المذاهب الفلسفية الإلحادية الروحية
وتطبيقاتها المعاصرة
إعداد :
فوز بنت عبداللطيف كردي
أستاذة العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية التربية بجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، والصلاة والسلام على إمام الأولين والآخرين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد ..
فمن المعلوم أن الله سبحانه قد اصطفى نبيه واجتباه خاتماً للنبيين ، وأرسله برسالة الإسلام ناسخة للرسالات، وقال : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ، وقال: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } فامتن على عباده بإكمال الدين وإتمام النعمة بدين شامل كامل صالح لكل زمان ومكان ، مرضي من عنده - سبحانه - للبشرية منهجاً إلى يوم الدين ، فيه دليل سعادتهم في الدنيا وفلاحهم في الآخرة ، فاستمساكهم بهديه وهداه عاصم لهم من الفتن والضلالات قال - صلى الله عليه وسلم -: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي " .(1/1)
ومن لوازم عقيدة ختم النبوة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، الإيمان بأن قاعدة الكمال في الدين مطردة في كل نواحي الحياة ، وهذا ما أكده صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن سار على نهجهم إلى زماننا هذا ، وما زالت الأبحاث العلمية والتربوية يوماً بعد يوم تكشف عن جوانب الإعجاز في هذا الدين ، ومصادره العظيمة ، وشعائره المقدسة ، وهدي نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى ؛ مما يزيد في الإيمان ، ويثبت الجنان ، ويعلي الهمة للتدبر والاعتصام قال ابن القيم : "وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته ، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه ، فكيف يظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها ناقصة تحتاج سياسة خارجة عنها تكملها ، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها ؟؟ ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده ، وسبب ذلك كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك وقلة نصيبه من الفهم الذي وفق له أصحاب نبيه الذين اكتفوا بما جاء به ، واستغنوا به عما سواه ، وفتحوا به القلوب والبلاد ، وقالوا : هذا عهد نبينا وهو عهدنا إليكم "(1) .
__________
(1) . أعلام الموقعين (4 / 376 ).(1/2)
وهذا الكتاب يهدف للوقوف في وجه سيل جارف -يجتاح أمة الإسلام - من الثقافات والتطبيقات العملية لما عند أهل الأديان الأخرى من فلسفات وطقوس ، ودعوات تهدف لاجتثاث الإيمان بالألوهية من قلوب البشرية ، وإلغاء أخص معاني العبودية من تحقق القلب بالذلة والافتقار لله رب العالمين – كما سيتضح عبر مباحث هذا الكتاب – تحت دعوات ظاهرها الندب إلى تحري الحكمة وإثراء الثقافة ،وأخذ العلم والمعرفة من كل مصدر ومكان ، ومنه كتب الأديان الأخرى والفلسفات القديمة والحديثة . وإعادة النظر في أسباب رفضها ، وتحذير الناس من مطالعتها ، فيما يظهر كأنه حضارة وتفتح ، وحقيقته دعوات فلسفية وغنوصية بمنهج خفي متدثر بدثار التقنيات الحياتية ، والمعرفة والثقافة الحيادية .(1/3)
وانجرف فئام من المسلمين في هذا التيار ظانين أن التحذيرات إنما هي نظرة تقليدية تتخوف من الجديد ، لا أنها نظرة شرعية وتذكير بأسس دينية وقواعد عقدية تضبط وتوجه وتحمي من مزالق الطريق ، ثم أنها كذلك تتبع لمنهج وعاه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصوص الوحي كما في قوله تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } ، ومضوا يربون عليه الأمة ، ويحذرونهم من تنكبه قال ابن مسعود رضي الله عنه : " إن هذا الصراط محتضر ، تحضره الشياطين ، ينادون : ياعبدالله هلم هذا الطريق ، ليصدوا عن سبيل الله ، فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله هو كتابه"(1) . قال ابن عباس رضي الله عنهما قال : كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث تقرؤونه محضا لم يشب ؟! وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وقالوا : هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ؟! لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ؟! لا والله مارأينا منهم رجلا يسألكم عما أنزل الله عليكم! (2)، بل "قد كان عمر رضي الله عنه يمنع من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يشتغل الناس به عن القرآن ، فكيف لو رأى اشتغال الناس بآرائهم وزبد أفكارهم وزبالة أذهانهم عن القرآن والحديث؟ "(3) .
__________
(1) . ذكره ابن جرير في تفسيره ( 7 / 71 ) .
(2) . أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة .
(3) . أعلام الموقعين (4 / 376 ).(1/4)
إنه غزو فكري جديد تلون في صور دورات تدريبية ، وتنوع في تطبيقات حياتية رياضية واستشفائية ، يظنها الناظر لأول وهلة علوم مستحدثة ، واكتشافات علمية ، ونظريات تربوية نفسية ، وأدوات عصرية محايدة تعين على مواجهة مشكلات العصر ، وتجاوز مخلفات الحضارة المادية التي نغّصت الحياة اليومية ، ولوثت البيئة ، ونشرت أنواع من الأمراض البدنية والنفسية ، وهي في حقيقتها غير هذا الظاهر ؛ مما جعلها بالغة الخطر لاشتباهها على الناس بظاهر يعدهم بالسعادة والصحة حتى يخرجهم من أخص معاني العبودية فيحرمون سعادة الدنيا والآخرة التي لا تكون إلا بتحقيق غاية خلقهم التي بينها الله لهم فقال : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ، وقال ابن تيمية يرحمه الله مؤكداً : " من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية " .(1/5)
ومن هنا رأيت – بعد أن يسر الله لي بحث أصولها وكشف عوار حقيقتها - أن أقدم نتيجة هذه الدراسة للمسلمين عامة وخاصة أبين فيها – بإذن الله - حقائق مهمة عن التطبيقات الوافدة بعامة ، وأصول الفكر العقدي الذي تقوم عليه في حقيقتها من الفلسفات الملحدة ، وعقائد الغنوصية في قوالب الروحانيات والتطبيقات الحياتية . وما ذاك إلا إسهاماً في الدعوة إلى الله عزوجل ، وتحذيراً للمسلمين في بلاد الإسلام ، من عرفها منهم أولم يعرفها ، ومن فطن منهم إلى ما وراءها أو لم يتفطن ؛ إذ العالم اليوم يعيش تواصلا فكرياً منقطع النظير في ظل ثورة تقنيات الاتصالات الحديثة والتبادل المعرفي ، وتظلله دعوات "الحوار الإنساني" و"التسامح العالمي" ، فمن لم تُعرض عليه هذه التطبيقات اليوم ستعرض عليه غداً ، ومن لم يفتن بها في صورة قد تفتنه صورة أخرى لها ، لذا كان لابد من فضح حقيقتها وبيان منهجها ليكون المسلمين على بينة من عدوهم وإن لبس لباس الناصح الأمين ، أو الأخ الكوكبي(1) ، أو الطبيب الحاذق ، أو العالم القدير .
__________
(1) . "الأخ الكوكبي" و"الأخ الكوني" مصطلحات جديدة تتضمن الدعوة لما يعتقدونه من وجوب تناغم الكون ونبذ الكراهية ، وعدم الجدال واحترام الطبيعة في ظاهر لايعدو نشر اللطف والتسامح ، وحقيقته فلسفة فكرية تختلف تماماً عن منهج الإسلام الذي يضبط جميع العواطف ويوجهها ، فلا انفلات بدعوى الأخوة الإنسانية ولاتطرف بدعوى كراهية الكافر ولكنه ولاء وبراء بمنهج تعيش في ظله الإنسانية أروع معاني الأمن والعدل في ظل راية التوحيد الخفاقة .(1/6)
وأذّكر – القارئ الكريم - بضرورة التواصي بالاستمساك والاعتصام بالكتاب والسنة ، والإقبال عليهما دراسة ، وتطبيقاً ، وتدبراً ، واستشفاءً للقلوب والعقول والأرواح والأبدان ، ومنهجاً للحياة والهدى والسعادة فالاستمساك بهما طريقنا لاستعادة مجدنا ، وتحقيق أمننا ، والوصول إلى غاية أملنا ، قال صلى الله عليه وسلم : " لقد أتيتكم بها بيضاء نقية " ، والأساليب اليوم لصرف الأمة عن تراثها العظيم "الوحي" باطنية المنهج لاتدعوهم إلى تركه وهجره – فقد جربت هذا كثيراً وفشلت في تحقيقه - ولكنها تصرفهم عنه وهو بين أيديهم ! بإشغالهم عنه حتى يُهمّش دوره في الحياة فلا يعدو كونه مجرد كلمات وتراتيل مقدسة ، أوتُطوّع نصوصه لتخدم معان ٍباطلة ، أو يُبعد عن مكان الهادي والمرشد لمرتبة التابع والمؤيد ، فتفقد الأمة بذلك هويتها وتضل عن مقومات هداها ، وعزها ونصرها وتميزها فنحن كما قال الفاروق رضي الله عنه : "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله " .
وقد نهجت في عرض مادة هذا الكتاب تقسيمه إلى ستة مباحث مع مقدمة وخاتمة على النحو التالي :
المقدمة :
وفيها بيان فكرة هذا الكتاب ومنهجه وسبب تأليفه .
المبحث الأول : في تعريف هذه المذاهب وبيان حقيقتها .
المبحث الثاني : في بيان نشأتها الجذور الفكرية والعقائدية لها.
المبحث الثالث : في بيان أهم الأفكار والمعتقدات.
المبحث الرابع : في بيان بعض صورها وتطبيقاتها اليومية في الحياة المعاصرة .
المبحث الخامس : في بيان علاقتها بالأديان والمذاهب المخالفة الأخرى .
المبحث السادس : في بيان موقف الإسلام منها ومناقشة الشبه حولها .
الخاتمة : وفيها تلخيص النتائج والتوصيات .(1/7)
هذا وإن دراسة مثل هذه الموضوعات العقدية الفلسفية محفوف بالمخاطر والصعوبات ؛ فالباحث فيها يحتاج - مع دوام الإلحاح والتضرع لله - إلى تحصيل علم أصيل في المعتقد الحق كي لا تزل به القدم ، ثم إلى متابعة دقيقة فكثير من مادة هذه الموضوعات موجود بشكل متناثر ملبّس ومختلط فيه الحق بالباطل ، ويلفه شيء من الغموض يصعب فهمه ، وما هو موجود في كتب أهل السنة - في معرض ردهم على الفلاسفة وأهل البدع - مطبوع بطابع تلونات هذه الفلسفات في عصورهم ، والموجود في المصادر الأجنبية يحتاج إلى ترجمة واعية ، وحذر شديد لما فيه من حجج منطقية قد تدخل إلى عقل العبد وقلبه فتفسد عليه دنياه وآخرته – والعياذ بالله - كما وأن التطبيقات المعاصرة لهذه الفلسفات والمذاهب تحتاج متابعة ميدانية ودراية بمنهج العرض وأساليب الباطنية . ولا أزعم أنني امتلك تلك القدرات التي تؤهلني لخوض هذا الخضم ولكنني لم أجد مخرجاً في ترك مهمة بحثها ، ومن ثم التحذير منها لما رأيته عياناً من المنزلقات الخطيرة التي وقع فيها كثير من المدربين والمتدربين المسلمين بصورة تطبيقات وثنية من خلال الدورات والاستشفاءات والرياضات وغيرها ، هذا وأنا أعيش في بلاد الحرمين الطاهرة ، التي رضع أهلها التوحيد مع لبان الأمهات وحفظوا قواعد العقيدة منذ نعومة الأظفار ! فكيف بغيرها من بلاد الإسلام! كما وأن ما شرفني الله به من الانتماء لتخصص العقيدة يجعل أمر هذا البحث وتوابعه من التحذير ، وتبيين ذلك للناس لزاماً عليّ من باب فروض الكفايات .(1/8)
فاستعنت بالله وأخذت بأسباب ذلك باذلة كل جهدي في جمع مادة هذا البحث ، فقضيت في بحثها أوقاتاً مديدة ، عاكفة أولا على الكتاب والسنة وكتب عقيدة السلف ومصنفاتهم في الرد على أهل البدع وفضح باطلهم ، ثم طالعت كتب الفلسفات والأديان الشرقية ، مع ما جمعته من الكتب التي تعرض تطبيقات هذه الفلسفة في القوالب العصرية ، العربية منها والأجنبية والمترجمة بالإضافة إلى مذكرات المدربين من المسلمين ، فخرجت مادة هذه السلسلة بداية – لضيق الوقت - مطبوعة على شكل مذكرات مختصرة أشرحها لطالبات العلم في دورات علمية بهدف التوضيح بالأمثلة ، ومناقشة الشبهات ، والرد على التساؤلات ، وتكوين حصانة فكرية إيمانية ضد هذه الوافدات لدى طائفة تضطلع بحمل راية التحذير منها بين المسلمين ، أما عامة الناس فيكفيهم سماع التحذير من خطر هذه التطبيقات الوافدة وضلال الفكر الذي تبثه وأن حقيقتها مذاهب إلحادية بصوت دعاتهم وعلمائهم لكي ينصرفوا عنها ويعرضوا عن تطبيقاتها ، ويحذروا من مطالعة الفكر الذي تبثه خشية أن يلبّس عليهم ويفتنهم .(1/9)
ثم بدا لي بعد – استخارة واستشارة – أن أفصّل القول فيها أكثر ، وأخرجها في كتيبات موجزة تشرح حقيقتها ، وتفضح زيفها ، وتذكّر بقواعد عقيدة السلف ؛ لتكون في متناول الجميع من الجنسين بتفصيل نقدها ومناقشة شبهها حيث أن كثير من إخواني الدعاة وطلبة العلم الشرعي الذين لم يبحثوا كما بحثت ، ولم يعرفوا حول هذا الموضوع ماعرفت – وإن كانوا أفضل وأعلم في الجملة كما أحسبهم – ظنوا أن الأمر لا يعدو نظرة ضيقة وراءها غيرة دينية غير منضبطة ، ولهم في ذلك العذر فهم لم يستمعوا إلى الحقائق التي أشرحها وأبينها في الدورات التي أقدمها لمجتمع النساء وإنما طالعوا بعض المذكرات المختصرة أو استمعوا لبعض مايردد ويقال من رواد نشر هذه التطبيقات من المسلمين هداهم الله ؛ فاعتبرت أن من واجبي نحوهم إصدار هذه السلسة فعمدة النجاة من خسارة الدارين - بعد الإيمان والعمل الصالح - التواصي بالحق والصبر كما بين الله في سورة العصر .(1/10)
كما وأن العالم اليوم أصبح قرية واحدة ، ويعيش أفراده تمازجاً وتفاعلا حضارياً وثقافياًلم تشهده البشرية من قبل في ظل ثورة الاتصالات والفضائيات الحديثة التي سخرت إمكانياتها لخدمة هذه الشرور وغيرها ؛ وروجت لها بين الناس، ولبّست الحق بالباطل ، وكان من نتاج ذلك افتتان بعض المسلمين بها بل وتصديهم لنشرها والتدريب عليها ظناً منهم أنها من باب الحكمة والعلم والمعرفة وإعمال العقل ، والمعاصرة والتفاعل مع الحضارات وعدم التعلق بآراء القدماء(1). فأقبلوا عليها في تبعية مقيتة تحت شعورهم بالانهزامية والتخلف عن ركب المدنية غافلين عن معاني : { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } ، ناسين تحذير نبيهم صلى الله عليه وسلم الذي تضمنه يبانه لحقيقة كونية عندما قال : " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى إذا دخلوا جحر ضب لدخلتموه " ، فكانوا من أوائل المتلقفين لها ظانين أنهم اليوم أعظم فهماً وأكثر علماً في أمور الحياة ، وربما يكون لهذا وجه صحة في بعض العلوم المادية والتقنيات التكنولوجية المختلفة ، أما في الفهم لحقيقة الدنيا والآخرة وغاية الحياة وطريق السعادة وحقيقة الوجود ، ودلالات نصوص الكتاب والسنة فقد كان السلف رضوان الله عليهم أعظم فهماً لصفاء نفوسهم وصدقهم وقلة تكلفهم وفقههم للعربية .
وقد راعيت في هذا الكتاب الاختصار والتبسيط مااستطعت مع استخدام الأسماء والمصطلحات المعاصرة لهذه الفلسفة وتطبيقاتها وبيان مايدل عليها من القديم ما أمكن .
__________
(1) . من المفارقات العجيبة أنه لا يستجيب لدعوات التحرر من آراء القدماء إلا فئام من المسلمين فيتشوفون إلى تلقف كل جديد بينما يتشبث أهل الضلالات بالفلسفات والنظريات الوثنيات البالية ، ومناهج من يسمونهم بالحكماء الأوائل الذين عاشوا منذ 5000 سنة قبل الميلاد في الصين والهند أو من الفلاسفة القدامى من الفرس والإغريق !!(1/11)
وما كنت لأصل إلى هذه الحقائق برغم قوة التلبيس في التنظير والتدريب على الفلسفات بصورها التطبيقية المعاصرة ، وما كان هذا الكتاب ليخرج إلى القراء برغم ضيق وقت الباحثة في إعداد اطروحة الدكتوراة إلا بفضل الله وتوفيقه فله الحمد أولا وله الحمد آخراً . ثم بجهود بحثية متواصلة ، ومساندة علمية ونفسية مشكورة تجاوزت بي حدود اللغة وإمكانات الوصول إلى المعلومة من زوجي الكريم الدكتور عبدالغني مليباري جزاه الله عني وعن الإسلام والمسلمين خيراً ، وبحدب أبوي كريم من أصحاب الفضيلة والمعالي العلماء ، ومؤازة أخوية من كثير من طلبة وطالبات العلم الشرعي فجزى الله الجميع خيراً وأجزل لهم المثوبة والعطاء .
وأسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، وأستعيذ بجنابه من الفتن ما ظهر منها وما بطن . إنه المستعان وعليه التكلان .
فوز بنت عبداللطيف كردي
Fowz_3k@yahoo.com
جدة غرة عام 1425 هـ
المبحث الأول :
في تعريف هذه المذاهب وبيان حقيقتها
هي مذاهب فكرية فلسفية إلحادية روحية ، تعتمد على مزيج من مفاهيم الديانات الشرقية والوثنيات والفلسفات الملحدة ، وتدعو لكثير من طقوس الأديان الشرقية ووثنيات الهنود الحمر في قوالب عصرية ، وصورة تطبيقات حياتية أو رياضية وصحية .(1/12)
وهي فلسفية لكونها تعتمد فلسفة شاملة للكون والحياة ، وتفسيراً لماوراء الطبيعة "العالم الغيبي" ، ومنهجاً شاملا للحياة بناء على نظرتهم للحياة وغايتها ، ولعقيدتهم في الوجود والخالق ، وتحديدهم للعلاقة بين الكون والخالق فتقدم لمعتنقيها إجابات فلسفية على الأسئلة الفطرية ، من أنا؟ ولماذا خلقت ؟ وإلى أين المصير ؟ تلك الأسئلة التي جوابها الصحيح لا يكون إلا عند من خلق وأحيا ، وبيده الممات وإليه المصير ، ومن رحمته بيّن هذه الإجابات ووضحها بالرسالات . أما منكري النبوات فإنهم على امتداد العصور يتخبطون بحثاً عن الإجابة بعقول محدودة .
وهي إلحادية لأنها لاتؤمن بالإله حسب عقيدة الألوهية "الإله الحق"–وإن كانت تؤمن بطواغيت كثيرة – أبرزها "الكلي الواحد" الذي يُفسر بالإله وأحياناً بـ"الله" -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً –عند بعض المترجمين والشارحين للفلسفة من أصحاب الديانات السماوية ومنهم الفلاسفة المسلمين إلا أن هذا الإثبات لا يخرجهم ولا فلسفتهم من دائرة الإلحاد؛ إذ ليس الإلحاد إنكار وجود الله فقط – كما هو معلوم -وإنما يتعدى ذلك لإنكار وجوده الحقيقي أو إنكار صفاته العلية أو بعضها . ويمكن من وجه آخر وصفها بالشرك فهي تتضمن القول بإلهين والقول بآلهة بمنهج وفلسفة خاصة كما سيظهر عند شرح أبرز معتقداتهم .(1/13)
أما معنى كونها روحية أي أنها تهتم بالروحانيات(1)(spirtituality) ، فقد سعت إلى دعم الدعوات الروحية الحديثة التي ظهرت كرد فعل لطغيان الفكر المادي وتفسيره للحياة والتاريخ(2)
__________
(1) . ليس المقصود بالروحانيات ما قد يفهمه المسلم لأول وهلة من لذة المناجاة ، وحلاوة الإيمان ، والخشوع بين يدي الله ، والفرح والأنس بالله ونحو ذلك، فهذه روحانيات الديانات السماوية وأعظمها مايجده المسلم العارف بربه سبحانه وتعالى ، وإنما المقصود بالروحانيات عند الفلاسفة ومنكري النبوات : مخاطبة أرواح الأسلاف واستمداد طاقة أرواح الكواكب والأفلاك ، وطاقة الأشكال الهندسية والتأثيرات الروحية للتماثيل ، ومايتبع ذلك من مزاعم استحضار الأرواح ، والقدرة على مخاطبتها والوصول إلى خصائصها بإظهار قدرات خارقة كتلك التي تظهر على اليوجي والفقير الهندي ( الناسك الهندي) الذي يستطيع السير عارياً على نهر متجمد ، ويمشي على النار والزجاج المدبب دون أن يتألم . وماهي في حقيقتها روحانيات وإنما هي فتنة من الله وإمداد للمشركين في غيهم ، وقد تكون نتيجة للاستعانة بالشياطين عن طريق السحر والطلسمات وغيرها مما لا يرضي الله ، أو تكون إعانات من الجن والشياطين وإن لم يطلبوها . وينتبه كذلك أن بعض هذه الممارسات التي تظهر خارقة للعادة لها تفسيرات علمية دقيقة لا يعرفها كثير من الناس فهي تعتمد بعض القوانين الفيزيائية والخصائص الكيميائية التي تستغل في ادعاء حصول قوة خارقة وقدرات غير طبيعية . انظر فصول في أديان الهند ص والموسوعة الميسرة(2/ 847 ) .
(2) .هذه الدعوات منها ماكان منطلقه إثبات الجانب الروحي في الإنسان وضرورة الاهتمام به لما تفشى من إنكار أو إغفال للجانب الروحي من قبل رواد الفكر المادي وبعض مدارس علم النفس السلوكية ، ومنها ماتعدى ذلك إلى إحياء وثنيات التعامل مع الأرواح ، واستمداد طاقة أرواح الأسلاف ، وطاقة أرواح الكواكب والأفلاك وغير ذلك . انظر الموسوعة الميسرة للأديان( 2/ 846 ) .(1/14)
ورفضه لكل ماوراء المادة والطبيعة ،كما سعت إلى إحياء روحانيات وثنيات قبائل الهنود الحمر ، وقبائل جزر هواي ، والشامان في سيبيريا وأستراليا وغيرها، التي لايعدو الغيب عندها الإيمان بوجود أرواح خير وأرواح شر ، ولابد من معرفة طرق استجلاب الأولى وطرد الأخرى بطقوس سحرية ، ورقصات دينية ، وترانيم وثنية كثيرة .
وإن كانت هذه المذاهب يمكن أن توصف من زاوية أخرى بأنها مذاهب مادية ؛ لأنها تفسر الأمور الغيبية ( الملائكة والجن والجنة والنار ...) بتفسيرات مادية أو عقلية ؛ فالملائكة والشياطين تفسر بقوى النفس الكامنة ، والجنة والنار –برأيهم- رمز لجزاء يقع في الدنيا بالكارما والتناسخ(1) ، والإله –لمن يؤمنون به منهم- تصور ذهني ، أو قوة كونية أو طاقة أثيرية أو فكرة عقلية موجودة في مادة ( عقل الإنسان ) وليس له وجود مستقل على الحقيقة.
__________
(1) ."الكارما" كلمة سنسكريتية معناها العمل ، ويعتبر قانون الكارما هو قانون الجزاء في الأديان الشرقية الذي يقرر إن كان الإنسان صالحا في واحدة من دورات حياته الحلولية فإنه سيلقى جزاء ذلك في الدورة الثانية ، وإذا كان طالحا فإنه سيلقى جزاءه في الدورة الثانية فالكارما هي أساس التناسخ . انظر "منوسمرتي" ص679 ، وأديان الهند الكبرى ص61 ، وفصول في أديان الهند ، والبوذية ص182 . والتناسخ هو علم على النحلة الهندية ويعني رجوع الروح بعد خروجها إلى العالم الأرضي في جسم آخر فتسمى :تجوال الروح ، تكرار المولد ، العودة للتجسد ، وهذا التناسخ محكوم بالكارما فنتيجة العمل الصالح تناسخ في أجساد منعمة وحياة رغيدة ، ونتيجة العمل السيئ تناسخ في أجساد حقيرة أو معذبة . انظر تحقيق ماللهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة ص ، وأديان الهند الكبرى ص63 ، وفصول في أديان الهند ص ، البوذية ص219 .(1/15)
وهذه المذاهب حديثة من وجه ، قديمة من وجوه ، فهي قديمة مستقاة من الوثنيات التي ظهرت على امتداد التاريخ في شتى بقاع الأرض ، كما تستقي من المذاهب الفلسفية والإلحادية القديمة والحديثة .
حديثة من حيث تطبيقاتها المتنوعة في عصرنا الحديث ، كما وأنها حديثة في طرائق عرضها حيث دخلت على شكل استطبابات ، ودورات مهارات الحياة تحت شعارات برّاقة أبرزها : الصحة والسعادة والنجاح والإيجابية والتغيير وإبراز القدرات الخلاقة .
