني ، فإنك لم تصب بمصيبتي ، ولم تعرفه فقيل لها : إنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : لم أعرفك ، فقال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى " (4) ، وعن صهيب الرومى - رضي الله عنه - ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الطهارة برقم (223) 1/203 .
2. أخرجه ابن ماجة فى الجنائز برقم (1597) وقال الألبانى : حسن 1/509 .
3. المفردات ص274 .
4. أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز برقم (1283) 3/177 .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر ، فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " (1) .(11/79)
2- وإن كان فى محاربة سمى شجاعة ، ويضاده الجبن ، كما روى عن أبي قتادة - رضي الله عنه - ، أن رجلا قال يا رسول الله : أرأيت إن قتلت في?سبيل الله ، تكفر عني خطاياي ؟ ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم إن قتلت في سبيل الله ، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف قلت ؟ ، قال : أرأيت إن قتلت في سبيل الله ، أتكفر عني خطاياي ؟ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم وأنت صابر محتسب ، مقبل غير مدبر إلا الدين ، فإن جبريل عليه السلام ، قال لي ذلك ) (2) ، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " لما نزلت : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ المُؤْمِنِينَ عَلى القِتَال إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلبُوا مِائَتَيْنِ } [الأنفال/65] شق ذلك على المسلمين ، حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة ، فجاء التخفيف فقال : { الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلبُوا مِائَتَيْنِ } [الأنفال/66] ، قال : فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم ) (3) .
3- وإن كان فى نائبة مضجرة سمى رحب الصدر ويضاده الضجر ، فعن ابن ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الزهد برقم (2999) 4/2295 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب الإمارة برقم (1885) 3/1501 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4653) 8/163 .(11/80)
عمر - رضي الله عنه - ، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من صبر على لأوائها ، كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة " (1) ، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ، فصبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه " (2) ، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : " إن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأعطاهم ، ثم سألوه فأعطاهم ، ثم سألوه فأعطاهم ، حتى نفد ما عنده ، فقال : ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ، ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ، ومن يتصبر يصبره الله ، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر " (3) .
4- وإن كان فى إمساك الكلام سمى كتمانا ، كما قال عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يوم الدار : " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد عهد إلي عهدا ، فأنا صابر عليه " (4) .
والصبر قد يطلق على بعض المعانى الاصطلاحية مثل :
أ- قتل الصبر : وهو أن يقيد الكائن الحى ثم يرمى حتى الموت ، فعن أبى أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - ، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن قتل الصبر ، فوالذي نفسي ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الحج برقم (1377) 2/1004 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب المرضى برقم (5653) 10/120 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب الزكاة برقم (1469) 3/392 .
4. أخرجه الترمذى فى المناقب برقم (3711) وقال الألبانى : صحيح 5/ 631.
بيده لو كانت دجاجة ما صبرتها ) (1) ، وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتل شيء من الدواب صبرا " (2) .(11/81)
ب- الصبر : يقال لعصارة شجرة مرة تستعمل كدواء ، وعن أم سلمة قالت حين توفي أبو سلمة : جعلت على عيني صبرا ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ما هذا يا أم سلمة ؟ قلت : إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب ، قال : إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل ، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء ، فإنه خضاب ، قلت : بأي شيء أمتشط يا رسول الله ؟ قال : بالسدر تغلفين به رأسك ) (3) .
ج - شهر الصبر : شهر رمضان ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر " (4) .
صدق الله العظيم الصبر فى الاصطلاح الصوفى :
الصبر عند الصوفية عبارة عن حبس النفس على الطاعات ، ولزوم الأمر والنهى ثم على ترك رؤية الأعمال ، وترك الدعوى مع مطالبة الباطن بذلك والثبات على مقامات البلايا ، حتى يصير كل بلاء ومحنة بتلك الرؤية عطاء ومنحة ، ويصير وظيفة السالك ومقامه شكرا بعد أن كان صبرا ، فالصبر عندهم يشمل جميع المقامات والأخلاق والأعمال والأحوال ، فإن جميع ذلك لا ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أبو داود فى كتاب الجهاد برقم (2687) وقال الألبانى : ضعيف 3/60 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب الذبائح برقم (1959) 3/1550 .
3. أخرجه النسائى فى كتاب الطلاق برقم (3537) وقال الألبانى : ضعيف 6/204 .
4. أخرجه النسائى فى الصيام برقم (2408) وقال الألبانى : صحيح 4/218 .
يتحقق إلا بحمل النفس على الثبات فى التوجه إلى تحققه ، وعلى مقاساة الشدة فى تصحيحه (1) .
روى عن بشر الحافى (ت:227هـ) أنه قال : ( الصبر الجميل هو الذى لا شكوى فيه إلى الناس ) (2) .
ويقسم أبو سعيد الخراز (ت:279هـ) الصبر إلى أنواع (3) :
[1] - أولها :?الصبر على آداء فرائض الله تعالى على كل حال ، فى الشدة والرخاء والعافية والبلاء طوعا وكرها?.(11/82)
[2] - ثانيها :?الصبر عن كل ما نهى الله تعالى عنه ، ومنع النفس من كل ما مالت إليه بهواها مما لا يرضى الله ، وهذه الدرجة وما سبقها هما فرض على العباد أن يعملوا بهما .
[3] - ثالثها : الصبر على النوافل ، وأعمال البر وما يقرب العبد إلى الله تعالى فيحمل نفسه على بلوغ الغاية للذى رجاه من ثواب الله عز وجل .
[4] - رابعها : الصبر على قبول الحق ممن جاء به من الناس ودعا إليه بالنصيحة فيقبل منه ، لأن الحق رسول من الله جل ذكره إلى العباد ولا يجوز لهم رده ، فمن ترك قبول الحق ورده فإنما يرد على الله تعالى أمره .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/54 بتصرف .
2. طبقات الصوفية ص43 .
3. كتاب الصدق لأبى سعيد الخراز ص 19 بتصرف .
[5] - خامسها :?الصبر على احتمال مكروه النفس ، فإذا وقع بها ما تكرهه تجرع العبد ذلك ، وترك البث والشكوى ، وكتم ما نزل بها كما قال تعالى : { وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنْ النَّاسِ } [آل عمران/134] ، فالعبد كتم ما كره وشق على نفسه احتماله فصار بذلك صابرا .
ويروى عن إبراهيم الخواص (ت:291هـ) أنه قال : ( الصبر هو الثبات على أحكام الكتاب والسنة ) (1) ، ويذكر لسهل التسترى (ت:294هـ) أنه قال : ( الصبر تصديق الصدق ، الصالحون فى المؤمنين قليل ، والصادقون فى الصالحين قليل ، والصابرون فى الصادقين قليل ، وأفضل منازل الطاعة الصبر على المعصية ، ثم الصبر على الطاعة ، وقال تعالى : { اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا } [الأعراف/128] أى استعينوا بالله على أمر الله ، واصبروا على أدب الله ) (2) .
وللصوفية أيضا كلام نفيس فى الصبر يعبر عن الأصول القرآنية والنبوية ، منه ما روى عن عمرو بن عثمان المكى (ت:297هـ) أنه قال : ( الصبر هو الثياب مع الله سبحانه وتعالى ، وتلقى بلائه بالرحب والدعة ) (3) .(11/83)
وعنه أيضا : ( لقد وبخ الله تعالى التاركين للصبر على دينهم بما أخبرنا عن الكفار أنهم قالوا : { امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلهَتِكُمْ } [ص/6] ، فهذا توبيخ لمن ترك ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 1/ 455 .
2. قوت القلوب 1/194 ، والتعرف ص 94 .
3. طبقات الصوفية ص203 .
الصبر من المؤمنين على دينه ) (1) ، وذكر عن الجنيد (ت:298هـ) أنه سئل عن الصبر ؟ فقال : ( هو تجرع المرارة من غير تعبيس ) (2) ، وروى عنه أيضا أنه قال : ( المسير من الدنيا إلى الآخرة سهل هين على المؤمن ، وهجران الخلق فى طاعة الله تعالى شديد ، والمسير من النفس إلى الله تعالى صعب شديد والصبر مع الله أشد ) (3) .
وقال أبو طالب المكى (ت:386هـ) : الصبر يحتاج إليه العبد قبل العمل ومعه وبعده (4) :
(1- الصبر قبل العمل ، أن يصبر على تصحيح النية وعزم العقود والوفاء بها حتى تصح الأعمال ، لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) (5) ، وقال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلا ليَعْبُدُوا اللهَ مُخْلصِينَ لهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } [البينة/5] ، وحقيقة النية الإخلاص ، ولأن الله تعالى قدم الصبر على العمل ، فقال تعالى : { إِلا الذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلوا الصَّالحَاتِ أُوْلئِكَ لهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [هود/11] .
ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 1/455?.
2. السابق 1/454 .
3. السابق 1/454 .
4. قوت القلوب 1/196 .
5. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الوحى برقم (1) 1/15.
(2- والصبر مع العمل ، التأنى فيه حتى يتم ويعمل ، لقوله تعالى : { نِعْمَ أَجْرُ العَامِلينَ الذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلونَ } [العنكبوت/59:58] .(11/84)
(3- والصبر بعد العمل ، هو الصبر على كتمه وترك التظاهر به والنظر إليه ليخلص من السمعة والعجب ، فيكمل ثوابه كما خلص من الرياء ، كما قال تعالى : { أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَلا تُبْطِلوا أَعْمَالكُمْ } [محمد/33] ، وقال تعالى فى مثله : { لا تُبْطِلوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذَى } [البقرة/264] .
وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( الصبر على أقسام : صبر على ما هو كسب للعبد ، وصبر على ما ليس بكسب له ، فالصبر على المكتسب على قسمين : صبر على ما أمر الله تعالى به ، وصبر على ما نهى عنه ، وأما الصبر على ما ليس بمكتسب للعبد : فصبره على مقاساة ما يتصل به من حكم فيما يناله فيه مشقة ) (1) .
**********************************
83 - الصدق
**********************************
صدق الله العظيم الصدق : الصدق ضد الكذب ، وهو مطابقة القول والفعل فى الظاهر لما فى الضمير من قول أو فعل ، ويسرى ذلك فى نوعى الكلام الخبر والإنشاء فالصدق فى الخبر وقوعه على نحو يوافق حقيقة المخبر عنه ، والصدق فى الأمر
ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 1/454:453 .
تنفيذه على النحو المطلوب (1) ، ومن أمثلة ذلك :(11/85)
أ- الصدق مطابقة القول حقيقة المخبر عنه ، ووقوعه على نحو يتوافق مع الحقيقة نحو قوله : { قَالوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لنَا وَلوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [يوسف/17] ، وقوله : { ثُمَّ لنَقُولنَّ لوَليِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلكَ أَهْلهِ وَإِنَّا لصَادِقُونَ } [النمل/49] وقوله : { إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ } [مريم/54] ، ومن السنة ما روى عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : " يا رسول الله ، إن الله إنما نجاني بالصدق ، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت ، فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن مما أبلاني ، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومي هذا كذبا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت ، وأنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - : { لقَدْ تَابَ اللهُ عَلى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ العُسْرَةِ.. إلى قوله .. وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [التوبة/117] (2) .
وعن سعيد بن جبير - رضي الله عنه - ، قال : " سألت ابن عمر عن حديث المتلاعنين فقال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمتلاعنين : " حسابكما على الله ، أحدكما كاذب ، لا سبيل لك عليها ، قال : مالي ، قال : لا مال لك ، إن كنت صدقت عليها فهو ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 10/193 ، المفردات ص277 ، وكتاب العين 5/56 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب المغازى برقم (4418) 7/717 .
بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كذبت عليها ، فذاك أبعد لك " (1) .(11/86)
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : " بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ذات يوم إذ طلع علينا رجل ، شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال : صدقت ، قال : فعجبنا له يسأله ويصدقه " (2) .
وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - ، قال : " شهدنا خيبر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل ممن معه يدعي الإسلام : هذا من أهل النار ، فلما حضر القتال ، قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة ، فكاد بعض الناس يرتاب ، فوجد الرجل ألم الجراحة ، فأهوى بيده إلى كنانته ، فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه فاشتد رجال من المسلمين ، فقالوا : يا رسول الله صدق الله حديثك ، انتحر فلان فقتل نفسه ، فقال : قم يا فلان فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الطلاق برقم (5312) 9/367 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (8) 1/36 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب المغازى برقم (4204) 7/538 .(11/87)
وعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها ، قالت : " دخلت علي عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ السَّعْدِيِّ ، فقالتا لي : إن أهل القبور يعذبون في قبورهم فَكَذَّبْتُهُمَا وَلمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا فخرجتا ، ودخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت له : يا رسول الله إن عجوزين وذكرت له ، فقال : صَدَقَتَا إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ البَهَائِمُ كُلهَا " (1) .
ب- الصدق تنفيذ الأمر أو مطابقة الفعل للحقيقة ، ومثاله قوله تعالى : { وَإِذَا قِيل لهُمْ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للمُكَذِّبِينَ } [المرسلات/48] ، ومن السنة ما روى عن سعيد المقبري عن أبيه - رضي الله عنه - ، قال : " كنا في جنازة ، فأخذ أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - بيد مروان ، فجلسا قبل أن توضع ، فجاء أبو سعيد - رضي الله عنه - فأخذ بيد مروان ، فقال : قم فوالله لقد علم هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن ذلك فقال أبو هريرة - رضي الله عنه - : صدق " (2) ، وعن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - ، قال : جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا ، فإذا هو يسأل عن الإسلام ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خمس صلوات في اليوم والليلة ، فقال : هل علي غيرها ؟ ، قال : لا ، إلا أن تطوع ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وصيام رمضان ، قال : هل علي غيره ؟ ، قال : لا ، إلا أن تطوع ، قال وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة ، قال : هل علي غيرها ؟ ، قال : لا ، إلا أن ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الدعوات برقم (6366) 11/178 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز برقم (1309) 3/212 .(11/88)
تطوع ، قال : فأدبر الرجل ، وهو يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أفلح إن صدق " (1) .
ج- الصدق مطابقة القول الظاهر للباطن ومثاله ، قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل : " ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه ، إلا حرمه الله على النار ، قال : يا رسول الله ، أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال : إذا يتكلوا ، وأخبر بها معاذ عند موته تأثما " (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : " لما فتحت خيبر ، أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - شاة فيها سم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اجمعوا إلي من كان ها هنا من يهود ، فجمعوا له ، فقال : إني سائلكم عن شيء ، فهل أنتم صادقي عنه ؟ فقالوا : نعم ، قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : من أبوكم ؟ قالوا : فلان ، فقال : كذبتم ، بل أبوكم فلان ، قالوا : صدقت قال : فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه ؟ فقالوا : نعم يا أبا القاسم وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا ، فقال لهم : من أهل النار ؟ قالوا : نكون فيها يسيرا ، ثم تخلفونا فيها ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اخسئوا فيها ، والله لا نخلفكم فيها أبدا ، ثم قال : هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ فقالوا : نعم يا أبا القاسم ، قال : هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ قالوا : نعم قال : ما حملكم على ذلك ؟ ، قالوا : أردنا إن كنت كاذبا نستريح ، وإن ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان برقم (46) 1/130 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب العلم برقم (128) 1/272 .
كنت نبيا لم يضرك ) (1) .(11/89)
د- الصدق مطابقة الفعل الظاهر للفعل الباطن ومثاله ، ما روى عن خزيمة بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - ، أنه رأى في المنام أنه سجد على جبهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فاضطجع له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : صدق بذلك رؤياك فسجد على جبهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (2) ، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - ، قال : " ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا ، أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العينين النظر ، وزنا اللسان النطق ، والنفس تمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ) (3) .
هـ- الصدق مطابقة القول والفعل الظاهر والباطن للحقيقة ، وهو الصدق بالمعنى العام الشامل لكل ما تقدم ، ومثاله ما روى عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنا أول شفيع في الجنة ، لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت ، وإن من الأنبياء نبيا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد " (4) ، وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الجزية برقم (3169) 6/314 .
2. صحيح الإسناد ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (21375) .
3. أخرجه مسلم فى كتاب القدر برقم (2657) 4/2046 .
4. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (196) 1/188 .(11/90)
الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا " (1) ، وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن?صدقا وبينا ، بورك لهما في بيعهما ، وإن كذبا وكتما ، محق بركة بيعهما " (2) .
صدق الله العظيم الصدق فى الاصطلاح الصوفى :
الصدق فى الاصطلاح الصوفى ،هو الموافقة للحق فى الأقوال والأفعال والأحوال ، وذلك لا يتم إلا ممن كمل فى قوة ضبطه لنفسه فى جانبى العلم والعمل (3) ، روى عن أحمد بن خضرويه (ت:240هـ) قال : ( من أراد أن يكون الله معه فليلزم الصدق ، فإن الله تعالى قال : { إن الله مع الصادقين } وضد الصدق الرياء والكذب ) (4) .
وقال الحارث بن أسد المحاسبى (ت:243هـ) : ( الصدق قول باللسان مع إضمار القلب حالة واحدة ، لا يخالف أحدهما صاحبه ، وأصل الصدق المعرفة لأنك لا تصدق إلا من تعلم أنه يراك ويسمعك ، وهو قادر على عقوبتك وعلمك أنه لا ينجيك منه إلا الصدق له ، فوقع حينئذ الصدق ضرورة فالمعرفة ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الأدب برقم (6094) 10/523 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب البيوع برقم (1532) 3/1164 .
3. لطائف الإعلام 2/59 بتصرف .
4. سراج القلوب على هامش قوت القلوب 2/208 .
أصل الصدق ، والصدق أصل لسائر أعمال البر ، وعلى قدر قوة الصدق يزداد العبد فى أعمال البر ، والصدق موهبة من الله عز وجل ، فإذا وقر فى القلب انصدع لذلك نور ، وكان له هياج فى القلب ، وأخذ بالرأس ، وانتشر فى سائر الجسد ، فتأخذ كل جارحة منه قسطها من الصدق على قدر الكثرة والقلة من هيجان الصدق ، وعلى قدر ما وافق من ذلك رقة القلب وصحة العقل ) (1) كما بين أن الصدق كائن فى النية واللسان والعمل (2) :
1- فأما صدق النية فهو : أن يبدلها القلب خوف عقاب أو رجاء ثواب لا يريد بذلك غير الله عز وجل .(11/91)
2- وأما صدق اللسان فهو : أن يطلقه إذا قام له شاهد من الحق ، وكان التخلف عن اللفظ وهنا فى صدقه .
3- وأما صدق العمل فهو : الهجوم على ما عزم عليه بترك روح النفس حتى يصير إلى ما عزم عليه من العمل ، فيتمه بالحرص عليه والانكماش وخوف الفوت ودرك الأمل ، لا يقطعه عنه قاطع ولا يمنعه عنه مانع .
وقال أبو سعيد الخراز (ت:279هـ) : ( الصدق اسم للمعانى كلها ، وهو داخل فيها ، وذلك أنه لا بد للمريد المحقق فى إيمانه والمطالب لسلوك سبيل النجاة ، من معرفة ثلاثة أصول يعمل بها ، فبذلك يقوى إيمانه وتقوم حقائقه ــــــــــــــــــــ
1. القصد والرجوع إلى الله للحارث المحاسبى ص61 .
2. السابق ص60 .
وتثبت فروعه ، فتصفو عند ذلك الأعمال وتخلص إن شاء الله ، فأولها الإخلاص لقول الله عز وجل : { فَاعْبُدْ اللهَ مُخْلصًا لهُ الدِّينَ } [الزمر/2] ، ثم الصدق لقول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [التوبة/119] ، ثم الصبر : لقول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } [آل عمران/200] ، ثم قال : ( وهذه ثلاثة أسام لمعان مختلفة ، وهى داخلة فى جميع الأعمال ، ولا تتم الأعمال إلا بها ، فإذا فارقت الأعمال فسدت ولم تتم ، ولا يتم بعض هذه الأصول الثلاثة إلا ببعض ، فمتى فقد أحدها تعطل الآخر ، فالإخلاص لا يتم إلا بالصدق فيه والصبر عليه والصبر لا يتم إلا بالصدق فيه والإخلاص فيه ، والصدق لا يتم إلا بالصبر عليه والإخلاص فيه ) (1) .
وروى عن أبى بكر الواسطى (ت:320 هـ) معنى جامع فى الصدق ، فقال : ( الصدق صحة التوحيد مع القصد ) (2) .(11/92)
وقال ابو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( الصدق عماد الأمر ، وبه تمامه وفيه نظامه ، وهو تالى درجة النبوة ، قال الله تعالى : { فَأُوْلئِكَ مَعَ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَليْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ } [النساء/69] ، وأقل الصدق استواء السر والعلانية ، والصادق من صدق فى أقواله ، والصديق من صدق فى جميع أقواله وأفعاله وأحواله ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ ــــــــــــــــــــ
1. كتاب الصدق ص15:14 .
2. الرسالة القشيرية 2/450.
الصَّادِقِينَ } (1) ، وقد ذكر الكاشانى بعض الاصطلاحات الصوفية فى الصدق فعد منها (2) :
صدق الأقوال : وهو موافقة الضمير المنطق ، بحيث يكون الصادق من كان وصف قلبه يطابق ما نطق به لسانه ، كقول الجنيد : (حقيقة الصدق أن تصدق فى موطن لا ينجيك فيه إلا الكذب ) .
صدق الأفعال : وهو الوفاء لله بالعمل من غير مداهنة ، ولهذا قال المحاسبى : الصادق هو الذى لا يبالى لو خرج كل قدر له فى قلوب الخلق من أجل إصلاح قلبه ، ولا يحب إطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله ولا يكره أن يطلع الناس على السئ من حاله ، لأن كراهته لذلك دليل على أنه يحب الزيادة عندهم ، وليس هذا من أخلاق الصديقين .
صدق الأحوال : وهو اجتماع الهم على الحق ، بحيث لا يختلج فى القلب تفرقة عن الحق بوجه .
صدق الهمة : وهو أن يبلغ العبد فى همته حدا لا يملك معه صرفا لقلبه عما التفتت إليه همته ، لأنه متى صدقت الهمة ارتفعت المهلة ، وزال التصبر لغلبة سلطان الهمة عليها ، ولهذا من بلغ به صدق همته فى طلب ربه إلى هذا الحد الذى لا يصلح لصاحبه أن يملك معه التفاتا إلى غير ما يقتضيه حكم ــــــــــــــــــــ
1. السابق 2/452 .
2. لطائف الإعلام 2/60:59 .(11/93)
ملك الهمة ، لانقهاره تحت غلبة سلطانها ، كان سريعا ما يصير من أهل المحبة التى من بلغ إليها اتصل بأرباب السير فى درجات الارتقاء إلى مراتب الكمالات من غير نهاية .
صدق النور : ويعنون به الكشف الذى لا استتار بعده ، وإنما سمى بذلك تشبيها بنور البرق إذا ظهر صدقه ، وذلك عندما يأتى المطر ، فهكذا فيما يبدو للسالك من الأنوار التى تظهر مرارا ثم تختفى وذلك ما دام لم يبلغ بعد فى سيره إلى حضرة الجمع ، فإذا بلغها لم يصح حينئذ اختفاء النور إذ لا ظلمة هناك ، فلهذا سمى البلوغ إليها بصدق النور أى أن النور الذى كان الحال فيه مشتبها قبل ذلك عندما كان يظهر ثم يستتر قد تبين صدقه عند الوصول إلى مقام الجمع الذى لا ظلمة فيه .
**********************************
84- الصفاء
**********************************
صدق الله العظيم الصفاء : أصل الصفاء خلوص الشئ من الشوب ، ومنه الصفا والصفوان للحجارة الصافية ، قال تعالى : { كَمَثَل صَفْوَانٍ عَليْهِ تُرَابٌ } [البقرة/264] وقال سبحانه : { إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ } [البقرة/158] وذلك اسم لموضع مخصوص ، والصفاء يقال فى المحسوسات وغيرها (1) :
ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص283 ، وكتاب العين للخليل بن أحمد 7/162.(11/94)
أ- فمن الأول : قول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : " والذي لا إله إلا هو ، ما أذكر ما غبر من الدنيا إلا كالثغب شرب صفوه وبقي كدره " (1) ، وعنه أيضا - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن المرأة من نساء أهل الجنة ، ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها ، وذلك بأن الله تعالى يقول : { كَأَنَّهُنَّ اليَاقُوتُ وَالمَرْجَانُ } [الرحمن/58] ، فأما الياقوت ، فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لأريته من ورائه ) (2) ، وعن سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - ، قال : " إنما سميت الخمر ، لأنها تركت حتى مضى صفوها وبقي كدرها ، وكان يكره كل شيء ينبذ على عكر " (3) ، ومن حديث أنس بن مالك رضى الله عنه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما مثل المريض إذا برأ وصح ، كالبردة تقع من السماء في صفائها ولونها " (4) .
ب- ومن الثانى : الصفاء الإيمانى أو الاصطفاء ، كاصطفاء الله بعض عباده للرسالة والنبوة ، فالاصطفاء تناول صفو الشئ ، كما أن الاختيار تناول خيره قال تعالى : { اللهُ يَصْطَفِي مِنْ المَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنْ النَّاسِ } [الحج/75] ، وقال ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد برقم (2964) 6/139 .
2. أخرجه الترمذى فى كتاب صفة الجنة برقم (2533) 4/676 .
3. أخرجه النسائى فى الأشربة برقم (5746) قال الألبانى : صحيح الإسناد 8/334 .
4. أخرجه الترمذى فى كتاب الطب برقم (2086) 4/411 وأخرجه ابن أبى الدنيا فى المرض والكفارات برقم (22) ص 34 وفيه الوليد بن محمد الموقرى وهو متروك .(11/95)
سبحانه وتعالى : { إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآل إِبْرَاهِيمَ وَآل عِمْرَانَ عَلى العَالمِينَ } [آل عمران/33] ، وقال حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا ، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير على قلبين ، أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا ، لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه " (1) .
وقد يستعمل الصفاء فى بعض المعانى الاصطلاحية مثل ، اطلاق مصطلح الصفى على خير ما يعار للصدقة ، كما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " نِعْمَ المَنِيحَةُ اللقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً ، وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ تَغْدُو بِإِنَاءٍ وَتَرُوحُ بِإِنَاءٍ " (2) ، واطلاق مصطلح الصفي على أعظم نعمة فى الإنسان وهى نعمة البصر ، كما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء ، إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة " (3) ، واطلاق مصطلح الصفى على السهم الذى يؤخذ من الغنيمة قبل قسمتها ، مثل ما روى عن عامر الشعبي - رضي الله عنه - ، قال : " كان للنبي ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (144) 1/128 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الهبة برقم (2629) 5/287 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق برقم (6424) 11/246 .
صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي ، إن شاء عبدا وإن شاء أمة وإن شاء فرسا ، يختاره قبل الخمس " (1) .
صدق الله العظيم الصفاء فى الاصطلاح الصوفى :(11/96)
الصفاء فى الاصطلاح الصوفى أصل من الأصول التى يرد إليها مصطلح التصوف ، فمن المعلوم أن المسلك الصوفي ، مبنى على التخلص من الشوائب الحاجبة والتحرر مما سوى الله ، ولما كانت النسبة إلى الصوف نسبة إلى المظهر كانت النسبة إلى الصفاء نسبة إلى صفاء الجوهر ، إذ أنهم يعتبرون التصوف أسمى الطرق وأعلاها كمالا وتحققا .
روى عن ابن عطاء الأدمى (ت:311هـ) أنه قال : ( لا تغتروا بصفاء العبودية ، فإن فيها نسيان الربوبية لأنها ممازجة الطبع ورؤية الفعل ) (2) ، وروى عن أبى بكر الكتانى أنه سئل (ت:322هـ) عن الصفاء ؟ ، فقال : مزايلة المذمومات (3) .
وقال السراج الطوسى (ت:378هـ) : ( الصفاء ما خلص من ممازجة الطبع ورؤية الفعل من الحقائق فى الحين ) (4) وقال الهجويرى (ت:465هـ) :
إن الصفا صفة الصديق : إذا أردت صوفيا على التحقيق (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أبو داود فى الخراج برقم (2991) قال الألبانى : ضعيف الإسناد 3/152 .
2. اللمع ص114 .
3. السابق ص114 .
4. السابق ص114 . 5. كشف المحجوب ص40 .(11/97)
ويتابع قائلا : ( ذلك أن للصفاء أصل وفرع ، فأصله انتزاع القلب من الأغيار ، وفرعه نفض اليد من هذه الدنيا الخادعة ، وكانت هاتان الصفتان تميزان الصديق أبا بكر ، حيث تعلق قلبه بربه عند موت النبى ، ولم ينظر إلى ما حدث من تبديل الحياة بالموت ، ولكنه نظر إلى الله الذى بدل كل شئ ، ومن ثم تحقق فيه أصل الصفاء وهو انتزاع القلب من الأغيار ، وأما فرع الصفاء فهو نفض اليد من هذه الدنيا الخادعة ، حيث تبرع أبو بكر - رضي الله عنه - بماله كله ومواليه وارتدى رداء الصوف ، على حد قول الهجويرى ، ثم جاء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فسأله : وما خلفت لعيالك ؟ ، فأجابه أبو بكر ، تركت لهم الله ورسوله ، فهو إمام أهل هذه الطريقة ، إن الصفا عكس للكدر ، والكدر من صفات الإنسان ولهذا فإن الصوفى الحقيقى ، هو من يترك الكدر وراء ظهره ) (1) ، ويذكر الكاشانى فى معنى الصفاء اصطلاحات غريبة عن منهج القرآن منها (2) :
(1- الصفاء : وهو اسم للبراءة من الكدر عن قلب صفا من الصدأ ، الصاد له عن سلوك سواء طريق أرباب الوفاء ، وإنما يصفو القلب عند انطواء حظ ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص41 ، ليس من شك أن السعى إلى الصفاء والتحرر من قيود المعصية هو دين الله عز وجل ، وهو عام فى كل قول وفعل ، بل يمكن القول إنه شرط الإسلام لقبول العمل ، ولكن بضوابط العبودية الممثلة فى ركنيها الأساسيين ، الإخلاص والمتابعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وكلام الهجويرى فيه نظر تقدم تفصيله فى الفصل السادس من القسم الأول .
2. لطائف الإعلام 2/62:61 .
العبودية فى حق الربوبية ، وقد يتبين له أن السلوك إنما كان لرجوعه عن حجابية ظلمة خلقيته إلى كشف أنوار حقيته بعد فنائه عن ظلمة الحدث فى نور الأزل .(11/98)
(2- صفاء خلاصة خاصة الخاصة : ويعنى به من تحقق بمقام الأكملية ، الذى هو مظهرية التعين ، بمظهرية التعين الثانى ، وذلك فى باب الحقيقة الإنسانية وهو خلاصة خاصة الخاصة .
(3- صفوة صفاء خلاصة خاصة الخاصة : هم صفاء الخلاصة ، وقد يعنى بصفوة الصفاء ، قوم هم فوق هذا المقام ، فإن صفاء الخلاصة هم أهل الأفق العلى ، وأما صفوة الصفاء فهم أهل الأفق الأعلى ، الذى هو مقام أحدية الجمع ومقام أو أدنى .
**********************************
85 - الطهارة
**********************************
صدق الله العظيم الطهارة : الطهارة نقيد النجاسة وهى ضربان (1) :
أ- طهارة الجسم الظاهر من النجاسات الحسية ومثاله ، ما ورد فى قول الله تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } [المائدة/6] ، وقوله سبحانه : { وَيَسْأَلونَكَ عَنْ المَحِيضِ قُل هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللهُ } [البقرة/222] .
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 4/504 ، المفردات ص308 ، كتاب العين 4/18 .(11/99)
ومما ورد فى السنة ، ما روى عن أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنها ، قالت : " سمعت امرأة تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر أتصلي فيه ؟ ، قال : تنظر فإن رأت فيه دما ، فلتقرصه بشيء من ماء ، ولتنضح ما لم تر ، ولتصل فيه " (1) ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " البحر الطهور ماؤه الحل ميتته " (2) ، وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قال : " كنا نعد الآيات بركة ، وأنتم تعدونها تخويفا ، كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فقل الماء فقال : اطلبوا فضلة من ماء ، فجاءوا بإناء فيه ماء قليل ، فأدخل يده في الإناء ثم قال : حي على الطهور المبارك ، والبركة من الله ، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل " (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب ، أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب " (4) ، وعن عائشة رضى الله عنها ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : " سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جلود الميتة ؟ فقال : دباغها طهورها " (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أبو داود فى الطهارة برقم (360) 1/99 ومسلم برقم (291) 1/420 .
2. أخرجه ابن ماجة فى الصيد (3246) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 2/1081 .
3. أخرجه البخارى فى المناقب برقم (3579) 6/679 .
4. أخرجه مسلم فى كتاب الطهارة برقم (279) 1/346 .
5. أخرجه أحمد فى المسند (24688) واللفظ له ، ومسلم برقم (366) 1/277 .(11/100)
ب- طهارة القلب فى الباطن من النجاسات المعنوية ، كالشرك وسائر الذنوب ومثاله ما ورد فى قوله تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَل عَليْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لهُمْ } [التوبة/103] ، وقوله : { وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلكُمْ أَطْهَرُ لقُلوبِكُمْ وَقُلوبِهِنَّ } [الأحزاب/53] وقد تحتمل الآية الدلالة على الطهارة الحسية والمعنوية معا ، كقوله تعالى : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي للطَّائِفِينَ وَالقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } [الحج/26] وقوله تعالى : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالوا أَخْرِجُوا آل لوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } [النمل/56] ، على اعتبار أن فعل اللواط يرتبط بمحل النجاسة وهو من أقبح الذنوب ، ومما ورد فى السنة حديث عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " اللهم لك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد ، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا ، كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ " (1) ، وعن بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - ، قال : " جاء ماعز بن مالك - رضي الله عنه - ، إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله طهرني ، فقال : ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه ، قال فرجع غير بعيد ثم جاء ، فقال : يا رسول الله طهرني ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه ، حتى إذا كانت الرابعة ، قال له رسول الله : فيم أطهرك ؟ فقال : من الزنى " (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الصلاة برقم (476) 1/346 .(11/101)
2. أخرجه مسلم فى كتاب الحدود برقم (1695) 3/1321 .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أعرابي يعوده وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل على مريض يعوده قال : لا بأس طهور إن شاء الله ، فقال له : لا بأس طهور إن شاء?الله ، قال : قلت : طهور ؟ ، كلا ، بل هي حمى تفور أو تثور على شيخ كبير تزيره القبور ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فنعم إذا? " (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيه في بعض طريق المدينة ، وهو جنب فانخنس منه ، فذهب فاغتسل ثم جاء ، فقال : أين كنت يا أبا هريرة ؟ ، قال : كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة ، فقال : سبحان الله ، إن المسلم لا ينجس " (2) .
صدق الله العظيم الطهارة فى الاصطلاح الصوفى :
الطهارة فى الاصطلاح الصوفى ترد على المعنى الظاهر فى الشرع ، وعلى معنى باطن يعنى التخلى عن رذائل الأخلاق ليصح التحلى بحميدها ، فمن الطهارة على المعنى الأول ، قول السراج الطوسى : ( ومن آدابهم أيضا أن يكونوا دائما على الطهارة فى سفرهم ، وأصلهم فى ذلك ، أنهم لا يدرون متى تأتيهم المنية لقول الله تعالى :
{ فَإِذَا جَاءَ أَجَلهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ } [ الأعراف/34] يريدون بذلك إن جاءهم الموت بغتة ، يخرجوا من الدنيا على الطهارة ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب برقم (3616) 6/722 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الغسل برقم (283) 1/464 .
3. اللمع ص198:197.
وسئل الحارث بن أسد المحاسبى عما يطهر القلوب ويجلى صدءها ويقويها على دفع هواها ؟ ، فقال : ( قطع الشهوة ، وعدم الميل إلى الرخصة ، والفرار من تأويل الغرة ، التقلل من المطعم والمشرب ، وإصلاح القوت ) (1) .(11/102)
ويذكر السراج الطوسى أن طائفة من الصوفية ادعت الصفاء والطهارة على الكمال والدوام ، وأن ذلك لا يزول عنهم ، وزعموا أن العبد يصفوا من جميع الكدورات والعلل بمعنى البينونة منها ، وقد غلطوا فى ذلك ، لأن العبد لا يصفوا على الدوام من جميع العلل ، وإن وقعت له الطهارة وقتا ، فلا يخلو من العلل وإنما تصفو له وقتا دون وقت على مقدار أماكنهم ، فيذكر الله بنعت الصفاء والطهارة تكون لقلب العبد من الغل والحسد والشرك والتهم ، فأما الصفاء الذى لا يحتمل العلة ، والطهارة من جميع أوصاف البشرية على الدوام بلا تلوين ولا تغيير ، ليس ذلك من صفات الخلق ، لأن الله تعالى هو الذى لا تلحقه العلل ولا تقع عليه الأغيار ، والخلق مراد بالابتلاء ، أنى يخلون من العلل والأغيار وحكم العبد إذا كان ذلك كذلك ، أن يتوب إلى الله تعالى ، ويستغفر الله تعالى فى كل وقت ، لقول الله عز وجل : { وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لعَلكُمْ تُفْلحُونَ } [النور/31] ) (3) .
وقال أبو القاسم القشيرى : ( كما أن فى الشريعة لا تصح الصلاة بغير الطهور فلا تصح فى الحقيقة بغير طهور ، وكما أن للظاهر طهارة فللسرائر أيضا طهارة
ــــــــــــــــــــ
1. أعمال القلوب والجوارح ص120 ، وانظر القصد والرجوع إلى الله ص87 .
2. اللمع ص547 .
وطهارة الأبدان بماء السماء أى المطر ، وطهارة القلوب بماء الندم والخجل ثم بماء الحياء والوجل ، وكما يجب غسل الوجه عند القيام إلى الصلاة يجب صيانة الوجه عن التبذل للأشكال عن طلب خسائس الأعراض ، وكما يجب غسل اليدين فى الطهارة ، يجب قصرهما عن الحرام والشبهة ، وكما يجب مسح الرأس يجب صونه عن التواضع والخفض لكل أحد ، وكما يجب غسل الرجلين فى الطهارة يجب صونهما فى الطهارة الباطنة عن التنقل فيما لا يجوز " (1) .(11/103)
وقال أيضا فى قوله قوله جل ذكره : { وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } [النساء/43] ، ( كما يقتضى غسل جميع البدن فى الطهارة ، كذلك فى الطهارة الباطنة ما يوجب الاستقصاء ، وذلك عندما تقع للمريد فترة ، فيقوم بتجديد عقد وتأكيد عهد والتزام عزم وتسليم وقت واستدامة ندم واستشعار خجل ، وكما أنه إذا لم يجد المتطهر الماء ففرضه التيمم فكذلك إذا لم يجد المريد من يفيض عليه صوب همته ويغسله ببركات إشارته ويعينه بما يثوب به من زيادة حالته اشتغل بما تيسر له ، من اقتفاء آثارهم والاستراحة إلى ما يجد من سالف سيرهم وما ورد من حكاياتهم ) (2) .
وإذا كانت الطهارة فى الباطن عند القشيرى تعنى معنا بسيطا يتمثل فى التخلى ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإشارات 1/405 .
2. السابق 1/405 ، وتجدر الإشارة إلى أن التأويل الذى ذكره القشيرى تأويل باطنى لا تشهد له الأصول القرآنية والنبوية ولا يرقى إلى مستوى التفسير الإشارى المختلف فيه .
عن رذائل الأخلاق ومذمومها ، فإنها تعنى عند محى الدين بن عربى معنى أعمق يدل على فلسفة فى وحدة الوجود ، إذ يقول فى قوله تعالى :(11/104)
{ وَعَهِدْنَا إِلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي للطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } [البقرة/125] : ( أمرناهما بتطهير بيت القلب ، من قاذورات أحاديث النفس ، ونجاسات وساوس الشيطان ، وأرجاس دواعى الهوى ، وأدناس صفات القوى ، للطائفين أى السالكين المشتاقين الذين يدورون حول القلب فى سيرهم والعاكفين الواصلين إلى مقام القلب ، بالتوكل الذى هو توحيد الأفعال المقيمين فيه بلا تلوينات النفس وإزعاجها منه ، والركع أى الخاضعين الذين بلغوا إلى مقام تجلى الصفات وكمال مرتبة الرضا والسجود الفانين فى الوحدة ) (1) .
وقال أيضا فى قوله تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا } [النساء/42] ، بعداء عن الحق بالانجذاب إلى الجهة السفلية ، والإعراض عن الجهة العلوية ، والميل الكلى إلى النفس : { فَاطَّهَّرُوا } بكليتكم عن تلك الهيئة المظلمة ، والصفة الخبيثة الموجبة للبعد والاحتجاب ) (2) ، ويذكر الكاشانى أن الطهارة عند الصوفية على مراتب متعددة (3) :
1- طهارة البدن : وتسمى طهارة الظاهر ويعنى بها تطهير البدن من الأحداث والنجاسات العينية والحكمية ، وبذلك يتميز البشر عما سواه من البهائم والأنعام .
ــــــــــــــــــــ
1. تفسير القرآن الكريم لابن عربى 1/84 .
2. السابق 1/314 .
3. لطائف الإعلام 2/88:87 .
2- طهارة النفس : ويعنى بها طهارة الجوارح من الجرائم والآثار ، وبذلك تتميز نفوس المخبتين لله عمن عبد سواه ، فقد صار المرء فى تحققه بإنسانيته وتمييزها بين صفاتها الملكية والشيطانية ، وفى تخلقه بالأخلاق الإلهية واستكمال استغراقه فيها متوقفا فى جميع ذلك على التخلى عما يضاد ذلك ، ليصح له التحلى بما هو المقصود منها ، وذلك التحلى هو المعبر عنه بالطهارة .
3- الطهارة الصورية : هى طهارة الجوارح المعبر عنها بطهارة النفس .
4- الطهارة المعنوية : هى طهارة القلب .(11/105)
5- الطهارة الحقيقية : هى طهارة السر ، لأنها لا تجامعها نجاسة بوجه أصلا .
6- الطهارة المرآتية : يعنى بذلك كون العبد مرآة طاهرة من الأدناس الخلقية والانحرافات الإمكانية ، المقتضى حكم الطهارة بقاء ما يظهر فيه من الحقائق الإلهية على طهارتها بحيث لا تنصبغ تلك الصفات الإلهية عند ظهورها فى المطهر بأحكامه الكونية المشار إلى طهارة هذه المرتبة بقوله تعالى فى الحديث : " كنت سمعه وبصره .. إلخ " (1) .
ــــــــــــــــــــ
1. حديث قدسى أخرجه الإمام البخارى فى كتاب الرقاق برقم (6502) عن أبي هريرة رضى الله عنه .
**********************************
86 - العارف
**********************************
صدق الله العظيم العارف : المعرفة إدراك الشئ بتفكر وتدبر لأثره (1) ، وهى أخص من العلم لأنها تدل عليه باللزوم ، فكل معرفة لازمها العلم وليس العكس ، والعلم هو استيعاب العقل للحقائق والأشياء النافذة عبر الحواس ، فيضاده الجهل ، قال تعالى : { هَل عَلمْتُمْ مَا فَعَلتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلونَ } [يوسف/89] ، أما المعرفة فتلى العلم وهى استيعاب العقل مع استدعاء الإرادة للحقائق والأشياء الموجودة مسبقا فى ذاكرة الإنسان ، فالمعرفة تتطلب إدراك الشئ بتفكر وتدبر لأثره فى السابق واللاحق ، ولذا يضادها الإنكار ، ومعلوم أن الإنكار فعل الإرادة ، قال الله تعالى : { وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلوا عَليْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لهُ مُنكِرُونَ } [يوسف/58] ، فقوله : عرفهم ، يدل على علم يوسف - عليه السلام - بوجودهم واستدعاء ما يخصهم مما هو محفوظ فى ذاكرته ، ومما سبق من علامات أوصفات تميزهم ، أما إنكارهم له فلا ينفى علمهم بوجود العزيز أمامهم ، إنما ينفى أنهم عجزوا عن إدراكه ، وتمييز أوصافه المحفوظة لديهم كأخ لهم ، وقال سبحانه وتعالى : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } [النحل/83] .(11/106)
والمعرفة وصف الإنسان لأنه يحتاج إلى التذكر والتفكر ، واستدعاء العلم ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 9/236 ، المفردات ص331 ، مختار الصحاح 1/179 .
السابق المحفوظ لديه ، فالمعرفة لا تظهر إلا باعتبار تحصيل العلم بالشئ وتذكره أكثر من مرة ، ولذا يقال : الله يعلم كذا ، ولا يقال : يعرف كذا ، ولم تنسب المعرفة إلى الله فى القرآن والسنة ، وإنما نسب إليه العلم ، قال تعالى : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وَهُوَ الذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِالليْل وَيَعْلمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ } [الأنعام/59] .
والعارف هو المتصف بالمعرفة ، وقال تعالى عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - : { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَليْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَال نَبَّأَنِي العَليمُ الخَبِيرُ } [التحريم/3] .
وجميع الأدلة فى الكتاب والسنة فى معنى المعرفة ، تدور حول وجود العلم السابق بالشى محفوظا فى ذاكرة الإنسان ، ومثاله من القرآن قوله : { الذِينَ آتَيْنَاهُمْ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ ليَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلمُونَ } [البقرة/146] .(11/107)
ومما ورد فى السنة ما روى عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال لامرأة من أهله : تعرفين فلانة ؟ قالت : نعم ، قال : فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بها ، وهي تبكي عند قبر فقال : اتقي الله واصبري ، فقالت : إليك عني فإنك خلو من مصيبتي ، قال : فجاوزها ومضى ، فمر بها رجل فقال : ما قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ، قالت : ما عرفته ، قال إنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : فجاءت إلى بابه ، فلم تجد عليه بوابا فقالت : يا رسول الله ، والله ما عرفتك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الصبر عند
أول صدمة " (1) ، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : " أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الإسلام خير ؟ قال : تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " (2) ، وعن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : احجب نساءك ، قالت : فلم يفعل ، وكان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرجن ليلا إلى ليل قبل المناصع ، فخرجت سودة بنت زمعة وكانت امرأة طويلة ، فرآها عمر بن الخطاب وهو في المجلس فقال : عرفتك يا سودة ، حرصا على أن ينزل الحجاب ، قالت : فأنزل الله عز وجل آية الحجاب " (3) .
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أنه قال عن مقتل عمه أنس بن النضر يوم أحد : " فمضى فقتل ، فما عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه ، وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم " (4) .
وعن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - ، أنه قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة ؟ فقال : " تعرفها حولا ، فإن جاء صاحبها دفعتها إليه ، وإلا عرفت وكاءها وعفاصها ، ثم أفضها في مالك ، فإن جاء صاحبها فادفعها إليه " (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الأحكام برقم (7154) 13/142 .(11/108)
2. أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان برقم (12) 1/ 71.
3. أخرجه البخارى فى كتاب الاستئذان برقم (6240) 11/24 .
4. أخرجه البخارى فى كتاب المغازى برقم (4048) 7/411 .
5. أخرجه أبو داود فى اللقطة برقم (1701) قال الشيخ الألبانى : صحيح 2/134 .
وعن رجاء بن حيوة أن أبا أمامة رضي الله عنه قال : " فمرني يا رسول الله بأمر ينفعني الله به ، قال : عليك بالصوم ، فإنه لا مثل له ، وكان أبو أمامة لا يكاد يرى في بيته الدخان بالنهار ، فإذا رئي الدخان بالنهار عرفوا أن ضيفا اعتراهم مما كان يصوم هو وأهله " (1) ، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه ، أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -حمار وحش ، وهو بالأبواء ، وهو محرم ، فرده ، قال : صعب ، فلما عرف في وجهي رده هديتي ، قال : ليس بنا رد عليك ولكنا حرم (2) .
ومن الاصطلاحات المتعلقة بمادة المعرفة (3) ، العراف : وهو كالكاهن إلا أن العراف يختص بمن يخبر بالأحوال المستقبلة ، والكاهن بمن يخبر عن الأحوال الماضية ، وعن صفية ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " (4) ، والعرافة : القيام على أمور الناس ومصالحهم وقال مسلم بن شعبة : استعمل نافع بن علقمة أبي على عِرَافَةِ قَوْمِهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُمْ ) (5) ، ومعنى يصدقهم أى يعرفهم الصدقة ويأخذها منهم .
والمعروف اسم لكل فعل يعرف حسنه بالشرع أو العقل ، والمنكر ما ينكر ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أحمد برقم (21717) واللفظ له والنسائى فى الصيام (2220) 4/165 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الهبة برقم (2596) 5/ ص260 .
3. لسان العرب 1/179 ، كتاب العين للخليل بن أحمد 2/121 .
4. أخرجه مسلم فى كتاب السلام برقم (2230) 4/1751 .
5. أخرجه أبو داود فى الزكاة برقم (1581) قال الشيخ الألبانى : ضعيف 2/103 .(11/109)
بهما قال تعالى : { يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ المُنكَرِ } [التوبة/71] ، ولهذا قيل للاقتصاد فى الجود معروف ، لما كان ذلك مستحسنا فى الشرع والعقل ، نحو قوله تعالى : { وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } [النساء/6] .
صدق الله العظيم العارف فى الاصطلاح الصوفى :
المعرفة فى الاصطلاح الصوفى ، صفة من عرف الحق سبحانه بأسمائه وصفاته ثم صدق الله تعالى فى معاملاته ، ثم تنقى عن أخلاقه الرديئة وآفاته ، ثم طال بالباب وقوفه ودام بالقلب اعتكافه ، فحظى من الله تعالى بجميل إقباله ، وصدق الله فى جميع أحواله وانقطع عنه هواجس نفسه ، ولم يصغ بقلبه إلى خاطر يدعوه إلى غيره ، فإذا صار من الخلق أجنبيا ، ومن آفات نفسه بريا ، ومن المساكنات والملاحظات نقيا ، ودام فى السر مع الله تعالى مناجاته ، وحق فى كل لحظة إليه رجوعه ، وصار محدثا من قبل الحق سبحانه بتعريف أسراره فيما يجريه من تصاريف أقداره ، يسمى عند ذلك عارفا وتسمى حالته معرفة (1) .
ونادرا ما نجد صوفيا لم يتكلم فى المعرفة أو لم يسأل عنها ، روى عن أبى يزيد البسطامى (ت:234هـ) أنه سئل ما علامة العارف ؟ ، فقال : ألا يفتر من ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 2/601 ، انظر المزيد عن العارف والمعرفة للتوسع والمقارنة ، نظرية المعرفة بين الكندى وذى النون المصرى دراسة مقارنة بين الفلسفة والتصوف إعداد السيد رزق الحجر رسالة دكتوراه ، مخطوط كلية دار العلوم جامعة القاهرة سنة 1981م ، وانظر يضا ، نظرية المعرفة بين ابن رشد وابن عربى إعداد أحمد عبد المهيمن عبد الله رسالة ماجستير بالموضع السابق سنة 1994م .(11/110)
ذكره ولا يمل من حقه ، ولا يستأنس بغيره (1) ، وأجاب أيضا : ( العارف لا يرى فى نومه غير الله ، ولا فى يقظته غير الله ، ولا يوافق غير الله ، ولا يطالع غير الله تعالى ) (2) ، وسئل عن درجة العارف ؟ فقال : ليس هناك درجة بل أعلى فائدة العارف وجود معروفه (3) .
ويذكر لذى النون المصرى (ت:248هـ) أنه سئل عن نهاية العارف ؟ فأجاب قائلا : إذا كان كما كان حيث كان قبل أن يكون (4) ، ويعنى بذلك موافقته للميثاق الغيبى الذى أقر فيه بالتوحيد ، وأجاب مرة بقوله : ( هو رجل معهم باين عنهم ) (5) ، وأيضا سئل الجنيد (ت:297هـ) ما العارف ؟ فقال : من لم يأسره لحظه ولا لفظه (6) .
وقال السراج الطوسى (ت:378هـ) : سئل بعضهم ما المعرفة ؟ فقال : تحقيق القلب بإثبات وحدانيته بكمال صفاته وأسمائه ، فإنه المتفرد بالعز والقدرة والسلطان والعظمة ، الحى الدائم الذى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير بلا كيف ولا شبه ولا مثل ، بنفى الأضداد والأنداد والأسباب عن القلوب (7) .
ــــــــــــــــــــ
1. طبقات الصوفية ص72 .
2. الرسالة القشيرية2/606 .
3. طبقات الصوفية ص69 .
4. التعرف ص136. 5. السابق ص 136 .
6. طبقات الصوفية ص159. 7. اللمع ص63 .
ومن كلامهم فى وصف العارف والمعرفة ، ما قاله المحاسبى (ت:243هـ) : ( اعلم أن أهل المعرفة بالله بنوا أصول الأحوال على شاهد العلم ، وتفقهوا فى الفروع ألا ترى لقول النبى صلى الله عليه وسلم : " من عمل بما علم ورثه الله علم مالم يعلم " (1) ، وعلامة ذلك ، هو تزايد العلم بالإشفاق ، ومزيد العلم بالاقتدار فكلما ازداد علما ازداد خوفا وكلما ازداد عملا ازداد تواضعا ) (2) .(11/111)
وقال سهل بن عبد الله التسترى (ت:293هـ) : ( العارف الذى طلب معرفة الله وقربه ، وعلامة العارف أنه بذل ماله صحيحا ، أخرجه ثم روحه فأباحه ، فلو لم تكن جنة ولا نار ، لما زال ولا فتر ، وللعارف ثلاث حياءات وهى الحياة التى لا موت فيها ، فحياة الخائف إذا أمن النار فقد حي بحياة ، ثم ــــــــــــــــــــ
1. لم أجده فى كتب السنة ، وفى معناه أثر موقوف على على بن أبى طالب - رضي الله عنه - ، أخرجه الدارمى برقم (382) ولفظه : (يا حملة العلم ، اعملوا به ، فإنما العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله ، وسيكون أقوام يحملون العلم ، لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم ، وتخالف سريرتهم علانيتهم ، يجلسون حلقا فيباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه ، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله ) ولكنه أثر ضعيف فى سنده أبى الحسن بشر بن سلم الهمدانى وهو منكر الحديث ، انظر لسان الميزان ترجمة رقم (79) 2/23 ، والجرح والتعديل رقم (1365)2/358 ، وفيه أيضا أبو الجهم ثوير بن ابى فاختة الهاشمى وهو ضعيف انظر ضعفاء العقيلى رقم (226) 1/180 ، والمجروحين (146) 1/205 ، والجرح والتعديل (1920) 2/472 .
2. رسالة المسترشدين ص99،100 .
يتم بحياة ثانية ويدخل الجنة بغير حساب ، والراجى أمن من العذاب ومن الحساب فمر إلى الجنة مع السابقين بغير حساب ، فصار له أمانان ، وأما العارف فصار له أمانان من النار ، والأمان الثالث صار إلى الرحمن ) (1) ، وقال عبد الله بن خفيف (ت:371هـ) : ( المعرفة مطالعة القلوب لإفراده عن مطالعة تعريفه ) (2) .(11/112)
ويذكر أبو بكر الكلاباذى (ت:380هـ) فى المعرفة ، أن ابن عطاء الأدمى قال : ( تعرف إلى العامة بخلقه ، لقوله : { أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلى الإِبِل كَيْفَ خُلقَتْ } [الغاشية/17] وإلى الخاصة بكلامه وصفاته ، بقوله : { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ } [النساء/82] ، وقال تعالى : { وَنُنَزِّل مِنْ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ للمُؤْمِنِينَ } [الإسراء/82] ، وقال : { وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى } [الأعراف/180] وإلى الأنبياء بنفسه كما قال : { وَكَذَلكَ أَوْحَيْنَا إِليْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا } [الشورى/52] الآية وقال : { أَلمْ تَرَى إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّل } [الفرقان/45 ] ) (3) .
وقال أبو طالب المكى (ت:386هـ) : ( لا بد للعالم بالله تعالى من خمس هى علامة علماء الآخرة :
ــــــــــــــــــــ
1. كلام سهل ق102 وما بعدها ، مخطوط كبرولو 727 استانبول ، نشره الدكتور محمد كمال جعفر فى كتابه التصوف طريقة وتجربة ومذهبا ص 312 .
2. سيرة الشيخ الكبير ابن خفيف الشيرازى ص323 .
3. التعرف لمذهب أهل التصوف ص80 .
1- الخشية ، لقوله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلمَاءُ } [فاطر/28] .
2- الخشوع ، لقوله تعالى : { خَاشِعِينَ للهِ } [آل عمران/199] .
3- التواضع ، لقوله تعالى : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ للمُؤْمِنِينَ وَقُل إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ المُبِينُ } [الحجر/88] .
4- حسن الخلق ، لقول الله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللهِ لنْتَ لهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } [آل عمران/159] .
5- الزهد فى الدنيا قال الله تعالى : { وَقَال الذِينَ أُوتُوا العِلمَ وَيْلكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْر } [القصص/80 ] ، فمن وجد فيه هذه الخلال ، فهو من العلماء بالله عز وجل ) (1) .(11/113)
ويذكر الهجويرى (ت:465هـ) أن المعرفة هى حياة القلوب عن علام الغيوب ، وخلو السريرة عن كل ما سوى الله ، وقدر كل إنسان على حسب معرفته ، ومن كان على غير معرفة فليس بشئ ، فالمعرفة هى أساس كل خير فى الدنيا والآخرة ، لأن أهم الأشياء للإنسان فى كل أوقاته وأحواله ، هى معرفة الله سبحانه وتعالى ، كما قال جل وعلا : { وَمَا خَلقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلا ليَعْبُدُونِ } [الذاريات/56] أى ليعرفون ، لكن أكثر الناس يهملون هذا الواجب إلا من اختصهم الله ونجاهم من ظلمات الدنيا وأحيا قلوبهم لقوله تعالى : { وَجَعَلنَا لهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ } [الأنعام/122] ، يعنى عمر بن الخطاب { كَمَنْ مَثَلهُ فِي الظُّلمَاتِ } [الأنعام/122] يعنى أبا جهل (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. قوت القلوب 1/146 . 2. كشف المحجوب ص318 .
**********************************
87 - العامة
**********************************
صدق الله العظيم العامة : العامة ضد الخاصة ، والعام ورد فى القرآن على معنى اصطلاحى وهو الحول ، كقول الله تعالى : { فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَال كَمْ لبِثْتَ قَال لبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَال بَل لبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ } [البقرة/259] ، وورد ما يضاد معنى العامة فى قوله تعالى : { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الذِينَ ظَلمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } [الأنفال/25] أى تعمكم (1) .(11/114)
وقد ورد لفظ العامة فى السنة فى عدة أحاديث ، منها حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " (2) ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كيف بكم وبزمان يغربل الناس فيه غربلة ؟ ، تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا ، فقالوا : وكيف بنا يا رسول الله ؟ قال : تأخذون ما تعرفون ، وتذرون ما تنكرون ، وتقبلون على أمر خاصتكم وتذرون أمر عامتكم (3) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " بادروا ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 12/426 ، والمصباح المنير 2/430 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب التيمم برقم (335) 1/519 .
3. أخرجه أبو داود فى الفتن والملاحم برقم (4342) قال الألبانى : صحيح 4/123 .
بالأعمال ستا ، طلوع الشمس من مغربها ، أو الدخان ، أو الدجال ، أو الدابة أو خاصة أحدكم ، أو أمر العامة " (1) ، وعنه أيضا - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " سيأتي على الناس سنوات خداعات ، يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ، قيل : وما الرويبضة ؟ ، قال : الرجل التافه في أمر العامة " (2) ، وعن عدى بن حاتم - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة ، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة " (3) .
صدق الله العظيم العامة فى الاصطلاح الصوفى :(11/115)
العامة فى الاصطلاح الصوفى ضد الخاصة (4) ، وهم الذين اقتصر نظرهم على علم الشريعة فقط ، ويراد بالعامة علماء الرسوم ، والعباد الذين لم يصلوا بعد إلى مقام المحبة (5) ، ومما ورد من ألفاظهم فيه ، ما روى عن أبى بكر الوراق (ت:بعد250هـ) : ( عوام الخلق هم الذين سلمت صدورهم ، وحسنت ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الفتن برقم (2947) 4/226 .
2. أخرجه ابن ماجة فى كتاب الفتن برقم (4036) قال الألبانى : صحيح 2/1339 والحاكم فى المستدرك برقم (8439) 4/512 .
3. أخرجه أحمد فى المسند برقم (17267) .
4. انظر مصطلح (الخاصة) ص 607 .
5. لطائف الإعلام 2/102 .
أعمالهم وطهرت ألسنتهم ، فإذا خلوا من هذا فهم الغوغاء لا العوام ) (1) .
وينسب لأبى العباس بن عطاء الآدمى (ت:311هـ) أنه قال : ( خلق الله الأنبياء ، للمشاهدة لقوله تعالى : { أَوْ أَلقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ق/37] وخلق الصالحين للملازمة ، لقوله تعالى : { وَأَلزَمَهُمْ كَلمَةَ التَّقْوَى } [الفتح/26] وخلق العوام للمجاهدة ، قال الله تعالى : { وَالذِينَ جَاهَدُوا فِينَا } [العنكبوت/69] ) (2) .
ويروى أبو طالب المكى عن بعض أهل الحديث ، قال : جاءنى رجل من إخوانى من أهل المعرفة ، فقال : قد وجدت من قلبى غفلة ، فأريد أن تحملنى إلى مجلس من مجالس الذكر ، فقلت : نعم فسمى له مذكرا يتكلم فى علوم العامة قال : فحضرنا عنده واجتمع الخلق ، فأخذ فى شئ من القصص وذكر الجنة والنار ، فنظر إلى صاحبى ، فقال : أليس زعمت أن هذا يذكر الله ويذكر ربه عز وجل ويذكر أيامه ؟ فقلت : نعم ، هكذا هو عندنا ، فقال : ما أسمع إلا ذكر الخلق ، فأين ذكر الله تعالى (3) .(11/116)
ويذكر ابن عربى أن أهل الحديث ، هم أنزل الدرجات فى مقامات الأولياء وهم عند العامة فى الرتبة لعليا ، ثم يبين السبب فيقول : ( لأن علومهم ليست عن ذوق ، وإنما هى علوم نقل ، أو علوم فكر لا غير ، فأما حديث الله فى الصوامت ، فهو عند العامة من علماء الرسوم حديث حال ، أى فهم من حاله كذا وكذا ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. طبقات الصوفية ص226 . 2. السابق ص268 .
3. قوت القلوب 1/151 . 4. الفتوحات 2/76 وانظر ختم الأولياء ص218 .
**********************************
88 - العبرة
**********************************
صدق الله العظيم العبرة : العَبرَة حالة مؤثرة تؤدى إلى دمع العين ، فعن أوسط بن عمرو - رضي الله عنه - قال : " قدمت المدينة بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسنة ، فألفيت أبا بكر يخطب الناس ، فقال : قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الأول فخنقته العبرة ثلاث مرار " (1) أى عند ذكره لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - ، وكان من أصحاب الشجرة ، فماتت ابنة له وكان يتبع جنازتها على بغلة خلفها ، فجعل النساء يبكين ، فقال : لا ترثين ، فإن رسول الله ?- صلى الله عليه وسلم -نهى عن المراثي ، فتفيض إحداكن من عبرتها ما شاءت (2) .
والعِبرة حالة مؤثرة فى القلب من معرفة المشاهد والاعتبار بمصيره (3) ، قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلكَ لعِبْرَةً لمَنْ يَخْشَى } [النازعات/26] ، وقال : { قَدْ كَانَ لكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِل فِي سَبِيل اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْليْهِمْ رَأْيَ العَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلكَ لعِبْرَةً لأُوْلي الأَبْصَارِ } [آل عمران/13] .
ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص320 .(11/117)
2. أخرجه أحمد فى المسند برقم (45) واللفظ له ، والترمذى فى الدعوات برقم (3558) وابن ماجة فى كتاب الدعاء برقم (3849) وصححه الألبانى 2/1265 .
3. أخرجه أحمد فى المسند برقم (18659) واللفظ له ، وابن ماجة فى كتاب ما جاء فى الجنائز برقم (1592) وضعفه الألبانى 1/507 .
وقال : { لقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلي الأَلبَابِ } [يوسف/111] ، ومما ورد فى السنة ، ما روى عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإن فيها عبرة " (1) ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى رجل تصدق على سارق وعلى زانية وعلى غني : " أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها ، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله " (2) .
صدق الله العظيم العبرة فى الاصطلاح الصوفى :
العبرة فى الاصطلاح الصوفى ، أن يعتبر مما يتعلق بالدنيا ليعبر إلى ما يتعلق بالآخرة ، فيما يراه ويسمعه ويقوله ويفعله ، بحيث لا يكون نظر الإنسان ونطقه وسماعه وفعله ، مقصورا على ما يتعلق بأمر الدنيا ، غير متعد إلى أمر أخروى (3) ، روى عن حاتم الأصم (ت:237هـ) أنه قال : ( الشهوة ثلاثة : شهوة فى الأكل ، وشهوة فى الكلام ، وشهوة فى النظر ، فاحفظ الأكل بالثقة واللسان بالصدق والنظر بالعبرة ) (4) ، وقال الحارث المحاسبى (ت:243هـ) : ( الاعتبار الاستدلال بالشئ على الشئ ، وهو أن تنظر بقلبك إلى الشئ المتقن ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أحمد فى المسند برقم (10936) ومسلم فى الجنائز برقم (977) 2/672 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الزكاة برقم (1421) 3/340 .
3. انظر لطائف الإعلام 2/146بتصرف .
4. طبقات الصوفية ص96 .(11/118)
فيلحق قلبك التعجب من نفاذ القدرة ، واتقان الصنع ، وحسن التدبير فيه ، ثم لم تقع عينك على شئ ، إلا دلك الشئ على غيره ، والناس متفاوتون فى الاعتبار على قدر صحة العقول ، وقوة الإيمان ، وطهارة القلوب ، لأن مخرج الاعتبار من القلب ) (1) .
وعن يحى بن معاذ الرازى (ت:258هـ) قال : ( من لم يعتبر بالمعاينة لم يتعظ بالموعظة ، ومن اعتبر بالمعاينة استغنى عن الموعظة ، العبرة بالأوتار والمعتبر بالمثقال ) (2) ، ويذكر لأبى عبد الله السجزى (ت:بعد280هـ) : ( العبرة أن تجعل كل حاضر غائبا ، والفكرة أن تجعل كل غائب حاضرا ) (3) .
وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( الاعتبار أحد قوانين الشرع ومن لم يعتبر بغيره ، اعتبر به غيره ) (4) ، وقال فى قوله تعالى : { لقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلي الأَلبَابِ } [يوسف/111] : ( عبرة للملوك فى بسط العدل وتأمينهم أحوال الرعية ، كما فعل يوسف حين أحسن إليهم ، وأعتقهم حين ملكهم ، وعبرة فى قصصهم لأرباب التقوى ، فإن يوسف لما ترك هواه رقاه الله إلى ما رقاه ، وعبرة لأهل الهوى فيما فى اتباع الهوى من شدة البلاء ، كامرأة ــــــــــــــــــــ
1. القصد والرجوع إلى الله ص85 .
2. طبقات الصوفية ص113 .
3. السابق ص254 .
4. لطائف الإشارات 3/557 .
العزيز لما اتبعت هواها لقيت الضر والفقر ، وعبرة للماليك فى حضرة السادة وعبرة فى العفو عند المقدرة ، وعبرة فى ثمرة الصبر ، فيعقوب لما صبر على مقاساة حزنه ظفر يوما بلقاء يوسف عليه السلام ) (1) ، ويذكر الكاشانى فى العبرة عند الصوفية اصطلاحات أخرى منها (2) :(11/119)
(1- عبرة أولى الأبصار أو بصائر الاعتبار : والمراد العبور من الظاهر إلى الباطن ومن الباطن إلى الظاهر ، بحيث يرى الذات الأقدس تعالى فى كل شئ ظاهر كالمخلوقات الظاهرة فى المراتب الكونية ، وفى كل شئ باطن كالأسماء والحقائق الإلهية والكونية ، فعند العبور من ظاهر كل شئ إلى باطنه ، يرى الوحدة فى عين الكثرة ، والمجمل فى عين المفصل ، وعند العبور من الباطن إلى الظاهر بالعكس ، أى يرى الكثرة فى الوحدة ، والمفصل فى المجمل مع وحدة المجلى والمتجلى فيه بالعين ، وإن وقع الاختلاف بالتعين ، فهذا هو معنى بصائر العبرة أى رؤية مضافة إلى العبرة ، بحيث لا يرى شيئا إلا ويعبر من ظاهره إلى باطنه وبالعكس .
(2- عبرة العقلاء : وتعنى تصفحهم أخبار الماضين ، وتذكرهم ما سلف من سير الأولين ، ويروى عن على كرم الله وجهه فى وصيته لابنه الحسن رضى الله عنهما قال : ( فسر فى ديارهم وآثارهم وانظر ما فعلوا ، وعما انتقلوا : انتقلوا ــــــــــــــــــــ
1. السابق 2/214،215 .
2. لطائف الإعلام 2/147:146 .
عن الأحبة ، وحلوا ديار الغربة ، فكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم فأصلح مثواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك ) (1) .
(3- عبرة أولى الألباب : عبورهم من رؤية الحكم المودعة فى ظهور الخليقة إلى رؤية الحكيم الخبير بها .
(4- عبرة أهل السر : العبور من ظاهر الوجود إلى باطنه ، فيشاهدون الحق فى كل شئ .
**********************************
89 - العبادة
**********************************
صدق الله العظيم العبادة : العبودية إظهار التذلل ، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل ، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال وهو الله تعالى ، ولهذا قال : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [الإسراء/23] ، والعبادة ضربان (2) :(11/120)
1- عبادة بالتسخير ، كقوله تعالى : { وَلهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ } [الأنبياء/19] .
2- عبادة بالاختيار وهى للإنس والجن ، وهى المذكورة فى قوله تعالى : { وَمَا خَلقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلا ليَعْبُدُونِ } [الذاريات/56] ، وقد أمر الله بها شرعا وإيجابا ــــــــــــــــــــ
1. السابق 2/147.
2. القاموس المحيط ص 378 ، وكتاب العين 2/48 ، والمفردات ص319 .
فى قوله تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلا ليَعْبُدُوا اللهَ مُخْلصِينَ لهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } [البينة/ 5] وقوله : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الذِي خَلقَكُمْ وَالذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ لعَلكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة/21] ، ومما ورد فى السنة ما روى عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - ، أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " العبادة في الهرج ، كهجرة إلي " (1) ، وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ : { وَقَال رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لكُمْ إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر/60] ، قال : الدعاء هو العبادة " (2) .(11/121)
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - ، قال : " زوجني أبي امرأة من قريش ، فلما دخلت علي جعلت لا أنحاش لها ، مما بي من القوة على العبادة من الصوم والصلاة ، فجاء عمرو بن العاص إلى كنته حتى دخل عليها ، فقال لها : كيف وجدت بعلك ؟ قالت : خير الرجال أو كخير البعولة من رجل ، لم يفتش لنا كنفا ، ولم يعرف لنا فراشا ، فأقبل علي فعذمني ، وعضني بلسانه ، فقال : أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب ، فعضلتها وفعلت وفعلت ، ثم انطلق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكاه .. وقال له - صلى الله عليه وسلم - : إن لكل عابد شرة ، ولكل شرة فترة ، فإما إلى سنة ، وإما إلى بدعة ، فمن كانت فترته إلى سنة ، فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك ، فقد هلك " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الفتن برقم (2948) 4/2268 .
2. أخرجه الترمذى فى تفسير القرآن (2969) وقال الألبانى : 5/211 .
3. أخرجه أحمد فى المسند برقم (6477) 2/158.
وعنه أيضا - رضي الله عنه - ، قال : " ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجال يجتهدون في العبادة اجتهادا شديدا ، فقال : تلك ضَرَاوَةُ الإِسْلامِ وَشِرَّتُهُ ، وَلكُل ضَرَاوَةٍ شِرَّةٌ ، وَلكُل شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلى اقْتِصَادٍ وَسُنَّةٍ فَلأُمٍّ مَا هُوَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلى المَعَاصِي فَذَلكَ الهَالكُ " (1) ، وعنه أيضا - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ، ثم مرض قيل للملك الموكل به : اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفته إلي " (2) .
صدق الله العظيم العبادة فى الاصطلاح الصوفى :(11/122)
العبودية فى الاصطلاح الصوفى ، تعنى معانقة الأمر ومفارقة النهى ، والقيام بحق الطاعات مع التبرؤ من الحول والقوة (3) ، وتتوافق مع الأصول القرآنية والنبوية فى أغلب عباراتهم ، يقول عبد الله بن خفيف (ت:371هـ) : ( الحرية من العبودية باطلة ، أى إذا تصور امرؤ أن العبد يجوز له فى حياته أن يتحرر من قيد العبودية ، وأن تسقط عنه التكاليف الشرعية ، فهو على باطل ، ولكن التحرر جائز من رق النفوسية ، أى يجوز للعبد أن يتحرر من قيد نفسه وغلها والرق والعبودية لا يسقطان من العبد بحال ولا يسقط عنه اسم العبودية ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أحمد فى المسند (6441) واللفظ له ، والبخارى فى الصوم (1975) .
2. أخرجه أحمد فى المسند برقم (6503) وفى الإسناد محمد بن تدرس وهو صدوق .
3. الرسالة القشيرية 2/429 .
4. سيرة الشيخ الكبير عبد الله بن خفيف ص 361 .
ويذكر السراج الطوسى (ت:378هـ) أن قوما من المتقدمين تكلم فى معنى الحرية والعبودية على معنى أن العبد لا ينبغى له أن يكون فى الأحوال والمقامات التى بينه وبين الله تعالى كالأحرار ، لأن من عادة الأحرار طلب الأجرة وانتظار العوض على ما يعملون من الأعمال ، وليس عادة العبيد كذلك .. وظنت أن اسم الحرية أتم من اسم العبودية للمتعارف بين الخلق أن الأحرار أعلى مرتبة وأسنى درجة فى أحوال الدنيا من العبيد ، فقاست على ذلك ، ثم يبين أن هذه الفرقة ضلت وتوهمت أن العبد ما دام بينه وبين الله تعالى تعبد ، فهو مسمى باسم العبودية ، فإذا وصل إلى الله صار حرا ، وإذا صار حرا سقطت عنه العبودية وإنما ضلت هذه الفرقة لقلة فهمها وعلمها ، وتضييعها لأصول الدين خفيت على هذه الفرقة الضالة ، أن العبد لا يكون فى الحقيقة عبدا ، حتى يكون قلبه حرا من جميع ما سوى الله عز وجل ، فعند ذلك يكون فى الحقيقة عبد الله (1) .(11/123)
ثم يقول : ( وما سمى الله تعالى المؤمنين باسم أحسن من اسم العبد ، إذ يقول : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ } [الفرقان/63] { نَبِّئْ عِبَادِي } [الحجر/49] لأنه اسم سمى به ملائكته ، فقال : { بَل عِبَادٌ مُكْرَمُونَ } [الأنبياء/26] ، ثم سمى به أنبياءه ورسله عليهم السلام فقال تعالى : { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا } [ص/45] { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا } [ص/41] وقال : { نِعْمَ العَبْدُ } [ص/30] ، وقال لحبيبه وصفيه - صلى الله عليه وسلم - : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ } [الحجر/99] ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يصلى حتى ورمت قدماه ، فقيل له : يا رسول الله ، أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ ، قال : " أفلا
ــــــــــــــــــــ
1. اللمع ص532:531 .(11/124)
أكون عبدا شكورا " (1) ، وذكر أبو طالب المكى (ت:386هـ) أن النفس مبتلاة بأوصاف أربعة ، أولها معانى صفات الربوبية ، نحو الكبر والجبرية وحب المدح والعزم والغنى ، ومبتلاة بأخلاق الشياطين مثل الخداع والحيلة والحسد ومبتلاه بطبائع البهائم وهو حب الأكل والشرب والنكاح ، وهى مع ذلك كله مطالبة بأوصاف العبودية مثل الخوف والتواضع والذل ، والنفس خلقت متحركة وأمرت بالسكوت ، وأنى لها بذلك إن لم يتداركها المالك ، وكيف تسكن بالأمر ، إن لم يسكنها محركها بالخير ، فلا يكون العبد عبدا مخلصا حتى يكون للمعانى الثلاث مخلصا ، فإذا تحققت أوصاف العبودية ، كان خالصا من المعانى التى هى بلاؤه من صفات الربوبية ، فإخلاص العبودية للوحدانية عند العلماء الموحدين ، أشد من الإخلاص فى المعاملة عند العاملين ، وبذلك رفعوا إلى مقامات القرب ، وذلك أنه لايكون عندهم عبدا حتى يكون مما سوى الله عز وجل حرا ، فكيف يكون عبد رب وهو عبد عبد ؟ ، لأن ما قاده إليه فهو إلهه ، وما ترتب عليه فهو ربه ، وهذا شرك فى الإلهية عند المتألهين ، ومرج بالربوبية عن الربانيين ، فهو متعوس منكوس ، بدعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، إذ يقول : تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم تعس عبد الزوجة ، تعس عبد الحلة (2) .
ويروى عن أبى على الدقاق (ت:410هـ) أنه قال : ( ليس شئ أشرف من العبودية ، ولا اسم أتم للمؤمن من الاسم له بالعبودية ، ولذلك قال سبحانه فى ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص532 .
2. قوت القلوب 1/85،86 .
وصف النبى - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج ، وكان أشرف أوقاته فى الدنيا : { سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ليْلا مِنْ المَسْجِدِ الحَرَامِ } [الإسراء/1] ، وقال تعالى : { فَأَوْحَى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } [النجم/10] فلو كان اسم أجل من العبودية لسماه به (1) .(11/125)
والعبودية عند الصوفية أتم من العبادة ، فأولا عبادة ، ثم عبودية ، ثم عبودة فالعبادة للعوام من المؤمنين ، والعبودية للخواص ، والعبودة لخاص الخاص والعبادة لمن له علم اليقين ، والعبودية لمن له عين اليقين ، والعبودة لمن له حق اليقين ، والعبادة لأصحاب المجاهدات ، والعبودية لأرباب المكابدات ، والعبودة صفة أهل المشاهدات ، فمن لم يدخر عنه نفسه ، فهو صاحب عبادة ، ومن لم يضن عليه بقلبه ، فهو صاحب عبودية ، ومن لم يبخل عليه بروحه ، فهو صاحب عبودة ) (2) ، وهذا التقسيم كما هو واضح يفتقر إلى الدليل .
وقال أبو عبد الرحمن السلمى (ت:412هـ) : ( طائفة توهمت أن العبد بينه وبين الله بعد باسمه عبدا ، فإذا صار حرا وسقطت عنه العبودية قرب منه ، وهذا غلط كبير ، فإن اسم العبودية أتم ، لأن الله تعالى سمى أولياءه عباده ، وسمى ملائكته عباده ، وسمى أنبياءه عباده وقدم النبى - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يصلى حتى تورمت قدماه ، فقيل له فى ذلك ، فقال : أولا أكون عبدا شكورا " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 2/431 .
2. السابق 2/429 .
3. أصول الملامتية وغلطات الصوفية ص185.(11/126)
ويذكر الكاشانى فى مصطلح العبودية ، كلاما غريبا لا علاقة له بالأصول القرآنية والنبوية ، فيبين أن العبودية هى مشاهدة العبد لربه مقام العبودية ، فإن العبودية ذلة تظهر فى نفسه الممحوة بأكمل وجوهها ، وتجهل نسبتها فلا تعلم لمن تنتسب ، إذ ليس حالتئذ دون هذه الذلة ما هو أكمل منها ذلة ، فتنسب هى إليه يكون المنسوب إليه أقوى فى نسبة مشتركة بينه وبين المنسوب إليه بنسبة القيام به ، فإن عين العبد إذ ذاك ممحو عن وجوده والقائم بالممحو ممحو بلا محالة ، فلم يبق هنا لك إلا الحق المتجلى بسر القيومية ، وقد تأبى حقيقته أن تنتسب إليه بنسبة القيام به ، فيتبين عند ذلك مجهولية نسبتها ، فيشاهد ظهورها من مقام العبد الممحو لربه خاصة ، بمعنى أن يكون هو قبلته لا غير (1) .
ومما اصطلح عليه الصوفية تحت مدخل العبادة ، مصطلح ( العبادلة ) ويعنون بهم أرباب التجليات الأسمائية ، بمعنى أن كل من كان شهوده للحق تعالى ، من حيث اسم ما من أسمائه تعالى ، عندما يتم له كمال تحققه بتخلقه بمقتضى ذلك الإسم ، فإنه ينسب عند هذه الطائفة إلى عبودية ذلك الإسم ، فيقال : عبد القيوم مثلا ، إذا تخلق بالاسم القيوم على مقتضى ما يليق بعبودية تجلى له الحق فى قيوميته ، ولذا يقال : عبد المنعم إذا تحقق بتخلقه بهذا الإسم ، لتجلى الحق له تعالى فى أنعامه وهكذا (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. رشح الزلال ص154:153وانظر لطائف الإعلام 2/104 .
2. لطائف الإعلام 2/105:104، وانظر العبادلة تأليف ابن عربى ، تحقيق عبد القادر =
**********************************
90 - العجب
**********************************(11/127)
صدق الله العظيم العُجب : العُجب التعالى والعظمة بما يروق للنفس من حسن أوصافها والتعجب حالة تدهش الإنسان عند الجهل بسبب الشئ ، فإذا عرف السبب زال العَجب (1) ، والعُجب ورد ذكره فى قول الله تعالى : { لقَدْ نَصَرَكُمْ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَليْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَليْتُمْ مُدْبِرِينَ } [التوبة/25] ، وكان أغلب المسلمين قد داخلهم العجب فى نفوسهم ، والتعالى بقوتهم ، حتى اغتروا بقول النبى - صلى الله عليه وسلم - : " لا يغلب اثنا عشر ألفا من قلة " (2) .
ــــــــــــــــــــ
= أحمد عطا ، نشر مكتبة القاهرة بالصنادقية ، الأزهر سنة 1969م والكمالات الإلهية فى الصفات المحمدية لعبد الكريم الجيلى، تحقيق وتقديم سعيد عبد الفتاح ، نشر مكتبة عالم الفكر القاهرة سنة 1997م ، وانظر رسالة ماجستير بعنوان : كتاب شرح أسماء الله الحسنى لأبى الحكم بن برجان ، إعداد شوقى على عمر ، كلية دار العلوم 1986م وانظر للتعرف على العبادة من المنظور الإسلامى بصفة عامة رسالة دكتوراه بعنوان العبادة فى الإسلام وصلتها بالفرد والجماعة إعداد على عبد اللطيف منصور ، مكتبة كلية أصول الدين ، جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة 1975م .
1. المفردات ص322 .
2. أخرجه أحمد (2677) ، وأبو داود فى الجهاد (2611) وقال الألبانى : صحيح 3/36 .
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : " ذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال ولم أسمعه منه : إن فيكم قوما يعبدون ويدأبون حتى يعجب بهم الناس وتعجبهم نفوسهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية " (1) .(11/128)
وعن مسروق قال : " كفى بالمرء علما أن يخشى الله ، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعلمه " (2) ، والعجب لا يمنع أن يظهر المرء نعمة الله عليه أو يمتنع من أداء ما كلفه الله به ، طالما أنه يريد بعمله وجه الله ، كما قال أبو عيسى الترمذى في معنى الحديث الذى روى عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة ، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة " قال : إنما معنى هذا عند أهل العلم ، لكي يأمن الرجل من العجب لأن الذي يسر العمل لا يخاف عليه العجب ، ما يخاف عليه من علانيته (3) .
وقال الإمام مالك رحمه الله في معنى الحديث الذى روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا قال الرجل هلك الناس ، فهو أهلكهم " قال مالك : إذا قال ذلك تحزنا لما يرى في الناس يعني?في أمر دينهم ، فلا أرى به بأسا وإذا قال ذلك عجبا بنفسه وتصاغرا للناس فهو المكروه الذي نهي عنه (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. صحيح إلى أنس بن مالك ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (12475) .
2. صحيح الإسناد إلى مسروق بن الأجدع ، أخرجه الدارمى فى المقدمة برقم (314) . 3. أخرجه الترمذى فى فضائل القرآن برقم (2919) وقال الألبانى : صحيح 5/180 .
4. سنن أبى داود ، كتاب الأدب برقم (4983) وقال الألبانى : صحيح 4/296 .
صدق الله العظيم العجب فى الاصطلاح الصوفى :
العجب فى الاصطلاح الصوفى هو النظر إلى النفس وعملها على وجه التعظيم وهو من قبائح الأوصاف عندهم ، ومما ورد فيه :(11/129)
(1- قال الحارث بن أسد المحاسبى (ت:243هـ) : ( العجب آفة فى كثير من العباد عظيمة ، معمية لذنوبهم ومزينة لهم خطأهم وزللهم ، لأن العجب يعمى القلب حتى يرى المعجب أنه محسن وهو مسئ ، وأنه ناج وهو هالك ، وأنه مصيب وهو مخطئ ، ولا يلبث صاحبه المعتقد له ، أن يركن إلى الغرة فيستصغر ما علم به من ذنوبه ، وينسى كثيرا منها ، ويعمى عليه أكثرها حتى لا يظنه ذنبا ، فيستكثر عمله فيغتر به فيقل خوفه ، ويشتد بالله عز وجل غرته ، بل قد يخرج صاحبه به إلى الكذب على الله عز وجل ، وهو يرى أنه عليه صادق ، وإلى الضلالة ، وهو يرى أنه مهتد ، فبالعجب هلك أئمة الضلالة ، وبالعجب تكبر المتكبرون ، وافتخر المفتخرون ، واختال المختالون ، وبه هلاك آخر هذه الأمة ) (1) .
ويقسم المحاسبى العجب بالدين إلى أربعة وجوه ، العلم والعمل والرأى الصواب والرأى الخطأ (2) :
1- فالعجب بالعلم : كالعجب بما حفظ وفهم من الكتاب والسنة وقول علماء الأمة .
ــــــــــــــــــــ
1. الرعاية لحقوق الله ص267 .
2. السابق ص269 .
2- والعجب بالعمل : فالاستكثار والاستعظام للعمل ، فإن استكثر العبد عمله واستعظمه تعظيما للنعمة والمنة عليه به ، أو رجاء ثوابه وأنه لا يستحق الثواب ، ولا كان أهلا أن يمن عليه به ، ولا هو أهل أن يقبل منه ولكن عظمت عليه النعمة به ، ورجاء التفضل بالقبول له لا غير ذلك فليس بعجب ، ولكن إذا استكثر عمله واستعظمه ، واستحسن علمه ورأيه ، فأضاف ذلك إلى نفسه وحمدها عليه ، ونسى نعمة ربه عز وجل عليه ومنته بذلك ، فقد أعجب بعمله وعلمه .
3- وأما العجب بالرأى الصواب : فما استنبطه قياسا على الكتاب والسنة والإجماع ، معجبا به مشبها له بما يماثل الحكمة .
4- وأما العجب بالرأى الخطأ : فما كان عن غير استنباط من كتاب ولا سنة ولا إجماع الأمة ، وإنما هو تأويل بغير الحق ، وانتحال له على سبيل الجهل من قبل هوى النفس مع اعتراض من الظن أنه حق .(11/130)
(2- وقال أبو حامد الغزالى (ت:505هـ) : ( اعلم أن العجب مذموم فى كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، قال الله تعالى : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا } [التوبة/25] ، ذكر ذلك فى معرض الإنكار ، وقال عز وجل : { وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللهِ فَأَتَاهُمْ اللهُ مِنْ حَيْثُ لمْ يَحْتَسِبُوا } [الحشر/2] فرد على الكفار فى إعجابهم بحصونهم وشوكتهم ، وقال تعالى : { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [الكهف/104] ، وهذا أيضا يرجع إلى العجب بالعمل ، وقد يعجب الإنسان بالعمل هو مخطئ فيه ، كما يعجب
بعمل هو مصيب فيه ) (1) .
(3- وذكر عماد الدين محمد بن الحسن الأموى ، أن العجب يؤدى إلى الكبر فمن أعجب بعلمه ، تكبر على ما هو دونه فى العلم وعلى العامة ، وينتهر من يرده إلى الصواب فى العلم ، وإن وعظ أنف ممن يعظه ، وإن أمر بالحق لم يقبله وإن ناظر إزدرى بمن يناظره ، ومن تكبر إعجابا بعمله احتقر بمن لا يعمل بمثل عمله .. والعجب من قبائح الأوصاف التى تلقى صاحبها فى الهلاك ، لأن من أعجب بعمله لم ير لنفسه ذنبا فيتوب منه ، ولم ير لنفسه تقصيرا فيقطع عنه وقد جاءت الشريعة بذم الإعجاب لأدائه إلى استعظام الطاعات والإدلال بها على رب الأرض والسماوات ، مفض إلى الكفر والتكبر والتعظيم على العباد ، حتى يصير المعجب كأن له منة على الله تعالى لاستعظام أعماله ، وقد تولد العجب فى المعجب لاعتقاده استقلاله ، أى انفراده بفعله وعبادته وطاعته .. والناس فى العجب على ثلاثة أصناف (2) :
1- صنف هم المعجبون بكل حال ، وهم المعتزلة والقدرية الذين لا يرون لله تعالى عليهم منة فى أفعالهم ، ويعتقدون أنهم مستقلون بأفعالهم وينكرون العون والتوفيق الخاص ، وذلك شبهة استولت عليهم .(11/131)
2- وصنف هم الذاكرون للمنة بكل حال ، وهم المخلصون من أهل السنة لا ــــــــــــــــــــ
1. إحياء علوم الدين 3/389 .
2.حياة القلوب على هامش قوت القلوب 2/68:66 .
يعجبون بشئ من الأعمال وذلك لبصيرة خصوا بها .
3- والثالث عامة أهل السنة ، تارة يفقهون فيذكرون منة الله تعالى ، وتارة يغفلون فيعجبون .
**********************************
91 - العدو
**********************************
صدق الله العظيم العدو : العَدْو التجاوز ، ويقال أيضا للإسراع ، قال علي بن أبى طالب - رضي الله عنه -? : " بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد ، فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوا منها ، قال : فانطلقنا تعادى بنا خيلنا ، حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة " (1) .
والعدُو من التجاوز والتباعد عن الغير ، والرغبة عنه والبغض له ، وضده الولى الراغب والصديق القريب والنصير الحبيب ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْليَاءَ تُلقُونَ إِليْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الحَقِّ } [الممتحنة/1] والعدو ضربان (2) :
أحدهما : عدو بقصد من المعادى وعزم على التعدى نحو قوله تعالى :
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب المغازى برقم (4274) 7/592 .
2. المفردات ص326 ، وكتاب العين 2/213 ولسان العرب 15/31 .(11/132)
{ وَأَعِدُّوا لهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ } [الأنفال/60] ، وقوله أيضا : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَليْسَ عَليْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا } [النساء/101] ، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : " قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح ، نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ، قال : فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه " (1) .
والثانى : عدو لا بقصده ، بل تعرض له حالة يتأذى بها ، كما يتأذى مما يكون من العدو ، نحو قوله تعالى : { قَال أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي إِلا رَبَّ العَالمِينَ } [الشعراء/77:75] ، وقوله : { يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ } [التغابن/14] قال ابن عباس - رضي الله عنه - عن هذه الآية : " نزلت فى رجال أسلموا من أهل مكة ، وأرادوا أن يأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم ، أن يأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأوا الناس قد فقهوا في الدين ، هموا أن يعاقبوهم " (2) .
والعدو يراد به أيضا فى المعنى الاصطلاحى أمران :
1- إبليس : على اعتبار مناصبته العداء لبنى آدم ، منذ تكريمهم بسجود الملائكة لهم ، وامتناعه عن السجود ، والإقرار بمنزلة الإنسان التى فضله الله بها ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الصوم برقم (2004) 4/287 .(11/133)
2. أخرجه الترمذى فى تفسير القرآن (3317) وقال الألبانى : حسن 5/419 .
فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ ليَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [فاطر/6:5] وقال : { قَال يَابُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ للإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ } [يوسف/5] .
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، قال : " قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسمعناه يقول : أعوذ بالله منك ، ثم قال : ألعنك بلعنة الله ثلاثا ، وبسط يده كأنه يتناول شيئا ، فلما فرغ من الصلاة ، قلنا : يا رسول الله ، قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ، ورأيناك بسطت يدك ، قال : إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي ، فقلت : أعوذ بالله منك ، ثلاث مرات ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة ، فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان ، لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة " (1) .
2- النفس : على اعتبار أنها تتعلق بالدنيا ومشتهياتها ، فتتجاوز حدود الشرع إلى تحقيق رغبتها من الدنيا فتهلك صاحبها ، فالنفس عدو على اعتبار المعلولات من أوصافها ، كما قال تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الهَوَى } [النازعات/40] ، وقال : { إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي } [يوسف/53] ، وقال : { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلئِكَ هُمْ المُفْلحُونَ } [الحشر/9] .
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ، قال : " استأذن عمر - رضي الله عنه - ، على رسول الله ــــــــــــــــــــ(11/134)
1. أخرجه مسلم فى كتاب المساجد برقم (542) 1/385 .
صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ، ويستكثرنه عالية أصواتهن فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب ، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك ، فقال عمر - رضي الله عنه - : أضحك الله سنك يا رسول الله ، قال : عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب ، قال عمر - رضي الله عنه - : فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن ، ثم قال : أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قلن : نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط ، سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك " (1) .
صدق الله العظيم العدو فى الاصطلاح الصوفى :
العدو فى الاصطلاح الصوفى يطلق على الشيطان ، وقلما يخلو تراث الصوفية بوجه عام من وصفه ، وكيفية الحذر من وسوسته والطريقة المثلى فى مقاومته ومن أجود ما ودر من كلامهم فيه :
1- ما ذكره الحارث بن أسد المحاسبى (ت:243هـ) فى مخالفته ، إذ يبين أن أولى الأسباب وأقواها على مخالفة العدو إبليس ، فرض الله اللازم الذى أمر بمحاربته لقوله تعالى : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا } [فاطر/6] وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3294) 6/390 .
الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ } [النور/21] (1) .(11/135)
يقول المحاسبى : ( فافهم وفرق بين الداعيين إلى ما دعا الله عز وجل ، وإلى ما دعا إبليس ، ثم انظر أيهما أحق أن تجيبه ، من دعاك إلى هلكتك ، وتلف نفسك فى طول مدتك ، وأتبعك فى ثبوت أسباب حيلتك ، ووعدك الفقر فى أمنيتك ، أو تجيب من بدأك بنعمته ، ولم ينسك فى قديم وحدانيته ، وخصك بالإيمان فى علم الغيب فى دوام أزليته ، ودعاك إلى جنته وحسن كرامته ولطيف بره وتمام نعمته ، وإنما العدو يريد أن يقطعك عن الله عز وجل ، مولاك وسيدك بسوء ظنونه وقنوطه وشكوكه وخدعه ، وحبائل مصائده وكثرة غروره ويزين لك العمل فى نفسك ، قال الله عز وجل : { وَزَيَّنَ لهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيل } [النمل/24] (2) .
2- وقال أبو سعيد الخراز (ت:279هـ) فى كيفية الصدق فى معرفة العدو إبليس : ( اعلم أن عدوك إبليس لا يغفل عنك فى سكوت ولا كلام ولا صلاة ولا صيام ، ولا بذل ولا منع ولا سفر ولا حضر ، ولا تفرد ولا خلطة ولا فى توقر ولا فى عجلة ، ولا فى نظر ولا فى غض بصر ، ولا فى كسل ولا فى نشاط ولا فى ضحك ولا فى بكاء ، ولا فى إخفاء ولا فى إعلان ، ولا حزن ولا فرح ولا صحة ولا سقم ولا مسألة ولا جواب ، ولا علم ولا جهل ولا بعد ولا ــــــــــــــــــــ
1. القصد والرجوع إلى الله 43 .
2. السابق 44 .
قرب ، ولا حركة ولا سكون ولا توبة ولا إسرار .. فاحترس من عدوك أشد الاحتراس ، وتحصن منه بالملجأ إلى الله عز وجل ، فإنه أمنع الحصون وأقوى الأركان ، فاجعل الله تعالى كهفك وملجأك ، واحذر عدوك عند الغضب والحدة .. قال الله عز وجل : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [فاطر/6] وقال جل وعز : { يَابَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ } [الأعراف/27] ) (1) .(11/136)
3- ويذكر عن سهل بن عبد الله التسترى (ت:293هـ) أنه قال فى تفصيل الخواطر الناجمة عن العدو ودواعى النفس : ( إذا كانت الخواطر عن أواسط الغواة وهم العدو والنفس ، كانت فجورا وضلالا ، وهى من خزائن الشر ومعالق الأعراض ، قدحت فى القلب ظلمة ونتنا ، أدرك ذلك الحفظة من أملاك الشمال فكتبوها سيآت ) (2) ، ثم بين أن الله إذا أراد إظهار شئ من خزائن الغيب ، حرك النفس بلطيف القدرة فتحركت بإذنه ، فقدح من جوهرها بحركتها ظلمة تنكت فى القلب همة سوء ، فينظر العدو إلى القلب ، وهو مراصد ينتظر ، والقلوب له مبسوطة ، والنفوس لديه منشورة يرى ما فيها ، وما كان من عمله المتبلى به المصرف فيه ، فإذا رأى همة قدحت فى النفس ، فأحدثت ظلمة فى القلب ظهر مكانه ، فقوى بذلك سلطانه ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. كتاب الصدق ص29:27 .
2. من التراث الصوفى ص 172 ، وقوت القلوب 1/ 123 .
3. قوت القلوب 1/123 .
4- وقال الحكيم الترمذى (ت:320هـ) : ( لما قبض الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - صير فى أمته أربعين صديقا ، بهم تقوم الأرض وهم آل بيته ، فكلما مات واحد منهم خلفه من يقوم مقامه ، حتى إذا انقرض عددهم وأتى وقت زوال الدنيا ابتعث الله وليا اصطفاه واجتباه وقربه وأدناه ، واعطاه ما أعطى الأولياء وخصه بخاتم الولاية ، فيكون حجة الله يوم القيامة على سائر الأولياء ، فيوجد عنده بذلك الختم صدق الولاية على سبيل ما وجد عند محمد - صلى الله عليه وسلم - من صدق النبوة فلم ينله العدو ولا وجدت النفس سبيلا إلى الأخذ بحظها من الولاية ) (1) .(11/137)
5- وقال أبو طالب المكى (ت:386هـ) فى وصف النازعين والهاتفين الملازمين لكل إنسان : ( فمن السواء والتعديل والازدواج والتقويم ، أدوات الظاهر وأعراض الباطن وهى حواس الجسم والقلب ، فأدوات الجسم هى الصفات الظاهرة وأعراض القلب هى المعانى الباطنة ، قد عدلها الله بحكمته وسواها على مشيئته وقومها اتقانا بصنعته ، أولها النفس والروح ، وهما مكانان للقاء العدو والملك وهما شخصان ملقيان للفجور والتقوى .. فما كان من لائح يلوح فى القلب من معصية ثم يتقلب فلا يثبت فهذا نزغ من قبل العدو ) (2) .
ويستند المكى إلى الأصول النبوية فى إثبات وجود العدو ، ووجوب الحذر ــــــــــــــــــــ
1. ختم الأولياء ص344 ، وكلام الترمذى فى الأربعين صديقا الذين بهم تقوم الأرض وهم من آل بيته - صلى الله عليه وسلم - ، أو دعوى ختم الأولياء ، كل هذا كلام باطل يفتقر إلى الدليل .
2. قوت القلوب 1/114 ، ص127 .
وسوسته ، فيستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ما منكم من أحد ، إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة ، قالوا : وإياك يارسول الله ؟ قال : وإياى لكن الله أعاننى عليه فأسلم ، فلا يأمرنى إلا بخير " (1) وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاذ بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاذ بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله تعالى فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان " (2) .(11/138)
6- وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) فى تفسيره لقوله تعالى : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ ليَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [فاطر/6] : ( عداوة الشيطان بدوام مخالفته ، فإن من الناس من يعاونه بالقول ولكن يوافقه بالفعل ، ولن تقوى على عداوته إلا بدوام الاستغاثة بالرب وتلك الاستغاثة تكون بصدق الاستعانة والشيطان لا يفتر فى عداوتك ، فلا تغفل أنت عن مولاك لحظة فيبرز لك عدوك فإنه أبدا متمكن لك .. وحزب الشيطان هم المعرضون عن الله المشتغلون بغير الله الغافلون عن الله ، ودليل هذا الخطاب إن الشيطان عدوكم فابغضوه واتخذوه عدوا ، وأنا وليكم وحبيبكم فأحبونى وارضوا بى حبيبا ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق 1/114 ، والحديث أخرجه مسلم فى صفات المنافقين (2814) 4/2167 .
2. أخرجه الترمذى فى التفسير (1072) وقال الألبانى : صحيح 3/104.
3. لطائف الإشارات 3/195 .
**********************************
92- العزم
**********************************
صدق الله العظيم العزم : العزم قوة الإرادة ، والعزيمة عقد القلب على إمضاء الأمر (1) يقال : عزمت الأمر عقدت تنفيذه ونويت فعله ، قال تعال : { وَلقَدْ عَهِدْنَا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْل فَنَسِيَ وَلمْ نَجِدْ لهُ عَزْمًا } [طه/115] ، أى إرادة قوية وعزيمة يحافظ بها على ما أمر به ، وقال سبحانه : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّل عَلى الله ِ } [آل عمران/159] وقال ابن عمر - رضي الله عنه - ، في الإيلاء الذي سمى الله : " لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم بالطلاق ، كما أمر الله عز وجل : { للذِينَ يُؤْلونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَليمٌ } [البقرة/227:226] " (2) .(11/139)
ومما ورد فى السنة أيضا فى العزم وقوة الإرادة ، ما روى عن علي - رضي الله عنه - قال : " بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية ، وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب عليهم ، وقال : أليس قد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال : قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها ، فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا ، فلما هموا بالدخول فقام ينظر بعضهم إلى بعض ، قال بعضهم : ــــــــــــــــــــ
1. كتاب العين 1/363 ، المفردات ص334 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الطلاق برقم (5291) 9/335 .
إنما تبعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فرارا من النار أفندخلها ؟ فبينما هم كذلك ، إذ خمدت النار وسكن غضبه ، فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا ، إنما الطاعة في المعروف " (1) ، وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ، ارحمني إن شئت ارزقني إن شئت ، وليعزم مسألته إنه يفعل ما يشاء لا مكره له?" (2) ، وفى رواية أخرى : " ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة ، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه?" (3) .
والعزيمة لها معنى اصطلاحى يرد على نوعين :(11/140)
أ- العزيمة فى مقابل الرخصة : وتعنى الحتم والإلزام ويقابلها حرية الفعل والتخيير لما روى عن أبى سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أنه سئل عن الصوم في السفر ، فقال : سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ونحن صيام ، فنزلنا منزلا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنكم قد دنوتم من عدوكم ، والفطر أقوى لكم ، فكانت رخصة فمنا من صام ، ومنا من أفطر ، ثم نزلنا منزلا آخر ، فقال : إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا ، فكانت عزيمة فأفطرنا ، ثم قال : لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك في السفر " (4) وعن أم عطية رضي الله عنها قالت : ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الأحكام برقم (7145) 13/135 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب التوحيد برقم (7477) 13/456 .
3. أخرجه مسلم فى كتاب الذكر برقم (2679) 4/206 .
4. أخرجه مسلم فى الصيام (1120) 2/789 وأحمد فى المسند (10914) واللفظ له .
" نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا " (1) .
ب- والعزيمة تعويذة بعقدة أو غيرها : على اعتبار أنه عقد على الشيطان أن يمضى إرادته فيمن عزمه وجمعها العزائم (2) ، وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ، ومن سحر فقد أشرك ، ومن تعلق شيئا وكل إليه " (3) .
صدق الله العظيم العزم فى الاصطلاح الصوفى :(11/141)
العزم فى الاصطلاح الصوفى هو تحقيق القصد ، فهو ثانى أركان أصول الدخول فى هذا الشأن ، وإن القصد هو أولها وذلك لأن صاحب القصد الصحيح فى التوجه على بصيرة وطمأنينة بحكم التجرد والانقطاع عن كل ما يعوق ، وقد يعتريه فى أثناء سيره أثر شوق والتفات يشير إلى أثر من آثار ما انقطع عنه وتجرد منه ، فيجره ذلك الأثر والشوق إلى ما وراءه مع قوة باعثة للسير ، فيحتاج إلى تقوية الباعث بقطع ذلك الأثر ، فتسمى تلك التقوية بالعزم الذى هو تحقيق القصد ، ثم إن العزم إنما يقويه الأدب ، لأنه هو الذى يظهر الخوف بصورة القبض ، والرجاء بصورة البسط ، وهو الذى يراعى التوسط بينهما (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز برقم (1278) 3/173 .
2. المفردات ص334 .
3. أخرجه النسائى فى تحريم الدم (4079) وقال الألبانى : ضعيف 2/117 .
4. لطائف الأعلام 2/152 .
قال الحارث بن أسد المحاسبى (ت:243هـ) : ( التوبة الندم على ما كان من الفعل القبيح ، والعزم على ألا تعود إلى ما كنت عليه من حال الإصرار على العقود ، والفزع من عارض داعى الذنب ، لأن الله عز وجل يقول : { وَلمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلوا وَهُمْ يَعْلمُونَ } [آل عمران/135] ) (1) ، وقال أبو طالب المكى (ت:386هـ) عن الخواطر وأثرها فى القلب : ( فما كان منها من نية وعزم ، كان محسوبا للعبد فى باب النيات ، مكتوبا له فى ديوان الإرادة ، له بها حسنات ، وما كان منها من الشر ، نية وعقدا وعزما ، فعلى العبد فيه مؤاخذة من باب أعمال القلوب ، ونيات السوء وعقود المعاصى ) (2) .(11/142)
ويذكر أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) فى تفسير قوله تعالى : { وَلقَدْ عَهِدْنَا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْل فَنَسِيَ وَلمْ نَجِدْ لهُ عَزْمًا } [طه/115] ، لم نجد له قوة بالكمال وانكماشا فى مراعاة الأمر ، حتى وقعت عليه سمة العصيان ، بقوله تعالى : { وعصى آدم ربه } ، ويقال : { وَلمْ نَجِدْ لهُ عَزْمًا } على الإصرار على المخالفة ، ويقال : لم نجد له عزما فى القصد على الخلاف ، وإن كان ، فذلك بمقتضى النسيان ، قال تعالى : { فَنَسِيَ وَلمْ نَجِدْ لهُ عَزْمًا } ، على خلاف الأمر وإن كان منه اتباع لبعض مطالبات الأمر ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. القصد والرجوع إلى الله ص34 .
2. قوت القلوب 1/ 127 .
3. لطائف الإشارات 2/481 .
**********************************
93- الغرق
**********************************
صدق الله العظيم الغرق : الغرق الموت بانقطاع النفس فى الماء ، ويطلق أيضا على الوقوع فى البلاء حتى الهلاك (1) :(11/143)
فمن المعنى الأول : الغرق المحسوس ، كقوله تعالى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيل البَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الغَرَقُ قَال آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلا الذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ المُسْلمِينَ } [يونس/90] ، وقوله سبحانه : { قَال أَخَرَقْتَهَا لتُغْرِقَ أَهْلهَا لقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا } [الكهف/71] ، وقد تعوذ النبى - صلى الله عليه وسلم - منه فى حديث أبي اليسر - رضي الله عنه - ، قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو اللهم إني أعوذ بك من الهدم ، وأعوذ بك من التردي ، وأعوذ بك من الغرق والحرق والهرم " (2) ، وذكر أيضا أن الغريق من جملة الشهداء ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الشهداء خمسة ، المطعون ، والمبطون ، والغريق وصاحب الهدم ، والشهيد في سبيل الله " (3) .
ومن المعنى الثانى : ما روى عن عمر - رضي الله عنه - ، أنه قال لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما : ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 10/283 ، والمفردات ص360 ، وكتاب العين 4/354.
2. أخرجه أبو داود فى كتاب الصلاة برقم (1552) وقال الألبانى : صحيح 2/92 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب الأذان برقم (654) 2/163 .
" فيم ترون هذه الآية نزلت : { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لهُ جَنَّةٌ } [البقرة/266] قالوا : الله أعلم ، فغضب عمر ، فقال : قولوا نعلم أو لا نعلم ، فقال ابن عباس - رضي الله عنه - : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين ، قال عمر - رضي الله عنه - : يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك ، قال ابن عباس - رضي الله عنه - : ضربت مثلا لرجل غني يعمل بطاعة الله عز وجل ، ثم بعث الله له الشيطان ، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله " (1) .
صدق الله العظيم الغرق فى الاصطلاح الصوفى :(11/144)
الغرق فى الاصطلاح الصوفى يراد به إحساس الصوفى إذا بلغ فى الحال منتهاه واستولى عليه شئ من الواردات التى تجعله كالغريق ، وهذا الغرق قد يصاحبه شطحات ، روى عن الجنيد بن محمد فى وصفه شطحات أبى يزيد البسطامى : ( رأيت حكايات أبى يزيد رحمه الله على ما نعته ينبئ عنه ، أنه قد غرق فيما وجد منها ، وذهب عن حقيقة الحق إذا لم يرد عليها ، وهى معان غرقته على تارات الغرق كل واحد منها غير صاحبتها ) (2) .
وقال الهجويرى : ( أما أهل التمكين ليست لهم صفات ، ولا يلحقهم محو ولا صحو ، ولالحق ولا محق ، ولا فناء ولا بقاء ، ولا وجود ولا عدم ، لأن هذه الكلمات لا تنطبق على من فنيت صفاتهم ، لأن الصفة تحتاج إلى موصوف وإذا كان الموصوف مستغرقا فقد القوة على الاحتفاظ بها ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4538) 8/49 .
2. اللمع ص459 .
3. كشف المحجوب ص451 .
وقال الكاشانى : ( الغرق هو استغرق من تحقق بالحب ، فغرق فى لجة بحر القرب ، فغاب عن إحساسه بالروح والنفس واللب ) (1) .
