الكمال العجمي التريزي، الشيخ العالم الصالح، العارف بالله تعالى. المحقق الصوفي نزيل دمشق. قال شيخ الإسلام والدي: ذاكرته في علوم عديدة وقد غلب عليه التصوف والتأله، وهو من المحبين، وقال الشيخ يونس والد شيخنا: كان له مرتب من الجوالي نحو عشرين عثمانياً في كل يوم، وكان يأكل الطيب، ويلبس الحسن، ولا يخالط الناس إلا من يخدمه حكي أنه كان إذا ضعف وهب ثيابه ودراهمه لأصحابه، وإذا شفي جدد غيرها، ولا يرجع في هبته، وكان ساكناً بمدرسة العزيزية شمالي الكلاسة وغربي الأشرفية وبها توفي في سادس عشر ربيع الآخر سنة سبع - بتقديم السين وخمسين وتسعمائة،، بباب الفراديس.
كريم خليفة الشيخ دمرداش
كريم، الشيخ الصالح العارف بالله تعالى خلفة الشيخ دمرداش بالقاهرة، جلس بعد شيخه لأخذ العهد على المريدين، وانتفع به خلائق لا يحصون من طلبة العلم وغيرهم، وكان مشتملاً على شأنه، حافظاً للسانه، عارفاً بزمانه المريدين على طريقة الخلوة والرياضة بالأسماء انتهت إليه الرئاسة في ذلك بمصر. مات ثامن عشر جمادى الأولى.
حرف اللام من الطبقة الثانية
لطفي باشا الوزير
لطفي باشا الوزير الأعظم، دخل إلى دمشق في ثالث شعبان سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، ونزل بالمرجة خارج دمشق، وزار الصلحاء والأولياء، بدمشق الأحياء والأموات كالشيخ أرسلان، والشيخ محيي الدين بن العربي، وزار المقام ببرزة، وزار من الأحياء الشيخ عمر العقيبي، والشيخ محمد بن قيصر، ثم توجه لمصر ليحج منها قيل وكان هو السبب في إبطال الأوقات، ومنعهم من تسخير خيل الناس، وإبطال العوارض عنهم في ذلك العصر.
حرف الميم من الطبقة الثانية
مبارك عبد الله الحبشي
مبارك عبد الله الحبشي، الدمشقي، ثم القابوني الشافعي، الشيخ الصالح المربي. ذكر ابن طولون في التمتع بالأقران أن ابن المبرد ذكره في رياضه فقال الشيخ مبارك: ظهر في سنة سبع وتسعين - بتقديم السين الأولى وتأخيرها في الثاني - وثمانمائة، وصار له مريدون، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر من إراقة الخمور وغيرها بعد ما أبطل ذلك، وقام على الأتراك، وقاموا عليه، وذكر ابن طولون في مفاكهة الإخوان أن الشيخ مبارك قرأ في غاية الإختصار على الشيخ شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون، وبنى له زاوية بالقرب من القابون التحتاني، وأقام هو وجماعته بها يرصدون الطريق على نقلة الخمر، فيقطعون ظروفها ويريقونها، فبلغ الحكام ذلك، فقبض النائب على بعض جماعة الشيخ، وحبسهم في سجن باب البريد، فنزل الشيخ مبارك ليشفع فيهم، فأمر النائب بوضعه في الحبس معهم، فبلغ الخبر إلى الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، فأرسل وشفع فيه، فأطلق، ثم هجم بقية جماعة الشيخ مبارك على السجن، وكسروا بابه، وأخرجوا من فيه من رفاقهم، فبلغ النائب، فأرسل جماعة من مماليكه، فقتل منهم نحو سبعين نفساً عند باب البريد والعنبرانية، وقرب الجامع الأموي، ثم ترك الشيخ مبارك ذلك، ولازم حضور الزوايا كزاوية الشيخ أبي بكر بن داود بالسفح، ووقت سيدي سعد بن عبادة بالمنيحة، وحكي أن الشيخ مبارك كان شديد السواد، عظيم الخلقة، له همة علية، وشدة بأس، وقوة وكان له معرفة تامة بالنغمة، والصيد يسرح إلى الصيد هو وفقراؤه ومريدوه، ومعهم قسي البندق إلى جهة المرج، وكان يصطاد الحمام والأوز والكراكي وغير ذلك، وحكي أنه كان كسر مرة بندقة نصفين، واصطاد في كل نصف طائراً عظيماً، وكان عارفاً بالسباحة، وكان يغوص في تيار الماء، ثم يخرج منه وبين أصابعه يديه وأصابع رجليه السمك، وروي أنه حج ومعه جماعة من أصحابه، فلما دخل مكة فرغت نفقتهم فقال الشيخ لبعض أصحابه: خذ بيدي إلى السوق، واقبض ثمني، وأصرفه على بقية الجماعة، ففعل ذلك، واشتراه بعض تجار العجم، ثم أعتقه قال ابن طولون، والشيخ مبارك: هو الذي أحدث اللهجة في الذكر قال: وحقيقتها أنهم يذكرون إلى أن يقتصروا من الجلالة على الهمزة والهاء لكنهم يبدلون الهاء حاء مهملة، فيقول: إح إح، وكانت وفاته يوم الخميس مستهل ربيع الأول سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ودفن بتربة القابون التحتاني.
مجير الدين الرملي(1/341)
مجير الدين الرملي، الشيخ الفاضل أحد العدول بدمشق، قال ابن طولون: كان صالحاً، وعنده فضيلة وبصره فيه تكسير، مات - رحمه الله تعالى - يوم الثلاثاء ثامن عشري ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وتسعمائة فجأة.
محب الدين التبريزي
محب الدين ويقال: محب الله التبريزي، الشافعي الصوفي المنلا، والمشهور نزيل دمشق. رحل من بلاده إلى بلاد الشام، وحج منها وجاور، ثم عاد إليها، ومكث بالتكية السليمية بسفح قاسيون لمزيد شغفه بالشيخ محيي الدين بن العربي، واعتقاده فيه، وكثرة تعلقه بكلامه، وحله وتشديده النكير على من ينكر عليه، وصار يقرأ عليه بها جماعة في التفسير وغيره، وكان يجمع إلى تفسير الآية تأويلها على طريقة القوم، ويورد على تأويلها ما يحضره من كلام المثنوي، وكانت وفاته بدمشق سنة ثمان وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى واسعة.
محمد بن محمد بن فرفور
محمد بن محمد القاضي بدر الدين ابن قاضي القضاة بدر الدين بن الفرفور الحنفي الدمشقي سبط القاضي كمال الدين بن خطيب جامع الورد، كان قاضياً على بلاد الكرك الذي يقال أن سيدي نوحاً عليه السلام مدفون به قال ابن طولون: قيل إنه كان كثير البلصة. توفي في أوائل سنة ست وثلاثين وتسعمائة، وهو راجع من الحج الشريف.
محمود بن محمد البصروي
محمود بن محمد بن علي القاضي نور الدين بن الخطيب العلامة علاء الدين البصروي الشافعي. كان لا بأس به، وكان يتردد إلى الناس توفي بغتة يوم الأحد تاسع عشري جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ودفن بتربة الحمرية خارج دمشق، وتألم والده لموته رحمه الله.
محمود بن محمد بن الرضي
محمود بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن أحمد الأصيل محدث الدين أبو السعود بن الرضي، الحلبي، الشافعي الموقع والده بديوان الإنشاء في الدولة الجركسية. ولد بالقاهرة سنة اثنتين وتسعمائة، وحفظ كتباً، جود الخط بها، وعرض بها في سنة خمس عشرة مواضع من ألفية ابن مالك، والشاطبية، والمنهاج الفقهي على الشهاب الشبشيبي الحنبلي، والبرهان بن أبي شريف الشافعي، والشرفي محب الله سري المالكي، والبرهان الكركي، الحنفي وآخرين، وأجازوا له، ثم عرض منها، ومن جمع الجوامع لابن السكبي على القاضي زكريا الأنصاري سنة تسع عشرة، وأجاز له، وكان له شعر لا بأس به، وكان شهماً، حسن العمامة. توفي بحلب في ذي الحجة سنة ست وخمسين وتسعمائة.
محمود بن أحمد القرشي
محمود بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن حسن بن عبد الباقي، الشيخ الأصيل المعمر الجليل نور الدين القرشي، البكري، الحلبي، الشافعي خطيب المقام بقلعة حلب أخذ عنه الشيخ الحافظ أبي ذر بن الحافظ برهان الدين الحلبي، وأخذ عنه ابن الحنبلي، ووالده الحديث المسلسل بالأولية، واستجازاه، فأجاز لهما. توفي نهار الأحد حادي عشر ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، ودفن بمقابر الصالحين بحلب.
محمود بن عثمان اللامعي
محمود بن عثمان بن علي النقاض، المشهور باللامعي أحد موالي الروم. كان جده من بروسا، ولما دخلها تيمورلنك أخذه معه وهو صغير إلى ما وراء النهر، وتعلم صنعة النقش، وهو أول من أحدث السورج المنقوشة في بلاد الروم، وابنه عثمان، كان سالكاً مسلك الأمراء، وصار حافظاً للدفتر السلطاني بالديوان العالي، وأما ولده اللامعي صاحب الترجمة، فقرأ العلم على جماعة منهم المولى أخوين، والمولى محمد بن الحاج حسن، ثم تصوف وخدم السيد أحمد البخاري، ونال عنده المعارف والأحوال، ثم تقاعد بخمسة وثلاثين عثمانياً، وسكن بروسا، واشتغل بالعبادة والعلم، ونظم بالتركية أشياء كثيرة مشهورة مقبولة، فتوفي في سنة ثمان أو تسع وثلاثين وتسعمائة ببروسا.
محمود بن عبيد الله أحد موالي الروم
محمود بن عبيد الله المولى بدر الدين أحد موالي الروم، كان من عتقاء الوزير علي باشا، وقرأ على جماعة منهم ابن المؤيد، ثم درس في مدرسة جنديكن ببروسا، ثم بمدرسة السلطان بايزيد بها، ثم بمدرسة أستاذه علي باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، ثم صار قاضياً بأدرنة، ومات وهو قاضيها سنة سبع - بتقديم السين - وثلاثين وتسعمائة.
محمود الرومي(1/342)
محمود المولى بدر الدين ابن الشيخ جلال الدين الرومي أحد الموالي الرومية. قرأ وحصل ودرس وترقى في التدريس حتى درس بإحدى الثماني، ومات مدرساً بها قال في الشقائق: كان عالماً فاضلاً، ذا كرم، ومروءة. اختلت عيناه في آخر عمره، ولم يؤرخه لكن ذكره في دولة السلطان سليمان، والظاهر أنه من هذه الطبقة.
محمود بن مصطفى بن طليان
محمود بن مصطفى بن موسى بن طليان القصيري الأصل، الحلبي المولد الحنفي، المشهور بابن طليان. ولي خطابة الجامع الكبير بحلب في أوائل الدولة العثمانية، وكان فقيهاً جيداً، وكان يصدع بالحق، ولا يخاف في الله لومة لائم لكن عنده حدة، وحج في آخر عمره، ثم توفي في رمضان سنة خمس وثلاثين وتسعمائة.
محمود بدر الدين الأصغر
محمود المولى بدر الدين أحد الموالي الرومية، الشهير ببدر الدين الأصغر. قرأ على المولى الفناري، والمولى لطفي، ثم وصل إلى خدمة المولى خسرو زاده، ثم درس بمدرسة بالي كبرى، وترقى في المدارس إلى إحدى الثماني، ثم درس بأيا صوفيا، ثم تقاعد بمئة عثماني، ومات على ذلك الغالب عليه العلوم العقلية، وله مشاركة في سائر العلوم، وله تعليقات لم يدونها، وكان يحب الصوفية. مات في سنة ست وأربعين وتسعمائة.
محمود التميمي
محمود القاضي بدر الدين ابن قاضي الخليل التميمي، الشافعي كان مدرساً بدار الحديث الأشرفية بدمشق، وكان موجوداً في سنة ست وأربعين وتسعمائة.
محمود العجمي
محمود العجمي، الشافعي السيد الشريف العلامة مدرس الأتابكية بصالحية دمشق كان مقيماً بالبادرائية داخل دمشق، وكان مقصداً للطلبة ينتفعون به، وكان له يد طولى في المعقولات. توفي يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر سنة خمسين وتسعمائة، وصلي عليه بالأموي، ودفن بباب الصغير، وكانت جنازته حافلة.
محمود الشيرازي
محمود المنلا الشيرازي نزيل السليمية بصالحية دمشق حج في سنة أربعين وتسعمائة، وكان عنده فضيلة تامة، وفهم جيد، وكان عنده نسخة المصابيح بخطه نقل في هامشها من اثني عشر مصنفاً عليه، وهي المظهر، والمفاتيح، والبيضاوي، والخلخالي، والهروي، وزين العرب، والسلمي، الطيبي، والينابيع، والزعفراني، والتوربشتي، والأزهار وهذه المؤلفات كلها كانت حينئذ موجودة ببلاد الأكراد، ولم يوجد منها في بلاد العرب إلا القليل ذكره ابن طولون، ولم يؤرخ وفاته.
محيسن البرلسي
محيسن البرلسي، الشيخ الصالح المجذوب بمصر، كان من أرباب الكشف أقام أولاً بسلاف، ثم انتقل إلى الرميلة، وكان يوقد النار عنده كثيراً ليعرف أصحاب الجذب من الأولياء أنه لا بد من وقوع فتنة وكان إذ صب ماء عليها انقطعت الفتنة، وكتب الشيخ عبد الوهاب الشعراوي مكتوباً يتشفع به إلى أولياء الروم، والسلطان سليمان في جانم الحمزاوي، ودفعه إلى الأمير جانم، فبعد نحو خمس درج أرسل الشيخ محيسن إلى الشيخ عبد الوهاب يقول له: يا عبد الوهاب أنت الذي صرت ترى الناس في عينك كالتراب تكاتب أولياء الروم من غير مشورة أصحاب النوبة بمصر مات - رحمه الله تعالى - في سنة تسع وأربعين وتسعمائة، ودفن في تربة الأمير جانم المجاورة لقبة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه.
مخلص العابد
مخلص الشيخ الصالح العبد محيي السنة في بلاد الغربية من بلاد مصر بعد موت شيخه الشيخ أبي الخير بن نصر بمحلة منوف. كان مقيماً بأبشية الملق، كان سيدي الشيخ محمد الشناوي يكرمه ويجله قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: صحبته نحو ثلاث سنين بعد موت شيخي الشيخ محمد الشناوي قال: وحصل لي منه دعوات صالحة، وجدت بركتها، وأوصاني بإيثار الخمول على الظهور، وبعدم التعرف بأركان الدولة إلا أن يعرفوك من غير تعرف منك. قال: ولم يزل على المجاهدة والتقشف على طريقة الفقراء الأول إلى أن توفي سنة أربعين وتسعمائة، ودفن بأبشية الملق، وقبره بها يزار.
مدلج بن ظاهر الحياري(1/343)
مدلج بن ظاهر بن عساف بن عجلة بن نعير بن قرموش الحياري، البدوي، أمير عرب الشام من بني حيار الذين يقال: إنهم من ذرية جعفر البرمكي. كان ذا قوة وبطش بحيث يمسك الدرهم من الفضة بإصبعه، ويفركه فيذهب نقشه، ويفت الحنطة بين إصبعيه، ويضرب بأصابعه... فيأخذ منها قطعة... دخل عليه ولده قرموش وهو منه من... دومة في حدوه.. وشرب شخص لبناً حليباً، وكان هذا إلى إمراة، فاشتكت إليه عليه، فاستخبره فأنكر وحلف بحياته أنه لم يشربه، فطعنه برمح كان بيده فإذا اللبن خارج من جوفه، فأمر المرأة بأخذ بعير من بعرانه عوض لبنها، وعجز عنه أمراء دمشق لتمنعه، ومات على فراشه سنة خمس وأربعين وتسعمائة بقرية أساور تابع حماة، وجعل عليه صندوق مزار بحيث يزار، ولم يكن من أهل ذاك.
مروان المجذوب
مروان المجذوب بمصر كان في أول أمره قاطع طريق ببلاد الشرقية، وكان مشهوراً بالفروسية، ثم لما جذب كان يدور في أسواق دمشق، ويظهر عليه للناس كرامات وخوارق، وكان إذا خطر لأحد ممن يصادفه معصية أو عمل معصية جعل مروان يصكه حتى يدعه من خاطره، ولا يتجرأ أحد على منعه منه، وربما منعه بعضهم فشلت يده، وكان الشيخ علي الحريص يقول: إن الشيخ مروان لا تفوته غزوة في الكفار، ولا يوما واحداً، وتلك الجروح التي كانت به إنما كانت من ذلك وحضر فتح رودس، وكان له صيت بين فقراء مصر فيما فعل في الغزو في أيام السلطان سليمان بن عثمان. توفي في سنة خمس وخمسين وتسعمائة، ودفن في جامع النبهاوي خارج باب الفتوح، وقبره ظاهر يزار.
مرعي الحيري
مرعي، الشيخ الصالح الورع في مأكله، وملبسه، ومنطقة الحيري المصري. أخذ الطريق عن سيدي محمد بن عنان، وخدمه خدمة طويلة، ولما مات توجه إلى دمشق، وأخذ الطريق عن سيدي محمد بن عراق، وانتفع به، وكان يتظاهر بمحبة الدنيا طلباً للستر، فيسأل الناس، ويجمع منهم، ثم يفرقه على الفقراء والمساكين، ويطوي الأيام والليالي، ويؤثر بغدائه وعشائه الفقراء، وكان له اعتقاد تام في الفقراء. رب جماعة من المريدين، وانتفعوا به، ومات في سابع عشر صفر الخير سنة إحدى وستين وتسعمائة.
مسعود الشيرازي
مسعود بن عبد الله المنلا العجمي الشيرازي، الواعظ نزيل حلب. كان له مطالعات في التفسير والحديث، وكان يتكلم فيها باللسان العربي لكن انتقد عليه ابن الحنبلي أنه كان يلحن فيه، ووعظ بجامع حلب الكبير، فنال من الناس قبولاً، وصارت له فيه يوم الجمعة المجالس الحافلة، توفي مطعوناً سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
مصطفى بن خليل الرومي
مصطفى بن خليل، المولى مصلح الدين أحد موالي الروم والد صاحب الشقائق النعمانية. ولد ببلدة طاش كبري سنة فتح قسطنطينية، وهي سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وقرأ على والده، ثم على خاله المولى التكشاوي، ثم على المولى درويش بن المولى خضر شاه المدرس بسلطانية بروسا، ثم على المولى بهاء الدين المدرس بإحدى الثماني، ثم على المولى ابن مغنيسا، ثم على المولى علاء الدين العربي، ثم على المولى خوجه زاده، ثم درس بالأسدية ببروسا، ثم بالمدرسة البيضاء بأنقره، ثم بالسيفية بها، ثم بإسحاقية أسكوب، ثم بحلبية أدرنة، ثم صار معلماً للسلطان سليم خان ابن بايزيد، ثم أعطي تدريس السلطانية ببروسا، ثم إحدى الثماني، ثم صار قاضياً بحلب، ثم استعفى من القضاء، وعرض وصية والده له في ذلك على السلطان، وكان زاهداً، عابداً، متأدباً، مشتغلاً بنفسه، معرضاً عن الدنيا، وله رسائل وحواش على نبذ من شرح المفتاح، ورسالة في الفرائض وغير ذلك. وتوفي في سنة خمس وثلاثين وتسعمائة.
مصطفى الحائك
مصطفى المولى، المشهور بحائك مصلح الدين أحد موالي الروم كان - رحمه الله تعالى - حائكاً، ولما بلغ سن الأربعين رغب في العلم، وبرع فيه، وصار مدرساً ببلدة تبرة، وصحبه العارف بالله تعالى محمد الجمال، والعارف بالله تعالى أمير البخاري، ثم انقطع عن الدريس، وتقاعد بثلاثين عثمانياً، وكان يكتب الفتوى، ويأخذ عليها أجرة، وكان يحيي كثر الليل، وربما غلب عليه الحال في الصلاة. توفي سنة أربع وثلاثين وتسعمائة.
مصطفى الرومي(1/344)
مصطفى الرومي، الحنفي، الملقب مصلح الدين كاتب التكية السليمية بسفح جبل قاسيون. كان فاضلاً، ديناً، وكان يكتب الخط المنسوب، وينظم الشعر بالعربية والفارسية، وتزوج بنتاً من بيت زريق من أهل الصالحية، فبقيت عنده ثماني سنوات، ومات عنها وهي بكر، وكان أهلها يسيئون إليه، وهو يغفلهم وتوفي يوم السبت رابع ربيع الثاني سنة سبع - بتقديم السين - وتسعمائة، ودفن بالروضة في سفح قاسيون، وخلف كتباً عدتها سبعون مجلداً، وفيها من علم الصنعة عدة مجلدات ذكره ابن طولون.
مصطفى مصلح الدين
مصطفى الشيخ الصالح مصلاح الدين أحد خلفاء السيد أحمد البخاري. كان مستوطناً بالقسطنطينية في زاويته. المسماة بدار الأحجار، وكان نيراً عابداً، زاهداً، منقطعاً إلى الله تعالى، مشتغلاً بإصلاح أصحابه، توفي قريباً من ست وتسعمائة.
منلا زاده الرومي
منلا زاده، المولى صالح الرومي، الحنفي، ورد دمشق سنة ست وأربعين وتسعمائة، وصلى بجامعها صلاة عيد الفطر، وخطب بعدها خطبة العيد.
مهيا المصري
مهيا بن محمد المصري، ثم الرومي. قال شيخ الإسلام والدي: اجتمع بي في الروم، وأخذ عني - يعني في سنة سبع وثلاثين وتسعمائة - قال: بلغني أنه مشتغل بتأليف. قلت: والظاهر أن مهيا لم يكن بذلك لأني قرأت بخط الوالد في ديوانه أنه قال فيه:
طلبت من القضاة فتىً سفيهاً ... يناضل دوننا قوماً بذيا
فقالوا لي: انظروا رجلاً دنيا ... خسيس الأصل قلت لهم: مهيا
موسى بن محمد العلماوي
موسى بن محمد بن إسماعيل، الشيخ شرف الدين العلماوي، الشافعي الخطيب بجامع الحاجب بسوق صاروجا خارج دمشق، وكان أحد، الشهود القدماء بها، وتوفي بغتة يوم الاثنين ثامن عشر جمادى الآخرة سنة أربعين وتسعمائة عن ولدين كان أحدهما. وأكبرهما، وهو الشيخ عبد الباسط رئيس المؤذنين بجامع دمشق وأحد وعاظه رحمه الله.
موسى بن الحسين عوض
موسى بن الحسين، الملقب بعوض بن مسافر الحسين بن محمود الكردي اللاني طائفة، السر مسوي ناحية وقرية، الشافعي نزيل حلب، أخذ العلم عن جماعة منهم المنلا محمد المعروف ببرقلعي، وعمرت في زمانه مدرسة بالعمادية ، فجعل مدرسها، ثم تركها وأقبل على التصوف، فرحل إلى حماة، وأخذ عن سيدي علوان مع الإنتفاع بغيره، ثم قدم حلب لمداواة مرض عرض له، ونزل بالمدرسة الشرفية، فقرأ عليه غير واحد قال ابن الحنبلي وكنت ممن فاز بالقراءة عليه ثم ذهب إلى حماه فلما توفي الشيخ علوان. عاد إلى حلب واستقر في مشيخه الزينبية، وأخذ يربي فيها المريدين، ويتكلم فيها على الخواطر مع طيب الكلام، وإطعام الطعام، وإكرام الواردين إليه من الخواص والعوام، وحسن الصمت، ولين الكلمة، وفصاحة العبارة والتكلم في التفسير، والحديث، وكلام الصوفية. توفي مطعوناً في سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة، وصلى عليه ابن بلال في مشهد عظيم، ودفن في مقابر الصالحين بوصية منه رحمه الله تعالى.
موسى الأدهمي التبريزي
موسى الأدهمي التبريزي نزيل حلب، كان شيخاً معمراً منوراً، وكان من مريدي الحاج علي التبريزي الأدهمي، ثم قطن بحلب بزاوية الأدهمية شرقي السفاحية، ولم يزل يعبد الله تعالى فيها حتى توفي سنة أربعين وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: ولم تر عيني مثل شيبته ونورانيته.
موسى البيت لبدي الصالحي الحنبلي
موسى، الشيخ شرف الدين البيت لبدي الصالحي، الحنبلي. مؤدب الأطفال بالشاذبكية بمحلة القنوات خارج دمشق. قال ابن طولون: كان يسمع معنا على الشيخ أبي الفتح المزي، والمحدث جمال الدين بن المبرد، ولبس خرقة التصوف من شيخنا أبي عراقية، وقرأ على محنة الإمام أحمد جمع ابن الجوزي، وأشياء آخر. توفي يوم الجمعة سلخ ربيع الثاني سنة ست وأربعين وتسعمائة.
موسى الكردي العريان
موسى الكردي، ثم الحلبي العريان، المجذوب.(1/345)
كان عارياً من الثياب صيفاً وشتاء، وكان يسمن إذا نزل الشتاء، ويهزل إذا كان الصيف، وكان ينام في الأسواق عند مواقد الطباخين، ولا يبالي بحر النار، وكان يأخذ قوته من أرباب البضائع، فلا يعارضونه، ويتبركون به، وكان الشيخ أحمد بن عبدو يعتقده، قال ابن الحنبلي: وحكي لي عنه أنه لما قدم البرهان العمادي من رودس إلى حلب. وصل لباب النيرب قى حماه فلما توفي الشيخ علوان. عاد إلى حلب واستقر في مشيخه الزينبية، وأخذ يربي فيها المريدين، ويتكلم فيها على الخواطر مع طيب الكلام، وإطعام الطعام، وإكرام الواردين إليه من الخواص والعوام، وحسن الصمت، ولين الكلمة، وفصاحة العبارة والتكلم في التفسير، والحديث، وكلام الصوفية. توفي مطعوناً في سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة، وصلى عليه ابن بلال في مشهد عظيم، ودفن في مقابر الصالحين بوصية منه رحمه الله تعالى.
موسى الأدهمي التبريزي
موسى الأدهمي التبريزي نزيل حلب، كان شيخاً معمراً منوراً، وكان من مريدي الحاج علي التبريزي الأدهمي، ثم قطن بحلب بزاوية الأدهمية شرقي السفاحية، ولم يزل يعبد الله تعالى فيها حتى توفي سنة أربعين وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: ولم تر عيني مثل شيبته ونورانيته.
موسى البيت لبدي الصالحي الحنبلي
موسى، الشيخ شرف الدين البيت لبدي الصالحي، الحنبلي. مؤدب الأطفال بالشاذبكية بمحلة القنوات خارج دمشق. قال ابن طولون: كان يسمع معنا على الشيخ أبي الفتح المزي، والمحدث جمال الدين بن المبرد، ولبس خرقة التصوف من شيخنا أبي عراقية، وقرأ على محنة الإمام أحمد جمع ابن الجوزي، وأشياء آخر. توفي يوم الجمعة سلخ ربيع الثاني سنة ست وأربعين وتسعمائة.
موسى الكردي العريان
موسى الكردي، ثم الحلبي العريان، المجذوب.
كان عارياً من الثياب صيفاً وشتاء، وكان يسمن إذا نزل الشتاء، ويهزل إذا كان الصيف، وكان ينام في الأسواق عند مواقد الطباخين، ولا يبالي بحر النار، وكان يأخذ قوته من أرباب البضائع، فلا يعارضونه، ويتبركون به، وكان الشيخ أحمد بن عبدو يعتقده، قال ابن الحنبلي: وحكي لي عنه أنه لما قدم البرهان العمادي من رودس إلى حلب. وصل لباب النيرب قبل أن يفتح وأنا معه، ولأني كنت توجهت للقائه، وصحبته إلى حلب، فإذا الشيخ موسى يحث على فتح الباب، ويقول وهو مردود الباب: إن العمادي، وابن عبدو قد وصلوا من غير أن يسمع صوت أحد منهم، توفي سنة ثلاث وستين وتسعمائة، وكان معمراً، ودفن خارج باب النيرب بحلب.
حرف النون من الطبقة الثانية
ناصر الدمشقي
ناصر الأمير المولى ناصر الدين بن قنفار، الدمشقي، الصالحي قال ابن طولون: أفادني عن بعض الصلحاء من أهل مصر أن من قرأ بعد العطاس فاتحة الكتاب، ثم قوله تعالى: " قال من يحيى العظام وهي رميم " الآية، ومر بلسانه على أسنانه جميعها، فإنه يأمن من الآفات ولا يصيبه منها سوء. توفي بحماة يوم السبت حادي عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
ناصر الدين النحاس
ناصر الدين النحاس، العبد صالح المصري. كان صانعاً عند الشيخ أبي النجا النحاس يأكل من عمل يده، ومهما فضل عن نفقته تصدق به، فسافر الشيخ أبو النجا إلى الروم في طلب الجوالي، فجهزه الشيخ ناصر الدين إلى أن مات، وكان يتملث، وحج مرة على التجريد من غير مال، ولا زاد، ولا قبول شيء من أحد، فطوى من مصر إلى مكة. قال الشعراوي: وأخبرني الشيخ ناصر الدين بيوم مات أخي أفضل الدين ببدر، وقال: مات أفضل الدين اليوم ببدر، ودفناه، فجاءت كتب الحاج بذلك كما قال قال: ووقع لنا معه عدة كرامات تركنا ذكرها لكونه كان يكره الشهرة. مات سنة خمس وأربعين وتسعمائة، ودفن عند سيدي علي الخواص خارج باب الفتوح رحمه الله تعالى.
نصر الله الخلخالي
نصر الله بن محمد العجمي، الخلخالي، الشافعي، الشيخ العالم ابن الفقيه. درس بالعصرونية بحلب، وكان ذكياً، فاضلاً، صالحاً، متواضعاً، ساكناً، ملازماً على الصلوات في الجماعة، حسن العبارة باللسان العربي. توفي مطعوناً سنة اثنتين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
نعمة الصلتي(1/346)
نعمة الصلتي، الشيخ الصالح. توفي بالصلت سنة ست وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر من السنة المذكورة. قال ابن طولون: وكثر الثناء عليه.
نور الدين بن عين الملك
نور الدين بن عين الملك، الشيخ الصالح، الصالحي كان محباً لطلبة العلم، ملازماً لعمل الوقت بزاوية جده عين الملك بسفح قاسيون. توفي يوم الجمعة سادس شعبان سنة أربعين وتسعمائة.
حرف الهاء من الطبقة الثانية
هاشم السروجي
هاشم بن محمد، السيد هاشم بن السيد ناصر الدين السروجي الحسيني رئيس الأطباء بالمارستان النوري بحلب. كان حسن العلاج، كثير الملاطفة للعليل، سهل الانقياد. توفي سنة أربع وستين وتسعمائة.
هاشم المنلا العجمي
هاشم المنلا العجمي. قدم دمشق من مصر متوجهاً إلى الروم في سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ونزل بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر بالسفح، وكان علامة في المعقول المعمى.
هداية الله التبريزي
هداية الله بن نار علي التبريزي الأصل، القسطنطيني الحنفي أحد موالي الروم. كان فصيحاً مقتدراً على التعبير بالعربية، يغلب عليه علم الكلام، ويميل إلى اقتناء الكتب النفيسة، وكان له معرفة بالأصلين والفقه، ومشاركة في غيرهما من العلوم. قرأ على المولى بير أحمد جلبي، والمولى محيي الدين الفناري، والمولى بن كمال باشا، والمولى طاش كبري. والد صاحب الشقائق وغيرهم، ثم صار مدرساً بمدرسة السلطان بايزيد، ثم بمدرسة بروسا، ثم بمدرسة مناستر بالمدينة المذكورة، ثم بإحدى المدرستين المتلاصقتين بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، ثم صار قاضياً بمكة، وقدم حلب ودمشق ذاهباً إليها سنة ست وأربعين وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: وقد أطلعني من نفائس كتبه على كتاب دمية القصر وأعارني إياه، وقد كان قرير العين به، كثير اللهجة بمدحه. قال: فأنشدته في مدحه من نظمي:
بان لي أن دمية القصر ... كنز تبر القريض والنثر
أو عروس تجملت بحلي ... وهي تزري بطلعة البدر
ألبست من حلى البلاغة ما ... قد غلا فضله على الدر
كم أديب بشعره نطقت ... هو في الشعر أوفر السعر
ذات بث لمدحه ولما ... شذ من نتائج الفكر
إن ترد أن تكون خاطبها ... أولها أنت غالي المهر
واخلع التاج والشعار إذا ... رمت منها محاسن الثغر
ثم إن صاحب الترجمة رحل من مكة إلى مصر، وترك القضاء لمرض ألم بعينيه، وأخذ في علاجه بمصر، ولم يبرأ منه، وبقي إلى أن مات سنة ثمان أو تسع وأربعين وتسعمائة.
حرف الواو من الطبقة الثانية
ولي بن محمد القسطنطيني
ولي بن محمد، الفاضل العلامة ولي جلبي بن محمد جلبي القسطنطيني. قال شيخ الإسلام الوالد: لقيني بأزنكية يعني في رحلته إلى الروم، سمع مني جانباً من تفسير البيضاوي مع حل معناه له، وأفادته إياه، وقرأ علي في كتاب حديث يقال: إنه مختصر المصابيع لرجل رومي، وسمع شيئاً من شعري وأجزته.
ولي بن الحسين الشرواني
ولي بن الحسين، السيد الشريف، الحسني، العجمي الشرواني، الشافعي، المعروف بوالده. حج من بلاده، وعاد فدخل دمشق وحلب في طريقه في سنة تسع - بتقديم التاء - وعشرين وتسعمائة، وقرأ بحلب صحيح البخاري على برهان العمادي تماماً، وقرأ عليه بها جماعة منهم ابن الحنبلي: قال: قرأت عليه في متن الجغميني في الهيئة، وانتفعت به وهو أول اشتغالي في هذا الفن، ثم رحل إلى بلاده، وحدث بها واشتهر بالمحدث، وكان يعرف البيان والكلام في المطول، وحاشية التجريد على صدر شروان مولانا شمس الدين البراذعي، وتوفي ببلاده في سنة خمس أو ست وخمسين تسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
حرف الياء المثناة تحت من الطبقة الثانية
يحيى بن محمد بن مزلق
يحيى بن محمد، القاضي شرف الدين ابن قاضي القضاة بدر الدين بن المزلق، الدمشقي، الشافعي والد الشيخ بدر الدين المتقدم ذكره في حرف الحاء المهملة. توفي يوم الخميس ثالث عشري رمضان سنة خمسين وتسعمائة، ودفن في تربتهم عند مسجد الذبان، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
يحيى بن الكيال(1/347)
يحيى بن إبراهيم بن قاسم، الشيخ الإمام، المحدث محيي الدين بن الكيال. سمع على والده في مسند الإمام أحمد، وباشر في الجامع الأموي، وكان له فيه قراءة حديث، وكان عنده حشمة، وذكره شيخ الإسلام والدي في تلاميذه. وقال: حضر بعض دروسي، وسمع علي جانباً كبيراً من البخاري نحو الثلث بقراءة الشيخ برهان الدين البقاعي، وأجزته. توفي الاثنين سلخ ذي القعدة سنة سبع وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
يحيى الخجندي
يحيى بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن جلال الدين الخجندي المدني. قاضي الحنفية بالمدينة الشريفة، وإمامهم بها بالمحراب الشريف النبوي. كان عالماً عاملاً فاضلاً، عالي الإسناد، معمراً، ولي القضاء بغير سعي، ثم عزل عنه، فلم يطلبه، ثم عزل عن الإمامة، وكان معه ريعها، فصبر على لأواء المدينة مع كثرة أولاده وعياله، ثم توجه إلى القاهرة، فعظمه كافلها وعلماؤها، وأخرج له من جواليها شيئاً، وعرض له بحيث يستغني به عن القضاء، فقدم حلب، واجتمع بشيخ الإسلام الوالد وغيره، وكان اجتمع به حين حج بالمدينة سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، ثم قدم حلب في هذه المدة والسلطان سليمان بها سنة إحدى وستين وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: كنت صحبته بالمدينة عابراً من الحج سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، وتبركت به، وأخبرني يومئذ أن جده الشيخ جلال الدين الخجندي الحنفي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام. فقال له: أقم في المدينة فإنك تصلي علينا صلاة ما سمعنا أحداً يصليها علينا غيرك. أو كما قال فقال له الشيخ: ما هي. فقال: اللهم صل على سيدنا محمد صلاة أنت لها أهل، اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد صلاة هو لها أهل.
يحيى بن علي الجعفري
يحيى بن علي قال شيخ الإسلام: والدي يحيى بن حسن ، وهو سبط الشريف زين الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الجعفري، الحنفي، الشيخ الفاضل العالم العامل أبو زكريا ابن قجا، المعروف بالخازندار الحلبي إمام الحنفية بالجامع الكبير بحلب، اجتمع بالشيخ الوالد في رحلته إلى الروم، وذكره الشيخ في المطالع البدرية. فقال بعد أن أحسن في ترجمته: سلم علينا بالجامع، وتودد وأسرع إلى تقبيل يدي وما تردد، فأجللت عن ذلك مقامه، وضاعفت حسن تلقيه وإكرامه انتهى.
قال ابن الحنبلي: وكان ديناً، خيراً، قليل الكلام، كثير السكينة. أخذ الحديث رواية عن الزين بن الشماع، وعن التقي بن أبي بكر الحيشي. قال: وكانجده قجا فيما سمعت من مسلمي التتار الأحرار الذين لم يمسهم الرق، وكان خازندار عند يشبك اليوسفي الجركسي كافل حلب. قيل: وكان من خير جده هذا أنه فرق ذات يوم أشياء من الصدقات على الفقراء، فدخلت عليه امرأة، فدفع لها شيئاً، وطلب منها أن تدعو له بالحج، والموت بأرض الحجاز، ففعلت وكان دعاؤها مقبولاً، فحج ومات بمكة، ودفن عند قبر خديجة أم المؤمنين - رضي الله تعالى عنها - وتوفي صاحب الترجمة في سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة.
يحيى بن أبي جرادة
يحيى بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد الشيخ شرف الدين العقيلي، الحلبي، الحنفي، المعروف بابن أبي جرادة. نسبة إلى أبي جرادة حامل لواء أمير المؤمنين علي - رضي الله تعالى عنه - يوم النهروان، وكان اسم أبي جرادة عامراً، وكان الشيخ شرف الدين حسن الشكل، نير الشيبة، كثير الرفاهية، ولي نظارة الشاذبختية والمقدمية وغيرها بحلب. مولده سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، ووفاته سنة أربع وخمسين وتسعمائة.
يحيى بن موسى الأردبيلي
يحيى بن موسى بن أحمد، الشيخ شرف الدين الأريحاوي، الحلبي المولد، الأردبيلي الخرقة، الشهير بابن الشيخ موسى. خالط الصوفية كالشيخ علوان، والكيزواني، والشيخ محمد الخراساني العجمي، ونال الحظوة عند أكابر الناس، وأمرائهم حتى تردد إلى منزله بعض قضاة حلب، ونوابهم في الدولة العثمانية، وصار له مريدون يترددن إليه بزاويته المجاورة لدار سكنه داخل باب قنسرين، وخلف خلقاً بالقرى، وكان قد طالع شيئاً من كتب الفقه، وكلام القوم، وداوم هو ومريدوه على الأوراد، وجعل من جملة أوراده أبيات السهيلي التي أولها:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
وسافر إلى الروم في رفع بعض المظالم: وعرض عليه بعض أركان الدولة شيئاً من المال فلم يقبله، وكانت وفاته سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة.(1/348)
يحيى بن يوسف التادفي الحنبلي
يحيى بن يوسف بن عبد الرحمن قاضي القضاة نظام الدين أبو المكارم الحلبي التادفي الحنبلي القادري سبط الأثير بن الشحنة، وهو عم ابن الحنبلي شقيق والده. مولده في سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، وتفقه على أبيه، وبعض المصريين، وأجاز له باستدعاء مع أبيه وأخيه جماعة من المصريين منهم المحب أبو الفضل بن الشحنة، والسري عبد البر بن الشحنة الحنفيان، والقاضي زكريا، والبرهان القلقشندي، والقطب الخيضري، والحافظ الديمي، والجمال يوسف بن شاهين الشافعيون وغيرهم، وقرأ بمصر على المحب بن الشحنة، والجمال بن شاهين سبط بن حجر جميع مجلس البطاقة سنة سبع وثمانين، وسمع على الأول بقراءة أبيه ثلاثيات البخاري، وعلى الثاني ثلاثيات الدارمي، ثم لما عاد والده إلى حلب متولياً قضاء الحنابلة ناب عنه فيه، وسنه دون العشرين، فلما توفي والده أوائل سنة تسعمائة اشتغل بالقضاء بعده، وبقي في الوظيفة إلى أن انصرمت دولة الجراكسة، وكان آخر قاض حنبلي بها بحلب، ثم ذهب بعد ذلك إلى دمشق، وبقي بها مدة، ثم استوطن مصر، وولي بها نيابة قضاء الحنابلة بالصالحية النجمية وغيرها، وحج منها وجاور، ثم عاد إلى حكمه، وكان لطيف المعاشرة، حسن الملتقى، حلو العبارة، جميل المذاكرة، يتلو القرآن العظيم بصوت حسن، ونغمة طيبة، توفي بمصر سنة تسع - بتقديم التاء - وخمسين وتسعمائة.
يحيى المصري
يحيى السيد الشريف محيي الدين المصري. موقع نائب الشام جان بردي الغزالي، وناظر الجامع الأموي بدمشق. ذهب إلى الروم، فأنعم عليه السلطان ابن عثمان بوظائف نحو خمسين عثمانياً، وتوفي بأدرنة. وهو راجع من الروم في سنة خمس وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
يحيى الرهاوي
يحيى، الشيخ العلامة شرف الدين الرهاوي، المصري الحنفي. كان نازلاً بدمشق، وسافر مع الشيخ حسن الضيروطي إلى مصر سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة، ولا أدري متى توفي.
يحيي محيي الدين
يحيى، الشيخ الصالح محيي الدين الذاكر بجامع ابن طولون بمصر، وهو أحد أصحاب الشيخ تاج الدين الذاكر، أذن لهم الشيخ في افتتاح الذكر. كان معتزلاً عن الناس، ذاكراً، خاشعاً، عابداً، صائماً، أقبل عليه الأمراء، وأكابر الدولة إقبالاً عظيماً، ونزل نائب مصر لزيارته مرات، ثم تظاهر بمحبة الدنيا فيها طلباً للستر، حتى أعتقد فيه غالب أهل الدنيا أنه يحب الدنيا مثلهم. قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: قال لي مرات: ما بقي الآن لظهور الفقراء فائدة بأحوال القوم. قال: وقد عوض الله تعالى بدل ذلك مجالسته في حال تلاوتي كلامه، ومجالسة نبيه صلى الله عليه وسلم في حال قرائتي لحديثه، فلا تكاد تراه إلا وهو يقرأ القرآن والحديث. قال: وأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لي - يعني في المنام - أن يربي المريدين، ويلقن الذكر. مات في سنة ستين وتسعمائة.
يوسف بن محمد الزرعي
يوسف بن محمد بن علي، القاضي جمال الدين بن طولون الزرعي، الدمشقي، الصالحي، الحنفي ترجمه ابن أخيه الشيخ شمس الدين بالفضل والعلم، ونقل في وقائع سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة من تاريخه عن الشيخ تقي الدين القارىء أن مفتي الروم عبد الكريم أثنى على عمه المذكور ثناء جميلاً، وأنه لم ير في هذه المملكة أمثل منه في مذهب الإمام أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - وذلك حين اجتمع القارىء بالمفتي المذكور بمكة، وكان القاضي جمال الدين بن طولون مجاوراً بها إذ ذاك، وقال النعيمي: إن ميلاده تقريباً سنة ستين وثمانمائة، وفوض إليه نيابة القضاء قاضي القضاة الحنفية تاج الدين بن عرب شاه في يوم الاثنين رابع جمادى الآخرة سنة خمس وثمانين وثمانمائة وانتهى.
وذكر ابن طولون أن عمه توفي ليلة الأحد رابع محرم سنة سبع وثلاثين وتسعمائة بعلة الإسهال، ولم يوص، ودفن بتربته بالصالحية.
يوسف بن محمد السعدي
يوسف بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد، الشيخ جمال الدين الأنصاري، السعدي، العبادي، الحلبي، الحنفي، كان فرضياً حيسوباً فقيها، ولي نيابة القضاء في الدولتين، وتوفي فقيراً بأنطاكية سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة.
يوسف بن إبراهيم الحلبي(1/349)
يوسف بن إبراهيم العرجلي الأصل، الحلبي الشافعي إمام الشرقية بالجامع الكبير بحلب كان متمولاً من أهل الخير، وكان يعمر الطرقات وغيرها بمال كثير من ماله. توفي في سنة إحدى وستين وتسعمائة.
يوسف بن عبد الله الأرميوني
يوسف بن عبد الله الشيخ الإمام العلامة السيد الشريف جمال الدين الحسيني، الأرميوني، الشافعي تلميذ الشيخ جلال الدين السيوطي وغيره ممن أخذ عنه العلامة منلا على السهروردي نزيل دمشق، وقرأت بخط صاحب الترجمة إجازة لبعض تلاميذه، وهو عبد السلام بن ناصر الدمياطي، الشافعي مؤرخة في سابع عشري شعبان سنة سبع وخمسين وتسعمائة.
يوسف بن علي الرومي
يوسف بن علي، المولى بن سنان الدين بن المولى علاء الدين اليكاني، الرومي، الحنفي أحد موالي الروم. قرأ على والده، وعلى غيره، وترقى في التدريس حتى درس في إحدى الثماني، وتقاعد عنه بتسعين عثمانياً، وبقي على ذلك إلى أن مات، وكان مشتغلاً بالعلم يحب الصوفية، وله كرم ولطف، وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وله حواش على شرح المواقف للسيد، ورسائل كثيرة. توفي في سنة خمس وأربعين وتسعمائة.
يوسف بن يحيى الجركسي
يوسف بن يحيى، الشيخ الفاضل جمال الدين ابن الأمير محيي الدين ابن الأمير أزبك الجركسي، الحنفي. قرأ شرحي الشيخ خالد على الجرومية، والقواعد على ابن طولون، ثم أخذ في حل الألفية عليه، وكتب له إجازة، وشرع في حل الكنز في الفقه على الشيخ قطب الدين بن سلطان، ثم عرض له السفر إلى مصر لأجل استحقاقه في وقف جده، فتوفي بمصر غريقاً في سنة تسع - بتقديم التاء - وأربعين وتسعمائة، ودفن في تربة جده المنسوبة إليه الأزبكية خارج مصر.
يوسف بن المنقار
يوسف بن يونس بن يوسف القاضي جمال الدين بن المنقار الحلبي الأصل، الدمشقي، الصالحي. قطن الصالحية، وولي قضاء صفد، ثم خاربوط، ولم يذهب إليها، وولي نظر الماردانية، والعزية بالشرف الأعلى، وأثبت أنه من ذرية واقفيها، ثم لما توفي نازع ولديه في المعزية يحيى بن كريم الدين، وأثبت أنه من ذرية واقفها، قال ابن طولون: وقد ذكر الطرسوسي في أنفع الوسائل أن ذرية هذا الواقف انقرضت، وولي المذكور نظر البيمارستان القيمري وغيره، ثم أثبت أنه منسوب إلى الخلفاء العباسيين، ومدحه الشيخ أبو الفتح المالكي، وتعرض لذلك في أبياته، وأصله بيت قاضي القضاة ابن الكشك، وتوفي سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة.
يوسف القراصوي أحد موالي الروم
يوسف المولى حسام الدين القراصوي أحد موالي الروم. قرأ على علماء عصره، ثم خدم المولى عبد الكريم ابن المولى علاء الدين الغزي، ثم درس ببعض المدارس، ثم بمدرسة أسكوب، ثم بمدرسة بايزيد خان بطرابزون، ثم بإحدى الثماني، ثم صار قاضياً بأدرنة، ثم صار قاضياً بالقسطنطينية، ثم أعيد إلى إحدى الثماني ثانياً، وعين له مائة عثماني، واستمر إلى أن مات، وكان سخي النفس، حليماً، طارحاً للتكلف، منصفاً من نفسه - توفي - رحمه الله - في سنة سبع وخمسين وتسعمائة.
يونس بن يوسف رئيس الأطباء
يونس بن يوسف، الشيخ الفاضل الطبيب رئيس الأطباء بدمشق، وهو والد الشيخ شرف الدين الخطيب. قال والد شيخنا: كان فطناً. انتهت إليه رئاسة الطب بدمشق، وكان يرجع إليه في معالجة المرضى بدار الشفاء، وأقبلت عليه الدنيا وممن أخذ عنه الطب ولده الشيخ شرف الدين والشيخ محمد الحجازي توفي في نهار الاثنين رابع عشر شعبان أو خامس عشره سنة ست وستين وتسعمائة.