ومن هنا فلم تكن مظلتها المعاصرة فلسفية بحتة حتى لاتكون خاصة بمجالس العلماء ومناظراتهم أو طبقة المثقفين ، كما لم تُظهر طابعها العقائدي لئلا يتصدى لها حماة الدين من الدعاة وطلبة العلم الشرعي ، بل لقد أخفت علاقتها بالدين تماماً لاسيما وأنها حملت شعارات تفعيل الطاقات وتنمية القدرة على التواصل التي يحتاجها كثيراً العاملين في مجال الدعوة ، ومن هنا فقد تدرب عليها نخبة من أبناء الأمة ممن ظاهرهم الصلاح –والله حسيبهم – على حين غفلة منهم ، ثم أصبحوا هم الذين يساهمون في نشر تطبيقاتها ودوراتها بعد أن دللوا على بعض ما يكون فيها من حق بآيات وأحاديث اشتبهت دلالاتها ( ظناً منهم أنهم بهذا الصنيع أسلموها ) فاشتد التلبيس أكثر على من بعدهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .(1/16)
وقد ساعد في انتشارها أنها اتخذت لها مظلة من الدعوات التي ينادي بها العالم المتحضر وتعد من سمات الحضارة المادية ومتطلبات الحياة العصرية مثل : الاستشفاء البديل، الطب البديل أوالتكاملي(1)، التناغم مع الطبيعة ، اكتشاف الطاقة والقدرات البشرية الكامنة ، الاسترخاء ، الإيجابية ، التغيير ، التسامح ....
وما حقيقة هذه التطبيقات إلا ممارسة عملية لأصول هذا الفكر المستمد من معتقدات أديان الشرق في الهند والصين والتبت من الهندوسية والجينية والبوذية والطاوية والشنتوية ، أو وثنيات الشامانية والدرودية والهونا والويكا(2) وغيرها مما يعتمد كله على فلسفة "طاقة قوة الحياة " التي هي الوجه الحديث لعقيدة "وحدة الوجود" كما سيتضح فيما يلي .
__________
(1) . تحت هذه المصلحات اختلط الحابل بالنابل فيذكرون الاستشفاء بالأعشاب والحميات الغذائية مما هو مجاله العقل والتجريب غالباً ، مع الاستشفاء بالقرآن والرقى الشرعية مما هو حق ثابت ، إلى جانب الاستشفاء بخواص أسماء الله وصفاته بطريقة بدعية ، مع الاستشفاء بالأحجار والألوان ورياضات البوذيين والهندوس وفلسفات الطاويين وغيرها مما هو باطل أو شرك مما يتطلب تصدي أهل الاختصاص في الطب مع أهل الاختصاص في العقائد لتمييز الحق من الصواب ، والاستشفاء من الشرك .
(2) . هذه المصطلحات تدل على مجموهة من الأديان الوثنية التي يتبنى الدعوة لها طائفة الوثنيون الجدد وطائفة "النيواييج " العصر الجديد الذين لا يجدون غضاضة من ممارستها مع التمسك بمعتقد آخر كالمسيحية واليهودية أو الأديان الهلامية الشرقية كالبوذية والطاوية وغيرها ، وهي مجموعة من المعتقدات المتباينة التي تشترك في عقيدة وحدة الوجود .(1/17)
كما أن اعتمادها على نظام التسويق المتعدد المستويات أسهم في تشبث المدربين بها ، فعلى الرغم من إحساس كثيرين منهم بشيء من التحفظ وعدم الارتياح(1) تجاه بعض المصطلحات ، والتطبيقات والمفاهيم والتدريبات منذ المستوى الأول لتدربهم ، إلا أنهم يستمرون في التطبيقات والتدريبات على الرغم من المخالفات الشرعية وازدياد الخطر كلما انتقل المتدرب إلى المستوى الأعلى ؛ لما وراء هذه الدورات من توهم النفع وحتمية التغيير ، مع بريق الربح المادي السريع ، وعلاوة على ذلك مابينه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أثر تتابع الفتن على بصيرة القلوب حيث قال : " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين : أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه "(2)وقد لمس هذا التغيير في الفكر والبصيرة كل من حاور وناقش أو ناظر مدربي البرمجة اللغوية العصبية – واحدة من تقنيات هذه المذاهب - من المسلمين منذ بداية دخولها لبلادنا ؛ فقد كان التعلق بها شديداً مع الانتقاد لكثير من مضامينها أو الفنون الأخرى كالطاقة والريكي وغيرها ، ثم مالبثوا أن انخرطوا في باقي التطبيقات التي كانوا يحذرون منها وينتقدونها ، وفي كل مرة يؤكدون لأنفسهم وللمتدربين معهم أنهم سيكونون على حذر وأنه لا ينبغي لأحد أن يتدرب إلا على يد من له خلفية شرعية ليقوده في هذا الطريق الخطر لبر
__________
(1) . شعورهم بالتحفظ لفطرهم السوية فقد نشئوا في بلاد التوحيد ، واستمرارهم لعدم شعورهم بالخطر المحقق لجهلهم بحقائق الفكر الفلسفي الروحي . وافتتانهم بما قد يحصل لهم من نفع ، مع إغراء الكسب المادي الوفير ، فظنوا أن الخطب يسير يمكنهم تجاوزه بنوع من ( الأسلمة ) عندما يصبحون هم المدربين عليها !!
(2) . صحيح مسلم .(1/18)
الأمان !! وحكايات شطحاتهم العملية والقولية تزداد مع الأيام .أينهم من قوله تعالى : { ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } ؟.
المبحث الثاني :
في بيان نشأتها وجذورها الفكرية
جذور هذه الفلسفات ضاربة في عمق التاريخ مستمدة من الوثنيات والفلسفات الملحدة ، ولإيضاح حقيقة المعتقد الذي يمارس عملياً في الدورات التدريبية التي عصفت ببلاد الإسلام شرقها وغربها أبين نشأتها وجذورها . كما أن فهم خطورة فكرها يجعلنا نستعرض أبرز العقائد التي يُنادي بها في العالم اليوم بصورة موجزة ، وما يعنيننا منها لفهم موضوعنا هذا عقائد ثلاث :
الأولى : العقيدة الصحيحة ، وهي أصل جميع الأديان السماوية ، وتظهرها بوضوح نصوص الوحي في الرسالة الخاتمة، ومفادها أن للكون إله حق واحد ، له وجود على الحقيقة وهو واجب الوجود ، وهو متصف بالكمال والجلال ، وأنه تعالى مباين لخلقه ، ومازال هذا الأصل باق حتى بعد التحريف في الأديان السماوية برغم الكثير من الخلل الذي يكتنفه أما في الدين الخاتم المحفوظ بحفظ الله فالعقيدة فيه أشد وضوحاً وبياناً ، فللكون إله حق واحد لا إله إلا هو ، له ذات على الحقيقة لا تشبهها الذوات ، وله صفات كمال تليق بجلاله وعظمته وهو منزه عن كل صفات النقص والعيب ، وهو – سبحانه - مستو على عرشه ، بائن عن خلقه ، وأنه – عزّ شأنه - كان ولم يكن شيء قبله فهو الأول ، وباق ولاشيء بعده فهو الآخر جل وعلا .والكون كله مخلوق بقدرته ومشيئته على تفصيل بينته النصوص ، ولم ينتج عنه – جل شأنه -لا فيضاً ولا انبثاقاً ولا انقساماً . ولا تتحد به المخلوقات ولايحلّ بها - سبحانه ماقدروه حق قدره – { ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيئ وكيل لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } (1).
__________
(1) . الأنعام ( 102 – 103 )(1/19)
والثانية : ماتسمى بعقيدة "تأليه الطبيعة" ، ومفادها تصور مبني على الاعتقاد بأن الوجود شيئ واحد (كلي واحد ) سواء كان "عقلا كلياً" أو "وعياً كاملا" أو "طاقة كونية" أو"قوة عظمى" ، وأن كل ماهو موجود إنما هو انطباع لذلك الكلي وتجلٍ له . وهي أصل فكر أديان الشرق بتلوناتها الكثيرة وبأسمائها المتنوعة التي من أشهرها ( عقيدة وحدة الوجود) (1) ، وهي ذات الفكر الذي تبناه كثير من فلاسفة اليونان والغنوصية .
والثالثة : "عقائد سرية باطنية" نتجت من دمج عقيدة وحدة الوجود (التصور الثاني ) مع (التصور الأول) من قِبَل منتمين للديانات السماوية فأنتج ذلك الدمج "وحدة وجود باطنية" تستخدم الألفاظ والمصطلحات الدينية وأهمها الألوهية ( الله ) على التصورات الإلحادية في معتقدات الشرق والغنوصية . وقد يعتقدون تجزء الوحدة لمخلوق وخالق يتحدان وينفصلان ( عقيدة الحلول والاتحاد ) ، أو تتعدد صورها بمسميات وتصورات متنوعة ( "عقول عشرة" عند الفلاسفة من الإغريق ومن المنتسبين للإسلام ، "سفاريت" عند قبالة اليهود ، "جوديسات" عند غنوصية النصارى ومعتقدي الهونا ) .
وهذه الأخيرة ظهرت جلية بصور شتى تتناسب مع كل دين لدى قبالة اليهود ، وغنوصية المسيحية ، وبعض فلاسفة المسلمين وغلاة المتصوفة ، وشكّلت وتشكّل الخطر الأكبر على العقائد السماوية لما فيها من التلبيس بباطنيتها .
__________
(1) . انظر الموسوعة الميسرة ( 2/ 1178 ) .(1/20)
وقد اتضح جلياً من خلال الدراسة والبحث أن معتقد ( وحدة الوجود ) مثّل في العصر الحديث توجهاً قوياً في الغرب ، وظهرت لنشره جمعيات ، وتبناه فلاسفة ومفكرون بصور شتى آخرها ما كان في القرن التاسع عشر الميلادي متمثلا في حركة "النيو ثوت " New Thought التي أتى بها (فينياس كويمبي 1803-1866 م ) ثم تلتها جمعية "الثيوصوفي"Theosophy في نيويورك التي أسستها (مدام بلافاتسكي1831- 1891م ) ، ونهجت بأنشطتها محاربة المعتقد الحق (عقيدة الأديان السماوية ) بقوة وبمواجهة صريحة ، وأظهرت عدائها للدين والفكر المستقى منه ، فواجهتها الكنيسة وتصدى لها المسيحيون المتدينون بقوة مما أدى لخفوت دعواتها وحذر الناس منها .
ولكن هذا الفكر ( عقيدة وحدة الوجود ) عاد مرة أخرى للظهور في الستينات الميلادية من القرن العشرين بعد احتضان الفكرة في معهد (إيسلان) بكاليفورنيا الذي أسسه (مايكل ميرفي ) و(ريتشارد برايس ) سنة 1961م ، ويمثل هذا المعهد أحد أكبر المؤسسات البحثية التي تعارض الفكر الديني من قِبَل المتبنين لفكر "الثيوصوفي" عقيدة وحدة الوجود ، وتتبنى البحث في قوى الإنسان الكامنة وتتتبع العقائد والفلسفات التي تحرر هذه القوى من إسار المعتقدات الدينية (غير العقلانية بتعبيرهم ويقصدون السماوية القائمة على التلقي ) والنظر في كيفية نشر الفكر الروحاني (spirtituality) كبديل عن الدين (Religion) بين العامة والخاصة بطرق متنوعة ومعاصرة وجماهيرية وتطبيقية مباشرة .(1/21)
وهكذا ظهر فكر "وحدة الوجود" بفلسفاته مرة أخرى من خلال معهد (إيسلان) تحت شعار "حركة القدرة البشرية الكامنة""Human Potential Movement بريادة مؤسسي المعهد و(كارلوس كاستنيدا . 1925-1998 م ) – الذي يعدونه نبي هذا الفكر – ولكنه عُرض في هذه المرة بمنهج جديد لا يصادم الفكر الديني ويواجهه ، وإنما يداهنه ويزاحمه ويسعى للتقريب بين فكر التصور العقدي الثالث (غنوصية المسيحية وقبالة اليهود وباطنية الفلاسفة والمتصوفة من المسلمين) وفكر وعقائد أديان الشرق من بوذية وهندوسية وطاوية غيرها. وقد تبنى المعهد وأنتج قوالب جديدة لنشر هذا الفكر وعقيدته بعد إجراء أكثر من عشرة آلاف دراسة للتقنيات والممارسات والفرضيات في القدرات الكامنة خلال فترة الأربعين سنة الماضية .
وتكونت في المعهد طائفة باسم حركة "النيواييج" (New Age Movement) أي : العصر الجديد ، وخرج (النيوايجرز) لينشروا فكرهم الذي يرون أنه الحق(1) في العالم ، وهو فكر مبني على اعتقادهم أن عصر التلقي من مصدر خارجي (الله) ، والتطبيق لأوامر خارجية (الدين) عصر قد انتهى ، وأن العصر الجديد يقدّر قدرات الإنسان وخصائص الطبيعة والقدرات غير المحدودة للعقل ، فيكفل للإنسان صناعة حياته السعيدة ومستقبله كما يريده هو ، لاكما يملى عليه من مصادر خارجية !
__________
(1) . فالرغبة للوصول إلى الحق والاطمئنان إليه مطلب الجميع على اختلاف مللهم ونحلهم ، ضل عنه الجميع إلا من اهتدى بهدى نور الإسلام . فالحمد لله الذي هدانا لهذا ولم نكن لنهتدي لولا أن هدانا الله ،وقد أوصانا عز وجل بالاستمساك بالحق الذي بينه لنا وحذرنا من سائر السبل الأخرى فقال : { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } .(1/22)
وقد رأوا أن نشر هذا المعتقد بصورة تطبيقات حياتية ، واستشفائية ، يسهل انتشارها دون مواجهة فكرية مع المتدينين ودون التفات من العامة لما تتضمنه من معتقد ، وقد نجحت خطتهم إلى حد كبير من حيث الانتشار السريع والتطبيق لتقنياتهم،دون الانتباه لما تعنيه ممارسة هذه التقتيات من اعتقادات قال الدكتور دوجلاس ( Douglas K Chung.Dr ) أستاذ علم الاجتماع الديني بإحدى جامعات ولاية ميتشغان الأمريكية :”كثير من الناس يمارسون " الشي كونغ" و"التاي شي شوان" ، و"الإبر الصينية"(1)يومياً دون أن يعرفوا أنهم يمارسون الطاوية “ ، فطريقتهم هذه تضمن اشتراك الإنسانية جمعاء دون تمايز ديني ، ومن ثم يعمّ الكون سلام عالمي ، وتسامح وإخاء شامل(2) ، حيث لم يسبب التمايز الديني على مدى العصور السابقة – بزعمهم – إلا الحروب والكراهية .
__________
(1) . أفتى عدد من العلماء بجواز العلاج بالإبر الصينية ، وذلك على اعتباره مجرد دواء فلم يكن معروف حقيقة ما يقصدونه بمسارات الطاقة الكونية ، وبعد تبين هذا الأصل العقدي الذي تعتمد عليه من الإيمان وأن لازمه الإيمان بما يسمى "الطاقة الكونية" وبوجود أجساد سبعة وجسم أثيري ، عليه منافذ (شكرات) ومسارات للطاقة الكونية التي تضمن للإنسان حياته وصحته ؛ فإن الأمر يحتاج إلى مراجعة من أهل الفقه والفتوى، علماً بأن العلاج بالإبر الصينية فيه مايعتمد على علم صحيح كمواضع الأعصاب أو الغدد الليمفاوية مما قد يفصل عما يعتمد على عقيدتهم الفاسدة والله أعلم .
(2) . ولاقى هذا الفكر هوى عند بعض فرق المسيحية حسب معتقدهم في الألفية السعيدة .(1/23)
ففي معهد"إيسلان" تكونت حركة "النيواييج" ووضعت اللبنات الأولى لطرق نشر فكرها ؛ فجُمعت عشرات الطرق والتقنيات والتدريبات والطقوس والممارسات التي لها نتائج روحية ( قوة ، همة ،حركة ، انبعاث )أو شفائية من الأديان الشرقية والوثنيات ومعتقدات الشامان . وهي تقنيات تتنوع لتلبي احتياجات متنوعة لدى الناس كالصحة والسعادة والإيجابية وتنمية القدرات فتضمن بذلك انتشاراً واسعاً . وانتشر "النيوايجرز" في أنحاء أمريكا لنشر فكرهم بتقنياتهم الجديدة ذات القوالب التدريبية . وتكّون لنشرها وترويجها مؤسسات خاصة خارج أمريكا أشهرها مؤسسة " فايند هورن " ببريطانيا .
ومازال معهد (إيسلان) يطور أبحاثه ، ويغيّر إطار فكره بحسب نتائج مايرى في واقع الناس مع الحفاظ على لب الفكرة ( عبادة القوة النفسية الكامنة ) ، ولذلك ففي قاعاته اليوم وبرئاسة أحد مؤسسيه ( مايكل ميرفي ) تعاد دراسة (عقيدة وحدة الوجود) وإعادة تشكيلها ودمجها مع (عقيدة الحلول) (1) لتتناسب أكثر مع اعتقاد أكثر الناس بوجود إله ويُدرَب "النيوايجرز" على تقنيات التأثير وتغير القناعات والتحكم بطرق شتى تبدأ بالتوافق والألفة والمسامحة فالمجاراة والقيادة وتنتهي بالاستعانة بالأرواح والقوى الكونية والسفلية – حسب معتقدهم - .
__________
(1) . الفرق بين عقيدة وحدة الوجود وعقيدة الحلول فلسفي ، والمؤدى متقارب ، فعقيدة الوحدة تثبت موجوداً واحداً هو كل شيء وكل شيء موجود هو ذاته ، بينما عقيدة الحلول تثبت إلهاً ولكنه يحل في كل شيئ .(1/24)
والمعهد اليوم يمثل جزءًا من نشاط كبير تتبناه جامعات ومراكز أبحاث ومؤسسات فكرية للبحث عن المؤثرات الميتافيزيقية (الماورائية) للأداء البشري ، ويعتمد هذا النشاط على البحث عن "القدرات البشرية الكامنة" فقط مغفلا ما تخبر عنه الأديان السماوية من قدرة الله وإعانته وتسخير الجن أو الملائكة وغير ذلك من عالم الغيب ؛ لأن رواده يفسرون الجن والملائكة بالقوى النفسانية ويكفرون بالإله وينكرون الرسالات ، وليس مستغرباً من أهل الكفر والضلال تعظيم شأن العقل وإقحامه في محاولات تفسير الغيب (الماورائيات – الميتافيزيقيا ) الذي لامجال له فيه ، ولكن الغريب أن يتبع الضالين فئام من أصحاب الخبر الحق من السماء ؛ فيسيرون وراءهم ويقبلون تفسيراتهم بل ويتدربون على تدريباتهم! وصدق الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام إذ قال : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى إذا دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) وقال : ( لن تقوم الساعة حنى تأخذ أمتي مأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع ) .(1/25)
والمسلمون المتفلسفون المنتمون لمثل هذه المذاهب يلفِّقون بين مضامين هذه الفلسفة وحقائق العقيدة الصحيحة ليكونوا من ذلك مسخاً فلسفياً أو فلسفة مؤسلمة - بزعمهم - لا هي الإسلام الصافي ، ولا هي ذلك الفكر ، بل أبشع منه وأخطر ؛ لكونها تتزّيا بزي الحق ، فهم يثبتون وجود الإله "الله" ولكنهم يقولون أنه هو "الكلي"، ومن ثم فهو موجود ولكن بلاحقيقة ولا ماهية-تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - وبرغم محاولاتهم هذه في التوفيق إلا أنهم خرجوا من الدين إذ أفضى قولهم هذا إلى القول بوحدة الوجود وإنكار اليوم الآخر والنبوات وجميع عوالم الغيب الحقيقية التي سبيل معرفتها النقل (1)،وهي نتيجة طبيعية لكل من يخالف وصية الله سبحانه وتعالى : { وأن هذا صرطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } ، وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية إذ قال : (المخالفة تجر إلى البدعة أولا وإلى الكفر ثانياً ويكون لصاحبها نصيب من قوله تعالى : { ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا } )(2).
وخلاصة القول أن عقيدة وحدة الوجود وتوابعها وتلوناتها هي حقيقة جذور هذه المذاهب التي تستمد كثير من تصوراتها من الديانات الشرقية الهندية والصينية – كما سبق – ولها علاقاتها الحميمة مع المذاهب الفلسفية القديمة الإغريقية والفارسية عموماً ، كما أنها ممارسة عملية للفكر الوجودي ومذهب نيتشة والمذهب النفعي ، وسيأتي تفصيل أكثر عند الحديث عن العلاقة بين هذه المذاهب بتطبيقاتها المعاصرة والأديان والمذاهب الأخرى .
المبحث الثالث :
في بيان أهم الأفكار والمعتقدات
__________
(1) . انظر العقيدة الطحاوية ص ، والموسوعة الميسرة ( 2/ 1121) .
(2) . اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ص .(1/26)
... تعتمد هذه الفلسفات بتطبيقاتها المتنوعة فلسفة خاصة للوجود نابعة من تصوّر مشوه للوجود والخالق ، وللكون والحياة ووجوده وماهيته ، ومبدأه ومنتهاه إذ روادها ممن ينكرون النبوات ويعتمدون على عقول قاصرة ومعارف بشرية خاطئة من مصادر غير موثوقة من كتب حكمهم وأساطيرهم ، ويمكن تلخيص معتقدهم بأنه تلونات لـ"عقيدة وحدة الوجود " -كما سبق بيان ذلك- ويمكن تفصيل أهم أفكارهم ومعتقداتهم في النقاط التالية :
يعتقدون أن كل مافي الوجود هو"الكلي"(1)، وكل مافي الكون إنما هو تجل له :
__________
(1) . يترجم بعض أصحاب الأديان السماوية "الكل" ( الطاو – براهما ) بـ " الله " أو God للتشابه الظاهري وبين المعتقد في الإله وما يصف به أهل هذه الأديان "الكلي"، أو محاولة منهم للتقريب بين ما وصلهم بخبر السماء وما يزينه لهم الشيطان من ممارسة هذه التطبيقات المعتمدة على خلاف معتقدهم ؛ فطوعوا معتقدهم ليتناسب معها !! وكذلك فعل المروجين لهذا الفكر من الباطنيين الغنوصيين و"النيو اييج" حديثاً لتُقبل هذه التطبيقات وفلسفتها لدى المعتقدين بإله له ذات ( أصحاب الأديان السماوية ) . كما يعيش بعض المسلمون في أقليات دول شرق آسيا وغيرهم ممن نشأوا على تطبيقات هذه الفلسفات في حياتهم اليومية واقعياً دينين : دين فلسفة الطاقة في منهج حياتهم وقناعاتهم العقلية ، ودين الإسلام في كلامهم وظاهر أمرهم وشعائرهم التعبدية، وبعضهم يدمج بين الدينين فيعتبر الله مقابل مفهوم "الطاو" أو مقابل لمفهوم الطاقة الكلية - تعالى الله - وبعضهم يعتبر الطاقة الكلية منبثقة عنه( أو صفة من صفاته ) سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً ، وقد يعذرون بجهلهم ولكن ماحكم من يتبع نهجهم من بعد ما تبين له الحق !.(1/27)
ويختلف اسم "الكلي" من بلد لبلد ومن لغة للغة ومن تطبيق لتطبيق ، وتنبثق عنه بالإشراق أو الفيض أو التجلي أوالانقسام كل الكائنات التي تستمد منه أيضاً روحاً أو قوى أو طاقة كونية تحت أسماء مختلفة كذلك ففي فلسفات الصين لها اسم "الطاو" (Tao) ويدل عليها اسم "براهما" عند الهندوس ، ويختلف اسمها حسب اللهجات أو الفنون والتطبيقات فتسمى "كي" (Ki) في تطبيقات"الريكي"، وتسمى"تشي") (Chi-Qiفي تطبيقات"التشي كونغ"وغيرها، وهي"الماكرو" (Macro)عند مفكري الماكروبيوتيك،وهي"البرانا" Prana) (عند الهندوس وعند ممارسي التنفس العميق . وهي"مانا" (Mana) عند معتقدي الهونا وهو"الكا "عند الفراعنة ، و"النور الأعلى" عند المانوية ، و"العقل الكلي " عند فلاسفة الإغريق(1).
ويمكن تفصيل القول حول هذا المعتقد في ثلاث معتقدات فرعية :
1. يعتقدون أن هذا الكلي هو أصل كل الأشياء ، وإليه مرد كل الأشياء ، ويعتقدون أن كل مافي الكون تمثيل له في ثنائيات متناقضة متناغمة وتسمى هذه الثنائية "الين" و"اليانج" ، وأن هناك "طاقة كونية"(2) تمثل أول انبثاق من الكلي ، وهي التي تمنحنا الحياة والصحة والروحانية والحب والسعادة .
__________
(1) . انظر " الفلسفة في الهند " لعلي زيعور ص 451 ، و"تاريخ الفكر العربي" لعمر فروخ ص62 ، و "المرجع في الفكر الفلسفي" لنوال الصايغ ص38 ، و"تناسخ الأرواح أصوله وآثاره "لمحمد الخطيب ص18 ، انظر الموسوعة الميسرة للأديان ( 2/ 1114 ) والموسوعة البريطانية .