**********************************
94 - الغشاوة
**********************************
صدق الله العظيم الغشاوة : حاجب رقيق فى الغالب يستر الشئ ، ويستعمل على نوعين (2) :(11/145)
1- الغشاوة فى المحسوسات كقوله تعالى : { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ليَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلنُونَ إِنَّهُ عَليمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [هود/5] ، قال ابن عباس : " يستغشون يغطون رءوسهم " (3) وقوله تعالى : { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنْ اليَمِّ مَا غَشِيَهُمْ وَأَضَل فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى } [طه/79:78] ، وروى عن مسروق فى قوله تعالى : { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَليمٌ } [الدخان/11:10] أنه قال : جاء إلى عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - رجل فقال : تركت في المسجد رجلا يفسر القرآن برأيه يفسر هذه الآية ، قال : يأتي الناس يوم القيامة دخان ، فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام ، فقال عبد الله : من علم علما فليقل ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/179.
2. كتاب العين 4/429 ، والمفردات ص361 ، والمغرب للمطرزى 2/104 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4683) 8/200 .(11/146)
به ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم ، من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به : الله أعلم ، إنما كان هذا أن قريشا لما استعصت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم قحط وجهد حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ، وحتى أكلوا العظام ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال : يا رسول الله استغفر الله لمضر ، فإنهم قد هلكوا ، فقال : لمضر إنك لجريء ، قال : فدعا الله لهم فأنزل الله عز وجل : { إِنَّا كَاشِفُوا العَذَابِ قَليلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ } [الدخان/15] قال : فمطروا ، فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى ما كانوا عليه ، فأنزل الله عز وجل : { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَليمٌ } [الدخان/11:10] { يَوْمَ نَبْطِشُ البَطْشَةَ الكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ } [الدخان/16] قال : يعني يوم بدر ) (1) .
2- الغشاوة فى المعنويات وهو الأغلب ، كقوله تعالى : { إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّل عَليْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً ليُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَليَرْبِطَ عَلى قُلوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ } [الأنفال/11] ، وقوله : { وَجَعَلنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } [يس/9] قال مجاهد : سدا عن الحق يترددون في الضلالة (2) ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4821) 8/434 ، ومسلم فى كتاب صفة القيامة برقم (2798) 4/2155 واللفظ له .
2. أخرجه البخارى فى القدر باب المعصوم من عصم الله ، فتح البارى 11/502 .(11/147)
قال : " اشتكى سعد بن عبادة - رضي الله عنه - شكوى له فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده ، فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله ، فقال : قد قضى ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم - " (1) .
صدق الله العظيم الغشاوة فى الاصطلاح الصوفى :
الغشاوة فى الاصطلاح الصوفى غشاء حاجب يعلو مرآة عين البصيرة فيحدث ما يشبه الصدأ على وجه القلب كما يغشى الثياب عين البصر فى الوجه (2) .
قال الحكيم الترمذى (ت:320هـ) عن وسوسة الشيطان التى تؤدى إلى الإيمان كيف تزيل الغشاوة عن القلوب : ( لما حصلت الرمية فى الصدر بين عينى الفؤاد طارت من جمرة الإيمان التى فى قلبه شرارة ، فاحرقت الرمية وولى العدو هاربا ، فانخنس فى مكانه ، وصار لتلك الشرارة فى الصدر ضوء وشهاب ثاقب ، فذلك الضوء الإيمان ، فهو فى تلك الساعة أحسن وأرفع منزلة ، لأن الإيمان كان منه فى غشاء ، فبرز ضؤه وشهابه فأشرق ، فذلك فعل القلب وكسبه ، فلا يستوى كسب الأمير وكسب الخدم وهى الجوارح ، ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث شكى إليه ذلك ، فقال : " ذلك محض الإيمان " (3) ، فإنما ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز برقم (1304) 3/209 .
2. لطائف الإعلام 2/180 بتصرف .
3. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (132) 1/119 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : جاء ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ؟ قال : وقد وجدتموه ؟ قالوا : نعم ، قال : ذاك صريح الإيمان .(11/148)
سماه محضا ، لأن الغشاء الذى على الإيمان قد انقشع ، والغطاء قد انكشف وذلك أن الغطاء على الإيمان كان من الله رحمة ، والغشاء حديث فى العبد فى إيمانه ، وهو العلائق والشهوات ، فانقشع الغشاء وانكشف الغطاء واستنار الإيمان فى الصدر ، فأضاء وأشرق ، فذلك محض الإيمان ، وإنما وقع قوله عليه السلام على تلك الشرارة التى ظهرت من الجمرة ، لا على ما جاء به العدو من الخبث والخبائث " (1) .
ويذكر القشيرى أن غشاوة الأبصار تكون فى القلب بالجهالة والضلالة ولا يدخلها شئ من البصيرة والهداية ، فتسد المسامع وتحجب الأبصار عن إدراك خطاب الحق من حيث الإيمان ، فوساوس الشيطان وهواجس النفوس شغلتها عن استماع خواطر الحق ، فبصائر الأجانب عن الطريقة عليها غشاوة لا يشهدون ، لا ببصر العلوم ولا ببصيرة الحقائق ، قال تعالى : { خَتَمَ اللهُ عَلى قُلوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [البقرة/7] وقال أيضا : { أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلهُ اللهُ عَلى عِلمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلبِهِ وَجَعَل عَلى بَصَرِهِ غِشَاوَةً } [الجاثية/23] (2) .
وقال الكاشانى : الغشاوة فى اصطلاح الصوفية كقول القائل :
أيا جسدى العواق لى عن مآربى : أبن لست لى من جملة النصحاء
صحبتك إذ كانت لعينى غشاوة : فلما أنجلت أفرغت منك وعاء (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. آداب المريدين وبيان الكسب ص72:71.
2. لطائف الإشارات 1/60 ، 3/393 بتصرف . 3. لطائف الإعلام 2/180.
**********************************
95- الغرور
**********************************(11/149)
صدق الله العظيم الغرور : الغرور كل ما يجعل الإنسان فى مكانة غير مكانته ، مع انخداعه وفتنته من مال وجاه وقوة وسلطان ، وجميع مشتهيات الإنسان (1) ، والغرور من الغرة وهى بياض مميز فى الجبهة ، والغر البارز المميز ، كما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " (2) ، واستخدم الغرور فى كل خادع ، كما روى عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - ، قال : " سمعت محمدا - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور ولا هذا البياض حتى يستطير " (3) .
وإذا فتن الإنسان بشئ ، فخدعه أو استجاب له ، فقد اغتر به ، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " إنه بلغني أن قائلا منكم يقول : والله لو قد مات عمر - رضي الله عنه - بايعت فلانا ، فلا يغترن امرؤ أن يقول : إنما كانت بيعة أبي بكر - رضي الله عنه - فلتة وتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرها ، وليس منكم من تقطع ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص359 ، لسان العرب 5/11 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الوضوء برقم (136) 1/283 .
3. أخرجه مسلم فى كتاب الصيام برقم (1094) 2/769 .(11/150)
الأعناق إليه مثل أبي بكر - رضي الله عنه - " (1) ، وقال لابنته حفصة رضى الله عنها : أي حفصة : أتغاضب إحداكن رسول الله ?- صلى الله عليه وسلم -اليوم حتى الليل ؟ فقالت : نعم فقال - رضي الله عنه - : خابت وخسرت ، أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله - صلى الله عليه وسلم - فتهلكين لا تستكثري على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا تراجعيه في شيء ، ولا تهجريه واسأليني ما بدا لك ، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يريد عائشة " (2) ، وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من توضأ مثل هذا الوضوء ، ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس ، غفر له ما تقدم من ذنبه ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تغتروا " (3) أى لا تنخدعوا فتتواكلوا .
والغرور يطلق كاصطلاح على الدنيا ، لأنها تفتن الإنسان وتخدعه ، وتعطيه مكانة غير ما يجب له من مكانة العبودية ، والافتقار إلى الله وصفها الله بالغرور فقال سبحانه : { اعْلمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لعِبٌ وَلهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَال وَالأَوْلادِ كَمَثَل غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الغُرُورِ } [الحديد/20] وقال أيضا : { إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ } [لقمان/33] ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الحدود برقم (6830) 12/148 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب المظالم برقم (2468) 5/137 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق برقم (6433) 11/254 .(11/151)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن موضع سوط في الجنة لخير من الدنيا وما فيها ، اقرءوا إن شئتم : { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِل الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الغُرُورِ } [آل عمران/185] " (1) ، ويطلق الغرور اصطلاحا على وعد الشيطان لأنه لا يسأم من التحايل على الإنسان وخداعه وفتنته ، فهو أخبث الغارين ، كما قال تعالى : { وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلبْ عَليْهِمْ بِخَيْلكَ وَرَجِلكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَال وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَان ُ إِلا غُرُورًا } [الإسراء/64] ، وقال مجاهد فى قول الله تعالى : { إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُور } [لقمان/33] الغرور الشيطان (2) .
صدق الله العظيم الغرور فى الاصطلاح الصوفى :
الغرور فى الاصطلاح الصوفى يراد به الدنيا ، وأنواع المشتهيات فيها ، وعلل اشتهائها ، إن كانت فى معصية الله ، وآلت إلى إعجاب المرء بما لديه منها والاشتغال بها عن طاعته ، قال الحارث المحاسبى (ت:243هـ) : ( الغرة بالدنيا عن الآخرة إيثار الدنيا والاشتغال بها عن الآخرة ، وهو قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ } [فاطر/5] ، وقول الله : { وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الغُرُورِ } [آل عمران/185] ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه الترمذى فى كتاب تفسير القرآن برقم (3013) وقال الشيخ الألبانى : حسن 5/232 ، وابن ماجه برقم (4330) 2/1448.
2. انظر فتح البارى 11/250 .(11/152)
فاغتر الكافرون بها ، لما رأوا من فعل الله عز وجل بهم ، من إكرامه لهم بالدنيا ورفعتها وسعتها ، فظنوا أن ذلك لم يكن من الله عز وجل إلا لمنزلتهم عنده وأنهم أحق بالخير من غيرهم ) (1) ، ثم يذكر أن هؤلاء على وجهين (2) :
1- فرقة منهم شكاك فى الآخرة يقولون فى أنفسهم وبألسنتهم ، إن يكن لله عز وجل معاد ، فنحن أحق به من غيرنا ، ولنا فيه النصيب الأوفر ، اغترارا بما ظهر لهم من خير الدنيا وكرامتها ، وقد حكى الله ذلك عن الرجلين اللذين تحاورا ، فقال الكافر منهما للمؤمن المحاور له : { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلبًا } [الكهف/36] .
2- وفرقة منهم يغترون بنعم الله عز وجل فى الدنيا ، فلا يرون أن الله عز وجل أخذهم بعقوبة فى الدنيا ، وأنه إنما أعطاهم ما أعطاهم من الدنيا لما علم منهم من الخير وأنهم عنده بالمنزلة العظمى ، كقول الله عز وجل إخبارا عن مقال موسى لقارون يخوفه بأس الله عز وجل ، فقال : { قَال إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلى عِلمٍ عِندِي } [القصص/78] ، فقال الله عز وجل : { أَوَلمْ يَعْلمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلكَ مِنْ قَبْلهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا } [القصص/78] ، أى لم يمنع الله عز وجل ما أعطاهم من نعيم الدنيا لما كفروا أن يعذبهم ، فلم يعلم قارون أن الله عز وجل قد فعل ذلك بغيره ، وذلك من الله عز وجل استدراج لمن أراد أن يهلكه ويعذبه ليغتر بنعم الله عز وجل : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلمُونَ } [القلم/44] .
ــــــــــــــــــــ
1. الرعاية لحقوق الله ص343 ، ص345 .
2. السابق ص346 .(11/153)
وقال أبو سعيد الخراز (ت:279هـ) : ( لقد فضح الله الدنيا وسماها بأسماء لم يسمها أحدا ، فقال تبارك وتعالى : { اعْلمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لعِبٌ وَلهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَال وَالأَوْلادِ } [الحديد/20] ، أفلا يستحى من يعقل عن الله تعالى ، أن يراه ساكنا إلى اللهو واللعب فى دار الغرور ) (1) .
ثم يروى عن أبى الدرداء أنه قال : ( يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم ، كيف غنموا سهر الحمقى وصيامهم ، ولمثقال ذرة من صاحب تقوى ويقين ، أوزن عند الله من أمثال الجبال من أعمل المغترين ) (2) .
ويذكر أبو طالب المكى (ت:386هـ) أن أصناف المشتهيات التى يغتر بها الناس ، حصرها الله فى سبعة أوصاف وردت فى قوله تعالى :
{ زُيِّنَ للنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْل المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ } [آل عمران/14] ، ثم يقول معقبا : ( فهذه سبعة أوصاف هى جملة متاع الدنيا ، وما تفرع من الشهوات رد إلى أصل من أصول هذه الجمل ، فمن أحب جميعها فقد أحب جملة الدنيا ، ومن أحب أصلا منها أو فرعا من أصل فقد أحب بعض الدنيا ، وعلمنا بنص كلام الله أن الشهوة دنيا ، وفهمنا من دليله أن الحاجات ليست بدنيا لأنها تقع ضرورات ، فإذا لم تكن الحاجة دنيا دل
ــــــــــــــــــــ
1. الصدق لأبى سعيد الخراز ص40 .
2. السابق ص46 .(11/154)
أنها لا تسمى شهوة ، وإن كانت قد تشتهى ) (1) ، ثم يبين علل الاشتهاء في الدنيا ، وأنها محصورة فى خمسة أنواع : { اعْلمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لعِبٌ وَلهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَال وَالأَوْلاد } [الحديد/20] ثم يقول : فغرور المغترين بالدنيا محصور فى تلك السبعة للعب والهو والزينة والتفاخر والتكاثر (2) .
ويذكر أبو القاسم القسيرى (ت:465هـ) فى قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ } [الانفطار/6] أى ما خدعك وما سول لك حتى عملت بمعاصيه ؟ سأله وفى نفس السؤال لقنه الجواب يقول : غرنى كرمك بى ولولا كرمك لما فعلت لأنك رأيت فسترت وقدرت فأمهلت ، إن المؤمن وثق بحسن إفضاله ، اغتر بطول إمهاله ، فلم يرتكب الزلة لاستحلالة ، ولكن طول حلمه عنه حمله على سوء خصاله ) (3) .
**********************************
96- الغيبة
**********************************
صدق الله العظيم الغيبة : الغيب مصدر غابت الشمس وغيرها إذا استترت عن العين ، قال تعالى : { وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَال مَا لي لا أَرَى الهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنْ الغَائِبِينَ } [النمل/20]
ــــــــــــــــــــ
1. قوت القلوب 1/ 245? .
2. السابق 1/ 245? .
3. لطائف الإشارات 3/697:696 .
واستعمل فى كل غائب عن الحاسة ، وعما يغيب عن علم الإنسان ، قال الله تعالى : { وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [النمل/75] (1) وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا " (2) .(11/155)
والغيبة كاصطلاح ورد فى الكتاب والسنة ، معناه أن يذكر الإنسان غيره فى غيبته بما فيه من جرح وعيب دون ضرورة تستدعى ذلك ، كقول الإمام مسلم رحمه الله : ( باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة ) (3) .
وعن عباد بن عباد الخواص الشامي أبي عتبة - رضي الله عنه - ، قال : " يلقاك صاحب الغيبة ، فيغتاب عندك من يرى أنك تحب غيبته ، ويخالفك إلى صاحبك فيأتيه عنك بمثله ، فإذا هو قد أصاب عند كل واحد منكما حاجته ، وخفي على كل واحد منكما ما أتي به عند صاحبه ، حضوره عند من حضره حضور الإخوان وغيبته على من غاب عنه غيبة الأعداء ، من حضر منهم كانت له الأثرة ، ومن غاب منهم لم تكن له حرمة ، يفتن من حضره بالتزكية ، ويغتاب من غاب عنه ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص367 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب النكاح برقم (5244) 9/251 .
3. انظر صحيح مسلم 1/14 .
بالغيبة ، فيا لعباد الله ، أما في القوم من رشيد ولا مصلح يقمع هذا عن مكيدته ويرده عن عرض أخيه المسلم ، بل عرف هواهم فيما مشى به إليهم ، فاستمكن منهم وأمكنوه من حاجته ، فأكل بدينه مع أديانهم ، فالله الله ذبوا عن حرم أغيابكم ، وكفوا ألسنتكم عنهم إلا من خير " (1) .(11/156)
ومما ورد في القرآن من النهى عنها ، قوله عز وجل : { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُل لحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيم ٌ } [الحجرات/12] ، ومن السنة ما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ ، قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهته " (2) ، وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : " كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فارتفعت ريح جيفة منتنة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتدرون ما هذه الريح ؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين " (3) ، وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال : " مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال : إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فيعذب في البول ، وأما الآخر فيعذب في الغيبة " (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه الدارمى فى المقدمة برقم (649) 1/166 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب البر والصلة برقم (2589) 4/2001 .
3. أخرجه أحمد فى المسند برقم (14370) والبخارى فى الأدب المفرد برقم (732) .
4. حسن أخرجه ابن ماجة فى كتاب الطهارة برقم (349) 1/125 .
صدق الله العظيم الغيبة فى الاصطلاح الصوفى :
الغيبة فى الاصطلاح الصوفى تطلق على معنيين :(11/157)
[1- المعنى المتبادر إلى الأذهان ، وهو المعنى الاصطلاحى الوارد فى القرآن والسنة ، كما روى عن الجنيد بن محمد (ت:297هـ) قال : ( كنت جالسا فى مسجد الشونزية ، أنتظر جنازة أصلى عليها ، وأهل بغداد على طبقاتهم جلوس ينتظرون الجنازة ، فرأيت فقيرا عليه أثر النسك يسأل الناس ، فقلت فى نفسى لو عمل هذا عملا يصون به نفسه كان أجمل به ، فلما انصرفت إلى منزلى ، وكان لى شئ من الورد بالليل حتى البكاء والصلاة وغير ذلك ، فثقل على جميع أورادى ، فسهرت وأنا قاعد ، فغلبتنى عيناى ، فرأيت ذلك الفقير جاءوا به على خوان ممدود ، وقالوا لى : كل لحمه فقد اغتبته ، وكشف لى عن الحال ، فقلت : ما اغتبته ، إنما قلت فى نفسى شيئا ، فقيل لى : ما أنت ممن يرضى منك بمثله ، إذهب فاستحله فأصبحت ولم أزل أتردد حتى رأيته فى موضع ، يلتقط من الماء عند تزايد الماء أوراقا من البقل ، مما تتساقط من غسل البقل ، فسلمت عليه ، فقال : يا أبا القاسم ، تعود ؟ فقلت : لا فقال : غفر الله لنا ولك ) (1) ، ولا شك أن ما حدث من الجنيد لا يعد غيبة ، وما ذكره من أن هذا الفقير ، قال له تعود ، كأنه يعلم الغيب ويحيط بما فى النفوس فكلام باطل يؤدى إلى زعزعة العقيدة فى نفوس الناس ، هذا إذا ثبتت الرواية عن الجنيد أصلا .
ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة 1/406 .(11/158)
وقال الحكيم الترمذى (ت:320هـ) : ( الغيبة تناول لعرض المؤمن ، وله ذمة وحرمة عظيمة بما فيه من التوحيد ، فصار حرام الدم حرام العرض ، لأن المال قوام الدين والعرض ، والموحد فى ستر التوحيد ، كل شئ من شأنه دينا وخلقة ، فإذا ذكرته بشئ من السوء ، فإنما يخرج شيئا مستورا بستر الله تعالى فقد هتك ستر الله تعالى ، والمستمع له شريك ، فلولا المستمع لم يصر قوله غيبة لأنه نطق بها عنده ، وبين يديه يهتك ستره ، وإنما يصير هتكا بالقول لأنه أظهر عنده ، فاعتبر بملك من ملوك الدنيا أسدل سترا على بابه ، فعمد رجل إلى ذلك الستر فهتكه ، ماذا يحل به للجرأة التى اجترأ ؟ والمستمع غير السامع ، لأنه قد يسمع وهو لا يرضى به ، فإذا استمع فقد شركه ، لأنه أعمل سمعه فى ذلك ورضى به ) (1) .
وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( باب الغيبة قال تعالى : { وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُل لحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيم ٌ } [الحجرات/12] وأوحى الله سبحانه إلى موسى عليه السلام : ( من مات تائبا من الغيبة ، فهو آخر من يدخل الجنة ومن مات مصرا عليها ، فهو أول من يدخل النار ) (2) .
[2- الغيبة بالمعنى المقابل للحضور ، فالغيبة عندهم غيبة القلب عن علم ما ــــــــــــــــــــ
1. المنهيات للحكيم الترمذى ص 95 .
2. الرسالة 1/404 .(11/159)
يجرى من أحكام الخلق لشغل الحس بما ورد عليه من جناب الحق ، حتى أنه قد يغيب من إحساسه بنفسه فضلا عن غيره ، فالغيبة بإزاء الحضور ، والغيب بإزاء الشهادة فالغيب عن عالم الشهادة ، حضور فى عالم الغيب ، والحضور فى عالم القدس عندهم غيبة عن عالم الحس ، والحضور مع الحس غيبة عن القدس وإذا أطلقوا الغيبة ، فإنما يعنى بها فى الأكثر غيبة النفس عن هذا العالم وحضورها هناك ، والغيبة عندهم قد تكون لوارد أوجبه تذكر ثواب أو تفكر عقاب وقد تكون الغيبة عن الإحساس ، لأجل معنى من المعانى التى كاشف الحق بها عبده وقد تكون الغيبة للأمرين معا (1) ، ومن كلامهم فى الغيبة على هذا المعنى :
(1- ما روى عن الجنيد بن محمد قال : ( القرب بالوجد جمع ، والغيبة بالبشرية تفرقة ) (2) .
(2- وقال السراج الطوسى (ت:378هـ) : ( الغيبة غيبة القلب عن مشاهدة الخلق بحضوره ، ومشاهدته للحق بلا تغيير ظاهر للعبد ) (3) .
(3- وقال أبو بكر الكلاباذى (ت:380هـ) : ( معنى الغيبة أن يغيب عن حظوظ نفسه ، فلا يراها وهى أغنى الحظوظ ، قائمة معه موجودة فيه ، غير أنه غائب عنها بشهود ما للحق ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/183 .
2. طبقات الصوفية ص157 .
3. اللمع ص416 .
4. التعرف ص118 .
(4- وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( فالغيبة غيبة القلب عن علم ما يجرى من أحوال الخلق ، لاشتغال الحس بما ورد عليه ، ثم قد يغيب عن إحساسه بنفسه ، وغيره بوارد من تذكر ثواب أو تفكر عقاب ) (1) .
(5- وقال ضياء الدين السهروردى (ت:563هـ) : ( إذا فقد العبد حال المشاهدة والمراقبة ، خرج من دائرة الحضور فهو غائب ، وقد يعنون بالغيبة الغيبة عن الأشياء بالحق ، فيكون على هذا المعنى حاصل ذلك راجعا إلى مقام الفناء ) (2) .
**********************************
97- الغضب
**********************************(11/160)
صدق الله العظيم الغضب : الغضب عمل مذموم من أعمال النفس يعرف بآثاره الظاهرة فى وجه الإنسان (3) ، كما روى عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : " قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - قسما فقال رجل : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه ، ثم قال : يرحم الله?موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر " (4) ، فهو لم ير الغضب لأنه محله القلب ولكنه رأى بعض ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة 1/232 . 2. عوارف المعارف ص528 .
3. المفردات ص361 ، ولسان العرب 11/648 ، وكتاب العين 4/369 .
4. أخرجه البخارى فى كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3405) 6/502 .
العلامات الظاهرة التى تدل عليه ، كما فى حديث سليمان بن صرد - رضي الله عنه - ، قال : " استب رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فغضب أحدهما ، فاشتد غضبه ، حتى انتفخ وجهه وتغير " (1) ، وفى رواية أخرى : " فجعل أحدهما تحمر عيناه ، وتنتفخ أوداجه " (2) ، وثالثة عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، قال : " فغضب أحدهما غضبا شديدا ، حتى خيل إلي أن أنفه يتمزع من شدة غضبه " (3) .(11/161)
والغضب ضد الرضى ، وهو صفة نقص ومذمة إلا أن يكون لحق ، كغضب الله ورسوله لانتهاك الحرمات ومعصية الله ، وغضب النبى لأهله وأصحابه وغضب المؤمنين لغضب الله وسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن ذلك قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لابنته أم المؤمنين حفصة رضى الله عنها : " أي حفصة أتغاضب إحداكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليوم حتى الليل ؟ فقالت : نعم ، فقال : خابت وخسرت ، أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله - صلى الله عليه وسلم - فتهلكين " (4) وعن عائشة رضى الله عنها قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمرهم ، أمرهم من الأعمال بما يطيقون ، قالوا : إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله ، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه ، ثم يقول : إن أتقاكم وأعلمكم بالله ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الأدب برقم (6048) 10/479 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب البر والصلة والآداب برقم (2610) 4/2015 .
3. أخرجه أبو داود فى الأدب برقم (4780) وقال الشيخ الألبانى : ضعيف 4/248 .
4. أخرجه البخارى فى كتاب المظالم برقم (2468) 5/13.(11/162)
أنا " (1) ، وقال المسور بن مخرمة - رضي الله عنه - : " إن عليا - رضي الله عنه - ، خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعته حين تشهد يقول : أما بعد ، أنكحت أبا العاص بن الربيع ؟ فحدثني وصدقني وإن فاطمة بضعة مني ، وإني أكره أن يسوءها ، والله لا تجتمع بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنت عدو الله عند رجل واحد ، فترك علي الخطبة " (2) ، وعن أم الدرداء قالت : " دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - شيئا إلا أنهم يصلون جميعا?" (3) .
وعن أبى الدرداء - رضي الله عنه - قال : " كانت بين أبي بكر وعمر محاورة ، فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه?عمر مغضبا ، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له ، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه ، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال أبو الدرداء : ونحن عنده ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما صاحبكم هذا فقد غامر قال : وندم عمر على ما كان منه فأقبل حتى سلم ، وجلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقص على رسول الله ?- صلى الله عليه وسلم - الخبر ، قال أبو الدرداء : وغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وجعل أبو بكر يقول : والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل أنتم تاركون لي صاحبي ؟ ، هل أنتم تاركون لي صاحبي ؟ إني قلت : يا أيها الناس ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان برقم (20) 1/88 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب برقم (3729) 7/106 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب الأذان برقم (650) 2/161 .
إني رسول الله إليكم جميعا فقلتم : كذبت ، وقال أبو بكر : صدقت ) (1) .(11/163)
وقد حذر الله من الغضب ، فقال سبحانه وتعالى : { وَالذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } [الشورى/37] ، وورد فى السنة فى كثير من المواطن الدعوة إلى السيطرة على النفس عند الغضب ، فمن ذلك ما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " (2) ، وعنه أيضا - رضي الله عنه - ، أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " أوصني ، قال : لا تغضب فردد مرارا ، قال : لا تغضب " (3) .
وعن سليمان بن صرد - رضي الله عنه - ، قال : " كنت جالسا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ورجلان يستبان ، فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد : فقالوا له : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : تعوذ بالله من الشيطان ، فقال : وهل بي جنون " (4) .
وعن عبدا لله بن الزبير رضي الله عنهما ، أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة التي يسقون بها النخل ، فقال الأنصاري : سرح ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى تفسير القرآن برقم (4640) 8/153 ومعنى غامر سبق بالخير .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الأدب برقم (6114) 10/535 .
3. أخرجه البخارى فى الموضع السابق (6116) 10/535 .
4. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3282) 6/388 .(11/164)
الماء يمر ، فأبى عليه ، فاختصما عند?النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير : أسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك ، فغضب الأنصاري ، فقال : أن كان ابن عمتك ، فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ، فقال الزبير : والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } [النساء/65] (1) .
وعن أنس - رضي الله عنه - ، قال : " قال عبد الله بن أبي للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إليك عني ، والله لقد آذاني نتن حمارك ، فقال رجل من الأنصار منهم : والله لحمار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطيب ريحا منك ، فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه ، فغضب لكل واحد منهما أصحابه ، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال ، فبلغنا أنها أنزلت : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلوا فَأَصْلحُوا بَيْنَهُمَا } [الحجرات/9] (2) .
صدق الله العظيم الغضب فى الاصطلاح الصوفى :
الغضب فى الاصطلاح الصوفى ، قوة محلها القلب تؤدى إلى غليان النفس وثورتها ، رغبة فى دفع المؤذيات قبل وقوعها ، والتشفى والانتقام بعد وقوعها ومن أسبابه الكبر والعجب والهزل والتعيير والمماراة وشدة الحرص على فضول الدنيا والجاه ، وهى بجملتها أوصاف ردية وأخلاق مذمومة ولا خلاص عن ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب المساقاة برقم (2360) 5/42 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الصلح برقم (2691) 5/351 .
الغضب مع بقاء هذه الأسباب (1) ، وينقسم الغضب إلى ثلاثة أنواع محمود ومكروه ومحرم (2) :(11/165)
1- فالغضب لله محمود ، وهذا كالغضب عند المشاهدة للمنكرات والفواحش غيرة على الدين وطلبا الانتقام ، ولهذا مدح الله تعالى الصحابة بكونهم أشداء على الكفار رحماء بينهم ، وقال تعالى : { وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ } [النور/2] .
2- وأما المكروه فالغضب عند فوات حظوظه المباحة ، كغضب الإنسان على خادمه وعبده عند كسر آنية أوتوانيه فى خدمته ، فهذا لا ينتهى إلى حد المذموم ، ولكن التغافل والتجاوز فيه أولى وأحب .
3- وأما المذموم فهو الاستشاطة الصادرة عن الفخر والتكبر والمباهاة والمنافسة والحسد والحقد وغير ذلك من الحظوظ الدنيوية دون الدينية وهذا هو الغالب على أكثر الخلق .
ومن عباراتهم فى الغضب ، ما روى عن السرى السقطى (ت:251هـ) أنه قال : ( ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان ، من إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق وإذا رضى لم يخرجه رضاه إلى الباطل ، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. إحياء علوم الدين 3/178.
2. حياة القلوب على هامش قوت القلوب 2/37:36 .
3. السابق 2/39 .
وقال الحارث بن أسد المحاسبى (ت:243هـ) : ( والزم الأدب وفارق الهوى والغضب ، واعمل فى أسباب التيقظ واتخذ الرفق حزبا والتأنى صاحبا والسلامة كهفا والفراغ غنيمة ، والدنيا مطية والآخرة منزلا ) (1) ، وقال أبو عبد الرحمن السلمى (ت:412هـ) : ( ومن عيوب النفس الغضب ومداواتها حمل النفس على الرضا بالقضاء ، فإن الغضب جمرة من الشيطان ، ولأن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : أوصني ، قال : لا تغضب (2) ، ولأن الغضب يخرج العبد حد الهلاك إذا لم يصحبه من الله تعالى زجر ومنع ) (3) .
ويذكر أبو حامد الغزالى (ت:505هـ) أن علاج الغضب يكون فى معجون العلم والعمل ، أما العلم فهو ستة أمور (4) :(11/166)
1- أن يتفكر فى الأخبار التى وردت فى فضل كظم الغيظ ، والعفو والحلم والاحتمال ، فيرغب فى ثوابه فتمنعه شدة الحرص على ثواب الكظم عن التشفى والانتقام وينطفئ عنه غيظه .
ــــــــــــــــــــ
1. رسالة المسترشدين ص79 ،80 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الأدب برقم (6116) 10/535 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
3. عيوب النفس ص29 .
4. إحياء علوم الدين 3/184 .
2- أن يخوف نفسه بعقاب الله ، وهو أن يقول : قدرة الله على أعظم من قدرتى على هذا الإنسان ، فلو أمضيت غضبى عليه ، لم آمن أن يمضى الله غضبه على يوم القيامة ، أحوج ما أكون إلى العفو .
3- أن يحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام ، وتشمر العدو لمقابلته ، والسعى فى هدم أغراضه ، والشماتة بمصائبه ، وهو لا يخلو عن المصائب ، فيخوف نفسه بعواقب الغضب فى الدنيا ، إن كان لا يخاف من الآخرة .
4- أن يتفكر فى قبح صورته عند الغضب ، بأن يتذكر صورة غيره فى حالة الغضب ، ويتفكر فى قبح الغضب فى نفسه ، ومشابهة صاحبه للكلب الضارى والسبع العادى ، ومشابهة الحليم الهادى التارك للغضب للأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء .
5- أن يتفكر فى السبب الذى يدعوه إلى الانتقام ، ويمنعه من كظم الغيظ ولا بد وأن يكون له سبب ، مثل قول الشيطان له : إن هذا يحمل منك على العجز وصغر النفس ، والذلة والمهانة وتصير حقيرا فى أعين الناس ، فيقول لنفسه : ما أعجبك ! تأنفين من الاحتمال الآن ، ولا تأنفين من خزى يوم القيامة ، والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك ؟ .
6- أن يعلم أن غضبه من تعجبه من جريان الشئ على وفق مراد الله لا على وفق مراده ، فكيف يقول مرادى أولى من مراد الله ؟ ، ويوشك أن يكون غضب الله عليه أعظم من غضبه .
وأما العمل فهو كما ورد فى مجمل الروايات :
1- أن يقول بلسانه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
2- أن يجلس إن كان قائما ويضطجع إن كان جالسا .(11/167)
3- إن لم يزل الغضب فليتوضأ بالماء البارد أو يغتسل فإن النار لا يطفئها إلا الماء (1) .
**********************************
98- الغيرة
**********************************
صدق الله العظيم الغيرة : حالة باعثة على تغيير صورة النفس وغليان القلب لسبب ما (2) وأصلها من التغير واستبدال حالة بحالة أخرى ، نحو قوله تعالى : { إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } [الرعد/11] ، والغيرة لم ترد فى القرآن وإنما وردت فى السنة على نوعين :
1- الغيرة وصف للإنسان وهى تغير القلب لسبب ما مثل :
أ - غيرة الرجل على امرأته ، كما روى عن أبى هريرة - رضي الله عنه - ، قال : بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال : " بينا أنا نائم رأيتني في الجنة ، فإذا امرأة تتوضأ إلى ــــــــــــــــــــ
1. السابق 3/185 .
2. لسان العرب 5/40 ، والمغرب للمطرزى 2/119 .
جانب قصر ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ ، فقالوا : لعمر بن الخطاب ، فذكرت غيرته فوليت مدبرا ، فبكى عمر - رضي الله عنه - ، وقال : أعليك أغار يا رسول الله " (1) .
وقال سعد بن عبادة - رضي الله عنه - : " لو رأيت رجلا مع امرأتي ، لضربته بالسيف غير مصفح عنه ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : أتعجبون من غيرة سعد ! فوالله لأنا أغير منه ، والله أغير مني ، من أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، لا شخص أغير من الله ، ولا شخص أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين ، ولا شخص أحب إليه المدحة من الله ، من أجل ذلك وعد الله الجنة " (2) .(11/168)
ب - غيرة المرأة على زوجها ، كما روى عن عائشة رضى الله عنها ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها ليلا ، قالت : فغرت عليه ، قالت : فجاء فرأى ما أصنع ، فقال : ما لك يا عائشة أغرت ؟ قالت : وما لي أن لا يغار مثلي على مثلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أفأخذك شيطانك ؟ قالت : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو معي شيطان ؟ قال : نعم ، قلت : ومع كل إنسان ؟ قال : نعم ، قلت : ومعك يا رسول الله ؟ قال نعم ولكن ربي عز وجل أعانني عليه حتى أسلم " (3)
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3242) 6/366 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب اللعان برقم (1499) 2/1136 .
3. أخرجه مسلم فى كتاب صفة القيامة برقم (2815) 4/2168 ، وأحمد فى المسند برقم (24324) واللفظ له .
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " وافقت ربي في ثلاث .. وذكر منها .. واجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغيرة عليه ، فقلت لهن : { عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ } [التحريم/5] فنزلت هذه الآية " (1) .
ح- غيرة المؤمن على دين الله ومحارمه ، كما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " المؤمن يغار المؤمن يغار المؤمن يغار والله أشد غيرا " (2) .(11/169)
2- الغيرة وصف لله عز وجل ، ليس كثله شئ فيه ولا نعرف كيفيته ودليله ما روى عن هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله يغار ، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله " (3) ، ومن حديث عن عائشة فى صلاة الكسوف قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أمة محمد ، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته ، يا أمة محمد ، والله لو تعلمون ما أعلم ، لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا " (4) ، وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا أحد أغير من الله ، فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ، فلذلك مدح نفسه " (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة برقم (402) 1/601 .
2. أخرجه أحمد برقم (7169) واللفظ له ، والبخارى فى النكاح برقم (5223) .
3. أخرجه البخارى فى كتاب النكاح برقم (5223) 9/230 .
4. أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (1044) 2/615 .
5. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4637) 8/152 .
صدق الله العظيم الغيرة فى الاصطلاح الصوفى :
الغيرة فى الاصطلاح الصوفى كراهية مشاركة الغير ، وإذا وصف الله سبحانه وتعالى بالغيرة عندهم ، فمعناه أنه لا يرضى بمشاركة الغير معه ، فيما هو حق له تعالى من طاعة عبده له (1) .
حكى عن السرى السقطى (ت:251هـ) أنه قرئ بين يديه : { وَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ جَعَلنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } [الإسراء/45] فقال السرى لأصحابه : أتدرون ما هذا الحجاب ؟ هذا حجاب الغيرة ولا أحد أغير من الله تعالى (2) .
وروى عن أبى بكر الشبلى (ت:334هـ) أنه قال : ( والواجب أن يقال : الغيرة غيرتان :
أ - غيرة الحق سبحانه على العبد وهو أن لا يجعله للخلق فيضن به عليهم .(11/170)
ب- وغيرة العبد للحق وهو أن لا يجعل شيئا من أحواله وأنفاسه لغير الحق تعالى .
فلا يقال : أنا أغار على الله تعالى ، ولكن يقال : أنا أغار لله ، فالغيرة على الله تعالى جهل ، وربما تؤدى إلى ترك الدين ، والغيرة لله توجب تعظيم حقوقه وتصفية الأعمال له ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 2/512 .
2. انظر السابق 2/513 ، معنى قوله : هذا حجاب الغيرة ، يعنى أنه لم يجعل الكافرين أهلا لمعرفة صدق الدين . 3. السابق 2/515 .
وقال أبو بكر الكلاباذى (ت:380هـ) فى وصف الصوفية : ( لطائف الحق بهم فى غيرته عليهم ، دخل جماعة على رابعة يعودونها من شكوى ، فقالوا : ما حالك ؟ قالت : والله ما أعرف لعلتى سببا غير أنى عرضت على الجنة ، فملت بقلبى إليها ، فأحسب أن مولاى غار على ، فعاتبنى فله العتبى ) (1) وكلام رابعة العدوية باطل ومخالف للأصول القرآنية والنبوية ، فإن الله حض على طلب الجنة ولم يروى أنه يغار منها كما ذكرت رابعة .(11/171)
ويستدل القشيرى (ت:465هـ) للغيرة بقوله تعالى : { قُل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [الأعراف/33] ، وبما روى عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أحد أغير من الله تعالى ، ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن " ، وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله يغار وإن المؤمن يغار ، وغيرة الله تعالى ، أن يأتى العبد المومن ما حرم الله عليه " ، ثم يقول : واعلموا أن من سنة الحق تعالى مع أوليائه أنهم إذا ساكنوا غيرا ، أو لاحظوا شيئا ، أو ضاجعوا بقلوبهم شيئا ، شوش عليهم ذلك ، فيغار على قلوبهم بأن يعيدها خالصة لنفسه نازعة عما ساكنوه أو لاحظوه أو ضاجعوه ، كآدم - عليه السلام - لما وطن نفسه على الخلود فى الجنة أخرجه منها ، وإبراهيم - عليه السلام - لما أعجبه إسماعيل - عليه السلام - ، أمره بذبحه حتى أخرجه من قلبه ، فلما أسلما وتله للجبين ، وصفا سره منه أمره بالفداء عنه (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. التعرف لمذهب التصوف ص184 .
2. الرسالة القشيرية 2/516:515 .
وقال أبو حامد الغزالى (ت:505هـ) : ( الغيرة : غيرة فى الحق ، وغيرة على الحق ، وغيرة من الحق ، فالغيرة فى الحق برؤية الفواحش والمناهى ، وغيرة على الحق هى كتمان السرائر والغيرة من الحق ضنه على أوليائه ) (1) .(11/172)
ويقول ابن عربى (ت:638هـ) فى غيرة الملائكة : ( قال عز وجل : { وَإِذْ قَال رَبُّكَ للمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَليفَةً } [البقرة/30] ، فلما سمعت الملائكة ما قاله الحق لها ، ورأت أنه مركب من أضداد متنافرة ، وأن روحه يكون على طبيعة مزاجة ، قالوا : { قَالوا أَتَجْعَل فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ } [البقرة/30] ، غيرة منهم على جناب الحق ، ثم قالوا عن أنفسهم بما تقتضيه نشأتهم : { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لكَ قَال إِنِّي أَعْلمُ مَا لا تَعْلمُونَ } [البقرة/30] ) (2) .
ويذكر عبد الرزاق الكاشانى أن الغيرة مشتقة من الغير ، ولهذا لا يوصف بها إلا من يرى الغير ، فهى لأجل ذلك من مراتب أحد رجلين ، رجل فيه بقايا من رسوم الخلقيه ، بحيث لم يتحقق بعد بالوصول إلى حضرات الحقيقة ، ورجل وصل ثم رجع بربه إلى خلقه ، ولم يستهلك هناك ، فهى وصف من لم يصل ووصف من وصل ثم رجع للتكميل ، كما يجعل الغيرة على أنواع (3) : ــــــــــــــــــــ
1. الإملاء ص65 .
2. عقلة المستنوفز 74:73 .
3. لطائف الإعلام 2/187:185 .
1- غيرة العابد : وتكون على تضييع وقته فى غير عبادته .
2- غيرة المريد : على تضييع وقته فى غير المسامرة والحظوة بمطلوبه .
3- غيرة العارف : على نفس علقت برجاء أو التفتت إلى عطاء ، بل إلى المعطى الحق المرجو وحده دون الخلق .
4- الغيرة فى الخلق : هى الغيرة التى تكون لتعدى الحدود وهى المشار إليها فى حديث سعد .
5- غيرة السر : هى الغيرة التى تطلق بإزاء كتمان الأسرار والسرائر .
6- غيرة الحق : يعنى به ضنه على أوليائه .
**********************************
99 - الفتوة
**********************************
صدق الله العظيم الفتوة : الفتى يطلق على عدة معان (1) :(11/173)
أ- الطرىُّ الصغير من الشباب ، والأنثى فتاه ، ومن ذلك ما روى عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه رأى غلمانا أو فتيانا نصبوا دجاجة يرمونها فقال لهم : " نهى النبي أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ " (2) ، وقال عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - : " إني لفي الصف يوم ــــــــــــــــــــ
1. كتاب العين 8/137 ، المفردات ص373 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الذبائح والصيد برقم (5513) 9/558 .
بدر إذ التفت ، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن ، فكأني لم آمن بمكانهما ، إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه ، يا عم أرني أبا جهل ؟ فقلت : يا ابن أخي وما تصنع به ؟ قال : عاهدت اللَّه إن رأيته ، أن أقتله أو أموت دونه فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله قال : فما سرني أني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما إليه، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء " (1) .
ب- الكبير من الشباب ، كقوله تعالى عن أهل الكهف فى وصف قوة العقل والإيمان عندهم : { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } [الكهف/13] ، وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، قال : " خرج رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على فتية من المهاجرين فقال : من كان منكم ذا طول فليتزوج ، فإنه أغض للطرف وأحصن للفرج ومن لا ، فإن الصوم له وجاء " (2) ، وعن أم المؤمنين عائشة رضى اللَّه عنها قالت : " سأل الحارث بن هشام - رضي الله عنه - ، رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : كيف يأتيك الوحي ؟ قال : في مثل صلصلة الجرس ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ، وهو أشده علي وأحيانا يأتيني في مثل صورة الفتى فينبذه إلي " (3) .
ح- الفتى يكنى به عن العبد ، والفتاه عن الأمة ، كقوله تعالى : { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا } [يوسف/30] عن ــــــــــــــــــــ(11/174)
1. أخرجه البخارى فى كتاب المغازى برقم (3988) 7/358 .
2. صحيح الإسناد ، أحمد (413) ، والنسائى فى كتاب الصيام برقم (2243) .
3. أخرجه النسائى فى الافتتاح برقم (933) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 2/146 .(11/175)
أبى هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا يقل أحدكم أطعم ربك وضئ ربك اسق ربك ، وليقل سيدي مولاي ، ولا يقل أحدكم عبدي أمتي ، وليقل فتاي وفتاتي وغلامي " (1) ، وفى رواية أخرى " لا يقولن أحدكم عبدي ، فكلكم عبيد اللَّه ولكن ليقل فتاي ، ولا يقل العبد ربي ولكن ليقل سيدي " (2) ، وعن أبي ذر الغفارى - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " إخوانكم جعلهم اللَّه فتية تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده ، فليطعمه من طعامه ، وليلبسه من لباسه ولا يكلفه ما يغلبه ، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه " (3) .
د- الفتى الفتىُّ القوى المتصف بالنضارة وقوة البنيان ، كما روى عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - ، قال : " بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - مُصَدِّقًا ، فمررت برجل ، فلما جَمَعَ لِي مَالَهُ لَمْ أَجِدْ عَلَيْهِ فِيهِ إِلا ابْنَةَ مَخَاضٍ ، فقلت له : أَدِّ ابْنَةَ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا صَدَقَتُكَ فَقَالَ : ذَاكَ مَا لا لَبَنَ فِيهِ وَلا ظَهْرَ ، وَلَكِنْ هَذِهِ نَاقَةٌ فَتِيَّةٌ ، عَظِيمَةٌ سَمِينَةٌ فَخُذْهَا " (4) .
هـ- الفتى الذى يبادر عن غيره فى مشاق الأمور وسعيه إلى الأفضل ، ومن ذلك ما روى عن ابن عباس - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر : " من فعل كذا ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب العتق برقم (2552) 5/210.
2. أخرجه مسلم فى كتاب الأدب (2249) وقال الألبانى : صحيح 4/1765.
3. أخرجه الترمذى فى البر والصلة (1945) وقال الألبانى : صحيح 4/334 .
4. أخرجه أبو داود فى الزكاة (1583) وقال الشيخ الألبانى : حسن 2/104 .(12/1)
وكذا ، فله من النفل كذا وكذا ، فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات ، فلم يبرحوها ، فلما فتح اللَّه عليهم ، قال المشيخة : كنا ردءا لكم ، لو انهزمتم لفئتم إلينا ، فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى ، فأبى الفتيان ، وقالوا : جعله رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لنا فأنزل اللَّه : { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الانْفَالِ قُلْ الأنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ } [الأنفال/1] " (1) .
ومن حديث أبي صخر العقيلي - رضي الله عنه - ، قال : ".. حتى أتوا يعنى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر على رجل من اليهود ناشرا التوراة يقرؤها ، يعزي بها نفسه على ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله ، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : أنشدك بالذي أنزل التوراة ، هل تجد في كتابك ذا صفتي ومخرجي ؟ ، فقال برأسه هكذا : أي لا ، فقال ابنه : الميت بعد أن أحياه اللَّه ، والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك ، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه فقال - صلى الله عليه وسلم - : أقيموا اليهود عن أخيكم ، ثم ولي كفنه وحنطه وصلى عليه " (2) .
وعن جندب بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - ، قال : " كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن فتيان حزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا " (3) .
صدق الله العظيم الفتوة فى الاصطلاح الصوفى :
الفتوة فى الاصطلاح الصوفى اسم أطلق على مجموعة من الفضائل ، أخصها ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أبو داود فى الجهاد (2737) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 3/77 .
2. صحيح الإسناد ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (22981) .
3. أخرجه ابن ماجة فى المقدمة برقم (61) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 1/23 والطبرانى فى المعجم الكبير برقم (1625) 2/158.(12/2)
الكرم والسخاء والمروءة والشجاعة تميز المتصف بها عن غيره من الناس وقوامها الإيثار ، مثل كف الأذى وبذل الندى وترك الشكوى ، وإسقاط الجاه ومحاربة النفس والعفو عن زلات الآخرين (1) .
ومما ورد عنهم فى الفتوة ، ما روى أن مشايخ بغداد من الصوفية اجتمعوا عند أبى حفص النيسابورى ( ت:270هـ) وسألوه عن الفتوة ؟ ، فقال : تكلموا أنتم ، فإن لكم العبارة واللسان ، فقال الجنيد : الفتوة إسقاط الرؤية ، وترك النسبة ، فقال أبو حفص : ما أحسن ما قلت ، ولكن الفتوة عندى ، آداء الإنصاف ، وترك مطالبة الإنصاف ، ولما أراد أبو حفص الخروج من بغداد شيعه من بها من المشايخ والفتيان ، فلما أرادوا أن يرجعوا ، قال له بعضهم : دلنا على الفتوة ما هى ؟ فقال : الفتوة تؤخذ استعمالا ومعاملة لا نطقا فتعجبوا من كلامه ، وسئل أيضا : هل للفتى من علامة ؟ ، قال : نعم من يرى الفتيان ولا يستحى منهم فى شمائله وأفعاله فهو فتى (2) .
وروى عن أبى عبد الله السجزى (ت:قبل300هـ) أنه قيل له : ( لما لا تلبس المرقعة ؟ ، فقال : من النفاق أن تلبس لباس الفتيان ، ولا تدخل فى حمل أثقال الفتوة ، إنما يلبس لباس الفتيان من يصبر على حمل أثقال الفتوة ، فقيل له : ما الفتوة ؟ ، فقال : رؤية أعذار الخلق وتقصيرك وتمامهم ونقصانك والشفقة على ــــــــــــــــــــ
1. أصول الملامتية ص88 ، ص89 .
2. طبقات الصوفية ص 118 .
الخلق كلهم برهم وفاجرهم ، وكمال الفتوة هو ألا يشغلك الخلق عن الله عز وجل ) (1) ، وحكى عن رويم بن أحمد البغدادى (ت:303هـ) أنه سئل عن الفتوة ؟ فقال : ( أن تعذر إخوانك فى زلاتهم ، ولا تعاملهم بما تحتاج أن تعتذر منه ) (2) .(12/3)
وربما تعنى الفتوة عند بعض الصوفية من كانت له دعوى يدافع عنها ويضحى بنفسه فى سبيلها ، حتى لو كانت دعوة كفرية ، كما قال الحسين بن منصور الحلاج (ت:309هـ) : ( تناظرت مع إبليس وفرعون فى الفتوة ، فقال إبليس : إن سجدت سقط عنى اسم الفتوة ، وقال فرعون : إن آمنت برسوله سقطت من منزلة الفتوة ، وقلت أنا : إن رجعت عن دعواى وقولى سقطت من بساط الفتوة ، وقال إبليس : أنا خير منه حين لم يراء غيره غيرا ، وقال فرعون ما علمت لكم من إله غيرى حين لم يعرف فى قومه من يميز بين الحق والباطل وقلت أنا : إن لم تعرفوه فاعرفوا آثاره ، وأنا ذلك الأثر ، وأنا الحق لأنى مازلت أبدا بالحق حقا ) (3) .
وروى عن أبى عبد الله محمد بن أحمد المقرئ (ت:366هـ) قال : ( الفتوة حسن الخلق مع من تبغضه وبذل المال لمن تكرهه وحسن الصحبة مع من ينفر ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص255 .
2. السابق ص183 .
3. الطواسين ص34وانظر الملامتية والصوفية وأهل الفتوة لأبى العلا عفيفى ص27 .
قلبك منه ) (1) ، وقد استدل أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) للفتوة بقوله تعالى : { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } [الكهف/13] ، وأصل الفتوة عنده أن يكون العبد ساعيا أبدا فى أمر غيره ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يزال الله تعالى فى حاجة العبد ما دام العبد فى حاجة أخيه " (2) .
ويقول ابن عربى (ت:638هـ) : ( فالفتى من لا خصم له ، لأنه فيما عليه يؤديه وفيما له يتركه فليس له خصم ، والفتى من لا تصدر منه حركة عبثا جملة واحدة ) (3) .
**********************************
100 - الفرار
**********************************
صدق الله العظيم الفرار : الفرار الروغان والهروب (4) ، ويقال فى المحسوسات وغيرها :
ــــــــــــــــــــ
1. طبقات الصوفية ص511 .(12/4)
2. انظر الرسالة القشيرية 2/472 ، والحديث أخرجه مسلم فى كتاب الذكر والدعاء برقم (2699) 4/2074 من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ : " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " .
3. الفتوحات المكية 4/ فقرة46 .
4. لسان العرب 5/50 .
أ- فمن الأول قول الله تعالى عن موسى - عليه السلام - : { فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُم } [الشعراء/21] ، وقوله : { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ } [المدثر/51] .
ومما ورد فى السنة ، ما روى عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنه - ، قال : " كنت في سرية من سرايا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، فحاص الناس حيصة ، وكنت فيمن حاص فقلنا : كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ؟ ثم قلنا : لو دخلنا المدينة فبتنا ، ثم قلنا : لو عرضنا أنفسنا على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، فإن كانت له توبة وإلا ذهبنا ، فأتيناه قبل صلاة الغداة ، فخرج فقال : من القوم ؟ قال : فقلنا : نحن الفرارون ، قال : لا بل أنتم العكارون ، أنا فئتكم ، وأنا فئة المسلمين ، قال : فأتيناه حتى قبلنا يده " (1) .
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - ، عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : " إن هذا الوجع أو السقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم ، ثم بقي بعد بالأرض ، فيذهب المرة ويأتي الأخرى ، فمن سمع به بأرض ، فلا يقدمن عليه ، ومن وقع بأرض وهو بها فلا يخرجنه الفرار منه " (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أحمد فى المسند برقم (5361) والترمذى فى كتاب الجهاد (1716) 4/215 وأبو داود برقم (2647) 3/46 وقال الترمذى حديث حسن ، ومعنى قوله فحاص الناس حيصة يعني أنهم فروا من القتال ، ومعنى قوله بل أنتم العكارون ، العكار الذي يفر إلى إمامه لينصره ، ليس يريد الفرار من الزحف .
2. أخرجه مسلم فى كتاب السلام برقم (2218) 4/1737.(12/5)
وعن جابر - رضي الله عنه - : " أن رجلا من أسلم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فاعترف بالزنا فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى شهد على نفسه أربع مرات ، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : أبك جنون ؟ قال : لا ، قال : آحصنت ؟ قال : نعم ، فأمر به فرجم بالمصلى ، فلما أذلقته الحجارة ، فر فأدرك فرجم حتى مات " (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول : فر من المجذوم فرارك من الأسد?" (2) .
ب- ومن الثانى قوله تعالى : { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا } [نوح/6] ، أى فرار من الإيمان ، وقوله : { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ } [الذاريات/50] أى فروا من مخافته إلى رحمته .
ومما ورد فى السنة ، عن ابن عمر - رضي الله عنه - ، أن زيد بن عمرو بن نفيل - رضي الله عنه - خرج إلى الشأم يسأل عن الدين ويتبعه ، فلقي عالما من اليهود ، فسأله عن دينهم فقال : إني لعلي أن أدين دينكم ، فأخبرني ، فقال : لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب اللَّه ، قال زيد : ما أفر إلا من غضب اللَّه ، ولا أحمل من غضب اللَّه شيئا أبدا ، وأنى أستطيعه ، فهل تدلني على غيره ؟ ، قال : ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا ، قال زيد : وما الحنيف ؟ ، قال : دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ، ولا يعبد إلا اللَّه " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الحدود برقم (6820) 12/132.
2. أخرجه أحمد فى المسند برقم (9429) وفيه النهاس بن قهم وهو ضعيف .
3. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب برقم (3828) 7/176.(12/6)
وعن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنه - : " أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، خرج إلى الشأم حتى إذا كان بسرغ ، لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشأم .. فنادى عمر في الناس إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه ، قال أبو عبيدة - رضي الله عنه - : أفرارا من قدر اللَّه ، فقال عمر - رضي الله عنه - : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نعم نفر من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه ، أرأيت لو كان لك إبل ، هبطت واديا له عدوتان ، إحداهما خصبة والأخرى جدبة ، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر اللَّه ؟ وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر اللَّه ؟ " (1) .
ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " يقول اللَّه عز وجل للملائكة الطوافين في الطرق ، يلتمسون أهل الذكر : " فمم يتعوذون ؟ يقولون : من النار ، يقول : وهل رأوها ؟ يقولون : لا واللَّه يا رب ما رأوها يقول : فكيف لو رأوها ؟ يقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فرارا ، وأشد لها مخافة " (2) .
وعن علي - رضي الله عنه - ، قال : " بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية ، وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه ، فغضب عليهم وقال : أليس قد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال : قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا ، وأوقدتم نارا ، ثم دخلتم فيها ، فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا ، فلما هموا بالدخول قام ينظر بعضهم إلى ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الطب برقم (5729) 10/189.
2. أخرجه البخارى فى كتاب الدعوات برقم (6408) 11/212.
بعض ، قال : بعضهم إنما تبعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فرارا من النار أفندخلها ؟ ، فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه ، فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا ، إنما الطاعة في المعروف " (1) .(12/7)
صدق الله العظيم الفرار فى الاصطلاح الصوفى :
الفرار فى الاصطلاح الصوفى ، يطلق على سرعة انتقال الصوفى من حال مذموم إلى حال محمود ، فيفر عما يشغله عن طاعة الله ، ويبعثه على معصيته وعن دواعى القوى ، واستيلاء الهوى ، والميل إلى الدنيا ، ومقتضيات الطبيعة الجاذبة إلى الجهة السفلى ، وعن أغراض النفس المفسدة للأعمال ، كطلب الأعواض بها فى الدارين ، وعن إهمال شرائط الرعاية والحرمة ، وكل ما يشغله عن الحق فى البين ، وعن كل ما يزرى بالمروءة ، ويشين المرء فى طريق الفتوة وعن كل ما يفتر العزم فى السلوك (2) .
قال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( الإنسان بإحدى حالتين ، إما حالة رغبة فى شئ أو حالة رهبة من شئ ، أو حال رجاء أو حال خوف ، أو حال جلب نفع أو رفع ضر ، وفى الحالتين ينبغى أن يكون فراره إلى الله ، فإن ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الأحكام برقم (7145) 13/130.
2. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص200 ، ويجدر التنبيه إلى مسألة الفرار من أغراض النفس المفسدة للأعمال ، كطلب الأعواض بها فى الدارين ، فإن هذا باطل لا تدل عليه الأصول القرآنية والنبوية .
النافع والضار هو الله ، ومن صح فراره إلى الله صح فراره مع الله ، ويجب على العبد أن يفر من الجهل إلى العلم ، ومن الهوى إلى التقى ، ومن الشك إلى اليقين ومن الشيطان إلى الله ، ويجب على العبد أن يفر من فعله الذى هو بلاؤه إلى فعله الذى هو كفايته ، ومن وصفه الذى هو سخطه إلى وصفه الذى هو رحمته ومن نفسه حيث ، قال : { وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران/28] ، إلى نفسه حيث قال : { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ } [الذاريات/50] (1) .(12/8)
وقال عبد الله الأنصارى الهروى (ت:481هـ) : ( الفرار هو الهروب مما لم يكن إلى ما لم يزل ، وهو على ثلاث درجات ، فرار العامة من الجهل إلى العلم عقدا وسعيا ، ومن الكسل إلى التشمير جدا وعزما ، ومن الضيق إلى السعة ثقة ورجاء ، وفرار الخاصة من الخبر إلى الشهود ، ومن الرسوم إلى الأصول ، ومن الحظوظ إلى التجريد ، وفرار خاصة الخاصة ، مما دون الحق إلى الحق ، ثم من شهود الفرار إلى الحق ، ثم الفرار من الفرار إلى الحق قال الله عز وجل : { فَفِرُّوا إِلَى اللَّه } (2) .
وهذا الكلام بعضه تشهد له الأدلة وبعضه باطل ، كقوله ثم الفرار من الفرار إلى الحق ، فإن هذا يؤدى إلى هدم الدين باسم التحقق فيه ، والأسوأ من ذلك ما ذكره ابن عربى (ت:638هـ) فى فلسفته الخاصة عن مصطلح الفرار حيث ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإشارات 3/469 .
2. شرح منازل السائرين إلى الحق المبين للإمام سيد الدين ص256 .
يقول : ( اعلم أن الفرار بين طرفين ابتداء وانتهاء ، فابتداؤه من وانتهاؤه إلى وما من اسم إلهى إلا ويريد أن يربطك به ويقيدك ، وتكون له لظهور سلطانه فيك ، وأنت قد علمت أن سعادتك فى المزيد ، والمزيد لا يكون لك إلا بالانتقال إلى حكم اسم آخر لتستفيد علما لم يكن عندك ، والاسم الذى أنت عنده لا يتركك فتعين الفرار ، ويكون معنى الإنذار حينئذ أنه لا يحكم عليك الإسم الإلهى الذى أنت عنده بالبقاء معه ، ففررت إلى موطن الزيادة ، فالفرار حكم يستصحب العبد فى الدنيا والآخرة ) (1) .(12/9)
وقد ذكره عبد الرزاق الكاشانى (ت:736هـ) أن الفرار هو الهروب عما يبعد عن الحق إلى ما يقرب إليه ، كما قال تعالى : { فَفِرُّوا إِلَى اللَّه } ويفسر ذلك بقوله : ( أى انقطعوا إليه واستضيئوا بنوره ، واستمدوا من فيضه فى محاربة النفس والشيطان ، وتخلصوا إليه من عدوانهما وطغيانهما ولا تلتفتوا إلى غيره ، ولا تثبتوا لما سواه وجود أو تأثير ، فيستولى عليكم الشيطان ويسول عليكم طاعته وعبادته ) (2) ، وقوله : ولا تثبتوا لما سواه وجود أو تأثير ، يعبر بوضوح عن اعتقاده فى وحدة الوجود ، ونفى وجود مخلوق وخالق ، لأن المخوق عندهم عين الخالق ، ولكنه يقسم الفرار إلى ثلاثة أنواع (3) :
ــــــــــــــــــــ
1. الفتوحات المكية 13/388 .
2. ير القرآن الكريم لابن عربى 2/545:544 .
3. لطائف الإعلام 2/210:209 .
(1- فرار العامة : من علمهم بآداب الخدمة إلى العمل بها ، ومن الكسل عن القيام بالحقوق إلى النشاط فيها .
(2- فرار الخاصة : عن حظوظ الأنفس ، بحيث لا يكون العبد ممن يتعلم العلم ويعمل به لأجل رجاء ، ما وعد عليه من ثواب الآخرة أو خوفا مما توعد به من عذابها .
(3- فرار خاصة الخاصة : عن الاشتغال بما سوى الحق ، ثم بالفرار عن رؤية فرارهم بأنفسهم لمشاهدتهم قيومية الحق .
**********************************
101 - الفقر
**********************************
صدق الله العظيم الفقر : أصل الفقر مأخوذ من الفقير ، وهو البئر الواسعة الفم ، القريبة القعر ، لما روى عن سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه - : " أن عبد اللَّه بن سهل وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ ، فَأُخْبِرَ مُحَيِّصَةُ أَنَّ عَبْدَ اللَّه قُتِلَ ، وَطُرِحَ فِي فَقِيرٍ أَوْ عَيْنٍ ، فأتى يهود فقال : أنتم واللَّه قتلتموه " (1) .
وقيل : مأخوذ من الفقير ، وهو المكسور الفقار ، يقال : فقرته فاقرة ، أى ــــــــــــــــــــ(12/10)
1. أخرجه البخارى فى كتاب الأحكام برقم (7192) 13/196، ومسلم فى كتاب القسامة والمحاربين والقصاص برقم (1669) 3/1291 .
داهية تكسر الفقار ، واستعير منهما الفقر للدلالة على الحاجة وقلة اليد ، والفقر يستعمل على أربعة أوجه (1) :
الأول : الافتقار العام وهو وجود الحاجة الضرورية وذلك عام للإنسان ما دام فى دار الدنيا بل عام للموجودات كلها ، وعلى هذا قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [فاطر/15] ، ومما ورد فى السنة عن أبي ذر - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : يقول اللَّه تعالى : " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فسلوني الهدى أهدكم ، وكلكم فقير إلا من أغنيت فسلوني أرزقكم " (2) .
الثانى : الفقر الخاص الموجب للزكاة والصدقة وهو المذكور فى قول الله تعالى : { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [البقرة/271] ، وقوله سبحانه : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ } [التوبة/60] ، ومما ورد فى السنة منه ما روى عن أبى هريرة - رضي الله عنه - ، قال : " جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول اللَّه أي الصدقة أعظم أجرا ؟ قال : أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت : لفلان كذا ولفلان كذا
ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص383 ، وانظر معجم مقاييس اللغة مادة فقر .
2. أخرجه الترمذى فى كتاب صفة القيامة برقم (2495) وقال الشيخ الألبانى : ضعيف بهذا السياق 4/656 ، وقال الترمذى : حديث حسن .(12/11)
وقد كان لفلان " (1) ، وعن عمرو بن عوف الأنصاري - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " أبشروا وأملوا ما يسركم ، فواللَّه لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم " (2) .
وعن عبد اللَّه بن مغفل - رضي الله عنه - ، قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا رسول اللَّه واللَّه إني لأحبك فقال : انظر ماذا تقول ؟ قال : واللَّه إني لأحبك ، فقال انظر ماذا تقول ؟ ، قال : واللَّه إني لأحبك ، ثلاث مرات ، فقال : إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا ، فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه " (3) ، وعن عائشة رضي اللَّه عنها في قوله تعالى : { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } [النساء/6] أنها نزلت في والي اليتيم إذا كان فقيرا أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بمعروف " (4) .
الثالث : فقر النفس ، وهو الشره المقابل للقناعة وغنى النفس ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ليس الغنى عن كثرة العرض ، ولكن الغنى غنى النفس " (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الزكاة برقم (1419) 3/334.
2. أخرجه البخارى فى كتاب الجزية برقم (3158) 6/297.
3. أخرجه الترمذى فى كتاب الزهد (2350) وقال الشيخ الألبانى : ضعيف 4/576 .
4. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4575) 8/89 .
5. البخارى فى الرقاق (6446) 11/276 ، ومسلم فى الزكاة (1051) 2/726.(12/12)
الرابع : الفقر إلى اللَّه المشار إليه بقوله تعالى عن موسى عليه السلام وابنتى شعيب عليه السلام : { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير ٌ } [القصص/24] ، وعن عائشة رضي اللَّه عنها ، قالت : شكا الناس إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قحوط المطر ، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى .. وجاء فيه قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا إله إلا اللَّه يفعل ما يريد ، اللَّهم أنت اللَّه لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين " (1) .
والفقر عند اطلاقه فى الأغلب يراد به الوجه الثانى ، وحده على التقريب كما روى عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال له عبد اللَّه : ألك امرأة تأوي إليها ؟ قال : نعم ، قال : ألك مسكن تسكنه ؟ قال : نعم ، قال : فأنت من الأغنياء ، قال : فإن لي خادما قال : فأنت من الملوك ) (2) .
وقد ورد أيضا الدعوة إلى التعفف ، إلا ما أخذ من غير استشراف ولا مسألة كما روى عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال : " سمعت عمر - رضي الله عنه - يقول كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني ، فقال : ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أبو داود فى كتاب الصلاة (1173) وقال الشيخ الألبانى : حسن 1/304 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب الزهد برقم (2979) 4/2285 .(12/13)
خذه ، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ، وما لا ، فلا تتبعه نفسك " (1) ، وعن أبى كبشة الأنماري - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه ، قال : ما نقص مال عبد من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده اللَّه عزا ، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح اللَّه عليه باب فقر " (2) .
والفقر فتنة وبلاء ، وتفضيله بترك الغنى مخالف للسنة ، ولذلك تعوذ النبى - صلى الله عليه وسلم - فى دعائه منه ومن فتنته ، ولو كان خيرا ما دعا إلى تغييره ، وأجر الصبر عند الفقر حاصل إذا كان ابتلاء من اللَّه وقلة حيله ، لأن الصبر حينئذ رضى بالمقدر لا يتمكن الفقير من دفعه بالأسباب المشروعة ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اللَّهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر ، فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر " (3) .
وعن عائشة رضى الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " اللَّهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم ، والمأثم والمغرم ، ومن فتنة القبر وعذاب القبر ، ومن فتنة ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الزكاة برقم (1473) 3/395 .
2. أخرجه الترمذى فى الزهد برقم (2325) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 4/562 وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح .
3. أخرجه مسلم فى كتاب الذكر برقم (2713) 4/2084 .
النار وعذاب النار ، ومن شر فتنة الغنى ، وأعوذ بك من فتنة الفقر " (1) ، وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - ، قال : " سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا " (2) .(12/14)
وعن سهل بن سعد الساعدى - رضي الله عنه - ، قال : " مر رجل على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما تقولون في هذا ؟ قالوا : حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع ، وإن قال أن يستمع ، قال : ثم سكت ، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال : ما تقولون في هذا قالوا : حري إن خطب أن لا ينكح ، وإن شفع أن لا يشفع ، وإن قال : أن لا يستمع ، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : هذا خير من ملء الأرض مثل هذا " (3) .
صدق الله العظيم الفقر فى الاصطلاح الصوفى :
الفقر فى الاصطلاح الصوفى أن لا تطلب المعدوم حتى تفقد الموجود ، فلا تطلب الرزق إلا عند خوف العجز عن القيام بالغرض ، وإذا صح الافتقار إلى الله صح الغنى بالله ، ونعت الفقير السكون عند العدم والبذل والإيثار عند الوجود (4) ، يروى عن حاتم الأصم (ت:237هـ) أنه قال : ( من ادعى ثلاثا ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الدعوات برقم (6368) 11/180 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب الزهد برقم (2979) 4/2285 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب النكاح برقم (5091) 9/35 .
4. التعرف ص95 ، وانظر أيضا كتاب المسائل للمحاسبى ص51 ، وروضة الطالبين للغزالى ص124 ، وانظر أيضا الرسالة الفقيرية لابن سبعين ص21:1 .
بغير ثلاث فهو كذاب : من ادعى حب الله من غير ورع عن محارمه ، فهو كذاب ، ومن ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله ، فهو كذاب ، ومن ادعى حب النبى - صلى الله عليه وسلم - من غير محبة الفقر فهو كذاب ) (1) وعن أبى حفص النيسابورى ( ت:270هـ) قال : ( ما أعز الفقر إلى الله وأذل الفقر إلى الأشكال وما أحسن الاستغناء بالله وأقبح الاستغناء باللئام ) (2) .(12/15)
وسئل أيضا عن أحكام الفقر وآدابها عن الفقراء ، فقال : ( حفظ حرمات المشايخ ، وحسن العشرة مع الإخوان ، والنصيحة للأصاغر ، وترك الخصومات فى الأرزاق ، وملازمة الإيثار ، ومجانبة الادخار ، وترك صحبة من ليس من طبقتهم ، والمعاونة فى أمور الدين والدنيا ) (3) .
وقال أبو عبد الرحمن السلمى (ت:412هـ) : ( الفقر سر الله عند عبده إذ العبد أمين عليه فإذا ظهر فقره أو أشياء منه فقد خرج من الأمناء ، والفقير فقير ما لم يعلم بفقره أحد إلا من يكون افتقاره إليه ، فإذا علم به غيره فقد خرج من حد الفقراء إلى حد الحاجة والمحتاجون كثير والفقر عزيز ) (4) .
ويذكر الهجويرى (ت:465هـ) أن للفقر مرتبة عالية فى طريق الحق ، وأن للفقراء خطرا كبيرا كما قال تعالى : { لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا ــــــــــــــــــــ
1. طبقات الصوفية ص97 .
2. السابق ص11/7 .
3. السابق ص121 . 4. أصول الملامتية وغلطات الصوفية ص167 .(12/16)
يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا } [البقرة/273] وقال أيضا : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } [النحل/75] ، وقال : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا } [السجدة/16] ، وأن الرسول قد اختار الفقر حين قال : " اللهم احينى مسكينا ، وأمتنى مسكينا ، واحشرنى فى زمرة المساكين " .. ثم يقول : " وللفقير رسم وحقيقة ، فرسمه العوز والافتقار ولكن حقيقته الثراء والاختيار ، ومن ينظر إلى الرسم يبقى عند الإسم ، ويبتعد عن الحقيقة دون أن يحقق أمله ، ولكن من يجد الحقيقة يبتعد بناظريه عن كل ما هو مخلوق ، ويسرع بفناء الكل فى رؤية الكل ببقاء الكل ، إذن من لم يعرف سوى رسمه لم يسمع سوى اسمه ، فالفقير هو من ليس له شئ ، وليس فى إمكانه أن يفقد شيئا ، وهو لا يصبح غنيا إذا حاز عرضا ، ولا فقيرا إذا لم يكن لديه شئ ، فالوجود والعدم سواء بالنسبة لفقره ، وقد اتفق على أنه يزداد سرورا حينما لا يكون لديه شئ " (1) .
ــــــــــــــــــــ
1. انفرد به الترمذى فى سننه عن أنس ولفظه : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة ، فقالت عائشة : لم يا رسول الله ؟ ، قال : إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ، يا عائشة لا تردي المسكين ولو بشق تمرة ، يا عائشة أحبي المساكين وقربيهم ، فإن الله يقربك يوم القيامة " ، أخرجه الترمذى فى كتاب الزهد برقم (2352) 4/577 =(12/17)
ويعرف الكاشانى الفقر عند الصوفية بأنه البراءة من الملك ، بمعنى الخلو التام عن جميع آثار الكثرة ، والانحرافات وأحكام العادات ، والمرادات الخلقية والحقية بحيث يصير القلب نقيا عن جميع الآ ثار الكونية ، نقيا عن أحكام القيود الظاهرية والباطنية ، بالانخلاع عن أحكام الغير والغيرية ، حتى عن رؤية ذلك الخلو ، وعن نفى تلك الرؤية أيضا ، فإن الفقر اشتقاقه لغة من أرض فقر ، وهى التى لا نبات فيها ، ولا شئ أصلا ثم يجعل الفقر أنواعا منها (1) :
(1- الفقر التام : قال الشيوخ إذا تم الفقر فهو الله ، لأنه تمت له المعرفة بنفسه ، وبكل ما سوى الحق من جميع الخلق بأنه مفتقر إلى الله تعالى افتقارا بالتمام شاهد توحيد الخواص ، فيصير عند تمام رؤيته لما هو عليه الشاهد والمشهود من تمام الفقر إلى المعبود ، مكاشفا بأنه لا هوية لشئ منهما ، إنما الهوية لله وحده ، كما أن القلب إذا صار نقيا عن أن يتعلق بشئ من صور الأكوان والكائنات ، نقيا عن التأثر بشئ من أحكام الانحرافات ، فإن هذا القلب التقى النقى ، يصير كمال فقره وتمام خلوه عن جميع الماهيات ، مجلا لكمل التجليات ، فيكون قابلا لظهور التجلى الذاتى الأحدى الجمعى فيه وهذا ــــــــــــــــــــ
= وفي سنده الحارث بن النعمان الليثي ، وهو ضعيف فى الجرح والتعديل ليس بالقوى 3/91 ، ترجمة رقم (425) تهذيب الكمال 5/291برقم (1047) وتهذيب التهذيب 2/139 برقم (277) وانظر أيضا كشف المحجوب ص25، ص26 .
1. لطائف الإعلام 2/216:211 .
القلب هو الصورة والمظهر الذى هو الحقيقة المحمدية التى هى منصة التعين الأول ومرآة الحق والحقيقة .
(2- فقر الغنى : وهو الإنسان المتحقق بالفقر التام ، وهو الذى غنى بفقره عما سواه ، ومقامه غاية المقامات وآخرها ، كما أشار ابن الفرض عمر بقوله :
وباب تخطى اتصالى بحيث لا حجاب وصال عنه روحى ترقت
وكم لجة قد خضت قبل ولوجه فقير الغنى ما بل منها بنغبة(12/18)
(3- فقر الرضى والسخط : والمعنى بذلك قول على كرم الله وجهه : ( إن لله فى خلقه ، مثوبات فقر ، وعقوبات فقر ) ، فمن علامة الفقير إذا كان فقره مثوبة أن يحسن خلقه ويطيع ربه ولا يشكو حاله ، ويشكر الله تعالى على فقره ومن علامة الفقير إذا كان فقره عقوبة ، أن يسوء خلقه ويعصى ربه ويكثر الشكاية ويتسخط القضاء .
(4- فقر الفقر : وهو ترك الحظ من الفقر ، أو ترك اختيار الفقر على الغنى رعاية لاختيار الله ولإرادته على اختيار العبد وإرادته ، ومثل هذا لا يرى فضيلة فى صورة فقر ولا فى صورة غنى ، وإنما يرى الفضيلة فيما يختاره الحق لعبده ولهذا كان المتحقق من عباد الله من لا يختار فعلا ولاترك إلا فى محال الأمر والنهى العامين كما فى عموم الشريعة ، أو لمكان إذن خاص ، وما عدا ذلك فإنه لا اختيار للعبد فيه ، فإنه قد ترك الاختيار والاقتراح على الله ، فهو لا تتعلق له همة بترك شئ وأخذه إلا عن أمر عام أو خاص ، وهذا هو المقام الذى به يحصل التحقق بالفراغ التام عن كل ما سوى الله ، إذا كان ذلك مقام من لم يبق له إرادة إلا لما أمره الله بإرادته ، أو أراده له لأنه عبد ربه لا لعقله ، إذ لم يبق تعلق إلا بحسب ما أمره الله بحبه ، ويكره ما أمره الله بكرهه ، فلا إرادة له إلا على وفق إرادة الله وأمره لتحققه بتمام فقره (1) .
**********************************
102 - الفناء
**********************************
صدق الله العظيم الفناء : فناء الشئ يرد على عدة معان :(12/19)
[1]- موته وهلاكه ، كقوله تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ } [الرحمن/27:26] وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " أسرع قبائل العرب فناء قريش ويوشك أن تمر المرأة بالنعل فتقول إن هذا نعل قرشي " (2) وعن أبى موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " فناء أمتي بالطعن والطاعون قال فقلنا يا رسول اللَّه هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال : طعن أعدائكم من الجن وفي كل شهادة " (3) ، وعن عبد اللَّه بن مسعود ــــــــــــــــــــ
1. انظر فى الفقر عند محى الدين ابن عربى فصوص الحكم 1/105 ، والفتوحات المكية 2/170 3/460 ، 3/373 ، والرسالة الغوثية ورقة 79 أ .
2. أخرجه أحمد فى المسندبرقم (8232) رواته ثقات .
3. أخرجه أحمد فى المسندبرقم (19244) تابعه أسامه بن شريك ، وأبو بكر بن أبى موسى الأشعرى .
رضى الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يكون في هذه الأمة أربع فتن في آخرها الفناء " (1) .
[2] - وقد يراد بالفناء نفاذ المحصول وانتهائه سواء كان فى المحسوسات أو غيرها :(12/20)
أ- فمن الأول : ما روى عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما ، أنه قال : " بعث رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بعثا قبل الساحل ، فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاث مائة وأنا فيهم ، فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد ، فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش ، فجمع ذلك كله فكان مزودي تمر ، فكان يقوتنا كل يوم قليلا قليلا حتى فني ، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة، فقلت وما تغني تمرة ؟ فقال ، لقد وجدنا فقدها حين فنيت " (2) ، وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ، قال : " قالت أم إسماعيل : يا إبراهيم إلى من تتركنا ؟ قال : إلى اللَّه قالت : رضيت باللَّه ؟ ، قال : فرجعت فجعلت تشرب من الشنة ، ويدر لبنها على صبيها حتى لما فني الماء ، قالت : لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا " (3) و عن عائشة رضى الله عنها قالت : " توفي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وعندنا شطر من ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أبو داود فى كتاب الفتن برقم (4241) وفى سنده مجهول وقال الشيخ الألبانى رحمه الله :ضعيف 4/94.
2. أخرجه البخارى فى كتاب الشركة برقم (2483) 5/152.
3. أخرجه البخارى فى كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3365) 6/458.
شعير ، فأكلنا منه ما شاء اللَّه ، ثم قلت للجارية : كيليه ، فكالته ، فلم يلبث أن فني ، قالت ، فلو كنا تركناه لأكلنا منه أكثر من ذلك " (1) .
ب- ومن الثانى : ما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتدرون ما المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم ، فطرحت عليه ثم طرح في النار " (2) .(12/21)
وعنه أيضا - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من يدخل الجنة ينعم لا يبأس ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه " (3) ، وعن أبي برزة الأسلمي رضى الله عنه ، قال قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة ، حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ؟ وعن علمه فيم فعل ؟ وعن ماله من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه ؟ وعن ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه الترمذى فى كتاب صفة القيامة والرقائق والورع برقم (2467) ، وقال الشيخ الألبانى رحمه الله : صحيح 4/643 ، وقال الترمذى : حديث صحيح ، ومعنى قولها شطر : تعني شيئا .
2. أخرجه مسلم فى كتاب البر والصلة والآداب برقم (2581) 4/1997 .
3. أخرجه مسلم فى كتاب الجنة برقم (2836) 4/2181 .
جسمه فيم أبلاه ؟ " (1) .
[3] - وقد يراد بالفناء انشار الشئ وتشتته ، كما روى عن جبير بن حية قال : " بعث عمر الناس في أفناء الأمصار ، يقاتلون المشركين " (2) .
وعن أبى مالك الأشعري - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا ، واعلموا أن لله عز وجل عبادا ، ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من اللَّه .. هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل ، لم تصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في اللَّه وتصافوا " (3) .
[4] - وقد يراد بالفناء بكسر الفاء المتسع من الدار ، نحو ما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : " خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في طائفة النهار ، لا يكلمني ولا أكلمه حتى أتى سوق بني قينقاع ، فجلس بفناء بيت فاطمة ، فقال : أثم لكع ؟ أثم لكع ؟ فحبسته شيئا ، فظننت أنها تلبسه سخابا أو تغسله ، فجاء يشتد حتى عانقه وقبله ، وقال : اللَّهم أحببه وأحب من يحبه " (4) .
ــــــــــــــــــــ(12/22)
1. أخرجه الترمذى فى كتاب صفة القيامة والرقائق والورع برقم (2417) وقال الشيخ الألبانى رحمه الله : صحيح 4/612 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الجزية والموادعة برقم (3160) 6/298 .
3. حسن الإسناد ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (22399) واللفظ له وابن ماجه فى كتاب الطهارة برقم (417) 1/144 .
4. أخرجه البخارى فى كتاب البيوع برقم (2122) 4/397 .
صدق الله العظيم الفناء فى الاصطلاح الصوفى :
الفناء فى الاصطلاح الصوفى على معنى زوال الأوصاف المذمومة وبقاء الأوصاف المحمودة (1) ، وفناء رؤيا الأعمال ببقاء رؤيا العبد ، لقيام الحق للعبد بذلك ، وكذلك فناء الجهل بالعلم ، وفناء الغفلة بالذكر (2) ، وهذه المعانى إلى هذا الحد لها أصول قرآنية ونبوية .
يروى عن إبراهيم بن شيبان (ت:330هـ) أنه قال : ( علم الفناء والبقاء يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبودية ، وما كان غير هذا فهو من المغاليط والزندقة (3) .
وقال أبو بكر الكلاباذى (ت:380هـ) : ( الفناء هو أن يفنى عنه الحظوظ فلا يكون له فى شئ من ذلك حظ ، ويسقط عنه التمييز ، فناء عن الأشياء كلها ، وشغلا بما فنى به ، والحق يتولى تصريفه ، فيصرفه فى وظائفه وموافقاته فيكون محفوظا فيما لله عليه ، مأخوذا عما له ، وعن جميع المخالفات ، فلا يكون له إليها سبيل وهو العصمة ، والبقاء الذى يعقبه ، هو أن يفنى عما له ويبقى بما لله ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. انظر مصطلح البقاء ص 300 .
2. اللمع ص543 .
3. طبقات الصوفية ص404 .
4. التعرف ص123 .
وقال على بن عثمان الهجويرى (ت:465هـ) : ( اعلم أن الفناء والبقاء لهما معنى عامى وآخر صوفى ، وأن أهل الظاهر أشد حيرة فى هاتين الكلمتين من كل اصطلاحات الصوفية ، فالبقاء اشتقاقا وعلما على ثلاثة معان :
أ- بقاء يبتدئ من الفناء ، وينتهى فى الفناء ، وذلك هو بقاء هذه الدار التى لها أول وآخر ، وهى قائمة وقتنا هذا .(12/23)
ب- البقاء الذى صار له وجود ، وليس له فناء ، وهو بقاء الجنة والنار والدار الآخرة وأهلها .
ح- بقاء كان كما كان ، وهو على ما هو عليه كان ، وذلك بقاؤه سبحانه وتعالى ، وبقاء صفاته القديمة ، والمراد من بقائه دوام وجوده تعالى الله عما يقول الظالمون ، لا يشاركه أحد فى أوصافه ، لذلك فمعرفة الفناء مخصوصة بمعرفتك بفناء هذه الدنيا ، ومعرفة البقاء بمعرفة دوام الدار الآخرة ، وذلك لقوله تعالى : { ولَلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [الأعلى/ 17] وأبقى هنا مبالغة ذلك ، أن بقاء عمر الدنيا ليس فى فنائها ، أما بقاء الحال وفناؤه يعنى مثلا ، أنه إذا فنى الجهل ، لزم بقاء المعرفة ، وإذا فنيت المعاصى لزم بقاء الطاعة ، وإذا توصل الإنسان إلى معرفة تقواه ، فنيت غفلته ) (1) .
ويذكر أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) أن القوم أشاروا بالفناء إلى ــــــــــــــــــــ
1. كشف المحجوب ص290 .
سقوط الوصاف المذمومة ، وقيام الأوصاف المحمودة ، فمن ترك مذموم أفعاله بلسان الشريعة ، يقال : إنه فنى عن شهواته ، فإذا فنى عن شهواته ، بقى بنيته وإخلاصه فى عبوديته ، ومن زهد فى دنياه بقلبه ، فنى فى رغبته ، فإذا فنى عن رغبته فيها ، بقى بصدق إنابته ، ومن عالج أخلاقه ، فنفى عن قلبه الحسد والحقد والبخل والشح والغضب والكبر ، وأمثال هذا من رعونات النفس يقال فى عرفهم : فنى عن سوء الخلق ، فإذا فنى عن سوء الخلق ، بقى بالصدق فى ضدها ) (1) .(12/24)
وقال أبو حامد الغزالى (ت:505هـ) : ( الفناء فناء المعاصى ، ويكون فناء رؤية العبد لفعله بقيام اللَّه تعالى عن ذلك ) (2) ، وقال الشيخ عبد القادر الجيلانى (ت:561هـ) : ( افن عن الخلق بإذن اللَّه تعالى ، وعن هواك بأمر اللَّه تعالى ، وعن إرادتك بفعل اللَّه تعالى ، وحينئذ تصلح أن تكون وعاءا لعلم اللَّه تعالى ، فعلامة فنائك عن خلق اللَّه تعالى ، انقطاعك عنهم وعن التردد إليهم واليأس مما فى أيديهم ، وعلامة فنائك عن هواك ترك التكسب والتعلق بالسبب فى جلب النفع ودفع الضر، تكل ذلك كله إلى اللَّه تعالى ، وعلامة فنائك عن إرادتك بفعل اللَّه أنك لا تريد مرادا قط ، ولا يكون لك غرض ، ولا يبقى لك حاجة ولا مرام ، فتفنى عن أخلاق البشرية ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 1/228، ص229 .
2. الإملاء ص66 . 3. فتوح الغيب لعبد القادر الجيلانى ص12 .
ويعرف السهروردى (ت:632هـ) الفناء بقوله : ( أن يفنى عن الحظوظ فلا يكون له فى شئ حظ ، بل يفنى عن الأشياء كلها شغلا بمن فنى فيه ، وقيل الفناء هو الغيبة عن الأشياء كما كان فناء موسى حين تجلى ربه للجبل ) (1) .
ويقول ابن عربى (ت:638هـ) : ( الفناء أن تفنى الخصال المذمومة عن الرجل ، والبقاء أن تبقى وتثبت الخصال المحمودة فى الرجل ، فالسالكون يتفاوتون فى الفناء والبقاء ، فبعضهم فنى عن شهوته يعنى ما يشتهيه من الدنيا فإذا فنيت شهوته بقيت فيه نيته ، وإخلاصه فى عبوديته ، ومن فنى عن أخلاقه الذميمة كالحسد والكبر والبغض وغير ذلك ، بقى فى الفتوة والصدق ) (2) .
ومن الجدير بالذكر أن ابن عربى يتكلم هنا بلسان عوام الصوفية وخطاب أهل الظاهر ، لكن فلسفته فى وحدة الوجود لها مع الفناء أمر مختلف .
ــــــــــــــــــــ(12/25)
1. عوارف المعارف ص520 ، وانظر فى الفناء أيضا : معالم الفكر العربى ، كمال اليازجى طبعة دار العلم للملايين بيروت ص272 وما بعدها ، نشأة التصوف الإسلامى للدكتور إبراهيم بسيونى ، طبعة دار المعارف بمصر ص147، 157 التصوف الإسلامى الخالص ، لمحمود أبو الفيض المنوفى ، طبعة دار النهضة بمصر ص158،161 وفى التصوف الإسلامى نيكلسون ترجمة عفيفى ص33 وانظر أيضا :
- ? - - صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - - صلى الله عليه وسلم - - - صلى الله عليه وسلم -? - ? الله أكبر ? - ? - - ? تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -? تمهيد - عليه السلام - - - عليه السلام - - مقدمة - فهرس - صلى الله عليه وسلم -? - ? - - ? مقدمة - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -?- صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنه -? - - صلى الله عليه وسلم - - ? مقدمة - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - ? - - صلى الله عليه وسلم - - - - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -? تمت - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ? { - - صلى الله عليه وسلم - } - ? - - تمهيد - ? - { { ? تمهيد - - - تمهيد - - ? -
2. كتاب الإرشاد ، مخطوط الأحمدية حلب رقم 797 ، ورقة 148ب , وانظر الفتوحات 2/515 .
ويذكر عبد الرزاق الكاشانى ، أن الفناء هو الزوال والاضمحلال كما أن البقاء ضده ، والطائفة يجعلون الفناء على مراتب (1) :(12/26)
الفناء عن الشهوة : يعنى بها سقوط الأوصاف المذمومة ، ما دامت النفس متصفة بها ، فهى النفس الأمارة أى بالسوء ، فإذا أخذا العبد فى مجاهدة نفسه بنفى سفساف أخلاقها ، ومواظبته على تزكية أعمالها فإنه ما دامت هذه الحالة فنفسه لوامه ، لأنه لو لم يكن فى قلبه بقية لما أحتاج إلى المجاهدة ، وهذا هو الذى يقال له الفانى عن شهوته ، وذلك لأنه ترك مذموم الأفعال بجوارحه امتثالا لأمر الشريعة ، إلا أن قلبه بعد ينازعه إليها ، لكونه لم يستقم بعد على الطريقة لتصفو أخلاقه الباطنة .
فناء الراغب : وهو الذى يفنى عن شهوته بجوارحه ويزيد مع ذلك فيها بقلبه ، لتحققه بالاستقامة على أحكام الطريقة وهذا ذو النفس المطمئنة .
الفانى برغبته : وهو الذى ترك لذة شهوته بجوارحه، ثم رغب عنها بقلبه أيضا .
فناء المتحقق بالحق : وهو المشتغل بالحق عن الخلق ، ومثل هذا لا يعد راغبا عن شئ إلىشئ ، لأن الحق لا يسع معه سواه ، فلهذا سمى هذا الشخص بالفانى بالحق عما سواه .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/221:217 .(12/27)
(5- فناء أهل الوجد : هو فناء من فنى بالحق ، لكنه سمى فناؤه بفناء الوجد لكون الوجد هو سبب فنائه ، وذلك هو الذى تكون نفسه موجودة والخلق موجودين ، إلا أنه لا علم له بهم ، ولا نفسه ولا إحساس ولا خبر ، ويكون ذلك لاستهلاكه فى حضرات القرب ، فهو لا يسعه إدراكه لنفسه ، فضلا عن غيره من العالمين ، ومثاله من دخل على ذى سلطان عظيم ، فأذهله عن نفسه ، وعن أهل مجلسه ، بل وربما أذهله استعظام ذلك العظيم عن رؤيته له ، بحيث إذا خرج من عنده ، لم يمكنه اسستثبات شئ مما كان فى ذلك المجلس ، حتى لو سئل عن هيئة المجلس وملابس أهله وترتبهم فيه ، لم يدر ما يقول ، وكثيرا ما يقع مثل هذا قال تعالى : { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } [يوسف/31] ، فإذا كن لم يجدن عند مشاهدة جمال يوسف ، ألم قطع الأيدى ، وهو جمال صورة مقيدة بتعين جزئى من تعينات مطلق الجمال ، فما شأنك بمن شاهد كمال صورة الجمال المطلق عن الإطلاق والتقلييد ، فبالأولى أن لا يجد مع شهوده غيره ، فإن من استولى عليه سلطان الحقيقة ، لم يتسع معها أن يشهد من الأغيار لا عينا ولا أثرا ولا رسما ولا طللا ، وهذا هو الذى فنى عن الخلق ، ببقائه بالحق فيرى كل ما سوى اللَّه باللَّه لا بغيره .
(6- فناء صاحب الوجود : هو أيضا فناء من فنى بالحق وهو ما عرفته إلا أنه خص ههنا بهذا الاسم ، لكونه ممن يجد نفسه وغيره من الخلق ، لكنه لا يرى لهم وجودا ، إنما يرى الوجود الحق لله وحده ، وأول مراتب هذا الفناء .
(7- فناء رؤية العبد لفعله : لقيامه باللَّه على ذلك ، ثم يرتقى منه إلى فناء رؤيته لذاته لقيام اللَّه عليها ، فنهاية إنتهاء السائرين فى منزلة الفناء هو الوصول إلى إزالة قيد التقييد بحكم شئ من التجليات الظاهرية والباطنية .(12/28)
(8- فناء الفناء : هو الفناء عن شهود هذا الفناء ، وقد يراد بفناء الفناء البقاء الثانى ، لأنه هو المقام الذى بعد الفناء ، فهذا المعنى هو فناء الفناء لا محالة .
(9- فناء الوجود فى الوجود : ويقال فناء الشهود فى الشهود ، ويقال اتصال الوجود ومعناه ، فناء اسم الموجود فى الوجود الحق ، فيفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل ، وهذا إنما يكون بعد الفناء عن الفناء ، كما قالوا :
فنيت عن الفناء وعن فنائى : فناء فى وجودك عن وجودى
أو قال : فناء فى شهودك عن شهودى .
**********************************
103 - القرب
**********************************
صدق الله العظيم القرب : القرب والبعد يتقابلان ويستعملان فى عدة أمور (1) :
أ- قرب المكان نحو قوله تعالى : { فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 1/662 ، المفردات ص399 ، كتاب العين 5/152 .
قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ } [الذاريات/27:26] ، قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } [التوبة/28] ، وقوله فى الكناية عن الجماع : { وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } [البقرة/222] ، وعن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - : " أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر بفأرة ماتت في سمن ، فأمر بما قرب منها فطرح ثم أكل " (1) ، وعن أنس - رضي الله عنه - قال : " أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فكره رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن تعرى المدينة وقال : يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم فأقاموا " (2) .(12/29)
ب- قرب الزمان نحو قوله تعالى : { يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ } [إبراهيم/44] وقوله سبحانه : { وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ } [الأنبياء/109] ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قرب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " (3) وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : " نظرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ليلة ، حتى كان قريب من نصف الليل ، ثم جاء فصلى ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فكأنما أنظر إلى وبيص خاتمه في يده من فضة " (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الذبائح برقم (5539) 9/515 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الحج برقم (1887) 4/118 .
3. أخرجه ابن ماجة فى تعبير الرؤيا برقم (3917) وقال الألبانى : صحيح 2/1289 .
4. أخرجه مسلم فى كتاب المساجد برقم (640) 1/443 .
ح- قرب النسب ، نحو قوله تعالى : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا } [النساء/7] ، وعن ابن عمر - رضي الله عنه - ، أن عمر - رضي الله عنه - وجد مالا بخيبر ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، قال : " إن شئت تصدقت بها ، فتصدق بها في الفقراء والمساكين ، وذي القربى والضيف " (1) .(12/30)
وقالت امرأة شابة لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: " يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارا ، واللَّه ما ينضجون كراعا ، ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تأكلهم الضبع ، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري ، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فوقف معها عمر ولم يمض ، ثم قال : مرحبا بنسب قريب ، ثم انصرف إلى بعير ظهير ، كان مربوطا في الدار ، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما ، وحمل بينهما نفقة ، وثيابا ثم ناولها بخطامه ، ثم قال : اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم اللَّه بخير " (2) .
د- قرب الحظوة والمنزلة ، نحو قوله تعالى : { فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ } [الواقعة/89:88] { وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ } [الأعراف/114:113] ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " من بدا جفا ، ومن اتبع الصيد غفل ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الوصايا برقم (2773) 5/469 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب المغازى برقم (4161) 7/510 .
ومن أتى أبواب السلطان افتتن ، وما ازداد عبد من السلطان قربا ، إلا ازداد من اللَّه بعدا " (1) وعنه أيضا - رضي الله عنه - قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " إن اللَّه قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " (2) .(12/31)
هـ- القرب والبعد فى تردد الخواطر ، ومثاله ما روى عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : " كنا نسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيرد علينا السلام ، حتى قدمنا من أرض الحبشة ، فسلمت عليه فلم يرد علي ، فأخذني ما قرب وما بعد ، فجلست حتى إذا قضى الصلاة قال : إن اللَّه عز وجل يحدث من أمره ما يشاء ، وإنه قد أحدث من أمره أن لا يتكلم في الصلاة " (3) .
صدق الله العظيم القرب فى الاصطلاح الصوفى :
القرب فى الاصطلاح الصوفى عبارة عن الإقامة على الموافقة لأوامر الله والطاعة والاتصاف فى دوام الأوقات بعبادته ، إلا أنه لا يعد من أهل القرب من وقف مع رؤية قربه ، لأن رؤية الرب حجاب عن القرب ، فمن شاهد لنفسه ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أحمد فى المسند برقم (8619) واللفظ له ، وأخرجه أبو داود فى كتاب الصيد برقم (2860) 3/111 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق برقم (6502) 11/348 .
3. أخرجه النسائى فى كتاب السهو برقم (1221) وقال الشيخ الألبانى رحمه الله : حسن صحيح 3/19 .
محلا فهو ممكور به (1) ، روى عن أحمد ابن خضرويه (ت:240هـ) : ( أقرب الخلق إلى الله أوسعهم خلقا ) (2) ، وروى عن أبى القاسم الجنيد (ت:297هـ) أنه قال : ( واعلم أنه يقرب من قلوب عباده ، علىحسب ما يرى من قرب قلوب عباده منه ، فانظر ماذا يقرب من قلبك ؟ ) (3) .(12/32)
ويذكر أبو بكر الكلاباذى (ت:380هـ) أن القرب أن يتذلل لربه بالطاعة لقوله عز وجل : { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } [العلق/19] (4) ، وقال أبو عبد الرحمن السلمى (ت:412هـ) : ( وطائفة غلطت فى القرب والانبساط ، فتوهمت أن بينهم وبين الله حالة من القرب والدنو ، فاحتشمهم عند ذلك التوهم بالرجوع إلى الآداب التى كانوا يراعونها ، والحدود التى كانوا يحافظون عليها ، وانبسطوا إلى ما كانوا عليه محتشمين ، وتوهموا أن ذلك من قربهم ودنوهم وغلطوا ، فإن الآداب والأحكام خلع من الله على عبيده ، فمن زاد عليها حفظا ولها حرصا ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/229 ، وانظر أيضا روضة الطالبين لأبى حامد الغزالى ص59 وله أيضا ميزان العمل ص169 ، وانظر كتاب المواقف للنفرى ص2 وما بعدها ، وانظر أيضا الفتوحات المكية 2/14 ، 2/173 ، 4/22 ، والرسالة الغوثية لابن عربى ورقة 80أ ، وترجمان الأشواق ص125 .
2. طبقات الصوفية ص106 .
3. اللمع ص85:84 .
4. التعرف ص107 .
فهو من الله سبحانه فى عين الرعاية والقرب ، ومن زال عنه شئ من ذلك بما يظنه قرب إلى الحق ، فهو بعد منه والعياذ بالله ) (1) .(12/33)
وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( أول رتبة فى القرب ، القرب من طاعته ، والاتصاف فى دوام الأوقات بعبادته ، قال - صلى الله عليه وسلم - : مخبرا عن الحق سبحانه : " ما تقرب إلى المقربون ، أداء ما فترضت عليهم ، ولا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى يحبنى وأحبه ، فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ، فبى يسمع وبى يبصر " (2) ، فقرب العبد أولا قرب بإيمانه وتصديقه ، ثم قرب بإحسانه وتحقيقه ، وقرب الحق سبحانه ما يخصه اليوم به من العرفان ، وفى الآخرة ما يكرمه به من الشهود والعيان ، وفيما بين ذلك بوجوده اللطف والامتنان ، ولا يكون قرب العبد من الحق إلا ببعده عن الخلق ، وهذه من صفات القلوب دون أحكام الظواهر والكون ، فقرب الحق سبحانه بالعلم والقدرة علم للكافة ، وباللطف والنصرة خاص بالمؤمنين ، ثم بخصائص التأنيس مختص بالأولياء ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أصول الملامتية وغلطات الصوفية ص192 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق برقم (6502) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ : " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها " . 3. الرسالة 1/257 .
**********************************
104 - القلب
**********************************
صدق الله العظيم القلب : يعبر بالقلب عن المضغة التى تنبض بالدم فى صدر الإنسان ، عن أبى موسى الأشعرى - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " إنما سمي القلب من تقلبه ، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة ، يقلبها الريح ظهرا لبطن " (1) والقلب له جانبان :(12/34)
الأول : جانب محسوس يتبع البدن ، ويتصف بالصحة والسلامة والمرض وبموته يموت الإنسان ، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : " أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، أتاه جبريل - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يلعب مع الغلمان ، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه ، فاستخرج القلب ، فاستخرج منه علقة ، فقال : هذا حظ الشيطان منك ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم لأمه ثم أعاده في مكانه ، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ، يعني ظئره ، فقالوا : إن محمدا قد قتل ، فاستقبلوه وهو منتقع اللون قال أنس : وقد كنت أرئي أثر ذلك المخيط في صدره " (2) .
الثانى : جانب غيبى يتبع الروح ويلابس المحسوس ، ويتصف بالصحة ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أحمد فى المسند برقم (27859) واللفظ له ، وابن ماجه فى المقدمة برقم (88) وهو صحيح من طريق سعيد بن اياس عن غنيم بن قيس عن عبد الله بن قيس .
2. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (162) 1/147.
والسلامة والمرض ، وبموته لا يموت الإنسان ، وهو المقصود فى الكتاب والسنة قال الله تعالى : { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء/89] ، ومعلوم أن السلامة لا تعنى سلامة الجانب المحسوس ، وقال تعالى عن المنافقين : { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضًا } [البقرة/10] ، ومما ورد فى السنة عن عائشة رضي اللَّه عنها ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال لها :" يا عائشة إن عيني تنامان ، ولا ينام قلبى " (1) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب " (2) .(12/35)
وعن أبي سعيد الخدرى - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " القلوب أربعة ، قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوس وقلب مصفح ، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نوره ، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر ، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر ، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق ، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم ، فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب صلاة التراويح برقم (2013) 4/295 .
2. أخرجه ابن ماجة فى الزهد برقم (4193) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 2/1403.
3. أخرجه أحمد فى المسند برقم (10745) ، والحديث فيه الليث بن أبى سلم بن زين وهو صدوق .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " العين تزني ، والقلب يزني ، فزنا العين النظر ، وزنا القلب التمني ، والفرج يصدق ما هنالك أو يكذبه " (1) .
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، فقلت : يا رسول اللَّه آمنا بك وبما جئت به ، فهل تخاف علينا ؟ ، قال : نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع اللَّه ، يقلبها كيف يشاء " (2) ، وعن ابن عمر - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " لا تكثروا الكلام بغير ذكر اللَّه ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر اللَّه قسوة للقلب ، وإن أبعد الناس من اللَّه القلب القاسي " (3) .
والقلب يقوم بوظيفتين :(12/36)
أ- العلم والتميز لأنه يحوى العقل ، لقوله تعالى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [الحج/46] وقوله سبحانه : { أَفَلا ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أحمد فى المسند برقم (8156) واللفظ له ، وأخرجه الإمام البخارى فى كتاب الاستئذان برقم (6243) .
2. أخرجه الترمذى فى كتاب القدر برقم (2140) وقال الشيخ الألبانى رحمه الله : صحيح 4/448 .
3. أخرجه الترمذى فى كتاب الزهد برقم (2411) وقال الألبانى : ضعيف 4/607 وقال الترمذى حسن غريب .
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد/24] .
ب - الإرادة وجميع أعمال القلوب ، كاليقين والإخلاص والصدق والمحبة والخوف والرجاء والخشوع والخشية والإنابة والحزن ، وغير ذلك من معانى الإيمان أو ضدها ، كقوله تعالى : { لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } [البقرة/225] .(12/37)
ومما ورد فى السنة ، ما روى عن عبد اللَّه بن عمرو - رضي الله عنه - ، قال كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول : " اللَّهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع " (1) ، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال - صلى الله عليه وسلم - : " إن العين تدمع والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " (2) ، وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - ، قال سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " (3) ، وعن عبد اللَّه بن عمرو - رضي الله عنه - ، قال : " قيل لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : أي الناس أفضل ؟ قال : كل مخموم القلب ، صدوق اللسان ، قالوا : صدوق اللسان نعرفه ، فما مخموم القلب ؟ ، قال : هو التقي النقي ، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد " (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه الترمذى فى كتاب الدعوات برقم (3482) وقال الألبانى : صحيح 5/519 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز رقم (1303) 3/206.
3. أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان رقم (52) 1/153.
4. أخرجه ابن ماجة فى كتاب الزهد برقم (4216) وقال الألبانى : صحيح 2/1409.
صدق الله العظيم القلب فى الاصطلاح الصوفى :
القلب فى الاصطلاح الصوفى محل الأوصاف الحميدة ، ومحل العرفان والمشاهدة ، وهو أداة التفكير ، وبصلاحه يكون صلاح البدن ، وهو لطيفة ربانية روحانية ، لها تعلق بالقلب الجسمانى ، وهى المراد من القلب حيث وقع فى القرآن أو السنة .
ومن كلامهم عن القلب ، ما ثبت عن الحارث المحاسبى (ت:243هـ) أنه قال : ( فرض القلب بعد الإيمان والتوبة ، إخلاص العمل لله ، واعتقاد حسن الظن عند الشبه والثقة بالله والخوف من عذابه والرجاء لفضله ) (1) .(12/38)
ويذكر أيضا أن القلب مثل بيت له ستة أبواب ، والعبد يجب عليه الحذر ألا يدخل عليه من أحد هذه الأبواب شئ فيفسد عليه البيت ، والأبواب العينان واللسان والسمع والبصر واليدان والرجلان ، فمتى انفتح باب من هذه الأبواب بغير علم ضاع البيت ) (2) .
ويبين سهل بن عبد اللَّه التسترى (ت:293هـ) ، كيف يريد الله تعالى سلامة عبد أشرف على الهلاك والبعد ، بتسليط العدو عليه وتسويل النفس له فيقول : ( فيطهِّر القلب عند الابتلاء ، ويهدى النفس بنور إيمانه إلى الله تعالى ويسر الالتجاء إليه ، ويخفى التوكل عليه ، عائدا لائذا مخلصا له ، فهناك توكل ــــــــــــــــــــ
1. رسالة المسترشدين ص114 .
2. السابق ص115 .
عليه فكان حسبه ، وعندها فوض الأمر إليه ، فوقاه الله مكر عدوه ، وجعل له مخرجا ونجاة ، فينظر الله تعالى إلى القلب نظرة تخمد النفس ، وتمحق الهمة وتخنس العدو لسقوط مكانه ، وتذهب لخنوسه شدة سلطانه فيصفوا القلب بقوة القهار العزيز الجبار ، فيخاف العبد مقام الرب ، ويفزع من الخطيئة ويهرب منها ويستغفر الله ويتوب ) (1) .
ويروى عن عبد الله بن خبيق الأنطاكى (ت:بعد300هـ) قال : ( خلق الله القلوب مساكن للذكر ، فصارت مساكن للشهوات ، ولا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق ) (2) .(12/39)
ويذكر الحكيم الترمذى (ت:320هـ) أن الحكماء عن تدبير الله يتذكرون كيف دبر شأن الآدميين ؟ ، وكيف ركبهم ؟ ، ومن أين استخرجهم ؟ ، وأين وضعهم ؟ ، وإلى أين دعاهم ؟ ، فينشرون منن الله ، ويشيعون نعمه لديهم ويصفون تركيب أجسادهم ومكامن العدو منها ، وسلطان الشهوات فيها ويمرون بين أعمال القلوب ، وأعمال النفوس وجذع العدو ، فإن للنفس وسواسا يدق فى جنبه وسواس العدو ، ويصفون شأن الدارين ، وانقسام هذه الدار على الدار الآخرة ، ويصفون الإرادة ، ويعرفون المريدين مكامن النفس لإفساد العطايا الواردة على السالكين بذلك الطريق إلى الله ، فإن التقوى فى هذا
ــــــــــــــــــــ
1. قوت القلوب 1/ 124 وانظر من التراث الصوفى ص 174 ملخصا .
2. طبقات الصوفية ص144 .