/الطبقة الثالثة من الكواكب السائرة، في مناقب أعيان المائة العاشرة، فيمن وقعت وفاتهم من الأحقاء بالوصف من أول سنة سبع وستين إلى تمام سنة ألف
المحمدون
محمد بدر الدين الغزيري(1/350)
محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بدر بن عثمان بن جابر الشيخ الإمام، العالم العلامة، المحقق المدقق الهمام، شيخ الإسلام، والمسلمين، حجة الله على المتأخرين، المجمع على جلالته، وتقدمه، وفضله، الذي سبق من بعده، ولم يفته من تقدم من قبله، روح هذه الطبقة، وعين هذه الحلبة، بل البارع في الطبقة الأولى، والسابق في الثانية، شيخ أهل السنة، وإمام الفرقة الناجية، الجامع بين الشريعة والحقيقة، والقامع لمن حاد عن جادة الطريقة، الحائز قصبات السبق في تحقيق العلوم الشرعية، وتدقيق الفنون العقلية، والنقلية، الفقيه المفسر المحدث النحوي المقرىء الأصولي النظار، القانع الخاشع الأواه، ولي الله العارف بالله، الداعي إلى الله، أبو البركات بدر ابن القاضي، رضي الدين الغزي، العامري، القرشي، الشافعي والدي - رضي الله تعالى عنه وأعاد علينا، وعلى المسلمين من بركاته، وجمع بيننا، وبينه في مقعد الصدق، ودرجاته. كان ميلاده في وقت العشاء ليلة الإثنين رابع عشر ذي القعدة الحرام سنة أربع وتسعمائة. وحمله والده إلى الشيخ العارف بالله تعالى القطب الكبير سيدي الشيخ أبي الفتح محمد بن محمد بن علي الإسكندري، ثم المزي العوفي، الشافعي، الصوفي فألبسه خرقة التصوف، ولقنه الذكر، وأجاز له بكل ما يجوز له، وعنه روايته، وهو دون السنتين، وأحسن والده تربيته، وهو أول من فتق لسانه بذكر الله تعالى، ثم قرأ القرآن العظيم على المشايخ الكمل الصالحين، الفضلاء النبلاء البارعين، الشموس محمد البغدادي ومحمد بن السبكي، ومحمد النشائي، ومحمد اليماني والشيخ سمعة القاري وجود عليه القرآن العظيم ، وعلى الشيخ العلامة بدر الدين علي بن محمد السنهودي بروايات العشرة، وعلى الشيخ نور الدين علي الأشموني المقرىء، والشيخ شمس الدين محمد الدهشوري بحق أخذ هؤلاء الثلاثة عن العلامة ابن الجزري، ثم لزم في الفقه، والعربية، والمنطق، والده الشيخ العلامة رضي الدين، وقرأ في الفقه على شيخ الإسلام تقي الدين أبي بكر ابن قاضي عجلون وكان معجباً به يلقبه شيخ الإسلام، وأكثر انتقاعه بعد والده عليه، وسمع عليه في الحديث، ثم أخذ الحديث، والتصوف على الشيخ العارف بالله تعالى بدر الدين حسن ابن الشويخ المقدسي. ثم رحل مع والده إلى القاهرة، فأخذ عن شيخ الإسلام بها القاضي زكريا. وأكثر انتفاعه في مصر به والبرهان بن أبي شريف، والبرهان القلقشندي والقسطلاني صاحب المواهب اللدنية، وغيرهم، وبقي في الاشتغال بمصر مع والده نحو خمس سنوات، واستجاز له والده قبل ذلك من الحافظ جلال الدين الأسيوطي، وبرع، ودرس وأفتى، وألف وشيوخه أحياء فقرت أعينهم به وجمعه والده بجماعة من أولياء مصر وغيرها، والتمس له منهم الدعاء كالشيخ عبد القادر الدشطوطي، وسيدي محمد المنير الخانكي، وأخبرني الشيخ أحمد ابن الشيخ سليمان الصوفي القادري، وهو ممن أخذ عن الشيخ الوالد أن والده الشيخ رضي الدين، اجتمع بالقطب في بيت المقدس فسأله عن والده الشيخ بدر الدين، وهو صغير فقال له: عالم، ثم سأله عنهم مرة أخرى فقال له: عالم، ثم سأله عنه في المرة الثالثة فقال له: عالم ولي. قال الشيخ رضي الدين: فاطمأن قلبي عليه حين قال لي عالم ولي ثم لما رجع مع والده من القاهرة إلى دمشق، ودخلها في رجب سنة إحدى وعشرين وتسعمائة بعد ما برع بمصر ودرس، وألف ونظم الشعر كان أول شعر نظمه وهو ابن ست عشرة سنة قوله:
يارب يارحمان يا الله ... يامنقذ المسكين من بلواه
أمنن علي وجد بما ترضاه ... بجزيل فضل منك يا الله(1/351)
تصدر بعد عوده من القاهرة للتدريس، والإفادة، واجتمعت عليه الطلبة، وهو ابن سبع عشرة سنة، واستمر على ذلك إلى الممات مشتغلاً في العلم تدريساً، وتصنيفاً، وإفناء ليلاً ونهاراً، مع الاشتغال بالعبادة، وقيام الليل، وملازمة الأوراد وتولى الوظائف الدينية كمشيخة القراء بالجامع الأموي، وإمامة المقصورة، ودرس بالعادلية، ثم بالفارسية، ثم الشامية البرانية، ثم المقدمية، ثم التقوية، ثم جمع له بينها، وبين الشامية الجوانية، ومات عنهما، وانتفع به الناس طبقةً بعد طبقة، ورحلوا إليه من الآفاق، ولزم العزلة عن الناس في أواسط عمره لا يأتي قاضياً، ولا حاكماً، ولا كبيراً، بل هم يقصدون منزله الكريم للعلم، والتبرك، وطلب الدعاء، إذا قصده قاضي قضاة البلدة، أو نائبها لا يجتمع به إلا بعد الاستئذان عليه والمراجعة في الإذن، وقصده نائب الشام مصطفى باشا فلم يجتمع به إلا بعد مرات، فلما دخل عليه قبل يده، والتمس منه الدعاء فقال له: ألهمك الله العدل، ولم يزده على ذلك فكرر طلب الدعاء، فلم يزده على قوله: ألهمك الله العدل، وكانت هذه دعوته لكل من قصده من الحكام. واستأذن عليه درويش باشا نائب الشام فلم يأذن له إلا في المرة الثالثة فقبل يده ورجله، وأشار إليه الشيخ أن يجلس معه على فراشه فأبى درويش باشا وجلس بين يديه، وطلب منه الدعاء فقال له: ألهمك الله العمل، وأوصاه بالرعية وقال له: الباشا يا سيدي ماذا تسمعون عني. فقال الظلم بلغني أن صوباشيك ضرب إنساناً في تعزير حتى مات، وضرب آخر فبالغ في ضربه فاستغاث بالله، واستجار برسوله صلى الله عليه وسلم فلم يخل عنه فقال له بحياة رأس درويش باشا فخلى عنه وهذا يدل على كفر كامن في قلبه، وعتو وتجبر، فأمر درويش باشا برفع صوباشيه في الحال وغضب عليه وجاء بعد ذلك الصوباشي إلى الشيخ فزجره، وطرده، وكان الشيخ، لا يأخذ على الفتوي شيئاً بل سد باب الهدية مطلقاً خشية أن يهدي إليه من يطلب منه إفادة، أو فتوى شفاعة، فلم يقبل هدية إلا من أخصائه، وأقربائه، وكان يكافىء على الهديه أضعافاً، وكان يعطي الطلبة كثيراً، ويكسوهم، ويجري على بعضهم، وإذا ختم كتاباً تدريساً، أو تصنيفاً، أولم وجعل ختماً حافلاً، ودعا أكابر الناس إليه، وفقراءهم، ثم أضافهم، وساوى في ضيافته بين الفقراء، والأمراء، وأحسن إلى الطلبة، وكان يحب الصوفية، ويكرمهم، وإذا سمع شيئاً مما ينكره الشرع بعث إليهم، ونصحهم، ودعاهم إلى الله تعالى، وكانوا يمتثلون أمره ويقتدون به، وكان إذا ورد إلى دمشق طالب علم أو فقير سأل الشيخ عنه، واستدعاه وأكرمه وأحسن إليه، وإن كان من أرباب الأحوال، ومظنات البركة سأله الدعاء له ولأولاده، وكان يضاعف نفقته في رمضان، ويدعو إلى سماطه كل ليلة منه جماعة من أهل العلم. وأهل الصلاح، والفقراء، ويجلس معهم على السماط، وأما طلبته الذين حملوا عنه العلم، فقد جمعهم في فهرست، ثم لم يجمع إلا خيرة منهم، فذكرت منهم جماعة في الكتاب الذي أفردته لترجمته ممن ذكرهم في فهرسته، وممن لم يذكرهم، وهم كثيرون، وممن أخذ عنهم الحديث وغيره من قضاة دمشق، وغيرهم من الموالي قاضي القضاة محمد أفندي المعروف بجوي زاده، وقاضي القضاة محمد أفندي بن بستان، وكل منهم صار مفتياً بالتخت السلطاني العثماني والمفتيان بدمشق ابن العبد، وفوزي أفندي في جماعة آخرين، وهؤلاء كانوا يفتخرون بالشيخ، وأخذهم عنه، وأما من أخذ عنه من أجلاء مصر، والشام فكثيرون تضمن أكثرهم الكتاب المذكور، وأما تصانيف الشيخ في سائر العلوم فبلغت مائة وبضعة عشر مصنفاً ذكرتها في الكتاب المذكور، ومن أشهرها، التفاسير الثلاثة المنثور، والمنظومان، وأشهرها، المنظوم الكبير، في مائة ألف بيت، وثمانين ألف بيت وحاشيتان على شرح المنهاج للمحلي وشرحان على المنهاج كبير وصغير، ساير فيه المحلي، وزاد فيه أكثر من الثلث مع الإشارة فيه إلى نكت الحاشية، وهو في حجم المحلي أو دونه، وكتاب " فتح المغلق في تصحيح ما في الروضة من الخلاف المطلق " ، وكتاب " التنقيب، على ابن النقيب " ، وكتاب " البرهان الناهض، في نية استباحة الوطء للحائض " وشرح " خاتمة البهجة " وكتاب " الدر النضيد، في أدب المفيد والمستفيد، ودروس على طائفة من شرح الوجيز للرافعي والروضة و التذكرة الفقهية وشرحان على الرحبية وتفسير آية الكرسي(1/352)
وثلاثة شروح على الإلفية، في النحو منظومان، ومنثور، وكتاب شرح الصدور، بشرح الشذور وشرح على التوضيح لابن هشام، وشرح شواهد التلخيص في المعاني، والبيان، لخص فيه شرح السيد عبد الرحم العباسي، واللمحة، في اختصار الملحة و نظم الجرومية، وهو أول تأليفه و شرح الملحة مختصر وكتاب أسباب النجاح، في آداب النكاح ، وكتاب فصل الخطاب، في وصل الأحباب، ومنظومة في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ومنظومة في خصائص يوم الجمعة، وشرحها، ومنظومة في موافقات سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه للقرآن العظيم وشرحها، والعقد الجامع، في شرح الددر اللوامع نظم جمع الجوامع في الأصول لوالده وغير ذلك، وشعره في غاية الحسن، والقوة، وأكثره في الفوائد العلمية ومنه:ثة شروح على الإلفية، في النحو منظومان، ومنثور، وكتاب شرح الصدور، بشرح الشذور وشرح على التوضيح لابن هشام، وشرح شواهد التلخيص في المعاني، والبيان، لخص فيه شرح السيد عبد الرحم العباسي، واللمحة، في اختصار الملحة و نظم الجرومية، وهو أول تأليفه و شرح الملحة مختصر وكتاب أسباب النجاح، في آداب النكاح ، وكتاب فصل الخطاب، في وصل الأحباب، ومنظومة في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ومنظومة في خصائص يوم الجمعة، وشرحها، ومنظومة في موافقات سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه للقرآن العظيم وشرحها، والعقد الجامع، في شرح الددر اللوامع نظم جمع الجوامع في الأصول لوالده وغير ذلك، وشعره في غاية الحسن، والقوة، وأكثره في الفوائد العلمية ومنه:
إله العالمين رضاك عني ... وتوفيقي لما ترضى مناي
فحرماني عطائي إن ترده ... وفقري أن رضيت به غناي
وقال:
بالحظ والجاه لا بفضل ... في دهرنا المال يستفاد
كم من جواد بلا حمار ... وكم حمار له جواد
وقال مقتبساً:
من رام أن يبلغ أقضى المنى ... في الحشر مع تقصيره في القرب
فليخلص الحب لمولى الورى ... والمصطفى فالمرء مع من أحب
وللحافط العلامة جلال الدين السيوطي أحد شيوخ الوالد بالإجازة:
أليس عجيباً أن شخصاً مسافراً ... إلى غير عصيان تباح له الرخص
إذا ما توضا للصلاة أعادها ... وليس معيد للذي بالتراب خص
فأجاب عنه شيخ الإسلام بقوله:
جوابك ذا ناس جنابته لما ... توضأ فيه طهره عنه قد نقص
وما جاء فيه بالتيمم سائغ ... ومن حكمة الأجزاء فيه عليه نص
وقال رضي الله تعالى عنه:
لو أبصروني راعياً وجه من ... أهوى ودمعي جارياً سيلا
لشاهدوا المجنون إبن عامر ... يرعى صباحاً راجياً ليلى
وقال مداعباً لشخص يقال له: يحيى الطويل، وكان في دمشق آخر يقال له: يحيى القصير:
رأيت القصير أشر الورى ... وليس له في الأذى من مثيل
فلو كنت خيرت لاخترت أن ... يموت القصير ويحيي الطويل
وقال ضابطاً لنزول الشمس في برج الحمل في سنة ثمان وسبعين وتسعمائة في لفظ حمل وهو اتفاق لطيف:
رابع عشر شهر شوال الحمل ... إليه نقل الشمس في عام حمل
قلت ولنا اتفاق غريب هو أننا لما حججنا في سنة إحدى وألف، وهي أول حجة حججتها كنا نترجى أن تكون عرفة يوم الاثنين فرأينا هلال ذي الحجة الحرام ليلة السبت، وكان وقوفنا بعرفة يوم الأحد، وهو خلاف ما كان الناس يتوقعونه، فقلت لبعض إخواننا من أهل مكة، وغيرهم ظهر لي اتفاق غريب، وهو أن الله تعالى قدر الوقوف في يوم الأحد في هذا العام لأنه عام أحد بعد الألف فاستحسنوا ذلك، وقلت مقيداً لهذا:
لقد حججنا عام ألف واحد ... وكانت الوقفة في يوم الأحد
اليوم والعام توافقا معاً ... فجل مولانا المهيمن الأحد
وقال شيخ الأزارقة عمران بن حطان قبحه الله تعالى في قاتل علي رضي الله تعالى عنه وقبح الله تعالى قاتله، وهو عبد الرحمن بن ملجم أشقى الآخرين كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
يا ضربة من تقي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوماً فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا(1/353)
لله در المرادي الذي سفكت ... كفاه مهجه شر الخلق إنسانا
أمسى عشية غشاه بضربته، ... مما جناه من الآثام عريانا
وقد عرض هذه الأبيات الخبيثة جماعة من العلماء، وقال شيخ الإسلام، وإمام أهل السنة والدي، وهو أحسن ما عورضت به:
يا ضربة من شقي ما استفاد بها ... إلا اقتحاماً بيوم الحشر نيرانا
إني لأذكره يوماً فأحسبه ... من أخسر الناس عند الله ميزانا
أمسى عشية غشاه بضربته ... مما عليه ذوو الإسلام عريانا
فلا عفا الله عنه ما تحمله، ... ولا سقى قبر عمران بن حطانا
وشعر شيخ الإسلام الوالد مدون في كتاب مستقل، وقد أتينا على جملة صالحة في الكتاب الموضوع لترجمته. فلا معنى للإكثار منه هنا إلا أنا ذكرنا منه هذه النبذة للتبرك، ولقد كان - رضي الله تعالى عنه - ممن جمع بين العلم، والعمل، والسيادة، والرئاسة، وحسن السمت، وحسن الخلق، والسخاء، والحياء؛ عاش ثمانين سنة، إلا أياماً قليلة ما عهدت له فيها صبوة، ولا حفظت عليه كبوة؛ بل كان فيها موفر الحرمة، موقر الكلمة مقبول الشفاعة عند القضاة والحكام، معظماً معتقداً عند الخواص، والعوام. إن نزلت بالناس نازلة فزعوا إليه في كشفها، أو عرضت لهم معضلة هرعوا إليه في حلها، ووصفها، وإذا خرجت من بابه رقاع الفتاوي بادر الناس إلى تناولها من السائل، وتقبيلها والتبرك بها. رحلت الناس إليه من الأقطار، ووجهت إليه الفتاوي من سائر الأمصار. من ناله منه دعوة صالحة تمسك بها إلى آخر دهره، ومن ظفر بشيء من آثاره تمسك به سائر عمره. فما تعلق بشيء مما يشينه في عرضه، ولا في دينه ، ولا تمسك في طلب رزقه بأمر يختلج به خالج في يقينه ، بل كانت له الدنيا خادمة، وإليه ساعية، من غير تجارة ولا سعي ولا تعرض لداعية. أخلاقه مرضية، وهمته علية، وعيشته هنية، مات ولم يقف على باب طالب لدين، ولا مطالب بعين، مع ما يسره الله تعالى من الرفاهية والنعمة، وهو مع ذلك مكب على العلم مشتغل بالعبادة صياماً، وقياماً، وذكراً، وتلاوةً وكان مواظباً على الأوراد ملازماً للطهارة، مختلياً عن الناس، مقبلاً على الله تعالى، وإذا بلغه منكر بعث إلى الحكام في إزالته، وأنكره بقدر طاقته، يصدع بالحق، ولا يخاف في الله لومة لائم، ولا يحابي، ولا يداهن في فتاويه، ولا في غيرها، وبالجملة فكان عين ذلك الوقت وإنسان ذلك الزمان:
حلف الزمان ليأتين بمثله ... حنثت يمينك يا زمان فكفر
تمرض أياماً، وكان ابتداء مرضه في ثاني شوال سنة أربع وثمانين وتسعمائة، واستمر مريضاً إلى يوم الأربعاء سادس عشري شوال المذكور، فتوفي إلى رحمة الله تعالى عقب آذان العصر، وهو يسمع الآذان جالساً، وصلى عليه الجمع الغفير من الغد يوم الخميس بعد صلاة الظهر في الجامع الأموي، وتقدم للصلاة عليه شيخنا شيخ الإسلام شهاب الدين العيثاوي، مفتي السادة الشافعية، بدمشق فسح الله تعالى في مدته، ودفن بتربة الشيخ أرسلان خارج باب توما من أبواب دمشق، وكانت جنازته حافلة جداً بحيث اتفق الشيوخ الطاعنون في السن، وغيرهم أنهم لم يشهدوا بدمشق مثلها إلا جنازة الأخ الشيخ شهاب الدين، فإنها تقرب منها مع القطع بأن جنازة أبيه أعظم بحيث أن المقبرة امتلأت من الناس، والطريق من الجامع إليها مع طوله، والجنازة لم تخرج بعد من الجامع، وقد خيمت بالجنازة وأظلتها طائفة من الطير خضر كان الناس يقولون إنها الملائكة، ولما وصلت الجنازة على الرؤوس إلى المقبرة أظلتهم سحابة لطيفة، وأمطرتهم مطراً مباركاً أرسله الله تعالى، وكان ذلك سبباً لزيادة عويل الناس، وضجيجهم، وتزاحم الأكابر على حمل الجنازة، ورثاه الشيخ العلامة شمس الدين الصالحي بقصيدة جليلة ذكرتها في الكتاب الذي أفردته لترجمته، وقال ماماي الشاعر مؤرخاً لوفاته:
أبكى الجوامع والمساجد فقد من ... قد كان معارف التمكين
وكذا المدارس أظلمت لما أتى ... تاريخه بخفاء بدر الدين
محمد بن الحصكفي(1/354)
محمد بن محمد بن محمد بن علي الشيخ الإمام العلامة ابن الشيخ الإمام العلامة شمس الدين ابن أبي اللطف الحصكفي، الأصل المقدسي، الشافعي عالم بلاد القدس الشريف، وابن عالمها، وأحد الخطباء بالمسجد الأقصى، كان - رحمه الله تعالى - كأبيه، وجده علامة فهامة، جليل القدر، رفيع المحل، شامل البر للخاصة، والعامة، كثير السخاء، وافر الحرمة، ديناً صالحاً ماهراً في الفقه، وغيره تفقه على والده ورحل إلى مصر وأخذ عن علمائها كشيخ الإسلام زكريا، والشيخ الإمام نور الدين المحلي، ودخل دمشق بعد موت عمه الشيخ أبي الفضل المتقدم ذكره في الطبقة الثانية. في سنة سبع أربع وثلاثين لاستيفاء ميراثه، وذكر ابن طولون في تاريخه أنه خطب بالجامع الأموي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الآخر من السنة المذكورة، وشكر على خطبته توفي رحمه الله تعالى في بيت المقدس في شهر رجب الحرام سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة في الجامع الأموي، وغيره من جوامع دمشق يوم الجمعة رابع شعبان من السنة المذكورة وتأسف الناس عليه، وهو والد الأئمة العلماء المشايخ أبي بكر، وعمر المترجمين في هذه الطبقة.
207 - ا - محمد بن محمد بن أبي اللطف : محمد بن محمد بن محمد، ابن الشيخ الإمام العلامة، الفاضل البارع الفهامة، شمس الدين ابن أبي اللطف المتقدم والده قبله. مولده في سنة أربعين أو إحدى وأربعين وتسعمائة، وبرع وهو شاب، وفضل، وتقدم على من هو أسن منه حتى على أخويه، وصار مفتي القدس الشريف على مذهب الإمام الشافعي، وكان له يد طولى في العربية، والمعقولات، وله شعر منه قوله مقيداً لأسماء النوم بالنهار، وما في كل نوع منها:
النوم بعد صلاة الصبح غيلوله ... فقر وعند الضحى فالنوم فيلوله
وهو الفتور وقيل: الميل قيل له: ... إذ زاد في العقل أي بالقاف قيلوله
والنوم بعد زوال بين فاعله ... وبين فرض صلاة كان حيلوله
وبعد عصر هلاكاً مورثاً وكذا ... كقلة العقل بالإهمال عيلوله
وحكي أنه اجتمع في الخليل عليه الصلاة والسلام المشايخ الثلاثة الشيخ العارف بالله تعالى الشيخ أبو مسلم محمد الصمادي، والأستاذ العارف بالله تعالى سيدي محمد البكري، وصاحب الترجمة العلامة محمد بن أبي اللطف، فعمل الصمادي، وقتاً فقام الشيخ محمد بن أبي اللطف، وتواجد وأخذته حاله فاحتضنه الصمادي، فأفاق، فلما انتهى الوقت تصافح المشايخ، فقال ابن أبي اللطف البكري: يا مولانا مولانا الشيخ محمد الصمادي في غاية ما يكون إلا أنه بخيل فقال البكري: سبحان الله كيف يكون بخيلاً، وقد بلغني أن له سفرة ووراداً يردون عليه، فلا يخرج أحد منهم حتى يضيفه فقال: يا مولانا: ما أردت هذا أردت أنه بخيل بالحال قال: وكيف فقال: يا مولانا لما احتبك الذكر رأيت الخليل عليه الصلاة والسلام، وقد خرجت روحانيته من الضريح، ودخل في الحلقة فلما احتضنني الشيخ لم أره فقال له الشيخ البكري: لقد أصاب الشيخ خاف عليك أن تجنب فردك إلى الصحو توفي - رحمه الله تعالى - بالقدس الشريف في أواخر صفر سنة ثلاثة وتسعين - بتقديم الياء - وتسعمائة، وهي السنة التي توفي فيها الشيخ إسماعيل النابلسي فقيل: مات مفتي دمشق، ومفتي القدس في سنة واحدة.
محمد بن محمد الإعزازي
محمد بن محمد بن محمد القاضي، أبو الجود الإعزازي ناب في القضاء باعزاز مراراً، وبحلب مرة، وولي الخطابة بجامع إعزاز، وكتب بخطه لنفسه ولغيره من الكتب المبسوطة ما يكاد يخرج عن طوق البشر من ذلك خمس نسخ من القاموس وعدة من نسخ الأنوار، وعدة نسخ من شرح البهجة ، وشرح الروض ، وكتاب البخاري وشرحه لابن حجر في كتب أخرى لا تحصى كثرة، وكتب نحو خمسين مصحفاً كل ذلك مع اشتغاله بالقضاء، ووقف نسخة من البخاري على طلبة إعزاز قبل وفاته وتوفي في سنة ثمان وستين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.(1/355)
محمد بن محمد أحد الموالي الرومية محمد بن محمد بن محمد أحد الموالي الرومية وابن مفتيها المنلا أبي السعود، كان فاضلاً، بارعاً ترقى في المناصب حتى أعطي قضاء القضاة بدمشق سنة خمس وستين وتسعمائة، وأثنى عليه والد شيخنا. وقال كان سخياً ما دخل من الروم أسخى منه، وكان ودوداً مر بسوق الأساكفة غربي باب البريد، فوقفوا وشكوا إليه ما هم فيه من هم العوارض. فقال لهم علي جميع ما عليكم منها، فوزن العوارض عن الصفين الغربي والشرقي، ولم يسأل عن غنيهم ولا فقيرهم. قال والد شيخنا وأخبرني بمنزله بملأ من الناس أنه وزن خمسمائة دينار عن الفقراء في العوارض. قال وغيره أخبرني بأكثر من ذلك، وكانت صدقته في الطريق كثيرة. قال واجتمعت الخصال المحمودة فيه، ولم ينكر عليه سوى تناول اليسق يعني المحصول .
محمد بن محمد الرملي محمد بن محمد بن أبي الفضل، الشيخ جلال الدين الرملي الحنفي رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، وأحد الموقنين. كان يعرف الميقات والموسيقى وله جراءة كبقية بني الرملي، وكان يقتني الكتب، ويتاجر فيها. مات في سنة ألف.
محمد بن محمد القاضي محب الدين
محمد بن محمد بن أحمد بن يوسف بن أيوب القاضي محب الدين بن أيوب الشافعي. ناب في محكمة الباب بدمشق، ثم في الميدان، ثم في الكبري، ثم في قناة العوني، ثم في الصالحية، ومات وهو نائب بها رابع عشر ربيع الأول بعد العشاء سنة ثلاث وتسعين - بتقديم التاء - وتسعمائة، وحمل من الصالحية، ودفن تجاه المدرسة النحاسية شماليها بمقبرة الفراديس رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد البهنسي
محمد بن محمد بن رجب، الشيخ الإمام، شيخ الإسلام الفقيه العلامة، النبيه الفهامة، شمس الدين، وقيل: نجم الدين البهنسي الأصل الدمشقي المولد والمنشأ أحد الرؤساء بدمشق، وخطيب خطبائها قرأت بخط الشيخ يحيى بن النعيمي أن ميلاده في صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة، وأخذ عن ابن فهد المكي، وغيره، وتفقه بالشيخ الإمام العلامة قطب الدين بن سلطان، وبه تخرج لأنه كان يكتب عنه على الفتوى لأن القطب كان ضريراً، ثم أفتى استقلالاً من سنة خمسين وتسعمائة، واشتغل في بقية العلوم على الشيخ أبي الفتح السبستري، والشيخ محمد الإيجي الصوفي نزيل الصالحية، وتخرج به أكثر من لقيناهم من الحنفية بدمشق منهم العلامة الشيخ عماد الدين المتوفي قبله، ورأس في دمشق بعد وفاة شيخ الإسلام الوالد، وكان إماماً بارعاً في الفقه مشاركاً في غيره، ولي خطابه الجامع الأموي بدمشق بعد خطيبه الشيخ أبي البقاء البقاعي بعد أن عرض في الخطابة للشيخ عبد الوهاب الحنفي إمام الجامع، فوجهت من الباب للبهنسي، واستناب في الخطابة شيخ الإسلام شهاب الدين الطيبي المقرىء مدة، ثم باشر الخطابة بنفسه ودرس في الجامع الأموي، والسيبائية، ثم بالمقدمية، ثم بالقصاعية، ومات عنها، وعلوفته في التدرس بها ثمانون عثمانياً؛ ولم يبلغ هذا المقدار في علوفة التدريس قبل شيخ الإسلام الوالد، وصاحب الترجمة أحد، ثم حدث بعد موتهما ترقية التدريس إلى مائة عثماني، وحج صاحب الترجمة مرتين مرة قبل سنه ست وستين وتسعمائة، ومرة في آخر عمره سنة خمس وثمانين وألف شرحاً على كتاب " منتهى(1/356)
الإرادات " لم يكمله وكان رحمه الله تعالى حسن السمت ساكناً ساكتاً عما لا يعنيه خاشعاً، سريع الدمعة، لطيف الطباع، حسن المعاشرة وله مع ذلك شهامة، وكان طويل القامة، أبيض اللون، عليه عمامة كبيرة على عادة علماء ذلك العصر، ورأيته بعد موت والدي مرة، وأنا ابن ثماني سنوات داخل الجامع الأموي فتواجهت معه بين البئر، والحنفية فقال له بعض من معه: يا سيدي هذا ولد المرحوم شيخ الإسلام الشيخ بدر الدين الغزي فنظر إلي، وسألني عن اسمي فذكرت له، وسألني عما أقرأ فذكرت له فدعا لي، وترحم على والدي، وحدثني ولده الشيخ يحيى خطيب الجامع الأموي الآن نفع الله تعالى به أن والده كان له نخوة، وشهامة في أول أمره فدخل على شيخه الشيخ أبي الفتح السبستري، فقال له يا شيخ: أريد أن تذهب إلى السوق تشتري لي بهذه القطعة الفضية بطيختين، وتحملها بنفسك من السوق إلى خلوتي، وكان الشيخ أبو الفتح ساكناً بالخانقاه السميصاتية فذهب الشيخ محمد البهنسي، واشترى بطيختين كبيرتين، وأنف من حملهما، وأراد أن ينظر من يحملهما عنه فذكر كلام الشيخ، وخشي أن يكاشفه بما يفعله إذا حملهما لأحد، ولا يرضى بفعله فحملهما إلى منزل الشيخ أبي الفتح، وقد تصبب عرقاً، وانكد لمحل نظر الناس إليه فلما دخل على الشيخ قال له: عسى أن تصغر نفسك الآن قال: فمن حينئذ ذهبت عني الأنفة، والكبر وكان الشيخ البهنسي يجمع ما يتحصل له من الغلال في كل سنة، ويتربص به حتى يبيعه آخر السنة، ومثل ذلك لا يعد احتكاراً إذ الاحتكار شراء الطعام الذي تمس إليه حاجة العامة في زمن الغلاء ليبيعه بأغلى، وكان بعض حساد الشيخ ربما طعنوا عليه ذلك حتى وشي به إلى قاضي القضاة ابن المفتي، في بعض السنين فبعث إلى حاصل الشيخ البهنسي من فتحه، وباع ما فيه، ثم ارتفع السعر بعد ذلك وفات الشيخ منه جملة من المال فانكف البهنسي عن التردد إلى القاضي بسبب ذلك، ووقع بينهما فاتفق أن القاضي حصل له حمى شديدة، ومرض أياماً حتى أعياه المرض، فالتمس من الشيخ عمر الرائي، وكان يرى النبي صلى الله عليه وسلم، في منامه كثيراً أن يسأل من النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه في منامه أن يشفع إلى الله تعالى في شفائه، فرجع إليه الشيخ عمر الرائي وقال له: يا قاضي القضاة سألت لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قل له يلتمس الدعاء من الشيخ محمد البهنسي يحصل له الشفاء، ولم يعلم الشيخ عمر ما كان بينهما فبعث القاضي من تلطف بالشيخ البهنسي، وأتى به إليه فلما اجتمعا تعانقا، وتباكيا، ودعا الشيخ البهنسي له بالشفاء فشفاه الله تعالى بعد ذلك قريباً، وبالجملة فقد كان - رحمه الله تعالى - من أفراد الدهر وأعاجيب العصر، توفي - رحمه الله تعالى - بعد الظهر يوم الأربعاء أو خامس جمادى الآخرة سنة ست، وقرأت بخط منلا أسد سنة سبع ثمانين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الصغير بعد العصر عند قبر معاوية، ونصر المقدسي رضي الله تعالى عنهما قال القاضي عز الدين بن أبي بكر بن الموقع في تاريخ موته :ما وجدت له شعراً أحسن من هذه الأبيات الثلاثة :
لما لدار البقا مفتي الأنام مضى ... فالعين تبكي دماً من خشية الله
لفقد مولى خطيب الشام سيدنا ... من لم يزل قائماً في نصرة الله
وفاته قد أتت فيما أؤرخه ... البهنسي عليه رحمة الله
محمد بن محمد المقدسي
محمد بن محمد بن إبراهيم ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ شمس الدين ابن الشيخ برهان الدين ابن الشيخ أحمد المقدسي المقرىء، كاتب المصاحف جده وأبو جده كان شاباً ذكياً فطناً حافظاً لكتاب الله تعالى ولي إمامة جامع منجك بمحلة الميدان بعد والده ووالده بعد والده، وانتفع بهم خلق كثير توفي رحمه الله تعالى بحمام شرف بعد أن اغتسل، وخرج ولبس ثيابه واستقبل القبلة، وهو على مسطبة الحمام، وأتى بالشهادتين وخرجت روحه، وحمل إلى بيته ميتاً وحمل بجنازته الأمير إبراهيم بن منجك ودفن إلى جانب والديه بمقبرة الجورة بالمحلة المذكورة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد الصالحي(1/357)
محمد بن محمد بن أبي الفضل الصالحي، نجم الدين الشافعي كان تاجراً بسوق الدهشة، ثم تكسب بالشهادة بمحلة الصالحية، وصار رئيسها، ثم نقل إلى الكبرى، وصار رئيسها، وناب في القضاء في محكمة الميدان، ثم بالكبرى، ثم تركه وعاد إلى الشهادة، واستمر إلى أن توفي وكان قصير القامة كبير العمامة، وأخذ في فتنة القابجي وامتحن مع من امتحن به، وضعف بصره، وقلت حركته، وانقطع بمنزله نحو تسعة أشهر، ومات ودفن بالصالحية، وعملت صباحيته بمسجد هشام رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن بركات
محمد بن محمد بن بركات الشيخ الفاضل، المعمر ولي الدين ابن الكيال، الشافعي حفيد الشيخ برهان الدين إبراهيم الناجي...
محمد بن محمد بن خطاب الحنبلي
محمد بن محمد بن خطاب الشيخ شمس الدين بن خطاب الحنبلي، رئيس العدول بالمحكمة الكبرى، ثم بالباب أخذ صنعة التوريق عن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد الجعفري، المعروف بابن قاضي نابلس، وكان خطهما متقارباً لا يكاد يفرق بينهما، واتسعت عليه الدنيا، وكان مسموع الكلمة وافر الحرمة خافه الناس حتى أكابرهم حتى مات رجل يقال له محمود الأعور عن بنت كان يقال أنها تربت عنده فأثبت ابن خطاب هو وعلي الحلبي الترجمان أنها بنته، وأقام أحدهما وصياً عليها، وعلى مالها والآخر ناظراً بمعونة القاضي شمس الدين الرجيحي، ثم نبغ لهما كيخيا الإنكشارية المعروف بالسقا يوسف فشكى قصتهما إلى السلطنة، وعين على ابن خطاب ومن معه قابجي من الباب معه قاضي مستقل، وحبس ابن خطاب وولده القاضي كمال الدين والترجمان، وهرب الرجيحي وطلب منهم ثلاثين ألف دينار ذهباً بالإهانة والضرب، ثم حسن له بعض الأشقياء التطاول إلى أكابر البلد فحبس شيخ الإسلام الشيخ إسماعيل النابلسي والشيخ العلامة شمس الدين محمد الحجازي، والقاضي عبد الله الرملي، والقاضي شمس الدين الكنجي، والقاضي وفاء بن العقيبي في جماعة من التجار وغيرهم، وطال حبسهم عنده حتى ورد الأمر السلطاني بالإفراج عنهم، وقتل القابجي فشنق في سنة تسعين وتسعمائة. ثم خرج ابن خطاب وابنه القاضي كمال الدين فقيرين، قد استولى على كل ما كان بأيديهما، كان صاحب الترجمة يتردد إلى الجامع الأموي في أوقات الصلوات وغيرها، حتى توفي ثاني جمادى الأولى سنة اثنين وتسعين - بتقديم التاء - وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد الصمادي(1/358)
محمد بن محمد بن خليل بن علي عيسى بن أحمد الشيخ الصالح الزاهد المرشد إلى الله تعالى، العارف بالله تعالى أبو مسلم شمس الدين الصمادي الدمشقي الشافعي القادري، كان ميلاده في سنة إحدى عشرة وتسعمائة كما أخبرني ولده الشيخ مسلم، وكان من أمثل الصوفية، في زمانه، وله شعر في طريقتهم إلا أنه لا يخلو من مؤاخذة في العربية، وكان شيخ الإسلام الوالد يجله، ويقدمه على أقرانه من الصوفية ويترجمه بالولاية، وكان يستدعيه إلى منزله بالخلوة الحلبية جوار الجامع الأموي كل سنة مرة، أو أكثر من مرة، ويقر به هو، وطائفته، ويعملون السماع عند الشيخ، وفي مجلسه عند باب الخلوة المذكورة في نفس الجامع ليلاً، ويضربون طبولهم، وأفتى الإسلام الوالد تبعاً لشيخي الإسلام شمس الدين بن حامد، والتقوي ابن قاضي عجلون بإباحة طبولهم في المسجد، وغيره قياساً على طبول الجهاد، والحجيج، لأنها محركة للقلوب إلى الرغبة في سلوك الطريق، وهي بعيدة الأسلوب عن طريقة أهل الفسق، والشرب، وكان الأستاذ الشيخ محمد البكري يجل صاحب الترجمة لأنهما اجتمعا في بيت المقدس وعرف كل منهما مقدار الآخر، وتقدم لصاحب الترجمة قصة لطيفة مع البكري، وابن أبي اللطف في ترجمة ابن أبي اللطف، وحدثني بعض أصحابنا قال: سافرت إلى القاهرة، وكان الشيخ محمد الصمادي دفع إلي مكتوباً، لأوصله لسيدي محمد البكري فلما دخلت عليه وذكرت له الشيخ محمد الصمادي نهض قائماً إجلالاً لذكره فلما دفعت له المكتوب قبله ووضعه على عينيه، وأثنى عليه وقال: أخونا وسيدنا، وحدثني الشيخ الصالح علي اللؤلؤي، وكان ساكناً في جوار الشيخ الصمادي قال: حصل لي كائنة توسلت فيها إلى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم، فرأيته في المنام ، فقال: اذهب إلى جارك الشيخ أبي مسلم الصمادي وحمله هذه الحملة قال: فلما أصبحت غدوت على الشيخ الصمادي، لما دخلت عليه قال لي قبل أن أذكر له شيئاً: يا شيخ علي أنا ما أعلم الغيب، أما كنت تقول لي عن مصلحتك قال: ثم إن الله تعالى قضى حاجتي تلك على يد الشيخ الصمادي رضي الله عنه وبلغني أن رجلاً يقال له: محمد بن عرب خرج إلى المشرق في جلب الغنم، فلما عاد بات ليلة في مكان مخوف، وكانت ليلة شديدة الريح، كثيرة المطر، قال فأنا في أثناء الليل، وإذا بحركة ذعرت منها الأغنام، وتفرقت، وعجزت عن جمعها أنا والرعاة قال: فقلت: يا أبا مسلم هذا وقتك قال: فما أحسست إلا بضربة مقلاع جمعت لي الأغنام من سائر النواحي حتى انضمت، وكانت زوجة ابن عرب المذكور امرأة صالحة من أولياء الله تعالى تعتقد بالشيخ محمد الصمادي، وكانت تعتقد الشيخ الوالد، وتتردد إليه، وإلينا من بعده قالت: فدخلت علي أبي مسلم يوماً، وزوجي غائب في تلك السفرة فقال لي: يا أم فلان أقول لك عن شيء لا تحدثي به حتى أموت، إن زوجك الليلة البارحة شردت عنه أغنامه فناداني، واستغاث بي فتناولت حصاة، ورميت بها إليه، فاجتمعت إليه أغنامه، وسيقدم عليك سالماً لم يذهب له شيء، فلما قدم بعلها ذكر لها ما صار له في ليلة شرود الغنم عنه فقالت له: يا فلان أنا في الليلة الفلانية ذكر لي أبو مسلم أنه سمع استغاثتك، وأنه أخذ حصاة فرمى بها نحو الغنم، فاجتمعت، وكنت مرة مريضاً فاشتدت بي الحمى ذات ليلة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو صدر حلقة فيها جماعة من الصمادية وغيرهم يذكرون الله تعالى عرفت منهم صاحب الترجمة، على يسار النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى يساره ولده الشيخ مسلم، ويليه بقية الصمادية فلما فرغوا من الذكر، وجلسوا سأل صاحب الترجمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الصمادية فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم يا شيخ محمد ما فيهم غير ولدك مسلم، فلما استيقظت، وقد حصل لي عرق كثير وعوفيت، فبلغت رؤياي الشيخ محمد الصمادي، فبعث إلي، وقال لي: يا سيدي نجم الدين بلغتني رؤياك، ووالله أنها لحق، وأريد منك أن تقصها علي أنت، فلما قصصتها عليه قال والله صدقت رؤياك ما في جماعتنا غير مسلم، ثم توفي بعد هذه الرؤيا بيسير، وقام ولده الشيخ مسلم مقامه، وكان الشيخ محمد يحبني كثيراً، ويدعو لي كلما زرته، وحضرت في حلقته(1/359)
مراراً، وشهدت له أحوالاً شريفة، ورأيت في عمري أربعة ما رأيت أنور منهم إذا وقعت الأبصار عليهم شهدت البصائر بنظر الله إليهم أجلهم والدي، والشيخ محمد الصمادي والشيخ محمد اليتيم العاتكي، ورجل رأيته بمكة المشرفة داخلاً إلى حجرة تجاه الكعبة المعظمة له شيبة نيرة، وعليه كسوة الصوفية حواليه الشباب في صور الترك يخدمونه، فلما وقع بصري عليه بادرت إلى يده فصافحته، وقبلت يده فقال لي: ما حاجتك. فقلت: الدعاء، فدعا بأدعية مأثورة بفصاحة، وبلاغة، وحسن توجه بعد أن استقبل الكعبة وأطال في الدعاء، بحيث كان كلما انتهى من دعاء طلبت منه في سري أن يدعو بدعاء آخر عين المقصود منه في نفسي فما يتم، الخاطر حتى يشرع في الدعاء بعينه، وهكذا ثم ختم دعائه، ومسح بيديه على وجهه فقلت له: يا سيدي لا تنسنى من الدعاء فقال لي: وأنت كذلك لا تنسني من الدعاء، ثم فارقته، وعزمت في نفسي، ألا أجالس أحداً بمكة في مدة إقامة الحاج بها غيره، وكان اجتماعي به قبل عرفة، فلما رجعنا من عرفة التمسته في تلك الحجرة، فلم أره وسألت عنه ساكن تلك الحجرة فقال لي: ما رأيت رجلاً قط بالصنعة التي ذكرت، ولا دخل هذا المذكور هذه الحجرة أصلاً، فعلمت أنه من رجال الله تعالى، بل المترجح عندي أنه قطب ذلك الوقت، وغوث ذلك الزمان، واجتمعت بجماعة من رجال الله تعالى ولله الحمد لكني ما رأيت أفضل من هؤلاء الأربعة، ولا أكثر بركة وإفاضة للخير على جلسائهم منهم، وكان مقدم اجتماعي بهذا الرجل الكامل في سابع ذي الحجة الحرام سنة إحدى بعد الألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وكان الشيخ محمد الصمادي رحمه الله تعالى معتقداً للخواص، والعوام خصوصاً حكام دمشق، والواردين إليها من الدولة، وكانوا يقصدونه في زاويته للتبرك به، وطلب الدعاء منه، وطلب منه مصطفى باشا أن يكتب له في محضره الذي شهدت فيه أهل دمشق باستقامته، فأبى أن يكتب له فيه، وكان في ذلك الوقت موافقاً لشيخ الإسلام الوالد، فإن مصطفى باشا قصد الوالد في بيته، وطلب أن يكتب له على محضره فقال له: ما علمت من حالك شيئاً، وأنا منزو في هذه الخلوة عن خلوته الحلبية ما أعرف من أحوالك شيئاً فقال له: يا سيدي ادع الله لي إذا لم تكتب لي فقال له: ألهمك الله العدل ألهمك الله العدل، لم يزده على هذه الدعوة شيئاً، فلما رجع مصطفى باشا إلى الروم قيل له: من وجدت في الشام. قال: ما وجدت فيها غير رجلين الشيخ بدر الدين الغزي، والشيخ محمد الصمادي، وذكره ابن الحنبلي في تاريخه، وقال: أنه قدم حلب مرتين ثانيتهما سنة أربع وستين، ونزل بزاوية ابن المحتسب بالقرب من سويقة الحجار قادماً من الباب العالي منعماً عليه قال: وزرناه فإذا هو ذو استحضار لمناقب أجداده، وما لهم من الكرامات حسن السمت، لطيف العشرة قال: وذكر لي أن مسلماً جده ينتسب إلى سعيد بن جبير وأخرج لي: طبلاً من نحاس أصفر، وأخبر أنه الذي كان مع مسلم في فتح عكا انتهى.
قلت: وفي ذكره كذلك تلميح إلى خلاف ما استقر عليه الحال لأن من ثبوت نسب الصمادية في سادات الأشراف على عادة ابن الحنبلي، في التنكيت في تاريخه، ويمكن الجمع بين ما ذكره وما ذكرناه فان نسبة الشيخ مسلم جد الصمادية إلى جبير من قبل الأم. وأما المرة الأولى التي قدم فيها أبو مسلم حلب، فهي لما كان في صحبة والده ذاهباً أو راجعاً من الروم أيضاً، وفي تلك القدمة الأولى أنعم السلطان سليمان على الصمادية بمرتب على قرية كناكر من قرى وادي العجم من أعمال دمشق قدره في كل سنة ثمانون غرارة من الحنطة منها أربعون لزاويتهم، وفقرائها، ووردها، ومنها أربعون لذرية الشيخ محمد والد أبي مسلم، وهي باقية بأيديهم إلى الآن. وذكر ابن الحنبلي أن أبا مسلم لوح لهم في قدمته الأخيرة إلى حلب أنه عوقب بالروم لسر أفشاه عند إنكار المنكرين بإسهال دموي أشرف منه على الهلاك، فأري في منامه إنساناً يشبه أن يكون من أجداده، فوضع يده على وجهه قائلاً بسم الله الكافي بسم الله الشافي بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء، فلما كانت صبيحة تلك الليلة شفي - بإذن الله تعالى، انتهى.(1/360)
قلت: حكى لي غير واحد، وفي ذكري أني سمعته من الشيخ محمد بنفسه أنه لما كان في الروم مع أبيه امتحنهم بعض الوزراء فأضافهم، ووضع لهم طعاماً فيه لحم ميت، أو سم، فلما وضع السماط هم والده أن يأكل منه، فأخذت أبا مسلم حالة ظهرت عليه في المجلس، وقال لأبيه لا تأكل فإن الطعام مشغول، ثم قام أبو مسلم، وجعل يهريق الطعام، ويتلفه، فاعترف الوزير بالامتحان وجعل يعتذر إلى الشيخ، ويتلطف بأبي مسلم، ثم أمر لهم بالسماط المعد لهم حقيقة فأكلوا منه، وطابت نفوسهم، فلعل هذا السر الذي أفشاه أبو مسلم، فعوقب عليه بالإسهال كما ذكره ابن الحنبلي، وبلغني أن الشيخ محمد قال: لوالده أبي مسلم بعد هذه الكائنة يا ولدي للشيخ أبي مسلم كرامات كثيرة، وكان يكتب للناس حجباً، وحروزاً ويتبرك الناس بخطه ويقصدونه لذلك، وللاستيفاء بخطه الكريم، وبالجملة كان من أفراد الدهر. توفي رضي الله تعالى عنه ليلة الجمعة عاشر صفر الخير سنة أربع وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن بزاويتهم داخل باب الشاغور بعد أن صلوا عليه بالأموي، وحضر جنازته الأكابر والأصاغر، وتأسف الناس عليه كثيراً، وكانت دمشق قبل ذلك مزينة بثلاثة أيام لفتح تبريز وقيل في تاريخ وفاته رحمه الله تعالى:
لهف قلبي على الصمادي دوما ... الحسيب النسيب أعني محمد
مذ توفي أهل النهى أرخوه ... مات قطب من الرجاء ممجد
محمد بن محمد الحلبي
محمد بن محمد بن صدقة، الشيخ الفاضل البارع الأوحد شمس الدين المقرىء، الحلبي إمام جامع النصر بحلب، وأحد أئمة جامعها الكبير، وشيخ ورد ابن داود بعد العلامة السرميني، المشهور بابن الجردون. ذكره ابن الحنبلي، وقال: كان شيخاً معمراً، قليل الكلام، سليم اللسان. كتب صحيح البخاري بخطه، وقرأ منه شيئاً على البدر السيوفي سنة أربع وعشرين، وأجاز له، وتوفي سنة تسع بتقديم التاء وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد أبو الفتح المالكي
محمد بن محمد بن عبد السلام بن أحمد الشيخ الإمام العلامة، المفنن المدقق الفهامة، القاضي أبو الفتح الربعي التونسي الخروبي لإقامته بإقليم الخروب بدمشق المالكي، نزل دمشق قرأت بخط شيخ الإسلام والدي أن الشيخ أبا الفتح أخبره أن مولده كما وجد بخط أبيه مراراً، وقرأه مراراً ليلة الإثنين غرة شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعمائة، وذكر الشيخ إبراهيم بن كسبائي صاحبنا في بعض إجازاته لبعض من قرأ عليه أن مولد الشيخ أبي الفتح سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وهو خطأ بلا شك، ولعله قربه تقريباً، والصواب ما تقدم. دخل دمشق قديماً وهو شاب، وكان يتردد كثيراً إلى ضريح الشيخ محيي الدين بن العربي، وبلغني عن شيخ الإسلام شهاب الدين الطيبي إنه لما دخل دمشق دخل في صورة متصوف متدين، ثم تغيرت أحواله، وصدق عليه قول القائل:
أطعت الهوى عكس القضية ليتني ... خلقت كبيراً وانقلبت إلى الصغر
وذكره شيخ الإسلام الوالد في فهرست طلبته، وقال: قرأ علي في منهاج البيضاوي وشرح الألفية لابن عقيل، ثم تلون، وتقلب، وظهرت منه أشياء منكرة. قال: وغلب عليه الحمق، والسخف، وقلة العقل، ولكن ثم من طيشه على غير طائل من علم، أودين قال: وامتدحني بقصيدة طويلة انتهى.(1/361)
قلت: وحقيقة الشيخ أبي الفتح كما تلقينا ممن لقيناه، واشتهر عنه أنه كان فقيهاً أصولياً يفتي الناس على مذهبه، وفتاويه مقبولة، وله حرمة باسطة، ووجاهة ظاهرة، وكان علامة في النحو والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع والعروض، والمنطق، وأكثر العلوم العقليه والنقلية، وكان له الباع الطويل في الأدب، ونقد الشعر وشعره في غاية الحسن إلا أنه كان متكيفاً يأكل البرش والأفيون كثيراً لا يكاد يصحو منه، وربما قرأ الناس عليه في علوم شتى، وهو يشرد، فإذا فرغ القارىء من قراءته المقالة فتح عينيه، وقرر العبارة أحسن تقرير، وكان على مذهب الشعراء من التظاهر بمحبة الأشكال، والصور الحسنة حتى رمي، واتهم، وكان لا يتحاشى عن مخالطة المراد الحسان، وكان هجاء تتفق له النكات في هجائه، وفي شعره، ولو على نفسه، وكان مغالياً في نصرة القهوة المتخذة من البن غير منكر له وله فيها مقاطيع مشهورة، ولطائف غير منكورة، وربما كان يراجع الطلقات الثلاث، وكان يقع في حق العلماء، والأكابر، وإذا وصل إليه نوال من أحدهم مدحه، أو أثنى عليه، وكانوا يخافون من لسانه، ولي نيابة القضاء بالمحكمة الكبرى زماناً طويلاً مع الوظائف الدينية، وحمل عنه الناس العلم وانتفعوا به وأنبل من تخرج به في الشعر، والعربية العلامة درويش بن طالوا مفتي الحنفية بدمشق ومدرس السليمانية بها، وسلك طريقته فيما هو فيه، وكان الشيخ أبو الفتح المالكي حجته في كل ما يأتيه، وذكره ابن الحنبلي في تاريخه، وقال: قدم حلب سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، واتفقت بيننا، وبينه جمعية بجامعها، وشهدنا له محاضرة جيدة في فنون شتى قال وكان قد سألني يومئذ سؤالاً نحوياً رمزت إلى جوابه في المجلس، ثم أوضحته في هذه الأبيات وبعثت بها إليه:
أيا من له التحقيق في كل ما فن ... ومن شأنه الإتحاف من غير ما من
جوابك لي قد مر رمز جوابه ... لديك ،وقد شوهدت متقد الذهن
سألت عن التنوين في جمع حاجة ... أليس لتمكين على القطع لا الظن
وهل منع حاجات عن الصرف واقع ... ليمنع تمكيناً به صاحب الفن
وقد مر في المغني لنا غير مرة ... جوابك منقولاً وناهيك بالمغني
ومحصوله أنا وجدناه ثانياً ... وقد صير اسماً ذلك الجمع ياخدني
ولكنني مولاي مستشكل له ... وما لي صريح من جواب ولا مكني
أفقدك للتنوين من بعد موجب ... لمنعكه من قبل يا من له نعني
وهل مانع من أن يكون مقابلاً ... وتنوين تمكين معاً عند ذي ذهن
وهل مثبت التنكير في رجل له ... محيد عن التمكين كالسبب الحزن
كما أنه لا منع من جمع ذاكذا ... فلا منع فيما نحن فيه فقس وابن
وجد لي بشعر من قريضك ألقه ... عزيز عزيز المثل يا مقتدي معن
قلت: أنا أستحيي عن ابن الحنبلي في مقابلة الشيخ أبي الفتح المالكي، بمثل هذا الشعر وأبو الفتح يومئذ حائز قصبات السبق في الشعر الذي بلغ ببلاغته فيه النهايات، وزاحم فيه مثل ، أبي تمام، والبحتري، والمتنبي، وأبي العلاء، وابن قلاقس، وأبن نباتة وغيرهم طبقة بعد طبقة، كيف؟ وقد أورد له ابن الحنبلي الأبيات الآتية، فسبحان من قسم الأذواق كما قسم الأرزاق. قال ابن الحنبلي: ثم قدم حلب سنة إحدى وستين، والمقام الشريف السلطاني بها، فتولى تدريس دار الحديث الأشرفية بدمشق ، وعيب عليه ذلك لكونها شرط الواقف للشافعية قال: وهكذا عيب عليه ما انطوى عليه من شرب الخمر فما دونه، وتسليط الحشيشة على عقله والاختلاط بمنهي الغلمان جهراً من غير مبالاة بذلك نسأل الله تعالى العافية، وأورد له في مليح اسمه محمد بن حسام:
كم باسم والده على عشاقه ... يسطو فيا حزناه من أحداقه
ظبي ظبى ألحاظه قد جردت ... للفتك بالشاكين حول وطاقه
رشأ كحيل الطرف معسول اللما ... عذب المراشف آخذ بعناقه
يفتر. عن نظم الثريا ثغره ... وينوء بالجوزاء تحت نطاقه
إلى أن قال:
قسماً بصبح جبينه لو زار في ... جنح الدجى وسعى إلى مشتاقه(1/362)
لفرشت خذي في الطريق مقبلاً ... بفم الجفون مواطن استطراقه
ووهبت ما ملكت يدي لمبشري ... بلقاء حضرة منعم بوفاقه
وللشيخ أبي الفتح مؤرخاً عمارة الحمام الذي بناه مصطفى باشا تحت قلعة دمشق:
لما كملت عمارة الحمام ... وأزداد به حسن دمشق الشام
قالت طرباً وأرخت منشدة ... حمامك أصل راحة الأجسام
وله موالياً موجهاً بأسماء الكواكب السبعة: لك صدغ عقرب على مريخ خدك دب وقوس حاجبك دايم مشتريه الصب وكم أسد شمس حسنك يا قمر قد حب و العاذل الثور في زهرة جمالك سب وقال حاكياً للسان حال الجامع الأموي:
يقول على ما قيل جامع جلق ... ألم يك قاضي الشام عني مسؤولاً
تسلم للأعجام وقفي لأكله ... ويروى لهم عني كتاب ابن مأكولا
أبعد فتى السبكي أعطى لسيبك ... وبعد الأمام الزنكلو لزنكولا
أقاموه لي قرداً بشباك مشهد ... وضموا له قرداً على الرفض مجبولا
يثمل كل أكل مالي بأسره ... فلا بلغ الله الأعاجم مأمولا
وقال في جامع يلبغا وكان ملازماً للتردد إليه للتنزه:
كم نزهة في يلبغا تبتغي ... ومدرج لم يخل من دارج
يا حسنه من جامع جامع ... فاق على الزوراء من عالج
يموج في بركته ماؤها ... تحت منار ليس بالمايج
مأذنه قامت على بابه ... تشهد للداخل والخارج
وقال فيه :
إلى يلبغا فارق أعلى الدرج ... بشرقيه تلق باب الفرج
وخذ يمنة منه نحو الشمال ... تصادف هنالك باب الفرج
ومل مسرعاً نحو غربيه ... تجد باب عرف نسيم الأرج
ومن حوله عصبة لم تزل ... لها تحت سرحته مفترج
تقضي نفائس أوقاتها ... بأخبار من قد مضى أو درج
فإن كنت عن حالهم سائلاً ... فليس على مثلهم من حرج
ولما وقف الشيخ أبو الفتح على قول القائل:
هذه القهوة هذي ... هذه المنهي عنها
كيف تدعى بحرام ... وأنا أشرب منها
فقال:
أقول لقوم قهوة البن حرموا ... مقالة معلوم المقام فقيه
فلو وصفت شرعاً بأدنى كراهة ... لما شربت في مجلس أنا فيه
ومن لطائفه أنه سئل عن قائل هذا البيت:
لا ضر أحبابي ولا روعوا ... غبنا فما زاروا ولا ودعوا
فأخبر بقائله ثم أنشد على الوزن والقافية ارتجالاً:
يا من لصب بين أطلالهم ... يهيم لا يرقى له مدمع
ترحلوا فالدار من بعدهم ... لبعدهم أطلالالها بلقع
لا واخذ الرحمن من ضيعوا ... عهدي وإن خانوا وإن ضيعوا
نذرت أن عادوا لهم مهجتي ... هيهات ما في عودهم مطمع
وقال:
ألا لعن الله الخصاصة والفقرا ... فإن سواد الوجه بينهما يطرا
وما الذل إلا فيهما وعليهما ... وما العز إلا بالغنى وهو بي أحرى
ومن يك في الدنيا فقيراً ومعدما ... يجد من بينها المقت والصد والهجرا
فلا تك عن كسب الحطام بغافل ... لتبلغ في الدنيا السعادة والفخرا
وقال سائلاً:
يا أيها الفاضل أوضح لنا ... قضية صحت بلا مين
في رجل فاه بقذف امرىء ... فرتب الحد على اثنين
فأجاب عنه بقوله:
هذا فتى أغرى سدي عبده ... بقذف شخص طاهر العين
فالحد للسيد والعبد في ... قول صحيح عند عدلين
وقال وقرأت بخط العلامة درويش بن طالوا أنه قال في مرض موته:
مرحباً بالحمام ساعة يطرا ... ولو ابتز من مدى العمر شطرا
حبذا الارتحال من دار سوء ... نحن فيها في قبضة القهر أسرى
وإذا ما ارتحلت يا صاح عنها ... لا سقى الله بعدي الأرض قطرا
مات رحمه الله تعالى في سنة خمس وسبعين وتسعمائة ودفن في الفراديس وقال ماماي مؤرخاً وفاته:(1/363)
مذ عالم الدنيا قضى نحبه ... منتقلاً نحو جوار الإله
قد أغلق الفضل به بابه ... مؤرخاً مات أبو الفتح آه
وللشيخ ناصر الدين بن الكشك المعروف بابن أبي الحيل:
مات أبو الفتح إمام الورى ... يا ويح أهل الشام من بعده
ما زال قبل الموت يقري إلى ... أن ساقه الموت إلى لحده
مشتغلاً في العلم مستغرقاً ... أوقاته فيه وفي سرده
محمد بن محمد بن علوان
محمد بن محمد بن علي الشيخ الفاضل شمس الدين ابن الشيخ المحقق العارف بالله تعالى شمس الدين ابن سيدي علوان الحموي الشافعي قام مقام عمه الشيخ أبي الوفاء في المشيخة نحو سنة ومات في سنة أربع وثمانين وتسعمائة بحماة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن محمد المشرقي
محمد بن محمد علي الشيخ العلامة المعمر المسند الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الغزي، الأزهري، الشافعي المعروف بابن المشرقي ميلاده بغزة في أوائل صفر سنة تسعمائة أخذ عن القاضي زكريا، والشيخ عبد الحق السنباطي وقاضي القضاة الكمال الطويل، والجمال الصالحي، والشمس الدلجي، والشيخ شمس الدين الطحان والشهاب أحمد بن شعبان بن علي بن شعبان الأنصاري، والسيد كمال الدين بن حمزة وغيرهم، وأخذ عنه جماعة منهم الشيخ محمد بن كسبائي الحديث، وغيره وتوفي سنة ثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن الفرفور
محمد بن محمد بن أحمد القاضي ولي الدين ابن القاضي ولي الدين بن الفرفور كان ديناً مطاوعاً لأخيه القاضي عبد الرحمن، الآتي توفي يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة الحرام سنة أربع وثمانين وتسعمائة، ودفن بتربتهم جوار الشيخ أرسلان، وخلف ولدين أحدهما علي وكان أعلم مات صغيراً في بيت المقدس والثاني شهاب الدين أحمد الأطروش، وهو الآن من أفاضل دمشق قرأ علي شيئاً في النحو.
محمد بن محمد جودي زاده
محمد بن محمد بن الياس المولى الفاضل، والعلامة الكامل، قاضي القضاة محيي الدين. أحد موالي الروم المعروف بجوي زاده أحسن قضاة الدولة العثمانية، وأعفهم، وأصلحهم سيرة، وترقى في المدارس على عادة موالي الروم وولى قضاء دمشق، فدخلها في خامس عشر شهر صفر سنة سبع وسبعين وتسعمائة، وهي سنة ميلادي، وانفصل في ختام السنة عن قضاء دمشق، وأعطي قضاء مصر، ثم صار قاضياً بالعساكر، وفي آخر أمره صار مفتياً بالتخت السلطاني، وكانت سيرته في قضائه في غاية الحسن بحيث يضرب بها المثل، وكان عالماً فاضلاً، بارعاً، ديناً خيراً عفيفاً، كان رسم الحجة في دمشق قبل ولايته أربع عشرة قطعة، فجعله عشراً، وكان رسم الصورة ثماني قطع فجعله ستاً، ودام على ذلك، وأخذ بعض نوابه في بعض الوقائع ما زاد على ذلك، فرده على مالكه، وقرأ على شيخ الإسلام الوالد في أوائل الكتب الستة، وغير ذلك، وحضر بعض دروسه في التفسير والفقه، واستجازه فأجازه، وكان يفتخر بقراءته على الشيخ وأجازته. وكتب الشيخ له إجازة بخطه حافلة في يوم الاثنين رابع شعبان المكرم عام ثمانية وسبعين وتسعمائة، وأثنى عليه الشيخ في هذه الإجازة كثيراً، وقال فيها: وقد اجتمع بي في الشام حين وليه قاضياً، وكان بحمد الله في قيام الحق، ونصرة الدين سيفا ماضياً، وصار كل من أهل الصلاح به راضيا.