(2) .مصطلح "الطاقة" ومثله "الأثير" مصطلحات علمية تستخدم لتوهم بأن الأمر لا يعدو كونه نظريات علمية ، أو تستخدم كتفسيرات علمية ممن اعتنقوا هذه الفلسفات من الماديين في الغرب وأرادوا إضفاء الجانب العلمي على هذه المفاهيم الدينية الفلسفية . فهي في حقيقتها مختلفة كل الاختلاف عن الأثير والطاقة التي يعرفها المختصون في الفيزياء والطاقة وبيانها في هامش ص 18.(1/28)
ففلسفتهم في وجود الكون والحياة ملخصها : أن أصل الوجود "كلٌ" واحدلا مرئي ولا شكل له ، وليس له بداية ولا نهاية ، وتشكّل هذا الكلي في ثنائيات متناقضة ومتناغمة ، منها ظهرت الموجودات وتنوعت ، ويسمون الثنائيات "الين واليانغ". وأولها تكوناً : ثنائية الوجود في العالم المادي المتجسد ، ونقيضه غير المتجسد "الطاقة الكونية" أو"الأثير"(1)
__________
(1) . الفلسفات الشرقية فلسفات تؤمن بروحانيات ، وليست مادية بحتة تكفر بما وراء المحسوس ككثير من الفلسفات الغربية ، فهم يحاولون تفسير مظاهر الحياة والقوة في بعض العالم المادي التي تدل على وجود شيء ما غير عالم المادة الفيزيائي بما فيه من الطاقة الفيزيائية المعروفة ، وهم في نفس الوقت كفار ينكرون النبوات وليس لهم كتب سماوية ومن ثم فمعارفهم الغيبية ناقصة وكثير منها خاطئة ( فهم لايعرفون معنى وجود روح ، ووجود إله يخلق ما يشاء ويختار ، وليس لهم علم عن العوالم الغيبية من ملائكة وشياطين وجن وغيرهم من جنود الله ) ومن هنا كانت تفسيراتهم لما يرونه وما يشعرون به وما قد يظهر خارقاً للعادة محصورة فيما يقوله الحكماء المتنورون (الكهان ) ، أو ما يصلون له بإعمال عقولهم فيما ليس فيما هو من مجال العقل ، أضف إلى ذلك أن المعارف المادية العقلية في ذلك القرن قاصرة ، ومن هنا قالوا بوجود "طاقة كونية" وقالوا أنها هي "الأثير"! ففكرة "الأثير الكوني" هي ثوب علمي فُسرت به "الطاقة الكونية" التي تؤمن بها هذه الفلسفات ، ففي القرن التاسع عشر الميلادي عندما اكتشفت مادة الأثير الكيميائية المتطايرة وجد متبني هذه الفلسفات أنها تصلح لأن تكون تفسيراً علمياً للعالم الميتافيزيقي ( الغيبي) الذي كان يُفسر بأنه قوة كونية ، ولم يكن العلم أنذاك قد اكتشف "الأشعة الكهرومغناطيسية" التي تفسر انتقال الضوء في الفراغ . وقد كانوا يبحثون عن حقيقة المادة التي ينتقل فيها الضوء ظناً منهم أنه كالصوت لابد من وجود المادة لانتقاله ، فأسموه "الأثير"وزعموا له خصائص وقوى أعظم من عالم المادة ، أخذاً بخصائص "الطاقة الكونية" الفلسفية فهو الذي يحرك الكواكب وهو الذي يفسر كثير من الظواهر التي لا يفهمونها .(1/29)
الذي يحتفظ بخصائص الكلي ( لامرئي ولا شكل له وليس له نهاية ) .
وأعظم الثنائيات "المتجسدة" هي : الشمس والقمر ومن بعدها الكواكب ولذلك كان لها – حسب هذا المعتقد- تأثيراً قوياً في خصائص ونوع وكل أمور المتجسدات الأدنى ومنها الإنسان .
وتبرز فلسفة "الين واليانغ" جانباً مهماً من المعتقد الذي تعتمد عليه هذه التطبيقات المعاصرة وأصولها الفلسفية ، فهي ترمز إلى الدور الذي يعتقدونه للقوى الثنائية المختلفة في الكون فـ "الين" يمثل القمر والأنوثة والسكون والبرودة ، والإيجابية ، و"اليانج " يمثل الشمس والذكورة والحركة والحرارة والسلبية . ولابد من التوازن المثالي بين هاتين القوتين والتكامل بين النقيضين الموجب والسالب ، والذكر والأنثى(1).
__________
(1) يحاول المفتونون بتطبيقات هذه الفلسفة من المسلمين فَهْم فلسفة هذه القوى الثنائية المنبثقة عن الكلي الواحد على ضوء خلفيتهم الإسلامية بعيداً عن الإلحاد والفيض والحلول ؟! فزعموا أنها الزوجية المقصودة في قوله تعالى : { ومن كل شيء خلقنا زوجين } ؟! مع أن الفرق بين المفهومين هو الفرق بين التوحيد والشرك . ثم أين الزوجية في ظاهر الجلد وباطنه مثلا ؟ ولماذا تتحول الزوجية بحسب خصائص الأفلاك والعناصر الخمسة فينقلب الين يانج واليانج ين !!! إن حقيقة ما يفعلوه يدخل في قول الله تعالى : { يشترون بآيات الله ثمناً قليلا } إلا أن يتوبوا ويستمسكوا بالذي أوحي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، وإن سموه أسلمة فـ"الأسلمة" أو" التأصيل"-بتعبير أفضل- أمر يحتاج إلى فهم واع دقيق لأصول العلم المراد تأصيله ، وفهم واع بالعلوم الشرعية وقواعد التفسير واللغة وغير ذلك كثير .(1/30)
ويعتقدون بأن هذه الثنائية مطردة في كل شيء ؛ فمثلاً جلد الإنسان يغلب عليه "اليانج" وداخله يغلب عليه"الين" وهكذا كل أعضاءه الداخلية خارجها يغلب عليه "اليانج" وداخلها "ين" ، وكذلك الأغذية وسائر الموجودات يغلب عليها إما "الين" أو "اليانج" . ويعتقدون أن قوى "الين" و"اليانج" في الكون ليست ثابتة بل دائمة التحول ، فما يكون "ين " قد يصبح "يانج" في زمن آخر وبظروف أخرى حسب حركة القمر والشمس والكواكب! وحسب قوانين العناصر الخمسة (الأطوار ، القوى ، مجالات الطاقة) : الخشب والنار والأرض والمعدن والماء . وكل ما يحدث في الكون يمكن ربطه بالتوازن بين "الين" و"اليانج" أو بالعناصر الخمسة التي تعمل على شكل حلقة متكاملة كل عنصر يخلق عنصراً ويدمر آخر فيما بينها بشكل تلقائي لإيجاد توازن دائم في الطبيعة ، و يجب أن يسعى الإنسان -مثل كل مافي الكون - للموازنة بين قوتي "الين" و"اليانج" ؛ ليتحقق التناغم الكامل في الكون مع "الكلي" ، ويتم ذلك بالعناية باستمداد الطاقة الكونية للجسم ، والاهتمام بتسليك مساراتها ، والحرص على تدفيقها في الجسم من خلال العناية بحميات غذائية خاصة تعتمد الخصائص الميتافيزيقية للأطعمة كحمية الماكروبيوتيك، وممارسة الرياضات الخاصة كالتشي كونغ والتاي شي شوان واليوجا ، أو العلاجات كالإبر الصينية والريكي، أو باستعمال أسرار وشيفرات (الشكرات) ورموزها من الروائح والألوان والأحجار والأشكال الهندسية والترانيم "المانترا" .(1/31)
فـ "الين واليانغ" قوى ميتافيزيقية يعرف أسرارها وتحولاتها الكهان والمختصون في هذه الفلسفة وتطبيقاتها وتلوناتها كالماكروبيوتيك والريكي وليست من اختصاص علماء الطب أوالطاقة والقوة الفيزيائية(1)
__________
(1) . روج الباطنيون دعاة "النيو اييج " في العالم لمصطلح "الطاقة الكونية "، فيفهمها السامع على ما هو معروف من الطاقة الفيزيائية ، ويريدون هم معنى آخر ؛ فليس المقصود منها الطاقة الحرارية ، ولا الكهربائية وتحولاتها الفيزيائية والكيميائية المختلفة سواء الكامنة منها أوالحركية أو الموجية ، وليس كذلك ما يعبر عنه بـ"الطاقة الحيوية الانتاجية" أو"الطاقة الروحية" التي نفهمها من نشاط للعمل والعبادة واحتساب الأجر وعظيم التوكل على الله ونحو ذلك .وإنما الطاقة المرادة هي "الطاقة الكونية" حسب المفاهيم الفلسفية والعقائد الشرقية فهي سبب الوجود وهي القوى العظمى التي هي عند معتقديها من أصحاب ديانات الشرق متولدة منبثقة عن "الكلي الواحد"ولها نفس قوته وتأثيره . أما المروجون لها من أصحاب الديانات السماوية ومنهم بعض المسلمين – هداهم الله - فيفسرونها بما يظهر عدم تعارضه مع عقيدتهم في الإله ، فيدّعون أنها طاقة عظيمة خلقها الله في الكون ، وجعل لها تأثيراً عظيماً على حياتنا وصحتنا وروحانياتنا وعواطفنا وأخلاقياتنا ، ومنهجنا في الحياة !! وتنقسم "الطاقة الكونية" إلى طاقة إيجابية وهي الموجودة في الحب والسلام والطمأنينة ونحوها ، وطاقة سلبية وهي الموجودة في الكره والخوف والحروب ونحوها .لذا يطالب معتنقوها بمن فيهم من المسلمين بتصفية النفوس والعالم من (الطاقات السلبية ) أي لابد من القضاء على الكره والخوف من قلوب العالمين ولابد من إحياء جلسات التأمل التجاوزي الجماعية لنشر طاقات المحبة في الكون التي تمسح أو تصارع طاقات الكره التي يبثها من لا يؤمن بهذه الطاقة !!! كما لا بد من القضاء على مسبباتها من النقد والجدال والحروب !! ومن ثم فهذه الطاقة المسماة "الطاقة الكونية" لا يعترف بها العلماء الفيزيائيون فليست هي الطاقة التي يعرفون ، ولا يعترف بها علماء الشريعة والدين ، فليست الطاقة التي قد يستخدمونها مجازاً بمعنى الهمة أو الإيمانيات العالية ونحوه ، وكلا الطاقتين لاعلاقة لها بطرائق الاستمداد التي يروج لها أهل "الطاقة الكونية" ، وأنما هي عقائد أديان الشرق وبخاصة الصين والهند والتبت وهي ما يروج له حكمائهم الروحانيين وطواغيتهم قديماً وحديثاً ، وما مصطلح "الطاقة" إلا لباس علمي على جسد الباطل والجهل ليشتبه عليهم ، وطريقة باطنية لبث فكر عقيدة وحدة الوجود والتدريب على مبادئ دعوة وحدة الأديان عملياً .(1/32)
!
واعتقاد أهلها بها ليس بعيداً عن المعتقدات الثانوية كالمجوسية والمانوية والزرادتشية ، إلا أن العلاقة بين الثنائيات المتناقضة عند الثنويين تفسر بالصراع والنزاع ( إله خير وإله شر ) (1)
__________
(1) . هذا ما ذكره البغدادي عن أصحاب التواريخ عند حديثه عن أصل الباطنية في للإسلام فقال : أن الذين وضعوا أساس الباطنية كانوا من أولاد المجوس وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم ، ولم يجسروا على إظهاره خوفاً من سيوف المسلمين ، فوضع الأغمار منهم أسسا ، من قَبِلَها منهم صار في الباطن إلى تفضيل أديان المجوس ، وتأولوا آيات القرآن وسنن النبي على موافقة أسسهم وبيان ذلك أن الثنوية زعمت أن النور والظلمة صانعان قديمان والنور منهما فاعل الخيرات والمنافع ، والظلام فاعل الشرور والمضار ، وأن الأجسام ممتزجة من النور والظلمة ، وكل واحد مشتمل على أربع طبائع وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فهم يشاركون المجوس في اعتقادهم بصانعين . انظر الفرق بين الفرق للبغدادي ص 253 .(1/33)
، بينما تفسر عند الطاويين والبوذيين والتطبيقات المعاصرة لفلسفاتهم بالتناغم والتكامل ، كما أنه مشابه من حيث النهاية لما في "نظرية الفيض" الفلسفية إلا أنهم في هذه الفلسفات الشرقية وتطبيقاتها المعاصرة يستبدلون "الفيض" -الذي ينتج عنه كثير -بالتشكل في صورة ثنائيات متوازنة ، تحمل بتناغمها منها خصائص "الكلي"ومن أحد هذه الثنائيات يتكوّن العالم المادي عن طريق الانقسام إلى ثنائيات كذلك ، أما طرف الثنائي الأول فيبقي على صفة "الكلي" لامرئي ولاشكل له ، وهو المسمى بـ"الأثير"و"الطاقة الكونية "ومنه يستمد كل شيء حي طاقة قوة الحياة وحيويته وقوته وسر بقائه . ومصطلحات "الأثير" و"الطاقة" تستخدم – تدليساً-كتفسيرات علمية للمفاهيم الدينية الفلسفية "براهما" عند الهندوس و"الطاو"عند الطاويين، و"العقل الكلي" عند فلاسفة الإغريق ومن وافقهم من المنتسبين للإسلام ، ومفهوم "النور الأعلى" عند المانوية "الكا" عند الفراعنة ، أوالأسماء الأكثر استخداماً في القوالب المعاصرة لنشر هذا الفكر"الكي " ، "البرانا" ، "مانا" ، "التشي" وسيأتي تفصيل هذا عن بيان معتقداتهم . فالمؤدى في كافة هذه التلونات والصور والفلسفات واحد ، وهو الكفر ، الذي هو ملة واحدة سواء اختلفت الأسماء ( عقيدة وحدة الوجود ) أو ( عقيدة الحلول والاتحاد ) ، وتنوعت الصور ( الريكي ، التشي كونغ ، الماكروبيوتيك ) .(1/34)
2. يعتقدون بوجود جسم أثيري(1)، هو أحد أجساد سبعة يمتلكها كل كائن حي وهو حظ الإنسان من التجلي غير المتجسد للكلي الواحد ، ويوجد مع الإنسان منذ ميلاده وهو متصل به على الدوام بحبل فضي . وأهم وظائف هذا الجسم التواصل مع "الطاقة الكونية "(2)
__________
(1) . فكرة الجسم الأثيري فكرة خاطئة علمياً ولم تثبت بنقل صحيح –راجع ماذكر في هامش سابق عن فكرة الأثير أصلا-،وقد ادعوا إثبات هذا الجسم بتصويره بكاميرا خاصة هي"كاميرا كيرليان" ، واسمها العلمي "كاميرا تصوير الأورا "، وعند تحري طريقة عمل هذه الكاميرا ، وحقيقة ما يُصور بها وجد أهل الاختصاص في الفيزياء والأحياء أن حقيقة ما يصور إنما هو التفريغ الكهربائي الذي يتأثر برطوبة الجسم ودرجة الحرارة والتعرق وغير ذلك مما يعرفه أهل الاختصاص والبحاثة ، كما حالوا الاستدلال بتصوير "الفيرمونات" المعروف قديماً ، الذي حاولت سلطات المباحث في الغرب الاستفادة منه في معرفة هيئة الجاني في الجرائم ، و"الفيرمونات" هي بقايا مخلفات البكتيريا الموجودة على الجلد والتي تتحد مع جزيئات الهواء حول الكائن الحي ، ويتم تصويرها بكاميرا خاصة ، إن كان الشخص قد غادر مكانه للتو ، وقد زعم بعضهم كذلك أن ما يصور بهذه الكاميرا هو الجسم الأثيري مستغلين جهل عامة الناس بهذه الأجهزة وحقيقة ما تصوره ، ومثل ذلك تصوير شرارة "الكورونا" ، وجهاز الكشف عن الأعصاب ويزعمون أن النتائج الظاهرة هي قياسات "الطاقة الكونية" في الجسد !!
(2) .يزعم المسلمون من معتنقي هذه الفلسفة أنها ليست دينية بحتة ، ويمكن أسلمتها أو فلترتها والاستشفاء بتطبيقاتها الحياتية فالصينيون القدماء قد اهتموا بهذه الطاقة الحيوية ، واكتشفوا جهاز الطاقة في جسم الإنسان بحسب معتقداتهم في الجسم الأثيري وفلسفتهم في وجود الكون ، وأنهم استخدموا فلسفة الطاقة في طبهم ورياضتهم وغذائهم فأثبتت نتائج تدعونا _ والحكمة ضالتنا ! _ أن نسارع لتعلمها لنزيد إلى حسن ما عندنا حسن ماعند الآخرين ! ولنا في ما فعله بعض مسلمي الأقليات هناك أسوة حسنة !! وسيأتي تفصيل الرد على شبهتهم لاحقاً .(1/35)
التي هي جزء من فلسفتهم الشاملة للوجود والكون والحياة والعلاقة بينها، فالطاقة الكونية هي التجلي الأول للكلي الواحد ، وبقيت على نفس صفاته ( لامرئي ولاشكل له ) ؛ فكانت أقرب إليه فهي طاقة ذات خصائص إلهية وبها قيام الكون وحياة الخلائق - بزعمهم –ولهذه الطاقة خاصية الانسياب والتدفق فتعطي للأجسام البدنية قوة الحياة ، والصحة ، والروحانية ، والحب والسعادة . ويكون حظ الإنسان منها بحسب ما يفهم هذه الفلسفة ويطبق تمارينها وتعاليمها ومنهجها الحياتي حيث تتدفق الطاقة الكونية في جسمه الأثيري مانحة إياه طاقة قوة الحياة .(1/36)
3. يعتقدون بأسرار وقوة " الشكرات"(1)(Chakras) وهي منافذ الاتصال بالطاقة الكونية ، وتقع على الجسم الأثيري ، وكل "شكرة "أشبة ما تكون بمكان التقاء قمع طاقة حلزوني دوار بالجسم الطبيعي البدني ، وتُشكل هذه المنافذ بؤرة طاقة الحياة لدى كل إنسان فهي ممر دخول الطاقة وحركة دخول وخروج الأجسام الأخرى البدنية والعاطفية والعقلية والروحية – حسب معتقدهم الفاسد - وللطاقة الكونية المتدفقة في الجسم خواص منها تنشيط المساحة المحيطة بها ووظائف أخرى محددة لصحة الأعضاء الرئيسة في الجسم والحالات النفسية العامة والروحانية كما لها علاقة بالقدرة على التحكم والتأثير على الآخرين ، ويعتقدون أن لكل "شكرة" رمز (صنم )خاص بها ذكر أو أنثى(2)، وتعطي قوة خاصة ، أوطاقة ، وتحب لوناً خاصاً ، وتتجلى في نوع من الأحجار الكريمة ، ونوع من الروائح والأزهار ، ولتمام الاستفادة من قوة الشكرة وفتحها لاستمداد الطاقة من خلالها ترنيمات (مانترا) خاصة ، ويعتقدون أن مراعاة خصائص كل شكرة ومحبوباتها يمنح الإنسان قدرات أفضل وتناغم مع الكون ومن ثم الوصول للسعادة .
__________
(1) . كلمة سنسكريتية تعني العجلة (الدولاب) (Wheel or Vortex) .
(2) . مفاد قولهم أنه لكل شكرة إله ، ولما كانت فكرة الألوهية ملغاة في أصل معتقدهم فهم يستعيضون عنها بألفاظ أخرى كـ "قوة" أو "رمز "ونحو ذلك ولكنهم لبث تطبيقاتهم عند أصحاب الأديان دمجوا بين إلحادهم ومعتقدات توصل إليه فيها اعتراف بالإله كعقائد الحلول والاتحاد . وهذه النقطة( علاقة الشكرات بالمعتقد) لا تذكر بالطبع عند المدربين المسلمين لهذه التطبيقات ، بل ربما هم أنفسهم لا يعرفونها ، ويضيفون بعض الجمل مثل بإذن الله عند إثبات نفع لهذه الشكرات ! كما يعرضون موضوع الجسم الأثيري – جهلا منهم - على أنه حقيقة علمية !(1/37)
وتكوّن ( الشكرات ) -حسب معتقدهم -مع مسارات الطاقة التي تسمى بـ"الناديات" أو"الزواليات"جهاز الطاقة في الجسم الأثيري ، وحكماءهم يؤكدون لهم أن لدى كل إنسان شكرات رئيسة مرتبة على طول قناة الكونداليني (Kundalini) التي تمتد من قمة الرأس إلى نهاية العمود الفقري ( ويختلف أصحاب الأديان الشرقية في عدّ الشكرات اختلافاً يسيراً وأكثر التطبيقات الوافدة إلى بلادنا تعتمد سبع شكرات بحسب التراث البوذي ! ).
ويعتقد أهل هذه الفلسفات وأتباعهم من المدربين والمتدربين على تطبيقاتها المعاصرة أن الطاقة الكلية تتدفق في الجسم لمنحه الحياة والصحة والسعادة والروحانية عبر "الزواليات" المنطبقة تماماً على مسارات الأعصاب في الجسم البدني وعليها تقع النقاط التي يهتمون بها في كافة التطبيقات الصحية والرياضية في الطب الصيني .(1/38)
فمعرفة خصائص كل شكرة وماتفضله من الألوان والروائح والترنيمات يعين الإنسان العادي – حسب معتقدهم - على المحافظة على توازن صحته ، وشفائه من الأمراض المستعصية ، واستقراره النفسي ، ونشاطه العقلي ، وحيويته،وثقته بنفسه ، وقدرته على التأثير في الآخرين(1)،ويتمكن لو راعاها من الوصول للسمو والنرفانا . إلا أن أسرار الشكرات القوية لا يعرفها إلا رجال الكهنوت ومن يأخذ نفسه بالرياضات القوية ، والحمية الشديدة ، ويواظب على تدريبات التأمل التجاوزي والتنفس التحولي ، والترنيمات المطلوبة فتتعدى فاعليتها عنده ما يطلبه الإنسان العادي إلى أمور خارقة كالقدرات الشفائية بمجرد اللمسة العلاجية ، أو عدم التأثر بالعوارض الدنيوية من برودة وحرارة ، وقد يتمكن من التصرف في الأشياء والأشخاص والحوادث بطريقة مذهلة !!.
يعتقدون أن الوصول لمرحلة "النرفانا " غاية الوجود ففيها تحقيق السعادة في الدنيا بما تمنحه لصاحبها من نشوة واسترخاء ، وهي الضمان للنجاة من جولان الروح ، أو الطريق للاتحاد بالعقل الكلي .
__________
(1) . لذلك يدرب المفتونين من المسلمين بهذه الفلسفات على فتح الشكرات وتدليك مواضعها لتدفيق الطاقة حتى في دورات التدريب على الإلقاء بزعم أن الملقي يحتاج إلى ثقة في النفس وقوة في التأثير على الآخرين وهذا يتم بصورة سريعة إذا أولى الملقون الشكرة الخاصة بهذا عنايتهم وهي الشاكرة التي تقع تحت منطقة السرة بثلاث أصابع ؟!(1/39)
و"النرفانا "هي المرحلة التي يحدث فيها خروج عن سيطرة العقل الواعي ، ويصل لها الشخص بالانهماك والتركيز في رياضاته الروحيه التي تؤهله لمرحلة أعلى فيها ويمكن بالمثابرة الوصول للمرحلة التي يتحد فيها بالكلي ، ويتصف فيها بصفات لا تكون إلا "للآلهة" إذ تتدفق فيه طاقة "الكلي" ويلهم الحكمة ، وقد ينبأ بأمور المستقبل ، ويطلع على أمور من الماضي . فالوصول لـ "النرفانا" – حسب معتقدهم – يحقق للشخص السمو والروحانية والحكمة والتنوّر ، ويعيش حالة من النشوة ، وقد يغشى عليه ، وقد يتكلم بأمور مستقبلية أو أحداث ماضية قبل حياته أو قبل عمر وعيه وإدراكه ، أو يفقد عقله ويمتلكه شعور بوحدته مع الكلي وأن الكون خال إلا من الكلي الواحد الذي هو هو (وحدة الوجود ) .(1/40)
و"النرفانا" هي غاية ما يريده البوذي والهندوسي من تأملاته ”عباداته“ . وهي غاية في جميع تطبيقات هذه المذاهب الفلسفية الروحية ويتم التدريب على الوصول إليها في التطبيقات المعاصرة لهذا المعتقد وتسمى عند مفكري "الماكروبيوتيك " بمرحلة " السمو". ويسميها ممارسو التنويم الإيحائي والبرمجة اللغوية العصبية مرحلة الغشية أو"النشوة" Trance وفيها يتم التعامل مع اللاواعي المتصل بالوعي الكامل ، وعند ممارسي"التاي شي" و"التشي كونغ" وتطبيقات الطاقة البشرية تسمى مرحلة "الخلاء " Emptiness .وهي مرحلة ”الفناء“ أو" السكر"عند المتصوفة(1)التي ثبت على كثير منهم فيها شطحات أوصلت بعضهم للكفر والقول بوحدة الوجود(2) . إلا أن مدرب البرمجة العصبية
__________
(1) .يقول بعض معلمي هذه العلوم والمدربين على الاسترخاء والنرفانا- أصلحهم الله -: "هي التي يستشعرها المؤمن في قيامه الليل أو في متعة سجوده أو في تكرار الذكر "!؟.والحق أن المؤمن يشعر بأثر عبادته في نشاط جسمه وحيويته إلا أنه لا يغيب عن وعيه ، ولا يقصد بعبادته الغياب عن الوعي استغراقاً في لذائذ الروح ، وإن وصل بعبادته إلى هذه المرحلة ؛ فليس حاله هذا هو الحال الأكمل ،إذ ليس حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكبار صحابته رضوان الله عليهم ،وإنما هو حال اعترى كثير من أهل التصوف لتأثر رياضاتهم وخلواتهم بطقوس الهندوسية وفلسفاتها ، وقد ثبت عن كثير منهم في أحوال غيابهم عن الوعي سكراً أو فناءً شطحات أفضت بكثير منهم إلى القول بالحلول والاتحاد الذي هو غاية هذه المرحلة عند أهلها في الهندوسية والبوذية وغيرها .. ..الله أكبر ...إنها السنن !