الطريق أصعب وأدق ، وأغمض وأعظم مؤنة ، من التقوى فى طريق الشريعة لأن طريق الشريعة على الجوارح ، وهذا الطريق بالقلوب فى ممرها على النفوس فيحتاج إلى أن يسلك بعمل القلب على شهوات النفس بالحراسة العظيمة والاستعانة بالله ، حتى يسلم ذلك العمل الذى نهض فى القلب ، من آفة النفس فيخرج إلى الجوارح سليما ، يصعد إلى الله سليما من آفاتها ) (1) ، ويذكر الترمذى بعض الحقائق المتعلقة بالقلب منها :
(1- أن اسم القلب اسم جامع يقتضى مقامات الباطن كلها ، وفى الباطن مواضع ، منها ما هى من خارج القلب ، ومنها ما هى من داخل القلب فأشبه اسم القلب اسم العين ، إذ العين اسم يجمع ما بين الشفيرتين ، من البياض والسواد ، والحدقة والنور الذى فى الحدقة ، وكل واحد من هذه الأشياء له حكم على حدة ، ومعنى غير معنى صاحبه ، إلا أن بعضها معاونة لبعض ومنافع بعضها متصلة ببعض ، وكل ما هو خارج فهو أساس الذى يليه من الداخل وقوام النور بقوامهن (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. أنواع العلوم ص27ب للحكيم الترمذى مخطوط مكتبة ولى الدين رقم 770 .(12/40)
2. بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب للحكيم الترمذى ، تحقيق الدكتور نقولا هير ، نشر مكتبة الالكليات الأزهرية ص 3 .
(2- أن القلب إنما سمى قلبا لسرعة تقلبه (1) ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنما مثل القلب كمثل ريشة فى الفلاة من الأرض ) (2) ، فأخبر عليه الصلاة والسلام طرفا من قدرة الله ، وشيئا من لطفه لعبده ، بتثبيت قلبه على الإيمان ، وإرسائه على الحق بسرعة تقلبه ، كيلا يرتفع عن الهدى بحول الله وقوته ، فالعاقل من لا يضيف فعل القلب إلى نفسه ، إلا على مقدار ما يليق بالعبودية ، ويسكت عما لا يعنيه ، فإن له من وراء ذلك اشتغالا عن الفضول بما لا يعنيه ، ومن انهدام بناء توحيده وأساس إيمانه وأرض معرفته فمن غيره يبنيه ؟ (3) .
(3- أن العمى والبصر يضاف إلى القلب ، ولا يضاف إلى الصدر ، قال الله تعالى : { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }
ــــــــــــــــــــ
1. طرف من حديث ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (27859) ولفظه : ( إنما سمي القلب من تقلبه إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن ) .
2. أخرجه ابن ماجة فى المقدمة برقم (88) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 1/34 عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مثل القلب مثل الريشة تقلبها الرياح بفلاة " وهو ضعيف من هذا الطريق لوجود يزيد بن إبان الرقاشى ، وهو منكر الحديث كما نص على ذلك أحمد بن حنبل .
3. السابق ص66 .(12/41)
[الحج/46] ، فالقلب هو معدن نور الإيمان قال الله تعالى : { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات/7] ، وقال : { إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ } [النحل/106] ، والقلب هو معدن التقوى والسكينة والوجل والإخبات واللين ، والطمأنينة والخشوع والتمحيص والطهارة ، قال الله تعالى : { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } [الفتح/26] ، وأشار بالإلزام إلى قلوبهم وقال : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ } [الفتح/4] ، وقال : { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } [الفتح/18] ، وقال فى قصة الخليل - عليه السلام - : { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [البقرة/260] ، وقال : { وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا } [المائدة/113] وقال : { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } [الحجرات/3] ، وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتقوى إلى قلبه (1) ، وقال عز وجل : { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ } [المائدة/27] (2) .
(4- أصل التقوى فى القلب ، وهى التقوى من الشك والشرك ، والكفر
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب البر والصلة برقم (2564) 4/1986 ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا .. التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه " .
2. السابق ص47 ، ص53 .(12/42)
والنفاق والرياء ، وقال سبحانه فى الطهارة : { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [الأحزاب/53] ، وقال أيضا : { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } [المائدة/41] ، وقال تعالى : { وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } [آل عمران/154] ، وفى الوجل : { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } [المؤمنون/60] ، وقال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [الأنفال/2] وقال فى الإخبات : { فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } [الحج/54] وقال فى اللين : { ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } [الزمر/23] وقال فى عدم الفقه : { لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا } [الأعراف/179] وقال فى الخشوع : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ } [الحديد/16] وقال أهل التفسير : إن معنى الخشوع الخوف الدائم فى القلب (1) .
(5- أن مدار تأكد وجوب الثواب والعقاب بالقلب ، وفعله بالنفس تبعة قال الله تعالى : { لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } [البقرة/225] ، وإنما هذا فى أحكام الآخرة وأما حكم الدنيا فالنفس تؤاخذ فى أفعالها ، وأما فيما بين العبد وبين ربه فإن الحكم بما فى القلب ، قال الله تعالى فى شأن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - : { إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ } [النحل/106] فبين الله عذره أنه لم يضره
ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص55 .
ذلك لطمأنينة قلبه على صدق الإيمان (1) .(12/43)
(6- أن صلاح القلب فى الأحزان والهموم ، ودواؤه بمداومة الذكر لله تعالى وفساده من أفراح الدنيا ، وسرور أحوال النفس ، وداؤه إعراضه عن ذكر الله عز وجل وإقباله على ما يلهيه عن ذكر الله تعالى (2) .
ويذكر الكاشانى أن القلب عند الطائفة ، عبارة عن صورة العدالة الحاصلة للروح الروحانى فى أخلاقه ، بحيث يصير فيها على حافة الوسط ، بلا ميل إلى الإطراف ، ثم يذكر فيما يتعلق بالقلب :
1- قلب الجمع والوجود : ويقصدون به الإنسان الحقيقى ، صاحب الصورة البرزخية الكبرى .
2- قلب القلب : أو قلب قلب الجمع والوجود ، ويعنى به البرزخية الجامعة بين الوجوب والإمكان ، أو الإنسان الكامل الذى من مرتبته يصل فيض الحق ، والمدد الذى هو سبب بقاء ما سوى الحق إلى العالم كله علوا وسفلا ، ولولاه من حيث برزخيته التى لا تغاير الطرفين ، لما قبل شئ من العالم المدد الإلهى الوحدانى ، لعدم المناسبة والارتباط بين الحق والخلق بدون وسطيته (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص57،58 .
2. آداب المريدين وبيان الكسب للحكيم الترمذى ص36 .
3. لطائف الإعلام 2/236:235 وانظر فى مصطلح القلب عند محى الدين بن عربى =
**********************************
105 - الكبر
**********************************
صدق الله العظيم الكبر : الكبر والتكبر والاستكبار تتقارب ، فالكبر الحالة التى يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه ، وذلك بأن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره وأعظم الكبر ، التكبر على اللَّه بالامتناع من قبول الحق والإذعان له بالعبادة والاستكبار يقال على وجهين (1) :(12/44)
أحدهما : أن يسعى الإنسان ويطلب أن يصير كبيرا ، فإذا كان على ما يجب وفى المكان الذى يجب ، وفى الوقت الذى يجب فمحمود ، كقوله تعالى عن يوسف : { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } [يوسف/55] وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " بينما امرأة فيمن كان قبلكم ، ترضع ابنا لها إذ مر بها فارس متكبر عليه شارة حسنة ، فقالت المرأة : اللَّهم لا تمت ابني هذا حتى أراه مثل هذا الفارس على مثل هذا الفرس ، قال : فترك الصبي الثدي ثم قال : اللَّهم لا تجعلني مثل هذا الفارس ثم عاد إلى الثدي يرضع " (2) .
ــــــــــــــــــــ
= الفتوحات المكية 2/155 ، 4/25 ، وترجمان الأشواق ص43 ، والديوان ص30 وفصوص الحكم 1/128 ، مواقع النجوم ص100 .
1. لسان العرب 5/125 ، كتاب العين 5/361 ، المفردات ص422:421 .
2. أخرجه أحمد فى المسند برقم (8890) واللفظ له ، وأخرجه البخارى فى كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3436) .(12/45)
الثانى : أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له ، ويتمنع من قبول الحق والإذعان له ، وهذا هو المذموم الذى أشار إليه الحق بقوله : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } [البقرة/34] وقوله : { وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ } [إبراهيم/21] ، وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ } [الأعراف/40] ،قابل المستكبرين بالضعفاء ، تنبيها أن استكبارهم كان بما لهم من القوة من البدن والمال وغير ذلك ، وعن حارثة بن وهب الخزاعي - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أخبركم بأهل الجنة ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّه لأبَرَّهُ ، ألا أخبركم بأهل النار ، كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ " (1) .
وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - ، أن رجلا أكل عند رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بشماله فقال - صلى الله عليه وسلم - : " كل بيمينك ، قال : لا أستطيع ، قال : لا استطعت ، ما منعه إلا الكبر ، قال : فما رفعها إلى فيه " (2) .
والتكبر يقال على وجهين :
أحدهما : أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة فى الحقيقة ، وزائدة على محاسن غيره ، وعلى هذا وصف اللَّه تعالى بالتكبر ، كقوله تعالى : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الجنة برقم (2853) 4/219 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب الأشربة برقم (2021) 3/1599 .(12/46)
إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الحشر/23] .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " قال اللَّه عز وجل : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار " (1) .
وعن عبد اللَّه بن قيس - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم ، إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن " (2) ، ومن وصف بالتكبر على الوجه الأول فمحمود ، لقوله تعالى : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } [الأعراف/146] ، فمن ترفع على الكفار واستحقرهم بعزة الإيمان ، وتواضعه لله وحسن عبوديته ، فلا يدخل فى المعنى الآية ، ومن السنة أيضا ، ما روى عن رافع بن خديج - رضي الله عنه - : " أَنَّ عَبْدَ اللَّه بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ ، أَتَيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ ، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّه ِ بْنُ سَهْلٍ ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ ، فَبَدَأَ عَبْد ُالرَّحْمَنِ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : كَبِّرِ الْكُبْرَ ، لِيَلِيَ الْكَلامَ الأكْبَرُ فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب البر والصلة برقم (2620) 4/2023 ، وأبو داود فى كتاب اللباس برقم (4090) واللفظ له .
2. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4878) 8/491 .(12/47)
3. أخرجه البخارى فى كتاب الأدب برقم (6142) 10/552 .
الثانى : أن يكون متكلفا لذلك متشبعا ، وذلك فى وصف عامة الناس وهو مذموم ، نحو قوله تعالى : { فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } [الزمر/72] ، وقوله : { كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } [غافر/35] ، وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " من مات وهو بريء من ثلاث ، الكبر والغلول والدين دخل الجنة " (1) .
وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، قال : إن اللَّه جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس " (2) .
صدق الله العظيم الكبر فى الاصطلاح الصوفى :
الكبر فى الاصطلاح الصوفى التعظم ، وهو من عيوب النفس ، ومساوئ الإخلاق ، فإذا جهل العبد قدر نفسه ، عظم قدرها عنده ، فتعظم على الخلق وأنف ، فالكبر هو التعظم ، وعنه يكون أخلاق الكبر ، وأخلاق الكبر كلها تسمى كبرا ، وقد يكون عن الحقد والحسد والرياء والعجب ، إلا أن أوله فى القلب استعظام القدر ، فإذا استعظم العبد قدره تعظم ، فإذا تعظم أنف وحمى ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه الترمذى فى كتاب السير برقم (1572) وقال الألبانى : صحيح 4/138 وأخرجه الحاكم فى المستدرك برقم (2217)2/31 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (91) 1/93 .
وتعزز وافتخر ، واستطال ومرح واختال (1) .(12/48)
روى عن حاتم الأصم (ت:237) أنه قال : ( أصل الطاعة ، ثلاثة أشياء الخوف والرجاء والحب ، وأصل المعصية ، ثلاثة أشياء ، الكبر والحرص والحسد ) (2) ، وقال الحارث المحاسبى (ت:243هـ) : ( إن الكبر عظيم الآفات ، عنه تشعب أكثر البليات ، يستوجب به من الله عز وجل سرعة العقوبة والغضب ، لأن الكبر لا يحق إلا لله عز وجل ، ولا يليق ولا يصلح لمن دونه ، فكل من سواه عبد مملوك ، وهو المليك الإله القادر ، فعظم عند الله عز وجل الكبر ذنبا ، إذ كان لا يليق بغيره ، فإذا فعل العبد مالا يليق إلا بالمولي عز وجل اشتد غضب المولى تعالى عليه ، ألاترى ما يروى أبو هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن الله عز وجل يقول : " الكبرياء ردائى والعظمة إزارى ، فمن نازعنى فيهما ، أدخلته نارى " (3) ، فيستحق المتكبر أن يقصمه الله عز وجل ويحقره ويصغره ، إذ جاز قدره وتعاطى مالا يصلح لمخلوق (4) ، ويذكر المحاسبى ، أن الكبر يتشعب من العجب ، والحقد والحسد والرياء ، وهو على وجهين (5) :
ــــــــــــــــــــ
1. الرعاية لحقوق الله ص301 بتصرف .
2. طبقات الصوفية ص95 .
3. حديث صحيح تقدم تخريجه ص 950 .
4. الرعاية لحقوق الله ص305 .
5. السابق ص306 .(12/49)
أ- أحدهما : بين العباد وبين ربهم عز وجل ، وهو أعظم الكبر ، كقوله عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر/60] وقال : { لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا } [النساء/172] ، وقال : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا } [الفرقان/60] ، وقال سبحانه أيضا : { اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ } [فاطر/43] ومن ذلك استكبر إبليس على آدم ، حتى خرج به إلى المعاندة ، وترك السجود لطاعة ربه عز وجل ، وكذلك يروى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - : ( إن إبليس إذا رأى ابن آدم ساجدا ، قال يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد ، وأمرت أنا بالسجود فلم أسجد ) (1) ، وقد يجامع هذا الباب من الكبر بينه وبين ربه ، الرد على الرسل فيرد أمره ، ويعانده ويخالفه فى أمره ، فأنفوا أن يتبعوا الرسل عليهم السلام فيكونوا لهم أتباعا ، فعاندوا الله عز وجل فى أمره ، وردوا كتابه ، وجحدوا حجته ، ومن ذلك قولهم : { فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } [المؤمنون/47] ، وقال تعالى : { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ } [المؤمنون/34] ، فأنفوا أن يكونوا تبعا لمن هو مثلهم فى الخلقة ، وقالوا : { وَقَالَ ــــــــــــــــــــ(12/50)
1. الحديث أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (81) 1/87 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله " وفي رواية أبي كريب : " يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار " .
الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا } [الفرقان/21] فقال الله عز وجل : { لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا } [الفرقان/21] .
ب- أما الوجه الآخر من الكبر ، فيكون بين العباد ، وهو التعظم عليهم وحقيقة التعظم عليهم ، خصلتان :
1- إحداهما الحقرية لهم والأنفة منهم فهو ينظر إليهم بالازدراء والحقرية لهم .
2- والخصلة الثانية رد الحق عليهم ، أن يقبله منهم وهو يعلم أنه حق ، إن أمره بعضهم بخير أو نهاه عن منكر ، أو ناظره فى دين الله ، فيرد الحق وهو يعلم ، كما قال الله عز وجل : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } [النمل/14] وقال سبحانه وتعالى : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } [البقرة/89] .
ويذكر الحكيم الترمذى (ت:320هـ) أن كل علم تحمله النفس ويعيه الصدر ، فإن النفس تزداد به تكبرا وترفعا ، وتأبى قبول الحق ، وكلما ازدادت علما ازدادت حقدا على الإخوان ، وتماديا على الباطل والطغيان (1) .
وقال أبو عبد الرحمن السلمى (ت:412هـ) : ( من عيوب النفس طلب الرئاسة بالعلم والتكبر والافتخار به ، والمباهاة على أبناء جنسه ، ومداواتها فى رؤية منة الله عليه ، فى أن جعله وعاء لأحكامه ، ورؤية تقصير شكره من نعمة الله عليه ، بالعلم والحكمة والتزام التواضع والانكسار ، والشفقة على الخلق ــــــــــــــــــــ
1. بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب ص49 .(12/51)
والنصيحة لهم ، فإنه روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : " من طلب العلم ليباهى به العلماء ، أو ليمارى به السفهاء ، أو ليصرف به وجوه الناس إليه ، فليتبوأ مقعده فى النار " (1) ، ولذلك قال بعض السلف : ( من ازداد علما فليزدد خشية ، فإن الله تعالى يقول : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر/28] (2) .
وقال أبو حامد الغزالى (ت:505هـ) : ( اعلم أن الكبر ينقسم إلى باطن وظاهر ، فالباطن هو خلق فى النفس ، والظاهر هو أعمال تصدر عن الجوارح واسم الكبر بالخلق الباطن أحق ، وأما الأعمال فإنها ثمرات لذلك الخلق ، وخلق الكبر موجب للأعمال ، ولذلك إذا ظهر على الجوارح ، يقال : تكبر ، وإذا لم يظهر ، يقال : فى نفسه كبر ، فالأصل هو الخلق الذى فى النفس ، وهو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه ، فإن الكبر يستدعى متكبرا عليه ومتكبرا به ، وبه ينفصل الكبر عن العجب ، فإن العجب لا يستدعى غير المعجب ، بل لو لم يخلق الإنسان إلا وحده ، تصور أن يكون معجبا ، ولا يتصور أن يكون متكبرا ، إلا أن يكون مع غيره ، وهو يرى نفسه فوق ذلك الغير فى صفات الكمال فعند ذلك يكون متكبرا ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. الحديث أخرجه الترمذى فى كتاب العلم برقم (2578) عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار " وحسنه الألبانى 5/32 .
2. عيوب النفس ص15.
3. إحياء علوم الدين 3/334 .
**********************************
106 - الكنود
**********************************(12/52)
صدق الله العظيم الكنود : الجحود ، يقال : أرض كنود إذ لم تنبت شيئا وقوله تعالى : { إِنَّ الإنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } [العاديات/ 6] أى كفور لنعمته ، قال مجاهد : الكنود الكفور (1) ، وروى عن ابن عباس رضى اللَّه عنه أنه قال : الكنود العاصى بلسان كندة وحضرموت ، والكفور بلسان ربيعة ومضر ، والبخيل السئ الملكة بلسان كنانة (2) وروى عنه أيضا أنه قال : " هل تدرون ما الكنود ؟ هو الكفور الذي ينزل وحده ، ويمنع رفده ، ويشبع بطنه ، ويجيع عبده ، ولا يعطي النائبة قومة " (3) .
صدق الله العظيم الكنود فى الاصطلاح الصوفى :
الكنود فى الاصطلاح الصوفى باق على أصوله القرآنية ، فيروى عن ذى ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص442 وانظر فتح البارى شرح صحيح البخارى كتاب التفسير ، سورة العاديات 8/599 .
2. لطائف الإشارات 3/758 .
3. انظر الفردوس بمأثور الخطاب ، لأبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الهمذاني ، تحقيق السعيد بن بسيوني زغلول ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت سنة 1986م ، رقم (6981) 4/339 .
النون المصرى (ت:248هـ) : ( هو الذى إذا مسه الشر جزوع ، وإذا مسه الخير منوع ، يجزع من البلوى ، ويمنع الشكر على النعمى ) (1) ، يشير بذلك إلى المعنى الذى فى قوله تعالى : { إِنَّ الإنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلا الْمُصَلِّينَ } [المعارج/22:20] .
ويذكر القشيرى فى معنى الكنود عدة معان تتفق مع المعنى القرآنى فى قوله تعالى : { إِنَّ الإنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُود } [العاديات/ 6] وهى معان متقاربة (2) :
1- الكنود الكفور بنعمة اللَّه .
2- الكنود هو الذى يرى ماإليه من البلوى ، ولا يرى ما هو به من النعمى .
3- الكنود هو الذى رأسه على وسادة النعمة ، وقلبه فى ميدان الغفلة .
4- الكنود هو الذى ينسى النعم ويعد المصائب .(12/53)
ويقسم الكاشانى معنى الكنود عند الصوفية على ثلاثة أنواع (3) :
الأول : الكنود فى الشريعة تارك الفرائض ، المخالف للأمر الواجب ، فهو كنود لكونه يتعدى فى فعله ما نهى اللَّه عنه .
الثانى : الكنود فى الطريقة تارك الفضائل ، فهو كنود لأنه مخالف للأمر الذى ندب إليه .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق 3/758 ،759 .
2. السابق 3/759 .
3. لطائف الإعلام 2/ 249 .
الثالث : الكنود فى الحقيقة من أراد شيئا لم يرده اللَّه تعالى وقوعه لأنه ينازع اللَّه فى مشيئته ، فلم يعرف حق نعمته .
**********************************
107 - اللطف
**********************************
صدق الله العظيم اللطف : البر والتكرمة والرفق ، يقال : لطف فلاى لفلان إذا رفق له وأبره وأكرمه ، واللطف يرد فى الكتاب والسنة على عدة معان (1) :
أ- اللطف معنى جامع ، يعبر به عن البر والإكرام ، والحفاوة والرفق بالعباد فى هدايتهم ، وتيسير السبل لهم ، وإنقاذ من أشرف على الهلاك إلى السلامة والنجاة ، واللطف وصف اللَّه تعالى على هذا الوجه ، ليس كمثله شئ فيه كما قال تعالى : { اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } [الشورى/19] ، واللطيف اسمه سبحانه الدال على ذاته ، أوعلى صفة اللطف بالتضمن ، قال تعالى : { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك/14] ، وقال تعالى عن يوسف عليه السلام ، وتمكينه فى الأرض بعد نجاته من الهلاك ، حيث ألقاه أخوته فى الجب ، وسجنته امرأة العزيز : { وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي ــــــــــــــــــــ
1. كتاب العين للخليل بن أحمد 7/429 ، والمفردات ص450 ، لسان العرب 9/316 والمصباح المنير 2/553 .(12/54)
وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } [يوسف/100] .
ب- اللطف يعبر به عن الرفق ولين الجانب ومما ورد فى السنة فى ذلك ، ما روى عن عائشة رضى اللَّه عنها ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن من أكمل المؤمنين إيمانا ، أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله " (1) .
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - ، أن رجلا أعمى كان على عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، قتل أم ولده ، فذُكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجمع الناس ، وقال : أنشد اللَّه رجلا لي عليه حق فعل ما فعل إلا قام ، فأقبل الأعمى يتدلدل ، فقال : " يا رسول اللَّه أنا صاحبها ، كانت أم ولدي ، وَكَانَتْ بِي لَطِيفَةً رَفِيقَةً ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُكْثِرُ الْوَقِيعَةَ فِيكَ وَتَشْتُمُكَ ، فَأَنْهَاهَا فَلا تَنْتَهِي وَأَزْجُرُهَا فَلا تَنْزَجِرُ ، فَلَمَّا كَانَتِ الْبَارِحَةُ ، ذَكَرْتُكَ فَوَقَعَتْ فِيكَ ، فَقُمْتُ إِلَى الْمِغْوَلِ ، فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا ، فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا ، فقال : رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ألا اشهدوا أن دمها هدر " (2) .
وعن عائشة رضي اللَّه عنها ، قالت عن حادثة الإفك : " فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهرا ، والناس يفيضون من قول أصحاب الإفك ، ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي - صلى الله عليه وسلم - اللطف ، الذي كنت أرى منه حين أمرض ، إنما
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه الترمذى فى كتاب الإيمان برقم (2612) وضعفه الألبانى5/9 .
2. أخرجه النسائى فى كتاب تحريم الدم برقم (4070) وقال الشيخ الألبانى : صحيح الإسناد 7/107 .
يدخل فيسلم ثم يقول : كيف تيكم ؟ لا أشعر بشيء من ذلك " (1) .(12/55)
ج- اللطف حسن الخلق عند التفاعل مع الآخرين ومخالطتهم ، لما روى عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : " إن كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لَيُلاطِفُنَا كَثِيرًا ، حَتَّى إِنَّهُ قَالَ لأخٍ لِي صَغِيرٍ ، يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ " (2) ، وفسرت الملاطفة فى رواية البخارى بالتواضع للصغير ومخالطته (3) ، وفى رواية مسلم يقول أنس : " كان أحسن الناس خلقا " (4) .
د- اللطف خفة الحركة التى لا يشعر بها الآخرون ، ليصل المتحرك إلى مرادة بسلام ، كقول الله تعالى عن أهل الكهف بعد يقظتهم من رقدتهم : { فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا } [الكهف/19] ، ومما ورد فى السنة قول عمرو بن عبسة السلمي - رضي الله عنه - : " كنت وأنا في الجاهلية ، أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان ، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه ، فإذا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مستخفيا جرءاء عليه قومه ، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة ، فقلت له : ما أنت ؟ قال : أنا نبي ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الشهادات برقم (2661) 5/319 .
2. أخرجه أحمد برقم (13542) واللفظ له ، والبخارى فى كتاب الأدب (6129) .
3. أخرجه البخارى فى كتاب الأدب برقم (6129) 10/543 .
4. أخرجه مسلم فى كتاب الأدب برقم (2150) 3/1692 .
فقلت : وما نبي ؟ قال : أرسلني اللَّه ، فقلت : وبأي شيء أرسلك ؟ قال : أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان ، وأن يوحد اللَّه لا يشرك به شيء " (1) .(12/56)
وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار لقتله ، فأمر عليهم عبد اللَّه بن عتيك ، وكان أبو رافع يؤذي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ويعين عليه ، وكان في حصن له بأرض الحجاز ، فلما دنوا منه ، وقد غربت الشمس ، وراح الناس بسرحهم ، فقال عبد اللَّه لأصحابه : " اجلسوا مكانكم ، فإني منطلق ومتلطف للبواب ، لعلي أن أدخل فأقبل حتى دنا من الباب ، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة ، وقد دخل الناس فهتف به البواب : يا عبد اللَّه إن كنت تريد أن تدخل ، فادخل فإني أريد أن أغلق الباب ، فدخلت ، فكمنت فلما دخل الناس ، أغلق الباب ثم علق الأغاليق على وتد ، قال : فقمت إلى الأقاليد فأخذتها ففتحت الباب " (2) .
صدق الله العظيم اللطف فى الاصطلاح الصوفى :
اللطف فى اصطلاح الصوفية ، الإسراع بكشف الغمة عند حلول النقمة وإسداء النعمة من حيث لا تتوقعها الهمة ، وسريان الرحمة بأنواع الإعانة والنعمة من غير انقطاع ولا امتناع (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب صلاة المسافرين وقصرها (832) 1/569 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب المغازى برقم (4039) 7/395 .
3. الكمالات الإلهية للجيلى ص117بتصرف .
ويروى عن السرى السقطى (ت:251هـ) أنه قال : ( اللهم الطف بنا واسترنا بلطف الحجاب ) (1) ، يعنى أنه لو ظل مشاهدا له وراء كل شىء يسبح الله حقيقة ، استحال عليه أن يفعل الضروريات أو يفكر فى غذائه ، وصلاح معيشته فيسأل الله التخفيف .(12/57)
ويقول الحكيم الترمذى (ت:320هـ) : ( إن الله لو ترك العبد مع الخشية لا نقبض وعجز عن كثير من أموره ، ولو تركه مع المحبة وحدها لا ستبدى وتعدى ، لأن النفس تهيج ببهجة المحبة ، ولكنه تبارك اسمه لطف به ، فجعل الخشية بطانته ، والمحبة ظهارته ، حتى يستقيم به قلبه ، فيرى التبسم والانطلاق والسعة فى وجه العبد وأموره ، وذلك لظهور المحبة على قلبه ، ومع ذلك فى داخله أمثال الجبال خشية ) (2) .
وقال الهجويرى (ت:465هـ) : ( المراد من اللطف ، تأييد الحق ببقاء السر ودوام المشاهدة ، وقرار الحال فى درجة الاستقامة ، إلى حد أن قالت طائفة : إن الكرامة من الحق حصول المراد ، وهؤلاء أهل اللطف ) (3) .
وقال القشيرى (ت:465هـ) : ( خاطب العابدين بقوله : { اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } ، أى يعلم غوامض أحوالهم ، من دقيق الرياء والتصنع ، لئلا يعجبوا ــــــــــــــــــــ
1. حلية الأولياء 10/120وانظر ختم الأولياء ص149.
2. ختم الأولياء ص405 .
3. كشف المحجوب الهجويرى ص622 .
بأحوالهم وأعمالهم ، وخاطب العصاة ، بقوله : { لَطِيفٌ } ، لئلا ييأسوا من إحسانه ، وخاطب الأغنياء بقوله : { لَطِيفٌ } ليعلموا أنه يعلم دقائق معاملاتهم فى جمع المال من غير وجهه بنوع تأويل ، وخاطب الفقراء بقوله : { لَطِيفٌ } أى أنه محسن يرزق من يشاء ، وسماع قوله : { الله } يوجب الهيبة والفزع وسماع { لَطِيفٌ } يوجب السكون والطمأنينة ، واللطيف من يعطى قدر الكفاية وفوق ما يحتاج العبد إليه ، واللطيف من نور الأسرار ، وحفظ على عبده ما أودع قلبه من الأسرار ، وغفر له ما عمل من ذنوب فى الإعلان والإسرار (1) .(12/58)
ويذكر القشيرى من أوجه اللطف لطفه أنه أعطاه فوق الكفاية ، وكلفه دون الطاقة ن ، ومن لطفه بالعبد إبهام عاقبته عليه ، لأنه لو علم سعادته لا تكل عليه وأقل عمله ، ولو علم شقاوته لأيس ولترك عمله ، فأراده أن يستكثر فى الوقت من الطاعة ، من لطفه بالعبد إخفاء أجله عنه ، لئلا يستوحش إن كان قد دنا أجله ، ومن لطفه بالعبد أن ينسبه ما عمله فى الدنيا من الزلة ، لئلا يتنغص عليه العيش فى الجنة (2) .
وقال عبد الكريم الجيلى (ت:832هـ) : ( اللطف عبارة عن غموض العلم به سبحانه ، بحيث تمتنع معرفته على الحقيقة ، للطافتها عن مدارك الفهوم وتنزهها عن مبالغ غايات العلوم ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإشارات 3/348 .
2. السابق 3/349:348 . 3. الكمالات الإلهية للجيلى ص117 .
وقال أيضا فى تسمية النبى بأسماء الله ، على اعتبار معتقده الباطل فى كون النبى - صلى الله عليه وسلم - أعظم ما يتجلى الله فى صورته ، ويتعين فى شخصه : ( ومن أسمائه - صلى الله عليه وسلم - اللطيف ، فإنه كان متصفا بذلك ، ولولا لطفه لما عرج على السماء بجسده حتى بلغ العرش ، وهذا غاية اللطف ، فقد سرى بلطفه فى الموجودات ، حتى أنه عينها ، والدليل على ذلك ، قوله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : { وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } [آل عمران/159] يعنى لست فظا غليظ القلب بل أنت لطيف رحيم ) (1) وهذا لا يعد دليلا بأى حال .
واللطيفة فى الاصطلاح الصوفى إشارة إلى القلب عن دقائق الحال ، تلوح فى الفهم وتلمع فى الذهن ، ولا تسعها العبارة لدقة معناها ، يدرك بها العبد ما يريد الله له إدراكه (2) .
**********************************
108 - المأخوذ والمستلب
**********************************(12/59)
صدق الله العظيم المأخوذ والمستلب : يقال فلان مأخوذ وبه أخذة من الجن ، أى مجنون والمسلوب منزوع العقل على وجه القهر (3) ، وقد ورد اللفظ فى القرآن والسنة
ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص282،283 .
2. اللمع فى التصوف ص448 ، وكشف المحجوب ص629 ، والإملاء ص65 واصطلاحات الصوفية لابن عربى ص8 ، ولطائف الإعلام 2/259 .
3. المفردات ص12 ، ص238 .
على معنى الإمساك والمحاصرة ، كقوله تعالى : { ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا } [سبأ/51] ، وقوله : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ } [سبأ/51] ، وقال تعالى : { وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } [الحج/73] .
وفى السنة من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - : " أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، قام فخطب فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر الجهاد ، فلم يدع شيئا أفضل منه ، إلا الفرائض فقام رجل ، فقال : يا رسول الله : أرأيت من قتل في سبيل الله ، فهل ذلك مكفر عنه خطاياه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ، إذا قتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر ، إلا الدين فإنه مأخوذ به كما زعم لي جبريل " (1) .
وقال عمرو بن ميمون - رضي الله عنه - ، فى الذى قتل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه " (2) .
وقد يراد بالمأخوذ الغارق فى الفكر والخواطر ، كما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : " كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فيرد علينا السلام ، حتى قدمنا من أرض الحبشة ، فسلمت عليه فلم يرد علي ، فأخذني ما قرب وما بعد ، فجلست حتى إذا قضى الصلاة ، قال : إن الله عز وجل يحدث
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه الدارمى فى كتاب جهاد برقم (2412) 2/273 واللفظ له ، ومسلم فى كتاب الإمارة برقم (1885) .(12/60)
2. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب برقم (3700) 7/74 .
من أمره ما يشاء ، وإنه قد أحدث من أمره أن لا يتكلم في الصلاة " (1) .
صدق الله العظيم المأخوذ والمستلب فى الاصطلاح الصوفى :
والمأخوذ والمستلب بمعنى واحد عند الصوفية ، إلا أن المأخوذ أتم فى المعنى يقول السراج الطوسى : وهم العبيد الذين وصفهم فى الحديث المروى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - : " يظن الناس أنهم قد خولطوا وما خولطوا ، ولكن خالط قلوبهم من عظمة اللَّه تعالى ما أذهب بعقولهم " (2) ، وروى أيضا عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : " لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان ، حتى يظن الناس أنه مجنون " (3) .
وقد روى عن الحسن فى الخبر : " كنت إذا رأيت مجاهدا كأنه خربندج قد ضل حماره ، لما كان فيه من الوله " وقال القائل :
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه النسائى فى كتاب السهو برقم (1221) واللفظ له ، والبخارى فى كتاب الجمعة برقم (1199) .
2. لا أصل له فى كتب السنة ، ولكن نسبه ابن رجب الحنبلى إلى الحسن بن على بلفظ : ( وكان الحسن يقول في وصف الخائفين : قد براهم الخوف ، فهم أمثال القداح ، ينظر إليه الناظر ، فيقول : مرضى ، وما بهم مرض ، ويقول : قد خولطوا وقد خالط القوم من ذكر الآخرة أمر عظيم ) انظر التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار ، لأبى الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ، نشر مكتبة دار البيان دمشق سنة 1399 هـ ، ص30 .
3. حسن الإسناد ، أحمد فى المسند برقم (27310) ، عن أبي سعيد الخدرى - رضي الله عنه - عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بلفظ : " أكثروا ذكر اللَّه حتى يقولوا مجنون " .
فلا تلمنى على ما كان من قلقى : إنى بحبك مأخوذ ومستلب (1) .
وكثيرا ما يكون الصوفى مأخوذا ومستلبا عند السماع ، معللين ذلك بتأثره الشديد ، فيحدث منه أفعال وشطحات تظهر منها المخالفة ، يقول الهجويرى :(12/61)
( لا أساس للرقص فى الدين ولا فى طريق الصوفية .. واللعب بالأقدام حرام فى الشرع والعقل ، ومحال أن يقوم به أفضل الناس ، ولكن متى اضطرب القلب بالغليان وراء القهر ، وثبت اضطراب الوجد ، وانمحت الرسوم ، فهذا الاضطراب ليس برقص ولا لعب بالأقدام ، وليس بانهماك جسمانى ، بل هو فيضان النفس ، فمن سماه رقصا فقد ابتعد جدا عن طريق الصواب ) (2) .
ثم يبين أن الدرويش إذا أخذ فى السماع ، فمزق خرقته أو خلعها ، فإما تخاط وتعطى لصاحبها ، أو تعطى لدرويش آخر ، أو تقطع إلى قطع رغبة فى نيل البركة ، وتقسم على الحاضرين ، فإذا سقطت الجبة وكان صاحبها فى حال غلبة مأخوذا ومستلبا ، فللشيوخ آراء مختلفة فيما يجب عمله فيها ، ولكن الإجماع يقول بأن تعطى للقوال ، عملا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قتل قتيلا فله سلبه " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. اللمع ص420 .
2. كشف المحجوب ص502 ، مما يجد التنبية إليه أن ما يحدث فى حلقات الذكر من التراقص الجماعى عند الصوفية فى الموالد وغيرها ، ولإظهار الإسلام بهذه الصورة المشينة متأصل فى الأمة منذ عصر الهجويرى وعلى نفس المنوال .
3. جزء من حديث أخرجه البخارى فى كتاب فرض الخمس (2909) 6/112 عن =
فإذا لم تعط للقوال ، فذلك مخالف لسنة الصوفية (1) ، ويقول أبو القاسم القشيرى : ( المريد لا تسلم له الحركة فى السماع بالاختيار البتة ، فإن ورد عليه وارد حركة ، ولم يكن فيه فضل قوة فبمقدار الغلبة يعذر .. وفى الجملة إن الحركة تأخذ من كل متحرك ، وتنقص من حاله مريدا كان أو شيخا ، إلا أن تكون بإشارة من الوقت أو غلبة تأخذه عن التمييز ) (2) .
**********************************
109 - المجاهدة
**********************************(12/62)
صدق الله العظيم المجاهدة : الجهد بذل الطاقة ونفاذها ، وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل " (3) ــــــــــــــــــــ
= أبي قتادة - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قتل قتيلا له عليه بينة ، فله سلبه " ، والمعنى من قتل قتيلا فى الجهاد ومحاربة الأعداء فله غنائمه ، أما تأويل الحديث فى هذه المعركة الباطنية التى صورها الهجويرى ، إنما هو تحريف للكلم عن مواضعه واستهزاء بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
1. السابق ص504 .
2. الرسالة 2/746 ، ص747 .
3. انظر لسان العرب 3/133 ، وكتاب العين 3/386 ، والمغرب للمطرزى 1/170 والحديث أخرجه البخارى فى كتاب الغسل برقم (291) 1/70 .
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : " أن رجلا شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هلاك المال وجهد العيال ، فدعا اللَّه يستسقي " (1) ، وعن أبي مسعود الأنصارى رضى الله عنه قال : " لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل ، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا : مرائي ، وجاء رجل فتصدق بصاع ، فقالوا : إن اللَّه لغني عن صاع هذا ، فنزلت : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ } [التوبة/79] الآية " (2) .
والمجاهدة استفراغ الوسع فى مدافعة العدو وهى ثلاثة أضرب (3) :(12/63)
أ- مجاهدة العدو الظاهر : كقول اللَّه تعالى : { انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [التوبة/41] ومما ورد فى السنة ما روى عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - ، قال : ( لما نزلت : { لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } [النساء/95] ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ادعوا فلانا فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف ، فقال : اكتب ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللَّه ) ، وخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ابن أم مكتوم ، فقال : يا رسول اللَّه أنا ضرير ، فنزلت مكانها ، { لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [النساء/95] " (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (1018) 2/591 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الزكاة برقم (1415) 3/332 .
3. المفردات ص101 .
4. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4594) 8/108 .
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن أعرابيا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا رسول اللَّه ، أي الناس خير ؟ قال : رجل جاهد بنفسه وماله ، ورجل في شعب من الشعاب ، يعبد ربه ويدع الناس من شره " (1) ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ، تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل اللَّه ، فقال له صاحبه : إن شاء اللَّه فلم يقل ولم تحمل شيئا إلا واحدا ، ساقطا أحد شقيه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لو قالها لجاهدوا في سبيل اللَّه " (2) .(12/64)
ب- مجاهدة النفس بتغيير المنكر على قدر الوسع والاستطاعة ، كما روى عن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما من نبي بعثه اللَّه في أمة قبلي ، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب ، يأخذون بسنته ، ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف ، يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " (3) والشاهد مجاهدتهم بالقلب .
ج- مجاهدة الشيطان ، وتكون بالاستعاذة من وسوسته ، لقوله تعالى : { إِنَّ ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق برقم (6494) 11/338 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3424) 6/528 .
3. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (50) 1/69 .
الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [فاطر/6] ، وجميع الأنواع السابقة ، تدخل ثلاثتها فى قول الله تعالى : { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } [الحج/78] .
وقد يطلق الجهاد اصطلاحا على حج النساء خاصة ، كما روى عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت : " يا رسول اللَّه ، ترى الجهاد أفضل العمل ، أفلا نجاهد ؟ قال : لكن أفضل الجهاد حج مبرور " (1) ، وفى رواية أخرى عنها : " سأله نساؤه عن الجهاد ، فقال : نعم الجهاد الحج " (2) .
صدق الله العظيم المجاهدة فى الاصطلاح الصوفى :
المجاهدة فى الاصطلاح الصوفى ، بذل الوسع فى فعل ما يرضى الله تعالى وترك ما يسخط باستدامة الجد ، وترك الراحة وصدق الافتقار إلى الله تعالى والانقطاع عن كل ما سواه ، وفطام النفس عن الشهوات ، ونزع القلب عن الأمانى والشبهات (3) .(12/65)
ويروى عن أبى يزيد البسطامى (ت:234هـ) أنه قال : ( عملت فى المجاهدة ثلاثين سنة ، فما وجدت شيئا أشد على من العلم ومتابعته ولولا اختلاف العلماء لبقيت ، واختلاف العلماء رحمة ، إلا فى تجريد التوحيد ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد والسير برقم (2784) 6/89 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد والسير برقم (2876) 6/6 .
3. كشاف اصطلاحات الفنون 1/280 بتصرف .
4. طبقات الصوفية ص70 .
ويرى سهل بن عبد الله (ت:293هـ) أن المجاهدة هى أقرب سبب موصل إلى الله تعالى ، وأن المشاهدات مواريث المجاهدات ، لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت/69] كما يعلل ذلك بأن كل الكتب السماوية والشرائع الإلهية والأوامر الدينية ، توجب على الإنسان المجاهدة ، فإذا كانت المجاهدة لا توجب المشاهدة ، كانت كل هذه الكتب باطلة ، كما أن كل شئ فى هذه الدنيا والدار الآخرة ، متصل بأصول وأسباب ، فإذا قلنا الأصول ليست لها أسباب ، انتهينا إلى جحد الشرع الشريف والأوامر الإلهية إذ لو كان ذلك كذلك ، لم تكن هناك حاجة إلى الواجبات الدينية ، ولم يكن الطعام سببا للشبع ، ولا الثياب سببا للدفء ، لذلك كان إثبات الأسباب من التوحيد ونفيها من التعطيل ، ومن أثبت ذلك فقد وافق على حقيقة المشاهدة ومن أنكرها ، فقد أنكر وجود المشاهدة ) (1) .
وعن أبى على الدقاق (ت:410هـ) أنه قال : ( من زين ظاهره بالمجاهدة حسن الله سرائره بالمشاهدة ، قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت/69] ) (2) .
وقال الهجويرى (ت:465هـ) : ( مدار الشرع والرسم على المجاهدة والرسول - صلى الله عليه وسلم - مع قربه من الحق وبلوغه المراد وأمنه العاقبة ، وتحققه من العصمة ــــــــــــــــــــ
1. كشف المحجوب ص242 .
2. الرسالة القشيرية 2/289 .(12/66)
قد جاهد كثيرا من القيام الطويل ، والصيام المتصل ، حتى نزل عليه قول الله تعالى : { طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى } [طه/2:1] ) (1) .
وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( معنى قوله تعالى : { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِه } [الحج/78] ، حق الجهاد ما وافق الأمر فى القدر والوقت والنوع ، فإذا حصلت فى شئ منه مخالفة ، فليست حق جهاده ، وحق الجهاد الأخذ بالأشق ، وتقديم الأشق على الأسهل ، وإن كان فى الأخف أيضا حق وحق الجهاد ألا يفتر العبد عن مجاهدة النفس لحظة ) (2) ، ثم يجعل المجاهدة على أقسام :
أ- مجاهدة بالنفس : فلا يدخر العبد ميسورا إلا بذله فى الطاعة ، بتجمل المشاق ولا يطلب الرخص والإرفاق .
ب - مجاهدة بالقلب : وتكون صونه عن الخواطر الرديئة ، مثل الغفلة والعزم على المخالفات ، وتذكر ما سلف أيام الفترة والبطالات
ج- مجاهدة بالمال : وتكون بالبذل والسخاء ثم بالجود والإيثار (3) .
ــــــــــــــــــــ
1.كشف المحجوب ص242،243 .
2. لطائف الإشارات 2/564 .
3. السابق 2/564 ، وانظر المزيد عن المجاهدة فى الرياضة وأدب النفس ص104 وما بعدها ، جامع الأصول الكمشخناوى ص133،134 ، نشأة التصوف الإسلامى للدكتور إبراهيم بسيونى ص20 وما بعدها ، الغنية لطالبى طريق الحق للشيخ =
**********************************
110 - المحاسبة
**********************************
صدق الله العظيم المحاسبة : الحساب عد الأشياء ، وهوما يحاسب عليه فيجازى بحسبه والحساب يقال باعتبار الدنيا والآخرة (1) :
أ- فمن الأول يرد الحساب على نوعين :(12/67)
[1- ما يحسبه الإنسان من أسباب معلومة للرزق ، كقوله تعالى : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [آل عمران/37] ، وقوله : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } [الطلاق/2] ربما يعطيه أكثر مما يستحق ، أو يعطيه عطاء لا يمكن للبشر إحصاؤه ، أو يعطيه بلا مضايقة (2) .
ــــــــــــــــــــ
= عبد القادر الجيلانى 2/182 ، وحقائق عن التصوف ، عبد القادر عيسى ص112 وما بعدها ،و المسائل فى أعمال القلوب والجوارح للمحاسبى ص137 ، وانظر فى المجاهدة عند ابن عربى الفتوحات المكية 2/فقرة 139 ، 3/ فقرة 115 ، 4/فقرة 162 ، 5/ فقرة 522 .
1. المفردات ص 116، ولسان العرب 1/30 ، وكتاب العين 3/149 .
2. السابق ص 117 .
[2- الحساب بمعنى حلول وقت المساءلة على الأمانة ، أو المجازاة عليها كقوله تعالى : { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا } [الطلاق/8] ، وعن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - ، قال : " استعمل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - رجلا على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية ، فلما جاء ، حاسبه قال : هذا ما لكم وهذا هدية ، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : فهلا جلست في بيت أبيك وأمك ، حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا " (1) .
ب- ومن الثانى يرد الحساب على نوعين :(12/68)
[1- محاسبة اللَّه للعبد فى الآخرة ، كقوله تعالى : { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } [الأنبياء/1] ، وقوله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِي إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِي } [الحاقة/20] ، ومما ورد فى السنة ، ما روى عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من تنشق عنه الأرض ، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أكان فيمن صعق ، أم حوسب بصعقة الأولى ؟ " (2)
وعن عبد اللَّه بن عتبة - رضي الله عنه - ، قال : سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول : " إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الحيل برقم (6979) 12/364 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الخصومات برقم (2412) 5/85 .
وليس إلينا من سريرته شيء ، اللَّه يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه ، وإن قال إن سريرته حسنة " (1) .
وعن عائشة رضى الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من حوسب عذب ، قالت : أوليس يقول اللَّه تعالى : { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } [الانشقاق/8] فقال : إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب يهلك ) (2) .
وعن أبي مسعود - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء ، إلا أنه كان يخالط الناس ، وكان موسرا ، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر ، قال اللَّه عز وجل : نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه " (3) .(12/69)
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قال اللَّه عز وجل : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَات بِإِذْنِ اللَّهِ } [فاطر/32] فأما الذين سبقوا بالخيرات فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا ، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين تلقاهم اللَّه برحمته ، فهم الذين يقولون : { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الشهادات برقم (2641) 5/298 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب العلم برقم (103) 1/237 .
3. أخرجه مسلم فى كتاب المساقاة برقم (1561) 3/1195 .
أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُور ٌ } [فاطر/34] " (1) .
[2- محاسبة العبد نفسه قبل محاسبة اللَّه له فى الآخرة ، لما روى عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على اللَّه " ( 2) ، ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - من دان نفسه ، أى حاسب نفسه في الدنيا ، قبل أن يحاسب يوم القيامة ، ويروى عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، أنه قال : " حاسبوا أنفسكم ، قبل أن تحاسبوا ، وتزينوا للعرض الأكبر ، وإنما يخف الحساب يوم القيامة ، على من حاسب نفسه في الدنيا " (3) ، ويروى عن ميمون بن مهران قال : ( لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه ، كما يحاسب شريكه من أين مطعمه وملبسه ) (4) .
صدق الله العظيم المحاسبة فى الاصطلاح الصوفى :(12/70)
المحاسبة فى الاصطلاح الصوفى تطلق على الموازنة بين مقدار ما يكتسبه العبد من الخير أو الشر ، أو تقدير أعلى الخيرين وأدنى الشرين ، روى عن أبى سليمان الدرانى (ت:215هـ) أنه قال : ( أبلغ الأشياء فيما بين الله وبين ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أحمد فى المسند برقم (21220) وفيه على بن عبد الله الأزدى وهو صدوق .
2. أخرجه الترمذى فى كتاب صفة القيامة برقم (2459) وقال الشيخ الألبانى رحمه الله : ضعيف 4/638 .
3. السابق 4/638 .
4. السابق 4/638 .
العبد المحاسبة ) (1) .
وروى عن الحارث المحاسبى (ت:243هـ) : ( المحاسبة والموازنة فى أربعة مواطن فيما بين الإيمان والكفر ، وفيما بين الصدق والكذب ، وبين التوحيد والشرك ، وبين الإخلاص والرياء ) (2) .
وقال أبو طالب المكى (ت:386هـ) : ( صورة المحاسبة أن يقف العبد وقفة عند ظهور الهمة وابتداء الحركة ، ثم يميز الخاطر وهو حركة القلب والاضطراب وهو تصرف الجسم ، فإن كان ما خطر به الخاطر من الهمة التى تقتضى نية أو عقدا أو عزما أو فعلا أو سعيا ، إن كان لله عز وجل وبه وفيه ، معنى لله عز وجل ، أى خالصا لأجله ، ومعنى به أى بمشاهدة قربه ، لا بمقاربة نفسه وهواه ومعنى فيه أى فى سبيله وطلب رضاه عنه ، وما ندب عنده ، أمضاه وسارع فى تنفيذه ، وإن كان لعاجل دنيا ، أو عارض هوى ، أو لهو وغفلة ، سرى بطبع البشرية ووصف الجبلة ، نفاه وسارع فى نفيه ، ولم يمكن الخاطر من قلبه بالإصغاء إليه والمحادثة ) (3) ، ثم يذكر أنه ما من فعلة وإن صغرت ، إلا وينشر لها ثلاثة دواوين :
أ- الديوان الأول : لم ؟ ، أى لم فعلت ؟ ، وهذا موضع الابتلاء عن وصف ــــــــــــــــــــ
1. طبقات الصوفية ص80 .
2. السابق ص58 .
3. قوت القلوب 1/78 .
الربوبية بحكم العبودية ، أى كان عليك أن تعمل لمولاك ، أم كان ذلك منك بهواك ، فإن سلم من هذا الديوان ، بأن كان عليه أن يعمل ، كما أمر به سئل عن الديوان الثانى .(12/71)
ب- الديوان الثانى : كيف ؟ أى قيل له : كيف فعلت هذا ؟ ، وهو مكان المطالبة بالعلم ، وهو البلاء الثانى ، أى قد عملته بأن كان عليك عمله فكيف عملته ؟ أبعلم أم بجهل ؟ فإن الله تعالى لا يقبل عملا ، إلا على طريقته وطريقة العلم ، فإن سلم من هذا نشر عليه الديوان الثالث .
ج- الديوان الثالث : لمن ؟ أى قيل لمن ؟ وهذا طريق التعبد بالإخلاص لوجه الربوبية ، وهو البلاء الثالث ، وهو بغية الله عز وجل من خلقه الذين قال فى حقهم : { إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِين } [الحجر/40] (1) .
ويذكر الكاشانى أن المحاسبة عند الصوفية هى المقايسة بين الحسانات والسيئات ، ليعلم العبد أيهما أرجح ، وهذه المقايسة تحتاج إلى ثلاثة أمور :
أحدها : ألا تضع ميزان الشرع من يدك ، إذ لا يصح التمييز بين الحق والباطل لمن أهمله .
ثانيها : أن لا تضع الحزم الذى هو سوء الظن بالنفس ، بحيث لا تعتقد فيها أنها تفعل خيرا خالصا أصلا ، إلا أن يرحم الله لآية : { إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي } [يوسف/53] .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق 1/81:80 .
ثالثها : ألا تشتبه عليك الفتنة بالنعمة ، وذلك بأن تنظر إلى ما أنعم الله به عليك من خير ، صحة كان أو فراغا ، أو علما أو طاعة ، أو مالا أو سؤددا ، أو غير ذلك مما لا يعد كمالا فى الدنيا والآخرة ، فإن وجدت ذلك مما يجمعك على الله ، أى لا يميل بك إلى سواه من جميع الكائنات دنيا وآخرة فهو نعمة وإن وجدته مفرقا عنه فهو نقمة (1) .
**********************************
111 - المحبة
**********************************(12/72)
صدق الله العظيم المحبة : المحبة عمل من أعمال القلوب ، يعرف بآثاره الظاهرة ، وهى ضد الكره ، لقوله تعالى : { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ } [الحجرات/7] ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " قلب الشيخ شاب في حب اثنين ، طول الحياة وكثرة المال " (2) .
والفرق بين المحبة والإرادة ، قيل : إن المحبة أبلغ من الإرادة ، فكل محبة إرادة
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/284:283 .
2. أخرجه أحمد فى المسند برقم (8723) واللفظ له ، وأخرجه البخارى فى كتاب الرقاق برقم (6420) .
وليس كل إرادة محبة (1) ، والذى دل عليه الدليل ، أن المحبة مستقلة بذاتها عن الإرادة ، ولكنها تابعة فى الغالب لها ، وقد يجتمعا أو يفترقا فى الفعل الظاهر فمثال اجتماعهما قوله تعالى : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين } [التوبة/108] ، حيث اجتمعت إرادة التطهر ومحبته فى الفعل ، ومثال افتراقهما ، ما روى عن عائشة رضى اللَّه عنها ، أن فتاة دخلت عليها فقالت : " إن أبي زوجني ابن أخيه ، ليرفع بي خسيسته ، وأنا كارهة ، قالت : اجلسي حتى يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ، فأرسل إلى أبيها ، فدعاه فجعل الأمر إليها ، فقالت : يا رسول اللَّه ، قد أجزت ما صنع أبي ، ولكن أردت أن أعلم ، أللنساء من الأمر شيء " (2) ، فالكره ينفى محبة للفعل والإجازة دليل الإرادة .(12/73)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، قال لرجل :" أسلم ، قال : أجدني كارها ، قال : ( أسلم وإن كنت كارها " (3) ، وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : " إن كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ليدع العمل ، وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس ، فيفرض عليهم " (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص105 ، ولسان العرب 1/289 .
2. أخرجه النسائى فى النكاح برقم (3269 ) وقال الألبانى : ضعيف شاذ 6/86 .
3. أخرجه أحمد فى المسند برقم (11650) الرواه ثقات .
4. أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (1128) 3/13 .
والمحبة على نوعين حسب نوعية الحبوب :
أ- المحبوب لذاته ويدخل فيه جميع أصناف المشتهيات ، التى تحدث المتعة للإنسان أو يتلذذ بها ، كقوله تعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } [آل عمران/14] وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، فى الآية : " اللَّهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا اللَّهم إني أسألك أن أنفقه في حقه " (1) ، وعن عائشة رضى اللَّه عنها ، قالت : " كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلواء ويحب العسل " (2) .
وعن المسور بن مخرمة - رضي الله عنه - ، أنه سمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على المنبر ، وهو يقول : " إن بني هشام بن المغيرة ، استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن لهم ثم لا آذن لهم ثم لا آذن لهم ، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنما ابنتي بضعة مني ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها " (3) .(12/74)
ب- المحبوب لغيره ، كأسباب الوصول إلى الخير الأعلى ، ودفع الشر بأنواعه نحو ما روى عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، فى شأن الشهيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -هذا المال خضرة حلوة ، انظر فتح البارى شرح صحيح البخارى 11/259 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الحيل برقم (6972) 12/359 .
3. أخرجه مسلم فى كتاب فضائل الصحابة برقم (2449) 4/1902.
أحد يدخل الجنة ، يحب أن يرجع إلى الدنيا ، وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد ، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا ، فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة " (1) ، وكذلك حب أبى هريرة للحسن بن على ، حبا فى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : ( كنت مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في سوق من أسواق المدينة ، فانصرف ، فانصرفت ، فقال : أين لكع ؟ ثلاثا ، ادع الحسن بن علي فقام الحسن بن علي يمشي ، وفي عنقه السخاب ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده هكذا فقال الحسن بيده هكذا ، فالتزمه ، فقال : اللَّهم إني أحبه فأحبه ، وأحب من يحبه ، قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : فما كان أحد أحب إلي من الحسن بن علي - رضي الله عنه - بعد ما قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ما قال " (2) .
وعنه أيضا - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى ، فأرصد اللَّه له على مدرجته ملكا ، فلما أتى عليه ، قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخا لي في هذه القرية ، قال : هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال : لا غير أني أحببته في اللَّه عز وجل ، قال : فإني رسول اللَّه إليك ، بأن اللَّه قد أحبك كما أحببته فيه " (3) .
والمحبة فى القلب درجات متفاوتة ، ومنازل متنوعة ، من حيث القوة ــــــــــــــــــــ(12/75)
1. أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد برقم (2817) 6/39 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب اللباس برقم (5884) 10/344 .
3. أخرجه مسلم فى كتاب البر والصلة برقم (2567) 4/1988 .
والضعف أو الزيادة والنقصان كقوله تعالى : { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } [البقرة/165] ، ومما ورد فى السنة ، تفاضل بعض الصحابة على بعض فى محبة النبى ، كما روى فى منزلة أبى بكر الصديق ، وحب النبى له ، فعن جندب بن عبد اللَّه بن سفيان - رضي الله عنه - قال : " سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس ، وهو يقول : إني أبرأ إلى اللَّه أن يكون لي منكم خليل ، فإن اللَّه تعالى قد اتخذني خليلا ، كما اتخذ إبراهيم خليلا ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا " (1) ، وكذلك تفاضل الثياب فى المحبة عنده - صلى الله عليه وسلم - ، قال قتادة : قلت لأنس - رضي الله عنه - : " أي الثياب كان أحب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَلْبَسَهَا ؟ ، قَالَ : الْحِبَرَةُ " (2) ، وتفاضل بعض الأفعال على بعض ، فعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله ، في طهوره وترجله وتنعله " (3) .
والمحبة وردت فى القرآن والسنة ، كصفة حقيقية لله عز وجل ليس كمثله شئ فيها ، وليست هى الإرادة لأن اللَّه فرق بينهما ، ولا الإنعام لأن الإنعام من آثارها ، قال تعالى : { مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُه } [المائدة/54] ، فالمحبة صفة اللَّه على الحقيقة ، يحب من شاء من خلقه ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب المساجد برقم (532) 1/377 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب اللباس برقم (5812) 10/287 .(12/76)
3. أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة برقم (426) 1/623.
أو لا يحبه على مقتضى ما شرع ، فاللَّه يحب التوابين المتطهرين المقسطين كما قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة/222] وقال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة/8] وقال : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ } [الصف/4] ، واللَّه لا يحب أفعال السوء ولا الجهر بها ، فقال : { لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا } [النساء/148] ، وقال الله عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا } [النساء/36] وقال تعالى : { وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ? } [البقرة/276] .
والمخلوقات تتفاضل عند اللَّه فى المحبة ، فبعضها أحب إليه من بعض ، على ما يشرعه من نوعية العمل والعبادة ، ومما ورد فى ذلك ما روى عن عائشة رضي اللَّه عنها ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سئل : " أي العمل أحب إلى اللَّه ؟ ، قال : أدومه وإن قل " (1) .
وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال : "سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : أي العمل أحب إلى اللَّه ؟ قال : الصلاة على وقتها ، قال : ثم أي ؟ قال : ثم بر الوالدين ، قال : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل اللَّه " (2) .
وعن عائشة رضي اللَّه عنها ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : "يا عائشة ، إن اللَّه ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب صلاة المسافرين برقم (782) 1/540 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب مواقيت الصلاة برقم (527) 2/12.(12/77)
رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، وما لا يعطي على ما سواه " (1) ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " أحب البلاد إلى اللَّه مساجدها ، وأبغض البلاد إلى اللَّه أسواقها " (2) ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس : " إن فيك لخصلتين يحبهما اللَّه الحلم والأناة " (3) .
والمحبة لها علامات وآثار كثيرة تدل عليها منها :
1- طاعة المحبوب وتنفيذ مراده ،كقوله تعالى : { إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ } [آل عمران/31] ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على أمر إذا أنتم فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم " (4) .
2- محبة ما يحبه المحبوب وبغض ما يبغضه ، كما روى عن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار " (5) ومن حديث معاذ - رضي الله عنه - ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " وأسألك حبك ، وحب من يحبك ، وحب
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب البر والصلة برقم (2593) 4/2003.
2. أخرجه مسلم فى كتاب المساجد برقم (671) 1/464 .
3. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (18) 1/48.
4. أخرجه الترمذى فى كتاب الاستئذان والآداب برقم (2688) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 5/52 .
5. أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان برقم (17) 1/80 .(12/78)
عمل يقربني إلى حبك " (1) عن البراء بن عازب رضي اللَّه عنهما قال كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، يحب أن يوجه إلى الكعبة ، فأنزل اللَّه : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } [البقرة/144] ، فتوجه نحو الكعبة " (2) .
3- كثرة ذكر المحبوب وترديد كلماته ، كقوله تعالى : { فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } [ص/32] ، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : جاء رجل إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " إني أحب هذه السورة ، قل هو اللَّه أحد ، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : حبك إياها أدخلك الجنة " (3) .
4- التطلع إلى رؤية المحبوب ، فالعابد فى مراقبته الدائمة لربه دليل صادق على محبته له ، وعن صهيب الرومى - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " فيكشف
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أحمد فى المسند برقم (21604) وأخرجه الترمذى فى كتاب تفسير القرآن برقم (3235) وقال الألبانى : صحيح 5/368 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة برقم (399) 1/598 .
3. حديث حسن صحيح ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (12024) واللفظ له والترمذى فى كتاب فضائل القرآن برقم (2901) وقال الشيخ الألبانى : حسن صحيح 5/169 والدارمى فى فضائل القرآن برقم (3435) .
الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ، ثم تلا هذه الآية : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [يونس/26] " (1) ومعلوم أن الإحسان ورد معناه فى قوله - صلى الله عليه وسلم - ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : " الإحسان أن تعبد اللَّه كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " (2) .(12/79)
صدق الله العظيم المحبة فى الاصطلاح الصوفى :
المحبة فى الاصطلاح الصوفى تعنى الميل إلى المحبوب بالكلية ، وإيثاره على النفس والروح والمال ثم الموافقة له سرا وجهرا ثم العلم بالتقصير فى حبه (3) .
قال الحارث بن أسد المحاسبى (ت:243هـ) : المحبة لها أول وآخر ، فأولها محبة الله بالأيادى والمنن ، وأعلاها المحبة لوجوب حق الله عز وجل ، والمحبة فى ثلاثة أشياء لا يسمى محبا لله عز وجل إلا بها :
أولا : محبة المؤمنين فى الله عز وجل ، وعلامة ذلك كف الأذى عنهم وجلب المنفعة إليهم .
ثانيا : محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لله عز وجل ، وعلامة ذلك اتباع سنته قال الله جل
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (181) 1/163.
2. أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان برقم (50) 1/140. وانظر للتوسع : الحب فى القرآن دراسة موضوعية إعداد سالم عبد الخالق عبد الحميد رسالة ماجستير ، مخطوط بكلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف القاهرة سنة1992م .
3. الرسالة القشيرية 2/618 بتصرف .
ذكره : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ } [آل عمران/31] .
ثالثا : محبة الله عز وجل فى إيثار الطاعة على المعصية ، ويقال : ذكر النعمة يورث المحبة (1) .
وروى أن يحى بن معاذ (ت:258هـ) كتب إلى أبى يزيد البسطامى قائلا : ( سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته ، فكتب إليه أبو يزيد : غيرك شرب بحور السموات والأرضوما روى بعد ، ولسانه خارج ، ويقول : هل من مزيد ) (2) .
ــــــــــــــــــــ(12/80)
1. رسالة المسترشدين ص180:177 ، وانظر المزيد عن هذه المعانى فى نشر المحاسن الغالية فى فضل المشايخ الصوفية لأبى محمد اليافعى ص183 وما بعدها ، مدخل السلوك لأبى حامد الغزالى ص37 ، وله أيضا روضة الطالبين ص59 ، وحقائق عن التصوف لعبد القادر عيسى ص397 وما بعدها ، روضة التعريف بالحب الشريف لسان الدين بن الخطيب ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، نشر دار الفكر العربى سنة1968م ، وانظر أيضا ، التصوف الثورة الروحية فى الإسلام لأبى العلا عفيفى ص220 وما بعدها ، والحب الإلهى عند صوفية القرنين الثالث والرابع الهجريين ، إعداد صبرى متولى منصور الشرقاوى ، رسالة ماجستير مخطوط بمكتبة كلية الآداب جامعة القاهرة سنة1986م ، وانظر أيضا ، فلسفة الأخلاق فى الإسلام ، محمد يوسف موسى ص285 وما بعدها .
2. الرسالة القشيرية 2/620 : 614 و انظر فى المقارنة مع كلام أبى يزيد الحياة الروحية فى الإسلام ، الدكنور محمد مصطفى حلمى ، موضوع الزهد مع الحب رابعة =
ويذكر عن سمنون المحب (ت:298هـ) : ( أن المحبة هى أساس الطريق إلى الله تعالى وأصله ، وأن كل الأحوال والمقامات ، هى درجات للمحبة ، وأن كل الدرجات والمقامات يكون فيها الطالب قابلا للهلاك ، إلا مقام المحبة فلا يصله شئ من ذلك ) (1) .
وقال السراج الطوسى (ت:378هـ) : ( وحال المحبة حال عبد نظر بعينه إلى ما أنعم الله به عليه ، ونظر بقلبه إلى قرب الله تعالى منه ، وعنايته به وحفظه وكلاءته له ، فنظر بإيمانه وحقيقة يقينه إلى ما سبق له من الله تعالى ، من العناية والهداية وقديم حب الله له ، فأحب الله عز وجل ) (2) ، ثم يقسم أهل المحبة إلى ثلاث درجات :
1- محبة العامة : ويتولد ذلك من إحسان الله تعالى إليهم ، وعطفه عليهم وشرطها موافقة القلوب لله ، والتزام الموافقة باتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفاء الود مع دوام الذكر .
ــــــــــــــــــــ(12/81)
= العدوية ص76وما بعدها ، وانظر أيضا ، رابعة العدوية والحياة الروحية فى الإسلام ، طه عبد الباقى سرور ص 160:132 ، ورابعة العدوية ، لمحمود الشرقاوى ص114:86 .
1. كشف المحجوب ص370:366 .
2. اللمع ص88:86 .
2- محبة الخاصة : وهو حب الصادقين والمتحقيقين ، ويتولد من نظر القلب إلى غناء الله وجلاله وعظمته ، وعلمه وقدرته ، ويكون بمحو الإرادات واحتراق جميع الصفات والحاجات .
3- محبة خاصة الخاصة : وهو حب الصديقين والعارفين ، ويتولد من نظرهم ومعرفتهم بقديم حب الله تعالى ، فكما أحبهم فى الأزل بلا علة ، فكذلك أحبوه بلا علة ، وصفة هذه المحبة سقوط المحبة عن القلب والجوارح ، حتى لا يكون فيها المحبة ، وتكون الأشياء بالله ولله ، بمعنى دخول صفات المحبوب على البدل من صفات المحب ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - عن رب العزة : " حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت عينه التى يبصر بها ، وسمعه الذى يسمع به ويده التى يبطش بها " (1) .
ــــــــــــــــــــ
1. هذا هو الحلول الصوفى الذى نادى به الحسين بن منصور الحلاج ، والذى يؤدى إلى فكرة الاتحاد بين الخالق والمخلوق ، وليس فى الحديث ما أشار إليه من دخول صفات المحبوب على البدل من صفات المحب ، ولكن العبد إذا استقام على الإرادة الشرعية على وجه التمام ، اتفقت الارادات ، إرادة العبد مع إرادة الله الشرعية ، ومن ثم تتفق بالضرورة مع إرادة الله الكونية ، وعندها يوفق الله العبد ، فلا يسمع إلا ما يرضى الله ولا يرى إلا ما يرضى الله ، وجميع حركاته وسكناته تكون بالله وفى الله ، وما أحسن ما ذكره سهل بن عبد الله التسترى عندما سئل عمن يقول : ( أنا كا الباب لا أتحرك إلا أن يحركونى ، قال : لا يقول هذا الكلام إلا صديق أو زنديق ) ، ويعنى بالصديق ما ذكره الله فى الحديث القدسى ، والزنديق هو الذى يخالف الشرع بإرادته ، ويحتج=
ويذكر الهجويرى (ت:465هـ) أن المحبة تستعمل على وجوه :(12/82)
أولا : تلك الرغبة القلقة نحو موضع الحب ، وهى مليئة بالميل والعاطفة وبذلك فهى تشير إلى المخلوقات ، وعواطفهم المتبادلة ، ولكن لا يمكن أن تنطبق على الله ، الذى تعالى عن كل شئ علوا كبيرا .
ثانيا : إكرام الله وخصوصيته لمن اصطفاهم ، وقربهم لنيل درجة كمال الولاية ، وخصهم بأنواع شتى من كراماته الربانية
ثالثا : الثناء الجميل الذى يمنحه الله تعالى للإنسان ، على ما قام به من عمل طيب (1).
وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( المحبة حالة شريفة ، شهد الحق سبحانه بها للعبد ، وأخبر عن محبته للعبد ، فالحق سبحانه يوصف بأنه ــــــــــــــــــــ
= بأنه مسير بالإرادة الكونية ، والحديث أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق (6021) 10/462 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ، ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته " .
1. كشف المحجوب ص370:366 .
يحب العبد ، والعبد يوصف بأنه يحب الحق سبحانه ، قال الله عز وجل :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه ُ } [المائدة/54] ، وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن لم يحب لقاء الله لم يحب الله لقاءه " (1) .(12/83)
وأغلب أقوال الصوفيه فى المحبة يدور حول علامات المحبة الصادقة ومثالها ، طاعة المحبوب وموافته ، كما روى عن سهل بن عبد الله : ( المحبة معانقة الطاعة ومباينة المخالفة ) (2) ، وكقول يحى بن معاذ : ( ليس بصادق فى محبته من لم يحفظ حدوده ) (3) ، وكثرة ذكر المحبوب ، كما يذكر لسمنون المحب عندما سئل عن المحبة قال : ( صفاء الود مع دوام الذكر ، لأن من أحب شيئا أكثر من ذكره ) (4) ، وكقول الشبلى : ( سميت المحبة محبة ، لأنها تمحو من القلب ما ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 2/611:610 ، والحديث رواه البخارى فى كتاب الرقاق (6026) 10/464 عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله ، كره الله لقاءه ، قالت عائشة أو بعض أزواجه : إنا لنكره الموت ، قال : ليس ذاك ، ولكن المؤمن إذا حضره الموت ، بشر برضوان الله وكرامته ، فليس شيء أحب إليه مما أمامه ، فأحب لقاء الله ، وأحب الله لقاءه ، وإن الكافر إذا حضر ، بشر بعذاب الله ، وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه ، كره لقاء الله وكره الله لقاءه .
2. السابق 2/615 .
3. السابق 2/616 . 4. اللمع فى التصوف ص88:86 .
سوى المحبوب ) (1) ، ورؤية التقصير فى حق المحبوب على الدوام ، كما ينسب لأبى يزيد البسطامى : ( المحبة استقلال الكثير من نفسك ، واستكثار القليل من حبيبك ) (2) ، والغيرة على المحبوب ، كما روى عن الشبلى : ( المحبة أن تغار على المحبوب ، أن يحبه مثلك ) (3) .(12/84)
وكل ما سبق من آراء للصوفية عن المحبة قريبة المعنى من الأصول القرآنية والنبوية ، أما المحبة عند ابن عربى ، فتأخذ طابعا آخر ، حيث تأثرت نظرته لها بفلسفته فى الوحدة ، فلما كان الوجود الحقيقى واحد عند ابن عربى ، أصبح كل ما يراه رموزا ومجالى يصرف لها الحب ويدين به ، وحبه يتفاوت فى طاقاته على حسب انفعاله فيما يرى ، ولذا كانت المرأة من مجالى الجمال المطلق الذى يعشقه ويقدسه ، واعتبرها الطريق المثل لإظهار فلسفته فى وحدة الذات الإلهية من خلال النظر إلى الوجود بأسره (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق 2/615 .
2. السابق 2/614 .
3. السابق 2/615 .
4. انظر فى التعرف على الحب فى فلسفة ابن عربى : الفتوحات المكية 4/259 ، وما بعدها 4/449 وما بعدها ، وفصوص الحكم 1/217 ،2/288 ، وترجمان الأشواق ص14 ، ص41 ، والرسالة الغوثية ورقة 179 ، وبلغة الغواص ورقة 18 ، والحب الإلهى عند محى الدين بن عربى ، إعداد منشاوى عبد الرحمن إسماعيل رسالة ماجستير بمكتبة =
وقد سار على نهج محى الدين ابن عربى ابن الفارض فى التائية ، وكثير من فلاسفة الصوفية (1) .
ــــــــــــــــــــ
= كلية دار العلوم 1983م ، وانظر أيضا :(12/85)
- - - صلى الله عليه وسلم - تمت } فهرس ?- صلى الله عليه وسلم - فهرس ?- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة ?- سبحانه وتعالى -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس } - صلى الله عليه وسلم - فهرس ? بسم الله الرحمن الرحيم } تمت - } - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم - - ? } - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ? - - - - } مقدمة - - صلى الله عليه وسلم - - ? - ? - - صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - صلى الله عليه وسلم -?? - - - - ? الله أكبر - ? { - { ? - - - - - - - ? } - - ? - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - صلى الله عليه وسلم -? { - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -? - - - مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -? { ?(12/86)
- - - صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? - ? - - صلى الله عليه وسلم - - فهرس ? - ? - - صلى الله عليه وسلم -? - - - عليه السلام - - } - مقدمة - صلى الله عليه وسلم -? بسم الله الرحمن الرحيم - عليه السلام - - - - سبحانه وتعالى - - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -? - } - صلى الله عليه وسلم -- عليه السلام -? - - فهرس ? - - ?- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - - - } - رضي الله عنه - } - فهرس ?- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة } قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -? - ? بسم الله الرحمن الرحيم } تمت - } - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -? - - - سبحانه وتعالى -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - } فهرس فهرس - صلى الله عليه وسلم - - ? - - - - ? - ? - } - صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? { - - صلى الله عليه وسلم -? - - - عليه السلام - - ? بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - - ?- صلى الله عليه وسلم - - ? الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنه - - ? - ? { - - صلى الله عليه وسلم - } - ? - - - - ? { - { ? - - - ? - ? - - تمهيد ? -
وانظر فى المقارنة بين الحب عن الحلاج وابن عربى :(12/87)
تمهيد - - - } - فهرس - فهرس ? - ? - - - عليه السلام - } - ? - ? - - ? { - - - } - فهرس ?? - - صلى الله عليه وسلم -? - - - - - - ?? - ? المحتويات - - عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -? الله - } - رضي الله عنه - } - فهرس ?? - - - - } مقدمة - - صلى الله عليه وسلم - - ? { - - صلى الله عليه وسلم - } - ? - - - - ? الله أكبر ? - { ? - ? - - - فهرس -
وفى المقارنة بين الحب عند روزبها بقلى الشيرازى وابن عربى :
- - - صلى الله عليه وسلم - تمت } فهرس ? - ? - - صلى الله عليه وسلم - فهرس - صلى الله عليه وسلم - } ? - ? الله أكبر - عليه السلام - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - فهرس ? تم بحمد الله - قرآن كريم - - صلى الله عليه وسلم -? - - } - صلى الله عليه وسلم - - - } ? - ? - } - - رضي الله عنه - - } - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -?? - - ? { - } - - - - { - } - صلى الله عليه وسلم -? الله فهرس - - رضي الله عنهم - - - - { - صلى الله عليه وسلم - - } - صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -? - - ? { - - صلى الله عليه وسلم - } - - - صلى الله عليه وسلم - - ??- صلى الله عليه وسلم - - - ? - - - - } مقدمة - - صلى الله عليه وسلم - - ? - ? - - صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - صلى الله عليه وسلم -?? - - - - ? الله أكبر ? - { ? - - - - -
وانظر الحب الصوفى عند الإمام البرعى ، إعداد سبع متولى أيوب رسالة ماجستير كلية أصول الدين بجامعة الأزهر القاهرة سنة1984م 102 ، وما بعدها للمقارنة بين الحب عند البرعى وابن عربى .(12/88)
1. انظر فى الحب عند ابن الفارض ، ابن الفارض والحب الإلهى ، الدكتور محمد حلمى ص139 ، 147، ص233 ، 244 والحب الإلهى فى التصوف بين الإسلام والنصرانية إعداد دين محمد ميرا صاحب رسالة دكتوراه ، مخطوط بمكتبة كلية أصول الدين بجامعة الأزهر ، القاهرة سنة1991 م .
**********************************
112 - المحو
**********************************
صدق الله العظيم المحو : إزالة الأثر ، ويقال فى المحسوسات وغيرها (1) :
أ- فمن المحو فى المحسوسات ، كقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً } [الإسراء/12] ، ومن حديث الربيع بن سبرة الجهني - رضي الله عنه - ، قال : " فجعلت تنظر إلى ابن عمي ، فَقُلْتُ : لَهَا إِنَّ بُرْدِي هَذَا جَدِيدٌ غَضٌّ ، وَبُرْدَ ابْنِ عَمِّي هَذَا ، خَلَقٌ مَحٌّ ، قَالَتْ : بُرْدُ ابْنِ عَمِّكَ هَذَا لا بَأْسَ بِهِ ، فاستمتع منها ، فلم نخرج من مكة ، حتى حرمها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - " (2) يعنى نكاح المتعة .
وعن جابر - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - زمن الفتح وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة ، فيمحو كل صورة فيها ، فلم يدخلها النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى محيت كل صورة فيها (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. كتاب العين 3/314 ، المفردات ص464 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب النكاح برقم (1406) 2/405 ، وأحمد فى المسند برقم (15385) واللفظ له .
3. حسن أخرجه أبو داود فى كتاب اللباس برقم (4156) وقال الشيخ الألبانى : حسن صحيح 4/74(12/89)
وعن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنه - ، قال : لما خرجت الحرورية ، اعتزلوا ، فقلت لهم : إن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية صالح المشركين ، فقال لعلي : اكتب يا علي ، هذا ما صالح عليه محمد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، قالوا : لو نعلم أنك رسول اللَّه ما قاتلناك ، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : امح يا علي ، اللَّهم إنك تعلم أني رسولك امح يا علي ، واكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد اللَّه ، واللَّه لرسول اللَّه خير من علي ، وقد محا نفسه ، ولم يكن محوه ذلك يمحاه من النبوة ، أخرجت من هذه ؟ ، قالوا : نعم " (1) .
ب- ومن المحو فى غير المحسوسات الدنيوية ما ورد فى قوله تعالى : { وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } [الشورى/24] ، وقوله سبحانه : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } [الرعد/39] ، ومما ورد فى السنة عن أبي قتادة - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من نفس عن غريمه ، أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة " (2) ، وعن عتبة بن عبد السلمي - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " القتل ثلاثة ، رجل مؤمن قاتل بنفسه وماله في سبيل اللَّه حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل ، فذلك الشهيد المفتخر في خيمة اللَّه تحت ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أحمد فى المسند برقم (3177) وفى الإسناد عكرمة بن عمار العجلى ، وهو صدوق .
2. أخرجه أحمد فى المسند برقم (22053) واللفظ له ، وأخرجه مسلم فى كتاب المساقاة برقم (1563) 3/1196.(12/90)
عرشه ، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة ، ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا ، جاهد بنفسه وماله في سبيل اللَّه ، حتى إذا لقي العدو ، قاتل حتى يقتل ، محيت ذنوبه وخطاياه ، إن السيف محاء الخطايا ، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء .. ورجل منافق جاهد بنفسه وماله ، حتى إذا لقي العدو قاتل في سبيل اللَّه حتى يقتل ، فإن ذلك في النار السيف ، لا يمحو النفاق " (1) .
صدق الله العظيم المحو فى الاصطلاح الصوفى :
المحو فى الاصطلاح الصوفى يقابل الإثبات ، ويعنى رفع أوصاف العادة ومحو العلة المؤثرة فى القلب ، القادحة فى طريق وصوله إلى الحق ، وإزالة الخلال الذميمة من أوصاف النفوس ، روى عن أبى الحسين النورى (ت:295هـ) أنه قال : ( الخاص والعام فى قميص العبودية ، إلا من يكون منهم أرفع ، جذبهم الحق ومحاهم عن نفوسهم فى حركاتهم ، وأثبتهم عند نفسه ، قال الله تعالى : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } [الرعد/39] ) (2) ، ويبين السراج الطوسى ، أن معنى جذبهم الحق ، يعنى جمعهم بين يديه ، ومحاهم عن نفوسهم ، يعنى عن رؤية نفوسهم فى حركاتهم ، وأثبتهم عند نفسه ، بنظرهم إلى قيام الله لهم فى أفعالهم وحركاتهم (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. صحيح الإسناد ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (17204) واللفظ له ، والدارمى فى كتاب الجهاد برقم (2411) 2/272.
2. اللمع ص431 .
3. السابق ص431 .
وقال السراج الطوسى (ت:387هـ) : ( المحو ذهاب الشئ ، إذا لم يبق له أثر ، وإذا بقى له أثر فيكون طمسا ) (1) .
ويذكر أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) المحو فى مقابل الإثباث ، كما ورد فى قوله تعالى : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } [الرعد/39] ، وهو رفع أوصاف العادة ، وينقسم بشرط العبودية إلى ثلاثة أنواع :
أ- محو الزلة عن الظواهر ، وفى محو الزلة إثبات المعاملات .(12/91)
ب- ومحو الغفلة عن الضمائر ، وفى محو الغفلة إثبات المنازلات .
ج- ومحو العلة عن السرائر ، وفى محو العلة إثبات المواصلات (2) .
ويذكر القشيرى أنواعا أخرى من المحو والإثبات ، تحت مدلول الآية السابقة منها :
يمحو الله من قلوب الزهاد حب الدنيا ، ويثبت بدله الزهد فيها .
يمحو عن قلوب العارفين الحظوظ ، ويثبت بدلها حقوقه تعالى
يمحو عن قلوب الموحدين شهود غير الحق ، ويثبت بدله شهود الحق
يمحو آثار البشرية ، ويثبت أنوار شهود الأحدية .
يمحو العبد عن أوصافه ، ويثبته بالحق ، فيكون محوا عن الخلق ، مثبتا بالحق للحق .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص431 .
2. الرسالة القشيرية1/241 .
يمحو العبد فلا يجرى عليه حكم التدبير ، ويكون محوا بحسب جريان أحكام التقدير ، ويثبت سلطان التصديق والتقليب ، بإدخال ما لا يكون فيه اختيار عليه على ما يشاء .
يمحو عن قلوب الأجانب ذكر الحق ، ويثبت بدله غلبات الغفلة وهواجم النسيان .
يمحو أوضار الزلة عن نفوس العاصين ، وآثار العصيان عن ديوان المذنبين ، ويثبت بدل ذلك لوعة الندم ، وانكسار الحسرة ، والخمود عن متابعة الشهوة .
يمحو الله نضارة الشباب ، ويثبت ضعف المشيب .
يمحو عن قلوب الراغبين فى مودة أهل الدنيا ما كان يحملهم على إيثار صحبتهم ويثبت بدلا منه الزهد فى صحبتهم والاشتغال بعشرتهم (1) .
وقال السهروردى (ت:632هـ) : ( المحو بإزالة أوصاف النفوس ، أو المحو محو رسوم الأعمال بنظر الفناء إلى نفسه ومأمنه ) (2) .
ويقول محى الدين بن عربى (ت:638هـ) : ( المحو رفع أوصاف العادة وإزالة العلة والمحو كالنسخ ، فإن الحكم إذا انتهت مدته انتقض بغيره ، والنسخ فى الأحكام انتهاء مدة الحكم ، وفى الأشياء المدة ، قال تعالى : { كُلٌّ يَجْرِي ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإشارات 2/235 .
2. عوارف المعارف ص527 .
لأجَلٍ مُسَمًّى } [الرعد/2] .(12/92)
فجريان العادة فى كل مخصوص ، إنما يكون إلى وقت معين ثم ينتقض بما هو ليس بعادة : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } [الرعد/39] ) (1) ، ويذكر الكاشانى فى المحو عدة اصطلاحات تعارف عليها الصوفية (2) :
1- محو أرباب الظواهر : هو أن تمحو عن نفسك ما قد اعتدته من الخلال الذميمة ، ثم تستعيض عنها بالخصال الحميدة ، فإن فعلت ذلك ، فأنت صاحب المحو والإثبات ، الذى يقتصر عليه نظر أهل الظواهر .
2- محو أرباب السرائر : هو إزالة العلة والآفات ، ويقابله الإثبات الذى هو إثبات المواصلات ، وإنما سمى هذا المحو بمحو أرباب السرائر ، لأن العلل متى زالت عن السرائر ، كان فى محوها إثبات الموصلات ، كما كان فى محو الذات عن الظواهر إثبات المعاملات ، وهذان المحوان ، وما يقابلهما من الإثبات ، محو وإثبات بشرط العبودية ، وفى ذلك محو رسوم الأعمال لفناء العبد عن نفسه فضلا عما منه ، ولا إثبات الحق له بما أنشأه له من الوجود به ، فهو بالحق لا بنفسه لإثبات الحق له مستأنفا ، بعد أن محاه عن أوصافه .
ــــــــــــــــــــ
1. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص6 ، ولطائف الإعلام 2/277 ، وانظر أيضا جامع الأصول للكمشخانوى ص180 .
2. لطائف الإعلام 2/282:277.
3- محو الجمع : عبارة عن فناء الكثرة فى الوحدة .
4- المحو الحقيقى : يعنى به رؤية الأشياء بعين أحدية الجمع ، الماحية للأغيار والغيرية ، لانتفاء التفرقة والمعاندة بين الذات وبين جميع شؤونها فى المرتبة الأولى التى هى مرتبة أحدية الجمع .
5- محو العبودية : هو المحو بشرط العبودية وقد يعنى بمحو العبودية محو عين العبد من الوجود على الوجه الذى فهمه أهل الخصوص من العلماء .
6- محو التشتت : أى محو الغير فى العين والغيرية فى الهوية فإن الكثرة هى المشتتة لشمل الوحدة فمحو التشتت هو التحقق بقام أحدية الجمع الجامع لشمل الوحدة التى لا يرى معها غير ولا غيرية .(12/93)
7- محو المحو : هو البقاء بعد الفناء .
**********************************
113 - المراقبة
**********************************
صدق الله العظيم المراقبة : رقبت الشئ انتظرته ، والمراقب الحارس الناظر المتابع ، والمرتقب المنتظر المتتبع ، كقول الله تعالى : { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الدخان/11:10] وقوله عن موسى - عليه السلام - : { فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ } [القصص/18] (1) .
ــــــــــــــــــــ
1. كتاب العين 5/154 ، لسان العرب 1/424 ، المغرب للمطرزى 1/341 .
وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ، قال : ( رَقَبْنَا رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العشاء فَاحْتَبَسَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ لَنْ يَخْرُجَ ) (1) ، ومعنى رقبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يعني انتظرناه وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول : " تلك صلاة المنافق ، يجلس يرقب الشمس ، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان ، قام فنقرها أربعا لا يذكر اللَّه فيها إلا قليلا " (2) ، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - ، قال : " بت عند خالتي ميمونة ، فقام رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من الليل ، فأتى حاجته ، ثم غسل وجهه ويديه ثم قام ، فأتى القربة فأطلق شناقها ، ثم توضأ وضوءا بين الوضوءين لم يكثر ، وقد أبلغ ثم قام فصلى ، فقمت فتمطأت ، كراهية أن يرى أني كنت أرتقبه " (3) .(12/94)
والمراقبة النظر بحذر بغية توقع شئ ما ، كما روى من حديث أبى ذر الغفارى - رضي الله عنه - لما حضره الموت وهو بالربذة ، بكت امرأته ، فقال : ما يبكيك ؟ قالت : أبكي ، لا يد لي بنفسك ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا ، فقال : لا تبكي ، فإني سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، وأنا عنده في نفر يقول : ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، يشهده عصابة من المؤمنين ، قال : فكل من ــــــــــــــــــــ
1. حديث صحيح ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (21561) واللفظ له ، وأخرجه أبو داود فى كتاب الصلاة برقم (421) 1/114.
2. أخرجه مسلم فى كتاب المساجد برقم (622) 1/434 .
3. أخرجه أحمد فى المسند (3184) واللفظ له ، والبخارى فى العلم برقم (117) .
كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وفرقة ، فلم يبق منهم غيري ، وقد أصبحت بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق ، فإنك سوف ترين ما أقول ، فإني واللَّه ما كذبت ولا كذبت " (1) ، ومن حديث عائشة قالت : " فاستطالت علي تقصد زينب بنت جحش ، وأنا أرقب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، وأرقب طرفه ، هل يأذن لي فيها ؟ " (2) .
والمراقبة على نوعين ، مراقبة العبد لربه ، بالمحافظة على حدوده وشرعة واتباعه لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، كما روى عن ابن عباس - رضي الله عنه - ، قال : " كنت خلف رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوما ، فقال يا غلام ، إني أعلمك كلمات ، احفظ اللَّه يحفظك ، احفظ اللَّه تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل اللَّه ، وإذا استعنت فاستعن باللَّه " (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " سلوني ، فهابوه أن يسألوه فجاء رجل ، فجلس عند ركبتيه وسأله .. قال : يا رسول اللَّه ما الإحسان قال أن تخشى اللَّه كأنك تراه فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك قال صدقت " (4) .
ــــــــــــــــــــ(12/95)
1. صحيح الإسناد ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (20956) .
2. أخرجه مسلم فى كتاب فضائل الصحابة برقم (2442) 4/1891.
3. أخرجه الترمذى فى كتاب صفة القيامة والرقائق والورع برقم (2516) ، وقال الشيخ الألبانى : صحيح 4/667 ، وقال الترمذى حسن صحيح .
4. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (10) 1/40 .
وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال : " قال أبو بكر : ارقبوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - في أهل بيته " (1) ، يعنى راقبوا اللَّه فى أهل بيته ، واحذروا أن تقع ألسنتكم فيهن .
والنوع الثانى من المراقبة ، مراقبة اللَّه لعباده وحفظه لهم ، وإحصائه لكسبهم كقوله تعالى عن عيسى - عليه السلام - : { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [المائدة/117] وقوله سبحانه : { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء/1] ، وكقوله تعالى عن ملائكته : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق/18] ، وعن أبى هريرة - رضي الله عنه -?قال : رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " قالت الملائكة : رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة ، وهو أبصر به ، فقال : ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، إنما تركها من جراي " (2) .
والرقبى هبة العقار لشخص فيرتقب الواهب عودتها بعد موت صاحبها ، وقد نهى عنها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، فعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال : " نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرُّقْبَى ، وقال : مَنْ أُرْقِبَ رُقْبَى فَهُوَ لَهُ " (3) .
صدق الله العظيم المراقبة فى الاصطلاح الصوفى :
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب برقم (3751) 7/119.(12/96)
2. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (129) 1/117.
3. أخرجه النسائى فى كتاب العمرى برقم (3734) وقال الشيخ الألبانى : صحيح .
المراقبة هى دوام الملاحظة لما هو المقصود بالتوجه إلى الحق ظاهرا وباطنا (1) قال الحارث المحاسبى (ت:243هـ) : ( أوائل المراقبة علم القلب بقرب الرب عز وجل ، والمراقبة فى نفسها التى تورث صاحبها وتكمل له الإسم ، ويستحق أن يسمى مراقبا ويسمى بها ، دوام علم القلب بعلم الله عز وجل فى سكونك وحركتك ، علما لازما للقلب بصفاء اليقين ، وكشف غطاء حجب الظلم غير قاطع عن النظر بمشاهدة الغيب ، فعندها تغيب أسباب الغفلة عن القلوب بدواهيها ، فيعقل عن الله نصائح الحكمة بما فيها ، ويكشف له اليقين عما فات منها ) (2) ، ويروى عن ذى النون المصرى (ت:248هـ) أنه قال : ( علامة المراقبة ، إيثار ما آثر الله تعالى ، وتعظيم ما عظم الله تعالى ، وتصغير ما صغر الله تعالى ) (3) ، وينسب إلى أبى العباس الطوسى (ت:299هـ) : ( من راقب الله تعالى فى خطرات قلبه ، عصمه الله فى حركات جوارحه ) (4) .
ويذكر السراج الطوسى (ت:387هـ) أن المراقبة لعبد قد علم وتيقن أن الله تعالى مطلع على ما فى قلبه وضميره وعالم بذلك ، فهو يراقب الخواطر المذمومة المشغلة للقلب عن ذكر سيده ، كما قال أبو سليمان الدرانى ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/286 .
2. القصد الرجوع إلى الله ص105 .
3. الرسالة القشيرة 1/466 .
4. طبقات الصوفية ص240 .
رحمه الله : كيف يخفى عليه ما فى القلوب ، ولا يكون فى القلوب إلا ما يلقى فيها ، أفيخفى عليه ما هو منه ؟ ، ثم يجعل أهل المراقبة على ثلاثة أحوال فى مراقبتهم (1) :
أ- حال الابتداء : وهو حفظ السرائر لإن الله مطلع على الضمائر .
ب- الحال الثانى : هو حال من راقب الحق بالحق فى فناء ما دون الحق وتابع المصطفى- صلى الله عليه وسلم - فى أفعاله وأخلاقه وآدابه .(12/97)
ج - الحال الثالث : حال الكبراء من أهل المراقبة فإنهم يراقبون الله تعالى ويسألونه أن يرعاهم فيها لأن الله عز وجل قد خص نجباءه وخاصته بألا يكلهم فى جميع أحوالهم إلى أحد وهو الذى يتولى أمرهم فقال عز وجل : { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } [الأعراف/196] .
ويذكر أن الكاشانى المراقبة فى طريق الصوفية ثلاثة أنواع (2) :
1- مراقبة العامة : هى محافظتهم على القيام بما فرض الله عليهم والوقوف عند حده لهم .
2- مراقبة المريدين : دوام ملاحظة القلب بالحضور مع الرب .
3- مراقبة الواصلين : حفظ الحق لهم عما يفرق جمعيتهم عليهم فهم يراقبونه به لا بهم .
ــــــــــــــــــــ
1. اللمع ص83:82 .
2. لطائف الإعلام 2/286 .
**********************************
114 - المقام
**********************************
صدق الله العظيم المقام : الإقامة الوقوف والاستقرار ، كقوله تعالى : { فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ } [الكهف/77] وقوله : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا } [الجمعة/11] (1) .
والمقام اسم لموضع القيام ، ويقال باعتبار المكان والزمان ، فمن الأول ما روى عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ، قال : " صلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أحد بعد ثماني سنين ، كالمودع للأحياء والأموات ، ثم طلع المنبر فقال : إني بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد ، وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه من مقامي هذا " (2) .(12/98)
وعن ثوبان - رضي الله عنه - ، أن نبي اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ لأهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ فَسُئِلَ عَنْ عَرْضِهِ ؟ ، فَقَالَ : مِنْ مَقَامِي إِلَى عَمَّانَ " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 12/496 ، المفردات ص418:417 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب المغازى برقم (4042) 7/404 .
3. أخرجه مسلم فى كتاب الفضائل برقم (2301) 4/1799 .
ومن الثانى ما روى عن سهل بن سعد الساعدى - رضي الله عنه - قال : " جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : جئت أهب نفسي ، فقامت طويلا ، فنظر وصوب ، فلما طال مقامها ، قال رجل : زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة " (1) .
والمقام يقال أيضا لكل ما يدعو للوقوف فيه من إثبات دعوة أو نفيها ، أو إظهار منزلة أو وضعها ، فمن ذلك ما ورد فى قوله تعالى نحو : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ } [يونس/71] ، وقوله : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ } [المائدة/107] .(12/99)
قال البخارى فى قوله تعالى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن/46] يهم بالمعصية فيذكر اللَّه عز وجل فيتركها (2) ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " خَلَقَ اللَّه الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ ، قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ : مَهْ ، قَالَتْ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ ، قَالَ : أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَذَاكِ " (3) .
وعن عمر - رضي الله عنه - قال : " قام فينا النبي - صلى الله عليه وسلم - مقاما ، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب اللباس برقم (5871) 10/335 .
2. البخارى كتاب التفسير تفسير سورة الرحمن 8/446.
3. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4832) 8/443.
دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم ، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه " (1) ، ومن حديث أسماء رضي اللَّه عنها ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " ما من شيء لم أكن أريته ، إلا رأيته في مقامي ، حتى الجنة والنار " (2) ، وعن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم صلاة الخوف ، فقام صف بين يديه وصف خلفه ، صلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين ، ثم تقدم هؤلاء ، حتى قاموا في مقام أصحابهم ، وجاء أولئك فقاموا مقام هؤلاء ، وصلى بهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ركعة وسجدتين ، ثم سلم ، فكانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتان ولهم ركعة (3) .(12/100)
وعن أبي موسى الأشعرى - رضي الله عنه - ، قال : " مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فاشتد مرضه فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، قالت عائشة : إنه رجل رقيق ، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ) (4) .
والمقام ورد أيضا فى الكتاب والسنة كاصطلاح يعنى أمرين :
[1] - المكان الذى وقف عليه إبراهيم - عليه السلام - لبناء البيت ، وظهر فيه أثر الأقدام حتى الآن ، وهو المشار إليه فى قوله تعالى : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3192) 6/331.
2. أخرجه البخارى فى كتاب العلم برقم (86) 1/219.
3. أخرجه النسائى فى كتاب صلاة الخوف برقم (1545) وقال الشيخ الألبانى : صحيح الإسناد 3/174 .
4. أخرجه البخارى فى كتاب الأذان برقم (678) 2/192.
مُصَلى } [البقرة/125] ، وعن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال : " قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين ، وطاف بين الصفا والمروة وقد كان لكم في رسول اللَّه أسوة حسنة " (1) .
[2] - الدرجة المكانية التى يبلغها النبى - صلى الله عليه وسلم - فى أرض المحشر يوم القيامة ، وهى الشفاعة العظمى ، فعن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قال حين يسمع النداء ، اللَّهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة " (2) ، وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال : " إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا ، كل أمة تتبع نبيها ، يقولون : يا فلان اشفع ، يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذلك يوم يبعثه اللَّه المقام المحمود " (3) .(12/101)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في قوله : { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } [الإسراء/79] ، سئل عنها ؟ قال : هي الشفاعة " (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة برقم (396) 1/595.
2. أخرجه البخارى فى كتاب الأذان برقم (614) 2/112.
3. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4718) 8/251.
4. أخرجه الترمذى فى كتاب تفسير القرآن برقم (3137) ، وقال الشيخ الألبانى رحمه الله : صحيح 5/303.
صدق الله العظيم المقام فى الاصطلاح الصوفى :
المقام فى الاصطلاح الصوفى معناه مقام العبد بين يدى الله عز وجل فيما يقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع إلى الله عز وجل ، كما قال تعالى : { ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } [إبراهيم/14] وقال : { وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ } [الصافات/164] (1) .
روى عن أبى حفص النيسابورى (ت:270هـ) : ( التصوف كله آداب لكل وقت أدب ، ولكل مقام أدب ، فمن لزم آداب الأوقات ، بلغ مبلغ الرجال ، ومن ضيع الآداب ، فهو بعيد من حيث يظن القرب ، ومردود من حيث يرجو القبول ) (2) ، ويذكر أن أبا بكر الواسطى (ت:بعد320هـ) سئل عن قول النبى - صلى الله عليه وسلم - : " الأرواح جنود مجندة " ، قال : ( مجندة على قدر المقامات والمقامات ، مثل التوبة والورع والزهد ، والفقر والصبر والرضا والتوكل وغير ذلك ) (3) .
وينسب لعبد الله بن محمد بن منازل (ت:329هـ) أنه قال : ( ذكر الله تعالى أنواع العبادات ، فقال : { الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَار ِ } [آل عمران/17] ، فختم المقامات كلها بمقام الاستغفار ليرى العبد تقصيره فى جميع أفعاله وأحواله ، فيستغفر منها ) (4) وقال : كيف ــــــــــــــــــــ
1. اللمع ص65 .
2. طبقات الصوفية ص119 .(12/102)
3. اللمع ص65 . 4. طبقات الصوفية ص368 .
ينظر الإنسان إلى أمامه وورائه ، وهو غائب عن مقامه ووقته ؟ ) (1) .
ويذكر الهجويرى (ت:465هـ) أن المقام هو إقامة الطلب على أداء حقوق المطلوب ، بشدة اجتهاد وصحة نية ، فكل من طلب الحق سبحانه وتعالى له مقام ، وهو السبب لأهل البداية الذى به طلب ربه ، ومع أن الطالب يستفيد بعض الفائدة من كل مقام يمر عليه ، فإنه يسكن إلى مقام مخصوص فى النهاية لأن المقام والبحث عنه يشكل التركيب والرسم ، لا الأخلاق والمعاملة ، وقد قال تعالى : { وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ } [الصافات/164] ، فمقام سيدنا آدم - عليه السلام - التوبة ، ومقام سيدنا نوح - عليه السلام - الزهد ، ومقام سيدنا إبراهيم - عليه السلام - التسليم ومقام سيدنا موسى - عليه السلام - الإنابة ، ومقام سيدنا داود - عليه السلام - الحزن ، ومقام سيدنا عيسى - عليه السلام - الرجاء ، ومقام سيدنا يحى - عليه السلام - الخوف ، ومقام رسولنا عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام الذكر ، وقد أخذ كل منهم بعض الشئ من المقامات الأخرى ، لكن كل واحد منهم رجع فى النهاية إلى أصل مقامه (2) .
وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( المقام ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب مما يتوصل إليه بنوع تصرف ويتحقق به بضرب تطلب ومقاساة ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص368 .
2. كشف المحجوب ص449 ، وتجدر الإشارة إلى أنه لا دليل على مزاعم الهجويرى من تخصيص مقامات الأنبياء بنوعية من أعمال القلوب ، فجميعهم صفوة الله فى خلقه وهم فى أقوالهم وأفعالهم القدوة لسائر الناس فى كل زمان .
تكلف ، فمقام كل أحد ، موضع إقامته عند ذلك ، وما هو مشتغل بالرياضة له وشرطه : أن لا يرتقى من مقام إلى مقام آخر ، مالم يستوف أحكام ذلك المقام فإن من لا قناعة له لا تصح له الإنابة ومن لا ورع له لا يصح له الزهد ) (1) .(12/103)
ويذكر الكاشانى أن المقام عند الصوفية له أنواع (2) :
(1- مقام الإسلام : هو إقامة النفس على الأخذ فى السير ، والرجوع من مقام أحكام العادات وملازمة طلب الحظوظ والشهوات والإرادات للأمور الزائلة الفانية الطبيعية الحيوانية ، وذلك بالملازمة على ما ورد من الأوامر والنواهى الإلهية فى جميع الحركات والسكنات قولا وفعلا .
(2- مقام الإيمان : هو دخول النفس من حيث باطنها فى الغربة بالانفصال عن مقارها الحيوانية ، ومقام مألوفاتها الشهوانية ، ووطن ظهورها بصور كثرتها وانحرافاتها الجسمانية والشيطانية ، والاتصال بحضرة باطنها وأحكام عدالته ووحدته ، وما دام العبد كذلك فهو فى الإيمان .
(3- مقام الإحسان : حصول النفس من حيث سرها على المشاهدة الجاذبة إلى عين التوحيد ، بطريق الفناء وأحكام التقيد والحجب الطارئة ، بالنزول والتلبس بأحكام المراتب ، ونفض آثار غبار خلقيتها عن أزيال حقيقتها وذلك هو مقام الإحسان .
ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة 1/204 .
2. لطائف الإعلام 2/ 326 .
(4- مقام المتوسطين : يعنى به مقام المتوسطين بين مقام الإرادة والنهاية وهذا هو مقام التوسط بين شهود أهل البداية فى الإرادة ، وأهل النهاية فى البلوغ إلى أنهى نهايات الوصول ، ويسمى شهود المتوسطين .
(5- مقام الرضا : هو إنابة الخاصة ، وهو أن لا يجد العبد فى قلبه ، إرادة لوقوع شئ قبل وقوعه ، ولا كراهة لما وقع ، لئلا يكون ممن أحب تقديم ما أراد الله تأخيره ، أو تأخير ما أراد الله تقديمه .
(6- مقام الجمع : هو اعتبار الذات بحسب واحديتها ، المحيطة بجميع الأسماء والحقائق ، وهذا المقام هو المسمى بمرتبة الجمع والوجود .
(7- مقام التوحيد الأعلى : هو التجلى الذاتى ، وهو التعين الأول والوحدة الحقيقية .
**********************************
115 - المكر
**********************************(12/104)
صدق الله العظيم المكر : المكر التدبير فى خفاء بحيلة ، لصرف الغير عما يقصده ، وذلك ضربان (1) :
أ- مذموم وهو المكر بالسوء ابتدا ، ليتحرى به الفعل القبيح ، كقوله تعالى : ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 5/183 ، والمفردات ص471 ، وكتاب العين 5/370 .
{ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ } [فاطر/43:42] ، وقوله : { وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } [إبراهيم/46] .
وعن ابن عباس رضى اللَّه عنه أنه قال في قوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِك َ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الأنفال/30] : ( تشاورت قريش ليلة بمكة ، فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق ، يريدون النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال بعضهم : بل اقتلوه ، وقال بعضهم : بل أخرجوه ، فأطلع اللَّه عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ، فبات علي على فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة ، وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم -حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليا ، يحسبونه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما أصبحوا ثاروا إليه ، فلما رأوا عليا ، رد اللَّه مكرهم ، فقالوا : أين صاحبك هذا ؟ قال : لا أدري فاقتصوا أثره ، فلما بلغوا الجبل خلط عليهم ، فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو دخل هاهنا ، لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاث ليال ) (1) ، وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " ملعون من ضار مؤمنا أو مكر به " (2) .
ــــــــــــــــــــ(12/105)
1. أخرجه أحمد فى المسند (3241) وفيه عثمان بن زفر الجهنى الدمشقى وهو مجهول .
2. أخرجه الترمذى فى كتاب البر والصلة برقم (1941) ، وقال الشيخ الألبانى : ضعيف 4/332 وقال الترمذى : حديث ضعيف .
ب- مكر محمود وذلك على وجهين ، أن يكون فى مقابل المكر السيئ لتدميره كقول الله تعالى : { وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } [النمل/50] وقوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الأنفال/30] أو يكون المكر على وجه الابتلاء والاختبار ، وعلى ذلك قال سبحانه : { أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [الأعراف/99] ، فمكر اللَّه إمهال العبد ، وتمكينه من أعراض الدنيا على وجه الابتلاء ، وروى فى ذلك أيضا عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو يقول : رب أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي " (1) .
صدق الله العظيم المكر فى الاصطلاح الصوفى :
المكر فى الاصطلاح الصوفى من جانب الحق تعالى ، إرداف النعم مع المخالفة وإبقاء الحال مع سوء الأدب ، وإظهار الكرامات من غير جهد ، ومن جانب العبد إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر (2) ، قال القشيرى فى تفسير قوله تعالى : { وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه الترمذى فى كتاب الدعوات برقم (3551) وقال الشيخ الألبانى رحمه الله : صحيح 5/554 ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . ...
2. التعريفات للجرجانى ص245 ، واصطلاحات الصوفية لابن عربى ص11 ، ولطائف الإعلام 2/334 .(12/106)
مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلْ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } [يونس/21] يعنى إذا أصابهم ضر ومحنة ، فرحمناهم وكشفنا عنهم ، أحالوا الأمر على غيرنا وتوهموه مما هو سوانا ، مثل قولهم مطرنا بنوء كذا ، ومثل قولهم إن هذه سعادة نجم ، أو مساعدة دولة ، أو تأثير فلك ، أو خيرات دهر ، فهذا كان مكرهم أما مكر الله بهم ، فهو جزاؤهم على مكرهم ، وإشارة فى هذا ، أنه ربما يكون للمريد أو للطالب حجبة أو فترة ، فإذا جاء الحق بكشف أو تجل أو إقبال فمن حقهم ألا يلاحظوها ، فضلا عن أن يساكنوها ، لأنهم إذا لم يرتقوا عن ملاحظة أحوالهم إلى الغيبة بشهود الحق ، مكر الله بهم ، بأن شتتهم فى تلك الأحوال من غير ترق عنها أو وجود زيادة عليها ، وهذا مكره بخواصهم ) (1) .
وقال أبو حامد الغزالى : ( والمكر ثلاثة : مكر عموم ، وهو الظاهر فى بعض الأحوال ، ومكر خصوص وهو فى سائر الأحوال ، ومكر خفى فى إظهار الآيات والكرامات ) (2) ، ويرى ابن عربى أيضا ، أن المكر عند الصوفية إرداف النعم مع المخالفة ، وإبقاء الحال مع سوء الأدب ، وإظهار الآيات والكرامات من غير أمد ولا حد (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإشارات 2/87 .
2. الإملاء ص69 .
3. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص11 .
**********************************
116 - النفس
**********************************
صدق الله العظيم النفس : النفس تطلق فى الكتاب والسنة على عدة معان ، أغلبها فى المعجم اللغوية (1) :(12/107)
[1 - النفس : صفة لله عز وجل ليس كمثله شئ فيها ، لقول اللَّه تعالى : { وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران/30] ، وقوله جل ذكره : { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ } [المائدة/116] ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لما خلق اللَّه الخلق كتب في كتابه ، وهو يكتب على نفسه ، وهو وضع عنده على العرش ، إن رحمتي تغلب غضبي " (2) وعنه أيضا - رضي الله عنه - ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يقول اللَّه تعالى : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ، ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم " (3) .