وهو والله عفيف نزه ... وله عرض مصون ما اتهم
وخبير بمداراة الورى ... ومداراة الورى أمر مهم
وكتب إليه شيخ الإسلام، وهو قاضي في دمشق في قضية من أبيات:
يا مفرد العصر في علم ومعرفة ... وعفة ما عهدناها لمن سلفا
ورفعة لمقام العلم مغترقا ... من نهلة ولأهل العلم معترفا
قد عز مقداره أيام دولتكم ... وزداد مع شرف فيه لكم شرفا(1/364)
وكان - رحمه الله تعالى - حليماً إلى الغاية إلا في أمر الدين، ومصالح المسلمين، فإنه كان صلباً يغضب لله تعالى منع نائبه الجالس ببابه أن يسمع دعاوي حكام السياسة، بل كان هو يسمعها بنفسه، ويبالغ في ردعهم، ويتوعدهم، وربما ضرب بعضهم بحيث قل الظلم في زمانه، وانكف الظلمة عن أمور كثيرة، وكان إذا شفع عنده أحد من الأكابر أظهر له قبول الشفاعة فإن خالفت الحق، والأنصاف تناساها، وأعرض عن ذكرها ولم يقبل من أحد هدية في مدة قضائه. ولما انفصل عن دمشق أمر منادياً ينادي يوم الجمعة بالجامع الأموي أن قاضي القضاة عزل عن دمشق، فمن أعطاه شيئاً، أو أخذ منه، أحد من جماعته شيئاً، أو تعدى عليه أحد من جماعته، فليرفع قصته إليه حتى يرد إليه ما انتزع منه، فرفعت الناس أصواتهم بالبكاء، والدعاء، وأظهروا التأسف عليه لعزله، وتمنوا لو دامت ولايته عليهم ولما ولي قضاء العساكر الأناطولية بعد محمد أفندي ابن معلول، وكان قد حصل لابن معلول صرع في الديوان بعد أن ولي قضاء العساكر الأناطولية سبعة أيام، فأخرج تدريس التقوية عن شيخ الإسلام الوالد للشيخ محمد الحجازي بسبب خنق كان عند ابن معلول، على شيخ الإسلام الوالد بسبب أن شيخ الإسلام لم يتردد إليه على عادة أهل دمشق، ولم يكن لشيخ الإسلام والدي عادة بذلك، فحقد عليه، فلما ولي قضاء العسكر أخرج في أول ولايته بمدرسة التقوية عنه فما بقي في قضاء العسكر سبعة أيام حتى جن في الديوان، فولى قاضي القضاة جوي زاده مكانه، وكان له مزيد اعتقاد في الوالد رحمه الله تعالى فلما ولي قضاء العسكر الأناطولي كان أول شيء عرضه على السلطان مراد رحمه الله تعالى تلخيص للوالد بثمانين عثمانياً، وكانت في يده قبل ذلك بسبعين عثمانياً وما بلغ أحد من موالي العرب في دولة بني عثمان ثمانين قبل المرحوم الوالد، وقال أبدأ بمدرسة شيخ الإسلام الشيخ بدر الدين تيمناً، وتبركاً، وكان حسن اعتقاده سبباً لرفعة مقامه حتى ولي قضاء العساكر الروم إيليه، وولي الإفتاء ودام في ولايته كلها على التعبد والتورع في طعامه، وشرابه، ولباسه، ومات وهو مفتي التخت العثماني ليلة الخميس سادس جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
محمد بن محمد البروسوي محمد بن محمد بن عمر الشيخ، محيي الدين الأنطاكي الأصل البروسوي المولد الحنفي. أحد أولاد منلا عرب الواعظ ولد في سنة عشرين وتسعمائة وكان ذكياً فاضلاً، فصيح العبارة، بديع المحاورة، له إلمام جيد بالتاريخ، وأشعار الناس طارحاً للتكلف على جلالة فيه دخل حلب فأكرمه قاضيها عبد الباقي أفندي ابن منلا عرب المشارك أبوه لأبيه في اللقب، ثم ذهب إلى الروم فأمر بإغراقه هناك لأمر ما، ثم نالته شفاعة فخلى سبيله، ثم ولي بعد مدة مديدة قضاء مصر فتوجه إليها من طريق البحر، فغرق به سنة تسع بتقديم التاء وستين وتسعمائة ذكره ابن الحنبلي، ولنا بيت لطيف في معنى ما وقع لصاحب الترجمة وهو
سبق القضاء بما أردت وقوعه ... لكنه في وقته سيكون
محمد بن محمد بن معلول
محمد بن محمد بن عبد القادر، أحد موالي الروم وابن أحد مواليها السيد الشريف قاضي القضاة ابن معلول. ولي قضاء الشام، وكلف الناس المبالغة في تعظيمه، وماتت له بنت، فصلى عليها شيخ الإسلام الوالد، وعزاه بالجامع الأموي، ولم يذهب معها لأنه حينئذ كان يؤثر العزلة، وعدم التردد إلى الحكام فحنق على الشيخ، ثم لما ولي مصر، ثم قضاء العسكر، وجه التقوية عن الوالد للشيخ محمد الحجازي المعروف بابن سماقة، ولم يكن حينئذ بذلك، وإنما راج على ابن معلول بالزايرجة وكان يقول له إن امرأتك حامل، وتلد ولداً اسمه محمد فإنه يكون المهدي فوضعت زوجته ولداً ذكراً وسماه محمداً، ثم سافر الحجازي إلى الروم، وبشره بأنه يتولى قضاء العسكر سبع عشر فتولاه سبعة عشر يوماً وكان في تلك المدة أخرج التقوية عن الشيخ للحجازي، فلما مضت تلك المدة جن ابن معلول، وأخذ من مجلس الديوان محمولاً وولي قضاء العسكر بعده جودي زاده، فأعاد التقوية إلى الشيخ، والقصة مشهورة، ثم ولي ابن معلول الإفتاء، ثم عزل عنه سريعاً، وأعطي نقابة الأشراف، ومات، وهو نقيب في سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة عن ثمان وخمسين سنة رحمه الله تعالى.(1/365)
محمد بن محمد البصروي
محمد بن محمد بن علي القاضي شمس ابن الشيخ الإمام العلامة جلال الدين البصروي. أحد أعيان العدول بالمحكمة الكبرى، و كان مقدماً في علم التوريق، وخطه ضعيف مات في المحرم سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، عن تسعين سنة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد العرة(1/366)
محمد بن محمد بن موسى ابن الشيخ علي العبد الصالح الزاهد، بل العارف المعروف بالعرة، الباقعي الحماري، الشافعي نزيل دمشق كان دسوقي الطريقة، وصحب سيدي محمد الأسدي الصفدي من أصحاب سيدي محمد بن عراق، وكان بينهما مصاهرة، أو قرابة، وكان الشيخ محمد العرة مواظباً على ذكر الله تعالى لا يفتر عنه طرفة عين، ووجهه مثل الورد يتهلل نوراً بحيث أن من رآه ذكر الله تعالى عند رؤيته، وعلم أنه من أولياء الله تعالى ويقال أنه رؤي بالموقف في جبل عرفات، وهو يومئذ بدمشق وكان في بدايته ذات يوم في بلدة حمارة من أعمال البقاع، فتحرك لحالة أخذته، وصاح فسمعه جماعة كانوا مجتمعين في مكان فقال: بعضهم ما هذا الصياح؟ فقال رجل منهم: هذا محمد العرة متحرك وكان في القوم رجل من الروم فقال الرومي والشيخ محمد العرة من أهل هذه البلدة قالوا نعم، فقال: حياه الله، فقالوا له من أين تعرفه، فقال: والله إني أعرفه من وقعة رودس، وأنا رأيته قدام السلطان سليمان بعيني رأسي، ثم قال لهم: أين يكون في هذا الوقت حتى نزوره، فقالوا له: في الجامع، فذهب الرومي إليه، وقبل يديه وأخذ خاطره، وذهب رجل يقال له عمر بن خضر من غزة البقاع إلى جبل لبنان في جماعة من البلد ليحتطبوا، والحال أن عمر بن خضر جنب، فبينا هم يقطعون الحطب إذا هاتف يهتف بهم يا أهل غزة جاءتكم العصاة، فهرب الجماعة، ورجعوا إلى غزه، فنظر عمر بن خضر فإذا الشيخ محمد بن العرة واقف على مزبلة هناك، وهو متحرك لحال ورد عليه فقال له: يا عمر تذهب إلى جبل لبنان، وأنت جنب ما تخاف من العصاة، فأخذ عمر يقبل يد الشيخ، ويبكي، ويقول تبت إلى الله تعالى يا سيدي، وحكى صاحبه الشيخ تقي الدين القربي الصوفي قال كان للشيخ محمد بن العرة محب سمان في السويقة المحروقة، فجاء إليه الشيخ، وقد أخذه الحال، وقال له: أطلع من هذا السوق فإنه يقع فامتثل الرجل أمره، وطلع من السوق، وأخلى الدكان فنصب في تلك المحلة بهلوان، وربط حبله في جملون السوق، وكان فوق السوق، وتحته رجال، ونساء، وأولاد ينظرون إلى البهلوان وكان الشيخ محمد العرة تحت الجملون في جملة الناس، وهو في حال عظيم، فوقع السوق على من تحته، وسقط كل من كان عليه، ولم يتأذ منهم أحد ببركة الشيخ، وكان الشيخ قد أخبر السمان المذكور بسقوط السوق قبل ذلك لعشرة أيام، وكان من معتقدي الشيخ محمد رجل مسافر في بلاد الدروز، فنذر الله عليه أن رجع إلى دمشق سالماً أن يعطي الشيخ محمد العرة شاشاً، فرجع فأصبح الشيخ محمد يدق باب الرجل، ويقول هات النذر، فدفعه إليه، وله كرامات كثيرة يعرفها من كان يعاشره، وأنا رأيته - رضي الله تعالى عنه - مراراً وكنت كلما وقع نظري عليه سررت، وعددتها نعمة، ولما وقع الجراد بدمشق في سنة ست وتسعين وتسعمائة، وجيء بطائر السمرمر الذي يقال إنه إذا كان في بلد طرد منها الجراد، وأمر الحاكم بخروج الناس، والصوفية، والمشايخ إلى لقائه، فدخلوا به من على سطح قاسيون من ناحية القابون حتى، وضعوه على قبة التكية السليمانية بالمرجة، فمررت مع الناس فرأيت الشيخ محمد العرة جالساً في الشرف الشمالي، وهو يلهج بذكر الله تعالى على عادته بحيث لا تسكن حركة لسانه، فعرفت أنه حمل حملة الناس في اللجاء إلى الله تعالى في رفع الجراد، وهلك بإذن الله تعالى الجراد في تلك السنة، وكنت أقول في نفسي: إذا رأيت الشيخ محمد العرة لو اطلعت على حال هذا الرجل في تأدية الصلوات وهل يلازم الجمعة، والجماعة لأنه كان خفياً في ظهوره يغلب عليه الصمت، ولا يصاحب الناس، وكنت أقول: إن عرفت منه هذه الحالة جزمت بأنه من إبدال الشام، وخواص أوليائها، فصليت بعد ذلك بشيء يسير صلاة الجمعة، وكان منتصف شعبان سنة أربع وتسعين وتسعمائة، فلما كان قبل الأذان، وإذا بالشيخ محمد العرة واقف إلى جانبي يجيب المؤذن حتى فرغ، فصلى تحية المسجد كما ينبغي، ثم جلس فلما شرع الخطيب في الخطبة سكن لسانه عن الذكر على خلاف عادته فعلمت أنه آثر الصمت على الاشتغال بالذكر، وهو المطلوب، والخطيب يخطب، ثم لاحظته في صلاة الجمعة، وفى الأوراد بعدها وصلاة السنة، ثم بقى جالساً حتى خرج الإمام من محرابه، فقام، وصافحني، وهو ينظر إلي مبتسماً كان يقول لي تحققت الحالة التي طلبت مني، فعظم حال هذا الرجل عندي، وهو ممن أرجو أن ألقى الله تعالى(1/367)
على محبته، واعتقاده - رضي الله تعالى عنه - وكانت وفاته في صبيحة يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين بتقديم التاء المثناة في الثلاثة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.ى محبته، واعتقاده - رضي الله تعالى عنه - وكانت وفاته في صبيحة يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين بتقديم التاء المثناة في الثلاثة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن محمد الزغبي
محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الله، الشيخ الصالح المجذوب الدمشقي، المعروف بالزغبي. كان سميناً طويل اللحية له شيبة بيضاء، وكان له ذوق ونكت، ولطائف على لسان القوم، وإشارات الصوفية، وكان قد صحب في طريق الله تعالى جماعة منهم الشيخ عمر العقيبي وكان لا يشكو إليه الخواطر على عادة الفقراء فشكى بعض الفقراء ذات يوم خاطراً إلى الشيخ عمر، وقال يا سيدي خاطر ما لنا نرى الشيخ محمد الزغبي لا يشكو إليك خاطراً فقال الشيخ عمر للزغبي يا شيخ محمد سمعت هذا الخاطر الذي شكاه هذا الفقير فيك. فقال: نعم، وأنا الآن أشكو إليك خاطراً خطر لي قول القائل:
يا بو علي الشكوى إليك مذلة ... واش تنفع الشكوى لمن لا يزيلها(1/368)
فالتفت الشيخ عمر إلى الفقراء، وقال: تعرضوا بعد هذا بالزغبي. وحدثني بعض إخواننا الصالحين قال: كنت مرة مع الزغبي بقرية برزة بالمقام، فسألته بماذا أعطي ما أعطي؟ قال: فقال لي: ما لك بهذا السؤال؟ فقلت: لا بد أن تخبرني، فقال يا ولدي ما نلت هذه الرغبة حتى سحت في البرية أربع عشرة سنة، وحكى لي أنه في بدء أمره، وحال تجرده وقف على جبل الربوة خارج دمشق عند المحل المعروف بالمنشان، فوثب منه إلى جبل المزة، وأنا أنظر، وكان الزغبي يحب أن يشرب الماء عن الرماد، ويصفه لكل من شكى إليه مرضاً أي مرض كان. وكان يقول: هو الصفوة، وكان منزله بمحلة القيميرية، وكان كل من دخل إليه يريه الكنيف، ويقول له هذا بيت المال يشير إلى أنه مرجع الدنيا وأموالها غالباً، وكان ربما ظهر عليه أشياء يخالف ظاهرها للشرع تستراً، وربما أمسك عن اللحم أحياناً، ونظر مرة إلى جزار يذبح جدياً، ولم يتلطف في ذبحه فأحس منه بالقسوة والجدي يصيح فتناول الشيخ الجزار، ونكس رأسه إلى أسفل ورفع رجليه وأوهمه أنه يريد أن يدخل عرقوبه في الكلاب المعد لتعليق الغنم المذبوحة من عراقيبها. وقال له: هذا ما هو مخلوق مثلك كيف لا ترحمه. حدثني عنه بذلك شيخنا فسح الله تعالى في مدنه، وكان لا يصلي ظاهراً بين الناس، وأخبرني شيخنا، وغيره أنه كان في أوقات الصلاة يصلي من حيث لا يرى، وأنه تغيب صورته لأنه كان من الأبدال، وقال له مرة: شيخ الإسلام شهاب الدين الطيبي إمام الجامع الأموي، وهو بالجامع يا شيخ محمد ما لك لا تصلي فقال: يا سيدي ما في الجامع موضع طاهر فقال له الشيخ الطيبي: كيف تقول ما في الجامع موضع طاهر قال: يا سيدي الشيخ لو كان في الجامع موضع طاهر ما كنت أنت إذا دخلت الجامع تلبس التاسومة، وإذا أردت الصلاة فرشت السجادة، وكان هذا عادة الشيخ تورعاً، فعرف الشيخ أنه أراد ممازحته، والتنكيت عليه فأعرض عنه ومر يوماً على كان الجزار بمحلة القيمرية وكانت تلك محلة الشيخ الطيبي أيضاً، فوجد الشيخ الطيبي واقفاً على الجزار. فقال الزغبي: للجزار يا معلم توص من هذا الشيخ فإنه يتصرف في الألوف من الناس، ويطاوعونه، ولا يتجرأ أحد منهم على مخالفته أن طأطأ رأسه طأطأوا معه، وأن رفع رأسه رفعوا معه، وحكي أنه دخل مرة على بعض القضاة بدمشق فقال: السلام عليك يا قاضي الشياطين، فغضب منه القاضي، فقال له: لا تغضب وأصبر حتى أتبين لك إذا كان لأحد عندي حق، فدفعته إليه، ولم أظلمه منه شيئا، أو كان لي عند أحد حق، فأعطاني حقي أترانا نجيء إليك حتى إذا أراد أحدنا أن يظلم الآخر، أو جحد شيئاً من حقه؟ أو استطال عليه جئنا إليك، فأنت لست بقاضي المحقين، وإنما أنت قاضي المبطلين، والشياطين، فسري عن القاضي، وانبسط معه، وحكى أن بعض القضاة حبسه بالبيمارستان، فابتلي القاضي بالقولنج تلك الليلة، فقيل له: هذا بسبب إساءتك إلى الزغبي، فبعث إلى البيمارستان ليلاً ليخرجه منه، فلما جاءوا إليه قال: لا أخرج أنا في ضيافة سيدي نور الدين الشهيد، والضيافة ثلاثة أيام فلم يخرج منه إلا بالجهد، فلما خرج زال العارض عن القاضي، فاعتقده بعد ذلك، واعتقدته بعض المخدرات، ورغبت في محبته فتزوجها، وسلكت على طريقته، وخرجت عن كل ما تملك، وغلب عليها الجذب، وكانت لا تحتجب، وتذهب معه حينما ذهب مسفرة، وكان هذا من جملة ما انتقد عليه، وحدثني السيد أبو الوفاء بن الحجار قال: دخلت على الزغبي مرة، فقلت لزوجته كيف حالك يا أمي؟ فقالت أعرف حالك أنت، ثم أسأل عن حالي قال: وسأله بعض الناس عن أسفار وجه زوجته فقرأ الآية " والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا " وكانت وفاة زوجته قبله في سنة سبع وسبعين وتسعمائة - بتقديم السين في الأوليين - بقرية حرستا، ودفنت هناك، وحدثني السيد وفاء قال: لما ماتت زوجة الزغبي سمعته يقول تقدمتنا الحاجة، واتسعنا لحزنها ولو تقدمناها ما وسعت حزننا، وحدثني صاحبنا العبد الصالح العارف بالله تعالى أبو بكر الديماسي، وكان أحسن جماعة الزغبي محافظاً على الصلوات في الجماعات، والجمعات، والأوراد والأذكار من البكائين من خشية الله تعالى أن الشيخ محمد الزغبي ما كان يترك الصلاة ولكنه كان يصلي في أماكن لا يطلع الناس عليه فيها، وكان هذا الرجل هو السبب في حسن اعتقادي في الزغبي، فإنا نعتقد أن الشيخ أبا بكر المذكور(1/369)
كان من كبار الأولياء وحكي عن الشيخ علي بن عبد الرحيم الصالحي قال: كنت مع الشيخ محمد الزغبي قبل أن يموت بسنة في الصالحية حتى إذا وصلنا إلى الزقاق الذي يذهب منه ضريح الشيخ أبي بكر بن قوام غربي الصالحية فقال: لا إله إلا الله أن لنا هنا حبسة طويلة، وأشار إلى المقبرة التي بالسفح في الجهة المذكورة قال: فما زلت متفكراً في مقالته حتى توفي ودفن هناك، وكانت وفاته في سنة ثمان وسبعين بتقديم السين وتسعمائة أو قبلها بيسير أو بعد بيسير. وقيل إن يوم موته وافق يوم فتح قبرص رحمه الله تعالى رحمه واسعة.كان من كبار الأولياء وحكي عن الشيخ علي بن عبد الرحيم الصالحي قال: كنت مع الشيخ محمد الزغبي قبل أن يموت بسنة في الصالحية حتى إذا وصلنا إلى الزقاق الذي يذهب منه ضريح الشيخ أبي بكر بن قوام غربي الصالحية فقال: لا إله إلا الله أن لنا هنا حبسة طويلة، وأشار إلى المقبرة التي بالسفح في الجهة المذكورة قال: فما زلت متفكراً في مقالته حتى توفي ودفن هناك، وكانت وفاته في سنة ثمان وسبعين بتقديم السين وتسعمائة أو قبلها بيسير أو بعد بيسير. وقيل إن يوم موته وافق يوم فتح قبرص رحمه الله تعالى رحمه واسعة.
محمد بن محمد المولى أبو السعود
محمد بن محمد الإمام العلامة، المحقق المدقق الفهامة، العلم الراسخ، والطود الشامخ، المولى أبو السعود العمادي الحنفي مفتي التخت السلطاني وهو أعظم موالي الروم، وأفضلهم لم يكن له نظير في زمانه في العلم، والرئاسة، والديانة أخذ عن علماء عصره منهم العلامة المولى قادري جلبي، وترقى في التداريس، والمناصب حتى ولي الإفتاء الأعظم، وألف المؤلفات الحافلة منها التفسير المشهور المسمى بالإرشاد جمع فيه ما في تفسير البيضاوي، زاد فيه زيادات حسنة من تفسير القرطبي، والثعلبي والواحدي، والبغوي، وغيرها، وله كتاب جمع فيه بعض ملازميه جملة صالحة من فتاويه، وله القصيدة المشهورة التي أولها:
أبعد سليمى مطلب ومرام ... ودون هواها لوعة وغرام
وفوق حماها ملجأ ومثابة ... ودون ذراها موقف ومقام
وهي مشهورة من محاسنها قوله فيه:
فكم عشرة ما أورثت غير عسرة ... ورب كلام مقتضاه كلام
وقد خدمها الأفاضل، فمنهم من خمسها، ومنهم من شرحها، وقد اتفق لنا رواية هذه القصيدة، وغيرها من كلامه، ورواية تفسيره الحافل عن أحد تلاميذه العلامة السيد الشريف المولى محمد المعروف بالسعودي قاضي حلب، وآمد، وغيرها حين قدم علينا دمشق سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، وكان المولى أبو السعود عالماً عاملاً، وإماماً كاملاً شديد التحري في فتاويه حسن الكتابة عليها، وقدراً مهيباً حسن المجاورة، وافر الأنصاف ديناً خيراً سالماً مما ابتلي به كثير من موالي الروم من أكل المكيفات، سالم الفطنة جيد القريحة، لطيف العبارة، حلو النادرة، سئل عن شخص لا هو مريض، ولا صحيح ولا حي، ولا ميت، ولا عاقل، ولا مجنون، ولا نائم، ولا يقظان، فأجاب بقوله إن كان لهذا وجود فهو الترياقي وسئل عن شرب القهوة قبل أن يكمل اشتهارها بعدما قرر له اجتماع الفسقة على شربها، فأجاب بقوله ما أكب أهل الفجور على تعاطيه، فينبغي أن يجتنبه من يخشى الله، ويتقيه، وهذا ليس فيه تصريح بتحريمها، بل يقتضي أن الأولى تركها حذراً من التشبه بالفجار، والكلام في القهوة الآن قد انتهى الاتفاق على حلها في نفسها وأما اجتماع الفسقة على إدارتها على الملاهي، والملاعب، وعلى الغيبة، والنميمة فإنه حرام بلا شك وقد أجبت عن سؤال صورته.
أيها الفاضل الذي جمع العلم ... وحاز التقى فأصبح قدوة
أفتنا أنت هل تقول حلال أم ... حرام على الورى شرب قهوة
فقلت:
أيها السائل الذي جاء يرجو ... عندنا أن نبيحه شرب قهوه
قهوة البن لا تكون حراماً ... إنها لا تفيد في النفس نشوه
غير أن الذي يجيء بيوتاً ... هي فيها تدار عادم نخوه
إذ يرى المرد والمعازف والنرد ... وكل يلهو فيبلغ لهوه
ثم لم يقو أن يغير نكرأ ... خشية أن يعد ذلك هفوه
أو يجيبوه بالإهانة والسوء ... ويجفونه بأعظم جفوه(1/370)
أويخلي شيطانه لهواه ... لهوه في تلك البيوت ولغوه
معرضاً عن رشاده وتقاه ... سالياً عن صلاته أي سلوه
كل هذا مخالف لطريق ... خطه المصطفى وعرج نحوه
فأجتنبه ودع طوائف تدعوك ... إليه ولو باكد دعوه
لا تطعهم ولو رضوا منك خطوة ... فتطيع الرجيم في كل خطوه
وإذا شئت شرب قهوة بن ... حسوة قد أردت أو ألف حسوه
فليكن ذاك وسط بيتك مهما ... لم تشب صفوها بموجب صبوه
واذكر الله أولاً وأخيراً ... وتوثق منه بأوثق عروة
قاله ابن الغزي نجم ابن بدر ... يرتجي من رب البرية عفوه
أخبرني شيخنا القاضي محب الدين الحنفي العلامة أن المفتي أبا السعود - رحمه الله تعالى - توفي بالقسطنطينية في الثلث الأخير من ليلة الأحد خامس جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة وكانت جنازته حافلة وصلي عليه في حرم جامع السلطان محمد الكبير في ملأ عظيم، وجمع كثير، وتقدم للصلاة عليه فخر الموالي سنان، ودفن بمقبرته التي أنشأها بالقرب من تربة سيدي أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
محمد بن محمد بن ولي الدين الفرفور
محمد بن محمد بن أحمد القاضي ولي الدين ابن قاضي القضاة، ولي الدين بن الفرفور والد الشيخ أحمد بن الفرفور الموجود الآن الأطروش مات يوم السبت ثالث عشر ذي الحجة سنة أربع وثمانين وتسعمائة ودفن عند رجلي أبيه - رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن القاصوني
محمد بن محمد المولى بدر الدين القاصوني رئيس الأطبة بإسلام بول مات في سنة خمس وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد بن محمد بن الدهان
محمد بن محمد القاضي رضي الدين ابن الشيخ محب الدين بن الدهان. الحنفي قاضي الديوان بمصر اجتمع هو، وأبوه بشيخ الإسلام الوالد حين كان بمصر سنة اثنتين وخمسين، وأشار الشعراوي إلى أنهما كانا في سنة إحدى وستين في الأحياء.
محمد بن محمد الأيجي
محمد بن محمد الشيخ الإمام، العلامة، العارف بالله تعالى شمس الدين، أبو النعمان بن كريم الدين الأيجي العجمي، الشافعي، الصالحي نزيل صالحية دمشق قدم دمشق، وهو شاب في سنة عشرين وتسعمائة، وصحب سيدي محمد بن عراق سنين كثيرة، وتعانى عنده المجاهدات، واشتغل بالعلم قبل أن يدخل بلاد الشام، وبعده على الشيخ الصفوي الأيجي، وغيره، وكان له يد في المعقولات، وولي تدريس الشامية عن شيخ الإسلام الوالد بعدما كان بينهما من المودة، والصحبة ما لا يوصف، وانتقد على الأيجي ذلك، وعوض الله تعالى على شيخ الإسلام الوالد بأحسن منها، وكان الشيخ محمد الأيجي ملازماً على الأوراد، والعبادات أماراً بالمعروف نهاء عن المنكر، وكان يتردد إلى الحكام، وغيرهم لقضاء حوائج الناس، والشفاعة فيمن يحتاج إليها عندهم، وسافر إلى الروم في قصة هي أن يهودياً سب الجناب الرفيع صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى باب السلطان سليمان - رحمه الله تعالى - وذكر ثمة أنه هاجر من دياره إلى ديار العرب فراراً من سب الصحابة، فكيف؟ يقع في بلاد أهل السنة، والجماعة بسب جنابه صلى الله عليه وسلم من يهودي، فأحضر اليهودي، فأسلم اضطراراً قال(1/371)
فقلت لأركان الدولة إن إسلامه غير صحيح فقالوا ما لنا إلا الظاهر، والأثر كذلك، فما مضى زمان إلا، ومضى اليهودي إلى بلاد النصارى، وأظهر يهوديته، ثم سافر مرة أخرى في سنة أربع وستين إلى الروم بسبب فتنة أبي اليسر البغدادي الذي كان قاطناً بصالحية دمشق، وكان قد شهد عليه أهل محلته، بأنه مأوى اللصوص، وأخذ خط الأيجي بالحيلة بأنه كذلك فذهب أبو اليسر خفية إلى بلاد الروم، فبعث الباشا خلفه بما سجل عليه، ومعه خط الأيجي إلى الروم فلما شكى أبو اليسر بالديوان قصته، وذكر أنه مظلوم، وأنه من جماعة الأيجي فقيل له: أترضى ما يقوله الأيجي، فإذا هو قد قدح فيه باللصوصية، فصلب من ساعته وكان الباشا قد عرض في الأيجي بسبب ذلك، فلما بلغ الأيجي ذلك خرج من دمشق إلى بلد الروم، وعرض أمره هناك، وشهد فيه قاضيا دمشق سابقاً سنان جلبي، وعبد الكريم زاده، وأعطي تدريس الأسدية الجوانية بحلب، ثم عاد إلى دمشق، واستقر أمره بها ذكر ذلك ابن الحنبلي، وحط من مقام الأيجي كثيراً على عادته، وقد حدثني الشيخ محمد التليلي الحنبلي، فقيه التليل من البقاع، ونحن عند عين العابد في جبل لبنان، أن رجلاً من أعيان صفد قال: سافرت في شيبتي إلى دمشق في تجارة فقبضت مرة خمسين ديناراً ذهباً، ثم ذهبت إلى منزلي في آخر النهار، فعرض لي رجل كأنه رآني حين قبضت المال، فسلم علي سلام من يعرفني، ويعرف أبي، وعشيرتي، وادعى قدم المودة بين أبي وبينه، وحلف علي أن أذهب معه، وأكون في ضيافته تلك الليلة قال فما وسعني إلا أني ذهبت معه، فخرج بي من ناحية العمارة، فما شعرت إلا وأنا معه في مقبرة هناك يعني مقبرة الفراديس، فنظرت يميناً وشمالاً، فما رأيت هناك أحداً، ونظرت إلى الشمس فإذا هي قد غربت قال: فما وسعني أن أظهر له أني تريبت منه، وسألته عن بيته فقال: ههنا قريب قال: فمشينا حتى تجاوزنا المقبرة، والطواحين بالقرب منها، فرأيت نفسي بين البساتين، وقد دخل الليل، ولم يمكنني الفرار لأني لم أعرف كيف أذهب؟ قال: فما مشينا غير ساعة، فلقينا جماعة من اللصوص فأهلوني، ورحبوا بي، وتكلم هو معهم بكلام ما فهمته غير أني تريبت منهم، وسقط في يدي، وأيقنت بأني مقتول قال: فجعلت أتلطف بهم، وهم يقولون لي لا تخف تكون معنا الليلة على أكل وشرب قال: وذهبوا بي يريدون مكاناً يستقر فيه أمرهم على ما يصنعون بي، فبينما هم ماشون وأنا معهم في أسوأ حال إذا بجماعة صادفوهم، فتعارفوا، وتسالموا، وفي الجماعة التي لقيناهم شيخ موقر. التفت إلى الجماعة التي أنا معهم، فسماهم بأسمائهم. وقال: يا فاعلون من هذا الذي معكم؟ فقالوا: هذا ضيف معنا فقال الشيخ: نحن أحق بضيافته منكم، وشتمهم، واستخلصني منهم، ثم سار هذا الشيخ هو، وجماعته، وأنا معهم، والشيخ يسكن خاطري، ويقول كيف صار لك حتى وقعت في أيدي هؤلاء الفاعلين الصانعين ما أرادوا إلا قتلك، وأخذ أمتعتك فذكرت له قصتي وسرنا ساعة، واذا نحن صاعدون جبلاً فيه أشجار كثيرة، فانتهينا إلى عين ماء، وإذا جماعة هناك قاموا إلى لقائنا، وصافحوا ذلك الشيخ، وقبلوا يده، وسلموا على من معه، ثم جلس في أوسطهم، وقعدوا يذكرون الله تعالى، ويتذاكرون إلى الصباح، فتوضأوا، وصلى ذلك الشيخ الفجر بهم إماماً، ثم ودع بعضهم بعضاً، ورجع الشيخ بجماعته، ومشى بنا نحو ساعة فما تعارفت الوجوه إلا، ونحن بصالحية دمشق، فودعني الشيخ، وقال لي يا ولدي لا تعد إلى مثلها، ولا تطرف بنفسك بعد ذلك، وانصرف، وتفرقت عنه جماعته، فلما فارقنا الشيخ رافقني رجل منهم، فسألته عن الشيخ، وعن المكان الذي كنا نحن فيه فقال لي: هذا هو الشيخ الأيجي، وهذه الصالحية، وبيت الشيخ الأيجي بها، والمكان الذي كنا فيه مصلى الصالحين عند عين العابد من جبل لبنان، وهو عن دمشق مرحلتان، والجماعة التي أخذوك. اللصوص، والشيخ يعرفهم، واحداً واحداً، وقد أنقذك الله تعالى منهم ببركة الشيخ، وهذه القصة من لطائف القصص، وهي كافية في تعريف مقام الشيخ الأيجي، رحمه الله تعالى. وكانت وفاته يوم الجمعة بعد الصلاة عاشر جمادى الأولى سنة خمس وثمانين وتسعمائة، ووقف على غسله قاضي القضاة حسين جلبي ابن قرا قاضي قضاة دمشق وصلى عليه بجامع الحنابلة هو، ونائب الشام حسن باشا ابن الوزير محمد باشا، ودفن من الغد بمنزله بسفح قاسيون رحمه الله تعالى رحمة(1/372)
واسعة..
محمد بن محمد بن عماد الدين
محمد بن محمد الشيخ الإمام العلامة، الأوحد المدقق، الفهامة، الشيخ عماد الدين الدمشقي الحنفي العنابي الصالحي الأصل مولده في سنة سبع بتقديم السين وثلاثين وتسعمائة. قرأ في النحو، والعروض، والتجويد على الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين الطيبي المقرئ، والمقولات على الشيخ الإمام العلامة أبي الفتح السبستري وعلى الشيخ الإمام العلامة علاء الدين بن عماد الدين رفيقاً عليهما للشيخ إسماعيل النابلسي، والشيخ ابن المنقار والأسد والشيخ محمد الصالحي، وغيرهم وقرأ في الفقه على الشيخ العلامة الخطيب نجم الدين البهنسي، وتوفي قبله، وعلى غيره، وبرع في العربية، وغيرها، وتصدر للتدريس بالجامع الأموي، ودرس بالريحانية، والجوهرية والخاتونية، والناصرية، ومات عنها، وقصده للقراءة عليه الفضلاء وتردد إليه النواب وغيرهم، وكان حسن الأخلاق ودوداً، وكان في ابتداء أمره فقيراً، ثم حصل دنيا، ونال وجاهة، وثروة، ولم يتزوج حتى بلغ نحو أربعين سنة، وكان حسن الشكل، لطيف الذات جميل المعاشرة، خفيف الروح، وعنده عقل، وشرف نفس، وكان يدرس في التفسير، وغيره وانتفعت به الطلبة منهم الفاضل إبراهيم بن محمد بن مسعود بن محب الدين، والشيخ تاج الدين القطان، والشيخ الفاضل البارع العلامة بدر الدين حسن البوريني، والشيخ الفاضل الشمس محمد بن فواز وغيرهم وله شعر لطيف منه قوله في صدر مطالعة مضمناً:
على ذاتكم مني سلام مؤبد ... وأزكى تحيات تضوع طيبها
وإني لمشتاق لطلعة أنسكم ... هوى كل نفس أين حل حبيبها
وله معمى في عمر:
ولم أنس إذ زار منيتي ... عشية عنا الرقيب احتبس
فمن فرحتي رحت أتلو الضحى ... وحاسدنا مر يتلو عبس
وله معمى في علي:
قد زارني من أحب ليلاً ... بطلعة البدر والكمال
وبت منه بطيب عيش ... أوله بالهنا وفالي
وله:
لما رأى عاذلي حبيبي ... والشمس تهوى له وتسجد
قال أهدني الوصل قد ضللنا ... يا رب حسن إياك نعبد
وعندي في هذا الإقتباس نظر وأقول:
سبحان من بجماله سبحانه ... أعنو ولست لغيره ما عشت أسجد
توحيده ديني بإخلاص له ... لا لا أقول لغيره إياك نعبد
وقرأت بخط العلامة الشيخ محمد بن داود المقدسي، الشافعي، قال أنشدني الشيخ عماد الدين من لفظه في مليح بملحه التعديل:
إياك والتعديل لا تمرر به ... وحذار من ظبي هناك كحيل
ما زال يجرح من رآه بطرفه ... فتوق شر الجرح والتعديل
وله:
وحق من بالجمال زينه ... وصانه عن شوائب الكدر
ما بيننا ريبة نشان بها ... وليس غير الحديث والنظر
وله في القهوة:
هذه القهوة الحلال أتتكم ... تتهادى والطيب يعبق منها
سودوها على الحرام بحل ... وأماطوا غوائل الغول عنها
وقال:
كن إلى الله راجعاً عن قريب ... وأفعل الخير واخش يوماً عسيرا
وإلى كم تعصى الإله وهذا ... زمن الشيب قد أتاك نذيرا
توفي ليلة الإثنين ثاني عشر شعبان سنة ست وثمانين وتسعمائة، وصلي عليه من الغد بجامع دمشق، ودفن في مقبرة باب توما جوار الشيخ أرسلان، وهو والد أخينا العلامة الفاضل البارع زين الدين عبد الرحمن الحنفي مدرس الشبلية الآن.
محمد بن محمد بن أبي الفضل القصير
محمد بن محمد بن أبي الفضل ابن الإمام القاضي، نجم الدين بن أبي الفضل الشافعي القصير أحد العدول بدمشق كان يتسبب بسوق الدهشة، ثم شهد بمحكمة الصالحية، وصار رئيسها، ثم بالمحكمة الكبرى و صار رئيسها أيضاً، وناب في القضاء بالميدان، وبالكبرى، ثم ترك النيابة، وعاد إلى الشهادة، واستمر إلى أن ضعف بصره، ورق جسده، وضعف عن الحركة، وانقطع بمنزله نحو تسعة أشهر، ثم مات في سنة تسع وتسعين وتسعمائة بتقديم المثناة في الثلاثة ودفن بالصالحية، وكانت صبيحته في مسجد هشام رحمه الله تعالى.
محمد بن إبراهيم الشغري(1/373)
محمد بن إبراهيم بن محمد الشيخ العالم شمس الدين الشغري ثم الرومي، ثم اللادقي، ثم الحلبي الشافعي الحلواني أشغله والده، وهو خطيب جامع الروضة من معاملة الشغر في طلب العلم، فقرأ النحو على الشيخ، إبراهيم الخانوتي، والفقه على الشيخ داود القصيري، وتفقه بحلب على البرهان العماري، والشيخ عبد الرحمن بن القصاب، وكان له إفراط ذكاء، وقوة حفظ، وكان يستحضر شرح البهجة للقاضي زكريا طالعه مرة واحدة فعلق بذهنه، وأخذ الطريق عن الشيخ أحمد بن عبدو القصيري، ثم أشغل الطلبة باللاذقية، واعتقد أهلها لصلاحه، ونورانية شكله، ولعله مات في هذه الطبقة، وكان موجوداً في سنة أربع وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن إبراهيم المعروف بابن الحنبلي
محمد بن إبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن، الشيخ الإمام العلامة، المحقق المدقق الفهامة، أبو عبد الله رضي الدين المعروف بابن الحنبلي الحنفي أخذ عن الحناجري، والبرهان، وعن أبيه، وآخرين، وقد استوفي مشايخه في تاريخه، وحج سنة أربع وخمسين وتسعمائة، ودخل دمشق، وكان بارعاً مفنناً انتفع عليه جماعة من الأفاضل كشيخنا شيخ الإسلام محمود البيلوني، وشيخ الإسلام بدمشق شمس الدين بن المنقار، والعلامة البارع، المحقق سيدي أحمد بن المنلا، واجتمع به شيخنا شيخ الإسلام القاضي محب الدين، وأخذ عنه، وأخبرني عنه أنه كان إذا عرض له آية يستشهد بها في تصانيفه جاء إلى تلميذه الشيخ محمود البيلوني، وقد فضل في حياته، وكان يحفظ القرآن العظيم، فيجيء ابن الحنبلي إلى محل درسه بمدرسته بحلب، ويسأله عن الآية فيكتبها من حفظه، وله مؤلفات في عدة فنون منها حاشية على شرح تصريف العزي للتفتازاني وشرح على النزهة في الحساب والكنز المظهر، في حل المضمر، و مخائل الملاحة في مسائل الفلاحة، و سرح المقلتين، في مسح القبلتين، وكنز من حاجى وعمى، في الأحاجي والمعمى، ودر الحبب في تاريخ حلب، ونظم الشعر، إلا أن شعره ليس بجيد لا يخفى ما فيه من التكليف على من له أدنى ذوق فمنه قوله مضمناً:
بالله أن نشوات شمطاء الهوى ... نشأت فكن للناس أعظم ناس
متغزلاً في هالك بجماله ... بل فاتك بقوامه المياس
وأشرب مدامة حب حب وجهه ... كأس ودع نشوات خمر الطاس
وإذا شربت من المدام وشربها ... فاجعل حديثك كله في الكاس
وقال، وقد سمع عليه قوم منهم ابن المنلا كتاب الشمائل للترمذي:
يا من لمضطرم الأوام ... حديثه المروي ري
أروي شمائلك العظام ... لرفقة حضروا لدي
علي أنال شفاعة ... تسدي لدى العقبى إلي
إذا شفعت لذنبه ... ولأنت لم تنعت بلي
حاشا شمائلك اللطيفة ... أن ترى عوناً علي
توفي يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، ودفن بمقابر الصالحين بالقرب من قبر الشيخ الزاهد محمد الخاتوني بين قبريهما نحو عشرة أذرع، وورد الخبر بموته إلى دمشق في آخر جمادى المذكور.
محمد بن إبراهيم ابن عم العيثاوي
محمد بن إبراهيم الشيخ الفاضل الصالح شمس الدين ابن عم شيخنا العيثاوي كان إماماً بعد والده بمدرسة تنبك الحسني بمحلة ميدان الحصا قال عمه: وكان ورعاً متقللاً من الدنيا توفي في صفر سنة سبعين وتسعمائة، و دفن بمقبرة الجورة على والده رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد الصفدي بن الحمراوي
محمد بن أحمد بن يوسف بن أبي بكر القاضي كمال الدين ابن القاضي شهاب الدين الزبيدي، الصفدي، ثم الدمشقي الحنفي الشهير بابن الحمراوي: قال والدي: حضر كثيراً من دروسي، وذكر أن مولده سنة تسع وتسعمائة انتهى.(1/374)
وتولى القاضي المذكور، وظائف متعددة كنظر النظار، ونظر الجامع الأموي والحرمين الشريفين، وكان الحرب بينه وبين السيد تاج الدين، وولده محمود قائمة، وكان هو المؤيد عليهما، وكان من رؤساء دمشق، وأعيانها المعدودين جواداً له في كل يوم أول النهار، و آخره مائدة توضع بألوان الأطعمة المفتخرة، وكان ذا مهابة، وحشمة، ووجاهة لا ترد شفاعته في قليل، ولا كثير، وكان ينفع الناس بجاهه، وكان يكرم القادمين إلى دمشق من أعيان أهل البلاد، ويقربهم، ويحتفل لضيافتهم، وكان يتردد إليه الفضلاء، والأعيان وكان باب الخضر الذي يمر منه إلى الطواقية أضيق منه الآن، فوسعه من ماله، وكان باب الخضرة، والحياكين، يقفلان من آذان المغرب، فلا يفتحان إلى طلوع الشمس من اليوم الثاني، وكان يتضرر بذلك أهل تلك المحلات إذا أرادوا الصلاة في الجامع ذهبوا في طريق بعيد، فاستأذن القاضي كمال الدين قاضي قضاة البلد في عمل قوس حجر، وباب يقفل على سوق الذراع من آخر سوق الحياكين، وأن يفتح باب الخضراء، والحياكين من وقت آذان الصبح، فلا يقفلان حتى يفرغ من الصلاة الثانية من صلاة العشاء، فأذن له ففعل، وصرف على ذلك من ماله، وللشعراء عنه مدائح كابن صدقة، وغيره، وتوفي كما قرأت بخط الطيبي نهار الإثنين رابع عشر ربيع الأول سنة ست وسبعين وتسعمائة وصلي عليه بالجامع الأموي، ودفن بباب الصغير ثاني يوم نهار الثلاثاء قرب الظهر رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد النهرواني
محمد بن أحمد علاء الدين بن محمد بن قاضي خان بن بهاء الدين بن يعقوب بن حسن بن علي النهرواني الشيخ الإمام العلامة، المحقق المدقق الفهامة، الشيخ قطب ابن الشيخ العلاء علاء الدين النهرواني الأصل الهندي، ثم المكي الحنفي، وما أوردته في نسبه هو ما قرأته بخطه في استدعائه لشيخ الإسلام الوالد، ووقع في تاريخ ابن الحنبلي أنه محمد بن علي بن محمد بن عبد الله، وهو غلط لأنه أمس بمعرفة نسبه، وكان ابن الحنبلي أخذ تسمية أبيه بعلي من لقبه علاء الدين، وذكر ابن الحنبلي أيضاً أنه مشهور بالشيخ قطب الدين الهندي، مولده سنة سبع عشرة وتسعمائة كما قرأته بخطه وأكبر من حدث عنه من المسندين الشيخ عبد الحق السنباطي، ومن أعظم مشايخه والده والشيخ محمد. التونسي، والشيخ ناصر الدين اللقاني، والشيخ أحمد بن يونس بن الشلبي، والشيخ جمال الدين الجرياني، واجتمع بشيخ الإسلام الوالد بمكة، وبالشام ثم كتب إليه استدعاء في سنة سبع وسبعين وتسعمائة ليجيزه، ويجيز أولاده، فكتب إليه بإجازة حافلة، وتقع لنا الرواية عنه من طريق شيخنا المرحوم الشيخ زين الدين ابن سلطان الحنفي فإنه اجتمع بمكة، وأخذ عنه، ولما دخل دمشق عازماً على السفر إلى الروم نزل بحارة القراماني تحت قلعة دمشق، وإضافة شيخ الإسلام الوالد، ثم العلامة الشيخ علاء الدين بن عماد الدين، ثم القاضي كمال الدين الحمراوي، وذكره ابن الحنبلي في تاريخه، وأثنى عليه قال: وألم باللغتين التركية والفارسية، ومن مؤلفاته طبقات الحنفية احترقت في جملة كتبه قلت ووقفت له على تاريخ كتبه لمكة المشرفة، وكان بارعاً مفنناً في الفقه، والتفسير، والعربية، ونظم الشعر ونظمه في غاية الرقة منه الزائية المشهورة عنه:
أقبل كالغصن حين يهتز ... في حلل دون لطفها الخز
مهفهف القد ذو محيا ... بعارض الخد قد تطرز
دار جديه واو صدغ ... والصاد من لحظه تلوز
الخمر والجمر من الماء ... وخده ظاهر وملغز
يشكو له الخصر جور ردف ... أثقله حمله وأعجز
طلبت منه شفاء سقمي ... فقال لحظي لذاك أعوز
قد غفر الله ذنب دهر ... لمثل هذا المليح أبرز
حز فؤادي بسيف لحظ ... أواه لو دام ذلك الحز
أفديه من أغيد مليح ... بالحسن في عصره تميز
كان نديمي فمذ رآني ... أسيره في الهوى تعزز
يا قطب لا تسل عن هواه ... وأثبت وكن في هواه مركز
قال الحنبلي وقد نسجنا على منواله فقلنا:
ما لفتى للجمال أبرز ... فقد فتن العالم المميز
أوقعه في هوى هواه ... وكل عز عليه قد عز(1/375)
وصار من طرفه سقيما ... إذ صح منه الهوى المجوز
وعاد من خصره نحيلا ... بلون أهل الهوى تطرز
وصار تعروه هزة من ... ذكراه للقد حين يهتز
وهو على الذل لا يبالي ... فتكأ من الحب إذ تعزز
يا قوم لا تنكروا احتمالي ... من لخلال الجمال أحرز
أن جزا فرع الوفاء يوماً ... فكم حبا وعده وأنجزه
وإن جفاني فكم وفاني ... وفاء ذلك المنجز
وإن يجز للملوك فتك ... حينا ففتك الحبيب أجوز
ألا فصل سالماً وسالم ... وأن يكن قد رمحك أهتز
لست بقال ولا بسال ... عنك وفي القلب أنت محرز
دائرة القلب أنت فيها ... وليس فيها سواك مركز
لله قلب له امتياز ... إذ عاد فيه الحبيب يحرز
مازحه وهو ذو امتياز ... ذو ذا وذا سائغ ومعزز
وحبذا الحب حب حب ... عن لطف معناه ما تحرز
مدحا حق فيه مدحي ... من مطنب صفته وموجز
فيه امتداحي كؤوس راحي ... أطال في الصد أو تجوز
قلت قد تحمل ابن الحنبلي في معارضته القطب مالا يطاق، وجاء فيه من التكليف بما لا يخفى على ذوي الأذواق، فسبحان من قسم العقول بين عباده، والأخلاق، والأرزاق، ولما وقفت على أبياته عن لي أن انتصر للقطب، وأعارض معارضه، ولعل الدهر دول تتداول بين الناس ومقارضه:
سبحان من للوجود أبرز ... رشا بحكم الهوى تعزز
زاد على الرئم في دلال ... وعن جميع المها تميز
أحوى وللظرف ليس منه ... أحوى ولا للبهاء أحوز
لقد كساه الجمال ثوباً ... بألطف اللطف قد تطرز
رنا بطرف جآذري ... كأنه للوصال الغز
وعداً ولكن بلا نهار ... يا حبذا الوعد لو تنجز
بعثت باثنين من خضوعي ... وثالث بعد ذين عزز
أرجو وصالاً منه بعز ... من عز من وصله فقد بز
فما رثا لي وما وفا لي ... وقد قسا قلبه ولزز
وعف إلا عن قتل مثلي ... فإنه عنه ما تحرز
سطا بسهم اللحاظ فينا ... فكلم القلب ثم أجهز
علمت قتل النفوس ظلماً ... فمن لقتل المحب جوز
أعوزني حسنه إليه ... فليس مني إليه أعوز
لذاك أوعزت في هواه ... تيسر الوصل منه أو عز
أسكتته في ضمير قلبي ... فهو بخدر الفؤاد محرز
أفردني حسنه لوحدي ... عن كل عشاقه وأفرز
ما ارتاح قلبي إلى حديث ... سوى هواه كلا ولا أهتز
إلا لمدح الشفيع طه ... محمد المصطفى المميز
من جاء بالنور في كتاب ... به لكل الفصاح أعجز
تراه في أبلغ المثاني ... حقاً لكل العلوم أحرز
رقا به الله فوق سبع ... فجل مقداره وقد عز
ما شئت في مجده فعدد ... فمطنب المدح فيه موجز
وحاصل القول فيه قطب ... لسائر المكرمات مركز
عليه مني صلاة عبد ... قد فاق في حبه وبرز
ومن شعر الشيخ قطب الدين معمى في اسم زين:
وكوكب الصبح إذ تبدى ... بشرنا باللقا صباحا
طوبى لنا إننا ظفرنا ... بغاية العز حين لاحا
توفي الشيخ قطب الدين صاحب الترجمة رحمه الله تعالى بمكة المشرفة في سنة إحدى وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن أحمد البصروي: محمد بن أحمد بن محمد، القاضي أمين الدين ابن القاضي شهاب الدين البصروي، الشافعي، أحد الشهود بالقسمة، وكاتب الحرمات، والأوقاف والمرستان كانت والدته الشيخة الفاضلة السيدة زينب بنت الشيخ رضي الدين الغزي الجد توفي يوم السبت يوم عيد الأضحى سنة ثمان وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.(1/376)
محمد بن أحمد الحرستاني: محمد بن أحمد بن علي بن محمد الحرستاني الدمشقي الكاتب. الشيخ الصالح الزاهد، القانع، بل العارف بالله تعالى مولده بحرستا سنة ثلاثين وتسعمائة تقريباً، وأخذ عن الشيخ منصور السقيفة سكن بحجرة بمدرسة القيمرية الجوانية، وكان يكتب المصاحف، وغيرها بها ويقتات من أجرة كتابته كتب نحو سبعين مصحفاً، وكتب أشياء كثيرة من كتب الفقه والتصوف وكتب الفتوحات المكية وكان يحب العزلة، والانفراد عن الناس، وحاول قضاة القضاة أن يستكتبوه شيئاً من كتب الفقه، وغيره فلم يفعل، وأعرض عن الكتابة لهم وترك القيمرية والسكنى بها لذلك، وجاور بجامع السقيفة خارج باب توما في حجرة هناك راكبة على نهر بردا، وحج في سنة إحدى وتسعين وتسعمائة وجاور بالمدينة، ومات بها بعد أن ظهرت له مكاشفات، واعتقده أهل المدينة سنة اثتتين وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى ودفن بالقرب من سيدي عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه.
محمد بن أحمد الطرابلسي
محمد بن أحمد الشيخ الفاضل ناصر الدين الطرابلسي الحنفي إمام الجامع الأموي بدمشق، ووالد إمامه الشيخ علاء الدين مولده سنة سبع عشرة وتسعمائة، تفقه بالشيخ قطب الدين بن سلطان، وأخذ النحو، وغيره عن الشيخ شمس الدين بن طولون الحنفي، وقرأ القرآن للعشر على الشيخ تقي الدين القاري، والشيخ علاء الدين القيمري، وكان يحفظ كتاب الله تعالى توفي يوم السبت ثالث عشري رمضان سنة تسع بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد أفندي المعروف بشيخ كمال
محمد أفندي ابن أحمد كمال دفتر دار دمشق ابن ناظر النظار بها. المعروف بشيخ كمال حضر موت شيخ الإسلام الوالد، ورأيته يقرر كتب المرحوم فقال لي: وكنت ابن سبع سنين يا سيدي نجم الدين أنا ما رباني إلا شيخ الإسلام والدك لأنه أخذ بيتنا، وكانت أخته السيدة زينب عند أبي فوجدني أحذف الكتاب إلى أعلى ثم آخذه بفمي فقال لي يا محمد جلبي ما هذا إن هذا لا يليق بأمثالك إنما يليق بأولاد السفهاء قال: فآثر ذلك في قلبي ونفعني الله تعالى بتربيته حتى صرت إلى ما صرت إليه، وكان ذلك ببركته توفي في حدود التسعين وتسعمائة، وهو والد يحيى جلبي الدفتر دار أيضاً رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد الداخل المنشد
محمد بن أحمد بن فراج الصالحي الداخل المنشد،. صاحب النكت والنوادر، أحد جماعة الرئيس الجعيدي، كان يتردد إلى الأكابر ويبيت عندهم الليالي وفيه يقول شيخ الإسلام الوالد مخاطباً للسيد تاج الدين الصلتي:
آيست من خيركم بعدما ... قد كنت كالطامع والراجي
بسعيكم في قطع معلومنا ... ووصل معلوم ابن فراج
لأنه في بيتكم دائماً ... أول ولاج وخراج
فهو على منهاجكم سالك ... مخالفاً في ذاك منهاجي
وأن منهاجي نفع الورى ... سائر يومي ثم أدلاجي
وأنتم قد سرتم فيهم ... سيرة سفاح وحجاج
وأنت والله إن لم تتب ... ما أنت بالناجي ولا التاج
وقال الشيخ الوالد وكان اطلع على أن ابن فراج غير راض من السيد تاج الدين:
قد آيس الطامع والراجي ... من خيركم حتى ابن فراج
فإنه من كربة يرتجي ... إهلاككم من خير فراج
مات ابن فراج في سابع عشر شعبان سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة رحمه الله تعالى.(1/377)
محمد بن أحمد ماميه الشاعر: محمد بن أحمد بن عبد الله المعروف بماميه الشاعر. المشهور أصله من الروم، وقدم في حال صغره، فلما التحى صار ينكجرياً بخمسة عثمانية، وحج في زمرة الينكجرية سنة ستين وتسعمائة، وكان في تلك الحالة يميل إلى الأدب ونظم الشعر، ثم عزل عن الينكجرية، وصحب الشيخ أبا الفتح المالكي، وعليه في الأدب ثم قرأ على الشيخ شهاب الدين الأخ في الجرومية وكان قبل قراءته في النحو جمع لنفسه ديواناً كله ملحون، فلما ألم بالنحو أعرض عنه، وأصلح ما كان يمكنه إصلاحه ووقفت على نسخة من ديوانه، وعليها إصلاحات كثيرة بخط الأخ رحمه الله تعالى وتولى آخراً الترجمة بمحكمة الصالحية، ثم بالكبرى، وعزل منها، فلما تولى محمد أفندي جوي زاده مدحه بقصيدة دالية، فلما أنشدها بين يديه قال له: اجلس فجلس فقال له: ما بيدك من الجهات؟ فقال: الجهات الست، فتبسم القاضي، وقال له: ما عندك من الدواوين وكتب الأدب. فقال له: اذهبها الفقر فقال له: ما تطلب؟ فقال له:
ما تطلب؟ قال ترجمة الكبرى فأمر لها بها، ثم عزل بعد مدة عنها، وكان يمدح الناس، ويأكل من جوائزهم، ثم تولى ترجمة القسمة فأثرى، وكان إليه. المنتهى في الزجل، والموال، والموشحات وقال فيه أستاذه أبو الفتح المالكي:
ظهرة لماماي الأديب فضيلة ... في الشعر قد رجحت بكل علوم
لا تعجبوا من حسن رونق نظمه ... هذا إمام الشعر ابن الرومي
وجمع لنفسه ديواناً وجعل تاريخه جمعه قوله:
وأتوا البيوت من أبوابها
وذلك سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، وله التواريخ التي لا نظير لها كقوله في تاريخ عرس:
هنئتم بعرسكم ... والسعد قد خولكم
وقد أتى تاريخه ... نسائكم حرث لكم
وقال مؤرخاً للسبيل الذي أنشأه الشيخ أحمد بن سليمان جوار سيدي سيف الدين:
هذا السبيل الأحمدي ... لله ما فيه خفا
وقد أتى تاريخه ... اشرب هنيئاً بل شفا
وله:
لقد مرض الظلوم لنا فعدنا ... فنحن إذا أناس راحمونا
فظن بأننا عدناه خوفا ... فأن عدنا فإنا ظالمونا
ولقد أحسن في قوله:
هل لقوم ضلوا عن الرشد لما ... أظهروا منهم اعتقاداً خبيثاً
كيف تنبي عن القديم عقول ... لا يكادون يفقهون حديثاً
مات في ذي الحجة سنة ست أو في المحرم سنة سبع وثمانين وتسعمائة، وصلي عليه بالأموي، ودفن في باب الفراديس بالقرب من قبري ابن مليك، وأبي الفتح المالكي رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد الغيطي(1/378)
محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر الشيخ الإمام العلامة، المحدث المسند اللهامة صاحب كتاب المعراج، شيخ الإسلام نجم الدين الغيظي الإسكندري، ثم المصري الشافعي، ولد في أثناء العشر الأولى من القرن العاشر كان رفيقاً لوالدي على والده، وعلى القاضي زكريا قرأ عليه البخاري كاملاً، وسمع عليه جميع صحيح مسلم، وقرأ عليه سنن أبي داود إلا يسيراً من آخرها، ومات قبل إكماله، وقرأ عليه شيئاً من القرآن العظيم جمعاً للسبعة إلى قوله " وأولئك هم المفلحون " ولبس منه خرقة التصوف، وسمع على الشيخ عبد الحق السنباطي سنن ابن ماجة كاملاً، والموطأ وقرأ عليه مجالس عديدة من أوائل سنن أبي داود، والترمذي، وقرأ عليه من شرح المنهاج للمحلي، إلى باب شروط الصلاة بحق أخذه له عن مؤلفه سماعاً عليه لكتاب البغاة منه، وقرأ عليه من شرح التصوف للتفتازاني، وسمع عليه بحق أخذه له عن التقي الحصكفي عن عالم هراة منلا شمس الدين الحاجري عن مؤلفه، وسمع عليه دروساً من التفسير والشاطبية، وألفية ابن مالك، وأذن له بالإفتاء والتدريس، وأخذ عنه النحو عن الشمني بسنده، وقرأ وسمع غالب المنهاج تقسيماً على السيد كمال الدين بن حمزة الشامي لما قدم عليهم مصر في سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وقرأ على الكمال الطويل كثيراً منه جزء في فضائل ليلة القدر للؤلؤي العراقي قراءة عليه بسماعه له عن الشرف المناوي عن مؤلفه، وأخذ عنه ألفية العراقي، وأجازه بالتدريس، والإفادة والإفتاء، وسمع على الشيخ أمين الدين بن النجار جميع الموطأ رواية يحيى بن يحيى وأخذ عن البدر المشهدي كثيراً وسمع عليه الموطأ رواية أبي كاملاً، وقطعة من مسند الطيالسي وأخذ عنه شرح النخبة، ومجالس من ألفية الحديث، وقرأ جميع البخاري على أبي السعودي أحمد ابن العلامة عز الدين السنباطي، وأخذ عن الشمس الدلجي القرآن العظيم، وغيره، وأخذ التفسير والحديث، والفقه عن الشيخ أبي الحسن البكري، وذكر الشعراوي أنه أفتى ودرس في حياة مشايخه بإذنهم، وألقى الله محبته في قلوب الخلائق، فلا يكرهه إلا مجرم أو منافق، وانتهت إليه الرئاسة في علم الحديث، والتفسير، والتصوف، ولم يزل أماراً بالمعروف ناهياً عن المنكر يواجه بذلك الأمراء، والأكابر لا يخاف في الله لومة لائم ثم قال: ولما وقعت فتنة أخذ، وظائف الناس بغير حق من بعض المفتنين انتدب لها، وواجه الباشا والأمراء بكلام لا يقدر أحد من أقرانه أن يتلفظ به، وكان خمود الفتنة على يديه، ووصل خبره إلى الروم، والحجاز، والشام، وشكره المسلمون على ذلك قال: وتولى مشيخة الصلاحية بجواذالإمام الشافعي، ومشيخة الخانقاه، والسرياقوسة، وهما من أجل وظائف مشايخ الإسلام من غير سؤال منه وأجمع أهل مصر على جلالته.
قال: وما رأيته قط يغتاب أحداً وآذاه بعض الناس أشد الأذى فلم يقابله بكلمة واحدة فازداد بذلك هيبة، ومحبة في قلوب الناس، وازداد عدوه مقتاً.