(2) . انظر فصول في أديان الهند ص ، البوذية ص . كتاب التنويم لصلاح الراشد ص25 ، كتاب أفاق بلا حدود للتكريتي ص . مذكرة المستوى الأول في التشي كونغ لحسن البشل ، مذكرة المستوى الأول في الريكي لطلال خياط ، مذكرة ستة أيام في بيت السلام لمريم نور ص .(1/41)
والطاقة المسلم يؤكد أن مرحلة النشوة في الاسترخاء في التنويم الإيحائي التي هي مرحلة "النرفانا"البوذية و"الفناء" الصوفي مرحلة مميزة وغاية منشودة ! فيقول : "يرى فطاحلة الصين من ممارسي لعبة التشي كونغ أن الشخص إذا دخل في حالة ما يسمونه الخلاء فإنه يستطيع أن يحل أي مشكلة نفسية أو جسمانية أو روحانية . هذه المرحلة هي النشوة في التنويم ، وعند الصوفية في الإسلام "الفناء" ، وعند البوذيين "النرفانا" وهي التي يستشعرها المؤمن في قيامه بالليل أو في متعة سجوده أو في تكرار الذكر. في هذه الحالة يكون ارتباط العقل بالروح والجسد بانسجامية ، وتكون مرحلة التشافي والبرمجة والتغيير في قمتها "(1)
__________
(1) .دليل المستخدم لفن التنويم للدكتور صلاح الراشد ص 25 .(1/42)
فبحسب معتقدهم الفاسد وتصورهم القاصر للحياة يرون "النرفانا" غاية فهي طريق للخلاص والانعتاق من الدنيا وآلامها ، وتوصل للنجاة من جولان الروح بالتناسخ(1) ، فالنرفانا " أوالاتحاد بـ "الكلي" أو التناغم معه ، أو النجاة من جولان الروح ( التناسخ ) حسب شكل الفلسفة تمثل ثمرة لالتزام التوازن بين "الين واليانغ" في الحياة . والمسلمين الذين انخرطوا في تطبيقات هذه الفلسفات يقفون في بيان أهمية "النرفانا" عند حدود دعاوى الصحة والسعادة والحب وقد يتجاوزونها للطمأنينة والروحانية والخشوع في العبادة ، ولكنها عند أصحاب الملل الشرقية - أهل الفلسفة الأصليين – غاية الحياة بحسب نوع معتقدهم ( وحدة – حلول – اتحاد ) والوصول لها يمكن أن يتم بعدة طرق تعتمد موازنة الإنسان قوى "الين" و"اليانج" في حياته (2)وطريق الوصول لهذه الموازنة ؛ انتهاج منهجاً للحياة يراعي الاهتمام بالتأمل التجاوزي والتنفس التحولي ، ورياضات روحية خاصة بترانيم و"مانترا"(3) خاصة ، أوباتباع أنظمة حمية غذائية صارمة كالماكروبيوتيك ، والاستمرار على تمارين استمداد "الطاقة الكونية" أو عن طريق الاستفادة من خصائص وطبائع الأشياء بحسب القوى الطبيعية ، والفلكية وأسرار الأشكال الهندسية وشفرات الشكرات وغيرها ؛ لتحقيق الصحة والسعادة
__________
(1) . انظر الموت في الفكر الغربي لجاك شورون ص36 .
(2) . انظر أديان الهند الكبرى لأحمد شلبي ص66 .
(3) . المانترا كلمة خاصة- وهي غالباً اسم طاغوت في أديان الشرق - تكرر بهدوء عند فتح كل "شاكرة" أو عند التأمل ، وفائدتها – كما يدّعون - أنها تعمل على جمع الطاقة كما لوكانت عدسة فيصبح الشخص قادراً بقوة الطاقة على التصرف في الأشياء المحسوسة وغير المحسوسة بمجرد النظر والأمر بل المجيدين لها يستطيعون أن يقولوا للرجل :كن مريضاً فيكون مريضاً ، أو كن معافى ؛ فيكون معافى !! انظر فصل ( المانترا ) في مذكرة ستة أيام في بيت السلام لمريم نور .(1/43)
والقوة والحيوية وتجاوز الألم وربما التمكن من الوصول للخلود مستقبلا .
فهذه النظم والطقوس مبنية على أديان الشرق والوثنيات والفلسفات الملحدة وينشرها "النيواييج" لموافقتها لمعتقدهم "وحدة الوجود" في العالم وبين أصحاب الأديان السماوية عن طريق إيهامهم بأنها مجرد معارف بشرية حيادية وتطبيقات حياتية عامة تجعل هناك تقارباً بين سكان الأرض وكافة المخلوقات عليه لتحقيق أخوة كوكبية! والحق أنها طقوس دينية ومعتقدات شركية وتراثاً دينياً متوارثاً في كتب الشرق الدينية المقدسة .
المبحث الرابع :
في بيان بعض صورها وتطبيقاتها المعاصرة(1/44)
تعرض هذه الفلسفات في المجتمع المسلم على أنها مجرد تدريبات وتطبيقات للصحة والرياضة والسعادة !! وأنها منهج عصري عملي للتغيير وتفعيل الطاقة الكامنة ، وطريق لتحقيق التواصل والتسامح والتفاعل بين الناس . ولاتعرض كمذاهب فلسفية فكرية عقائدية ، ويؤكد المدربين المسلمين للمتدربين على أيديهم ، أو على أيدي أساتذتهم ومدربيهم الغربيين والشرقيين - الذين يستضيفونهم للتدريب أحياناً - أن ميزة هذه الرياضات والحميات والاستشفاء عن غيرها مما هو معروف في نفس أبواب الرياضة والحمية والاستشفاء في الإسلام أنها تهدف لوحدة العقل والذهن والنفس والروح! وتمد الإنسان بسعادة غامرة وأثر حتمي سريع ، كما أنها تمنح المجيد لها قدرات خارقة ؛ فتعطيه قوة عجيبة لصناعة النجاح ، وجذب الأقدار التي يريدها، وبعضها يعطيه قوة شفائية لأمراضه قد تتعداه مع مداومة التدريب إلى الآخرين بمجرد ملامسته لهم(1) كما أن التدرب عليها يحقق فرصة عمل رابح مستقبلا لتوجه العالم المتحضر كله نحو التدريب ونحو الطب البديل .
__________
(1) .المتتبع لأصول هذه التطبيقات الرياضية والصحية يجدها معتمدة على دراسة خوارق العادات من الكرامات وغيرها ، وفق مسلّمة عندهم -وهم منكرون لعالم الغيب بما فيه النبوات- أن المهارة التي يتقنها أي شخص يمكن أن تنمذج ليحاكيها آخرين ، فعلى سبيل المثال : درس أهل هذه الفلسفات – كما يزعمون - معجزات الإبراء عند عيسى عليه السلام ( التي هي معجزة كما نعلم ) وظاهرة الإبراء المزعومة عند بوذا وخرجوا بعدها ، وبعد تأملات وصيام لمدة 21 يوم بتدريبات " الريكي " التي تجعل الخبير فيها ذو لمسة علاجية - بزعمهم - .(1/45)
ويتبنون في عرض فكرتها منهج بعض أهل دول الشرق من المسلمين الذين مزجوا بينها كمنهج حياة نشئوا عليه وبين الإسلام الذي اعتنقوه(1) ؛ فيطوعون فلسفة "الطاقة الكونية" لتتوافق - ظاهرياً - مع المعتقد الإسلامي الحق الذي يؤكد بوضوح أن الخالق سبحانه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فلا فيض ولا انبثاق ولا انقسام ولا تشكّل ولا حول ولا اتحاد ولا وحدة بين الخالق والمخلوقين ، فيقولون – هداهم الله - : أن الله قد جعل في الكون طاقة كونية عليا هي مايسمى على اختلاف الثقافات بـ" العقل الكلي ، النور الأعلى ، الكي ، التشي ، الكا ، البرانا ، مانا " واسمها الإسلامي "البركة" فهي التي تسيّر الأمور بسلاسة ، وتضاعف القوة والطاقة ؟!
__________
(1) .حيث أنهم رأوها في واقع بلادهم تطبيقات يطبقها البوذيون والهندوسيون والطاويون والكنفشيوسيون والشنتويون وغيرهم على السواء ، ويشاركهم التدرب عليها اليهود والنصارى وهم أهل كتاب ؛ فظنوا لجهلهم بحقائق الدين الإسلامي أنهم يمكن أن يكونوا مسلمين فيؤمنون بالله وما جاء عن الله نظرياً، ويطبقون مفاهيم فلسفة الطاقة عملياً في حياتهم اليومية ورياضتهم وصحتهم ... وإذا عُذر أولئك لجهلهم بالدين ونشأتهم في محاضن هذه الفلسفات فهل يُعذر من تربى على التوحيد ، ونشأ على عقيدة الولاء والبراء .(1/46)
وبعضهم شطح فقال : الله هو الطاقة – تعالى الله – استدلالا بقوله تعالى { نور السموات والأرض } !؟ والإنسان بحاجة دائمة إلى الطاقة الحيوية المنبثقة عنه وهي قوته وقدرته– سبحانه ماقدروه حق قدره – وبحاجة إلى تدفيقها في بدنه للوصول إلى السكينة والطمأنينة والسلامة من الأمراض البدنية المستعصية ، والوقاية من الاضطرابات النفسية والاكتئاب ، ولهذا فالمسلم أحوج مايكون– بزعمهم- لتعلم هذا العلم وتطبيقاته التي توصله لمبتغاه ؛ فيحقق الطمأنينة والخشوع في عباداته ، والرضا في حياته ، بجانب ما يجنيه من الفوائد الصحية التي تعينه على تجاوز إفرازات الحضارة المادية من الأمراض النفسية والبدنية بسبب ما انتشر من الاعتماد على المصنعات والكيماويات في الأغذية ، أومن أنواع التلوث البيئي الذي خلفته الحروب والأسلحة المدمرة والصناعة وغيرها وفشو الجريمة ، أو كثرة المسؤوليات وما تخلفه من ضغوط نفسية ، وغير ذلك ؛ مما يجعل المتدربين في حالة استحضار لكثير من المعارف المقلقة ومن ثم الشعور بالحاجة لحلول أكيدة المفعول خالية من الأضرار الجانبية وهذه – كما يزعم المدربين – ليست موجودة إلا في هذه التدريبات الشرقية العريقة التي عرفت أسرار الكون والحياة من خلال فلسفة "الطاقة الكونية"!
وأكثر الصور والتطبيقات المعاصرة لهذه الفلسفات الدينية اليوم وفدت إلينا من بلاد الغرب -رغم أن أكثر أصولها شرقية كما سبق بيانه-ولا عجب فقد اعتنقها كثير من الغربيين الذين وجدوا فيها روحانيات هم متعطشون لها بعد انغماسهم في الفكر المادي قرون ولم يكن في أديانهم المحرفة ما يروي غلتهم ويشبع جوعة أرواحهم ، علاوة على مهارتهم الخاصة في التسويق وقوتهم الإعلانية ، بالإضافة إلى مكانتهم العلمية والاقتصادية التي تجعل التلقف لما يصدرون أمر طبعي بالنظر لأثر الغالب على المغلوب كما في نظريات علم الاجتماع المعروفة .(1/47)
وقد أصبح لها انتشاراً واسعاً حتى في بلاد المسلمين وفي وسط عامة الناس وخاصتهم إذ الظاهر منها - لغير المتبصّر – مجرد تدريبات وممارسات حياتية عامة لاصلة لها بالفكر والعقيدة ، واتخذت في انتشارها طريقين رئيسين :
الطريق الأول :
طريق التوعية العامة للمجتمع بمشكلات العصر ، وادعاء تقديم طرق حل سريعة وأكيدة بعقد الدورات التثقيفية والتدريبية عبر مراكز التدريب المتنوعة والجمعيات المتخصصة أو المتعاونة ؛ كخطوة اجتماعية في طريق الصحة والسعادة والتغيير والوقاية من أمراض العصر البدنية والنفسية ، وخطوة لتفعيل القدرات واكتشاف الطاقات .
أما الطريق الثاني :
فهو طريق العلاج والاستشفاء في عيادات خاصة أو عبر مجمعات الطب البديل ، ويعتمد التخويف من الطب التقليدي ، وتضخيم خطر الآثار الجانبية للأدوية ، والتركيز على أخطاء التشخيص وغيرها ، وادعاء علاج الأمراض المنتشرة بين الناس والتي لم يشتهر نجاح العلاج الطبي المعروف لها ، أو أن علاجها الطبي طويل المدة وله آثار جانبية ، أو مالية مرهقة للمريض ، منها على سبيل المثال : الربو ، والسمنة ، والسرطان ، والسكر، أمراض الروماتيزم ، وكثير من المشكلات والأمراض النفسية كالشعور بالخوف ، والشعور بالإحباط والفشل ، والشعور بالقلق ونحو ذلك والدراسات العلمية المثبتة حتى الآن تكذب ادعاءاتهم ولكن الإقبال عليهم متزايد لاستعمالهم فنون إقناع مختلفة واعتمادهم على تأثير التنويم الإيحائي في معظم تطبيقاتهم وغير ذلك مما سبق بيانه من الأسباب .
وفيما يلي بيان موجز لبعض هذه الدورات(1) : كما تعرض في بلاد الإسلام من خلال واقع الدورات والمذكرات :
دورات "الماكروبيوتيك" :
__________
(1) .هذا الوصف والبيان من خلال واقع دوراتهم التي تعقد في بلاد الإسلام ، والتمرينات مأخوذة حرفياً من مذكرات الدورات التي تسلم للمتدربين .(1/48)
وهي دورات تثقيفية تدريبية تعرّف بفلسفة الماكروبيوتيك المستقاة من فلسفة الديانة الطاوية والفلسفة الإغريقية وبوذية زن،التي تعتقد بكلي واحد فاضت عنه الموجودات بشكل ثنائي متناقض متناغم "الين واليانغ" ، وعلى أساس فهم هذه الفلسفة ،وفهم كيفية تكون الكائنات ،واطراد قوى "الين واليانغ" في سائر الموجودات ،وأهمية الوصول للتناغم ليعود "الكل"واحداً فيتناغم الكون في وحدة واحدة ؛ لا فرق بين خالق ومخلوق ولا بين إنسان وحيوان أو نبات وجماد ، ولا بين جنس وجنس ودين ودين ، في عالم يحفه السلام والحب ، ويحكمه فكر واحد يعتمد فلسفة "تناغم الين واليانغ "من أجل وحدة عالمية !(1/49)
وتُقدم فلسفة "الماكروبيوتيك" في بلاد التوحيد الحبيبة بصورة تراعي عقيدة أهلها – لأن منهجها منهج الباطنية الذي يحذر من مصادمة المعتقد السماوي الحق - فتركز هذه الدورات – بحسب تقصي ما يبث إعلامياً وفي المستويات الأولى من الدورات- على التوعية الغذائية فقط ، مع تنبيه المتدربين بضرورة الاهتمام بالتناغم مع نظام الكون عن طريق فهم فلسفة النقيضين "الين واليانغ" والتزام الحمية الغذائية المعتمدة عليه ، مع محاولة – مشوهة – لأسلمة الفكر الفلسفي الملحد بليِّ أعناق الأدلة وتوجيه دلالتها فيزعم المدربون المسلمون أن مفهوم النقيضين "الين واليانغ" هو المقصود من الزوجية المطردة في مخلوقات الله والمعنية بقوله تعالى : { ومن كل شيء خلقنا زوجين } ! ؟ فكل الأشياء مكونة من ذكر وأنثى ، وموجب وسالب ، وأبيض وأسود ، وحار وبارد ورطب ويابس ( لاحظ أن الكلام يبدو حقاً ! وهكذا سائر الشُبه لما يستدلون به من المتشابه) وتتغير قوى "الين واليانغ" بحسب قوى العناصر الخمسة : الماء والمعدن والنار والخشب والأرض ، وبحسب تأثيرات الكواكب وروحانياتها ؛ فيصبح الذكر أنثى والأنثى ذكر ، ويتحول الموجب سالب والسلب موجب! ( لاحظ الفرق بين المعاني الظاهرة التي نعرفها للزوجية والذكر والأنثى ، ولاحظ المعاني الباطنية التي تتلبس بالمعاني الظاهرة للتلبس على الناس فيما يعرفون ) قال ابن تيمية متعجباً من مثل هذا الصنيع : " ثم إن من عجيب الأمر : أن هؤلاء المتكلمين المدعين لحقائق الأمور العلمية والدينية المخالفين للسنة والجماعة يحتج كل منهم بما يقع له من حديث موضوع ، أو مجمل لا يفهم معناه ، وكلما وجد أثرا فيه إجمال نزله على رأيه "(1).
__________
(1) . مجموع الفتاوى( 4 / 82 ).(1/50)
فالتطبيق الأكثر انتشاراً للماكروبيوتيك هو "النظام الغذائي الماكروبيوتيكي " ، ويشكل الطُعم للدخول في هذه الفلسفة وتبنيها بعد الفتنة بشيء من النتائج الإيجابية بعد التزامه ، وكأنها صورة مكررة للدعوة التي كانت تتبناها فرقة أوصى الخليفة المهدي ابنه الهادي بحربها فقال : " إن صار لك الأمر فتجرد لهذه العصابة ، فإنها فرقة تدعو الناس إلى ظاهر حسن كاجتناب الفواحش والزهد في الدنيا والعمل للآخرة ثم تخرجها إلى تحريم اللحم ومس الماء الطهور وقتل الهوام تحرجا وتحوبا ، ثم تخرجها من هذه إلى عبادة اثنين : أحدهما النور والآخر الظلمة" فأول ما يدعون إليه في الماكروبيوتيك حمية غذائية يغلب عليها الحبوب "الشعير والحنطة "، والخضروات الورقية وجذور النباتات والطحالب البحرية حسب خصائص ميتافيزيقية للأطعمة ، ثم يدعون لتجنب الأغذية الحيوانية ومنتجاتها من الألبان ، وكذلك تجنب العسل والفواكه ، والتزام ما يسمى "الميزو"(1) ، ثم إلى التزام فلسفة النقيضين "الين واليانغ " في كل أمور الحياة ، والنظام الغذائي الماكروبيوتيكي هو من تطوير الفيلسوف الياباني "جورج أوشاوا " جمع فيه بين تعاليم بوذية زن ، وتعاليم النصرانية مع بعض سمات الطب الغربي- وهو يتضمن –بلا شك- عادات غذائية وحياتية نافعة كالاهتمام بنوع الغذاء ومحاربة الشره ، وأهمية مضغ الطعام جيداً(2)ونحوها مما هو معروف
__________
(1) . وهو شعير مخمر تحت الأرض ثلاث سنوات ، ويزعمون له خصائص تتعدى جسد الإنسان وصحته وروحانيته وإلى حماية منزله من الإشعاعات النووية لو تعرض العالم لحرب من هذا النوع !! انظر الماكروبيوتيك لخالد التركي ص 28 .
(2) . عندهم مبالغة عجيبة في مسألة الاهتمام بالمضغ ، حيث تقام دورات ماكروبيوتيك خاصة للتدريب على المضغ فلا يسمح للمتدربين ببلع اللقمة قبل مضغها 40-60 مرة للمتدرب الخالي من الأمراض ، بينما يجب على المريض بأي مرض أن يمضغها مالا يقل عن 200 مضغة قبل بلعها!!(1/51)
من الآداب ، وقد شكلت هذه المنافع لباس الحق الذي على جسد الباطل فاشتبهت على كثيرين ممن لم يعرفوا الهدي النبوي في الطعام أو من ظنوها تخرج مع الهدي النبوي من مشكاة واحدة ! أو تحت ولعهم الشديد بالتنقيب بدعوى الإعجاز العلمي كما حدث من قبل من أهل الكلام من المسلمين مع ما أفرزته كتب المنطق اليوناني قال ابن تيمية : "ومنهم من لم يقصد اتباعها ولكن تلقى عنها أشياء يظن أنها جميعها توافق الإسلام وتنصره . وكثير منها تخالفه وتخذله مثل أهل الكلام "(1) ، لذلك استفرغوا وقتهم في دراستها وتفسير النصوص والهدي النبوي في الغذاء على ضوئها ، غافلين أو متغافلين عن المصادمات الفلسفية لأسسها "الين واليانغ" مع معتقد المسلمين ، وما يتبع ذلك من عقيدة "العناصر الخمسة" و"الأجسام السبعة" و"جهاز الطاقة" و"الشكرات" ، بالإضافة لوصايا تجنب الألبان واللحوم والعسل!! التي تتعارض مع منهج الإسلام في التغذية المبني على الحلال والحرام وفق الشريعة الغراء ، فاللحوم طيبة والألبان مباركة، والعسل نافع فيه شفاء ، مع قاعدة لا إفراط ولا تفريط و"ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه "وسائر آداب الطعام في هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام (2).
__________
(1) . انظر مجموع الفتاوى ( 9 / 266 ) .
(2) . انظر كتاب مقدمة بين الطب النبوي والماكروبيوتيك ، للدكتور أسامة صديق مأمون لترى عجباً .(1/52)
وتتعدى دورات "الماكروبيوتيك " الحميات الغذائية والتوعية الصحية لتشمل كل الحياة ، فتقدم تمارين التنفس التحولي ، وتمارين الاسترخاء والتأمل التجاوزي ، وتدعو لتعلم مهارات وتدريبات التعامل مع "جهاز الطاقة" و"شكراته" من خلال "الريكي" و"التشي كونغ" و"اليوجا" وغيرها مع الاهتمام بالخصائص الروحانية المزعومة والطبائع لجميع الموجودات فالشموع – بزعمهم- تجلب المحبة ، وحجر الكهرمان يجلب الثقة بالنفس ، واللون الأخضر يشفي الكلى ، وتدريبات المانترا نحو : ( أوم ...أوم ...أوم ) (1) تمكن من شفاء هذا المرض أو ذاك -كما يزعمون –
ويدعو رواد الماكروبيوتيك عبر تطبيقاته المختلفة لفكرة "أمنا الأرض" كسائر الأديان الوثنية الحديثة المتمحورة حول الأرض Earth centered religon كالهونا والشامانية والدرودية والأساترو وغيرها وكلها تشترك في الاعتقاد بأن للأرض روحاً عظيمة ؛ فتعظّم مكوناتها الأساسية ( العناصر الخمسة بحسب ثقافتهم ) ، وتعظم الأرواح السفلية التي تسكنها،كما تنادي بالاستفادة من خصائص "الطاقة الكونية" ، والطبائع الميتافيزيقية للأشياء حيث الوجود كله تجليات لحقيقة واحدة .
__________
(1) . " أوم "-باللغة السنسكريتية - اسم طاغوت هندوسي من آلهتهم الشهيرة ، فانظر أي استغاثة بالطواغيت يمارسها المتدربون المسلمون في الدورات عملياً ، وهم لا يعرفون أنهم يفعلون هذا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .(1/53)
وتحت مظلة "الماكروبيوتيك" أيضاً يدعى لتصميم المنازل والمباني بطريقة "الفونغ شوي" الصيني أو (الستهابايتا فيدا ) الهندوسي أو بالطريقة الفرعونية المعاصرة "البايوجيوماتري"!! وهي طرق تصميم وديكور تعتمد استعمال الخصائص الروحانية المزعومة للأحجار والتماثيل "أسدي المعبد للحماية ، الضفدع ذو الأرجل الثلاثة للثروة ...." والأشكال الهندسية وخصائصها في جلب الطاقة الإيجابية "طاقة الحب والسلام" وطرد الطاقات السلبية "الكره والبغض" ، مع الأهرامات التي تعمل كهوائيات لجلب طاقة "تشي" الكونية. وعند أسلمة هذه الوثنيات عند المصممين المسلمين تستبعد التماثيل – من بعضهم - وتضاف بعض المفاهيم الإسلامية كالاهتمام باتجاه القبلة في تصميم الحمامات وفي وضعية أسرة النوم أو في اتجاه الأثاث ومكان الأبواب ، واستخدام أسرار الأعداد والأشكال الهندسية كاستخدام خصائص شكل الكعبة المكعب لاستجلاب طاقة طمأنينة وروحانية في المنزل!! والمعروف عند كل مسلم أن الكعبة بيت من حجارة بواد غير ذي زرع حفظها الله بالهيبة والعظمة ، فكل من يأتيها ، يأتيها خاضعا ذليلا ، ويأتيها الناس من أقطار الأرض محبة وشوقا من غير باعث دنيوي ، فالكعبة لها خاصية ليست لأي شيء يبنى من جنس ما بنيت به أو على طراز ما بنيت عليه ، مما حير الفلاسفة ونحوهم فإنهم يظنون أن المؤثر في هذا العالم هو حركة الأفلاك وأن ما بني وبقي فقد بني بطالع سعيد ؛ فحاروا في طالع الكعبة إذ لم يجدوا في الأشكال الفلكية ما يوجب مثل هذه السعادة والعزة والعظمة والقهر والغلبة والدوام(1) .