[2- النفس : ذات الإنسان ظاهرا وباطنا ، كقوله تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } [المدثر/38] ، والكسب يكون بالظاهر والباطن ، وكذلك ــــــــــــــــــــ
1. كتاب العين 7/270 ، ولسان العرب 6/233
2. أخرجه البخارى فى كتاب التوحيد برقم (7404) 13/395.
3. أخرجه البخارى فى الموضع السابق برقم (7405) 13/395.
قوله : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [لقمان/34] وقوله تعالى : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ } [التوبة/17] ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا صلى أحدكم للناس فليخفف ، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير ، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء " (1) .(12/108)
[3- النفس : البدن الظاهر الذى أمر اللَّه بإحيائه فى نحو قوله تعالى : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } [المائدة/32] والمقصود البدن الظاهر لأن قتل الباطن معنوى ، لا يؤثر فى هلاك الظاهر ، وكذلك قوله تعالى : { قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا } [الكهف/74] وقوله : { وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [النساء/29] ، وعن أنس - رضي الله عنه - قال : " سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكبائر ؟ قال : الإشراك باللَّه وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور " (2) ، وعن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما قال : " قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار ؟ ، قلت : إني أفعل ذلك قال : فإنك إذا فعلت ذلك ، هجمت عينك ونفهت نفسك ، وإن لنفسك حقا ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الأذان برقم (703) 2/233.
2. أخرجه البخارى فى كتاب الشهادات برقم (2653) 5/309 .
ولأهلك حقا ، فصم وأفطر وقم ونم " (1) .(12/109)
[4- النفس : باطن الإنسان وما يدور فيه من خواطر ، كقوله تعالى : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة/284] ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط ، حتى لا يسمع التأذين ، فإذا قضى النداء أقبل ، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر ، حتى إذا قضى التثويب ، أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه ، يقول : اذكر كذا اذكر كذا ، لما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى " (2) .
وعن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - ، قال : " بعثني رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في حاجة له فانطلقت ثم رجعت ، وقد قضيتها ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه ، فلم يرد علي ، فوقع في قلبي ما اللَّه أعلم به ، فقلت في نفسي : لعل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وجد علي أني أبطأت عليه ، ثم سلمت عليه فلم يرد علي ، فوقع في قلبي أشد من المرة الأولى ، ثم سلمت عليه فرد علي ، فقال : إنما منعني أن أرد عليك أني كنت أصلي ، وكان على راحلته متوجها إلى غير القبلة " (3) ، وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم صلى ركعتين ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (1153) 3/46.
2. أخرجه البخارى فى كتاب الإذان برقم (608) 2/101.
3. أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (1217) 3/104.(12/110)
لا يحدث فيهما نفسه ، غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه " (1) ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ، إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب كل عقدة ، عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر اللَّه انحلت عقدة ، فإن توضأ?انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان " (2) .
[5- النفس : يعبر بها عن الروح ، نحو قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } [الأنعام/93] وقول : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } [الزمر/42] ، وعن أسامة بن زيد رضي اللَّه عنهما ، قال : " فرفع إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الصبي ، ونفسه تتقعقع ، قال : حسبته أنه قال : كأنها شن ، ففاضت عيناه ، فقال سعد - رضي الله عنه - : يا رسول اللَّه ، ما هذا ؟ فقال : هذه رحمة جعلها اللَّه في قلوب عباده ، وإنما يرحم اللَّه من عباده الرحماء " (3) .
[6- النفس : يعبر بها هوى الإنسان المتعلق بأصناف المشتهيات ، وقد يكون محمودا أو مذموما :
أ- فالمحمود كقوله : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ } [النساء/4] ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الوضوء برقم (164) 1/320.
2. أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (1142) 3/30 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز برقم (1284) 3/182.(12/111)
ومما ورد فى السنة ، ما روى عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - ، قال : " سألت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ، ثم قال : يا حكيم ، إن هذا المال خضرة حلوة ، فمن أخذه بسخاوة نفس ، بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس ، لم يبارك له فيه ، كالذي يأكل ولا يشبع ، اليد العليا خير من اليد السفلى " (1) .
وعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال : " سمعت عمر يقول : كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء ، فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني ، فقال خذه إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ، وما لا فلا تتبعه نفسك " (2) ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ليس الغنى عن كثرة العرض ، ولكن الغنى غنى النفس " (3) ، وعن عائشة قالت : " كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، وأقول : أتهب المرأة نفسها ؟! فلما أنزل اللَّه تعالى : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ.. الآية } [الأحزاب/51] ، قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك " (4) ، وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الخازن ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الزكاة برقم (1472) 3/393.
2. أخرجه البخارى فى الوضع السابق برقم (1473) 3/395.
3. أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق برقم (6446) 11/276.
4. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4788) 8/385.
الأمين الذي يؤدي ما أمر به طيبة نفسه أحد المتصدقين " (1) ، وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " (2) .(12/112)
ب - والمذموم من النفس ، ما ورد فى قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } [التوبة/35:34] ، على اعتبار أن معنى لأنفسكم ، أى لأهوائكم لا لطاعة اللَّه ، وقال عبد ابن عباس - رضي الله عنه - فى قوله تعالى : { وَأُحْضِرَتْ الأنفُسُ الشُّحَّ } [النساء/128] ، هواه في الشيء يحرص عليه (3) ، وقال أيضا : " ما رأيت شيئا أشبه باللمم ، مما قال أبو هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن اللَّه كتب على ابن آدم حظه من الزنا ، أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق ، والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه " (4) .
وقد ورد فى وصف النفس ثلاثة أنواع :
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الإجارة برقم (2260) 4/514.
2. أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان برقم (13) 1/73 .
3.أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن باب { وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا } [النساء/128] ، انظر فتح البارى 8/265 .
4. أخرجه البخارى فى كتاب الاستئذان برقم (6243) 11/28.
1- النفس المطمئنة : قال الإمام البخارى : المطمئنة المصدقة بالثواب ، وقال الحسن : { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي } [الفجر/ 30:27] ، إذا أراد اللَّه عز وجل قبضها ، اطمأنت إلى اللَّه واطمأن اللَّه إليها ، ورضيت عن اللَّه ورضي اللَّه عنها ، فأمر بقبض روحها ، وأدخلها اللَّه الجنة وجعله من عباده الصالحين (1) .(12/113)
2- النفس اللوامة : ورد ذكرها فى قوله تعالى : { لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } [القيامة/2] ، قال مجاهد : هى التى تلوم على ما فات وتندم ، فتلوم نفسها على الشر ، لم تعمله ؟ وعلى الخير ، لم لم تستكثر منه (2) .
3- النفس الأمارة بالسوء : ورد ذكرها فى قوله تعالى : { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي } [يوسف/53] ، لأن من طبعها الأمر بالسوء ، والميل إلى الشهوات ، وصعوبة قهرها وكفها عن ذلك (3) .
صدق الله العظيم النفس فى الاصطلاح الصوفى :
النفس فى الاصطلاح الصوفى ، ما كان معلولا من أوصاف العبد كذميم ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن ، سورة والفجر 8/581 .
2. فتح القدير 5/335 .
3. السابق 3/35 .
الأفعال وسفساف الأخلاق وذلك مثل الكبر والحقد والحسد وسوء الخلق وقلة الاحتمال (1) .
روى عن أبى تراب النخشبى (ت:245هـ) أنه قال : ( يا أيها الناس أنتم تحبون ثلاثة وليست هى لكم ، تحبون النفس وهى لله ، وتحبون الروح والروح لله ، وتحبون المال والمال للورثة ، وتطلبون اثنين ولا تجدونهما ، الفرج والراحة وهما فى الجنة ) (2) .
وعن أبى سعيد الخراز (ت:279هـ) قال : ( مثل النفس مثل ماء واقف طاهر صاف ، فإن حركته ظهر ما تحته من الحمأة ، وكذلك النفس تظهر عند المحن والفاقة والمخالفة ، ومن لم يعرف ما فى نفسه كيف يعرف ربه ) (3) .
ويذكر لعلى بن سهل الأصبهانى (ت:قبل300هـ) : ( العقل والهوى متنازعان ، فمعين العقل التوفيق ، وقرين الهوى الخذلان ، والنفس واقفة بينهما فأيهما ظفرت كانت فى حيرة ) (4) .
وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( النفس : نفس الشئ فى اللغة وجوده وعند القوم ليس المراد من إطلاق النفس الوجود ، ولا القالب الموضوع ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الصوفية ص115،116 .(12/114)
2. طبقات الصوفية ص148 .
3. السابق ص231:230 .
4. السابق ص235 .
إنما أرادوا بالنفس ، ما كان معلولا من أوصاف العبد ، ومذموما من أخلاقه وأفعاله ، ثم إن المعلولات من أوصاف العبد على ضربين ، أحدهما : ما يكون كسبا له كمعاصيه ومخالفاته ، والثانى : أخلاقه الدنيئة فهى فى أنفسها مذمومة فإذا عالجها العبد ونازلها ، تنتفى عنه بالمجاهدة تلك الأخلاق على مستمر المادة .
والقسم الأول من أحكام النفس ما نهى عنه نهى تحريم أو نهى تنزيه ، وأما القسم الثانى من قسمى النفس فسفساف الأخلاق والدنئ منها ، هذا حدها على الجملة ، ثم تفصيلها ، فالكبر والغضب والحقد والحسد وسوء الخلق وقلة الاحتمال وغير ذلك من الأخلاق المذمومة ، وأشد أحكام النفس وأصعبها توهمها أن شيئا منها حسن ، أو أن لها استحقاق قدر ، ولهذا عد ذلك من الشرك الخفى ، ومعالجة الأخلاق فى ترك النفس وكسرها ، أتم من مقاساة الجوع والعطش والسهر وغير ذلك من المجاهدات ، التى تتضمن سقوط القوة وإن كان ذلك أيضا من جملة ترك النفس ، ويحتمل أن تكون النفس لطيفة مودعة فى هذا القالب هى محل الأخلاق المعلومة ) (1) .
ويذكر الكاشانى أن النفس أنواع (2) :
1- النفس الأمارة : النفس الأمارة هى التى تميل إلى الطبيعة البدنية ، وتأمر باللذات والشهوات الحسية ، وتجذب القلب إلى الجهة السفلية ، فهى
ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية ص271:270 . ?
2. لطائف الإعلام 2/361:359 ، معجم اصطلاحات الصوفية ص115،116 .
مأوى الشر ، ومنبع الأخلاق الذميمة ، والأفعال السيئة ، قال الله تعالى : { إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي } [يوسف/53] .(12/115)
2- النفس اللوامة : هى التى تنورت بنور القلب ، تنورا قدر ما تنبهت به عن سنة الغفلة ، فتيقظت وبدأت بإصلاح حالها ، مترددة بين جهتى الربوبية والخلقية ، فكلما صدرت منها سيئة بحكم جبلتها الظلمانية وسجيتها تداركها نور التنبه الإلهى ، فأخذ تلوم نفسها ، وتتوب عنها ، مستغفرة راجعة إلى باب الغفار الرحيم ، ولهذا نوه الله بذكرها بالإقسام بها فى قوله تعالى : { وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } [القيامة/2]
3- النفس المطمئنة : هى التى تم تنورها بنور القلب ، حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة ، وتخلقت بالأخلاق الحميدة ، وتوجهت إلى جهة القلب بالكلية مشايعة له فى الترقى إلى جانب عالم القدس ، متنزهة عن جانب الرجس مواظبة على الطاعات ، مساكنة إلى حضرة رفيع الدرجات ، حتى خاطبها ربها بقوله تعالى : { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي } [الفجر/ 30:27] .
**********************************
117 - الهمة
**********************************
صدق الله العظيم الهمة : الهم الحزن وجمعه هموم ، وأهمه الأمر أحزنه وأقلقه ، والهم يرد فى
الكتاب والسنة على عدة أوجه (1) :(12/116)
1- ما يسبق الإرادة من حديث النفس كقوله تعالى : { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } [آل عمران/122] دارت خواطر الهزيمة فى نفوسهم دون رغبتهم فى الانهزام ، لقوله : واللَّه وليهما فعن جابر بن عبد اللَّه قال : فينا نزلت بنو سلمة وبنو حارثة ، وما نحب أنها لم تنزل لقول اللَّه عز وجل : { وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا } (2) ، وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال : " صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة ، فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء ، قلنا : وما هممت ؟ ، قال : هممت أن أقعد وأذر النبي - صلى الله عليه وسلم - " (3) ، يعنى حدثته نفسه دون عزم أو نية للفعل .
2- الهم بمعنى إرادة القلب قبل ظهور أثرها على البدن الظاهر ، لما روى عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه عز وجل ، قال : " إن اللَّه كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها اللَّه له عنده حسنة كاملة ، فإن هو هم بها فعملها ، كتبها اللَّه له عنده عشر حسنات ، إلى سبع مائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ، ومن هم بسيئة فلم يعملها ، كتبها اللَّه له عنده حسنة كاملة ، فإن هو هم بها فعملها ، كتبها اللَّه ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 12/619 ، والمفردات ص545 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب فضائل الصحابة برقم (2505) 4/1948.
3. أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (1135) 3/24.(12/117)
له سيئة واحدة " (1) ، وقد بينت الرواية الأخرى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن المقصود بالهم الإرادة ، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " يقول اللَّه : إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة ، فلا تكتبوها عليه حتى يعملها ، فإن عملها فاكتبوها بمثلها ، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة ، وإذا أراد أن يعمل حسنة ، فلم يعملها فاكتبوها له حسنة ، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف " (2) .
ومما ورد أيضا فى الهم بمعنى الإرادة ما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مثل البخيل والمتصدق ، مثل رجلين عليهما جبتان من حديد ، قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما ، فكلما هم المتصدق بصدقته ، اتسعت عليه حتى تعفي أثره ، وكلما هم البخيل بالصدقة ، انقبضت كل حلقة إلى صاحبتها وتقلصت عليه ، وانضمت يداه إلى تراقيه " (3) ، وعنه أيضا - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الشيطان عرض لي ، فشد علي ليقطع الصلاة علي ، فأمكنني اللَّه منه فذعته ، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية ، حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول سليمان عليه السلام : { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي } [ص/35] فرده اللَّه خاسيا " (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق برقم (6491) 11/331.
2. أخرجه البخارى فى كتاب التوحيد برقم (7501) 13/473.
3. أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد والسير برقم (2917) 6/117.
4. أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (1210) 3/97.(12/118)
وعنه أيضا - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " والذي نفسي بيده ، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ، ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم .. " (1) ، وعن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال : " كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها ، كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : إذا هم أحدكم بالأمر ، فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللَّهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب .. " (2) .
3- الهم بمعنى الحزن الثقيل ، كما روى عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ، ولا هم ولا حزن ، ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر اللَّه بها من خطاياه " (3) ، وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال : " كنت في غزاة ، فسمعت عبد اللَّه بن أبي يقول : لا تنفقوا على من عند رسول اللَّه حتى ينفضوا من حوله ، ولئن رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل ، فذكرت ذلك لعمي أو لعمر ، فذكره للنبي - صلى الله عليه وسلم - فدعاني فحدثته ، فأرسل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لى عبد اللَّه بن أبي وأصحابه ، فحلفوا ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الأذان برقم (644) 2/148.
2. أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (1166) 3/58.
3. أخرجه البخارى فى كتاب المرضى برقم (5642) 10/107.(12/119)
ما قالوا ، فكذبني رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وصدقه ، فأصابني هم لم يصبني مثله قط فجلست في البيت ، فقال لي عمي : ما أردت إلى أن كذبك رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ومقتك ، فأنزل اللَّه تعالى { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ } [المنافقون/1] ، فبعث إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأ فقال : إن اللَّه قد صدقك يا زيد " (1) .
4- الهم ما ينشغل به الإنسان ، كقوله تعالى : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } [آل عمران/154] أى انشغلوا بأنفسهم خوفا ورعبا ، لما روى عن أنس - رضي الله عنه - ، أن أبا طلحة قال : " غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد حدث ، أنه كان فيمن غشيه النعاس يومئذ ، قال فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط من يدي وآخذه ، والطائفة الأخرى المناقدون ليس لهم هم إلا أنفسهم ، أجبن قوم وأرعبه وأخذله للحق " (2) .
وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : " من كان همه الآخرة جمع اللَّه شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت نيته الدنيا ، فرق اللَّه عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4900) 8/512.
2. أخرجه الترمذى فى كتاب تفسير القرآن برقم (3008) وقال الشيخ الألبانى : صحيح دون قوله : والطائفة الأخرى 5/229 .
3. أخرجه أحمد (21080) والترمذى فى العلم (2656) وقال الألبانى : صحيح 5/33 .(12/120)
والهمة : تطلق على قوة الإرادة الدافعة إلى الفعل ، نحو قوله تعالى : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } [يوسف/24] ، أرادت الفاحشة وأراد يوسف عليه السلام الامتناع حتى تمزق قميصه ، وقوله تعالى : { وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } [غافر/5] ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " يأتي المسيح من قبل المشرق ، همته المدينة حتى ينزل دبر أحد ، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام ، وهنالك يهلك " (1) .
صدق الله العظيم الهمة فى الاصطلاح الصوفى :
الهمة فى الاصطلاح الصوفى تطلق بإزاء تجريد القلب للمنى ، وتطلق بإزاء أول صدق المريد ، وتطلق بإزاء جمع الهمم بصفاء الإلهام (2) .
روى عن أحمد بن خضروية (ت:240هـ) قال : ( حقيقة المعرفة ، المحبة له بالقلب ، والذكر له باللسان ، وقطع الهمة عن كل شئ سواه ) (3)
وعن ممشاد الدينورى :(ت299هـ) قال : ( رأيت فى بعض أسفارى شيخا توسمت فيها لخير ، فقلت : ياسيدى كلمة تزودنى بها ، فقال : همتك فاحفظها ، فإن الهمة مقدمة الأشياء ، ومن صلحت له همته وصدق فيها ، صلح ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الحج برقم (1380) 2/1005.
2. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص11 ، وانظر أيضا مدخل السلوك لأبى حامد الغزالى ص42 ، وله أيضا سر العالمين ص42 ، 114 وجامع الأصول ص207 .
3. طبقات الصوفية ص105 .
له ما وراءها من الأعمال والأحوال ) (1) ، وروى عن عبد الله بن محمد الخراز الرازى (ت:قبل310هـ) : ( الهمم تختلف فى الدارين ، وليس من همته فى المشهد الأعلى ، الحور والقصور والاشتغال بنعيم الجنان وزخرفها ، كمن همته مجالسة مولاه والنظر إلى وجهه الكريم ) (2) .(12/121)
ويرى إبراهيم القصار (ت:326هـ) فيما ينسب إليه أن قيمة كل إنسان بقدر همته ، فإن كانت همته الدنيا ، فلا قيمة له ، وإن كانت همته رضاء الله تعالى فلا يمكن استدراك غاية قيمته ، ولا الوقوف عليها (3) ، وروى عن أبى على بن الكاتب (ت:بعد340هـ) : ( الهمة مقدمة الأشياء ، فمن صحح همته بالصدق ، أتت عليه توابعه على الصحة والصدق فإن الفروع تتبع الأصول ومن أهمل همته أتت عليه توابعه مهملة ، والمهمل من الأحوال والأفعال ، لا يصلح لبساط الحق ) (4) ، ولأبى سعيد بن الأعرابى (ت:341هـ) : ( من أصلح الله همته لا يتعبه بعد ذلك ، ركوب الأهوال ولا مباشرة الصعاب ، وعلا بعلو همته إلى أسنى المراتب وتنزه عن الدناءة أجمع ) (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص318 .
2. السابق ص289 .
3. السابق ص319 .
4. السابق ص388 .
5. السابق ص 429 .
ويجعل الغزالى الهمة ثلاثة : همة منية وهى تحرك القلب للمنى ، وهمة إرادة وهى أول صدق المريد ، وهمة حقيقة القصور عن ملاحظة ذروة هذا الأمر (1) .
ويذكر عبد الكريم الجيلى أن الهمة أعز شئ وضعه الله فى الإنسان ، وذلك أن الله تعالى لما خلق الأنوار ، أوقفها بين يديه فرأى كلا منها ، مشتغلا بنفسه ورأى الهمة مشتغلة بالله ، فقال لها : وعزتى وجلالى لأجعلتك أرفع الأنوار ولا يحظى بك من خلقى إلا أشراف الأبرار (2) .
ويعرف الكاشانى الهمة بأنها ما يثير شدة الانتهاض إلى معالى الأمور ، وهو عندهم طلب الحق بالإعراض عما سواه من غير فتور ولا توان ، ويعبر بالهمة عن نهاية شدة الطلب ثم يذكر بعض المداخل الفرعية كاصطلاحات للصوفية تحت مصطلح الهمة منها (3) :
همة الإفاقة : هى أول درجات الهمة وتطلق بإزاء أول صدق المريد وما يبعثه على السير فى منازل المحبة ، وهى همة يتصف بها العبد أول ما يفيق قلبه من غلبات اللهو وفتن الهوى فيشاهد الدنيا فيها مستقبحة لما فيها من توحش قلوب المشتغلين بها قال - صلى الله عليه وسلم - :(12/122)
ــــــــــــــــــــ
1. الإملاء ص67 .
2. الإنسان الكامل 2/22 ، وانظر أيضا ديوان ابن الفارض ص171 ، وفصوص الحكم 2/ 78 ، وتعليق أبى العلا عفيفى على كلام ابن عربى فى الهمة .
3. لطائف الإعلام 2/371:369 .
" ألا إن الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها ، إلا ذكر الله وما والاه ، وعالم أو متعلم " (1) .
همة الأنفة : وهى همة تورث صاحبها أنفة على قلبه ، أن يشغله بطلب الأجر من الله تعالى ، ليتوقع منه ما وعده على الطاعة من الثواب ، لارتقاء همته عن رؤية العمل ، إلى مشاهدة الحق ، الذى إنما يطلب العمل طمعا فى القرب منه ، حتى يكون نهاية العمل الصالح عند صاحب هذه الهمة ، لا يبلغ بداية توجهه إلى ربه .
همة أرباب الهممم العالية : هى همة من لا يريد بما يقصد إلى عمله شيئا سوى الحق ، فلما تعالت همته عما سوى الله ، أن يجعله مقصودا له كانت همته أعلى الهمم لتعلقها بالحق الذى لا يعلوه شئا ، وسميت همته لذلك بالهممم العالية .
الهمم العالية : يعنى بها همم القوم الذين لا يطلبون بعبادتهم من الله سوى مجرد العبودية له سبحانه ، لصدق محبتهم فيه ، لا فيما سواه من رغبة فى نعيم أو رهبة عن جحيم ، فسموا أهل الهمم العالية ، لسمو همتهم حيث تعلقت بأعلى المقاصد الذى هو الحق تعالى .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه الترمذى فى كتاب الزهد برقم (2244) وقال الألبانى : حسن 4/561 ولفظه عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال : " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم " .
**********************************
118 - الهوى
**********************************(12/123)
صدق الله العظيم الهوى : الهوى غريزة موضوعة فى الإنسان تتعلق الدنيا ، وما فيها من أصناف المشتهيات على سبيل الابتلاء ، لقوله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات/41:37] ، فجعل الهوى فى مقابل التعلق بالدنيا ، والهوى فى نسبتة والسبب فى تسميته على أوجه (1) :
1- الهوى نسبة إلى الهواء الذى هو الفراغ والخلاء ، كما فى حديث جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " نوديت فرفعت رأسي فإذا جبريل عليه السلام على العرش في الهواء " (2) ، أى فى الفراغ ما بين السماء والأرض وقال تعالى : { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } [إبراهيم/43] ، وكأن الهوى ومحصلة الشهوات لا طائل منها ، كالهباء المنشر فى الهواء .
2- الهوى من السقوط والنزول ، قال الشعبي قال : ( إنما سمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه ) (3) أى ينزله ويسقطه ومنه قوله تعالى : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 13/551 ، والمفردات ص 548 ، وكتاب العين 4/104 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (161) 1/143.
3. أخرجه الدارمى فى المقدمة (395) 1/120 وفيه محمد بن حميد وهو ضعيف .(12/124)
فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [الحج/31] ، وعن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ثم فتر عني الوحي فترة ، فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ، فَجُئِثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأرْضِ ، فجئت أهلي فقلت : زملوني زملوني ، فأنزل اللَّه تعالى : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ } [المدثر/2:1] " (1) .
3- الهوى من الإهواء الذى هو الإشارة إلى المراد والرغبة فى فعله كما روى عن سهل بن حنيف - رضي الله عنه - قال : " أهوى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ببيده إلى المدينة فقال إنها حرم آمن " (2) وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إلي رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني فأقول أي رب أصحابي يقول لا تدري ما أحدثوا بعدك ) (3) .
والهوى قد يراد به المحبة والإرادة ، أو ميل النفس إلى الشئ ، كما قال زر بن حبيش لصفوان بن عسال المرادي - رضي الله عنه - : " هل سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يذكر في الهوى شيئا ، قال : نعم ، كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فبينا نحن عنده إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري ، يا محمد ، فأجابه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نحوا من ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3238) 6/361.
2. أخرجه مسلم فى كتاب الحج برقم (1375) 2/1003.
3. أخرجه البخارى فى كتاب الفتن برقم (7049) 13/5 .(12/125)
صوته ، هاؤم ، فقلنا له : ويحك اغضض من صوتك ، فإنك عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد نهيت عن هذا ، فقال : واللَّه لا أغضض ، قال الأعرابي : المرء يحب القوم ولما يلحق بهم ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : المرء مع من أحب يوم القيامة " (1) .
وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - ، أن نبي اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " البيعان بالخيار حتى يَتَفَرَّقَا ، أَوْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْبَيْعِ مَا هَوِيَ ، وَيَتَخَايَرَانِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ " (2) .
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - ، أنه خطب إلى نسيب له ابنته ، قال : " فكان هوى أم المرأة في ابن عمر ، وكان هوى أبيها في يتيم له ، قال : فزوجها الأب يتيمه ذلك ، فجاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أمروا النساء في بناتهن " (3) .
وقال عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - : " لما قدمنا المدينة آخى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بيني وبين سعد بن الربيع ، فقال : سعد بن الربيع إني أكثر الأنصار مالا ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه الترمذى فى كتاب الدعوات برقم (3535) وقال الشيخ الألبانى : حسن 5/545 ، وقال الترمذى : حديث حسن صحيح .
2. أخرجه النسائى فى كتاب البيوع برقم (4481) وقال الشيخ الألبانى رحمه الله : ضعيف 7/251 .
3. أخرجه أحمد فى المسند برقم (4887) واللفظ له ، وأبو داود فى كتاب النكاح برقم (2059) وقال الشيخ الألبانى : ضعيف 2/232.
فأقسم لك نصف مالي ، وانظر أي زوجتي هويت ، نزلت لك عنها ، فإذا حلت تزوجتها " (1) .
والهوى باعتبار الذم والمدح نوعان :(12/126)
[1 - الهوى المذموم وهو الأغلب فى الكتاب والسنة كقوله تعالى : { وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } [الكهف/28] وقوله : { فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [النساء/135] وقوله : { وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ } [الأنعام/119] ، وعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول : " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا ، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه " (2) .
وعن شداد بن أوس - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على اللَّه " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب البيوع برقم (2048) 4/337.
2. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (144) 1/128.
3. أخرجه الترمذى فى كتاب صفة القيامة برقم (2459) وقال الشيخ الألبانى : ضعيف 4/638وقال : حديث حسن .
وعن أبي برزة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ، ومضلات الهوى " (1) .(12/127)
[2- الهوى المحمود ، وهو ما يهواه المرء من سائر الضروريات الدنيوية التى لا بد منها وتشتهى ، كما وردت فى قوله تعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } [آل عمران/14] ، فدلت الآية على أن الشهوة المذكورة دنيا والحاجات مع كونها ضروريات ، إلا أن الهوى يتعلق بها وتشتهى ، فمن حديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت : " كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، وأقول : أتهب المرأة نفسها ؟ فلما أنزل اللَّه تعالى : { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ } [الأحزاب/51] قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك " (2) .
صدق الله العظيم الهوى فى الاصطلاح الصوفى :
الهوى فى الاصطلاح الصوفى هو ميل النفس إلى مقتضيات الطبع وإعراضها عن أحكام الشرع وعدم التوجه إلى الجهة العلوية بالنزول إلى الجهة السفلية ــــــــــــــــــــ
1. صحيح الإسناد ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (19274) .
2. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4788) 8/385.
وعلاجه أن تجعل القلب فى مجاهدة دائمة حتى تصيره ذلولا (1) .
قال الحارث المحاسبى (ت:243هـ) : ( والزم الأدب ، وفارق الهوى والغضب ، واعمل فى أسباب التيقظ ، واتخذ الرفق حزبا ، والتأنى صاحبا والسلامة كهفا ، والفراغ غنيمة ، والدنيا مطية ، والآخرة منزلا ) (2) .(12/128)
وروى عن أبى بكر الوراق (ت:بعد250هـ) أنه قال : ( أصل غلبة الهوى مقارفة الشهوات ، فإذا غلب الهوى أظلم القلب ، وإذا أظلم القلب ضاق الصدر ، وإذا ضاق الصدر ساء الخلق ، وإذا ساء الخلق أبغضه الخلق وإذا أبغضه الخلق أبغضهم ، وإذا أبغضهم جفاهم ، وإذا جفاهم صار شيطانا ) (3) .
وعن على بن سهل الأصبهانى (ت:قبل300هـ) قال : ( العقل والهوى متنازعان ، فمعين العقل التوفيق ، وقرين الهوى الخذلان ، والنفس واقفة بينهما ، فأيهما ظفر كانت فى حيزه ) (4) ، وله أيضا : ( العقل مع الروح يدعوان إلى الآخرة ، ومخالفة الهوى والشهوات ، فلذلك سمى روحا ) (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/372 ومعجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص72 وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 2/5 وانظر مصطلح المحبة .
2. رسالة المسترشدين ص81:80 .
3. طبقات الصوفية ص226 .
4. السابق ص235 .
5. السابق ص235 .
وقال أبو عبد الرحمن السلمى (ت:412هـ) : ( من عيوب النفس اتباع هواها ، وموافقة رضاها ، وارتكاب مراداتها ، ومداواتها ما أمر الله به من قوله تعالى : { وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى } [النازعات/40] ، وقوله : { إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي } [يوسف/53] ) (1) .(12/129)
ويذكر الهجويرى (ت:465هـ) أن بعض أهل الرأى يقولون أن الهوى لفظ يطلق على صفات النفس ، ويرى الآخرون أنه اصطلاح يدل على إرادة الطبع الذى به تنقاد النفس الأمارة ، كما تنقاد الروح بالهم ، وكل روح خالية من الفهم غير كاملة كما أن كل نفس خالية من الهوى ناقصة ونقص الروح نقص القرب ونقص النفس عن القرب ، والإنسان مجذوب بعامل عقله وهوا إلى طرق متباينة ، فإذا أطاع دعوة الفهم نال الإيمان ، أما إذا أطاع هواه ، فإنه يصل إلى الضلالة والكفران ، لذلك فالهوى حجاب ودليل باطل والإنسان مأمور بمقاومته ، ومنهى عن الركون إلى هواها ، لأن من ركن إلى هواها هلك ، ومن خالفها ملك ، كما قال تعالى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات/40] ، وقال النبى - صلى الله عليه وسلم - : " أخوف ما أخاف على أمتى ، إتباع الهوى وطول الأمل " (2)
ــــــــــــــــــــ
1. عيوب النفس ص24 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب الزكاة برقم (1052) 2/728 ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، بلفظ : " قال - صلى الله عليه وسلم - : أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج اللَّه لكم من زهرة الدنيا قالوا : وما زهرة الدنيا يا رسول اللَّه ؟ قال : بركات الأرض " .
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - ، فى تفسير قوله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ } [الجاثية/23] أى أن الهوى إله معبود فويل لكل من يكون الهوى معبوده ويكون همه فى الليل والنهار طلب رضى هواه (1) .
**********************************
119 - الهيبة
**********************************
صدق الله العظيم الهيبة : لم ترد فى القرآن ، ولكنها وردت فى السنة على عدة معان :(12/130)
أ- الهيبة : بمعنى الإجلال والتعظيم الدافع إلى التوقير والاستحياء ، ومما ورد فى السنة من ذلك ، ما روى عن طلحة بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - : " أن أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، قالوا لأعرابي جاهل : سله عمن قضى نحبه من هو ؟ وكانوا لا يجترئون على مسألته يوقرونه ويهابونه ، فسأله الأعرابي فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر ، فلما رآني رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، قال : أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال : أنا يا رسول اللَّه ، قال : هذا ممن قضى نحبه " (2) ، وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال :
ــــــــــــــــــــ
1. كشف المحجوب ص250:249 .
2. أخرجه الترمذى فى كتاب تفسير القرآن برقم (3203) وقال الشيخ الألبانى : حسن صحيح 5/350 وقال الترمذى : حسن غريب .
" مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن آية ، فما أستطيع أن أسأله هيبة له " (1) .
وعن عبد الله بن عمر رضي اللَّه عنهما ،قال : " كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - هيبة ، أن ينزل فينا شيء ، فلما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلمنا وانبسطنا " (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " سلوني ، فهابوه أن يسألوه فجاء رجل فجلس عند ركبتيه فقال : يا رسول اللَّه ما الإسلام ؟ " (3) ومن حديث زينب امرأة عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنهما قالت : " وكان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، قد ألقيت عليه المهابة ، قالت : فخرج علينا بلال فقلنا له : ائت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك ، أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ؟ ، ولا تخبره من نحن " (4) .(12/131)
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوما لأصحابه : " أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن ؟ ، فجعل القوم يذكرون شجرا من شجر البوادي قال ابن عمر - رضي الله عنه - : وألقي في نفسي أو روعي أنها النخلة ، فجعلت أريد أن ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4913) 8/525 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب النكاح برقم (5187)9/161 .
3. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (10)1/40 .
4. أخرجه مسلم فى كتاب الزكاة برقم (1000) 2/694 .
أقولها فإذا أسنان القوم ، فأهاب أن أتكلم ، فلما سكتوا : قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : هي النخلة " (1) .
ب- الهيبة : ما يسبق الخوف من حذر ، ومما ورد فى السنة من ذلك ما روى عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : " استأذن عمر - رضي الله عنه - على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه ، عالية أصواتهن ، فلما استأذن عمر ، قمن يبتدرن الحجاب ، فأذن له رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يضحك ، فقال عمر - رضي الله عنه - : أضحك اللَّه سنك يا رسول اللَّه ، قال : عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب ، قال عمر - رضي الله عنه - : فأنت يا رسول اللَّه ، كنت أحق أن يهبن ثم قال : أي عدوات أنفسهن أتهبنني ، ولا تهبن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ؟ قلن : نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده ، ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك " (2)(12/132)
وقال أبو مسعود البدري - رضي الله عنه - : " كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود ، فلم أفهم الصوت من الغضب قال : فلما دنا مني ، إذا هو رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا هو يقول : اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود ، قال : فسقط من يدي السوط من هيبته ، فقال : ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب صفة القيامة برقم (2811)4/2164 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3294) 6/390 .
اعلم أبا مسعود ، أن اللَّه أقدر عليك منك على هذا الغلام ، فقلت : لا أضرب مملوكا بعده أبدا " (1) .
ج- الهيبة : بمعنى الخوف ، لما روى عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : " صلى بنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوما صلاة العصر بنهار ، ثم قام خطيبا ، فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة ، إلا أخبرنا به ، حفظه من حفظه ، ونسيه من نسيه وكان فيما قال : ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس ، أن يقول بحق إذا علمه قال أبو نضرة العبدى ، راوى الحديث عن أبى سعيد : فبكى أبو سعيد فقال : قد واللَّه رأينا أشياء فهبنا " (2) .
صدق الله العظيم الهيبة فى الاصطلاح الصوفى :
الهيبة فى الاصطلاح الصوفى هى أثر مشاهدة جلال الله تعالى فى القلب (3) كما روى عن أبى بكر الوراق (ت:بعد250هـ) أنه قال : ( من صحت معرفته بالله ، ظهرت عليه الهيبة والخشية ) (4) .
وروى عن الجنيد بن محمد (ت:297هـ) قال : كنت أسمع السرى ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (1659)3/1280.
2. أخرجه الترمذى فى كتاب الفتن برقم (2191) وقال الشيح الألبانى : ضعيف لكنه صحيح فى بعض فقراته 4/483 ، وأحمد فى المسند برقم (11159)3/19 .
3. لطائف الإعلام 2/374 .
4. طبقات الصوفية ص226 .
يقول : ( يبلغ العبد إلى حد لو ضرب وجهه بالسيف لم يشعر ، وكان فى قلبى منه شئ حتى بأن لى أن الأمر كذلك ) (1) .(12/133)
وقال الهجويرى (ت:465هـ) : ( حين يتجلى الحق تعالى على قلب العبد ويشاهد الجلال يكون نصيبه فى ذلك الهيبة ، ليكون أهل الهيبة من جلاله فى تعب ، وقد قال طائفة من المشايخ ، إن الهيبة درجة العارفين والأنس درجة المريدين ، وقالت طائفة أيضا ، بأن الهيبة قرينة العذاب والفراق والعقوبة ، والأنس نتيجة الوصل والرحمة ) (2) .
وقال القشيرى (ت:465هـ) : ( الهيبة والأنس ، فوق القبض والبسط فكما أن القبض فوق رتبة الخوف ، والبسط فوق منزلة الرجاء ، فالهيبة أعلى من القبض ، والأنس أتم من البسط ، وحق الهيبة الغيبة ، فكل هائب غائب ثم الهائبون يتفاوتون فى الهيبة على حسب تباينهم فى الغيبة .. وحال الهيبة والأنس ، وإن جلتا فأهل الحقيقة يعدونهما نقصا لتضمنها تغير العبد ، فأهل التمكين سمت أحوالهم عن التغير ، وهم فى وجود العين ، فلا هيبة لهم ولا أنس ولا علم ولا حس ) (3) .
أما موقف ابن عربى من الهيبة ، فيرى أنها نعت كيانى لأنها عظمة ، والعظمة ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 1/214:213 .
2. كشف المحجوب ص620 .
3. الرسالة القشيرية 1/214:213 .
راجعة لحال المعظم فهى حالة للقلب عند تجلى جمال الحضرة الإلهية عليه (1) .
ويذكر عبد الرزاق الكاشانى أن الهيبة والأنس ، حالتان شبيهتان بالقبض والبسط ، يعرضان للنفس باعتبار ما يعتريها ، عند ملاحظتها للجنبة العالية فإن لها نسبتين (2) :
إحداها : نسبتها بحسب قياس اشتغالها بعلو تلك الجنبة ، فإنه لا ترى نفسها أهلا للحظوة بتلك الجنبة ، لعلمها بأن العالى لا يتساهله ، إلا من يكون كذلك ، وتعرض لها حالة ، المسماة بالهيبة ، فإن من لا ترى نفسك أهلا للقرب منه ولا للانتساب إليه فإنك تهابه لا محالة .(12/134)
وثانيها : حالة النفس بحسب ما يعرض لها عند ملاحظتها للإمداد الواصل إليها من حضرة الجواد بصنوف النعم والهبات ، الموجبة للأنس بالمنعم ، كيف وهو المنعم بالوجود بعد العدم ، وبالصحة بعد السقم وبالعلم بعد الجهل ، وبالإيمان بعد الكفر ، وبالأمن بعد الخوف ولا شك أن ملاحظة الموهوب لصنوف ما أنعم عليه الواهب من هذه الهبات ، يوجب له الأنس بالواهب لا محالة ، وقد تاه بعضهم فى مؤانسته لما عرض له من الفرق فى نعمته ، فقال : يحق لمثلى أن يتيه ، وكيف لا أتيه وقد أصبحت عبدا لمولاى .
ــــــــــــــــــــ
1. انظر الفتوحات المكية 2/105 ، 450 .
2. لطائف الإعلام 2/374 .
**********************************
120 - الورع
**********************************
صدق الله العظيم الورع : لم يرد لفظه فى القرآن ، ولكنه ورد فى السنة على عدة معان متقاربة :
1- الورع الكف والامتناع ، فمن حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي - رضي الله عنه - قال : " كنا مع طلحة بن عبيد اللَّه ، ونحن حرم فأهدي له طير ، وطلحة راقد ، فمنا من أكل ، ومنا من تورع ، فلما استيقظ طلحة ، وفق من أكله وقال : أكلناه مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - " (1) .
وعن وائل بن حجر - رضي الله عنه - ، قال : " جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال الحضرمي : يا رسول اللَّه ، إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي ، فقال الكندي : هي أرضي في يدي أزرعها ، ليس له فيها حق ، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - للحضرمي : ألك بينة ؟ قال : لا ، قال : فلك يمينه ، قال : يا رسول اللَّه إن الرجل فاجر ، لا يبالي على ما حلف عليه ، وليس يتورع من شيء ، فقال : ليس لك منه إلا ذلك ، فانطلق ليحلف ، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : لما أدبر أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الحج برقم (1197) 2/855 .(12/135)
ليلقين اللَّه وهو عنه معرض " (1) .
2- التحرج بترك الريبة والشك خاصة ، كقول حسان بن أبي سنان - رضي الله عنه - : " ما رأيت شيئا أهون من الورع ، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " (2) .
وعن عائشة رضي اللَّه عنها ، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها اللَّه منه ، قالت : " وكان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال : يا زينب ما علمت ؟ ، ما رأيت ؟ ، فقالت : يا رسول اللَّه أحمي سمعي وبصري ، واللَّه ما علمت عليها إلا خيرا ، قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني ، فعصمها اللَّه بالورع " (3) .
3- المبالغة فى الاحتياط لأداء الأمر الملزم ، لما روى أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال له رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " يا أبا هريرة كن ورعا تكن أعبد الناس " (4)
وتفسيره فى حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " الحلال بين والحرام بين وبينهما مشبهات ، لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات ، كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا إن حمى اللَّه في أرضه ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (139) 1/123 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب البيوع ، باب تفسير المشبهات 4/343 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب الشهادات برقم (2661) 5/319 .
4. أخرجه مسلم فى كتاب الحج برقم (1197) 2/855 .
محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب " (1) .
صدق الله العظيم الورع فى الاصطلاح الصوفى :(12/136)
الورع فى الاصطلاح الصوفى ، هو الاحتراز عن كل ما فيه شوب انحراف شرعى ، أو شبهة مضرة معنوية فى كل ما يقوم بصورة الإنسان الحسية أو المعنوية ، والورع أول الزهد ويقتضى محاسبة النفس فى كل طرفة ، ويتضمن القناعة التى هى صورة التقوى (2) .
ويذكر الحارث المحاسبى (ت:243هـ) أن الورع ، وقوف القلب عند هجومه للفعل ، حتى يفرق بين الحق والباطل ، وإسقاط ما حاق فى القلب مع ترك ما اشتبه عليه ، وجميع الورع فى ترك ما يريبك إلى مالا يريبك والورع مشتق من الخوف ، كما تقول العرب راعنى فلان وروعنى ، خوفنى فلان ، وخفت من فلان ، فالورع مشتق من الخوف ، وعلامة الورع ترك حزازات القلوب فى باطنها ، والتفتيش عن مثاقيل الذر فى ظاهرها ، وإن من دقيق الورع وأعلاه ، ترك ما ليس به بأس ، مخافة أن يلحقه ما به البأس والذى يقوى الورع ويثبته ، علم مشاهدة القلب لسطوات الله عز وجل ونقمته ، والذى يشين الورع ويوهنه ؟ الرغبة فى الدنيا ، وكثرة الطمع فيها ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب البيوع ، باب تفسير المشبهات 4/343.
2. الرسالة القشيرية 1/317:315 وطبقات الصوفية ص110 .
ودوام الحرص عليها ، بجمع ما لا يضر فقده ، وآخر درجة من الورع أول درجة من الزهد (1) .
وروى عن يحى بن معاذ الرازى (ت:258هـ) أنه قال : الورع الوقوف على حد العلم من غير تأويل ، كيف يكون زاهدا من لا ورع له ؟ ، تورع عما ليس لك ، ثم ازهد فيما لك ، من لم ينظر فى الدقيق من الورع ، لم يصل إلى الجليل من العطاء ، والورع على وجهين :
الوجه الأول : ورع فى الظاهر ، وهو أن لا يتحرك إلا لله تعالى .
الوجه الثانى : وورع فى الباطن وهو أن لا يدخل قلبك سوى الله تعالى (2) .
ويذكر لأبى سعيد الخراز (ت:279هـ) أنه قال : ( الورع أن تتبرأ من مظالم الخلق من مثاقيل الذر ، حتى لا يكون لأحدهم قبلك مظلمة ، ولا دعوى ولا طلبة ) (3) .(12/137)
وروى عن رويم بن أحمد البغدادى (ت:303هـ) أنه قال : ( من حكم الحكيم ، أن يوسع على إخوانه فى الأحكام ، ويضيق على نفسه فيها ، فإن التوسعة عليهم اتباع العلم والتضييق على نفسه من حكم الورع ) (4) ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 1/317:315 وطبقات الصوفية ص110 .
2. اللمع ص70 .
3. طبقات الصوفية ص181 .
4 . السابق ص193 .
وينسب لشاه الكرمانى (ت:قبل300هـ) : ( علامة التقوى الورع وعلامة الورع ، الوقوف عند الشبهات ، وعلامة الخوف الحزن ، وعلامة الرجاء حسن الطاعة ، وعلامة الزهد قصر الأمل ) (1) .
ويذكر السراج الطوسى أن أهل الورع على ثلاث طبقات :
(1- الطبقة الأولى : ورع العموم ، وهو التورع عن الشبهات ، التى اشتبهت عليه ، وهى ما بين الحرام البين والحلال البين ، وما لا يقع عليه اسم حلال مطلق ، ولا اسم حرام مطلق ، فيكون بين ذلك فيتورع عنهما .
(2- الطبقة التانية : ورع الخصوص ، وهو التورع عما يقف عنه قلبه ويحيك فى صدره عند تناولها ، وهذا لا يعرفه إلا أرباب القلوب والمتحققون ، وهو كما روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الإثم ما حاك فى صدرك " (2) .
(3-الطبقة الثالثة : ورع خصوص الخصوص ، وهم العارفون والواجدون يتورعون ألا تتشتت قلبوبهم عن الله عز وجل طرفة عين (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص280 .
2. الحديث أخرجه مسلم فى كتاب البر والصلة برقم (2553) 4/1980عن النواس بن سمعان الأنصاري ، قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البر والإثم ؟ فقال : البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في صدرك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس .
3. اللمع ص71:70 .
**********************************
121 - الوفاء بالعهد
**********************************(12/138)
صدق الله العظيم الوفاء بالعهد : الوافى الذى بلغ التمام ، ويقال : وفى بعهده إذا تمم العهد ولم ينقص حفظه ، وقد أمر اللَّه به ، فقال تعالى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ } [النحل/91] وقوله : { بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } [آل عمران/76] ، وتوفية الشئ بذله وافيا ، واستيفاؤه تناوله وافيا قال تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } [آل عمران/25] (1) .
وقال هرقل ملك الروم يسأل أبا سفيان - رضي الله عنه - ، عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " فماذا يأمركم به ؟ ، قال : يأمرنا أن نعبد اللَّه وحده لا نشرك به شيئا ، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ، ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف ، والوفاء بالعهد وأداء الأمانة " (2) .
وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما " أن امرأة من جهينة ، جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن أمي نذرت أن تحج ، فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟ قال : نعم ، حجي عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين ، أكنت قاضية ؟ ــــــــــــــــــــ
1. كتاب العين 8/409 ، والمغب للمطرزى 1/304 ، والمفردات ص528 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الجهاد برقم (2941) 6/128.
اقضوا اللَّه ، فاللَّه أحق بالوفاء " (1) .
صدق الله العظيم الوفاء بالعهد فى الاصطلاح الصوفى : الوفاء بالعهد فى اصطلاح الصوفية يرد على معنيين :
1- وفاء العامة ، وهو الذى يتوافق مع الأصول القرآنية ، ومنه ما ينسب لمعروف الكرخى (ت:200هـ) أنه قال : ( حقيقة الوفاء ، إفاقة السر عن رقدة الغفلات ، وفراغ الهم عن فضول الآفات ) (2) .(12/139)
وينسب لأبى بكر الشبلى (ت:334هـ) أنه قال : ( الوفاء هو الأخلاص بالنطق واستغراق السرائر بالصدق ) (3) ، ويعرفه الكاشانى بقوله : ( وفاء العامة هو إجراء ما قيل فى يوم الميثاق للمتعهد من عهود الإيمان والطاعة رغبة
فى الجنة ورهبة من النار ) (4) .
2- وفاء الخاصة وهو الوقوف على الأمر الإلهى لأجل الأمر ، وليس ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الحج برقم (1852) 4/77.
2. طبقات الصوفية ص88 .
3. السابق ص339 .
4. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص31 ، وانظر المزيد عن الأصول القرآنية لمصطلح الوفاء بالعهد ، رسالة دكتوراه بعنوان الوفاء بالعهد فى القرآن الكريم إعداد حسنى أمين مصرى ، مخطوط بمكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف سنة 1981م ص 23 وما بعدها .
بسبب الرغبة أو الرهبة أو العوض والأجر فى الدنيا والآخرة ، فيعبده على التبرؤ من الحول والقوة ، وصون القلب عن الاتساع لغير المحبوب ، وذلك هو وفاء الخاصة بعهدة ، ما قيل عند الإقرار بالربوبية ، بقول العبد بلى حيث قال تعالى : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } [الأعراف/172] (1) .
ومعلوم أن طلب الأجر لا ينافى الوفاء بالعهد ، ولا يؤثر فى نقص الإيمان كما تقدم ذلك بوضوح ، فهذا المعنى الصوفى ، محدث لا دليل عليه ، وفيه انتقاص لمنهج النبوة .
**********************************
122 - الولى
**********************************
صدق الله العظيم الولى : الولاية تولى الأمر ومباشرته ، كقوله تعالى : { فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ } [البقرة/282] .(12/140)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: " إِذَا صَنَعَ لأحَدِكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ ، ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ ، وَقَدْ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ ، فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ فَلْيَأْكُلْ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا قَلِيلا ، فَلْيَضَعْ فِي يَدِهِ مِنْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ " (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/ 292 : 394.
2. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (1663) 3/1284.
والولاية على وجهين (1) :
الوجه الأول : ولاية اللَّه للمؤمنين ، وهى ولاية حفظ وتدبير ، سوا كان تدبيرا كونيا أو شرعيا ، كقوله تعالى : { وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا } [النساء/75] ، وقوله : { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ } [البقرة/257] .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " إن اللَّه قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته " (2) .(12/141)
الوجه الثانى : ولاية المؤمنين لربهم ، وهى ولاية حفظ لحدوده وتوحيده كقوله تعالى : { قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ } [الأنعام/14] .
ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص534:533 ، ولسان العرب 15/406 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق برقم (6502) 11/348.
وقوله تعالى أيضا فى التحذير من ولاية الأعداء : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } [الممتحنة/1] وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } [التوبة/23] .
وعن أبى مالك الأشعري - رضي الله عنه - ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " يا أيها الناس اسمعوا ، واعقلوا واعلموا أن لله عز وجل عبادا ، ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من اللَّه ، فجاء رجل من الأعراب من قاصية الناس ، وألوى بيده إلى نبي اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا نبي اللَّه ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من اللَّه انعتهم لنا يعني صفهم لنا ، فسر وجه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لسؤال الأعرابي فقال : رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - هم ناس من أفناء الناس ، ونوازع القبائل ، لم تصل بينهم أرحام متقاربة ، تحابوا في اللَّه وتصافوا ، يضع اللَّه لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها ، فيجعل وجوههم نورا ، وثيابهم نورا ، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون ، وهم أولياء اللَّه ، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " (1) .
والولى يراد به عدة معان حسب الإضافة منها :
ــــــــــــــــــــ(12/142)
1. حسن الإسناد ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (22399) وأخرجه أبو داود فى كتاب الصلاة برقم (677) .
أولياء الوراثة ، كقول الله تعالى : { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا } [النساء/33] ، وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر " (1) .
الولى المعتق صاحب الولاء لما روى عن عائشة رضي اللَّه عنها : " أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق ، وأراد مواليها أن يشترطوا ولاءها ، فذكرت عائشة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : اشتريها ، فإنما الولاء لمن أعتق " (2) .
الولى من ولاية العصبة ، فعن أبي هريرة ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالا فَمَالُهُ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ وَمَنْ تَرَكَ كَلا أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا وَلِيُّهُ ، فَلأُدْعَى لَهُ الْكَلُّ الْعِيَالُ " (3) ، وعن عائشة رضي اللَّه عنها ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " (4) .
4- الولى ولى في الدين ، كقول الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الفرائض برقم (6732) 12/12.
2. أخرجه البخارى فى كتاب الزكاة برقم (1493) 3/416.
3. أخرجه البخارى فى كتاب الفرائض برقم (6745) 12/28.
4. أخرجه البخارى فى كتاب الصوم برقم (1952) 4/26.(12/143)
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [الأنفال/72] ، وعن جرير بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الطلقاء من قريش ، والعتقاء من ثقيف ، بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة ، والمهاجرون والأنصار ، بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة " (1) .
5- الولى من الولاء ، لأعداء اللَّه كالشياطين والكهنة قال تعالى : { إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } [الأعراف/30] وعن عائشة رضي اللَّه عنها ، قالت : " سأل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ناس عن الكهان ؟ فقال : ليس بشيء ، فقالوا : يا رسول اللَّه : إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا ، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : تلك الكلمة من الحق ، يخطفها من الجني ، فيقرها في أذن وليه فيخلطون ، معها مائة كذبة " (2) .
صدق الله العظيم الولى فى الاصطلاح الصوفى :
الولى فى الاصطلاح الصوفى ، هو من توالت طاعاته من غير تخلل معصية ومن تولى الحق حفظه وحواسه على الدوام ، بتوفيقه وتمكينه وإقداره على فنون الطاعات وكرائم الإحسان (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. صحيح الإسناد ، أخرجه أحمد (18733) من طريق عبد الرحمن بن هلال .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الطب برقم (5762) 10/227.
3. معجم اصطلاحات الصوفية ص33 ، وتجدر الإشارة إلى ما ذكرته الدكتورة سعاد حكيم فى أن صورة الولاية ، نشأت فى المجتمع الإسلامى الأول متمثلة فى =
روى عن أبى يزيد البسطامى (ت:261هـ) أنه سئل من هو الولى ؟ فقال : الولى هو الصابر تحت الأمر والنهى ، لأن الإنسان كلما أحب الله ــــــــــــــــــــ(12/144)
= الأحاديث الشريفة التى وصلتنا ، والمتضمنة مظاهر القرب الإلهى لبعض الصحابة من نصرة ورضى وخرق عادة ، ولم يهتم الأوائل فى صدر الإسلام بربط هذه المظاهر بمفهوم الولاية ، بل كانت تظهر تلقائيا دون طلب منهم ، وينحصر دورهم فى التنبه إليها وتناقلها ، وبدايات التنظير لمرتبة الولاية ظهرت مع الفكر الشيعى فى شخص الإمام ، فالإمامة أبرزت أنماط خاصة من الأشخاص ، وجدت لها صدى مع تفتح الفكر الصوفى ، مما دعا الكثير من المفكرين إلى الاهتمام ، بأوجه الشبه والعلاقة بين التصوف والتشيع فى الولاية والإمامة ، وبدأت فكرة الولاية مع متصوفة القرنين الثانى والثالث ا لهجريين تتلمس طريقها إلى الظهور مع الفضيل بن عياض (ت187هـ) ومعروف الكرخى (ت:200هـ) ، و الجنيد (ت297هـ) و المحاسبى (ت:243هـ) ، وذى النون المصرى (ت:245هـ) ، والبسطامى (ت:261هـ) ولم تتأكد إلا فى جرأة حكيم ترمذ ، الذى جعلها محور فلسفته الصوفية ، وقطب معظم إنتاجه ، وكان ذلك ظاهرا حتى فى أسماء كتبه ، أمثال علم الأولياء ، وختم الأولياء ، وسيرة الأولياء ، وهذا الاهتمام من الترمذى بالولاية ، أدى به فى النهاية إلى أن تصوفه بكامله ، ليس سوى نظرية متكاملة فى الولاية ، ومع ظهور السلوك الصوفى ، والتسليك بعد القرن الثالث الهجرى أخذت الولاية أهمية خاصة من حيث أنها أضحت الهدف المعلن وغير المعلن لسلوك السالكين ، وهكذا وصلت الولاية إلى ابن عربى ، مثقلة بتأثير القرآن والحديث والإمامة الشيعية ، والتصوف النظرى والسلوكى وطرق علم الكلام ، انظر المعجم الصوفى ص1233 بتصرف ، وانظر المزيد فى الصلة بين التصوف والتشيع =(12/145)
ازداد قلبه احتراما لأوامره ، وابتعد بجسمه عما حرمه ) (1) ، وروى عنه أيضا أنه قال : ( أخبرت أن وليا من أولياء الله تعالى موجود فى بلدة كذا فهاجرت إليه ، فلما وصلت إلى مسجده ، رأيته وقد خرج من مجلسه ، فبصق على أرض المسجد ، فالتفت عنه بدون أن أسلم عليه ، وقلت فى نفسى الولى يلزمه أن يحفظ حدود الله تعالى ، حتى يحفظه الله تعالى ، فلو كان هذا الرجل وليا لمنعه احترامه لأمر الله تعالى من البصق على أرض المسجد ، أو على الأقل أن يحفظه الله تعالى من أن تنسب إليه هذه المعصية ) (2) .
ويذكر لأبى سعيد الخراز (ت:279هـ) أنه قال : ( إذا أراد الله تعالى أن يوالى عبدا من عبيده ، فتح عليه باب القرب ثم رفعه إلى مجالس الأنس به ، ثم أجلسه على كرسى التوحيد ، ثم رفع عنه الحجب ، وأدخله دار الفردانية وكشف له عن الجلال والعظمة ، فإذ وقع بصره على الجلال والعظمة ، بقى بلا هو ، فحينئذ صار العبد زمنا فانيا ، فوقع فى حفظه سبحانه ، وبرئ من دعاوى نفسه ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
= للدكتور كامل الشيبى وله أيضا الفكر الشيعى والنزعات الصوفية ، وانظر أيضا بين التصوف والتشيع إعداد هاشم معروف الحسنى ، والحكيم الترمذى ونظريته فى الولاية ص58 وما بعدها ، والصوفية فى الإسلام لنيكلسون ص120.
1. كشف المحجوب ص262 .
2. السابق ص262 . 3. الرسالة القشيرية 2/524، 525 .
ويقسم الحكيم الترمذى (ت:320هـ) الولاية إلى نوعين (1) :(12/146)
النوع الأول : ولاية العموم ويسميها ولاية حق الله ، وهى لرجل أفاق من سكرته فتاب إلى الله تعالى ، وعزم على الوفاء لله تعالى بتلك التوبة ، فنظر إلى ما يراد له فى القيام بهذا الوفاء ، فإذا هى حراسة هذه الجوارح السبع لسانه وسمعه وبصره ويده ورجله وبطنه وفرجه ، فصرفها من باله ، وجمع فكرته وهمته فى هذه الحراسة ولها عن كل شئ سواها حتى استقام ، فهو رجل مؤدى الفرائض حافظ للحدود ، لا يشتغل بشئ غير ذلك ، يحرس هذه الجوارح حتى لا ينقطع الوفاء لله تعالى بما عزم عليه ، فسكنت نفسه وهدأت جوارحه .
النوع الثانى : ولاية الخصوص وهى لهؤلاء المجذوبين ، الذين جذبهم الله إليه عن طريقه ، فيتولى اصطفاءهم وتربيتهم حتى يصفى نفوسهم الترابية بأنواره كما يصفى جوهر المعدن بالنار ، حتى نزول ترابيته ، وتبقى النفس صافية وتمتد تلك التصفية حتى إذا بلغوا الغاية من الصفاء ، أوصلهم إلى أعلى المنازل وكشف لهم الغطاء عن المحل ، وأهدى إليهم عجائب من كلماته وعلومه وإنما يمتد ذلك لأن القلوب ، والنفوس لا تحتمل مرة واحدة كل ذلك ، فلا يزال يلطف بهم حتى يعودهم احتمال تلك الأهوال التى تستقبلهم من ملكه .
وقال الكلاباذى (ت:380هـ) : ( الولاية ولايتان ، ولاية تخرج من ــــــــــــــــــــ
1. كتاب ختم الأولياء ص118 ، ص 409 .
العداوة ، وهى لعامة المؤمنين ، فهذه لا توجب معرفتها ، والتحقق بها للأعيان ، لكن من جهة العموم ، فيقال : المؤمن ولى الله ، وولاية اختصاص واصطفاء واصطناع وهذه توجب معرفتها والتحققق بها ، ويكون صاحبها محفوظا عن النظر إلى نفسه ، فلا يدخله عجب ، ويكون مسلوبا من الخلق بمعنى النظر إليهم بحظ ، فلا يفتنونه ويكون محفوظا عن آفات البشرية ، وإن كان طبع البشرية قائما معه باقيا فيه ، فلا يستحلى حظا من حظوظ النفس استحلاء يفتنه فى دينه ، واستحلاء الطبع قائم فيه ، وهذه هى خصوص الولاية من الله للعبد ) (1) .(12/147)
ويذكر الهجويرى (ت:465هـ) أن لفظ ولى شائع بين العامة ، وهو موجود فى القرآن الشريف وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، قال الله تعالى : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } [يونس/62] ، وقال فى موضع آخر : { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [فصلت/31] ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن من عباد الله لعبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء ، قيل : من هم يارسول الله ؟ صفهم لنا لعلنا نحبهم ؟ قال : قوم تحابوا بروح الله من غير أموال ولا أنساب ، وجوههم نور على منابر من نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ، ثم تلا الآية : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } [يونس/62] " .
ــــــــــــــــــــ
1. التعرف لمذهب أهل التصوف ص74 .
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تعالى قال : من آذى لى وليا فقد استحل محاربتى " ، هذه الآيات الشريفة والأحاديث النبوية ، تدلك على أن لله تعالى أولياء اختصهم بمحبته ، وانتخبهم لأن يكونوا خلفاء منه فى ملكه وأظهرهم ليظهر لك عجائب قدرته، وأكرمهم بمختلف الكرامات ، وخلصهم من طبائع نفوسهم ، ونجاهم من إطاعة هوى أنفسهم ، حتى صارت كل أفكارهم مشتغلة به سبحانه وتعالى وعلاقاتهم معه لا غير (1) .
ويقول أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( الولى له معنيان : أحدهما فعيل بمعنى مفعول ، وهو من يتولى الله سبحانه أمره ، قال الله تعالى : { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } [الأعراف/196] فلا يكله إلى نفسه لحظة ، بل يتولى الحق سبحانه رعايته ، والثانى فعيل مبالغة من الفاعل ، وهو الذى يتولى عبادة الله وطاعته ، فعبادته تجرى على التوالى من غير أن يتخللها عصيان ، وكلا الوصفين واجب حتى يكون الولى وليا ) (2) .(12/148)
أما الولاية فى مفهوم ابن عربى فهى مغلفة بفلسفته فى وحدة الوجود حيث يعتبرها مرتبة من مراتب القرب الإلهى ، يتولى فيها الحق عبده ، والعبد ربه فالولاية مشتركة بين الله وبين المؤمنين ، يقول ابن عربى : ( فولاية العبد ربه ــــــــــــــــــــ
1. كشف المحجوب ص256 ورواية الحديث الأول والثانى يدل على سوء حفظ الهجويرى للسنة ، قارن اللفظ الصحيح ص924 .
2. الرسالة القشيرية 2/520 .
وولاية الرب عبده فى قوله : { إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [محمد/7] ، وبين الولايتين فرق دقيق ، فجعل تعالى نصره جزاء ، وجعل مرتبة الإنشاء إليك كما قدمك فى العلم بك على العلم به ، وذلك لتعلم من أين علمك ؟ فتعلم علمه بك .. فالولاية مشتركة بين الله وبين المؤمنين ، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل ) (1) .
ــــــــــــــــــــ
1. الفتوحات 4/147 وما بعدها وانظر أيضا للتوسع : أجوبة ابن عربى على أسئلة الحكيم الترمذى ختم الأولياء من ص40 إلى ص448 ، والولاية عند محى الدين بن عربى ، للدكتور عبد الحميد مدكور ، رسالة دكتوراه ، مخطوط بمكتبة كلية دار العلوم جامعة القاهرة برقم (806) سنة 1980م ، والإنسان الكامل عند محى الدين بن عربى ، إعداد هالة أحمد فؤاد مصطفى ، رسالة ماجستير ، مخطوط بمكتبة كلية الآداب ، جامعة القاهرة سنة 1990م ، ومشكلة الذات والصفات عند محى الدين بن عربى ، إعداد إسماعيل منصور جوده ، رسالة ماجستير مخطوط بمكتبة كلية الآداب ، جامعة القاهرة سنة 1990م ، ولطائف الإعلام ص397 وما بعدها ، وانظر أيضا :(12/149)
- - - } - } ??? } ? - - صلى الله عليه وسلم -? - ? - ? - ? { ? - ?? الله أكبر - - صلى الله عليه وسلم -?? تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } - - - ?? بسم الله الرحمن الرحيم - } - - - - { - - رضي الله عنهم -?? - - ?? تمهيد - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - } - ?? - ?? - } فهرس ?- سبحانه وتعالى - تمت فهرس ? - - صلى الله عليه وسلم - - تمت } ? - ? - - مقدمة تمت - صلى الله عليه وسلم - } - - - صلى الله عليه وسلم -? - - - - ? -
**********************************
123 - اليقظة
**********************************
صدق الله العظيم اليقظة : اليقظة الانتباه والحذر ، وضدها الغفلة والرقود ، قال تعالى :
{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ } [الكهف/18] وعن عوف بن مالك - رضي الله عنه - ، أ ن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الرؤيا ثلاث منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم ، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته ، فيراه في منامه ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " (1) واليقظة نوعان :
[1]- يقظة البدن بأوصافه كالسمع والبصر وسائر الحواس ، فعن أبي قتادة - رضي الله عنه - ، قال : " ذكروا للنبي - صلى الله عليه وسلم - نومهم عن الصلاة ، فقال : إنه ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط في اليقظة ، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها " (2) وعن يزيد الفارسي - رضي الله عنه - قال : " رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في النوم زمن ابن عباس ، فقلت لابن عباس - رضي الله عنه - : إني رأيت رسول اللَّه ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه ابن ماجة فى كتاب تعبير الرؤيا برقم (3907) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 2/1285 .(12/150)
2. أخرجه النسائى فى كتاب المواقيت (615) 1/294 والترمذى فى كتاب الصلاة برقم (177) وقال : حديث حسن صحيح ، ومسلم برقم (2261) 4/1771.
- صلى الله عليه وسلم - في النوم ، قال ابن عباس - رضي الله عنه - : فإن رسول اللَّه كان يقول : إن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي ، فمن رآني في النوم فقد رآني ، فهل تستطيع أن تنعت لنا هذا الرجل الذي رأيت ؟ ، قلت : نعم رأيت رجلا بين الرجلين جسمه ولحمه أسمر إلى البياض حسن المضحك أكحل العينين ، جميل دوائر الوجه ، قد ملأت لحيته من هذه إلى هذه حتى كادت تملأ نحره ، فقال ابن عباس : لو رأيته في اليقظة ، ما استطعت أن تنعته فوق هذا ) (1) .
وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - ، قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ، أو لكأنما رآني في اليقظة ، لا يتمثل الشيطان بي " (2) .
[2]- يقظة البصيرة وحياة القلب ، لما روى عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - قال : " جاءت ملائكة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم ، فقال بعضهم : إنه نائم وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : إن لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا ، فقال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم : إن العين نائمة ، والقلب يقظان ، فقالوا : مثله كمثل رجل بنى دارا ، وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا ، فمن أجاب الداعي ، دخل الدار وأكل من المأدبة ، ومن ــــــــــــــــــــ
1. صحيح بمعناه ، أخرجه أحمد فى المسند (3400) واللفظ له ، وفيه يزيد بن الفارس وهو مقبول ، وأخرجه مسلم بمعناه فى كتاب الرؤيا برقم (2266) 4/1775 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب التعبير برقم (6993) 12/399 ، ومسلم فى كتاب الرؤيا برقم (2266) واللفظ له(12/151)
لم يجب الداعي ، لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ، فقالوا : أولوها له يفقهها ، فقال بعضهم : إنه نائم ، وقال بعضهم : إن العين نائمة والقلب يقظان ، فقالوا : فالدار الجنة ، والداعي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فمن أطاع محمدا - صلى الله عليه وسلم - فقد أطاع اللَّه ، ومن عصى محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، فقد عصى اللَّه ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - فرق بين الناس " (1) .
صدق الله العظيم اليقظة فى الاصطلاح الصوفى :
اليقظة فى الاصطلاح الصوفى ، الانتباه من سنة الغفلة ، والنهوض عن ورطة الفترة ، اعتبارا بأهل البلاء ، قال الحارث المحاسبى (ت:243هـ) : ( الزم الأدب ، وفارق الهوى والغضب ، واعمل فى أسباب التيقظ واتخذ الرفق حزبا ، والتأنى صاحبا ، والسلامة كهفا ، والفراغ غنيمة ، والدنيا مطية والآخرة منزلا ) (2) .
وقال أبو اسماعيل الأنصارى الهروى (ت:481هـ) : ( قال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا } [سبأ/46] القومة لله تعالى هى اليقظة من سنة الغفلة ، والنهوض عن ورطة الفترة وهى أول ما يستنير قلب العبد بالحياة ، لرؤية نور التنبيه ، واليقظة على ثلاثة أقسام (3) :
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الاعتصام برقم (7281) 13/263 .
2. رسالة المسترشدين ص80:79 . 3. منازل السائرين ص252،253 .
1- نظر القلب إلى نعم الله تعالى ، التى لا يستطيع القلب ، أن يحصيها ويعجز عن أن يقوم بحق شكرها .
2- مطالعة الجناية بأن ينظر إلى الخطر فيها ، ويتوجه إلى التخلص من ربقتها ويحاول طلب النجاة وإصلاح الأعمال .
3- الانتباه لمعرفة الزيادة والنقصان فى أحواله ، فإن رأى نقصا ، بادر إلى الإصلاح ، وإن رأى صلاحا وزيادة انتهضت نفسه لما رأى من علامات الفلاح فى تدارك ما فات منها بأفعال محمودة عوضا عما فات .(12/152)
ويذكر ابن عربى (ت:638هـ) أن اليقظة هى الفهم عن الله فى زجره (1) وقال عبد الكريم الكاشانى (ت:735هـ) : ( اليقظة هى التنبه عن سنة الغفلة ، والقومة لله تعالى ، والتيقظ فى التحرز عن دواهى الشيطان والتحفظ عن التخيلات الموجبة للخذلان ، وعن رعونات النفس كالإعجاب بأعمالها ومداخلة الرياء والنفاق فى أعمالها ، وتسويل النفس لصاحبها رؤية العمل وتزينها ، واستحقاق الأجر والثواب بسببه ، وأن يحيا بالحياة القلبية الذاتية المنافية للنوم والموت ، الموجبة لدوام المراقبة والحضور مع الله ، والسعى فى القوت ، وتنور البصيرة بنور القدس ، والتيقظ بها عن التلف إلى جانب البدن وعالم الرجس ، وأن يكون يقظان بالحق فى المشاهدة ، متحرزا عن التلوين بالنظر إلى المغايرة ) (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص17 .
2. معجم اصطلاحات الصوفية ص192:190 .
**********************************
124 - اليقين
**********************************
صدق الله العظيم اليقين : اليقين هو التثبت ، وامتلاء القلب بالتصديق الجازم ، وسكون الفهم مع ثبات الحكم (1) ، كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } [البقرة/4] ، وقال سبحانه فى نفى اليقين : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُون َ } [الطور/36:35] .(12/153)
ومما ورد فى السنة ، قول أبو سفيان بن حرب - رضي الله عنه - ، بعد أن سأله هرقل عن وصف النبى - صلى الله عليه وسلم - : " فقلت لأصحابي حين أخرجنا : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ، إنه يخافه ملك بني الأصفر ، فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل اللَّه علي الإسلام " (2) ، وقال أبو بكر - رضي الله عنه - : " قام فينا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا أيها الناس سلوا اللَّه المعافاة ، فإنه لم يؤت أحد مثل يقين بعد معافاة ولا أشد من ريبة بعد كفر " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 13/457 ، والمفردات ص552 ، وكتاب العين 5/220 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الوحى برقم (7) 1/42 .
3. أخرجه أحمد فى المسند برقم (45) واللفظ له ، وأخرجه الترمذى فى كتاب الدعوات برقم ( 3558 )5/557 ، وقال الألبانى : حسن صحيح 1/9 .
ومن حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - قال : " قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : يا رسول اللَّه بأبي أنت وأمي ، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا اللَّه مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة ؟ ، قال : نعم قال : فلا تفعل ، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : فخلهم " (1) .
واليقين يضاده ثلاثة أشياء ، على اعتبار نسبة التثبت من الأمر :(12/154)
أ- اليقين يضاد الوهم ، قال يحيى بن عبد اللَّه الجابر - رضي الله عنه - : " صليت خلف عيسى مولى لحذيفة بالمدائن على جنازة ، فكبر خمسا ، ثم التفت إلينا فقال : ما وهمت ولانسيت ، ولكن كبرت كما كبر مولاي وولي نعمتي حذيفة بن اليمان ، صلى على جنازة وكبر خمسا ، ثم التفت إلينا فقال : ما نسيت ولا وهمت ، ولكن كبرت كما كبر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، صلى على جنازة فكبر خمسا " (2) ، والمعنى أنه على يقين من فعله ، وعن مالك بن بحينة - رضي الله عنه - : " أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قام في الركعتين من الظهر أو العصر ، فلم يرجع حتى فرغ من صلاته ، ثم سجد سجدتي الوهم ثم سلم " (3) ، يقصد سجدتى السهو عند عدم اليقين .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (31) .
2. أخرجه أحمد فى المسند (22938) وفيه يحيى بن عبد ا لله الحارث هو ضغيف .
3. أخرجه الدارمى فى سننه برقم (1500) واللفظ له ، والبخارى فى كتاب الأذان برقم (829) .
وعن سليمان اليشكري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ فِي الْوَهْمِ يُتَوَخَّى : قَالَ لَهُ رَجُلٌ : عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : فِيمَا أَعْلَمُ " (1) .
ب- اليقين ضد الشك ، لما روى عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا شك أحدكم في صلاته ، فليلغ الشك وليبن على اليقين فإذا استيقن بالتمام ، فليسجد سجدتين وهو قاعد ، فإن كان صلى خمسا شفعتا له صلاته ، وإن صلى أربعا كانتا ترغيما للشيطان " (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحا بين أليتيه فلا يخرج حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " قال عبد اللَّه بن المبارك فى معنى الحديث : إذا شك في الحدث فإنه لا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن استيقانا يقدر أن يحلف عليه (3) .(12/155)
ج- اليقين ضد الظن ، كقول الله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ ــــــــــــــــــــ
1. صحيح الإسناد ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (10956) من طرق أبى محمد عمر بن دينار الأثرم .
2. أخرجه مسلم فى كتاب المساجد برقم (571) 1/401 والنسائى فى كتاب السهو برقم (1238) 3/27 واللفظ له .
3. أخرجه الترمذى فى كتاب الطهارة برقم (75) ، وقال الشيخ الألبانى : صحيح 1/109 ، ومسلم برقم (361) 1/276 ، وأبوداود برقم ( 177) 1/45 .
بِمُسْتَيْقِنِينَ } [الجاثية/32] ، وقوله عز وجل : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا } [النساء/157] أى ما قتلوه قتلا تيقنوه ، بل إنما حكموا تخمينا ووهما .(12/156)
وعن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي اللَّه عنها ، قالت له وهو يسألها عن قول اللَّه تعالى : { حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا } [يوسف/110] قَالَ : قُلْتُ أَكُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا ؟ قَالَتْ : عَائِشَةُ رضي اللَّه عنها كُذِّبُوا ، قُلْتُ : فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ ، فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ ، قَالَتْ : أَجَلْ لَعَمْرِي لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ ، فَقُلْتُ لَهَا : وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ؟ قَالَتْ : مَعَاذَ اللَّه ، لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا ، قُلْتُ : فَمَا هَذِهِ الآيَةُ ؟ ، قَالَتْ : هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ ، فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلاءُ ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ ، حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ، مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ ، وَظَنَّتِ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّه عِنْدَ ذَلِكَ " (1) .
وهناك بعض المعانى المتعلقة باليقين منها :
(1- قد يطلق على الظن اليقين ، على اعتبار أن التثبت يزداد شيئا فشيئا حتى يصل إلى منتهاه ، كقول اللَّه تعالى : { كَلا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ } [القيامة/28:26] وقوله سبحانه : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4696) 8/ 218 .(12/157)
وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة/46:45] ، وعن عائشة رضي اللَّه عنها ، قالت : " كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة ، غسل يديه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم اغتسل ، ثم يخلل بيده شعره ، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ، ثم غسل سائر جسده " (1) .
(2- اليقين يرد بمعنى الموت ، على اعتبار أن التثبت منه كائن فى جميع القلوب ، كقوله تعالى : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر/99] .
قال سالم بن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنه - : " اليقين الموت " (2) ، وعن أم العلاء رضى اللَّه عنها وهى امرأة من الأنصار أنها قالت فى عثمان بن مظعون - رضي الله عنه -حين موته : " رحمة اللَّه عليك أبا السائب ، فشهادتي عليك : لقد أكرمك اللَّه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : وما يدريك أن اللَّه قد أكرمه ، فقلت بأبي أنت يا رسول اللَّه ، فمن يكرمه اللَّه ؟ فقال : أما هو فقد جاءه اليقين ، واللَّه إني لأرجو له الخير ، واللَّه ما أدري وأنا رسول اللَّه ما يفعل بي ، قالت : فواللَّه لا أزكي أحدا بعده أبدا " (3) .
(3- اليقين من حيث قوته فى القلب ثلاث درجات متفاوتة :
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الغسل برقم (273) 1/455 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن 8/235.
3. أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز برقم (1243) 3/137.
علم اليقين : كقول الله تعالى : { كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ } [التكاثر/ 6:5] .
عين اليقين : كقوله تعالى : { ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ } [التكاثر/ 7] .
حق اليقين : كقوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ } [الحاقة/51] .(12/158)
صدق الله العظيم اليقين فى الاصطلاح الصوفى :
اليقين فى الاصطلاح الصوفى هو السكون والاطمئنان لما غاب ، بناء على ما حصل الإيمان به ، وارتفع الريب عنه ، فإذا حصل السكون والاطمئنان بما غاب بناء على قوة الدليل ، بحيث يستغنى بالدليل عن الجلى ، فذلك عندهم علم اليقين (1) .
روى عن أبى بكر الوراق (ت:بعد250هـ) : ( العبد لا يستحق اليقين حتى يقطع كل سبب بينه وبين العرش إلى الثرى ، حتى يكون الله مراده لا غيره ، ويؤثر الله على كل ما سواه ) (2) ، وقال أيضا : ( اليقين نور يستضئ به العبد فى أحواله ، فيبلغه إلى درجات المتقين ) (3) .
وروى عن أبى الحسين الوراق النيسابورى (ت:قبل320هـ ) : ( اليقين ثمرة التوحيد فمن صفا فى التوحيد صفا له اليقين ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/406 .
2. طبقات الصوفية ص227 .
3. السابق ص227 . 4. السابق ص300 .
وينسب لأبى على الروذبارى (ت:322هـ) : ( أنفع اليقين ما عظم الحق فى عينيك وصغر ما دونه عندك وأثبت الخوف والرجاء فى قلبك ) (1) .
ويذكر السراج الطوسى (ت:387هـ) أن اليقين حال رفيع ، هو أصل جميع الأحوال ، وإليه تنتهى جميع الأحوال ، وهو آخر الأحوال ، وباطن جميع الأحوال ، وجميع الأحوال ظاهر اليقين ، ونهاية اليقين ، تحقيق التصديق بالغيب بإزالة كل شك وريب ، وبالاستبشار وحلاوة المناجاة ، وصفاء النظر إلى الله تعالى بمشاهدة القلوب ، بحقائق اليقين ، بإزالة العلل ومعارضة التهم ويجعل أهل اليقين ثلاثة أحوال :
فالأول : للأصاغر وهم المريدون والعموم ، واليقين عندهم يعنى ارتفاع الشك ، والثقة بما فى يد الله تعالى ، والإياس بما فى أيدى الناس وإذا وجد العبد الرضا بما قسم الله له ، فقد تكامل فيه اليقين .
والثانى : الأوساط وهم الخصوص ، واليقين عندهم هو ما زالت فيه المعارضات على دوام الأوقات ، والعبد إذا تحقق بهذا اليقين ترحل من يقين إلى يقين ، حتى يصير اليقين له وطنا .(12/159)
والثالث : الأكابر وهم خصوص الخصوص ، واليقين فى جملته عندهم تحقيق الإثبات لله عز وجل بكل صفاته ، ودوام انتصاب القلوب لله عز وجل بما أورد عليها اليقين من حركات ما لاقى به الإلهام (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص359 . 2. اللمع ص104:103 .
وقال على بن عثمان الهجويرى (ت:465هـ) فى علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين :
( كل هذه المصطلحات فى عرف المتصوف تدل على العلم ، فالعلم بدون يقين بالمعلوم ليس بعلم ، لكن إذا تمت المعرفة كان الأخفى جليا ، والمؤمنون الذين سيرون ربهم فى يوم القيامة ، سيرونه بالحالة التى يعرفونه هنا بها ، إذ لو رأوه بغير ذلك ، لكانت رؤيتهم هناك ناقصة ، وأن معرفتهم هنا كانت خطأ وكلا هذين الضدين مغاير للتوحيد ، الذى يلزم فيه أن تكون معرفة الناس بربهم هنا على أساس صحيح ، وبذا تكون رؤيتهم هناك صحيحة ، ولذلك فعلم اليقين هو كعين اليقين وحق اليقين ) (1) .
ويذكر أيضا أن الصوفية يعنون بعلم اليقين معرفة الفرائض الدينية فى هذه الدنيا طبقا لأوامر الله سبحانه وتعالى ، ويعنون بعين اليقين معرفة حال النزع ووقت المفارقة لهذه الدنيا ، وبحق اليقين معرفة رؤية الله سبحانه وتعالى التى ستنكشف لهم فى الجنة وماهيتها ، ولذلك فعلم اليقين هو رتبة العلماء عند كمال اتباعهم للشرع الشريف ، وعين اليقين مقام العارفين وذلك لاستعدادهم للموت ، وحق اليقين هو نقطة فناء العاشق ، وذلك لإعراضهم عن المخلوقات ، ومن ذلك تعلم أن علم اليقين ينال بالمجاهدة ، وعين اليقين بالمؤانسة ، وحق اليقين بالمشاهدة ، فالأول للعامة ، والثانى للخاصة ــــــــــــــــــــ
1. كشف المحجوب ص463 .
والثالث لخاصة الخاصة (1) .(12/160)
وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( اليقين هو العلم الذى لا يتداخل صاحبه ريب على مطلق العرف ، ولا يطلق فى وصف الحق سبحانه لعدم التوقيف ، فعلم اليقين هو اليقين ، وكذلك عين اليقين نفس اليقين وحق اليقين ، نفس اليقين ، فعلم اليقين على موجب اصطلاحهم ما كان بشرط البرهان ، وعين اليقين ما كان بحكم البيان ، وحق اليقين ما كان بنعت العيان ، فعلم اليقين لأرباب العقول ، وعين اليقين لأصحاب العلوم وحق اليقين لأصحاب المعارف ) (2) .
وأما مفهوم محى الدين بن عربى لليقين فينبع من فلسفته فى وحدة الوجود حيث يعبر عنه بقوله :
( علم اليقين معرفة الله بك ، إذ أنت عين الدليل عليه ، وهو إثبات ذات غير مكيفة ولا معلومة الماهية ، محكوم عليها بالألوهية سلطانا وحجة ، لا ريب فيه ، عين اليقين : مشاهدة هذه الذات بعينها لا بعينك ، فناء كليا لا يعقل معها نسبة ألوهية إثباتا أو نفيا ، حق اليقين : نسبة الألوهية لهذه الذات ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص463 .
2. الرسالة القشيرية 1/266 وانظر للتوسع حول هذه المعانى : أدب النفس للحكيم الترمذى ص93 وما بعدها ، وعوارف المعارف للسهروردى ص528 ، ومكاشفة القلوب للغزالى ص143 ، والمناظر الإلهية ص34 .
بعد المشاهدة لا قبلها ، وهو الفرق بين العلم والحق ليس إلا ، وهنا سكت المحققون ، وبعد هذا حقيقة اليقين ، ظهور الانفعالات على العبد الكلى مع غيبته عنها فيه به ، غيبا كليا وفناء محققا ، وهذه غاية المراتب ، فالثلاثة كتابية علم وعين وحق والرابعة : سنية قال عليه السلام :
" فما حقيقة إيمانك " (1) ، لكل حق حقيقة ، فهذه الحقيقة بها يختبر العبد المحقق نفسه فى دعواه فى معرفة هذا اليقين ) (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. يشير إلى حديث حارثة الذى رواه الطبرانى فى الكبير ، الحديث رقم (3367) 3/266 وهو ضعيف .
2. المسائل ص35 ، وانظر أيضا الفتوحات المكية 2/570 ، وتحفة السفرة ص92وبلغة الغواص ق124 .(12/161)
**********************************
1 - الإحرام
**********************************
صدق الله العظيم الإحرام : ورد فى القرآن على نية أحد النسكين الحج أو العمرة ، أو لهما معا ، وهو فيهما بمنزلة التكبير فى الصلاة ، فالتكبيرة الأولى فى الصلاة يقال لها تكبيرة الإحرام ، فإذا أحرم الحاج أو المعتمر منع من أشياء تحل له فى غير الإحرام ، كحلق الشعر وتغطية الرأس وصيد البر والنكاح والجماع وغير ذلك مما بينه الشرع ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } [المائدة/95] وقال سبحانه : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } [المائدة/1] ، وقال : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } [المائدة/96] .
وعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال : قام رجل فقال : يا رسول اللَّه ، ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام ؟ ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ، ولا العمائم ولا البرانس ، إلا أن يكون أحد ليست له نعلان ، فليلبس الخفين ، وليقطع أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس ، ولا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين ) (1) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى الحج (1838) 4/63 ، ومسلم فى الحج (1177) 2/834 .
وينتهى الإحرام بانتهاء النسك ، ولا دليل فى إيجاب الإحرام على غير من دخل لأحد النسكين الحج أو العمرة لقوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } [المائدة/2] (1) .(13/1)
صدق الله العظيم الإحرام فى الاصطلاح الصوفى :
يختلف مفهوم الصوفية للإحرام عن المعنى السابق حيث وضعوا له معنى باطنيا يخالفا المعنى الظاهر المتعارف عليه بين النبى وأصحابه ، فإذا قيل فى عرفهم : رجل محرم ، فإنهم يعنون أنه ترك شهوة المخلوقات ، كما أن الخروج عن الإحرام ليس بالتحلل منه ، كما هو المقصود فى القرآن والسنة ولكنه عبارة عن التوسع للخلق ، والنزول إليهم بعد العندية فى مقعد صدق (2) .
ويرى الجنيد بن محمد (ت : 298هـ) ضرورة التخلى عن الصفات الآدمية ، كشرط لصحة الإحرام فى الشرع ، فقد روى عنه أنه قال لرجل محرم يريد الحج : هل تخليت عن صفاتك الآدمية كما تخليت عن ثيابك ــــــــــــــــــــ
1. الروضة الندية شرح الدرر البهية ، لأبى الطيب صديق بن حسن البخارى ، مكتبة التراث القاهرة ،بدون تاريخ 1/250 ، وانظر المفردات فى غريب القرآن للراغب الأصفهانى ص115 ، ولسان العرب لابن منظور 12/119.
2. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 6/131 .
الاعتيادية ؟ ، فقال : اللَّهم لا ، قال له : إنك إذا لم تحرم (1) .
ويحكى السراج الطوسى (ت : 378هـ) آداب الصوفية فى الإحرام فيقول : ( وإذا نزعوا ثيابهم للإحرام ، وتجردوا وحلو العقد واتزروا وارتدوا كذلك نزعوا عن أسرارهم الغل والحسد ، وحلوا عن قلوبهم عقد الهوى ومحبة الدنيا ولم يعودوا إلى ما خرجوا منه من ذلك ) (2) .
ويذكر على بن عثمان الهجويرى (ت : 465هـ) أن الإحرام فى عرف الصوفية هو أن يحرم على نفسه ذكر الغير (3) .
والإحرام فعل ظاهر يرتبط بالنية وإرادة اللَّه بالعمل ، كما هو الحال فى سائر العبادات ، فيتحتم أن يتوفر فيها شرطان أساسيان ، حتى يقبل العمل وهما الإخلاص ومتابعة السنة .(13/2)
أما ما ذكره الصوفية لمعنى الإحرام ، ففيه مبالغة لا أصل لها فى القرآن والسنة ، من جهة أن ترك شهوة المخلوقات هى المعنية فى الشرع ، إذ ليس كل ما يشتهى محرما ، والتخلى عن صفات الآدمية وذكر الغير ليس على إطلاقه أيضا ، وإنما التخلى عن الصفات الذميمة من الوجهة الشرعية هو المراد ، فليس كل الصفات الآدمية ذميما ، ولا ينبغى أن يسمى ذلك إحراما ــــــــــــــــــــ
1. كشف المحجوب ص393 .
2. اللمع ص228 .
3. كشف المحجوب ص 391 .
لأن الإحرام له مفهومه الشرعى ، الذى لا يجوز المساس به أو تمييع مدلوله .
كما أن نزع الغل والحسد ، وخلع عقد الهوى ومحبة الدنيا عن القلب كل ذلك من المعانى ، لا تقترن بالحج أو غيره من العبادات عند أدائها ، أو أداء بعضها فقط ، ولكنها معان مصاحبة للمسلم عند إذعانه لربه ، وإسلامه له بنطقه للشهادتين ، فالصحابة وهم خير القرون لم يذكر عنهم ، أنهم التفتوا فى إحرامهم إلى ذلك ، ولم يتناقلوه فيما بينهم ولم يثبت عنهم ذلك ، ولو كان خيرا ما تركوه .
**********************************
2 - الاعتكاف
**********************************
صدق الله العظيم الاعتكاف : لزوم الشئ وحبس النفس عليه برا كان أو غيره (1) ، ومنه قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام وهو يخاطب قومه : { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } [الأنبياء/52] ، وقال عن بنى إسرائيل : { فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ } [الأعراف/138] .
وهو فى الشرع يعنى الاحتباس فى المسجد على سبيل القربة إلى اللَّه ، قال البخارى : الاعتكاف في العشر الأواخر ، والاعتكاف في المساجد كلها لقوله تعالى : { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص343 ، وانظر لسان العرب 9/225 ، وكتاب العين 1/205 .(13/3)
فَلا تَقْرَبُوهَا } [البقرة/187] ، وقال : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } [البقرة/125] (1) .
وعن عائشة أم المؤمنين رضي اللَّه عنها قالت : " كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يعتكف ، صلى الفجر ثم دخل معتكفه " (2) .
وقال الإمام مالك : إنما الاعتكاف عمل من الأعمال مثل الصلاة والصيام والحج وما أشبه ذلك من الأعمال ، ما كان من ذلك فريضة أو نافلة ، فمن دخل في شيء من ذلك ، فإنما يعمل بما مضى من السنة ، وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه المسلمون ، لا من شرط يشترطه ولا يبتدعه وقد اعتكف رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وعرف المسلمون سنة الاعتكاف (3) .
صدق الله العظيم الاعتكاف فى الاصطلاح الصوفى :
الاعتكاف فى الاصطلاح الصوفى ، لا يعنى الإقامة فى المسجد على النحو ــــــــــــــــــــ
1. انظر فتح البارى شرح صحيح البخارى لابن حجر العسقلانى دار الريان للتراث ط1 سنة 1986م 4/314 .
2. صحيح ، أخرجه مسلم فى كتاب الاعتكاف (1172) 2/831 .
3. انظر تعليق الإمام مالك على الحديث رقم (695) كتاب الاعتكاف فى الموطأ وانظر أيضا التمهيد لابن عبد البر ، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي , محمد عبد الكبير البكري ، نشر وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ، المغرب ، سنة 1387هـ ، 8/332 .
السابق ، ولكنه اعتكاف معنوى دائم ، القصد منه عكوف القلب على باب الحق لطلب المغفرة ، وتفريغ القلب عن شغل الدنيا ، وتسليم النفس إلى المولى (1) .
ويذكر أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) أن معنى الاعتكاف ، أن تكون الحقائق عاكفة فى قلوب الموحدين ، وأن تكون وفود همم العارفين عاكفة بحضرة العز (2) .(13/4)
وقال أيضا فى قوله تعالى : { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا } [البقرة/187] ، أخبر أن محل القدرة مقدس عن اجتلاب الحظوظ ، وقال : إذا كنتم مشاغيل بنفوسكم ، كنتم محجوبين بكم فيكم ، وإذا كنتم قائمين بنا ، فلا تعودوا منا إليكم ، فغيرة الحق سبحانه على الأوقات ، أن يمزج الجد بالهزل .
قالت عائشة رضى اللَّه عنها : " يارسول اللَّه إنى أحبك ، وأحب قربك ، فقال عليه السلام : ذرينى يا ابنة أبى بكر أتعبد ربى ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : لى وقت لا يسعنى غير ربى " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. التعريفات للجرجانى ص31 .
2. لطائف الإشارات 1/124 .
3. السابق 1/158 .
**********************************
3 - الأعراف
**********************************
صدق الله العظيم الأعراف : الأعراف جمع عرف وهو المكان المرتفع (1) .
وقد ورد اللفظ فى القرآن للدلالة على مكان حاجب بين أهل الجنة وأهل النار ، وهو مكان غيبى مجهول الكيفية يعلمه اللَّه ، قال تعالى : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } [الأعراف/46] أى على شرفات السور المضروب بينهم .
وقال فى نداء أصحاب الأعراف لبعض أهل النار : { وَنَادَى أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } [الأعراف/48] (2) ، وسميت سورة الأعراف باسم هذا المكان المذكور .
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب لابن منظور 9/236 ، والمفردات فى غريب القرآن للراغب الأصفهانى ص332 .(13/5)
2. انظر تفسير القرطبى 7/211 ، وفتح القدير 2/207 ، وانظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/216 ، وشعب الإيمان للبيهقى ص 344 ، ومجمع الزوائد لعلى بن أبى بكر الهيثمى 7/23 .
صدق الله العظيم الأعراف فى الاصطلاح الصوفى :
الأعراف فى الاصطلاح الصوفى ، لا يعنى المعنى الوارد فى سورة الأعراف ولكن يدل على معنى معرفة الأولياء العارفين بسيماهم فى الدنيا ، وأن اللَّه يتجلى فيهم فيعرفون به ، قال الكاشانى : الأعراف تعنى المطلع ، وهو مقام شهود الحق فى كل شئ متجليا بصفاته التى ذلك الشئ مظهرها ، وهو مقام الاستشراف على الأطراف ، قال اللَّه تعالى : { وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُم ْ? } (1) .
وقال فى موضع آخر : الأعراف هو المقام الذى أخبر اللَّه سبحانه أن رجاله يعرفون كلا بسيماهم ، وإليه أشار عمرو بن الفارض فى قوله :
ومطلع أنوار بطلعتك التى : لبهجتها كل البدور استسرت
ووصف كمال فيك أحسن صورة : وأقومه فى الخلق منه استمدت
ونعت جلال منك يعزب دونه : عذابى وتحلو عنده لى قتلتى
وسر جمال عنك كل ملاحة : به ظهرت فى العالمين وتمت
وحسن به تسبى النهى دلنى على : هوى حسنت فيه لعزك ذلتى
ومعنى وراء الحسن فيك شهدته : به دق عن إدراك عين بصيرتى
ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الصوفية لعبد الرزاق الكاشانى ص55 ، وانظر أيضا لطائف الإعلام 1/218 ، 2/315 ، والفتوحات المكية لمحى الدين بن عربى ، 2/254 والتعريفات للجرجانى ص39 .
لأنت منى قلبى وغاية مطلبى : وأقصى مرادى واختيارى وخيرتى (1)
ويرى عبد الكريم الجيلى ، أن الأعراف محل القرب الإلهى المعبر عنه فى القرآن بقول اللَّه تعالى : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } [القمر/55] وسمى هذا المظهر بهذا الاسم للمعرفة وهو تحقق العلم ، وأهل الأعراف عنده هم العارفون باللَّه يعرفون بسيماهم (2) .(13/6)
ويذكر التهانوى أن الأعراف فى عرف الصوفية ، عبارة عن الإطاعة التى هى مقام الحق الشهودى فى كل شئ من أعيان الممكنات ، وأوصافها فى حالة كون اللَّه متجليا بالصفات ، حيث إن هذا الشئ مظهر لتلك الصفات وهذا المقام يكون للأشراف (3) .
**********************************
4 - الأفق الأعلى
**********************************
صدق الله العظيم الأفق الأعلى : الآفاق النواحى قال تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/315 وانظر ديوان عمر بن الفارض ص27 المكتبة الثقافية بيروت بدون تاريخ .
2. الإنسان الكامل 2/59 .
3. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى ص994 .
وَفِي أَنْفُسِهِمْ } [فصلت/53] (1) .
والأفق الأعلى النواحى العليا جهة المشرق من السماء ، والتى رأى فيها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - جبريل على صورته الحقيقية ، وهو فى غار حراء ، له ستمائة جناح قد سد الأفق ثم اقترب منه وكلمه بالوحى (2) .(13/7)
قال تعالى : { وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } [النجم/10:3] قال عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - : " إن محمدا لم ير جبريل في صورته إلا مرتين ، أما مرة فإنه سأله أن يريه نفسه في صورته فأراه صورته فسد الأفق ، وأما الأخرى فإنه صعد معه حين صعد به وقوله : { وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى? } قال : فلما أحس جبريل ربه عاد في صورته وسجد فقوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } قال خلق جبريل عليه السلام " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 10/382 ، المفردات ص19 .
2. انظر تفسير القرطبى 17/85 ، وتفسير ابن جرير الطبرى 27/43 ، وفتح القدير للشوكانى 5/106 ، وصحيح ابن حبان 1/256 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلف برقم (3232) 6/360 (3233) 6/361 ومسلم فى كتاب الإيمان برقم (174) 1/158 .
صدق الله العظيم الأفق الأعلى فى الاصطلاح الصوفى :
الأفق : يكنى به عن الغاية التى ينتهى إليها سلوك المقربين ، فكل من حصل من أهل السلوك إلى اللَّه تعالى على مرتبة من القرب إليه ، فتلك المرتبة هى أفقه ومعراجه (1) .(13/8)
والأفق العلى : هو حضرة الألوهية المسماة بحضرة المعانى ، وبالتعين الثانى وإنما كان هذا الأفق عليا ، لأنه هو الحضرة التى متى وصل إليها السائر ، فقد استعلى على جميع عالم الأغيار ، إذ كانت هذه الحضرة فوق جميع الخلائق لأنها حضرة العلم الأزلى الذاتى ، الذى لا مدخل للحديث فيها بوجه ، ولهذا صارت هذه الحضرة ، التى متى وصل المخلوق إليها ظهر بصفات الخالق من إحياء الميت وإبراء الأكمه وغير ذلك ، ولأجل هذا سموها حضرة ظهور الخلق بصورة الحق ، وأن مظهرها من الناس ، الإنسان الكامل المتحقق بالحقيقة الإنسانية الكمالية ، وقد يعنى بالأفق العلى ، حضرة الجمع والوجود التى هى اعتبار الوحدة ، لكون الأفق الأعلى ، هو اعتبار الأحدية ، وأن المتحقق به هو المتحقق بمقام الأكملية الذى فوق مقام الكمالية الإنسانية (2) .
والأفق الأعلى : هو حضرة أحدية الجمع ، لأنها هى أعلى التعينات إذ ليس وراء اعتبار الأحدية سوى الغيب المطلق ، والأفق العلى هو مقام تعانق ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 1/229 .
2. السابق 1/229 ،230 .
الأطراف ، ومجمع الأضداد ، ومجمع البحرين ، وقاب قوسين ، والأفق الأعلى أيضا ، هو مقام أو أدنى المختص بنبينا - صلى الله عليه وسلم - (1) ، وهو نهاية مقام الروح والحضرة الواحدية والحضرة الألوهية (2) .
**********************************
5 - الأفق المبين
**********************************
صدق الله العظيم الأفق المبين : اصطلاح قرآنى ورد فى قوله تعالى : { وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ } [التكوير/23] على المعنى السابق فى الأفق الأعلى ، وقال الشوكانى فى معنى الآية : اللام جواب قسم محذوف ، أى وتاللَّه لقد رأى محمد جبريل بالأفق المبين ، أى بمطلع الشمس من قبل المشرق ، لأن هذا الأفق ، إذا كانت الشمس تطلع منه فهو مبين ، ولأن من جهته ترى الأشياء ، وقيل الأفق المبين : أقطار السماء ونواحيها (3) .(13/9)
ــــــــــــــــــــ
1. السابق 1/230 .
2. معجم اصطلاحات الصوفية لعبد الرزاق لكاشانى ص56 ، والتعريفات ص33 وكشاف اصطلاحات الفنون 1/120 ، تحقيق الدكتور لطفى عبد البديع والدكتور عبد المنعم محمد حسنين .
3. فتح القدير 5/391 ، وكذا قال ابن كثير والقرطبى وابن جرير الطبرى كلهم قالوا فى تفسير الآية : رأى جبريل له ستّ مئة جناح في صورته .
وقد ورد فى السنة النص على ذلك ، فعن مسروق قال : كنت متكئا عند عائشة فقالت : يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهن ، فقد أعظم على اللَّه الفرية ، قلت : ما هن ؟ ، قالت : من زعم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه فقد أعظم على اللَّه الفرية ، قال : وكنت متكئا فجلست : فقلت : يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني ، ألم يقل اللَّه عز وجل : { وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ } [التكوير/23] ، { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى } [النجم/13] ، فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : إنما هو جبريل ، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين ، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض ، فقالت : أو لم تسمع أن اللَّه يقول : { لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الأنعام/103] أو لم تسمع أن اللَّه يقول :
{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الشورى/51] (1) .
وعلى ذلك فإن الأفق الأعلى والأفق المبين ، قد جمعا بين وصفين لموقع جبريل من النبى - صلى الله عليه وسلم - ، وهما العلو والوضوح .
ــــــــــــــــــــ(13/10)
1. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3234) 6/361 وأخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (177) 1/159 ، وانظر أيضا فى معنى الأفق المبين ، الإيمان لمحمد بن إسحاق بن يحيى بن منده ، تحقيق الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي ، نشر مؤسسة الرسالة ، بيروت ، سنة 1406هـ 2/762 .
صدق الله العظيم الأفق المبين فى الاصطلاح الصوفى :
أما المعنى الصوفى للأفق المبين ، فيختلف عن السابق فى الأفق الأعلى حيث يعنى نهاية مقام القلب (1) .
**********************************
6 - أم الكتاب
**********************************
صدق الله العظيم أم الكتاب : اصطلاح ورد فى الكتاب والسنة على ثلاثة معان :
1- اللوح المحفوظ : وذلك لكون العلوم كلها مكتوبة فيه ، فهو يحوى ما قدر من أمور المخلوقات ، وجميع ما يحدث ينتظم وفق ما فيه (2) ، قال تعالى : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } [الرعد/39] ، وقال وقال النبى - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج : " يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم ، وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم ، وأبدانهم فخفف عنا ، فقال الجبار : يا محمد ، قال : لبيك وسعديك ، قال : إنه لا يبدل القول لدي ، كما فرضته عليك في أم الكتاب ، قال : فكل حسنة بعشر أمثالها ، فهي خمسون في أم الكتاب وهي ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص56 ، والتعريفات ص33 .
2. لسان العرب لابن منظور 7/441 ، المفردات ص22 ، وتفسير النسفى ، دار الكتاب العربى بيروت 1/146 ، 2/252 ، 4/113 ، وتفسير ابن عباس المكتبة الشعبية ، بيروت ص43 ، 210 ، 411 .
خمس عليك " (1) .(13/11)
2- فاتحة الكتاب : قال الإمام البخارى : " وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة " (2) ، وقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني " (3) ، وعن عائشة رضي اللَّه عنها ، قالت : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني لأقول : هل قرأ بأم الكتاب ؟ " (4) .
3- أصل الكتاب : على الاعتبار اللغوى ، فقد يراد بأم الكتاب فى اللغة أصله الذى يرد إليه ، فكل شئ ضم إليه سائر ما يليه ، أو كان أصلا لوجود شئ أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه ، يقال له : أم الكتاب (5) ، وعلى هذا الاعتبار جاء قوله تعالى :
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب التوحيد برقم (7517) 13/486 ومسلم فى كتاب الإيمان برقم (162) 1/145 .
2. فتح البارى شرح صحيح البخارى 8/6 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4704) 8/232.
4. أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (1165) 3/55 ومسلم فى كتاب صلاة المسافرين وقصرها برقم (724) 1/500 .
5. انظر المفردات ص22 ، ومفاتيح الغيب لفخر الدين الرازى 1/ 173: 175 طبعة المطبعة البهية المصرية ، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوى ط2 سنة 1955م مطبعة البابى الحلبى بمصر 1/2 .
{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } [آل عمران/7] ، أى أصله الذى يرجع إليه عند الاشتباه (1) .
صدق الله العظيم أم الكتاب فى الاصطلاح الصوفى :
أم الكتاب فى اصطلاح الصوفية يراد به عدة أمور :
1- أم الكتاب : العقل الأول الذى يسير إلى مرتبة الوحدة (2) .(13/12)
2- أم الكتاب : ذات الحق ، يقول ابن عربى : (فاعلم أن الحق هو على الحقيقة أم الكتاب) (3) ، وقال فى موضع آخر : ( فذات الحق سبحانه تعالى باعتبار اندماج الكل فيها ، هى أم الكتاب ، وعلمه هو الكتاب المبين فالذات هى أم الكتاب من الحقائق الإلهية) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/345 ، وانظر تفسير فى معنى أم الكتاب تفسير القرطبى 1/111 ، وتفسير ابن جرير الطبرى 3/175 ، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ، لأبى القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي ، تحقيق الدكتور ، أحمد سعد حمدان ، نشر دار طيبة الرياض سنة 1402هـ ، 1/118 ، وعون المعبود ، شرح سنن أبي داود ، لأبى الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي 12/225 .
2. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص57 ، وانظر كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 1/130 .
3. الفتوحات المكية نشر دار صادر 3/160 .
4. مرآة العارفين ، مخطوط مكتبة رفيق حمدان الخاصة ، دمشق ص 121 أ .
ويعرف عبد الكريم الجيلى أم الكتاب ، بأنها ماهية كنه الذات المعبر عنها من بعض وجوهها بماهيات الحقائق ، التى لا يطلق عليها اسم ولا نعت ولا وجود ولا عدم ، ولا حق ولا خلق ، والكتاب هو الوجود المطلق الذى لا عدم فيه ، وكانت ماهية الكنه أم الكتاب ، لأن الوجود مندرج فيها اندراج الحروف فى الدواة (1) .
يقول عبد الكريم الجيلى : ( إذا علمت أن الكتاب هو الوجود المطلق تبين لك أن الأمر الذى لا يحكم عليه بالجود ولا بالعدم ، هو أم الكتاب ، وهو المسمى بماهية الحقائق ، لأنه كالذى تولد الكتاب منه ، وليس الكتاب إلا وجه واحد من وجهى كنه الماهية ، لأن الوجود أحد طرفيها ، والعدم هو الثانى ) (2) .
3- أم الكتاب : القلم الأعلى ، يقول ابن عربى : ( وعلم بالقلم الملقب بأم الكتاب ، اللوح المحفوظ ، المسمى بالكتاب المبين ) (3) .(13/13)
ويقول أيضا : ( كما أن القلم هو أم الكتاب من الحقائق الكونية ) (4) .
4- أم الكتاب : العرش ، فالعرش عندهم هو أم الكتاب فى عالم الملك ــــــــــــــــــــ
1. الإنسان الكامل 1/64 .
2. السابق 1/64 .
3. مرآة العارفين ص 120 أ .
4 . السابق ص 121أ .
المفصل فى الكرسى ، يقول ابن عربى : ( واعلم كذلك ، أن لعالم الملك كتابا مجملا وهو العرش ، وكتابا مفصلا وهو الكرسى فى العرش ، يقال له : أم الكتاب ، وباعتبار تفصيل ما كان فى العرش مجملا فى الكرسى ، يقال له : الكتاب المبين ) (1) .
5- أم الكتاب : نقطة الباء حيث يرى ابن عربى أن نقطة الباء فى البسملة ، هى أم الكتاب من حيث اندراج الفاتحة ، وجميع الكتب المنزلة فيها إذ بها بدءت البسملة ، فيقول : ( والفاتحة فى البسملة ، والبسملة فى الباء والباء فى النقطة مندرجة مندمجة ، فهى أم الكتاب ، وجميع الكتب الكامنة فيها ) (2) .
**********************************
7 - الأوتاد
**********************************
صدق الله العظيم الأوتاد : وردت فى القرآن على معنى الجبال ، قال تعالى : { أَلَمْ نَجْعَلْ الأرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } [النبأ/7:6] ، والأوتاد جمع وتد ، والمعنى فى الآية : جعلنا الجبال أوتادا للأرض ، لتسكن ولا تتحرك كما يرسى الخيام بالأوتاد (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص 121ب .
2. السابق ص 124أ . 3. فتح القدير 5/364 .
وقال تعالى : { وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ } [الفجر/10] والأوتاد فيها ، قيل : هم الجنود الذين يشدون أمر فرعون ، أو يشدون الخيام الكثيرة إلى الأوتاد أو البناء المحكم (1) ، إلا أن الأقرب أنها الجبال الفرعونية المصنوعة التى تشبه الجبال فى شماختها وارتفاعها ، والتى تشهد بقوتهم وتمكنهم وهى إشارة واضحة إلى الأهرامات التى هى إحدى عجائب الدهر .(13/14)
ووردت الأوتاد فى حديث ضعيف عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن للمساجد أوتادا ، الملائكة جلساؤهم ، إن غابوا يفتقدونهم ، وإن مرضوا عادوهم وإن كانوا في حاجة أعانوهم " (2) .