قال: وما رأيت أحداً من أولياء الله تعالى من مصر إلا يحبه، ويجله، لا سيما الشيخ نور الدين الشوني لأن والده كان من أجل أصحاب الشيخ نور الدين، وذكره شيخنا القاضي محب الدين الحنفي في رحلته إلى مصر فقال: وإما حافظ العصر وحيد دهره، ومحدث مصره الرحلة الإمام، والعمدة الهمام، الشيخ نجم الدين الغيطي فإنه محدث هذه الديار على الإطلاق، جامع للكمالات الجميلة، ومحاسن الأخلاق، حاز أنواع الفضائل والعلوم، واحتوى على بدائع المنثور، والمنظوم، إذا تكلم في الحديث بلفظه الجاري، أقر كل مسلم بأنه البخاري، أجمعت على صدارته في علم الحديث علماء البلاد، واتفقت على ترجيحه بعلو الإسناد، ووقفت له على مؤلف سماه القول القويم، في إقطاع تميم ، توفي في سنة ثلاث أو أربع وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن أبي الجود
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عيسى بن شرف بن موسى بن حسين بن إبراهيم، الشيخ البارع ناصر الدين المعروف بابن أبي الجود، وبابن أبي الحيل قديماً، وبابن الكشك الشلاخ، أبوه قال الوالد: قرأ علي من الترمذي إلى كتاب الصلاة، والبردة، والمنفرجة، وسمع قصيدتي القافية، والخائية مرثيتي شيخ الإسلام، وقصيدتي الثائية المثلثة، في مجددي دين الأمة، وبعض كتابي الدر النضيد، وغير ذلك وأجزته مولده سنة تسع عشرة وتسعمائة.(1/379)
انتهى، وأخبرنا الشيخ أبو اليسر القواس أنه كان له ذكاء مفرط، وعرض له كل الأفيون، وهو لبن الخشخاش وغلب عليه، فكتبت إليه العمة خالة الشيخ أبي اليسر المذكور السيدة زينب بنت الشيخ رضي الدين تنصحه:
يا ناصرالدين يا ابن الكشك يا ذا الجود ... اسمع أقول لك نصيحة تطرب الجلمود
بسك تعاني اللبن فهمك هو المقصود ... يصير بالك وما لك والذكا مفقود
وكان المذكور رئيس الكتبة بمحكمة القسمة، وماميه ترجماناً بها، وكان يصير بينهما لطائف، ووقائع، ولناصر الدين شعر منه قوله مخمساً لأبيات البكري في القهوة:
كم قلت والصدق غدا مبهتاً ... أما تخاف الله حتى متى
رغماً به فيما به قد أتى ... يا قهوة تذهب هم الفتى
أنت لقاري العلم نعم المراد
ويحك كم تذكرها بالجفا ... معانداً أهل الوفا والصفا
ونفعها بين الورى ما خفا ... شراب أهل الله فيها الشفا
لطالب الحكمة بين العباد
يا طيبها فيها الهنا والمنى ... وتذهب البؤس وتنفي العنا
ومن سنا ما تحتوي أننا ... نطبخها قشراً فتأتي لنا
في نكهة المسك ولون المداد
كم بلغت مغرى بها آمل ... مراتباً عزت على فاضل
مستورة عن جاحد جاهل ... ما عرف المعنى سوى عاقل
يشرب في وسط الزبادي زباد
ما حازها غير فتى كامل ... محجوبة عن مهل سافل
يضرب في الماء بلا طائل ... حرمها الله على جاهل
يقول في حرمتها بالعناد
يا حسنها وهي بفنجانها ... تزهر كالعين بإنسانها
يقول كل الناس في شأنها ... فيها لنا برء وفي حانها
صحبة أبناء الكرام الجياد
خسا الذي قد قال في نقله ... بأنها تحرم من جهله
ليست تحاكي الراح في فعله ... كاللبن الخالص في حلة
ما خرجت عنه بغير السواد
توفي يوم السبت رابع عشر ذي الحجة سنة اثتتين وثمانين وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن مرحبا
محمد بن أحمد بن مرحبا القاضي شمس الدين ابن الشيخ شهاب الدين بن مرحبا الطرابلسي الشافعي توفي في سنة إحدى وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن أمر الله التوقاني
محمد بن أمر الله المولى محيي الدين التوقاني الحنفي أحد الموالي الرومية الشهير بأخي زاده خدم معلم السلطان المولى خير الدين، وتولى المناصب وآخر ما تولى تدريس دار الحديث للسلطان سليمان، وتوفي يوم الخميس خامس عشر في ذي القعدة سنة تسع بتقديم التاء وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن حسن الجنابي
محمد بن حسن السيد الشريف المولى العلامة قاضي قضاة حلب المعروف بالجنابي. كان حسن السيرة في قضائه توفي في عشر التسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن حسن السعودي(1/380)
محمد بن حسن السيد الشريف العالم المحقق، والفاضل المدقق، أحد الموالي الرومية، والأئمة الحنفية المعروف بالسعودي أخو المتقدم ذكره أخذ هو وأخوه، عن المفتي أبي السعود صاحب التفسير، وتناولته منه عنه، وعن ابن عبد الكريم وغيرهما ترقى في المناصب حتى صار قاضي قضاة حلب، وعزل عنها فأعطي قضاء المدينة، وقدم علينا دمشق في شعبان سنة ثمان وتسعين وتسعمائة فأقام عندنا مريداً للسفر مع الحاج فلما كان أواخر رمضان ورد عليه أمر بأنه أعطي قضاء آمد مضافاً إليه إفتاؤها وقضاء البيرة، فسافر من دمشق إليها في شوال، واختصصت بصحبته في تلك المدة في تفسير أبي السعود، فأخذته عنه فناولني نسخة منه وأجازني بسائره، وبسائر ما يجوز له وعنه روايته، وذاكرته كثيراً، فإذا هو أعجوبة في اللهم، والذكاء وكان متصفاً في البحث علامة في الفنون ديناً فقيراً دخلت عليه يوماً فقال لي: رأيت البارحة في المنام كأني داخل إلى بستان قيل لي: أنه بستان جار الله العلامة الزمخشري قال: فقلت: أدخل واغتنم رؤيته، فدخلت فإذا هو جالس في قصر في ذلك البستان، وليس فيه فراش، ولا حصر إلا أنه جالس على قطعة حصير بقدر مجلسه، وبين يديه صندوق عليه كتب، فسلمت عليه فرد، فقلت له: يا أستاذ كيف حالكم؟ قال: إن أردت أن تعرف إقرأ سورة التغابن بلغنا خبر موته بآمد في أواخر السنة المذكورة أو في أوائل سنة تسع وتسعين وتسعمائة رحمه الله.
محمد بن حسين الإسطواني الحنبلي
محمد بن حسين بن سليمان الشيخ أبو الفتح الأسطواني الحنبلي، رئيس المؤذنين بالجامع الأموي، كان من خيار الناس، وأخبرني الشيخ عبد القادر بن سوار شيخ المحيا. قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: يا عبد القادر من تحب حتى أحبه قال: فقلت يا رسول الله الشيخ أبو الفتح الأسطواني، والشيخ عبد الباسط العامري. قال: ثم استيقظت وأنا أتعجب، وأقول في نفسي أنا أحب الشيخ بدر الدين بن رضي الدين، وولده الشيخ شهاب الدين أكثر فما بالي ذكرت غيرهما. قال: فقصصت هذه الرؤيا على الشيخ شهاب الدين. فقال لي: يا شيخ عبد القادر هذه الرؤيا تدل على أن مجلسك أوله فتح، وآخره بسط، وأخبرني الشيخ محمد الأزهري أن أباه أبا الفتح مات في سنة سبع وثمانين وتسعمائة في شعبان عن ثلاث وستين سنة، ودفن بالفراديس رحمه الله تعالى.
محمد أبو الصفا الأسطواني الحنبلي
محمد بن حسين الشيخ أبو الصفا الأسطواني الحنبلي، إمام محراب الحنابلة بجامع دمشق، أخو الشيخ أبي الفتح المتقدم قبله أخبرني ابن أخيه الشيخ محمد الأزهري أنه مات في سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين وتسعمائة وكانت وفاته يوم الأحد تاسع عشر جمادى، ودفن بالفراديس رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد سعد الدين الجباوي
محمد بن حسين بن حسن بن الشيخ الصالح المربي. سعد الدين الجباوي، شيخ الطائفة السعدية بدمشق، الشافعي أخذ الطريق عن أخيه الشيخ أحمد، وتولى المشيخة من بعده توفي يوم الجمعة سادس صفر سنة سبع وثمانين وتسعمائة وصلي عليه بعد صلاة الجمعة بجامع كريم الدين، وكانت جنازته حافلة، وخطب بالناس خطبة الجمعة يومئذ بالجامع المذكور الشيخ شهاب الدين أحمد بن أحمد الطيبي، وتعرض فيها للموت، ودفن الشيخ سعد الدين بتربة الحصني خارج باب الله، وتولى المشيخة من بعده والده الشيخ محمد، وليس بأكبر إخوته، بل أكبرهم أبو بكر، ثم محمد، ثم إبراهيم، ثم عبد القادر، ثم خليل، وهؤلاء أشقاء، ثم سعد الدين، وأمه من بيت عقور رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن درهم ونصف(1/381)
محمد بن حسين بن علي بن أبي بكر بن علي الشيخ العلامة شمس الدين الأسدي، الحلبي، الحنفي، المشهور بابن درهم ونصف. ولد في المحرم سنة ست ثلاثين وتسعمائة، وحفظ القرآن العظيم، وتخرج بعمه أخي أبيه لأمه الشيخ عبد الله الأطعاني في معرفة الخط، والقراءة، ثم لازم ابن الحنبلي أكثر من عشرين سنة في عدة فنون كالعربية والمنطق، وآداب البحث، والحكمة، والكلام، والأصول، والفرائض والحديث، والتفسير، وأجازه إجازة حافلة بخطه في سنة سبع وستين وتسعمائة، وحج وجاور سنة، فأخذ فيها عن السيد قطب الدين الصفوي المطول، وعاد إلى حلب، فلازم منلا أحمد القزويني في الكلام، والتفسير، وتولى مدرسة الشهابية تجاه جامع الناصري بحلب في سنة إحدى وسبعين، وهي من مدارس الحنفية، وطالع كتب القوم، وتواريخ الناس، ونظم الشعر ومن شعره قوله مقتبساً:
يا غزالاً قد دهاني ... لم يكن لي منه علم
لا تظنن ظن سوء ... إن بعض الظن إثم
ومدح شيخه ابن الحنبلي بقصيدة حين قدم من الحج سنة أربع وخمسين:
هنيئاً لقلب عاش وهو متيم ... بأهل التقا مذ فيه حلوا وخيموا
هم عرب قد ضاء نور فنائهم ... وضاع شذاهم للحجيج فيمموا
إلى أن قال:
فيا عرباً سادوا وشادوا وخيموا ... بوادي الغضا وهو الفؤاد المتيم
جررتم فؤادي مذ رفعتم حجابكم ... ونومي جفاني مذ هواكم نصبتم
فرقوا لعبد رق في الحب جسمه ... وفي الرق أضحى مذ دماه أرقتم
فأنتم كرام قد علوتم إلى العلى ... كما قد علاء ابن الحنبلي المكرم
إمام رقا فوق الثريا بعلمه ... همام بحلم ساد فهو المعظم
إلى أن قال:
هو العالم الحبر المكمل في الورى ... هو العالم البحر الإمام المقدم
غدا مجمع البحرين في الفقه صدره ... فلا عجب أن يلفظ الدر مبسم
لم يؤرخ ابن الحنبلي وفاته في تاريخه رحمه الله تعالى.
محمد بن خليل بن قنبر
محمد بن خليل بن علي بن أحمد بن محمد بن ناصر الدين بن قنبر الشيخ شمس الدين الحلبي الشهير بابن قنبر، كان واعظاً وجيهاً في وعظه مهولاً محركاً للسامعين، وسمع الحديث، وقرأه على الشيوخ، وأجيز وشارك في العربية وكلف بجمع الكتب النفيسة، وتحسين جلودها، وترميمها، ولم يرغب في منصب سوى إمامة جامع الأمير حسن بن الميلاني، والتولية عليه، وكان له السعي التام في مصالحه، ومصالح أوقافه. وربما صرف عليها من ماله، ولم يزل يعظ بالجامع المذكور حتى توفي، ودخل إلى دمشق قديماً، واجتمع بشيخ الإسلام الوالد، وحضر دروسه، ثم اجتمع به حين دخل حلب قاصداً بلاد الروم فاهتم بقضاء أشغاله، وسمع منه مرثية والده القافية فيه وذكره في رحلته فقال الشيخ العالم الفاضل، والأوحد البارع الكامل، ذو القريحة الوقادة، والطبيعة المنقادة، الفائق في حسن الخبر، والمخبر شمس الدين محمد بن خليل ابن الحاج علي أحمد بن محمد بن قنبر انتهى.
قال ابن الحنبلي: وكان لطيف المحاضرة، ظريف المعاشرة، مزاحاً عارفاً باللسانين الفارسي، والتركي، شديد النكير على شرب القهوة، قهوة البن بالشرط المخالف للشرع مطروح التكلف يرى تارة بلبس حسن، وأخرى بلباس خشن إلى أن قال: وهو الذي نصب راية الإنكار على العلاء الكيزواني من جملة المعترضين عليه في تعليق العظام، ونحوها على أعناقهم، وإطافتهم في الأسواق، والشوارع بتلك الهيئة، ونحوها مما يقتضي كسر النفس مع صدق الطوية، وسعى في إبطال ذلك إلى العلماء فلم يقدروا على إبطاله إلى أن رجع عن إنكاره، وسمع أن العلاء معتكف في جامع الصفى خارج حلب فعلق في عنقه أمتعته ودخل عليه متنصلاً مما صدر منه في شأن انتهى.
ملخصاً، وكانت وفاته في ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وتسعمائة وقد جاوز الستين رحمه الله تعالى.
محمد بن خليل قيصر الحنبلي(1/382)
محمد بن خليل الشيخ، الزاهد العابد المعتقد المربي شمس الدين بن قيصر القبيباتي الحنبلي، الصوفي صحب سيدي علي بن ميمون وتلميذه سيدي محمد بن عراق، واجتمع بأكابر ذلك العصر، وعلمائه كالتقوي ابن قاضي عجلون، وتوجه إلى بلاد الروم، فاجتمع بحماة الشيخ علوان، وابن عبدو، وحصل له بالروم، غاية الإكرام، والتعظيم من إبراهيم باشا الوزير، وأعيان الدولة، وقضاة العساكر ثم رجع إلى دمشق، وانجمع عن الناس، وكان يقيم الذكر بعد صلاة الجمعة بالمشهد الشرقي داخل الجامع الأموي تحت المنارة الشرقية بحيث عرف المشهد به، ثم يركب حماره ويذهب إلى منزله بالقبيات، فلا يخرج منه إلى يوم الجمعة، وكان نائب الشام عيسى باشا يحبه، ويتردد إلى زيارته، وكذلك الأمراء، والقضاة، وللناس فيه اعتقاد تام، وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان بالجامع الأموي بالمشهد المذكور، وكان يحضر ختم الشيخ الطييي كل سنة قال ابن طولون: وفي سنة سبع وثلاثين وتسعمائة سألني الشيخ محمد بن قيصر القبيباتي الحنبلي في عمل شرح على أبيات ثلاثة نظمها في عقيدته وهي:
في الله أعتقد الذي قد قاله ... عن نفسه وكفا الذي قال الرسل
عنه بغير تأول في ذاته ... وصفاته أو كل فعل قد فعل
فهو الإله الفرد ليس كمثله ... شيء سواه وغير هذا لم أقل
قلت ووقفت على شرح ابن طولون على هذه الأبيات في تعاليقه بخطه، والإيمان بما جاء في الكتاب، والأخبار من الصفات من غير تأويل مذهب السلف، وهو أسلم من مذهب التأويل، وهو مذهب الخلف، ورأيت بخط بعض العلماء الفضلاء لابن قيصر المذكور:
قنعت من الدنيا بأيسر بلغة ... وثوب يواريني وزوجة واحدة
وذلك يكفيني من الكون كله ... وما زاد عن هذا فما فيه فائدة
وكانت وفاته سنة خمس وسبعين وتسعمائة، وقد جاوز المائة سنة رحمه الله تعالى.
محمد بن سنان أحد الموالي الرومية
محمد بن سنان المولى، محيي الدين أحد الموالي الرومية، وهو أخو علي أفندي ابن سنان. كان من العلماء الكبار المشهورين بالروم توفي بالقسطنطينية في أوائل سنة سبع وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن صلاح مصلح الدين اللاري
محمد بن صلاح بن جلال بن كمال الملتوي الأنصاري السعدي العبادي الشافعي المشهور بمنلا مصلح الدين اللاري تلميذ أمير غياث الدين ابن أمير صدر الدين محمد الشيرازي عرفنا بمقامه صاحبنا منلا علي ابن أمير الشيرازي، وأنه كان من أكابر العلماء المحققين قال ابن الحنبلي: قدم حلب سنة أربع وستين في تجارة فأسفر عن علوم شتى، وتآليف متنوعة منها شرح الشمائل، و شرح الأربعة النووية، و شرح الإرشاد في الفقه، و شرح السراجية، وحاشية على بعض البيضاوي و حاشية على مواضع من المطول، وأخرى على مواضع، من المواقف، وأخرى على شرح الكافية للجامي، انتصر فيها لمحشية منلا عبد الغفور اللاري على محشيه عصام الدين البخاري، وهي كثيرة الفوائد والزوائد، وغير ذلك قال: ولما دخل حلب دخلها في ملبس دني، وهو يستفسر عن أحوال علمائها، ثم لبس المعتاد، وطاف بها ومعه بعض العبيد، والخدم في أموال التجارة، ولكن من غير تعاظم في نفسه، ولا تكثر في حد ذاته، لما كان عنده من مشرب الصوفية، ولما شاع من فضله واشتغل عليه بعض الطلبة واستفتاه بعض الناس هل اجتماع الدف والشبابة في السماع مباح، أم لا؟ فأجاب إن كلا منهما مباح فاجتماعهما أيضاً مباح، واستند إلى قول الغزالي في الإحياء أن أفراد المباحات، ومجموعها على السواء إلا إذا تضمن المجموع محذوراً لا يتضمنه الآحاد.(1/383)
قال: وقد وقع المنع من قبل أهل زماننا، وأفتى جدي بالجواز وصحح فتواه أكابر العلماء من معاصريه ببلاد فارس، ثم نقل فتوى جدي بطولها، ونقل قوله البلقيني في تحريم النووي الشبابة لا يثبت تحريمها إلا بدليل معتبر، ولم يقم النووي دليلاً على ذلك، ونقل تصحيح الجلال الدواني لفتوى جده، ثم كلام الدواني في شرح الهياكل حيث قال: الإنسان يستعد بالحركات العبادية الوضعية الشرعية للشوارق القدسية بل المحققون من أهل التجريد قد يشاهدون في أنفسهم طرباً قدساً مزعجاً فيتحركون بالرقص، والتصفيق، والدوران، ويستعدون بتلك الحركة لشروق أنوار أخر إلى أن ينقص ذلك الحال عليهم بسبب من الأسباب كما يدل عليه تجارب السالكين، وذلك سر السماع، وأصل الباعث للمتألهين على وضعه، حتى قال: بعض أعيان هذه الطائفة أنه قد ينفتح للسالكين في مجلس السماع ما لا ينفتح لهم في الأربعينيات. قال ابن الحنبلي: وكان مصلح الدين قد حكم قبل هذا النقل بإباحة الرقص أيضاً بشرط عدم التثني والتكسر في كلام طويل قال: ثم إن مصلح الدين رحل في السنة المذكورة إلى مكة فحج، وجاور، ثم رجع من مكة إلى حلب فقطن بها واستفتى فيها على الشيخ عبد الوهاب العرضي إذ منع شاباً كان يقرأ في متن البخاري بجامع حلب من قراءته وقال له لست بأمير، ولا مأمور من قبله فحمله قوله صلى الله عليه وسلم: " ألا يقص إلا أمير أو مأمور أو محتال على أنه لا يحدث إلا هؤلاء خطأ منه في ذلك، فكتب في الجواب الصواب حمل الحديث على ما ظن في ذلك البعض من بعض الظن فإنه مخالف لما عليه أهل الفن، والعدول عما ذكره الشارحون إلى ما ذكره عدول عن طريق العدول، فإنه كلام يأباه أهل الفضل، ويعدونه من الفضول، قال: ثم توجه إلى الباب الشريف، ومعه عرض من قاضي مكة عتيق الوزير الأعظم، فخلع عليه المقام الشريف خلعة ذات وجهين وأهدى إليه مالاً، وأعطاه من جوالي مصر أربعين درهماً في كل يوم، فظهر لها مستحقون فلم يتصرف بها، ثم عاد إلى حلب، ثم رحل منها إلى آمد سنة سبع وستين وتسعمائة، رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد الله بهاء الدين المصري
محمد بن عبدالله، الشيخ العالم الصالح أبو عبد الله بهاء الدين المصري، النحوي، الشافعي، ولد تقريباً سنة ثمان وثمانمائة وأخذ على السخاوي، والديمي، والسيوطي، القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والسعد الذهبي وغيرهم، ودرس بجامع الأزهر، وغيره وله مؤلفات في الفرائض وكان يؤثر الخفاء لا يزاحم على شيء من الدنيا، ولا يتردد إلى أبنائها إلا عن ضرورة، وكان يقوم الليل تارة يصلي، وتارة يقرأ توفي في عشر التسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن عبد الرحمن العلقمي
محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر، الشيخ العلامة الإمام، شمس الدين أبو عبد الله العلقمي المصري، الشافعي مولده تقريباً سنة سبع وتسعين وثمانمائة خامس عشر صفر أخذ العلم عن الشيخ شهاب الدين، والشيخ ناصر الدين اللقاني، وغيرهما. وأجازوه بالإفتاء والتدريس، فأفتى، ودرس في جامع الأزهر، وانتفع به جماعة كثيرة في تحقيق العلوم الشرعية، والعقلية، وذكره الوالد في معجم تلاميذه وقال: اجتمع بي في رحلته إلى دمشق سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، وحضر بعض دروسي وسمع بعض تأليفي المسمى بالدر النضيد، ثم لما رحل شيخ الإسلام الوالد إلى القاهرة يريد الحج الشريف منها سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، اجتمع به المذكور، وكان يقوم بمصالحه كلها مدة إقامته بمصر، ومن تصانيفه الحاشية المشهورة على الجامع الصغير وكتاب ملتفى البحرين في الجمع بين كلام الشيخين وكان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر ويؤاخذ بذلك الأكابر، وكان له توجه عظيم في قضاء حوائج إخوانه، وإذا نزل بأحدهم بلاء لا يتهنى بنوم، ولا عيش حتى يزول عنه ذلك البلاء أنشدنا شيخنا أقضى القضاة العلامة محب الدين الحنفي قال: أنشدنا الأستاذ سيدي محمد البكري قال: أنشدنا شيخ الإسلام الشيخ بدر الدين الغزي، وكان عندنا في دعوة سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة وقال بديهة مستدعياً لحضور الشيخ العلامة شمس الدين العلقمي:
يا سيداً أوصافه قد زكت ... في اللون والريح وفي المطعم
والله ما يحلو لنا مجلس ... إلا إذ حل به العلقمي(1/384)
قلت: ووجدت ذلك موجوداً في مواضع من خط شيخ الإسلام الوالد رحمه الله تعالى ذكر الشعراوي أن العلقمي المذكور كان في سنة إحدى وستين في الأحياء.
محمد بن عبد الرحمن بن الفرفور
محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن الفرفور الحنفي كان شاباً فاضلاً نجيباً. مات في حياة أبيه فجأة، وسمعت أنه مات مسموماً في سنة تسع وثمانين أو سنة تسعين وتسعمائة عن ولدين أحدهما الفاضل محمد حلبي، والثاني الفاضل أبو بكر، ولما وضع في لحده وقف ولده محمد، وكان يومئذ صغيراً، وقال لجده القاضي عبد الرحمن يا سيدي:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
فبكى القاضي عبد الرحمن بكاء شديداً، وبكى الناس لبكائه ثم قال يا ولدي:
فكأنه برق تألق بالحمى ... ثم انقضى فكأنه لم يلمع
محمد بن عبد الكريم الرومي
محمد بن عبد الكريم، وقيل محمد بن عبد الوهاب بن عبد الكريم، المولى محيي الدين بن عبد الكريم. أحد الموالي الرومية المشهورين بالعلم والفضل، والديانة، ولي قضاء حلب، ثم الشام، ثم مصر، وذكر والد شيخنا أنه، ولي قضاء بروسه بعد الشام، ودخل الشام في غرة شوال سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، وعزل عنها في ربيع الأول سنة تسع وخمسين. قال: والد شيخنا وما كان به بأس غير أنه لا حظ له من الناس لأنهم أطوع للظالم، وقال: في موضع آخر كان رجلاً عالماً ذكياً ينزل الناس منازلهم ذكوراً، وذكر أنه سأله عن حل اليسق يعني المحصول لما رأى منه من العلم، والحلم بمثل ما سأل القاضي أحمد بن يوسف المتقدم في الطبقة الثانية، فلم يجبه إلا بما أجاب يعني من اتباع الموالي، وزاد أنه قال: كنت جالساً عند مولانا فلان، وسمي اسمه، وهو أحد أشياخه، وجاء شخص، وسأله عن حل هذا اليسق فقال له: لم أقل بحله، وقال لي كان في الصدر الأول رزق القاضي من بيت المال، ولم يكن هذا اليسق بالكلية، ثم بعد سنين يقال أن رجلاً وسماه حيدر، أو غيره أشار يعني على بعض القضاة بأن يعطي القاضي من الأخصام ما هو كذا وكذا، وهذا سهل، وذكر في موضع آخر أنه قال: أربعة دراهم فسمع قوله، وصار يؤخذ منهم، فلما أخذ قطع عنه ما كان قد رتب له في بيت المال، واستمر الأمر على هذا الحال انتهى.
توفي في رمضان سنة خمس وسبعين وتسعمائة، ودفن بباب أدرنة وورد الخبر بموته إلى دمشق في أواخر ذي القعدة منها وصلي عليه غائبة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد الوهاب العاتكي الأبار
محمد بن عبد الوهاب الشيخ العالم الصالح، شمس الدين الأبار الدمشقي العاتكي، الشافعي خطيب التبريزية، لم يكن أباراً، ولا أبوه. وإنما كان خاله أباراً، وكان اسمه محمد، فرباه، فنسب إليه وتفقه بالشيخ جلال الدين البصروي خطيب جامع الأموي، ولحق بالتقوي ابن قاضي عجلون، وكان مؤذناً بالتبريزية، ثم صار خطيباً بها، وكان يقرأ البخاري في البيوت، وكان متقشفاً يلبس الشبت من الصوف الأسود، وتحته جبة من القطن، وعلى رأسه المئزر، وكان قادرياً أخذ الطريق عن الشيخ عبد الهادي الصفوري العاتكي، وكانت وفاته في سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيها وتسعمائة، وتولى الخطابة بعده ولده الشيخ تاج الدين، وعاش بعده عشرة أشهر، ثم ولي الخطابة بعده الشيخ شهاب الدين الطيبي رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن عبد الرحيم أبو خليل(1/385)
محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن خليل، الشيخ الصالح الزاهد الحسيب النسيب السيد، الشريف، ولي الدين أبو خليل الدمشقي الشافعي منقطعاً بمسجد شرقي في دمشق داخل باب توما، صحبة شيخ الإسلام الأخ شهاب الدين كثيراً، وكان يتردد إليه في المسجد المذكور أخبرني الشيخ عبد القادر بن سوار، أنه لما أراد عمل المحيا بالجامع الأموي قال: له السيد أبو خليل أنت مجنون تريد أن تتصدر بالجامع الأموي، والله تقتلك رجال الشام قال: فذكرت ذلك لشيخ الإسلام يعني الوالد فقال افعل ما عليك منه. قال: فلما كان أول ليلة عملنا فيها المحيا بالجامع قلت هاتوا لي السيد أبا خليل قال: فبعث إليه الشيخ شهاب الدين يعني أخي، فحضر تلك الليلة، وحصل له أنس، وكان ذلك ببركة شيخ الإسلام قال: وكان عندنا بمجلس المحيا ذات ليلة، وكنا نعمل المحيا تلك الليلة بالرواق. قال: فسمعنا وجبة في الصمن قال: فالتفت إلي أبو خليل وقال لي: ما بقيت أخاف عليك بعد هذه الليلة هذا رجل جاء يريدك، فدفعه الله تعالى عنك، فسقط. وحدثني الشيخ تاج الدين القرعوني عن الشيخ عبد القادر بن سوار أنه قال: كنت ذات يوم في البيت وحدي فسمعت إنساناً يناديني من فوق السطح، فخرجت إليه ونظرت فإذا هو السيد أبو خليل، وكان يومئذ مريضاً، فقال لي: يا شيخ عبد القادر إني أموت في يوم كذا فأحضرني، وأفعل كذا وكذا، ثم مات في الوقت الذي ذكر. وكانت وفاته في سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة تقريباً رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد العال الحنفي
محمد بن عبد العال الشيخ الإمام العلامة، الأوحد المحقق الفهامة، الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة، الشيخ أمين الدين ابن الشيخ الناسك زين الدين عبد العال الحنفي. المتقدم في الطبقة الثانية كانت أمه حبشية ونشأ في علم وخير، وفضل قبل موت أبيه، وأخذ العلوم عن جماعة منهم الشيخ برهان الدين الطرابلسي وأجازوه بالإفتاء، والتدريس، فدرس، وأفتى في حياتهم بإذنهم، ووقف الناس عند قوله وأجمعوا على ورعه، وزهده، وحفظ جوارحه من المخالفات، وكان مؤثراً للعزلة مشغول الفكر بالله. وبأحوال يوم القيامة يعرف ذلك من أحواله له قدم راسخة في فهم كلام القوم لا سيما كلام الشيخ محيي الدين بن العربي، وعرضت عليه عدة وظائف من تدريس وغيره فأبى، وكان لا يعتني بشيء من الملابس، ولا من المراكب يركب الحمار، وأكثر خروجه إلى السوق بلا رثاء ثيابه في بيته هي ثيابه في درسه طارحاً للتكليف في جميع أحواله، وكان ممن أخذ عنه الشيخ العلامة شمس الدين محمد العلمي القدسي نزيل دمشق فحدثني ببعض أوصافه، وأخبرني أنه مات في سنة ثمان وستين وتسع مائة، ورأيت بخط بعض المصريين أنه مات في سنة إحدى وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد القادر بن جماعة
محمد بن عبد القادر بن عبد العزيز الشيخ الفاضل الحجة الكامل، عفيف الدين بن جماعة المقدسي الشافعي، والد الشيخ عبد النبي كان من أعيان بيت المقدس أخذ عنه الشيخ إبراهيم بن كسبائي، وغيره، وكانت وفاته في بيت المقدس، في إثنا عشر الثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي بن الطباخ
محمد بن علي بن أحمد الشيخ شمس الدين الحلبي المعروف بابن الطباخ. ولد سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة، وتعاطى التجارة، وعني بسماع الحديث، وأجاز له الشيخ كمال الدين الطويل، وغيره، وخدم شيخ الشيوخ ابن أبي ذر عشر سنين، وأخذ عنه الشفاء والشمائل، و منظومة العراقي في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك، وكان يحفظ تواريخ من أدركه من المتقدمين، والمتأخرين لعلو سنة توفي سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي الشبشيري
محمد بن علي بن سالم، الشيخ المعمر ولي الدين الشبشيري القاهري، الشافعي، أخذ عن السخاوي، والديمي، والسيوطي، والقاضي زكريا، وآخرين توفي في حدود التسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي التروسي(1/386)
محمد بن علي بن الحسن بن تاج الدين الكيلاني التروسي الحلبي الشافعي، الصوفي، أحد مريدي الشيخ محمد الخرساني النجمي كان شيخاً صالحاً معمراً مكث بديار العرب مدة تزيد على نصف قرن، ولزم شيخه المذكور بحلب إلى أن توفي بها، وصحب الشيخ علوان، وشيخه سيدي علي بن ميمون، وصحب آخراً الشيخ عبد اللطيف الجامي، والشيخ قطب الدين عيسى الصفوري، وسافر معه إلى بغداد لزيارة من بها من الرجال، ولم يزل يتعاطى أمر التروس العجيبة الثمينة، ويعلم الأطفال أحياناً قراءة القرآن، والكتابة، وهو على سمت الصالحين، وكان يستحضر شيئاً من طب الأبدان كما يستحضر من طب القلوب، إلى أن علت سنه ونحف بدنه فترك تأديب الأطفال وغيره وكان يذكر أن شيخه الخراساني كان يقول له: ستموت في شعبان، وكان كلما دخل شعبان يرقب الموت فإذا انسلخ قال: أنا لا أموت حتى يدخل شعبان ثم اتفق أنه مات في شعبان سنة سبعين وتسعمائة، ودفن بمقبرة الخرساني خارج باب الفرج بحلب رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد بن علي القابوني
محمد بن علي الشيخ عفيف الدين بن علاء الدين القابوني الشافعي، خطيب جامع منجك خارج دمشق بمسجد الأقصاب تلا للسبع على الشيخ شهاب الدين الطيبي، وتوفي بعده بسنة سنة وسبعين، وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي الجوبري
محمد بن علي خير الدين الجوبري الدمشقي، الشافعي، كان رئيس الشهود بقناة العوني، وبالميدان، وبالكبرى، وناب في القضاء نحو شهر في حدود ستة سبعين ولعله في الصالحية، وكان خصيصاً بشيخ الإسلام الوالد وكان يلف له عمامته توفي في سابع عشر ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة بتقديم السين، فيهما عن نحو ثمانين سنة.
محمد بن علي البكري الصديقي
محمد بن علي بن محمد الشيخ الإمام شيخ الإسلام وابن شيخ الإسلام العارف بالله وابن العارف به الأستاذ ابن الشيخ شمس الدين ابن أبي الحسن البكري الصديقي، المصري الشافعي. مشهور الآفاق قال الشعراوي: حجبت معه مرتين، فما رأيت أوسع منه خلقاً، ولا أكرم نفساً، ولا أجل معاشرة، ولا أحلى منطقاً درس، وأفتى في علم الظاهر، والباطن، وأجمع أهل الأمصار على جلالته، ونشأ رضي الله تعالى عنه كما نشأ والده على التقوى، والورع، والزهد، وعز النفس حتى أتته الدنيا، وهي راغمة قال: وأعرف من مناقبه ما لا يقدر الأقران على سماعه انتهى.
أخذ العلوم عن والده، وغيره، وأخبرني الدرويش محمد القدسي نزيل دمشق قال: حدثنا الأستاذ سيدي محمد البكري قال: كان أول فتوحي إني كنت يوماً جالساً أطالع في كتاب الفتوحات للشيخ محيي الدين بن العربي، فدخل علي الأستاذ والدي فقال لي: يا محمد ما هذا الكتاب؟ فقلت: يا سيدي فتوحات ابن العربي قال فقال: هذه فتوحات ابن العربي فأين فتوحاتك أنت؟ قال: ففتح لي من ذلك الوقت، وتركت الفتوحات، وغيره. ولما دخل شيخ الإسلام الوالد مصر حاجاً منها في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة. كان الشيخ أبو الحسن قد توفي قريباً وكان حضوره مصر تقريراً لسيدي محمد البكري، وتثبيتاً له، وبلغني أنه حضر أول مجالسه، وكان سيدي محمد يعترف للشيخ بالأستاذية. كما كان أبوه يعترف لأبيه، ويعتقد أنه لولا الشيخ رضي الدين ما حصل لهم من الفتح، واللسان، والمعرفة ما فتح، وأضاف سيدي محمد البكري في التاريخ المذكور شيخ الإسلام الوالد، وحضر تلك الضيافة من أكابر مصر إذ ذاك جماعة، وحدثني الخوجا إبراهيم بن عثمان بن مكسب قال: كنت لا أقول أن في الدنيا مثل شيخ الإسلام الشيخ بدر الدين والدك، وقد دخلت مكة والمدينة واليمن، ومصر، وغيرها، وكنت يوماً ببعض أسواق مصر فمر الشيخ محمد البكري، فرأيت الناس أكبوا عليه وقبلوا يده فقلت مساكين أهل مصر كيف لو رأوا شيخ الإسلام بدر الدين؟ فلما حاذاني سيدي محمد البكري قبلت يده فأمسك على يدي، وقال لي: انظر الشيخ بدر الدين الغزي شيخنا. وأستاذنا، ولكن الاعتقاد مليح، فوقع كلام الشيخ في قلبي، ثم ترددت إليه، وكان هذا سبب اعتقادي فيه. وله رضي الله تعالى عنه تآليف، ورسائل في السلوك وغيره وقفت له على كتاب هداية المريد، إلى الطريق الرشيد، وكتاب معاهد الجمع، في مشاهد السمع، وله ديوان شعر يدل على مشربه الرائق، ومقامه الفائق، ومن شعره ما أورده في كتابه معاهد الجمع:(1/387)
شربت من نغمات القدس كاساتي ... وقام يرقص ناسوتي بآلاتي
وكنت في حان لاهوتي نشاهده ... وشاهدي اليوم ممحو بأثبات
متى سمعت؟ وإني منه مستمع ... والآن فقد بأوصافي وحالاتي
ولو نظرت وما عنه حجبت وبي ... عرائس الجمع يجلوها بمرآتي
ومنه ما أورده في كتاب هداية المريد:
شهدناك في مرآة كل حقيقة ... تليح لنا فيها الذي أنت تعلمه
وتهدي لنا منها قلوباً توجهت ... لتعرف ما يخفي المحب ويكتمه
وأعلمتنا منها بوحدتك التي ... بها طلعت من مشرق الحق أنجمه
فلما عرفناها عرفنا توجهاً ... إليك فلا وهم علينا نحكمه
فأظهرت وجه النور غير مبرقع ... فأذهب عنا ما الفؤاد توهمه
فعدنا مفيضين المعارف فيالورى ... وأخمصنا الصيد الأماجد تلثمه
على أننا في مهلة الشوق لم يرم ... وحر هوانا بالتذكر نضرمه
ونرسل من آماقنا كل مدمع ... وحالتنا تقضي بأنا نحمحمه
ومن شعره ما أنشده شيخنا شيخ الإسلام محب الدين الحموي قال: كتب إلي الأستاذ الإمام سيدي محمد البكري في صدر مكاتبة إلي، وأنا قاض بثرمنت:
يا نسمة البان بل يا نسمة الشيح ... أن رحت يوماً إلى من عندهم روحي
خذي لهم من ثنائي عنبراً عبقاً ... وأوقديه بنار من تباريحي
حدثنا شيخنا المذكور قال: لما اجتمعت بسيدي محمد البكري قال لي: ما اسمكم قلت عبدكم محب الدين قال: بحم أقسم إني محب، ومحاسنه كثيرة، ولطائفه شهيرة ومن كراماته ما حدث عنه أحد جماعته الشيخ الفاضل عبد الرحيم الشعراوي قال: جاورت بمكة المشرفة مع الأستاذ سيدي محمد البكري الصديقي في بعض مجاوراته، وكنت كثير الملازمة له شديد الاتصال به، فبينما هو جالس يوماً بالحرم الشريف عند منزله باب إبراهيم، وأنا عنده إذ جاء الخادم من منزله، فطلب شيئاً من النفقة، ولم يكن معه إذ ذاك ما ينفق. فقال للخادم: نرسل الآن إن شاء الله فمضى الخادم، ثم عاد وألح في الطلب، فأجاب الشيخ بما أجاب أولاً، وتكرر ذلك من الخادم فنهض الشيخ للطواف وأنا معه وهو يقول:
صوح النبت فاسقه ... قطرة من سحائبك
وأغثنا فإننا ... في ترجي مواهبك(1/388)
وما زال يكررها في الطواف، واذ بشخص هندي أقبل على الشخص، وقبل يده ودفع له من جيبه صرة من الدنانير، وقال: يا سيدي هذه هدية أرسلها لك معي ملك الهند، فسجد الشيخ شكراً لله تعالى، وانقلب إلى أهله مسروراً، وكان سيدي محمد البكري رضي الله تعالى عنه حسن العقيدة في الصالحين، من المجاذيب والسالكين، معترفاً بفضل ذي الفضل، شديد التأدب مع الحضرة المصطفوية، معظماً لذريته الأشراف لا يدخل عليه شريف إلا، ونهض له قائماً حتى سافر معه جمال شريف، وكان كلما دخل عليه يقوم له، واجتمع به الشيخ العارف بالله تعالى أبومسلم محمد بن محمد الصمادي شيخ الطائفة الصالحية بدمشق في بيض المقدس، فاعتقد كل منهما الآخر ولما دخل الشيخ محمد الصمادي إلى وطاقه مودعاً له أمر سيدي محمد البكري بتقديم فرس الصمادي إليه على بساطه، وأمسك له الركاب بنفسه وحدثني بعض أصحابنا قال: حملت مكتوباً من الشيخ محمد الصمادي إلى الشيخ البكري فلما دخلت على البكري سلمت عليه من قبل الشيخ الصمادي، فلما ذكرت اسمه له قام على حيله، ورد سلامه، ثم قعد فلما أعطيته المكتوب قبل عنوانه، ووضعه على عينيه، ثم فتحه بتعظيم قلت: ومن الاتفاقات العجيبة أنهما ماتا في سنة واحدة واجتمع به صاحبنا العارف بالله تعالى الشيخ محمد اليتيم العاتكي، واستمد منه، وحدثنا عن كراماته ومنها تسخير الطاغية سليمان باشا ابن قباد، وكان نائب القدس إذ ذاك، وكان عسوفاً له بحيث أنه كان يخدمه ويمشي بين يديه وهكذا كان اعتقاد أركان الدولة بمصر فيه، وأشراف مكة، وأعيانها، وبالجملة فإن ترجمته تحتمل مؤلفاً مستقلاً، وبلغني أن رجلاً ذكر سيدي محمد البكري مرة فقال: لا أدري كيف أمر الشيخ في سعة دنياه وتبسطه فيها إلى حد الإسراف في المطعم، والملبس؟ فمرعليه الشيخ، فلما قبل يده قال له: يا بني الدنيا بأيدينا، وليست في قلوبنا. وممن مدح الأستاذ بشعر الفاضل الأديب محمد بن الحسين الحارثي الشامي الأصل الخراساني المولد حج، ورجع إلى مصر، ثم زار القدس، ثم دخل دمشق، وأسرع الرحلة منها إلى العراق وكان في الآن مقيماً بقزوين عند ملك العجم شاه عباس، ولا أدري أهو حي الآن أو مات فقال:
يا مصر سقياً لك من جنة ... قطوفها يانعة ودانيه
ترابها كالتبر في لطفه ... وماؤها كالفضة الصافية
قد أخجل المسك نسيم لها ... وزهرها قد أرخص الغاليه
دقيقة أصناف أوصافها ... وما لها في حسنها ثانيه
منذ أنخت الركب في أرضها ... أنسيت أصحابي وأحبابيه
فيا حماها الله من روضة ... بهجتها كافية شافيه
فيها شفا القلب وأطيارها ... لنغمة القانون كالزارية
تركت مذ حل ركابي بها ... الحساب والهيئة في ناحيه
والطب والمنطق في جانب ... والنحو والتفسير في زاويه
كذا معان وبيان له ... أسهرت عيني برهة وافيه
وحكمة ثم كلاماً به ... فقت أهيل الأعصر الماضيه
فذا زمان ليس يرجى به ... لصاحب الفضل سوى ناريه
من شاء أن يحيي سعيداً به م ... منعماً في عيشة راضيه
فليدع العلم وأصحابه ... وليجعل الجهل له غاشيه
وليترك الدرس وتدريسه ... والمتن والشرح مع الحاشيه
إلى م يا دهر وحتى متى ... تشقى بأيامك أياميه
تحقق الآمال مستعطفاً ... وترفع النقص بآماليه
وهكذا تفعل في كل ذي ... فضيلة وهمة عاليه
فإن تكن تحسبني منهم ... فهي لعمري ظنة واهيه
دع عنك تعذيبي وإلا فأشكو ... ك لدى ذي الحضرة العاليه
سيدنا الأستاذ كهف الورى ... منقذهم من درك الهاويه
ومرشد الخلق إلى الحق ذي المنا ... قب الظاهرة الساميه
سرت مع الركبان في شرقها ... ومغرب أكرم بها ساريه(1/389)
إن كنت تبغي أن ترى جن ... ة الفردوس فأحضر ساعة ناديه
والثم ثرى أعتابه خاضعاً ... وعفر الخد مع الناصيه
وشنف الأذن بألفاظه ... إن كنت ممن أذنه واعيه
فتنظر الفيض اللدني والأس ... رار مستكشفه باديه
يا سيدي إني امرؤ لم أزل ... إلى العلا ذا قدم ساريه
قد طفت في الأض بأكنافها ... من حضر فيها ومن باديه
وأبصرت عيناي كل أمرىء ... في فنه ذا قدم راسيه
وكل طود شامخ يهتدي ... بنوره في الظلمة الداجيه
حتى توصلت إلى خدمة ... الأستاذ من مملكة نائيه
أطوي الفيافي قاصداً ... نحوه ميمماً سدته العاليه
فاستحقرت عيناي من كنت قد ... أبصرته في الأعصر الماضيه
من أبصر البحر فمن شأنه ... أن يستقل النهر والساقيه
مولاي عذراً إن فكري غدا ... مشتتا من سوء أحواليه
صفاتكم أعلى منالاً من أن ... تخطر مولاي على باليه
وهذه الأبيات كاللغو والأست ... اذ لا يستمع اللاغيه
خلت من المعنى فكن قانعا ... مولاي بالوزن مع القافيه
لا زال حسادك في ذلة ... ومقلة دامعة داميه
ولا برحت الدهر ذا عزة ... ونعمة واسعة صافيه
وكانت وفاة سيدي محمد البكري رحمه الله تعالى ليلة الجمعة رابع عشري صفر سنة أربع وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، وتقدم أن وفاة سيدي الشيخ محمد الصمادي ليلة الجمعة عاشر صفر المذكور فبين وفاتيهما ثلاثة عشر يوماً في يوم واحد في شهر واحد في ليلة واحدة من الأسبوع رضي الله تعالى عنهما وقيل في تاريخ وفاته:
مات من نسل أبي بكر فتى ... كان في مصر له قدر مكين
قلت لما الدمع من عيني جرى ... ارحوه مات قطب العارفين
محمد بن عمر ابن الشيخ عمر العقيبي
محمد بن عمر، الشيخ شمس الدين ابن الشيخ عمر العقيبي، أخذ الطريق عن أبيه، وكان القاضي أكمل الدين مفلح يصحبه كثيراً ويتردد إليه توفي سنة ثمانين وتسعمائة، ودفن عند والده في زاويتهم، وقام بعده في المشيخة أخوه الشيخ علي رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن عمر القصير
محمد بن عمر بن سالم أبو البقاء القصير الموصلي الأصل، ثم الدمشقي الشافعي جده لأمه قاضي القضاة محيي الدين النعيمي، وزوجة النعيمي جدة أبي البقاء هي أخت الشيخ شمس الدين الكفرسوسي. أخذ الحديث، والقراءات عن والده وعن ابن سالم، والشيخ حسن الصلتي، والطيبي، وغيرهم، وكان يحفظ القرآن العظيم وشهد في عدة محاكم، ثم صار لكشف السجلات، وكان صاحب الشيخ علاء الدين بن عماد الدين ثم اختص بشيخ الإسلام الوالد، وكان قائماً بمصالحه عند القضاة، والحكام، وكيلاً عنه فيما يحتاج إليه من إجارة، أو طلب حق، أو غير ذلك ناصحاً في خدمته مخلصاً في محبته، وكان شيخ الإسلام يدعو له ويقول: اللهم كما كفاني أبو البقاء هم دنياي، فأكفه هم آخرته وكان الناس يغبطونه على صحبة الشيخ، وخدمته توفي في غرة جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن أبي الوفاء بن الموقع(1/390)
محمد بن أبي الوفاء، الشيخ الإمام العالم الصالح كمال الدين المصري الأصل، الحلبي المولد، الصوفي الشافعي، المعروف بابن الموقع. كان أبوه موقعاً عند خير بك كافل حلب، ولما انقصت دولة الجراكسة سافر الشيخ كمال الدين إلى القاهرة، وجد في طلب العلم النقل، والعقل عن جماعة منهم أبو السعود الجارحي وسيدي محمد بن عراق الدمشقي، ثم المكي، وابن مرزوق اليمني، والقاضي زكريا، والشيخ عبد الحق السنباطي، والسيد الشريف محمد بن أحمد كمال الدين إمام الجامع العمري وخطيبه بالقاهرة، والدلجي، والصابي، وصحب الشيخ أبا الحسن البكري قال الشعراوي، تبحر في علم الأصول، والتفسير، والقراءات، والنحو، والمعاني، وله عدة مؤلفات في هذه العلوم، وإجازة العلماء بالإفتاء، والتدريس، فدرس العلم مدة وانقطع في بيته للعبادة وما سمعته قط يذكر أحداً بسوء ولا رأيته يتردد إلى أحد من الولاة وأبناء الدنيا ولا يزاحم على شيء من مناصبها انتهى.
وذكر ابن الحنبلي من مؤلفاته شرح تصحيح المنهاج لابن قاضي عجلون، والشمعة المضية في نشر قراءات السبعة المرضية والتلويح، بمعاني أسماء الله الحسنى الواردة في الصحيح، والفتح، لمغلق حزب الفتح، وهو شرح وضعه على ورد حزب أستاذه أبي الحسن البكري و الهام المفتاح بحكمة إمداد الأرواح، من عالمها العلوي وبثها في الأشباح، و الحكم اللدنية، والمنازلات الصديقية وله تائية منها:
أأنوار ليل يستضيء لمهجتي ... أم الحبب الثغري يبدو لمقلتي
أم البرقع النوري أسفر عن حمى ... سعاد سحيراً ضاء في كل بقعة
نعم، كل ذا قد كأن مذ رمقت لنا ... عيون عنايات بأحسن رمقة
ورقت لنا كاست خمر الهنا بها ... بحان صفاء العيش في وقت خلوة
وزفت لنا كوسات وصل حبائبي ... مبهرجة في حلة بعد حلة
تجلت لنا الأكواب في خلع الهنا ... تسامرنا العين في حين غفلة
لم يؤرخ ابن الحنبلي وفاته لتأخره عن وفاته، ووقفت له على إجازة في سنة ثلاثة وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن مبارك القابوني
محمد بن مبارك بن عبد الله، الرئيس شمس الدين ابن المبارك القابوني المتقدم ذكر أبيه في الطبقة الأولى كان رئيساً في عمل الموالد ندي الصوت حسنه، بعيد النفس، عارفاً بالموسيقى داخلاً إلا أنه كان عامياً يلحن، وكان أحد المؤذنين المشهورين، بالتقدم بالجامع الأموي، ورئيس المؤذنين بالدرويشية، والسيبائية توفي ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الثاني سنة تسع وتسعين وتسعمائة بتقديم المثناة في التكية، ودفن بباب الفراديس رحمه الله تعالى.
محمد بن محمود الطنيخي
محمد بن محمود، الشيخ الصالح المجمع على جلالته ونفعه للعباد، الشيخ شمس الدين الطنيخي المصري، الشافعي إمام الجامع العمري أخذ العلم عن جماعة منهم الشيخ ناصر الدين اللقاني، والشيخ شهاب الدين الرملي، والشيخ شمس الدين الدواخلي، وأجازوه بالإفتاء، والتدريس، ولما كان شيخ الإسلام الوالد بمصر سنة اثنتين وخمسين حضر بعض دروسه، وسمع عليه بعض شرحه المنظوم على الألفية قال شيخ الإسلام الوالد فيما قرأته بخطه، وهو رجل فاضل مستحضر لمسائل الفقه، وخلافها قال الشعراوي، ولم يزل من صغره إلى الآن يعني الوقت الذي ترجمه فيه في سنة إحدى وستين وتسعمائة حافظاً للسانه، مقبلاً على شأنه، معظماً لإخوانه، كريم النفس، كثير الحياء والأدب، زاهداً ورعاً خاشعاً خائفاً من الله تعالى يبكي إذا سمع بأحوال الصالحين إلى أن قال: درس وأفتى، وانتفع به خلائق. قال: وكان والده الشيخ محمود عبداً صالحاً من أهل القرآن، والخير ذرية بعضها من بعض قال: وله ولد صالح اسمه عبد الرحمن نشأ على خير، وتقوى وعلم، وعمل وقرأ على كتاب السنن الكبرى للبيهقي.
محمد بن مسلم التونسي(1/391)
محمد بن مسلم بتشديد اللام المفتوحة، المغربي التونسي، الحصيني، نسبة إلى حصين مصغراً طائفة من عرب المغرب المالكي، ثم الحنفي نزيل حلب، اشتغل في بلاده، وحصل، ثم دخل حلب فقرأ في علم الفرائض وغيره على البرهان العمادي، وفي فقه الحنفية على ابن حلفا. وروى البخاري عن جماعة منهم قاضي الجماعة بتونس سيدي أحمد السليطي سماعاً له من لفظه ومنهم الشيخ أطعم القاضي بطرابلس الشام أبو عمرو عثمان الشهير بابن مسعود الحنبلي، قال ابن الحنبلي ولم يزل بحلب، وله الكلمة النافذة على المغاربة القاطنين بها يفتي، ويدرس، ويتجر، ويتعاطى صناعة الكيمياء، وجهد فيها إلى أن كفل حلب فرهات باشا، وكان يهوى الكيمياء فصحبه، وأتلف عليه مالاً جيداً. قال: ولما قدم الشيخ عبد الرحمن البتروني حلب، وتحنف أعطي إمامة الحنفية بالجامع الكبير، بعرض قاضيها فندب فرهات باشا في طلب عرض من القاضي، فأبى القاضي معتذراً بسبق عرضه للشيخ عبد الرحمن، فأخذ يعني ابن مسلم بعد مدة في القدح، فيه بأمور منها أنه ادعى حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبر انتهى.
والظاهر أن ابن مسلم تأخرت وفاته عن ابن الحنبلي، لأنه لم يؤرخ وفاته، ثم أفادني تلميذه صاحب الشيخ العلامة، محمد بن محمد الكواكبي مفتي حلب أنه توفي سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما، وتسعمائة، وهي سنة ميلادي رحمه الله تعالى.
محمد بن يحيى الأيدوني
محمد بن يحيى الشيخ نجم الدين الأيدوني.
الدمشقي الشافعي، وهو أخو شهاب الدين إمام الأموي كان خطب جامع يلبغا بمحلة تحت القلعة وإماماً بالتبريزية بمحلة قبر عاتكة توفي في ثامن عشر شوال سنة خمس وثمانين وتسعمائة وأخذ الخطابة عنه الشيخ أحمد المغربي المالكي رحمه الله تعالى.
محمد بن يوسف الشفري
محمد بن يوسف بن أحمد، الشيخ شمس الدين الشعري، بفتح المعجمة، والمهملة الشهير بالمخترفي، بالخاء المعجمة، أخذ الطريق عن الشيخ محمد بن الشيخ أبي العون المغربي، ولبس الخرقة بحلب من الكيزواني وتفقه بها على البرهان العمادي، وكان فيه مع صلاحه رعانة، وممازحة، ولطف محاورة، وخفة روح، ولطافة طبع، بحيث إذا حضر مجلساً لم يدع أحداً غير متبسم توفي مقتولاً في طريق الشعر سنة سبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن يوسف الطبيب
محمد بن يوسف بن علي الرئيس زين العابدين الطرابلسي الطبيب كان حاذقاً بارعاً في الطب، وله معرفة تامة بمعرفة النبض، ومعرفة العلاج. أخذ الطب عن صهره ابن مكي، وابن القريضي، وغيرهما، وكان ينسب إلى التشيع إلا أنه كان كان يتسبب بالتجارة، وكان خصيصاً بشيخ الإسلام الوالد، وكان يبالغ في خدمته وعلاجه، وعلاج من عنده إذا احتيج إليه، وكان الناس يقولون إن خدمته للوالد تقية وحج مراراً، ثم حج بعد موت شيخ الإسلام، وجاور بمكة أربع سنين، وحظي عند سلطان مكة، وأهلها، ثم عاد إلى دمشق سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة، ومات في رمضانها.
محمد إمام جامع المسلوت
محمد الشيخ الصالح، شمس الدين إمام جامع مسلوت قرأ صحيح البخاري على الشيخ يونس والد شيخنا، وتوفي في شوال سنة سبع وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد العاتكي
محمد الشاب الفاضل الصالح، شمس الدين العاتكي، سمع على والد شيخنا ما قرأه رفيقه المذكور قبله من صحيح البخاري، ومسند الشافعي، وقرأ على ولده الشيخ تاج الدين في النحو، والمعاني، والبيان، والنحو على الشيخ شمس الدين بن طولون وفضل، وصار له يد في القراءات، وفنون من العلم مات في نهار الجمعة بعد العصر ثالث عشري ذي القعدة سنة سبع وسبعين وتسعمائة، وتأسف الناس عليه رحمه الله تعالى.
محمد بن الجعيدي(1/392)
محمد الشيخ شمس الدين بن الجعيدي الدمشقي شيخ المنشدين، ورئيس المولد بدمشق كان رئيساً في علم النغمة صالحاً ديناً عزيزاً له الدخول التام، والقبول من الخاص، والعام، قرأت بخط الشيخ عبد الله المعتمد أن الريس ابن الجعيدي تمرض يوم الأربعاء ثامن ربيع الأول المذكور وأنه توفي ليلة الأربعاء المذكور وأن متولي السليمية أرعبه أن بنيان العمارة السليمية، وقع منها حجر على الرصيف، فتأولها المتولي بأن يعزل أو يموت وأحد من المؤذنين بها، فكان تأويله موت الريس، ثم سقفه المتان بعد موته بنحو سنة، فجددوه في سنة سبعين وتسعمائة، توفي في شهر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم نهار الأحد ثاني عشر ربيع الأول سنة ثمان وستين رحمه الله تعالى.
محمد الأبار
محمد الشيخ العلامة شمس الدين الأبار الشافعي، خطيب التبريزية مات ليلة الجمعة سابع عشر ربيع الآخر سنة سبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن بتربة الدقاقين بمحلة قبر عاتكة رحمه الله تعالى.
محمد بن المناديلي
محمد كمال الدين بن المناديلي الدمشقي أحد الشهود بالمحكمة الكبرى توفي يوم الاثنين رابع عشر رمضان سنة تسع بتقديم المثناة وستين وتسعمائة ولم يبلغ أربعين سنة، وتولى مكانه أبو بكر بن المغربي رحمه الله تعالى.