__________
(1) . انظر النبوات لابن تيمية (1 / 510 ) .(1/54)
فالماكروبيوتيك فلسفة شاملة يدخل تحتها أنواع الشرك والوثنية والسحر والدجل من الوثنيات القديمة والحديثة . ومع هذا يروج لها كثير ممن ظاهرهم الخير والصلاح في هذه البلاد مفتونين ببعض نفع حصل لهم باتباع حميته الغذائية ، مع أن دراسات علمية كثيرة أثبتت ضرر التزام نظامه الغذائي على الصحة والعقل(1) لعدم وجود توازن صحيح في الحمية بين المجموعات الغذائية التي تدل الحقائق العلمية والمنهج التجريبي على أهميتها ، وهي المتوافقة مع هدي النقل الصحيح في الأطعمة والأشربة . ولكن الشيطان زين لهم نسبة الأثر إلى الماكروبيوتيك فقط !! ولو علموا أن مجرد تحكمهم في غذائهم واتباعهم لأي حمية مع التزام رياضة يؤثر لا شك على الصحة ، ومن ثم الحيوية وصفاء الذهن ، فكيف بهم وهم مسلمون يجمعون مع هذا دعاء وصلاة !!قال ابن تيمية يرحمه الله : "وجميع الأمور التي يظن أن لها تأثيراً في العالم وهي محرمة في الشرع كالتمريجات الفلكية ، والتوجهات النفسانية ، كالعين ، والدعاء المحرم ، والرقى المحرمة ، أو التمريجات الطبيعية ونحو ذلك ، فإن مضرتها أكثر من منفعتها حتى في نفس ذلك المطلوب ، فإن هذه الأمور لا يطلب بها غالبا إلا أمور دنيوية ، فقل أن يحصل لأحد بسببها أمر دنيوي إلا كانت عاقبته فيه في الدنيا عاقبة خبيثة ، دع الآخرة . والمخفق من أهل هذه الأسباب أضعاف أضعاف المنجح ، ثم إن فيها من النكد
__________
(1) . نشرت مجلة الغذاء في عددها الصادر بتاريخ نتائج دراسات على ملتزمي حمية الماكروبيوتيك منها : ( أطفال الماكروبيوتيك يصابون بالكساح ، انتشار مرض الأنيميا الخبيثة للمراهقين الماكروبيوتيكيين ، مرض الزهايمر ( الخرف المبكر) يصيب الماكروبيوتيكين ) كما ذكرت جمعية السرطان الأمريكية خبر وفاة 19 مريض بالسرطان تعاطوا للعلاج منه فقط النظام الماكروبيوتيكي الغذائي بزعم أنه علاج لهم فماتوا جميعهم ولم تسجل أي حالة شفاء عند تعاطي الماكروبيوتيك وحده كعلاج .(1/55)
والضرر ما الله به عليم فهي في نفسها مضرة ، ولايكاد يحصل الغرض بها إلا نادرا وإذا حصل فضرره أكثر من نفعه "(1) .
ولك – أخي القارئ- أن تقارن بين صنيع بعض المسلمين في تلقفهم للماكروبيوتيك وزعمهم أنه علم حيادي يمكن للمسلم الإفادة منه مع أنه قائم على ادعاء خصائص الميتافيزيقية للأطعمة ( الين واليانغ ) وفق فلسفة شاملة للكون والحياة ، وبين ما صنعه المسلمون ببعض فروع علم الفلاحة الذي هو من العلوم القديمة المحايدة كعلم الفلك والهندسة ونحوه ، إلا أن موضوعه النبات من جهة غرسه وتنميته ، ومن جهة خواصه وروحانيته ، ومشاكلتها لروحانية الكواكب والهياكل المستعملة ؛ فأخذ المسلمون من هذا العلم ماهو حيادي حقيقة مما يتعلق بزرعه وغرسه وعلاجه وأعرضوا عن الكلام الآخر وعدوه كله في باب السحر والكهانة (2).
2. دورات الريكي :
هي دورات تثقيفية تدريبية وعلاجية ، تعقد على مستويات متدرجة ، و”الريكي“ بدأ في اليابان على يد "ميكاوا يوسوي" ، وكان أصلها دراسة معجزات الإبراء في النصرانية ، وعند بوذا ، التي عكف عليها ميكاوا ، ليخرج بعد دراستها وصيام 21 يوماً بمبادئها العملية : فقد استطاع أن يدخل"طاقة الإبراء الكونية"في داخله ومن ثم خرج ليعالج الآخرين – هكذا يزعمون-!!
__________
(1) . اقتضاء الصراط المستقيم ص 211 .
(2) .انظر المقدمة لابن خلدون ص 465 .(1/56)
وكلمة "الرِي" تعني طاقة قوة الحياة في الجسم ، والموجودة في جهاز الطاقة في الجسم الأثيري ، و"الكي" هي الطاقة الكونية "طاقة الإبراء" ، وتتضمن فتح "الشكرات" للمتدربين والمتدربات بتدليك خاص وتدريبات من قِبل خبير الطاقة ! ثم يتم التدريب على تسليك مسارات الطاقة في الجسم الأثيري لضمان تدفق كامل للطاقة في الجسم ، ويدعو المدرب المتدربين لأخذ دورات في التنفس التحولي والتأمل الارتقائي لتمام الإفادة ، وفي جو هادئ ، وضوء خافت وفي وضعية استرخاء تام يدربهم على بعض تمريناته فيتم التخاطب مع أعضاء الجسم عضواً عضواً بصوت رتيب خفيض "كيف حالك رئتي أنت سعيدة وبصحة جيدة ، كيف حالك معدتي أنت سعيدة وبصحة جيدة ، كيف حالك كبدي ...." مع إغماض العينين والتركيز على صوت الشهيق والزفير ، وتخيل العضو وتأمل لونه وما يحيط به ، مع المحافظة على الشعور بالسلام والحب لكل الناس وكل الأرض بلا استثناء ومحو كل "الطاقات السلبية" من الجسم. وبعدها – كما يزعمون - يتناغم الإنسان مع جسده وتتدفق "الطاقة الكونية" بسلاسة فيه ، ويشعر بتحسن عام في صحته ، ونشاط وسمو روحي !! ومع التدريب اليومي ، مع التخلق بما يسمونه مثاليات الريكي ؛ يصبح الإنسان صاحب روحانية عالية تمكنه من الصلاة بخشوع وطمأنينة لاسيما إذا أعطى اهتماماً خاصاً "للشكرات" العلوية الخاصة بالروحانيات !(1/57)
كما تصبح صحته جيدة بدون أدوية وجراحات، ولن يحتاج إلى أدوية غالباً لأن جسمه قد أصبح صديقه ، وأصبح متوافقاً مع عقله وروحه ونفسه ، وستصبح أخلاقياته عالية لتأثير التدريبات على الشهوة الغضبية ، وتخليص الجسم من الطاقات السلبية كالبغض وغيره . وبالتدريج يصبح المتدرب أكثر روحانية وسمواً وسلاماً وحباً لكل الناس ! مهما اختلفت جنسياتهم أو ألوانهم أو أديانهم . كما يصبح ذا طاقة عجيبة تمكنه من علاج المرضى بلمسة علاجية من يده! أو طاقة قوية يرسلها له عن بعد ، ولو عبر الشبكة العنكبوتية، أو عبر الهاتف إذا تم اتفاق على الوقت وعرف المدرب اسم المريض واسم أمه !!
3.دورات التشي كونغ :
دورات "التشي كونغ" تحتوي على تدريبات صينية تعتمد أيضاً على فلسفة الطاقة الكونية فيتم من خلالها إدخال طاقة "التشي"الكونية ، وتدفيقها في الجسم الأثيري للإنسان– حسب معتقدهم وادعائهم - ليتم توافقه مع أجسامه الأخرى ،وتناغمه مع الطاقة الكونية . وتقدم دورات "التشي كونغ" في عدد من المستويات ولكل مستوى أجزاء يختص كل منها بتدريبات خاصة تبدأ بدراسة الجسم الأثيري والتعرف على مواضع "الشكرات" وممارسة تدليك كامل لها تدريجي مع الأيام ، وفهم فلسفة النقيضين المتناغمين "الين واليانغ" مع الالتزام بحمية وآداب "الماكروبيوتيك" الغذائية .(1/58)
ثم التدرب على استرخاء "فان سونغ كونغ" في ضوء خافت وهدوء مع صوت رتيب وتنظيم للتنفس مع تركيز التأمل على الداخل فلا يسمع إلا صوت المدرب وصوت النفس . ثم تدريبات "كونغ جي فا " الرياضية الهادئة مع أهمية الشعور بالسلام والحب لكل العالم ، وطرد الطاقة السلبية من الجسم ، ثم استمداد الطاقة الكونية من الأعلى، ولابد من تخيلها وهي تدخل بشكل قوي من المنفذ العلوي في الرأس "الشاكرة" مع إغماض العينين وتحريكهما مغمضتين بشكل دائري . مع التنقل بالتركيز ووضع اليد من منفذ لمنفذ من منافذ الطاقة "الشكرات" وتخيل العضو الخاص بكل "شكرة" مع محيطه وهو يمتلئ مع الشهيق بطاقة "التشي" مع كل المشاعر الإيجابية ، ويطرد الطاقة السلبية مع كل زفير. إلا أنه يجب الانتباه عند تدريب القلب والدماغ فلا ينبغي تخيل طاقة "التشي" متجهة لهما مباشرة لأن ذلك خطر ويسبب تلف فيهما !!
هذه تدريبات الجزء الأول من المستوى الأول من مستويات دورات "التشي كونغ" التي تقدم ويتهافت عليها مجموعات من الخائفين والخائفات على الصحة والأمراض المستعصية وأمراض تقدم السن ، وفئام من الدعاة والداعيات والتربويين والتربويات رغبة في تنشيط الطاقة والشعور بالروحانية لمواصلة الحياة على درب التربية والدعوة الشاق على حين غفلة من مقتضى : { اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين } !!(1/59)
ويزعم المدربون أنه مع مواصلة التدريب والترقي في مستويات التدريبات يصبح الجسم صحيحاً ، والروحانية عالية والأخلاق فاضلة ، والذهن وقاداً !! ( ومالا يقوله المدربون المسلمون من مكملات هذه الفلسفة الباطلة : أن المآل يصبح كذلك مأموناً ومضموناً إذ تزيد فرص الوصول للتنور ، والنجاة من جولان الروح لازدياد مشاعر السلام والحب التي تغمر النفس والعقل والروح فتصرف صاحبها عن البغض والجدال والحروب وتجعله متقبلا لكل إخوانه في الإنسانية بل إخوانه في الكوكبية جميع الكائنات على الأرض ، بل إخوانه الكونيين من الأفلاك والأنجم والأرواح! ).
4. دورات الطاقة البشرية :
وهي دورات تقدم إما بتقنيات "البرمجة اللغوية العصبية" أو مستقلة عنها ، تحتوي دوراتها على شرح مفصّل للجسم الأثيري وجهاز الطاقة وللدماغ وتقسيمات الواعي واللاواعي . وتتضمن تدريبات التخيل والاسترخاء والتركيز على العين الثالثة"بين الحاجبين" واستمداد "طاقة الطبيعة الإيجابية "من الكون والشعور بها تتدفق في الجسم ويمكن –حسب ما يدعون- إرسالها من شخص لآخر من بُعد بنفس التركيز وتخيلها شعاعاً أبيضاً ينساب منه إلى من يريد مع أهمية إلغاء كل ماحول الشخص المرسل من أفكار أو أصوات أو أشخاص !! ويدّعون أنه يمكن تجميع الطاقة الإيجابية بين راحتي اليد لصنع "كرة المحبة" وقذفها على من نشاء برفق ، وسنجده ينجذب إلينا بقوة طاقة المحبة الإيجابية الكونية؟!
وهم يؤكدون على ضرورة التدرب على يد مدرب طاقة خبير ، وفي مكان ترتاح له النفوس لأنها تقنيات خطيرة ، قد تصيب المتدرب بأضرار صحية ونفسية إذا زادت كمية الطاقة عن حدود تحمله ! ويزعمون أن هناك من أصيبوا بشلل من جراء التدفق غير المتوازن للطاقة الكونية في جسدهم عندما حاولوا بمفردهم استخدام هذه التقنيات الخطيرة!! (1/60)
ولكل يوم تدريب خاص يركز على "شاكرة"خاصة ومعرفة لونها المفضل ، والعضو والحاسة المؤثرة فيها لتمام الاستفادة والوصول لتناغم كلي مع الكون والطبيعة يشعر المتدربون بعده بالسلام والحب ينطلق من الأعماق لكل الكون ولكل الناس من أي جنس أو بلد أودين !!
5. دورات التأمل التجاوزي والارتقائي :
وهي دورات تعتمد على تدريبات التنفس العميق الذي يهدف لإدخال طاقة "البرانا" إلى داخل الجسم "البطن" ، ويتم التنفس من الفم لا الأنف ؛ لأن الفم أكبر وأقل عرضة للانسداد !! مع إغماض العينين وتحريك الحدقة بشكل دائري والتركيز الذهني على عملية الشهيق والزفير ، ويجب أن يتم تحت يد مدرب خبير لنتظيم زمن الشهيق والزفير ، ووقت التحول من الفم للأنف ، ثم التبادل بين فتحتي الأنف لضمان تغذية متوازنة لشقي الدماغ من طاقة "البرانا" الكونية حتى لا تحدث أضرار صحية بالغة المدى .
كما تعتمد دورات "التأمل" على تمارين الاسترخاء عن طريق تأمل الذات من الداخل للوصول للنشوة والنرفانا "التناغم مع الطاقة الكونية"- المزعومة - فدورات التأمل الارتقائي هي : تمارين رياضية روحية من أصول ديانات الشرق وممارسات دينية هندوسية وضع المهاريشي يوجي ( مدعي الألوهية الهندوسي) عام 1955م طريقتها المعاصرة وكلمة (Transcendental Meditation) ويرمز لها بـ (TM) أي التأمل الارتقائي مسجلة عالمياً باسم "المهاريشي يوجي" ، ولهذا صنفته محكمة مقاطعة نيوجيرسي الأمريكية في شهر اكتوبر 1977م كممارسات وعلوم دينية ومنعت تعليمه والتدريب عليه في المدارس العامة .(1/61)
والتأمل الارتقائي ممارسة تهدف – عند أهلها - إلى الترقي والسمو ، والوصول للاسترخاء الكامل ، ومن ثم النرفانا ، فالارتقاء المقصود هو الارتقاء عن الطبيعة الإنسانية ، وتجاوز للصفات البشرية إلى طبيعة وصفات الآلهة "الطواغيت" – كما يزعمون - ، ودوراته تعتمد على إتقان التنفس العميق مع تركيز النظر في بعض الأشكال الهندسية والرموز والنجوم (رموز الشكرات) وتخيل الاتحاد بها مع ترديد ترانيم ، أو سماع أشرطة لها بتدبر وهدوء وتتضمن كثير من هذه الترانيم استعانة بطواغيت عدة مثل :” أوم ...أوم...أوم .) وصورة التأمل الارتقائي المقدمة في بلاد التوحيد لاتختلف عن ذلك إلا في بعض محاولات "الأسلمة" فستبدل الترانيم بكلمة لا معنى لها نحو :"بلوط ..بلوط ..بلوط" ، أو كلمة لها معنى روحي عند المسلم : "الله ..الله ..الله " "أحد ..أحد .." ويزعمون تدليساً وتلبيساً على الناس أو جهلا – هداهم الله– أن هذه "مانترا" إسلامية عرفها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام وكان يرددها بلال بن رباح رضي الله عنه في بطحاء مكة فأمدته بطاقة كونية جعلته يتحمل البلاء الشديد في تلك الفترة (1)!!
ألا ما أعظم الفرية التي لازمها عدم تمام البلاغ منه صلى الله عليه وسلم لأمته ، أو تقصير صحابته رضوان الله عليهم في بيان حقيقة ما ينبغي أن نفعله وحاشا لله أن يكون ذلك ، بل هو بهتان مبين .
دورات البرمجة اللغوية العصبية :
__________
(1) .مقالة لمدربة برمجة عصبية بعنوان بلال بن رباح و Transcendental Meditation .مقتبسة من كتاب أحد المفكريين الغربيين د. بينسون Benson,op.cit.p109.(1/62)
" البرمجة اللغوية العصبية " واختصارها الغربي "NLP" وهي خليط من العلوم والفلسفات والاعتقادات والممارسات ، تهدف تقنياتها لإعادة صياغة صورة الواقع في ذهن الإنسان من معتقدات ومدارك وتصورات وعادات وقدرات ؛ بحيث تصبح في داخل الفرد وذهنه لتنعكس على تصرفاته . يقول المدرب وايت ود سمول: " الـ NLP عبارة عن مجموعة من الأشياء . ليس هناك شيئاً جديداً في الـNLP ، أخذنا بعض الأمور التي نجحت في مكان معين ، وشيء آخر نجح في مكان آخر وهكذا " . وظاهر تقنيات البرمجة تهدف إلى تنمية قدرة الفرد على الاتصال مع الآخرين، وقدرته على محاكاة المتميزين . ولها باطن يركز على تنويم العقل الواعي بإحداث حالات وعي مغيّرة لزرع بعض الأفكار ( إيجابية أو سلبية ) في ما يسمونه "اللاوعي" بعيداً عن سيطرة نعمة العقل . وعند أهله الغربيين دعاة الوثنية الجديدة تبين أهمية الخروج من "الوعي المنتبه" إلى "الوعي غير المنتبه" بحالات "الوعي المغيرة" التي تُشعر النفس بالسكينة والاطمئنان والاندماج مع "الوعي التام" في الكون !
وفي بعض المستويات المتقدمة - عند بعض مدراس البرمجة- تُعتمد فلسفة الطاقة وجهازها الأثيري –المزعوم- ويُدرب فيها على تمارين التنفس والتأمل لتفعيل النفع به . ومن تطبيقات البرمجة دورات المشي على الجمر ودورات العلاج بخط الزمن .(1/63)
وبالإضافة إلى هذا فدورات "البرمجة اللغوية العصبية " تشكل البوابة للدخول في الدورات الأخرى التي تعتمد فلسفة استمداد "الطاقة الكونية" -المزعومة- ضمن سلسلة تقنيات "النيوإييج"والوثنية الجديدة ، فالبرمجة تشكل تقنية من تقنيات تفعيل الطاقات الكامنة وتتكامل التقنيات لتفعيل كامل للطاقة البشرية بتقنيات استمداد "الطاقة الكونية" فهي تؤهل المتدربين لدورات استخدام الطاقات والقوى السفلية من خلال تعلم الهونا والشامانية والتارو وغيرها تقول (كريستين هولبوم) في مقالة بعنوان " الاستشفاء بطب الطاقة، والشامانية والبرمجة اللغوية العصبية" في مجلة (أنكور بوينت) الخاصة بالـNLP،في عدد اغسطس 1998م : " إن طب الطاقة لم يؤسس على علم الأمراض، إنما أسس على التساؤلات التالية: ماهي رسالتك في الحياة ؟ لماذا وجدت في هذه الحياة وفي هذا الجسد؟ ماهي آمالك وكيف يمكنك تحقيقها؟ " مما يبين أن التسمية بطب وعلاج واستشفاء ماهي إلا تسمية باطنية ظاهرها ما يعرفه الناس وباطنها فلسفات الشرق والغرب .(1/64)
هذه أبرز صور التدريب على ممارسة هذا الفكر في بلاد العالم ومنها بلاد التوحيد الغالية ، ولكنها تقدم على أنها حيادية ؛ دورات تدريبية ، أو علاجات استشفائية ، ورياضات ، وهناك غيرها كثير كالقراءة الضوئية والسفر خارج الجسد ضمن منظومة العلوم الباطنية المعتمدة على فلسفات "الطاقة الكونية" التي يتبنى نشرها في العالم ( النيو- إييج) مؤكدين أن ميزة هذه التقنيات والممارسات إيصال الإنسان لتناغم كامل بين الجسد والروح والعقل والنفس والكون ، يقول مدرب الريكي المسلم " تدرب حتى تتحد بالعقل الكلي فيما الريكي تتدفق في داخلك "(1)
ويؤكد مدرب البرمجة العصبية والطاقة المسلم أن مرحلة النشوة في الاسترخاء في التنويم الإيحائي هي مرحلة النرفانا التي يصلها البوذي فيقول : " هذه المرحلة هي النشوة في التنويم ، وعند الصوفية في الإسلام "الفناء" ، وعند البوذيين "النرفانا" وهي التي يستشعرها المؤمن في قيامه بالليل أو في متعة سجوده أو في تكرار الذكر. في هذه الحالة يكون ارتباط العقل بالروح والجسد بانسجامية ، وتكون مرحلة التشافي والبرمجة والتغيير في قمتها "(2)
ومما جاء في كتاب التنفس التحولي الذي ترجمته مدربة التنفس التحولي المسلمة : "المرحلة النهائية في الجلسة التنفسية تتمثل بارتقائك إلى مستويات أعلى من الإدراك . ويمكن بلوغ هذه المرحلة من خلال الدعاء الواعي والفراغ الحيوي الذي تولد بفعل التنفس . ولا شك في أنك ستجد نفسك في حالة استرخاء وتأمل عميق ، لا بل وقد تخوض تجربة روحانية ما " .
__________
(1) . مذكرة التدريب لجمعية سعودي ريكي الخاصة بالمستوى الأول للريكي للمدرب طلال خياط ، ص 7 . وقارن هذا بقول الفلاسفة : "العالم فيض فاض عن العقل العاشر وإذا توجه المستشفع إلى ما يعظمه من الجواهر العالية كالعقول والنفوس والكواكب اتصل بذلك المعظم " .
(2) .دليل المستخدم لفن التنويم للدكتور صلاح الراشد ص 25 .(1/65)
ويقول خبير الطاقة والماكروبيوتيك المسلم في تعريفه بكتابه المترجم "علم الطاقات التسع" :
(ستكتشف في هذا الكتاب إلى أي نوع من النجوم تنتمي وأي فئات من الناس تنسجم معها أكثر من غيرها ، ومن هو الشريك المثالي لك ، وستكتشف أيضاً ، أي مجال عمل أو مهنة تناسبك أكثر ، ومتى وفي أي اتجاه تسافر أو لا تسافر، وأي سنوات وأشهر هي الأفضل لجعل حلمك حقيقة ...) (1).
وما أشبه الليلة بالبارحة فقد روّج الرازي – الطبيب - من قبل لهذه الفلسفات وصنف كتابه "الرسائل العلائية في الاختيارات السماوية" وكتاب " السر المكتوم في مخاطبة النجوم " الذي قال عنه الإمام ابن تيمية : "وهذه الاختيارات لأهل الضلال بدل الاستخارة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين ، وأهل النجوم لهم اختياراتهم"(2) وقال مبيناً حقيقة صنيع هؤلاء وما يجرّونه على الأمة من خطر : " كذلك كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك ويوجبون التوحيد بل يسوغون الشرك أو يأمرون به أو لا يوجبون التوحيد ...كل شرك في العالم إنما حدث برأي جنسهم إذ بنوه على ما في الأرواح والأجسام من القوى والطبائع وإن صناعة الطلاسم والأصنام لها والتعبد لها يورث منافع ويدفع مضار فهم الآمرون بالشرك والفاعلون له ومن لم يأمر محذراً من بالشرك منهم فلم ينه عنه " (3).
ومما ينبغي أن لا ننساه أن أهل كل دين وفلسفة إنما يبحثون عن طريقة طيبة للحياة يعيشون بها في صحة وسعادة وروحانية ، وقد قدم الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام أنموذج هذه الحياة للمسلمين لئلا يضل المسلمين وراء الأدعياء مفتونين بما قد يدعونه من حصول المنافع لهم ، وعن هذا قال الإمام الذهبي :
__________
(1) .انظر غلاف كتاب "علم الطاقات التسع " للدكتور يوسف البدر .
(2) .انظر مجموع الفتاوى ( 13/ 180 ).
(3) .انظر مجموع الفتاوى ( 9/ 34 ).(1/66)
" الطريقة المثلى هي المحمدية ، وهو الأخذ من الطيبات ، وتناول الشهوات المباحة من غير إسراف ..وقد كان النساء أحب شيء إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ، وكذلك اللحم والحلواء والعسل والشراب الحلو البارد والمسك، وهو أفضل الخلق وأحبهم إلى الله تعالى ثم العابد العري من العلم متى زهد وتبتل وجاع ، وخلا بنفسه ، وترك اللحم والثمار ، واقتصر على الدقة والكسرة، صفت حواسه ولطفت ، ولازمته خطرات النفس ، وسمع خطاباً يتولد من الجوع والسهر ... ، وولج الشيطان في باطنه وخرج ، فيعتقد أنه قد وصل ، وخوطب وارتقى ، فيتمكن منه الشيطان ويوسوس له ...وربما آل به الأمر أن يعتقد أنه ولي صاحب كرامات وتمكن !!" (1)
أما الصور الاستشفائية التي تقدم في صورة جلسات علاجية فمنها :
الاستشفاء بالطاقة الكونية أو استمداد طاقة قوة الحياة : جلسات العلاج بالريكي ، بالطاقة ، بالتشي كونغ ، وباليوجا(2) ، بالتنفس العميق ، بالتأمل الارتقائي والتحولي والتجاوزي ، والعلاج بخط الزمن .
أو وصفات استشفائية :
الاستشفاء بخواص مدعاة للأحجار الكريمة والألوان ، والروائح حسب أسرار الشكرات وألوانها وطاقتها .
__________
(1) .انظر نزهة الفضلاء ص 874 .
(2) . اليوجا تعني الاتحاد ، وتقوم على الاعتقاد بأن الروح جزء إلهي محبوس في الجسد وهدف اليوجي أن يحرر الروح من الجسد لتتصل ببراهما أو الروح الكلية ، الإيمان بالغيب لسلامة ص ، اليوجا لعلوان ص .(1/67)
الاستشفاء بخصائص روحانية مدعاة للجهات والأزهار والشموع والإيقونيات وغيرها ( الفينغ شوي ) (1).
الاستشفاء بخواص مدعاة للأفلاك والكواكب والنجوم ( الطاقات التسع ).