فسمى النبى - صلى الله عليه وسلم - بعض المداومين على الصلاة فى المسجد الثابتين على ذلك فى حياتهم أوتادا ، ولم يذكر لهم عددا معينا .
صدق الله العظيم الأوتاد فى الاصطلاح الصوفى :
أما الأوتاد عند الصوفية فهم الرجال الأربعة قائمون على منازل الجهات الأربع من العالم شرق وغرب وشمال وجنوب ، بهم يحفظ اللَّه تعالى تلك ــــــــــــــــــــ
1. السابق 5/364 ، انظر تفسير الطبرى 23/130 .
2. أخرجه الحاكم فى مستدركه برقم (3507) 2/433 وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين موقوف ولم يخرجاه ، وأخرجه أحمد فى المسند رقم (9143) والحديث فى سنده دراج بن سمعان وهو منكر الحديث ، قاله الإمام أحمد فى كتابه العلل ومعرفة الرجال طبعة المكتبة الإسلامية تركيا سنة 1987 ، وانظر الجرح والتعديل لابن أبى حاتم 3/441 ، والكامل فى ضعفاء الرجال 3/115 .
الجهات لكونهم محل نظره تعالى (1) .
يقول الكاشانى : ( وهؤلاء قد يعبر عنهم بالجبال أيضا ، من حيث أن الجبل ميد الأرض ، كقوله تعالى : { أَلَمْ نَجْعَلْ الأرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } [النبأ/7:6] وكل رجل منهم يكون مورد الفيض من عندية الحق إلى عندية الغوث اللائق بتلك الجهات ، والوافى لما فيها من أصناف الخلائق وتوزيع هذه الأقسام من أركان الكعبة ) (2) .
**********************************
8 - البدنة
**********************************(13/15)
صدق الله العظيم البدنة : البدن الجسد ، ويقال اعتبارا بعظم الجثة ، وسميت البدنة بذلك لسمنها ، يقال : بدن إذا سمن (3) ، وقد ثبت هذا المعنى فى السنة ، فعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " إذا كان يوم الجمعة ، كان على كل ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص58 ، لطائف الأعلام 1/256 .
2. رشح الزلال للكاشانى ص63.
3. لسان العرب لابن منظور 13/47 ، وكتاب العين للخليل بن أحمد 8/58 وتهذيب الصحاح ، تأليف وإعداد محمود الزنجانى ، طبعة دار المعارف بمصر ، بدون تاريخ ، مادة (بدن) والمفردات ص39 .
باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول ، فإذا جلس الإمام طووا الصحف ، وجاءوا يستمعون الذكر ، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي البدنة ، ثم كالذي يهدي بقرة ، ثم كالذي يهدي الكبش ، ثم كالذي يهدي الدجاجة ، ثم كالذي يهدي البيضة " (1) .
وورد ذكر البدنة مجموعا فى قوله تعالى : { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } [الحج/36] ، والمراد بها البعير والناقة من بهيمة الأنعام التى تقدم للهدى فى الحج ، لما ثبت عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - ، قال : " اشتركنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج والعمرة ، كل سبعة في بدنة ، فقال رجل لجابر : أيشترك في البدنة ، ما يشترك في الجزور ؟ ، قال : ما هي إلا من البدن ، وحضر جابر الحديبية ، قال : نحرنا يومئذ سبعين بدنة ، اشتركنا كل سبعة في بدنة " (2) .
صدق الله العظيم البدنة فى الاصطلاح الصوفى :
البدنة فى الاصطلاح الصوفى تعنى النفس الآخذة فى السير القاطعة لمنازل السائرين ومقامات السالكين ، ولا تكون بدنة إلا إذا كانت بقرة ، والبقرة ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (881) 2/425 ومسلم فى كتاب الجمعة برقم (850) 2/472 .(13/16)
2. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب برقم (3560) 6/654 وأخرجه مسلم فى كتاب الحج برقم (1318) 2/955 .
هى النفس إذا استعدت للرياضة والمسير ، ولا تكون بقرة إلا إذا كانت كبشا ، فالكبش يطلق على النفس إذا لم يكن فيها استعداد (1) .
**********************************
9 - البرق
**********************************
صدق الله العظيم البرق : ورد فى القرآن على معنى لمعان السحاب ، الذى ينقدح من اصطكاك أجرام السحاب المتراكمة ، فيظهر على إثرها الضوء اللامع (2) قال تعالى : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } [البقرة/19] وقال أيضا : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ } [الرعد/12] وقال : { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ } [النور/43] ، وعن حذيفة - رضي الله عنه - ، قال : " قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : فيمر أولكم كالبرق ، قلت : بأبي أنت وأمي ، أي شيء كمر البرق ؟ ، قال : ألم تروا إلى البرق ، كيف يمر ويرجع في طرفة عين ؟ " (3) .
صدق الله العظيم البرق فى الاصطلاح الصوفى :
والبرق عند الصوفية وضع للدلالة على شئ يظهر على العبد من اللوامع ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص63 ، وانظر لطائف الإعلام 1/ 276.
2. المفردات ص43 ، وانظر فتح القدير 1/48 بتصرف ، ولسان العرب 10/14 .
3. أخرجه مسلم فى الإيمان (195) 1/186 ، وأحمد فى المسند برقم (10743) .
النورانية فينجذب بها نحو الحق (1) ، يقول الكاشانى عن البرق : ( البرق أول ما يبدوا لأهل البداية من اللوامع النورية ، فيدعوه إلى الدخول فى حضرة القرب من الرب للسير فى اللَّه ) (2) .(13/17)
وتارة يطلق البرق ويراد به نور يقذفه اللَّه فى قلب العبد ، فيدعوه إلى الدخول إلى حضرته يقول ابن عربى : ( فتلك سكينة الأولياء التى يسكنون إليها ، ولا تحصل لهم دائما لكن لهم اختلاسات فيها كالبروق ، فهى تشبه المشاهد الذاتية فى كونها لابقاء لها ، يقول :
فيا راعى النجم كن لى نديما : وياساهر البرق كن لى سميرا ) (3) .
وتارة يطلق ويراد به لائح إطلاقى مددى مترتب على قلق يغيب العبد عن أثر تعينه ، قاهر له سائر لظلمة ذلك الأثر بالكلية (4) .
وتارة يصطلح بالبرق على أول ما يبدو من الأنوار الجاذبة إلى حضرة القرب من الرب ، ويعبر بالحرق عن أوسطها ، وبالطمس عن نهايتها (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 1/203 .
2. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص63 والتعريفات ص47 .
3. الفتوحات المكية 2/ 98 ، ترجمان الأشواق ص66 .
4. لطائف الأعلام 1/ 277 .
5. السابق 1/ 277 .
**********************************
10 - البقرة
**********************************
صدق الله العظيم البقرة : حيوان معروف مفرد البقر ، ويقال للذكر ثور (1) ، قال تعالى عن بنى إسرائيل : { إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } [البقرة/70] ، وقال : { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ } [البقرة/68] وكان اللَّه قد أمر بعض بنى إسرائيل تحاكموا إلى موسى فى مقتل قريبهم ، أن يذبحوا بقرة ، ويضربوا الميت ببعضها ، ففعلوا وأخبرهم المقتول عن قاتله .
قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ } [البقرة/67] .(13/18)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لأعرفن ما جاء اللَّه رجل ببقرة لها خوار ، تجأرون ترفعون أصواتكم كما تجأر البقرة " (2) .
وجميع ما ورد فى القرآن من ذكر البقرة مفردة كما سبق أو مجموعة على بقر أو بقرات كقوله : { وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ } [يوسف/43] فالمعنى المراد هو الحيوان المعروف .
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 4/73 ، والمفردات ص56 ، والمغرب للمطرزى 1/82 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الأحكام برقم (7174) 13/175 ومسلم فى كتاب الإمارة برقم (1832) 3/1463 .
صدق الله العظيم البقرة فى الاصطلاح الصوفى :
أما البقرة فى عرف الصوفية واصطلاحهم ، فهى النفس إذا استعدت للرياضة وبدت فيها صلاحية قمع الهوى الذى هو حياتها ، كما يكنى عنها بالكبش قبل ذلك وبالبدنة بعده (1) .
يقول القشيرى عن أمر اللَّه لبنى إسرائيل بذبح البقرة : ( إن من أراد حياة قلبه لا يصل إليه إلا بذبح نفسه ، فمن ذبح نفسه بالمجاهدات ، حى قلبه بأنوار المشاهدات، ففى ذبح النفس حياتها كما فى ذبح البقرة حياة قتيل بنى إسرائيل (2) .
ويذكر الكاشانى أن البقرة فى عرف الصوفية يكنى بها عن نفس الإنسان إذا كانت قد كملت ، واكتملت فى أوصافها الحيوانية ، حتى صارت تلك الصفات راسخة فيها ، بحيث لا ينجيها من دواعيها الجاذبة ، إلى الخيبة السافلة ، بتسلط الغضب والشهوة وتوابعهما عليها ، إلا التجرد التام الذى معناه الخروج عن قيود السفليات بالكلية ، وعن جميع الحظوظ النفسية المعبر عن ذلك بالذبح والقتل بلسان الصوفية ، فى قوله تعالى :
{ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } [البقرة/54] .
ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص64 .
2. لطائف الإشارات 1/99 .(13/19)
قال جعفر الصادق : ( فمن تاب فقد قتل نفسه ) ، وقد يشار إلى البقرة بالبدنة ، وبالكبش إلى شبح الإنسان فى أطوار عمره ، فقد كان شبحه فى عنفوان شبابه كبشا ، وفى زمان كهولته بقرة ، وفى وقت شيخوخته بدنة ولهذا فإن رؤية إبراهيم عليه السلام ذبح ولده ، فى قوله تعالى حكاية عنه صلى الله عليه وسلم : { قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى } [الصافات/102] ، لما كانت فى أيام طفولة ولده جعل اللَّه تعالى الكبش فداء عنه ، وقد يشار بهذه الحيوانات الثلاث فى أحوال الإنسان إلى رتبته ، وذلك هو أن كل ما يتقوم به بقاء الإنسان ، إما أن يحصل منه مجرد البقاء مدة إمكان البقاء ، ويشار إليه بلفظ الكبش ، أو يصلح مع حفظ البقاء لرياضة واجتهاد ، وينال صاحبها ثمرة فى ثانى الحال ، ويشار إليه بالبقرة ، أو يصلح مع ذلك لقطع المنازل والمراحل ، والوصول إلى المطالب العلية ، ويشار إليه بالبدنة ، ولهذا كان التقرب بالبدنة ، أعظم منزلة من التقرب بالبقرة ، والتقرب بالبقرة أعظم منزلة من التقرب بالكبش (1) .
**********************************
11 - البيت الحرام
**********************************
صدق الله العظيم البيت الحرام : أول بيت وضع للناس فى مكة المكرمة ، قال تعالى : { إِنَّ ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 1/ 289 :291 .
أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } [آل عمران/96: 97] فالبيت الكعبة غلب عليها كالنجم على الثريا (1) .
وقال تعالى : { جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ } [المائدة/97] قال الشوكانى فى معنى الآية : جعل هنا بمعنى خلق ، وسميت الكعبة كعبة لأنها مربعة والتكعيب التربيع (2) .(13/20)
وأكثر بيوت العرب مدورة لا مربعة وقيل سميت كعبة لنتوئها وبروزها وكل بارز كعب ، مستديرا كان أو غير مستدير ومنه كعب القدم والبيت الحرام عطف بيان وسمى بيتا لأن له سقوفا وجدران وهى حقيقة البيت وإن لم يكن به ساكن وسمى حراما لتحريم اللَّه سبحانه إياه (3) .
وقد جعل البيت الحرام لغايات محددة ، بينها اللَّه فى عهده إلى إبراهيم وإسماعيل فقال سبحانه : { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } [البقرة/125] ، وقال تعالى : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ ــــــــــــــــــــ
1. أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوى 1/35 .
2. فتح القدير 2/79 ، التكعيب وحدة حجوم والتربيع وحدة مساحة ، وليس هذا المقصود هنا وإنما يعنى أن لها أضلاع إما متساوية وإما مختلفة ، وانظر تفسير القرطبى 17/60 ، وتفسير الطبرى 7/77 .
3. السابق 2/79 .
وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِوَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } [الحج/26 ، 27] .
وخص اللَّه البيت الحرام عن سائر مساجد الأرض ، بمضاعفة أجر الصلاة فيه إلى مائة ألف ، لما ثبت عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة في مسجدي ، أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام ، أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه " (1) .
صدق الله العظيم البيت الحرام فى الاصطلاح الصوفى :
البيت الحرام فى الاصطلاح الصوفى ، يعنى قلب الإنسان الكامل الذى حرم على غير الحق أن يتصرف فيه ، وقد استدل عبد الرزاق الكاشانى له بقوله تعالى :(13/21)
{ وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } [الحج/26] ، يقول : فمن باب الإشارة هو القلب الذى وسع الحق ، واختص بكونه مستوى الحق بذاته ، وبجميع أسمائه وصفاته ، دون غيره من سائر المخلوقات (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه ابن ماجة فى كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها برقم (1406) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 1/451 وأحمد فى المسند برقم (14284) .
2. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص64 ، لطائف الإعلام 1/ 292 ،293 وانظر أيضا مشاهدة الأسرار القدسية لابن عربى ص52 .
**********************************
12 - البيت المعمور
**********************************
صدق الله العظيم البيت المعمور : العمارة نقيض الخراب ، قال تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ } [التوبة/18] ، وقال فى المقابل : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا } [البقرة/114] (1) .
والبيت المعمور ورد مقسوما به فى قوله اللَّه تعالى : { وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ } [الطور/1 :4] وهو بيت فى السماء السابعة لا نعلم هيئته ، عماره من الملائكة (2) .
وقد رآه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عندما عرج به إلى السماء السابعة ليلة الإسراء والمعراج ، فقال فى وصفه : " فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال : هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص347 ، وانظر تفسير القرطبى 10/80 .(13/22)
2. أنوار التنزيل وأسرار التأويل 2/232 والعظمة لأبى محمد الأصفهانى 2/623 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3207) 6/348 .
وفى رواية أخرى " فإذا أنا بإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ، مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يعودون إليه " (1) ، وذكر ابن عمر أنه بحيال الكعبة (2) .
صدق الله العظيم البيت المعمور فى الاصطلاح الصوفى :
والبيت المعمور عند الصوفية ، يعنى قلب الإنسان ، فهو محل الحق ولا يخلو عندهم أبدا ممن يعمره ، قال سهل بن عبد اللَّه التسترى (ت:293هـ) فى تفسيره : ( البيت المعمور قلوب العارفين ، المعمورة بمعرفته ومحبته والأنس به وهو الذى تحجه الملائكة ، لأنه بيت التوحيد ) (3) .
يقول القشيرى (ت:465هـ) : ( البيت المعمور هو قلوب العابدين العارفين المعمورة بمحبته ومعرفته ) (4) وقال أيضا : ( البيت المعمور مواضع عباداتهم ومجالس خلواتهم ) (5) .
ويقول ابن عربى فى وصف معراجه الروحانى (ت:638هـ) : ( ثم رأيت البيت المعمور فإذا به قلبى ، وإذا بالملائكة تدخله كل يوم ، وقد تجلى الحق ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (162) 1/145 .
2. فتح القدير 5/96 .
3. تفسير سهل بن عبد اللَّه التسترى ص 94، 95 .
4. لطائف الإشارات 3/472 .
5. الفتوحات الكية 3/ 350 .
له فى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ، فهو يتجلى فيها لقلب عبده ، لو تجلى دونها ، لأحرقت سبحات وجهه عالم الخلق من ذلك العبد ) (1) .(13/23)
وقال عبد الكريم الجيلى (ت:829هـ) : ( البيت المعمور قلب الإنسان فهو محل الحق ، ولا يخلو أبدا ممن يعمره ، إما روح إلهى قدسى ، أو ملكى أو شيطانى أو نفسانى ، وهو الروح الحيوانى ، فلا يزال معمورا بمن فيه من السكان ، قال اللَّه تعالى : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ } [التوبة/18] (2) .
**********************************
13 - البيضاء
**********************************
صدق الله العظيم البيضاء : البياض فى الألوان ضد السواد ، ويكون ذلك فى الإنسان والحيوان وغير ذلك مما يقبله (3) .
قال تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } [آل عمران/106] وقال تعالى : { يُطَافُ ــــــــــــــــــــ
1. السابق 3/472 .
2. الإنسان الكامل 1/79 .
3. لسان العرب 7/122 ، وكتاب العين 7/68 .
عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ } [الصافات/46] وقوله : { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ } [الأعراف/ 108] ، أى فإذا يده التى أخرجها بيضاء تتلألأ نورا يظهر لكل مبصر (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن سول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود " (2) .
كما ورد لفظ البيضاء على معنى الأرض الخالية من الزراعة والتى لا ينتفع منها فعن جابر - رضي الله عنه - ، قال : " نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، عن بيع الأرض البيضاء سنتين أو ثلاثا " (3) .(13/24)
وربما أطلق على القمح البيضاء ، لما روى عن عبد اللَّه بن يزيد ، أن زيدا أبا عياش سأل سعدا عن البيضاء بالسلت (4) ؟ ، فقال : أيهما أفضل ؟ قال : البيضاء ، فنهى عن ذلك " (5) .
صدق الله العظيم البيضاء فى الاصطلاح الصوفى :
البيضاء فى الاصطلاح الصوفى لفظ موضوع على معنى مختلف عما ورد فى ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص66 ، وانظر فتح القدير 2/231 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق برقم (6529) 11/385 .
3. أخرجه مسلم فى كتاب البيوع برقم (1536) 3/1174 .
4. البيضاء القمح ، والسلت الشعير الأبيض الذى لا قشر له .
5. أخرجه الترمذى فى كتاب البيوع (1225) وقال الألبانى : صحيح 3/528 .
الأصول القرآنية والنبوية ، فجعلوا البيضاء مركز العماء ، وجعلوا الدرة البيضاء بمعنى العقل الأول ، أخذا من بعض الأحاديث الموضوعة .
قال عبد الرزاق الكاشانى : ( الدرة البيضاء هى العقل الأول ، لقوله عليه السلام : ( أول ما خلق اللَّه درة البيضاء ) ، والحديث الآخر : ( أول ما خلق اللَّه العقل ) (1) .
فالعقل الأول هو مركز العماء ، وأول منفصل من سواد الغيب ، وهو أعظم نيران فلكه ، فلذلك وصف بالبياض ليقابل بياضه سواد الغيب ، فيتبين بضده كمال التبين ، ولأنه أول موجود ، ويرجع وجوده على عدمه ــــــــــــــــــــ(13/25)
1. الصوفية يحتجون بأحاديث العقل وأغلبها موضوع أو ضعيف كقوله : ( إن الله لما خلق العقل قال له : أقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر ، فأدبر فقال : وعزتي وجلالي ما خلقت أشرف منك فبك آخذ وبك أعطي ) وغيره ، قال في المقاصد نقلا عن ابن تيمية وغيره أنه كذب موضوع باتفاق ، وفي زوائد عبدالله بن الإمام أحمد على الزهد لأبي بسند فيه ضعف عن الحسن البصري مرفوعا مرسلا : ( لما خلق الله العقل قال له : أقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر ، فأدبر ، قال : ما خلقت خلقا أحب إلي منك بك آخذ وبك أعطي ) وأخرجه داود بن المحبر في كتاب العقل له ، وهو كذاب عن الحسن أيضا بزيادة ولا أكرم علي منك لأني بك أعرف وبك أعبد ، وفي الكتاب المذكور لداود من هذا النمط أشياء منها : أول ما خلق الله العقل وذكره ، لكن ذكره في الاحياء ، وقال العراقي في تخريج أحاديثه : أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وأبو نعيم باسنادين ضعيفين ، انظر كشف الخفا ومزيل الإلباس ( 723) 1/275 .
والوجود بياض والعدم سواد ، ولذلك قال بعض العارفين فى الفقر : ( إنه بياض يتبين فيه كل معدوم ، وسواد ينعدم فيه كل موجود ) فإنه أراد بالفقر فقر الإمكان (1) .
وعند ابن عربى : الدرة البيضاء هى العقل الأول ، وهو أول ما أوجد اللَّه من عالم العقول المدبرة ، وهو جوهر بسيط ليس بمادة ولا فى مادة ، عالم بذاته فى ذاته ، علمه ذاته لا صفة له ، مقامه الفقر والذلة والاحتياج إلى باريه وموجده ومبدعه ، له نسب وإضافات ووجوه كثيرة لا يتكثر فى ذاته ، سماه الحق سبحانه وتعالى فى القرآن حقا وقلما وروحا ، وفى السنة عقلا وغير ذلك من الأسماء .(13/26)
قال اللَّه تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقّ ِ } [الحجر/85 ] وهو أول عالم التدوين والتسطير ، وهو الخازن الحفيظ العليم الأمين على اللطائف الإنسانية التى من أجلها وجد ، ولا يزال هذا العقل مترددا بين الإقبال والإدبار ، يقبل على باريه مستفيدا فيتجلى له ، فيكشف فى ذاته من بعض ما هو عليه ، فيعلم من باريه قدر ما علم من نفسه ، فعلمه بذاته لا يتناهى ، وعلمه بربه لا يتناهى ، وطريقة علمه به التجليات وطريقة علمه بربه علمه به ، ويقبل على من دونه مفيدا ، هكذا أبد الآباد فى المزيد فهو الفقير الغنى ، العزيز الذليل ، العبد السيد ، ولا يزال الحق يلهمه طلب ــــــــــــــــــــ
1. انظر معجم اصطلاحات الصوفية لعبد الرزاق لكاشانى ص7 2 ، وله أيضا رشح الزلال ص130 .
التجليات لتحصيل المعارف (1) .
ويقول ابن عربى : فحال الرتق ، هى كون العالم بأسره عقلا محضا كما جاءت الأخبار الصحيحة حيث أخبر صلى اللَّه عليه وسلم : " إن أول ما خلق اللَّه عز وجل درة بيضاء " ، فتلك الدرة هى العقل الذى أخبر به - صلى الله عليه وسلم - : " أول ما خلق اللَّه العقل " وذلك العقل هو نور رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الذى أخبر عنه ، فيما رواه جابر - رضي الله عنه - قال : " سألت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن أول شئ خلقه اللَّه تعالى ؟ ، فقال : هو نور نبيك يا جابر ، خلقه اللَّه ، ثم خلق فيه كل خير ، وخلق بعده كل شئ " ، فقد تبين لك بهذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كل العالم ، وأن كل جزء من العالم مظهر له ، من حيث اتحاده ، وجزء منه وبعضه وغيره ، من حيث امتيازه وانفراده ، إذ نوره - صلى الله عليه وسلم - الذى هو العقل أصل العالم " (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. انظر عقلة المستوفذ ص40 ،41 وانظر اصطلاح الصوفية لابن عربى ص12والفتوحات المكية 2/421 .(13/27)
2. بلغة الخواص الورقات 8 :10 والأحاديث المذكورة فى كلام الكاشانى وابن عربى عن اول ما خلق الله ، ليس هما أصل فى السنة ، والثابت فى أول خلق اللَّه هو القلم كما فى سنن أبى داود عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن أول ما خلق اللَّه القلم ، فقال له : اكتب ، قال : رب وماذا أكتب ؟ قال : اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ) ، وقال الحافظ ابن حجر : والوارد في أول ما خلق الله ، حديث أول ما خلق الله القلم ، وهو أثبت من حديث =
**********************************
14 - التدانى والتدلى
**********************************
صدق الله العظيم التدانى والتدلى : ورد اللفظان فى قوله تعالى : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } [النجم/8،9] والتدانى القرب ، كما فى قول الله تعالى : { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } [الحاقة/23] والتدلى الدنو الاسترسال (1) ، والمعنى الوارد فى سورة النجم على وجهين :
1- أحدهما يرتبط بالمعنى السابق من الآيات ، فبعد أن رأى رسول اللَّه جبريل فى الأفق الأعلى من جهة المشرق وهو فى الغار ، دنا منه جبريل حتى كان على قدر زراع أو زراعين ، أو كما ورد فى الآية كان قاب قوسين أو أدنى (2) ، ثم أوحى اللَّه إلى نبيه ما أمر جبريل بتبليغه إياه : { فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } [النجم/10] ويؤكد هذا المعنى ما روى عن مسروق قال : ــــــــــــــــــــ
= العقل ، أخرجه أبو داود فى كتاب السنة برقم (4700) انظر تعليق الشيخ الألبانى على شرح العقيدة الطحاوية ص 234طبعة مكتبة الدعوة الإسلامية وانظر كشف الخفا ومزيل الإلباس ( 723) 1/275 .
1. انظر كتاب العين للخليل بن أحمد 8/75 ، ولسان العرب لابن منظور 14/271 والمفردات فى غريب القرآن ص171.
2. تفسير ابن جرير الطبرى 15/4 ، وفتح القدير 5/110 .(13/28)
قلت لعائشة رضي اللَّه عنها : فأين قوله : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } ؟ قالت : ذاك جبريل ، كان يأتيه في صورة الرجل ، وإنه أتاه هذه المرة في صورته التي هي صورته فسد الأفق " (1) .
2- والثانى يرتبط بالمعراج ليلة الإسراء ، والمقصود بالتدانى هو دنو النبى - صلى الله عليه وسلم - من رب العزة ، ويؤكد هذا المعنى ما روى من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " وإبراهيم في السادسة ، وموسى في السابعة ، بتفضيل كلام اللَّه ، فقال موسى : رب لم أظن أن يرفع علي أحد ، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا اللَّه ، حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا للجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى اللَّه فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة " (2) .
صدق الله العظيم التدانى والتدلى فى الاصطلاح الصوفى :
أما المعنى الصوفى لهذين الاصطلاحين ، فالقشيرى يفسر الدنو والتدلى تفسيرا باطنيا ، فيقول : ( دنا محمد من ربه بما أودع من لطائف المعرفة وزوائدها فتدلى بسكون قلبه إلى ما أدناه ) (3) .
وعند ابن عربى : التدانى معراج المقربين والتدلى نزولهم ، وقد يطلق بإزاء
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3235) 6/361 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب التوحيد برقم (7517) 13/485 .
3. لطائف الإشارات 1/482 .
نزول الحق إليهم عند التدانى (1) .(13/29)
ويشرح الكاشانى ذلك بأن التدانى معراج المقربين ، ومعراجهم العامر بالأصالة ، ينتهى إلى حضرة قاب قوسين ، وكحكم الوراثة المحمدية ، ينتهى إلى حضرة قاب قوسين أو أدنى ، وهذه الحضرة هى رقيقة التدنى ، والتدلى نزول المقربين بوجود الصحو المفيق ، بعد ارتقائهم إلى منتهى مناهجهم ويطلق بإزاء نزول الحق من قدس ذاته ، الذى لا يطأ قدم استعداد السوى إليهم ، حيثما تقتضى سعة استعدادهم وضيقها ، فإن أفلاك كمالات القوابل متفاوتة فى السعة والضيق عند التدانى على خلاف معارجهم أيضا (2) .
**********************************
15 - التلبيس
**********************************
صدق الله العظيم التلبيس : اللبس الخلط ، يقال : لبست عليه الأمر أى خلطته قال تعالى : ــــــــــــــــــــ
1. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص13 .
2. رشح الزلال ص132 وانظر التعريفات ص56 ، ولعل القارئ يلاحظ المنهج المتكرر فى عرض مثل هذه المعانى المعقدة الغريبة الهمجية التى لا يصل منها العاقل إلى شئ يذكر ، أو هدية تنير له الطريق ، وهم يتعمدون هذا فى كلامهم حتى يقال : التصوف بعيد الأغوار ، ولا يفهمه إلاهم ، ولو عرضنا هذا الكلام على شيخ مشايخ الطرق الصوفية فى عصرنا الحاضر ، ليقربه إلى أذهان الصوفية فضلا عن العامة ، لكان فى وضع لا يحسد عليه .
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } [الأنعام/82] (1) ، وقال عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - : " من طلق كما أمره اللَّه فقد بين اللَّه الطلاق ، ومن لبس على نفسه وكلنا به لبسه ، واللَّه لا تلبسون على أنفسكم ونتحمله نحن " (2) .(13/30)
وأصل اللبس الستر بالثوب ونحوه ، كقوله تعالى : { يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } [الأعراف/26] .
وجعل اللباس لكل ما يستر الإنسان ، سواء حسيا كما سبق ، أو معنويا كقوله : { هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ } [البقرة/187] (3) .
ومصطلح التلبيس أخذ الصوفية لفظه من قوله تعالى : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } [الأنعام/9] ومعنى الآية : لو جعلنا الرسول ملكا كما يرغبون ، فإنه سيشق عليهم التعامل معه مباشرة ، لكون كيفيته لا تتناسب مع خلقتهم ، مما يحتم أن يكون رجلا بالضرورة ، فتتم المصلحة من الرسالة ، وإذا جعله اللَّه رجلا أى على صورة رجل من بنى آدم ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 1/738 ، فتح القدير 2/101 .
2. صحيح الإسناد ، أخرجه الدارمى فى المقدمة برقم (110) 1/60 ، وعبد اللَّه بن مسعود قال ذلك فى شأن رجل طلق زوجته مائة مرة فى كلمة واحدة .
3. كتاب العين 7/262 ، فتح القدير 1/101 .
ليسكنوا إليه ويأنسوا به ، سيقول الكافرون : إنه ليس بملك وإنما هو بشر ويعودون إلى تكذيبه كما هو الحال ، وهنا يكون الابتلاء بالتصديق أو التكذيب ، فقوله تعالى : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } [الأنعام/9] أى لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم ، فإذا رأوه فى صورة إنسان ، قالوا : هذا إنسان وليس بملك ، فإن استدل لهم بأنه ملك كذبوه (1) .
صدق الله العظيم التلبيس فى الاصطلاح الصوفى :(13/31)
يذكر السراج الطوسى أنهم يعنون بالتلبيس تحلى الشئ بنعت ضده ، كما قال الواسطى : ( التلبيس عين الربوبية ) ، يقول السرا ج معقبا : ( معناه أن المؤمن يظهره فى زى الكافر ، والكافر فى زى المؤمن ، كما قال الله تعالى : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } ، وقال الجنيد بن محمد فى ذلك : امتزج بالالتباس واختلط متلونا فى الإحساس ، وللقناد فى هذا المعنى :
بنا يكشف التلبيس فى كل ماكر
إذا طاح فى الدعوى وطاح انتحاله (2) .
ويقول على بن عثمان الهجويرى : ( التلبيس إظهار الشئ للخلق على خلاف حقيقته ، تلبيسا لقوله تعالى : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ } ، وهذه الصفة محالة لغير الحق ، لأنه يظهر الكافر بالنعمة مؤمنا ، والمؤمن بالنعمة ــــــــــــــــــــ
1. تفسير القرطبى 1/340 ، وتفسير ابن جرير الطبرى 7/153 زالسابق 1/101 .
2. اللمع ص449 .
كافرا ، إلى وقت إظهار حكمه فى كل شخص ، وحين يخفى واحد من هذه الطائفة خصاله المحمودة بصفاته المذمومة يقولون : إنه يلبس (1) .
وعند القشيرى : التلبيس أن من لم يقدس سره لبس عليه أمره (2) .
ويذكر الكاشانى أن التلبيس هو ظهور الذات بالتعينات ، لما يحصل من اللبس فى معرفتها ، كما قال عمرو بن الفارض :
وتظهر للعشاق فى كل مظهر : من اللبس فى أشكال حسن بديعة
ففى مرة لبنى وأخرى بثينة : وآونة تدعى بعزة عزت
يقول الكاشانى معقبا : وقوله عزت أى عن هذا اللبس الحاصل لمن يشاهدها فى المظهر حيث يظنها منحصرة فيه ، وهو عز وجل أن يتقيد بشئ من المظاهر (3) .
**********************************
16 - التلوين
**********************************
صدق الله العظيم التلوين : تلون إذا اكتسى لونا غير اللون الذى كان له (1) ، وعن عروة ــــــــــــــــــــ
1. كشف المحجوب ص474 .
2. لطائف الإشارات 1/462 .
3. لطائف الإعلام 2/257، 258 .
4. لسان العرب 13/393 ، والمفردات ص457 .(13/32)
بن الزبير - رضي الله عنه - : " أن امرأة سرقت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، في غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه ، قال : عروة فلما كلمه أسامة فيها ، تلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : أتكلمني في حد من حدود الله ؟ قال : أسامة استغفر لي يا رسول الله .. " (1) .
ومن حديث أبى عمر الغداني عن أبى هريرة - رضي الله عنه - ، أنه قال للعامرى : " إياك وأخفاف الإبل ، وأظلاف الغنم ، يردد ذلك عليه حتى جعل لون العامري يتلون " (2) .
وقال تعالى : { وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } [فاطر/27] وقال : { وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ } [الروم/22] إشارة إلى أنواع الألوان ، واختلاف الصور التى يختص كل واحد بهيئة غير هيئة صاحبه ، وسحنا غير سحنائه، مع كثرة عددهم (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " التمر بالتمر ، والحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، والملح بالملح ، مثلا بمثل ، يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، إلا ما اختلفت ألوانه " (4)
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب المغازى برقم (3965) 7/346 .
2.جزء من حديث أخرجه أحمد فى المسند برقم (9977) واللفظ له ، وأخرجه البخارى فى كتاب الزكاة برقم (1402) 3/314 .
3. المفردات ص457 .
4. أخرجه مسلم فى كتاب المساقاة برقم (1588) 3/1211 .
وعنه أيضا : " أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله ، ولد لي غلام أسود ، فقال : هل لك من إبل ؟ ، قال : نعم قال : ما ألوانها ؟ قال : حمر ، قال : هل فيها من أورق ؟ ، قال : نعم قال : فأنى ذلك ؟ قال : لعله نزعه عرق ، قال : فلعل ابنك هذا نزعه " (1) .
صدق الله العظيم التلوين فى الاصطلاح الصوفى :(13/33)
التلوين فى الاصطلاح الصوفى مبنى على معنى التقليب وعدم الاستقرار ولكن لمعان مختلفة :
فيذكر السراج الطوسى (ت : 378هـ) أن التلوين ، هو تلون العبد فى أحواله ، فعلامة الحقيقة التلوين ، لأن التلوين ظهور قدرة القادر ، ويكتسب منه الغيرة ، ومعنى التلوين معنى التغير ، فمن أشار إلى تلوين القلوب وتغير الأحوال قال : ( علامة الحقيقة رفع التلوين ) ، ومن أشار إلى تلوين القلوب والأسرار الخالصة لله تعالى فى مشاهدتها ، وما يرد عليها من التعظيم والهيبة وغير ذلك من تلوين الواردات ، فقال : ( علامة الحقيقة التلوين ) ، لأنهم فى كل سير مع اللَّه تعالى فى زيادة من تلوين الواردات على أسرارهم ، وأما تلوين الصفات ، فهو كما قال القائل :
كل يوم تتلون : غير هذا بك أجمل (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الطلاق برقم (4893) 8/506 .
2. اللمع ص443 .
وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ) : ( التلوين صفة أرباب الأحوال ، فما دام العبد فى الطريق ، فهو صاحب تلوين ، لأنه يرتقى من حال إلى حال ، وينتقل من وصف إلى وصف ، ويخرج من مرحل ويحصل فى مربع ، فإذا وصل تمكن ، وصاحب التلوين أبدا فى الزيادة ، وصاحب التمكين وصل تم اتصل ، فالعبد ما دام فى الترقى ، فصاحب تلوين يصح فى نعتة الزيادة فى الأحوال والنقصان منها ) (1) .
أما السهروردى (ت:632هـ) فالتلوين عنده ، يكون لأرباب القلوب لأنهم تحت حجب القلوب ، وللقلوب تخلص إلى الصفات ، وللصفات تعدد بتعدد جهاتها ، فظهر لأرباب القلوب بحسب تعدد الصفات تلوينات ، ولا تجاوز للقلوب وأربابها عن عالم الصفات ، وصاحب التلوين قد يتناقض الشئ فى حقه عند ظهور صفات نفسه ، وتغيب عنه الحقيقة فى بعض الأحوال ويكون ثبوته غير مستقر الإيمان ، وتلوينه فى زوائد الأحوال (2) .(13/34)
ويقول ابن عربى (ت:638هـ) فى معنى التلوين : ( التلوين تنقل العبد فى أحواله ، وهو عند الأكثرين مقام ناقص ، وعندنا هو أكمل المقامات وحال العبد فيه حال قوله تعالى : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن/29] (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة 1/252 ، 255 ، وانظر كشف المحجوب ص 617 ، والإملاء عن إشكالات الإحياء ص65.
2. عوراف المعارف ص529 .
3. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص10وانظر لطائف الإعلام 1/346 .
ويوضح الكاشانى رأى ابن عربى ، فيذكر أن التلوين هو الاحتجاب عن حكم أو حال ، أو مقام سنى بآثار حال ، أو مقام دينى ، وعدمه على التعاقب ، وآخره التلوين فى مقام تجلى الجمع بالتجليات الأسمائية فى حال البقاء بعد الفناء ، وإنما قال ابن عربى : إنه عندنا أكمل المقامات ، وعند الأكثرين مقام ناقص ، لأنه أراد بالتلوين الفرق بعد الجمع ، إذ لم يكن كثرة الفرق حاجته عن وحدة الجمع ، وهو مقام أحدية الفرق فى الجمع وانكشاف حقيقة معنى قوله : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن/29] ، ولا شك أنه أعلى المقامات ، وعند هذه الطائفة ذلك نهاية التمكين ، وأما التلوين الذى هو آخر التلوينات ، فهو عند مبادى الفرق بعد الجمع يحتجب الوجد بظهور آثار الكثرة عن حكم الوحدة (1) .
ويرى الجيلى (ت:829هـ) أن التلوين مشهد ذاتى ، يتلون فيه الصوفى بمعانى الأسماء والصفات ، فيغلب عليه فى كل زمان حكم صفة ، فيكون فى لون غير ما كان عليه من قبل ، وفى هذا المشهد يجد من اللذة الإلهية ، ما يسرى فى جميع أجزائه ، إلى أن تكاد تخرج روحه من عالم التركيب إلى عالم الأرواح ، لشدة اللذة المنطبعة فيه ، يجدها حكم الضرورة محسوسة ، كما يجد لذة المحسوسات (2) .
يقول الجيلى : ( وقد أخذت هذه اللذة فقيرا عن محسوساته حتى غاب ــــــــــــــــــــ
1. معجم الكاشانى ص174 ،175 .
2. المناظر الإلهية لعبد الكريم الجيلى ص117 .(13/35)
عن الكون وما فيه ، فلما رجع إلى نفسه ، وجده قد أمنى لما سرت فيه اللذة الروحانية ، فعمت الروح والقلب ، ثم أفاضت على بشرة جسده فأعطاه الجسد حكم بشريته فكان ما كان ، وقد أنكر هذا الحال بعض المشايخ المتقدمين من علماء الصوفية ، فقال : إن ذلك للبقايا التى فيه من البشرية وأين البشرية منه فى هذا المقام ؟ ، بل إنما هو بحكم البشرية فى هيكله الجسمانى ، لا لبقاياها فى نفسه المطهرة فاعلم (1) .
**********************************
17 - التمكين
**********************************
صدق الله العظيم التمكين : يقال مكنته ومكنت له فتمكن ، أى ثبته فاستقر له الأمر والنهى فيه (2) وقال تعالى : { وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص117 ، وانظر أيضا جامع الأصول للكمشخانوى ص157 ، والصوفية من أصحاب الوحدة يعتقدون أن المرأة أفضل ما يتعين فيه الخالق تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ، ويعشقون المرأة ويعاشرونها على أنهم يعبدون رب العزة ، ولذ فلا يستغرب القارئ هذه الزندقة فى قول الجيلى : وقد أخذت هذه اللذة فقيرا عن محسوساته حتى غاب عن الكون وما فيه ، فلما رجع إلى نفسه ، وجده قد أمنى لما سرت فيه اللذة الروحانية ، فعمت الروح والقلب ، ثم أفاضت على بشرة جسده فأعطاه الجسد حكم بشريته فكان ما كان .
2. لسان العرب 13/412 ، والمفردات ص471 .
مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ } [الأعراف/10] وقال { وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ } [يوسف/21] ، أى مكنا ليوسف عليه السلام فى مصر حتى صار متمكنا من الأمر والنهى فيها (1) .
وعن أبى بن كعب - رضي الله عنه -، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " بشر هذه الأمة بالسناء والتمكين في البلاد والنصر والرفعة في الدين ، ومن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة نصيب " (2) .(13/36)
وقالت أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ودعونا اللَّه للنجاشي بالظهور على عدوه ، والتمكين له في بلاده " (3) .
صدق الله العظيم التمكين فى الاصطلاح الصوفى :
التمكين فى الاصطلاح الصوفى ضد التلوين على وجه الإجمال ، أما على وجه التفصيل فكل صوفى يعبر عنه بما يراه مناسبا من وجهة نظره ورؤيته للأدلة ، فيستدل أبو على الدقاق للتمكين بحال امرأة العزيز ، حيث أن النسوة اللاتى قطعن أيديهن لما رأين يوسف عليه السلام ، كن صاحبات ــــــــــــــــــــ
1. فتح القدير 3/14 وانظر المفردات ص471 .
2. صحيح الإسناد ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (20718) .
3. حسن ، جزء من حديث أخرجه أحمد فى المسند برقم (1742) وفيه محمد بن اسحاق بن يسار وهو صدوق .
تلوين لما ورد عليهن من شهود جمال يوسف على وجه الفجأة : { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } [يوسف/31] .
أما امراة العزيز فكانت صاحبة تمكين ، لأنها أتم فى بلاء يوسف منهن فلم تتغير لرؤيته ، فقالت : { قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ } [يوسف/32] (1) .
والقشيرى يرى أن التمكين هو مقام الرسوخ والاستقرار على الاستقامة وما دام العبد فى الطريق فهو صاحب تلوين ، لأنه يرتقى من حال إلى حال وينتقل من وصف إلى وصف ، فإذا وصل إلى الحق بانخناس أحكام البشرية مكنه الحق سبحانه ، بأن لا يرده إلى معلولات النفس ، فهو متمكن فى حاله على حسب محله واستحقاقه ، فالتمكين صفة أهل الحقائق ، وأمارة أنه وصل إلى التمكين ، أنه بالكلية عن كليته بطل ، والتمكين يرفع التلوين (2) .(13/37)
وقد استدل الهجويرى لمعنى التمكين بشأن موسى عليه السلام ، لما بلغ درجة التمكين ، وسقطت عنه ألوان التلوين حيث أمره اللَّه تعالى بأن يخلع نعليه وأن يلقى عصاه قائلا : { إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى } [طه/12] ، وهذا لكونهما عدة السفر وهو فى حضرة ربه فأول المحبة طلب وآخرها سكون ، والماء إنما يجرى فى مجرى النهر حتى إذا ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 1/252 .
2. السابق 1/252 .
وصل إلى المحيط وقف تياره وتغير طعمه ، فمن طلب الماء لشربه ابتعد عنه أما فى طلب اللؤلؤ ، فإنه يجاهد نفسه ، ويضع حبل الطلب فى رأسه ويغوص تحت الماء برأسه مجدا فى نيل اللؤلؤ ، فإما يجده وإما يفقد نفسه العزيزة ، ولكن موسى كان عرضة للتلوين ، حيث صعق لما تجلى ربه لجبل سيناء كما قال :
{ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا } [الأعراف/ 143] .
أما سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فتمكن حيث أنه لم تتغير حاله مع مكاشفة الحق له بجماله وجلاله من مكة ، إلى قاب قوسين أو أدنى ، فقال : { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } [النجم/17] وهذه درجة أعلى فى التمكين (1) .
وللهجويرى أيضا فى هذا المعنى تفصيل ، فيقول : التمكين عبارة عن إقامة المحققين فى محل الكمال والدرجة العليا ، فيمكن لأهل المقامات العبور من المقامات ، أما العبور من درجة التمكين ، فمحال لأن الأول درجة المبتدئين والثانى مستقر المنتهين ، والتمكين على نوعين : الأول ما تكون نسبته إلى شاهد النفس ، والآخر : ما تكون إضافته إلى شاهد الحق ، فما تكون نسبته إلى شاهد النفس يكون باقى الصفة ، وما تكون حوالته إلى شاهد الحق يكون فانى الصفة ) (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. كشف المحجوب ص450 .
2. السابق ص450 .(13/38)
ويذكر السهروردى أن أرباب التمكين ، هم الذين خرجوا عن مشائم الأحوال ، وخرقوا حجب القلوب ، وباشرت أرواحهم سطوع نور الذات فارتفع التلوين ، لعدم التغير فى الذات ، إذا حلت ذاته عن حلول الحوادث والتغيرات ، فلما خلصوا إلى مواطن القرب من أنصبة تجلى الذات ، ارتفع عنهم التلوين ، فالتلوين حينئذ يكون فى نفوسهم ، لأنها فى محل القلوب لموضع طهارتها وقدسها ، والتلوين الواقع فى النفوس ، لا يخرج صاحبه عن حالة التمكين ، لأن جريان التلوين فى النفس ، لبقاء رسم الإنسانية ، وثبوت القدم فى التمكين كشف حق الحقيقة ، وليس المعنى بالتمكين ، أن لا يكون للعبد تغير فإنه بشر ، وإنما المعنى به أن ما كوشف به من الحقيقة ، لا يتوارى عنه أبدا ، ولا يتناقص بل يزيد ) (1) .
وعند محى الدين بن عربى : التمكين هو التمكين فى التلوين وقبل حال أهل الوصول (2) .
ويشرح الكاشانى المعنى بأن القلب الفائض ، يتحقق بحضرة قاب قوسين لوسيطة تتمانع فيها الأحكام التفصيلية الإلهية والإمكانية ، ترتفع بذلك الأحكام ، ويعود القلب حالتئذ مطلقا محيطا بها إحاطة الشئ بوجوه تقلباته فإذا انتقل من وسيطته المقتضية استواء الأطراف ، ينتقل بتغليب اسم إلهى وترجيح حكم كونى فى حقه إختيارا ، فإن هنالك أبو الوقت الحاكم عليه ــــــــــــــــــــ
1. عوارف المعارف ص529 .
2. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص10 .
يجعله قاضيا بظهور شئ أو بخفائه ، وهذا هو التمكين فى التلوين ، فإنه باختياره يغلب حكم التقييد على إطلاق نفسه ، فينتقل من اسم إلى اسم ومن وجه إلى وجه ، وحكم مع حكم ، مع الحق الذى { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن/29] (1) .(13/39)
والتمكين عند عبد الكريم الجيلى ، هو تجلى الحق تعالى للعبد بذاته من حضرته ، فيتصف حينئذ بأسمائه وصفاته ، فيمكنه بنصب الحضرة الإلهية بين يدى العبد ، فيأخذ فيها ما شاء ، ويترك ما شاء ، ويظهر أثر ما شاء متى شاء (2) ، يقول الجيلى : ( وعند الدخول فى هذا التجلى ، يسمع العبد صلصلة الجرس ، وعند التوسط فيه يرى الرفرف ، والنعلين والتاج والسرير والمتجلى فى ذلك على الصورة المذكورة فى الحديث النبوى ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. رشح الزلال ص160 .
2. المناظر الإلهية ص119 .
3. السابق ص119 ، وهو إما يشير بذلك إلى حديث عائشة عن الحارث بن هشام - رضي الله عنه - ، أنه سأل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول اللَّه كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول " وهو حديث صحيح ، أخرجه البخارى فى كتاب بدء الوحى برقم (2) 1/25 ، وإما يقصد ما هو أبعد من ذلك ، وهو سماع الصوفى كسماع الملائكة للوحى فى الملأ الأعلى ، كما ورد عن بن مسعود - رضي الله عنه - ، قال =
**********************************
18 - الجلاء
**********************************
صدق الله العظيم الجلاء : أصل الجلو الكشف الظاهر يقال : أجليت القوم عن منازلهم فجلوا عنها أى أبرزتهم عنها (1) ، قال الإمام البخارى : " الجلاء الإخراج من أرض إلى أرض " (2) .
والجلاء يطلق أيضا على نوع من الكحل يجلو البصر ويريحه ، فمن? حديث أم حكيم بنت أسيد عن أمها أن زوجها توفي ، وكانت تشتكي عينها ــــــــــــــــــــ(13/40)
= رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " إذا تكلم اللَّه بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة ، كجر السلسلة على الصفا ، فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل ، حتى إذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم ، قال : فيقولون : يا جبريل ماذا قال ربك ؟ فيقول : الحق ، فيقولون : الحق الحق " وهو صحيح ، أخرجه أبو داود فى كتاب السنة برقم (4738) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 4/235 ، وفى رواية أبى هريرة - رضي الله عنه - ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إذا قضى اللَّه الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله ، كالسلسلة على صفوان " صحيح ، أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4701) 8/231 ، ولكن لا علاقة للحديثين بما ذهب إليه غير التواطئ فى سماع صلصلة الجرس وضرب الملائكة بأجنحتها .
1. المفردات ص96 .
2. البخارى فى كتاب تفسير القرآن ، انظر فتح البارى 8/497 .
فتكتحل الجلاء ، فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة ، فسألتها عن كحل الجلاء فقالت : لا تكتحل إلا من أمر لا بد منه (1) .
وقال الشوكانى : الجلاء مفارقة الوطن ، ولا يكون إلا للجماعة ومع الأهل والولد (2) ، ومنه قوله تعالى : { وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّار ِ } [الحشر/3] ويعنى إخراج يهود بنى النضير من المدينة ، كما ثبت ذلك من حديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - ، وفيه : " وغدا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -على بني النضير بالكتائب ، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء ، فجلت بنو النضير ، واحتملوا ما أقلت الإبل " (3) .
صدق الله العظيم الجلاء فى الاصطلاح الصوفى :(13/41)
أما الجلاء الصوفى ، فيذكر الكاشانى أنهم وضعوه على معنى ظهور الذات القدسية لذاته فى ذاته ، والاستجلاء ظهورها لذاته فى تعيناته (4) ، والفرق بين الجلاء والاستجلاء عندهم ، أن الأول عبارة عن ظهور الذات المقدسة فى مرآة الإنسان الكامل ، وأما الثانى عبارة عن جمع الحق بين شهوده نفسه ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه النسائى فى كتاب الطلاق (3537) وقال الألبانى : ضعيف 6/204 .
2. فتح القدير 5 /196 .
3. أخرجه أبو داود فى كتاب الخراج برقم (3004) وقال الشيخ الألبانى : صحيح الإسناد 3/156
4. معجم الكاشانى ص65 وانظر لطائف الإعلام 1/389 .
بنفسه فى نفسه وحضرة وحدانيته ، وبين شهوده نفسه فيما امتاز عنه فيسمى بسبب الامتياز غيرا ، ولم يكن قبل الامتياز كذلك ، وعبارة عن مشاهدة ذلك الغير أيضا ، نفسه بنفسه منذ كونه غيرا ممتازا ، ومشاهدة من امتاز عنه أيضا بعينه ، وعمن امتاز عنه ، فتميز الواحد عمن ثناه بالفرقان النبى الذى حصل بينهما ، فظهر بينهما ضدا ، فانفرد كل بأحديته وجمعيته ?(1) .
**********************************
19 - الجلال
**********************************
صدق الله العظيم الجلال : الجلالة عظم القدر ، والجلال بغير الهاء التناهى فى ذلك فى وصف الجلالة (2) ، وخص الجلال بوصف اللَّه تعالى فقال : { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ } [الرحمن/27] وقال : { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ } [الرحمن/78] ولم يستعمل فى غيره (3) .
والجليل العظيم القدر ووصفه تعالى بالجلال إما لخلقه الأشياء العظيمة المستدل بها عليه أو لأنه يجل عن الإحاطة به أو لأنه يجل أن يدرك بالحواس فى
ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص65 .
2. المفردات ص94،95 ، لسان العرب 11/116 ، والمغرب للمطرزى 1/155.
3. السابق ص95 .(13/42)
الدنيا (1) ، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، " أنه كان مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - جالسا ورجل يصلي ثم دعا : اللَّهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لقد دعا اللَّه باسمه العظيم ، الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى " (2) .
صدق الله العظيم الجلال فى الاصطلاح الصوفى :
الجلال فى الاصطلاح الصوفى يعرفه ابن عربى بأنه نعوت القهر من الحضرة الإلهية كما أن الجمال نعت من نعوت الرحمة (3) .
ويعرفه عبد الرزاق الكاشانى ، بأنه مشاهدة جلال اللَّه تعالى فى القلب (4) ويقول مفسرا ذلك : ( المراد جلال الجمال ، فإن الجلال الذاتى معنى يرجع إليه ، وهذا لأنه عظمة يجدها القلب عند التجلى ، فإذا أفرد غشيانها عليه ذهب بحاله ونعته ، ولكن لا يذهب بعينه ، إذا كان المتجلى له ذا روح ، إذ لها حكم فى مسلك صورتها على ما هى عليه ، ألا ترى أنه لما تجلى لعين الجبل الخالية عن الروح ، خر موسى صعقا ولم تزل صورته وعينه ، ولذلك ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص95 .
2. أخرجه أبو داود فى كتاب الصلاة برقم (1495) وقال الألبانى : صحيح 2/79 .
3. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص5 ، وانظر لطائف الأعلام 1/390 .
4. رشح الزلال ص72 ، ص75 .
أفاق موسى عليه السلام ، وعاد إلى حاله ، ولم يرجع الجبل كما كان جبلا والحق لا يتجلى بالجلال المطلق لأحد أبدا إذ لا يثبت معه وجود الغير ) (1) .
أما الجيلى فقد عرفه بقوله : ( الجلال عبارة عن ذاته ، بظهوره فى أسمائه وصفاته كما هى عليه على الإجمال ، وأما على التفصيل ، فإن الجلال عبارة عن صفات العظمة والكبرياء ، والمجد والثناء ، وكل جمال له يشتد ظهوره فإنه يسمى جلالا ) (2) .(13/43)
ويذكر الجيلى فى أثر الجلال على العبد ، أن اللَّه يتجلى له بصفات القهر والكبرياء والعظمة والقدرة والجبروت ، فيندك جبله وتصعق نفسه ، فيقع فى بحار من الهيبة تتلاطم أمواجها بالنار ، وفى هذا المشهد يسمع العبد صلصلة الجرس ، وأول بدؤه فى الكشف فى هذا المنظر ، يسمع تصادم الحقائق بعضها مع بعض ، فيجد لها أطيطا يملأ ما بين السماء والأرض ، ثم إذا تقوى وثبت لسماع ذلك ، يترقى ويسمع صلصلة الجرس ، عند رفع الستر عن الصفة القاهرة ، وفى هذا المنظر يتصف الأولياء بالصفة القادرية ، فيخترع الرجل منهم ما شاء من عجائب القدرة والتكوينات ، التى لا يسع شرحها ، وما دام العبد فى تجليات الجلال ، فإنه لا يمكنه أن يبرز شيئا من عالم غيبته إلى عالم شهادته ، لأن عالم الشهادة ، يضيق عن حمل ذلك ، فلا تكون ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص72،73 .
3. الإنسان الكامل 1/60 .
اختراعاته وانفعلاته وخرقه للعوائد إلا فى عالم غيبه (1) .
ويذكر التهانوى أن الجلال فى العرف الصوفى ، هو إظهار استغناء المعشوق عن عشق العاشق ، وهو دليل على فناء الوجود ، وغرور العاشق وإظهار فقره ، وبقاء ظهور المعشوق ، كما يكون للعاشق اليقين به (2) .
**********************************
20 - الجلوة
**********************************
صدق الله العظيم الجلوة : أصل الجلو الكشف الظاهر ، يقال : أجليت القوم عن منازلهم فجلوا عنها ، ويقال : فلان ابن جلا أى مشهور ، والسماء جلواء ، أى صحو (3) .
قال تعالى : { وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } [الليل/ 2] ، وقال أيضا : { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } [الأعراف/143] ، وفى حديث جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - : أنه سمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لما كذبتني قريش قمت في الحجر ، فجلا اللَّه لي بيت المقدس ، فطفقت أخبرهم عن آياته ، وأنا أنظر إليه " (4) .
ــــــــــــــــــــ(13/44)
1. المناظر الإلهية ص194 ، 195 .
2. كشاف التهانوى 1/347 .
3. المفردات ص96 ، والقاموس المحيط ص 1641 .
4. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب برقم (3886) 7/236 .
صدق الله العظيم الجلوة فى الاصطلاح الصوفى :
والجلوة كما ذكر محى الدين بن عربى ، تعنى خروج العبد من الخلوة بالنعوت الإلهية (1) ، ويضيف الجرجانى للمعنى الصوفي السابق ، فيقول : الجلوة خروج العبد من الخلوة بالنعوت الإلهية ، إذ عين العبد وأعضاؤه ممحوة عن الأنانية ، والأعضاء مضافة إلى الحق بلا عبد ، لقوله تعالى : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } [الأنفال/17] ، وقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } [الفتح/10] (2) .
**********************************
21 - الجمال
**********************************
صدق الله العظيم الجمال : ما يتجمل به ويتزين به ، وهو يعنى الحسن الكثير ، قال تعالى : { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } [النحل/6] ، أى لكم فيها تجمل وتزين عند الناظرين إليها (3) .
والجميل من أسماء اللَّه الحسنى يدل على صفة الجمال بدلالة التضمن لما ورد فى حديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يدخل ــــــــــــــــــــ
1. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص13 .
2. التعريفات للجرجانى ص80 .
3. لسان العرب 11/123 ، والمفردات ص97 ، وكتاب العين 6/142.
الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، قال : إن اللَّه جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس " (1) .
والصبر الجميل والصفح الجميل ، أحسن ما يكون من الصبر والصفح كما قال تعالى : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } [يوسف/18] ، وقوله : { فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [الحجر/85] (2) .(13/45)
صدق الله العظيم الجمال فى الاصطلاح الصوفى :
الجمال عند ابن عربى نعوت الرحمة والإلطاف من الحضرة الإلهية ، وهو معنى يرجع من اللَّه إلينا فى التنزلات والمشاهدات والأحوال ، وله فينا أمران الهيبة والانس ، وذلك لأن لهذا الجمال دنوا وعلوا ، فالعلو نسميه : جلال الجمال ، وفيه يتكلم العارفون ، وهو الذى يتجلى لهم ، ويتخيلون أنهم يتكلمون فى الجلال الأول ، وهذا جلال الجمال ، قد اقترن معه منا الأنس والجمال الذى هو الدنو ، اقترن معه منا الهيبة ، فإذا تجلى لنا جلال الجمال أنسنا ، ولولا ذلك لهلكنا ، فإن الجلال والهيبة ، لا يبقى لسلطانهما شئ فيقابل ذلك الجلال منه بالأنس منا ، لنكون فى المجاهدة على الاعتدال ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (91) 1/93 .
2. لسان العرب 4/439 ، وفتح القدير 3/141 ، وتفسير البيضاوى 3/279 وانظر تفسير القرطبى 9/150 .
حتى نعقل ما نرى ولا نذهل ، وإذا تجلى لنا الجمال هبنا ، فإن الجمال مباسطة الحق لنا ، والجلال عزته عنا ، فتقابل بسطه معنا فى جماله بهيبته فإن البسط يؤدى إلى سوء الأدب ، وسوء الأدب فى الحضرة سبب الطرد والبعد ، ولهذا قال بعض المحققين ممن عرف هذا المعنى ، اقعد على البساط وإياك والانبساط فإن جلاله فى أنسنا يمنعنا فى الحضرة من سوء الأدب (1) .
والجمال عند الكاشانى ، هو تجلي اللَّه بوجهه لذاته ، فلجماله المطلق جلال ، هو قهاريته للكل عند تجليه بوجهه ، فلم يبق أحد حتى يراه ، وهو علو الجمال ، وله دنو يدنو به منا ، وهو ظهوره من الكل (2) .(13/46)
ويذكر التهانوى أن الجمال عند الصوفية ، عبارة عن إلهام الغيب الذى يرد على قلب السالك ، ويرد أيضا بمعنى إظهار كمال المعشوق فى طلبه للعشق ، والجمال الحقيقى صفة أزلية لله تعالى ، حيث يشاهد الجمال فى ذاته أولا مشاهدة علمية ، وهى علمه تعالى بأنه جميل ، فأراد اللَّه أن يرى جماله فى صنعه مشاهدة عينية ، فخلق العالم كمرآة شاهد فيه عين جماله عيانا (3) .
وعند الجيلى الجمال ، منظر تتنوع تجليات الحق فيه ، فتارة يتجلى باللطف وتارة بالرحمة ، وتارة بالعلم ، وتارة بالفضل ، وتارة بالجود ، وأمثال ذلك ــــــــــــــــــــ
1. اصطلاحات الصوفية ص5 . 1، لطائف الأعلام 1/ 390 .
2. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص66 .
3. كشاف التهانوى 1/348 .
إلى ما لا نهاية له من تجلياته ، ثم إن تجليات اللَّه تعالى على قلوب عباده كلها إما جمال الجلال ، وإما جلال الجمال ، واللَّه إذا تجلى لعبده فى منظر الجمال رأى ذلك العبد جميع الأشياء ملحقة باللَّه ، فلا يمر بحجر ولا مدر ولا حيوان ولا شئ من الأشياء ، إلا وتلوح له تجليات الجمال من تلك الأشياء ، بلا حلول ولا اتحاد ، بل على التنزيه اللائق به ، وذلك لأن اللَّه تعالى يكشف له عن محتد الموجودات ، فلا يمر بموجود إلا ويكشف له عن محتده ، من جمال اللَّه تعالى ، ويسمع العبد من اللَّه تعالى فى منظر الجمال ، قوله : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة/115] (1) ، فيكون عند العبد علم بتوحيد الحق فى سائر المخلوقات ، وترد عليه ملائكة الحقائق بأنواع علوم التوحيد ، فلا تزال تهديه إلى الحق حتى يرتقى عنها وعن نفسه وعن علومها ، فيفنى عن جميع ذلك ، ثم يفنى عن الفناء ، ثم يبقى ببقاء اللَّه تعالى ، فإذا صار باقيا باللَّه شم رائحة من الجلال (2) .
**********************************
22 - جلال الجمال
**********************************(13/47)
صدق الله العظيم جلال الجمال : انظر مصطلح الجلال والجمال .
ــــــــــــــــــــ
1. المناظر الإلهية ص193 .
2. السبابق ص193 .
صدق الله العظيم جلال الجمال فى الاصطلاح الصوفى :
يذكر الكاشانى أن جلال الجمال فى عرف الصوفية ، عبارة عن علو الجمال وعزته عنا ، فإذا تجلى لنا تعالى فى جماله ، فإن عزة جماله تمنعنا عن إدراكه تعالى ، ومعرفته على ما هو عليه ، فسميت تلك العزة والمنعة التى يقتضيها الجمال جلاله ، والفرق بين هذا الجلال ، وبين الذى فى مقابلة الجمال ، هو أن الجلال المطلق معنى يرجع منه إليه تعالى ، وهو الذى يمنعنا عن أن نرى ذاته تعالى ، فلانفراد الحق به تعالى لم يصح لغيره أن يراه فيه .
وأما جلال الجمال : فهو جلال الجمال الذى تجلى لنا فيه ، بحيث أنه لما تجلى لنا فى جماله ، وكان جلاله مقترنا بجماله ، فكان تعالى لأجل الجلال والجمال عند تجليه لنا ، مما لا يستحيل علينا أن ندركه فى تجليه لنا ، ومن لم يعرف هذا لم يعرف ما اختص به أهل السنة من بين سائر الطوائف ، حيث أثبتوا كونه تعالى مرئيا بالإبصار فى دار القرار ، مع تنزهه عن الجهة والتحيز وتوابعهما بخلاف من نفى رؤيته من الفلاسفة والمعتزلة ، لأجل تنزهه عن الجهة أو من أثبت الجهة لأجل رؤيته ، فقد اتضح معنى الجلال والجمال المطلقين ، ومعنى جلال الجمال (1) .
أما جمال الجلال ، فهو حضرة الدنو الذى منها تجلى لعباده ، وباعتبارها صحت المعرفة له ، وأهل العبيد لعبادته ، كما كما قال الشيبانى :
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 1/391 .
جمالك فى كل الحقائق سافر : وليس له إلا جلالك ساتر
وبجماله ظهر لخلقه بخلقه ، وبجلاله حجبهم عن معرفته ، فالجمال سافر والجلال ساتر ، ولما كان الجلال معنى يرجع منه إليه ، بحيث لا يصح لغيره أن يراه فيه ، لانفراده تعالى بحضرة جلاله ، لم يكن الجلال هو جلال الجمال بعينه (1) .
**********************************
23 - الجمع(13/48)
**********************************
صدق الله العظيم الجمع : الجمع ضم الشئ بتقريب بعضه من بعض ، يقال جمعته فاجتمع ، وقال عز وجل : { وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } [القيامة/9] ، وقال سبحانه : { الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ } [الهمزة/2] .
ومن حديث ابن عمر - رضي الله عنه - ، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - : " فيومئذ يبعثه اللَّه مقاما محمودا ، يحمده أهل الجمع كلهم " (2) ، وقوله عز وجل : { إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } [آل عمران/173] قيل : جمعوا آراءهم فى التدبير عليكم ، وقيل أيضا : جمعوا جنودهم ، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال يوم بدر : " اللَّهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللَّهم إن شئت لم تعبد ، فأخذ أبو بكر ــــــــــــــــــــ
1. السابق 1/392 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الزكاة برقم (1475) 3/396 .
بيده فقال : حسبك ، فخرج وهو يقول : { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } [القمر/45] " (1) وقوله تعالى : { وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ } [النور/62] أى أمر له خطر يجتمع لأجله الناس فكأن الأمر نفسه جمعهم (2) ، ومن المعانى الاصطلاحية القرآنية والنبوية المتعلقة بالجمع :
يوم الجمع : سمى يوم القيامة يوم الجمع ، لاجتماع الخلائق فى أرض المحشر ، كما قال تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ } [التغابن/9] .
الإجماع : ويقال على ما اجتمعت أراء المسلمين عليه ، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " إن أمتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم " (3) .(13/49)
3- يوم الجمعة : سمى يوم الجمعة ، لاجتماع الناس للصلاة ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [الجمعة/9] .
4- الجماعة : تطلق على الصلاة خلف الإمام ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب المغازى برقم (3953) 7/335 .
2. المفردات ص 96.
3. أخرجه ابن ماجة فى كتاب الفتن برقم (3950) وقال الألبانى : ضعيف جدا دون الجملة الأولى 2/1303 .
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال :" تفضل صلاة الجمع على صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا ، ويجتمع ملائكة الليل والنهار في صلاة الفجر " (1) .
5- الجماعة : تطلق على السواد الأعظم من المسلمين ، لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم " (2) ، ومن حديث ابن عمر - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " يد اللَّه مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار " ، قال أبو عيسى الترمذى : الجماعة عند أهل العلم هم أهل الفقه والعلم والحديث (3) .
6- الجمع : يقال على التمر المتنوع المختلط ، لما روى عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قال : " كنا نرزق تمر الجمع ، وهو الخلط من التمر وكنا نبيع صاعين بصاع ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا صاعين بصاع ولا درهمين بدرهم " (4) وفى رواية " لا تفعل بع الجمع بالدراهم ، ثم ابتع بالدراهم جنيبا " (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الآذان برقم (649) 2/161 .
2. جزء من الحديث السابق الذى أخرجه ابن ماجة فى كتاب الفتن برقم (3950) .(13/50)
3. أخرجه الترمذى فىكتاب الفتن برقم (2167) وقال الشيخ الألبانى : صحيح دون قوله : ومن شذ 4/466 .
4. أخرجه البخارى فى كتاب البيوع برقم (2080) 4/364 .
5. أخرجه البخارى فى كتاب البيوع برقم (2202) 4/467 .
صدق الله العظيم الجمع فى الاصطلاح الصوفى :
الجمع فى الاصطلاح الصوفى ما يكون من قبل الحق ، من إبداء معان وإسداء لطف وإحسان ، فمن أشهده الحق سبحانه ما يوليه من أفعال نفسه سبحانه ، فهو عبد بشاهد الجمع ، وإذا أصغى بسره إلى ما يناجيه به مولاه واستمع بقلبه ما يخاطبه به فيما ناداه أو نجاه ، أو عرفه أو لوح لقلبه وأراده فهو بشاهد الجمع (1) .
وقال أبو على الدقاق : أنشد صوفى بين يدى أبو سهل الصعلوكى : جعلت تنزهى نظرى إليك ، وكان أبو القاسم النصراباذى حاضرا ، فقال أبو سهل : جعلتَ بنصب التاء ، وقال النصرباذى : بل جعلتُ بضم التاء فقال أبو سهل : أليس عين الجمع أتم ؟! .
ومعنى هذا أن من قال : جعلتُ بضم التاء يكون إخبارا عن حال نفسه فكأن العبد يقول : هذا من عنده ، وإذا قال : جعلتَ بفتح التاء ، فكأنه يتبرأ من أن يكون ذلك بتكلفه ، بل يخاطب مولاه ، فيقول : أنت الذى خصصتنى بهذا لا أنا بتكلفى (2) .
وقال الكاشانى : الجمع يطلق فى اصطلاح القوم على عدة معان :
1- يشيرون بالجمع إلى حق بلا خلق ، وبالتفرقة إلى العكس ويقولون : ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 1/223 .
2. السابق 1/223،224 .
الفرق رؤية خلق بلا حق .
2- الجمع هو الاشتغال بالحق بحيث يجتمع الهم ، ويتفرغ الخاطر للتوجه إلى حضرة قدسه تعالى ، وأن الفرق هو تفرقة الخاطر عن ذلك ويقرب من هذا قولهم فى التفرقة ، بأنها عبارة عن اشتغال النفس بقوى البدن والتصرف فيها ، والانهماك فى لذاتها ، وأن الجمع إقبال النفس على العالم القدسى مشتغلة به عن العالم الحسى .
3- الجمع اجتماع همتها على عبادة الحق ، بحيث يذبها ذلك عن الالتفات إلى الخلق .(13/51)
4- ويراد بالجمع أيضا : الاشتغال بشهود اللَّه عما سواه تعالى والتفرقة : هى الاشتغال عن اللَّه بما سواه .
5- وقد يطلقون الجمع ويريدون به شهود ما سوى اللَّه قائما باللَّه .
6- وتارة يعبرون بالجمع عن حال من أثبت نفسه ، وأثبت الحق ولكن شاهد الكل قائما به سبحانه .
7- وتارة يعنون بجمع الجمع ، الاستهلاك بالكلية فى اللَّه .
8- الجمع شهود الوحدة فى الكثرة ، ويسمى عالم الجمع ، وحضرة الجمع ، ومقام الجمع ، وهو أن تشهد الذات بحسب واحديتها المحيطة بجميع الأسماء ، والحقائق (1) .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/392،393 .
**********************************
24 - الحرق
**********************************
صدق الله العظيم الحرق : الإحراق إيقاع نار ذات لهيب فى الشئ ، ومنه استعير أحرقنى بلومه ، إذا بالغ فى أذيته بلومه ، والحريق النار قال تعالى :
{ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيق ِ } [الأنفال/50] وقال : { فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ } [البقرة/266] (1) .
واللفظ ورد فى القرآن والسنة على معنى إشعال النار ، واللَّهب فى الدنيا أو الآخرة ، كقوله تعالى عن الحرق فى الدنيا : { وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا } [طه/97] .(13/52)
وقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : "ما تعدون الشهادة ؟ ، قالوا : القتل في سبيل اللَّه عز وجل ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : الشهادة سبع سوى القتل في سبيل اللَّه عز وجل ، المطعون شهيد ، والمبطون شهيد ، والغريق شهيد ، وصاحب الهدم شهيد ، وصاحب ذات الجنب شهيد ، وصاحب الحرق شهيد ، والمرأة تموت بجمع شهيدة " (2) ، أما عن الحرق فى الآخرة فهو كقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } [البروج/10] .
ــــــــــــــــــــ
1. انظر المفردات ص114 ، ولسان العرب 10/41 .
2. أخرجه النسائى فى كتاب الجنائز برقم (1846) قال الألبانى : صحيح 4/13 .
صدق الله العظيم الحرق فى الاصطلاح الصوفى :
والحرق فى المفهوم الصوفى ، هو واسطة التجليات الجاذبة إلى الفناء التى أوائلها البرق ، وأواخرها الطمس فى الذات (1) .
قال الكاشانى : ( الحرق هو أوسط ما يبدو من أنوار التجليات الجاذبة إلى الفناء فى عين التوحيد ، فإن أنوار التجليات ما دامت فى الابتداء ، فإنها تسمى برقا ، فإذا اشتد جذبها حتى أسقطت الصبر وغلبت العقل ، سميت حرقا ، فإذا بلغت من العبد الغاية التى لم يبق متسع لغيرها ، بحيث أفنته عن نفسه فضلا عن غيره سميت طمسا ) (2) .
**********************************
25 - الحضرة
**********************************
صدق الله العظيم الحضرة : الحضر خلاف البدو ، والحضرة السكون بالحضر ، ثم جعل ذلك اسما لشهادة مكان أو إنسان أو غيره ، فمثال حضور المكان ما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص82 ، وانظر كشاف التهانوى 2/91 .
2. لطائف الإعلام 1/409 ، 410 .(13/53)
3. أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (881) 2/425 .
وعنه أيضا - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ليأخذ كل رجل برأس راحلته ، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان " (1) ، ومثال حضور الإنسان ، قوله تعالى : { وَأُحْضِرَتْ الأنفُسُ الشُّحَّ } [النساء/128] ، وقوله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ } [البقرة/180] .
ومثال الأنواع الأخرى : قوله تعالى : { وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُون } [المؤمنون/98:97] ، وقوله : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا } [آل عمران/30] ، أى مشاهدا معاينا فى حكم الحضر عنده .
وعن عائشة رضى الله عنها ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا صلاة بحضرة الطعام ، ولا هو يدافعه الأخبثان " (2) .
وعن فاطمة رضى اللَّه عنها قالت : أسر إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة ، وإنه عارضني العام مرتين ، ولا أراه إلا حضر أجلي ، وإنك أول أهل بيتي لحاقا " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب المساجد برقم (680) ، وأخرجه النسائى فى كتاب المواقيت برقم (623) اللفظ له .
2. أخرجه مسلم فى كتاب المساجد برقم (560) 1/393 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب (3624) 6/726 وانظر المفردات ص 122 .
صدق الله العظيم الحضرة فى الاصطلاح الصوفى :
والحضرة فى عرف الصوفية ، إشارة إلى قوله تعالى : { كُنْ } ، كقوله : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل/40] ، فهى صورة الإرادة الكلية (1) .(13/54)
ويذكر ابن عربى للحضرة معان متنوعة ، فالعشق الإلهى حضرة واجتماع أصحاب المعرفة حضرة ، والمنام يسميه حضرة الخيال ، وأم الكتاب يسميه حضرة أم الجمع ، وكل اسم إلهى هو حضرة ، والحضرات الإلهية لا تكاد تنحصر عند الصوفية (2) .
ويقول ابن عربى عن حضرة أم الكتاب : ( أدخلنى الحق إياها ، فرأيتها ورأيت ظاهرها وباطنها ، وفرع سبحانه من هذه الحضرة الجامعة التى اختصها لنفسه ، حضرات لا يعلم عددها إلا اللَّه فى السماء والأرض ، وما بينهما وما تحت الثرى ) (3) .
ويقول أيضا : ( فمن أحب العالم لجماله ، فإنما أحب اللَّه ، وليس للحق ــــــــــــــــــــ
1. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص17 ، ومعجم عبد الرزاق الكاشانى ص88 والتعريفات ص195 .
2. الفتوحات المكية 4/198 وما بعدها ، وانظر لطائف الإعلام 1/419:411 فى بيان تنوع معانى مصطلح الحضرة عند الصوفية .
3. السابق 2/582 .
مجلى إلا العالم ، وهنا سر نبوى إلهى ، خصصت به من حضرة النبوة ، مع كونى لست بنبى ، وإنى لوارث ) (1) .
وقد أصبح مصطلح الحضرة فى العرف الصوفى حاليا ، مقترنا بالاجتماع أسبوعيا أو يوميا فى الخلوة المرفقة بالمسجد أو بمنزل شيخ الطريقة ، حيث يلتقى الشيخ بمريديه ، والحضرات ليست على مستوى واحد ، فهناك حضرة للمريدين وأخرى للذكر والسماع ، وتستمر الحضرة غالبا من بعد صلاة العشاء إلى منتصف الليل ، وعند انتهاء الحضرة يقوم الجميع لصلاة العشاء وتعد الحضرة الصوفية من المراسم التى يتسم بها مجالس الصوفية (2) ، وقد استجد فيها مزيد من المخالفات كشرب الشيشة والدخان وغيرهما .
**********************************
26 - الخلق الجديد
**********************************
صدق الله العظيم الخلق الجديد : الجديد ما أحدث إنشاؤه ، كقول الله تعالى : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } [إبراهيم/19] .(13/55)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ولو لم تذنبوا ، لجاء اللَّه بخلق ــــــــــــــــــــ
1. السابق 4/269 .
2. ألفاظ الصوفية ومعانيها للدكتور حسن محمد الشرقاوى الطبعة الثانية ، دار المعرفة الجامعية ص143 ،144 .
جديد كي يذنبوا فيغفر لهم " (1) .
وقوله تعالى : { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ق/15] يعنى النشأة الثانية فى الآخرة (2) ، وجميع ما ورد فى القرآن والسنة ، من الخلق الجديد فهو على هذا المعنى السابق .
صدق الله العظيم الخلق الجديد فى الاصطلاح الصوفى :
أما المعنى الصوفى للخلق الجديد ، فهو اتصال أمداد الوجود من نفس الرحمن إلى كل ممكن ، لانعدامه بذاته ، وفيضان الوجود عليه منه ، على التوالى حتى يكون فى كل آن خلقا جديدا ، لاختلاف نسب الوجود إليه مع الآنات ، واستمرار عدمه فى ذاته (3) .
يقول ابن عربى : ( إن فى العالم الحسى والكون الثابت ، استحالات مع الأنفاس ، لكن لا تدركها الأبصار ولا الحواس ، إلا فى الكلام خاصة وفى الحركات ، وأصل ذلك كله ، أعنى أصل التغير من صورة إلى مثلها أو خلافها ، لتغير الأصل الذى يمده ، وهو التحول الإلهى فى الصور ، وهو قوله تعالى : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن/29] ، فلما كان اللَّه كل يوم هو فى ــــــــــــــــــــ
1 . أخرجه مسلم فى كتاب التوبة برقم (2749) والترمذى فى كتاب صفة الجنة برقم (2525) واللفظ له .
2. لسان العرب 3/108 ، المفردات ص88 .
3. معجم الكاشانى ص180 .
شأن ، كان تقليب هذا العالم الذى هو صورة هذا القالب من حال إلى حال مع الأنفاس ، فلا يثبت العالم قط على حال واحدة زمانا فردا ، لأن اللَّه خلاق على الدوام ، ولو بقى العالم على حال واحدة زمانين ، لا تصف بالغنى عن اللَّه ، ولكن الناس فى لبس من خلق جديد ) (1) .(13/56)
ويقول أيضا : ( إن اللَّه يتجلى فى كل نفس ، ولا يكرر التجلى ، وكل تجلى عند الصوفية يعطى خلقا جديدا ، ويذهب بخلق ، فذهابه هو عين الفناء عن التجلى ، والبقاء لما يعطيه التجلى الآخر ، فيحدث نشأة الإنسان مع الأنفاس ولا يشعر ، وهو قوله تعالى : { وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ } [الواقعة/61] ، يعنى مع الأنفاس ، وفى كل نفس له فينا إنشاء جديد ، بنشأة جديدة ، ومن لا علم له بهذا ، فهو فى لبس خلق جديد ) (2) .
ويذكر عبد الرزاق الكاشانى أن الخلق الجديد ، يعنى به ما يفهم من باب الإشارة من قوله تعالى : { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ق/15] وذلك أن هذه الآية الكريمة ، كما يفهم منها بحسب ظاهر عبارتها ، ما نزلت لإثباته من حشر الأجساد ، وتجديد الخلق فى يوم الميعاد ، فكذا يفهم منها ما تشير إليه فى مقتضى ذوق الكمال ، بلسان الخصوص المفهوم لأهل اللَّه تعالى من تجديد الخلق مع الأنفاس :
ــــــــــــــــــــ
1. الفتوحات المكية 3/198 .
2. فصوص الحكم 1/126، وانظر الفتوحات المكية 2/46.
( إن الكفار فى لبس وشك من تجديد الخلق مع الأنفاس ) (1) .
فإن كل ما سوى الحق تعالى من جميع مخلوقاته الروحانية والجسمانية والعلوية والسفلية ، لا بقاء لشئ منها ، بل هى متجددة الوجود لحظة بلحظة فهى لا تزال فى فناء يعقبه بقاء ، هكذا دائما مع الأنفاس دنيا وآخرة ، لا ستحالة استغناء ما سوى الحق تعالى عن إمداده بالتبعية ، فلولا تجدد الفناء والبقاء لكان الإمداد تحصيلا للحاصل ، لأنه يكون إبقاءا للباقى وإيجادا للموجود وذلك محال ) (2) .
**********************************
27 - الدبور
**********************************(13/57)
صدق الله العظيم الدبور : الريح التى أهلكت قوم عاد قال تعالى : { وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [الحاقة/7:6] دل على ذلك حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 1/450 .
2. السابق 1/450 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3205) 6/346 ، ومسلم فى كتاب صلاة الاستسقاء برقم (900) 2/617 .
صدق الله العظيم الدبور فى الاصطلاح الصوفى :
والدبور فى الاصطلاح الصوفى يقول فيه الكاشانى : ( هى صولة داعية هوى النفس واستيلاؤها ، شبهت بريح الدبور التى تأتى من جهة المغرب لانتشائها من جهة الطبيعة الجسمانية التى هى مغرب النور ، ويقابلها القبول وهى ريح الصبا التى تأتى من جهة المشرق ، وهى صولة داعية الروح واستيلاؤها ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : " نصرت بالصبا وأهلكت عد بالدبور " (1) .(13/58)
وقال فى قوله تعالى : { وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [الحاقة/7:2] : ( فأهلكوا بريح هوى النفس الباردة بجمود الطبيعة ، وعدم حرارة الشوق والعشق ، العاتية أى الشديدة الغالبة عليهم الذاهبة بهم فى أودية الهلاك ، سخرها اللَّه عليهم فى مراتب الغيوب السبعة التى هى لياليهم ، لا حتجابهم عنها ، والصفات الثمانية الظاهرة لهم كالأيام وهى : الوجود والحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والتكلم أى على ما ظهر منهم وما بطن ، تقطعهم وتستأصلهم ، فترى القوم فيها صرعى أى موتى لا حياة حقيقية لهم ، لأنهم قائمون بالنفس لا باللَّه كما قال تعالى : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ } [المنافقون/4] { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [الحاقة/7] ، أى أقوياء بحسب الصورة ، لا معنى فيهم ولا حياة ــــــــــــــــــــ
1. معجم الكاشانى ص70 ، وانظر لطائف الإعلام 1/461 .
ساقطون عن درجة الاعتبار والوجود الحقيقى ، إذ لا يقومون باللَّه ) (1) .
ويذكر التهانوى أن الدبور فى الاصطلاح الصوفى ، الصولة الدماغية بهوى النفس ، واستيلاؤها بصورة تجعل الشخص يصدر عنه عمل مخالف للشرع ويقابله الصبا وهو عبارة عن القبول (2) .
**********************************
28 - الرتق والفتق
**********************************(13/59)
صدق الله العظيم الرتق والفتق : الرتق الضم والالتحام خلقة كان أم صنعة ، والرتقاء الجارية المنضمة الشفرتين ، والفتق الفصل بين المتصلين ، وهو ضد الرتق يقال : أفتق القمر صادف فتقا فطلع منه ، وقد ورد الرتق والفتق بمعنى فصل الملتحمين فى قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } [الأنبياء/30] ، أى منضمتين ففصلناهما (3)
وقد ورد الرتق فى السنة من حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت : " كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ أهله الوعك ، أمر بالحساء فصنع ، ثم أمرهم فحسوا ــــــــــــــــــــ
1. تفسير القرآن منسوب إلى ابن عربى وهو للكاشانى 2/690 .
2. كشاف التهانوى 2/254 .
3. لسان العرب 10/14 ، المفردات ص187 ، 371 .
منه ، وكان يقول : إنه ليرتق فؤاد الحزين ، ويسرو عن فؤاد السقيم ، كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها " (1) .
وورد الفتق فى حديث معاوية بن حيدة القشيرى - رضي الله عنه - ، قال : "قلت يا رسول اللَّه : إنا قوم نتساءل أموالنا ؟ ، قال : يتساءل الرجل في الجائحة أو الفتق ليصلح به بين قومه ، فإذا بلغ أو كرب استعف " (2) .
وفى حديث عبد اللَّه بن الزبير - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " قال لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء " (3) .
صدق الله العظيم الرتق والفتق فى الاصطلاح الصوفى :
والرتق يطلق عند الصوفية على إجماد مادة الوحدانية ، الذى يسمونه العنصر الأعظم المطلق ، وقد كان مرتوقا قبل خلق السماوات والأرض ومفتوقا بعد تعينهما بالخلق ، وقد يطلق على نسب الحضرة الواحدية باعتبار اللاظهورها ، وعلى كل بطون وغيبة ، كالحقائق المكنونة فى الذات الأحدية قبل تفاصيلها فى الحضرة الواحدة مثل الشجرة فى النواة (4) .
ــــــــــــــــــــ(13/60)
1. أخرجه الترمذى فى كتاب الطب برقم (2039) وقال : هذا حديث حسن صحيح وضعفه الألبانى 4/383 .
2. أخرجه أحمد فى المسند برقم (19529) (19547) والجائحة كل مصيبة عظيمة والفتق الجراح التى تنتج من آثار الحروب .
3. أخرجه ابن ماجة فى كتاب النكاح (1946) وقال الألبانى : صحيح 1/226.
4. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 3/69 ومعجم الكاشانى ص166 .
والفتق ما يقابل الرتق من تفصيل المادة المطلقة بصورها النوعية ، أو ظهور كل ما بطن فى الحضرة الواحدية من النسب الأسمائية ، وبروز كل ما كمن فى الذات الأحدية من الشئون الذاتية ، كالحقائق الكونية بعد تعينها فى الخارج (1) .
قال ابن عربى : ( واللَّه يقبض ويبسط ، فيقبض من الأجسام ما يبسطها بها فلا يعطيها شيئا من ذاته ، فإنها لا تقبله ، فلا وجود لها إلا بها فالممكنات إنما أقامها الحق من إمكانها ، فقيامها منها بها ، والحق واسطة فى ذلك مؤلف راتق فاتق ، { كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } لأنه كذا أوجدها بإمكانهما لأنه لو لم يكن الفتق ممكنا لما قام بهما ، فما أثر فى الممكنات إلا الممكنات على أكثر الخلق الذين : { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون } [الروم/7] (2) .
وقال الكاشانى فى قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } [الأنبياء/30] أو لم ير المحجوبون عن الحق أن سماوات الأرواح وأرض الجسد كانتا مرتوقتين فى صورة نطفة واحدة ففتقناهما بتباين الأعضاء والأرواح ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. معجم الكاشانى ص152 ، وانظر لطائف الإعلام 1/482، 2/198 .
2. الفتوحات المكية 13/فقرة 16 .
3. تفسير القرآن الكريم منسوب لابن عربى ص72 .
**********************************
29 - الرداء
**********************************(13/61)
صدق الله العظيم الرداء : ثوب يلف به النصف الأعلى من الجسم (1) ، ورد ذكره فى السنة فى كثير من المواضع منها ما رود عن سبرة الجهني - رضي الله عنه - ، أنه قال : أذن لنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بالمتعة ، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء (2) فعرضنا عليها أنفسنا ، فقالت : ما تعطي ؟ فقلت : ردائي وقال صاحبي : ردائي ، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي ، وكنت أشب منه ، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها ، وإذا نظرت إلي أعجبتها ، ثم قالت : أنت ورداؤك يكفيني ، فمكثت معها ثلاثا ، ثم إن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها (3) .
وعن صفوان بن أمية - رضي الله عنه - ، أنه طاف بالبيت وصلى ، ثم لف رداء له من ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 14/316 ، ومعجم مقايس اللغة مادة (ردى) .
2. مُتْعَة النساء نكاحهن لمدة محددة بأجر معلوم ، وقد كان أجازه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ثم حرمه ، وقوله : كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ يشبه المرأة بالفتىِّ من الإبل والعيطاء الطويلة العنق فى اعتدال القوام وحسنه .
3. أخرجه مسلم فى كتاب النكاح برقم (1406) 2/1023
برد ، فوضعه تحت رأسه فنام ، فأتاه لص فاستله من تحت رأسه ، فأخذه فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن هذا سرق ردائي ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : أسرقت رداء هذا ؟ ، قال : نعم ، قال : اذهبا به فاقطعا يده ، قال صفوان : ما كنت أريد أن تقطع يده في ردائي ، فقال له : فلو ما قبل هذا (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " يقول اللَّه سبحانه : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري من نازعني واحدا منهما ، ألقيته في جهنم " (2) .
صدق الله العظيم الرداء فى الاصطلاح الصوفى :(13/62)
يفسر ابن عربى الرداء بظهور الخلق ليستتر الحق بهم ، كما يستتر الإنسان بردائه فقال : ( فإن قلت : وما الرداء قلنا : الظهور بصفات الحق فى الكون فإن قلت : وما الكون ؟ قلنا : كل أمر وجودى وهو خلاف الباطل ) (3) ، وإنما سماه رداء لأنه مشتق من الردى المقصور ، وهو الهلاك لأنه مستهلك فى الحق استهلاكا كليا (4) .
وقال أيضا : ( الكبرياء رداء الحق وليس سواك ، فإن الحق تردى بك إذ ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه النسائي فى كتاب قطع السارق برقم (4881) وصححه الألبانى 8/69 .
2. أخرجه مسلم فى صحيحه برقم (2620) 4/2023 وابن ماجة فى كتاب الزهد برقم (4174) 2/1397 واللفظ له.
3. الفصوص 2/129 .
4. السابق 2 /104 .
كنت صورته ، فإن الرداء بصورة المرتدى ، ولهذا ما يتجلى لك إلا بك كما قال : من عرف نفسه عرف ربه ، فمن عرف الرداء عرف المرتدى ما يتوقف معرفة الرداء على معرفة المرتدى ، فما وصلت الأعين ، إلا إلى الرداء وهو الكبرياء ، وما تجلى لك إلا بنا ، فما وصلت الرؤية إلا إلينا ، ولا تعلقت إلا بنا ، فنحن عين الكبرياء على ذاته ، فإذا رأيت الإنسان الكامل رأيت الحق ، والإنسان لا ينقلب ، فلا يرجع الرداء مرتديا لمن هو له رداء فهذا معنى الكبير ، فإنه كبير لذاته ، والكبرياء نحن ، فمن نازعه منا فينا قصمه الحق ) (1) .
وابن عربى يجعل الرداء سترا لله فى الظاهر ، وكشفا له فى الباطن فقال : ( ولما كنا عين كبرياء الحق على وجهه ، والحجاب يشهد المحجوب ، فثبت أننا نراه ، فصدق الأشعرى وصدق قوله : ترون ربكم ، كما صدق المعتزلة لن ترانى ، وللرداء ظاهر وباطن ، فيرى الحق رداءا بباطنه ، فيصدق : ترون ربكم ، ويصدق مثبت الرؤية ولا يراه ظاهر الرداء ، فيصدق : المعتزلى ويصدق لن ترانى ، والرداء عين واحدة ، فلا يشهد العالم سوى الإنسان الذى هو الرداء ) (2) .(13/63)
والكاشانى يجعل الرداء ظهور الإنسان سترا للحق ، بشرط موافقة الطاعة والمقصود بموافقة الطاعة ، ألا يرى نفسه أثناء الطاعة ، فإن لم يكن موافقا ــــــــــــــــــــ
1. السابق 4/245 .
2. السابق 4/246 .
لطاعته لم يكن رداءا ولكن يسمى عندهم الردى ، فيقول :
( الرداء يعنى به الظهور بصفات الحق بالحق ، وقولنا : بالحق أى من أمر الحق ، وعلى وفق طاعته ، فإن الظهور بصفات الحق ، إنما يكون ظهورا بها إذا كان كذلك ، وإلا فهو مجرد دعوى باطلة ، والإشارة إلى الأول ، أعنى الظهور بصفات الحق حقيقة ، هو ما ورد في منازلات أبى يزيد ، قدس اللَّه سره ، إنه تعالى قال له : اخرج إلى الخلق بصفتى ، فمن رآك فقد رآنى ، وأما الإشارة إلى الظهور بالدعوى والمنازعة ، والوثب لحب الرياسة ، فهو ما جاء فى الكلمات القدسية ، التى أخبر بها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن ربه تعالى أنه يقول :
" الكبرياء ردائى ، والعظمة إزارى ، فمن نازعنى واحدا منهما ، قذفته فى النار " فكان الرداء هو ظهور العبد بالموافقة لا بالمنازعة ) (1) .
**********************************
30 - الردى
**********************************
صدق الله العظيم الردى : الردى الهلاك ، والتردى التعرض للهلاك ، قال تعالى : { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى } [الليل/ 11] ، وقال قتادة : ( إذا تردى : إذا سقط فى جهنم ، يقال : ردى فى البئر وتردى إذا سقط فيها ) (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 1/487 .
2. لسان العرب 14/316 ، المفردات ص194 .(13/64)
والمتردية فى قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ } [المائدة/3] ، هى التى تتردى من علو إلى أسفل فتموت ، من غير فرق بين أن تتردى من جبل أو بئر أو مدفن أو غيرها ، وسواء تردت بنفسها أوردها غيرها (1) .
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من نصر قومه على غير الحق ، فهو كالبعير الذي ردي ، فهو ينزع بذنبه " (2) .
صدق الله العظيم ا لردى فى الاصطلاح الصوفى :
والردى فى اصطلاح الصوفية كما ذكر الكاشانى عكس الرداء ، وهو إظهار الحق بالباطل أو إظهار العبد صفات الحق بالباطل فيرى نفسه أثناء الطاعة فيقول : ( الردى الظهور بصفات الحق بلا حق ، كمن يتكبر على أمر اللَّه بالتذلل له ، فقد اتصف بصفة الكبر بعد الزجر عن الاتصاف بها من غير إذن ، فاستحق ما وعد به من التهديد المذكور ، قال اللَّه تعالى فى الكلمات القدسية : ( الكبرياء ردائى ، والعظمة إزارى من نازعنى فى شئ منهما فصمته ) (3) .
ويعنى بالرداء غاية الظهور كناية عن الشئ بغايته ، وذلك أنه لما كان ــــــــــــــــــــ
1. فتح القدير 5/452 ،453 .
2. أخرجه أبو داود فى كتاب الأدب (5117) وقال الألبانى : صحيح 4/331 .
3. أخرجه ابن ماجة فى كتاب الزهد (4174) وقال الألبانى : صحيح 2/1397 .
الردى هو الهلاك ، وكانت غاية الهلاك هو الظهور بالنسبة إلى عالم الحس كنى عن الغاية بالردى اعتبارا بغايته ) (1) .
وهو يعنى بالظهور ، الظهور فى الطاعة ورؤية النفس ، ويستدل لها بقوله تعالى : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } [الأعراف/146] (2) .
**********************************
31 - الرق المنشور
**********************************(13/65)
صدق الله العظيم الرق المنشور : الرق ما رق من الجلد ليكتب فيه ، والمنشور المبسوط قال الله تعالى : { وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ } [الطور/3:1] والرق المنشور هو ما كتبت فيه سطور القرآن ، أو اللوح المحفوظ ، أو جميع الكتب المنزلة أو ما تكتبه الحفظة ، وهى أقوال للمفسرين فى المراد بالكتاب المسطور (3) ، وقال البخارى الرق المشور الصحيفة (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. معجم الكاشانى ص167 .
2. لطائف الإعلام 1/ 488 .
3. انظر التبيان فى تفسير غريب القرآن 1/392 ، وفتح القدير 5/ 94 .
4. صحيح البخارى 4/1838 ، وأنوار التنزيل 1/302 .
صدق الله العظيم الرق المنشور فى الاصطلاح الصوفى :
الرق المنشور فى الاصطلاح الصوفى ، يعنى روح الإنسان باعتبار قبولها وانطباع الموجودات فيها (1) ، يقول الجيلى :
نفس حوت بالذات علم العالم : هى لوحنا المحفوظ يا ابن الآدمي
صور الوجود جميعها منقوشة : فى قابليتها بغير تكاتم (2)
ويذكر الكاشانى أن الرق المنشور هو الكتاب المسطور ، وهو صورة الكل على ما هو عليه من النظام المعلوم ، المنتقش فى لوح القضاء ، فهو الروح الأعظم المشار إليه بالرق المنشور فى قوله تعالى : { وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ } [الطور/3:1] وتنكيرهما للتعظيم (3) .
**********************************
32 - الركوع
**********************************
صدق الله العظيم الركوع : الانحناء ، فتارة يستعمل فى الهيئة المخصوصة فى الصلاة ، كما روى عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أقيموا الركوع والسجود فواللَّه إن ي لأراكم من بعدي ، وربما قال : من بعد ظهري ، إذا ركعتم ــــــــــــــــــــ
1. الإنسان الكامل 1/88 .
2. السابق 2/6 .
3. تفسير القرآن الكريم لابن عربى ( منسوب إليه وهو للكاشانى ) 2/547 .(13/66)
وسجدتم " (1) ، وتارة فى التواضع والتذلل ، إما فى العبادة ، وإما فى غيرها كقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ } [الحج/77] ، وقوله سبحانه : { يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ } [آل عمران/43] ، وقوله : { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ } [ص/24] (2) .
صدق الله العظيم الركوع فى الاصطلاح الصوفى :
قال الكاشانى : الركوع فناء الصفات ، والسجود فناء الذات (3) ، وذكر التهانوى أن الركوع عند الصوفية ، إشارة إلى شهود انعدام الموجودات الكونية تحت وجود التجليات الإلهية (4) .
**********************************
33 - الزبور
**********************************
صدق الله العظيم الزبور : زبرت الكتاب كتبته كتابة عظيمة ، وكل كتاب غليظ الكتابة ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الأذان برقم (742) 2/263 .
2. المفردات ص202 .
3. تفسير القرآن الكريم لابن عربى ( منسوب إليه وهو للكاشانى ) 2/115 .
4. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 3/61 .
يقال له : زبور ، وخص الزبور بالكتاب المنزل على داود عليه السلام لقوله تعالى : { وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا } [النساء/163] وقوله { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } [الأنبياء/105] (1) .(13/67)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب - رضي الله عنه - : " أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ؟ قال : نعم يا رسول اللَّه ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : كيف تقرأ في الصلاة ؟ ، قال أبو هريرة - رضي الله عنه - راوى الحديث : فقرأ أم القرآن ، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها وإنها سبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته " (2) .
صدق الله العظيم الزبور فى الاصطلاح الصوفى :
يذكر التهانوى أن الزبور يعنى عند الصوفية تجليات الأفعال (3) .
وقال الكاشانى فى قوله تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ } [الأنبياء/105] ، ولقد كتبنا فى زبور القلب من بعد الذكر فى اللوح ، أن أرض البدن يرثها القوى الصالحة المنورة بنور السكينة بعد إهلاك الفواسق بالرياضة ، أو ولقد كتبنا فى زبور اللوح المحفوظ ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 4/315 ، والمفردات ص211 ، والمغرب للمطرزى 1/360 .
2. أخرجه الترمذى فى فضائل القرآن (2875) وقال الألبانى : صحيح 5/155 .
3. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 3/114 .
من بعد الذكر فى أم الكتاب أن الأرض يرثها عبادى الصالحون من الروح والسر والقلب والعقل والنفس ، وسائر القوى بالاستقامة بعد إهلاك الصالحين بالفناء فى الوحدة (1) .
**********************************
34 - الزجاجة
**********************************(13/68)
صدق الله العظيم الزجاجة : الزجاج حجر شفاف ، الواحدة زجاجة ، وردت فى قوله تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ } [النور/35] (2) ، ووردت فى السنة من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : " أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، فبينا هو يخطب يوم جمعة ، إذ قام رجل فقال : يا رسول اللَّه هلكت الكراع ، هلكت الشاء فادع اللَّه يسقينا ، فمد يديه ودعا ، قال أنس - رضي الله عنه - : وإن السماء لمثل الزجاجة " (2) .
وعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنه ذكر الدجال عنده ، فقال : ــــــــــــــــــــ
1. تفسير القرآن الكريم لابن عربى ( منسوب إليه وهو للكاشانى ) 2/93 .
2. المفردات ص211 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب برقم (3582) 6/680 .
عينه خضراء كالزجاجة فتعوذوا باللَّه من عذاب القبر " (1) .
صدق الله العظيم الزجاجة فى الاصطلاح الصوفى :
الزجاجة فى الاصطلاح الصوفى تعنى القلب ، فالمثل الذى ورد فى سورة النور لنور اللَّه عز وجل ، فيه المشكاة بمثابة الجسد ، والزجاجة القلب المتنور بالروح المنور لما عداه بالإشراق عليه ، والشجرة التى توقد منها هذه الزجاجة هى النفس القدسية ، المزكاة الصافية النابتة من أرض الجسد المتعالية ، فى فضاء القلب إلى سماء الروح (2) .
يقول الكاشانى : ( اللَّه نور السماوات والأرض ، النور هو الذى يظهر بذاته ، فهو مظهر سماوات الأرواح ، وأرض الأجساد ، وهو الوجود المطلق الذى وجد به ما وجد من الموجودات والإضاءة ) (3) .(13/69)
ويقول الكاشانى : ( الزجاجة المشار بها فى آية النور إلى اللطيفة الإنسانية المختصة بمن تنور بمشكاته ، أى جسمه بنور العقل والإيمان ، فسميت زجاجة لاستضاءتها بذلك النور المذكور ، الذى حرم الاستضاءة به من لم يكن من أهل العقل والإيمان ، لكثافته المانعة من ذلك ، ويكنى بالزجاجة عن حيوانية قلب المؤمن ، قال تعالى : { الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } [النور/35] ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أحمد فى المسندبرقم (20643) بإسناد الثقات عن أبى بن كعب .
2. تفسير القرآن الكريم لابن عربى ( منسوب إليه وهو للكاشانى ) 2/140 .
3. السابق 2/140 .
والمصباح هو الروح الروحانى ، المسمى بالروح الإلهى ، الظاهر آثاره وأفعاله بتوسط الروح الجسمانى ، المسمى بالنفس الحيوانى ، فلشفافيته فى نفسه واستنارته بنور من غيره ، سمى زجاجة ، ولضعفه فى نفسه أيضا ، فإن حياة الروح الحيوانية ضعيفة ، وليست فيها من ذاتها ) (1) .
الزجاجة المشار إليها فى آية النور هى القلب والمصباح هو الروح والشجرة التى توقد فيها الزجاجة المشبهة بالكوكب الدرى هى النفس والمشكاة البدن والزيتونة هى النفس المستعدة للإشتغال بنور القدس بقوة الفكر والزيت نورا ستعدادها الأصلى (2) .
**********************************
35 - الزكاة
**********************************
صدق الله العظيم الزكاة : أصل الزكاة النمو الحاصل عن بركة اللَّه تعالى ، وذلك يعتبر بالأمور الدنيوية والآخروية ، يقال : زكا الزرع يزكوا ، إذا حصل منه نمو وبركة (3) ، وقال الله تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة/103] .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 1/507 .
2. معجم الكاشانى ص80 .
3. كتاب العين 5/394 ، والمفردات ص213 .(13/70)
قال الإمام البخارى : الزكاة الطاعة والإخلاص (1) ، ومنه الزكاة لما يخرج الإنسان من حق اللَّه تعالى إلى الفقراء قال تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } [البقرة/43] ، وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان " (2) .
صدق الله العظيم ا لزكاة فى الاصطلاح الصوفى :
الزكاة فى الاصطلاح الصوفى ، التضحية بكل ما يملكه الإنسان ، قال إبراهيم بن شيبان لأبى بكر الشبلى :
( كم فى خمس من الإبل ؟ ، أى مقدار الزكاة فيها ، فقال الشبلى : فى واجب الأمر شاة ، أى حكم الشرع عند أهل الظاهر شاة ، وفيما يلزمنا كلها ، أى فى عرف الصوفية يخرجونها كلها ) (3) .
وقال الهجويرى : ( قال رجل من أهل الظاهر لأبى بكر الشبلى : ما هو نصاب الزكاة ؟ خمس دراهم عن كل مائتى درهم ونصف دينار عن كل عشرين دينارا ، هذا بالظاهر لمذهبكم ، أما مذهبى فإنه لا يلزم الإنسان أن ــــــــــــــــــــ
1. انظر صحيح البخارى ، كتاب تفسير القرآن باب قوله : { بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } [التوبة/167] ، فتح البارى 8/316 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الإيمان برقم (8) 1/64 .
3. اللمع فى التصوف ، لأبى نصر السراج الطوسى ص210 .
يملك أى شئ ، وبذلك يخلص من شغل آداء الزكاة ، فسأله : ما هى حجتك فى هذه المسألة ؟ ، فقال : له حجتى فيها أبو بكر الصديق ، الذى دفع كل ماله ، ولما سأله رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - :ما خلفت لعيالك ؟ فقال : اللَّه ورسوله " (1) .
ويقول الجيلى : ( الزكاة عبارة عن التزكى بإيثار الحق على الخلق ، أعنى يؤثر شهود الحق فى الوجود على شهود الخلق ) (2) .(13/71)
ويذكر التهانوى أن الزكاة عند الصوفية تعنى ترك الدنيا وتطهير النفس من التعلق بالغير (3) .
**********************************
36 - سدرة المنتهى
**********************************
صدق الله العظيم سدرة المنتهى : سدرة المنتهى اسم مكان فى السماء السادسة ، ورد فيه قوله تعالى : { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى } [النجم/16:13] ، وانتهى إليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فى ليلة الإسراء ، لما ورد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : " لما أسرى برسول اللَّه ــــــــــــــــــــ
1. كشف المحجوب ص377 ، وانظر ص 366 فى تفنيد احتجاجهم بفعل أبى بكر .
2. الإنسان الكامل 2/86 .
3. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 3/124 .
صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سدرة المنتهى ، وهى فى السماء السادسة ينتهى ما يعرج من الأرواح فيقبض منها ، وإليها ينتهى ما يهبط به من فوقها فيقبض فيها (1) .
ومن حديث أبى ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " ثم انطلق بي جبريل حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى ، وغشيها ألوان لا أدري ما هي ، ثم أدخلت الجنة ، فإذا فيها حبايل اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك " (2) .
وعن مالك بن صعصعة رضي اللَّه عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ورفعت لي سدرة المنتهى ، فإذا نبقها كأنه قلال هجر ، وورقها كأنه آذان الفيول في أصلها أربعة أنهار " (3) .
صدق الله العظيم سدرة المنتهى فى الاصطلاح الصوفى :
وسدرة المنتهى فى الاصطلاح الصوفى ، هى المقام الذى تنتهى إليه أعمال الخلائق وعلومهم ، وهى البرزخية الكبرى ، لكونها هى غاية الغايات ونهاية المنتهى ، وقد يصطلح بالسدرة على نهاية المراتب الأسمائية ، التى لا تعلوها رتبة (4) .
ــــــــــــــــــــ(13/72)
1. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (173) 1/157 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة برقم (349) 1/547 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3207) 6/348 .
4. لطائف الإعلام 2/13 .
ويحدد الجيلى مفهومه لسدرة المنتهى ، بأنها نهاية المكانة التى يبلغها المخلوق فى سيره إلى اللَّه تعالى وما بعدها ، إلا المكانة المختصة بالحق تعالى وحده ، ليس لمخلوق هناك قدم ، ولا يمكن البلوغ إلى ما بعد سدرة المنتهى لأن المخلوق هناك مسحوق ، ممحو ومدموس مطموس ، ملحق بالعدم المحض لا وجود له فيما بعد السدرة ، يقول الجيلى : ( وإلى ذلك أشار جبريل عليه السلام للنبى - صلى الله عليه وسلم - : لو تقدمت شبرا لاحترقت ، واعلم بأنا وجدنا السدرة مقاما فيه ثمانى حضرات ، فى كل حضرة من المناظر العلا ما لا يمكن حصرها ، تتفاوت تلك المناظر على حسب أذواق أهل تلك الحضرات ، أما المقام ، فهو ظهور الحق فى مظاهره ، وهو عبارة عن تجليه فيما هو له من الحقائق الحقية والمعانى الخلقية ) (1) .
ويقول أيضا : ( سدرة منتهى العارفين ، فناء الأوصاف الكونية من ذواتهم ، ببقاء الأوصاف الإلهية ، واتصافهم بها ، فهذا ما ينتهى إليه السالك فى اللَّه تعالى ) (2) .
**********************************
37 - السر
**********************************
صدق الله العظيم السر : الإسرار خلاف الإعلان ، قال الله تعالى : { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ ــــــــــــــــــــ
1. الإنسان الكامل 2/8 . 2. المناظر الإلهية ص253 .
اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [الملك/13] .
والسر هو الحديث المكتم بالنفس ، وأسررت إلى فلان حديثا ، أى أفضيت إليه فى خفية ، كقوله تعالى : { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا } [التحريم/3] (1) .(13/73)
وقال تعالى : { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ } [الطارق/10:9] ومعنى تبلى السرائر أى تختبر وتمتحن ، والسرائر ما يسر فى القلوب من العقائد والنيات وغيرها ، والمراد عرض الأعمال ونشر الصحف ، فعند ذلك يتميز الحسن منها من القبيح ، والغث من السمين ، فما للإنسان من قوة فى نفسه يمتنع بها عن عذاب اللَّه ، ولا ناصر ينصره مما نزل به (2) .
وقالت عائشة رضي اللَّه عنها عن النبى - صلى الله عليه وسلم - : " فانطلقت خديجة به إلى ورقة بن نوفل ، وكان رجلا تنصر يقرأ الإنجيل بالعربية ، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل اللَّه على موسى ، وإن أدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ، الناموس صاحب السر الذي يطلعه بما يستره عن غيره " (3) .