محمد التونسي الطبلني
محمد الشيخ العلامة شمس الدين المغربي التونسي الطبلني بضم الطاء المهملة والباء الموحدة، وإسكان اللام. بعدها، ثم نون وياء النسبة نسبة إلى طبلنا قرية من قرى تونس، كما قرأته بخط أبي الفتح المالكي كان صاحب الترجمة نازلاً بطرابلس الشام، وكان مالكياً، وكان تلميذه الشيخ مغوش المتقدم في الطبقة الثانية، ولازمه مدة مديدة، وبرع في العربية، والمنطق وشرح مقامات الحريري، وحشى توضيح ابن هشام واشتغل عليه الطلبة بطرابلس، ولما قدم شيخه الشيخ مغوش دمشق من بلاد الروم قاصداً بلاد مصر في سنة أربع وأربعين وتسعمائة قدم معه صاحب الترجمة، ورحل معه إلى مصر، ثم عاد إلى طرابلس. وتوفي بها في خامس عشر صفر سنة أثنتين وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد الأبري
محمد الأبري تلميذ الشيخ محمد الغمري له كلام على لسان القوم وهو مدفون بتربة الشيخ أرسلان رضي الله تعالى عنه
محمد القابوني
محمد الشيخ شمس الدين القابوني ابن أخت الشيخ علاء الدين القميري كان ذا مروءة وافية، وديانة، وهمة عالية وكان فاضلاً صالحاً له قراءة حسنة، وكان إمام المقصورة بالأموي توفي في يوم الثلاثاء ثاني شعبان سنة أربع وسبعين وتسعمائة عن نحو خمسين سنة، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان رضي الله تعالى عنه وصلى عليه جماعة من الصالحين رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد المناشيري
محمد الشيخ شمس الدين المناشيري الصالحي كان حافظاً لكتاب الله تعالى، وكان شيخ السبع بالجامع الأموي بعد صلاة الجمعة بمحراب الحنابلة توفي في أواخر شوال سنة أربع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد العسكري
محمد الشيخ شمس الدين العسكري الصالحي كان من حفظة كتاب الله تعالى، ومن ذرية قوم صالحين. توفي في أواخر شوال سنة أربع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد التلعفري
محمد الشيخ أبو البقاء التلعفري كان شيخاً لا بأس به توفي بدمشق يوم السبت ثالث عشر جمادى الأولى سنة سبع بتقديم السين وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن الهمام
محمد الشيخ محيي الدين بن الهمام توفي يوم الاثنين سابع جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد باشا الوزير
محمد باشا الوزير وزير السلطان سليمان قيل، ولم يكن في وزرائه أحسن منه، ثم وزير السلطان سليم، ثم وزير السلطان مراد، وقف الطاحون خارج باب الفراديس، وغيرها على القراء بالجامع الأموي مات شهيداً بالقسطنطينية، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة تاسع رمضان سنة سبع بتقديم السين وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن الدهانة المنيني(1/393)
محمد الشيخ الصالح الإمام العلامة الشيخ محب الدين بن الدهانة المنيني البكري المصري الحنفي والد القاضي رضي الدين قاضي الديوان المتقدم صحب هو، وولده شيخ الإسلام الوالد حين كان بالقاهرة سنة اثنتين وخمسين وذكرهما الوالد بخير، وقال الشعراوي هو من بيت علم، وصلاح صحبته نحو أربعين سنة فما رأيته حاد عن طريق الحق، ولا هاب أحد من الولاة، والأكابر بل يصدعهم بالحق لا يهاب أحداً منهم قال: وهذا الأمر قد انفرد به الآن، ولم يشاركه فيه أحد مع ما هو عليه من الورع، والزهد وعدم قبول هدية ممن لا يتورع في كسبه، وما ثارت فتنة في مصر إلا وكان خمودهاعلى يديه، ولم يزل يصلح بين العلماء والأكابر إذا وقع بينهم تنافر، وتدابر كلامه مقبول عند سائر الناس قال: ولما وقعت الفتنة في مسألة استبدال الأوقاف أقام قاضي العسكر محمد بن الياس، وعارضهم الشيخ نور الدين الطرابلسي كاتبوا فيه للسلطان، فأرسل مرسوماً بشنق الشيخ نور الدين، وكانت نجاته على يد الشيخ محب الدين المذكور، وقيل أن المرسوم، وصل إلى مصر لما مات الشيخ نور الدين وفرغوا من غسله قال الشعراوي: وبلغنا أنه لما صحب الشيخ الكامل محمد الشاذلي المغربي شيخ الجلال السيوطي في التصوف قال له يا محب الدين تكلم، وأمر بالمعروف، وأنه عن المنكر، ولا تخف من أحد، فذلك لم يكن في مصر أحد من العلماء يواجه الباشا، والأمراء والدفاتر بالكلام الجافي المر إلا هو قال: وكذلك صحب سيدي علي المرصفي والشيخ تاج الدين الذاكر، والشيخ أبا السعود الجارحي، وغيرهم، وكانوا كلهم يجلونه، ويعظمونه ويصفونه بالعلم، والصلاح، والورع، والدين انتهى.
والظاهر أن وفاته تأخرت عن وفاة الشعراوي لأنه ذكره في الأحياء وهو من المعمرين رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد الخطيب الشربيني
محمد الشيخ الإمام العالم العلامة الهمام الخطيب شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي. أخذ عن الشيخ أحمد البرلسي. الملقب عميرة، والشيخ نور الدين المحلي، والشيخ نور الدين الطهواني، والشمس محمد بن عبد الرحمن بن خليل النشلي الكردي، والبدر المشهدي، والشيخ شهاب الدين الرملي، والشيخ ناصر الدين الطبلاوي، وغيرهم، وأجازوه بالإفتاء، والتدريس، فدرس، وأفتى في حياة أشياخه، وانتفع به خلائق لا يحصون، وأجمع أهل مصر صلاحه ووصفوه بالعلم والعمل، والزهد والورع، وكثرة النسك والعبادة، وشرح كتاب المنهاج والتنبيه شرحين عظيمين جمع فيهما تحريرات أشياخه بعد القاضي زكريا، وأقبل الناس على قراءتهما، وكتابتهما في حياته وله على الغاية شرح مطول حافل، وكان من عادته أن يعتكف من أول رمضان فلا يخرج من الجامع إلا بعد صلاة العيد، وكان إذا حج لا يركب إلا بعد تعب شديد يمشي كثيراً عن الدابة، وكان إذا خرج من بركة الحاج لم يزل يعلم الناس المناسك، وآداب السفر، ويحثهم على الصلاة، ويعلمهم كيف القصر والجمع، وكان يكثر من تلاوة القرآن في الطريق، وغيره، وإذا كان بمكة أكثر من الطواف ومع ذلك كان يصوم بمكة والسفر أكثر أيامه، ويؤثر على نفسه كان يؤثر الخمول، ولا يكترث بأشغال الدنيا وبالجملة كان آية من آيات الله تعالى، وحجة من حججه على خلقه اثنى عليه الشعراوي كثيراً، ولم يؤرخ وفاته، وقرأت بخط الشيخ شمس الدين بن داود نزيل دمشق نقلاً عن بعض الثقات أنه توفي بعد العصر يوم الخميس ثامن شعبان سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة وهي سنة ميلادي رحمه الله تعالى.
محمد الزغبي(1/394)
محمد الزغبي بضم الزاي وإسكان المعجمة بعدها موحدة كأنه نسبة إلى زغبة، وهي اسم موضع كما في القاموس، العبد الصالح المعتقد المجذوب المشهور بدمشق، كان للناس فيه مزيد اعتقاد، وكان يكاشفهم ويتبركون به، وكان يصف لأمراضهم الصفوة، ويوري لهم بالماء المصفى عن الرماد، فيستعملونها، فيحصل لهم الشفاء، وكان يرشدهم إلى تصفية النفوس، فإن أقواله كانت من هذا القبيل، يتكلم بالشيء، ويوري به عن معنى آخر، ودخل على بعض قضاة القضاة، فقال: السلام عليك يا قاضي الشياطين فغضب فقال: لا تغضب فإن من كان يأخذ الحق، ولا يتجاوز إلى غيره، ويعطي الحق كاملاً ولا يمتنع منه ولا يجيء إليك، وإنما يجيء إليك من يتجاوز غير حقه، أو يمنع حق غيره، وهؤلاء هم الشياطين، وهؤلاء لا يحتاجون إلى القضاء بينهم، ونظر يوماً إلى بعض أئمة بالجامع عند سوقي فقال: توص من الشيخ فإنه إن سكن سكن معه الناس، وإن تحرك تحرك معه الناس، ما أحد يخالفه، واعتقدته بعض مخدرات الأكابر فتزوجها، فأمرها ببيع أمتعتها، فلم تدع شيئاً، ثم كانت تدور معه مجذوبة حاسرة عن وجهها، ويقول للناس هي أمكم مات في حدود الثمانين وتسعمائة.
محمد الصفدي
محمد الشيخ الإمام العالم شمس الدين الصفدي القدسي الشافعي الواعظ بجامع الأزهر، كان يحب العزلة عن الناس من صغره، مقبلاً على طلب العلم والعبادة حتى تبحر في العلوم العقلية والشرعية، وطلب طريق القوم فاجتمع بسيدي محمد بن عراق، فأقبل عليه إقبالاً عظيماً، وفرح به أشد الفرح، وكان مجلس وعظه مجلس خير وبركة وخشوع وأدب، وكان له درس عظيم في جامع الأزهر وغيره، مات في حدود التسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد الدمنهوري
محمد الشيخ العلامة ناصر الدين الدمنهوري الشافعي، هاجر من بلاده إلى القاهرة لطلب العلم، وهو وأولاده وعياله، وكان له حرص عظيم على اتباع السنة في قوله وفعله، وقام بهدم الكنيستين ببلده وبناحية لقانة، وكان بيته مورد الخاص والعام يقري الضيوف والواردين عليه أين ما حل، أفتى ودرس ببلاده، وانتفع به خلائق، ثم رحل إلى مصر ذكره الشعراوي في الإحياء والظاهر إن حياته تأخرت عن وفاته رحمه الله تعالى.
محمد السنهودي
محمد الشيخ العالم العلامة شمس الدين السنهودي الشافعي الفرضي، كان له اليد الطولى في الفرائض والحساب، أخذ العلم عن القاضي زكريا، والكمال الطويل وغيرهما، وأجيز بالإفتاء والتدريس، قال الشعراوي: وعليه المعول الآن بالغربية والجيزة في الفتوى. قال: وشرح التبريزي شرحاً في مجلدين، وله النظم الشائع، ولم يؤرخ وفاته. أيضاً رحمه الله تعالى.
محمد الشيشيني
محمد الشيخ الصالح الورع شمس الدين الشيشيني القاهري الشافعي قال الشعراوي: حضرت أنا وإياه على شيخ الإسلام زكريا فقرأنا شرح المنهج وشرح التحرير وغير ذلك، وأجازه الشيخ بالفتوى والتدريس، وأفتى بجامع الأزهر، وكان عفيفاً لطيفاً بارعاً زاهداً خائفاً من الله تعالى، جميل المعاشرة حسن الخلق قال: وكان شيخ الإسلام يحبه أشد المحبة. وله عدة مؤلفات، وكان عليه نورانية السلف، ولم يؤرخ الشعراوي وفاته كذلك رحمه الله تعالى.
محمد المغربي
محمد الشيخ العامل العالم شمس الدين المغربي الشافعي، المقيم بثغر رشيد، أخذ العلم عن جماعة، وأجازوه بالإفتاء والتدريس، فأفتى ودرس بعد الشيخ شمس الدين الترجمان، وانتفع به خلائق، وكان يقري الضيف ببلاده، ويحمل الكل كثير البكاء من خشية الله تعالى عليه سيماء الصالحين، لم يؤرخ الشعراوي وفاته رحمه الله.
محمد المحلي
محمد الشيخ العلامة شمس الدين المحلي الشافعي، أحد طلبة الشيخ شهاب الدين الرملي وغيره، درس وأفتى وانتفع به جماعة وكان له الاعتقاد التام في الصوفية وكان تقياً ورعاً، لم يؤرخ الشعراوي وفاته رحمه الله.
محمد الإمام(1/395)
محمد الشيخ الصالح الورع صدر الدين الإمام بجامع القلعة مصر، الحنفي أثنى عليه الشعراوي، ولم يؤرخ وفاته قلت وقرأت بخطه، أن مولده ليلة الجمعة تاسع عشر صفر سنة ثمان وعشرين وتسعمائة وأنه أخذ عن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز الفتوحي الحنبلي، وعن شيخ الإسلام نور الدين الطرابلسي الحنفي، والبرهمتوشي، والشيخ أبي الحسن البكري، والشيخ نجم الدين الغيطي قلت: كان موجوداً في سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد البنوفري
محمد الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام الورع الزاهد الخاشع الناسك العابد، الشيخ شمس الدين البنوفري المالكي شيخ المالكية بمصر، أخذ العلم عن جماعة، منهم الشيخ ناصر الدين اللقاني، والشيخ عبد الرحمن الأجهوري، وكان يحبه ويثني عليه كثيراً. ويصفه بالزهد ومنهم الشيخ فتح الله الدميري، والشيخ نور الدين الديلمي وأجازوه بالإفتاء والتدريس، وحدثنا جماعات عن كثرة صلاته بحيث بالغوا في شدة إسراعه في الركوع والسجود، وبلغني أنه سئل عن شدة سرعته فقال: يا بني اقرأ الفاتحة وسورة في كل ركعة، وعدوا ذلك من كراماته، وإن ذلك كان من طي الزمان، وكان مكباً على العلم والعمل غير ملتفت إلى شيء من الدنيا طارحاً للتكلف مؤثراً للخمول، وكان يقسم السنة ثلاثة أقسام أربعة أشهر يحج، وأربعة أشهر يرابط، وأربعة أشهر يقريء العلوم ويصلي، وكانت وفاته أواخر القرن العاشر رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن الرسام
محمد بن الرسام الشاهد بالكبري بدمشق، مات يوم الجمعة رابع عشري صفر سنة أريع وتسعين وتسعمائة بتقديم المثناة فيهما رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن الخيوطي
محمد القاضي شمس الدين الموصلي المالكي، عرف بابن الخيوطي نائب الباب بدمشق، توفي يوم الجمعة تاسع عشري شعبان سنة أربع وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة وجلس مكانه القاضي علاء الدين ابن المرحل مفتي المالكية رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد إمام القلعة
محمد الشيخ الفاضل الصالح، الشيخ نجم الدين الصفدي الحنفي، إمام وخطيب الجامع بقلعة دمشق، كان ممن لحق سيدي عبد القادر بن حبيب الصفدي، وأخذ عنه، وكان شيخ الإسلام الوالد يكرمه وكف بصره ففرغ عن الإمامة والخطابة للشيخ عبد الرحيم الزبداني، ثم زوجه بنته فأولدها ولده محمداً وتوفي في حدود أربع وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد الفارضي الحنبلي
محمد الشيخ العلامة شمس الدين القاهري الحنبلي، المعروف بالفارضي، الشاعر المشهور. أخذ عن جماعة من علماء مصر واجتمع بشيخ الإسلام الوالد حين كان بالقاهرة سنة اثنتين وخمسين، وكان بديناً سميناً فقال الوالد يداعبه:
الفارضي الحنبلي الرضى ... في النحو والشعر عظيم المثيل
قيل ومع ذا فهو ذو خفة ... فقلت كلا بل رزين ثقيل
واستشهد الشيخ شمس الدين العلقمي بكلامه، في شرح الجامع الصغير، فمن ذلك قوله في معنى ما رواه الدينوري في المجالسة، والسلفي في بعض تخاريجه عن سفيان الثوري قال: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام لأن تدخل يدك إلى المنكبين في فم التنين خير من أن ترفعها إلى ذي نعمة قد عالج الفقر:
إدخالك اليد في التنين تدخلها ... لمرفق منك مستعد فيقضمها
خير من المرء يرجى في الغنى وله ... خصاصة سبقت قد كان يسنمها
ومن بدائع شعره:
إذا ما رأيت الله للكل فاعلاً ... رأيت جميع الكائنات ملاحا
وإن لا ترى إلا مضاهي صنعه ... حجبت فصيرت المساء صباحا
ومن محاسنه أنه صلى شخص إلى جانبه ذات يوم، فخفف جداً فنهاه فقال: أنا حنفي فقال الفارضي:
معاشر الناس جمعاً حسبماً رسمت ... أهل الهدى والحجى من كل من نبها
ما حرم العلم النعمان في سند ... يوماً طمأنينة أصلاً ولا كرها
وكونها عنده ليست بواجبة ... لا يوجب الترك فيما قرر الفقها
فيا مصراً على تفويتها أبداً ... عد وانتبه رحم الله الذي انتبها(1/396)
واجتمع به شيخنا القاضي محب الدين الحموي الحنفي بالقاهرة، حين كان بها صحبة محمد أفندي ابن محمد الياس المعروف بجوي زاده، وذكره في رحلته أخبرنا أن الفارضي كتب إليه وهو قاض يفوه يوصيه بأناس من أهاليها يعرفون بأولاد السعد ما صورته مولانا حرسه الله وحماه، وألبسه قوة بفوه كما شرف به حمص وحماه، معروض الفقير أن أولاد السعد لهم خير مطول، وليس إلا على قصد مولانا فيه المعول، ملخصه أو مقتصره وقفيه ادعى شخص يبيعها، وأنه اجتمع بملك ريعها، والمسألة متعلقة بأيتام، ومولانا حسنة هذه الأيام، فمولانا لا يخليهم من العناية، أدام الله تعالى له الرعاية، ولا يخفي الحث على إكرام اليتيم، وقد جاء ذلك في الذكر الحكيم، وبقيتم في عافية، وهمة كافية شافية. وأخبرنا شيخنا أيضاً أن بعض طلبة العلم سأل الشيخ الفارضي أن ينظم له ترتيب التوابع فنظمها في بيت جامع وهو:
إذا اجتمعت فالنعت قدم به اعتلق ... بيان وتوكيد وجا بدل نسق
قال شيخنا ونظمها الفقير في ذلك الحال في بيتين فقال:
إذا اجتمعت يوماً لديك توابع ... ورمت لها الترتيب في ذلك النسق
فنعت بيان ثم توكيد بعده ... إلى بدل ثم اختم الكل بالنسق
وأنشدني الشيخ العلامة الفقيه شمس الدين محمد المقدسي العلمي مدرس القصاعية بدمشق. قال: أنشدنا شيخنا العلامة الشاعر المجيد محمد الفارضي، المصري الحنبلي، لنفسه وذكر أن القاضي البيضاوي خطأ من أدغم الراء في اللام ونسبه إلى أبي عمرو:
أنكر بعض الورى على من ... يدغم في اللام عنه راء
ولا يخطي أبا شعيب ... والحق يغفر لمن يشاء
وأنشدني عنه أنه أنشده لنفسه:
أجرر محلا وانصبن وارفعنا ... في ربنا مع أننا سمعنا
وأنشدني شيخنا المحب الحنفي رحمه الله تعالى قال: أنشدنا الفارضي لنفسه:
ألا خذ حكمة مني ... وخل القيل والقالا
فساد الدين والدنيا ... قبول الحاكم المالا
وأنشدني شيخنا المشار إليه أن الفارضي، قال: يرثي الشيخ مغوش التونسي المغربي حين مات بمصر:
تقضى التونسي فقلت بيتا ... يروح كل ذي شخص ويونس
أتوحشنا وتؤنس بطن لحد ... ولكن مثلما أوحشت تونس
كان الفارضي في سنة ثمانين وتسعمائة في الأحياء.
محمد المرعشي: محمد المولى العالم الفاضل مفتي الحنفية بدمشق، ومدرس السليمانية بها الشهير بابن المعيد المرعشي الحنفي. قال شيخ الإسلام. الوالد: كان من أهل الفضل زار بيت المقدس، وسافر إليه من دمشق في ثالث عشري جمادى الثانية سنة اثنتين وثمانين وعاد إلى دمشق في ختام شعبان، وكان وصل الخبر بموت السلطان سليم، وكان قاضيها إذ ذاك محمد أفندي ابن بستان، ثم عزل عن الفتوى بدمشق، وأعطي قضاء القضاة بالقدس الشريف ونابلس، والرملة والمجدل، وما يتبع ذلك من النواحي، وبقي بدمشق منقطعاً مريضاً مدة طويلة إلى أن توفي بها في نهار عيد الفطر سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، وصلي عليه بالأموي بعد الظهر، ودفن بالقلندرية من تربة باب الصغير، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
محمد لطفي بيك
محمد جلبي المولى الشهير بلطفي بيك زاده، دخل دمشق متولياً قضاء مكة نهار السبت تاسع عشري ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، وتوجه إلى مصر يوم الأحد عاشر جمادى الآخرة رحمه الله تعالى.
محمد بن طريف الحنبلي
محمد القاضي شمس الدين بن طريف الحنبلي، كان فاضلاً في الفقه يفتي الناس، وله ديانة وسمت حسن، توفي يوم الثلاثاء غرة ذي القعدة سنة تسع بتقديم المثناة وثمانين وتسعمائة، ودفن بالصالحية رحمه الله تعالى.
حرف الهمزة من الطبقة الثالثة
إبراهيم بن محمد التسلي
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، الشيخ العالم الصالح ولي الله تعالى العارف به برهان الدين التسلي بفتح المثناة فوق، والسين المهملة الصالحي الشافعي قال شيخ الإسلام الوالد: عرض علي المنهاج، وقرأ علي فيه، وعرض علي ألفية ابن مالك، وحفظ ألفية الوالد. نظم جمع الجوامع، ولزم درسي كثيراً، ثم حصل له جذب انتهى.(1/397)
حدثنا شيخنا مفتي الشافعية فسح الله تعالى في مدته قال: اجتمعت بالشيخ المشار إليه كثيراً، وكان من أرباب القلوب. أخذ الطريق عن الشيخ أبي بكر بن شعيب الصالحي، ثم انجذب على يدي الشيخ علي الزاهري الكردي الصالحي جذبة شريفة، وكان في العلوم أمة لا يناظره أحد في مذهبه من المذاهب الأربعة إلا حجة بمنقول مذهب ذلك المناظر. توفي في بضع وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن محمد بن محب الدين
إبراهيم بن محمد بن منصور الشاب الفاضل برهان الدين بن محمد بن محب الدين الحنفي، لازم قريبه الشيخ عماد الدين الحنفي، وبرع وفضل ولما توفي الشيخ عماد الدين كتب المذكور على تابوته:
أتعلم يا عمادي أن ركني ... لفقدك قد وهى وانحل عزمي
وأن سرور قلبي يا سروري ... ترحل مسرعاً وازداد همي
وبعدك ما أردت بقاء روحي ... ولكن ليس ذلك تحت حكمي
قال الشيخ إسماعيل النابلسي فيما قرأته بخطه العجب، أنه لم يلبث بعد المولى العمادي إلا اليسير يعني حتى مات، وسبق أن وفاة العمادي كانت في ثامن عشر شعبان سنة خمس وثمانين وتسعمائة رحمه الله.
- إبراهيم بن محمد القدسي
إبراهيم بن محمد القدسي الشافعي، إمام جامع منجك بميدان الحصا، وخطيبه من ذرية القدسي كاتب المصاحف. كان رجلاً ساكناً له فضيلة. قرأ على الشيخ حسن الصلتي سافر إلى الحج في سنة ألف، ومات بعرفة رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن جعفر الرومي
إبراهيم بن جعفر الرومي، كان أبوه كتخذا، وكان هو في ابتداء أمره ينكجرياً، ثم ترقى حتى صار زعيماً، ثم سنجقاً، وكان في ابتداء أمره فقيراً، ثم ورث من أخيه مالاً فقلبه في التجارة والإجازة، فأثرى وكثر ماله، وتزوج بنت السيد تاج الدين الصلتي، وسكن بدار أبيها التي عند باب البريد، وعمرها وجددها، وكان يلازم الصلوات الخمس في الجامع الأموي، ويحب الناس ويتردد إليهم فرأس، وكان عفيفاً متواضعاً يحب العلماء والصلحاء، وينتفع الناس بجاهه توفي يوم الأربعاء مستهل رمضان المعظم سنة ثمان وتسعين وتسعمائة بتقديم المثناة فيهما ودفن بباب الصغير، وقبل وفاته بساعة واحدة توفي ولد له صغير اسمه أحمد جلبي فوضعوه على السرير في حضنه ودفنوه معه رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
إبراهيم بن عبد الرحمن العلقمي
إبراهيم بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر الشيخ العلامة المحقق الشيخ برهان الدين العلقمي القاهري الشافعي أخو الشيخ شمس الدين العلقمي، المتقدم. قرأت بخط أبيه أن مولده مستهل سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وأنه من بلدة العلاقمة قرية من كورة بلبيس، ونشأ بها، ثم رحل إلى القاهرة وتفقه بأخيه والشيخ شهاب الدين البلقيني، وقرأ البخاري كاملاً، وثلث مسلم، وجميع الشفا على قاضي القضاة شهاب الدين الفتوحي، وسمع عليه الأكثر من بقية الكتب الستة بقراءة الشمس البرهمتوشي، وقرأ جميع السيرة لابن هشام على المحيوي يحيى الوفائي قاضي الحضرة، وجميع رياض الصالحين على الولي العارف بالله تعالى أحمد بن داود النسيمي، وجميع البخاري وسيرة ابن سيد الناس على السيد الشريف يوسف بن عبد الله الأرميوني، وأجازه بالفقه والنحو الشهاب البلقيني تلميذ القسطلاني، وقرأ الكثير من حلية أبي نعيم على الإمام المحدث الشهابي أحمد بن عبد الحق أيضاً. وكان في ابتداء أمره يلازم دروس شيخ الإسلام شهاب الدين الرملي، ويسمعه وله مشايخ غير هؤلاء لخصت ذلك من خطه في إجازة كتبها في خامس عشر شهر ربيع الأول سنة أربع وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة، توفي بعد ذلك بيسير رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن محمد العاتكي
إبراهيم بن محمد العاتكي، المعروف بصلاح الدين المؤذن العبد الصالح، مؤدب الأطفال. قرأ على الوالد في المنهاج قطعة من الزكاة، توفي في سنة سبع وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن عبد القادر بن منجك(1/398)
إبراهيم بن عبد القادر بن إبراهيم الأمير ابن الأمير الشهير بابن منجك . كان جواداً كريماً يضرب به المثل في الجود والعطاء، وكان سليم الفطرة مغفلاً، وكان يتكيف تولى النظر على أوقاف أجداده بعد أبيه، وكان يحب العلماء، ويتواضع لهم خصوصاً شيخ الإسلام الوالد، وكان إذا حضر مولداً أحسن إلى قارىء المولد، وربما خلع عليه من ثيابه، وبالجملة كان من أفراد الوقت، ورؤساء العصر وساعات الناس، وكانت أمراء الأمراء بالشام يعرضون عليه المناصب، فلا يقبل وربما أفضل عليهم وأضاقهم، واستغنى عنهم مدحه الشيخ أبو الفتح المالكي:
إذا شئت أن تختار في الشام صاحباً ... تكون إذا صاحبته غير نادم
فلا تصحبن غير الأمير ابن منجك ... حليف العلى رب العلى والمكارم
رئيس دمشق الشام صاحب راي ... ة السخاء بها والجود بين العوالم
وساترها الحامي عن الذم والهجا ... حماها لما يلقى به كل قادم
أمير إذا أجرى الورى ذكر جوده ... تحتم أن تنسى مكارم حاتم
وإن أمه ضيف تلقاه مسرعاً ... بوجه وثغر دائم البشر باسم
يجود بأنواع القرى لنزيله ... ويحميه عند الخوف من كل ظالم
وكم من خصال قد حواها جميلة ... يقصر عن إحصائها كل ناظم
ولا عجب إذ كان من نسل سادة ... ملوك سمت في عصرها المتقادم
لهم في الورى فخر ومجد مؤثل ... حموه بأطراف القنا والصوارم
وبالعدل والإحسان في كل حالة ... ولم يختشوا في الله لومة لائم
وكم وقفوا وقفا على البر جاريا ... وما وقفوا عن رفع تلك الدعائم
وكم شيدوا من بنية مشمخرة ... لها الفلك الدوار ليس بهادم
فلا زال إبراهيم وارث مجدهم ... يسود ويرقى فوق هام الغمائم
ولا زال مقبول المقالة مطلقا ... لدى كل محكوم عليه وحاكم
ولا برحت أوقاته مشرئبة ... لتجديد أعياد مضت ومواسم
مدى الدهر ما لاح الصباح وما شدت ... على عذابات البان ورق الحمائم
وأجابه العلامة المنلا أسد وكان للأمير إبراهيم عليه الإحسان التام في قوله من الوزن والقافية:
إليك انتساب المجد يا ابن الأكارم ... وعنك روى الراوي حديث المكارم
فأنت الذي قد شاع جودك في الورى ... فانساهم جود ابن يحيى وحاتم
إذا ما استهان الناس بالبذل في الندى ... ترى الجود والإحسان ضربة لازم
علوت بأجداد مضت وتناولت ... يداك الثريا قاعداً غير قائم
فتى جر ذيل الفخر فوق مجرة ... وأسس بيت العز فوق الدعائم
محياه طلق للعفاة وكفه ... إذا هطلت أزرت بوكف الغمائم
يفك من القتل الجناة ترحماً ... وكم خلص المظلوم من كف ظالم
هو الليث إلا أنه البدر طلعة ... هو الغيث هطالاً ببذل الدراهم
هو البحر لكن موجه التبر دائماً ... هو السيل يعطي بالعطا المتلاطم
إذا ما أتاه سائل طالب الندى ... يقول له أهلاً وسهلاً بقادم
حليف المعالي في صباه ويافعاً ... ومذ كان طفلاً قبل قطع التمائم
موائده منصوبة طول دهره ... لكل غريب شاحط الدار هائم
إليه يحج الطالبون نواله ... فيغنيهم بالأعطيات العظائم
تساعده الأقدار فيما يرومه ... ويخدمه دهر عصى كل حاكم
أمير له في المكرمات أصالة ... بآبائه الغر الكرام الأعاظم
بدور تبدت في سماء سيادة ... وفي الحرب أزرت بالأسود الضراغم(1/399)
بدور منجك عند النوال كأنهم ... سحائب تهمي بالغنا والغنائم
بنوا في سبيل الله آثار سؤدد ... وقامت به أعلام تلك المعالم
فلا زلت في عز منيع ونعمة ... ورأي كسيف الهند ماضي العزائم
ودم سالماً حلف الندى وافي العطا ... لك الناس ما بين الغلام وخادم
وحكمك مسموع وأمرك نافذ ... وضدك في قهر وخزي ملازم
توفي إلى رحمة الله تعالى في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وتسعمائة، ودفن بمقبرتهم لصيق جامع ميدان الحصا رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن عمر بن مفلح الحنبلي
إبراهيم بن عمر بن إبراهيم العالم البارع القاضي برهان الدين ابن قاضي القضاة، نجم الدين ابن قاضي القضاة برهان الدين ابن مفلح الراميني الحنبلي. ميلاده رابع عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعمائة، واشتغل وبرع واستحاز لنفسه ولإخوته ولأولاده جماعة منهم شيخ الإسلام الجد، وشيخ الإسلام الشيخ العلامة السيد كمال الدين بن حمزة، وشيخ الإسلام الوالد، وصورة ما كتبه تحت خط أبيه:
أجزتهم ما جاز لي روايتي ... له عن الأئمة الأعلام
وكل مالي من تآليف ومن ... نثر ونظم صاغه كلامي
وهو عجيب الوضع والنظم وفي ... عذوبة اللفظ والانسجام
أيضا وفتح المغلق العجيب قد ... أشرف تأليفاً على التمام
أيضا وفي شرح على منظومة ... الوالد في الأصول والأحكام
وغير ما ذكرته ومولدي ... رابع عشر القعدة الحرام
سنة أربع وتسعمائة ... من هجرة المبعوث للأنام
وزكريا الحبر شيخي أولاً ... كابن أبي شريف العلام
ثم أبو الفتح السكندري في ... طريقة الصوفية الكرام
وشيخ الإسلام الإمام وال ... دي وخطه ولفظه أمامي
والتقوى الزرعي شيخنا ... وشيخ الإسلام بأرض الشام
ثم أنا محمد وشهرتي ... الغزي ثم الشافعي إمامي
والقرشي العامري نسبتي ... مؤمل الحسنى في الاختتام
رقمته بسرعة في خامس ... العشر من المحرم الحرام
سنة خمس وثلاثين وتسعمائة ... خلت من الأعوام
من بعد حمد الله مع صلاته ... على شفيع الخلق والسلام
وذكره شيخ الإسلام الوالد في فهرست تلاميذه. وقال: حضر كثيراً من دروسي في شرح منظومة الوالد شيخ الإسلام المسمى بالعقد الجامع، في شرح الدرر اللوامع، وفي التقاسيم للمنهاج وغيره، وأجزته وكتب لي شرحي المنظوم على ألفية ابن مالك انتهى. ودرس القاضي برهان الدين وأفتى وولي تدريس دار الحديث المخصوصة بالحنابلة بالصالحية، ونظرها وناب في القضاء مراراً، ولم تحمد سيرته وكان يسفه على الخصوم وانتهت إليه رئاسة الحنابلة بدمشق، وكان له شهامة وحشمة وحسن هيئة. وقال: والد شيخنا كان ذكياً مستحضراً لفروع مقاديرهم. وولي القضاء، ولحقه في آخر عمره قهر. وقال: إنه كان رئيساً يعرف الناس، ويرعى مقاديرهم. مات ليلة الإثنين ثالث أو رابع عشري شعبان سنة تسع بتقديم التاء وستين وتسعمائة وصلى عليه الوالد من الغد إماماً بالجامع الأموي ودفن بسفح قاسيون بالروضة عند والده رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن يحيى بن الدويك(1/400)
إبراهيم بن يحيى بن أحمد، الشيخ برهان الدين البدوي الأصل، الدمشقي، المعروف بابن الدويك الواعظ من سكان القبيبات خارج دمشق. قال والد شيخنا: كان رجلاً صالحاً وواعظاً حسناً يقرأ سيرة ابن هشام وغيرها من سير النبي صلى الله عليه وسلم في الجامع الأموي بعد صلاة الجمعة، وفي غيره من الجوامع حتى في مدينة حلب، كما اشتهر وقبل الناس وعظه. قال: واجتمع في أول أمره بالشيخ أبي الفضل بن أبي اللطف، واشتغل عليه مدة يسيرة، وذكر ابن الحنبلي أنه دخل حلب سنة خمسين وتسعمائة، وأقبل الناس عليه، ثم قدمها سنة إحدى وخمسين، وفيها دخل مجلس وعظه رجل نصراني، فأسلم،. ثم قدمها سنة اثنتين وخمسين بعد أن رابط بثغر بيروت وصادف خروج بعض الفرنج، وجاهدهم فيمن جاهدهم. توفي في آخر جمادى الأولى سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إبراهيم الصرخدي
إبراهيم الشيخ برهان الدين الصرخدي الواعظ. قال والد شيخنا: كان رجلاً صالحاً يعظ الناس في الجامع الأموي. قال: ولعل موته في آخر رجب سنة تسع وستين وتسعمائة، وتردده في اليوم لا في السنة، لأنه ذكر في ترجمة البرهان بن مفلح المتقدم أن جاره الشيخ إبراهيم بن الصرخد الواعظ توفي قبله بيسير رحمه الله تعالى.
إبراهيم الرومي: إبراهيم المولى العلامة الرومي الحنفي. أرسل من الروم إلى دمشق مفتياً بها، ومدرساً بسليمانيتها. قال: والد شيخنا: ودرس في الجامع الأموي وصار مرجعاً للناس، وكان متعبداً صالحاً توفي ليلة السبت ذي القعدة الحرام سنة أربع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة. حمل بجنازته مصطفى باشا نائب الشام، وقاضيها ابن المؤيد ودفن ، بالقلندرية بمقبرة باب الصغير إلى جانب قاضي القضاة قرط أفندي رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن المبلط
إبراهيم الشيخ الفاضل الأديب الشاعر برهان الدين بن المبلط القاهري شاعر القاهرة من شعره في قهوة البن:
يقول عذولي قهوة البن مرة ... وشربة حلو الماء ليس لها مثل
فقلت على ما عبتها بمرارة ... قد اخترتها فاختر لنفسك ما يحلو
وقال:
أرى قهوة البن في عصرنا ... على شربها الناس قد أجمعوا
وصارت لشرابها عادة ... فليست تضر ولا تنفع
وقال وهو مشهور عنه:
يا عائباً لشراب قهوتنا التي ... تشفي شفاء النفس من أمراضها
أو ما تراها وهي في فنجانها ... تحكي سواد العين وسط بياضها
ولبعضهم في هذا المعنى:
اشرب هنيئاً قهوة البن التي ... تحلو مع الأخوان والخلان
سوداء في المبيض من فنجانها ... تحكي سواد العين للإنسان
قلت أحسن منه قولي:
اشرب من القهوة صاعين ... ولو ببذل الورق العين
سوداء في بيض فناجينها ... كأنها الإنسان من عين
كان ابن المبلط موجداً في سنة إحدى وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
أبكر اليمني
أبكر الشيخ الصالح المعتقد اليمني، نزيل مكة كان يعمل على الماصول، وللناس فيه اعتقاد وكانوا ينذرون له النذور، ويستغيثون به في البحور، وحدثنا عنه بعجائب، وكان عمله بالقصب تستراً أخبرنا الشيخ محمد ابن الشيخ سعد الدين أنه حج وبعض إخواته، فكان يوماً بمكة وقد فرغت نفقتهم وكان معهم بضائع شامية إلا أنها كاسدة إذ ذاك قال: فأصبحنا يوماً ونحن في فكر زائد وتردد في الاستدانة، ومن نقصد فدخل علينا الشيخ أبكر وقال: كيف حالكم يا أولاد أخي وقعد يعمل فلما فرغ قال: هاتوا أربعين مملقاً قال: ولم يكن معنا غيرها فدفعناها إليه فأخذ خواطرنا، ثم خرج فلم يكن بأسرع من أن جاءنا الدلال وبعنا ما كان معنا من البضائع، واتسعنا وأخبرني الشيخ محمد المذكور أن الشيخ أبكر لما قربت وفاته زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم مستعجلاً، ثم عاود إلى مكة وتوجه منها مستعجلاً إلى اليمن، فلما حضر إلى البحر لقي سفينة فركبها، فلما دخل إلى اليمن أمر بعض جماعته يحضر له جهازه، ثم مات عقب ذلك في سنة خمس وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أبو بكر بن الذباح الحنبلي(1/401)
أبو بكر بن إبراهيم، ابن الشيخ محمد المهلل الشيخ العالم الصالح تقي الدين المعروف بابن الذباح، وربما قيل ذباح الحمير، وشهرته أيضاً لا سيما ببلاد اليمن بابن الحكيم المقدسي الأصل، ثم الصالحي الدمشقي الحنبلي، مولده باليمن سنة تسع بتقديم المثناة وتسعمائة وقرأ على شيخ الإسلام الوالد جانباً من صحيح مسلم، وشيئاً من تفسير البيضاوي، وعرض عليه أماكن من الخرقى، وسمع كثيراً من دروسه وكتب من مناظيمه أشياء، وكان يكتب كتب الصوفية. كتب كفاية المعتقد لليافعي، والفتوحات وغيرها لابن العربي، وكان يعتني بكلامه كثيراً، وكان الناس يترددون إليه لكتابة الحروز وغيرها. توفي في تاسع عشر رمضان سنة خمس وثمانين وتسعمائة ودفن بتربة مسجد القدم رحمه الله تعالى.
أبو بكر الأربلي
أبو بكر بن أحمد القاضي تقي الدين الأربلي، ثم الحموي الشهير بابن البقا بالموحدة والقاف المشددة، خليفة الشيخ محمد ابن الشيخ علوان، أخذ عن شيخ الإسلام العلامة أحمد بن عميس الحموي، بحق إجازته عن ابن حجر العسقلاني، وأخذ عن البازلي بحماة، وعن الشيخ شمس الدين محمد ابن الشيخ شمس الدين بن محمد بن السقاء الحموي الشافعي، الإسلام شمس الدين محمد الرملي، والشيخ ناصر الدين الطبلاوي، والأستاذ سيدي محمد البكري، وقرأ عليه شيخنا القاضي محب الدين من أول البخاري إلى باب القراءة في المقبرة في أواخر رمضان سنة إحدى، وستين وتسعمائة وأجازه بباقيه، ثم قرأ عليه في أواخر رجب سنة اثنتين وستين وتسعمائة، وتوفي في حدود السبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أبو بكر الفتوحي بن النجار الحنبلي
أبو بكر بن أحمد الشيخ الإمام العلامة الشيخ تقي الدين ابن قاضي القضاة شهاب الدين الفتوحي، الشهير بابن النجار الحنبلي القاهري. أخذ عن والده وغيره وولي نيابة القضاء بسؤال معظم أهل مصر، وانتهت إليه رئاسة من مذهبه، وكان الشيخ شهاب الدين الرملي يقول: إذا مات مات مذهب الإمام أحمد كما نقله الشعراوي، ولم يؤرخ وفاته رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أبو بكر بن محمد الصهيوني
أبو بكر بن محمد الحمامي، والد الشيخ الفاضل العلامة تقي الدين الصهيوني الشافعي. قرأ على الشيخ شهاب الدين أحمد بن أحمد بن بدر الطيبي في القراآت وغيرها، وعلى الشيخ شهاب الدين أخي في الحساب وغيره، وكان يعتمد علم الحرف ويعمل الأوفاق، اعتقده الحكام بسبب ذلك وعاش فقيراً، ثم أثري في آخر عمره فقال لبعض أصحابه: حيث وسعت علينا دنيانا فالأجل قرب فمات بعد قريب ومن كلامه هذا، ومن محاسنه ليس في الترداد إلى من ليس فيه كبير فائدة كبير فائدة، وهذا يقال له: من البديع المتزايد، ومثله قول بعضهم ليس فيما ليس به بأس بأس فلا يضر المرء ما قال الناس، والمقدم في هذا الباب قوله تعالى: " حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالاته " وله نظم لطيف ومنه قوله:
أضنى الجوانح بالهوى ولهيبه ... بدر تزايد في الهوى ولهي به
وجوانحي جنحت إلى ذاك الذي ... شغل الفؤاد بحبه ولهى به
وعلى هواه مقلتي سحت وما ... شحت بفيض مدامعي وصبي به
فإذا أصبت أذى بأوصاف الهوى ... لا تنكروا وحياتكم وصبي به
لله صب ما تذكر للهوى ... إلا وهام بذكره وصبى به
ذكر الشيخ حسن البوريني أنه ذاكر الشيخ أبا بكر الصهيوني، فوجده فاضلاً في علوم. إلا أنه اشتهر بعلم النجوم، توفي سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى. ورثاه الشيخ أحمد العناياتي بقوله:
عز البقاء لغير الواحد الصمد ... وما سواه فمدفوع إلى أمد
فأعجب لمن عيشه ظن وموتته ... حتم وتلقاه كالمسروب في البلد
ما زلت في نكد من حين مر على ... سمعي بأن خلق الإنسان في كبد
دنيا وإن لم تكن مثل البعوضة في ... التحقير يدمي قذاها مقلة الأسد
والناس في هذه الدنيا مآربهم ... شتى وهم من سبيل الموت في جدد
فعد من آدم باد من عدد ... لم تغنهم كثرة الأموال والعدد(1/402)
سقى المنون لبيداً كاس آبد ... وانتضى للقمان ما أمضاه في لبد
ما دار تخليد هذي الدار في خلد ... سل دار مية بالعياء فالسند
وكم قصور عوال لا قصور بها ... أقوت وطال عليها سالف الأمد
ما رد عن ما رد كف الردى عمد ... بل رد غمدان سيف منه في غمد
يا راصد النجم يرجو سعدها ويخاف ... النحس وعين الموت بالرصد
لا بد أن يغمس المقدار مديته ... في لبهه الجدي أو في جبهة الأسد
تخون كف ثرياها جوانحها ... ويسلم العقد جوزاها إلى البدد
ويجمع القمران النيران فلا ... مساء ليل غدا يأتي بصبح غد
لهفي عليك أبا بكر إذا احتجب اله ... لال للصوم واحتاجوا إلى العدد
لهفي عليك لتقويم برعت به ... فأحتاج بعدك للتقويم من أود
قد كنت قمت بعلم النجم منفرداً ... بطالع فيه بالإسعاد منفرد
تبكيه بالنوء أحداق النجوم فللمر ... يخ عين قد احمرت من الرمد
وفكها لك طرف جد منتكب ... وكل مالك قلب جد متقد
لو كان للشمس حكم في تصرفها ... غابت وبعدك لم تطلع على أحد
أبو بكر بن أحمد الحلبي الجلومي
أبو بكر بن أحمد بن محمد بن سالم بن عبد الله الشيخ تقي الدين الحلبي الجلومي الشافعي العطار، خطيب الجامع المقابل لحمام الخواجا بحلب، كان شاعراً حسن الخط ملماً بشيء من العروض، وجمع له ديواناً، وسماه نسمة الصبا، من نظم الصبا ثم زاد عليه وسمى المجموع شراب الفتوح، وغذاء الروح، وجعل في طيه مقاطيع سماها عطر العروس، وحج وزار بيت المقدس ومن شعره وأنشده في أول ديوانه:
يا ذا الذي أبصر ما ... أبرزته من فكرتي
إذا وجدت خللاً ... بالله فاغفر زلتي
وكن رحيماً منصفاً ... وادع لنا بتوبة
وله دو بيت:
مولاي بحق خدك النعمان ... بالخال بما في فيك من عقيان
باللحظ بقامة كغصن البان ... عطفاً بمتيم كئيب عاني
وله ورأى في منامه أنه ينشد:
إذا ما العبد أصبح في نعيم ... فيحمد ربه في كل حين
ويسأله المعونة كل وقت ... ويحمده على مر السنين
توفي بحلب سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أبو بكر بن منجك
أبو بكر بن عبد القادر ابن أبي بكر بن إبراهيم بن منجك، الأمير العريق تقي الدين بن منجك الدمشقي، الحنفي. اشتغل في الفقه على القطب ابن سلطان، والبرهان بن عون، وكان له فضيلة، وديانة، وحشمة، وكان يواظب على الصلوات في الجماعة بالجامع الأموي. تولى أوقاف أجداده بعد والده الأمير عبد القادر مدة ثم انتزعه منه أخوه إبراهيم المتقدم ذكره بمعونة الكمال الحمراوي، والشيخ علاء الدين بن عماد الدين، وتقاطعا نحو عشرين سنة، ثم لما حضرته الوفاة استحضر أخاه الأمير إبراهيم، وأبرأ ذمته، ومات في ثالث ذي القعدة سنة أربع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وصلى عليه الوالد بالأموي، ودفن بترتبهم بميدان الحصا عن ولدين أحدهما الأمير عبد اللطيف، والثاني منجك.
أبو بكر بن محمد بن الموقع(1/403)
أبو بكر بن محمد بن محمد الشيخ تقي الدين ابن القاضي محب الدين ابن القاضي نجم الدين ابن الموقع الشافعي ناظر الجامع الأموي، وكان له معرفة بالحساب والضبط، ولي عدة أنظار منها نظر السيبائية خارج باب الجابية، وكان عاقلاً نبيلاً، وعنده تدين، وكان من فقراء الشيخ عمر العقيبي، ومريديه الذين امتحنهم، وباشر نيابة النظر في الجامع بعفة، وضبط أوقافه، وزاد في معالم المرتزقة، وأحدث فيه تراقي ووظائف منها ربعتان لولديه، وجزآن، ووسع باب السيورية خارج باب العنبرانية، وكان كباب سوق الحرير ضيقاً يزدحم الناس فيها عند الخروج من الصلوات خصوصاً يوم الجمعة، ومع الجنائز، وكانت نعوش الموتى تخرج من الباب بعسر، وصارت النعوش تخرج منه بيسر، ويقل زحام الناس فيه، ومات ولداه أحمد وعمر في شهر واحد قبل موته بنحو سنتين، وفرغ عن نيابة النظر بالجامع الأموي قبل موته لعبد اللطيف بن إبراهيم بن موسى، الشهير بابن فرعون صهر الشيخ شمس الدين ابن المنقار، ومات في ذي الحجة سنة ست وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أبو بكر بن علي بن الحصين
أبو بكر بن علي الحجار، المعروف بابن الحصين إمام جامع سويقة الحجارين بحلب. وكان شيخاً معمراً منوراً محبوباً عند الأكابر والأصاغر. مولده بحلب سنة سبعين بتقديم السين وثمانمائة، ووفاته سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أبو بكر بن وفاء المجذوب الحلبي
أبو بكر بن وفاء المجذوب الحلبي. كان أبوه مؤذناً صالحاً يؤذن بمنارة مسجد سويقة علي بحلب وكان قبل الجذب تابعاً لبعض الحكماء الروميين، وسافر معه إلى دمشق، فرأى بها واحداً من الأولياء، وقد بلغني أنه الشيخ محمد الزغبي، فأخذ يتردد إليه، ودعا الله تعالى أن يصرف عنه الدنيا، فلم يسعه إلا ترك ما معه من حطامها، وجذب وعاد إلى حلب مجذوباً، وصار يأوي إلى محلة مقابر الغرباء وما والاها، وكان لا يرى كثيراً إلا بين المقابر، وكان يكاشف الواردين عليه، فيقبض حيناً، ويبسط، وكثيراً ما يرى على رأسه طاقية، فيجيئه بعض الناس بطاقية أخرى، فيضعها له فوق الأولى، وهو لا يبالي فيجاء بثالثة، فتوضع فوقها، وهو لا يكترث بما صنع به، وكان يقد النار، ويضع فيها ما يأتيه من أموال الظلمة ونحوها، وكان تالله الكلاب، وكان يخطاب كل أحد بخطاب المؤنث، وكان يخاطب الباشا، فمن دونه بخطاب واحد، وكان يسهل ذلك عليهم ما يكاشفهم به من أحوالهم، وحلق لحيته، وقلع أسنانه، ثم كان يفعل ذلك بمن يأتيه مريداً، وبقي جماعته على هذه الطريقة، وظاهرها منكر في الحقيقة، والشرع لا يجيز ذلك في الاختيار، ولا يسع المرتبط بالشريعة إلا الإنكار، ذكره ابن الحنبلي في تاريخه، ولم يؤرخ وفاته لأنه توفي بعده في حدود التسعين وتسعمائة رحمه الله.
أبو بكر البعلي الحنبلي
أبو بكر، الشيخ العالم تقي الدين بن غالب البعلي الحنبلي، تردد إلى دمشق كثيراً أخذ عن شيخ الإسلام الوالد، وعن غيره، وولي نيابة القضاء بها في زمان قاضي القضاة ابن المفتي، وكان فقيهاً، وله صلابة في دينه.
أبو بكر الجبرتي
أبو بكر الجبرتي الشافعي نزيل القاهرة، الإمام العلامة الصموت، الوقور. أخذ عن شيخ الإسلام الوالد، وعن غيره، وولي القضاء بها في زمان قاضي القضاة العلامة شهاب الدين الرملي وغيره، بالإفتاء والتدريس، وانتفع به خلائق، وكان مجلسه مجلس علم وأدب وخشية، ولم يؤرخ الشعراوي وفاته، وذكره في الأحياء رحمه الله تعالى.
أبو الصفاء ابن الإسطواني
تقدم في المحمدين.
أبو الفتح الأسطواني
تقدم كذلك.
أحمد بن محمد الأكرم(1/404)
أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن الأكرم الحنفي. كان من رؤساء دمشق، ووالده من جماعة الشيخ عمر العقيبي، وكان في زي العلماء، ولم يكن في العلم بذلك. ولي تدريس المقدمية الجوانية بدمشق، وانتسب إلى واقفها، وعمر فيها له سكناً، وأنكر عليه ذلك قاضي القضاة منلا أحمد الكردي الأنصاري، وكشف بنفسه عليها، فوجده قد غير فيها وبدل، وحصل لصاحب الترجمة منه تعزيز ومشقة بسبب ذلك، ثم تزهد وتعمم بالصوف، وربى شعر رأسه، وسكن الحجرة الحلبية لصيق الأموي بعد شيخ الإسلام الوالد، ومات يوم الأحد سنة ثلاث وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن بمقبرة والده عند قبر والده شمالي المدرسة النحاسية رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد بن شريح
أحمد بن محمد بن رجب بن شريح بن سعيد العبد الصالح، الدمشقي المولد، السويدي المنشأ، المعروف بالحوراني والد الشيخ عثمان الحوراني الواعظ. كان من جماعة الشيخ أحمد بن سعد الدين، وسافر إلى الروم بإشارة شيخه وامتحن، ثم ظهرت عليه خوارق. توفي ليلة الجمعة ثامن شوال سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الصغير تجاه سيدي معاوية رضي الله تعالى عنه عند قبر الشيخ نصر المقدسي.