الاستشفاء بخواص مدعاة للأشكال الهندسية والأهرام ( البايوجوماتري ) .
الاستشفاء بالحميات الغذائية(2)مثل حمية "الآيروفيدا" المستقاة من تعاليم الفيدا الهندوسية التي تحرم أكل الحيوان ، ومثل حمية نظام "الماكروبيوتيك" المستقاة من تعاليم البوذية التي تحرم العسل والألبان واللحوم وتتعدى مفهوم الحمية لتشكل منهج حياة كامل قائم على فلسفة الطاقة الملحدة .
__________
(1) . انظر أعداد مجلة الطريق إلى الطب البديل لترى كيف يروج للوثنيات بدعاوى الصحة والسعادة وغيرها ، وعلى سبيل المثال لا الحصر جاء في عددها الصادر في أغسطس 2003 م . عن تأثير التماثيل الروحية حسب الفنغ شوي : " تماثيل البط الخشبية في المنزل جاذب مهم للوفاق والوئام بين الزوجين "!! ص 69 ، وجاء في عددها الصادر في مايو 2003 م . عن تأثير الزهور في علاج المشكلات حسب فلسفة الفنغ شوي : " زهرة الفاوانيا تزيد حظوظ الارتباط والزواج لدى الفتاة العزباء "!!! ص 53 .
(2) . الحمية رأس الدواء فكثير من الحميات الصحية الغذائية جائزة في ديننا ، والمقصود هنا الحميات ذات الأصول الدينية التي تعتمد فيما تحرمه وتحلله ديانات أصحابها ووصايا الكتب المقدسة عندهم ، فالتحريم والتحليل والكراهة والندب مصدره الشرع عندنا ومصدره عندهم كتبهم المقدسة فينتبه .(1/68)
وكذلك كثير من تطبيقات الطب الصيني(1)، فالمعروف أن الطب في الصين ممتزج بفلسفة الطاقة كثيراً كالاستشفاء بالإبر الصينية ، والحجامة(2) الصينية .
وما هذه الصور إلا بعض مما انتشر الترويج له بشكل واسع في أوساط المسلمين استغلالا لما عند الناس من تشوف للسعادة والصحة ، وما يصدقه عامتهم من الدخل والأكاذيب ، قال ابن تيمية : "باب الكذب في الحوادث الكونية منذ القدم أكثر منه في الأمور الدينية ، لأن تشوف الذين يغلّبون الدنيا على الدين إلى ذلك أكثر ، وإن كان لأهل الدين إلى ذلك تشوف ، لكن تشوفهم إلى الدين أقوى ، وأولئك ليس لهم في الفرقان بين الحق والباطل من النور ما لأهل الدين . فلهذا كثر الكذابون في ذلك ، ونفق منه شيء كثير ، وأكلت به أموال عظيمة بالباطل ، وقتلت به نفوس كثيرة من المتشوقة إلى الملك ونحوها " كالسعادة والصحة ." ولهذا ينوعون في الكذب في ذلك ويتعمدون الكذب فيه : تارة بالإحالة على الحركات والأشكال الجسمانية الإلهية من حركات الأفلاك والكواكب ، والشهب والرعود ، والبروق والرياح ، وغير ذلك ، وتارة بما يحدثونه هم من الحركات والأشكال "(3).
__________
(1) . الطب الصيبي طب قديم فيه مقومات الطب الصحيح كالعلاج بالأعشاب والتدليك وغيره ولكنه اختلط بالدجل والخرافات ، وامتزج بعقائدهم وفلسفة الطاقة عندهم فبنوا كثير من تطبيقاته على جهاز الطاقة المزعوم وعلى الجسم الأثيري ، والشكرات .
(2) . الحجامة علاج قديم أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح والحجامة الصينية ممتزجة بعقيدتهم المبنية على مسارات الطاقة الكونية على الجسم الأثيري ومراعاة طاقة وروحانية مدعاة الأفلاك وخصائصها لتحديد أوقات عمل الحجامة . بخلاف الحجامة المعروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فليس لها علاقة بمسارات الطاقة ولا فلسفتها الملحدة وإنما تتم على الكاحل وعلى مكان الداء .
(3) . مجموع الفتاوى( 4 / 80 ) .(1/69)
وقد يحدث عند الأخذ بهذه العلاجات أو التدرب على هذه التقنيات منافع لأصحابها بدنية أو نفسية أو روحية وليس ذلك باتفاق العقلاء كاف لعدها سبباً فيما حصل ولا للأخذ بها فباب الأسباب والمسببات قد يضل فيه عامة الناس قال ابن تيمية : " تحصيل المنفعة الذي يظن له سبباً غير مشروع قد يكون سببه اضطرار المضطر وصدقه ، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له ، وقد يكون أمراً قضاه الله لا لأجل السبب وقد يكون فتنة ، وإن وافق حصول المطلوب السبب غير المشروع كان فتنة فإنا نعلم أن الكفار قد يستجاب لهم فيسقون ، وينصرون ، ويعانون ، ويرزقون ، مع دعائهم عند أوثانهم وتوسلهم بها { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا } وأسباب المقدورات أمور يطول تعدادها وإنما على الخلق اتباع ما بعث الله به المرسلين ، والعلم بأن فيه خير الدنيا والآخرة" (1).
المبحث الخامس :
في بيان علاقتها بالأديان والمذاهب المخالفة الأخرى
من خلال البحث والدراسة لهذه التطبيقات والأفكار الوافدة تبين بما لايدع مجالا للشك صلتها الوثيقة بأديان متنوعة ومذاهب متلونة ، فهي كما سبق بيانه في جذورها فهي مزيج منتقى بعناية من أديان الشرق والوثنيات والفلسفات الملحدة قديماً وحديثاً في صور تقنيات تطبيقية عملية معاصرة وفيما يلي تعريفاً موجزاً بالأصول التي تعتمد عليها :
الديانة الطاوية ، دين الصين القديم ، ويبنى على عقيدة "الطاقة الكونية " التي تقوم على مبدأ الثنائيات "الين واليانغ" المنبثقة من الكلي "الطاو " ، وضرورة مراعاة التوازن بين الثنائيات في نظام الحياة والغذاء والتأمل ليتم التناغم التام مع "الطاو" حيث طول العمر أوالخلود (2).
__________
(1) . اقتضاء الصراط المستقيم ص 186 .
(2) . انظر الملل والنحل للشهرستاني / ،(1/70)
الديانة الهندوسية ، من أقدم الديانات الهندية تعتمد على كثرة الآلهة والمقدسات إذ تعتقد بحلول الروح المقدسة الكلية في كل شيء وبحسب الرياضات الروحية يصبح الإنسان إله مقدس كذلك ، ويتمتع بقدرات خارقة بناء على عقيدتهم في وحدة الوجود فالعلاقة بين الإله والكون كله كالعلاقة بين شرارة النار والنار ذاتها ، ويعتقدون بما يسمونه "الكارما" الذي هو قانون الجزاء القائم على عقيدة تناسخ الأرواح (1).
الديانة البوذية ، والجينية وهي فلسفات ظهرت كردة فعل للطبقية الهندوسية ، ولكل منها نظامها الخاص وطقوسها التي تتشابه إلى حد كبير مع سائر ديانات الشرق إلا أن البوذية يظهر تأثرها ببعض معتقدات النصرانية ، وتؤكد على أهمية التأمل ومخاطبة الخيال للوصول إلى النرفانا ؛ فيصبح الإنسان متنوراً ، وينجو من "الكارما" قانون الجزاء ، ومن جولان الروح والتناسخ . ومعتنقوها نباتيون يحرمون جميع المشتقات الحيوانية أو يوجبون الصيام منها لفترات محددة (2).
الديانة الشنتوية ، والكنفشيوسية خليط من المعتقدات والطقوس والأخلاقيات تعتمد فلسفة وحدة الوجود وتعلي من شأن قدرات الإنسان ، وتقدس أرواح الأسلاف ، وتقول بتناسخ الأرواح (3).
الديانة المهاريشية ، وهي ديانة هندوسية ، انتقلت إلى أمريكا وأوربا متخذة ثوباً عصرياً من الأفكار التي لم تخف حقيقتها الأصلية ، وهي تدعو إلى طقوس وثنية ، وتركز على التأمل ( التصاعدي ) التجاوزي بغية تحصيل السعادة الروحية والوصول إلى إدراك غير محدود ، وتتزعم الدعوة إلى مايسمى التحالف المعرفي و" علم الذكاء الخلاق" الذي يزعمون أنه يجعلهم قادرين على إحداث التغييرات في كل زمان ومكان (4) .
__________
(1) . انظر الملل والنحل للشهرستاني / ، والموسوعة الميسرة 2/ 739 .
(2) . انظر الموسوعة الميسرة 2/ 768 ، مقارنة الأديان لأبو زهرة ص .
(3) . انظر الموسوعة الميسرة 2/ 765 .
(4) . الموسوعة الميسرة 2/ 781 .(1/71)
مجموعة الأديان الغربية الحديثة: كدين "الموحدين الخلاصيين" و"الإنسانيين العلمانيين"(1)، واتباع مذهب "العلمولوجيا" ومذهب "العمر-العصر- الجديد ، النيو اييج " التي تدعو في جملتها لإنكار الخالق ، وإثبات قوة كونية مدبرة أو "كلي واحد" ، وتدين بعقيدة وحدة الوجود والاستغناء عن الدين بالروحانيات .
الصابئة المندائيون ، وهي الطائفة الباقية من ديانة الصابئة القديمة ، وهم يعبدون الروحانيات العلوية (الملائكة) ، ويعتقدون أن الكواكب مسكن للملائكة ولذلك يعظمونها ويقدسونها ويعتقدون بقدرتها على التأثير في حياة الناس(2).
أديان الهنود الحمر ، وهي ديانات وثنية لها طقوس خاصة وترانيم ورقصات دينية ، وتعتمد على الاستعانة بالقوى السفلية والسحر ، وتدين كل قبيلة لزعيم خاص يملك قوى خارقة ومعرفة بالغيب وبأسرار الشفاء – بزعمهم – ومثلها الدرودية والويكا والآستروا وغيرها .
الشامانية الحديثة ، أصلها ديانة وثنية لها طقوس سحرية متنوعة ، وتعتقد بأرواح خير وأرواح شر وراء كل مرض أو حادث في الكون والشامان ( الكاهن أو ساحر القبيلة ) له قدرات خارقة في اتعامل مع الأرواح ، وهي منتشرة في جزر أقصى الشرق ، في بالي وفي استراليا وعند قبائل سيبيريا، وتُقَدّم في العصر الحديث بصورة دورات تدريبية يُزعم أنها تنمي مهارة الاستفادة من القوى الخفية ابتداءً بالتركيز فالإيحاء لتفعيل القوى الكامنة في النفس ثم استمداد الطاقة الكونية والطاقة السفلية ، ورائدها " باندلر" أحد مؤسسي " البرمجة اللغوية العصبية ".
__________
(1) . جدير بالذكر أن هناك حرب لفظية كلامية فهذه المصطلحات حسب استخداماتها المعاصرة لها معاني ومفاهيم قد تشابه ما عرف سابقاً بمذهب العلمانية والإنسانية إلا أنه أصبح اليوم أكثر اتساعاً من وجه ، كما أنه عَلَم على أديان جديدة غي الغرب .
(2) . انظر الملل والنحل للشهرستاني / ، والموسوعة 2/ 730 .(1/72)
الهونا ، ديانة أهل جزر هواي ، وهي من الديانات الوثنية التي تعتمد فلسفة الطاقة الكونية التي يُزعم أنها تستمد عن طريق آلهة عشرة توصل الناس بالسبب الأول الذي منه خلقوا . ويتزعم الدعوة لها في العصر الحديث "تاد جيمس" صاحب أحد أشهر مدارس "البرمجة اللغوية العصبية" ، ويدرّس فكرها في دورات بمستويات عدة تُعلّم فيها الطقوس والترانيم الوثنية مع السحر والاستعانة بالجن باسم تفعيل قوى النفس الكامنة ووصلها بالقوى الكونية .
عقيدة وحدة الوجود ، عقيدة إلحادية تدعو لها الديانات الهندية والصينية ، وهي معتقد غلاة الصوفية ، وعليها تبنى الفلسفات الإغريقية والغربية الحديثة ، وملخصها أن العالم بما فيه إنما هو التجلي الدائم الذي كان ولايزال، والموجود واحد – هو الله عند أصحاب الديانات السماوية ، وهو "الكلي" عند الملاحدة – وكل الموجودات إنما هي صور وصفات له . وهي امتداد لعقيدة الحلول وصورة مهذبة للإلحاد(1) .
نظرية الفيض الفلسفية(2)، التي يثبت معتنقوها عقلا كلياً فعالا فاضت عنه عقول عشرة هي التي تدير الكواكب وتدبر الكون . وهي موجودة بصور مختلفة في سائر الديانات الملحدة . ولها علاقة ظاهرة بعقيدة وحدة الوجود وفكرة وحدة الشهود(3) .
نظرية الأجسام السبعة والجسم الأثيري والشكرات ، فلسفة دينية شرقية ، وهي أساس في فلسفة الطاقة الكلية المنبثقة عن "الكلي" الواحد ، وضرورة اتحادها مع الطاقة البشرية الموجودة في جسم الإنسان عبر "الشكرات"الموجودة في جسمه الأثيري لضمان صحته وتناغمه مع الكون ووحدة ذهنه وجسده وروحه .
__________
(1) . الموسوعة الميسرة 2/ 1178 .
(2) . انظر تاريخ الفكر العربي لعمر فروخ ص133 . تناسخ الأرواح للخطيب ص28 .
(3) . انظر الموسوعة الميسرة للأديان 2/ 1023 .(1/73)
مذهب الوجودية : وهي مذهب فلسفي له اتجاهات عدة ومدارس متنوعة ، وفي جملته يغلو في قيمة الإنسان ويبالغ في التأكيد على تفرده ، ويقول معتنقوه أنهم يعملون لإعادة الاعتبار الكلي للإنسان ويعتبرون الأديان السماوية عوائق أمام الإنسان نحو المستقبل المشرق (1).
مذهب المنفعة : وهو مذهب يجعل من نفع الفرد والمجتمع مقياساً للسلوك والقبول والرفض(2) .
مذهب القوة ( مذهب نيتشة ) : وهو مذهب يسعى بفلسفته لإيجاد "الإنسان المتفوق " الذي يجب أن ينظر في نفسه ويكتشف قواه ، يقول نيتشه – كبرت كلمة تخرج من أفواههم - : " لقد مات جميع الآلهة ولم يعد من أمل إلا ظهور الإنسان المتفوق . فلتكن هذه إرادتنا "ويقول : " أتستطيعون أن تخلقوا إلهاً ؟ إذا أقلعوا عن ذكر الآلهة جميعاً فليس أمامكم إلا إيجاد الإنسان المتفوق ". والإنسان المتفوق عند نيتشة هو الذي تحقق بصفات كمال كثيرة في القوة والخلق والصبر ، وهو الذي حكم بقوته الطبيعة ، وهو الذي يمتلك صحة جيدة وقوية وخلاصة تعريفه : الشخص الذي غير شكل طبيعته ، وحقق السيطرة على نفسه . وهو الذي لايتمنى شيئا أكثر من التكرار الأبدي لحياته . إنه الرجل "السوبر مان "(3) الذي لا يحتاج بعد كل هذه القدرات لفكرة اعتقاد إله ، فهو وحده يملك أمر صحته ومرضه، وسعادته وشقائه .
__________
(1) . انظر الموسوعة الميسرة 2/ 828 .
(2) . انظر الموسوعة الميسرة 2/ 818 .
(3) . مأخوذ من ترجمة كتابه " هكذا تكلم زرادشت" . ص104 – 107، نقلته عن د. سارة آل سعود في كتابها قضية العناية والمصادفة في الفكر الإسلامي ص120 .(1/74)
هذه الأفكار والمعتقدات هي بعض أصول المزيج الذي صيغت منه التطبيقات المعاصرة التدريبيية من "البرمجة اللغوية العصبية" و"الماكروبيوتيك" و"التأمل الارتقائي" و"الريكي" و"التشي كونغ" وغيرها ، وإن كانت النسب في تكوين المزيج مختلفة بحسب التطبيق ، فهي تمثل الجذور التي انبثقت منها المذاهب الفلسفية الروحية الإلحادية ، وتجلت واضحة في تطبيقاتها المتنوعة في الصحة والرياضة والفكر . والمتصفح للكتب المصنفة في الأديان الشرقية وفي المذاهب الفلسفية، وفي علوم الروحانيات والكواكب، مع تطبيقاتها الحديثة بكل رياضاتها وعلاجاتها ؛ يجد أن العلاقة وثيقة بل هي وجوه مختلفة لعملة واحدة ولا عجب فالكفر ملة واحدة وإنما تلونها التيارات الغنوصية التي مازالت تتحين الفرص المناسبة دائماً لتندس بين المسلمين في صور وأشكال مختلفة(1) .
المبحث السادس :
في بيان موقف الإسلام منها ومناقشة الشبه حولها
__________
(1) . انظر الموسوعة الميسرة للأديان ( 2/ 1115 ) .(1/75)
من المعلوم الثابت في الدين أن أعظم ما أمر الله به التوحيد ، وأعظم مانهى عنه الشرك والكفر ، قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء } ، فكل ماهو شرك ، وكل طريق يفضي إلى الشرك محرم في الشريعة . وهذه المذاهب تعتمد فلسفات هي شرك أوكفر أكبر مخرج من الملة ، وتطبيقاتها المتنوعة لاتخرج عن هذا الحكم كثيراً لأنها مبنية عليها ، ممتزجة بها لا يمكن فصلها عنها إلا في خيال المفتونين بها ممن أشربت قلوبهم بفتنتها أو فتنة المال المكتسب بسهولة ويسر من جراء دوراتها وعلاجاتها . وهذا بلا شك لا يعني اطراد هذا الحكم على أشخاص الداخلين فيها من مدربين ومتدربين أو مروجين وممارسين ، فهناك فرق كبير جداً بين بيان حكم الفعل والقول ، وبيان حكم فاعله أو قائله فهذا الأخير له تفصيل واسع ويختلف فيه الجاهل والعارف والمتأول وغير ذلك مما هو مفصّل في باب التكفير في معتقد أهل السنة والجماعة وله ضوابط كثيرة من شروط وموانع .(1/76)
لاسيما وأمر هذه الوافدات قد خفي على كثير من أهل العلم لطبيعة دوراتها التي لا يجد العالم لها وقتاً في برنامجه مهما ادعى أهلها وراءها من نتائج ، ولأنها من الفتن الشيطانية التي تنتهج منهج الباطنية فتخفى على أكثر الناس فـ"الشياطين تظهر عند كل قوم بما لا ينكرون " مما جعل أكثر أهل العلم يعتبرها من الصيحات التي يتهافت عليها العامة انبهاراً بالجديد ، ثم لا يلبثوا أن يضربوا عنها صفحاً دون أن تترك في حياتهم أثراً ، فمنهم من لم يُعر الخلاف الحاصل بين المفتونين بها والمحذرين منها انتباهه ، ومنهم من أفتى بجوازها بناء على توضيح من مدربيها لماهيتها الذين دلسوا – أصلحهم الله- كثير من الحقائق وحاولوا أن يوفقوا بين فلسفة الطاقة الملحدة وبين بعض مايظهر -بسطحية-كأنه موافقاً لها من الدين الإسلامي . وقد حدث مثل هذا التباين في المواقف من أهل العلم إزاء المنطق اليوناني في عصور الإسلام قال ابن تيمية : " كتب المنطق اليوناني فيها من الباطل والضلال شيئ كثير ، ومن المسلمين من اتبعها مع ما ينتحله من الإسلام وهم الفلاسفة ، ومنهم من لم يقصد اتباعها ولكن تلقى عنها أشياء يظن أنها جميعها توافق الإسلام وتنصره . وكثير منها تخالفه وتخذله مثل أهل الكلام . ومنهم من أعرض عنها إعراضا مجملا ، ولم يتبع من القرآن والإسلام ما يغني عن كل حقها ويدفع باطلها ولم يجاهدهم الجهاد المشروع فهذا حال كثير من أهل الحديث والفقه " (1) والواجب الذي ينبغي أن تنفر فرقة لجهاد أهل هذه الفلسفات الجهاد المشروع الذي يبطل باطلهم ، ويدحض زيف فكرهم عن العامة وكان إمام هذه الطائفة الإمام ابن تيمية في عصره ، وأسأل الله العظيم أن يهيأ لهذه الأمة إماماً ثبتاً يتصدى لها في عصرنا هذا ، وهذا الكتاب إسهاماً من الباحثة لتعريف العلماء بحقيقة هذه التطبيقات لتكوين تصور كامل عنها يساعدهم في مهمتهم الجليلة في الذود عن
__________
(1) . مجموع الفتاوى ( 9 / 266 ) .(1/77)
المعتقد الصحيح ، فمن المعلوم أنه لابد من تصور كامل فالحكم عن الشيء فرع عن تصوره ، ولابد من معرفة مفصلة لما يحدث للتحذير بناء على ما يطبق فعلياً في واقع الناس ، وأثره في حياتهم ودينهم في ضوء قواعد الأصول ومقاصد الشريعة كقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وأبواب سد الذرائع وأحكام التعامل مع السحرة ، ووجوب تحرير الولاء والبراء ، وحكم العلم الذي يؤخذ مختلط بمسألة استحضار الأرواح والسحر وهي عند المدرب الكافر ( إيقاظ قوى النفس وتفعيل الطاقات الكامنة ) .
ومن أبرز نتاج انتشار هذه التطبيقات في واقع الناس من المخاطر الدينية :(1/78)
1. التدرب والتعامل مع دعاة الوثنية الجديدة ( الهونا _ الشامانية ) وفي حالات تنويم وإيحاء ، وفي حالة تلقي وتتلمذ وتدرب على ما يعتنقونه من عقائد وأصولها الفلسفية من الغربيين والشرقيين ، فرواد هذه التطبيقات الذين يدربون شباب المسلمين في بلاد الإسلام أو في بلادهم ( تاد جيمس ) الذ يعتنق ديانة الهونا ويدرب على تطبيقاتها في دورات الهونا لتفعيل قوى النفس ، و(باندلر) م(وود سمول ) متبني الشامانية الحديثة ، و( أنتوني روبنز ) رائد المشي على النار ، ومن ورائهم مدربين الطاقة المسلمين الكبار ( د. ابراهيم الفقي ، د. صلاح الراشد ، د. نجيب الرفاعي ) ، ودوراتهم ترجمة سلوكية للمعتقد الذي يدعو إلى تفعيل القوى الكامنة عن طريق الإيحاء ، والاعتماد على التنويم لتمام القدرة على التغيير من خلال التعامل مع اللاواعي وتنتهي بالاستعانة بأرواح الأسلاف – بزعمهم - والسحر وتأثيرات الأفلاك ، ويسمى كل هذا الباطل : قوى النفس والقوى الكونية إذ ليس لهم أثارة من علم النبوات الصحيح عن العوالم الغيبية ، وليس لهم محجة بيضاء ينطلقون منها . فالدخول في هذه التطبيقات فيه تعامل مع هؤلاء السحرة مما لايخفى أثره على الدين والعقيدة ، ناهيك عما فيه من خطر الانزلاق إلى هذا المنزلق الخطير إما بتلبيس أو بسحر أو بتقنيات تغيير القناعات القوية لديهم .(1/79)
2. التدرب على هذه التطبيقات يفضي إلى الاعتقاد بفلسفة الطاقة الكونية - وإن زعم مدربوها أنهم يجتنبون الإلحاد الذي فيها ، أو يؤسلمونها بزعمهم – إذ كلها مبنية على استمداد هذه الطاقة وتفعيلها وهذه الطاقة -كما بينا -ليست طاقة فيزيائية وليست مايعرف من الهمة ونحوها وإنما أمر متعلق بالعوالم الغيبية ، مما يُشرب قلب صاحبها بآراء في أمور الغيب تأخذه في طريق خطر العواقب حذر منه ابن عباس رضي الله عنهما إذ قال : "من أخذ رأياً ليس في كتاب الله ولم تمض به سنة رسول الله ؛لم يدر على ما هو منته إذا لقي الله" وقد سمعت من المتدربات والمدربات من الكلام ما ينذر بنهايات خطيرة إذ لم يتدارك أمر هذه التطبيقات المعاصرة لتلك الفلسفات الإلحادية .(1/80)
3. فتحت هذه الفلسفات ودعاوى أسلمتها الباب على مصراعيه لأهل البدع ،وأرباب الدجل فأصبح ضمن المهارات التي يدرب عليها المسلمون : مهارة الاستفادة من أشعة لا إله إلا الله ، وهذه مهارة استغلال طاقة الأسماء الحسنى !! وهذه دورة في تنمية القدرة على معرفة الغيب (الإلهام) الذي كان عند عمر رضي الله عنه عن طريق مايسمى بالحاسة السادسة . وهذه دورة في القراءة الضوئية تكسبك مهارة الإمام الشافعي في الحفظ فتستطيع في ثلاثة أيام أن تتم حفظ القرآن !! وهذه مهارة تمنحك القدرة على تخطي حواجز الزمان والمكان والتي تمكنك من أداء العمرة وأنت في فراشك !!! وهذه مهارة طاقة الجذب تمنحك ماتريد من الأقدار زوجاً ابناً ، مالا ، نجاحاً بتدريبات خاصة تمارسها لمدة 21 يوماً وتفاجئك النتائج !! وأخرى للتدرب على مهارات الرسائل الروحية بمهارات التعامل مع اللاواعي لتنمية قدرات التخاطر عن بعد التي تجعل صاحبها يستطيع إرسال رسالة لآلاف الكليومترات كما فعل عمر ابن الخطاب عندما قال : ياسارية الجبل (1)!!