وعن أنس - رضي الله عنه - : " أن نفرا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمله في السر ، فقال بعضهم : لا أتزوج النساء ، وقال بعضهم : لا ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 4/356 ، المفردات ص228
2. فتح القدير 5/420 .
3. أخرجه البخارى فى أحاديث الأنبياء برقم (3392) 6/486 .
آكل اللحم ، وقال بعضهم : لا أنام على فراش " (1) .
صدق الله العظيم السر فى الاصطلاح الصوفى :
تنوع معنى السر عند الصوفية بحسب المضاف ، فأسرارهم التى يذكرونها كثيرة ومتنوعة منها :(13/74)
(1- السر : المقصود به نصيب كل موجود من وجود الحق ، قال عبد الرزاق الكاشانى : ( السر يعنى به حصة كل موجود من الحق بالتوجه الإيجادى المنبه عليه بقوله تعالى : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ } [النحل/40] وقولهم : لا يحب الحق إلا الحق ، ولا يطلب الحق إلا الحق ، ولا يعلم الحق إلا الحق ، إنما أشاروا بذلك إلى السر المصاحب من الحق للخلق على الوجه الذى عرفت ، فإنه هو الطالب للحق والمحب له ، والعالم به قال - صلى الله عليه وسلم - : عرفت ربى بربى ) (2) .
(2- سر العلم : يطلق بإزاء حقيقة الحال ، وهو ما يقع به الإشارة من الأشياء ، التى تكون مصونة مكنونة بين العبد وبين الحق ، وعليه يحمل معنى قولهم : أسرارنا بكر لم يفتضها وهم واهم ، ويقولون : صدور الأحرار قبور الأسرار ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى النكاح برقم (1401) 2/1020 .
2. لطائف الإعلام 2/14
3. السابق 2/14.
(3- سر السر : ويعنون به ما انفرد به الحق عن العبد ، بحيث لا يكون لغير اللَّه اطلاع عليه (1) .
(4- السر المصون : يعبرون به عن غيب هوية الذات الأقدس وإطلاقه فإن كنها الذات ، وهو يجل أن يدخل تحت علم ، أو أن يحاط به أو أن يدرك من حيث ذاته أصلا ، فهو السر المصون عن الإدراك والإحاطة (2) .
(5- سر التجليات : يشيرون به إلى كل شئ فى كل شئ ، وكيفية حصول هذا الشهود ، أن يتجلى للقلب عين التجلى الأول ، الذى له أحدية الجمع بين جميع الأسماء الكلية والجزئية ، والأصلية والفرعية ، والذاتية والصفاتيه ، حتى يدرك الذات الواحدة التى لا كثرة فيها بوجه ، ويشاهد كل شئ فى كل شئ (3) .(13/75)
(6- سر العبادات : والمقصود به ، إدراك أسرار العبادات التى افترضها اللَّه تعالى على عباده ، من الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فلما لم يكن فى وسع الناس الوصول إلى مرتبة الكمال ، فى الحضور الدائم مع اللَّه ، وتطهير النفس عما يليق ، افترض اللَّه عليهم هذه الفرائض ، ليكون وسيلة إلى نيل هذه المقامات (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق 2/15 .
2. السابق 2/15 .
3. السابق 2/15 . 4. السابق 2/15 ، 16 .
(7- سر القدر : وهو عندهم إظهار الأشياء على ما هى عليه ، فقد كانت معلومات فى الأزل ، أو ما يسميها ابن عربى بالأعيان الثابتة فظهرت بتلك الصورة فى حال وجودها بسر القدر ، قال الكاشانى :
( سر القدر يشيرون به ، أن حكم اللَّه تعالى فى الأشياء وعليها ، إنما هو بها ، فلما كان القضاء عبارة عن حكم اللَّه فى الأشياء على ما أعطته من المعلومات ، مما هو عليه فى نفسها ، والقدر توقيت ما هى عليه الأشياء فى عينها من غير مزيد ، فما حَكَم القضاء على الأشياء إلا بها ، وهذا هو عين سر القدر : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ق/37] ، { فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ } [الأنعام/149] ، فالحكم فى التحقيق تابع لعين المسألة التى يحكم فيها بما يقتضيه ذاتها ، فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم ، أن يحكم عليه بذلك ، وكل حاكم محكوم عليه بما حكم به أن يحكم به ، كان الحاكم من كان ، فتحقق هذه المسألة ، فإن القدر ما جهل إلا لشدة ظهوره ، فلم يعرف ) (1) .
(8- سر الربوبية : هو ما أشار إليه سهل بن عبد اللَّه ، بقوله : إن للربوبية سرا ، لو ظهر لبطلت الربوبية ، ومعناه أن المربوب لما كان هو الذى يبقى على الرب ربوبيته ، لكون الربوبية نسبة بين الرب والممكن ، فلو ظهر هذا السر للخلق لبطل عندهم ما يترتب عليه الربوبية (2) .
ــــــــــــــــــــ(13/76)
1. الفتوحات 2/573 ، وفصوص الحكم ص39 ، و السابق 2/17،18 .
2. لطائف الإعلام 2/20 .
(9- سر سر الربوبية : يشيرون به إلى سر هو أعلى من هذا السر الذى ذكر للربوبية ، فهو سر السر المفهوم منها ، وتقريره هو أن الربوبية ، وإن كان تحققها متوقفا على المربوب ، الذى هو عين معدومة فى نفسها ، لكنه لما كان مظهرا لربه ، الظاهر بأحكام تعيناته ، التى هى الأعيان الثابتة ، لم يصح لأجل هذا أن تبطل الربوبية ، فظهور سر الربوبية ، يوجب بطلانها عن من لم يظهر له هذا السر الثانى المستتر فى الأول ، ولهذا كان الثانى هو المسمى بسر السر المفهوم من الربوبية ، فكان سر سرها موجبا لإثباتها ، قال ابن عربى فى هذين السرين :
الرب حق والعبد حق يا ليت شعرى من المكلف
إن قلت عبد فذاك ميت أو قلت رب أنى يكلف (1) .
ويقول الكاشانى : فيفهم مما ذكر الشيخ هنا ، أنك إذا نظرت إلى الرب وحده أو العبد وحده ، بطلت الربوبية لبطلان المربوب ، المعبر عن بطلانها بقوله : إن قلت عبد فذاك ميت ، أما إذا نظرت إلى قيامه بربه ، وإلى كونه مظهرا له صح تكليفه ، لأن المكلف عبد ، هو مظهر الرب ، فثبتت الربوبية بظهور سر سرها ، كما قال الشيخ :
العبد عين الحق ليس سواه والحق عين العبد لست تراه
فانظر إليه به على مجموعه لا تفردنه فتستبيح حماه (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق 2/21:20 . 2. السابق 2/21 .
(10- السرائر : هى انمحاق السيار ، بالاتصال بنور الأنوار عند الوصول التام ، وقد لا يطلع عليه وعلى حاله غيره البتة ، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لى مع اللَّه وقت لا يسعنى فيه غير ربى ) ، وقوله تعالى فى الحديث القدسى : " أوليائى تحت قبابى لا يعرفهم غيرى " (1) .
**********************************
38 - السفر
**********************************(13/77)
صدق الله العظيم السفر : السفر كشف الغطاء ، وسافر خص بالمفاعلة اعتبارا بأن الإنسان قد سفر عن المكان والمكان سفر عنه (2) ، قال تعالى : { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ } [التوبة/42] وقال : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة/184] .
وعن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت :فرض اللَّه الصلاة حين فرضها ، ركعتين ركعتين في الحضر والسفر ، فأقرت صلاة السفر ، وزيد في صلاة الحضر (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. معجم الكاشانى ص122 والحديتان لا أصل لهما فى كتب السنة ، وانظر كشف الخفاء ومزيل الإلباس 2/174 .
2. لسان العرب 4/367 ، والمفردات ص233 ، وكتاب العين 7/246 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة برقم (350) 8/467 .
وكل ما ورد فى القرآن والسنة من ذكر السفر ، فإنه يعنى قطع مسافة الطرق للوصول إلى المكان المراد على اختلاف بين الفقهاء ، فى تحديد تلك المسافة التى يطلق على سالكها أنه مسافر .
صدق الله العظيم السفر فى الاصطلاح الصوفى :
أما السفر عند الصوفية ، فيعنى توجه القلب إلى الحق ، حتى يقطع الأسفار الأربعة وهى كالتالى :
السفر الأول : هو رفع حجاب الكثرة عن وجه الوحدة ، وهو السير إلى اللَّه من منازل النفس بإزالة التعشق من المظاهر والأغيار ، إلى أن يصل العبد إلى الأفق المبين ، وهو نهاية مقام القلب .
السفر الثانى : هو رفع حجاب الوحدة عن وجوه الكثرة العلمية الباطنة وهو السير فى اللَّه بالاتصاف بصفاته ، والتحقق بأسمائه و، هو السير فى الحق بالحق إلى الأفق الأعلى ، وهو نهاية حضرة الوحدانية .
السفر الثالث : وهو زوال التقيد بالضدين الظاهر والباطن ، بالحصول فى أحدية عين الجمع ، وهو الترقى إلى عين الجمع والحضرة الأحدية ، وهو مقام قاب قوسين ما بقيت الأثنينية ، فإذا ارتفعت ، فهو مقام أو أدنى وهو نهاية الولاية .(13/78)
السفر الرابع : عند الرجوع عن الحق إلى الخلق ، وهو أحدية الجمع والفرق ، بشهود اندراج الحق فى الخلق ، واضمحلال الخلق فى الحق وصورة الكثرة فى عين الوحدة ، وهو السير باللَّه عن اللَّه للتكميل وهو مقام
البقاء بعد الفناء والفرق بعد الجمع (1) .
وعند الغزالى تعريف للسفر فى مفهوم الصوفية ، بأنه سفر القلب بآلة الفكر فى طريق المعقولات ، وعلى ذلك ابتنى لفظ السالك والمسافر فى لغتهم وأول مسالك السفر إلى اللَّه تعالى ، معرفة قواعد الشرع ، وخرق حجب الأمر والنهى ، وتعلق الغرض فيها ، والمراد بها ومنها ، فإذا خلفوا نواحيها وقطعوا معاطفها ، أشرفوا على مفاوز أوسع ، وبرزت لهم مهامه أعرض وأطول من ذلك معرفة أركان المعارف النبوية النفس والعدو والدنيا ، فإذا تخلصوا من أوعارها ، أشرفوا على غيرها أعظم منها فى الانتساب ، وأعرض بغير حساب ، من ذلك سر القدر ، وكيف خفى بحكم فى الخلائق ، وقادهم فى عنف وشدة فى لين ، وبقوة فى ضعف ، وباختيار فى جبر ، إلى ما هو فى مجاريه ، لا يخرج المخلفون عنه طرفة عين ، ولا يتقدمون ولا يتأخرون عنه والإشراف على الملكوت الأعظم ، ورؤية عجائب ، ومشاهدة غرائب مثل العلم الإلهى ، واللوح المحفوظ واليمين الكاتبة ، وملائكة اللَّه يطوفون حول العرش ، وبالبيت المعمور ، وهم يسبحونه ويقدسونه ، وفهم كلام المخلوقات من الحيوانات والجمادات ، ثم التخطى منها إلى معرفة الخالق للكل ، والقادر على كل شئ ، فتغشاهم الأنوار المحرقة ، ويتجلى لمرآة قلوبهم الحقائق المحتجبة ، فيعلمون الصفات ، ويشاهدون الموصوف ويحجبون ــــــــــــــــــــ
1. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص2 ، ومعجم عبد الرزاق الكاشانى ص64 والتعريفات للجرجانى ص124 .
حيث غاب أهل الدعوى ، ويبصرون ما عمى عنه أولو الأبصار الضعيفة بحجب الهوى (1) .
**********************************
39 - السقف المرفوع
**********************************(13/79)
صدق الله العظيم السقف المرفوع : قال الإمام البخارى رحمه الله : السقف المرفوع السماء (2) ، وقد ورد على هذا المعنى مقسوما به ، فى قوله تعالى : { وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ } [الطور/5:1] ، ويعنى السماء ، سماها سقفا لكونها كالسقف للأرض ، ومنه قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا } [الأنبياء/32] (3) ، وقيل : السقف المرفوع هو العرش (4) .
صدق الله العظيم السقف المرفوع فى الاصطلاح الصوفى :
يقول القشيرى : ( السقف المرفوع سماء الهمم فى الملكوت ) (5) ، ويذكر الجيلى أن السقف المرفوع ، هو المكانة العليا الإلهية التى فى هذا القلب (6) .
ــــــــــــــــــــ
1. الإملاء للغزالى ص60 .
2. انظر صحيح البخارى ، كتاب بدء الخلق 8/467 .
3. لسان العرب 9/155 ، المفردات ص 235 .
4. زاد المسير 8/45 ، وتفسير الواحدى 2/1033 ، فتح القدير 5/94 ، 97 .
5. الإنسان الكامل 1/88 . 6. لطائف الإشارات 3/472 .
**********************************
40 - السكر
**********************************
صدق الله العظيم السكر : السكر ما يكون فى العقل من ذهاب التمييز ، بسبب الخمر أو غيره ، كقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } [النساء/43] ، وكقوله سبحانه : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } [ق/19] ، وقوله أيضا : { وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } [الحج/2] .
وعن عبد الله بن عباس رضى اللَّه عنه قال : "حرمت الخمر قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب " (1) .(13/80)
والسكر من الخمر عند أبى حنيفة أن لا يعلم السكران الأرض من السماء وعند أبى يوسف والشافعى ، هو أن يختلط كلامه ، وعند بعضهم أن يختلط فى مشيه وتحركه ، وقد يذهب العقل بسبب فرط الحب والهوى ، فيطلقون
عليه السكر ، ولكنه لم يرد فى القرآن أو السنة (2) .
صدق الله العظيم السكر فى الاصطلاح الصوفى :
السكر عند الصوفية غيبة بوارد قوى ، والمراد بالغيبة عندهم عدم الإحساس ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه النسائى فى الأشربة (5683) وقال الألبانى : صحيح موقوف 8/320 .
2. المفردات ص236 ، وانظر التعريفات ص125.
فمن غاب بوارد قوى سمى سكرانا ، ويبين الكاشانى أن العبد إذا كوشف بنعت الجمال حصل له السكر وطرب الروح وهام القلب ، فإذا عاد من سكره سمى صاحيا ، والصحو مختص بأهل السماع ، فإن السكران لا يسمع ولا يفهم ، كما أن السكر حال صاحب الرؤية عندما ينقهر تحت سلطنة الجمال ، وما يخفى أن الصحو والسكر بعد الذوق والشرب ، وقد يعنى بالسكر رؤية الغير والغيرية ، ويقابله صحو الجمع ، وقد يفسر السكر بأنه حالة للنفس ترد عليها من عالم القدس ، تؤدى بها إلى ما هى بصدده من النظام المتعلق بعالم الأجسام بحيث يوجب الاختلال فى الحركات والسكنات ويقال : الصحو ، ويراد به الرجوع عن تلك الحالة ، بحيث لم يزل ذلك الاختلال الواقع فى النظام ، والعود إلى ما كان عليه بالتمام (1) .
وقال عبد الرزاق الكاشانى فى قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } [النساء/43] ، وأنتم سكارى من نوم الغفلة وخمر الهوى ومحبة الدنيا (2) .
وروى عن أبى بكر الواسطى أنه قال : ( مقامات الوجد أربعة : الذهول ثم الحيرة ثم السكر ثم الصحو ، كمن سمع بالبحر ثم دنا منه ثم دخل فيه ثم ــــــــــــــــــــ(13/81)
1. لطائف الإعلام 2/25،26 والرسالة القشيرية 1/236 والتعرف فى مذهب أهل التصوف ص116 ومعجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص6 ، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 3/162 .
2. تفسير القرآن الكريم لابن عربى ( منسوب إليه وهو للكاشانى ) 1/260 .
أخذته الأمواج ) (1) .
ويذكر محى الدين بن عربى أن من أسكره الشهود فلا صحو له البتة ، وكل حال لا يورث طربا وبسطا وإدلالا وإفشاء إسرار الهية فليس بسكر ، وإنما هو غيبة أو فناء أو محق ، ولا يقاس سكر القوم فى طريق اللَّه على سكر شارب الخمر ، فإن سكر شارب الخمر ربما أورث بعض من يشربه غما وبكاء وفكرة ، وذلك لما يقتضيه مزاج ذلك الشارب ، فغيبة السكران ليست عن إحساسه ، وإنما غيبته عن مقابل الطرب لا غير ، ويفارق السكر سائر الغيبات ، لأن الصحو لا يكون إلا عن سكر ، والسكر يتقدم صحوه وليس الحضور مع الغيبة كذلك ، ولا الفناء مع البقاء كذلك ، لكنه مثل الصعق مع الإفاقة ، والنوم مع اليقظة والسكران فى هذا الطريق لا يغيب عن إحساسه ، فإن غاب فقد انتقل عندنا من حال السكر إلى حال فناء أو غيبة أو محق ، ولم يعقب سكره صحوه ) (2) .
**********************************
41 - سواد الوجه فى الدارين
**********************************
صدق الله العظيم سواد الوجه فى الدارين : السواد اللون المضاد للبياض ، وهو يرد فى ــــــــــــــــــــ
1. عوارف المعارف للسهروردى ص527 .
2. الفتوحات 2/545 .
الكتاب والسنة على وجهين :
الأول : أن يكنى ببياض الوجوه عن المسرة ، واسودادها عبارة عن المساءة كقوله تعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ } [النحل/58] ، وقوله : { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِمًا } [يونس/27] (1) .(13/82)
الثانى : الابيضاض والاسوداد على المعنى المحسوس كقوله تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } [آل عمران/106] لأن ذلك حاصل لهم سودا كانوا فى الدنيا أو بيضا ، ومن هذا الوجه أيضا ما روى من حديث البراء ابن عازب رضى اللَّه عنه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ، نزل إليه ملائكة من السماء ، بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس .. وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح .. " (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. كتاب العين 7/281 ، والمفردات ص244 ، ولسان العرب 3/224 .
2. أخرجه أبو داود فى كتاب السنة برقم (4753) 4/239 ، وأحمد فى المسند برقم (18557) واللفظ له .
صدق الله العظيم سواد الوجه فى الدارين فى الاصطلاح الصوفى :
الصوفية يعبرون عن التصوف أو الفقر ، بإسقاط الجاه وسواد الوجه فى الدنيا والآخرة ، بل قال بعضم العارف مسود الوجه فى الدنيا والآخرة (1) .
وسواد الوجه فى الدارين يعنى عند الصوفية أسمى الحالات ، فهو الفناء فى اللَّه بالكلية ، بحيث لا وجود لصاحبه ظاهرا وباطنا دنيا وآخرة ، وهو الفقر الحقيقى ، والرجوع إلى العدم الأصلى (2) .(13/83)
قال الكاشانى : ( ومعنى السواد المذكور فى الدارين ، هو رؤية المرء سقوط قدره ، وتفاهة قيمته وحقارة منزلته فى الدنيا والآخرة ، فهو لا يرى له عملا منجيا فى الآخرة ، ولا على أحد فى الدنيا ، وذلك لتحققه بفقر الصوفية ، وهو الانحباس فى بيد التجريد الذى عرفته ، وهو المقام الذى يبيد فيه كل ما سوى الحق تعالى ، أى يعدم ، وقد يتحقق صاحب هذه الحالة بالفقر الحقيقى الذى هو فقد الأنانية فى وجود حقيقة الحقائق ، وقد يرى سواد وجهه ، وهو ظلمة عدمية فى الدارين ، أى فى الدنيا ولآخرة ) (3) .
وقال صدر الدين الرومى وقد سئل عن معنى سواد الوجه فى الدارين فقال : وجه الكامل لكونه مواجها لحضرة الغيب ، وهى تشبه الظلمة (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/30 . 2. السابق 2/29.
3. السابق 2/30 ، وانظر معجم الكاشانى ص123 .
4. السابق 2/30 ، وانظر كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 3/151 .
**********************************
42 - الشجرة
**********************************
صدق الله العظيم الشجرة : الشجر من النبات ماله ساق ، يقال : شجرة وشجر ، نحو ثمرة وثمر ، وكل ما ورد فى القرآن من ذكر الشجر فى الدنيا ، فإنه يعنى الشجر من النبات ، كقوله تعالى : { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } [النحل/68] ، وكقوله : { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ } [يس/80] وأمثال ذلك (1) .(13/84)
وقال الشوكانى عن الشجرة فى قوله تعالى : { أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ } [الواقعة/72:71] : ( معنى تورون أى تستخرجونها بالقدح من الشجر الرطب ، يقال : أوريت النار ، إذا قدحتها ) (2) ، وكانت العرب تستخدم شجرتين إحداهما تسمى المرخ والأخرى تسمى العفار ، إذا أخذ منهما غصنان أخضران ، فحك أحداهما بالآخر تناثر من بينهما شرر النار (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 4/394 ، والمفردات ص 255 ، 256 .
2. فتح القدير 5/158 .
3. تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/296 .
أما الشجرة التى ذكرت فى قوله تعالى : { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ } [البقرة/35] فهى الشجرة التى نهى آدم عليه السلام وزوجته عن الأكل منها ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " فيقول آدم : إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح " (1) .
واختلفوا فى تعينها ، فقيل : العنب ، وقيل : التين ، وقيل : البر ، وقيل : النخلة ، قال ابن جرير : ( والصواب فى ذلك أن يقال : إن اللَّه عز وجل ثناؤه ، نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها ، فأكلا منها ولا علم عندنا بأى شجرة كانت على التعين ، لأن اللَّه لم يضع لعباده دليلا على ذلك فى القرآن ولا من السنة الصحيحة ) (2) .(13/85)
وأما الشجرة الملعونة فى القرآن والتى وردت فى قوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ } [الإسراء/60] فهى شجرة الزقوم التى وردت فى قوله تعالى :
{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لاكِلُونَ مِنْهَا ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (194) 1/184 .
2. تفسير ابن جرير الطبرى 1/233 .
فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ } [الصافات/66:62] ، كما قال عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - : هي رؤيا عين أريها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، ليلة أسري به ، والشجرة الملعونة شجرة الزقوم (1) ، هذا جملة ما ورد فى القرآن والسنة من ذكر الشجرة ومعانيها .
صدق الله العظيم الشجرة فى الاصطلاح الصوفى :
الشجرة فى الاصطلاح الصوفى تنوع مدلولها بمعان مختلفة :
1- الشجرة تعنى عند الصوفية الإنسان الكامل ، قال عبد الرزاق الكاشانى : ( الشجرة يعنون بها فى اصطلاحهم ، الإنسان الكامل المشار إليه فى آية النور ، وهى الشجرة المباركة الزيتونة ، التى لا شرقية ولا غربية لاعتدالها بين طرفى الإفراط والتفريط ، فى الأقوال والأفعال والأحوال ويطلقونها على الأسماء الإلهية لتشاجرها وتقابلها ، كالغفور والمنتقم ، والضار والنافع ، والمعطى والمانع ) (2) .
2- الشجرة كناية عن اللَّه ، فيذكر ابن عربى أنه رأى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فى المنام ، قال : فقلت له : قول اللَّه : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4716) 8/250 ، وانظر فتح القدير 3/240 .(13/86)
2. لطائف الإعلام 2/35 ، 36 ، وانظر اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص12 والتعريفات ص130 .
نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ } [النور/35] ، ما هذه الشجرة ؟ ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : كنى عن نفسه سبحانه ، ولهذا نفى عنها الجهات والغرب والشرق ، كناية عن الفرع والأصل ، فهو خالق المواد وأصلها ، ولولا هو لما كانت مادة فى كلام طويل ، وتفصيل واضح ، وكان قبل أن يقول هذا الكلام يقول لى : أنت تعرف ما هى الشجرة ، وما كان لى علم بها ، فلما قال لى : أنت تعرفها ، وجدت العلم بها فى نفسى عند قوله : أنت تعرفها ، وكنت أقول له : نعم أعرفها ، وأحب أن أسمعها من فيك - صلى الله عليه وسلم - ، فكان يقول لى : ما ذكرت ، واستيقظت (1) .
3- الشجرة تعنى أيضا الحقيقة المحمدية ، قال ابن عربى : ( فظهرت هذه الصورة المحمدية ، والشجرة الإنسانية الجامعة الكلية ، وقال لسان حالها : غرستنى يد الأحد فى بستان الأبد ، أنا شجرة النور والكلام ، وقرة عين موسى عليه السلام ، لى من الجهات اليمين الأنفس ، ومن الأمكنة الواد المقدس ، ولى من الزمان الآن ، ومن المسالك خط الاستواء ، واعتدال الأركان ، فأنا الظل الممدود وكلمة الوجود ، وجوامع الكلم ، ومعدن الأسرار والحكم ) (2) .
4- والشجرة تعنى عندهم أيضا الكون وتفريعاته ، كما يقول ابن عربى : ــــــــــــــــــــ
1. السابق 2/ 36 .
2. تذكرة الخواص فقرة 57 .(13/87)
( فإنى نظرت إلى الكون وتكوينه وإلى المكنون وتدوينه ، فرأيت الكون كله شجرة ، وأصل نورها فى حبة { كُنْ } [آل عمران/47] ، قد لقحت كاف الكونية بلقاح حبة { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ } [الواقعة/57] ، فانعقد من ذلك البزر ثمرة { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [القمر/49] ، وظهر من هذا غصنان مختلفان ، أصلهما واحد ، وهو الإرادة وفرعها القدرة ، فظهر عن جوهر الكاف معنيان مختلفان : كاف الكمالية { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة/3] ، وكاف الكفرية { فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ } [البقرة/253] ، وظهر جوهر النون ، نون النكرة ونون المعرفة ، فلما أبرزهم من العدم على حكم مراد التقدم ، ورش عليهم من نوره ، فأما من أصابه ذلك النور ، فحدق إلى تمثال شجرة الكون المستخرجة من حبة { كُنْ } [آل عمران/47] ، فلاح له فى سر كافها ، تمثال { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران/110] ، واتضح له فى شرح نونها { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } [الزمر/22] وكان حظ كل مخلوق من كلمة كن ، ما علم من هجاء حروفها ) (1) .
**********************************
43 - الشرب
**********************************
صدق الله العظيم الشرب : الشرب تناول كل مائع ، ماء كان أو غيره ، قال الله تعالى :
ــــــــــــــــــــ
1. شجرة الكون ص2 .
{ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا } [الإنسان/21] ، وقال سبحانه فى صفة أهل النار : { لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ } [ الأنعام/70] ، وجمع الشراب أشربة ، يقال شربته شَربا وشٌربا ، وقال تعالى عن قصة طالوت : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } [البقرة/249] ، وقال : { فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ } [الواقعة/55] (1) .(13/88)
وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - ، قال : " نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب من فم القربة أو السقاء " (2) .
صدق الله العظيم الشرب فى الاصطلاح الصوفى :
الصوفية تسمى حلاوة التقوى وجمال الكرامة ولذة الأنس شربا ، ولا يمكن لشخص أن يقوم عندهم بأمر بدون الشرب ، وكما أن شرب الأجسام هو الماء فشرب القلوب هو الأنس الروحانى (3) ، والشرب عندهم على ثلاث مراحل ابتداء ووسط وانتهاء ولكل اصطلاح :
1- ابتداء الشرب : ويسمى فى عرفهم الذوق ، ويتمثل فى صفاء معاملاتهم ، قال ذو النون المصرى : ( لما أراد أن يسقيهم من كأس محبته ذوقهم من لذاذته وألعقهم من حلاوته ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 1/487 ، والمغرب للمطرزى 1/436 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الأشربة برقم (5627) 10/92 .
3. كشف المحجوب ص475 .
4. اللمع ص449 .
2- وسط الشرب : ويتمثل فى وفاء منازلتهم ، فمن قوى حبه عندهم تسرمد شربه ، فإذا دامت به تلك الصفة ، لم يورثه الشرب سكرا ، فكان صاحيا بالحق ، فانيا عن كل حظ ، لم يتأثر بما يرد عليه ، ولا يتغير عما هو به ، ومن صفا سره لم يتكدر عليه الشرب ، ومن صار الشراب له غذاء ، لم يصبر عنه ، ولم يبق دونه ، قال قائلهم :
عجبت لمن يقول ذكرت ربى فهل أنسى فأذكر ما نسيت
شربت الحب كأسا بعد كأس فما نفذ الشراب ولا رويت (1)
قال القشيرى : ( كتب يحى بن معاذ إلى أبى يزيد البسطامى : ها هنا من شرب من كأس المحبة لم يظمأ بعده ، فكتب له أبو يزيد ، عجبت من ضعف حالك ؟ ههنا من يحتسى بحار الكون وهو فاغر فاه يستزيد ) (2) .
3- نهاية الشرب : ويطلقون عليه الرى ، ويتمثل فى دوام مواصلاتهم وصاحب الذوق عندهم متساكر ، وصاحب الشرب سكران ، وصاحب الرى صاح (3) .(13/89)
قال الكاشانى : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلا } [الإنسان/17] زنجبيل لذة الاشتياق ، فإنهم لا شوق لهم ، ليكون شرابهم الزنجبيل الصرف ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 1/ 240 .
2. السابق 1/240 .
3. السابق 1/239 .
الذى هو غاية حرارة الطلب لوصولهم ، ولكن لهم الاشتياق للسير فى الصفات ، وامتناع وصولهم على جميعها ، فلا تصفو محبتهم من لذة حرارة الطلب ، كما صفت لذة محبة المستغرقين فى عين جميع الذات ، فكان شرابهم العين الكافورية الصرفة ) (1) .
**********************************
44 - الشفع
**********************************
صدق الله العظيم الشفع : الشفع ضم الشئ إلى مثله ، والوتر انفراده (2) ، وقد ورد فى قوله تعالى : { وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } [الفجر/ 3:1] والآية لها تفسيران أحدهما لغوى والأخر اصطلاحى :
1- فالمعنى اللغوى ما قاله مجاهد فى تفسيرها : كل شيء خلقه فهو شفع السماء شفع ، والوتر اللَّه تبارك وتعالى (3) ، على ما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : لله تسعة وتسعون اسما ، من حفظها دخل الجنة ، وإن اللَّه وتر يحب الوتر ) (4) ، وفى المعنى اللغوى أيضا ، ورد الشفع فى الأذان ــــــــــــــــــــ
1. تفسير القرآن الكريم منسوب لابن عربى 2/744 .
2. المفردات ص 263 ، وفتح القدير 5/436 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب التفسير، سورة الفجر 8/571 .
4. أخرجه مسلم فى كتاب الذكر والدعاء برقم (2677) 4/2062 .
والوتر فى الإقامة ، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : " أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالا أن يشفع الأذان ، وأن يوتر الإقامة " (1) .
2- أما المعنى الاصطلاحى فهو على وجهين :(13/90)
أ- الوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر ، هكذا ورد عن النبى - صلى الله عليه وسلم - من حديث جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " إن العشر عشر الأضحى ، والوتر يوم عرفة ، والشفع يوم النحر " (2) .
ب- الشفع ركعتان أو عدد من الركعات الزوجية ، تصلى فى آخر الليل والوتر ركعة واحدة بعد الشفع ، لما ورد من حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت : " كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصلي في الحجرة ، وأنا في البيت ، فيفصل بين الشفع والوتر بتسليم يسمعناه " (3) .
صدق الله العظيم الشفع فى الاصطلاح الصوفى :
قال الكاشانى فى قوله تعالى : { وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ } [الفجر/3:1] أقسم بابتداء ظهور نور الروح على مادة البدن ، عند أول أثر تعلقه به { وَلَيَالٍ عَشْرٍ } ومحال الحواس العشرة الظاهرة والباطنة التى تتعين ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الآذان برقم (603) 2/92 .
2. حسن الإسناد ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (14102) .
3. ضعيف ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (24018) عمر بن عبد العزيز لم يسمع من عائشة رضى الله عنها .
عند تعلقه به ، لكونها أسباب تحصيل الكمال وآلاتها { وَالشَّفْعِ } ، أى الروح والبدن عند اجتماعهما ، وتمام وجود الإنسان الذى يمكن به الوصول { وَالْوَتْرِ } ، أى الروح الجرد إذا فارق (1) .
وقال أيضا : الشفع هو الخلق ، وإنما أقسم بالشفع والوتر ، لأن الأسماء الإلهية ، إنما تتحقق بالخلق ، فما لم ينضم شفعية الحضرة الواحدية إلى وترية الحضرة الأحدية ، لم تظهر الأسماء الإلهية (2) .
**********************************
45 - الشمس
**********************************(13/91)
صدق الله العظيم الشمس : الشمس يقال للقرصة ، وللضوء المنتشر عنها ، وتجمع على شموس قال الله تعالى : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [يس/38] وفى معنى الآية من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر حين غربت الشمس : أتدري أين تذهب ؟ قلت : اللَّه ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، يقال لها : ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ ــــــــــــــــــــ
1. تفسير القرآن الكريم لابن عربى ص803 .
2. معجم الكاشانى ص170 /171 .
لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } " (1) .
وقال البخارى : " باب صفة الشمس والقمر ، قال تعالى : { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } [الرحمن/5] ، قال مجاهد : كحسبان الرحى ، وقال غيره : بحساب ومنازل ، لا يعدوانها ، وحسبان جماعة حساب ، مثل شهاب وشهبان : { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } [الشمس/1] ضوءها ، { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ } [يس/40] لا يستر ضوء أحدهما ضوء الآخر ، ولا ينبغي لهما ذلك ، { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } [التكوير/1] ، قال الحسن : تكور حتى يذهب ضوءها " (2) .
صدق الله العظيم الشمس فى الاصطلاح الصوفى :
والشمس عند الصوفية تعنى عدة معان :
1- الشمس هى مجلى الحق سبحانه وتعالى كما قال محى الدين بن عربى :
ألا بذكر اللَّه تزداد الذنوب وتنعكس البصائر والقلوب
وترك الذكر أفضل كل شئ فشمس الذات ليس لها غروب (3) .
2- والشمس كناية عن الروح فى البدن بمنزلة الشمس ، والنفس بمنزلة
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3199) 6/342 ، وانظر المفردات فى غريب القرآن ص267 .(13/92)
2. انظر صحيح البخارى فى كتاب بدء الخلق ، باب صفة الشمس والقمر 3/1169.
3. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 4/116 ، وسائل السائل ص25 ، وديوان ترجمان الأشواق ص5:4 .
القهر ، لذلك قالوا : إذا رأى السالك نورا قبل شعاع القمر ، فإنه يعلم أن هذا النور هو الروح (1) .
وقال الكاشانى فى قوله تعالى : { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا } [الشمس/1] أقسم بشمس الروح وضوئها المنتشر فى البدن الساطع على النفس ، والقمر أى قمر القلب إذا تلى الروح فى التنور بها وإقباله نحوها ، واستضاءته بنورها ، ولم يتبع النفس فينخسف بظلمتها والنهار ونهار استيلاء نور الروح وقيام سلطانها ، واستواء نورها إذا جلأها وأبرزها فى غاية الظهور ، كالنهار عند الاستواء فى تجلية الشمس (2) .
3- وقال القشيرى : الشمس فى قوله تعالى عن إبراهيم - عليه السلام - : { فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ } [الأنعام/78] : أحاطت به سجوف ظلمة الطلب ، ولم يتجلى له بعد صباح الوجود ، فطلع نجم العقول فشاهد الحق بسره بنور البرهان ، فقال : هذا ربى ، ثم أسفر الصبح وفتح النهار ، فطلعت شموس العرفان من برج شرفها ، فلم يبق للطلب مكان ولا للتجويز حكم ، ولا للتهمة قرار ، فقال : ياقوم إنى برئ مما تشركون إذ ليس بعد العيان ريب ، ولا عقب الظهور ستر ، ويقال : إنه كان يلاحظ الأغبار والآثار باللَّه ، ثم كان يرى الأشياء لله ومن اللَّه ، ثم طالع الأغيار محوا فى اللَّه (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق 4/116 . 2. تفسير القرآن الكريم منسوب لابن عربى 2/811 .
3. لطائف الإشارت 1/485 .
**********************************
46 - الشيخ
**********************************(13/93)
صدق الله العظيم الشيخ : يقال لمن طعن فى السن الشيخ ، كقوله تعالى : { قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } [القصص/23] ، وقوله : { ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا } [غافر/67] ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " قلب الشيخ شاب على حب اثنتين حب العيش والمال " (1) ، وكل ما ورد فى القرآن ، والسنة فإنه يعنى ذلك .
وقد يقال لمن يكثر علمه شيخ ، لما كان من شأن الشيخ أن يكثر تجاربه ومعارفه (2) ، ويمكن أن يحمل عليه حديث عثمان بن موهب ، قال : جاء رجل حج البيت ، فرأى قوما جلوسا ، فقال من هؤلاء القعود ؟ ، قالوا : هؤلاء قريش ، قال : من الشيخ ؟ ، قالوا : ابن عمر ، فأتاه فقال : إني سائلك عن شيء أتحدثني ؟ .. (3) .
صدق الله العظيم الشيخ فى الاصطلاح الصوفى :
والشيخ فى عرف الصوفية ، هو الإنسان البالغ فى العلوم الثلاثة التى هى ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الزكاة برقم (1046) 2/724 .
2. لسان العرب 3/31 ، وكتاب العين 4/284 ، المفردات ص270 .
3. أخرجه البخارى قى كتاب المغازى برقم (4066) 7/421 .(13/94)
علم الشريعة والطريقة والحقيقة ، إلى الحد الذى من بلغه ، كان عالما ربانيا مربيا ، هاديا مهديا مرشدا إلى طريق الرشاد ، معينا لمن أراد الاستعانة به على البلوغ إلى رتب أهل السداد ، وذلك بما وهبه اللَّه من العلم اللدنى الربانى ، والطب المعنوى الروحانى ، فهو طبيب الأرواح الشافى لها بما علمه اللَّه تعالى من أدوية أدوائها المردية ، الذى بلغ فى نفوذ بصيرته إلى مقام المشاهدة لما يعرض لقلوب السالكين ، من الأدواء المانعة لهم عن الحظوة بالقرب ، من حضرة الحق تعالى ، ويشاهد أيضا ما ينبغى أن يعالج به تلك الأدواء والعلل ، من الرياضات والمجاهدات ، فمن كان مقامه فى العلم اللدنى فهو طبيب الأرواح ، والشيخ الذى من اقتفى أثره صار من أهل الفلاح (1) .
قال الكاشانى : ( الشيخ هو الإنسان الكامل فى علوم الشريعة والطريقة والحقيقة ، البالغ إلى حد التكميل فيها ، لعلمه بآفات النفوس وأمراضها وأدوائها ومعرفته بدوائها وقدرته على شفائها ، والقيام بهداها إن استعدت ووفقت لاهتدائها ) (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/45،46 .
2. معجم الكاشانى ص172 .
**********************************
47 - الصنم
**********************************
صدق الله العظيم الصنم : الصنم جثة متخذة من فضة أو نحاس أو خشب أو حجر ، كانوا يعبدونها متقربين بها إلى اللَّه ، وجمعه أصنام ، وعلى هذا المعنى ورد قول الله تعالى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [الأعراف/132] وقوله :(13/95)
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } [الأنعام/74] ، وقوله : { وَتَاللَّهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ } [الأنبياء/57] (1) .
ومن حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - ، فى فتح مكة قال : "فأتى - صلى الله عليه وسلم - على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه ، وفي يد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قوس ، وهو آخذ بسية القوس ، فلما أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه ، ويقول : { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } [الإسراء/81] (2) .
صدق الله العظيم الصنم فى الاصطلاح الصوفى :
والصنم فى الاصطلاح الصوفى يرد على معنيين :
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 12/349 ، والمفردات ص287 .
2. أخرجه مسلم فى الجهاد والسير برقم (1780) 3/1405 .
الأول : كل ما يشغل عن اللَّه فهو صنم ، فصنم كل أحد ما يشغله عن اللَّه تعالى ، من مال وولد وجاه ، وطاعة وعبادة " (1) .
وقال القشيرى فى قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ } [إبراهيم/35] :
( لما بنى البيت استعان باللَّه أن يجرده من ملاحظة نفسه ، وفعله وقيل : كان مترددا بين شهود فضل اللَّه ، وشهود رفق نفسه ، فلما لقى من فضله وجوده ، قال من كمال بسطه : { واغفر لأبي إنه كان من الضالين } [إبراهيم/35] ولما نظر من حيث فقر نفسه ، قال : { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَام َ } [الشعراء/86] ) (2) .
الثانى : الصنم هو اللَّه ، من حيث هو مظهر الوجود المطلق ، قال التهانوى : ( الصنم فى اصطلاح السالكين ، عبارة عن مظهر الوجود المطلق الذى هو الحق ، فالصنم من حيث الحقيقة ، هو الحق وليس باطلا أو عبثا وعابد الصنم يطلق عندهم على عابد الحق ، لأن الحق فى صورة صنم :(13/96)
{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [الإسراء/23] ،فإذا ظهر صحيحا فالكل عابد بالضرورة ) (3) ، وهذا يفسر على المعنى الذى ــــــــــــــــــــ
1. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 4/269 .
2. لطائف الإشارات 2/255 .
3.كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 4/269 .
ذكره ابن عربى أن للحق فى كل معبود وجها ، يعرفه من عرفه ويجهله من جهله ، فى المحمديين ، { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ } ، أى حكم ربك فالعالم يعلم من عبد ، وفى أى صورة ظهر حتى عبد ، وإن التفرقة والكثرة كالأعضاء فى الصورة المحسوسة وكالقوة المعنوية فى الصورة الروحانية ، فما عبد غير اللَّه فى كل معبود ، فالأدنى يقصد أهل الظاهر من تخيل فيه الألوهية ، فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره ، قال : { قُلْ سَمُّوهُمْ } [الرعد/33] ، فلو سموهم لسموهم حجارة وشجرا وكوكبا ، ولو قيل لهم : من عبدتم ؟ ، لقالوا : إلها ، ما كانوا يقولون : اللَّه ، ولا الإله ، والأعلى يقصد أهل الكشف ما تخيل ، بل قال : هذا مجلى إلهى ينبغى تعظيمه ، فلا يقتصر ، فالأدنى صاحب التخيل يقول : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر/3] والأعلى العالم يقول : { إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } [الكهف/110] أى حقا كان أو باطلا ) (1) .
**********************************
48 - الضنائن
**********************************
صدق الله العظيم الضنائن : الضنين هو البخيل بالشئ النفيس الممسك به ، ويقال : فلان ضنى بين أصحابى ، أى هو النفيس الذى أضن به ، وقوله تعالى : { وَمَا هُوَ ــــــــــــــــــــ
1. فصوص الحكم ص 66، 67 .
عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } [التكوير/24] أى ما هو ببخيل ، فلا يكتم شيئا مما جاء به الوحى (1) .(13/97)
وقال لقيط بن صبرة - رضي الله عنه - : " يا رسول اللَّه ما عندك من علم الغيب ؟ فقال : ضن ربك عز وجل بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا اللَّه " (2) .
وقال أبو هريرة لعبد اللَّه بن سلام رضى اللَّه عنهما فى ساعة الإجابة يوم الجمعة : " أخبرني بها ولا تضنن بها علي قال : هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس ، قال أبو عيسى الترمذى ومعنى قوله : أخبرني بها ولا تضنن بها علي لا تبخل بها علي ، والضن البخل ، والضنين المتهم (3) .
ومن حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - فى فتح مكة قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " يا معشر الأنصار قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ، كلا إني عبد اللَّه ورسوله هاجرت إلى اللَّه وإليكم ، والمحيا محياكم والممات مماتكم ، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون : واللَّه ما قلنا الذي قلنا إلا الضن باللَّه وبرسوله ، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : إن اللَّه ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم " (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. القاموس المحيط ص 1564 ، والمفردات ص29.
2. حديث حسن ، أخرجه أبو داود فى كتاب الأيمان والنذور برقم (3266) وأحمد فى المسند برقم (15773) واللفظ له .
3. أخرجه الترمذى فى كتاب الجمعة برقم (491) وقال الألبانى : صحيح 2/362 .
4. أخرجه مسلم فى الجهاد والسير برقم (1780) 3/ 1405.
صدق الله العظيم الضنائن فى الاصطلاح الصوفى :
استخدم الصوفية مصطلح الضنائن ليعنوا به الخصائص من أهل اللَّه الذين يضن بهم لنفاستهم عنده ، وعلو شأنهم لديه ويستدل الكاشانى لهم بحديثين :
الأول : قوله - صلى الله عليه وسلم - : " سبعة يظلهم اللَّه تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظل عرشه " (1) ، وقال معقبا : وذكر منهم الشاب الذى نشأ فى عبادة اللَّه الهمه التوبة فى صباه ، ليعصمه ويجعله من ضنائنه (2) .(13/98)
والثانى : حديث ينسبه إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - : " إن لله ضنائن من خلقه ألبسهم النور الساطع ، يحييهم فى عافية ، ويميتهم فى عافية " (3) .
ويقول معقبا : فقوله - صلى الله عليه وسلم - : يحييهم فى عافية ، أى يعصمهم من المعاصى من أول صباهم من بدء العمر ، ومعنى ويميتهم فى عافية ، أى يميتهم على ما كانوا عليه من الحفظ والعصمة ، وذلك لمحبته لهم (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الأذان برقم (660) 2/168 ومسلم فى كتاب الزكاة برقم (1031) 2/715 .
2. لطائف الإعلام 2/75،76 .
3. الحديث ضعيف ، وراه الطبرانى فى معجمه الكبير 12/385 وابن الجعد فى مسنده 1/494 ، والحكيم الترمذى فى نوادر الأصول 4/233 ، وابن رجب فى جامع العلوم والحكم ص371 ، وانظر ضعفاء العقيلى 4/152 .
4. معجم الكاشانى ص183 لطائف الإعلام 2/75 .
**********************************
49 - الضياء
**********************************
صدق الله العظيم الضياء : الضياء على نوعين :
الأول : ما يدرك بالبصر ، وهو النور المحسوس للعين المبصرة ، ومنه قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا } [يونس/5] وقوله سبحانه : { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } [البقرة/20] (1) ، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ولو أن امرأة من أهل الجنة ، اطلعت إلى أهل الأرض ، لأضاءت ما بينهما ، ولملأته ريحا " (2) .(13/99)
وعنه أيضا أن أسيد بن حضير ورجلا آخر من الأنصار ، تحدثا عند رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ليلة في حاجة لهما ، حتى ذهب من الليل ساعة ، وليلة شديدة الظلمة ، ثم خرجا من عند رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ينقلبان ، وبيد كل واحد منهما عصية ، فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها ، حتى إذا افترق بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه ، فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ إلى أهله " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص300 . 2. أخرجه البخارى فى الجهاد (2796) 6/19 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة برقم (465) 1/662 ، وأحمد فى المسند برقم (11996) واللفظ له .
ومن حديث حفصة رضى اللَّه عنها : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أضاء له الفجر صلى ركعتين " (1) .
الثانى : ما يدرك بالبصيرة ، وهو ما يهتدى به العقل والإرادة والقلب وما تعلق بالروح ، ومنه قوله تعالى : { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين } [الأنبياء/48] ، ومن حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " الطهور شطر الإيمان .. والصلاة نور ، والصدقة برهان والصبر ضياء .. " (2) .
صدق الله العظيم الضياء فى الاصطلاح الصوفى :
والضياء عند الصوفية يعرفه الكاشانى بأنه رؤية الأشياء بعين الحق عين الحق ، فإن الحق بذاته نور لا يدرك ولا يدرك به ، ومن حيث أسماؤه نور يدرك ويدرك به ، فإذا تجلى القلب من حيث كونه يدرك به شاهدت البصيرة المنورة الأغيار بنوره ، فإن الأنوار الأسمائية من حيث تعلقها بالكون مخالطة بسواده ، وبذلك استتر انبهاره فأدركت به الأغيار كما أن قرص الشمس إذا حازاه غيم رقيق يدرك (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب صلاة المسافرين برقم (723) 1/500 .
2. المفردات ص300 والحديث أخرجه مسلم فى كتاب الطهارة (223) 1/203.(13/100)
3. انظر لطائف الإعلام 2/76 ، رشح الزلال ص142 ، ومعجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص183 ، التعريفات ص181 .(13/101)
**********************************
50 - الطور
**********************************
صدق الله العظيم الطور : الطور فى القرآن ، اسم جبل مخصوص فى جزيرة سيناء ، له شأن عظيم مع بنى إسرائيل (1) ، وأقسم اللَّه به فى موضعين من كتابه ، فقال سبحانه : { وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ } [الطور/2:1] ، وقال أيضا : { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ } [التين/2:1] ، كما أن اللَّه هيأ لموسى عليه السلام بجانبه نارا ، عندما توجه من مدين إلى مصر مارا به ، قال تعالى : { فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأَهْلهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنْ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } [القصص/29] وقد تجلى اللَّه له عندما طلب موسى الرؤية ، فاندك فى الأرض ، كما قال تعالى : { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَل فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ للْجَبَل جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف/143] .
وقد رفعه اللَّه على بنى إسرائيل حتى كاد أن يسقط عليهم فقال : { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمْ الطُّورَ } [النساء/154] وقال تعالى : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 4/508 ، المفردات 308 .
وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ } [الأعراف/171] .(14/1)
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " لا تخيروا بين الأنبياء وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ، فأفيق فأجد موسى متعلقا بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أجزي بصعقة الطور أو أفاق قبلي " (1) .
صدق الله العظيم الطور فى الاصطلاح الصوفى :
والطور فى الاصطلاح الصوفى يعنى باطن النفس ، وذلك هو المعبر عنه بالحقيقة الإلهية فى الإنسان (2) .
أما الطور الأيمن فهو النفس ، يقول الجيلى : ( الطور الأيمن هو النفس لأن الطور الذى هو الجيل الذى كان موسى يتجلى فيه ) (3) .
وقال عبد الزاق الكاشانى : ( الطور هو الدماغ الإنسانى ، الذى هو مظهر العقل والنطق ، أقسم به لشرفه وكرامته ، ولكون الفلك الأعظم الذى هو محدد الجهات بالنسبة إلى العالم ، بمثابة الدماغ بالنسبة إلى الإنسان ، يمكن أن يكون إشارة إليه ، وأقسم به لشرفه وكونه مظهر الأمر الإلهى ، ومحل القضاء الأزلى ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه أحمد فى المسند برقم (10894) واللفظ له ، وأخرجه البخارى فى كتاب الخصومات برقم (2412) .
2. الإنسان الكامل 1/88 .
3. السابق 1/88 .
4. تفسير القرآن الكريم لابن عربى 2/547 .
**********************************
51 - الظل
**********************************
صدق الله العظيم الظل : الظل ضد الضَّحِّ ، وهو أعم من الفئ ، فإنه يقال : ظل الليل وظل الجنة ، ويقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس ظل ، ولا يقال الفئ إلا لما زالت عنه الشمس ، ويعبر عن الظل بالعزة ، والمتعة والرفاهية ، يقال : أظلنى فلان وحرسنى ، وجعلنى فى ظله وعزته ومناعته (1) .(14/2)
وقد ورد الظل فى القرآن والسنة على ما يحجب الضوء ، كقول الله تعالى : { أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَليلا } [الفرقان/45] ، وقوله : { وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ } [فاطر/19: 22] وقوله سبحانه : { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ } [يس/56] .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة واقرءوا إن شئتم { وَظِلٍّ مَمْدُودٍ } " [الواقعة/30] (2) .
صدق الله العظيم الظل فى الاصطلاح الصوفى :
أما الظل فى الاصطلاح الصوفى فيعنى أمرين :
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 11/415 ، المفردات ص314 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3253) 6/368 .
1- الظل : كل ما سوى اللَّه من أعيان الكائنات ، وذلك من وجهين :
الوجه الأول : هو أنه لما لم يكن لشئ من الكائنات استقلال بنفسه لاستحالة وجود ما سوى الحق تعالى بذاته ، صارت الكائنات ظلا لله من حيث أن الظل لا تحرك له إلا بحركة صاحبه ، ولا حقيقة له ولا صورة ولا ذات ، إلا بحسب ما ينبعث عن الشئ الذى هو ظل له ، فهكذا من شهد الحقيقة ، فإنه يرى الكائنات ظلا لا تستطيع لنفسها نفعا ولا ضرا ولا موتا ، ولا حياتا ولا نشورا (1) .(14/3)
الوجه الثانى : هو أنه لما كانت حقيقة الظل ، إنما هو عدم النور الشمسى أو غيره فى بقعة ما لساتر ما صارت الكائنات ظلا بهذا المعنى ، لأن حقيقة الظل لا ترجع إلى شئ فى نفسه ، بل إنما تتعين بالنور فكذلك كل ما سوى اللَّه تعالى ، ليس هو شيئا فى نفسه ، إنما هو شئ بربه ، فهو أعنى الظل المشار به إلى ما سوى اللَّه تعالى ، ما يحصل من انبساط النور الإلهى على أعيان من الأعيان الممكنات التى ليست نورا فى نفسها ، وقد يظهر الظل الذى هو ظلمة محضة ، لأنه ليس يظهر إلا بانبساط النور ، ولا هو نور محض (2) .
وقال الكاشانى : ( الظل هو الوجود الإضافى الظاهر بتعينات
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/92 .
2. السابق 2/92 ، 93 .
الأعيان الممكنة وأحكامها ، التى هى معدومات ظهرت باسمه النور الذى هو الوجود الخارجى المنسوب إليها ، فيستر ظلمة عدميتها النور الظاهر بصورها صار ظلا لظهور الظل بالنور وعدميته فى نفسه ، قال اللَّه تعالى : { أَلَمْ تَرَى إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ } [الفرقان/45] ، أى بسط الوجود الإضافى على الممكنات ، فالظلمة بإزاء هذا النور هو العدم ، وكل ظلمة فهى عبارة عن عدم النور ، ولهذا سمى الكفر ظلمة لعدم نور الإيمان من قلب الإنسان ، الذى من شأنه أن يتنور به ، قال تعالى : { اللَّهُ وَليُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } [البقرة/257] ) (1) .
2- الظل : يعنى وجود الراحة خلف الحجاب (2) ، وهذا من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم ، فإنه قد أطلق الظل ، وأراد الراحة التى يجدها المستظل به ، فإذا كانت السبحات الذاتية محترقة ، فالحجاب الذى يمنع سوايتها كظل يعطى الراحة (3) ، وهو تفسير صوفى لحديث أبي موسى الأشعرى رضى اللَّه عنه ، قال : قام فينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بخمس كلمات وذكر منها ...حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت
ــــــــــــــــــــ(14/4)
1. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص184 .
2. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص14 .
3. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص184 .
سبحات وجهه ، ما انتهى إليه بصره من خلقه ) (1) ، فسبحات وجه اللَّه كالشمس المحرقة ، والحجاب هو الظل المريح .
وربما أطلق الصوفية اصطلاح ظل الإله ، وأرادوا الإنسان الكامل ، يقول ابن عربى : ( السلطان ظل اللَّه فى الأرض ، فالظل لا محالة تابع لمن هو ظله (2) .. فإن اللَّه حجب الجميع عنه ، وما ظهر إلا للإنسان الكامل الذى هو ظله الممدود ، وعرشه المحدود ، وبيته المقصود ، الموصوف بكمال الوجود (3) .. فجعل الإنسان الكامل خليفة عن الإنسان الكل الكبير يقصد اللَّه عز وجل ، الذى هو ظل اللَّه فى خلقه من خلقه ، فعن ذلك هو خليفة ، ولذلك هم خلفاء عن مستخلف واحد فهم ظلاله (4) .. فأول مفتاح فتح اللَّه به ، مفتاح غيب الإنسان الكامل ، الذى هو ظل اللَّه فى كل ما سوى اللَّه (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (179) 1/161 .
2. بلغة الخواص ق62 .
3. الفتوحات 3/282 .
4. السايق 3/297 .
5. السابق 3/279 وانظر رشح الزلال ص142 و لطائف الإعلام 2/94 .
**********************************
52 - الظلمة
**********************************
صدق الله العظيم الظلمة : عدم النور ، وجمعها ظلمات وهى على نوعين :
1- ما يدرك بالبصر ، وهو انعدام النور المحسوس للعين المبصرة ، كقول الله تعالى : { الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثم الذين كَفَروا بِرَبهم يعدلُون } [الأنعام/1] وقوله تعالى : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } [النور/40] .(14/5)
وفى حديث عتبان بن مالك - رضي الله عنه - ، كان يؤم قومه وهو أعمى ، وقال لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " يا رسول اللَّه إنها تكون الظلمة والسيل ، وأنا رجل ضرير البصر ، فصل يا رسول اللَّه في بيتي ، مكانا أتخذه مصلى " (1) .
2- انعدام البصيرة ، وضلال العقل ، وذهاب الإرادة والقلب ، ويعبر بالظلمة هنا عن الجهل والشرك والفسق ، كما يعبر بالنور عن أضدادها كقوله تعالى : { يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } [البقرة/257] ، وقوله سبحانه : { أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ ــــــــــــــــــــ
1. انظر المفردات فى غريب القرآن ص 315 ، والحديث صحيح أخرجه البخارى فى الأذان برقم (667) 2/184.
فِي ذَلكَ لايَاتٍ لكُل صَبَّارٍ شَكُورٍ } [إبراهيم/5] ، ومن حديث عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الظلم ظلمات يوم القيامة " (1) .
صدق الله العظيم الظلمة فى الاصطلاح الصوفى :
والظلمة فى عرف الصوفية ، تعنى العلم بالذات الإلهية ، فإنه لا يكشف معها غيرها ، إذ العلم بالذات يعطى ظلمة لا يدرك بها شئ ، كالبصر حين يغشاه نور الشمس عند تعلقه بوسط قرصها الذى هو ينبوعه ، فإنه حالتئذ لا يدرك شيئا من المبصرات ، قال اللَّه تعالى : { اللَّهُ وَليُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } [البقرة/257] (2) .(14/6)
ويذكر عبد الرزاق الكاشانى ، فى قوله تعالى : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ.. } [النور/40] أن الظلمات ، ظلمات بحر الهيولى ، اللجى العميق الغامر لجثة كل نفس جاهلة ، محجوبة بهيئات بدنية ، الغامس لكل ما يتعلق به من القوى النفسانية ، يغشاه موج الطبيعة الجسمانية ، من فوقه موج النفس النباتية من فوقه سحاب النفس الحيوانية ، وهيئاتها الظلمانية ، ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض ، إذا أخرج المحجوب بها المنغمس المحبوس فيها يد القوة العاقلة النظرية بالفكر ، لم يكد يراها ، لظلمتها وعمى بصيرة صاحبها وعدم اهتدائه إلى شيى ، وكيف يرى الأعمى الشئ الأسود فى الليل البهيم (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص 315 ، أخرجه البخارى فى كتاب المظالم برقم (2447) 5/120.
2. لطائف الإعلام 2/95 ورشح الزلال ص142 .
3. تفسير القرآن الكريم لابن عربى 2/143،144 .
**********************************
53 - العرش
**********************************
صدق الله العظيم العرش : العرش يرد فى اللغة على معنيين (1) :
الأول : سرير الملك كقوله تعالى : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا } [يوسف/100] وكقوله : { يَا أَيُّهَا المَلا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلمِينَ } [النمل/38] ، وقد أثبت اللَّه لنفسه عرشا ، استوى عليه بكيفية تليق بجلاله وعظمته ، يعلمها سبحانه ولا نعلمها نحن ، وليس كمثله شئ فيها ، فقال : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه/5] ، ووصفه بأنه عظيم فقال : { وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } [التوبة/129] وأنه كريم فقال : { لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ } [المؤمنون/116] ، ومجيد فى قوله : { ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ } [البروج/15] على قراءة الخفض ، وأوصاف أخرى كثيرة ، وردت فى الكتاب والسنة .(14/7)
الثانى : سقف البناء كقوله تعالى : { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا } [البقرة/259] ، وقوله عز وجل : { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ } [الأنعام/141] ، وعرش الرحمن ورد أنه فوق أعلى الجنان فى قوله - صلى الله عليه وسلم - ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : " إن في الجنة مائة درجة ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 6/313 ، والمفردات ص329 ، وكتاب العين 1/250 .
أعدها اللَّه للمجاهدين في سبيله ، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم اللَّه فسلوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن " (1) .
صدق الله العظيم العرش فى الاصطلاح الصوفى :
والعرش عند الصوفية يقسمه ابن عربى إلى خمسة أنواع (2) :
(1- عرش الحياة : وهو عرش الهوية ، وعرش المشيئة ، ومستوى الذات ويستدل له بقوله تعالى : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } [هود/7] ، فأضافه إلى الهوية وجعله على الماء ، ومن ثم سمى بعرش الحياة ، لقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [الأنبياء/30] ، ولقوله فيه : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } [هود/7] أى أظهر الحياة فيكم ليبلوكم ، وكذلك قال تعالى فى موضع آخر : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ليَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا } [الملك/2] فجعل ليبلوكم إلى جانب الحياة ، فإن الميت لا يختبر ، وهو قوله : { على الماء } ، { ليَبْلُوَكُمْ } وهو قوله : { وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } فهو العنصر الأعظم ، فلك الحياة ، وهو اسم الأسماء ومقدمها ، وبه كانت ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب التوحيد برقم (7423) 13/415.(14/8)
2. ملخصة من كتاب عقلة المستوفز لابن عربى طبعة عالم الفكر 40 : 47 ، وانظر الفتوحات المكية 2/420 ، ومواقع النجوم 172 ، ورشح الزلال ص150 وانظر اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص16 .
وقوله : { وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [الأنبياء/30] من حيث هو حى لا من حيث هو جوهر .
(2- العرش المجيد : وهو العقل الأول ، والقلم الأعلى ، فهو أول ما أوجد اللَّه من العقول المدبرة ، وهو أول عالم التدوين والتسطير ، وهو الخازن الحفيظ ، العليم الأمين على اللطائف الإنسانية ، التى من أجلها وجد وهو القلم من حيث التدوين والتسطير وهو الروح من حيث التصرف وهو العرش المجيد من حيث الاستواء ، وهو الإمام المبين من حيث الإحصاء .
(3- العرش العظيم : وهو اللوح المحفوظ ، وهو النفس الناطقة الكلية السابقة ، فلما أوجد اللَّه سبحانه القلم الأعلى ، أوجد له فى المرتبة الثانية هذه النفس التى هى اللوح المحفوظ ، وهى من الملائكة الكرام ، وهو المشار إليه بكل شئ فى قوله تعالى : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألْوَاحِ مِنْ كُل شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلا لكُل شَيْءٍ } [الأعراف/145] ، وهو اللوح المحفوظ وقال الله تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } [البروج/21،22] ، فهو موضع تنزيل الكتب ، وهو أول كتاب سطر فيه الكون ، فأمر القلم أن يجرى على هذا اللوح بما قدره وقضاه مما كان من إيجاده ما فوق اللوح إلى أول موجود .(14/9)
(4- العرش الرحمانى : الجامع للموجودات الأربعة ، وهى الطبيعة والهباء والجسم والفلك ، أوجد اللَّه سبحانه الهباء ، فأول صورة قبل صورة الجسم هو الطول والعرض والعمق ، فظهرت فيه الطبيعة ، فكان طوله من العقل وعرضه من النفس ، وعمقه الخلاء إلى المركز ، فلهذا كانت فيه هذه الحقائق الثلاث ، فكان مثلثا ، وهو الجسم الكلى ، وأول شكل قبل هذا الجسم الشكل الكرى ، فكان الفلك فسماه العرش ، واستوى عليه سبحانه بالاسم الرحمن بالاستواء الذى يليق به ، الذى لا يعلمه إلا هو من غير تشبيه ولا تكييف .
(5- العرش الكريم : وهو الكرسى موضع القدمين ، وهو فى جوف العرش ، كحلقة ملقاة فى فلاة من الأرض ، وخلق بين هذين الفلكين عالم الهباء ، وعمر هذا الكرسى بالملائكة المدبرات ، وأسكنه ميكائيل ، وتدلت إليه القدمان ، فالكلمة واحدة فى العرش ، لأنه أول عالم التركيب ، وظهر لها فى الكرسى نسبتان ، لأنه الفلك الثانى ، فانقسمت به الكلمة ، فعبر عنها بالقدمين ، كما ينقسم الكلام ، وإن كان واحدا إلى أمر ونهى ، وخبر واستخبار ، ويقول الجيلى :
( عرش الرحمن هو الربوبية النافذة فى حق الوجود المطلق ، بأحدية الوجود السارى فيه ، فيتجلى فيها جمالا وجلالا ، بالبسط والقبض والعطاء والمنع ، والإيجاد والإعدام ، يتجلى اللَّه تعالى على العبد فى هذا المنظر بتجلى يتمكن فيه العبد من العالم الكونى ، فيفعل ما يشاء كما يريد ، فحينئذ يستوى العبد أعنى روحه المقدسة على عرش الأسماء والصفات ، فيتصف بما شاء من الصفات ، ويترك ما شاء مدخرا فى الذات ، أعنى يظهر أثر ما شاء ويخفى أثر ما شاء ) (1) .
ــــــــــــــــــــ
1. المناظر الإلهية ص248 ، والإنسان الكامل 2/6 .
والعرش الأكبر عند الصوفية أيضا ، هو قلب الإنسان الكامل (1) .(14/10)
وقال القشيرى فى الاستواء الوارد فى قوله تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه/:5] : ( استواء عرشه فى السماء معلوم ، وعرشه فى الأرض قلوب أهل التوحيد ، قال الله تعالى : { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } [الحاقة/17] ، وعرش القلوب ، قال تعالى : { وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } [الإسراء/70] ، أما عرش السماء فالرحمن عليه استوى ، وعرش القلوب الرحمن عليه استولى ، وعرش السماء قبلة دعاء الخلق ، وعرش القلب محل نظر الحق ، فشتان بين عرش وعرش ) (2) .
**********************************
54 - العمد المعنوية
**********************************
صدق الله العظيم العمد المعنوية : العمد جمع عمود ، والعمود خشب أو غير تعتمد عليه الخيمة ، يقال : عمدت الشئ ، إذا أسندته ، وعمدت الحائط مثله ، وكذلك ما يأخذه الإنسان بيده معتمدا عليه من حديد أو خشب ، يقال له :
عمود (3) ، وقد ورد لفظ العماد ، والعمد فى القرآن على المعنى الظاهر ــــــــــــــــــــ
1. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى ص981 .
2. لطائف الإشارات 2/446 ، وانظر تفسير القرآن لابن عربى 2/32 وقارن .
3. المفردات ص346 ، ولسان العرب 3/302 .(14/11)
المحسوس ، فقال تعالى : { إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ } [الفجر/7] أى العماد الذى كانوا يعتمدونه فى مساكنهم ، وقال : { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } [الرعد/2] وفى السنة من حديث عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنه - ، قال : " كان المسجد على عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل ، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا ، وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - باللبن والجريد ، وأعاد عمده خشبا ثم غيره عثمان ، فزاد فيه زيادة كثيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة ، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج " (1) .
كما ورد فى السنة على معنى العمد المعنوية ، فى قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل رضى الله عنه : " ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده ، وذروة سنامه ، قال رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد " (2) .
صدق الله العظيم العمد فى الاصطلاح الصوفى :
والعمد المعنوية فى اصطلاح الصوفية ، تعنى روح العالم وقلبه ونفسه وهى حقيقة الإنسان الكامل الذى لا يعرفه إلا اللَّه ، واستدل الكاشانى لهذا الاصطلاح بحديث ينسبه إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن رب العزة : " أوليائى تحت ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة برقم (446) 1/643.
2. أخرجه الترمذى فى كتاب الإيمان برقم (2616) وقال الشيخ الألبانى : حديث صحيح 5/11 .
قبابى لا يعرفهم غيرى " (1) ، ثم قال : ( وهى المشار إليها فى قول الله تعالى : { رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } [الرعد/2] ، فالإشارة إلى أنه رفعها بعمد لكن لا يرونها ، وهو روح العالم وروح العالم لا يرى ) (2) .(14/12)
وقال محى الدين بن عربى : ( واختار الحق الرسل من الأنبياء واصطفى واحدا منهم ، هو المهيمن على جميع الخلائق جعله عمدا أقام عليه قبة الوجود ، وهو محمد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ) (3) .
**********************************
55 - الغراب
**********************************
صدق الله العظيم الغراب : الغرب أقصى ما تنتهى إليه الشمس ، والغراب طائر معروف سمى بذلك لسواده ، وكونه مبعدا فى الذهاب (4) ورد ذكره فى قول الله تعالى : { فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأرْضِ ليُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ } [المائدة/31] وقوله تعالى : { قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ } [المائدة/31] ، وقوله ــــــــــــــــــــ
1. التعريفات ص295 ، الحديث لا أصل له فى كتب السنة .
2. لطائف الإعلام 2/162 واصطلاحات الصوفية للكاشانى ص150 .
3. الفتوحات 2/74 ، الفصوص 1/38 .
4. المفردات ص359 ، لسان العرب 1/637 .
سبحانه : { وَمِنْ الْجِبَال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُود } [فاطر/27] ، جمع غرابيب ، وهو المشبه للغراب فى السواد ، كقولك أسود كحلك الغراب (1) ، ومن حديث حفصة رضي الله عنها ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور " (2) ، وقال ابن عمر - رضي الله عنه - : " من يأكل الغراب وقد سماه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فاسقا ، واللَّه ما هو من الطيبات " (3) .
صدق الله العظيم الغراب فى الاصطلاح الصوفى :(14/13)
والغراب فى عرف الصوفية ، وضعوه على معنى الجسم الكلى لأنه يجمع بين البعد والسواد كالغراب ، قال ابن عربى : ( فقام الغراب ، وقال : أنا هيكل الأنوار ، ومحل الكيف والكم ، وأنا الرئيس المرؤس ، ولى الحس والمحسوس ، بى ظهرت الرسوم ، أنا أصل الأشكال وبمراتب صورى تضرب الامثال ، أنا صورة الفلك ومحل الملك ، على صح الاستواء ، وعنى كنى بالمستوى ، وأنا اللاحق الذى لا ألحق كما العقاب ، والسابق الذى لا يسبق هو الأول وأنا الآخر ، وله الباطن ولى الظاهر ، قسم الوجود بينى وبينه ــــــــــــــــــــ
1. تفسير القرطبى 14/342 ، السابق ص359 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الحج برقم (1828) 4/42.
3. أخرجه ابن ماجة فى كتاب الصيد برقم (3248) وقال الشيخ الألبانى رحمه الله : صحيح 2/1082 .
وأنا أظهرت عزه وكونه ) (1) .
ويذكر الكاشانى أن الغراب فى عرف الصوفية ، كناية عن الجسم الكلى لكونه فى غاية البعد عن عالم القدس والحضرة الأحدية ، ولخلوه عن الإدراك والنورية ، والغراب مثل فى البعد والسواد (2) .
يقول : ( الغراب الجسم الكلى ، وهو أول صورة الجوهر الهبائى ، وبه عم الخلاء ، وهو امتداد متوهم من غير جسم ، وحيث قبل الجسم الكلى من الأشكال الاستدارة ، علم أن الخلاء مستدير ، ولما كان هذا الجسم ، أصل الصور الجسمية الغالب عليها غسق الإمكان وسواده ، فكان فى غاية البعد من عالم القدس وحضرة الأحدية ، سمى بالغراب الذى هو مثل فى البعد والسواد ) (3) .
**********************************
56 - الفتح
**********************************
صدق الله العظيم الفتح : الفتح إزالة الإغلاق والإشكال ، وذلك ضربان :
أحدهما : يدرك بالبصر كفتح الباب ونحوه ، وكفتح القفل ، والغلق ــــــــــــــــــــ
1. رسالة الاتحاد الكونى ق146ب ، وانظر اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص12 .
2. اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص185 .
3. رشح الزلال ص128،129 .(14/14)
والمتاع نحو قوله تعالى : { وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ } [يوسف/65] ، وقوله : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ السَّمَاءِ } [الحجر/14] .
وعن أبى ذر - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء : افتح ، قال من هذا ؟ ، قال : هذا جبريل قال : هل معك أحد ؟ قال : نعم ، معي محمد - صلى الله عليه وسلم - " (1) .
والثانى : يدرك بالبصيرة ، كفتح الهم وهو إزالة الغم والفقر بإعطاء المال ونحوه ، كقوله تعالى : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُل شَيْءٍ } [الأنعام/44] أى وسعنا ، وقال : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأرْضِ } [الأعراف/96] ، أى أقبلت عليهم الخيرات ، وقيل لوهب بن منبه : أليس لا إله إلا اللَّه مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، ولكن ليس مفتاح ، إلا له أسنان ، فإن جئت بمفتاح له أسنان ، فتح لك وإلا لم يفتح لك (2) .
ومن حديث أم سلمة رضي الله عنهاقالت : " استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فقال : سبحان اللَّه ، ماذا أنزل الليلة من الفتن ؟ وماذا فتح من الخزائن ؟ ــــــــــــــــــــ
1. معجم مقاييس اللغة مادة (فتح) ، والمفردات ص370 والحديث صحيح ، أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة برقم (349) 1/547.
2. أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز ، باب ما جاء في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا اللَّه ، فتح البارى 3/109.
أيقظوا صواحبات الحجر ، فرب كاسية في الدنيا ، عارية في الآخرة " (1) .(14/15)
وفاتحة كل شئ مبدؤه الذى يفتح به ما بعده ، وبه سمى فاتحة الكتاب وقيل : افتتح فلان كذا إذا ابتدأ به وفتح عليه كذا ، إذا أعلمه ووقفه عليه قال تعالى : { قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ليُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ } [البقرة/76] وفتح القضية فتاحا فصل الأمر فيها وأزال الإغلاق عنها ، قال تعالى : { رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } [الأعراف/89] (2) .
والفتح ورد فى القرآن على معنى اصطلاحى ، يدل على واحد من أمرين :
1- صلح الحديبية : لما روى عن أنس ابن مالك رضي اللَّه عنه فى قوله تعالى : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } [الفتح/1] قال الحديبية ) (3) .
2- فتح مكة : وقد ورد عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ، فى قول الله تعالى : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } [النصر/1] أنه قال : الفتح ، فتح مكة فذاك علامة أجلك { وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً
ــــــــــــــــــــ
1. المفردات فى غريب القرآن ص370 والحديث صحيح ، أخرجه البخارى فى كتاب العلم برقم (115) 1/293.
2. السابق ص370 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب المغازى برقم (4172) 6/516 وانظر أيضا فتح القدير 5/223 .
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } [النصر/3:2] ، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ما أعلم منها إلا ما تعلم ) (1) .
صدق الله العظيم الفتح فى الاصطلاح الصوفى :
والفتح فى عرف الصوفية ، هو ما يفتح على العبد من ربه تعالى ، بعد ما كان مغلقا ، قال الله تعالى : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } [الفتح/1] ، والفتح عندهم على ثلاثة أنواع (2) :(14/16)
1- الفتح القريب : وهو المشار إليه بقوله تعالى : { فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلكَ فَتْحًا قَرِيبًا } [الفتح/27] ، وهو فتح باب القلب بالترقى عن مقام النفس وذلك بالمكاشفات الغيبية ، والأنوار اليقينية ، وعندهم أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد شارك فى ذلك أكثر المؤمنين ، كما أشار إليه بقوله تعالى : { وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } [الصف/13] ، وقوله : { فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } [الفتح/18] ويلزمه البشارة بالأنوار الملكوتية ، والتجليات الصفاتية ، كما قال : { وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ } وحصول المعارف اليقينية ، وكشوف الحقائق القدسية ، المشار إليها بقوله : { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا } [الفتح/19] .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب المغازى برقم (4294) 6/613.
2. ملخصة من تفسير القرآن الكريم لابن عربى 2/505 ،506 ، وانظر اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص152 ، لطائف الإعلام 2/ 200 ، 202 .(14/17)
2 - الفتح المبين : بظهور أنوار الروح ، وترقى القلب إلى مقامه ، وحينئذ تترقى النفس إلى مقام القلب ، فتستتر صفاتها اللازمة إياها ، السابقة على فتح القلب من الهيئات المظلمة بالأنوار القلبية ، وتنتفى بالكلية وذلك معنى قوله تعالى : { ليَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح/2] ، وكذا الحادثة المتأخرة عنه من الهيئات النورانية المكتسبة بالتنور بالأنوار القلبية التى تظهر بها فى التلوينات ، وتخفى حالها ، وهى الذنوب المشار إليها بقوله : { وَمَا تَأَخَّرَ } ولا تنتفى هذه بالفتح القريب وإن انتفت الأولى به ، لأن مقام القلب لا يتم ولا يكمل ، إلا بعد الترقى إلى مقام الروح ، واستيلاء أنواره على القلب ، فيظهر تلوين القلب حينئذ ، وينتفى تلوين النفس ، الذى كان فى مقام القلب بالكلية وتنقطع مادته ، ويحصل فى هذا الفتح ، مغانم المشاهدات الروحية والمسامرات السرية .
3- الفتح المطلق : المشار إليه بقوله : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } [النصر/1] وهو فتح باب الوحدة بالفناء المطلق والاستغراق فى عين الجمع بالشهود الذاتى ، وظهور النور الأحدى ، فهذا الفتح المذكور ههنا هو المتوسط ويترتب عليه أمور أربعة : المغفرة المذكورة ، وإتمام النعمة الصفاتية والمشاهدات الجمالية ، والجلالية بكمال مقام القلب ، والهداية إلى طريق الوحدة الذاتية بالسلوك فى الصفات ، وانخراق حجبها النورية وانكشاف غيومها الرقيقة حتى الوصول إلى فناء الآنية ، والنصرة العزيزة بالوجود الموهوب ، والتأييد الحقانى الموروث بعد الفناء .
**********************************
57 - الفراق
**********************************(14/18)
صدق الله العظيم الفراق : ورد لفظ الفراق فى آيتين من الكتاب ، الأولى فى قوله : { قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } [الكهف/78] ، والثانى فى قوله تعالى : { كَلا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ } [القيامة/28:26] ، ويعنى فى الأولى ، إنهاء صحبة التعليم بين موسى والخضر عليهما السلام ، ويعنى فى الثانية يقين المحتضر بالموت (1) .
وفى السنة من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قال صلى الله عليه وسلم فى موت ولده إبراهيم : " إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " (2) .
صدق الله العظيم الفراق فى الاصطلاح الصوفى :
والفراق فى الاصطلاح الصوفي يعنى عدة معان :
1- الفراق : مقام الغيبة حيث يكون محجوبا عن الوحدة (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. فتح القدير 3/341 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز برقم (1303) 3/206 .
3. كشاف التهانوى ص1130 .
2- الفراق : هو أن يفترق العاشق عن المعشوق لمحة ، وفراق لمحة تساوى عندهم فراق مائة سنة (1) .
3- الفراق : يطلق على مقام الوحدة ، أى خروج السالك من الوطن الأصلى الذى هو عالم البطون إلى عالم الظهور ، فهذا هو فراقه ، والعودة من عالم الظهور إلى عالم البطون هو وصاله ، وهذا الوصال لا يحصل إلا من الموت الصورى (2) .
**********************************
58 - الفرق
**********************************(14/19)
صدق الله العظيم الفرق : الفرق يقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتبارا بالانشقاق ، والفرق يقال اعتبارا بالانفصال ، قال تعالى : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ } [البقرة/50] والفِرق القطعة المنفصلة ، ومنه الفرقة للجماعة المتفردة من الناس ، وقيل : فرق الصبح وفلق الصبح ، قال تعالى : { فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } [الشعراء/63] ، والفريق : الجماعة المتفرقة عن آخرين ، كقول الله تعالى : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَاب ِ } [آل عمران/78] ، وقوله سبحانه : { فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } [البقرة/87] (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص1130 . 2. السابق ص1130 .
3. كتاب العين 5/147 ، والمفردات ص377 ، 378 .
ويقال : فرقت بين الشيئين فصلت بينهما ، سواء كان ذلك بفصل يدركه البصر ، أو بفصل تدركه البصيرة ، قال تعالى : { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } [المائدة/25] ، وقوله : { فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا } [المرسلات/4] يعنى الملائكة الذين يفصلون بين الأشياء حسبما أمرهم اللَّه وعلى هذا قوله تعالى : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدخان/4] ، وقيل لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -الفاروق ، لكونه فارقا بين الحق والباطل ، وقوله :
{ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ } [الإسراء/106] أى بينا فيه الأحكام وفصلناه ، وقيل : فرقناه أى أنزلناه مفرقا ، والتفريق أصله التكثير ، ويقال ذلك أيضا فى تشتيت الشمل وتفريق الكلمة ، نحو قوله تعالى : { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِه ِ } [البقرة/102] وقوله سبحانه : { لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلهِ } [البقرة/285] (1) .
صدق الله العظيم الفرق فى الاصطلاح الصوفى :(14/20)
والفرق فى الاصطلاح الصوفي يقابل الجمع (2) ، قال القشيرى : ( الفرق ما يكون كسبا للعبد من إقامة العبودية ، وما يليق بأحوال البشرية .. فمن أشهده الحق أفعاله عن طاعاته ومخالفاته ، فهو عبد بوصف التفرقة .. وإثبات الخلق من باب التفرقة لقوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ، وإذا ما خاطب العبد الحق ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص378 .
2. انظر مصطلح الجمع .
سبحانه بلسان نجواه ، إما سائلا أو داعيا أو مثنيا أو شاكرا أو متنصلا أو مبتهلا ، فهو فى محل التفرقة ) (1) ، وفى تعريف الفرق فى الاصطلاح الصوفي يبين الكاشانى عدة معان (2) :
1- الفرق : إشارة إلى رؤية خلق بلا حق ، وتارة يطلق ويراد به مشاهدة العبودية .
2- الفرق الأول : و يعنى به بقاء العبد بأحكام خلقيته ، وهو البقاء الذى يكون قبيل الفناء ، كما يعنى بالفرق بقاء العبد بربه ، عندما يفنى عن نفسه .
3- الفرق الثانى : وهو جمع الجمع ، بمعنى رؤية الكثرة فى الوحدة والوحدة فى الكثرة ، ويسمى بالفرق الثانى ، لكون الفرق الأول عبارة عن رؤية خلق بلا حق ، وهو حال من انحجب برؤية الكثرة عن رؤية الواحد المقيم لجميعها .
4- فرق الجمع : وهو تكثر الواحد بظهوره فى المراتب التى هى سبب تنوعات ظهور الواحد .
ــــــــــــــــــــ
1. الرسالة القشيرية 1/222 ،223 .
2. لطائف الإعلام 2/205، 206 .
**********************************
59 - الفرقان
**********************************
صدق الله العظيم الفرقان : اسم من أسماء القرآن ، ورد ذكره فى قوله تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ليَكُونَ للْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [الفرقان/1] ، وقوله سبحانه : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى للنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة/185] .(14/21)
والفرقان كلام اللَّه تعالى ، لفرقه بين الحق والباطل فى الاعتقاد والصدق والكذب فى المقال ، والصالح والطالح فى الأعمال (1) ، قال الإمام البخارى : " سمي الفرقان ، لأنه يفرق بين الحق والباطل " (2) ، وقال صلى الله عليه وسلم فى دعائه : " ربنا ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى ، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان " (3) .
صدق الله العظيم الفرقان فى الاصطلاح الصوفى :
والفرقان عند الصوفية ، هو العلم التفصيلى الفارق بين الحق والباطل ويقابله عندهم القرآن ، فالقرآن هو العلم اللدنى الإجمالى ، الجامع للحقائق ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص378 ، وانظر مادة (فرق) فى الاصطلاح السابق .
2. صحيح البخارى ، كتاب التفسير 4/1770 .
3. أخرجه مسلم فى كتاب الذكر برقم (2713) 4/2084 .
كلها (1) ، قال محى الدين بن عربى : قال فى التنزيل بلسان نوح : { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا } [نوح/6] ، وعلم العلماء أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان ، والأمر قرآن ، لا فرقان ومن أقيم فى القرآن لا يصغى إلى الفرقان ، وإن كان فيه ، فإن القرآن يتضمن الفرقان ، والفرقان لا يتضمن القرآن ، ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، لأنه أوتى جوامع الكلم ، فما دعا محمد قومه ليلا ونهارا ، بل دعاهم ليلا فى نهار ونهارا فى ليل ) (2) .
ويقول أيضا : " فإن اللَّه يقول : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة/3] هذا هو الفرقان عند أهل اللَّه بين الأمرين ، فإنهم قد يرونه - صلى الله عليه وسلم - فى كشفهم فيصحح لهم من الإخبار ، ما ضعف عندهم بالنقل ، وقد ينفون من الأخبار ما ثبت عندنا بالنقل " (3) .(14/22)
ويذكر الجيلى أن الفرقان ، عبارة عن حقيقة الأسماء والصفات على اختلاف تنوعاتها ، فباعتباراتها تتميز كل صفة واسم عن غيرها ، فحصل الفرق فى نفس الحق من حيث أسماؤه الحسنى وصفاته ، فإن اسمه الرحيم غير اسمه الشديد ، واسمه المنعم غير اسمه المنتقم ، وصفة الرضا غير صفة الغضب ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص153 .
2. فصوص الحكم 1/71:70 .
3. الفتوحات المكية 4/28 .
فكما أن الفرق حاصل فى الأفعال ، فكذلك فى الصفات ، وكذلك فى نفس واحدية الذات ، التى لا فرق فيها ، لكن من غرائب شئؤون ، جمع الذات النقيضين من المحال والواجب (1) .
**********************************
60 - قاب قوسين
**********************************
صدق الله العظيم قاب قوسين : القاب ما بين المقبض والسية من القوس (2) ، وقاب قوسين مقدار المسافة بين جبريل والنبى - صلى الله عليه وسلم - ، عندما رآه على صورته الحقيقية ، له ستمائة جناح ، قد سد الأفق ، ثم اقترب منه وكلمه بالوحى ، قال عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - : " إن محمدا لم ير جبريل في صورته إلا مرتين ، أما مرة فإنه سأله أن يريه نفسه في صورته ، فأراه صورته فسد الأفق ، وأما الأخرى فإنه صعد معه ، حين صعد به قال تعالى : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } [النجم/10:8] " (3) .
وقال مجاهد : { قَابَ قَوْسَيْنِ } حيث الوتر من القوس (4) ، وقال مسروق ــــــــــــــــــــ
1. الإنسان الكامل 1/75 .
2. لسان العرب1/693 ، المفردات ص414 .
3. رواه البخارى فى كتاب بدء الخلف برقم (3232) (3233) 6/360 ، ومسلم فى كتاب الإيمان برقم (174) 1/158.
4. البخارى فى كتاب التفسير 8/469 .(14/23)
قلت لعائشة : فأين قوله : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } ؟ ، قالت : إنما ذاك جبريل - صلى الله عليه وسلم - ، كان يأتيه في صورة الرجال ، وإنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته ، فسد أفق السماء " (1) .
صدق الله العظيم قاب قوسين فى الاصطلاح الصوفى :
والصوفية يشيرون بقاب قوسين إلى مقام قرب قوسى الوحدة والكثرة ، أو قوس الوجوب والإمكان ، أو قوس الفاعلية والقابلية ، بحيث يجمع بين الوجوب والإمكان ، والوحدة والكثرة ، والفاعلية والقابلية ، فيجعل الجميع دائرة متصلة ، لكن مع أثر خفى من التميز والتكثر بينهما ، ثم أن باطن هذا المقام هو مقام { أَوْ أَدْنَى } ، أى أقرب من القوسين المذكورين ، وذلك الباطن ، هو التعين الأول ، لأنه لا يبقى عنده أثر التميز والتكثر فى دائرة الجمعية ، بين حكم الأحدية والواحدية (2) .
ويذكر الكاشانى فى قوله تعالى : { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } : فكان قاب قوسين ، أى كان - صلى الله عليه وسلم - مقدار دائرة الوجود الشاملة للكل ، المنقسمة بخط موهوم إلى قوسين ، باعتبار الحق الخلق والاعتبار هو الخط الموهوم القاسم للدائرة إلى نصفين ، فاعتبار البداية ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الأيمان برقم (177) 1/159.
2. لطائف الإعلام 2/225 ، ومعجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص159 .(14/24)
والتدانى ، يكون الخلق هو القوس الأول ، الحاجب للهوية فى أعيان المخلوقات وصورها ، والحق هو النصف الأخير ، الذى يقرب منه شيئا فشيئا وينمحى ويفنى فيه ، وباعتبار النهاية والتدلى ، فالحق هو القوس الأول الثابت على حاله أزلا وأبدا ، والخلق هو القوس الأخير ، الذى يحدث بعد الفناء بالوجود الجديد ، الذى وهب له ، أو أدنى من مقدار القوسين بارتفاع الإثنينية الفاصلة ، الموهمة باتصال أحد القوسين بالآخر ، وتحقق الوحدة الحقيقية فى عين الكثرة ، بحيث تضمحل الكثرة فيها ، وتبقى الدائرة غير منقسمة بالحقيقة ، أحدية الذات والصفات (1) .
**********************************
61 - القدم
**********************************
صدق الله العظيم القدم : القدم قدم الرجل وجمعه أقدام ، قال الله تعالى : { وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ } [الأنفال/11] ، وعن أنس - رضي الله عنه - قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ضخم اليدين والقدمين ، حسن الوجه ، لم أر بعده ولا قبله مثله ) (2) .
والقدم اعتبر به التقدم والتأخر ، قال تعالى : { وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ ــــــــــــــــــــ
1. تفسير القرآن الكريم منسوب لابن عربى 2/ 455 ، 456 .
2. المفردات ص397 ومعجم مقاييس اللغة مادة (قدم) والحديث صحيح ، أخرجه البخارى فى كتاب اللباس برقم (5907) 10/369.
قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ } [يونس/2] ، وعن عمرو بن ميمون رضى اللَّه عنه قال فى شأن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه : ( وولج عليه شاب من الأنصار
فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى اللَّه ، كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت ، ثم استخلفت فعدلت ) (1) .(14/25)
والقدم وصف من أوصاف ذات اللَّه عز وجل ، معلوم المعنى من حيث إثبات وجودها ، ومجهول الكيف ، لأننا ما رأيناها ، وما رأينا لها مثيلا لقوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } [الشورى/11] ، ولما ثبت عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يزال يلقى في النار وتقول : هل من مزيد ؟ ، حتى يضع فيها رب العالمين قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض " (2) .
صدق الله العظيم القدم فى الاصطلاح الصوفى :
والقدم فى العرف الصوفى ، يعنى السابقة التى حكم الحق بها للعبد أزلا ويخص بما يكمل ويتم به الاستعداد من الموهبة الأخيرة بالنسبة إلى العبد لقوله عليه السلام : " لا يزال جهنم تقول : هل من مزيد ؟ ، حتى يضع الجبار فيها قدمه ، فتقول : قط قط " وإنما يكنى عنها بالقدم ، لأن القدم ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 12/465 ، السابق ص397 والحديث صحيح ، أخرجه البخارى فى كتاب الجنائز برقم (1392) 3/301.
2. أخرجه البخارى فى كتاب التوحيد برقم (7384) 13/345.
آخر شئ من الصورة ، وهى آخر ما يقرب به الحق إلى العبد من اسمه الذى اتصل به وتحقق وكمل (1) .
**********************************
62 - القرآن
**********************************
صدق الله العظيم القرآن : القرآن فى الأصل ، مصدر نحو كفران ورجحان ، قال الله تعالى : { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } [القيامة/18:17] .
قال ابن عباس - رضي الله عنه - : " إذا جمعناه وأثبتناه فى صدرك فاعمل به ، وقد خص بالكتاب المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فصار له كالعلم ، كما أن التوراة أنزل على موسى والإنجيل على عيسى - صلى الله عليه وسلم - (2) .(14/26)
وقد عرف القرآن بأنه كلام اللَّه المنزل على الرسول المكتوب فى المصاحف المنقول عنه نقلا متواترا بلا شبهة ، قال تعالى : { لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا للنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الحشر/21] (3) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : " كان جبريل يعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص160 ،161 .
2. المفردات ص 402 ، ولسان العرب 1/128.
3. الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى 1/50 ، وأبجد العلوم للقنوجى 2/429 .
عام مرة فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه " (1) .
صدق الله العظيم القرآن فى الاصطلاح الصوفى :
والقرآن عند صوفية الوحدة يقابل الفرقان (2) ، وهو عبارة عن الذات التى يضمحل فيها جميع الصفات ، فهى المجلى المسماه بالأحدية ، أنزلها الحق تعالى على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ليكون مشهد الأحدية من الأكوان (3) .
وأما القرآن الحكيم ، فهو تنزل الحقائق الإلهية بعروج العبد إلى التحقق بها فى الذات شيئا فشيئا ، على مقتضى الحكمة الإلهية التى يترتب عليها الذات فلا سبيل إلى غير ذلك ، لأنه لا يجوز من حيث الإمكان أن يتحقق أحد بجميع الحقائق الإلهية بجهده من أول إيجاده ، لكن من كانت فطرته مجبولة على الألوهة ، فإنه يترقى فيها ويتحقق منها ، بما ينكشف له من ذلك شيئا بعد شئ مرتبا ترتيبا إلهيا ، وقد أشار الحق إلى ذلك بقوله تعالى : { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا } [الفرقان/32] ، وهذا الحكم لا ينقطع ولا ينقضى بل لا يزال العبد فى ترف ، وهكذا لا يزال العبد فى تجل ، إذ لا سبيل إلى استيفاء ما لا يتناهى لأن الحق فى نفسه لا يتناهى (4).
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب فضائل القرآن (4998) 8/660.(14/27)
2. انظر مصطلح الفرقان .
3. الإنسان الكامل 3/114 وانظر لطائف الإعلام 2/229 .
4. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى ص1163 .
وأما القرآن العظيم الذى ورد فى قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } [الحجر/87] ، فإنه لا يعنى ما يتبادر إلى الذهن من وصف القرآن بالعظمة ، ولكن الصوفية يعنون به الجملة الذاتية ، لا باعتبار النزول ولا باعتبار المكانة ، بل مطلق الأحدية الذاتية التى هى مطلق الهوية الجامعة لجميع المراتب والصفات ، والشئون والاعتبارات (1) .
يقول الكاشانى : ( ولقد آتيناك سبعا ، أى الصفات السبع التى ثبتت لله تعالى ، وهى الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والتكلم ، من المثاني التى كرر وثنى ثبوتها لك ، أولا فى مقام وجود القلب عند تخلقك بأخلاقه ، واتصافك بأوصافه فكانت لك ، وثانيا فى مقام البقاء بالوجود الحقانى بعد الفناء فى التوحيد ، والقرآن العظيم ، أى الذات الجامعة لجميع الصفات ، وإنما كانت لمحمد - صلى الله عليه وسلم - سبعا ، ولموسى تسعا لأنه ما أوتى القرآن العظيم ، بل كان مقامه التكليم ، أى مقام كشف الصفات ، دون كشف الذات ، فله هذه السبع ، مع القلب والروح ) (2) .
قال ابن عربى : ( فمن أراد أن يرى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، ممن لم يدركه من أمته ، فلينظر إلى القرآن ، فإذا نظر فيه فلا فرق بين النظر إليه ، وبين النظر إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، فكأن القرآن انتشأ صورة جسدية ، يقال لها محمد ابن عبد اللَّه بن عبد المطلب ، والقرآن كلام اللَّه وهو صفته ، فكان محمد صفة الحق ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص1164 . 2. تفسير القرآن الكريم للكاشانى 1/670.
3. الفتوحات المكية 4/61 .
**********************************
63 - القلم
**********************************
صدق الله العظيم القلم : يطلق على معنيين :(14/28)
القلم خص بما يكتب به ، كقوله تعالى : { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُون َ } [القلم/1] وقوله : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ } [لقمان/27] (1) وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أول ما خلق اللَّه القلم ، فقال له : اكتب ، فجرى بما هو كائن إلى الأبد " (2) .
2- القلم يطلق على القدح الذى يضرب به وجمعه أقلام ، وقد ورد فى القرآن على هذا قوله تعالى : { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } [آل عمران/44] ، وقال ابن عباس : " اقترعوا فجرت الأقلام مع الجرية ، وعال قلم زكريا الجرية ، فكفلها زكرياء " (3) .
صدق الله العظيم القلم فى الاصطلاح الصوفى :
والقلم فى الاصطلاح الصوفى يعنى علم التفصيل ، يقول الكاشانى : ( القلم ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص412 ، وانظر معجم مقاييس اللغة مادة (قلم) .
2. أخرجه الترمذى فى كتاب تفسير القرآن برقم (3319) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 5/424.
3. البخارى فى كتاب الشهادات 2/954.
علم التفصيل ، فإن الحروف التى هى مظاهر تفصيله فى مداد الدواة ، ولا تقبل التفصيل مادمت فيها ، فإذا انتقل المداد منها إلى القلم ، تفصلت الحروف به فى اللوح ، وتفصيل القلم إلى لا غاية ) (1) .
ويذكر الجيلى أن القلم الأعلى ، هو أول تعينات الحق فى المظاهر الخلقية على التمييز ، وهو نور مخلوق من حضرة اقتضاءات الأسماء والصفات بظهور مؤثراتها لظهور الأثرة ، وهو مشهد يتجلى اللَّه تعالى على العبد بتجلى علمى ، فيه يحكم الولى على الموجودات بما تقتضيه صفات الحق تعالى فيهما من الاقتضاءات المختلفة ، وفى هذا المشهد يتعرف العبد بالعقل الأول على حقيقة ما ينبغى (2) .
**********************************
64 - القيامة
**********************************(14/29)
صدق الله العظيم القيامة : والقيامة أصلها ما يكون من الإنسان ، من القيام دفعة واحدة وأدخل فيها الهاء ، تنبيها على وقوعها دفعة ، والقيامة فى عرف الشرع انبعاث بعد الموت إلى الحياة الأبدية ، حيث يقوم الخلق بين يدى الحى القيوم ــــــــــــــــــــ
1. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص14 وانظر رشح الزلال ص137 .
2. الإنسان الكامل 2/5 ، وانظر المناظر الإلهية ص250 .
للعرض والحساب والجزاء (1) .
والقيامة وردت فى القرآن والسنة ، فى جميع المواضع على هذا المعنى كقوله تعالى : { لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } [القيامة/1] وكقوله سبحانه : { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ } [الزمر/60] ، وعن عائشة أم المؤمنين ، أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة ، رأينها بالحبشة فيها تصاوير ، فذكرتا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " إن أولئك ، إذا كان فيهم الرجل الصالح ، فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " (2) .
صدق الله العظيم القيامة فى الاصطلاح الصوفى :
القيامة فى الاصطلاح الصوفى ، وضعها الصوفية على معنيين باطنيين ذكرهما الكاشانى فقال :
1- الانبعاث بعد الموت الإرادى ، إلى الحياة القلبية الأبدية ، فى عالم القدس ، كما قيل : من مات بالإرادة يحيا بالطبيعة ، وهى القيامة الوسطى المشار إليها فى قوله تعالى : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [الأنعام/122] ويعنى أومن كان ميتا بالجهل ، وهو النفس باحتجابه بصفاتها ، فأحييناه بالعلم ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص417 لسان العرب 12/496 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة برقم (409) 1/607.(14/30)
ومحبة الحق ، أو بكشف حجب صفاته ، بتجليات صفاتنا ، وجعلنا له نورا من هدايتنا وعلمنا ، أو نورا من صفاتنا ، أو نورا منا بقيوميتنا له بذاتنا على حسب مراتبه ، كمن صفته فى ظلمات من نفسه وصفاتها وأفعالها ليس بخارج منها (1) .
2- الانبعاث بعد الفناء فى اللَّه فى الحياة الحقيقية ، عند البقاء بالحق وهى القيامة الكبرى المشار إليها ، بقوله تعالى : { فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنسَانُ مَا سَعَى } [النازعات/35:34] ، أى تجلى نور الوحدة الذاتية الذى يطم على كل شئ ، فيطمسه ويمحوه ، يومئذ يتذكر الإنسان ما سعى فى الأطوار ، من مبدأ فطرته إلى فنائه وسلوكه فى المقامات والدرجات ، حتى وصل إلى ما وصل فيشكره (2) .
أما القيامة على المعنى القرآنى ، فيطلقون عليها القيامة الصغرى ، وتعنى الانبعاث بعد الموت الطبيعى إلى حياة فى إحدى البرازخ العلوية أو السفلية بحسب حال الميت فى الحياة الدنيوية (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص163 ، وانظر تفسير القرآن الكريم منسوب لابن عربى 1/400 .
2. السابق ص163 ، وانظر تفسير القرآن الكريم 2/765 .
3. السابق ص163 .
**********************************
65 - الكأس
**********************************
صدق الله العظيم الكأس : الكأس هو الإناء بما فيه من الشراب ، وسمى كل واحد منهما بانفراده كأسا ، يقال : شربت كأسا طيبة ، يعنى بها الشراب ومنه ، قوله تعالى : { وَكَأْسٍ مِنْ مَعِين ٍ } [الواقعة/18] وقوله : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلا } [الإنسان/17] وقوله : { إِنَّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا } [الإنسان/5] (1) ، وقال عكرمة : { وَكَأْسًا دِهَاقًا } [النبأ/34] ملأى متتابعة ، وقال ابن عباس - رضي الله عنه - : " سمعت أبي يقول في الجاهلية : اسقنا كأسا دهاقا " (2) .(14/31)
وقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه - : " اجتنبوا الخمر ، فإنها أم الخبائث ، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبد ، فعلقته امرأة غوية ، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له : إنا ندعوك للشهادة ، فانطلق مع جاريتها ، فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه ، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر فقالت : إني والله ما دعوتك للشهادة ، ولكن دعوتك لتقع علي ، أو تشرب من هذه الخمرة كأسا ، أو تقتل هذا الغلام ، قال : فاسقيني من هذا الخمر ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص443 ،444 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب برقم (3840) 7/183.
كأسا ، فسقته كأسا ، قال : زيدوني ، فلم يرم ، حتى وقع عليها ، وقتل النفس ، فاجتنبوا الخمر ، فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر ، إلا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه " (1) .
صدق الله العظيم الكاس فى الاصطلاح الصوفى :
الصوفية تسمى حلاوة التقوى ، وجمال الكرامة ، ولذة الأنس شربا والشراب لا بد له من كأس ، أو وعاء يحويه ، والكأس الحاوى للشراب عند الصوفية هو المفيض الذى يدلى بالفيض من الكأس على الشارب (2) .
يقول التهانوى : الكأس فى اصطلاح الصوفية ، يريدون به وجه المحبوب وفى بعض المواضع يأتى بمعنى الفيض (3) .
ويقول الكاشانى : { وَكَأْسًا دِهَاقًا } كأسا من لذة محبة الآثار ممزوجة بالزنجبيل والكافور ، لأن أهل جنة الآثار والأفعال ، لا مطمح لهم إلى ما وراءها ، فهم محجوبون بالآثار عن المؤثر وبالعطاء عن المعطى (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه النسائى فى كتاب الأشربة برقم (5666) وقال الشيخ الألبانى : صحيح موقوف 8/315 .
2. كشف المحجوب ص475 وانظر مصطلح الشرب .
3. كشاف التهانوى ص1252 .
4. تفسير القرآن الكريم لابن عربى 2/759 .
**********************************
66 - الكتاب
**********************************(14/32)
صدق الله العظيم الكتاب : الكتاب فى الأصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيه (1) ، قال تعالى : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ } [الأنعام/7] وقال تعالى : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَابِ } [آل عمران/78] والكتاب يطلق فى القرآن والسنة ويراد به ما يلى :
1- الكتاب يعنى القرآن ، وقال معمر فى قوله تعالى : { ذَلكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى للْمُتَّقِين َ } [البقرة/2] هذا القرآن بيان ودلالة (2) ، وقال سبحانه وتعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ للْخَائِنِينَ خَصِيمًا } [النساء/105] .
2- الكتاب يعنى التوراة الإنجيل جمعا أو إفرادا ، ففى الجمع بينهما قال تعالى : { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَة ُ } [البينة/ 4] وفى إفراد التوراة قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلفَ فِيه ِ } [هود/110] وفى إفراد الإنجيل : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } [مريم/30] .
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 1/698 ، والمفردات ص423 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب التوحيد ، باب قوله تعالى : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك .. } 13/512 .
3- الكتاب يعنى اللوح المحفوظ ، قال تعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } [الأنعام/38] وقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فى شأنه : "لما قضى اللَّه الخلق ، كتب في كتابه ، فهو عنده فوق العرش ، إن رحمتي غلبت غضبي " (1) .(14/33)
4- الكتاب يطلق على ما يكتب بين العبد وسيده بحيث يدفع العبد ثمنا معينا لعتقه وحريته قال تعالى : { وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } [النور/33] وصيغة الكتابة كما ذكرها النسائى :
( هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في صحة منه ، وجواز أمر لفتاه الذي يسمى فلانا ، وهو يومئذ في ملكه ويده ، إني كاتبتك على كذا من المال فإن وفيت ، فأنت حر لك ما للأحرار ، وعليك ما عليهم ، فإن أخللت شيئا منه عن محله بطلت الكتابة ، وكنت رقيقا لا كتابة لك ) (2) .
5- الكتاب يطلق على ما يكتبه الرقيب والعتيد من أعمال العبد قال تعالى : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } [الكهف/49] قال ابن كثير : أى كتاب الأعمال الذى فيه الجليل والحقير والفتيل والقطمير والصغير والكبير (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3194) 6/331 ومسلم فى كتاب التوبة برقم (2751) 4/2107.
2. أوردها النسائى فى الأيمان والنذور 3/119. 3. تفسير ابن كثير 3/87 .
صدق الله العظيم الكتاب فى الاصطلاح الصوفى :
والكتاب فى عرف الصوفية ، يطلق على الوجود المطلق ، الذى لا عدم فيه (1) ، وهو على عدة أنواع بحسب الإضافة :
1- الكتاب المبين : وهو عبارة عن لوح القدر المحفوظ ، الذى هو النفس الكلية أو العقل الكلى ، وهو عبارة عن العلم الإلهى ، قال تعالى : { وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [الأنعام/59] يفسر حضرة العلم هذه ، إذ إن الرطب عبارة عن الوجود ، واليابسة كناية عن العدم ، ولا يتصور الإحاطة بهاتين المرتبتين ، إلا فى هذه الحضرة (2) .(14/34)
2- الكتاب المسطور : هو الوجود المطلق على تفاريعه وأقسامه واعتباراته الحقية والخلقية ، وهو مسطور أى موجود مشهود فى الملكوت (3) ، وقال ابن عربى : ( اعلم أيدك اللَّه ، إن العالم كتاب مسطور فى رق منشور ، هو الوجود ، فهو ظاهر مبسوط غير مطوى ، ليعلم ببسطه إنه مخلوق للرحمة وبظهوره يعقل ويعلم ما فيه وما يدل عليه ، وجعله تعالى كتابا لضم حروفه بعضها إلى بعض ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى ص1242 .
2. السابق ص1242 .
3. الإنسان الكامل 1/88 .
4. الفتوحات المكية 3/455 .
3- الكتاب الإلهى : هو العلم الإلهى ، يقول ابن عربى : ( فلا حكم لخالق ولا مخلوق إلا بما سبق به الكتاب الإلهى ولذا قال : { وَمَا أَنَا بِظَلامٍ للْعَبِيدِ } [ق/29] فما نجرى عليهم إلا ما سبق به العلم ، ولا أحكم فيهم إلا بما سبق به ، فهذا موقف السواء الذى يوقف فيه ، وليس إلا العالم دليل على علمه بمن أنزله ، وليس إلا الرحمن الرحيم ) (1) .
4- الكتاب الجامع : الكتاب الجامع ، هو آدم عليه السلام الذى جمع بذاته الحقائق المتفرقة فى العالم ، يقول ابن عربى : ( فالعالم كله تفصيل آدم وآدم هو الكتاب الجامع ، فهو للعالم كالروح من الجسد ، فالإنسان روح العالم ، والعالم الجسد ) (2) .
5- كتاب الوجود : هو الوجود نفسه ، فهو أشبه بالكتاب المنظور والكتاب عند ابن عربى عبارة من باب الإشارة عن المبدع الأول ، ولما كان الكتاب يتضمن الفاتحة وغيرها لأنها منه ، وصح لها اسم الفاتحة من حيث أنها أول ما افتتح بها الكتاب ، كذلك العالم أول ما افتتح به كتاب الوجود (3) .
6- الكتاب الكبير : الكتاب الكبير عند ابن عربى هو العالم ، بل الوجود بأسره { وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ } [الطور/3:2] يقول : ( تلاه عليك ــــــــــــــــــــ
1. السابق 3/455 .
2. السابق 2/67 .
3. السابق 1/11 .(14/35)
سبحانه وتعالى لتعقل عنه إن كنت عالما ، ولا يحجب عن ملاحظة المختصر الشريف من هذا المسطور الذى هو عبارة عنك ، فإن الحق تعالى تارة يتلو عليك من الكتاب الكبير الخارج ، وتارة يتلو عليك من نفسك ) (1) .
7-الكتاب المرقوم : يقول ابن عربى : ( الوجود كتاب مرقوم ، يشهده المقربون ويجهله من ليس بمقرب وتتويج هذا الكتاب ، إنما يكون بمن جمع الحقائق كلها وهى علامة موجدة ، فالإنسان الكامل الذى يدل بذاته من أول البديهة على ربه هو تاج الملك ) (2) .
**********************************
67 - الكرسي
**********************************
صدق الله العظيم الكرسى : الكرسى يقال على أمرين :
1- اسم لما يقعد عليه ، ورد فى قوله تعالى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } [ص/34] ، وعن علي - رضي الله عنه - : " أنه أتي بكرسي فقعد عليه ثم دعا بتور فيه ماء " (3) .
وفى حديث أبى رفاعة - رضي الله عنه - ، قال : " انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يخطب ــــــــــــــــــــ
1. مواقع النجوم ص72
2. الفتوحات المكية 2/104 .
3. صحيح ، أخرجه النسائى فى الطهارة (93) 1/68 ، وانظر المفردات ص428 .
فقلت : يا رسول اللَّه رجل غريب ، جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه ؟ قال : فأقبل علي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وترك خطبته ، حتى انتهى إلي فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديدا ، فقعد عليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، وجعل يعلمني مما علمه اللَّه ، ثم أتى خطبته فأتم آخرها " (1) .