أحمد بن محمد المستوفي
أحمد بن محمد القاضي شهاب الدين المستوفي أحد العدول بدمشق. مولده يوم الأحد العصر ثالث عشر ذي القعدة سنة أربع وتسعمائة. قرأ على شيخ الإسلام الوالد في الجرومية إلا اليسير من أولها قراءة إتقان، ومقدمة في العروض، وأخذ عن غيره، وصار رئيس الشهود بدمشق، ومات في نيف وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وجلس بعده أحمد بن كريم الدين رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد الكفرسوسي
أحمد بن محمد الشيخ شهاب الدين ابن شيخ الإسلام شمس الدين الكفرسوسي، الشافعي، الواعظ. توفي يوم الجمعة خامس عشرة جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، ودفن عنده والده رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد الغزي
أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، الشيخ الإمام العلامة المحقق شيخ الإسلام شهاب الدين الغزي الشافعي. ولد في شوال سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، وقرأ القرآن العظيم على شيخنا الشيخ يحيى العمادي المغربي، وتلاه للسبعة على والده، وعلى شيخنا المقرىء المجيد، الشيخ حسن الصلتي، واشتغل في العلم على والده، ولازمه في الأصول، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والتفسير، والقراءات، وقرأ بمصر على شيخ الإسلام بدر الدين ابن الطباخ المصري، وحمل عنه مصنفاته على الشيخ العلامة السيد الشريف قطب الدين عيسى الإيجي، وحمل عنه شرح الكافية تصنيفه، وقرأه عليه وكتبه بخطه، وعلى شيخ الإسلام شهاب الدين الرملي، وغيرهم حين دخل مصر في صحبة والده سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، ولقي العارف بالله أحمد الجاني المقدسي، وأخذ عنه الطريق، وأجاز له شيخ الإسلام السيد عبد الرحيم العباسي الإسلام بولي بمصنفاته كشرح البخاري، وشرح شواهد التلخيص، ومروياته. وبرع وأفتى ودرس، في اليوم الذي قبل وفاته، وكان متضعفاً. لازم والده، وكان أبر الناس بأبيه، وقال: أريد أن أتودع من الشيخ، وكان الشيخ يمتحن صحبته بتوجيه الفتاوي إليه، وكان يوم جمعة، فكتب ذلك اليوم على بضع وعشرين رقعة كلما كتب على رقعة يأخذها والده ويتأملها، ويحمد الله، وكان أود أهل زمانه لهم، وأرأفهم عليهم يفيدهم العلم وينشره، ويضوع كل مجلس جلس فيه ويعطره جمالاً محضاً، وبهاء صرفاً، خاشعاً بكاء من خشية الله تعالى لطيف المحاضرة، حسن المجاورة، حلو المذاكرة، لطيف الذات والصفات، حسن الأخلاق، حليماً، حكيماً، جواداً كريماً، يؤثر إخوانه، ويوقر أقرانه، ويتودد إلى من يعاديه، كما يتودد إلى من يواليه، تنجذب إليه القلوب، وترتاح إليه الأرواح، وتنشرح لجمال طلعته الصدور، وأجمع الناس على محبته واعتقاده، وتقديمه واعتياده، ورجاء بركته وطلب الدعاء، لا يرى جنازة غريب أو فقير إلا مشى فيها، ولا يسمع بمسجد خراب إلا ذهب إليه، وتردد إليه، يعمره بالصلاة والذكر والتدريس كما قلت:
إمام له في العلم باع وساعد ... وفي الحلم أخلاق طراف وتالد
وفي الفضل والمجد الأثيل مصاعد ... وفي الملأ الأعلى الكريم مقاعد(1/405)
تعشق كل الكون معنى جماله ... فأضحى لأحوال الغرام يكابد
كأن له ذات الوجود بأسرها ... بمعناه من فرط الهيام تواجد
وكان رحمه الله تعالى لا يمر بسوق ولا شارع ولا محلة إلا والناس يقبلون عليه ويقبلون يديه، ويلتمسون بركته، ويتبسم في وجه كل واحد منهم، ويلاطفهم، وكان له نظر خارق في رؤية الآثار، وسماع الأطيار، وملاحظة القدرة في الثمار والأزهار، وكانت مقاصده حسنة، ومشاهدة جميلة، وألف منظومة رائية في أسماء الكواكب الثابتة، ومنظومة أخرى لامية جمع فيها قراءة أبي جعفر سبط أبي الأصبهاني، واختصر المنهج في كتاب سماه النهج ولم يتم، ولم أقف عليه، ولم يكثر من التصنيف لاشتغاله بقراءة كتب والده، وكتابتها، ومقابلتها، ومساعدته في تحرير كثير منها حتى كان الشيخ يرجع إلى قوله في بعضها، وكان مشتغلاً أيضاً بالنفع والإفادة والإقراء، ودرس بالقيمرية البرانية وبالشامية الجوانية، وولي إمامة الشافعية الأولى بالجامع الأموي، وانتفع به أكثر الفضلاء كالشيخ تقي الدين بن الحكيم، والعلامة درويش بن طالوا، والشيخ حسن البوريني، والشيخ محمد الصالحي، والشيخ محيي الدين البكري، والشيخ تاج الدين القرعوني، والشيخ شمس الدين الميداني، والشيخ علاء الدين الدهيناتي والشيخ العلامة فخر الدين السيوفي، والشيخ بركات بن الجمل إمام المغيربية والشيخ موسى السيوري وآخرين، وصحب جماعة من العلماء الصالحين منهم الشيخ مسعود المغربي، والشيخ احمد بن سليمان، والشيخ عبد القادر بن سوار، وكان الناس لا ينكرون ولايته، بل كانوا جازمين بأنه من كمل العارفين. وحدثني الشيخ يوسف النوري، وكان من جماعته قال: كنا بين يدي الشيخ شهاب الدين في الجامع الأموي في بعض الليالي، فتذاكرنا في مناقب أولياء الله تعالى فقال: إن لله تعالى عباداً قطع الشوق أكبادهم، وملأ الحب فؤادهم وبكى وانتحب قال: فلما قام الجماعة، وخلوت بالشيخ قلت له: يا سيدي بالله الذي لا إله غيره أنت من هؤلاء الذين ذكرتهم، فقال: أي والله يا يوسف، وحدثني المذكور قال: كان سيدي الشيخ شهاب الدين كثيراً ما ينشد:
ياخليلي عدّيا ... عن حديث المكارم
منك فى الناس شره ... فهو في جود حاتم
وكان له كرامات كثيرات، وخوارق عادات، وحدثني الشيخ محيي الدين البكري وكان ثقة فاضلاً. قال: كنا في مجلس الشيخ شهاب الدين، وهو يتكلم في الأخلاص، وعدم ملاحظة الخلق من كتاب الإحياء للغزالي، فمر على مجلسه قاضي قضاة الشام إذ ذاك، فسلم فرد عليه السلام، ولم يقم من مجلسه، ثم لما فرغ قال: أراد الله تعالى أن يمتحنا في هذه الساعة بمرور هذا الرجل علينا، فثبتنا بفضل الله تعالى، ولم نزده على رد السلام الواجب، وكان رحمه الله تعالى يقرأ في إحياء علوم الدين في آخر النهار في كثير من الأيام، وكان لا ينقطع عن مجلس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المسمى بالمحيا، وقال في ذلك:
إماتة نفسي في مطالعة الأحيا ... وأحياء روحي في مشاهدة المحيا
فيا رب هذا دأب عبدك دائماً ... وديدنه ما دام في هذه الدنيا
وكان كذلك إلى أن توفي رحمه الله تعالى ومن محاسنه قوله:
فطور التمر سنه ... رسول الله سنه
ينال الأجر شخص ... يحلي منه سنه
وقال رحمه الله تعالى:
وروض جمال محبوب كريم ... نزلت به وما منه معارض
وما منع العذار به نزولاً ... ولكن ما سلمت من العوارض
وقال رحمه الله تعالى:
من سم هذا البرد أشكو الأذى ... فابعد عن الشر ولا تقرب
فقارس البرد غما قارصاً ... من حر قرص الشمس في العقرب
وقال مخمساً لبيتين مرويين عن سيدي إبراهيم بن أدهم في قصة مشهورة:
عن جناياتك نعفو ... ومن التكدير نصفو
هات قل لي: كيف تجفو؟
كل شيء لك مغف ... ور سوى الإعراض عنا
قد مضى العمر تلافاً ... هب فؤادي لك صافا
وبما يرضيك وافا
قد غفرنا لك ما ... فات بقي ما فات منا(1/406)
ولما وقف رضي الله تعالى عنه على قصة الشيخ العلامة إسماعيل بن المغربي اليمني صاحب الترجمة مع ولده لما قطعه ما كان يعتاده منه من البر والصلة لكونه يتعاطى ما لا يليق، فكتب إليه ولده:
لا تقطعن عادة بر ولا ... تجعل عقاب المرء في رزقه
فإن أمر الإفك من مسطح ... يحط قدر النجم من أفقه
وقد جرى منه الذي قد جرى ... وعوقب الصديق في حقه
فأجاب والده بقوله:
قد يمنع المضطر من ميتة ... إذا عصى بالسير في طرقه
لقدرة منه على توبة ... توجب إيصالاً إلى رزقه
لو لم يتب مسطح من ذنبه ... ما عوقب الصديق في حقه
فلما وقف الأخ رحمه الله تعالى على ذلك قال كالمجيب عن ولد الشيخ إسماعيل لولده:
تبنا إلى الرحمن لا للدنا ... وليس توب المرء من حذقه
وإنما الله تعالى إذا ... أسعد ذا التوفيق من خلقه
تاب إليه وهدى قلبه ... وأسند الفعل إلى صدقه
وقال الأخ رحمه الله تعالى موالياً:
شر الفتى الحر لا يكذب ولا يغتاب ... ولا يطل على جاره ولو من باب
ولا يذم صديقه إن حضر أو غاب ... ولا يدمدم، وإن ضاقت به الأسباب
وقال رحمه الله تعالى ذو بيت:
يا مالك رقي رق مالي راقي ... أنعم عجلاً علي بالدرياق
إن متّ جوىً على غرام راقي ... إني لكم من جملة العشاق
وقال أيضاً:
إن كان على البعاد من نهواه ... لا يذكرنا فنحن لا ننساه
قد طال تشوقي إلى لقياه ... كم أصبر لا إله إلا الله
وقال موالياً أيضاً:
عوّذت حبي بطه والزمر مع قاف ... وهود والأنبياء والنمل والأحقاف
والفجر والحجر مع حم عسق ... والطور والنور والأنعام والأعراف
وقال رضي الله تعالى عنه: إذا ما أراد الله تقريب مبعد وساعده سعد، وسابقه الحسنى
تكلم توفيقاً بخير لسانه ... يصيب به من حيث يخطىء في المعنى
ومن لطائفه أنه كان يتردد إلى مسجد معمر على عادته، فرآه خراباً فقال لمتوليه: عمّره، وتكرر منه هذا القول، والمتولي يقول له: يا سيدي خنزرت الحائط فقال:
ومانع مسجد ذكرا ... عليه الفعل أنكرت
إذا ما قلت: عمرت ... يقول الكلب: خنزرت
وقال في والده:
وقالوا: سما البدر فوق السماء ... سمواً وساماه في تمه
أعين المسمى هو أو غيره ... فقلت: هو البدر عند اسمه
وقال في الأمير عبد اللطيف بن منجك، وكان تلميذ الأخ وصديقه:
الاسم عين المسمى ... دليل قول لمن شك
لطف وظرف حواه ... عبد اللطيف بن منجك
وهو مأخوذ من قول شيخ الإسلام أبي الفضل ابن حجر العسقلاني فيمن اسمه صالح، وهو بديع:
الاسم عين المسمى ... والحق أبلج واضح
وإن ترد صدق قولي ... فانظر لسيرة صالح
وكتب مامامي الرومي إلى أستاذه الأخ رضي الله تعالى عنه سؤالاً وهو:
ما قولكم سادتي في أهيف خطراً ... غصبته قبلة مذ صرت في خطر؟
فرام قتلي بلحظ للورى سحراً ... وصرت منه أراعي النجم في السحر
هل جائز قتلتي أفتوا لمن حضرا ... ببابكم يا رئيس البدو والحضر؟
فأجابه رحمه الله تعالى بقوله:
لم يفت بالقتل من بالشرع قد شعرا ... من أجل تقبيل خالي الخد من شعر
أو من غدا بعذار قد غدا خضراً ... كان خضرته من لمسة الخضر
يرد سائله من وصله نهراً ... ودمعه سائل يجري كما النهار
وله موشح لطيف في الحبوش مشهور أنشدنيه شيخ الاسلام الزين عمر بن سلطان الحنفي عنه:
لي من الحبش غزال ... لفؤادي قد سلب
وانثنى عني قليلاً ... ولقتلي قد طلب
ورمى نحوي بسهم ... من لحاظو ونشب
قلت: لو يا حب صلني ... فاصطباري قد ذهب(1/407)
يا حبوش أنتم حلاوه ... يا قناديل الذهب
قال لي: ة بالله دعني ... ما وصالي لك مباح
من يرم غالي وصالي ... ويريد عين الصلاح
لا يعير سمعه لواش ... ولعذال ولاح
قلت له: يا نور عيني ... في سواك ما لي أرب
يا حبوش أنتم حلاوه ... يا قناديل الذهب
قال: صف إن كنت تهوى ... مبسمي راعي الوشام
قلت فيه: عقد جوهر ... يسبي من غالي وسام
ما سلب عقلي ولبي ... غيركم يا ولاد حام
ما لهم يأبوا وصالي ... يا ترى ماذا السبب؟
يا حبوش أنتم حلاوه ... يا قناديل الذهب
ذا الغزيّل في شبيكه ... صادني شعرو الجعيد
ذو ثغيّر من أقاح ... فيه من صافي البريد
راعي الجسم المنعم ... إن سلواني بعيد
أنعم أنعم لي بوصلي ... أو مدامه من شنب
يا حبوش أنتم حلاوة ... يا قناديل الذهب
ما يرى في الغيد مثله ... إن تبدي أو خطر
في الأزيرق حين يخطر ... قد تركني في خطر
شرطه يجرح فؤادي ... والحشا مني أسر
قلت حسبي حبيبي
يا حبوش أنتم حلاوة ... يا قناديل الذهب
بعد ذا أنعم حبيبي ... وسمح لي بالوصال
بعدما أكثر صدودي ... وأخذ قلبي وصال
يا ليالي الوصل عودي ... يا هنا تلك الليال
أنتم غاية مرادي ... ونهايات الأرب
يا حبوش أنتم حلاوة ... يا قناديل الذهب(1/408)
كان الأخ رضي الله تعالى عنه أبر ولد بوالده، وأشبه بأبيه في طريف الفضل وتالده، وكان يحترم والده بحق بنوته النسبية والعلمية، وكان يقبل أخمصيه، كلما دخل عليه، وكان كلما حضر مجلس ذكر أو علم أو خبر، وتوقع فيه الإجابة قرأ الفاتحة، ثم قال للحاضرين: قولوا آمين، فإذا قالوا: آمين قال: اللهم إجعل يومي قبل يوم أبي حدثنا بذلك جماعة منهم شيخنا الشيخ يحيى العمادي، ودخل على والده يوم الجمعة مستهل ذي الحجة الحرام سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، وكان متمرضاً، فأمر أن يفترش له فراش تجاه والده، وقال: أتودع منه، ولازم والده ذلك اليوم بطوله، وصلى معه في خلوته بالجامع الأموي الجمعة، ثم عاد إلى مجلسه والفتاوى ترد على شيخ الإسلام الوالد، فيقول كلما جاء رقعة: اكتب يا شهاب الدين فيكتب، ثم يأخذ الرقعة ويتأمل كتابته، ويدعو له حتى كتب له على بضع وعشرين رقعة، ثم أراد مفارقة أبيه آخر النهار، وقال له: يا سيدي أخرج لي رجليك، فقبلهما على عادته، وتبرك بهما، وبكى، وطلب الرضى من أبيه، وشيخ الإسلام يبكي، ويدعو له بالرضوان وغيره، ثم خرج من عنده إلى بيته، فقعد معظم ليلة يقرأ في صحيح بخاري وغيره على من عنده من الأهل، ثم أغفا إغفاءة، وقام على عادته قبل الأذان، فخرج إلى الحمام، وكان يحب دخول الحمام لأجل الطهارة، فإنه كان عنده تحرّز ووسوسة الظاهر، فلما دخل الحمام المعروف بحمام السلسلة بالقرب من داره حلّق له الحلاق رأسه، ثم نزل إلى المغطس، فأغمي عليه، فأخرج إلى مصاطب الحمام، فإذا هو قد مات، فأعلم أهله، فجاؤوا به وحملوه ميتاً إلى دار أبيه وأبوه رحمه الله تعالى في الخلوة لم يدر، ثم دخل عليه بعض أصدقائه، فأفهمه موته الإشارة، ثم أمر والده بتجهيزه، فجهز وصلى عليه إماماً بالجامع الأموي، وحملت جنازته على الرؤوس، ولم تحفل بدمشق جنازة فيما عهده أهل عصره أعظم مما حفلت جنازته إلا جنازة أبيه من بعده. ودفن بمقبرة الشيخ رسلان بالقرب من ضريح جده شيخ الإسلام رضي الدين، ثم دفن والده بعده في السنة الثانية للسنة المذكورة رجلاه عند رأس ولده المذكور كأنه يقفو أثره إلا أنه اتفق أن قبر الشيخ شهاب الدين كان متأخراً عن محاذاة قبر أبيه حتى كأنه أمامه، وكان ذلك موافقاً لحالة المرحومين في دار الدنيا، ثم اتفق دفن ولدنا الفاضل الصالح بدر الدين قدام عمه المذكور رأسه عند رجلي جده، وفي محاذاته بوصية منه في الوقت الذي ذهبت لحفر قبره فيه بعد أن استخرت الله تعالى له في الحفر، فاتفق في وضع المذكور، وعدت فرأيته قد أوصى جدته، ومن عنده أن يحفر له في بقعة خالية عند رجلي جده.
وكانت وفاة الولد المذكور في شعبان سنة سبع عشرة بعد الألف، ووراء قبر الشيخ شهاب الدين قبر والده الشاب الفاضل العالم الصالح أحمد، وكانت وفاته شهيداً في طاعون سنة اثتتين بعد الألف ثاني عشر رمضان، وهذا وإن لم يكن من شروط كتابنا فهو من تتمة ترجمة الأخ المرحوم رضي الله تعالى عنه.
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟أحمد بن محمد قاضي زاده. أحمد بن محمد المولى شمس الدين الألوسي، الحنفي الشهير بقاضي زاده أحد الموالي الرومية. اتصل بجده عبد القادر الحميدي المفتي، وولي قضاء حلب، ثم ترقى حتى صار مفتياً بإسلام بول بعد حامد أفندي، وله حاشية على الهداية، ومحاكمات بين صدر الشريعة، وابن كمال باشا في شرح الوقاية، ورسائل، وتوفي في خامس رييع الأول سنة ثمان وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد القاري
أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد القاري الخواجا شهاب الدين الشافعي. كان له مشاركة في العلم، وكان يعتقد الطيبي، ويتكلف على مولده في كل سنة، وانقطع بعد موت الطيبي في بيته، ولزم تلاوة القرآن. توفي في سنة تسع وثمانين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
أحمد بن محمد الحصكفي ابن المنلا(1/409)
أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن يوسف بن حسين بن يوسف بن موسى، الشيخ العلامة، الفهامة شهاب الدين الحصكفي الأصل الحلبي المولد، والدار، الشافعي المعروف بابن المنلا جده لأبيه، كان قاضي قضاة تبريز شهرته منلا جامي شرح المحرر، وجده لأمه الشرفي يحيى آجا بن آجا. مولده سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، ونشأ في كنف أبيه، واشتغل بالعلم، وقرأ على ابن الحنبلي في مغني اللبيب فما دونه من كتب النحو، وفي شرح المفتاح، وفي المنطق وفي القراءات، والحديث وفي مؤلفاته، وصحب سيدي محمد ابن الشيخ علوان، وهو بحلب سنة أربع وخمسين، وسمع منه نحو الثلث من البخاري، وحضر مواعيده، وسمع المسلسل بالأولية من البرهان العمادي، وأجاز له، وقرأ بالتجويد على الشيخ إبراهيم الضرير الدمشقي نزيل حلب كثيراً، وأجاز له وذلك في سنة خمس وستين، ورحل إلى دمشق رحلتين، وأخذ بها عن شيخ الإسلام الوالد، وحضر دروسه بالشامية، وبحث فيها بحوثاً حسنة مفيدة أبان فيها عن يد في الفنون طولى، وكلما انتقل من مسألة إلى غيرها تلا لسان حاله: " وللآخرة خير لك من الأولى " كما شهد بذلك الوالد في إجازته له، وقرأ على النور النسفي قطعة من البخاري، ومسلم، وحضر عنده دروساً من المحلي وشرح البهجة وأجاز له، وقرأ بها شرح منلا زاده على هداية الحكمة على محب الدين التبريزي مع سماعه عليه في التفسير، وقرأ قطعتين صالحتين من المطول و الأصفهاني على الشيخ أبي الفتح السبستري ورحل سنة ثمان وخمسين إلى القسطنطينية، فأخذ رسالة الإسطرلاب عن نزيلها الشيخ غرس الدين الحلبي، واجتمع بالفاضل المحقق السيد عبد الرحيم العباسي، واستجاز منه رواية البخاري فأجاز له ومدحه بقوله:
لك الشرف العالي على قادة الناس ... ولم لا؟ وأنت الصدر من آل عباس
حويت علوماً أنت فيها مقدم ... وفي نشرها أضحيت ذا قدم رأس
وقفت بني الأداب قدراً ورتبة ... وسدتهم الجود والفضل والباس
فيا بدر أفق الفضل يا زاهر السنا ... ويا عالم الدنيا ويا أوحد الناس
إلى بابك العالي أتاك ميمماً ... كليم بعضب عدت أنت له آسي
فتى عاري الآداب يا ذا الحجى فما ... سواك لعار عن سنا الفضل من كأسي
فاقبسه من مشكاة نورك جذوة ... وعلله من ورد الفضائل بالكاس
وسامحه في تقصيره ومديحه ... فمدحك بحر فيه من كل أجناس
فلا زلت محمود المآثر حاوي ... المفاخر مخصوصاً بأطيب أنفاس
مدى الدهر ما احمرت خدود شقائق ... وما قام غصن الورد في خدمة الآس
ودرس، وأفاد وصنف، وأجاد، وله شرح على المغني جمع فيه بين حاشيتي الدماميني والشمني، وشرح شواهد السيوطي، وكتب، ونظم الشعر الحسن، ومن شعره في مليح لابس أسود:
ماس في أسود اللباس حبيبي ... ورمى القلب في ضرام بعاده
لم يمس في السواد يوماً ولكن ... حل في الطرف فاكتسى من سواده
وله مضمناً:
ظبي كساني حلة وأدار لي ... كأس الرحيق على رياض الآسي
وغدا يقول عذاره اشرب يا فتى ... واجعل حديثك كله في الكاس
توفي في سنة ألف قتله اللصوص في بعض قراه رحمه الله تعالى - ثم تحرر لي من خط الشيخ العلامة عمر العقيبي أنه مات في سنة ثلاث وألف فترجمته في كتاب لطف السمر أيضاً وأبقيت الترجمتين للفائدة.
الشيخ شهاب الدين الرملي
أحمد بن أحمد بن حمزة، الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام الشيخ شهاب الدين الرملي الأنصاري. الشافعي. تلميذ القاضي زكريا. أخذ الفقه عنه وعن طبقته، وكان من رفقاء شيخ الإسلام الوالد في الاشتغال. قرأت بخط ولده أن من مؤلفاته شرح الزبد لابن أرسلان، وشرح منظومة البيضاوي في النكاح ورسالة في شروط الإمامة، وشرح في شروط الوضوء وأنه توفي في بضع وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن الموقع
أحمد بن أحمد الموقع، القاضي شهاب الدين ابن الموقع الكركي. توفي بالروم في حدود سنة أربع وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن حجر الهيثمي(1/410)
أحمد بن أحمد بن محمد ابن الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام شهاب الدين ابن حجر الهيثمي قرية بالصعيد المصري، ثم المكي الشافعي مفتي مكة أخبرني عنه تلميذه شيخ الإسلام محمد بن عبد العزيز الزمزمي مفتي مكة أن مولده سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وأجازه القاضي زكريا، والشيخ عبد الحق وغيرهما وأخذ الفقه عن شيخ الإسلام شهاب الدين الرملي وغيره، واجتمع بالوالد سنة اثتنين وخمسين بمكة، وتذاكر معه، والوالد أسن منه، وأخذ منه من أهل الشام جماعة منهم الشهب الثلاثة أخي والأيدوني، وابن الشيخ الطيبي، وأجاز أخي بالإفتاء والتدريس وله من المؤلفات شرح المنهاج، و شرح الإرشاد، شرح العباب وشرح الهمزية للبوصيري والزواجر في الكبائر والصغائر، والصواعق المحرقة، في الرد على أهل البدع والزندقة ، وشرح الأربعين النووية،، ومؤلف في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم، وآخر في الصلاة والسلام عليه، وآخر في الألفاظ المكفرة، ورأيت بخط بعض الفضلاء منسوباً إليه، وهو نظم ركيك في ضبط المفصّ
مفصل حجرات، وقيل: قتالها ... وصف وملك، ثم جاثية فتح
وقاف ضحى سبح وعاشر هذه ... فمن قال: يس إن تم لنا الفتح
وكانت وفاته بمكة سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة، ومما اتفق أنه أشيع موته بدمشق في سنة إحدى وسبعين، فصلي عليه بها غائبة، وعلى محمد أفندي ابن المفتي أبي السعود المتوفى بحلب في يوم الجمعة خامس عشري شعبان منها، ثم بين بعد ذلك أن ابن حجر حي، ثم ورد الخبر إلى دمشق بموته، وموت السيد عبد الرحيم العباسي البيروتي في ثاني عشري شوال سنة أربع وسبعين، فصلي عليهما معاً غائبة في يوم الجمعة سادس شوال بالأموي رحمه الله تعالى.
أحمد بن أحمد المكفناتي
أحمد بن أحمد بن محمد، الشيخ الصالح شهاب الدين المكفناتي الدمشقي. كان له ذوق في كلام الصوفية. وكان صاحب نكتة ونادرة ربما قال لبعض إخوانه: كيف حال من رأس ماله أشرفي ذهب وأصبح على الأرض البيضاء يوري؟ بقوله: ذهب. وكان الأخ الشهاب الغزي يعتقده، ويتكلم معه في طريق القوم، وكان الشيخ علاء الدين بن عماد الدين يعتقده، ويحسن إليه كثيراً، ويتحمل عنه أجرة بيته، ولما مرض مرض الموت دخل عليه أخي، فجلس عنده، وهو يجود بنفسه ثم أفاق، وقال يخاطب الأخ:
إذا كان هذا فعله بمحبه ... فيا ليت شعري بالعدا كيف يصنع؟
ثم إنه استغفر ورفع رأسه وقال:
نفس المحب على الآلام صابرة ... لعل متلفها يوماً يداويها
فبكى الأخ، والحاضرون، وخرجوا من عنده، ثم مات بعد يومين أو ثلاثة سنة ثلاث وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن أحمد الطيبي
أحمد بن أحمد بن أحمد بن بدر، الشيخ العلامة المقرىء شهاب الدين، ابن الشيخ العلامة المقرىء شهاب الدين الطييي المتقدم ذكر جده في الطبقة الأولى الشافعي، مولده كما قرأته من خط والده نهار الاثنين بعد العصر مستهل جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وتسعمائة. اشتغل على والده، وغيره، وبرع في الفقه والأصول، والنحو والمعاني، والبيان، والتجويد، والقراءات، والتفسير، وحضر دورس شيخ الإسلام الوالد وسمع منه، وأجازه بالإفتاء، والتدريس، وممن انتفع به الشيخ العلامة حسن البوريني، والفاضل الشيخ محمد الحمامي في آخرين وحج كما رأيته بخط والده سنة ثمان وسبعين وتسعمائة. وكان يوم عرفة يوم الجمعة، ودخل إلى دمشق يوم الأحد الثاني والعشرين من صفر سنة تسع وسبعين، وفرغ له والده سنة حج عن تدريس العادلية وقراءة المواعيد، والوعظ بالجامع الأموي، وسائر وظائفه، وولي إمامة الجامع بالمقصورة شركة شيخنا بعد أبيه، وخطابة التبريزية بمحلة قبر عاتكة خارج دمشق، وكان يعظ أولاً من الكراس على طريقة أبيه، ثم وعظ غيباً في التفسير. من أول سورة الكهف إلى أثناء سورة طه، واخترمته المنية بعد أن مرض نحو سنتين، فتوفي في رابع عشر رمضان سنة أربع وتسعين بتقديم المثناة ودفن عند قبر والده بالفراديس، ومن شعره:
وخير عباد الله أنفعهم لهم ... رواه عن الألباب كل فقيه
وإن إله العرش جل جلاله ... يعين الفتى ما دام عون أخيه
أنشدني لنفسه في مستكبر:
رأيته مستكبراً ... يجر ذيل السرف(1/411)
قلت له محذراً ... من كبره: أليس في؟
أحمد بن أحمد الطييي
أحمد بن أحمد بن بدر، الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام، شهاب الدين الطيبي الشافعي المقري الفقيه النحوي العابد الناسك، صاحب المصنفات النافعة والد المذكور قبله. مولده كما قرأته بخطه ضحى نهار الأحد سابع ذي الحجة، ختام سنة عشر وتسعمائة، وأخذ عن الشيخ شمس الدين الكفرسوسي، والسيد كمال الدين بن حمزة، والشيخ تقي الدين البلاطنسي، ولازم الشيخ تقي الدين القاري، وبه انتفع وقرأ على شيخ الإسلام الوالد في الجرومية، وحضر درسه، وأخذ الحديث ومصنفات ابن الجزري، عن الشيخ كريم الدين بن عمر محمد بن علي بن إبراهيم الجعبري صاحب الشرح، والمصنفات المعهودة، حين قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين، وأخذ عن الشيخ العلامة المفنن مغوش المغربي، حين قدم دمشق سنة أربعين وتسعمائة، وأخذ عنه جماعة من الأفاضل كالأبدوني والقابوني، وولده وشيخنا الشيخ أحمد العيثاوي مفتي الشافعية بدمشق، والشيخ أحمد الوفائي مفتي الحنابلة بها، وغيرهم ودرس بالأموي بضعاً وثلاثين سنة وولي الإمامة عن شيخه الشيخ تقي الدين القاري، وكان يقرأ الميعاد بالجامع المذكور مدة طويلة في الثلاثة أشهر في كل يوم جمعة، واثنين، ودرس بدار الحديث الأشرفية، ثم بالرباط الناصري، ثم بالعادلية الصغرى، وخطب بالجامع مدة يسيرة، وألف الخطب النافعة وأكثر خطباء دمشق الآن يخطبون بخطبه لسلاستها، وبركة مؤلفها، وله من المؤلفات مناسك عدة منها مختصر مناسك ابن جماعة في المذاهب الأربعة ومنها تفسير كفاية المحتاج للدماء الواجبة على المعتمر والحاج ومنها الزوائد السنية، على الألفية والمفيد في التجويد، والإيضاح التام، وفي تكبيرة الإحرام والسلام وبلوغ الأماني، في قراءة ورش من طريق الأصبهاني، ورفع الأسكال، في أول الأشكال، في المنطق وصحيفة، فيما يحتاج إليه الشافعي في تقليد أبي حنيفة والسكر المرشوش، في تاريخ شيخه الشيخ مغوش وغير ذلك، ومن شعره قوله عاقداً لما أخرجه أبو مظفر بن السمعاني، عن الجنيد رحمه الله تعالى قال: إنما تطلب الدنيا لثلاثة أشياء الغنى والعز والراحة، فمن زهد فيها عز، ومن قنع فيها استغنى، ومن قل سعيه فيها استراح.
لثلاث يطلب الدنيا الفتى ... للغنى والعز أو أن يستريح
عزه في الزهد والقنع غنى ... وقليل السعي فيها مستريح
وقال: عاقداً لكلام الشيخ عبد القادر الكيلاني رحمه الله تعالى عنه حيث قال: كن مع الله كأن لا خلق، وكن مع الخلق كأن لا نفس، فإذا كنت مع الله فلا خلق وجدت، وعن الكل فنيت، وإذا كنت مع الخلق بلا نفس عدلت، وأتقيت، ومن المتعبات سلمت:
إن كنت تبغي أن تنال الرضى ... وراحة القلب مع الأنس
فكن مع الله بلا خلقة ... وكن مع الخلق بلا نفس
وقلت في معنى كلام الشيخ عبد القادر رضي الله تعالى عنه:
بغير نفس كن مع الخلق ... وكن بلا خلق مع الحق
تعدل ولا تتعب وتذهب ع ... ن الكل بوجد خالص الصدق
وقال الشيخ الطيبي أيضاً:
إن رمت خيراً مستداماً وأن ... تكون ممن في غد يقبل
فأخلص الله في كل ما ... تفعل وأرض بالذي يفعل
ومات رجل يقال له: ذكرى عن ابنه القاصر، وله أخ شقيق، فولى القاضي على القاصر قيماً، فأقرض المال لعمه المذكور، فطالبه به عند استحقاقه، وألح عليه، وأراد حبسه فبات مهموماً، فطعن اليتيم في تلك الليلة، ومات ولا وارث له سوى عمه المذكور، فطالب القيم ببقية مال ابن أخيه فقال الشيخ الطيبي:
عجبت لمديون تزايد عسره ... وأعياه وامتدت عليه مذاهبه
لقد بات مديوناً فأصبح دائناً ... يطالب من بالأمس كان يطالبه
وكانت وفاته يوم الأربعاء ثامن عشر ذي القعدة الحرام سنة تسع وسبعين وتسعمائة بتأخير السين في الأول، وتقديمها في الثاني، وتقدم للصلاة عليه شيخ الإسلام الوالد كما أفادنا إياه المنلا أسد، ودفن بباب الفراديس رحمه الله تعالى ورضي عنه.
أحمد بن حسن المعروف بحسن بك(1/412)
أحمد بن حسن بن عبد المحسن قاضي قضاة دمشق، وابن قاضي قضاة الشام المعروف والده بحسن بك. كان من الموالي البارعين والأفاضل المعدودين. له باع طويل في العربية والأدب، صاحب صمت وسكينة، وعفة وصيانة. ولي قضاء دمشق في أواخر سنة أربع وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة ومات بها في ثامن عشر رمضان سنة خمس وتسعين وتسعمائة بتقديم المثناة فيهما ودفن شمالي تربة نور الدين الشهيد داخل دمشق رحمه الله تعالى.
أحمد بن أحمد بن عبد الحق
أحمد بن أحمد بن عبد الحق، الشيخ الإمام العلامة المحقق، المحرر، الشيخ شهاب الدين عبد الحق الشافعي، ثم المصري شيخنا بالمكاتبة. توفي في سنة سبع أو ثمان وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن تمراز الطرابلسي
أحمد بن تمراز بن عبد الله، الشيخ العلامة شهاب الدين سبط زين الدين ابن الجاموس الطرابلسي صحح على شيخ الإسلام الوالد جانباً من البهجة، وحضر كثيراً من دروسه، وكانت وفاته رابع عشر أو خامس ذي الحجة. سنة سبع وثمانين وتسعمائة. أخبرني بذلك ولده.
أحمد المعروف بنوري أفندي
أحمد بن عبد الله، الشيخ الإمام، فخر الموالي الرومية الكرام، مفتي الحنفية بدمشق الشام، المعروف بنوري أفندي. كان من العلماء البارعين، والفضلاء المحققين، ولي تدريس السليمانية بدمشق. والإفتاء بها، وعمل درساً عاماً استدعى له العلماء، وكتب إلى شيخ الإسلام الوالد يستدعيه إليه، وكان الشيخ مريضاً مدة طويلة، فكتب إليه يعتذر إليه:
حضوري عند مولاي مناي ... ولكن الضرورة لا تساعد
الضعف ليس يمكنني ركوب ... ولا مشي يقارب أو يباعد
وأشهر علتي لا شك عشر ... تعذر أن أرى فيهن قاعد
وأحسن حالتي ذا الدين مشي ... يكون به المعاون والمساعد
ولولا ذاك مولانا قعدنا ... لسمع دروسك العليا مقاعد
بقيت مدى الزمان فريد عصر ... إلى أعلى المراتب أنت صاعد
وكان قد اتصل بالمسامع السلطانية أن النصارى قد جددوا شيئاً في الكنيسة الكائنة ببيت المقدس، فورد أمر سلطاني لقاضي قضاة الشام، ثم القاهرة محمد أفندي جوي زاده، ومفتي دمشق المشار إليه أن يتوجها إلى بيت المقدس للتفتيش على الكنيسة المذكور، والكشف عليها، فخرجا من دمشق يوم الإثنين ثامن عشر شعبان سنة ثمان وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وزار بيت المقدس، والخليل، الكليم عليهما السلام، وكشفا على الكنيسة، فوجدا النصارى، وقد أحدثوا أوضاعاً منكرة، ووجدوا إلى جانب الكنيسة مسجداً قديماً هدم الكفار حيطانه، وحولوا وضعه القديم، وجددوا بنيانه، فأمر قاضي القضاة المذكور بمحضر من المفتي المذكور، وعلماء بيت المقدس بهدم ما جدده الكفار من البنيان، وإعادة القديم كما كان، فهدم المسلمون بنيان النصارى، وأعلنوا التكبير، وأقيمت صلاة الجماعة في عصر ذلك اليوم في المسجد المذكور، وصلى قاضي القضاة المشار إليه إماماً بالناس حينئذ، ثم لما أتما ما كان بصدده من الهدم والعمارة توجها إلى قضاء ما هو مندوب إليه من الزيارة، وعاد المفتي المذكور إلى دمشق لمحل إفتائه، وذهب قاضي القضاة إلى مصر محل قضائه، وكانت وفاة المفتي المذكور بعد عودته إلى دمشق في ختام شوال يوم الثلاثاء سنة ثمان وسبعين وتسعمائة، ودفن بتربة باب الصغير بالقلندرية رحمه الله تعالى.
أحمد بن بهاء الدين القابوني
أحمد بن بهاء الدين، الشيخ عفيف الدين القابوني الشافعي خطيب جامع منجك بمسجد الأقصاب خارج دمشق. تلا بالسبع على الشيخ شهاب الدين الطيبي، وتوفي بعده بسنة في سنة ثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد بن حسن البقاعي
أحمد بن حسن البقاعي، العميقي، الذهبي، الشافعي، مؤدب الأطفال، وخطيب التابتية بمحلة باب السريجة خارج دمشق. أخذ عن الوالد والأخ الشيخ شهاب الدين، وتوفي في سنة خمس وتسعين وتسعمائة بتقديم التاء فيهما رحمه الله تعالى.
أحمد بن صلاح الدين الباعوني
أحمد بن صلاح الدين القاضي شهاب الدين الباعوني. توفي في المحرم سنة أربع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعلى رحمة واسعة.
أحمد بن عبد القادر بن التينة(1/413)
أحمد بن عبد القادر، الشيخ الإمام شهاب الدين بن التينة الدمشقي، الشافعي مؤدب الأطفال بمسجد المجاهدية داخل باب الفراديس. كان عالماً فاضلاً عابداً زاهداً. قرأ الفقه على الشيخ تقي الدين القارىء، والنحو والقراآت على الشيخ علاء الدين القيمري، وكان له فراسة فيمن يقرأ عنده من الأطفال، وصدقت فراسته في كثير منهم، وممن أقرأه القرآن، وانتفع بإقرائه شيخنا الشيخ أحمد العيثاوي مفتي دمشق يومئذ فسح الله تعالى في مدته وكان يختم القرآن في كل جمعة ويقوم الليل. مات في سنة تسع بتأخير السين وسبعين بتقديمها. وتسعمائة، وحضر تغسيله الشيخ شهاب الدين الطيبي، وقبله، وصلى عليه، ولقنه، وترحم عليه، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان رحمه الله.
أحمد النعيمي
أحمد بن عبد القادر النعيمي، الشافعي، ثم الحنفي، الدمشقي، ثم الإسلام بولي بهاء الدين العلامة خطيب السليمانية، وإمام بايا صوفية بالقسطنطينية. حضر دروس الوالد كثيراً تقلبت به الأحوال بدمشق، ثم سافر إلى الروم، فصار له بها قبول في زمن السلطان سليم بن سليمان، ثم في زمن والده السلطان مراد آلف خطبة خطب بها في أول توليته. التزم فيها لفظة مراد في أواخر السجعات اسمعني إياها من لفظه. قدم علينا دمشق في سنة أربع وتسعين وتسعمائة حاجاً، ثم عاد إليها في سنة خمس وتسعين، ثم رجع إلى الروم في أثنائها، ورأيناه يثنى على شيخ الإسلام الوالد كثيراً، وتغالى في ذلك، وإذا ذكره يقول: قال سيدي، ورأيت سيدي. مولده كما قرأته بخط والده طلوع الفجر ليلة الاثنين سابع عشر ذي الحجة الحرام سنة أربع وعشرين وتسعمائة. ووفاته بالروم في ربيع الأول سنة ثمانين وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد القصيري
أحمد بن عبده بن سليمان الكردي، القصيري، الشافعي، الفقيه الصوفي تلميذ الشيخ البازلي الحموي، تفقه في المنهاج، والإرشاد على الرمادي تلميذ الشيخ البازلي الحموي، وأخذ الطريق عن أبيه، ولبس الخرقة، وصار خليفة عن أبيه في حال حياته بعد أن لم يرض بما كان أبوه عليه، ثم اهتدى، فقدم عليه، وتاب مما فرط منه، ثم صار بعد ذلك يشغل الطلبة في علوم الشرع الظاهرة مع قلة بضاعته في العربية، ويلبس الخرقة والتاج، ويستخلف من يختار، ويبرز فوائده للقاصدين، ويبسط موائده للواردين، وكثرت الواردون عليه بمنزله بجبل الأقرع حتى لم يخل منزله من نحو خمسين وارداً غريباً، وكانت الفتوحات والوصايا واردة إليه بمزيد اعتقاد أهل القصير فيه بحيث نال منهم فوق الكفاية مع أخذه فيهم بالمواعظ، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واشتهر صلاحه، وبعد صيته، وكثرت خلفاؤه ومريدوه، وتوفي في سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أحمد الدجاني(1/414)
أحمد بن علي بن ياسين، الشيخ الإمام العالم العامل العارف بالله تعالى، شهاب الدين الدجاني الشافعي أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون، وصاحب سيدي محمد بن عراق. كان يحفظ القرآن العظيم، والمنهاج للنووي. وحدثني تلميذه الشيخ الصالح العارف بالله تعالى يوسف الدجاني الأربدي أن الشيخ أحمد الدجاني كان لا يعرف النحو، فبينما هو في خلوته بالأقصى إذ كوشف بروحانية النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا أحمد تعلم النحو. قال: فقلت له: يا رسول الله علمني، فألقى علي شيئاً من أصول العربية، ثم انصرف قال: فلما ولى لحقته إلى بيت الخلوة، فقلت: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، وضممت اللام من رسول. قال: فعاد إلي. وقال لي: أما علمتك النحو أن لا تلحن قل: رسول الله بفتح اللام. قال: فاشتغلت في النحو، ففتح علي فيه. دخل إلى دمشق في أوائل رجب سنة إحدى وخمسين وتسعمائة بسبب قضاء حوائج للناس عند نائب الشام، وكاتب الولايات، وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة منتصف رجب، وشكره الناس على خطبته، وزار الشيخ محيي الدين بن العربي، وأقام الذكر عنده. قال ابن طولون: وحذوه فيه حذو شيخه الشيخ محمد بن عراق، وسألته عن سنه وقت موت الشيخ محمد الجلجولي رضي الله تعالى عنه. فقال: نحو ثمان سنين قلت: وتقدم أن وفاته كانت سنة عشر وتسعمائة، وسافر راجعاً إلى القدس الشريف مستهل شعبان صحبه الشيخ عيسى الصفوري، وكان الشيخ عيسى ذاهباً إلى مصر في قافلة. قلت: وحدثني الشيخ أحمد بن سليمان أنه لما اجتمع بصاحب الترجمة في القدس، وهو في صحبة الشيخ شهاب الدين أخي حدثهم أنهم كانوا في حضرة الشيخ علي بن ميمون، فشكوا إليه خاطراً، فطردهم، فكانوا على باب الخلوة أياماً، ثم شكوا إليه فقال: تتوبون قالوا: نعم. فقال: قولوا: يا إلهي تب علينا، واعف عنا أجمعين يا رحمان يا رحيم وكرروها، ففعلوا، فردهم، ثم استحسن الشيخ أن يلازموا على ذلك في مجالس الذكر عند الختام، فصار ذلك من طريقتهم، وقال لي والد شيخنا: ورد الخبر بموت الشيخ الصالح العابد أحمد الدجاني ببيت المقدس. وأنه توفي في جمادى الأولى سنة تسع بتقديم التاء وستين وتسعمائة. قال: وصليت عليه في جامع الجديد في جمادى الآخرة رحمه الله تعالى.
أحمد الشلاح
أحمد بن عمر الشلاح، الشيخ الفاضل المقرىء المجود، الحافظ لكتاب الله تعالى شهاب الدين أحمد الضرير. كان يحضر دروس الشيخ الوالد في التقوية وغيرها، ويقرأ القرآن العظيم في المجلس. قرأ القرآن العظيم على الشيخ أحمد بن عبد القادر ابن التينة مؤدب الأطفال، وأقرأه إياها للعشر، ثم قرأ في القراءات على الشيخ شهاب الدين الطيبي، وكان الوالد، والشيخ الطيبي يقول كل منهما: من أراد أن يسمع القرآن كما أنزل، فليسمعه من الشيخ أحمد الضرير، وكان يقرأ في الجامع على الكرسي بعد صلاة المغرب دون الربع من الحزب في كل ليلة يبدأ من أول القرآن إلى ختمه حالاً مرتجلاً ما كان يسمع القرآن سامع في حال حياته من أحسن منه قراءة ولا تجويداً كأنه خلق للتلاوة، وكان أحد المؤذنين بالجامع الأموي، وكان له معرفة تامة بالموسيقى، وكان بصيراً في إضراره. يمشي في أسواق دمشق وأزقتها أحسن من البصراء من غير قائد. توفي في سابع عشر المحرم الحرام سنة تسع وتسعين وتسعمائة بتقديم التاء في الثلاثة، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان، ورئي في المنام كأنه هو، والموتى أحياء عليهم محاسن الثياب، فقيل له: كيف حالكم؟ فقال: بخير بسبب مجاورتنا للشيخ بدر الدين الغزي، وولده الشيخ شهاب الدين، ورأيته في المنام بعد موته بسنين، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بعد شدة. قلت له: كيف ترون حالي عندكم؟ قال: أنت بخير غير أن بينك وبين فلان شحناء. توقفت بسببها، فلما أصبحت صافيت ذلك المشار إليه، وكان الأمر كذلك رحمه الله تعالى.
أحمد بن مفلح
أحمد بن عمر بن محمد بن عمر بن إبراهيم بن مفلح القاضي شهاب الدين المالكي: كان أحد العدول بالصالحية، ثم بالكبرى، ثم بقناة العوني رئيساً بها، وكان خطه ضعيفاً بحيث يظن أنه كوفي، ثم ولي نيابة الحكم بالميدان، وكان يتكيف ويتخيل أموراً فاسدة إلا أنه كان لا بأس به، وميلاده سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، وتوفي في حدود الألف رحمه الله تعالى.
أحمد الفلوجي(1/415)
أحمد بن علي، الشيخ العلامة شهاب الدين الفلوجي الحموي، الشافعي، المقرىء، المجود، الواعظ المذكر أحد المفتين بدمشق ولد سنة ثماني عشرة وتسعمائة، وأخذ عن الجد رضي الدين الغزي، وولده الوالد، وعن السيد كمال الدين: والتقوى البلاطنسي، والشمس الكفرسوسي، والميلي الدمشقيين، وجمال الدين عبد الله بن رسلان البويضي خطيب البويضاء، وعن ابن النجار، والبحيري، والنسائي، والسعد الذهبي، وناصر الدين محمد بن سالم الطبلاوي، وابن عبد الحق، والضيروطي المصريين، ومما قرأه على الوالد المنهاج، وعرض عليه الجزرية، والشاطبية، والرائية، والألفية، وحضر عنده دروساً كثيرة بقراءة أخيه الشيخ محمد المتقدم في الطبقة الثانية، ورحل إلى مصر غير مرة، وفي آخرها وعظ على كرسي بالأزهر فأزري بأهل مصر، فرمي عن الكرسي، وكان له تبجح ودعوى إلا أنه كان سليم الفطرة لا يخلو من تغفل، وكان يحط في وعظه على الولاة والحكام، وبلغ بعضهم عند ذلك، فسخط منه، وكتب مكتوباً إلى الروم يشكو من القضاء، ويرميه بالجهل، وكان في تفسير غير جاهل، فوصل المكتوب إليه، فجزع الشيخ منه، واستغاث بوالد شيخنا، وذهب معه إليه حتى استرضاه، وكان يدعي أنه أعلم من بالشام ومصر. قيل: وهذه الدعوى كانت بسبب رميه من كرسي الوعظ بمصر، ودرس بالشامية البرانية، وكان يقول: هي مشروطة لأعلم علماء الشافعية، وأنا مدرسها، فأنا أعلمهم. قيل: وكان مسرحاً. وكان يحلف بالطلاق كثيراً، ويخالف إلى ما يحلف عنه.
وحدثني غير واحد أنه كان يقول: عليّ التلاق بالتاء وهذا وإن كان صحيح التأويل إلا أنه لا يليق بمثله، فإنه يتابعه العوام، ويترتب عليه عبثهم بحلف الطلاق، وعلم اعتباره، وكن شريكاً للشيخ شهاب الدين الذيبي في إمامة المقصورة بالأموي، وكان يصلي في رمضان العشاء والتراويح بالمقصورة الشافعي ليلة، والحنفي ليلة، وكان الفلوجي يطيل في نوبته، فتضجر منه بعض الحكام، ومنع الشافعية من صلاة التراويح بالمقصورة، ثم عزل عن الإمامة بسبب طعنه في بعض القضاة، ووجهت للشيخ شهاب الدين الأيدوني، ثم استكتب جماعة من العلماء محضراً بأنه أحق من الأيدوني، فأعيدت إليه إمامة المقصورة بعد أن أعطي إمامة الأولى، وجمع له بينهما، وكان والده سمساراً في القماش، وفتح عليه وعلى أخيه بالعلم، وأعقب ولدين ذكرين لم يشتغلا في العلم، بل كانا من السباهية مكبين على الجهل، وعدم الاستقامة، وكانت وفاته يوم الخميس رابع صفر سنة إحدى وثمانين وتسعمائة، ودفن من الغد بعد صلاة الجمعة بباب الصغير، وأوصى أن تحمل جنازته إلى زاوية الشيخ الوالد بالأموي ليصلي عليه، فحملت وخرج الشيخ ليدركه، فتلاقى والجنازة في صحن الجامع، فصلى عليه، واقتدى الناس به، وأنا مدرك ذلك إدراكاً واضحاً، وأنا ابن أربع سنوات. وحدثني خالي الزيني عمر بن سبت. قال: سمعت الشيخ بدر الدين يقول حين بلغه موت المذكور: لا إله إلا الله. لقد انطوى بموت الشيخ أحمد الفلوجي علوم كثيرة رحمه الله.
أحمد بن قاسم العبادي
أحمد بن قاسم، الشيخ العلامة شهاب الدين العبادي، القاهري الشافعي أحد الشافعيين بمصر. كان بارعاً في العربية والبلاغة والتفسير والكلام. له المصنفات الشهيرة كالحاشية المسماة الآيات البينات، على شرح جمع الجوامع وحاشية على شرح الورقات، وحاشية على شرح المنهج. أخذ العلم عن الشيخ ناصر الدين اللقاني، وعن محقق عصره بمصر الشيخ شهاب الدين البرلسي المعروف بعميرة، وعن العلامة قطب الدين عيسى الإيجي الصفوي نزيل الحرم الشريف المكي، وأخذ عنه الشيخ محمد بن داود المقدسي، وغيره. توفي في سنة أربع وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة عائداً من الحج ودفن بالمدينة المنورة كما قرأ بخط تلميذه ابن داود رحمه الله تعالى.
أحمد بن حامد
أحمد بن محمود بن عبد الله العلامة أحد موالي الروم، المعروف بابن حامد الدين، فضل في العلم، وتميز حتى حشى على هداية الفقه، وشرح المفتاح للسيد الجرجاني، وتولى مدارس الروم، ثم ولي قضاء حلب، فتعفف عن الرشوة، وكانت سيرته لا بأس بها إلا أنه كان عنده حدة، ومبادرة إلى التعزير حتى مر فقير على سجادته يوم الجمعة، فأوجعه ضرباً، وغضب على نائبه، فباشر ضربه، وعلى كاتبه فعض أذنه، وعزل عن قضاء حلب سنة سبع وستين وتسعمائة.
أحمد القابوني(1/416)
أحمد بن مخزوم، الشيخ العلامة شهاب الدين القابوني الشافعي، كان طويل القامة، عظيم الجثة، جهوري الصوت، وهو مع ذلك ذكي فاضل له جرأة في البحث، وقعقعة في التقرير، وحضر دروس والدي شيخ الإسلام كثيراً، ولازمه في الجامع الأموي والتقوية وغيرهما. واشتغل على الشيخ علاء الدين بن عماد الدين، وقرأ على الشيخ نور الدين الطيبي السنفي، وعلى الشيخ العلامة الورع شهاب الدين كثيراً، وأجازه بإجازة عظيمة يقول فيها:
ومن جملة الطاعات، بل من أهمها ... وأعظمها أيضاً لمن كان يشعر
تعلم علم الفقه في دين ربنا ... وتحريره وهو الصحيح المحرر
لقد كان ممن رامه، وسعى له ... بجد وإخلاص شهاب منور
إمام لبيت ظاهر الفضل بارع ... عفيف شريف النفس عدل منضر
أديب نجيب المعي مهذب ... تقي، نقي، ناسك، متبرر
وذاك شهاب الدين نجل من ح ... وى الفضل زين الدين بالفضل يذكر
خطيب حمى القابون الأعلى بجلق ... بمخزوم أي بالخاء، والزاي يشهر
درس بالكلاسة، وكان لا بأس به في التقرير، وانتفع به الطلبة، وتوفي سنة إحدى وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة في ثامن شوال، ودفن بمقبرة باب الفراديس رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد البعلي النحلي
أحمد بن نجم الدين البعلي، النحلي، الحنفي، الصوفي، القصيري الطريقة. كان معتقداً يخالط الروم وغيرهم، وله طلاقة لسان يتظاهر بزي أهل الخير، وكان للدولة فيه اعتقاد، وعين له من الجوالي، وكان جسيماً أبيض اللون، كحيل العينين، مات في شوال سنة خمس وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة عن نحو سبعين سنة، ودفن بالصوفية من السفح رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد بن يحيى بن كريم الدين
أحمد بن يحيى بن كريم الدين الدمشقي أحد العدول بدمشق، ورئيس الشهود بها. أخذ صناعة التوريق عن القاضي شهاب الدين قاضي نابلس، وكتب في عدة محاكم آخرها بالباب، ولما مات رئيس الشهود بها أحمد ابن المستوفي جلس مكانه، وصار رئيس الشهود بدمشق، وكان عارفاً بصناعة التوريق، وعلى خطه القبول، مات في ربيع الأول سنة اثتنين وسبعين وتسعمائة بتقديم السين أعقب ولدين القاضي محمود، والقاضي يوسف رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد الأيدوني
أحمد بن يحيى محيي الدين بن أمين الدين بن محيي الدين الأيدوني الشافعي، الشيخ الإمام المقرىء المجود، الشيخ شهاب الدين إمام المقصورة بالأموي أحد المنعم عليهم بحسن الصوت، وجودة القراءة، وحسن التأدية. كان يمد الذهب مدة، ثم تلا القرآن العظيم على الشيخ تقي الدين القارىء، ثم على تلميذه الشيخ شهاب الدين الطيبي، وقرأ الفقه والتفسير على الوالد ثم لزم الشيخ محمد الإيجي، وتعلم منه الفارسية، ودرس بالأموي، وولي إمامته شريكاً لشيخه الطيبي. كان حسن القراءة. يأخذ بمجامع القلوب أعطي الإمامة عن الفلوجي لتطويله، ثم أعيدت إلى الفلوجي بعد سنين بمحضر كتب للفلوجي أنه أحق بالإمامة، ولم يجمع على ذلك أهل دمشق، وكان له بستان بقرية عربا، وكان يتعاهده بالسقي وغيره بنفسه، وكان شجاعاً، وله فضيلة في العلم، ويد طولى في القراءات، وكان من أخص الناس بالشيخ الوالد، وأحفظهم لصحبته، شارك الشيخ الطيبي في مشايخه، وتوفي كما وجدته بخط الشيخ الطيبي ليلة الخميس رابع عشر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن صبيحة اليوم المذكور بتربة الحمرية بعد أن صلي عليه بجامع بني أمية، ورثاه محمد ابن أخت الشيخ أحمد الإيجي بقصيدة. أرخ فيها وفاته في نصف بيت وهو:
قاري الزمان إلى الجنان لقد رحل.
بحذف الهمزة من قاري على اللفظ، وحكاه الطيبي في بيتين فقال:
الشيخ الأيدوني عاماً قد رحل ... لرحمة الله الذي عز وجل
فقال في تاريخه من قد وصل: ... قاري الزمان إلى الجنان لقد رحل
أحمد المستوفي
أحمد بن يوسف القاضي شمس الدين المستوفي. كان يتكسب بالشهادة زماناً، ثم ولي قضاء الشافعية نيابة بالعوني، ثم بالكبرى. توفي سنة ألف، دفن بمقبرة الفراديس رحمه الله تعالى.
أحمد الكردي(1/417)
أحمد الكردي منلا أحمد، نزيل دمشق كان يسكن العادلية تجاه الظاهرية شافعي المذهب معتقداً عند الحكام، وغيرهم، وعليه سمت الصالحين . توفي يوم الخميس رابع شعبان سنة ثلاث وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد الزهيري
أحمد القاضي شهاب الدين الزهيري، الشافعي، توفي بحلب في نهار الأحد عيد الأضحى بعد الظهر سنة ثلاث وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن على والدته بتربة بني القاشاني قريب تربة الصالحين رحمه الله تعالى.
أحمد الموصلي
أحمد القاضي شهاب الدين الموصلي. ناب في محكمة قناة العوني عن قالي زاده، وفي محكمة الميدان عن ابن معلول، ثم بقي معزولاً إلى أن توفي يوم الأربعاء سادس عشري رجب سنة أربع وثمانين وتسعمائة، ودفن بالميدان بتربتهم قريب الزاوية، وكان عنده شهامة زائدة رحمه الله تعالى.
أحمد العميقي
أحمد الشيخ الصالح العميقي كان من الصلحاء الكبار. توفي الأحد سابع ربيع الآخر سنة خمس وثمانين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير جوار سيدي نصر الدين المقدسي، وحضر جنازته الشيخ البهنسي، وجماعة من العلماء وغيرهم رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
أحمد بن المعمار
أحمد بن المعمار، الشيخ الفاضل شهاب الدين الشاغوري، الشافعي، وهو والد محمد بن المعمار الخشاب. كان ممن أدرك الدولة الجركشية، وكان عبداً صالحاً. قرأ على الشيخ تقي الدين البلاطنسي، والشيخ أبي الفاضل بن اللطف المقدسي. توفي في تاسع عشر رمضان سنة أربع وثمانين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
أحمد بن مرحبا
أحمد بن مرحبا، الشيخ شهاب الدين الطرابلسي، الشافعي. كان أصله من اللاذقية. توفي بعد الثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أسد بن أميرهم
أسد بن علي بن إبراهيم، الشيخ الفاضل القدوة البقاعي، الحماري ثم الصفدي الشافعي عرف بابن أميرهم. أخذ عن سيدي محمد بن عراق طريقته، وكان من أشهر الصحابة. توفي في سنة ست وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
أسد الشيرازي
أسد بن معين الدين، الشيخ الإمام العلامة المحقق المدقق منلا أسد الشيرازي الشافعي نزيل دمشق أكثر انتفاعه بالشيخ علاء الدين بن عماد الدين، قرأ عليه الإرشاد في الفقه لابن المقرىء، وقرأ عليه في شرح المفتاح في المعاني، والبيان، وشرح الطوالع للأصبهاني، والعضد كلاهما في الأصول، وفي الكشاف، والقاضي، وكان رفيقاً في الاشتغال عليه، وعلى الشيخ أبي الفتح السبستري للشيخ إسماعيل، والشيخ عماد الدين والشمس بن المنقار، وكان يكثر المنافرة مع المنلا أسد، والأسد أمثل منه، وكان الأسد متبحراً في العربية، وعلوم البلاغة، والمنطق، والأصلين، وله يد طولى في الفقه وغيره. أخذ عن شيخ الإسلام والدي، وحضر دروسه في الشامية وغيرها، وكتب بخطه المطول ديوان أبي تمام والمتنبي، وشرح ابن المصنف على الألفية وغير ذلك، ودرس بالناصرية البرانية، ثم بالشامية، وجمع له بينهما، وأفتى بعد موت الشيخ إسماعيل النابلسي، وعنه أخذ أكثر فضلاء الوقت كالشيخ حسن البوريني، والشهابي أحمد بن محمد بن المنقار، والشيخ محمد بن حسين الحمامي وغيرهم، وقرأت عليه في شرح الشذور لابن هشام، ودروساً من شرح الجار بردي على الشافيه، وكان فقيراً، وكان يمدح الأمير إبراهيم بن منجك، وكان الأمير إبراهيم يحسن إليه كثيراً، ووقف عليه بيتاً، وكان يغلب عليه في آخر عمره الوعك، ومرضه سوداوي إلا أنه أثر في جسده وأمور عيناه، ووفر عليه، فكره، وله شعر رائق بليغ كأنه لم يكن أعجمياً ومن شعره مضمناً:
قال لي صاحبي غداة التقينا ... إذ رآني بمدمع مهراق
لم تبكي؟ فقلت: قد أنشدوني ... مفرداً فائقاً لطيف المذاق
كل من كان فاضلاً كان مثلي ... فاضلاً عند قسمة الأرزاق
وكتب إليه في أيام التشريق سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة:
ماذا يقول أديب العجم والعرب ... العالم العامل الراقي على الرتب
في اسم تركب مع حرف، فتم به ... الإسناد عند إمام من ذوي الحسب
والحرف ليس نداء تبتغيه به ... كلا وليس إلا في معرض الطلب(1/418)
حل السؤال تحل يا من اكتنزت ... ألفاظه، وبدت صرفاً من الضرب
يا أشجع الناس في وصف وفي سمة ... ما كان هذا امتحاناً دع من العتب
لا زلت بالفضل والإنعام معتمراً ... ما حل معتمر إحرامه وحبي
فكتب لي في الجواب. وكنت إذ ذاك ابن خمس عشرة سنة، ولم أكن تظاهرت بين أماثل العلماء إذ ذاك، ولا كنت أخالط من العلماء غير شيخي الشيخ زين الدين بن سلطان الحنفي، والشيخ الفقيه شهاب الدين العيثاوي، ولا أعرف المنلا أسد حينئذ حدثاً في الفضيلة، فله بما يشير إلى ذلك فقال:
يا فاضلاً فاق في أصل وفي نسب ... وعالماً حاز فضل العلم والحسب
ويا إماما مباديه نهاية من ... قد أتعب النفس في التحصيل والدأب
لا بعد في ذاك إذ أصبحت مقتدياً ... بمن مضى لك من آبائك النجب
من كل فذ عظيم القدر ذي منن ... على الخلائق من عجم ومن عرب
أضحت تصانيفهم كالشمس في شرف ... والتبر في قيمة والنجم في رتب
ومن يخاطبك حقاً فليقل أبداً ... يا نجم بدر الهدى يا نجل خير أب
أما وإن ومعمولان يا أملي ... أضحت لدى ابن خروف بالجنان حبي
اسماً تركب مع حرف، فتم به الكلا ... م يا منتهى قصدي ويا أربي
النجم من دأبه إيضاح سبل هدى ... ما بال ذا النجم يخفي العلم في الحجب
لا زلت ترقى مكان النجم معتلياً ... فالاسم عين المسمى عند ذي الأدب
ويخلف البدر في علم وفي عظم ... وفي التصانيف والتدريس والأدب
ما رنحت في ذرى الأدواح صادحة ... تقارب الألف من وجد ومن طرب
توفي في جمادى الثانية سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
إسلام
إسلام متولي الجامع الأموي. مات في حدود سبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إسماعيل الجلجولي
إسماعيل بن إبراهيم القاضي برهان الدين الجلجولي أبوه، وهو كان أحد الموقعين بالكبرى. مات يوم الأربعاء ثالث رجب سنة اثتنين وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى.