وكثيرون دفعوا أموالا طائلة ولم يخرجوا من هذه الدورات إلا بشهادات موقعة، مع لوثة فكرية وقلوب أشربت الفتنة ، ومنهم من تاب ورجع ، أو أعرض لعدم حصوله على الموعود ، وبعضهم اتهم نفسه بعدم الصبر على مزاولة التمارين حسب أوقاتها ومددها مع قناعته بأنها أفكار مفيدة وحكمة نافعة !
__________
(1) .لاحظ اعتبارهم أن كل خوارق العادات تكتسب بل يشطحون إلى إمكان اكتساب النبوة والألوهية !! ولا شك أن بعضهم قد يصل لكثير أو قليل مما يدعيه ؛ فقوة السحر والجن قوى لا يستهان بها ، ولكن من كانت الآخرة نصب عينه والشرع منهجه ورضا الله غايته ينبغي أن يكون طالب استقامة لا طالب كرامة . ولا يأخذ من الأسباب إلا بما شرع ربه ورضي على قاعدة التفريق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية .(1/81)
والمروجون لهذه التطبيقات ممن تحقق لهم شيئاً من موعوداتها ، يظنون أن ما حصّلوه من قوى إنما هو من عند أنفسهم وباكتشاف قدراتهم الكامنة شأنهم في ذلك شأن باطنية الفلاسفة الذين قال عنهم شيخ الإسلام : ( باطنية الفلاسفة يفسرون الملائكة والشياطين بقوى النفس ... وانتهى قولهم إلى وحدة الوجود فإنهم دخلوا من هذا الباب حتى خرجوا من كل عقل ودين ) (1) .
4. أدت هذه الدورات عند كثيرين من المتدربين إلى الاستغناء بغير المشروع عن المشروع فمن المعلوم الثابت عقلا ونقلا أنه ( من شأن الجسد إذا كان جائعاً فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشم ، وربما ضره أكله ، أو لم ينتفع به ، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه ، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته ، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به ، بقدر ما اعتاض من غيره بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع ؛ فإنه تعظم محبته له ومنفعته به ، ويتم دينه ، ويكمل إسلامه ) وإن لم يكن من شر وراء تطبيقات هذه الفلسفات إلا الاستعاضة بغير المشروع عن المشروع لكفاها شراً ، فإننا والله بخير ما فتئنا نعالج بأدوية الكتاب والسنة أدواء أبداننا – مع جواز التداوي بالأسباب الدنيوية شرط أن تكون أسباباً حقيقية ، ولا تكون مما حرم علينا – ويظل العلاج الأوحد لأرواحنا وفكرنا ماكان من الكتاب والسنة، فمازلنا نوقظ بهديهما قلوبنا ،ونفعّل بهما طاقاتنا وطاقات من نربي ، وما زلنا نغترف من معينهما الصافي وصفات التآلف والتواصل والقدرة على التأثير وغيره مستهدين بِسِيَر السلف ، مستروحين عظيم الأجر في الاتباع .
ناهيك عن ما في هذه التطبيقات بأنواعها ( دورات ، علاجات ، رياضات ) من إضاعة المال حيث يتفنن روادها في وضع قوائم أسعارهم حسب رغباتهم وادعاءاتهم وليس وراء ذلك حتى الآن أي جهة رقابية !
__________
(1) .مجموع الفتاوى ( 13 / 239 ) .(1/82)
بالإضافة إلى تعريض العقل للضرر الذي قد يتعداه إلى النفس ، حيث تعمل كثير من هذه التقنيات عمل غسيل الأدمغة من وجه ، ومن وجه آخر تعتمد على التلاعب بوعي المعالج أو المتدرب وقد حدث أن تضررت بعض الحالات لكون التقنية خطيرة والمدربين غير متخصصين (1)، وليس هناك هيئة رقابية .
أضف إلى ذلك ما يترتب على طبيعة هذه الدورات والعلاجات بما تتطلبه من تدريب ، وتفاعل وتواصل دائم ، وملامسة أحياناً "كما في الريكي " والطاقة أدى إلى مفاسد كثيرة على الأعراض لا تخفى .
ومن وجه آخر فإن عقلاء الغرب يحاربون انتشار هذه التطبيقات في مجتمعاتهم لما رأوا لها من أثر في تكوين الطوائف والحزبيات ، بخلاف ما يدعيه مروجيها من تجاوز العصبيات جميعاً ، حيث يحكي الواقع تعصب طوائف الإنلباويين – أهل البرمجة اللغوية العصبية NLP - حتى فيما بينهم حسب مدارسهم ومدربيهم الكبار وكذا في سائر التطبيقات .
ومن هنا فالحكم على هذه التطبيقات يتطلب تحرٍ دقيق ، بعيد عن تدليس المفتونين بهذه الوافدات ولو كانوا أهل صلاح ودعوة . أو صمت منجي من بين يدي الله عز وجل . فالطريق وعرة خطرة أولها مستويات أربعة للبرمجة اللغوية العصبية قد لا يظهر في تقنياتها ذلك الأمر الخطير ( خصوصاً إذا كان المدرب مسلماً وحريصاً على أسلمتها )، ولكن بعد أن تألفها النفوس وتأخذ منها نهمتها تكون النهاية مروّعة عبر مستويات دورات الطاقة والهونا والشامانية التدريبية ، فقد تكون خروجاً من كل عقل ودين كما حدث للفلاسفة القدامى أو بعضهم.
__________
(1) . لأن هذه الدورات وعلاجاتها غير مرخصة ، وليس عليها جهات رقابية فليس هناك إحصائيات ونتائج لحجم الأضرار ، ولكنني وقفت شخصياً على بعض الحالات تخضع إحداها للحجز في مستشفى الصحة النفسية بشهار .(1/83)
ومما ينبغي التنبه له أن هذه الأفكار الوافدة لا يظهر خطرها منذ البداية كسائر البدع والضلالات "فالشياطين تظهر عند كل قوم بما لاينكرون"(1) ،وقال أحد السلف رضوان الله عليهم أجمعين : " لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته حذرته وفررت منه ، ولكن يحدثك بأحاديث السنة في بدو مجلسه ، ثم يدخل عليك ببدعته فلعلها تلزم قلبك . فمتى تخرج من قلبك ؟ " .
ثم إن تقنيات هذه الأفكار مدروسة بعناية كسائر تقنيات "النيو إييج"(2) الذين يشكلون طائفة ذات أثر ودين جديد في الغرب أضف إلى هذا انتهاجها منهج الباطنية الذي قال الإمام الغزالي مبيناً مبادئه : " من المبادئ الأساسية عند الباطنية تقديس النفاق والكذب والخداع ، ومن الوصايا الهامة التي يجب أن يسير بموجبها كل داعية باطنية هي أن يجاري من يخاطبه، ويوافقه في مذهبه تماماً، بل ويحسِّن له الغلو فيه، ويريه أنه أحرص منه على التزامه به "(3). ولما كانت الأصول العقدية لهذا الفكر الوافد مجهولة لدى أغلب المسلمين ، ولما كان الظاهر منها برّاقاً يحمل الخير والحل لمشكلات الصحة المستعصية ، فقد انبرى لهذه العلوم تعلّماً وممارسة وتدريباً فريق من أهل الإسلام - ممن ظاهرهم الخير والله حسيبهم – بدعوى زيادة العلم، وتتبع الحكمة ! على حين غفلة عن المنهج الحق الذي يبينه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي غضب فيه على
__________
(1) . انظر النبوات لابن تيمية (2/ 831) .
(2) .طائفة جديدة في الغرب ، أودين جديد يزعم أصحابه أنهم أصحاب عصر جديد شبيه بعصر النهضة التي تلت القرون الوسطى في أوربا ، يسعون لفكرة طاقة قوة الحياة ومالها من تطبيقات لتسهيل انقياد أتباعهم والتأثير عليهم ، ولا يركزون على ما يوجد عند أتباعهم من معتقدات سابقة من الأديان السماوية أو غيرها فالزمن وتطبيقات طاقة قوة الحياة كفيلان بترسيخ المعتقدات الجديدة وتغيير المعتقدات القديمة .
(3) . انظر فضائح الباطنية للغزالي ص 30 .(1/84)
الفاروق عمر - رضي الله عنه - عندما ظن مثل ظن هؤلاء في القصة المشهورة التي يحكيها أحد الصحابة رضوان الله عليهم قال : كنت جالساً عند عمر - رضي الله عنه - إذ أتي برجل من عبد القيس مسكنه بالسوس ، فقال له عمر : أنت فلان بن فلان العبدي ؟ قال : نعم ، فضربه بعصا معه ، فقال الرجل : مالي ياأمير المؤمنين ؟ فقال له عمر - رضي الله عنه - : اجلس ، فجلس فقرأ عليه: بسم الله الرحمن الرحيم { آلر .تلك آيات الكتاب المبين .إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون.نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين } فقرأها عليه ثلاثاً وضربه ثلاثاً ، فقال الرجل : مالي يا أمير المؤمنين ؟ فقال: أنت الذي نسخت كتب دانيال ، قال : مرني بأمرك أتبعه ، قال : انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض ، ثم لا تقرأه أنت ولا تقرئه أحداً من الناس ، فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحدا من الناس لأنهكنك عقوبة . ثم قال له : اجلس ، فجلس بين يديه ، قال : انطلقت أنا فانتسخت كتاباً من أهل الكتاب ، ثم جئت به في أديم ، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ماهذا الذي في يدك ياعمر؟" فقلت: يارسول الله كتاب نسخته لنزداد علماً إلى علمنا ، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى احمرت وجنتاه ، ثم نودي بالصلاة جامعة ، فقالت الأنصار : أغضب نبيكم - صلى الله عليه وسلم - السلاح السلاح ، فجاؤوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - : " ياأيها الناس ، إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتمه واختصر لي اختصاراً ، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية ، فلا تتهوكوا ، ولا يغرنكم المتهوكون " قال عمر : فقمت فقلت : رضيت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبك رسولا ، ثم نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1)
__________
(1) . أخرجه أبو يعلى عن خالد بن عرفطة وفي سنده ضعف إلا أن له شواهد تقويه فمجموع طرقه تقتضي أن له أصلا قاله ابن حجر في الفتح .(1/85)
. كما حذر عليه الصلاة والسلام من خطر تتبع وافدات الفكر بقوله :"كفى بقوم حمقاًًًًًًًً ً_ أو ضلالا _ أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم "(1).
أما بالنسبة للشبهات التي يتذرع كثير من مشجعي دورات هذه الأفكار الوافدة وعلاجاتها ورياضاتها بها، فسنقف هنا وقفة توضيحية موجزة لبعض أقوالهم التي يبررون بها أخذهم بهذه الأفكار والمناهج ، تلك الأقوال التي شكّلت من بعدهم شبهاً عند عامة المسلمين :
أولا: زعمهم أن هذه العلوم تتوافق في أكثرها مع ما هو ثابت في نصوص ديننا أو في سير الصحابة والسلف .
__________
(1) . سنن الدارمي .(1/86)
وحقيقة الأمر أنهم يتعلقون بنصوص وأمور اشتبهت عليهم لم يفهموا المراد منها فهماً صحيحاً ، وحقيقة ما أوقعهم في هذه المخالفات أحد ثلاثة أمور ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية فقال : " عمدة من يخالف السنة بما يراه حجة ودليلا ثلاثة أمور : إما احتجاج بقياس فاسد ، أو نقل كاذب ، أو خطاب شيطاني"(1). فيأخذون من قوله تعالى " أفلا يبصرون " ، و" أفلا يشعرون " ، و" أفلا يسمعون " دليلا على أن الناس أنماط ثلاثة : سمعيون وبصريون وحسيون ، ولكل نوع خصائص نفسية وسمات للشخصية إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً . ويستدلون بقول رسول الله للأعرابي مجيباً على سؤاله بلغته "ليس من البرم صيام فمسفر " على تقنية الألفة البرمجية التي تبدأ بموافقة الشخص في لغته وحركاته وعلو صوته ودرجة سرعة تنفسه لإقناع عقله الباطن بالوحدة معه ومن ثم قيادته وتوجيهه بدون مقومة من عقله أو نظر لما تولد من الانقياد للأليف في العقل الباطن ؟! ويأخذون من قصة صبر بلال رضي الله عنه وثباته مردداً : أحد أحد على شرعية التأمل التجاوزي ، ومن قصة عروة ابن الزبير رضي الله عنه دليلا على مشروعية التأمل الارتقائي . ومن قصة ربط أبودجانة رضي الله عنه للعصابة الحمراء على جبينه في المعركة على فهم الصحابة لفلسفة الشكرات وتأثيرات ألوانها ...وهكذا مما يصعب تقصيه وتفنيده ، ولكنك لو تأملته ببصيرة دينية وخلفية شرعية لعجبت من هذا التطاول على دلالات النصوص والسير .
__________
(1) . مجموع الفتاوى ( 13 / 259 )(1/87)
والحق أن كثيراً مما في هذه الأفكار الوافدة وتطبيقاتها يتعارض مع الدين وينقضه وإن اشتبه على بعض الناس ، والتبس عليهم لامتزاجه ببعض ما يتوافق مع الدين إذ أن العقل– كما هو معلوم- يوصل إلى الحق في عالم الشهادة وهذه التطبيقات ممتزجة بنظريات أو حقائق علمية صحيحة مأخوذة من مصادرها العلمية الصحيحة من علم النفس والإدارة وغيرها ، ولكنه لايوصل إلا إلى حق مجمل في عالم الغيب . فما كان في هذه الأفكار من موافقة للدين فهي من باب دلالات العقل الصحيحة في أمور عالم الشهادة ، والمسلم المستضيئ بنور الله يُعمل عقله في أمور الحياة – عالم الشهادة- التي لم يأت بتفصيلها الوحي وندبه على التفكير فيها ، ولكنه لايعدل حتى في مجالها عما جاءه عن الله بالوحي ؛ فالنقل عنده مقدّم على العقل ، ناهيك عن احتمال ضعف العقل وفساد دلالته ، ومن هنا كان شعور المؤمن بنعمة الرسالة عظيم فإرسال الرسل يغني العقل عن مخاطر التجربة في الواقع ، في معرفة الضار والنافع من الأغذية والأدوية(1)وغيرها، ولذا كان التوجيه الرباني : { فاستمسك بالذي أوحي إليك } والتوجيه النبوي : "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي" ، ومن نور هذه المشكاة كانت وصية السلف رضوان الله عليهم : ( على المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة ، وأن يجتهد في أن يعرف ما أخبر به الرسول وأمر به علماً يقينياً ، وحينئذ فلا يدع المحكم المعلوم للمشتبه المجهول ، فإن مثل ذلك مثل من كان سائراً إلى مكة في طريق معروفة لا شك أنها توصله إلى مكة إذا سلكها فعدل عنها إلى طريق مجهولة لا يعرفها ولا يعرف منتهاها ، وهذا مثال من عدل عن الكتاب والسنة إلى كلام من لايدري هل يوافق الكتاب والسنة أو يخالف ذلك .وأما من عارض الكتاب والسنة بما يخالف ذلك فهو بمنزلة من كان يسير على الطريق المعروفة إلى مكة فذهب إلى
__________
(1) . ذكره الرازي في المحصل ص156 في معرض رده على منكري النبوات .(1/88)
طريق قبرص يطلب الوصول منها إلى مكة . فإن هذا حال من ترك المعلوم من الكتاب والسنة إلى ما يخالف ذلك من كلام زيد وعمرو كائناً من كان فإن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد رأيت في هذا الباب من عجائب الأمور مالا يحصيه إلا العليم بذات الصدور )(1)
ثم أننا لو سلمنا جدلا بأنها تتوافق مع الدين فأخذ التطبيقات والتدريبات والألفاظ والمصطلحات منها لا من الدين استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير ، وعدول عن المشروع إلى غير المشروع ؛ فتعتاده النفوس وتأخذ حظها منه وقد تستغني به عن المشروع وذلك هو الخسران المبين قال شيخ الإسلام : ( من شأن الجسد إذا كان جائعاً فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشم ، وربما ضره أكله ، أو لم ينتفع به ، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه ، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته ، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به ، بقدر ما اعتاض من غيره بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع ؛ فإنه تعظم محبته له ومنفعته به ، ويتم دينه ، ويكمل إسلامه ) (2).
ثانياً :قولهم : هي أمور دنيوية حياتية ، فالأخذ بها من باب : أنتم أعلم بأمور دنياكم .
__________
(1) . مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 13 / 259 ).
(2) . اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم 483 .(1/89)
وهذه الجملة جزء من حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادثة تأبير النخل المشهورة ، وفهمها ينبغي أن يكون في ضوء القصة وسياقها لا بحسب الهوى والرغبة ، فأمور دنيانا هي أمور صناعتنا وزراعتنا وسائر الأمور المتعلقة بالأمور الدنيوية البحتة من إدارة ، وتخطيط ، وتكنولوجيا ، ومواصلات ، واتصالات ، وتقنيات ، ونحوها ، أما أمور تربية ذواتنا وتزكية أنفسنا ، وتهذيب أخلاقنا ، وسمو أرواحنا فهي من الأمور الدينية التي بعث الله بها محمداً صلى الله عليه وسلم بمنهج كامل شامل نافع ، والقول بغير هذا ينبع من غفلة عن كنوز الوحيين أوحصر لمفهوم الدين في الشعائر التعبدية . قال ابن تيمية موضحاً هذه الأمر : "وقد يكون علم من غير الرسول لكن في أمور دنيوية مثل : الطب والحساب والفلاحة والتجارة وأما الأمور الإلهية والمعارف الدينية فهذه العلم فيها مأخذه عن الرسول ، فالرسول أعلم الخلق بها وأرغبهم في تعريف الخلق بها وأقدرهم على بيانها وتعريفها "(1) .وقد قال جلّ من قائل سبحانه ممتناً على الأمة بنعمة الدين الخاتم : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } والسلف رضوان الله عليهم كانوا يفحصون كل العلوم في ضوء ثوابتهم حتى تلك التي هي في أصلها حيادية ففي علم الفلاحة أخذوا المتعلق بالزرع والبذر والغرس ونحوه ونبذوا المتعلق بخصائص روحانية مدعاة للنباتات والأغذية على شاكلة روحانية الأفلاك ، وهكذا في سائر العلوم الحيادية ، ولكنهم لم ينظروا أبداً في الكهانة والسحر جاهدين أن يستخلصوا منها منفعة لا تتعارض مع الدين(2)
__________
(1) . مجموع الفتاوى ( 13 / 135 )
(2) . رد فضيلة الشيخ عبدالرحمن المحمود على هذه الشبهة في مناظرة علنية بين مؤيدي البرمجة اللغوية العصبية ومنتقديها بقوله : " عندما نعرف أن هذه البرمجة ابتدأت مع أصول الانحراف عند فرويد وعند فلان وفلان من الموصوفين بالمكر والمخادعة ، يجب أن نعيد النظر فيها ونفحصها ولا يشتبه علينا قول " خذ الحق ولو من الكافر" فنحن نأخذه نعم إذا كان حقاًً والرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال في قصة الغول المشهورة : "صدقك وهو كذوب" لأن الشيطان قال حقاًً وهو آية من كتاب الله عزوجل . لكن الرسول عندما أتاه عمر رضي الله عنه بقطعة من التوراة فيها عن بني إسرائيل ماهو حق ، وفيها ماهو ليس بحق ، كما هو معلوم في الروايات عن بني إسرائيل فقال : " أفي شك أنت ياابن الخطاب ، والله لوكان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني" . فالقضية واضحة في الاستفادة من العلوم الغربية كعلم النفس والاجتماع ومما قد يكون في البرمجة ، ولكن يجب ألا تقبل في إطارها ، فلم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه إن في هذه التوراة كذا وكذا فهو حق فاقرأه . لا بل نهاه . والبرمجة من مشكلاتها أنها برنامج متكامل الذي يأخذ مستوى يريد ثاني وثالث ...ثم تنتهي إلى نهايات خطيرة ".(1/90)
!.
ثالثاً : استدلالهم بالقول المشهور : اطلبوا العلم ولو في الصين :
وهذا القول من الحكم المتداولة ، ومعناه صحيح فالعلم يؤخذ من أي مكان والرحلة في طلب العلم رحلة مباركة ، ولكن لابد من وضع ضابط يضبط "العلم" ، فليس كل علم يدرس ويؤخذ ، بل لابد أن يكون علماً نافعاً صحيحاً ، وألا يكون علماً محرماً في ذاته ( مثل الماورائيات والميتافيزيقيا -الغيب من غير المصدر الحق - والخصائص والطبائع المدعاة للأحجار والأشكال ونحوها ، أوالسحر ، والكهانة والعرافة وغيرذلك ) ، أومحرماً لما يجر إليه من مفاسد أو صدّ عن ذكر الله عز وجل ، قال بعض أهل العلم : " علم لا يقربك إلى الله لن ينجيك غداً من جهنم " . وواقع كثير من هذه العلوم الوافدة لايخرج عما ذُكر إلا قليلا ؛ فما يسمى بالطاقة وتطبيقاتها وتفريعاتها ماهو على الحقيقة إلا جهل ، وتخرص وضلالات ، وإن احتوى على شيء من الحق في ثناياه -كما ثبت بتقصي أصوله وفروعه وتطبيقاته في هذه الدورة العلمية – فغالبه مخالف لصحيح النقل ولصريح العقل ، فهل بعد هذا يسمى علماً ويطلب من أصقاع المعمورة! ومن الكلام ما يسمى علماً وهو جهل ، مثل كثير من علوم الفلاسفة وأهل الكلام ، والأحاديث الموضوعة ، والتقليد الفاسد ، وأحكام النجوم . ولهذا روي : إن من العلم جهلا ، ومن القول عياً ومن البيان سحراً"(1).
رابعاً : تذرعهم بـ : الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها :
وهذا كلام حق ولكن ينبغي أن يفهم فهماً صحيحاً ، فلابد من عرض هذه الأفكار الوافدة ومعتقداتها وتطبيقاتها على معنى الحكمة الصحيح في ديننا ؛ فما كان موافقاً للكتاب والسنة بفهم صحيح وقياس مستقيم لا بتعسف وتأويل باطل ؛ كان حكمة حقاً ، وليست الحكمة هي أقوال وأفعال شاعت تسميتها بالحكمة عند من لقبوا النساك والرهبان بل وبعض المجاديب بـ"الحكماء الأوائل" !
__________
(1) . الاستقامة لابن تيمية ( 2 / 160 ) .(1/91)
فالحكمة ضالة المؤمن حقاً وسيجدها حتماً في أكمل صورها إذا أقبل على مصادر الحكمة الصحيحة : كتاب الله وسنة رسول الله . أما الضلالة فليست ضالة المؤمن أبداً ، بل هي ما يحذره ويتوقاه ، والعبرة بحقائق الأمور لا بالدعاوى القائمة عليها ولن تكون الضلالة حكمة لمجرد تسميها باسمها وتوشحها بلباسها ، فالحكمة ما أثبت النقل الصحيح أو العقل الصريح أنها حكمة حقاً ، أما زبالة الأذهان ، وآراء الضالين ، وفلسفات المغضوب عليهم فليست حكمة بحال !! ولنا في الصالحين أسوة ، قال أبي سليمان الدراني : إنه لتقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين : الكتاب والسنة . وقال أبو عمرو بن نجيد : كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل .
خامساً : قولهم : الأخذ بالأسباب عبادة ، وما هذه الأمور إلا أسباباً نتعبد الله بالأخذ بها :(1/92)
هذه العبارة جزء قاعدة من قواعد السلف في الاعتقاد تتمتها ( والاعتماد على الأسباب شرك يرق ويغلظ ) فهي كلام حق وقاعدة صحيحة ، ولكن لابد من نظر صحيح في الأسباب والمسببات فقد ضل في هذا الباب كثير من الناس ، والمهتدون فيه - باب الأسباب والمسببات- لا يثبتون سبباً إلا إذا ثبت بنقل صحيح أو دل عليه عقل صريح ، وهم يقدّمون ما ثبت من الأسباب المشروعة على غيره لإيمانهم وتمام توكلهم على ربهم سبحانه وتعالى ، يقول ابن تيمية في وصفهم :"يؤمنون بأن الله يرُدُّ بما أمرهم به من الأعمال الصالحة والدعوات المشروعة ما جعله في قوى الأجسام والأنفس ، ولا يلتفتون إلى الأوهام التي دلت الأدلة العقلية أو الشرعية على فسادها ، ولا يعملون بما حرمته الشريعة ، وإن ظن أن له تأثيراً ، وبالجملة فالعلم بأن هذا كان هو السبب أو بعض السبب ، أو شرط السبب ، في هذا الأمر الحادث قد يعلم كثيراً ، وقد يظن كثيراً ، وقد يتوهم كثيراً وهماً ليس له مستند صحيح ، إلا ضعف العقل"(1). وقال : "جميع الأمور التي يظن أن لها تأثيراً في العالم وهي محرمة في الشرع كالتمريجات الفلكية - تخرصات الفلكيين في تأثير الأفلاك - ، والتوجهات النفسانية ، كالعين ، والدعاء المحرم ، والرقى المحرمة ، أو التمريجات الطبيعية - مايدعى للبدن من الطبائع- ونحو ذلك ، فإن مضرتها أكثر من منفعتها حتى في نفس ذلك المطلوب ، فإن هذه الأمور لا يطلب بها غالباً إلا أمور دنيوية ، فقلّ أن يحصل لأحد بسببها أمر دنيوي ، إلا كانت عاقبته فيه في الدنيا عاقبة خبيثة ، دع الآخرة. والمخفق من أهل هذه الأسباب أضعاف أضعاف المنجح ، ثم إن فيها من النكد والضرر ماالله به عليم فهي في نفسها مضرة ، ولايكاد يحصل الغرض بها إلا نادراً وإذا حصل فضرره أكثر من نفعه ".