2- الكرسى اسم لموضع القدمين ، يكون بين يدى العرش ، ذكر فى قوله تعالى : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ } [البقرة/255] وفسره النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال فيما رواه عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - : " كرسيه موضع قدميه ، والعرش لا يقدر قدره إلا اللَّه عز وجل " (2) .(14/36)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - عن أبى ذر - رضي الله عنه - : " ما الكرسى فى العرش ، إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهرى فلاة من الأرض " (3) ، والكرسى مخلوق من مخلوقات اللَّه ، غيبى لا نعلم كيفيته ، لم نره ولم نر له نظيرا ، كما قال الله عز وجل : { لَيْسَ كَمِثْلهِ شَيْءٌ } [الشورى/11] .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الجمعة برقم (876) 2/597.
2. رواه الحاكم فى المستدرك 2/282 وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال الشيخ الألبانى : صحيح موقوفا أما المرفوع فهو ضعيف ، انظر شرح العقيدة الطحاوية ص352 .
3. حديث صحيح رواه ابن أبى شيبة فى كتاب العرش برقم (58) الكويت ، والذهبى فى العلو (150) مختصر الألبانى والبيهقى فى الأسماء والصفات ص510 من حديث أبى ذر ، وصححه الألبانى فى الصحيحة برقم (109) ومختصر العلو ص130 .
صدق الله العظيم الكرسى فى الاصطلاح الصوفى :
والكرسى فى عرف الصوفية ، هو موضع الأمر والنهى ، لأنه عمر بالملائكة المدبرات وأسكنه ميكائيل ، وتدلت إليه القدمان فالكلمة واحدة فى العرش ، لأنه أول عالم التركيب ، وظهر لها فى الكرسى نسبتان ، لأنه الفلك الثانى ، فانقسمت به الكلمة فعبر عنها بالقدمين ، كما ينقسم الكلام ، وإن كان واحدا إلى أمر ونهى ، وخبر واستخبار (1) .
ويشرح الكاشانى ، كيف أن الكرسى موضع الأمر والنهى ؟ ، فيبين أن الكرسى هو الثانى من الأجرام الطبيعية ، فهو موضع كل زوجين اثنين ، ومن ذلك الأمر والنهى ، فهو من حيث كونه محل انطباع لوح القدر محل تفصيل الصور ، وأول مراتب التفصيل اثنان ، فالكرسى منشأ الرسالة التى هى لتكميل صور الكثرة فى طور تنزل الوجود ، وأول مراتب الصور القابلة للكمال إثنان ، ولذلك بعث الرسول من المرسل إلى المرسل إليه بالأمر (2) .(14/37)
ويذكر الجيلى أن الكرسى تجلى جملة الصفات الفعلية ، فهو مظهرا لاقتدار الإلهى ، ومحل نفوذ الأمر والنهى (3) ، يقول الجيلى : ( من تجلى اللَّه عليه فى الكرسى ، اتصف من اللَّه تعالى بسائر الصفات المتقابلة الفعلية ، وبها يكشف له عن تجلى القدمين والنعلين قبضا وبسطا ونعمة ونعمة وهيبة وأنس ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. عقلة المستوفز ص47 .
2. رشح الزلال ص150 .
3. الإنسان الكامل 2/5 . 4. المناظر الإلهية ص249 .
**********************************
68 - الكفر
**********************************
صدق الله العظيم الكفر : الكفر فى اللغة ستر الشئ ، ووصف الزارع به لستره البذرة فى الأرض قال تعالى : { يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ليَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ } [الفتح/29] .
والكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية ، كقوله تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالثُ ثَلاثَةٍ } [المائدة/73] ، أو النبوة كقوله فى كفر اليهود بالرسالة المحمدية : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِين َ } [البقرة/89] ، أو الشريعة { هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتًا وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلا خَسَارًا } [فاطر/39] أو ثلاثتها (1) .
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب " (2) .
صدق الله العظيم الكفر فى الاصطلاح الصوفى :
والكفر عند الصوفية يرد على المعانى الآتية :
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 5/144 ، المفردات ص432 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب برقم (3268) 6/385 .(14/38)
(1- الكفر هو الإيمان الحقيقى ، قال ابن عربى : ( وأما الإيمان ، فهو أمر عام ، وكذلك الكفر الذى هو ضده ، فإن اللَّه قد سمى مؤمنا من آمن بالحق وسمى مؤمنا من يؤمن بالباطل ، وسمى كافرا من يكفر باللَّه ، وسمى كافرا من يكفر بالطاغوت ، والكافر من الأولياء من كان ختم الحق على قلبه لأنه اتخذه بيته وختم على سمعه ، فلا يصغى إلى كلام أحد إلا كلام ربه ) (1) .
(2- الكفر عالم التفرقة ، أو كفر الظلمة ، قال الكاشانى : ( لقد كفر ، أى حجب الذين قالوا : إن اللَّه ثالث ثلاثة ، واحد من جملة ثلاثة أشياء :
1- الفعل الذى هو ظاهر عالم الملك .
3- الصفة التى هى باطن عالم الملكوت .
4- الذات التى تقوم بها الصفة ويصدر عنها الفعل .
إذ ليس هو ذلك الواحد الذى توهموه ، بل الفعل والصفة فى الحقيقة عين الذات ولا فرق إلا بالاعتبار ، وما اللَّه إلا الواحد المطلق ، وإلا لكان بحسب كل اسم من أسمائه إله آخر ، فتتعدد الآلهة سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ) (2) .
(3- الكفر هو ستر الكثرة فى الوحدة الذى يفنى تعينات الموجودات وكثرتها فى بحر الأحدية ، بل يمحو وجود الذات الإلهية ، ويبقى ببقاء الحق تعالى ــــــــــــــــــــ
1. الفتوحات 2/136، 3/388 .
2. تفسير القرآن الكريم منسوب لابن عربى 1/339 .
فيصير عين الوحدة ، قال ابن عربى : ( ومنهم الكافرون ، يقصد الأولياء وهم الساترون مقامهم ، مثل الملامتية ، والكفار الزارعون ، لأنهم يسترون البذرة فى الأرض ) (1) .
(4- الكافر من لم يكن قد عبر من مرتبة الصفات والأسماء والأفعال ، وألبس الحق تعالى الوجود والتعينات والتكثرات (2) .
ويذكر الجيلى أن الكفر ضرورة للموحد ، فلا بد أن يمر على قنطرة الكفر فى ترقيه إلى حقيقة التوحيد ، وإلا لن يصل إليه ، ودليله على ذلك كلمة التوحيد نفسها فيقول :(14/39)
( ألا ترى إلىكلمة التوحيد إن وقفت على النصف الأول منها ، كان كفرا فلا يجوز أن تقول لا إله وتقف عنده ، ولا بد من قوله مردوفا بإلا لله فما وصلت إلى كلمة التوحيد إلا بعد كلمة الكفر ) (3) .
ويبين أنه إذا كان هذا الظاهر فى كلمة التوحيد ، فما هو القول الباطن والظاهر عنوان الباطن ، ومن ثم يؤكد على المعنى الذى ورد فى قول الحسين بن منصور الحلاج :
( كشف اللَّه عنك سر الكفر ، فإن فيه حقيقة الإيمان ، وحجب عنك سر ــــــــــــــــــــ
1. الفتوحات 2/136.
2. كشاف التهانوى ص1252 .
3. المناظر الإلهية ص178 .
الإيمان فإن منه حقيقة الكفر ) (1) .
يقول الجيلى : ( وفى منظر الكفر ، يتجلى الحق تعالى على العبد بتجلى يستتر عنه حقائق ما يجب الإيمان به ، لظهور سيمات الجمال ، فيقال : كافر بمعنى ساتر ) (2) .
**********************************
69 - الكوكب
**********************************
صدق الله العظيم الكوكب : الكوكب هو النجم اللامع ، وقد ورد الفظ فى قول الله عز وجل : { الزُّجَاجَةُكَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَة ٍ } [النور/35] وقوله تعالى : { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي } [الأنعام/76] وقد ورد مجموعا فى مواضع أخرى قوله تعالى : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ } [الصافات/6] (3) .
وفى السنة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " أول زمرة تدخل الجنة ، على صورة القمر ليلة البدر ، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة " (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق ص178 .
2. السابق ص178 .
3. تفسير ابن جرير الطبرى 18/139 ، المفردات ص420 ، والتعاريف ص612.
4. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3246) 6/367.(14/40)
ومن حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق ، من المشرق أو المغرب " (1) .
صدق الله العظيم الكوكب فى الاصطلاح الصوفى :
والكوكب فى عرف الصوفية يطلق على ما يأتى :
1- الكوكب الحجة والبرهان لكونها ، تحفظ من كل شيطان من شياطين الأوهام ، والقوى التخيلية عند الترقى إلى أفق العقل ، لتركيب الموهومات والمخيلات فى المغالطات والتشكيكات ، ولقوله تعالى : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ } [الصافات/6] (2) .
2- الكواكب تعنى الحواس ، وقوله تعالى : { وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ } [الانفطار/2] ، قال الكاشانى : أى الحواس إذا ماتت (3) .
3- الكوكب الدرى يعنى النفس الكلية ، شبهت به زجاجة قلب المؤمن التى هى روحه الحيوانية ، فقال تعالى : { الزُّجَاجَةُكَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } [النور/35] ومعنى الدرى أى المنسوب إلى الدرة البيضاء المكنى بها عن العقل الأول فكانت النفس كوكبا دريا لمشابهتها الدر المعروف ، فإن الكوكب ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الجنة برقم (2831) 4/2177.
2. تفسير القرآن الكريم منسوب لابن عربى2/337
3. السابق 2/776 .
بزيد ضياءا عليه زيادة كثيرة لا محالة ، إنما شبهت النفس بالعقل ، لأنه متخلل بينهما (1) .
4- كوكب الصبح ، وهو أول ما يبدو من التجليات ، وقد يطلق على المتحقق بمظهرية النفس الكلية ، من قوله تعالى : { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا } [الأنعام/76] (2) .
**********************************
70 - اللوح المحفوظ
**********************************(14/41)
صدق الله العظيم اللوح المحفوظ : هو أم الكتاب ، كتب اللَّه فيه مقادير الخلائق ، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة (3) ، وقد ورد ذكره فى قوله تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } [البروج/22:21] ، وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " كان اللَّه تبارك وتعالى قبل كل شيء ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في اللوح ذكر كل شيء " (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/250 .
2. معجم الكاشانى ص89 .
3. انظر مصطلح ( أم الكتاب ) .
4. أخرجه أحمد فى المسند برقم (19375) واللفظ له ، وأخرجه البخارى فى كتاب التوحيد برقم (7418) .
صدق الله العظيم اللوح المحفوظ فى الاصطلاح الصوفى :
يعنى عند الصوفية ، نور إلهى حقى متجلى فى مشهد خلقى ، انطبعت الموجودات فيه انطباعا أصليا ، فهو أم الهيولى لأن الهيولى ، لا تقتضى صورة إلا وهى منطبعة فى اللوح المحفوظ ، فإذا اقتضت الهيولى صوره ما وجد فى العالم على حسب ما اقتضته الهيولى من الفور والمهلة (1) .
ويذكر ابن عربى أن اللوح المحفوظ ، هو النفس الناطقة الكلية ، وأن اللَّه لما أوجد القلم الأعلى ، أوجد له فى المرتبة الثانية ، هذه النفس التى هى اللوح المحفوظ ، وهى من الملائكة الكرام ، المشار إليه بكل شئ فى قوله تعالى : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألْوَاحِ مِنْ كُل شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلا لكُل شَيْء ٍ } [الأعراف/145] ، وهو اللوح المحفوظ ، وقال تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } [البروج/22:21] ، فهو موضع تنزيل الكتب ، وهو أول كتاب سطر فيه الكون ، فأمر القلم أن يجرى على هذا اللوح ، بما قدره وقضاه مما كان من إيجاده ما فوق اللوح إلى أول موجود (2) .(14/42)
يقول ابن عربى : ( فكان بين القلم واللوح نكاح معنوى معقول وأثر حسى مشهود وكان ما أودع فى اللوح من الأثر مثل الماء الدافق الحاصل فى رحم الأنثى ، وما حصل من تلك الكتابة من المعانى المودعة فى تلك الحروف ــــــــــــــــــــ
1. معجم الكاشانى ص90،91 .
2. عقلة المستوفز ص42 .
الجرمية بمنزلة أرواح الأولاد ) (1) ، ويقول الجيلى : ( اعلم أن اللوح مجملا مجلىتعيين نبذة من علم اللَّه فى المحدثات ومن تجلى اللَّه عليه فى هذا المنظر تحقق بعلم ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة (2) .
**********************************
71 - ليلة القدر
**********************************
صدق الله العظيم ليلة القدر : هى الليلة المباركة التى قال اللَّه فيها : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } [الدخان/3] ، وهى ليلة خير من ألف شهر ، كما قال تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُل أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [القدر/ 5:1] ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه " (3) .
صدق الله العظيم ليلة القدر فى الاصطلاح الصوفى :
وليلة القدر عند الصوفية ، ليلة يختص فيها السالك بتجل خاص يعرف به ــــــــــــــــــــ
1. الفتوحات 1/129 .
2. الإنسان الكامل 2/9 ، والمناظر الإلهية ص252.
3. أخرجه البخارى فى كتاب الصوم برقم (1901) 4/138، ومسلم فى كتاب صلاة المسافرين برقم (760) 1/523.(14/43)
قدره ورتبته بالنسبة إلى محبوبه ، قال الكاشانى : ( ليلة القدر هى ليلة مختصة من بين سائر الليالى بتجل لا يكون فى غيرها ، وأهل الظاهر يخصونها ببعض ليالى رمضان ، وأكثرها فى العشر الأواخر منه ، وعند أهل الطريق إنها لا تتقيد بل تقع فى جميع ليالى السنة ، وذكر الشيخ ابن عربى أنه رآها فى ليلة النصف من شعبان وفى غيرها من الليالى ) (1) .
ليلة قدر المريد : يعنى بها ابتداء وصول السالك إلى مقام البالغين فى المعرفة وإلى التحقق بمظهرية حقيقة الحقائق ، ومرتبة الجمع والوجود ، وتارة يعنى بليلة القدر أوقات التجلى كيفما كان ، وإشاراتهم إلى المعنى الأول ، هو بقولهم : وليلة قدر المرء وقت لقائه ، وإلى المعنى الثانى أشار عمرو بن الفارض بقوله : وكل الليالى ليلة القدر ..الخ (2) .
**********************************
72 – المثل
**********************************
صدق الله العظيم المثل : المثل عبارة عن قول فى شئ ، يشبه قولا فى شئ آخر بينهما مشابهة ، ليبين أحدهما الآخر ويصوره ، وعلى هذا الوجه ضرب اللَّه الأمثال فقال : { لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/260 .
2. السابق 2/260 .
اللَّهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا للنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون } [الحشر/21] ، وقد يعبر بالمثل عن وصف الشئ ، كقوله تعالى : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ } [محمد/15] (1) .
وعن ابن عمر رضى الله عنهما ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن من الشجر شجرة ، لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم ، حدثوني ما هي ؟ ، قال ابن عمر : فوقع الناس في شجر البادية ، ووقع في نفسي أنها النخلة " (2) .
صدق الله العظيم المثل فى الاصطلاح الصوفى :(14/44)
والمثل عند الصوفية ، هو الإنسان الكامل المشار إليه بقوله تعالى : { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } [النور/35] ، لكون الإنسان هو مشكاة نور الحقائق الربانية ، ومعدن ظهور الأسماء الإلهية التى فطر عليها (3) .
ويقول الكاشانى : ( المثل هو الإنسان الكامل ، الظاهر بسر الخلافة فى الخليفة ، وهى صورة أحدية الجمع التى فطر عليها ، ومع ذلك مشهده فى الحق ، حجاب العزة لئلا يغلط فى نفسه ، ولا يذهل عن عبوديته ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 11/610 ، والمفردات ص462 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب العلم برقم (131) 1/277.
3. لطائف الإعلام 2/260 ، وانظر اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص16.
4. رشح الزلال ص149 وانظر مصطلح ( الزجاجة ) .
**********************************
73 – مجمع البحرين
**********************************
صدق الله العظيم مجمع البحرين : اسم مكان محدد لموسى عليه السلام ، لما ورد من حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل ، فسئل أي الناس أعلم ؟ ، فقال : أنا أعلم ، قال : فعتب اللَّه عليه ، إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى اللَّه إليه ، أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين ، هو أعلم منك " (1) .
وذكر فى قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا } [الكهف/60] والمراد بالبحرين مختلف فيه ، ولا دليل على تعيينه (2) ، ومجمع البحرين ملتقاهما ، ومنه قوله تعالى : { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ } [الرحمن/20:19] .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4726) 8/263 ومسلم فى كتاب الفضائل برقم (2380) 4/1847.(14/45)
2. انظر فى المراد بمجمع البحرين ، فتح القدير للشوكانى 3/298 ، وتفسير البيضاوى 3/509 ، وتفسير القرطبى 11/9 ، وتفسير ابن جرير الطبرى 15/271 ، وفتح البارى شرح صحيح البخارى 8/408 ، و تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لأبى العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري ، نشر دار الكتب العلمية بيروت ، 8/468 .
صدق الله العظيم مجمع البحرين فى الاصطلاح الصوفى :
مجمع البحرين فى عرف الصوفية ، ملتقى العالمين عالم الروح وعالم الجسد وهما العذب والأجاج فى صورة الإنسانية ومقام القلب (1) .
ويقول الكاشانى : مجمع البحرين هو حضرة قاب قوسين ، لاجتماع بحرى الوجوب والإمكان فيها ، وقيل هو حضرة جمع الوجود باعتبار اشتمالهما على أعيان الأسماء الإلهية وحقائق الأعيان الكونية (2) .
ويذكر القشيرى أن اللَّه خلق فى القلوب بحرين ، بحر الخوف وبحر الرجاء ويقال : القبض والبسط ، وقيل : الهيبة والأنس ، وهو قوله تعالى : { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَان ِ } [الرحمن/20:19] ، وقوله : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } [الرحمن/22] ، أى يخرج منهما اللؤلؤ والجواهر وهى الأحوال الصافية والطائف المتوالية (3) .
ويقول أيضا : البحران إشارة إلى النفس والقلب ، فالقلب هو البحر العذب ، والنفس هى البحر الملح ، فمن بحر القلب كل جوهر ثمين وكل حالة لطيفة ، ومن النفس كل خلق ذميم ، والدر من أحد البحرين يخرج ومن الثانى لا يكون إلا التمساح ، مما لا قدر له من سواكن القلب يصون ــــــــــــــــــــ
1. تفسير القرآن الكريم منسوب لابن عربى1/766 .
2. لطائف الإعلام 2/273 ، وانظر معجم الكاشانى ص98 .
3. لطائف الإشارات 3/507 .
الحق هذا عن هذا ، فلا يبغى هذا على هذا (1) .(14/46)
ويفسر الكاشانى البحرين فى الآية السابقة ، ببحر الهيولى الجسمانية الذى هو الملح الأجاج وبحر الروح المجرد ، الذى هو العذب الفرات ، يلتقيان فى الوجود الإنسانى ، بينهما برزخ النفس الحيوانية ، التى ليست فى صفاء الأرواح المجردة ولطافتها ، ولا فى كدورة الأجساد الهيولانية وكثافتها ، لا يبغيان ولا يتجاوز أحدهما حده ، فيغلب على الآخر بخاصيته ، فلا الروح يجعل البدن من جنسه ، ولا البدن يجعل الروح ماديا ، وبالتقائهما وتركيبهما يخرج منها لؤلؤ العلوم الكلية ، ومرجان العلوم الجزئية ، أى لؤلؤ الحقائق والمعارف ، ومرجان العلوم النافعة ، كالأخلاق والشرائع (2) .
**********************************
74 - المسافر
**********************************
صدق الله العظيم المسافر : السفر كشف الغطاء ، ومنه سمى المسافر على اعتبار أن الإنسان سفر عن المكان والمكان سفر عنه (3) ، ورد اللفظ فى القرآن والسنة على عكس المقيم كقوله تعالى : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ ــــــــــــــــــــ
1. السابق 3/507 .
2. تفسير القرآن الكريم منسوب لابن عربى2/573 .
3. المفردات ص233 ، ومعجم مقاييس اللغة مادة (سفر) .
أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة/184] ، ومن حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه - ، قال : " كنا في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل ، وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها ، فما أيقظنا إلا حر الشمس " (1) .
صدق الله العظيم المسافر فى الاصطلاح الصوفى :
المسافر فى عرف الصوفية ، هو الذى سافر بفكره فى المعقولات ناظرا فيها من حيث كونها دلالات على مبدعها ، لا من حيث معرفة حقائقها وماهيتها ولوازمها وأحكامها الذاتية ، فإنها من هذه الحيثية ، من سوانح الكشف والشهود المغنى عن إعمال القريحة والأفطار (2) .(14/47)
ويذكر محى الدين بن عربى أن السفر هو الاعتبار ، حيث يعبر المسافر باعتباره ونظره فى المعقولات ، من العدوة الدنيا الخلقية التى فيها تتصف النفس بالعمى والجهالة إلى العدوة القصوى ، فينتهى به الفكر إلى معرفة المبدع وتوحيده وحقائقه المقتضية وجود الخلق لظهورها به ، بل إلى معرفة كل شئ من حيث أنه يدخل تحت مثال العقل (3) .
وقد يراد بالمسافر أيضا ، من هجر أوطانه الطبيعية ، وملاذه الحيوانية بتصحيح معاملاته وتعديل أحواله (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب التيمم برقم (344) 1/533.
2. لطائف الإعلام 2/302 .
3. رشح الزلال ص43 ، 44 .
4. لطائف الإعلام 2/302 ، وانظر السابق ص 43 ، 44.
**********************************
75 - المسامرة
**********************************
صدق الله العظيم المسامرة : السمر ، سواد الليل ، ومنه قيل : لا آتيك السمر والقمر وقيل للحديث بالليل : السمر ، وسمر فلان إذا تحدث ليلا ، ومنه قول الله تعالى : { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ } [المؤمنون/67] (1) .
قال الإمام البخارى : " سامرا من السمر ، والجميع السمار ، والسامر ها هنا في موضع الجمع " (2) ، وقال عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - : " جدب لنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - السمر بعد العشاء ، يعني زجرنا " (3) .
صدق الله العظيم المسامرة فى الاصطلاح الصوفى :
المسامرة فى عرف الصوفية ، تعنى وقتا للعبد مع الحق ليلا ، حيث تتفرد الأرواح بخفى مناجاتها ولطيف مناداتها فى السر ، بلطيف وعتاب الأسرار عند خفى التذكار ، واستدامة طول العتاب مع صحة الكتمان ، ورؤية القلوب إلى ما توارت فى الغيوب بأنوار اليقين (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 4/376 ، والمفردات ص 242.
2. صحيح البخارى ، كتاب التفسير ، سورة المؤمنون 4/1769 .
3. أخرجه ابن ماجة فى الصلاة برقم (703) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 1/230.(14/48)
4. انظر اللمع ص 426 ، وكشف المحجوب ص624 ، وعوارف المعارف ص527 والتعريفات ص225 .
يقول محى الدين بن عربى : ( المسامرة خطاب الحق للعارفين ، من عالم الأسرار والغيوب : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ } [الشعراء/193] ، وهو خصوص فى المحادثة ، فإن قلت : وما المحادثة ؟ ، قلنا : خطاب الحق للعارفين من عباده ، من عالم الملك ، كالنداء من الشجرة لموسى ، وهو فرع عن المشاهدة ) (1) .
يقول الكاشانى : وإنما كنوا عن ذلك بالمسامرة ، لأنها فى العرف عبارة عن المحادثة ليلا وأنشدوا :
يا قمرى ليلة الوصل إذا غاب القمر
ويا سميرى كلما استحلى لمحبوبى السمر (2) .
**********************************
76 - المستريح
**********************************
صدق الله العظيم المستريح : الروْح التنفيس ، وقد أراح الإنسان إذا تنفس ، والراحة من الروح (3) ، قال تعالى : { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } [النحل/6] ، وقد ورد لفظ المستريح فى السنة على معنى الميت إذا وضع فى قبره ــــــــــــــــــــ
1. الفتوحات 2/132 .
2. لطائف الإعلام 2/303 .
3. المفردات ص205 ، والقاموس المحيط 282 ، وكتاب العين 3/292 .
وكان مؤمنا ، فعن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري - رضي الله عنه - ، أنه كان يحدث أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مر عليه بجنازة ، فقال : مستريح ومستراح منه ، قالوا : يا رسول اللَّه ، ما المستريح والمستراح منه ؟ ، قال : العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة اللَّه ، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب (1) .
صدق الله العظيم المستريح فى الاصطلاح الصوفى :(14/49)
وعند الصوفية المستريح من العباد ، من أطلعه اللَّه تعالى على سر القدر لأنه يرى أن كل مقدور يجب وقوعه فى وقته المعلوم ، وكل ما ليس بمقدور يمتنع وقوعه ، فاستراح من الطلب والانتظار لما لا يقع ، والحزن والتحسر على ما فات ، كما قال اللَّه تعالى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْل أَنْ نَبْرَأَهَا } [الحديد/22] (2) .
قال عبد الرزاق الكاشانى : ( المستريح من العباد : من أطلعه اللَّه على سر القدر ، فإن المطلع عليه ، قد عرف تحققه بكون العالم تابعا للمعلوم ، وأنه واجب الوقوع ، فيستريح من وجهين :
أحدهما : بوقوع الملائم وثانيهما : استراحته من انتظار ما يعلم أنه لو قدر ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخاري فى كتاب الرقاق برقم (6512) 11/369 ، ومسلم فى كتاب الجنائز برقم (950) 2/656.
2. معجم اصطلاحات الصوفية الكاشانى ص104 .
لكان ، فمثل هذا لا يحزن لفائت ولا يعترض على واقع قال تعالى : { لكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } [الحديد/23] ، وقال أنس - رضي الله عنه - : " ما قال لى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - منذ زمان خدمته فى شئ فعلته لم فعلته ، ولا لشئ لم أفعله لم تفعله وإنما كان - صلى الله عليه وسلم - يقول : لو قدر لكان " (1) .
**********************************
77 - المسخ
**********************************
صدق الله العظيم المسخ : تشويه الخلق والخُلق ، وتحويلهما من صورة إلى صورة ، والمسخ ضربان (2) :
1- مسخ يحصل فى الذات وهو مسخ الهيئة ، وكل ما ورد فى القرآن والسنة على ذلك ، كقوله تعالى : { وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ } [يس/67] ــــــــــــــــــــ(14/50)
1. لطائف الإعلام 2/305 . والحديث أخرجه ابن حبان فى صحيحه برقم (7179) 16/145 ، والهيثمى فى موارد الظمآن برقم (1816) 1/450 ، واللفظ عندهما : ( خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين ، فما بعثني في حاجة لم أتمها ، إلا قال : لو قضى لكان أو لو قدر لكان ) وأخرجه أحمد فى المسند برقم (13005) ونصه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : ( خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني فإن لامني أحد من أهل بيته ، إلا قال : دعوه ، فلو قدر أو قال : لو قضي أن يكون كان ) .
2. لسان العرب 3/55 ، والمفردات ص468 .
وكما روى عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أتي بضب فأبى أن يأكل منه وقال : " لا أدري لعله من القرون التي مسخت " (1) .
وفى رواية عن أبي سعيد الخدرى - رضي الله عنه - ، قال : " إن اللَّه لعن أو غضب على سبط من بني إسرائيل ، فمسخهم دواب يدبون في الأرض ، فلا أدري لعل هذا منها فلست آكلها ولا أنهى عنها " (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " الفأرة مسخ ، وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تذوقه " (3) .
وعن ابن عمر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يكون في أمتي خسف ومسخ وذلك في المكذبين بالقدر " (4) .
2- مسخ قد يحصل فى كل زمان وهو مسخ الخلق ، وذلك أن يصير الإنسان متخلقا بخلق ذميم من أخلاق بعض الحيوانات ، نحو أن يصير فى شدة الحرص كالكلب وفى الشره كالخنزير ، وفى الغمارة كالثور ، وهذا لم يرد ذكره فى القرآن أو السنة ، والمسيخ من الطعام ما لا طعم له (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الصيد والذبائح برقم (1949) 3/1545.
2. مسلم فى كتاب الصيد والذبائح برقم (1951) 3/1546.(14/51)
3. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق (3305) 6/403 ومسلم فى كتاب الزهد برقم (2997) 4/2294 واللفظ لمسلم .
4. أخرجه الترمذى فى القدر (2153) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 4/456.
5. المفردات ص468.
صدق الله العظيم المسخ فى الاصطلاح الصوفى :
والمسخ عند الصوفية ، هو عقاب من اللَّه بتشويه باطن القلوب ، وتغيير أوصافها ، كما أن المسخ فى الظاهر تشويه الخلقة فى الذات ، قال أبو نصر السراج الطوسى : ( المسخ معناه مسخ القلوب ، وذلك للمطرودين من الباب ، كانت لهم قلوب متوجهة ، فمسخت بالإعراض عنها ، وجعلت توجهها إلى الحظوظ دون الحقوق ، فإذا قال القائل : فلان قد مسخ به معناه أى أعرض بقلبه ) (1) .
**********************************
78 – المسيرون
**********************************
صدق الله العظيم المسيرون : السيرة الطريقة والمذهب ، أو صحيفة الأعمال ، وجمعها سير والسيارة القافلة (2) ، والتسيير يرد فى القرآن على ضربين (3) :
1- التسيير بالأمر والاختيار والإرادة من السائر ، نحو قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } [يونس/22] .
2- التسيير بالقهر والتسخير ، كتسخير الجبال ، كقوله تعالى :
ــــــــــــــــــــ
1. اللمع للسراج الطوسى ص448 .
2. المغرب للمطرزى 1/427
3. المفردات ص247 .
{ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ } [التكوير/3] وقوله : { وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا } [النبأ/20] .
صدق الله العظيم المسيرون فى الاصطلاح الصوفى :
واصطلاح الصوفية على قولهم : نحن مسيرون ، لا يشعر بالمعنى الذى يحتويه اللفظ فى اللغة ، بل يقصدون تسيير القلوب وسيرها عند انتقالها من حال إلى حال ، ومن مقام إلى مقام ، كما أشار إلى ذلك يحى بن معاذ الرازى فى قوله : ( الزاهد سيار والعارف طيار ) (1) ، يعنى فى سرعة الانتقال فى المقامات والأحوال عند الزوائد وطُرَف الفوائد .
وقال الشبلى يريد سير القلوب :(14/52)
لست من جملة المحبين إن لم : أجعل القلب بيته والمقاما
وطوافى إخاله السير فيه : وهو ركنى إذا أردت استلاما (2) .
ويذكر الكاشانى معنى التسيير فى العرف الصوفى من خلال تفسيره لقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالي وَأَيَّامًا آمِنِينَ } [سبأ/18] ، فالحضرة القلبية والسرية والروحية والإلهية ، بالتجليات الأفعالية والصفاتية والأسمائية الذاتية وأنوار المكاشفات والمشاهدات ، قرى المقامات والمنازل الظاهرة مترائية ــــــــــــــــــــ
1. اللمع للسراج الطوسى ص442 .
2. السابق ص443 .
ومتواصلة ، كالصبر والتوكل والرضا وأمثالها ، والسير فيها مقدر إلى اللَّه وفى اللَّه ، مرتبا يرتحل السالك فى الترقى من مقام ، وينزل فى مقام ، سيروا فى منازل لنفوس ليالى ، وفى مقامات القلوب ومواردها ، أياما آمنين بين القواطع الشيطانية ، وغلبات الصفات النفسانية بقوة اليقين ، والنظر الصحيح على منهاج الشرع المبين (1) .
**********************************
79 - المشرق
**********************************
صدق الله العظيم المشرق : الناحية التى تخرج منها الشمس فى أول النهار ، والمشرق والمغرب إذا قيل بالإفراد فإشارة إلى ناحيتى الشرق والغرب (2) ، وعن خالد العدواني - رضي الله عنه - ، أنه أبصر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في مشرق ثقيف ، وهو قائم على قوس أو عصا ، حين أتاهم يبتغي عندهم النصر (3) ، أى الناحية التى تقابل الشمس عند شروقها فى ثقيف .
والمشرق فى القرآن والسنة يعنى ناحية طلوع الشمس كقوله تعالى : { رَبُّ ــــــــــــــــــــ
1. تفسير القرآن لابن عربى 2/308 .
2. لسان العرب 10/173 ، والمفردات ص259 .
3. حديث حسن ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (18479) ، وفى سنده عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى وهو صدوق .(14/53)
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا } [المزمل/9] وكقوله : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } [البقرة/177] وقوله : { للَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [البقرة/142] .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " يأتي المسيح من قبل المشرق همته المدينة ، حتى ينزل دبر أحد ، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام وهنالك يهلك ) (1) ، وقال مجاهد { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ } [الرحمن/17] للشمس في الشتاء مشرق ، ومشرق في الصيف (2) .
صدق الله العظيم المشرق فى الاصطلاح الصوفى :
والمشرق فى عرف الصوفية يرد بمعنى التجلى ، ويعنون بذلك تجليات الذات قبل الفناء التام فى عين أحدية الجمع (3) .
والكاشانى يفسر المشرق فى قوله تعالى : { وَللَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة/115] على وجهين :
1- المشرق هو عالم النور والظهور ، الذى هو جنة النصارى ، وقبلتهم بالحقيقة هو باطنه ، والمغرب أى عالم الظلمة والاختفاء ، الذى هو جنة اليهود ، وقبلتهم بالحقيقة هو ظاهره ، فأينما تولوا ، أى أىّ جهة تتوجهوا ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الحج برقم (1380) 2/1005.
2. البخارى تفسير سورة الرحمن 8/486.
3. معجم الكاشانى ص104 .
من الظاهر والباطن ، فثم وجه اللَّه أى ذات اللَّه المتجلية بجميع صفاته (1) .(14/54)
2- ولله المشرق أى الإشراق على القلوب بالظهور فيها ، والتجلى لها بصفة جماله ، حالة شهوده وفنائه ، والغروب فيها بتستره واحتجابه بصورها وذواتها ، واختفائه بصفة جلاله ، حالة بقائه بعد الفناء ، فأى جهة تتوجهوا حينئذ فثم وجهه ، لم يكن شئ إلا إياه وحده ، { يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [البقرة/142] ، أى طريق الوحدة التى تتساوى الجهات بالنسبة إليها ، لكون الحق المتوجه إليه ، لا فى جهة ، وكون الجهات كلها فيه وبه وله كما قال : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } (2) .
والمشرق عند الإضافة يتنوع مدلوله عند الصوفية فمن ذلك :
(1- مشارق الفتح : ويعنون بها الأسماء الكلية والصفات الأصلية التى هى مفاتح الغيب وهى : الفتاح والسميع والبصير والقادر من جهة أنه أول ما يفتح على السائر أنوار التجليات ، ويشرق عليه من أشعة الذات إنما يكون مورد ذلك الفتح والإشراق فى مبادئ سيره إلى حضرة أحدية الجمع ، فإذا قيل : مشارق الفتح فإنهم يعنون التجليات الأسمائية لأنها مفاتيح أسرار الغيب وتجلى الذات عندهم (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. تفسير القرآن الكريم منسوب لابن عربى 1/80 .
2. السابق 1/91 .
3. لطائف الإعلام 2/307 .
(2- مشارق شمس الحقيقة : ويعنون بها أعيان مفاتح الغيب أيضا لأن نور الذات الأقدس إنما أشرق وطلع شمس حقيقة الهوية وطولع منها (1) .
(3- مشرق القمر : ويعنى عندهم ظهور الخلق بنور الحق ، ويقال : ظهور الحق فى عالم الصور ، ويقال : مشرق القمر : الإنسان المتحقق بمظهرية العقل المصور (2) .(14/55)
(4- مشرق الضمائر : هو أحد النقباء العلماء به ، وهم الذين استخرجوا خبايا النفوس وكشف اللَّه لهم عن بواطن الأشياء ، وهم عبيد الإسم الباطن أطلعهم اللَّه على ضمائر الناس وتجلى لهم باسمه ، قال الكاشانى : ( وسمى الشيخ أبو سعيد بن أبى الخير (ت:440هـ) مشرق الضمائر لكون اللَّه تعالى قد كشفه على بواطن السرائر ، وقد رأى الجنيد قدس اللَّه سره فى المنام إبليس وهو عريان فى السوق فقال : أما تستحى من الناس فقال : هؤلاء ليسوا بناس ، إنما الناس قوم فى مسجد الشونيزى ، قال الجنيد رحمه اللَّه : وأتيت لأصلى الصبح فى الشونيزى ، فلما وقع بصرى على الفقراء فى المسجد ، سلمت عليهم ، فردوا السلام ، وقالوا : كذوب هو لا تغتر به ونحن أيضا لسنا من الناس ، فهذا من باب الإشراق على الضمائر ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الصوفية الكاشانى ص104 .
2. لطائف الإعلام 2/307 .
3. السابق 2/307 ، 308 ، ومعجم اصطلاحات الصوفية الكاشانى ص104 .
**********************************
80 – مغرب الشمس
**********************************
صدق الله العظيم مغرب الشمس : محل غروب الشمس قال تعالى : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } [الكهف/86] وقال أيضا : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } [ق/39] .
وقال مجاهد : { وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } [الرحمن/17] مغرب الشمس في الشتاء والصيف (1) وعن صفوان بن عسال - رضي الله عنه - ،قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن من قبل مغرب الشمس بابا مفتوحا عرضه سبعون سنة ، فلا يزال ذلك الباب مفتوحا للتوبة ، حتى تطلع الشمس من نحوه ، فإذا طلعت من نحوه لم ينفع نفسا إيمانها ، لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " (2) .(14/56)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس ، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى ، كمثل رجل استعمل عمالا ، فقال : من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط ، فعملت اليهود ، فقال : من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر على قيراط ، فعملت النصارى ، ثم أنتم تعملون من ــــــــــــــــــــ
1. انظر مصطلح المشرق .
2. صحيح ، أخرجه ابن ماجة فى كتاب الفتن برقم (4060) .
العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين ، قالوا : نحن أكثر عملا وأقل عطاء ، قال : هل ظلمتكم من حقكم ؟ قالوا : لا ، قال فذاك فضلي أوتيه من شئت " (1) .
صدق الله العظيم مغرب الشمس فى الاصطلاح الصوفى :
والصوفية تعنى بمغرب الشمس ، استثار الحق بتعيناته ، واستتار الروح بالجسد (2) ، قال الكاشانى : ( مغرب الشمس استتار العين بتعيناتها ويقال : استتار الحقيقة بملابسها ، ويقال : بطون الذات فى مظاهرها ويقال : بطون الحق فى الخلق ، ويقال : اشتباه الحق بالباطل ) (3) .
ويذكر الكاشانى فى قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } [الكهف/86] ، أن القلب الذى ملك قرنيه لما بلغ مكان غروب شمس الروح ، وجدها مختلطة بالحمأة وهى المادة البدنية الممتزجة من الأجسام الفاسقة ، كقوله : { مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } [الإنسان/2] ووجد عندها القوى النفسانية البدنية والروحانية ) (4) .
وقال أيضا فى قوله تعالى : { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } [الرحمن/17] أى مشرقى الظاهر والباطن ومغربيهما ، بإشراق نور الوجود المطلق على ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب فضائل القرآن برقم (4633) 8/145.
2. معجم اصطلاحات الصوفية الكاشانى ص107 .
3. لطائف الإعلام 2/322 .
4. تفسير القرآن الكريم منسوب لابن عربى 1/774 .(14/57)
ماهيات الأجساد الظاهرة وغروبه فيها باحتجابه بما هياتها وتعينها به فله فى ربوبيته لكل موجود شروق بإيجاده بنور الوجود وظهوره به ، وغروب باختفائه فيه وتستره به بيربه بهما ) (1) .
**********************************
81 – الملامتية
**********************************
صدق الله العظيم الملامتية : لم يرد لفظ الملامتية فى الكتاب والسنة ، ولكنه مشتق من مادة اللوم ، وهو عزل الإنسان بنسبته إلى ما فيه لوم ، يقال : لمته فهو ملوم وقال تعالى : { فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ } [إبراهيم/22] ، وقال : { قَالَتْ فَذَلكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } [يوسف/32] وقال سبحانه : { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } [المائدة/54] ، ويعنى لا يخافون فى قول الحق ملامة الناس (2) .
وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - ، قال لما قال عبداللَّه بن أبي : { لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُول اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا } [المنافقون/7] ، وقال أيضا : { لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ } [المنافقون/8] ، أخبرت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فلامني الأنصار ، وحلف عبد اللَّه بن أبي ما قال ذلك ، فرجعت إلى المنزل فنمت ــــــــــــــــــــ
1. السابق 2/572 .
2. المفردات ص456 ، 457 .
فدعاني رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، فأتيته فقال : إن اللَّه قد صدقك ونزل : { هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُول اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا } [المنافقون/8] (1) .(14/58)
وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " احتج آدم وموسى ، فقال له موسى : أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة ؟ ، فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق ، فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحج آدم موسى مرتين " (2) .
صدق الله العظيم الملامتية فى الاصطلاح الصوفى :
والملامتية هم أعلى الطائفة عند الصوفية وأفضلها ، وهم الذين يفعلون ما يوجب ملامة الناس فى الظاهر حفظا منهم على الباطن ، فيقوم بعمل شئ عجيب لا يقره الناس ، كأن يفطر فى نهار رمضان لينفض عنه الناس بينما يكون فى الباطن على سفر (3) .
يقول على بن عثمان الهجويرى فى وصف الملامتية : ( إن أهل هذه الجماعة من الصوفية يتميزون عن الخلق أجمعين ، بأنهم يختارون أن تلام أجسامهم لتسلم قلوبهم وهذه مرتبة عالية لا يصل إليها الزهاد والعباد وأعيان الخلق فى العصور الغابرة ولكنها خاصة بأفراد هذه الأمة الذين يسبحون فى ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4902) 8/515
2. أخرجه البخارى فى كتاب احاديث الأنبياء برقم (3157) 6/297.
3. أصول الملامتية وغلطات الصوفية ص 141 .
طريق الابتعاد الكامل عن شئون هذه الدنيا ) (1) .
وعند ابن عربى الملامتية ، هم الذين لم يظهر على ظواهرهم مما فى بواطنهم أثر البتة ، وهم أعلى الطائفة وتلامذتهم يتقلبون فى أطوار الرجولية ، فهم الأخفياء الأبرياء ، الأمناء فى العالم ، الغامدون فى الناس ، ولا يدوم التجلى إلا لهذه الطائفة على الخصوص (2) .(14/59)
ويذكر الكاشانى أن الملامتية من الصوفية ، هم أعلى الطائفة لاقتدارهم على سر الأسرار الجليلة الإلهية ، وإخفائها كما ينبغى ، كمن ألقى إليه سر الكمال الجمعى فى أنهى مراتب العروج إلى ربه ، الذى إليه المنتهى فلم يظهر أثره على ظاهره قطعا ، ومن ألقى إليه روح التكلم من وراء حجاب فى عروجه إلى أفق من آفاق الكون المحسوس ، ظهر أثر الإخفاء على وجهه حتى صان الأبصار من ابتهار نوره ، وترك ما يرفع مقداره على أنجب أفراد الكون وتلامذتهم يتقلبون فى أطوار الرجولية ، لأنهم يؤثرون حظ الغي رعى حظوظ أنفسهم ، ولا يمنون عليه فى ذلك ، فعليهم تدور أفلاك الفتوة (3) .
ويشرح الجيلى وصف الملامتية ، فيقول : التلامت منظر يتجلى الحق ــــــــــــــــــــ
1. كشف المحجوب ص80 ،81 .
2. الفتوحات المكية 1/181 ، وانظر مواقع النجوم ص48 ، اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص4 .
3. رشح الزلال ص67 ، 68 .
تعالى على العبد فيه بتجل تتغرب فيه أحوال العبد على الخلق ، فلا يظهر منه فعل ولا قول ، ولا يكون على حال إلا وهو موجب لملامتهم عليه ، لأنه قد بعد عليهم فهم ما هو عليه ، فلاموه فيما لم يوافق مرادهم من أمره جهلا بحاله ، وليس فى أمره موافقا لهم ، فهم يلومونه تارة بحكم النقل ، وتارة بحكم العقل ، وتارة بحكم العادة (1) .
**********************************
82 – المنهج الأول
**********************************
صدق الله العظيم المنهج الأول : النهج الطريق الواضح ونهج الأمر وضح ، ومنهج الطريق ومنهاجه كقوله تعالى :(14/60)
{ لكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } [المائدة/48] (2) ، وقال عبد اللَّه بن سلام - رضي الله عنه - : " بينما أنا نائم ، إذ أتاني رجل ، فقال لي : قم فأخذ بيدي فانطلقت معه ، فإذا أنا بجوادُّ عن شمالي ، قال : فأخذت لآخذ فيها ، فقال لي : لا تأخذ فيها ، فإنها طرق أصحاب الشمال ، قال : فَإِذَا جَوَادُّ مَنْهَجٌ عَلَى يَمِينِي ، فقال لي : خذ هاهنا ... قال : فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقصصتها عليه فقال : أما الطرق التي رأيت عن يسارك ، فهي طرق أصحاب الشمال ــــــــــــــــــــ
1. المناظر الإلهية ص168 .
2. لسان العرب 2/383 ، والمفردات ص506 .
وأما الطرق التي رأيت عن يمينك ، فهي طرق أصحاب اليمين ، ولن تزال متمسكا بها حتى تموت " (1) ، ومعنى جَوَادُّ مَنْهَجٌ الطريق الواضح السالك .
صدق الله العظيم المنهج الأول فى الاصطلاح الصوفى :
والصوفية يقصدون بالمنهج الأول ، انتشاء الأسماء والصفات عن الوحدة الذاتية ، وكيفية انتشاء جميع الصفات والأسماء فى رتب الذات ، فمن أشهده اللَّه صورة الانتشاءات الحاصلة عن الوحدة ، التى هى منشأ جميع التعينات وعرفه ظهورها فى المراتب الوجودية ، ترتيبا وبدءا وإيجادا وعودا ، فقد دله الحق على أقرب السبل من المنهج الأول (2) .
والمنهج فى عرف الصوفية ، يطلق على طريق الباطن ، فكما أن لأهل الظاهر منهجا هو الشرع ، فكذلك الصوفية لهم منهج باطنى ، لقوله تعالى : { لكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } [المائدة/48] ، قال الكاشانى فى تفسيره الصوفى : ( لكل جعلنا منكم موردا كمورد النفس ، ومورد القلب ومورد الروح ، وطريقا كعلم الأحكام والمعاملات ، التى تتعلق بالقلب ، وسلوك طريق الباطن الموصل إلى جنة الصفات ، وعلم التوحيد والمشاهدة ، الذى يتعلق بالروح ، وسلوك طريق الفناء الذى يوصل إلى جنة الذات ) (3) .
ــــــــــــــــــــ(14/61)
1. أخرجه مسلم فى كتاب فضائل الصحابة برقم (2484) 4/1931.
2. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص109 ولطائف الإعلام 2/322 .
3. تفسير القرآن الكريم منسوب لابن عربى 1/329 .
**********************************
83 – الموت
**********************************
صدق الله العظيم الموت : الموت أنواع بحسب أنواع الحياة (1) :
الأول : ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة فى الإنسان والحيوانات والنبات نحو قوله تعالى : { كَيْفَ يُحْيِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } [الروم/50] ، وقوله سبحانه : { وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا } [ق/11] ، وقال عروة : " قضى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -في خلافته ، أن من أحيا أرضا ميتة ، فهي له " (2) .
الثانى : زوال القوة الحاسة ، نحو قوله تعالى : { قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا } [مريم/23] ، وقوله سبحانه : { وَيَقُولُ الإنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا } [مريم/66] ، ومن حديث أنس - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : " لا يتمنين أحد منكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا بد متمنيا للموت ، فليقل : اللَّهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " (3) .
الثالث : زوال القوة العاقلة وهى الجهالة ، نحو قوله تعالى : { أَوَمَنْ كَانَ ــــــــــــــــــــ
1. المفردات فى غريب القرآن ص476 ، 477 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب المزارعة برقم (2335) 5/23.
3. أخرجه البخارى فى كتاب الدعوات برقم (6351) 11/119.
مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } [الأنعام/122] ، وإياه قصد بقوله : { إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } [النمل/80] ، وفى حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول اللَّه ، أفرأيت الحمو ؟ ، قال : الحمو الموت " (1) .(14/62)
الرابع : الحزن المكدر للحياة ، من مرض أو عذاب أو الم ، أوغير ذلك كقوله تعالى : { يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُل مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } [إبراهيم/17] ، وعن عائشة رضي اللَّه عنها ، قالت : " سقطت قلادة لي بالبيداء ، ونحن داخلون المدينة ، فأناخ النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزل ، فثنى رأسه في حجري راقدا ، وأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة ، وقال : حبست الناس في قلادة ، فبي الموت لمكان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، وقد أوجعني " (2) .
الخامس : النوم موت خفيف ، والموت نوم ثقيل ، وعلى هذا النحو سماهما اللَّه تعالى توفيا ، فقال : { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْل } [الأنعام/60] وقوله : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } [الزمر/42] .
السادس : بقاء أهل الخلدين وانعدام الموت ، فمن حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا صار أهل الجنة إلى الجنة ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب النكاح برقم (5232) 9/242.
2. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4608) 8/121.
وأهل النار إلى النار ، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ، ثم يذبح ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة لا موت ، ويا أهل النار لا موت ، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم " (1) .
صدق الله العظيم الموت فى الاصطلاح الصوفى :(14/63)
يذكر الكاشانى أن الموت فى اصطلاح الصوفية ، هو قمع هوى النفس فإن حياتها به ، ولا تميل إلا لذاتها وشهواتها ، ومقتضيات الطبيعة البدنية إلا به ، وإذا مالت إلى الجهة السفلية جذبت القلب ، الذى هو النفس الناطقة إلى مركزها ، فيموت عن الحياة الحقيقية بالجهل ، فإذا ماتت النفس عن هواها بقمعه ، انصرف القلب بالطبع والمحبة الأصلية إلى عالمه ، عالم القدس والنور والحياة الذاتية ، التى لا تقبل الموت أصلا ، وإلى هذا الموت أشار أفلوطن بقوله : مت بالإرادة تحيا بالطبيعة (2) .
ويتنوع مفهوم الموت عند الصوفية حسب التأويلات الباطنية للفظ سواء كان منفردا أو مضافا فمن ذلك :
(1- الموت : هو التوبة أخذا من قوله تعالى : { فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ } [البقرة/54] فمن تاب عند الصوفية ، فقد قتل نفسه (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق برقم (6548) 11/423.
2. لطائف الإعلام 2/342 ، ومعجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص 110.
3. السابق 2/34 .
(2- الموت الأحمر : وهو مخالفة النفس ، ويستدلون له ، بحديث منسوب إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " رجعنا من الجهاد الأصغر ، إلى الجهاد الأكبر قالوا : يارسول اللَّه ، وما الجهاد الأكبر ؟ ، قال : مخالفة النفس " (1) ، وقال تعالى : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ } [الأنعام/122] يعنى : ميتا بالجهل فأحييناه بالعلم (2) .
(3- الموت الأبيض : الجوع لأنه ينور الباطن ، ويبيض وجه القلب ، فإذا لم يشبع السالك لا يزال جائعا ، مات الموت الأبيض ، فحينئذ تحيا فطنته لأن البطنة تميت الفطنة ، فمن ماتت بطنته ، حييت فطنته (3) .(14/64)
(4- الموت الأخضر : ليس المرقع من الخرق الملقاة التى لا قيمة لها ، فإذا قنع من اللباس الجميل بذلك ، واقتصر على ما يستر العورة ، ويصح فيه الصلاة ، فقد مات الموت الأخضر لاخضرار عيشه بالقناعة ، ونضارة وجهه بنضرة الجمال الذاتى الذى حى به واستغنى عن التجمل العارضى (4) .
(5- الموت الأسود : هو احتمال أذى الخلق ، فإذا تحقق السالك بالمقام الذى يصير فيه ، بحيث لا يجد فى نفسه حرجا مما يناله من أذى الناس وسبهم ــــــــــــــــــــ
1. انظر كشف الخفا للعجلونى حديث رقم (1362) .
2. لطائف الإعلام 2/343 .
3. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص 111.
4. لطائف الإعلام 2/344 .
وشتمهم وغير ذلك ، فقد مات الموت الأسود ، ويحيا بالإمداد من حضرة الجواد ، لأنه يصير ممن قد شاهد النعم الباطنة عن غيره ، حين صارت فى حقه ظاهره ، فلم يتألم فى نفسه ، بل يتلذذ به لكونه يراه من محبوبه (1) .
يقول الكاشانى : ( الموت الأسود وهو الفناء فى اللَّه لشهوده الأذى منه برؤيته فناء الأفعال فى فعل محبوبه ، بل برؤية نفسه وأنفسهم فانين فى المحبوب وحينئذ يحى بوجوده الحق من إمداد حضرة الوجود المطلق ) (2) .
**********************************
84 – الميزان
**********************************
صدق الله العظيم الميزان : الوزن معرفة قدر الشئ ، والميزان يطلق على معنيين :
1- الميزان بالمعنى الحسى المدرك ، وهو المتعارف عليه فى الوزن سواء فى الدنيا والآخرة :
أ- فميزان الدنيا معلوم المعنى والكيف ، وعليه ورد قوله تعالى : { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } [المطففين/3] ، وقوله سبحانه : { وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ } [الإسراء/35] ، وقوله عز وجل : { وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ } [الرحمن/9] ، ومن حديث جابر بن عبد اللَّه ــــــــــــــــــــ
1. السابق 2/345 .(14/65)
2. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص 113.
رضى الله عنه قال : " فأمر - صلى الله عليه وسلم - بلالا أن يزن له أوقية ، فوزن لي بلال فأرجح لي في الميزان " (1) .
ب- والميزان فى الآخرة شئ مخلوق حقيقى ، موضوع لوزن الأعمال له كفتان ، معلوم المعنى مجهول الكيف ، قال تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ ليَوْمِ الْقِيَامَةِ } [الأنبياء/47] ، وقال تعالى :
{ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ } [القارعة/ 9:6] روى عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان " (2) ، ومن حديث عبد اللَّه بن عمرو - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : " فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة " (3) .
2- الميزان المعنوى ، كقوله تعالى : { وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُل شَيْءٍ مَوْزُونٍ } [الحجر/19] إشارة إلى كل ما أوجده اللَّه ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب البيوع برقم (2097) 4/375 ، وانظر المفردات فى غريب القرآن ص522 .
2. مسلم فى كتاب الطهارة برقم (223) 1/203.
3. أخرجه ابن ماجة فى كتاب الزهد برقم (4300) ، وقال الشيخ الألبانى : صحيح 2/1437.
تعالى وأنه خلقه باعتدال (1) .(14/66)
وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم : من رأى منكم رؤيا ؟ فقال رجل : أنا ، رأيت كأن ميزانا نزل من السماء ، فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ، ووزن أبو بكر وعمر ، فرجح أبو بكر ، ووزن عمر وعثمان ، فرجح عمر ، ثم رفع الميزان ، فرأينا الكراهية في وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (2) .
صدق الله العظيم الميزان فى الاصطلاح الصوفى :
الميزان عند الصوفية يعنى ما به يتوصل الإنسان إلى معرفة الأراء الصائبة والأقوال السديدة ، والأفعال الجميلة وتميزها من أضدادها ، وهو العدالة التى هى ظل الوحدة الحقيقية المشتملة على علم الشريعة والطريقة والحقيقة ، لأنها لم يتحقق بها صاحبها ، إلا عند تحققه بمقام أحدية الجمع والفرق (3) .
والميزان عند الصوفية يتنوع مدلوله بحسب الإضافة على ما يأتى (4) :
1- ميزان العموم : وهو ما به يتميز نفس الإنسان عن نفوس الأنعام بظاهر العقل المعيشى المقيد بأمور دنيوية ، وهذا ميزان شارك المسلمين
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 12/446 ، وكتاب العين 7/386 ، والمفردات ص522 .
2. أخرجه الترمذى فى كتاب الرؤيا برقم (2287) وقال : حديث حسن صحيح وقال الشيخ الألبانى : صحيح 4/540.
3. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص113 .
4. لطائف الإعلام 2/348 .
فيه من ليس من أهل الحق ، من اليهود والنصارى وغيرهم ، لأنه ميزان مقتصر فى زمانه على ما يتعلق بالأمور الدنيوية ، غير متعد عنها إلى شئ من الأمور الأخروية ، قال تعالى : { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [الروم/7] .
2- ميزان الخصوص : وهو العقل المنور بنور الشرع المطهر الهادى إلى الإيمان باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .(14/67)
3- ميزان الخصوص الظاهرى : وهو علم الشريعة المبين غايات الهيئات البدنية من الأفعال والأقوال النافعة منها والضار ، فيما يتعلق بخير العافية وشرها اللذين هما السعادة والشقاوة الأخرويان .
4- ميزان الخصوص الباطنى : وهو علم الطريقة ، المبين غايات الهيئات النفسانية والروحانية .
5- ميزان الخصوص السرى : وهو علم الحقيقة المبين لعلم أسرار المحكم تبيان كل شئ وهو القرآن المجيد ، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه لقوله تعالى : { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت/42] ، فهذا الكتاب هو الميزان المتضمن بيان شريعة من أرسل به - صلى الله عليه وسلم - ، وهى الشريعة العامة الحكم الشاملة النفع الجامعة خلاصة الشرائع ، المتصدية لبيان ما يحتاج إليه من تكميل الهيئات البدنية من الأفعال والأقوال ، والمتضمن لبيان دقيق علم الطريقة المتعلقة ، بتكميل الهيئات النفسانية ، والصفات الروحانية والأحوال القلبية ، من تعديل الأخلاق ، ومعرفة آفات النفس ونحو ذلك ، والمتضمن لبيان ما يحتاج إلى تحقيقه من علوم الحقيقة المشتملة على أسرار الربوبية ، والمعرفة الحقيقية للحق تعالى .
6- ميزان المراتب : هو العبد الذى أعزه اللَّه بطاعته ، ولم يذله بمعصيته فصار ميزانا للخلائق فى إعزازهم وإذلالهم ، إذ كان عز كل عزيز وذل كل ذليل ، إنما يؤذن بمرتبته .
7- ميزان خاصة الخاصة : وهو العدل الإلهى ، الذى لا يتحقق به إلا الإنسان الكامل (1) .
**********************************
85 – النار
**********************************
صدق الله العظيم النار : النار ترد على معنيين :
1- النار تقال للهيب الذى يبدو للحاسة ، سواء فى الدنيا أو الآخرة :(14/68)
أ- فنار الدنيا كقوله تعالى : { أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ } [الواقعة/71] وقوله : { مَثَلُهُمْ كَمَثَل الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ } [البقرة/17] .
ــــــــــــــــــــ
1. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص113 .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال :" بعثنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في بعث ، فقال : إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار ، ثم قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حين أردنا الخروج : إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا ، وإن النار لا يعذب بها إلا اللَّه فإن وجدتموهما فاقتلوهما " (1) .
ب- ونار الآخرة أعاذنا الله منها وهى المذكورة ، فى قول الله تعالى : { النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا } [الحج/72] وقوله : { فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ للْكَافِرِينَ } [البقرة/24] ، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أريت النار ، فإذا أكثر أهلها النساء " (2) .
2- النار على الوجه المعنوى ، كنار الحرب المذكورة فى قوله : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا للْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ } [المائدة/64] (3) .
صدق الله العظيم النار فى الاصطلاح الصوفى :
النار تطلق فى عبارة القوم على عدة معان فمنها :
(1- النار : تطلق على اللَّه ويريدون بها ظهور الحق تعالى محتجبا بالصورة النارية ، فلما كان هو الظاهر فى كل مفهوم ، الباطن على كل فهم ، صار يلتبس على الناظر عندما يراه فى كل شئ ، بحيث ينحجب بمجاليه عن تجليه ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فىكتاب الجهاد والسير برقم (3016) 6/173.
2. أخرجه البخارى فىكتاب الإيمان برقم (29) 1/104.
3. المفردات ص508 .(14/69)
فينحجب عن رؤية وجوده عند ظهوره فى الموجودات ، التى كلها أشعة نوره الوجودى ، فكان الانحجاب بالنار هو المجوسية ورؤية الثنوية و، هى تشبيه النورية الحقية بالنار الخلقية ، قال ابن الفرض :
رأوا ضوء نورى مرة فتوهموا : نارا فضلوا فى الهدى بالأشعة (1) .
(2- النار : حال الإنسان البالغ فى أول أوان بلوغه ، عند كمال عقله فى قوتيه النظرية والعملية ، فيعبر عن هذه المعانى كلها ، بالإيناس المذكور فى قوله تعالى : { إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأَهْلهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى } [طه/10] ، فإن الإنسان إذا صار من أهل الإيناس المكنى عنه بكمال عقله ، صح له الدخول إلى حضرة ربه ، إذ لا ضار له ولا مانع ، إلا كونه من أهل النقص ، الذين لا يليق بهم الولوج فى حضرات القدس ، فإذا زال نقصه عندما صار من أهل الإيناس المكنى به عن كمال عقله ، حتى زال المانع الموجب للعبد ، تحقق بحقيقة القرب : { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى } [طه/11] (2) .
قال الكاشانى عن موسى عليه السلام فى الآية السابقة : ( إذ رأى نارا رأى روح القدس ، التى ينقدح منها النور فى النفوس الإنسانية رآها باكتحال
ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/354 وانظر تفسير القرآن الكريم منسوب لابن عربى 2/35.
2. السابق 2/353
عين بصيرته بنور الهداية ، فقال للقوى النفسانية اسكنوا ، ولا تتحركوا إذ السير إنما يصير إلى العالم القدسى ، ويتصل به عند هذه القوى البشرية من الحواس الظاهرة والباطنة الشاغلة لها إنى آنست نارا ) (1) .(14/70)
(3- مشاهدة الملك النازل بالوحى ، واتصاله برقيقه الإمداد من حضرة الجواد ، وعلى هذا المعنى يكون المفهوم من قوله تعالى : { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لنُورِهِ مَن ْ يَشَاءُ } [النور/35] فحال الإنسان البالغ فى كمال قابلية قلبه التقى النقى ، بحيث يكاد أن يكون فى قبوله لما يرد عليه من حرات القدس غير محتاج إلى واسطة ملك ولا سبب فهذا هو معنى النار الوارد فى آية النور (2) .
(4- النار نعيم أهلها ، ويذكر ابن عربى أن من يدخل النار ، ورودا عارضا ، فذلك لكونها طريقا إلى دار الجنان ، فإن تألموا فى أول دخولها فذلك إلى حد معلوم ، حتى إذا انتهى الحد فيهم ، أقاموا فيها بالألهية لا بالجزاء ، فعادت النار عليهم نعيما ، فلو عرضوا عند ذلك على الجنة لتألموا لذلك العرض ، لو أخرجوا منها فى المآل لتضرروا ، فلهم فيها نعيم مقيم لا يشعر به إلا العلماء باللَّه (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. تفسير ابن عربى 2/34 .
2. لطائف الإعلام 2/354 .
3. الفتوحات المكية 4/120 ، ص137.
(5- قال ابن عربى : ( النار وهى دار الغضب ، قال : فيضع الجبار فيها قدمه ، فتقول : قط قط أى قد امتلأت ، وليست تلك القدم إلا غضب اللَّه فإذا وضعه فيها امتلأت ، فإنها دار الغضب ، واتصف الحق بالرحمة الواسعة فوسعت رحمته جهنم بما ملأها به من غضبه ، فهى ملتذة بما اختزنته ، ورحم اللَّه من فيها أعنى فى النار فيجعل لهم نعيما فيها ) (1) .
وقال أيضا : ( لا تكون هذه الرحمة فى الدار الأخرة ، إلا لأهل الجنان ثم أثبت النعيم المباين لأهل الشقاء ، فالنعيم هو عين الرحمة عند سائر أهل اللَّه والنعيم منه نعيم خالص مختص بأهل الجنان ، ومنه نعيم ممتزج بالعذاب مختص بأهل جهنم :
يسمى عذابا من عذوبة طعمه : وذاك كالقشر والقشر صائن (2) .
**********************************
86 – النعلان(14/71)
**********************************
صدق الله العظيم النعلان : النعل ما وقيت به القدم من الأرض ، ونعل الدابة ما وقى به حافرها وخفها ، ويقال لحمار الوحش ناعل لصلابة حافره ، ويقال أيضا : نعل السيف للحديدة التى فى أسفل جفنه (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق 2/386 .
2. فصوص الحكم ص122 ، ص123 .
3. لسان العرب 11/667 ، وكتاب العين 2/143، المفردات ص499 .
وقد ورد ذكر النعلين فى القرآن ، فى موضع واحد ، فى قوله تعالى مخاطبا موسى عليه السلام : { إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى } [طه/12] ، ووردت فى السنة فى عدة مواضع منها ما روى عن عيسى بن طهمان قال : أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان ، قال أنس بن مالك - رضي الله عنه - : إنهما نعلا النبي - صلى الله عليه وسلم - " (1) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال عند صلاة الفجر : " يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ، فإني سمعت دفَّ نعليك بين يدي في الجنة ؟ " (2) .
ومن حديثه أيضا - رضي الله عنه - قال : " أعطاني رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نعليه ، وقال : اذهب بنعلي هاتين ، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا اللَّه مستيقنا بها قلبه ، فبشره بالجنة ، فكان أول من لقيت عمر ، فقال : ما هاتان النعلان يا أبا هريرة ؟ فقلت : هاتان نعلا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - " (3) .
صدق الله العظيم النعلان فى الاصطلاح الصوفى :
والنعلان فى العرف الصوفى لهما من الاصطلاحات الباطنة المعانى المتنوعة : ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب فرض الخمس برقم (3107 ) 6/244ومعنى جرداوين أى لا شعر عليها ، والقبال رباط النعل الذى يكون بين الإصبعين .
2. أخرجه البخارى فى الجمعة (1149) 3/41 ، ومعنى دف نعليك يعني تحريك .(14/72)
3. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (31) 1/59 .
1- المراد بخلع النعلين ، تفريغ القلب من حديث الدارين ، والتجرد للحق بنعت الإفراد (1) .
2- المراد بقوله : { فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } تبرأ عن نوعى أفعالك وامح عن الشهود جنسى أحوالك ، من قرب وبعد ، ووصل وفصل ، وارتياح واجتياح وفناء وبقاء ، وكن بوصفنا ، فإنما أنت بحقنا ، تجرد عن جماتك واصطلم عن شواهدك (2) .
3- النعلان هما الوصفان المتضادان ، كالرحمة والنعمة ، والغضب والرضا وأمثال ذلك وهما يرتبطان بالقدمين ، فيذكر الجيلى أن القدمين عبارة عن حكمين ذاتيين متضادين ، وهما من جملة الذات ، بل هما عين الذات وأما النعلان فالوصفان المتضادان ، كالرحمة والنعمة ، والغضب والرضا وأمثال ذلك ، والفرق بين القدمين والنعلين ، أن القدمين عبارة عن المتضادات المخصوصة بالذات ، والنعلان عبارة عن المتضادات المتعدية إلى المخلوقات ، يعنى أنها تطلب الأثر فى المخلوقات ، فهى نعلان تحت القدمين ، لأن الصفات العقلية تحت الصفات الذاتية (3) .
4- والنعلان يذكر الكاشانى فى تفسيرهما : أن اللَّه لما خاطب موسى إنى أنا ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإشارات 2/448 .
2. السابق 2/448 .
3. الإنسان الكامل 2/4 .
ربك محتجبا بالصورة النارية ، التى هى أحد أستار جلالى متجليا فيها أمره بقوله : { فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } أى نفسك وبدنك أو الكونين ، لأنه إذا تجرد عنهما ، فقد تجرد عن الكونين ، أى كما تجردت بروحك وسرك عن صفاتهما ، وهيأتها حتى اتصلت بروح القدس ، تجرد بقلبك وصدرك عنهما بقطع العلاقة الكلية ، ومحو الآثار والفناء عن الصفات والأفعال ، وإنما سماها نعلين ، ولم يسمهما ثوبين ، لأنه لو لم يتجرد عن الملابس ، لم يتصل بعالم القدس ، والحال حال الاتصال ، وإنما أمره بالانقطاع إليه بالكلية ، كما قال : { وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا } [المزمل/8] (1) .(14/73)
**********************************
87 - النفس
**********************************
صدق الله العظيم النَّفَس : النفَس يطلق على عدة معان (2) :
الريح الداخل والخارج فى البدن من الفم والمنبخر ، وهو كالغذاء للنفس وبانقطاعه بطلانها ، ومن ذلك قول عائشة رضي اللَّه عنها : " وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. تفسير القرآن لابن عربى 2/35 .
2. لسان العرب 6/233 ، والمفردات ص501 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب برقم (3894) 7/264.
عن جابر - رضي الله عنه - ، قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ، ولا يتفلون ولا يبولون ، ولا يتغوطون ولا يمتخطون ، يلهمون التسبيح والتحميد ، كما تلهمون النفس ) (1) .
والنفس يقال للفرج : ومنه ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ألا إن الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ، وأجد نفس ربكم من قبل اليمن " (2) ، وعنه أيضا - رضي الله عنه - قال - صلى الله عليه وسلم - : "من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة " (3) .
والنفس يقال للإشراق والظهور ، ومنه قول الله تعالى : { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } [التكوير/18] ، والنفس أيضا يقال : لحر الصيف وبرد الشتاء ، ومنه ما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " قالت النار : رب أكل بعضي بعضا ، فأذن لي أتنفس ، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، فما وجدتم من برد أو زمهرير ، فمن نفس جهنم ، وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم " (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى كتاب الجنة برقم (2835) 4/2180.
2. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان حديث رقم (52) ، وأ خرجه أحمد فى المسند برقم (10595) واللفظ له .(14/74)
3. أخرجه مسلم فى كتاب الذكر والدعاء والتوبة برقم (2699) 4/2074 ، وابن ماجة فى المقدمة برقم (221) واللفظ له .
4. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الخلق برقم (3260) 6/380 ، ومسلم فى كتاب المساجد برقم (617) 1/431 .
صدق الله العظيم النفس فى الاصطلاح الصوفى :
النفس عند الصوفية يقال على عدة معان باطنية :
1- النفس روح يبعثه اللَّه على نار القلب ليطفئ شررها (1) .
2- النفس ترويح القلوب بلطائف الغيوب ، وصاحب الأنفاس أرق وأصفى من صاحب الأحوال ، فكان صاحب الوقت مبتدئا ، وصاحب الأنفاس منتهيا وصاحب الأحوال بينهما ، فالأحوال وسائط ، والأنفاس نهاية الترقى فالأوقات لأصحاب القلوب ، والأحوال لأرباب الأرواح والأنفاس لأهل السرائر ، وأفضل العبادات عد الأنفاس مع اللَّه سبحانه (2) .
3- النفس الرحمانى : هو حضرة المعانى ، وهو التعين الثانى لظهور المخلوقات عن نفس اللَّه ، تشبيها لظهور الحروف والأصوات عن نفس العبد قال عبد الرزاق الكاشانى : ( النفس الرحمانى ، هو حضرة المعانى وهو التعين الثانى ، سمى بذلك من جهة أن النفس نفس العبد ، أمر وجدانى كامن فى باطن المتنفس منبعث منه إلى ظاهره ، حاملا لصور المعانى الحاصلة عن اختلاف مخارج الحروف ، وهى المنافذ والمقاربات ، من الصدر والحلق والحنجرة واللسان والشفة والأسنان وغير ذلك ، بحيث يصير النفس الواحد لأجل ذلك متعينا بحروف وكلمات ، متميزة ومختلفة فى صورها ، فكذا ــــــــــــــــــــ
1. لطائف الإعلام 2/358 .
2. الرسالة القشيرية 1/262 ، وعوارف المعارف للسهروردى ص530
التعين الثانى ، هو أول ما يتميز وينبعث من الباطن ، الذى هو التعين الأول فسمى بالنفس الرحمانى لأجل ذلك ، فإن تعدد الوجود الواحد واختلاف صوره ، إنما يحصل عن اختلاف القوابل التى هى الأعيان الثابية وأحكامها وأحوالها المختلفة ) (1) .
**********************************
88 - النقباء(14/75)
**********************************
صدق الله العظيم النقباء : التنقيب البحث عن الشئ ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبى سعيد الخدري رضى الله عنه : " إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم " (2) .
والنقيب المعنى بالأمر أو الباحث عن القوم وعن أحوالهم ، وجمعه نقباء كقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا } [المائدة/12] ، وقال عبادة بن الصامت رضي اللَّه عنه : " إني من النقباء الذين بايعوا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : بايعناه على أن لا نشرك باللَّه شيئا ولا نسرق ولا نزني ، ولا نقتل النفس التي حرم اللَّه ، ولا ننتهب ولا نعصي بالجنة إن فعلنا ذلك " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق 2/358 ، 359 ومعجم الكاشانى ص114 وفصوص الحكم 1/219 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب المغازى برقم (4351) 7/665.
3. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب (3893) 7/260 ، وانظر المفردات ص305 .
وقد ورد لفظ النقباء فى بعض كتب السنة على المعنى الاصطلاحى بمعنى النجباء الخلفاء ، ولكن بروايات ضعيفة لا يعول عليها ، كما روى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن كل نبي أعطي سبعة نجباء أو نقباء وأعطيت أنا أربعة عشر ، قلنا من هم ؟ ، قال : أنا وابناي وجعفر وحمزة وأبو بكر وعمر ومصعب بن عمير وبلال وسلمان والمقداد وحذيفة وعمار وعبد اللَّه بن مسعود " (1) .
وفى رواية أخرى عن على - رضي الله عنه - ، قال : " سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول : ليس من نبي كان قبلي إلا قد أعطي سبعة نقباء وزراء نجباء ، وإني أعطيت أربعة عشر وزيرا نقيبا نجيبا ، سبعة من قريش وسبعة من المهاجرين " (2) .(14/76)
وقال مسروق - رضي الله عنه - : " كنا جلوسا عند عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - ، وهو يقرئنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كم تملك هذه الأمة من خليفة ؟ ، فقال عبد اللَّه - رضي الله عنه - : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، ولقد سألنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال : اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه الترمذى فى كتاب المناقب برقم (3785) 5/662 ، وقال : الترمذى حسن غريب ، وقد روي هذا الحديث عن علي موقوفا .
2. حسن غريب ، أخرجه أحمد فى المسند برقم (667) واللفظ له ، والترمذى فى كتاب المناقب برقم (3785) 5/662.
3. أخرجه أحمد فى المسند برقم (3772) فيه مجالد ين سعيد بن عمير وهو ضعيف .
صدق الله العظيم النقباء فى الاصطلاح الصوفى :
والصوفية فى اصطلاح النقباء يختلفون من حيث المعنى والعدد على أقوال :
1- النقباء الإثنا عشر : هم الحواس الخمس الظاهرة ، والخمس الباطنه والقوة العاقلة النظرية والعاقلة العلمية (1) .
2- النقباء إثنا عشر فى كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون وهم من رجال العدد على عدد بروج الفلك ، والنقيب هو الذى استخرج كنز المعرفة باللَّه من نفسه لما سمع قول اللَّه عز وجل : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَق ُّ } [فصلت/53] (2) .
3- النقباء هم الذين استخرجوا خبايا النفوس ، وهم ثلثمائة أشرقوا على بواطن الضمائر ، فاستخرجوا خفاياها لانكشاف الستائر لهم عن وجوه السرائر (3) .
4- النقباء الذين تحققوا بالاسم الباطن ، فأشرفوا على بواطن الناس فاستخرجوا خفايا الضمائر وهم ثلاثة أقسام :
أ- نفوس علوية وهى الحقائق الأمرية .
ــــــــــــــــــــ
1. تفسير ابن عربى 1/315 .
2. الفتوحات المكية 4/416 .(14/77)
3. انظر لطائف الإعلام 2/361 ، ومعجم اصطلاحات الصوفية الكاشانى ص77 واصطلاحات الصوفية لابن عربى ص4 .
ب- ونفوس سفلية وهى الخلقية .
ح- نفوس وسطية وهى الحقائق الإنسانية .
وللحق تعالى فى كل نفس منها أمانة منطوية ، على أسرار إلهية وكونية وهم ثلثمائة (1) .
**********************************
89 - النكاح
**********************************
صدق الله العظيم النكاح : قال الراغب : أصل النكاح للعقد ثم استعير للجماع ، ومحال أن يكون فى الأصل للجماع ثم استعير للعقد لأن اسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه ، ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه قال الله تعالى : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } [النساء/6] وقوله تعالى : { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلهِنَّ } [النساء/25] إلى غير ذلك من الآيات (2) .
وفى السنة ما روى أن زينب بنت جحش رضي اللَّه عنها : " كانت تفخر على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقول : إن اللَّه أنكحني في السماء " (3) وعن المسور بن ــــــــــــــــــــ
1. التعريفات للجرجانى ص266 .
2. المفردات ص505 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب التوحيد برقم (7421) 13/415 .
مخرمة - رضي الله عنه - قال : " إن عليا - رضي الله عنه - خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل " (1) .
ولما دخل عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنه - ، على عائشة قبل موتها ، وهي مغلوبة قال : " فأنت بخير إن شاء اللَّه ، زوجة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، ولم ينكح بكرا غيرك ، ونزل عذرك من السماء " (2) .
صدق الله العظيم النكاح فى الاصطلاح الصوفى :(14/78)
والنكاح عند الصوفية يقصدون به التزاوج بين الذات اللإلهية فى خفائها بالمخلوقات العينية فى ظهورها ، عن طريق التوجه الحبى ، فالذات فى الأزل كانت كنزا مخيفا بالغيبة وانعدام الظهور ، فأرادت أن تعرف بالميل الأصلى والحب ذاتى للظهور ، هذا الحب هو الوصلة بين الخفاء والظهور ، يسرى ذلك إلى كل متعين ظاهر فى جميع مراتب التعينات ، فتلك الوصلة هى أصل النكاح السارى فى جميع الزرارى عند الصوفية (3) .
ويذكر ابن عربى أن المخلوقات زوج ، لأنها شفعت وجود الحق بعد أحديته فى الأزلية ، كما أن هناك المرأة ، شفعت بوجودها الرجل ، فصيرته ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب المناقب برقم (3729) 7/106.
2. أخرجه البخارى فى كتاب تفسير القرآن برقم (4754) 7/341.
3. معجم الكاشانى ص116، 117 .
زوجا فظهرت الثلاثة ، حق ورجل وامرأة ، فحن الرجل إلى ربه الذى هو أصل حنين المرأة إليه ، فحبب إليه ربه النساء ، كما أحب اللَّه من هو على صورته ، فإذا شاهد الرجل الحق فى المرأة ، كان شهودا فى منفعل ، وإذا شاهده فى نفسه من حيث ظهور المرأة عنه ، شاهده فى فاعل ، وإذا شاهده فى نفسه من غير استحضار صورة ما كان شهودا فى منفعل عن الحق بلا واسطة ، فشهوده للحق فى المرأة ، أتم واكمل لأنه يشاهد الحق ، من حيث هو فاعل منفعل ، فلهذا أحب - صلى الله عليه وسلم - النساء ، لكمال شهود الحق فيهن ، إذ لا يشاهد الحق مجردا عن المواد أبدا ، ولما لم تكن الشهادة إلا فى مادة ، فشهود الحق فى النساء أعظم الشهود وأكمله ، وأعظم الوصلة الجماع الحلال وهو نظير التوجه الإلهى على من خلقه على صورته ليخلفه فيرى فيه نفسه (1) .
قال ابن عربى فى معنى النكاح : { يُولجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْل } [فاطر/13] فجعله اللَّه نكاحا معنويا ، لما كانت الأشياء تتولد فيهما معا ، وأكد هذا المعنى بقولة :(14/79)
{ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } [الأعراف/54] من قوله : { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا } [الأعراف/189] فأراد النكاح فكان (2) .
ــــــــــــــــــــ
1. انظر فصوص الحكم ص 332 ،333 ، و الفتوحات المكية 2/656 ، وكتاب أيام الشأن ص7 .
2. السابق 1/116 .
**********************************
90 - النور
**********************************
صدق الله العظيم النور : الضوء المنتشر الذى يعين على الإبصار ، وذلك ضربان دنيوى وأخروى (1) :
1- فالدنيوى ضربان :
أ- ضرب معقول بعين البصيرة وهو ما انتشر فى الأمور الإلهية كنور العقل ونور القرآن وحجاب الحق ، فمن نور العقل قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [الأنعام/122] ومن نور القرآن : { قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } [المائدة/15] .
ومن النور الذى هو حجاب الحق ، ما روى عن أبي موسى الأشعرى - رضي الله عنه - قال : " قام فينا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بخمس كلمات ، وذكر منها .. حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " (2) .
ب- ومحسوس بعين البصر ، وهو ما انتشر من الأجسام النيرة كالقمر بين النجوم والنيران فى الظلمة نحو قوله : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا } [يونس/5] ، وتخصيص الشمس بالضوء ، والقمر بالنور من حيث إن ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص508 ، ولسان العرب 5/240 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب الإيمان برقم (179) 1/161.
الضوء أخص من النور قال : { وَقَمَرًا مُنِيرًا } [الفرقان/61] أى ذا نور .(14/80)
2- ومن النور الأخروى قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ للَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا } [الحديد/13] ، وسمى اللَّه تعالى نفسه نورا من حيث إنه هو المنور ، قال تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } [النور/35] وتسميته تعالى بذلك لمبالغة فعله .
صدق الله العظيم النور فى الاصطلاح الصوفى :
والنور فى اصطلاح الصوفية يطلق على عدة معانى :
1- النور كل وارد إلهى يطرد الكون عن القلب (1) .
2- النور نور الوجود ، يقول ابن عربى : ولله نور منبسط على جميع الموجودات يسمى نور الوجود واللَّه تعالى أخرجنا من ظلمة العدم إلى نور الوجود ، فكنا نورا بإذن ربنا إلى صراط العزيز الحميد ، فنقلنا من النور إلى ظلمة الحيرة (2) .
3- النور نور الشهود يقول محى الدين بن عربى : من عرف نفسه عرف ربه ، فيعلم أنه الحق ، فيخرج العارف المؤمن الحق بولايته ، التى أعطاه اللَّه ــــــــــــــــــــ
1. انظر اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص14 معجم الكاشانى ص176 ، ورشح الزلال ص141 .
2. الفتوحات 3/412 .
من ظلمة الغيب إلى نور الشهود فيشهد ما كان غيبا له ، فيعطيه كونه مشهودا (1) .
4- النور روح والجسد ظلمة ، قال تعالى : { مَثَلُ نُورِهِ } أى صفة وجوده وظهوره فى العالمين بظهورها به كمثل : { كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } وهى إشارة إلى الجسد ، لظلمته فى نفسه ، وتنوره بنور الروح (2) .
5- النور هو الوجود المطلق ، قال تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } [النور/35] لما وجد الوجود بوجوده وظهر بظهوره ، كان نور السماوات والأرض ، أى مظهر سماوات الأرواح وأرض الأجساد ، وهو الوجود المطلق الذى وجد به ما وجد من الموجودات والإضاءة (3) .(14/81)
6- النور الإلهى : هو المعبر عنه باللوح المحفوظ ، وهو نور ذات اللَّه تعالى ونور ذاته عين ذاته ، لاستحالة التبعيض والانقسام عليه ، فهو حق مطلق وهو المعبر عنه بالنفس الكلية (4) .
7- النور الأحدى : نور محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو التجلى الأول ، وهو عبارة عن ــــــــــــــــــــ
1. السابق 4/147 .
2. تفسير ابن عربى 2/140 وانظر السابق 2/53 .
3. تفسير ابن عربى 2/140 .
4. الإنسان الكامل للجيلى 2/7 .
ظهور الذات لذاتها فى عين وحدتها فلكونه أول التعينات قال - صلى الله عليه وسلم - : " أول ما خلق اللَّه نورى " (1) ، وهو أصل جميع الأسماء الإلهية (2) .
8- النور الأخضر : يطلق على الصديقية ، فالصادق يتحول إلى صديق والصديق يبقى فى مقام الصديقية ، والصديقية نور أخضر بين نورين يحصل بذلك النور شهود عين ما جاء به المخبر ، من خلف حجاب الغيب بنور الكرم (3) .
**********************************
91 - النون
**********************************
صدق الله العظيم النون : يراد به أمران :
1- النون : حرف من حروف العربية ، ورد فى قوله تعالى : { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } [القلم/1] وقد اختلف المفسرون فى الحروف المقطعة التى فى أوائل السور ، فمنهم من قال : هى مما استأثر فى علمه ، ومنهم من قال : فواتح السور من أسماء اللَّه تعالى ، وقال آخرون : بل إنما ذكرت هذه الحروف فى أوائل السور التى ذكرت فيها ، بيانا لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون ــــــــــــــــــــ
1. حديث ضعيف تقدم تخريجه ص1119 .
2. لطائف الإعلام 2/366 .
3. الفتوحات المكية 2/92 .
عن معارضته بمثله ، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التى يتخاطبون بها وهو ما رجحه ابن كثير (1) .(14/82)
2- النون : الحوت لما روى عن ثوبان - رضي الله عنه - ، مولى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " أن حبار من أحبار اليهود ، سأل النبى - صلى الله عليه وسلم - فى مسائل ذكر منها : قال اليهودي فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ ، قال - صلى الله عليه وسلم - : زيادة كبد النون " (2) ، وفى راية أخرى عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال الحبر : " ألا أخبرك بإدامهم؟ إدامهم بالامٌ ونون ، قالوا : وما هذا ؟ ، قال : ثور ونون يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفا " (3) .
وعن مكحول - رضي الله عنه - ، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ، ثم تلا هذه الآية : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر/28] إن اللَّه وملائكته وأهل سماواته وأرضيه والنون في البحر يصلون على الذين يعلمون الناس الخير ) (4) .
صدق الله العظيم النون فى الاصطلاح الصوفى :
والنون فى عرف الصوفية ، اصطلاح يعنى علم الإجمال فى مقابل القلم
ــــــــــــــــــــ
1. تفسير ابن كثير 1/ 37 ، 38 .
2. أخرجه مسلم فى كتاب الحيض برقم (315) 1/252.
3. أخرجه مسلم فى كتاب صفة الجنة برقم (2792) 4/2151 .
4. أخرجه الدارمى فى المقدمة برقم (289) ، والترمذى بلفظ الحوت بدلا من النون فى كتاب العلم برقم (1685) .
الذى هو علم التفصيل (1) .
يقول الكاشانى : ( ن فى قوله تعالى : { ن وَالْقَلَمِ } هو العلم الإجمالى فى الحضرة الأحدية ، والقلم حضرة التفصيل ، فالنون هى الدواة التى فيها مداد العلم ، فإن الحروف التى هى صورة العلم موجودة فى مدادها إجمالا ) (2) .(14/83)
وفى تفسير قول الله تعالى : { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُون َ } [القلم/1] ، قال الكاشانى : ( ن هو النفس الكلية والقلم هو العقل الكلى ، والأول من باب الكناية بالاكتفاء من الكلمة بأول حروفها ، والثانى من باب التشبيه إذ تنتقش فى النفس صور الموجودات بتأثير العقل ، كما تنتقش الصور فى اللوح بالقلم ، وما يسطرون من صور الأشياء وماهيتها وأحوالها المقدرة على ما يقع عليها ) (3) .
ويقول عبد الكريم الجيلى : ( النون عبارة عن انتعاش صور المخلوقات بأحوالها وأوصافها ، كما هى عليه جملة واحدة ، وذلك الانتعاش هو عبارة عن كلمة اللَّه تعالى لها كن ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. اصطلاحات ابن عربى ص14 .
2. لطائف الإعلام 2/365 ، ومعجم الكاشانى ص 118 ، والتعريفات ص267 .
3. تفسير القرآن لابن عربى 2/683 .
4. الإنسان الكامل 1/24 .
**********************************
92 - الواقعة
**********************************
صدق الله العظيم الواقعة : الواقعة لا تقال إلا فى الشدة والمكروه وأكثر ما جاء فى القرآن من لفظ وقع جاء فى العذاب والشدائد والواقعة اسم من أسماء القيامة (1) .
قال تعالى : { إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } [الواقعة/2:1] ، وقال سبحانه : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتْ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ } [الحاقة/15:13] .
وربما عبر عن الوقوع بالجماع لما روى عن أبى هريرة - رضي الله عنه - ، قال : " بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل فقال : يا رسول اللَّه هلكت وقعت على امرأتي وأنا صائم " (2) .
ويعبر عن الوقوع أيضا بتقسيم المكان ، كما روى عن جابر بن عبد - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال فى الشفعة : " إذا وقعت الحدود ، وصرفت الطرق فلا شفعة " (3) .(14/84)
ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 8/402 ، والمفردات ص531 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الصوم برقم (1936) 4/193 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب البيوع برقم (2213) 4/476 .
صدق الله العظيم الواقعة فى الاصطلاح الصوفى :
والواقعة فى العرف الصوفى : تعنى ما يرد على القلب من ذلك العلم بأى طريق كان من خطاب أو مثال ، قال الكاشانى : ( الواقعة ما يرد على القلب من عالم الغيب بأى طريق كان ) (1) ، ويذكر التهانوى أن الواقعة فى العرف الصوفى ، تطلق على ما يراه السالك من الوقع أثناء الذكر واستغراق حاله مع اللَّه بحيث يغيب عنه المحسوسات ، وهو بين النوم واليقظة (2) .
**********************************
93 - الوطر
**********************************
صدق الله العظيم الوطر : الوطر النهمة والحاجة والمهمة ، قال الخليل بن أحمد : ( الوطر كل حاجة يكون لك فيها همة فإذا بلغها البالغ قيل قضى وطره وأربه ولا يبنى منه فعل ) (3) ، قال اللَّه عز وجل : { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا ــــــــــــــــــــ
1. اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص12 ، ومعجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص 73 لطائف الإعلام 2/380 .
2. كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى 1488 .
3. كتاب العين 7/446 .
مِنْهُنَّ وَطَرًا } [الأحزاب/37] ، يقصد بذلك الطلاق (1) وقال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما : " الطلاق عن وطر والعتاق ما أريد به وجه اللَّه " (2) .
صدق الله العظيم الوطر فى الاصطلاح الصوفى :
والوطر فى الاصطلاح الصوفى ، منية محمودة خارجة عن نعت البشرية وحظوظ النفسانية ، ويقال : فلان هو المتمكن فى وطنه ، والمعلى فى وطره كما أنشدوا : ترحلت يا ليلى ولم أقضى أوطارى
وما زلت محزونا أحن إلى دارى (3) .
وقال ذو النون المصرى :(14/85)
أموت وما ماتت إليك صبابتى : ولا قُضيت عن ورد حبك أوطارى
مناى المنى كل المنى أنت لى منى : وأنت الغنا كل الغنا عند افتقارى (4)
وقيل لحكيم : أى المواطن أحب للسكون والتوطن فيه ؟ ، فقال : أحب المواطن إلى صاحبه موطن ، إذا دعا فيه أوطاره أجابته (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. المفردات ص526
2. البخارى فى كتاب الطلاق ، باب الطلاق في الإغلاق 9/300 .
3. اللمع ص445 .
4. السابق ص445 .
5. السابق ص445 .
**********************************
94 - الوطن
**********************************
صدق الله العظيم الوطن : الوطن يتنوع مدلوله اللغوى على ما يأتى :
1- الوطن بلد المرء ومحل إقامته ، وقال الزهرى : " إنما صلى عثمان بمنى أربعا لأنه اتخذها وطنا ، وأجمع على الإقامة بعد الحج " (1) .
ومن حديث قيلة بنت مخرمة قالت : " فلما رأيته قد أمر لحريث بن حسان بالدهناء شخص بي وهي وطني وداري ، فقلت : يا رسول اللَّه إنه لم يسألك السوية من الأرض .. " (2) .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " حتى إن الحجر والشجر ليقول يا مسلم إن تحتي كافرا فتعال فاقتله قال فيهلكهم اللَّه ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم قال فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (1084) أبو داود فى كتاب المناسك برقم (1960) واللفظ له .
2. أخرجه أبو داود فى كتاب الخراج برقم (3070) وقال الشيخ الألبانى : ضعيف الإسناد 3/177 .
3. صحيح الإسناد ، أخرجه ابن ماجة فى الفتن برقم (4081) 2/1365، وأحمد فى المسند برقم (3546) واللفظ له .
2- توطين النفس على الشئ تعودها عليه ، لما روى عن حذيفة أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تكونوا إمعة ، تقولون : إن أحسن الناس أحسنا ، وإن ظلموا ظلمنا ، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن أساءوا فلا تظلموا " (1) .(14/86)
يقال : وطن نفسه على كذا أى عزم علية ونوى فعله ، لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال فى شأن يأجوج ومأجوج : " فينزل منهم رجل قد وطن نفسه على أن يقتلوه ، فيجدهم موتى فيناديهم : ألا أبشروا فقد هلك عدوكم " (2) .
وقال جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - فى شأن والده الذى توفي وترك عليه عشرين وسقا تمرا دينا : " وقد وطنت نفسي ، أن أشتري لهم من العجوة ، أوفيهم العجوة الذي على أبي ، فأوفيتهم والذي نفسي بيده عشرين وسقا " (3) .
والموطن المشهد من مشاهد الحرب ، كقوله تعالى : { لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } [التوبة/25] (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه الترمذى فى كتاب البر والصلة برقم (2007) وقال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال الألبانى : ضعيف 4/364.
2. أخرجه ابن ماجة فى كتاب الفتن برقم (4079) وقال الشيخ الألبانى : حسن صحيح 2/1363.
3. أخرجه البخارى فى كتاب البيوع برقم (2127) ، وأخرجه أحمد فى المسند برقم (14587) واللفظ له . 4. فتح القدير 2/347 .
صدق الله العظيم الوطن فى الاصطلاح الصوفى :
والوطن فى عرف الصوفية هو وطن العبد ، حيث انتهى به الحال واستقر به القرار ، ويقال : توطن فى حال كذا ومقام كذا ، وقال الجنيد بن محمد : ( إن لله عبادا على وطنات مطى حملانه يركبون ، والسرعة والبدار إليه يستبقون (1) ، وقال أبو الحسين النورى :
أما ترى هيمنى شردنى عن وطنى
إذا تغيبت بدا وإن بدا غيبنى
يقول لا تشهد ما تشهد أو تشهدنى (2) .
وقال أبو سليمان الدارانى : الإيمان أفضل من اليقين ، لأن الإيمان وطنات واليقين خطرات (3) ، ويقول الهجويرى : ( الوطنات ما يتوطن فى السر من المعانى الإلهية ) (4) .(14/87)
ــــــــــــــــــــ
1. اللمع ص446 .
2. السابق ص446 .
3. السابق ص446 .
4. كشف المحجوب ص628 .
**********************************
95 - الوقفة
**********************************
صدق الله العظيم الوقفة : يقال وقفت الدار إذا سبلتها ، وعن عبد الله بن عمر رضي اللَّه عنهما : " أن عمر اشترط في وقفه ، أن يأكل من وليه ، ويؤكل صديقه غير متمول مالا " (1) .
والوقيفة الوحشية التى يلجئها الصياد إلى أن تقف حتى تصاد (2) ، وقال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ } [سبأ/31] وقال سبحانه : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ } [الصافات/24] .
والوقفة تطلق على وقوف الحجيج يوم عرفات ، فعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال : " بينا رجل واقف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة ، إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال : فأقعصته ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه ، فإن اللَّه يبعثه يوم القيامة يلبي " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الوصايا برقم (2778) 5/477 .
2. المفردات ص530 ، ولسان العرب 9/359 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب الحج برقم (1849) 4/76 ومسلم فىكتاب الحج برقم (1206) 2/865
صدق الله العظيم الوقفة فى الاصطلاح الصوفى :
والوقفة عند الصوفية هى الحبس بين المقامين ، وذلك لعدم استيفاء حقوق المقام الذى خرج عنه ، وعدم استحقاق دخوله فى المقام الأعلى فكأنه فى التجارب بينهما (1) .(14/88)
يقول محى الدين بن عربى : ( فإن الإنسان السالك ، إذا انتقل من مقام قد أحكمه وحصله تخلقا وذوقا وخلقا إلى مقام آخر يريد تحصيله أيضا ، يوقف بين المقامين وقفة ، يخرج حكم تلك الوقفة عن حكم المقامين ، يعرف فى تلك الوقفة بين المقامين آداب المقام الذى ينتقل إليه ، وما ينبغى أن يعامل به الحق ) (2) .
ويقول الكاشانى : ( الوقفة هى التوقف بين المقامين ، لقضاء ما بقى عليه من الأول ، والتهئ لما يرتقى إليه بآداب الثانى ) (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. رشح الزلال ص96 .
2. الفتوحات المكية حـ6 فقرة 65 .
3. معجم اصطلاحات الصوفية للكاشانى ص79 ، وانظر اصطلاحات الصوفية لابن عربى ص 40 ، والتعريفات ص274 .
**********************************
96 - الياقوتة
**********************************
صدق الله العظيم الياقوتة : الياقوت أحد الأحجار الكريمة ، رد ذكرها فى القرآن والسنة على المعنى الظاهر ، قال تعالى : { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَان } [الرحمن/58] وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها ، وذلك بأن اللَّه يقول : { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } ، فأما الياقوت ، فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ، ثم استصفيته لأريته من ورائه " (1) .
وعن المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - قال : " قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - للشهيد عند اللَّه ست خصال ، وذكر منها : ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها " (2) .
صدق الله العظيم الياقوتة فى الاصطلاح الصوفى :
الياقوتة لها معنى باطن يختلف معنى حسب اللون المضاف إليها :
ــــــــــــــــــــ
1. الحديث ضعيف أخرجه الترمذى فى كتاب صفة الجنة برقم (2533) وقال الشيخ الألبانى : ضعيف 4/676 .(14/89)
2. أخرجه الترمذى فى كتاب فضائل الجهاد برقم (1663) وقال الشيخ الألبانى : صحيح 4/187.
1- الياقوتة البيضاء : حقيقة الحقائق ، وتفسيرها عندهم أن اللَّه تعالى قبل أن يخلق الخلق ، كانت الموجودات مستهلكة فيه ، ولم يكن له ظهور فى شئ من الوجود ، وتلك هى الكنزية المخفية ، وحقيقة الحقائق التى فى وجودها ليس لها اختصاص بنسبة من النسب ، لا إلى ما هو أعلى ولا إلى ما هو أدنى ، وهى الياقوتة البيضاء ، فلما أراد الحق سبحانه وتعالى إيجاد هذا العالم ، نظر إلى حقيقة الحقائق ، وإن شئت قل إلى الياقوتة البيضاء ، التى هى أصل الوجود ، فذابت وصارت ماء ، ثم نظر إليها بنظر العظمة ، فتموجت لذلك ، كما تموج الأرياح بالبحر فانفهقت كثائفها بعضها فى بعض ، كما ينفهق الزبد من البحر فخلق اللَّه من ذلك المنفهق سبع طباق الأرض ، ثم خلق سكان كل طبقة من جنس أرضها ، ثم صعدت لطائف ذلك الماء ، كما يصعد البخار من البحار ، ففتقها اللَّه تعالى سبع سموات ، وخلق ملائكة كل سماء من جنسها ، ثم صير اللَّه ذلك الماء سبعة أبحر محيطة بالعالم ، فهذا أصل الوجود جميعه ، ثم إن الحق تعالى ، كما كان فى القدم موجودا فى العماء التى عبر عنها بحقيقة الحقائق ، والكنز المخفى ، والياقوتة البيضاء كذلك هو الآن موجود فيما خلق من تلك الياقوتة ، بغير حلول ولا مزج ، فهو متجل فى جميعها ، لأنه سبحانه وتعالى على ما عليه كان وقد كان فى العماء ، وقد كان فى اليباقوتة البيضاء (1) .
ــــــــــــــــــــ
1. الإنسان الكامل 2/58 .(14/90)
2- الياقوتة الحمراء :هى النفس الكلية ، لامتزاج نوريتها بظلمة التعلق بالجسم ، فهى أجل الجواهر الترابية الأرضية (1) ، وقال محى الدين بن عربى : ( ومن خواص الأحجار ، حجر الياقوت الأحمر ، وآيته من كتاب اللَّه : { لَيْسَ كَمِثْلهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } [الشورى/11] وخاصيته إذا كان الإنسان مشاهدا له من جهة روح قدسى ، فإنه يعلم من العلوم المتعلقة بذات الحق ما لا يطلع عليه غيره ، فإن كان مشاهدا له من جهة نفسه الغضبية ، وصادف جبارا من الجبابرة ، فإنه يذل له ويخضع لما يجد له فى نفسه من التعظيم وإن كان توعده عفا عنه ) (2) .
3- الياقوت الأزرق : يقول ابن عربى : ( ومن خواص الأحجار حجر الياقوت الأزرق ، وآيته من كتاب اللَّه تعالى : { وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لحُكْمِهِ } [الرعد/41] ، وهو الذى يعطى الربانية للإنسان ، مخصوص بأصحاب الأحوال والخلق ) (3) .
4- الياقوت الأصفر : وهو مخصوص بأصحاب المقامات ، يقول ابن عربى : ( وحجر الياقوت الأصفر آيته من كتاب اللَّه تعالى : { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [الصافات/96] ، وخاصيته العبودية والذلة والافتقار وهو مقام مشترك من حصل له جهل حالة ) (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. معجم الكاشانى ص87 ، لطائف الإعلام 2/403 .
2. التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية ص188 .
3. السابق ص189 . 4. السابق ص189 .
**********************************
97 - اليتم
**********************************(14/91)
صدق الله العظيم اليتم : اليتم الانفراد ، و اليتيم الفرد ، و اليتم فقدان الأب ، قال ابن السكيت : اليتم في الناس من قبل الأب ، وفي البهائم من قبل الأم ، ولا يقال لمن فقد الأم من الناس يتيم ، ولكن منقطع ، وقال ابن بري : اليتيم الذي يموت أبوه ، والعجي الذي تموت أمه ، واللطيم الذي يموت أبواه ويقال : هو يتيم حتى يبلغ الحلم ، اليتم انقطاع الصبى عن أبيه قبل بلوغه وفى سائر الحيوانات من قبل أمه (1) ، قال الله تعالى : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى } [الضحى/ 6] ، وقال سبحانه : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } [الإنسان/8] وجمعه يتامى ، قال تعالى : { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } [النساء/2] وكل منفرد يتيم (2) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول اللَّه ، وما هن ؟ ، قال : الشرك باللَّه والسحر وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " (3) ، وقال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ــــــــــــــــــــ
1. لسان العرب 12/645 .
2. المفردات ص550 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب الوصايا برقم (2767) 5/462 .
عندما سأل عن اليتيم ، متى ينقطع عنه اسم اليتم ؟ : " لا ينقطع عنه اسم اليتم حتى يبلغ ويؤنس منه رشد " (1) .
صدق الله العظيم اليتم فى الاصطلاح الصوفى :
واليتم عند الصوفية ، هو وصف العبد الذى يجعل نفسه عبدا للمحبة ويوصف بمن له التجريد الظاهرى والتفريد الباطنى ، واليتم عندهم من مراتب المحبة (2) .(14/92)
وفى تفسير قوله تعالى : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى } [الضحى/ 6] قال عبد الرزاق الكاشانى : ألم يجدك محجوبا بصفات النفس ، عن نور أبيك الحقيقى الذى هو روح القدس منقطعا عنه ضائعا ، فآواك إلى جنابه ورباك فى حجر تربيته وتأديبه ، وكفلك أباك ليعلمك ويزكيك (3) .
أما قوله تعالى : { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا } [النساء/2] فمعناها : آتوا يتامى قواكم الروحانية ، المنقطعين عن تربية الروح القدسى ، معلوماتهم وكمالاتهم وربوهم بها ، ولا تتبدلوا الخبيث من المحسوسات ، والخياليات والوساوس ودواعى الوهم وسائر قوى النفس التى هى أموالها ، بالطيب منها ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه مسلم فى الجهاد والسير برقم (1812) 3/1444 .
2. التهانوى ص1544 .
3. تفسير القرآن لابن عربى 2/820 .
ولا تخلطوها بها ، فيشتبه الحق بالباطل ، وتستعملوها فى تحصيل لذاتكم الحسية ، وكمالاتكم النفسية ، فتنتفعوا بها فى مطالبكم الخسيسة الدنيوية إنه كان حوبا وحجبة وحرمانا كبيرا (1) .
**********************************
98 - اليدان
**********************************
صدق الله العظيم اليدان : صفة من أوصاف الذات ، إذا أضيفت إلى الإنسان ، فإنها تعنى الجارحة المعلومة فى المعنى والكيفية ، كقول الله تعالى : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } [النمل/12] .
وكما روى عن أبى موسى الأشعرى - رضي الله عنه - ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه (2) .(14/93)
وإذا أضيفت اليد إلى اللَّه فهى معلومة المعنى مجهولة الكيف ، كقوله تعالى : { قَالَ يَا إِبْليسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالينَ } [ص/75] ، وكقوله : { وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } [المائدة/64] .
ــــــــــــــــــــ
1. السابق 1/ 253، 254 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب الوضوء برقم (196) 1/361 .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال : " يد اللَّه ملأى ، لا يغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار ، وقال : أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض ، فإنه لم يغض ما في يده ، وقال : عرشه على الماء ، وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع " (1) ، وقد ترد اليد على وصف من أوصافها كالنعمة أو القوة أو القدرة (2) .
صدق الله العظيم اليدان فى الاصطلاح الصوفى :
واليدان فى الاصطلاح الصوفى : هما أسماء اللَّه المتقابلة فى الحضرة الأسمائية فالحق تعالى خلق الإنسان بيديه أى ظهر فيه كمالات أسمائه وصفاته المتقابلة جلال وجمال ولما كانت الحضرة الأسمائية تجمع حضرتى الوجوب والإمكان قال بعضهم : إن اليدين هما حضرتا الوجوب والإمكان (3) .
قال عبد الرزاق الكاشانى فى قوله تعالى : { قَالَ يَا إِبْليسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ص/75] ، أى خلقته بصفتى الجمال والجلال والقهر واللطف ، وجميع أسمائى المتقابلة ، المندرجة تحت صفتى القهر والمحبة لتحصل عند الجمعية الإلهية فى الحضرة الواحدية ، بخلاف حال الملأ الأعلى فإن من خلق منهم بصفة القهر لا يقدر على اللطف وبالعكس (4) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب التوحيد برقم (7411) 3/404 .
2. المفردات ص550 .(14/94)
3. لطائف الإعلام 2/403 ، ومعجم الكاشانى ص87 .
4. تفسير القرآن لابن عربى 2/366 .
ويقول ابن عربى : ( وصف نفسه تعالى بأنه جميل وذو جلال ، فأوجدنا على هيبة وأنس ، وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به ، فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهتا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته ، فما جمع اللَّه لآدم بين يديه إلا تشريفا ، ولهذا قال لإبليس : { مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [ص/75] وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين صورة العالم وصورة الحق وهما يد الحق ) (1) .
**********************************
99 - يوم الجمعة
**********************************
صدق الله العظيم يوم الجمعة : أحد أيام الأسبوع ، واليوم يعبر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها ، وقد يعبر به عن أى مدة كانت (2) .
فمن الأول : قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي للصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُون َ } [الجمعة/9] وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الغسل يوم الجمعة ، واجب على كل محتلم " (3) .
ــــــــــــــــــــ
1. فصوص الحكم 1/54،55 .
2. المفردات فى غريب القرآن ص553 .
3. أخرجه البخارى فى كتاب الأذان برقم (858) 2/401 .(14/95)
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوم العيد : " هذان يومان نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن صيامهما ، يوم فطركم من صيامكم واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم " (1) ومن الثانى : قوله تعالى : { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا } [طه/104] وقال ورقة بن نوفل لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : " هذا الناموس الذي نزل اللَّه على موسى .. وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا " (2) .
صدق الله العظيم يوم الجمعة فى الاصطلاح الصوفى :
والصوفية يطلقون يوم الجمعة على عدة معان :
1- يوم الجمعة : وقت اللقاء والوصول إلى عين الجمع ، إذ هو اليوم الذى ظهرت فيه جميع الصفات ، وسمى هذا الظهور عين الجمع لاجتماع الكل فيه ولهذا المعنى سميت الجمعة ج معة ، واتفق أهل الملل كلها من اليهود وغيرهم أن اللَّه فرغ من خلق السماوات والأرض فى يوم السابع (3) .
2- يوم الجمعة : وصول السالك إلى مقام المشاهدة المعبر عنها بلقاء الحق (4) .
3- يوم الجمعة : يعنى به وقت مطلق اللقاء ، أى وقت كان من أوقات الابتداء ، أو فيما بعد ذلك ، كما قال عمرو بن الفارض :
وكل الليالى ليلة القدر إن دنت : كما كل أيام اللقا يوم الجمعة (5) .
ــــــــــــــــــــ
1. أخرجه البخارى فى كتاب الصوم برقم (1990) 4/280 .
2. أخرجه البخارى فى كتاب بدء الوحى برقم (4) 1/47 .
3. معجم الكاشانى ص87 وتفسير ابن عربى 2/643.
4. لطائف الإعلام 2/407 .