إسماعيل النابلسي
إسماعيل بن أحمد ابن الحاج إبراهيم النابلسي، الشيخ العالم العلامة، الإمام الأوحد الفهامة، الهمام، شيخ الإسلام، ومفتي الأنام، كاشف المعضلات من المسائل العلمية، محقق الدلائل العقلية والنقلية، أستاذ العصر، ومفرد الوقت، تصدر للإفتاء والتدريس ، وصار إليه المرجع بعد شيخ الإسلام الوالد. مولده كما وجدته بخط المنلا أسد سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، واشتغل في صباه على جماعة من أهل العلم في النحو والصرف، وحفظ القرآن العظيم، وألفية ابن مالك، ثم لازم الشيخ أبا الفتح السبستري هو وصاحبه الشيخ عماد الدين الحنفي، ثم رافقهما الشمس بن المنقار، والمنلا أسد، والشمس الصالحي وغيرهم، وبالشيخ أبي الفتح تخرج في المنطق، والنحو، والمعاني، والبيان، والأصول، والتفسير وغير ذلك، ثم لزم العلامة الشيخ علاء الدين بن عماد الدين في المعقولات وغيرها، وحضر دروس شيخ الإسلام الوالد كثيراً، وأخذ إسماعيل عن شيخ الإقراء الشيخ شهاب الدين الطييي، وقرأ المنهاج على العلامة الفقيه القاضي نور الدين السنفي، وحضر تقسيم المحلي عليه رفيقاً للشيخ محمد الحجازي، وشيخنا الشيخ أحمد العيثاوي، والشيخ أحمد القابوني، وأجازه بالإفتاء والتدريس، وكان يبحث معه في مجلس درسه كثيراً، ودرس بالجامع الأموي، ثم بدار الحديث الأشرفية، وبالشامية البرانية عن الشيخ شهاب الدين الفلوجي، وكان قاضي دمشق حينئذ عرض فيها للشيخ الحجازي، وأرسل الشيخ إسماعيل ساعياً في طلبها من إسلام بول، فسبق ساعيه، ووجهت المدرسة إليه، فوليها إلى أن مات، ودرس بالدرويشية بشرط واقفها، وضم له إليها تدريس العادلية الكبرى. وكانت دروسه حافلة لصفاء ذهنه، وطلاقة لسانه، وحسن تقريره، وله شعر منه قوله أحجية في عاقر قرحا:
مولاي يا خير مولى ... ويا سليم القريحه(1/419)
ما مثل قول المحاجي ... يوماً عجوز قريحه
وكتب له العلامة شمس الدين محمد بن نجم الدين الصالحي الهلالي:
أمولاي إسماعيل يا خير مرتجى ... ويا فاتحاً باباً من العلم مرتجا
ويا روض علم أينعت ثمراته ... ويا بحر علم فاض لما تموجا
بتحرير تحقيق هديت لمطلب ... عزيز فأضحى للأفاضل منهجا
سألتك عن شخص تحرر نصفه ... ونصف رقيق لم يجد منه مخرجا
جنى واعتدى عمداً على يد نفسه ... فأفضل عضو بالدماء مضرجا
فماذا عليه للذي حاز نصفه ... وما نص حكم بالشريعة انتجا
فأجابه صاحب الترجمة بقوله:
أكامل هذا العصر في العلم والحجى ... وموضح ما من غيهب الشك قد دجا
ويا شمس دين الله يا فاضلاً غداً ... من الشمس شمس الكون أبهى وأبهج
لك الله من حبر له فضل فطنة ... تضوع منك المسك لما تأرجا
لقد جاءني من بحر علمك جدول ... ففرح قلبي حين همي فرجا
على حين أوقات تفاقم أمرها ... وطاعونها قد قل منه الذي نجا
فقلت وقلبي بالهموم مشتت ... وعيني تنشي بحر دمع تموجا
لقد أهدر الجاني بذلك عضوه ... وإن كان عضواً بالدماء مضرجا
وقد فقد المولى يدي عبده فما ... لها بدل بل خاب من دونه وارتجى
أو الثمن ممن قابل الذات لازم ... أو الربع يعطيه المبعض مزعجا
كما في فتاوي المروزي ذاك كله ... وأوسطها رجح سلمت من الشجا
فهاك جواباً لا برحت مسدداً ... مجيداً مفيداً للفروع مخرجا
ودم أبداً في نعمة وسعادة ... معيناً مغيثاً كل خطب مفرجاً
ولبعضهم:
يا أيها النحوي ما اسم قد حوى ... من مانعات الصرف خمس موانع
ويزول من تلك الموانع علة ... فيعود مصروفاً بغير منازع
أجاب عنه الشيخ إسماعيل:
يا أكمل الفضلاء يا من قد غدا ... في فضله فرداً بغير مدافع
في أذربيجان لقد ألغزت إذ ... شنفت باللغز البديع مسامعي
وعظم أمره، ورزق الحظ من المال، والخدم، والكتب، والجاه، ونفوذ الكلمة، وصار بعد موت الوالد مرجع أهل دمشق، وله الصدارة فيها، وكان سريع الكتابة على الفتوى، وكان يفتي معه الشيخ محمد الحجازي، والشيخ أحمد ابن الشيخ شهاب الدين الطيبي، وشيخنا، وكان شيخنا الشيخ أحمد العيثاوي أمثلهم، والمرجع في مذهب الشافعي إذ اختلفوا، وكان الشيخ إسماعيل أوجههم، وأنفذها كلمة، وكان الشيخ إسماعيل محسناً في حق الطلبة في المال، وبالشفاعة في الوظائف والمناصب له الحظ الوافر في الكتب. جمع كتباً كثيرة نفيسة، وكان يكثر من إعارة الكتب، وصار عين الشافعية بدمشق، بل عين علمائها، ورأس عظمائها، وكان يستأجر القرى والمزارع كثيراً، ورزق الحظ فيها، ولم يرغب في الأملاك والعقارات إلا شيئاً قليلاً. وملك(1/420)
داراً بالقرب من الأموي لصيق سوق العنبرانيين وعمرها، وكان ملازماً لصلاة الجماعة في الصلوات الخمس بالجامع الأموي مع الأولى، وكان له أفضال على القضاة والنواب والكتاب، وأكثر النواب والكتاب هو الذي قدمهم ورتبهم، وهم في نعمته وأفضاله، وكلهم يرجع إلى مشاورته، ويصدر عن رأيه، وكان موقراً موفر الحرمة، سابغ النعمة، لم يجر عليه من نوائب الدهر، ومحن الزمان إلا قصة القابجي الذي عين في فتنة ميراث محمود الأعور بوشاية السقا يوسف، وكان أصل الفتنة مداخلة رئيس الكتاب محمد بن خطاب والد القاضي كمال الدين، وأكثر جماعة القاضي للميراث، فاعتقل القاضي محمد بن خطاب وولده وأهانهما، واعتقل جماعة آخرين منهم صاحب الترجمة، والشيخ محمد الحجازي، ثم كانت النصرة للشيخ إسماعيل من جانب مفتي الروم يومئذ محمد أفندي جوي زاده سبباً لاستخلاص الباقين، والانتقام من القابجي بشنقه في أمور يطول شرحها، ثم عادت دولة الشيخ إسماعيل له، وتوفرت حرمته، وبقي على نفع المسلمين بالإفتاء والتدريس والتعليم إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودفن بمقبرته التي اشتراها شمالي مقبرة باب الصغير بالقرب من جامع جراح. ورثاه الفضلاء بمراث منها هذه القصيدة للعلامة المنلا أسد رحمه الله تعالى:
مصيبة قد أذابت مني الكبدا ... وأسهرت لي طرفاً طالما رقدا
وأفنت الصبر عن قلبي، وقد وضعت ... مكانة الوجد والتبريح والكيدا
إلى متى نحن في ذا الدهر في حرج ... وحقنا أن نديم الحزن والكمدا
إلى متى نحن فيها غافلون وقد ... تدير كأس المنايا بيننا أبدا
ونحن كالشرب بعض مال ساعته ... والبعض منتظر حتى يميل غدا
ألا ترى كيف إسماعيل سيدنا ... كهف الأنام ومنيتهم إمام هدى
ثوى وخلفنا رهن الأسى أبداً ... وسار نحو جنان الخلد منفردا
من للفتاوى إذا أضحت مشتتة ... من للدروس إذا ما طالب قصدا
من للتصانيف من للمشكلات وقد ... أضحى رهيناً بقبر لا يجيب ندا
يا لهف نفسي عليه كيف غيب في ... بطن الثرى، وهو بحر العلم قد زبدا
يا حسرتي، وهو طود الفضل شامخه ... فكيف وارته تحت الأرض كف ردى
يا من غدا طالباً للعلم مجتهداً ... خفض عليك، فسوق الفضل قد كسدا
أبكيه ما دمت حياً بالدموع وقد ... قل البكاء له مني، وإن نفذا
أبكيه ما دمت في الدنيا رهين أسى ... ولا أرى بعده لي عيشة رغدا
إن كان قد فارق الدنيا فلا أسف ... فإنه بنعيم الخلد قد سعدا
فإنه قال مولانا وسيدنا ... نبينا من إلى السبع العلى صعدا
قولاً عظيماً عجيباً فيه منقبة ... أتى به المصطفى الهادي الشفيع غدا
بأن عالمنا مثل النبي غدا ... في سالف الدهر فأفهمه تحز رشدا
وقال الشيخ أحمد العناياتي النابلسي شاعر دمشق:
ألم تر عقد الفضل كيف تبددا ... وعطل منه إذ تحلى به الردى
فنوء المعاني كيف تهوى نجومها ... فما للندى نوء ولا نور للهدى
أرى الدهر يرمي نفسه بمصائب ... ويهدم ما من شامخ العز شيدا
تحلى بصداء العلوم، فكيف قد ... تحلأ عنها ظامياً يشتكي الصدى
لذاك تراه شائب اليوم لابساً ... على فقد مولاه من الليل أسودا
وليس الشتا والصيف إلا مدامعاً ... لمقلته أو حر قلب توقدا
لقد أسعدت عيناي عينيه بالبكا ... وناوحت بالشجو الحمام المغردا
على كامل لم ألف من حر فقده ... على الأرض يطفي الحزن ماء مبردا
لو أني أعطى في المنايا لي المنى ... فدا ألف عين فاضلاً كيف أوحدا(1/421)
فكيف بمن في نابلوس ومهجتي ... فديت أبا المجد الهمام أبا الفدا
لقد ثكلتك الشام واحد عصره ... عقمن الليالي مثله أن تولدا
وقد فقدت منه المدارس بدرها ... إذا قال أبصرت الفصيح تبلدا
إمام إذا قال الكلام تزال لا ... يزال بسيف من ذكاه مؤيدا
يشوقك وجهاً يملأ العين بهجة ... وصدراً بعقد الاجتهاد مقلدا
فيا عمدة الطلاب كيف تركتهم ... حيارى وكل منشد فيك مرشدا
وحزت المعاني والبيان مطول ... عليك يبكي عبدها منك سيدا
لقد حزت فضل السبق في كل حلبة ... من الفضل حتى حزت في شأوك المدى
تصول بسيف من أصولك قاطع ... فلا ملحد إلا وملقيه ملحدا
فتى بالفتاوى والفتوة يملأ الطروس ... سطوراً للهدى منه والجدى
ولم يختلف في فضله اثنان أنه ... المبرز في جمع العلوم تفردا
وما روضة أسدى إليها الندى يداً ... فراحت فأنفاس الشذا تشكر السدى
بأبهى وأزهى من بيان بنانه ... إذا نظم الدر الفريد ونضدا
على حين أعطاه الزمان زمامة ... ووطا له حتى علاه ولحدا
وصرفه طوعاً له في صروفه ... فمن شاء أدناه، ومن شاء أبعدا
وأخدمه زهر الليالي جوارياً وأمضى له أيامه العز أعيدا
وجاد بنعماه على أوليائه ... وعاد ببؤس من سطاه على العدى
وأظهره كالشمس صيتاً ورفعةً ... فيا ليت شعري ما عدا في الذي بدا
فأصبح من سهم الحوادث مقصدا ... وقد كان في ربع الحوادث مقصدا
أرب العلى إن غبت عنا برغمنا ... فذكرك فينا لا يزال مجددا
وإن سرت من دار الفناء مفوضاً فقد صرت في دار البقاء مخلداً
عليك سلام من الله من بلديك ... الفقير العناياتي عبدك أحمدا
ولا زال للأمطار قبرك مسجداً ... تظل عليه ركعاً فيه سجدا
وأشهد الرحمان في الخلد وجهه ... وحسبك أن تلقى الحبيب وتشهدا
إسماعيل شاه سلطان العجم
إسماعيل شاه بن طهماز بن عباس بن إسماعيل شاه ابن حيدر بن جنيد ابن الشيخ صفي الدين الأردبيلي، الشهير بالصوفي سلطان العجم المعروفين بقزل باش، وإنما سمي سلطانهم بالصوفي نسبة إلى جبل الصوف المزاحم لأنطاكية لكون جدهم حيدر كان مقيماً بها، ولما ظهرت بدعته قام عليه عالم أنطاكية العلامة شمس الدين العجمي، واستنصر عليه بكافل حلب جانم المكحل في حدود سنة ثمان وخمسين وثمانمائة، ثم تغلب بعده ولده حيدر، وجمع عساكر، والتقى هو وعساكر أهل السنة، فقتل هو، وكسر عسكره، ثم نشأ بعد ولده إسماعيل، وتغلب على العراق والعجم وسار إليه السلطان سليم بن بايزيد بن عثمان، والتقى هو وعساكره معه، وهو في عساكره فكسره السلطان سليم، ثم نشأ بعده ولده عباس شاه ابن إسماعيل، فسافر إليه السلطان سليمان بن سليم، ففر منه إلى ملك خراسان، فاستولى على العراقيين، ثم ترك له عراق العجم وعمر ببغداد قلعة، ثم لما هلك عباس شاه نشأ بعده ولده طهماز، ثم هلك، وولي بعده إسماعيل شاه صاحب الترجمة، وكان إسماعيل هنا يظهر التسنن، ويجمع بين علماء السنة، وعلماء الشيعة، فينصر علماء السنة على علماء الشيعة، فسمته أخته بري خان خانم، فقتل هو ومحبويه بسبب أكل البرش المسموم سنة ست وثمانين وتسعمائة.
حرف الباء الموحدة من الطبقة الثالثة
بركات بن محمد الباقاني
بركات بن محمد الشيخ زين الدين الأنصاري القادري والد الشيخ نور الدين الباقاني. أخذ الحديث عن الجمال بن طولون، وابن أخيه لحافظ شمس الدين، وعن جار الله بن فهد الحنفي بمكة المشرفة، وعن التقوى أبي بكر الجراعي، وعن الشمس الضيروطي، أخبر عن نفسه أنه بلغ من العمر مائة وعشرين سنة، وأنه أدرك ابن حجر العسقلاني، وبعض مشايخه، ولم يسلم له ذلك العقلاء، ومات في سنة أربع و سبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.(1/422)
بركات سبط الموصلي: بركات بن محمد الشيخ الصالح المعمر، المربي زين الدين سبط الشيخ أبي بكر الموصلي جده الميداني الشافعي، القادري. كان على طريقة ، آبائه من الكرم والسخاء والتصدر لتردد الناس إليه، وإقامة الذكر، وإكرام الزائرين. يتردد إليه أكابر الناس وعلمائهم وقضاتهم، وكان له وجاهة، وكلمة نافذة عند الحكام، وبلغ من العمر نحو مائة سنة وثلاث سنين كما قرأته بخط والد شيخنا الشيخ يونس، وكان حسن المنظر، وافر الهيبة. ولد له أولاد كثيرة منهم الشيخ أبو الفضل، وأمه من بني شبل، والشيخ تقي الدين، وشهاب الدين وأمهما بنت الشيخ شهاب الدين المحوجب. توفي إلى رحمة الله تعالى ليلة الأربعاء العشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وصلي عليه إماماً الوالد، ودفن بتربتهم لصيق مسجد النارنج بالقرب من مقبرة باب الصغير رحمه الله تعالى.
بركات شقير المؤقت
بركات الشيخ زين الصالحي، المعروف بشقير المؤقت والمؤذن بالجامع الأموي، وصار رئيس المؤذنين به، ولما انتهى ترصيص التقيسية للدعاء بمنارة العروس بالجامع الأموي مع المشاهد الأربعة حواليه في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وتسعمائة، وعين الشيخ بركات المذكور في وظيفة الدعاء بالتقيسية. أنشد الشيخ شهاب الدين الغزي أخي لنفسه في الشهر المذكور كما ذكره ابن طولون في تاريخه:
أرى الحسن مجموعاً بجامع جلق ... وتجديده من أسعد البركات
وتاريخ ترصيص به لفضائل ... وتسقيفه من أحسن القربات
تقيسية قد حاز كل طريقة ... وتيميم سعد فيه مع بركات
توفي الشيخ بركات المذكور في يوم الجمعة سادس رمضان سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى وهو جد أبي الصفا جلبي الإسطواني لأمه.
برويز بن عبد الله
المولى مظفر الدين أحد الموالي الرومية. اشتغل في العلم، وخدم المولى شمس الدين أحمد بن كمال باشا صاحب التفسير، وتولى قضاء حلب، وفي يوم دخوله إليها بشر بقضاء الشام، ودخل دمشق في شوال سنة إحدى وستين وتسعمائة، وبقي بها مدة قضائها بعد حسن بيك أفندي، وتولى حسن بيك بعده ثانياً، ثم تولى مصر، ثم المدينة، ثم القسطنطينية، ثم قضاء العسكر الأناطولي. وله حاشية على تفسير البيضاوي، وحاشية على الهداية، ورسائل في فنون. مات في سنة ست وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف التاء المثناة خال
حرف الثاء المثلثة خال
حرف الجيم من الطبقة الثالثة
جعفر باشا
جعفر باشا ابن عبد الله أمير الأمراء بكلربكي دمشق. كان لالا السلطان مراد، وكان أهل الشام يكنونه أبا عيشة، وكان يقول أهل الشام أولياء مكاشفون فإن لي بنتاً اسمها عيشة. مات بدمشق، وهو أمير أمرائها يوم الأحد خامس عشر ربيع الأول سنة خمس وثمانين وتسعمائة، ودفن بتربة لصيق المصلى من جهة الشمال رحمه الله تعالى.
جان بلاط
جان بلاط ابن الأمير قاسم الكردي، القصيري، المشهور بابن عربو أمير لواء الأكراد بحلب، وولي سنجقية المعرة وكلز وإعزاز وتوابعها، وولي لواء أمراء الأكراد بحلب، فقتل جماعة من الأكراد واليزيدية، وقطاع الطريق، واللصوص، وكان يحبسهم في بئر عميقة، وأشبعهم بلاء حتى حسم مادة المفسدين، وتمكن من منصب الأمير عز الدين ابن الشيخ مند الذي كان عدو الله، وسعى في قتله، ومن شيعته، ودوره التي بناها بحلب، وكلز، ومن زوجته التي تزوجها، وولدت له بنين، ثم اشتهر أمره، وبعد صيته، وصار إليه بحيث يفوض إليه التفاتيش العظام، وأنشأ داراً عظيمة بحلب قيل: إنه صرف عليها ما ينوف على عشرين ألف دينار، وتوجه سنة سبع وستين إلى الباب بالخزائن الحلبية، وعاد فيها مكرماً من قبل صاحب السلطنة، وأحضر حكماً بهدم الكنيسة التي أحدثها فرنج اليهود بحلب، فحضر هو وقاضي حلب، فهدموها وتأخرت وفاته عن وفاة ابن الحنبلي رحمه الله تعالى.
جلال السيد الشريف(1/423)
المعروف بالجلال المصري، والجلال الركاب لأنه كان يركب الخيل يذللها ويطبعها، وكان مقرباً عند نواب الشام وأمرائها لذلك، وله عشرة عثمانية في الجوالي، وقراءة في الأموي، وكان رجلاً صالحاً كما قال والد شيخنا، وكان معتزلاً عن الناس، وله رجولية وفروسية. مات شهيداً مهدوماً عليه سقف بيته بمحلة سوق العبي هو ومعه ثلاث بنات له في ليلة الجمعة سابع عشري جمادى الأولى سنة سبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف الحاء المهملة من الطبقة الثالثة
حامد بن داود
حامد بن داود المولى العلامة، المحقق الفهامة، أحد الموالي الرومية. خدم المفتي عبد القادر الحميدي، وولي التدريس بطريقها، ثم صار قاضياً بحلب، ثم بدمشق، ودخلها في ذي الحجة سنة خمس وخمسين وتسعمائة، وبقي قاضياً بها نحو سنتين، وكان عالماً فاضلاً ديناً متورعاً، وكانت سيرته محمودة، وترددت إليه علماء دمشق، وأحبوه، ثم تولى قضاء مصر، ثم ترقى حتى صار مفتياً بالقسطنطينية، ومات وهو مفتيها سنة أربع وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حسن السعدي
حسن بن محمد بن محمد بن سعيد السعدي، وقيل: ينتهي نسبه إلى الشيخ سعد الدين الجباوي، الشيخ الصالح المربي المزازي الشاغوري، الشافعي المذهب. مات في سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، ودفن بمسجد الذبان لصيق مقبرة باب الصغير رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
حسن الصفدي
حسن بن محمد بن الشيخ العالم المسند المعمر بدر الدين ابن الشيخ الصالح العلامة شمس الدين حامد الصفدي الشافعي. ولد بصفد صبيحة يوم الخميس ثاني جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وثمانمائة. أخذ عن والده، ورحل إلى مصر في سنة خمس وعشرين وتسعمائة، فأخذ عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف والقلقشندي، والسنباطي، والكمال الطويل، والشهاب ابن النجار، والنور المحلي، والشبلي وشهاب الدين أحمد بن محمد بن الطحان القادري، وعاد إلى دمشق، فأخذ عن التقوي ابن قاضي عجلون، والسيد كمال الدين بن حمزة، وعاد إلى صفد، وتوفي في حدود التسعين بتقديم المثناة فوق وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حسن بن نصير
حسن بن محمد بن نصير أو نصر بفتح النون فيهما الشيخ الإمام المقرىء، المجود المتقن بدر الدين الصلتي الأصل، الدمشقي الدار والمنشأ، الشافعي. مولده أواخر القرن التاسع، وكتابه الإرشاد أخذ القراءات عن الشمس إمام الباشورة وغيره، ولقي شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون، وأخذ عن صالح اليمني، وأبي الفضل بن أبي اللطف، والبلاطنسي، والقاري، ولقي أبا العون الغزي، وسيدي علي بن ميمون، ولازم شيخ الإسلام الجد، وكان يحفظ القرآن العظيم مجوداً للعشر، وقصد للأخذ عنه من سائر الآفاق، وألحق الأولاد بالأجداد والأحفاد، وكان ملازماً لجامع كريم الدين بالقبيات يقرىء الناس فيه، وله بيت لصيق الجامع من جهة الشمال، وكان يأكل من كسب يمينه بنسج القطن، وكانت عليه نضرة القراء، وأبهة العلماء، ونورانية الأولياء رضي الله تعالى عنه وممن أخذ عنه القراءات الشيخ شهاب الدين الأخ، وقرأت عليه لعاصم البقرة، وأدركته المنية، فتوفي يوم الخميس تاسع عشري المحرم سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حسن أحد الموالي الرومية(1/424)
حسن بن عبد الله، أحد الموالي الرومية العالم العلامة، الأوحد الفهامة، اشتراه الوزير الأعظم رستم باشا، وعمره تسع سنين، فأعتقه وعلمه القرآن العظيم، واشتغل في العلم على فضلاء الروم، وبرع في فقه الحنفية، وولي المدارس السنية حتى صار مدرساً بإحدى الثمان. وتولى قضاء الشام سنة تسع وخمسين وتسعمائة ودخلها في ربيع الأول. وولي بعده برويز أفندي. ثم عاد إليها ثانيا، واستمر بها مدة، ثم أعطي قضاء مصر، فخرج من دمشق إليها في شعبان سنة ثلاث وستين وتسعمائة، ثم توجه إلى الحج في سنة إحدى وستين، وبعد توجهه لعشرين يوماً ورد أولاق بعزله عن قضاء الشام، وتوليته قضاء مكة المشرفة، فأرسل نائب الشام نجاباً معه الأمر بتوليته مكة، فلحقه بتبوك، فاستمر بمكة قاضيها مدة، ثم عزل عنها، وعاد إلى الإسلام بول، ثم أعيد إلى الشام قاضياً في سنة ثلاث وستين وتسعمائة عن برويز أفندي المتولي قضاء الشام بعده، ثم أعطي مصر، فخرج من دمشق إليها في شعبان سنة أربع وستين وتسعمائة، ثم ولي القسطنطينية، ثم قضاء العسكر، وكان أشقر اللحية، أزرق العينين، عليه وقار وهيبة، وله حرمة وافرة، هابه في قضائه النظار والناس حتى نائب الشام، وردع أهل الظلم، وهو الذي عمر مجلس الحكم بباب القاضي، وكان نواب الباب أولاً يجلسون بإيوان القاعة الشرقي، فبنى هذا المجلس خارج القاعة، وكان يعظم العلماء والفضلاء، وكان يميل إلى شيخ الإسلام الوالد ويعتقده، ويقبل يده، ويحبه محبة شديدة، ويزوره في خلوته بالجامع الأموي، ويتبرك به ويسأله الدعاء، ولما ولي الشام ثانياً، ودخل دمشق دخل عليه الوالد للسلام عليه، فمشى إلى ملاقاته حافياً إلى البحرة التي في القاعة، وعانقه وقبل يده وأجلسه عن يمينه، ثم دخل في أثره الشيخ علاء الدين بن عماد الدين للسلام على القاضي، فلم يجلس تحت الشيخ بل جلس تجاه الأفندي خلف الصندوق على طرف الإيوان، وكان الأفندي يفهم ما بينهما، فقال له: ما لك لا تجلس تحت مولانا شيخ الإسلام وهو أكبر منك سناً وأكثر منك علماً؟ فقال الشيخ: يا مولانا هؤلاء أولادنا منهم من عق، ومنهم من بر، ثم قام الشيخ علاء الدين، ولم يتكلم بشيء، فتعجب الحاضرون من سكوته لما يعلمون من جرأته، وعدوها كرامة للشيخ من حيث أسكت عنه الشيخ علاء الدين وأفحم، أو سكت لما يعلم من اعتقاد الأفندي في الشيخ، وكتب إلى الشيخ من مصر وهو قاض بها في صدر مطالعة، ولعله استعاره من ألحان السواجع:
يا برق هل ترثي لصب ساهر ... أو هل ترى لكسره من جابر
وهل لما قد ناله من راحم ... أو لم يكن فهل له من عاذر
أبيت لا أنيس لي إلا الذي ... يدور من شكواي في ضمائري
وأضلعي تحني على جمر الغضا ... وما الشرار غير قلبي الطائر
ومقلتي تعثرت دموعها ... لأنها تجري على محاجري
والنوم لا أعرف منه سنة ... في سنة إلا بحكم النادر
فكتب إليه الشيخ في صدر مطالعة ما جوابه:
وافى كتاب من حبيب حاضر ... في وسط قلبي غائب عن ناظري
فغدا فؤادي راقصاً بقدومه ... وبكت عيوني فرحة بالزائر
ونهضت إجلالاً له ووضعته ... حملاً على رأسي وفوق ضمائري
ورفعته فوق الخدود وصنته ... عن حر دمع قد جرى بمحاجري
وفضضت مسك ختامه عن روضة ... غناء ذات خمائل وأزاهر
وجنيت من ألفاظه تبراً ومن ... رياه طيب أريج زهر ناضر
ولقطت من منثوره دراً ومن ... منظومه عقداً بديع جواهر
لم لا ومنشيه مليك بلاغه ... فنسبه من بيت سعد طاهر
مولى يكاتب عبده والعبد في ... رق الولاء بباطن وبظاهر
ما أن يرى لوداده من أول ... كلا ولا لولائه من آخر
كان صاحب الترجمة يتلطف، فيكتب في إمضائه حسن بن عبد المحسن، ويقال له عند أهل البديع: الإشتقاق، ويقال: جناس الإشتقاق. توفي بالقسطنطينية سنة أربع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حسن بن يوسف
أحد مولى الروم(1/425)
الموالى الزاهد الصمداني، أحد موالي الروم. اشتغل بالعلم، وخدم المفتي أبا السعود، ومات في أدرنه عاشر ذي الحجة في سنة خمس وسبعين بتقديم السين وتسعمائة بالرعاف رحمه الله تعالى.
حسن السهاوي
حسن الشيخ العلامة الورع، الشيخ صدر الدين السهاوي بضم المهملة المصري. وكان فقيهاً صوفياً مؤثراً للعزلة لا يخرج إلا للتدريس، أو لصلاة الجماعة صواماً، قواماً، متحملاً. أخذ الفقه عن الشيخ نور الدين الطرابلسي، والشيخ شهاب الدين الشلبي، وزوجه بنته، وأجازه بالإفتاء والتدريس، وأخذ عن الشيخ شرف الدين المالكي المقيم بزاوية الخطاب بالقاهرة، وأخد التصوف عن سيدي أبي السعود الجارحي، وأثنى عليه الشعراوي في طبقاته، وتأخرت وفاته عن وفاته رحمه الله تعالى.
حسن بن محمد بن حمزة
حسن بن محمد بن حمزة، الشيخ العالم الفاضل بدر الدين ابن شيخ الإسلام كمال الدين بن حمزة، السيد الشريف الحسيب النسيب. كان من العلماء الفارعين، والفضلاء البارعين. ولد سنة ست وعشرين وتسعمائة كما قرأته من خط الشيخ عبد القادر بن النعيمي حضر دروس والدي، وكان من أخص الناس به، وقال والد شيخنا: كان من أجمل الناس علماً، وأدباً، وديناً، وكان مدرساً في الشامية الجوانية، والجامع الأموي، وله مناصب جليلة يستحقها دون غيره علماً ووراثةً، وكانت وفاته فيما قرأته من خط المشار إليه في يوم الجمعة بعد الصلاة سابع عشر ذي القعدة الحرام سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وصلي عليه بعد صلاة العصر بالجامع الأموي، ودفن بتربة باب الصغير، وبها قبر والده، وهو السيد زين العابدين، والسيد محمد، وكل منهما ولي نقابة الأشراف بدمشق رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
حسن القطناني
حسن القطناني، ووالد شيخ الطائفة القطنانيين، نسبة إلى قطنا تابع وادي العجم. يتصل طريقهم بجدهم الشيخ حسن الراعي الآخذ عن سيدي أحمد الرفاعي، كان عبداً صالحاً، نيراً، طارحاً للتكلف يشهد من يراه بولايته. مات سبع بتقديم السين وسبعين وتسعمائة، وهو والد الشيخ علي رحمه الله تعالى.
حسين بن الحصكفي
حسين بن علي، الشيخ البارع الفاضل شمس الدين الحصكفي، الشافعي، مولده سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، واشتغل في العلم صغيراً على شيخ الإسلام الوالد، وعلى الشيخ شهاب الدين الطيبي المقرىء وغيرهما، وبرع في العربية وغيرها، ونظم تصريف الغزي، وهو ابن أربع عشرة سنة، وكان من قوله فيه:
وبعد ذا فإنني بعجزي ... ناظم تصريف الإمام العزي
وعمري أربع عشرة سنة ... وكل الأعمار كأنها سنة
وعرضه على شيخ الإسلام الوالد، فقرظ عليه بقوله كما نقلته من خطه:
أحمد ربي العلي المنعما ... معلم الإنسان ما لن يعلما
كرمه على جميع الخلق ... مفضلاً أبعاضه في الرزق
وخص بالحفظ وبالتعليم ... من عمه بفضله العميم
ثم أصلي مثل ما أسلم ... على نبي قدره المعظم
وآله وصحبه والتبع ... على الهدى لنهجه المتبع
وبعد فالطفل الأديب البارع ... الفاضل الندب الأديب الفارع
وهو الحسين بن علي الحصكفي ... عامله الله بلطفه الخفي
أطلعني على انتظام رصف ... في علم تصريف له قد ألف
نظم تصريف الإمام العزي ... فيه، ولم يبد به من عجز
فقد أصاب الوزن والرويا ... وصحة المعنى الذي تهيا
ولم يحد عن مقصد الكتاب ... ولا تخطى طرق الصواب
وسوف يرتقي إلى مقام ... في العلم شامخ الذرى وسامي
فإنه ذو همة علية ... وفطنة في العلم المعية
وقد أجزته بهذا الفن ... وكلما يجوز لي وعني
وكان ما ذكرته في عاشر ... يوم تقضي من ربيع الآخر
من عام ستة وأربعينا ... من بعد تسعمائة سنينا
كتبه معترفاً بالعجز ... العامري محمد بن الغزي
والحمد لله على إنعامه ... ثم صلاة الله مع سلامه(1/426)
على النبي وآله أهل الوفا ... وحسبنا الله تعالى وكفى
ونسأل الله الكريم المنعما ... بالخير والحسنى لنا أن يختما
وكان صاحب الترجمة حسن الخط. كتب للوالد كثيراً من الكتب من مؤلفاته وغيرها. توفي سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة. قيل: إنه كان له وعظ بالجامع الأموي ختمه يوم سبعة وعشرين من رمضان، وقال يخاطب الحاضرين: هذا آخر العهد منكم، وانتقل، غداً، ثم لما انصرف من وعظه حم ومات في اليوم الثاني رحمه الله تعالى.
حسين أحد الموالي الرومية
حسين بن محمد بن حسام الدين أحد الموالي الرومية، المعروف بقرا جلبي زاده. ترقى في التدريس حتى صار قاضياً بدمشق، ودخلها في صفر سنة أربع وثمانين وتسعمائة، وهي سنة وفاة شيخ الإسلام الوالد، وحضر جنازته، وحمل بأحد جوانبها، وسلك في قضائه مسلك جوي زاده، وناظر زاده في العفة والصيانة، وكذلك ولده أحمد أفندي قاضي العساكر حين ولي قضاء دمشق وغيرها، وهو حي الآن، ووصل خبر عزله في سادس عشر ذي الحجة سنة ست وثمانين وتسعمائة.
حسين بن النصيبي
حسين بن عمر بن محمد، الشيخ العلامة بدر الدين، أقضى القضاة، زين الدين ابن قاضي القضاة جلال الدين الحلبي، الشافعي، عرف بابن النصيبي أخذ النحو، والصرف عن العلاء الموصلي، والفقه عن البرهان اليشبكي، والبرهان العمادي، والشمس الخناجري، والنحو، وغيره عن الشهاب الهندي، وعن منلا موسى بن عوض الكردي والشيخ محمد المغربي الشهير بابن المرقي، وارتحل إلى حماة فدخل في مريدي الشيخ علوان وزوجه الشيخ ابنته، وولدت له ولده جلال الدين، وغيره، وعاد إلى حلب، وكان الواردون إليها من الحجاز، وغيره إلى الروم، ومن الروم، وغيره إلى الحجاز يفدون إليه، وينزلون عليه، وكان يتلقاهم بالتأهيل، والترحيب، والقرى، ويستفيد منهم، ويستفيدون منه، ومن شعره ما تساجل به، والعلامة سيدي أحمد بن المنلا فقال ابن المنلا:
ضرب من السحر أو ضرب من الكحل ... ما كان من طرفك إلا مضى من الأجل
وقدك المائس العسال منتسباً ... غصن من البان أم لدن من الأسل
فقال صاحب الترجمة:
والورد خدك أم لون العقيق به ... أم لون كأسك أم ذا حمرة الخجل
والشهد ريقك أم برد الرضاب ... حلاوة أين منها نكهة العسل؟
فقال ابن المنلا:
يا بدر تم إذا ما حل دارته ... لام العذار كساه أفخر الحلل
أيقظ نواظرك السكرى فقد ظهرت ... عقارب الصدغ تبغي دارة الحمل
فقال صاحب الترجمة:
وارحم فؤاداً كواه الحب من شغف ... ولا تمل نحو من يصغي إلى العذل
وجد بتقبيل ثغر راق مبسمة ... يشفي مريض الهوى من شدة العلل
فقال ابن المنلا:
واستبق روحي وخذها في رضاك ... وقل هذا محب عن الأعتاب لم يحل
فقال صاحب الترجمة:
وارفق بدمع من الأجفان منهمل ... على خدود علتها صفرة الوجل
فقال ابن المنلا:
واحفظ عهود الوفا واجف الجفا كرماً ... واقصد إلى ما عسى يدني من الأمل
فقال صاحب الترجمة:
فالصبر مرتحل والجسم منتحل ... والدمع منهطل والقلب في علل
مهلاً فإن يك دمعي سال ممتزجاً ... دماً فمن ذا الذي يخلو من الزلل؟
حسين المكي
حسين ابن القاضي حسين المكي المالكي، المشهور بالكرم بمكة المشرفة قيل: كان سماطه في الأعياد ألف صحن صيني. مات في تاسع صفر سنة تسعين بتقديم التاء وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بالجامع الأموي يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حمدان القدسي
حمدان القدسي الحنفي. كان له مشاركة في العلم إلا كان جريئاً بذيء اللسان. سل لسانه سليمان باشا ابن قباد في سنة تسع بتقديم التاء وتسعمائة وشنقة في الدلبة التي في المرجة، وذكره بإطلاق لسانه فيه وفي غيره، وقوله فيه: إنه الأعور الدجال.
حمزة الترجمان(1/427)
حمزة الترجمان. كان يترجم للقضاة بدمشق، ثم ترقى إلى أنظار المدارس حتى نظر الأموي، ومات عنه قال والد شيخنا: وكان لا بأس به لكونه أصلح من غيره، وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب من آحاد التركمان. مات ليلة الإثنين ثامن عشر صفر سنة اثنتين وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وتأسف الناس عليه رحمه الله تعالى.
حرف الخاء المعجمة من الطبقة الثالثة
خالد بن أبي بكر
خالد بن أبي بكر بن محمد بن محمد بن عيسى، وعيسى جده هذا هو بالعلم المشهور بالولاية، الأريحاوي، السرجي، نسبة إلى سرجة بفتح فسكون قرية من قرى حلب، جاور بالقدس الشريف مدة، ثم ورد على سيدي علوان، ولازمه ثم سكن حلب، وأذن له شيخه بأن يتكلم على الخواطر، وتأخرت وفاته عن ابن الحنبلي رحمه الله تعالى.
خضر خطيب دمشق
خضر بن أحمد بن خضر، المشهور بالشيخ خير الدين الأماسي، الحنفي، خطيب دمشق، وهو أول حنفي خطب بالجامع الأموي، كان شيخاً، معمراً منوراً، متصلباً في دينه صوفياً، أنشأ له بعض الأكابر بالقسطنطينية زاوية فأقام بها، ثم ولي خطابه جامع دمشق فخطب به، والناس، به راضون، ثم تقاعد بخمسين عثمانياً، وشيء من الحنطة وتنقل في البلاد، ولم يزل في مجالسه الوعظية يقدح في الظلمة من القضاة والوزراء والأمراء، وربما واجههم بذلك حتى في دار السلطنة ولا يقدر له أحد على سوء قدم حلب ثلاث مرات آخرهن في سنة أربع وستين وتسعمائة، بعد أن جاور بالقدس خمسة أشهر فعاد منها، شاكياً من قاضيها، وواليها وأهلها، إلى بلدة أماسية، وأقام بها حتى توفي بعد سنين رحمه الله تعالى.
خطاب الضرير
خطاب، الشيخ الصالح العابد الزاهد، شيخ الإقراء بمدرسة الشيخ أبي عمر بصالحية دمشق. كان ضريراً حافظاً لكتاب الله تعالى. نافعاً للمجاورين بالمدرسة المذكورة، وكان إذا حصل له شيء من الدراهم اشترى به مصحفاً. ووقفه، وكان يؤذن إذا جاء وقت الصلاة حتى في مرض موته، واستغراقه حتى مات يوم السبت ثامن عشر شعبان سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
خضر أفندي
خضر أفندي نائب الباب لقاضي القضاة مصطفى جلبي ابن بستان، مات يوم الأحد رابع عشري جمادى الثانية سنة ثلاث وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
خليل الحلبي
خليل بن أحمد بن خليل بن أحمد بن شجاع، الشيخ العلامة عز الدين، ابن الشيخ شهاب الدين الحمصي الأصل، الحلبي المولد، والمنشأ القسطنطيني، الشافعي المشهور بابن النقيب، ولد في يوم الجمعة عاشر المحرم، سنة تسعمائة، قرأ القرآن على عدة وحفظ ألفية ابن مالك، وكافية ابن الحاجب، وفرائض الرجبي، والياسمينية في الجبر، والمقابلة واشتغل في الميقات على الشيخ محمد الحباك، ثم على البدر السيوفي في العربية فقرأ الجرومية، وتصريف الغزي، ومتن الجغميني، ثم قرأ على الشيخ علي السرميني، في الفرائض والحساب، ثم فتر عن الطلب قليلاً، ثم تحركت همته للطلب، فسافر إلى القاهرة ماشياً من غير زاد في سنة أربع وعشرين وتسعمائة، فاشتغل بها في الفرائض، والحساب، والميقات والهندسة، والموسيقى، والطب، على الشيخ أحمد بن عبد الغفار، وعلى الشيخ شمس الدين محمد الهنيدي، المصري الفلكي في الفلك، ثم عاد إلى حلب بعد سنتين فقرأ على ابن السفيري الشافية لابن الحاجب، وعلي بن سعيد الشمسية، في المنطق وشرحها للقطب، وسمع عليه الطوالع، وعلي منلا موسى، وعلي منلا زاده في الحكمة، وقدم دمشق سنة ثمان وعشرين فتصدر بالجامع الأموي انتفع الناس به، ثم سافر إلى الروم، ودخل دمشق ثانياً سنة أربع وخمسين، ثم سافر منها إلى مصر، ثم رجع إلى إسلام بول سنة خمس وستين، وتقرب من بعض كتاب الديوان، فأثرى منه، وعرض عليه أن يكون له علوفة، مراراً فأبى فقوي فيه الاعتقاد، وممن أخذ عنه البرهان بن مفلح، وولده القاضي أكمل، واجتمع به بالقسطنطينية في سنة خمس وستين، وكان له يد طولى في الحكمة، والهندس، والطب اشتهر به، وعالج بعض الأكابر، فبرأ من مرضه، فاشتهر، وصارت معيشته منه ونظم ونثر، وألف رسالة على الحمدلة ورسالة في الحساب ، ورسالة في الهيئة ، وجمع في خواص الحروف شيئاً، وادعى حل الزيراجة السبتية وشرح قصيدة أبي السعود التي أولها: أبعد سليمي مطلب ومرام.(1/428)
وله يمدح القصيدة المذكورة، والتزم حرف السين المهملة في كلماتها:
سطور حسن عن الشمس أسفرت ... سباني سن باسم وسلام
فعن يوسف سارت وفي الحسن أسندت سقتني سلافاً والكؤوس حسام
فسهل لها سفك النفوس وقد سعى ... يساعد فيه سالف وسهام
واستمر المذكور بإسلام بول، موفر الجاه، حتى توفي بها سنة تسع وستين أو سنة سبعين وتسعمائة، وقال ابن الحنبلي: في سنة إحدى وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف الدال المهملة من الطبقة الثالثة
داود بن علي اليماني
داود بن علي بن شعبان اليماني، الوصابي، الشافعي. كان من أهل العلم، والصلاح، والديانة، والعفة فقيهاً. الإرشاد وشروحه نصب عينيه تردد في البلاد، ودخل مكة والمدينة ومصر والشام، وأخذ عن علمائها، وكان من أكبر المحبين لشيخ الإسلام الوالد. وفد إليه بدمشق في سنة اثنتين وستين، ثم في سنة خمس وستين، وفي سنة ست وستين، وكتب عنه فوائد، وأخذ عنه أشياء غير واحدة، وأجاز الشيخ بإجازتين حافلتين منظومتين واحدة من بحر الرجز بالتصوف، وأخرى من بحر البسيط بالإفتاء والتدريس. ثم أقام بمصر، ومات في حدود الألف رحمه الله تعالى.
داود الضرير الطبيب
داود الضرير الطبيب. حكيم القاهرة، وكان يحكى عنه عجائب في تشخيص العلة وعلاجاتها. مات في حدود التسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
درويش باشا ابن رستم باشا
درويش باشا ابن رستم باشا الرومي، وهو ابن أخت محمد باشا الوزير. ولي نيابة طرابلس، وتوجه منها أميراً للركب الشامي في سنة أربع وسبعين، وكان حيتئذ مراد باشا مستحفظاً بدمشق، ونيابتها يومئذ على مصطفى باشا، وكان يومئذ بمصر متوجهاً إلى اليمن، وقتل درويش باشا في تلك السنة بطريق مكة معصوم بيك وزير الشاه ومن معه، ثم رجع درويش باشا إلى محل نيابته بطرابلس، ثم ولي نيابة دمشق، وكانت سيرته مستحسنة، وله مقاصد جميلة، ووقع في سنة إحدى وثمانين بدمشق طاعون عظيم، وكان الرجل يموت ولده، وهو محبوس على دينه، فصالح أرباب الديون عن المتدينين، وأخرجهم من السجن، وأمر أن لا يحبس أحد بتلك الأيام، فلما رأى الناس ذلك منه كفوا عن المخاطبة، وأحبه أهل دمشق، وعمر الجامع خارج باب الجابية لصيق المغيربية بين السيبائية، وبين دار السعادة، وعمر الحمام داخل المدينة بالقرب من الجامع الأموي من جهة باب البريد، وعمر القاسارية، والسوق بالقرب منه سوق الجوخ والقهوة، ووقف ذلك فيما وقفه على جامعه، وشرط تدريسه للشيخ إسماعيل النابلسي، وكان خصيصاً به، وكان له اعتقاد في شيخ الإسلام الوالد، وكان يتردد إليه في خلوته غربي الجامع الأموي يقبل يديه، وبلغ الوالد أن جماعته يخرجون لطلب التراب والأحجار من الصحراء، فيسخرون دواب أهل القرى لذلك. فأرسل إليه رقعة ينهاه فيها عن ذلك، فمنع جماعته من ذلك، وتبرأ من صنيعهم، وعمر الجسر على نهر بردا عند عين القصارين من أخشاب، وجعل له مرافس، وكان عمره قبله مصطفى باشا بالأحجار، فلما جاءت الزيادة وخرب، فأراد درويش باشا أن يعمره بالأحجار والمون، فقيل له: إنه عمر على هذه الصورة مراراً، ويخرب، فعمره من خشب، وجعل له تلك المرافس، ويعرف هذا الجسر قديماً بجسر طوغان، ومما وقع له أن رجلين اختصما إليه في لقطة ادعى مدعيها أنها كانت خمسمائة، فقال لملتقطها: ما تقول؟ فقال: أنا والله لم ألق إلا هذه الصرة، فإذا هي دون ذلك. فقال درويش باشا للمدعي: هذه ليست لك هذه تبقى لصاحبها حتى يطلبها، وأنت فالتمس ضالتك. وأنشأ بدمشق السبيل جوار مدفن الشيخ خليل بالقرب من دار السعادة، وأجرى إليه الماء بدولاب من نهر بانياس، وأنشأ سبيلاً آخر في حائط جامعه. وقال ما فيه في تاريخ السبيل الأول:
هذا سبيل بل سلسبيل ... يشفي غليلاً يشفي عليلا
وزمزم الماء فيه يجري ... لدى مقام حوى خليلا
أجزاه أجراً فأرجوه ... درويش باشا بنى سبيلا
وقال في الثاني:
أحيي دمشق وأهلها بسبيله ... درويش باشا دام فعل جميله
قبل الكريم ثوابه لما أتى ... تاريخه لله خير سبيله(1/429)
وفي سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة عزل عن دمشق بجعفر باشا، ثم تولى نيابة مرعش مدة، ثم قرامان، ثم ديار بكر، فمات بها سنة خمس وثمانين، فصبر وحمل تابوته بعد مدة إلى دمشق فدخلوا به في تاسع رمضان سنة ست وثمانين وتسعمائة كذا قيل، والذي تحرر أنه توفي في بلاد قراآمد في تاسع عشر صفر سنة سبع وثمانين وتسعمائة، ونقل إلى دمشق فدخلوا به يوم السبت ثامن عشر ربيع الآخر منها، ودخل بين يديه الصوفية وغيرهم معلنين بالذكر والتوحيد والعلماء، ووجوه الناس، ودفن بالقرب من جامعه خارج دمشق رحمه الله تعالى.
حرف الراء من الطبقة الثالثة
رحمة الله السندي
رحمة الله ابن قاضي عبد الله السندي، الحنفي نزيل مكة، كان عالماً فاضلاً له رسالة سماها غاية التحقيق، ونهاية التدقيق، في مسائل ابتلي بها أهل الحرمين الشريفين، كان موجوداً في سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
رشيد بن محمد التونسي
رشيد بن محمد بن الحسن بن مسعود بن عثمان الحفصي الفاروقي التونسي المالكي ابن سلطان تونس كان له حشمة زائدة، وسخاء زائد، على خلاف ما هو مشهور عن المغاربة، وكان له محاضرة حسنة ومعرفة بتواريخ الناس، واستحضار لمسائل علمية كثيرة، وكان يذكر أنه استفاد ذلك من مجالسته العلماء، وكان لهجاً بشعر أبي العباس ابن مخلوف، مادح أجداده كقوله في مطلع قصيدة قالها في جده عثمان، وكان ينسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
هزوا القدود وارهبوا الأجفانا ... أو ما رأيت البان والغزلانا؟
استبدلوا بدل السهام لواحظاً ... لما انتضوا عوض الظبا أجفانا
ومنها قوله:
أفضت إليه خلافة الفاروق إذ ... سمته السنة الورى عثمانا
حج وعاد إلى إسلام بول، ومكث، ثم في رفاهية من العيش، إلى أن مات سنة تسع بتقديم التاء المثناة وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
رمضان أفندي ناظر زاده
رمضان أفندي أحد الموالي الرومي، والمفتي بالمملكة العثمانية، الشهير بناظر زاده. ولي قضاء دمشق في سنة ثمان وسبعين وتسعمائة في رجب. عزل عنها في أوائل شوال سنة تسع وسبعين، ثم ولي قضاء بروسيا في سنة إحدى إحدى وثماني وتسعمائة.
حرف الزاي من الطبقة الثالثة
زكريا بن بيرام
زكريا بن بيرام أحد الموالي الرومية، والمفتي بالمملكة العثمانية. قرأ على ابن كمال باشا وغيره، وبرع في الفقه والتفسير، وولي المناصب، وترقى بها حتى ولي قضاء العساكر، وانتفع به الناس، ودخل دمشق سنة أربع وتسعين وتسعمائة متوجهاً! منها إلى الحج، وصحبته ولده يحيى أفندي الذي صار شيخ الإسلام في ولاية السلطان مصطفى شاه الثانية، وكان إذ ذاك قاضي الركب الشامي، وكان قاضي دمشق حينئذ عبد الغني أفندي ابن أمير شاه في توليته الثانية، وحج صاحب الترجمة، ثم عاد إلى الروم، فولى قضاء. العسكر الروملي بها، ووقع بينه وبين سنان في شعبان سنة ثمان وتسعين وتسعمائة، ثم ولي شيخية الإسلام، ومات في مجلس السلطان مراد، وقد دخل للسلام عليه في سنة.
زين بن نجيم
زين بن نجيم الشيخ العلامة، المحقق المدقق الفهامة، زين العابدين الحنفي أخذ العلوم عن جماعة منها الشيخ شرف الدين البلقيني، والشيخ شهاب الدين بن الشلبي، والشيخ أمين الدين بن عبد العال، وأبي الفيض السلمي وأجازوه بالإفتاء، والتدريس، فأفتى، ودرس في حياة أشياخه، وانتفع به خلائق، وله عدة مصنفات منها شرح الكنز و الأشباه والنظائر سلك فيها مسلك الشيخ تاج الدين بن السبكي، الشافعي، في كتابه الأشباه والنظائر، وصار كتابه عمدة الحنفية، ومرجعهم، وأخذ الطريق عن الشيخ العارف بالله تعالى سليمان الخضيري، وكان له ذوق في حل مشكلات القوم قال الشعراوي: صحبته عشر سنين، فما رأيت عليه شيئاً يشينه، وحججت معه في سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، فرأيته على خلق عظيم مع جيرانه، وغلمانه ذهاباً، وإياباً مع أن السفر يسفر عن أخلاق الرجال، أخذ عنه جماعة منهم الشيخ محمد العلمي سبط ابن أبي شريف المقدسي الأصل، ثم الشامي، ولازمه بمصر، وكانت وفاته سنة تسع بتقديم التاء المثناة وستين وتسعمائة كما أخبرني بذلك تلميذه الشيخ محمد العلي رحمه الله تعالى.
زين العابدين الطبيب(1/430)
زين العابدين ابن الغرابيلي الطبيب الحاذق. كان له معرفة تامة بإحكام النبض، وتشخيص العلل، وكان في العلاج غاية، وكان يحب خدمة العلماء، والتردد إليهم، وله مال يتاجر فيه، وكان يعمل الأدوية النفيسة، ويقدمها للأكابر عند الحاجة إليها، وكان قد قصر نفسه آخراً على خدمة شيخ الإسلام الوالد، حتى صار من أخص جماعته، وكان ينسب إلى التشيع، وكان الشيخ ينفي ذلك عنه وحج وجاور بعد وفاة الشيخ، ثم عاد إلى دمشق في حدود التسعين وتسعمائة، ومات سنة إحدى وتسعين بتقديم التاء المثناة فوق وتسعمائة.
زينب الغزية
زينب بنت محمد بن محمد بن أحمد الغزي، الشافعية كانت من أفاضل النساء، من أهل العلم، والدين، والصلاح مولدها في ذي القعدة سنة عشر وتسعمائة وقرأت على والدها، وقرأت على أخيها شقيقها الشيخ الوالد كثيراً، قرأت عليه تنقيح اللباب، وفي المنهج جانباً وكتبت له كتباً بخطها، ومدحته بقصيدة تقول فيها:
إنما العالم الذي ... جمع العلم واكتمل
قام فيه بحقه ... يتبع العلم بالعمل
سهر الليل كله ... بنشاط بلا كسل
فهو في الله دأبه ... أبد الدهر لم يزل
حاز علماً بخشية ... وبدنياه ما اشتغل
حاسديه تعجبوا ... ليس ذا الفضل بالحيل
ذاك مولاه خصه ... بكمال من الأزل
من يرم مشبهاً له ... في الورى عقله أختبل
أو بلوغاً لفضله ... فله قط ما وصل
فهو شيخي وسيدي ... وبه النفع لي حصل
ولقد أجادت فيما شادت. وشعرها في المواعظ، وغيرها في غاية الرقة، والمتانة وكانت من أعاجيب العصر، وأفاريد الدهر، اتصلت بمنلا كمال المتقدم ذكره في الطبقة الأولى وبعده بالقاضي شهاب الدين البصروي المتقدم في هذه الطبقة الأولى وماتت في سنة ثمانين وتسعمائة رحمة الله عليها.
حرف السين المهملة من الطبقة الثالثة
السلطان سليم
سليم بن سليمان، ابن خادم الحرمين الشريفين، سلطان الإسلام وملك القسطنطينية العظمى، ابن بايزيد بن محمد السلطان بن السلطان بن عثمان، تولى السلطنة بعد أبيه الآتي بعده، وكانت مدة سلطنته نحو ثمان سنين، وورد الخبر بموته إلى دمشق يوم الأربعاء ثامن عشري رمضان سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، وارتجت دمشق لموته، وكان نائبها إذ ذاك درويش باشا، وقاضيها محمد أفندي ابن سنان، ومفتيها ابن المعيد وحضروا هم والناس إلى المرجة، وصلوا عليه غائبة وكان الإمام الشيخ محمد الأيجي، وتولى بعده ولده السلطان مراد رحمه الله تعالى.
السلطان بن سليم(1/431)
سليمان بن سليم بن بايزيد عين الملوك العثمانية، ورأس السلاطين الإسلامية، حامي حماها الأحمى، ملك القسطنطينية العظمى، تولى السلطنة بعد موت أبيه السلطان سليم في أواخر سنة ست وعشرين وتسعمائة. خرج الغزالي بدمشق في زمنه، فأرسل إليه عساكره فقتلوه خارجها، ووزر للسلطان سليمان رحمه الله تعالى إبراهيم باشا مدة طويلة، ثم قتله، ثم رستم باشا، ثم علي باشا، ثم محمد باشا، وكان أحسن وزرائه، وبقي وزيراً في زمن ولده السلطان سليم، ثم في زمن ولده السلطان مراد، وكان السلطان سليمان ملكاً مطاعاً مجاهداً يحب العلم والعلماء، ويقف عند الشرع الشريف، وكان يترجم بالولاية عمر السليمانية بالقسطنطينية، وهي أعظم مساجدها وأنورها حكى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في بستانه في المنام، فأشار إليه بتعمير مسجد جامع به، وأراه مكاناً فلما استيقظ من منامه اقتطع جانباً من سراياه منه البستان المذكور، وعمره مسجداً عظيماً شيد بناءه، ووسع فضاءه قيل ووضع محرابه في الموضع الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، وعمر إلى جانبها المدارس العظيمة أعظمها دار الحديث السليمانية، وكان مصرف ذلك من غنائم رودس، وأمر بتعمير التكية السليمانية بدمشق فعمرت في موضع القصر الأبلق بالوادي الأخضر، وعمر إليها مسجداً جامعاً ومدرسة عظيم شرطها للمفتي بدمشق، وكان ابتداء عمارة التكية، والمسجد في سنة اثنتين وستين وتسعمائة، وكملت هذه العمارة في أوائل صفر سنة سبع وستين وتسعمائة. وولي الإمامة بالمسجد المذكور شيخنا الشيخ زين الدين بن سلطان، والخطابة العلامة عبد الرحمن ابن قاصي القضاة ابن الفرفور، وخطب أول خطبة في يوم الجمعة رابع عشر شعبان سنة سبع وستين وتسعمائة، وحضر الخطبة قاضي القضاة بدمشق حينئذ شمس الدين محمد ابن شيخ الإسلام أبي السعود المفتي، فأعجبته خطبته، وكانت خطبة بليغة فيما يقال: وكان ممن حضر من أعيان الشام محمد بن قيصر، والشيخ سعد الدين الجباوي، وفي ذي القعدة الحرام منها وصل أمر شريف من قبل المرحوم السلطان سليمان صاحب الترجمة إلى دمشق بتعمير قلاع بطريق الحاج الشامي، وتعيين صنجق لكل قلعة، وفي صحبته سباهية ومعلمون وفعول، ومعهم ما يكفيهم من الزاد. واحدة بالقطرانة، وثانية بمعان، وثالثة بذات حج، ورابعة بتبوك، فعمرت كما أمر، وبقي الانتفاع بها إلى الآن، وله المدارس العظيمة بمكة المشرفة وغيرها. ومات في بعض غزواته سنة أربع و سبعين بتقديم السين وتسعمائة، ولما وصل الخبر بموته إلى دمشق ركب قاضي قضاتها علي جلبي قنالي زاده، وشيخ الإسلام الوالد للصلاة عليه إلى التكية السليمانية، ووضع القاضي على رأسه مئزراً أصفر، وكذلك الشيخ الطيبي، وبعض الفقهاء، ولم يفعل ذلك الوالد، وأنكره عليهم لما فيها من إظهار الحداد
سليمان باشا ابن قباد(1/432)
سليمان ابن قباد باشا ابن رمضان باشا يتصل نسبة إلى الملوك السلجوقية، ولي نيابة القدس الشريف مدة طويلة، وضبط نواحيها وقطع العصاة والمفسدين وقطاع الطريق، وخافته الأعراب، وأشتهر اسمه وبعد صيته، ثم تولى نيابة جرجة من معاملة مصر ثم نيابة بغداد، ثم نيابة قرامان وهي البلاد التي نشأ بها هو وأبوه وأجداده بنو رمضان، ثم أنفصل منها، وقدم دمشق سنة تسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة محافظاً بها عوض نائبها أويس باشا حين كان في سفر السلطان، فنزل بالمرجة وكان يصحبه مدة إقامته بدمشق القاضي أكمل بن مفلح، والقاضي شمس الدين سبط الرجيحي، والشيخ تقي الدين بن بركات الموصلي. وكان سفاكاً شديد البطش طائش السيف ينوع أنواع العذاب للسراق والقطاع والزناة والمعرسين والمزورين، حتى هرب منه من بقي من المتهمين وجلوا عن دمشق. وقتل محمد بن جلال الدين العامل في التزوير، وقتل حمدان قبل أن يدخل دمشق وهو بالمرجة وسل لسانه من تحت حنكنه، ثم شنقه في شجرة خارج باب جامع يلبغا الغربي، وشنق ابن المعلم البعلي نقيب الشيخ أحمد بن سليمان في الدلبة بالمرجة، وشنق كتخداية بن الأصفر بالقرب من سوق القاضي داخل دمشق بالقرب من داره التي أنشأها بالقرب من بيت ابن القاري، وتملك بساتين بدمشق، وكان من الجبارين إلا أنه قطع المناحيس قتله عبيده بداره ليلة الخميس عاشر رجب سنة سبع بتقديم السين وتسعين وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون، بالقرب من سيدي أبي بكر بن قوام بعد أن كشف عليه في داره بأمر نائب الشام حسن باشا ابن محمد باشا، وقاضيها مصطفى أفندي ابن سنان، وكانت أمه قد ماتت قبله بنحو أشهر فدفنها بالقرب من سيدي أبي بكر بن قوام بالسفح القاسيوني، وعمل صبيحتها بالجامع الأموي عند باب الصنجق، فلما مات دفن إلى جانب أمه وعملت صبيحته حيث عملت صبيحتها، ثم جرت الناس على ذلك وصاروا يعملون أكثرهم صبح موتاهم بالجامع، واستهلوا ذلك وكانوا قبل ذلك يعملونها بالترب.