__________
(1) . اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ص234 .(1/93)
والأسباب المدعاة في هذه الوافدات لا تخرج أكثرها عن كونها أسباباً وهمية لا تأكيد لها من عقل ولا نقل ، أو أسباباً خفية نهينا عن تتبعها ، أو أسباب شركية محرمة . وما شرعه الله من الأسباب الشرعية وما أباحه لنا من الأسباب التي تعرف بعقل صحيح ومنهج علمي تجريبي يغنيننا عن هذه الأسباب ، قال شيخ الإسلام عن تأثير بعض هذه الأسباب الخفية : " قد يكون فتنة لمن ضعف عقله ودينه ، بحيث تختطف عقله فيتأله إذا لم يرزق من العلم والإيمان ما يوجب له الهدى واليقين ويكفي أن يعلم أن ما سوى المشروع لا يؤثر بحال ، فلا منفعة فيه ، أو أنه وإن أثر فضرره أكثر من نفعه"(1) .
سادساً : تذرعهم ببعض منافع حدثت لهم أو على يديهم ، وقولهم : ثبت نفع هذه التطبيقات بالتجربة :
__________
(1) . انظر اقتضاء الصراط المستقيم ص 213 .(1/94)
وقد يحدث عند الأخذ بهذه العلاجات أو التدرب على هذه التقنيات منافع لأصحابها بدنية أو نفسية أو روحية وليس ذلك باتفاق العقلاء كاف لعدها سبباً فيما حصل ولا للأخذ بها فباب الأسباب والمسببات قد يضل فيه عامة الناس قال ابن تيمية : " تحصيل المنفعة الذي يظن له سبباً غير مشروع قد يكون سببه اضطرار المضطر وصدقه ، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له ، وقد يكون أمراً قضاه الله لا لأجل السبب وقد يكون فتنة ، وإن وافق حصول المطلوب السبب غير المشروع كان فتنة فإنا نعلم أن الكفار قد يستجاب لهم فيسقون ، وينصرون ، ويعانون ، ويرزقون ، مع دعائهم عند أوثانهم وتوسلهم بها { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا } وأسباب المقدورات أمور يطول تعدادها وإنما على الخلق اتباع ما بعث الله به المرسلين ، والعلم بأن فيه خير الدنيا والآخرة" (1). كما أنه لا شك أن الشيطان يزين الباطل ويجمله بما يظهره نافعاً وقد يحقق بأسباب الباطل نفع ظاهر ، ومن ذلك ما بينه ابن مسعود رضي الله عنه في قصته مع امرأته عندما كانت تجد النفع عندما تتداوى بغير المشروع لمرض عينها فتبرأ فقال لها : " إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقيتها- يقصد رقية غير مشروعة- كفّ عنها، إنما يكفيك أن تقولي : أذهب الباس رب الناس اشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً " .
ثم أنه لابد لإثبات النفع من منهجية علمية ، وفهم دقيق لقانون السببية ، فليس الاقتران الذي يحدث بين حصول نفع وتطبيق أمر ما كافٍ على القول بأنه سببه ، قال ابن تيمية : " أن الشيطان زين لهم نسبة الأثر إلى مالا يؤثر نوعاً ولا وصفاً ؛ فنسبته إلى وصف قد ثبت تأثير نوعه أولى أن يزين لهم " .
__________
(1) . اقتضاء الصراط المستقيم ص 186 .(1/95)
كما أن مقياس النفع عند المسلم لا يطلق على النفع الدنيوي المجرد ، بل يخضع لتصورات المسلم الممتدة للحياة في الدنيا والآخرة ؛ فالنفع الدنيوي البحت لا يمكن اعتباره نفعاً إلا إذا لم يكن له ضرر ديني . لهذا بين ابن تيمية يرحمه الله أن الذي ثبت نفعه حقاً بالتجربة هو الدعاء المشروع فقال : "دعاء الله وحده لا شريك له دل الوحي المنزل والعقول الصحيحة على فائدته ومنفعته ، ثم التجارب التي لا يحصي عددها إلا الله فتجد المؤمنين قد دعوا الله وسألوه أشياء أسبابها منتفيه في حقهم ، فأحدث الله لهم تلك المطالب على الوجه الذي طلبوه ، على وجه يوجب العلم تارة والظن الغالب الأخرى "(1).
وثمة أمر آخر وهو أنه ليس كل مافيه نفع يكون الأخذ به مباح، فالنفع ليس ميزان القبول والرد وإنما شرع الله هو الميزان فمن المعلوم أن السحر الذي قد يؤدي قطعاً لحصول نتائج مطلوبة ومنافع دنيوية متيقنة عند أصحابه محرم في الشريعة وكذا في الخمر والميسر ، وعماد ذلك التفريق بين القدر الكوني والقدر الشرعي قال ابن تيمية : ( أمور قدرها الله قدراً كونياً وهو لا يحبها ولا يرضاها وتكون فتنة لبعض خلقه ومن ذلك الأسباب المحرمة المحصلة لنفع ما فإن الأخذ بها موجب لعقابه وسخطه ، بينما الأمور التي قدرها الله قدراً شرعياً فهو يحبها ويرضاها كالدعاء المشروع والصلاة والصيام ونحوه " (2).
سابعاً : تذرعهم بدعوى "الأسلمة " فيقولون نحن "نُفلتِر" هذه الوافدات وننقيها ، ونأخذ الصحيح منها مع الاستدلال عليه بالآيات والأحاديث ، وهذا الصحيح إنما هو من ديننا أصلا ولكننا غفلنا عنه :
__________
(1) . هذا النص والنصوص أعلاه من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ص211 .
(2) . اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم 224 .(1/96)
لابد أن نفرق بين ما يمكن " أسلمته" وبين ما لا يمكن ، فلا يقول عاقل مسلم بأننا يمكن أن نؤسلم النصرانية ، واليهودية ، والبوذية والطاوية ، ويمكن أن ننقي عقيدة التثليث من الدخن ، ونقبل من عقيدة التثنية بعض تطبيقاتها ، ولا نقبل الماسونية لكونها تتضمن دعوة للإخاء والمساواة والحرية ونحاول تنقيتها وإنما نرفضها كلها ونأخذ الدعوات الطيبة التي تنتحلها من مصادرها الأصيلة نقلية أو عقلية ، فالعقائد المنحرفة والتطبيقات المبنية عليها ترفض ولا يُقبل فيها ترقيعاً وإنما تكون أسلمتها الصحيحة – إن صح التعبير– برفضها وأخذ الإسلام الصافي الذي قد توافقه في بعض أفكارها ، بخلاف العلوم العامة الحيادية كعلم النفس والإدارة والأدوات والتقنيات كالفضائيات والشبكة العنكبوتية فنستطيع الاستفادة من تقنية البث المباشر مثلا الفضائيات لبث فكر ومنهج الإسلام ووفق ضوابطه ، كما نستطيع الإفادة من نظريات الإدارة ، وتقنيات الإقناع ؛ فنرفض منها ما يخالف الدين منها ، ونقبل ما لا يتعارض مع الدين فيكون مما يرفض مثلا : تقنيات الإدارة التي تقود لعبودية المرؤوسين للرؤساء ، أو وسائل الإقناع والتأثير التي ينتج عنها التغرير بالمستهلكين وخداع المفاوضين وغير ذلك . ولهذا ينادي كثير من العلماء المسلمين في علم النفس والاجتماع والاقتصاد وغيره بما أسموه "أسلمة المؤسلمين" لما رأوا من جرأة في الاستدلال بالنصوص على غير مرادها الحقيقي وما يتبعه من تسويغ للضلالات. وقد سعى كثير منهم – جزاهم الله خيراً- إلى النظر ببصيرة في الأفكار والنظريات الوافدة بعين التأصيل الصحيح لا "الأسلمة المتعسفة " فما كان منها له أصل في ديننا حقيقة أخذوا الأصل وأبرزوه وقعّدوا قواعده (1)
__________
(1) . قال الشيخ الدكتور عبد العزيز النغيمشي أستاذ علم النفس ورائد من رواد التأصيل الإسلامي في معرض بيانه الذي أعقب المناظرة العلمية حول البرمجة اللغوية العصبية : " يجب المطالبة بكل قوة بأن يعكف المتخصصون من ذوي الثقافة الشرعية على إخراج برامج مؤصلة مطعمة بما يفيد دون أن تدخل تحت هذا الاسم وهذا الإطار ، ولا يمنع أن تجد بعد أن تنتهي من إعداده أن البرنامج فيه 10% أو 60% من مفاهيم البرمجة اللغوية العصبية ما دمت أصلا قد بدأت من مصادرك الشرعية وانطلقت من ثوابتك العقدية والعقلية ".(1/97)
، ومالم يكن له أصل نظروا فيه وفرقوا بين مالم يكن متعارضاً مع الدين ، وبين المعارض المخالف له .
والناس من القديم يغترون ببعض الحق المبثوث في الباطل وينخدعون به ، فينبري له بعض المتحمسين ثقة بقدرتهم على استخلاص الحق أو أسلمة الباطل ، فقد حدث مع الأفكار الوافدة من المنطق اليوناني من قبل قال ابن تيمية : " كتب المنطق اليوناني فيها من الباطل والضلال شيئ كثير ، ومن المسلمين من اتبعها مع ما ينتحله من الإسلام وهم الفلاسفة ، ومنهم من لم يقصد اتباعها ولكن تلقى عنها أشياء يظن أنها جميعها توافق الإسلام وتنصره . وكثير منها تخالفه وتخذله مثل أهل الكلام . ومنهم من أعرض عنها إعراضا مجملا ، ولم يتبع من القرآن والإسلام ما يغني عن كل حقها ويدفع باطلها ولم يجاهدهم الجهاد المشروع فهذا حال كثير من أهل الحديث والفقه "(1) والصواب أن يجاهدوا الجهاد المشروع ، وينصحوا بنبذ الباطل والإقبال على المنبع الصافي من كتاب الله وسنة رسول الله .
ثامناً : قولهم : إنما الأعمال بالنيات ، ونحن حتى لو طبقنا تطبيقات غير مشروعة أو شابهنا أهل الجحيم في شيء فنحن لا نقصد ذلك ولا نريده فلن تضيرنا مشابهتهم :
__________
(1) . مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية( 9 / 266) .(1/98)
الحديث المستدل به صحيح ولكن الاستدلال خاطئ والقياس فاسد ، والشبهة قوية . فمن المعلوم أن قوام الأعمال على النيات المنعقدة عليها ، وأمر النية خفي يحتاج إلى صدق وبصيرة ، كما أن العلاقة بين أعمال القلوب وعلى رأسها النية وبين الأقوال والأفعال الظاهرة قد لا يفهمها كثير من الناس فعلىسبيل المثال لا يقول عاقل بأن كلمة الكفر أو مقارفة أعمال الشرك – من غير إكراه- أمر سائغ جائز إن لم تصاحبه نية الكفر والشرك . فالقول بهذا يفتح بوابة الشرك على مصراعيها وينصر القول الشعبي البدعي : "المهم مافي القلب ، والظاهر قشور " ، وقد كان عند المشركين نية حسنة عندما عبدوا غير الله وقالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . فهل قُبل عملهم الشركي على أساس نيتهم الحسنة ؟
إن أعمال الظاهر من أقوال وأفعال لها أهميتها وأحكامها في الشريعة كما أن للباطن وأعمال القلوب أهميته وأحكامه، ومن هنا كانت أهمية اعتبار فهم السلف الصالح للنصوص وتطبيقهم لها حتى لا تشتبه الأمور لا سيما مع هوى النفوس ورين القلوب فتقود إلى خلاف ما تدعو إليه النصوص الكريمة في حقيقتها ولا ننسى أن معظم أهل البدع قد استخدموا النصوص بأفهامهم السقيمة للتدليل على بدعتهم .
تاسعاً :قولهم : أفتى بجوازها بعض أهل العلم ، ويدرب على تطبيقاتها بعض من ظاهرهم الصلاح والله حسيبهم :(1/99)
لرد هذه الشبهة لابد أن نتذكر فردية التبعة بين يدي الله سبحانه وتعالى : { إذ تبرأ الذين اتُبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب } فكلٌ يؤخذ منه ويُردّ إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ، كما نتذكر أنه عليه الصلاة والسلام كان يحذر من المضلين ، وقد يكون هناك مضلين وإن لم يكن إضلالهم عن سبق قصد ونية سوء ، وإنما ضلوا هم فأضلوا من بعدهم ؛ فالباطل كثيراً ما يلبس لبوس الحق فيخفى على الناس ويشتبه عليهم وقد دخل سابقاً كثير من أهل العلم والصلاح في متاهات المنطق ، ودروب التصوف الغالي وغيره فمنهم من هلك في تلك الدروب ومنهم من رجع وتاب ، ومنهم من نجا ولكن ببعض اللوثات. ثم أن الفتاوى لا تحلل حراماً ولا تحرم حلالا، وإنما هي تبين الحكم في ضوء تصور المسألة ، والمسألة إلى الآن مشتبهة عند أكثر الناس ، وملتبسة متلونة مما أخّر صدور فتوى بشأن هذه الوافدات من الجهات الموثوقة للفتيا .
الخاتمة(1/100)
وبعد هذه الجولة في هذه الفلسفات وتطبيقاتها تبين أن خطر هذه المذاهب بأصولها القديمة وتطبيقاتها المعاصرة مدلهم ، وفتنتها عظيمة . والشر الذي تجمعه وتدل عليه كثير متشعب ، وعلى الرغم من محاولات كثيرين من الحريصين استخلاص ما فيها من خير بعيداً عن لوثاتها العقدية إلا أن هذه المحاولات باءت وستبوء بالفشل - وإن لم يعترف بذلك أصحابها ومدربوها - فمصادمة هذه الفلسفات وتطبيقاتها للعقيدة إنما هو في الأصول التي تقوم عليها لا في بعض التطبيقات الهامشية التي قد يدعي البعض إمكانية التحرز منها وهذا لم يدركه مشجعوها من المسلمين الذين يحاولون أسلمتها ، أو أخذ ظاهر حركاتها وترك حقيقة فلسفتها إذ مبناها على اعتقاد ملحد ملخصه : وجود طاقة كلية غيبية تعطينا قوة الحياة . ولو عادوا للكتاب والسنة عودة صادقة لوجدوا فيها ما يغني هذه المحاولات البائسة ، ويبدوا أن سبب محاولاتهم هذه هي ما وضحه طبيب القلوب ابن القيم فقال :" فكيف يظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها ناقصة تحتاج سياسة خارجة عنها تكملها ، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها ؟؟ ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده ، وسبب ذلك كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك وقلة نصيبه من الفهم الذي وفق له أصحاب نبيه الذين اكتفوا بما جاء به واستغنوا به عما سواه ، وفتحوا به القلوب والبلاد ، وقالوا : هذا عهد نبينا وهو عهدنا إليكم "(1).
__________
(1) . أعلام الموقعين 4 / 376 .(1/101)
والتاريخ يشهد على ما فعلت هذه العلوم الفلسفية في عقيدة فئام من الأمة من قبل ،قال الإمام ابن تيمية عن معلمي هذه العلوم وقواها الخفية في عصره : " كذلك كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك ويوجبون التوحيد بل يسوغون الشرك أو يأمرون به أو لا يوجبون التوحيد ... كل شرك في العالم إنما حدث برأي جنسهم إذ بنوه على ما في الأرواح والأجسام من القوى والطبائع وإن صناعة الطلاسم والأصنام لها والتعبد لها يورث منافع ويدفع مضار فهم الآمرون بالشرك والفاعلون له ومن لم يأمر بالشرك منهم فلم ينه عنه "(1) .
كما أن حركة الروحية الحديثة بصورة "جمعيات تحضير الأرواح " التي اجتاحت العالم الإسلامي وأثارت ضجة إعلامية كبرى في مصر وبلاد الشام في الستينات الميلادية ، وانزلق في شباكهها كثير من أهل الإسلام ومنهم طلبة علم شرعي ، ودعاة أنذاك تجعلنا نقف الآن ونحن نواجه التطبيقات الحديثة بحزم فالمسلم لا يلدغ من جحر مرتين(2) .
__________
(1) .انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 3/ 34 .
(2) .انظر كتاب اروحية الحديثة للدكتور محمد محمد حسين .(1/102)
فإن أردنا صلاح حالنا وسلامة مآلنا فليس ذلك بتشرب الوافدات والاقبال على كل جديد قبل التثبت والتأكد من هويته وجذوره وأهدافه ، وليكن إقبالنا وتشوفنا على الكتاب والسنة فهماً وتدبراً واستشفاءاً واستهداءاً ومنهجاً لسعادة الدنيا والآخرة ، فما تركا من خير إلا وفيهما دلالة عليه ولا شر إلا وفيهما تحذير منه ، واليقين بهذا من مقتضيات فهم كمال الدين وتمام بلاغ خاتم المرسلين :" وبالجملة فجاءهم – أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - بخير الدنيا والآخرة برمته ، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه ، فكيف يظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها ناقصة تحتاج سياسة خارجة عنها تكملها ، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها ؟؟ ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده ... وقد كان عمر رضي الله عنه يمنع من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يشتغل الناس به عن القرآن ، فكيف لو رأى اشتغال الناس بآرائهم وزبد أفكارهم وزبالة أذهانهم عن القرآن والحديث ؟ فالله المستعان "(1).
وفي الختام أؤكد على ضرورة تذكر انتهاج مروجي هذه الوافدات منهج الباطنية الخفي المتدرج بتقنيات قريبة من الخطوات التي بينها الغزالي في فضائح الباطنية : الزرق والتفرس، ثم التأنيس، ثم التشكيك، ثم التعليق، ثم الربط، ثم التدليس، ثم التأسيس، ثم الخلع، ثم المسخ أو السلخ في تدرج لا يتم على عجل ، بل هم يتدرجون تدرجاً خفياً يعتمدونه في أساس تقنياتهم "الألفة والمجاراة والقيادة" ، كما لا ينبغي أن تفهم أن تلك التعليمات تلقى على المتدرب بشكل مكشوف بسيط ؛ بل إنه يمر بتعقيدات وتعليمات وصقل، قد يأخذ فيها مدداً طويلة أو قصيرة حسب ميوله وذكائه وتقبله وإيمانه وتطبيقه ، ولهذا ويشتد ولاءه ودفاعه عن ما تبناه .
__________
(1) . أعلام الموقعين 4 / 376 .(1/103)
ولهذا كان التحذير من أخذ الفكر والرأي من غير المحجة البيضاء كما قال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما محذراً:" من أخذ رأياً ليس في كتاب الله ولم تمض به سنة رسول الله لم يدر على ماهو منته إذا لقي الله "(1).
فاللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه اللهم أبرم لأمتنا أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر .
المراجع(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية
اقتضاء الصراط المستقيم لخالفة أصحاب الجحيم . لابن تيمية .
بدائع الفوائد . لابن القيم .
فضائح الباطنية لأبي حامد الغزالي .
مقدمة ابن خلدون . عبد الرحمن ابن خلدون
التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية محمد عز الدين توفيق .
تمهيد في التأصيل د. عبدالله الصبيح
نظرية المعرفة ... ... ... ... ... ... د. راجح الكردي
البوذية ... ... ... ... ... ... ... د. عبدالله نمسوك
مدخل علم النفس د. لندا دافيدوف ، ترجمة د. سيد الطواب وآخرون
علم النفس المعرفي د. رافع الزغلول ود. عماد الزغلول .
مدخل لنظريات الشخصية . د. باربرا انجلز ، ترجمة د. فهد بن عبدالله بن دليم
الحركات الباطنية د. محمد أحمد الخطيب
__________
(1) . أخرجه الهروي في ذم الكلام ص36 .
(2) . حتى خرج هذا البحث كان هناك استقصاء شاملا لكل ما أمكنني الوصول إليه من الكتب المؤلفة حول هذا العلم أو فلسفته أوتقنياته العربي منها والمترجم والأجنبي ، بالإضافة للمواقع العلمية على الشبكة العنكبوتية ، وتمت كثير من المراسلات واللقاءات مع المتخصصين والباحثين المهتمين بهذه التطبيقات الجديدة ، والمثبت هنا فقط أبرزها . وقد كانت بعض مادة هذا الكتب مطبوعة ضمن مذكرة الفكر العقدي الوافد ومنهجية التعامل معه ومذكرة " الباطنية المعاصرة وخطرها على الأمة " ، وفي مقالات نشرتها عبر بعض الصحف والمجلات .(1/104)
الروحية الحديثة دعوة هدامة د. محمد حسين
اتجاهات هدامة في الفكر العربي المعاصر د. محمد حسين
مقدمات في الفلسفة ... ... ... ... د. علي عبد المعطي محمد
سلسلة الماكربيوتيك ... ... ... ... ... د. يوسف البدر
الماكروبيوتيك ... ... ... ... ... د. خالد التركي .
الفراسة ... ... ... ... ... ... د. يوسف البدر
الجوارح وأسرار الوضوء ... ... ... ... د. ماجد عامر
أثر المادية والروحية في التوجيه د. محمد البهي
تفسير المعرفة وعلاقته بنظرية الكون د. راجح الكردي
مباحث في منهجية الفكر الإسلامي ... ... ... د. عبدالمجيد النجار
المعجم الفلسفي ... ... ... د. جميل صليبا
فلاسفة الشرق ترجمة : عبدالحليم سليم .
الفكر الشرقي القديم د. جمال المرزوقي
دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي . د. حسام الدين الألوسي .
موقف الإسلام من السحر د. حياة با أخضر .
موقف الفلاسفة المنتسبين للإسلام من التنبؤ بالغيب . د. حياة با أخضر
الأحلام وقواها الخفية تأليف : د. آن فراداي ، ترجمة : عبدالعلي الجسماني
قدرات غير محدودة انتوني روبينز
قوة عقلك الباطن د. جوزيف ميرفي .
خوارق اللاشعور د. علي الوردي .
آفاق بلا حدود . محمد التكريتي .
نظرات في البرمجة اللغوية العصبية د. محمد الصغير .
موسوعات الأديان والمذاهب
مذكرات دورات البرمجة العصبية والطاقة والماكروبيوتيك والريكي لمستويات مختلفة لجمع من المدربين ( ابراهيم الفقي ، نجيب الرفاعي ، محمد التكريتي ، عوض القرني، سمير بنتن، محمد عاشور، علي شراب، عبدالرحمن الفيفي ، عبدالناصر الزهراني ، سعود المندح، شكري الشيخ ، طلال خياط ، حسن البشل ، وغيرهم من مدربي البرمجة أو الطاقة )
كتب وألبومات سمعية ونشرات نادي السعادة ( فواصل ) د. صلاح الرا شد
المراجع الأجنبية :
Encyclopedia Britannica .
Enhancing Human Performance: Issues, Theories, and Techniques; US National Academy Press, 1988.(1/105)
Enhancing Human Performance: In The Mind's Eye; US National Academy Press, 1991.
Enhancing Human Performance: Learning, Remembering, and Believing; US National Academy Press, 1994.
Heap, M. Neurolinguistic programming – an interim verdict, Hypnosis, Croom Helm, London, 1988, pp 269-280.
Lindsey, R. "Spiritual concepts drawing a different breed of adherent, NY Times, Sept. 29, 1986.
Encyclopedia of Systemic Neuro-Linguistic Programming and NLP New Coding, Robert B. Dilts, Judith A. Delozier, 2000.
Frogs into Princes: Neuro Linguistic Programming. Richard Bandler, John Grinder, Real People Pr;1981.
Trance-Formations: Neuro-Linguistic Programming and the Structure of Hypnosis, John Grinder, Richard Bandler, Real People Pr; 1981.
Heart of the Mind: Engaging Your Inner Power to Change With Neuro-Linguistic Programming, Connirae Andreas, Steve Andreas, 1989.
Changing Belief Systems With NLP, Robert Dilts, April 1990.
The User's Manual for the Brain, Bob G. Bodenhamer, L. Michael, Ph.D Hall, L. Michael. Hall Publisher: Crown House Publishing; 2001.
User's Manual for the Brain, Vol. II: Mastering Systemic NLP, L. Michael Hall, Bob G. Bodenhamer Publisher: Crown House Publishing; 2003.
America, the Sorcerer's New Apprentice: The Rise of New Age Shamanism, Dave Hunt, T. A. McMahon, Harvest House Publishers, Inc.; 1988.
Patterns of the Hypnotic Techniques of Milton H. Erickson, M.D, Richard Bandler, et al,1997.
THERAPY'S DELUSIONS : The MYTH of the UNCONSCIOUS and the EXPLOITATION of TODAY'S WALKING WORRIED, Richard Ofshe, Ethan Watters, Simon & Schuster; 1999.(1/106)
Manufacturing Victim: What the Psychology Industry Is Doing to People, Dr Tana Dineen, Robert Davies Multimedia; 3rd edition, 2001.
Recovery from Cults: Help for Victims of Psychological and Spiritual Abuse, Michael D. Langone, W.W. Norton & Company; 1995.
Becker, Susan K., and Bruce D. Forman. 1989. "Zen Buddhism and the Psychotherapy of Milton Erickson: A Transcendence of Theory and Self". Psychology: A Journal of Human Behavior 26, 2-3: 39-48.
Rosemarie Wulf, The Historical Roots of Gestalt Therapy Theory;; Gestalt Dialogue: Newsletter of the Integrative Gestalt Centre, November, 1996.(1/107)