5. السابق 2/40 .(14/96)
خاتمة البحث وأهم النتائج والتوصيات
إن البحث فى الأصول القرآنية للمصطلح الصوفى يجذب الدارسين إلى بذل الجهد فى إنصاف أهل الحق ، ودفع شبه المغرضين الذين حاولوا تشويه الصورة الحقيقية للحياة الروحية فى الإسلام ، وإلصاقها بمصدر أجنبيى ، أو تعكير صفوها بدس أفكار فلسفية غريبة ، أو بث معان وافدة سقيمة تحت ألفاظ القرآن والسنة ، التى تناولها الصوفية فى مقاماتهم وأحوالهم ومدارج السالكين إلى ربهم ، فالمعتدلون من أوائل الصوفية حجة على الآخرين بحسن اعتقادهم والتزامهم بالقواعد الأساسية التى تمثل اتفاقا وثيقا وأصولا راسخة فى اعتقاد المسلمين ، فعظموا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يجوزوا لأحد أن يخالفهما ، تحت أى دعوى أو فكر ، وإن حسنت النوايا .(15/1)
لقد تناولت هذه الرسالة البحث عن الأصول القرآنية للمصطلح الصوفى من جانبين أساسيين : أحدهما نظرى ، والآخر تطبيقى معجمى ففى الجانب النظرى ،جاء الحديث عن معرفة الضوابط اللازمة للاستدلال بالقرآن وكيفية فهمه على النحو الذى أراده الله عز وجل ، وتناول أيضا منزلة القرآن والسنة عند الصوفية ، وأن الأوائل منهم أجمعوا أن القرآن كلام الله تعالى على الحقيقة ، وأنه ليس بمخلوق ولا محدث وأنه متلو بألسنتنا مكتوب فى مصاحفنا محفوظ فى صدورنا غير حال فيها ، كما أن الله تعالى ، معلوم بقلوبنا مذكور بألسنتنا ، معبود فى مساجدنا غير حال فيها ، وأنهم أجمعوا أن جميع ما فرض الله تعالى على العباد فى كتابه وأوجبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض واجب ، وحتم لازم على العقلاء البالغين ، لا يجوز التخلف عنه ، ولا يسع التفريط فيه بوجه من الوجوه لأحد من الناس من صديق وولى وعارف ، وإن بلغ أعلى المراتب ، وأعلى الدرجات ، وأشرف المقامات وأرفع المنازل ، وأنه لا مقام للعبد تسقط معه آداب الشريعة من إباحة ما حظر الله ، أو تحليل ما حرم الله ، أو تحريم ما أحل الله ، أو سقوط فرض من غير عذر ولا علة والعذر والعلة ما أجمع عليه المسلمون ، وجاءت به أحكام الشريعة ، ومن كان أصفى سرا وأعلى رتبة وأشرف مقاما فإنه أشد اجتهادا ، وأخلص عملا وأكثر توفيقا .
كما تناول البحث النظرى أيضا ، ضوابط تفسير القرآن الكريم ، ومفهوم التأويل فى القرآن والسنة واصطلاح المتأخرين ، وبيان أنواع التأويلات الباطلة التى يحترز منها ، ثم طريقة الصوفية فى تفسيرهم للقرآن ، والأدلة من القرآن والسنة على جواز التفسير الإشارى ، مع آراء العلماء والمستشرقين فى التفسير الصوفى ، ثم الشروط التى يمكن بها قبول التفسير الصوفى ، وأمثلة على ذلك .(15/2)
وقد كان من أهم الموضوعات التى تناولها البحث التعرف على ينابيع المصطلح الصوفى ، ودراسة مقتضبة للمعاجم الصوفية ، فقد تم انتقاء المؤلفات الينبوعية للمصطلحات الصوفية بنوعيها ، أعنى المصطلحات الصوفية ذات الأصول القرآنية والنبوية ، وهى مصطلحات مكونة من ألفاظ قرآنية أو نبوية ، وموضوعة على معانيها أو معان أخرى تجيزها الأصول القرآنية والنبوية ، أو المصطلحات الصوفية ، ذات الألفاظ القرآنية والنبوية وهى مصطلحات صوفية مكونة من ألفاظ قرآنية أو نبوية ، منفصلة الدلالة عن معانيها الواردة فى الكتاب والسنة ، وموضوعة على معان أخرى استحدثها الصوفية ، وتداولوا الألفاظ عليها ، هذه المؤلفات الينبوعية التى شكلت أمهات الكتب الصوفية تم انتقاؤها من التراث الصوفى حتى القرن العاشر الهجرى ، لأن التأليفات التى حُققت بعد هذا التاريخ هى فى مجملها إعادة ، وتبسيط للدلالات القديمة لهذه المصطلحات ، أو شروح لها وملخصات .
وبعد الاطلاع على ما هو مشهور ومؤكد الأهمية فى مضمار التصوف فى تلك الحقبة التى تمثل فترة العزو والصفاء للتآليف فى التصوف الإسلامى أمكن حصر الاختيار بعد تكلف وعناية فى عشرة مؤلفات أمدتنا بجل ما للصوفية من ألفاظ ومعان خاصة ، هذا علاوة على تتبع أقوال الصوفية وإشارات أعلامهم فى متفرقات ما أثر عنهم فى التراث الصوفى ، والاستعانة أيضا بالمعاجم الصوفية الحديثة ، والمعاجم العلمية العامة التى تتناول ألفاظ الصوفية .(15/3)
كما تعرفنا على دراسة وجيزة للمعاجم الصوفية ، مثل اصطلاحات الصوفية لابن عربى ، ومعجم الكاشانى ، ومعجم الدكتور الحفنى ، والمعجم الصوفى للدكتورة سعاد حكيم ، ومعجم الدكتور الشرقاوى من حيث ترتيب المداخل وكثافتها ، وكيفية الاستعانة بالأصول القرآنية والنبوية ، ثم تناول البحث فى فصل مستقل على المنهج الذى نميز به بين ما يمكن أن يكون مصطلحا تعارف عليه الصوفية ، أو لفظا صوفيا يشابه سائر الألفاظ ، وقد التزمت فى حصر هذه النوعية من المصطلحات شرطا صارما ، تمثل فى اتفاق جمع من الصوفية لا يقل عن ثلاثة على ذكر مدخل المصطلح ، أو أحد تصاريفه اللغوية وذلك من باب الأخذ بالأحوط ، والتزام الدقة على قدر الإمكان والاطمئنان فى حصر المصطلح الصوفى ، فبلغ عدد المداخل العامة على هذا الشرط مائة وأربعة وعشرين مصطلحا لهم أصول قرآنية ، وبلغ مجموع المداخل الفرعية والعامة فى هذه الفصول ثلاثمائة وتسعة وثلاثين مصطلحا ، كما تطلب الأمر أيضا استقصاءا شاملا للقرآن والسنة ، وفق منهج محدد فى بحث الأصول القرآنية لكل مصطلح صوفى على حده .
وقد تناول البحث أيضا ،مراحل التصوف ، وأثرها على التغير الدلالى للمصطلح الصوفى ، وعلاقة ذلك بالأصول القرآنية ، فالتصوف عبر مراحله الفكرية المختلفة مر بعدة مراحل متميزة ومتدرجة ومؤثرة فى علاقة الأصول القرآنية ، بما أفرزته كل مرحلة من رموز وألفاظ ، واصطلاحات تتنوع فى معناها الدلالى .(15/4)
فالتصوف الأوَّلى البسيط الذى نجم عن حركة الزهد ، ومسلك التوكل على الله والذى يعنى نماء الحياة الروحية فى الإسلام ، اتخذ أصحابه من حياة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وما كانوا يأخذون به أنفسهم من زهد فى الدنيا وإعراض عن زخرفها وجاهها ، وإقبال على الله عز وجل بقلوبهم المصدر الأصيل لبدايته ، فكانت طبيعة الألفاظ الدائرة بين الصوفية فى هذه المرحلة أنها ألفاظ واصطلاحات قرآنية أو نبوية متماسكة مع معانيها الدلالية الواردة فى الكتاب والسنة لا تنفك عنها ، ودور الصوفية يكمن فى توضيح المعنى أو استنباط حقيقة روحانية دلت عليها الآيات القرآنية ، أو تقويم ما اعوج من السلوك لأدعياء التصوف حول فهمهم لمعنى قرآنى أو نبوى .
أما التصوف المبنى على إضافات الصوفية الاجتهادية فى رسم خطوات الطريق للمريدين وتدرجهم فى منازل السائرين ، وترتيب المقامات والأحوال عند المتحققين ، فلم تعد قضية الاكتفاء بالممارسة العملية ، كافية لإبراز الوجهة الحقيقية للعلاقة القائمة بين الصوفية وربهم .
ولكن تطور الأمر عندهم إلى ما هو أعلى ن مجرد الزهد فى الدنيا ، وترك المألوفات والمستحسنات ، فأصبح التصوف قريبا من الفكر المنظم إلى حد بعيد ، وإن اتسم بكثير من المخالفات الشرعية ، وأفرز الطريق الذى التزمه أوائل الصوفية وباشروه فى تجاربهم الشخصية ، نتاجا فكريا أطلقوا عليه مقامات السائرين وأحوال المتحققين ، وقد أفرزت هذه المرحلة معان واسعة الدلالة للمصطلح الصوفى ، ومضى بعض الصوفية إلى الاستقصاء والبحث عما ورد فى الأصول القرآنية والنبوية ،من شواهد تؤيد ذلك بحيث بدت غالبية القضايا الفكرية اللاحقة فى التأمل الذوقى النظرى ، نتائج ضرورية من إفراز هذا الميدان ، واتسعت دلالة المصطلح الصوفى وزادت مساحتها لتنتقل من دلالة قرآنية تتناول سائر الناس إلى دلالة تفرق بين العامة والخاصة وخاصة الخاصة وأنواع أخرى متزايدة .(15/5)
كما أن التصوف مر بمرحلة نجمت عن الغلو فى الحب والفناء ودعوى الاتحاد ، وهى حركة صوفية اهتزت فيها معايير الأصول القرآنية للمصطلح الصوفى ، وفارق فيها اللفظ فى أغلب الأحيان معناه ، حيث غدت الرياضة الصوفية فى المرحلة اللاحقة ترمى إلى الوصول لله والاتحاد به على نحو يعطى الصوفى تميزا أعلى مما كان يرمى إليه كل سالك فى أهدافه المتواضعة ، وغدا الاقتصار على التوقف فى المستوى السابق قصورا سلوكيا ينبغى للصوفى ألا يطيل اللبث فيه طويلا .
وانتقل التصوف نقلة حاسمة ومرحلة جديدة ، تمثلت فى تحول الصوفى من مجرد سالك أو متوكل يجعل كده وجهده فى مزيد من التأسى والمجاهدة فى العمل إلى صوفى ينقل إلينا تجربته الدينية الشخصية ، ويدفعنا إلى الاقتداء بطريقة تفكيره وتدبره إلى جانب اقتدائنا بطريقته السلوكية العملية ، وقد ظهر أيضا تصوف أصحاب وحدة الوجود ، الذى يشارك التصوف الحلولى فى مفارقة الألفاظ الاصطلاحية لمعانيها الدلالية والعبث بطريقة الاستدلال فى الأصول القرآنية والأحاديث النبوية للمصطلح الصوفى ، فبدلا من أن يكون اللفظ موضوعا على المعنى المراد فى الكتاب والسنة ، أصبح اللفظ نفسه موضوعا على نقيضه تماما تحت هذه الفلسفة .
ثم تناول البحث دراسة الأصول القرآنية لمصطلح التصوف ،على وجه خاص وتقرير الأصول التى يرد إليها الصوفية مصطلح التصوف ، ثم مناقشة ذلك مناقشة علمية ، لتقرير ما إذا كان الصوفية قد اهتموا بالبحث عن الأصول القرآنية والنبويه للتصوف ؟ وهل مصطلح التصوف له أصل فى الكتاب والسنة يعتمد عليه ؟ وكيف ظهرت نسبة التصوف إلى الصوف ؟ ومن أول من صرح بها ؟ وهل رد التصوف إلى الصوف أو الصفاء أو الصفة أو الصف الأول ، يعتبرا أصلا مقبولا ومقنعا له ما يؤيده فى الكتاب والسنة ؟
صدق الله العظيم نتائج البحث وأهم التوصيات :
أولا : نتائج البحث .(15/6)
من خلال ما ورد فى هذه الرسالة بجانبيها النظرى والمعجمى يمكن أن نصل إلى بعض النتائج الآتية :
[1] - تبين لنا من خلال الدراسة الإحصائية التطبيقية للمصطلحات الصوفية أن الجانب الأصيل من حيث النسبة إلى القرآن والسنة أكبر بكثير من الجوانب الأخرى التى لحقت بالتصوف ولا أصل لها ، فقد بلغ مجموع الاصطلاحات الصوفية ذات الأصول القرآنية والنبوية فى هذه الرسالة مائة وأربعة وعشرين مصطلحا من مصطلح الأبد إلى مصطلح اليقين لها جميعها أصول قرآنية أو نبوية تؤيد المعنى الصوفى فى مرحلته الأولى وجانبا من الثانية ، كما بلغ عدد هذه المصطلحات مع مداخلها الفرعية والعامة ثلاثمائة وتسعة وثلاثين مصطلحا ، فى حين بلغ مجموع الاصطلاحات الصوفية ذات الألفاظ القرآنية والنبوية فى هذه الرسالة من مصطلح الإحرام إلى مصطلح يوم الجمعة تسعة وتسعين مصطلحا لهم أصول قرآنية أو نبوية من جهة اللفظ دون المعنى ، كما بلغ عدد هذه المصطلحات ، مع مداخلها الفرعية والعامة مائة وثلاثة وستين مصطلحا ، وهذا يعنى أن جملة الاصطلاحات الصوفية التى وردت فى هذه الرسالة وعلى منهج الإحصاء المتبع فى المعاجم الأخرى بالإضافة إلى مصطلح التصوف ذاته أربع مصطلحات وخمسمائة .
[2] - بلغ عدد الشواهد القرآنية فى القسم المعجمى ما يقارب ثلاثة آلاف شاهد قرآنى كما بلغ عدد الشواهد الحديثية أكثر من ألفي حديث نبوى محكوم على درجتهم ، من حيث الصحة أو الضعف على منهج أهل الحديث ، وهذا العدد يعتبر الأكبر عند المقارنة بالمعاجم القديمة والحديثة التى ظهرت حتى الآن .(15/7)
[3] - من النتائج الهامة أن السراج الطوسى يعتبر أول من نسب التصوف إلى الصوف ، وعلل ذلك بأنه دأب الأنبياء والصديقين وشعار المساكين المتنسكين ، وقد تبين من البحث فى الأصول النبوية أن النبى صلى الله عليه وسلم ، لم يكن يرغب فى لبس الصوف ولا يفضله وأنه كان يلبسه عند الضرورة وكان أحب الثياب إليه صلى الله عليه وسلم القطن ، ولما أصل السراج الطوسى هذه النسبة وأظهر رأيه فيها بجرأة تتابع المؤلفون من معاصريه ولا حقية يوافقون رأيه أو يخالفون يدققون ويبحثون عن اللوازم المترتبة على رد التصوف إلى الصوف إما بإظهار نسبة أخرى تتآزر مع السابقة أو تنفرد دونها فالقول بأن التصوف إلى الصوف فقط تركيز على المظهر دون الجوهر والظاهر دون الباطن ودعوتهم فى حقيقتها تنصب على الباطن ، وتدعوا إلى النظر فى أعماق الأمور وبلوغ الحقيقة ، ومن ثم حاول الكلاباذى أن يستقصى كل الوجوه الممكنة ثم تابعه الهجويرى والقشيرى ثم الغزالى والسهروردى وغيرهم من مؤرخى التصوف ، فكانت أبرز الوجوه التى يرد إليها التصوف غير الصوف ، القول بأنه من الصفاء أو الصفة أو الصف الأول ، وهى مبررات لا تشهد لها سلامة الاشتقاقات اللغوية ، وفضلا عن هذا فإن فيها نظر ، فالصفاء ليس وصفا للصوفية وحدهم والصفة كانت منزلا مؤقتا وضروريا للفقراء من المهاجرين حتى يتأهلوا لحياتهم الخاصة .
أما نسبة التصوف إلى الصف الأول ، فيكفى فى ردها قول السراج الطوسى فى وصف أداب الصوفية : ( ومن آدابهم أيضا أنهم يكرهون الإمامة والصلاة فى الصف الأول بمكة وغيرها ) (1) .
وعلى ذلك فالرأى المعتبر هو ما ذكره القشيرى (ت:465هـ) حيث يقول : ( ثم هذه التسمية غلبت على هذه الطائفة فيقال : رجل صوفى وللجماعة صوفية ، ومن يتوصل إلى ذلك يقال له متصوف وللجماعة متصوفة ) (2) .(15/8)
ثم علل ذلك بأنه لا يشهد للتسمية من حيث العربية ، قياس ولا اشتقاق ، فالأظهر أنه كاللقب ، فالذين قالوا : إنه من الصوف ولبسه فذلك وجه ، ولكنهم لا يختصون بلبس الصوف ، والذين قالوا : يرد
ــــــــــــــــــــ
1. اللمع ص208 .
2. الرسالة القشيرية 2/550 .
إلى الصفة التى فى مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فالنسبة إلى الصفة لا تجئ على نحو الصوفى ، ومن قال : إنه من الصف الأول بعيد أيضا فى مقتضى اللغة (1) .
[4] - دلت دراسة الأصول القرآنية للمصطلحات الصوفية على أن التصوف من حيث مبدأ الزهد أصيل المنشأ فى البيئة الإسلامية ، فلا مؤثرات أجنبية ملحوظة حتى منتصف القرن الثالث الهجرى على الأقل ، ومن الطبيعى أن الأمر طالما أنه اجتهاد لخدمة الدين وتطبيقه من الجانب العملى وتجسيد لمذاقات العبودية فى صورة نظرية ، فمن المعقول أن يختلف الأمر من شخص إلى آخر ومن مذاق إلى آخر ، ومن ثم فسوف يأخذ منه ويرد ، وسوف يخضع لعوامل التطور واحتمال الخطأ والصواب والنقد والمخالفة .
[5] - أن التوحيد الصوفى عند أغلب أوائل الصوفية لا يجافى التوحيد السنى بل يتآزران فى التعبير عن عقيدة الكتاب والسنة ، فالتوحيد الصوفى لأوائل الصوفية شدد على ضرورة التخلص من خفايا الشرك والرياء والكبر وعبودية الدرهم والدنيار والنفس والشيطان ، وجميع المصطلحات ذات الأصول القرآنية تشهد لذلك ، ولم يثبت من خلالها جواز الأفعال التى تنسب إلى التصوف فى هذا العصر ، من عكوف على قبور الصالحين ــــــــــــــــــــ
1. السابق 2 /550 ، ص551 .
ودعاء الأموات ، وإقامة الموالد لهم ، والاستعانة بهم ، والتوكل عليهم والنذر لهم أو شد الرحال إليهم ، بل مصطلحاتهم فى توحيد العبادة تدل على السمو فى تحقيق الإيمان وتجسيده .(15/9)
[6] - أن بعض السلبيات الصوفية التى وجدت عند الأوائل ، وأثرت على الزيادة فى زاوية الانحراف عبر القرون ، ثثمثل في الغلو فى الطاعة والالتزام بما ليس بلازم من الأحكام ، فكثير منهم نزل المندوب منزلة الوجوب ، وشق على نفسه فى كثير من النواحى التى جعل الشرع فيها مندوحة وسعة ، فأصبحت هذه الالتزامات سنة عند المتأخرين لا يسعهم الخروج عنها ، وكل طريقة شددت على المريدين فى الالتزام بمنهجها الخاص ، وإن لم ينسجم مع السنة فى كثير من النواحى ، مما فتح الباب للاجتهاد فى التصور الخاطئ لعلاقة الحب بين العبد وربه ، فظهرت آراء شاذة ألصقها الناس فى أذهانهم بعامة الصوفية دون بعضهم ، فآراء الحلاج وشطحات أبى يزيد البسطامى والشبلى والنورى وغيرهم جعلت الناس يرفعونها على حساب التصوف من ناحية ، وإهمال الموقف الإيجابى للمشايخ فى التبرؤ منها وتقبيحها من ناحية أخرى ، ومما زاد فى الصاق هذه الأفكار بهم أنها وجدت فلسفة أخرى عند ابن عربى وابن الفارض وغيرهما ، ساعدت على إظهار المزيد من التجاوزات فأثمرت هذه الآراء علقما وحنظلا تتجرع الأمة الإسلامية مرارته .
[7] - الاستغلال السيئ لبعض المصطلحات الصوفية من قبل المرتسمين بالتصوف أو المعادين له أو للإسلام بصفة عامة ، فمن خلال عرض أوائل الصوفية لأقوال المخطئين فى فهم هذه المصطلحات ، أو النظرة العامة للتطور الدلالى لكل مصطلح صوفى عبر مراحل التصوف المختلفة يستطيع الباحث أن يرى مدى الجهد المبذول لكشف المقصود فى استعمال المصطلح المعين من ناحية ، وفهم الأثر السيئ لهذه المصطلحات والجهد المطلوب لرده من ناحية أخرى .
ثانيا : أهم التوصيات .(15/10)
1- ما زال البحث فى الأصول القرآنية والنبوية يحتاج إلى استقصاء أوسع لكل مصطلح صوفى على حده ، فالرسالة مع ضخامتها لم تستوعب العمل بشكل تام ، لأنه يحتاج إلى جهد كبير ووقت طويل ، فربما وجدت مصطلحات تخلفت عن جهدى فى حصرها وجمعها ، فالأمر يتطلب عملا موسوعيا شاملا ، يتكاتف المخلصون من المسلمين ، لفرز التراث الصوفى وفصل ما له علاقة مثمرة بالأصول القرآنية والنبوية ، وما هو لصيق بها ولا أصل له ، وهذا العمل بالغ الأهمية فى تقصى الحقائق ، ووزن الأمور بميزان الحق والاعتدال .
2- إذا كانت هذه الرسالة بداية لمن أراد المزيد فى البحث عن الأصول القرآنية والنبوية للمصطلح الصوفى ، فإن البحث يتطلب أيضا دراسة الأصول الأجنبية للمصطلحات الصوفية والتى لم تتعرض لها الرسالة ، فلا بد من معرفة الاصطلاحات التى أدخلت على التصوف والبحث عن معانيها ومصادرها بصورة جدية تكشف حقائق الأمور وتميز الخبيث من الطيب .
3- أوصى الباحثين بضرو التحرى وبذل الجهد فى عزو الأحاديث النبوية إلى مصادرها الأصلية ، ليس هذا وفقط ، ولكن تحرى الحكم على الحديث أيضا حفاظا على السنة من ناحية ، وتثبيت الثقة فى نفوس القراء والباحثين من ناحية أخرى ، وربما تطلب الأمر من الدارسين الرجوع إلى المحديثن وسؤالهم عن ثبوت الحديث ، إذا لم يهتد الباحث بمفرده إلى الحكم ، وهذا مما أراه واجبا لجدية الدراسة .
4- تفتقر المكتبة الصوفية إلى تفسير علمى جاد مبنى على قواعد التفسير وأصوله المعتبرة عند علماء التفسير ، يجمع نتاج الصوفية فى شرحهم لأعمال القلوب والجوارح وسائر المقامات والأحوال ، وما قدموه للجانب الروحى والأخلاقى فى الإسلام ، وعلى النحو الاجتهادى الذى نراه فى تراث المحاسبى وأبى طالب المكى وأبى حامد الغزالى وغيرهم من تفسير للقرآن بالقرآن أو تفسير للقرآن بالسنة وأقوال الصحابة والتابعين .(15/11)
5- اتباع الشرع بميزان الاعتدال ، لأن الغلو ابتداع فى دين الله وقدح فى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووصف لأصحابه بالتقصير فى الالتزام ، ولذلك قال حذيفة بن اليمان رضى الله عنه : " كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا تتعبدوا بها فإن الأول لم يدع للآخر مقالا ، فاتقوا الله يامعشر القراء خذوا طريق من كان قبلكم " (1) .
كما أن الغلو فى جانب سوف يؤدى إلى التقصير فى جانب آخر على وجه الضرورة ، فاستطاعة الإنسان محدودة ، وقدرته مهما بلغت تتأثر بضعفه فى ـــــــــــــــــــ
1. انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبى القاسم اللالكائى 1/90 وحلية الأولياء 1/280 ، وأخرج البخارى نحوه عن حذيفة رضى الله عنه انظر كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (7282) .
النواحى الأخرى ، والله سبحانه كلفنا بمنهج يتناسب مع فطرتنا ، فقال سبحانه : { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } [البقرة/286] ، فالمنهج الإسلامى فيه الخير ولا خير أفضل منه .
6- وجوب الاعتدال فى النظر إلى التصوف ورجاله ، فكل يأخذ من كلامه ويرد ، ولا يصح التحامل عليهم مطلقا ولا الموافقة لهم مطلقا ، صحيح أن الواقع الصوفى فى العصر الحاضر يكوِّن صورة بغيضة عن الصوفية وأبناء جنسهم ، لكن الله عز وجل أمرنا بالعدل ، فقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المائدة/8] ، فمشايخ الصوفية الأوائل لهم كلام بديع يعبر عن حقيقة الدين ولبعضهم شطحات فى بعض الأوقات تخرج عن حد الدين ، وقد أحسن شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال :(15/12)
( تنازع الناس فى طريقتهم ، فطائفة ذمت الصوفية والتصوف ، وقالوا : إنهم مبتدعون خارجون عن السنة ، وطائفة غالت فيهم وادعو أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء ، والصواب أنهم مجتهدون فى طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده وفيهم المقتصد الذى هو من أهل اليمين وفى كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب ) (1) .
ـــــــــــــــــــ
1. الصوفية والفقراء ص6، 7 .(15/13)
الكتب المطبوعة والمخطوطات
أولا : المطبوعات
أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم ، تحقيق عبد الجبار زكار صديق بن حسن القنوجي ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت ، سنة 1978م .
الإحسان فى تقريب صحيح ابن حبان ، للإمام ابن أبى حاتم محمد بن حبان البستى ، تحقيق شعيب الأرنؤوط ، طبعة مؤسسة الرسالة ، بيروت سنة 1988م .
إحكام الإحكام فى أصول الأحكام ، لابن حزم الأندلسى ، طبعة مطبعة السعادة بمصر ، بدون تاريخ .
إحياء علوم الدين ، للإمام أبى حامد الغزالى ، طبعة دار إحياء الكتب العربية القاهرة سنة 1377 هـ ، 1957م ، وطبعة أخرى لدار الريان للتراث القاهرة سنة1407 هـ ، 1987م .
أخبار الحلاج ، جمع الأستاذين : لويس ماسينيون ، وبول كراوس طبع فى باريس سنة1936م .
آداب المريدين ، تأليف أبى النحيب ضياء الدين السهروردى ، تحقيق فهيم محمد شلتوت ، طبعة دار الوطن العربى ، القاهرة ، بدون تاريخ .
آداب المريدين وبيان الكسب ، للإمام الحكيم الترمذى ، تحقيق الدكتور عبد الفتاح عبد الله بركة ، طبعة مطبعة السعادة ، القاهرة بدون تاريخ .
الأدب المفرد لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى ، مراجعة محمد فؤاد عبد الباقى ، طبعة دار البشائر الإسلامية ، بيروت ،سنة 1989م 1409 هـ .
أدب النفس ، للإمام الحكيم الترمذى ، تحقيق الأستاذ ج أربرى والدكتور على حسن عبد القادر ، طبعة مصطفى البابى الحلبى ، القاهرة سنة 1974م .
إرشاد الفحول ، للإمام محمد بن علي الشوكاني ، طبعة مصطفى البابى الحلبى مصر سنة 1356 هـ .
أساس البلاغة ، جار الله محمود بن عمرو الزمخشرى ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الطبعة الثانية ، القاهرة ، سنة 1985م .
أستاذ السائرين الحارث بن أسد المحاسبى ، تأليف الدكتور عبد الحليم محمود طبعة دار الكتب الحديثة ، القاهرة سنة 1973م .(16/1)
الإسلام فى مواجهة الاستشراق العالمى ، للدكتور عبد العزيز المطعنى طبعة دار الوفاء ، بالمنصورة ، مصر ، سنة 1987م .
الإسلام والمستشرقون ، للدكتور عبد الجليل شلبى ، طبعة دار الشعب ، القاهرة بدون تاريخ .
أصول الدين ، تأليف عبد القادر بن طاهر البغدادى ، طبعة استانبول بتركيا سنة 1346 هـ ، 1928م .
أصول الملامتية وغلطات الصوفية ، تأليف الإمام أبى عبد الرحمن السلمى تحقيق الدكتور عبد الفتاح أحمد الفاوى محمد ، طبعة مطبعة الإرشاد ، القاهرة سنة 1405 هـ ، 1985م .
أضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن ، لمحمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطى ، طبعة عالم الكتب ، بيروت ، بدون تاريخ .
أعذب المسالك المحمودية إلى منهج السادة الصوفية للشيخ محمود خطاب السبكى ، تحقيق سعيد عبد الفتاح سنة 1996م .
الأعلام ، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء والنساء من العرب والمستعربين فى الجاهلية والإسلام ، تأليف خيرى الدين الزركلى طبعة المطبعة العربية ، القاهرة ، سنة 1927م .
أعمال القلوب والجوارح ، لأبى عبد الله الحارث بن أسد المحاسبى ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، طبعة دار التراث العربى القاهرة ، سنة 1400 هـ ، 1980م .
الألفاظ المترادفة المتقاربة المعنى ، لأبى الحسن على بن عيسى الرمانى تحقيق ودراسة الدكتور فتح الله المصرى ، دار الوفاء ، مصر سنة 1987م .
الأم ، للإمام محمد بن إدريس الشافعى ، طبع بعناية محمد زهرى النجار طبعة دار المعرفة ، الطبعة الثانية ، بيروت لبنان سنة 1393هـ .
الإمام القشيرى سيرته آثاره مذهبه فى التصوف ، للدكتور إبراهيم بسيونى طبعة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ، سنة 1972م .
الأمر بالاتباع والنهى عن الابتداع ، للحافظ جلال الدين السيوطى تحقيق مشهور حسن سليمان ، طبعة دار الأرقم ، الدمام ، السعودية سنة 1410 هـ ،1990م .(16/2)
الإملاء عن إشكالات الإحياء للغزالى ، نسخة مطبوعة على هامش إحياء علوم الدين ، طبعة فيصل الحلبى ، دار إحياء الكتب العربية ، بدون تاريخ ، وطبعة أخرى لدار الريان للتراث ، القاهرة سنة 1407 هـ .
الأنساب ، لأبى سعيد عبد الكريم بن أبى بكر بن أبى المظفر بن عبد الجبار التميمى السمعانى المتوفى سنة 542 هـ .
الإنسان الكامل فى معرفة الأواخر والأوائل ، لعبد الكريم بن إبراهيم الجيلى طبعة مصطفى البابى الحلبى ، القاهرة سنة 1956م ، 1375 هـ .
إنشاء الدوائر لمحى الدين بن عربى ، نشر ليدن ، طبعة مكتبة المثنى بغداد سنة 1363 هـ ، وطبعة أخرى لعالم الفكر سنة 1997م .
أيام الشأن ، رسالة ضمن مجموعة رسائل ابن عربى طبعة ، دار إحياء التراث العربى ، حيدر آباد ، الهند ، سنة 1948م .
الإيمان للدكتور محمد عبد الله الشرقاوى ، مكتبة الزهراء الطبعة الأولى ، القاهرة سنة 1409 هـ ، 1989م .
ابن الفارض والحب الإلهى للدكتور محمد مصطفى حلمى الطبعة الثانية طبعة دار المعارف ، القاهرة سنة1971م .
ابن تيمية وفلاسفة التصوف ، للدكتور محمد سليمان داود ، الطبعة الثانية القاهرة ، سنة1983م .
ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل ، للدكتور محمد السيد الجليند طبعة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر القاهرة سنة 1393هـ 1973م .
ابن سبعين وفلسفته الصوفية ، للدكتور أبى الوفا التفتازانى ، طبعة دار الكتاب اللبنانى ، بيروت ، سنة 1973م .
اتباع السنن واجتناب البدع ، لأبى عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسى ، تحقيق على حسن على طبعة دار ابن القيم ، الرياض السعودية سنة 1988م .
الاتجاه الأخلاقى فى الإسلام للدكتور مقداد بالجن ، طبعة مطبعة الخانجى ، الطبعة أولى سنة 1973م .
الاتجاهات الحديثة فى دراسة التصوف الإسلامى ، للدكتور محمد عبد الله الشرقاوى ، طبعة دار الفكر العربى ، القاهرة سنة 1993م .(16/3)
الاتجاهات الحديثة فى صناعة المعجمات ، للدكتور محمود فهمى حجازى ، مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة الجزء الأربعون سنة 1977م .
الاتقان فى علوم القرآن ، تأليف جلال الدين السيوطى ، طبعة مصطفى البابى الحلبى القاهرة سنة 1354هـ .
الاستشراق دراسات تحليلية تقويمية ، للدكتور محمد عبد الله الشرقاوى ، طبعة دار الفكر العربى القاهرة سنة 1992م .
الاستقامة ، لإبى العباس تقى الدين ابن تيمية ، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ، طبعة مؤسسة قرطبة ، الطبعة الثانية ، القاهرة ، بدون تاريخ .
اصطلاحات الصوفية لمحى الدين ابن عربى ، طبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية حيدر أباد الدكن سنة 1948م ، وطبعة أخرى ملحقة فى نهاية كتاب التعريفات للجرجانى ، مكتبة لبنان ، بيروت سنة 1996م .
الاعتصام ، لأبى اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمى الشاطبى ، طبعة المكتبة التجارية الكبرى ، القاهرة ، بدون تاريخ .
الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة ، للإمام أبى بكر أحمد بن الحسين البيهقى ، تحقيق أحمد عصام الطالب ، طبعة دار الأوقاف الجديدة ، بيروت بدون تاريخ .
الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ، لأحمد محمد شاكر طبعة دار الكتب العلمية بيروت 1403ه
البداية والنهاية ، لأبى الفداء إسماعيل بن عمرو بن كثير القرشى الدمشقى طبعة المطبعة السلفية ، القاهرة سنة 1351 هـ 1932م .
البراهين الساطعة فى رد بعض البدع الشائعة ، تأليف الشيخ سلامة العزامى تقديم الشيخ الكوثرى ونجم الدين الكردى ، طبعة مطبعة السعادة القاهرة سنة 1366 هـ ، 1948م .
البرهان فى علوم القرآن للإمام بدر الدين الزركشى ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، طبعة دار المعرفة ، بيروت سنة 1972م .
بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ، الحارث بن أبى أسامة البغدادى مراجعة حسين أحمد صالح الباكرى ، مركز خدمة السنة والسيرة النبوية ، المدينة المنورة ، سنة 1992م ، 1413 هـ .(16/4)
بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب ، للحكيم الترمذى تحقيق الدكتور نقولا هير ، نشر مكتبة الكليات الأزهرية ، بدون تاريخ .
تاج العروس من جواهر القاموس ، محمد مرتضى الزبيدى ، المطبعة الخيرية القاهرة سنة 1306 هـ .
تاج اللغة وصحاح العربية لأبى نصر إسماعيل بن حماد الجوهرى تحقيق أخمد عبد الغفور عطار ، القاهرة سنة1337 هـ .
تاريخ أدبيات در إيران ، للدكتور ذبيح الله صفا ، الطبعة الثالثة سنة1339 هـ .
تاريخ الأخلاق فى الإسلام للدكتور ، محمد يوسف موسى ، القاهرة سنة1952م .
تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام ، لأبى عبد الله محمد بن أحمد الذهبى ، طبعة مكتبة القدس ، القاهرة سنة 1367 هـ .
تاريخ الاصطلاحات الفلسفية العربية ، للمستشرق لويس ماسينيون تحقيق الدكتوره زينب الخضيرى ، طبعة المعهد الفرنسى للآثار الشرقية سنة 1991م .
تاريخ التراث العربى ، لفؤاد سيزكن ، طبعة الهيئة المصرية العامة
للكتاب ، سنة 1978م .
تاريخ التصوف الإسلامى من البداية حتى نهاية القرن الثانى ، للدكتور عبد الرحمن بدوى ، طبعة وكالة المطبوعات ، الكويت ، سنة 1975 م .
تاريخ التصوف فى الإسلام ، تأليف قاسم غنى ، ترجمه عن الفارسية صادق نشأت ، طبعة النهضة المصرية القاهرة 1390 هـ ، 1970م .
تاريخ الرسل والملوك ، لأبى جعفر محمد بن جرير الطبرى ، تحقيق أبو الفضل إبراهيم ، طبعة دار المعارف القاهرة سنة 1383 هـ 1964م .
تاريخ الفلسفة الإسلامية ، القسم الأول ، تأليف المستشرق هنرى كوربان ترجمة حسن قبيسى وزميله ، مراجعة وتقديم موسى الصدر وعارف تامر الطبعة الأولى 1966 م .
التاريخ الكبير ، لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى ، طبعة مطبعة دائرة المعارف النظامية ، حيدر آباد ، الهند ، سنة 1360 هـ .
تاريخ المذاهب الإسلامية فى السياسة والعقائد وتاريخ المذاهب الفقهية للإمام محمد أبو زهرة ، طبعة دار الفكر العربى ، القاهرة ، بدون تاريخ .(16/5)
تاريخ بغداد ، لأبى بكر أحمد بن على الخطيب البغدادى ، طبعة دار الكتب العلمية بيروت ، لبنان ، وطبعة مطبعة السعادة ، القاهرة سنة 1349 هـ ، 1931م .
التبيان فى علوم القرآن ، محمد بن على الصابونى ، طبعة مكة ، الطبعة الثانية ، سنة 1400 هـ ، 1980م .
التدبيرات الإلهية فى إصلاح المملكة الإنسانية لابن عرب ، نشر ليدن طبعة بريل ، مكتبة المثنى ببغداد سنة 1336 هـ .
تدريب الراوى فى شرح تقريب النواوى للحافظ جلال الدين السيوطى دار الفكر .
تذكرة الأولياء ، لفريد الدين العطار ، القاهرة ، بدون تاريخ .
تذكرة الحفاظ ، لأبى عبد الله محمد بن أحمد الذهبى الدمشقى مراجعة عبد الرحمن بن يحى المعلمى ، دار الكتب العلمية بيروت 1374 هـ .
تذكرة الخواص ، لمحى الدين بن عربى ، نشر روجر دولادرير سنة 1975م .
تراث الإسلام المستشرق شاخت وبوزورث الجزء الثانى طبعة عالم المعرفة ترجمة الدكتور حسين مؤنس وإحسان صدقى العمد ، الكويت سنة 1988م .
التربية الأخلاقية فى الإسلام للدكتور مقداد بالجن ، مطبعة الخانجى طبعة الأولى ، سنة1977م .
ترجمان الأشواق ، لمحى الدين بن عربى ، طبعة دار صادر ، بيروت سنة 1966م .
التسهيل فى علوم التنزيل لابن جزى الكلبى ، تحقيق مصطفى محمد سنة 1355 هـ .
التصوف الإسلامى ، لزكى مبارك ، طبعة الاعتماد ، القاهرة سنة 1937م .
التصوف طريقا وتجربة ومذهبا ، تأليف الدكتور محمد كمال إبراهيم جعفر طبعة دار الكتب الجامعية ، القاهرة سنة 1390 هـ ، 1970م .
التصوف عند المستشرقين ، للدكتور أحمد الشرباصى ، القاهرة سنة 1966م .
التصوف فى الإسلام وأهم الاعتراضات الواردة عليه ، تأليف الدكتور عبد اللطيف محمد العبد ، طبعة دار الثقافة العربية ، القاهرة سنة 1407 هـ ، 1986م .
التصوف فى تراث ابن تيمية ، تأليف الدكتور الطبلاوى محمود سعد ، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة سنة 1405 هـ 1984م .(16/6)
التعبير الاصطلاحى دراسة فى تأصيل المصطلح ومفهومه ومجالاته الدلالية ، وأنماطه التركيبية للدكتور زكى حسام الدين كريم ، طبعة مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة ، سنة 1985م .
التعرف لمذهب أهل التصوف ، لأبى بكر محمد الكلاباذى ، تحقيق محمود أمين النواوى ، طبعة مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة سنة 1400 هـ ، 1980م وطبعة أخرى ، تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود وطه عبد الباقى سرور القاهرة طبعة عيسى الحلبى سنة 1960م .
التعريفات ، للشريف الجرجانى مكتبة لبنان ، بيروت سنة1978م .
تفسير ابن جرير الطبرى ، جامع البيان عن تأويل آى القرآن ، لأبى جعفر محمد ابن جرير الطبرى ، تحقيق الأستاذ محمود محمد شاكر ، مراجعة الشيخ أحمد محمد شاكر ، طبعة دار المعارف ، القاهرة ، بدون تاريخ .
تفسير القرآن العظيم ، لأبى الفداء إسماعيل بن كثير القرشى الدمشقى طبعة دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة بدون تاريخ .
تفسير القرآن العظيم ، لأبى محمد سهل بن عبد الله التسترى ، طبعة دار الكتب العربية الكبرى ، القاهرة سنة1329 هـ .
تفسير القرآن الكريم ، لعبد الرزاق الكاشانى ، منسوب إلى محى الدين بن عربى طبعة دار الأندلس ، بيروت سنة 1978م .
تقريب التهذيب لأبى الفضل أحمد بن على بن حجر العسقلانى مراجعة محمد عوامه ، دار الرشيد سوريا سنة 1986م ، 1406 هـ .
تلبيس إبليس ، لأبى الفرج عبد الرحمن بن الجوزى ، طبعة مطبعة القاهرة الحديثة للطباعة ، القاهرة ، سنة 1391 هـ ، 1971م .
التنوير فى إسقاط التدبير ، تأليف ابن عطاء السكندرى ، تحقيق موسى محمد على الموشى ، وعبد العال أحمد العرابى القاهرة بدون تاريخ .
تهافت الفلاسفة ، لأبى حامد الغزالى ، تحقيق سليمان دنيا طبعة دار المعارف الطبعة الثالثة ، القاهرة ، سنة 1972م .
تهذيب الأخلاق لأبى على أحمد مسكويه ، تحقيق قسطنطين زريق طبعة دار الحياة بيروت .(16/7)
تهذيب التهذيب لأبى الفضل أحمد بن على بن حجر العسقلانى ، دار الفكر بيروت 1984م 1404 هـ
تهذيب الصحاح ، تأليف محمود الزنجانى ، طبعة دار المعارف بمصر بدون تاريخ .
تهذيب الكمال فى أسماء الرجال ، لأبى الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف الدمشقى ، طبعة دار الكتب المصرية ، القاهرة بدون تاريخ .
توجيه النظر إلى علوم الأثر ، إعداد طاهر الجزائرى ، طبعة مصر سنة 1328 هـ .
توحيد الربوبية ، ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد طبعة دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية ، الرياض ، سنة 1381 هـ .
التوقيف على مهمات التعاريف ، محمد عبد الرؤوف المناوي ، تحقيق الدكتور محمد رضوان الداية طبعة دار الفكر المعاصر , دار الفكر ، بيروت الطبعة الأولى ، سنة 1410هـ .
تيسير مصطلح الحديث ، للشيخ محمود الطحان ، طبعة دار التراث الكويت ، سنة 1984م .
الجامع الصحيح ، للإمام أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقى ، مع فتح البارى ، طبعة دار الريان للتراث ، القاهرة سنة 1407 هـ ، 1986 م .
الجامع الصحيح ، للإمام مسلم بن الحجاج القشيرى ، تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقى ، طبعة المكتبة السلفية ، القاهرة ، بدون تاريخ .
الجامع الصحيح المختصر لمحمد بن إسماعيل البخارى مراجعة مصطفى ديب البغا ، طبعة دار ابن كثير بيروت سنة 1987م ، 1407 هـ .
جامع العلوم والحكم ، للإمام ابن رجب الحنبلى ، طبعة مصطفى البابى الحلبى القاهرة ، سنة 1369 هـ ، 1948 م .
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، كتاب الشعب ، مصر .
جزء أشيب لأبى على الحسن بن موسى الأشيب البغدادى مراجعة خالد بن قاسم ، دار علوم الحديث ، الفجيرة 1410 هـ ، 1990م .
الحرية فى الإسلام ، تأليف الشيخ محمد الخضر حسين طبعة دار الاعتصام للطباعة الإسلامية ، القاهرة ، سنة 1403 هـ ، 1982م .(16/8)
الحكيم الترمذى ونظريته فى الولاية ، للدكتور عبد الفتاح عبد الله بركه طبعة مجمع البحوث الإسلامية القاهرة سنة 1391 هـ ، 1971م .
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، لأبى نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهانى ، طبعة مطبعة السعادة ، القاهرة سنة 1351 هـ .
الحياة الروحية فى الإسلام ، تأليف الدكتور محمد مصطفى حلمى طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة سنة 1984م .
ختم الأولياء ، تأليف الشيخ أبى عبد الله محمد بن الحسن الحكيم الترمذى تحقيق عثمان إسماعيل يحى ، طبعة المطبعة الكاثوليكية ، بيروت سنة 1965م .
خلق أفعال العباد ، للإمام أبى عبد الله محمد بن إبراهيم بن إسماعيل البخارى تحقيق على سامى النشار وعمار الطالبى ، طبعة منشأة المعارف الإسكندرية سنة 1971م ، وطبعة أخرى مراجعة عبد الرحمن عميرة ، دار المعارف السعودية الرياض سنة 1978م ، 1398 هـ .
دائرة المعارف الإسلامية ، تحقيق إبراهيم زكى خورشد وأحمد الشناوى وعبد الحميد يونس ، القاهرة دار الشعب سنة 1933م .
الدر المنثور فى التفسير بالمأثور ، للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطى طبعة دار الفكر ، القاهرة ، بدون تاريخ .
درء تعارض العقل والنقل ، لشيخ الإسلام ابن تيمية ، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ، طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، السعودية سنة 1403 هـ ، 1983م .
دراسات أصولية فى السنة النبوية ، للدكتور محمد إبراهيم الحفناوى طبعة دار الوفا الطبعة الأولى ، المنصورة مصر سنة 1412 هـ 1991م .
الدراسات العربية والإسلامية فى الجامعات الألمانية تأليف رودى بارت ترجمة الدكتور مصطفى ماهر دار الكتاب العربى بمصر سنة1967م .
دراسات فى الفلسفة الإسلامية ، تأليف الدكتور محمود قاسم طبعة مكتبة القاهرة الحديثة ، القاهرة سنة 1972م .
دستور الأخلاق فى القرآن الكريم للدكتور محمد عبد الله دراز ترجمة الدكتور عبد الصبور شاهين سنة1973م .(16/9)
دلالة الألفاظ للدكتور إبراهيم أنيس ، الطبعة الثالثة ، مكتبة الأنجلو المصرية سنة1972م .
ديوان الشيخ الأكبر ابن عربى ، تصوير مكتبة المثنى ، بغداد عن طبعة بولاق القاهرة سنة 1271 هـ .
الديوان لعمر ابن الفارض ، تحقيق فوزى عطوى ،طبعة الشركة اللبنانية للكتاب بيروت ، 1969م .
ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق لابن عربى ، تحقيق الدكتور عبد الرحمن الكردى ، بيروت سنة 1312 هـ .
الرد على الجهمية ، تأليف عثمان بن سعيد الدارمى ، تحقيق على سامى النشار وعمار الطالبى ، ضمن عقائد السلف القاهرة بدون تاريخ .
الرد على الزنادقة والجهمية ، للإمام أحمد بن حنبل ، نشرة قصى محب الدين الخطيب ، طبعة المطبعة السلفية ، القاهرة ، سنة 1399 هـ .
الرزق الحلال وحقيقة التوكل على الله ، للحارث بن أسد المحاسبى تحقيق محمد عثمان الخشت ، طبعة مطبعة القرآن ، القاهرة ، سنة 1405.
رسائل ابن عربى طبعة دار إحياء التراث العربى ، حيدر آباد ، الهند سنة1948م .
الرسائل الصغرى لابن عباد النفرى المطبعة الكاثوليكية ، بيروت 1957م .
رسالة الإكليل فى المتشابه والتأويل لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ضمن مجموعة الرسائل الكبرى طبعة دار التقوى ، بلبيس ، مصر .
الرسالة العرشية ، وهى رسالة ضمن مجموعة تسع رسائل لابن سينا طبعة مطبعة كردستان العلمية ، سنة 1328 هـ .
الرسالة القشيرية ، للإمام أبى القاسم عبد الكريم القشيرى تحقيق
الدكتور عبد الحليم محمود ، ومحمود بن الشريف ، طبعة دار الكتب الحديثة القاهرة سنة1974م .
رسالة المسترشدين تحقيق عبد الفتاح أبو غدة طبعة مكتبة دار السلام الطبعة الرابعة ، القاهرة سنة1982م .
رشح الزلال تحقيق سعيد عبد الفتاح ، طبعة المكتبة الأزهرية للتراث القاهرة سنة 1995م .
الرعاية لحقوق الله للحارث بن أسد المحاسبى تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود طبعة دار المعارف ، القاهرة سنة 1990م .(16/10)
الروضة الندية شرح الدرر البهية ، لأبى الطيب صديق بن حسن البخارى ، مكتبة التراث القاهرة ، بدون تاريخ .
الرياضة وأدب النفس ، للحكيم الترمذى ، تحقيق الأستاذ ، ج أربرى والدكتور على حسن عبد القادر ، طبعة مصطفى البابى الحلبى ، القاهرة سنة 1947م .
زاد المسير فى علم التفسير ، لأبى الفرج جمال الدين بن الجوزى تحقيق محمد عبد الرحمن عبد الله ، طبعة دار الفكر الإسلامى ، القاهرة سنة 1987 م .
زاد المعاد فى هدى خير العباد لابن القيم الجوزية تحقيق الشيخ محمد حامد الفقى طبعة أنصار السنة المحمدية ، القاهرة 1370 هـ ، 1951م .
السلوك ، ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم ، وابنه محمد ، طبعة دار الإفتاء المملكة العربية السعودية ، سنة 1381 هـ .
السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى ، للدكتور مصطفى السباعى طبعة المكتب الإسلامى بيروت سنة1978م .
سنن أبى داود ، لأبى داود سليمان بن الأشعث السجستانى ، تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد ، دار الفكر .
سنن ابن ماجه ، لأبى عبد الله محمد بن يزيد القزوينى بن ماجه تحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقى ، طبعة عيسى الحلبى ، القاهرة سنة 1372 هـ ، 1952م .
سنن الترمذى ، لأبى عيسى محمد بن عيسى الترمذى ، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ، طبعة مطبعة المدنى ، القاهرة سنة 1384هـ .
سنن الدارقطنى لأبى الحسن على بن عمر الدارقطنى ، مراجعة السيد عبد الله هاشم يمانى المدنى دار المعرفة بيروت سنة1966م ، 1386 هـ .
سنن الدارمى ، لأبى محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمى تحقيق محمد أحمد دهمان ، طبعة دار إحياء السنة النبوية ، القاهرة ، بدون تاريخ .
السنن الكبرى ، لأحمد بن الحسين بن على بن موسى البيهقى مراجعة محمد عبد القادر عطا مكتبة دار الباز مكة 1994م ، 1414 هـ .(16/11)
سنن النسائى ، شرح السيوطى ، لأبى عبد الرحمن بن شعيب بن على النسائى طبعة المطبعة المصرية ، مصطفى الحلبى ، القاهرة سنة 1383 هـ .
السياسة الشرعية ونظام الدولة الإسلامية فى الشئون الدستورية والخارجية والمالية للشيخ عبد الوهاب خلاف ، طبعة دار الأنصار ، القاهرة سنة 1977م .
سير أعلام النبلاء ، لأبى عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبى طبعة دار الكتب المصرية ، القاهرة ، بدون تاريخ .
سيرة الشيخ الكبير أبىعبد الله محمد بن خفيف الشيرازى ، تأليف أبى الحسن على بن محمد الديلمى ، تحقيق الدكتور إبراهيم الدسوقى شتا طبعة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ، القاهرة سنة 1397 هـ ، 1977م .
السيرة النبوية ، لأبى محمد عبد الملك بن هشام ، تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد ، طبعة مطبعة المدنى ، القاهرة سنة 1383 هـ .
شجرة الكون لمحي الدين ابن عربى ، طبعة مكتبة الشمرلى الأسكندرية ، بدون تاريخ .
شذرات الذهب فى أخبار من ذهب ، لأبى الفلاح عبد الحى بن أحمد الصالحى المشهور بابن العماد الحنبلى ، طبعة مكتبة القدسى ، القاهرة ، سنة 1350 هـ .
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة تأليف أبى القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبرى اللالكائى تحقيق الدكتور أحمد سعد حمدان طبعة دار طيبة ، الرياض سنة 1409 هـ 1988م .
شرح السنة ، للإمام الحسين بن مسعود الفراء البغوى ، تحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط طبعة المكتب الإسلامى القاهرة 1396 هـ .
شرح العقيدة الطحاوية ، لابن أبى العز على بن على الحنفى ، تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى ، طبعة المكتب الإسلامى القاهرة سنة 1392 هـ .
شرح معانى الآثار لأبى جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوى مراجعة محمد زهرى النجار دار الكتب العلمية بيروت سنة1979م .(16/12)
الشريعة ، لأبى محمد بن الحسين بن عبد الله البغدادى الأجرى تحقيق الشيخ محمد حامد الفقى طبعة أنصار السنة المحمدية القاهرة 1369 هـ .
شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ، تأليف الإمام شمس الدين محمد ابن القيم الجوزية ، طبعة دار الفكر ، القاهرة سنة 1398 هـ ، 1978 م .
الشيعة والتشيع فرق وتاريخ ،تأليف إحسان إلهى ظهير الطبعة الثالثة إدارة ترجمان السنة لاهور باكستان سنة 1984م ، 1404 هـ
الشيعة والسنة تأليف إحسان إلهى ظهير ، إدارة ترجمان السنة لاهور باكستان الطبعة الثالثة سنة 1396 هـ ، 1976م .
صحيح ابن حبان ، لأبى حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمى تحقيق الشيخ أحمد شاكر ، طبعة دارالمعارف ، القاهرة ، سنة 1372 هـ ، وطبعة أخرى مراجعة شعيب الأرنؤوط ، طبعة مؤسسة الرسالة بيروت سنة 1993م ، 1414 هـ .
صحيح ابن خزيمة لأبى بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابورى مراجعة الدكتور محمد مصطفى الأعظمى ، المكتب الإسلامى ، بيروت سنة 1970م ، 1390 هـ .
صحيح الجامع ، للشيخ محمد ناصر الدين الألبانى ، طبعة المكتب الإسلامى الطبعة الثانية ، دمشق ، سوريا ، سنة 1399 هـ .
صفة الصفوة ، للإمام جمال الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن على بن الجوزى طبعة دار الصفا ، القاهرة سنة 1411 هـ .
الصفدية ، لأبى العباس تقى الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ، طبعة دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية ، الرياض ، سنة 1406 هـ .
الصلاه ومقاصدها ، لأبى عبد الله محمد بن الحسن الحكيم الترمذى تحقيق الأستاذ حسنى نصر زيدان ، طبعة القاهرة ، سنة 1965م .
الصوفية فى الإسلام رينولد نيكلسون ، ترجمة نور الدين شريبة القاهرة سنة1947م .
الصوفية والفقراء ، لشيخ الإسلام ابن تيمية ، تقديم الدكتور محمد جميل غازى طبعة مكتبة المدنى ، جدة ، السعودية ، بدون تاريخ .(16/13)
صيد الخاطر ، للإمام جمال الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن على بن الجوزى طبعة دار الفكر العربى ، دمشق ، سوريا سنة 1380 هـ .
طبقات الشافعية الكبرى ، لتاج الدين عبد الوهاب بن على السبكى تحقيق عبد الفتاح الحلو ومحمود الطناحى ، طبعة المطبعة الحسينية القاهرة 1324 هـ .
طبقات الصوفية لأبى عبد الرحمن السلمى ، تحقيق نور الدين شريبه طبعة مكتبة الخانجى ، القاهرة سنة 1372 هـ .
الطبقات الكبرى ، لعبد الوهاب بن أحمد بن الشعرانى ، طبعة بولاق القاهرة سنة 1914م .
طبقات المعتزلة ، لأحمد بن يحى بن المرتضى ، تحقيق سوسنه ديفشلد فيلزر طبعة المطبعة الكاثوليكية ، بيروت ، بدون تاريخ .
الطرق الصوفية فى مصر نشأتها ونظمها ، للدكتور عامر النجار طبعة مكتبة الأنجلو مصرية ، القاهرة ، سنة 1987م .
طريق اللَّه تعالى لعبد الكريم القشيرى ، تحقيق الدكتور إبراهيم بسيونى والدكتور محمد غانم ، القاهرة سنة 1985م .
طريق الهجرتين وباب السعادتين ، تأليف شمس الدين بن القيم الجوزية تحقيق محب الدين الخطيب ، طبعة المكتبة السلفية ، سنة 1407 هـ .
طريق الهجرتين وباب السعادتين ، تأليف شمس الدين بن القيم الجوزية تحقيق محب الدين الخطيب ، طبعة المكتبة السلفية ، سنة 1407 هـ .
الطواسين ، لأبى المغيث الحسين بن منصور الحلاج طبعة باريس سنة 1913م ونصوص أخرى عن أخبار الحلاج شاركه فى جمعها المستشرق بول كراوس وطبعت فى باريس سنة 1936م .
ظهر الإسلام لأحمد أمين ، دار النهضة العربية القاهرة 1961هـ .
العبادلة تأليف محى الدين بن عربى ، تحقيق عبد القادر أحمد عطا الطبعة الأولى نشر مكتبة القاهرة بالصنادقية الأزهر سنة 1969م .
عقلة المستوفز لابن عربى تصوير مكتبة المثنى ببغداد عن طبعة بريل سنة1336 هـ .(16/14)
العقيدة والشريعة فى الإسلام تاريخ التطور العقدى والتشريعى فى الإسلام لجولد تسهير ترجمة الدكتور محمد يوسف موسى وآخرين طبعة دار الكتب العربى الطبعة الثانية سنة 1959م .
علم الدلالة ، للدكتور أحمد مختار عمر ، طبعة مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع ، الكويت سنة1982م .
علم اللغة وصناعة المعجم ، للدكتور على القاسمى ، مطبوعات جامعة الرياض بالمملكة العربية السعودية ، سنة1975م .
علوم الحديث لابن الصلاح ، طبعة دار الفكر دمشق سنة1986م .
عنقاء معرب لابن عربى طبعة البابى الحلبى ، القاهرة ، بدون تاريخ .
عوارف المعارف ، لشهاب الدين أبى حفص بن عمر السهروردى تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود والدكتور محمود بن الشريف ، طبعة مطبعة السعادة القاهرة سنة 1971 م .
العواصم من القواسم فى تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم ، تأليف القاضى أبى بكر بن العربى ، تحقيق محب الدين الخطيب ، طبعة المكتبة السلفية ، الطبعة الخامسة القاهرة سنة 1399 هـ .
العواصم والقواسم فى الذب عن سنة أبى القاسم ، لابن الوزير، تحقيق شعيب الأرناؤوط ، طبعة مؤسسة الرسالة ، بيروت لبنان ، بدون تاريخ .
عيوب النفس ، لأبى عبد الرحمن السلمى ، تحقيق مجدى فتحى السيد ، طبعة مكتبى الصحابة ، طنطا ، مصر ، سنة 1408 هـ ، 1987م .
فتاوى ابن الصلاح فى التفسير والحديث والأصول والفقه ، تحقيق الدكتور عبد المعطى أمين قلعجى ، الطبعة الأولى ، طبعة دار الوعى حلب سوريا سنة 1403 هـ ، 1983م .
فتح البارى شرح صحيح البخارى ، للإمام الحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلانى ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى ، طبعة دار الريان للتراث القاهرة سنة 1407 هـ ، 1986م .
الفتح الربانى والفيض الرحمانى لعبد القادر الجيلانى ، طبعة مصطفى البابى الحلبى القاهرة سنة 1979م .(16/15)
فتح القدير الجامع بين فنى الرواية والدراية من علم التفسير ، للإمام محمد بن على بن محمد الشوكانى طبعة مصطفى البابى الحلبى ، القاهرة سنة 1383 هـ .
فتوح الغيب للشيخ عبد القادر الجيلانى ، طبعة مكتبة الحلبى القاهرة سنة1973م .
الفتوحات المكية ، لأبى بكر محى الدين محمد بن على بن محمد الشهير بابن عربى ، تصوير دار صادر بيروت عن طبعة بولاق ، القاهرة ،سنة 1293 هـ ، وطبعة أخرى نشرة عثمان يحيى طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب .
الفتوى الحموية الكبرى ، تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية ، طبعة روضة الفسطاط القاهرة سنة 1398ه .
الفتوى الحموية الكبرى ، تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية ، طبعة روضة الفسطاط القاهرة سنة 1398 هـ .
الفرق بين الفرق ، تأليف عبد القادر بن طاهر بن محمد البغدادى طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان سنة 1405 هـ ، 1985م .
الفرق بين الفرق ، تأليف عبد القادر بن طاهر بن محمد البغدادى طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان سنة 1405 هـ ، 1985م .
الفصل فى الملل والأهواء والنحل ، تأليف الإمام أبى محمد على بن أحمد بن حزم الظاهرى ، تحقيق الدكتور محمد إبراهيم نصر والدكتور عبد الرحمن عميرة ، طبعة دار الجبل بيروت لبنان سنة 1405 هـ ، 1985م .
الفصل فى الملل والأهواء والنحل ، تأليف الإمام أبى محمد على بن أحمد بن حزم الظاهرى ، تحقيق الدكتور محمد إبراهيم نصر والدكتور عبد الرحمن عميرة ، طبعة دار الجبل بيروت لبنان سنة 1405 هـ ، 1985م .
فصوص الحكم لابن عربى نشر أبو العلا عفيفى ، طبعة دار الكتاب
العربى بدون تاريخ ، وأخرى شرح عبد الرزاق الكاشانى ، طبعة مكتبة البابى الحلبى سنة1966م .
فصوص الحكم لابن عربى نشر أبو العلا عفيفى ، طبعة دار الكتاب العربى بدون تاريخ ، وأخرى شرح عبد الرزاق الكاشانى ، طبعة مكتبة البابى الحلبى سنة1966م .(16/16)
فصول فى التصوف ، تأليف الدكتور حسن محمود عبد اللطيف الشافعى ، طبعة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، القاهرة سنة 1991 هـ .
فضائح الباطنية ، للإمام أبى حامد الغزالى ، تحقيق الدكتور عبد الرحمن بدوى طبعة القاهرة ، سنة 1964م .
فضائل الصحابة لأبى عبد الله أحمد بن حنبل الشيبانى ، مراجعة وصى الله محمد عباس طبعة مؤسسة الرسالة بيروت سنة1983م ، 1403 هـ .
الفكر الإسلامى والفلسفات المعارضة فى القديم والحديث ، للدكتور عبد القادر محمود ، الطبعة الثانية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986م .
الفهرست ، تأليف أبى الفرج محمد بن اسحاق بن النديم ، طبعة المكتبة التجارية الكبرى ، القاهرة ، سنة 1348 هـ ، ونسخة أخرى طبعة دار المعرفة بيروت سنة 1978م ، 1398 هـ .
فوات الوفيات ، لابن شاكر الكتبى ، تحقيق محمد بن محى الدين عبد الحميد طبعة بولاق ، القاهرة ، سنة 1951م .
فى التصوف الإسلامى وتاريخه لرينولد نكلسون ، ترجمة الدكتور أبى العلا عفيفى طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر.
قاموس الرجال فى تحقيق رواة الشيعة ومحدثيهم ، تأليف محمد تقى بن حسن التسترى ، مركز نشر الكتاب طهران سنة 1382 هـ .
القاموس المحيط لمجد الدين الفيروز أبادى ، طبعة المطبعة المصرية الطبعة الثالثة ، القاهرة سنة 1353 هـ ، 1935م .
القصد والرجوع إلى الله ، لأبى عبد الله الحارث بن أسد المحاسبى تحقيق عبد القادر أحمد عطا ، طبعة دار التراث العربى ، القاهرة ، سنة 1400 هـ ، 1980م .
القضاء والقدر فى الإسلام ، تأليف الدكتور فارق أحمد الدسوقى طبعة دار الدعوة ، الإسكندرية ، سنة 1984 هـ .
قضية التصوف المنقذ من الضلال ، للدكتور عبد الحليم محمود ، طبعة دار المعارف ، الطبعة الثانية ، القاهرة سنة 1985 م .
قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ، للقاسمى ، طبعة البابى الحلبى سنة1380 هـ .(16/17)
قوت القلوب فى معاملة المحبوب ، للشيخ أبى طالب محمد بن أبى الحسن على بن عباس المكى ، طبعة مكتبة المتنبى القاهرة سنة 1310 هـ .
الكامل فى التاريخ ، لعلى بن محمد بن الأ ثير ، طبعة مصطفى البابى الحلبى القاهرة سنة 1303 هـ .
كتاب التوهم ، لأبى عبد الله الحارث بن أسد المحاسبى طبعة دار التراث العربى القاهرة سنة 1400 هـ ، 1980 م .
كتاب الصدق لأبى سعيد أحمد بن عيسى الخراز ، تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود طبعة دار الكتب الحديثة القاهرة سنة 1975 م .
كتاب الضعفاء ، لأبى نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهانى ، مراجعة فاروق حماده دار الثقافة ، الدار البيضاء سنة1984م ، 1405 هـ .
كتاب العلم لأبى خيثمة زهير بن حرب النسائى ، مراجعة محمد ناصر الدين الألبانى ، كتب الإسلامى بيروت سنة1403 هـ ، 1983م .
كتاب العين ، لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي ، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي ، والدكتور إبراهيم السامرائي ، طبعة دار ومكتبة الهلال ، بدون تاريخ .
كتاب الفناء لأبى القاسم الجنيد بن محمد ، نشره الدكتور محمد كمال جعفر فى كتابه التصوف طريقا وتجربة ومذهبا .
كتاب المصاحف ، لعبد الله بن أبى داود ، المطبعة الرحمانية ، القاهرة سنة 1936م .
كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوى ، طبعة طهران سنة 1947 وأربعة أجزاء تصل إلى فصل الباء من باب الصاد ، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ، تحقيق لطفى عبد البديع وعبد المنعم حسنين .
كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس لإسماعيل بن محمد العجلونى ، طبعة دار إحياء التراث العربى ، بيروت لبنان سنة1351 هـ .
كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون ، تأليف مصطفى بن عبد الله المشهور بحاجى خليفة ، نشرة المستشرق جوستاف فلويجل ، طبعة مكتبة المثنى ، بغداد ، بدون تاريخ .(16/18)
كشف المحجوب ، لأبى الحسن على بن عثمان الهجويرى ، تحقيق الدكتور إبراهيم الدسوقى شتا ، دار التراث العربى القاهرة 1394 هـ .
الكمالات الإلهية فى الصفات المحمدية لعبد الكريم الجيلى تحقيق وتقديم سعيد عبد الفتاح ، نشر مكتبة عالم الفكر القاهرة سنة 1997م .
الكواكب الدرية فى تراجم السادة الصوفية ، تأليف عبد الرؤوف المناوى ، نشر منه جزء واحد ، القاهرة ، سنة 1357 هـ .
اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ، وضعه محمد فؤاد عبد الباقى ، طبعة دار الحديث ، القاهرة سنة 1993 م .
اللباب فى تهذيب الأنساب ، لعلى بن محمد بن الأثير طبعة مكتبة القدسى ، القاهرة سنة 1375 هـ .
لسان العرب ، لمحمد بن المكرم بن منظور الإفريقى طبعة دار المعارف القاهرة سنة 1307 هـ ، وطبعة أخرى لدار بيروت سنة 1374 هـ .
لسان الميزان لأبى الفضل أحمد بن على بن حجر العسقلانى مراجعة دائرة المعارف النظامية الهند بيروت سنة 1986م 1406 هـ .
لطائف الإشارات ، للإمام أبى القاسم عبد الكريم القشيرى ، طبعة دار الكتب الحديثة ، القاهرة ، بدون تاريخ .
لطائف الإعلام فى إشارات أهل الإلهام لعبد الرزاق الكاشانى ، تحقيق سعيد عبد الفتاح مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة سنة 1996 هـ .
اللمع فى التصوف ، لأبى نصر السراج الطوسى ، تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ، وطه عبد الباقى سرور ، طبعة دار الكتب الحديثة القاهرة سنة 1960 م .
اللمع فى الرد على أهل الزيغ والبدع ، لأبى الحسن على بن اسماعيل الأشعرى تقديم الدكتور محمود غرابة ، طبعة مطبعة مصر ، القاهرة سنة 1955 م .
ماهية العقل ، للحارث بن أسد المحاسبى ، تحقيق الدكتور حسين القوتلى ، طبعة بيروت ، لبنان ، سنة 1972 هـ .
مباحث فى علوم القرآن ، لصبحى صالح ، طبعة دار العلم ، القاهرة بدون تاريخ .(16/19)
المبين فى شرح معانى ألفاظ الحكماء والمتكلمين لسيف الدين الآمدى تحقيق الدكتور حسن محمود الشافعى ، طبعة مكتبة وهبة ، الطبعة الثانية سنة 1413 هـ ، 1993م .
المجتبى من السنن لأبى عبد الرحمن أحمد بن شعيب ، مراجعة عبد الفتاح أبو غدة مكتبة المطبوعات الإسلامية حلب 1986م ، 1406 هـ .
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، لعلى بن أبى بكر الهيثمى طبعة مطبعة القدسى القاهرة ، بدون تاريخ .
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار فى الأدبيات والنوادر والأخبار لابن عربى دار اليقظة العربية بيروت 1968م .
المحيط بالتكاليف ، لقاضى القضاه أبى الحسن عبد الجبار الأسد ابادى تحقيق عمر عزمى ، طبعة دار الكتب المصرية ، القاهرة سنة 1965م .
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة تأليف شمس الدين بن القيم الجوزية ، طبعة مكتبة المتنبى القاهرة سنة 1981 م .
مختصر العلو للعلى الغفار ، تأليف الحافظ شمس الدين الذهبى ، تحقيق محمد ناصر الألبانى ، طبعة المكتب الإسلامى دمشق سوريا سنة 1401 هـ 1981م .
مختصر منهاج القاصدين ، تأليف أحمد بن عبد الرحمن بن قدامى المقدسى طبعة مكتبة الإيمان ، المنصورة ، مصر ، سنة 1994 م .
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ، تأليف شمس الدين بن القيم الجوزى ، طبعة دار الفكر العربى القاهرة سنة 1375 هـ .
مدخل إلى التصوف الإسلامى ، تأليف الدكتور أبو الوفا التفتازانى طبعة دار الثقافة ، القاهرة سنة 1983م .
مذاهب التفسير الإسلامى للمستشرق إجناز جولد تسهير ، ترجمة محمد يوسف موسى وآخرين ، طبعة دار الكتاب العربى سنة 1959م .
مرآة الجنان وعبرة اليقظان ، للإمام أبى عبد الله محمد بن عبد الله بن أسعد اليافعى ، طبعة حيدآباد ، الهند سنة 1338 هـ .(16/20)
المستدرك على الصحيحين ، لأبى عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابورى ، طبعة حيدر آباد ، الهند سنة 1342 هـ ، وطبعة أخرى مراجعة مصطفى عبد القادر عطا ، طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت سنة 1990م ،1411 هـ .
المستشرقون الناطقون بالإنجليزية لعبد اللطيف الطيباوى ، ترجمة الدكتور قاسم السمرائى ، مطبعة جامعة الإمام محمد ابن مسعود الإسلامية سنة 1991م .
المستشرقون والسيرة للدكتور عماد الدين خليل ، طبعة دار الثقافة الدوحة ، قطر سنة 1989م .
المسند ، للإمام أبى يعلى الموصلى ، تحقيق حسين سليم أحمد ، طبعة المكتب الإسلامى ، القاهرة سنة 1410 هـ ، 1989 م .
المسند ، للإمام أحمد بن حنبل ، تحقيق الشيخ أحمد شاكر ، طبعة دار المعارف ، القاهرة ، سنة 1374 هـ 1955م .
مسند ابن الجعد ، لأبى الحسن على بن الجعد بن عبيد البغدادى مراجعة عامر أحمد حيدر ، مؤسسة نادر بيروت 1990م ، 1410 هـ .
مسند الحميدى ، لأبى بكر عبد الله بن الزبير الحميدى ، مراجعة حبيب الرحمن الأعظمى ، طبعة دار الكتب العلمية بيروت سنة1381 هـ .
مسند الشافعى ، لأبى عبد الله محمد بن إدريس الشافعى ، طبعة دار الكتب العلمية بيروت ، بدون تاريخ .
مسند الشاميين ، لأبى القاسم سليمان بن أحمد الطبرانى ، مراجعة حمدى بن عبد المجيد السلفى ، طبعة مؤسسة الرسالة ، بيروت لبنان سنة 1984م ، 1405 هـ .
مسند الشهاب ، لأبى عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعى مراجعة حمدى بن عبد المجيد السلفى ، طبعة مؤسسة الرسالة ، بيروت لبنان سنة1986م ، 1407 هـ .
مسند الطيالسى : لأبى داود سليمان بن داود الطيالسى ، دار المعرفة بيروت .
مصرع التصوف ، للعلامة برهان الدين البقاعى ، تحقيق عبد الرحمن الوكيل مطبعة السنة المحمدية القاهرة سنة 1373 هـ ، 1953م .
المصطلح الفلسفى عند العرب للدكتور عبد الأمير الأعسم طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة سنة1989م .(16/21)
المصنف لعبد الرزاق بن همام الصنعانى ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمى الطبعة الأولى ، القاهرة سنة 1392 هـ .
المعاجم العربية دراسة تحليلية ، للدكتور عبد السميع محمد أحمد دار الفكر العربى ، الطبعة الرابعة القاهرة سنة 1984م .
المعارضة والرد على أهل الفرق وأهل الدعاوى فى الأحوال ، تأليف
سهل بن عبد الله التسترى ، تحقيق الدكتور محمد كمال جعفر ، طبعة دار الإنسان ، سنة 1980م .
معجم ألفاظ الصوفية للدكتور حسن الشرقاوى ، طبعة مؤسسة المختار ، الطبعة الأولى سنة 1987م .
معجم اصطلاحات الصوفية ، لعبد الرزاق الكاشانى تحقيق الدكتور عبد العال شاهين طبعة دار المنار القاهرة سنة 1992م
معجم البلدان فى معرفة المدن والقرى والعمار والسهل والوعر من كل مكان لياقوت بن عبد الله الرومى الحموى ، طبعة مطبعة السعادة القاهرة سنة 1323 هـ .
المعجم الصوفى ، الحكمة فى حدود الكلمة ، للدكتورة سعاد حكيم طبعة دندرة ، بيروت سنة 1401 هـ ، 1981م .
المعجم العربى نشأنه وتطوره ، للدكتور حسين نصار ، طبعة دار نهضة مصر القاهرة سنة 1956م .
معجم مصطلحات الصوفية للدكتور عبد المنعم حفنى ، طبعة دار المسيرة بيروت سنة 1400هـ ، 1980م .
معجم مقايس اللغة ، لأحمد بن فارس ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، طبعة مطبعة مصطفى البابى الحلبى ، القاهرة سنة 1970م .
معرفة الثقات ، لأبى الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفى مراجعة عبد العليم عبد العظيم البستوى ، مكتبة الدار ، المدينة المنورة ، سنة 1985م 1405 هـ .
معرفة السنن والآثار عن الإمام الشافعى ، تصنيف أحمد بن الحسين البيهقى طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، بدون تاريخ .
معرفة علوم الحديث للحاكم محمد بن عبد الله النيسابورى ، المكتبة العلمية المدينة المنورة سنة1403 هـ .(16/22)
المغرب في ترتيب المعرب لأبي الفتح ناصر الدين بن عبد السيدبن علي بن المطرز ، تحقيق محمود فاخوري و عبد الحميد مختار ، طبعة مكتبة أسامة بن زيد ، حلب ، سنة 1979 م .
المغنى للإمام موفق الدين بن قدامة ، ومعه الشرح الكبير ، طبعة دار الكتاب العربى ، بيروت ، لبنان ، سنة 1393 هـ ، 1973 م .
مفتاح الجنة فى الاحتجاج بالسنة ، تأليف جلال الدين السيوطى طبعة البابى الحلبى ، مصر ، بدون تاريخ .
مفتاح السعادة ومصباح السيادة ، لأحمد بن مصطفى طاش كبرى زاده ، طبعة دار الكتب الحديثة ، القاهرة ، بدون تاريخ .
مفتاح دار السعادة ، للإمام شمس الدين بن القيم الجوزيه ، طبعة دار الكتب العلمية بيروت ، لبنان ، بدون تاريخ .
المفردات فى غريب القرآن لأبى القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهانى تحقيق محمد سيد كيلانى ، طبعة مصطفى البابى الحلبى ، القاهرة سنة 1324 هـ .
مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ، لأبى الحسن الأشعرى تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد ، طبعة مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة سنة1389 هـ ، 1969 م .
المقدمة ، لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون ، تحقيق الدكتور على عبد الواحد وافى ، طبعة لجنة البيان العربى سنة 1960م .
مكارم الأخلاق ، لأبى بكر عبد الله بن محمد ابن أبى الدنيا القرشى مراجعة مجدى السيد إبراهيم ، مكتبة القرآن ، القاهرة 1990م .
الملل والنحل ، على هامش الفصل لابن حزم ، لأبى الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستانى ، تحقيق محمد السيد الكيلانى ، القاهرة 1961م .
من التراث الصوفى ، لسهل بن عبد الله التسترى ، للدكتور محمد كمال إبراهيم جعفر ، طبعة دار المعارف القاهرة سنة 1974م .
من قضايا التصوف فى ضوء الكتاب ، للدكتور محمد السيد الجليند طبعة مطبعة التقدم ، القاهرة سنة 1406 هـ ، 1985م .
منازل السائرين ، لأبى يحى زكريا بن محمد الأنصارى الهروى طبعة مطبعة الحلبى ، القاهرة سنة 1228 هـ .(16/23)
المناظر الإلهية لعبد الكريم الجيلى ، تحقيق الدكتور نجاح محمود الغنيمى طبعة دار المنار القاهرة ، سنة 1407 هـ ، 1987م .
مناهل العرفان فى علوم القرآن ، محمد الزرقانى ، طبعة عيسى البابى مصر سنة 1953م .
المنتظم فى تاريخ الأمم والملوك لابن الجوزى ، تحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا ، طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت لبنان سنة 1412 هـ ، 1992م .
المنتقى من السنن المسندة ، لأبى محمد عبد الله بن على بن الجارود النيسابورى ، مراجعة عبد الله عمر البارودى ، بيروت ، 1408 هـ .
المنحنى الشخصى لحياة الحلاج ، ترجمة عبد الرحمن بدوى دار النهضة المصرية لسنة 1964م .
المنطق ومناهج البحث ، مدخل نقدى لأستاذنا الدكتور محمد عبد الله الشرقاوى دار النصرسنة 1998م .
منع جواز المجاز فى المنزل للتعبد والإعجاز ، إعداد محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطى ، تحقيق أبى حفص سامى بن العربى طبعة مكتبة السنة ، القاهرة سنة 1414 هـ ، 1993م .
المنقذ من الضلال ، للإمام أبى حامد الغزالى ، تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود طبعة دار الكتب الحديثة الطبعة الخامسة القاهرة 1385 هـ .
المنية والأمل فى شرح كتاب الملل والنحل ، لأحمد بن يحى بن المرتضى ، تحقيق توماسى آرتولد ، طبعة حيدر آباد الهند سنة 1316 هـ .
الموافقات فى أصول الشريعة للإمام الشاطبى ، طبعة المطبعة التجارية مصر ، بدون تاريخ .
مواقع النجوم ، لمحى الدين بن عربى ، طبعة مطبعة السعادة ، مصر سنة1325 هـ .
الموالد ، دراسة للعادات والتقاليد الشعبية فى مصر ، للدكتور فاروق أحمد مصطفى ، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة1980م .
موطأ الإمام مالك ، لأبى عبد الله مالك بن أنس الأصبحى ، مراجعة محمد فؤاد عبد الباقى ، دار إحياء التراث العربى ، مصر .(16/24)
ميزان الاعتدال ، لأبى عبد الله محمد بن أحمد الذهبى ، تحقيق على محمد البجاوى ، طبعة دار إحياء الكتب العربية ، بيروت سنة 1282 هـ 1963م .
نزهة النظر لابن حجر العسقلانى ، طبعة مكتبة التوعية الإسلامية القاهرة سنة1989م .
نشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام ، للدكتور على سامى النشار طبعة دار المعارف ، القاهرة سنة 1969 هـ .
نفحات الأنس من حضرات القدس لأبى البركات عبد الرحمن الجامى طبعة الأزهر الشريف ، دار التراث العربى سنة 1409 هـ ، 1989م .
نهاية الإقدام فى علم الكلام ، لأبى الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستانى ، تحقيق ألفردجيوم ، طبعة اكسفورد سنة 1934م .
النهاية في غريب الحديث والأثر ، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري ، تحقيق طاهر أحمد الزاوى ومحمود محمد الطناحي طبعة المكتبة العلمية بيروت ، سنة 1399هـ ، 1979م
نوادر الأصول فى معرفة أخبار الرسول ، لأبى عبد الله محمد بن الحسن الحكيم الترمذى ، طبعة استانبول تركيا سنة 1293 هـ .
الهدى والبيان فى أسماء القرآن ، صالح إبراهيم البليهى ، طبعة جامعة الإمام سنة 1397هـ .
هياكل النور للسهروردى المقتول تحقيق الدكتور محمد على أبو ريان القاهرة سنة 1957م .
الوحى فى المنظور الاستشراقى ونقده للدكتور محمود ماضى ، طبعة دار الدعوة الإسكندرية ، بدون تاريخ .
الورع لأبى بكر عبد الله بن محمد بن أبى الدنيا البغدادى ، مراجعة أبى عبد الله محمد بن حمد الحمود ، الدار السلفية ، الكويت سنة 1988م .
وسائل السائل لمحى الدين بن عربى نشر Man Fred Profitlich ، ألمانيا سنة 1973م .
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، لابن خلكان تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد ، طبعة مكتبة النهضة المصرية القاهرة سنة 1367 هـ .
اليواقيت والجواهر فى بيان عقائد الأكابر ، لعبد الوهاب الشعرانى طبعة دار المعرفة بيروت ، بدون تاريخ .
ثانيا : الرسائل العلمية والمخطوطات
أ- رسائل الدكتوراه :(16/25)
ابن جرير الطبرى ومنهجه فى التفسير ، لمحمود محمد السيد شبيكة مخطوط بمكتبة كلية أصول الدين ، جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة سنة 1976م .
ابن سبعين ومنهجه فى التصوف مخطوط بمكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة إعداد أحمد محمد محمود سليمان سنة1977م .
أثر التصوف الإسلامى فى الآداب والأخلاق إعداد محمد زكى عبد السلام مبارك كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1937م .
أثر القرآن على منهج التفكير الفلسفى ، إعداد محمود السعيد طه الكردى ، كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1979م .
أسس الاتفاق بين السلفية ومشايخ الصوفية فى تراث ابن تيمية ، إعداد الطبلاوى محمود حسين سعد ، مكتبة كلية دار العلوم سنة1982م .
الإمام القشيرى سيرته وآثاره ومذهبه فى التصوف ، إعداد إبراهيم بسيونى ، مكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف القاهرة ، سنة1971م .
توثيق السنة فى القرن الثانى الهجرى أسسه واتجاهاته ، إعداد رفعت فوزى عبد المطلب مكتبة كلية دار العلوم رقم سنة 1976م .
الحب الإلهى فى التصوف بين الإسلام والنصرانية ، إعداد دين محمد ميرا صاحب ، مكتبة كلية أصول الدين بجامعة الأزهر القاهرة ، سنة1991م .
السلوك عند الحكيم الترمذى ومصادره من السنة ، إعداد أحمد عبد الرحيم السايح ، مكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف القاهرة سنة 1986م .
السنة فى القرن الثانى الهجرى أسسه واتجاهاته ، إعداد رفعت فوزى عبد المطلب ، كلية دار العلوم سنة1976م .
الصفات الإلهية فى الكتاب والسنة فى ضوء الإثبات والتنزيه ، إعداد محمد آمان بن على الجامى ، مكتبة كلية دار العلوم سنة 1975م .
العبادة فى الإسلام وصلتها بالفرد والجماعة ، إعداد على عبد اللطيف منصور ، مكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة سنة 1975م .
الغموض فى الدلالة أنماطه وعوامله ووسائل التخلص منه ، إعداد محمد أحمد محمود حماد كلية دار العلوم جامعة القاهرة 1986م .(16/26)
الفضائل الخلقية فى الإسلام ، إعداد أحمد عبد الرحمن إبراهيم ، مكتبة
كلية دار العلوم سنة1977م .
المجاز فى القرآن بين مثبتيه ونافيه ، إعداد عبد السلام محمد وفا مكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة سنة 1986م .
المحكم والمتشابه فى القرآن الكريم ، إعداد إبراهيم عبد الرحمن خليفة مكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر بالقاهرة سنة 1973م .
محى الدين ابن عربى مفسرا ، إعداد حامد محمود الزفرى ، كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة ، سنة 1972م .
مدارك السالكين عند الصوفية وأثرها فى السلوك إعداد محمد هاشم شكرى ، مكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة سنة 1977م .
مدى انطباق أفكار الصوفية على الكتاب والسنة ، إعداد عبد الله يوسف الشاذلى مكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة سنة 1978م .
مذهب التأويل عند الشيعة الباطنية دراسة تحليلية نقدية ، إعداد محمد محمود عبد الحميد ، كلية دار العلوم سنة 1983م .
مشكلة الحرية عند الفلاسفة والصوفية فى الإسلام ، إعداد فاروق أحمد حسن دسوقى مكتبة دارالعلوم سنة 1978م .
مشكلة الخير والشر بين المعتزلة والأشاعرة ، إعداد الدكتور محمد
السيد مرسى الجليند كلية دار العلوم سنة 1975م .
مشكلة الذات والصفات عند محى الدين ابن عربى ، إعداد إسماعيل منصور جودة كلية الآداب جامعة القاهرة سنة1990م .
المصطلحات النقدية فى التراث العربى حتى القرن السابع الهجرى لعبد المطلب عبد المطلب زيد بمكتبة كلية دار العلوم سنة 1989م .
مقاييس نقد متون السنة ، إعداد مسفر عزم الله أحمد الدمينى مكتبة جامعة القاهرة سنة 1982م .
مناهج الاستدلال وصوره لدى المتكلمين والفلاسفة المسلمين ، مختار محمود أحمد عطا الله كلية دار العلوم سنة 1995م .
المنهج الصوفى فى الأخلاق إعداد محمد يوسف بن الحاج محمد نور مكتبة كلية دار العلوم ، سنة 1974م .(16/27)
النص القرآنى بين التفسير والتأويل ، لأستاذنا الدكتور عبد الفتاح سلامة ، مكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة سنة 1979م .
نظرية المعرفة بين الكندى وذى النون المصرى دراسة مقارنة بين الفلسفة والتصوف إعداد السيد رزق الحجر ، مخطوط كلية دار العلوم جامعة القاهرة سنة 1981م .
الوفاء بالعهد فى القرآن الكريم ، إعداد حسنى أمين مصرى ، مخطوط
بمكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف سنة 1981م .
الولاية عند محى الدين ابن عربى ، إعداد أستاذنا الدكتور عبد المنعم عبد الحميد مدكور ، بكلية دار العلوم جامعة القاهرة سنة1980م .
ب - رسائل الماجستير :
الأبعاد الدلالية للتركيب فى تراث ابن تيمية إعداد أحمد طاهر عبد الرحمن مخطوط بمكتبة كلية الآداب ، جامعة القاهرة ، سنة1994م .
ابن العربى ومنهجه فى التفسير ، لمحمد عبد السلام زغوان ، مكتبة جامعة القاهرة لسنة 1978م .
أبو طالب المكى ومنهجه الصوفى لأستاذنا الدكتور عبد الحميد مدكور ، مخطوط بمكتبة كلية دار العلوم جامعة القاهرة 1972م .
الإنسان الكامل عند محى الدين بن عربى ، إعداد هالة أحمد فؤاد مصطفى ، مخطوط بمكتبة كلية الآداب ، جامعة القاهرة 1990م .
البرهان فى متشابه القرآن للكرمانى تحقيق ودراسة ، إعداد منصور محمد منصور الحفناوى مجلدان بمكتبة كلية دار العلوم جامعة القاهرة لسنة 1975م .
البيهقى ومشكلة الصفات الإلهية لأستاذنا الدكتور عبد الفتاح أحمد الفاوى محمود كلية دار العلوم ، سنة 1975م .
تفسير القرآن الكريم على الطريقة الصوفية ، دراسة وتحقيق حقائق
التفسير لأبى عبد الرحمن محمد بن الحسين الأزدى السلمى ، إعداد سلمان نصيف جاسم التكريتى ، مكتبة كلية دار العلوم ، جامعة القاهرة سنة 1975م .
التفسير بين الرأى والأثر إعداد محمد حلمى محمود أبو غزالة مخطوط بمكتبة جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة1397 هـ .(16/28)
الحافظ ابن كثير ومنهجه فى التفسير إسماعيل سالم عبد العال ، بمكتبة كلية دار العلوم جامعة القاهرة ، سنة 1977م .
حال الفناء فى التصوف الإسلامى إعداد إبراهيم إبراهيم محمد ياسين مكتبة كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1980م .
الحب الإلهى عند صوفية القرنين الثالث والرابع الهجريين ، إعداد صبرى متولى منصور الشرقاوى ، مكتبة كلية الآداب ، جامعة القاهرة سنة 1986م .
الحب الإلهى عند محى الدين بن عربى ، إعداد منشاوى عبد الرحمن إسماعيل مكتبة كلية دار العلوم سنة 1983م .
الحب الصوفى عند الإمام البرعى إعداد سبع متولى أيوب ، كلية أصول الدين جامعة الأزهر القاهرة سنة1984م .
الحب فى القرآن دراسة موضوعية إعداد سالم عبد الخالق عبد الحميد ، مخطوط بكلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف 1992م .
الخوف والخشية والوجل فى القرآن الكريم إعداد حسن عبد اللطيف مصطفى ، كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف سنة 1989م .
دراسة فى توليد الألفاظ للدلالة على المعانى ، إعداد محمد إبراهيم حسن العفيفى مكتبة كلية اللغة العربية ، جامعة الأزهر القاهرة سنة1979م .
دراسة دلالية للمصطلحات الإسلامية فى القرآن الكريم إعداد عودة خليل أبو عودة كلية دار العلوم ، سنة 1981م .
الصلة بين الفلسفة والتصوف عند محى الدين ابن عربى ، إعداد محمد عبد التواب السيد يوسف ، مكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة 1983م .
الطعام والعادات الغذائية عند متصوفة الإسلام ، إعداد محمد عبد المنعم صالح ، كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1967م .
العقل ومكانته فى القرآن الكريم إعداد سيد محمد يوسف منصور اللبان ، مخطوط كلية أصول الدين جامعة الأزهر القاهرة سنة 1985م .
فلسفة ابن سبعين ، إعداد محمد ياسر شرف ، مكتبة جامعة دمشق سوريا سنة 1977م .
قضية التأويل عند الإمام ابن تيمية ، لأستاذنا الدكتور محمد السيد الجليند مكتبة كلية دار العلوم جامعة القاهرة سنة 1970م .(16/29)
كتاب شرح أسماء الله الحسنى لأبى الحكم بن برجان ، إعداد شوقى على عمر ، كلية دار العلوم سنة1986م .
مشكلة الذات الإلهية والصفات عند القاضى عبد الجبار المعتزلى رابحة نعمان توفيق عبد اللطيف ، مكتبة كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1988م .
المصطلحات عند الفرابى دراسة لغوية ، إعداد خالد بوشطارة مكتبة كلية الآداب جامعة القاهرة سنة1992م .
المصطلحات النحوية نشأتها وتطورها إعداد سعيد أبو العزم إبراهيم رسالة ماجستير بمكتبة كلية دار العلوم سنة 1977م .
المصطلح العلمى وأساليب صوغه فى مصر فى العصر الحديث إعداد إبراهيم عبد المجيد عبد العزيز ضوه ، رسالة ماجستير بكلية دار العلوم جامعة القاهرة سنة 1985م .
مفهوم الحرية عند الصوفية فى القرنين الهجريين الثالث والرابع ، إعداد محمود عبده عبد الرازق ، مكتبة كلية دار العلوم جامعة القاهرة ، سنة 1995م .
مقام التوكل عند صوفية القرنين الثالث والرابع الهجريين ، إعداد طباح مندى السيد مكتبة كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1988 .
مقام الرضا عند صوفية القرنين الثالث والرابع الهجريين ، إعداد محمد مختار محمد مصلح ، مخطوط كلية الآداب جامعة القاهرة 1988م .
المنهج الصوفى عند عبد الرزاق الكاشانى ، إعداد عصام على معوض مخطوط بكتبة كلية دار العلوم جامعة القاهرة سنة 1997م .
موقف الصوفية من التكاليف الشرعية ، إعداد أحمد على عجيبة رسالة ماجستير بمكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة سنة 1987م .
موقف الصوفية من العقل حتى نهاية القرن الرابع الهجرى رسالة ماجستير ، الدكتور محمد عبد الله الشرقاوى كلية دار العلوم جامعة القاهرة برقم 268 ، سنة 1978م .
الموقف النقدى من التصوف لدى الصوفية ، إعداد عدل أمين حافظ مكتبة كلية دار العلوم جامعة القاهرة برقم 615 سنة1995م .(16/30)
نظرية المعرفة بين ابن رشد وابن عربى إعداد أحمد عبد المهيمن عبد الله ، مخطوط كلية دار العلوم ، جامعة القاهرة سنة 1994م .
الوجود والعدم فى فلسفة ابن عربى الصوفية ، إعداد جمال أحمد سعيد المرزوقى ، ماجستير بمكتبة كلية الآداب جامعة القاهرة 1979م .
وحدة الوجود بين الصوفية والفلاسفة وعلاقتها بصفة الوحدانية إعداد ديدار سيدى محمد مختار رسالة ماجستير بالمكان السابق 1983م .
ج – المخطوطات الأخرى :
الأكياس والمغترون للحكيم الترمذى مخطوط ضمن المخطوطة رقم 104 ، مودعة بدار الكتب الوطنية الظاهرية ، نسخة مصورة من معهد المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية .
أنواع العلوم ، للحكيم محمد بن على الترمذى ، مخطوط مكتبة ولى الدين رقم 770 نسخة مصورة على الميكرو فيلم .
باب فى بيان الشكر والحمد ، للحكيم الترمذى مخطوط مجاميع رقم 694 تصوف دار الكتب الوطنية الظاهرية ، نسخة مصورة من معهد المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية .
رسالة القواعد الكلية فى معرفة تجلى الأسماء الإلهية ، لمحى الدين ابن عربى مخطوط الظاهرية ، دمشق ، رقم5963 .
كتاب الإرشاد ، لمحى الدين ابن عربى مخطوط الظاهرية مخطوط الأحمدية حلب سوريا رقم 797 .
مرآة العارفين لمحى الدين ابن عربى مخطوط الظاهرية مخطوط مكتبة رفيق حمدان الخاصة دمشق .
مرآة المعانى فى إدراك العلم الإنسانى ، لابن عربى مخطوط الظاهرية دمشق ، رقم 19 .
مشاهد الأسرار القدسية مخطوط مكتبة رياض المالح الخاصة ، دمشق .
ثالثا : المراجع الأجنبية :(16/31)
- - - } - } ??? } ? - - صلى الله عليه وسلم -? - ? - ? - ? { ? - ?? الله أكبر - - صلى الله عليه وسلم -?? تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } - - - ?? بسم الله الرحمن الرحيم - } - - - - { - - رضي الله عنهم -?? - - ?? تمهيد - عليه السلام - - - رضي الله عنهم - } - ?????????????? - } فهرس ?- سبحانه وتعالى - تمت فهرس ? - - صلى الله عليه وسلم - - تمت } ? - ? - - مقدمة تمت - صلى الله عليه وسلم - } - - - صلى الله عليه وسلم -? - - - - ? -
- فهرس ? - - - - - عليه السلام - فهرس - رضي الله عنه -?? - - ??- رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم -? الله أكبر } - - صلى الله عليه وسلم -? - فهرس - ? بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - ? - - ? مقدمة - - - مقدمة - صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنه - - ? فهرس } - مقدمة ??? تم بحمد الله - رضي الله عنهم -?????????? - - صلى الله عليه وسلم -? - ? - - صلى الله عليه وسلم - فهرس - صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنهم -? - - رضي الله عنه -- عليه السلام - تمت تمت - - صلى الله عليه وسلم -? - ? - - - - - صلى الله عليه وسلم -? - ? - - - - - ?
- فهرس فهرس - صلى الله عليه وسلم - مقدمة - - صلى الله عليه وسلم - } - صلى الله عليه وسلم -? - - - } مقدمة مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - ? تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } - - - ? - } مقدمة - صلى الله عليه وسلم - فهرس - } - فهرس ? - - ?- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة - ? المحتويات - - صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنه - - ?????????????? - - - صلى الله عليه وسلم - - - } فهرس - ? - ?- عز وجل - - - ? - ? - - - - ? -(16/32)
- - صلى الله عليه وسلم - تمت - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنهم -? - ? - فهرس ?- سبحانه وتعالى - فهرس - رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام -- رضي الله عنه - } - فهرس ??- رضي الله عنه - - ?- رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم -?? - } - - رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - - - صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنهم -?? - - ?? - - عليه السلام - - } - مقدمة ??? بسم الله الرحمن الرحيم - - - - صلى الله عليه وسلم - - ? - ? - - - - ? -
- ? - ? - - - } مقدمة مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ? - ? تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } - - - ?? - } مقدمة - صلى الله عليه وسلم - فهرس - } - فهرس - ?? - - ??- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة ? - ? الله أكبر - - صلى الله عليه وسلم -??- عز وجل - فهرس } - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - رضي الله عنه -- رضي الله عنهم -? - - ?? المحتويات ? - - - - صلى الله عليه وسلم - - - } فهرس - صلى الله عليه وسلم -? { - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - ? - - - - - ? -
تم بحمد الله - فهرس فهرس - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنه - - ? - - صلى الله عليه وسلم -? - ? - - - ? - ? تم بحمد الله - عليه السلام - - - ? - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? - } - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - ? - - رضي الله عنه -- عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - فهرس ?.(16/33)
- - - صلى الله عليه وسلم - تمت } فهرس ? - ? - - صلى الله عليه وسلم - فهرس - صلى الله عليه وسلم - } ? - ? الله أكبر - عليه السلام - - تمت - صلى الله عليه وسلم - - - فهرس ? تم بحمد الله - قرآن كريم - - صلى الله عليه وسلم -? - - } - صلى الله عليه وسلم - - - } ? - ? - } - - رضي الله عنه - - } - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -?? - - ? { - } - - - - { - } - صلى الله عليه وسلم -? الله فهرس - - رضي الله عنهم - - - - { - صلى الله عليه وسلم - - } - صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -? - - ? { - - صلى الله عليه وسلم - } - - - صلى الله عليه وسلم - - ??- صلى الله عليه وسلم - - - ? - - - - } مقدمة - - صلى الله عليه وسلم - - ? - ? - - صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - صلى الله عليه وسلم -?? - - - -
- - - صلى الله عليه وسلم - تمت } فهرس ?- صلى الله عليه وسلم - فهرس ?- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة ?- سبحانه وتعالى -- صلى الله عليه وسلم - - فهرس } - صلى الله عليه وسلم - فهرس ? بسم الله الرحمن الرحيم } تمت - } - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم - - ? } - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ? - - - - } مقدمة - - صلى الله عليه وسلم - - ? - ? - - صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - صلى الله عليه وسلم -??? - - - - ?? - - ? - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - صلى الله عليه وسلم -? { - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -? - - - مقدمة - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -??(16/34)
- - - صلى الله عليه وسلم - - - - } - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? - ? - - صلى الله عليه وسلم - - فهرس ? - ? - - صلى الله عليه وسلم -? - - - عليه السلام - - } - مقدمة - صلى الله عليه وسلم -? بسم الله الرحمن الرحيم - عليه السلام - - - - سبحانه وتعالى - - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -? - } - صلى الله عليه وسلم -- عليه السلام -? - - فهرس ? - - ?- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - - - } - رضي الله عنه - } - فهرس ?- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة } قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -? - ? بسم الله الرحمن الرحيم } تمت - } - - رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم - قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -? - - - سبحانه وتعالى -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - } فهرس فهرس - صلى الله عليه وسلم - - ? - - - - ??? - } - صلى الله عليه وسلم - } - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? { - - صلى الله عليه وسلم -? - - - عليه السلام - - ???????? بسم الله الرحمن الرحيم - - عليه السلام - صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - - ?- صلى الله عليه وسلم - - ? الله أكبر - صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنه - - ? - ? { - - صلى الله عليه وسلم - } - ? - - - - ???
- - - - رضي الله عنهم -? - ? الله - - - } ? - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -? - - ? - } - - رضي الله عنه - - } - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -? - - ?- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة } - مقدمة - صلى الله عليه وسلم -? -(16/35)
الله - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنهم - فهرس ?- عز وجل - فهرس - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - - ? تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } - } - مقدمة ? - - - رضي الله عنه -- عليه السلام - - - رضي الله عنهم -? } فهرس ?- رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم -? فهرس - - رضي الله عنه -- عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? - فهرس - ? - - صلى الله عليه وسلم - - - صلى الله عليه وسلم - - - { مقدمة - صلى الله عليه وسلم - فهرس - رضي الله عنه -??? - - ?? مقدمة - فهرس - - ? - { } - صلى الله عليه وسلم - } - رضي الله عنه -- عليه السلام - - - ? - - فهرس - - } - - عليه السلام - - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - ? - - - - ? -
- - - - - } - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? - ? الله فهرس - - رضي الله عنهم - - - ? - ? - - ?- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة ?.? - - صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنه -? - ? - تمت - - ? - - - صلى الله عليه وسلم - } مقدمة - - - - -
- - - رضي الله عنهم -- صلى الله عليه وسلم - - ? - ? تمهيد } - - - صلى الله عليه وسلم - - ? - ? - - صلى الله عليه وسلم -? - - - صلى الله عليه وسلم - } - - رضي الله عنه -? - - صلى الله عليه وسلم -? - - - سبحانه وتعالى - - - - مقدمة ? - ?- صلى الله عليه وسلم - - ? - ? - - صلى الله عليه وسلم -- عليه السلام - } - ?? بسم الله الرحمن الرحيم - - صلى الله عليه وسلم - } - ? - - - - ? - ?(16/36)
- - - { - صلى الله عليه وسلم - فهرس - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - } مقدمة } فهرس - - - مقدمة ? - ? الله أكبر - - صلى الله عليه وسلم -? - - عليه السلام - - } ? بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ? } فهرس ?- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة ? - ? بسم الله الرحمن الرحيم - - - - صلى الله عليه وسلم - - ? - ? - - - - -
- - مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - ? - ? - - ? - - صلى الله عليه وسلم -- عليه السلام - تمت - ? - ? بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم - - - - - - - } - صلى الله عليه وسلم -? - - عليه السلام -? مقدمة - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } - } - مقدمة - صلى الله عليه وسلم -?- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - } - } - صلى الله عليه وسلم -- عليه السلام - - ??- رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - } - فهرس ?? - - صلى الله عليه وسلم - - فهرس - - } - - صلى الله عليه وسلم -? بسم الله الرحمن الرحيم - - صلى الله عليه وسلم -? - ? - - عليه السلام - - } - صلى الله عليه وسلم - فهرس ? - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? - ? - - - - ? -
- - ?? { - - - } - فهرس ? - ? - - ? - - ? - ? - - - - - - - - ? تمهيد - - صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنه -- رضي الله عنهم -- صلى الله عليه وسلم -? تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -? - - ?- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة ????????????????? بسم الله الرحمن الرحيم - - صلى الله عليه وسلم - } - ? - ? - - - -(16/37)
تمهيد - - صلى الله عليه وسلم - - - - } - - عليه السلام -- رضي الله عنه - - ?? - ? - - صلى الله عليه وسلم - - - صلى الله عليه وسلم - - - { مقدمة - صلى الله عليه وسلم - فهرس - رضي الله عنه -? - - ?? تمهيد - - - مقدمة مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - فهرس } - مقدمة ??.??
تمهيد - - - } - فهرس - فهرس ? - ? - - - عليه السلام - } - ? - ? - - ? { - - - } - فهرس ?? - - صلى الله عليه وسلم -? - - - - - - ?? - ? المحتويات - - عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -? الله - } - رضي الله عنه - } - فهرس ? - ????????? - - - - } مقدمة - - صلى الله عليه وسلم - - ? { - - صلى الله عليه وسلم - } - ? - - - - ? -
تمهيد - - - } - فهرس - فهرس ? - ? - - - عليه السلام - } - ? - ? الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - } - ? - - صلى الله عليه وسلم -? الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - - ?- سبحانه وتعالى - فهرس - صلى الله عليه وسلم - - } - رضي الله عنه - - ? - ? - - فهرس - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - فهرس - رضي الله عنه -?????????????? - - - } - - رضي الله عنه - - } - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم -? - - ? تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -?- صلى الله عليه وسلم - فهرس ? بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم - - ? - - صلى الله عليه وسلم -? - - - سبحانه وتعالى - - - - مقدمة ? - ? بسم الله الرحمن الرحيم - - صلى الله عليه وسلم - } - ? - - - - ? - ?(16/38)
تمهيد - - - } - فهرس - فهرس ? - ? - - - عليه السلام - } - ? - ? الله - - - } ? - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -? - - صلى الله عليه وسلم - - ? بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - } - } فهرس - صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم -?? - - صلى الله عليه وسلم - - } قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -?? الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - فهرس } قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -????? - - صلى الله عليه وسلم -? - - ?? تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } قرآن كريم - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -?? تمهيد - عليه السلام - - - عليه السلام - - مقدمة - فهرس - صلى الله عليه وسلم -? - ?? بسم الله الرحمن الرحيم - - صلى الله عليه وسلم - } - ? - ? - - - - ? - ??
تمهيد - - - } - فهرس - فهرس ? - ? الله فهرس - - رضي الله عنهم - - - - { - صلى الله عليه وسلم - - } - ? - - - ?- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة ?.? - - صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنه -? - ? - - ? - ? - - - - - - - - ? -
المحتويات - - صلى الله عليه وسلم - مقدمة - فهرس ? - - فهرس } - صلى الله عليه وسلم - - ? - ?- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة ? - فهرس - ?- رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم -? صدق الله العظيم - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -? - ? - - فهرس - - فهرس ? - ? - - تمهيد - ? - - فهرس - - فهرس ? - ? - - - - ? -(16/39)
بسم الله الرحمن الرحيم - - - - } - - - - - } فهرس ? - ?- سبحانه وتعالى - تمت فهرس ?? تمهيد - - - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ?- رضي الله عنهم -? - - عليه السلام -? الله - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم - - - ?? بسم الله الرحمن الرحيم تمت - صلى الله عليه وسلم - - - ? الله - - - } - - - ? - ????????????? تمهيد - - - صلى الله عليه وسلم - } - ? - - - تمهيد ? - ?
الله أكبر - تمت - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم -? الله أكبر - - - عليه السلام - - - صلى الله عليه وسلم - - - ?? - فهرس ??- سبحانه وتعالى - فهرس - رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - - - - عليه السلام - - - رضي الله عنه - } - فهرس ??- رضي الله عنه - - ??- رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم -? بسم الله الرحمن الرحيم - - رضي الله عنهم - - - - - - - - رضي الله عنهم -?? - - ?? الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } - } - فهرس ? - - مقدمة تمت - صلى الله عليه وسلم - } - - - صلى الله عليه وسلم -? - ? - - - - ?
الله أكبر - عليه السلام - - - - صلى الله عليه وسلم - - - ? - ? تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } - } - مقدمة ?? - فهرس - ? - - - } - ? - - - صلى الله عليه وسلم - - - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - - ? بسم الله الرحمن الرحيم - { - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - - ?? الله أكبر - - صلى الله عليه وسلم -? تمهيد - - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - فهرس ??????????? - } تمت - صلى الله عليه وسلم - - - صلى الله عليه وسلم -- رضي الله عنهم -? - ? المحتويات - صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ?- جل جلاله - - - صلى الله عليه وسلم - - ?? - - - - - ? -(16/40)
- - - عليه السلام -- رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - فهرس ? - ? الله - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - فهرس ? - } - صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم - ? - - ?- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة ? } فهرس ?- رضي الله عنه - - - صلى الله عليه وسلم -? تمهيد } - - - - صلى الله عليه وسلم -? - - - صلى الله عليه وسلم - - ? - ? - - - صلى الله عليه وسلم - - - - صلى الله عليه وسلم - - ????? - - مقدمة تمت - صلى الله عليه وسلم - } - - - صلى الله عليه وسلم -? - ? - - تمهيد - ? -
- - رضي الله عنه - - - - صلى الله عليه وسلم -? - ? تمهيد - رضي الله عنهم - - - رضي الله عنه - } - } - مقدمة ? - فهرس - ? { - } - - - - { - - رضي الله عنهم -? - تمهيد - - ? تمهيد } - - - فهرس ? - ? - - فهرس - - - فهرس ? - - - تمهيد - ? -
- عز وجل -- صلى الله عليه وسلم - - - فهرس - ? - ? - - - عليه السلام -- صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - فهرس - - صلى الله عليه وسلم -? - ? الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - } - صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم ? - - ? { - صلى الله عليه وسلم - - تمت - - صلى الله عليه وسلم - مقدمة - ? } فهرس ? - - صلى الله عليه وسلم - - } - - - - صلى الله عليه وسلم - - { - - رضي الله عنهم -? - ????????????????? - - فهرس - - عليه السلام - - - - ?- صلى الله عليه وسلم -??? - - ? - - - تمهيد -(16/41)
الله - - رضي الله عنه -- رضي الله عنه -? - تمهيد - ? تمهيد - عليه السلام - - - مقدمة مقدمة - صلى الله عليه وسلم - - - - بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وسلم - - { - - رضي الله عنه -? - فهرس - ? - - رضي الله عنه - - - رضي الله عنه -- صلى الله عليه وسلم - - ? تمهيد - فهرس ? المحتويات - صلى الله عليه وسلم - صدق الله العظيم - جل جلاله - - - صلى الله عليه وسلم - - ? - - - - ? -
الله - - رضي الله عنه -- رضي الله عنه -? - تمهيد - ? الله أكبر - - صلى الله عليه وسلم -?- سبحانه وتعالى - - - - مقدمة } - ?? الله أكبر - صلى الله عليه وسلم - - - - - رضي الله عنه - } - فهرس ? } فهرس ? الله أكبر - - صلى الله عليه وسلم -? تمهيد - - - صلى الله عليه وسلم -- صلى الله عليه وسلم - فهرس ? الله - - صلى الله عليه وسلم - - - ? - - تمهيد - ? -(16/42)