سنان آغا ابن عبد الله
سنان آغا ابن عبد الله آغاة الينكجرية بدمشق. عمر الجسر على نهر بردا غربي التكية السليمانية، وأنشأ الجامع اللطيف خارج باب الفرج بينه وبين نهر بردا، وأحكم بناءه في سنة سبعين وتسعمائة، وتوفي في سنة ثمانين وتسعمائة، ودفن في جانب جامعه بين البابين.
حرف الشين المعجمة من الطبقة الثالثة
شمس باشا
شمس باشا أحد من ولي نيابة دمشق،. مات بالروم أواخر المحرم سنة ثمان وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
شيخي جلبي
شيخي جلبي قاضي بعلبك، ثم قاضي صيدا. مات بدمشق فجأة من غير مرض يوم الأربعاء رابع عشري ذي الحجة سنة سبع وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
شيخ زاده
شيخ زاده بن جمال الدين بن أحمد بن نعمة الله بن جنيد بن جمال الدين بن محمد بن أحمد بن مسعود بن عبد الله بن جابر بن منصور بن محمد بن جابر بن عبد الله الأنصاري، الشهير جده الأعلى شيخ الإسلام الهروي، صاحب منازل السائرين، نزيل حلب، كان الشافعي المذهب، وولي بها تدريس العصرونية، وكان متكيفاً أثر في سحنته الكيف، وكان أبوه من شيوخ العلم من بيت علم ورئاسة. توفي بحلب سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف الصاد المهملة من الطبقة الثالثة
صالح بن أحمد اليماني(1/433)
صالح بن أحمد، الشيخ الإمام، الفقيه النبيه المحقق الصالح الورع صالح اليماني الأصابي بلداً، ثم الخولاني، دخل دمشق فقرأ على الشيخ شهاب الدين الطيبي سورة الفاتحة، والبقرة برواية قالون عن نافع بوجه قصر الميم المنفصل، وإسكان ميم الجمع من طريق التيسير، والشاطبية، وقرأ عليه من أوائل الشاطبية، وأوائل الأذكار للنووي إلى أذكار المسافر، وتصريف العزي تماماً، وسمع عليه من صحيح البخاري، والموطأ، والسيرة، ورياض الصالحين ، والمنهاج، والورقات لإمام الحرمين في الأصول، والنزهة في الحساب، وكتب له إجازة مؤرخة بنهار الأربعاء تاسع عشري شهر ربيع الآخر من شهور سنة سبع بتقديم السين وتسعمائة، وقرأ على ابن عماد الدين من أول البخاري، وسمع عليه قطعة من مسلم، والشفا، والأذكار، والسيرة، ومن أول شرح العقيدة الشيبانية لابن قاضي عجلون، وألفية الحديث، والنخبة، والبيضاوي، وغير ذلك، وكتب له إجازة في التاريخ المذكور، ثم سافر من دمشق بعده بقريب
صالح القاضي
صالح القاضي، الحنفي الكردي كان نائب الباب عن قاضي القضاة محمد أفندي ابن المفتي أبي السعود، وولي قضاء صنعاء اليمن، وقضاء صفد، وقضاء حمص، وقضاء حماة، وكان من جماعة الشيخ أحمد بن عبدو القصيري ومات في.
صلاح الدين الكتبي
صلاح الدين الكتبي، مؤدب الأطفال بالغزالية من الجامع الأموي، وكان له صلاح وتهجد، واتفق له أنه لقي بالجامع الأموي ليلاً رجلاً من أولياء الله تعالى فقال له: يا شيخ صلاح الدين هل لك في الصلاة بمكة. قال: فقلت له: يا سيدي وأولادي فقال لي: اقعد وذهب عني، فالتمسته فلم أقدر عليه. مات في حدود الثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
صلاح الدين الحلبي
صلاح الدين الحلبي الكيالي أحد المجاذيب، والصلحاء بدمشق. توفي في سادس عشري شعبان سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة مقهوراً لأنه ضرب ينكجرياً، فحبسه الباشا عند جاويش أياماً، ثم أطلقه وانقطع في بيته أياماً ثم مات ودفن بتربة الحصني، وحضر جنازته بعض الأكابر رحمه الله تعالى.
حرف الضاد المعجمة من الطبقة الثالثة خال
حرف الطاء المهملة من الطبقة الثالثة خال
حرف الظاء المعجمة من الطبقة الثالثة خال
حرف العين المهملة من الطبقة الثالثة
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟عبد الله الشنشوري
عبد الله بن محمد الشيخ العلامة جمال الدين ابن الشيخ العلامة بهاء الدين الشنشوري المصري الشافعي. كتب في إجازة لبعضهم مؤرخة بخطه في ثاني عشري جمادى الأولى سنة أربع وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة أخذ عن القاضي زكريا والديمي والسيوطي.
عبد الله الرملي
عبد الله بن أحمد بن أحمد الرملي المالكي، باشر وظيفتي الأذان والميقات بالجامع الأموي مدة، ثم ولي إمامية المالكية به بعد وفاة القاضي محيي الدين المالكي، ثم ولي رئاسة المؤذنين بعد الشيخ بركات. كان صيتاً، حسن الصوت، عارفاً بالموسيقى، معرفة تامة، وصوته ما على حسنه في المؤذنين الموجودين في عصره مزيد، ولما مات أبوه خلف له مالاً كثيراً، ودنيا واسعة فسعى في نيابة القضاء على مذهب الإمام مالك رضي الله تعالى عنه فولي النيابة في الصالحية، ثم بالكبرى، ثم امتحن في قصة القانجي، وحبسه عنده فيمن حبسهم، وكان يحلف بالطلاق كثيراً، وربما حلف في مجلس الحكم به حتى عاتبه بعض قضاة القضاة فقال له: بلغني أنك تحلف بالطلاق كثيراً وهنا لا يليق فقال: لا علي الطلاق يا أفندي. مات يوم الثلاثاء ثاني جمادى الأولى سنة أربع وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد الله ابن الأطعاني
عبد الله بن حسين بن أحمد الحلبي، الشافعي، المعروف بابن الأطعاني، كان له مشاركة في العربية، وقرأ في العقائد، وعني بوضع الأوقاف، ولبس الخرقة البسطامية بعد موت أبيه من الشرف أبي بكر الأطعاني، وتأخرت وفاته عن ابن الحنبلي رحمه الله.
عبد الله بن المصطاكي(1/434)
عبد الله بن أحمد الشيخ العلامة المسند أبو محمد جمال الدين المصري، الخانكي، الشافعي، عرف بابن المصطاكي. مولده بالخانكة سنة سبع أو ثمان وتسعمائة. أخذ عن الشهاب أحمد بن عبد الحق السنباطي، وعن العلامة عبد العظيم بن يحيى الخانكي، وعن النور بن فستاق، والزين قريش، والنور علي بن محمد بن أحمد بن شمس الغزي الحنفي، ومات بالخانكة ليلة سبع وعشرين من رمضان سنة ست وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد الله بن الفرفور
عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن جمال الدين بن أحمد بن الفرفور الدمشقي الحنفي. كان من الأفاضل، ومات شاباً بذات الجنب بالقسطنطينية سنة خمس وتسعين بتقديم المثناة وتسعمائة ودفن في جوار سيدي أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
عبد الله بن الدرة
عبد الله بن الدرة الحمصي الشافعي، العبد الصالح الولي الملازم للمحيا كان من أخص جماعة الوالد، وبلغني أنه كان من الأبدال، وكان من أصحاب الأخ الشيخ شهاب الدين. مات في حدود الثمانين وتسعمائة، وكان له ولد صالح اسمه الشيخ محمد، وكان للناس فيه اعتقاد، ويحبون الإحسان إليه. صحبناه، ومات قبل الألف رحمه الله تعالى.
عبد الباسط العلماوي
عبد الباسط بن موسى بن محمد بن إسماعيل العلماوي الشافعي رئيس المؤذنين بجامع دمشق الأموي. مولده. خامس عشر رجب سنة سبع بتقديم السين وتسعمائة. تولى بعد أبيه خطابة جامع برسباي بسوق صاروجا، ورئاسة المؤذنين بعد أبي البقاء ابن عقلقون في سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، وكان له فضل، في علم الميقات، وعلم النغمة، والتلحين، وله إنشاءات وعظية يستعملها رؤساء المولد، وكان يعظ الناس يوم الخميس في رجب وشعبان ورمضان في الأموي، وقرأ على الوالد والوفائي، واحترقت داره، وفيها أسبابه، وكتبه سنة ستين وتسعمائة، وتوفي سنة إحدى وثمانين، وأخرجت عنه رئاسة المؤذنين للجلال الرملي قبل موته بمدة قريبة، وصلى عليه شيخ الإسلام الوالد إماماً، ودفن بباب الفراديس رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن البتروني
عبد الرحمن بن محمد بن عبد السلام بن أحمد الشيخ العلامة، زين الدين، ابن الشيخ الفقيه نجم الدين، ابن الشيخ المقرىء عبد السلام البتروني ثم الطرابلسي، ثم الحلبي الشافعي، ثم الحنفي الصوفي، واعظ حلب، ووالد مفتيها الشيخ أبي الجود، والشيخ أبي اليمن الحيين، الآن، قرأ على سيدي علوان الحموي، في غاية الاختصار والجرومية، واستفاد منه، ثم حفظ الألفية، وحلها على بعض النحاة، واشتغل في التجويد، والقراءات، والأصول، وطالع كتب التفسير، والحديث، والوعظ، ثم نظم، تصريف الزنجاني في أرجوزة، وشرح الجزرية، وكتب على تائية ابن حبيب تعليقه استمد فيها من شرح شيخه الشيخ علوان، وقدم حلب سنة أربع وستين وتسعمائة بدين عظيم ركبه، فتلقاه بعض أهل الخير، وهو بدر الدين الخليصي، حفيد الشيخ أبي بكر الزاهد الخليصي، وكان كثيراً الإحسان إلى المذكور، حسن الاعتقاد فيه، ونزله بزاوية الشيخ عبد الكريم، واجتمع بالشيخ الزيني فيها لكونه من أهل الطريق، فلم يكرم نزله بل وبخه بأنه لم يتهجد بالليل، فأجابه إن لم يكن ذلك، فقد ختمت ختمة كاملة من حفظي في هذه الليلة ويومها، ثم نزل بالكيزوانية، وعزم، وهو بها على أن يعمل مجالس وعظية بالجامع الكبير ففعل، وهرع الناس إليه، وشاع ذكره، وبعد صيته، وحضر مجالسه الرجال والنساء ذكر في بعض مجالسه أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره فاعترضه ابن مسلم وكان الظفر له عليه. ثم لما توفي الشيخ عبد الكريم إمام الحنفية بالجامع الكبير بحلب تحنف بعد أن كان شافعياً، وولي هذه الإمامة، وتأخرت وفاته عن ابن الحنبلي، فكانت ليلة عيد الأضحى سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة، وهي سنة ميلادي رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن بن الفرفور(1/435)
عبد الرحمن بن محمد بن أحمد أقضى القضاة زين الدين الحنفي ابن قاضي قضاتها شهاب الدين بن الفرفور. قرأ الفقه على الشيخ نجم الدين البهنسي، والشيخ عبد الوهاب الإمام، والنحو، والمعاني، والبيان على الشيخ أبي الفتح السبستري، وعلى الشيخ علاء الدين بن عماد الدين، وفي العروض على الشيخ شهاب الدين الغزي أخي، وتولى خطابة السليمانية أول ما عمرت، ثم أعرض عنها، وسافر إلى الروم، فولي قضاء حوران، ثم انفصل عنه، ولزم بيته لا يخرج إلا لصلاة الجمعة والجماعة ملازماً على الصلوات الخمس في الجامع الأموي، وربما خرج لتهنئة أقرانه، وفي الجنائز، وكان فيه كرم وسخاء وحشمة زائدة، ولطف في العشرة له تواضع وتودد غير أنه كان مغرماً بالتعمير في بيت أبيه، وربما غير ما يحسنه منه مراراً لأدنى شيء ينتقده بعض الداخلين إليه، أو يستحسنه بعض الواردين عليه، وكان له معرفة تامة بالتاريخ والأدب ومن شعره:
ناهزت خمسين ولم أتعظ ... وشاب فودي مؤذناً بالرحيل
ولم أقدم عملاً صالحاً ... فحسبنا الله، ونعم الوكيل
ومنه:
أترك الدنيا لناس زعموا ... إن فيها مرهم القلب الجريح
ذاك طن منهم بل غلط ... آه منها ما عليها مستريح
وأهدى سفينة لبعض أصحابه وكتب إليه:
سفينة وافتك يا سيدي ... مشحونة بالنظم والنثر
قد ملئت بالدر أرجاؤها ... من أجل ذا جاءت إلى البحر
وكتب إليه الشيخ محمد بن هلال:
بلغت العلى بالأصل في الأب والجد ... ونلت المنى بالفضل في الجود والجد
وقفت على الأقران فضلاً وسؤدداً ... وحزت جميل الذكر بالفخر والمجد
ولا سيما من آل فرفور التي ... فضائلهم في الكون جلت عن الحد
فوالدك المولى الذي شاع ذكره ... وفي عصره قد كان كالعلم الفرد
وقاضي قضاة الدولتين وبابه ... ولا فخر لكن ليس في ذاك من رد
وأنت الذي أحييت ذكراه في الورى ... لهمتك العلياء في الزمن الجعد
أخذت نصيباً من تراث فضائل ... يقصر عن تعريفها القول بالحد
فضائل شتى للفواضل جانست ... لذلك شعري جانس المدح بالحمد
ولكنني قصرت فاعف تكرماً ... وقدرة مثلي لا تعيد ولا تبدي
وإن سمحت بالفضل منك شمائل ... فمختصر التلخيص عارية عندي
فضائل شتى للفواضل جانست ... لذلك شعري جانس المدح بالحمد
ولكنني قصرت فاعف تكرماً ... وقدرة مثلي لا تعيد ولا تبدي
وإن سمحت بالفضل منك شمائل ... فمختصر التلخيص عارية عندي
دعت لي الحاجة فلك البقا ... فهذا مرادي ليس إلا و ذا قصدي
فلا زلت في عز ورفعة منزل ... وترقى لأعلى منزل العز والسعد
فأرسل إليه الكتاب، وأرسل معه هذين البيتين:
بعثت لك التلخيص في شرحه على ... يدي صالح قد فاق بالفضل والزهد
فلا زلت شمس الدين تبدي فضائلاً ... تفوق الورى بالفضل والمجد والجد
توفي القاضي عبد الرحمن في يوم الإثنين سادس عشري رجب سنة أثنتين وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة، ودفن بتربة والده وجده جوار ضريح سيدي الشيخ أرسلان عن ولدين نجيبين محمد جلبي، وجمال الدين جلبي لم يعمرا بعده إلا قليلاً، وتقدمت ترجماتهما.
عبد الرحمن الصيداوي
عبد الرحمن بن إبراهيم، الشيخ العلامة الأصيل زين الدين أبو اللطف الصيداوي، الشافعي، الشهير بابن صارم الدين نزيل الصالحية بدمشق. كان فقيهاً، محدثاً، صوفياً، أشعري العقيدة. ولد سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وأخذ عن شيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد ابن شيخ الإسلام شهاب الدين الشبلي، وعن علامة الأنام عمر ابن الشيخ علي بن تقي الدين القرشي المقدسي، وعن ابن طولون، والشيخ موسى الحجازي وأجازه ابن كسباي سنة ثلاث وسبعين، وأشار أنه مات شهيداً، وتوفي بطريق مكة سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة تقريباً رحمه الله.
عبد الرحمن الأماسي(1/436)
عبد الرحمن بن علي قاضي القضاة محيي الدين الأماسي أحد الموالي الرومية. ولي قضاء حلب في أواخر سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، وكان في أحكامه سيفاً قاطعاً، ولأهل العناد والتزوير والتلبيس قاطعاً، أمر متولي جامع حلب بتبليط شرقيته بعد دثوره، وتبرع فيه بشيء من ماله، ثم عزل عن قضاء حلب، ثم ترقى في المناصب حتى صار قاضي قضاة العسكر الروم إيلي، وقدم حلب وهو متوليه مع السلطان سليمان خان في سنة إحدى وستين وتسعمائة، وساعد الحلبيين فيما جدد على أوقافهم من الخراج والزيادة فيه، فقبل قوله، ثم عزل عن قضاء العسكر في سنة خمس وستين، ومات في صفر سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن الدمشقي
عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن عبد الله، الشيخ زين الدين ابن تاج الدين الدمشقي، الحنفي، قرأ الفقه على الشيخ قطب الدين بن سلطان، والشيخ عبد الصمد العكاري، والشيخ نجم الدين البهنسي، وتولى نظارة وقف جده تاج الدين صاحب ديوان القلعة، وتولى خطابة جامع التكية السليمانية بفراغ القاضي عبد الرحمن بن الفرفور له عنها، وتفرغ هو عنها قبل موته للشيخ أحمد ابن الشيخ يحيى ابن شيخه البهنسي، وتولى عدة وظائف، وكان له مروءة ومكارم أخلاق. مات في جمادى الأولى في سنة سبع وتسعين بتقديم السين في الأول، وتأخيرها في الثاني وتسعمائة، ودفن بتربتهم خارج باب النصر رحمه الله تعالى
عبد الرحمن البيروتي
عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان السيد الشريف العباسي البيروتي، ثم الدمشقي، الصوفي، الشافعي. أخذ عن سيدي محمد بن عراق، وحفظ القرآن حفظاً متقناً، واشتغل في العلم على الشيخ شمس الدين الكفرسوسي وغيره، وقدم دمشق مرات، وقدم من مصر إليها في سنة سبع وثلاثين، ونزل بالقرب من باب جيرون، وأقام بها مدة، وأقبل الناس عليه، وكان حينئذ صغيرالسن، كبير القدر، لا يقبل من أحد شيئاً غير أنه كان يلزم بعض التجار بإعطاء شيء لبعض الفقراء للكسوة، وسد الخلة، وكان متقللاً من الدنيا، قانعاً، يصوم غالب أيامه، وتاب على يديه جماعة من شبان دمشق. وظهرت عليه كرامات لبعضهم، ولزم بيته يصلي فيه الجماعة، ولم يحضر الجامع إلا الصلاة الجمعة، وصارت له وجاهة عند أرباب الدولة حتى كانوا يقبلون شفاعته في الأمور المهمة، وعرض عليه الزواج، فلم يتزوج، وحج بوالدته في سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، وكان موجوداً بدمشق في سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، وحج أخيراً في سنة إحدى وخمسين، وجاور بمكة نحو عشرين سنة، وكان يعتمر كل يوم مرة أو مرتين مع كبر سنه، وربما اعتمر في اليوم والليلة خمس مرات قبل، وكان يطوف في اليوم والليلة مثله أسبوع مع الصوم والعبادة إلى أن توفي في سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين بتقديم السين وتسعمائة ودفن بالمعلاة رحمه الله.
عبد الصمد بن إبراهيم
عبد الصمد بن إبراهيم بن عبد الصمد. كان من أهل العلم، ووالده من أهل الصلاح والاعتقاد، وجده مفتي دمشق. صاهره الشيخ إسماعيل النابلسي على بنته، ومات عنها في ثاني عشر ذي الحجة الحرام سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير على جده الشيخ عبد الصمد عند ضريح سيدي نصر المقدسي رحمه الله تعالى.
عبد العزيز الزمزمي
عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز بن عبد السلام بن موسى بن أبي بكر بن أكبر علي بن أحمد بن علي بن محمد بن داود البيضاوي، الشيرازي الأصل، ثم المكي، الزمزمي، الشافعي نسبة لبئر زمزم لأن جده علي بن محمد، قدم مكة في سنة ثلاثين وسبعمائة، عام قدمها الفيل من العراق في قصة ذكرها المؤرخون الزمزمي، المكي الشافعي. مولده كما أخبر هو به ابن الحنبلي وكما أخبرني، به ولده شيخنا سنة تسعمائة، وأخبرني شيخنا أن مولده، ومولد أبيه، وأجداده بمكة المشرفة دخل دمشق، ثم حلب ذاهباً إلى إسلام بول في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة وله تأليف في فتح مكة، وتأليف على حديث شيبتني هود، وأخبرني، ولده أن أباه أخذ عن شيء الإسلام القاضي زكريا، وغيره قال ابن الحنبلي: ومن شعره وفيه تورية من ثلاثة أوجه:
وقال الغواني: ما بقي فيه فضله ... لشيء وفي ساقيه لم يبق من مخ
وفي ظل دوح المرخ مرخي عضوه ... فحيث انتهى أعرضن عن ذلك المرخي(1/437)
قلت: وما أشبه هذا الشعر بشعر ابن الحنبلي رحمهما الله تعالى أخبرني شيخنا الشيخ محمد الزمزمي، وكتبت عنه بخطه في مستهل المحرم الحرام سنة ثمان وألف أن والده الشيخ عبد العزيز، مات في ليلة في تاسع ذي القعدة الحرام سنة ست وسبعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد العزيز اليمني
عبد العزيز بن إبراهيم اليمني، الشهير والده بخضير، نزيل حلب قيل: وهو ابن بنت ولي الله تعالى سيدي أحمد بن خماش اليمني، كان عبداً صالحاً مجذوباً، يفيق أحياناً، وربما يغيب عن نفسه ويتجرد عن أثوابه، أثنى عليه ابن الحنبلي وافتخر بصحبته، وتوفي سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد العزيز الحنفي
عبد العزيز بن عبد الوهاب، ابن تاج الدين الفاضل البارع، زين الدين ابن القاضي ناصر الدين الحنفي، كان من الفضلاء أخذ عن البهنسي وغيره، وصار مدرساً بالجمقمقية بدمشق بأربعين عثمانياً. مات يوم الخميس رابع رجب سنة إثنتين وثمانين وتسعمائة، وكانت جنازته حافلة، ودفق بتربتهم عند الصابونية، ولم يخلف ولداً وأوصى بتفسير البيضاوي، للشيخ البهنسي شيخه، وبثلث ماله للصدقة، وفوض أمر ذلك إلى البهنسي رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
عبد الغني بن مير شاه
عبد الغني بن مير شاه أحد موالي الروم، وصل إلى تدريس السليمانية، ثم أعطي منها قضاء دمشق عوضاً عن محمد أفندي ابن بستان في سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة. دخل دمشق يوم الجمعة ثامن عشر شوال منها، وعزل عنها بتولية قضاء مصر في سنة أربع وثمانين، وخرج من دمشق قاصداً مصر يوم الخميس سادس شوال منهما، ثم ولي دمشق بعد قضاء العسكرين في سنة أربع وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة، ودخل في رمضانها وبقي مدة، ثم عزل عنها وعاد إلى الروم، ومات بها قبل الألف رحمه الله تعالى.
عبد الفتاح أفندي
عبد الفتاح أفندي. ورد دمشق مفتيها: ومدرس السليمانية بها في عاشر شعبان سنة أربع وثمانين وتسعمائة، وتوفي بها في يوم الجمعة شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
عبد القادر الفاكهي
عبد القادر بن أحمد الفاكهي، المكي، كتب إلى شيخ الإسلام الوالد بخطه استدعاء يتضمن طلب الإجازة منه فأجازه الشيخ، وكان من أعيان العلماء بمكة، وكان موجوداً في سنة ست وسبعين بتقديم السين وتسعمائة وله شعر منه:
قصدت إلى الوجازة في كلامي ... لعلمي بالصواب في الاختصار
ولم أر من فهوم دون فهمي ... ولكن خفت إزراء الكبار
فشأن فحولة العلماء شأني ... وشأن البسط تعليم الصغار
عبد القادر المرشدي
عبد القادر بن أحمد المرشدي، المالكي، الشيخ الإمام العلامة. أخذ العلم عن القاضي زكريا، والشهاب الرملي، والشهاب النجار، والفقه عن الشيخ ناصر الدين اللقاني، وبرع في زمانه، وكان الشيخ ناصر الدين يرسل إليه الأسئلة فيجيب عنها أحسن جواب، ثم كان يرجع الناس إلى قوله. أثنى عليه الشعراوي كثيراً، ووصفه بالقناعة، والزهد، والورع، وقيام الليل، وحسن الخلق، واحتمال الأذى، وهضم النفس، وحفظ الجوارح، وحلاوة المنطق، وحسن المعاشرة، والكف عن الغيبة، والحسد. تأخرت وفاته عن الشعراوي رحمه الله تعالى.
عبد القادر الطرابلسي
عبد القادر بن أحمد، الشيخ الفقيه، الورع، القانع، المتقشف، الشيخ زين الدين الطرابلسي، الشافعي، كان يحفظ الإرشاد، ويستحضر مسائله. أخذ الفقه عن شيخنا، وغيره، وكان يستنيبه في إمامة الأموي كثيراً، وجاءني يوماً شيخنا وهو معه فقال: إن الشيخ عبد القادر رأى رؤيا فأعجبتني، فأسمعها منه فقال: رأيت البارحة شيخ الإسلام والدك في النوم، فسألته عن مسألة فقال: سل عنها ولدي يجيبك. فقلت له: الشيخ شهاب الدين فقال: لا ولدي الشيخ نجم الدين مات رحمه الله تعالى في أواسط صفر سنة ألف.
عبد القادر النعيمي
عبد القادر بن عبد القادر بن محمد الشيخ محيي الدين النعيمي الشافعي، الفقيه المحدث، ولد في سنة اثنتين وتسعمائة، ودرس بالكوجانية والكلاسة، وتوفي في سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
عبد القادر بن النجار(1/438)
عبد القادر بن النجار، من سكان محلة مسجد القصب خارج دمشق. قال والد شيخنا: كان ملازماً للصلحاء، صحب الشيخ بركات بن الكيال: والشيخ شمس الدين بن يعقوب، سبط ابن حامد الصفدي، ولازمه، وكان يحفظ أوراداً، وله مطالعة في كتب فضائل الأعمال. توفي في سلخ جمادى الأولى سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد القادر بن العنبري
عبد القادر بن محمد العاتكي، الخواجا المعروف بابن العنبري، كان من رؤساء دمشق، وله قوة بأس، وله اختلاط بالحكام، وغيرهم، وكان إبراهيم بن البيطار الخبيث صبياً له، ثم كان سبباً في ضرر ابنه محمد حين سعى في تجريسه بعد دمغه وتغريمه على يد كيوان الطاغية، وكان يومئذ سرداراً عند صوباشي المدينة، وكان الخواجا عبد القادر قد اختل مزاجه في آخر عمره، وحجر عليه ابنه محمد بأمر قاضي القضاة مصطفى أفندي ابن بستان، ومات في سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد الكريم بن المنلا
عبد الكريم بن محمد قاضي قضاة دمشق، عبد الكريم جلبي المنلا قطب الدين أفندي، ولي دمشق فدخلها يوم السبت ثاني رجب سنة ثمانين وتسعمائة، وعزل عنها في تاسع عشري المحرم سنة إحدى وثمانين بمحمد أفندي ابن بستان، وورد الخبر بعزله إلى دمشق في ثاني عشر صفر منها.
عبد الكريم الوارداري
عبد الكريم الوارداري. مفتي الشام، ومدرس السليمانية بدمشق، ثم السليمية بإسلام بول. كان فاضلاً عالماً عابداً متعبداً على مذهب الشافعي، مع التمسك بمذهبه، وكان معتقداً لسنان باشا الوزير، ومات بالقسطنطينية في حدود سنة سبع وتسعين بتقديم السين، في الأولى وتأخيرها في الثانية وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف بن منجك
عبد اللطيف بن أبي بكر بن عبد القادر بن أبي بكر بن إبراهيم بن منجك، الأمير زين الدين الفاضل الكامل الذكي المحصل البارع، سمع من الشيخ الوالد كثيراً، وحضر دروسه، وقرأ في الفقه وغيره، على الأخ شهاب الدين، وكان يحب العلماء، والصالحين، ويزورهم، ويزور قبورهم، وكان يحب مطالعة الكتب، والتواريخ شافعي المذهب، حسن الاعتقاد، وله حظ حسن على طريقة نسخ العجم، وكان حلو المحاورة، ظريف الشمائل، وللشيخ شهاب الدين الأخ رحمه الله تعالى فيه:
الاسم عين المسمى ... دليل قولي لمن شك
لطف وظرف حواه ... عبد اللطيف بن منجك
استكتب نسخة من الحكم لابن عطاء الله، وبالغ في تحسينها، وجدولها باللازورد والذهب فكتب له عليها الأخ:
أكرم بها نسخة بالسعد طالعها ... يا فوز من قد غدا يوماً يطالعها
إن المنازل قد حلت مطالعها ... يا حسنها نسخة تزكو مطالعها
لها لما قد حوت من رائق الكلم
نديمة لم تزل حيث النديم سكت ... وكم حوت حكماً بين الورى ونكت
عبد اللطيف حوت لطفاً به فزكت ... صحت وقد لطفت أجزائها فحكت
لطف النسيم وحاشاها من السقم
وكان الأمير عبد اللطيف جواداً سخياً له تواضع، وتودد، وحشمة، ومروءة. حدثني من أثق به أنه لما كان بطرابلس، كان ممن يعاشره الشيخ محمد بن عبد الحق الشافعي، أحد فضلاء طرابلس، وكان رجلاً فقيراً متقللاً، فخرج إلى حاجته، وتحملها إلى السوق، فاشترى الأمير عبد اللطيف عبداً اسود صغيراً، وقال لابن عبد الحق، خذ هذا الفتى عندك يخدمك حتى تسافر إلى دمشق، فلما أراد الرجوع إلى دمشق كتب رقعة بأن الشيخ محمد بن عبد الحق أوصله ثمن العبد، وسافر الأمير عبد اللطيف إلى الروم، وأخذ أنظار أوقافهم عن عمه الأمير إبراهيم، ولم يتم له التصرف حتى مات عمه، فاشتغل بالنظر والتصرف دون شهر، ثم مرض وطالت مرضته حتى توفي ثاني عشر شوال سنة إحدى وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة، ولما وقع في النزاع أخذ يقرأ سورة الإخلاص، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات وتولى النظارة بعده الأمير محمد بن منجك رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف ابن الباشا(1/439)
عبد اللطيف بن عبد الرزاق الأنطاكي الأصل الحلبي المولد، الحنفي المذهب، المعروف بأنطاكية بابن الباشا سبط الحاج محمد ابن الشيخ المحدث أقضى القضاة برهان الدين إبراهيم الرهاوي الشافعي. قرأ النحو، والكلام على الشيخ المعمر منلا جمال القصيري. الحنفي تلميذ الشهاب أحمد بن كلف الأنطاكي، والفقه علي محمد جلبي ابن رمضان خطيب الجامع الكبير بأنطاكية، ثم رحل إلى حلب، فأخذ عن ابن الحنبلي أصول الفقه، ثم عاد إلى بلده، وتزوج بابنه الشيخ محمد بن عبدو القصيري، وأخذ عنه الطريق، وصار يعظ الناس بأنطاكية، ويدرس بجامعها، وتأخرت وفاته عن شيخه الحنبلي رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف بن الكيال
عبد اللطيف ابن الشيخ زين الدين الكيال، الشافعي. كان يؤدب الأطفال، وصار واعظاً بالجامع الأموي بدمشق، وكانت له شيبة نيرة. توفي سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف بن المزلق
عبد اللطيف بن يحيى بن محمد بن حسن بن المزلق. كان رجلاً شهماً. عالي الهمة، وله مروءة تامة، ورئاسة وسخاء غير أن بضاعته في العلم كانت مزجاة، وربما رجعت إليه الناس في بعض أمورها وقضاياها، فيصلح بينهم، وكان له منزلة عند الناس، وله حرمة وافرة على سكان وقفه. وأهل محلته، وربما رمي بهوى الغلمان تولى قضاء الكرك سنة تسعين وتسعمائة، وباشر الحكم بها، ثم انفصل عنه، ولازم رئاسته، وكان ما يأتيه من أوقافه، ومن هدايا الناس يكفيه، وكان يتودد إلى الناس على عجب فيه، وآثار الحشمة لائحة عليه، وأخبرني شيخنا الشيخ العيثاوي رحمه الله تعالى أنه أول ما جاء للطلب إلى الشيخ نور الدين السنفي، وجده مقسماً للمنهاج بين أربعة أحدهم صاحب الترجمة، وكان درسه في الجراح، وكان الشيخ يستشعر منه العجب والخيلاء، فأخذ الشيخ يقرر له ما لو تعددت الجنايات، فإنه تكمل الدية في عضو عضو، وتتعدد بتعدد الأعضاء، فلو قتل رجل الجريح كان فيه دية، فجعل يقول له: فلو جاء فقلع عينيك كان فيه دية، ثم قطع أذنيك كان فيها دية، ثم سل لسانك كان فيها دية حتى قال له: ثم سل خصييك، ثم قتلك لم يكن في النفس إلا دية واحدة. قال: فجعل صاحب الترجمة يحمار وجهه، ثم قام من المجلس، فلم يعد إليه، فلما انقطع قال الشيخ نور الدين لشيخنا: يا شيخ أحمد إقرأ أنت قسم الجراح، وكانت وفاة صاحب الترجمة ليلة السبت ثالث رمضان سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة، ودفن بتربتهم عند مسجد الذبان خارج باب الصغير رحمه الله تعالى.
عبد المجيد بن الكيال
عبد المجيد بن يحيى بن إبراهيم بن قاسم بن الكيال العالم الفاضل في علم الميقات وغيره، وهو والد الشيخ محيي الدين الآتي ذكره. مولده سنة أربع عشرة وتسعمائة. قرأ على الوالد البخاري رواية، والمنهاج تصحيحاً، وسمع دروسه، وأجاز له، وكانت وفاته في صفر سنة تسع وسبعين بتأخير السين في الأول، وتقديمها في الثاني وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عبد النافع الدمشقي
عبد النافع بن محمد بن علي بن عبد الله بن عراق القاضي سري الدين بن حمزة الدمشقي الأصل، الحجازي، الحنبلي، أولاً، ثم الحنفي ورد الشام ثم حلب مع أخيه الشيخ علي في سنة ثلاث وخمسين وارداً إلى الروم، وأخذ هو وأخوه عن الشيخ الوالد كان فاضلاً لبيياً، ديناً، حسن المحاضرة، مأنوس المعاشرة، صاحب فصاحة وشعر، لطيفاً قال ابن الحنبلي: استنشدته من شعره فأنشدني مورياً:
إن الغرام حديثه لي سنة ... مذ صح أني فيه غير مدافع
يا حائزاً لمنافعي ومملكاً ... رقي، تهن، برق عبد النافع
قال: وألف تأليفاً قيماً: المحصل، في جواب أي المسجدين أفضل، أهو القائم بالعبادة المعمور، أو الدائر العادلي المهجور، قال: وعاد ثانياً إلى حلب سنة ثمان وخمسين وتسعمائة انتهى.
ومن شعره في تقريظ منظومة الأخ الشيخ شهاب الدين نزهة المطالع، في رياض المطالع، ومن وزنها وقافيتها:
أتى نظم الكواكب بالدراري ... من المولى الشهاب المستنير
فتم له مطالع نجم سعد ... مطالعها غني عن كثير
إمام كامل فطن بهي ... أتى بالدرمن بحر البحور
كواكب فهمه ذات اتقاد ... بها لقد اهتدى كم من بصير(1/440)
فناظمها سنا زان الدراري ... ولم لا وهو من بدر منير
وذاك هو الإمام ومن ضياه ... بأفق العلم فاق على البدور
أجل شيوخنا فرع الرضي ... الإمام الماجد الحبر الكبير
أدام له إله العرش جمع ... الولاية والعلوم وكل نور
وعبد النافع ابن عراق عبد ... تهجم راجيا عفو الغفور
بأحرفها كمن أهدى تميرا ... إلى هجر على طبق صغير
ولكن عادة الأخيار جبر ... لكل كسير قلب أو فقير
توفي رحمه الله تعالى في سنة اثنتين وستين وتسعمائة.
عبد النبي المقدسي
عبد النبي بن محمد بن عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي، الشافعي، الشهير بالكرم والسخاء. أخذ عن والده الشيخ محيي الدين، وعمه أجاز لابن كيسان في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وتسعمائة، وبقي حتى مات بعد التسعين وتسعمائة فيما أظن رحمه الله تعالى.
عبد الوهاب بن محمد
عبد الوهاب بن محمد، الشيخ العلامة تاج الدين إمام الجامع الأموي، الحنفي. كان مئذناً في مسجد أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه داخل قلعة دمشق، ثم اشتغل في الفقه على الشيخ عبد الصمد العكاري، وعلى الشيخ شمس الدين بن طولون، وتصدر للتدريس بالجامع الأموي، فأفتى وتولى خطابة السليمية، وإمامة الحنفية بمقصورة الأموي، ثم ضم إليه الشيخ ناصر الدين الطرابلسي والد الشيخ علاء الدين. ولما توفي الشيخ أبو البقاء البقاعي خطيب الأموي قرر مكانه في الخطابة في سنة ست وستين وتسعمائة، ثم وجهت الخطابة بعد أربعة أشهر إلى الشيخ نجم الدين البهنسي، فرجع الشيخ عبد الوهاب إلى خطابة السليمية، وأخذ وظيفة الوعظ بالجامع الأموي يوم الأربعاء في الأشهر الثلاثة عن الشيخ علاء الدين بن صدقة، وكان له قراءة حسنة، ومعرفة بالموسيقى، وكان قليل الإختلاط بالناس، وكان له اعتقاد في شيخ الإسلام الوالد، ومحبة له لا يذكره إلا مشيداً له معظماً لشأنه، وكان إذا اجتمع به يقبل يديه، ويعد ذلك قربة، وكان كوسجاً جهوري الصوت له نهزات في القراءة، وربما انقطع نفسه، فوقف في غير حد الوقف حتى مر به الشيخ شهاب الدين الطيبي الشافعي إمام الشافعية رفيقاً للشيخ عبد الوهاب، فسمعه يقرأ في سورة النمل، فوقف على أنا من قوله تعالى: " قال عفريت من الجن: أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك " فأنشد الشيخ الطيبي:
قد رأينا عجباً إذا الزمنا ... إمام قوم جنسه من جنسنا
سمعته وكان يقرأ معلناً ... قال عفريت من الجن أنا
توفي سنة ثمانين وتسعمائة، وأرخ وفاته ماماي الشاعر، فقال ما كتبه على قبره:
ذا قبر أعلم الورى ... بحر العلوم الواضحة
بعبد وهاب سمي ... والنفس منه صالحة
كان إمام الأموي ... حاز المعاني الراجحة
ياقارئاً تاريخه ... هلا هديت الفاتحة
عبد الوهاب العاتكي
عبد الوهاب بن محمد الشيخ الفاضل العلامة تاج الدين الأبار الدمشقي العاتكي خطيب جامع التوريزية، وابن خطيبه. كان فاضلا، بار مقرئاً، مجيداً حسن الخط يميل إلى الأدب. توفي في حدود سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن عند والده بتربة الدقاقين بالقرب من مسجد الطالع بحارة قبر عاتكة خارج دمشق رحمه الله تعالى.
عبد الوهاب العسكري الحنبلي(1/441)
عبد الوهاب بن محمد العسكري الحنبلي. كان له مشاركة في العلم، وكان له قراءة حديث بالجامع الأموي، وكان يقرأ في صحيح البخاري في الثلاثة الأشهر بين الصلاتين عند باب العنبرانية قراءة حسنة مجردة عن الدراية والتقرير، وكان له جزء بالأموي، ولما مات السيد حسين ابن السيد كمال الدين بن حمزة تزوج زوجته، وأحسن تربية ولديه السيد زين العابدين، والسيد محمد، وأقرأهما في بدايات العلم وكان قريباً منه في الفضيلة. ولما ولي تولية الجامع الأموي حسن جاويش، المعروف بشويريزي حسن. أخذ يحرض الناس على المباشرة، فجاء الشيخ عبد الوهاب يوماً لقبض علوفته منه في المصرف، فقال له: أنا لا أعطيك العلوفة لأنك لم تباشر، فقام الشيخ عبد الوهاب المجلس مغتاظاً، ومرض ومات في حدود الألف عن نحو سبعين سنة رحمه الله تعالى.
عبد الوهاب الحلبي
عبد الوهاب الحلبي ابن إبراهيم بن محمود بن علي محمد بن محمد بن ممد بن الحسين الشيخ الإمام العلامة تاج الدين العرضي الأصل، الحلبي الشافعي شقيق قاضي القضاة شمس الدين تفقه على البرهان العمادي وغيره، وسمع من الزين عمر بن الشماع محدث حلب جميع ثلاثيات البخاري، وجزء أبي الحمد العلاء بن موسى بن عطية، وأجاز له وأفتى، ودرس بجامع حلب الأعظم، وأئم به، ولما دخل الوالد حلب للسلام عليه، وهو يومئذ مفتي حلب، ووصفه الشيخ في رحلته بالعالم البارع في فنون العلوم ومات بحلب في أواخر شعبان، أو أوائل رمضان سنة سبع وستين وتسعمائة. قيل: إن أهل حلب أغلقت أسواقها يوم موته رحمه الله تعالى.
عبد الوهاب بن ذوقا الشعراني
عبد الوهاب بن أحمد بن علي أحمد بن محمد بن ذوقا بن موسى بن أحمد السلطان بمدينة تونس. في عصر الشيخ أبي مدين بن السلطان سعيد بن السلطان قاشين بن السلطان يحيى بن السلطان ذوقا ينتهي نسبه إلى محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه الشيخ العالم العارف الشعراني نسبة إلى قرية أبي شعرة المصري الشافعي الصوفي قرأ على زين الدين المحلي شرح المحلي على جمع الجوامع، وحاشيته وشرح العقائد للتفتازاني، وحاشية ابن أبي شريف عليه، وشرح المقاصد، وشرح الفصول لأبي طاهر القزويني، وعلى الشيخ نور الدين الجارحي المدرس بجامع الغمري شرح ألفية العراقي للمصنف وشرح الشاطبية، وغيره، وعلى النور السنهوري الضرير الإمام بجامع الأقمر عدة كتب منها شرح نظمه للجرومية، وشرح شذور الذهب، وشرح الألفية للمكودي، وعلى المحقق منلا علي العجمي بباب القرافة قطعة من المطول، والعضد وقطعة من البيضاوي، وعلى الصافي، وعيسى الأخنائي، والشرف الدمياطي الواعظ بالأزهر كل منهم قطعة من المنهاج، وعلى القسطلاني كل المواهب، وغالب شرحه للبخاري، وعلى مجلى قطعة من شرح المنهاج للمحلي هو، الشيخ أبو الحسن البكري، وعلي النور ابن ناصر من شرح المنهاج حلي أيضاً إلى أثناء الحج، والنور الأشموني قطعة من شرحه على المنهاج الذي نظمه، وشرح نظمه لجمع الجوامع، وعلى القاضي زكريا شرحه على الروض إلى باب الجهاد، وشرحه للرسالة، ومختصرة لآداب القضاء، وشرح التحرير، وغير ذلك وعلى الشمس الحنبلي قطعة من تفسير البغوي، وعلى البرهان القلقشندي قطعة من شرح المنهاج، وأجاز له، وعلى الشيخ شهاب الدين الرملي الروضة إلى أثناء الخيار، والأعفاف وطالع الكتب مطالعة كثيرة، وكان رحمه الله تعالى من آيات الله تعالى في العلم، والتصوف والتأليف، له طبقات الأولياء ثلاث، والعهود والسنن، وغير ذلك وكتبه كلها نافعة، وقد ثلت كتبه على أنه أجتمع بكثير من العلماء والأولياء والصالحين توفي رحمه الله تعالى في حدود السبعين وتسعمائة .
عبد الوهاب بن الصلتي(1/442)
عبد الوهاب بن عبد الوهاب السيد تاج الدين الصلتي، ثم الدمشقي نقيب الأشراف بدمشق. مولده سنة خمس وثمانين وثمانمائة تقريباً، واجتمع بسيدي علي بن ميمون، وسيدي محمد بن عراق، وكان وكيل قاضي القضاة ولي الدين بن الفرفور، وخدم الشيخ تقي الدين أبن قاضي عجلون، وقرأ على الشيخ تقي الدين القارىء ربع العبادات من المنهاج، ولم يكن له فضيلة في شيء من العلوم غير أنه كان ب الحكام، فتولى نظر القيمرية، ثم ترقى، فصار ناظر الأموي، وحج سنة ستين وتسعمائة، ثم تولى نظر النظار، وحصلت له ولولده السيد محمد محنة وشدة، وسافرا إلى الروم، وصرفا أموالاً كثيرة بسبب مضاهاتهما للقاضي كمال الدين الحمراوي، وولي نظارة السليمية، وعدة أنظار ووظائف، وكان هو وولده يمطلون الناس في معاليمهم حتى قال شيخ الإسلام الوالد له:
أكلت معاليمنا جهرة ... فإما حراماً وإما حلالاً
فان قلت حلاً فاذا ردة ... وإن قلت حراماً أتيت ضلالاً
وهي قصيدة طويلة. وله فيه وفي ولده عدة مقاطيع، وكان السيد تاج الدين يلثغ بالراء، ووقعت لولده محنة اتهم فيها بقتل، فشكا حاله، وبث حزنه للشيخ الوالد، فكان يقول: ظلموا ولدي، واتهموه، ووالله أنه لبغيء مما اتهموه يريد أنه بريء فقال الولد وتلطف:
قد جاءني التاج يوماً ... يقول: أنت غضي
وإن نجلي ندب ... مثل السحاب غوي
قد اتهموه بقتل ... إنه لبغي
يريد رضي، وروي، وبري. فخرج من لثغته خلاف بغيته. مات في سنة تسع التاء المثناة وسبعين بتقديم السين وتسعمائة. كنا علقته من خط بعض العصريين رأيت في بعض تعاليقي بخطي أنة مات يوم السبت ثاني عشري ذي القعدة سنة اثنتين و وتسعمائة، وأنه كان قد انقطع سبع سنين، وبقي في بيته، وأنه دفن في تربة الشيخ أرسلان لصيق ولده السيد محمود رحمه الله تعالى.
عبيد بن عمر العيثاوي
عبيد بن عمر الشيخ الفاضل الصالح زين الدين العيثاوي الشافعي. كان ديناً، متقللاً من الدنيا، محافظاً على الأوراد في الصباح، وفي وله قيام في الليل، وغير ذلك من الكتب والإقراء والفوائد، وكان إماماً ثانياً بجامع الميدان الحصا خارج دمشق. ولما قربت وفاته بني له قبراً بتربة الجورة بميدان الحصا، ثم نزل فيه، وتمدد فيه، ثم قام ومضى إلى منزله، وصار يتكلم مع تقي الدين البزه فبينما هو حصلت له حالة شخص فيها ومات، كما قرأته من خط والد شيخنا ليلة الجمعة تاسع عشري صفر سنة ست وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن في القبر الذي حفره لنفسه قبل صلاة الجمعة رحمه الله تعالى.
عثمان بن أحمد الحوراني
عثمان بن أحمد الحوراني الشاغوري الواعظ يوم السبت في الثلاثة أشهر بجامع دمشق الأموي باشر الوعظ نيابة عن الشيخ شرف الدين الحكيم خطيب الجامع سنين، ثم فرغ له عنه، وكان يعظ من الكراريس بعبارة فصيحة، وصوت جهوري مقبول التأدية، حسن الطريقة، وكان يعظ النساء في البيوت، فيقبلن عليه، ويفهمن وعظه، وكان له خط حسن كتب كتباً كثيرة، وألف في الوعظ وغيره مؤلفات منها: الإرشاد إلى الطريق الرشاد و بلوغ المنى في أسباب الغنى، والإشارات إلى أماكن الزيارات وإرشاد الطلاب إلى معاشرة الأحباب. مات ليلة السبت سابع ذي القعدة الحرام سنة ألف رحمه الله تعالى.
عثمان باشا الوزير
عثمان باشا الوزير الأعظم مات ببلاد العجم بعد أن فتح أوائل صفر سنة أربع وتسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي بن محمد بن حمزة(1/443)
علي بن محمد بن حمزة السيد الشريف نقيب الأشراف بدمشق القاضي علاء الدين بن السيد كمال الدين مفتي دار العدل ابن حمزة الحسيني، الشافعي. مولده يوم الخميس سادس ربيع الأول سنة ثمان وتسعمائة أخذ عن والده وغيره، وكان يلازم دروس شيخ الإسلام والدي، ويجلس عن يمينه في الدرس، وكان يتردد إليه كثيراً، ويتودد له، وكان من أذكياء الناس، وكان يبدل القاف همزة. له قبول تام، ومباسطة في الكلام صاحب نكتة ونادرة، لطيف المعاشرة، حلو المحاضرة، ولي عدة أنظار وتداريس، وكان نائباً شافعياً بباب القاضي بعد أن تنقل في النيابة عن القضاء من قناة العوني إلى الكبرى، ومن الدهيناتية إلى الباب، وكان يحكي أن فلاحاً أهدى إليه مرة من سطل لبن، وقال له: يا مولاي القاضي، أنا رجل لم أدرك الأمور الشرعية، ولي عند رجل دين، وهو يجحده، فأحضره في غد، وأنا أطلب منك أن تساعدني عليه، فإني ما دخلت المحكمة قط، وما وقفت بين يدي ظالم. فضحك القاضي حتى استلقى على قفاه، وكان يحكي هذه القصة. وله نوادر ونكت ولطائف من هذا القبيل، وكان يقول: ثلاثة تجلب السرور غسل البلاط الرخام، والأكل في آنية الصيني، والاستصباح بالشمع العسلي. وكان يقول: إن الناس يقولون أن القاضي يأكل. سبحان الله، وإذا لم يأكل يموت يتلطف بالإبهام، فإن معنى قوله: القاضي يأكل الكناية عن الرشوة، وهو يحوله إلى الأكل الحقيقي أي إذا لم يأكل الطعام بالكلية ينتهي أمره إلى الموت، وربما قال: وإذا لم يأكل فكيف يعيش. وتوفي يوم الأحد سابع عشري ذي القعدة الحرام سنة تسع بتقديم التاء المثناة وثمانين وتسعمائة، وقد جاوز الثمانين.
علي بن محمد العسيلي
علي بن محمد، الشيخ العلامة، الأديب نور الدين العسيلي المصري، الشافعي، المفنن في العلوم النقلية، والعقلية، له حاشية على كتاب المغني في النحو وله يد طولى في الكلام، والعقائد، وذكره الشعراوي فأثنى عليه بالخشية، والبكاء عند سماع القرآن، والتهجد فإن الغالب عليه أحوال الملامتية، وأن غالب أعماله قلبية، وذكره ابن الحنبلي في تاريخ حلب، وذلك أنه سافر إلى بلاد الروم في حدود سنة أربع وثلاثين، فدخل بلاد الشام واجتمع به ابن الحنبلي، إذ ذاك، وأورد له من نظمه نبذة منها قوله محاجياً في صباح:
أيا مولى له عن ... مقام الفضل غيبة
أبن قول المحاجي ... يقول بئراً بطيبة.
وأنشد له مطلع قصيدة:
رعى الله ليلة وصل خلت ... خلوت بها وضجيعي القمر
صفت عن رقيب وعن عاذل ... فلم تك إلا كلمح البصر
وقد قصرت بعد طول النوى ... وما قصرت مع ذاك القصر
ومن محاسن قوله في عبد له اسمه فرج:
لكل ضيق إذا استبطأته فرج ... وكل ضيق أراه فهو من فرج
وكان الشيخ نور الدين من أخص الناس، بالشيخ محمد بن أبي الحسن البكري، ولما ورد شيخ الإسلام الوالد القاهرة، سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة ذاهباً منها إلى الحج أضافه تلميذه الأستاذ محمد البكري، فاتفق للشيخ، الوالد أنه اجتمع به في الضيافة الشيخ نور الدين العسيلي فجرى في المجلس ذكر الخادم للزركشي. فقال: الشيخ نور الدين اختصر بعضهم في كتاب سماه تحرير الخادم فأخذ يطنب في استحسان هذه التسمية قال شيخ الإسلام: وهي في الحقيقة تسمية حسنة، لكن عن على اللسان ما نظمته بديهة فقلت:
تعجب نور الدين من صنع بعضهم ... يلقب تصنيفاً بتحرير خادم
فقلت له لا حسن فيه لأنه ... بتحريره لا نفع فيه لعالم
فمع رقه استخدامه متحتم ... ومع عتقه استخدامه غير لازم
تأخرت وفاته عن وفاة الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمهما الله تعالى.
علي بن أحمد البغدادي الحنبلي(1/444)
علي بن أحمد بن علي بن البهاء، الشيخ علاء الدين ابن الشيخ شهاب الدين البغدادي الحنبلي. قرأت بخط شيخنا شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد العيثاوي أنه كان صالحاً، عابداً، زاهداً، يتقي الشبهات، ويتجنب الشهوات، قابضاً على دينه، ملازماً للطاعات والقربات، وكان ممن لزم قدوة العارفين سيدي محمد بن عراق، وكان واعظاً يعظ الناس بمواعظ حسنة لها موقع في قلوب المؤمنين، وكان ممن أخذ عن أبيه، وعن الشيخ سراج الدين عمر بن علي بن عثمان بن صالح الصيرفي، التقوى ابن قاضي عجلون، والسيد كمال الدين، والشيخ رضي الدين الجد، وعن شيخ الإسلام والدي، فقرأ جانباً من البخاري، وشيئاً من الجرومية، وشرحها للشيخ علاء الدين البصروي، ومن شرح الألفية للمكودي، وقليلاً من المغني، وقرأ عليه مؤلفه المسمى بالدر النضيد، في آداب المفيد والمستفيد، وكتب منه عدة نسخ، واشتغل بكتابة مؤلفات الشيخ الوالد، وترجمة الشيخ بأنه من الفضلاء الصلحاء المباركين. قال شيخ الإسلام الوالد: وأخبرني أنه رأى بخط والده أن مولده أوائل الساعة الثالثة من نهار الثلاثاء خامس المحرم سنة اثنتين وتسعمائة انتهى.
وقرأت بخط شيخنا أنه توفي يوم السبت ثامن عشري رمضان المعظم سنة خمس وسبعين، بتقديم السين وتسعمائة، وصلي عليه بالأموي قبل الظهر، ودفن بمقبرة باب الفراديس، ولقنه الشيخ شهاب الدين رحمه الله تعالى.
علي بن أحمد القرافي
علي بن أحمد بن علي بن عبد المهيمن بن حسن بن الشيخ نور الدين القاهري، الشافعي، الشهير بالقرافي. أخذ عن الديمي، والقاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والصابي، واللقاني، والشبلي، والنور المحلي، ولعله مات قبل الثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي بن إسماعيل بن عماد الدين الشافعي(1/445)
علي بن إسماعيل بن موسى بن علي بن حسن بن محمد الشيخ الإمام العلامة، اللوذعي، والألمعي الفهامة، الشيخ علاء الدين الدمشقي، الشافعي الشهير بابن عماد الدين، وابن الوس بكسر الواو، وتشديد السين المهملة. كان أبوه سمساراً في القماش بسوق جقمق. مولده كما رأيت بخط الشيخ يحيى بن النعيمي ليلة السبت خامس عشري رجب سنة سبع عشرة وتسعمائة. لازم في الفقه الشيخ تقي الدين القاري وغيره، وأخذ الحديث عن جماعات منهم الشيخ شهاب الدين الحمصي، ثم الدمشقي الخطيب، وعن الحافظ برهان الدين البقاعي وأخذ القراءات السبع بمضمون التيسير، والشاطبية، عن الشيخ تقي الدين القاري، عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن ابن الجزري والتفسير والعربية عنه أيضاً، وعن الشيخ شمس الدين بن طولون الحنفي، وعن الشيخ كمال الدين بن شقير، وفي الأصول على المولى أمير جان الكبائي التبريزي حين قدم دمشق حاجاً، وفي الكلام والحكمة على منلا حبيب الله الأصفهاني، وأخذ العربية أيضاً، والتفسير عن الشيخ مغوش المغربي، عن سيدي محمد السنوسي البوني الأصل، والكلام عن الشمس أحمد الشيرازي عن سيدي غياث الدين منصور، وقرأ المعاني، والبيان، والكلام على الشيخ أبي الفتح السبستري، وحج وقرأ بمكة على قاضيها ابن أبي كثير، واشتهر بدمشق أنه قرأ على شيخ الإسلام الوالد، ثم انحرف هو عن الشيخ، وصار بينهما ما هو مشهور، ثم رأيت شيخ الاسلام عدة في فهرست تلاميذه، ووصفه فيها بالشاب الفاضل، وذكر أنه قرأ عليه في الأذكار، وألفية ابن مالك وحضر دروسه كثيراً، وطالما كنت أريد أن أعرف السبب الداعي إلى نفرة الشيخ علاء الدين، عن أستاذه الوالد، فلا أرى من يخبرني به حتى حدثني الشيخ الصالح ولي الله تعالى يوسف الجيرامي، أحد جماعة الشيخ أحمد الدجاني المقدسي، أنه كان عند الشيخ الوالد، فذكر في المجلس الشيخ علاء الدين، وقلة أدبه معه مع أنه قرأ عليه، فقيل للشيخ الوالد: ما سبب الجفاء الحاصل من الشيخ علاء الدين لكم؟ فقال: سببه أنه كان مرة في مجلس درسي فضحك في المجلس، واستغرب في الضحك، فزجرته فقام، ولم يعد إلى الدرس ثم إن الشيخ علاء الدين بعد ذلك كان يؤذي الشيخ، والله يدفع عنه أذيته حتى حملته حميته، وكان جاراً للشيخ على أن تعرض لماء يجري إلى دارنا، وإلى سبيل بالقرب منها فقطعه، وأجراه إلى سكنه فقيل للشيخ: ألا تتصدى يا مولانا للانتصاف منه؟ قال: بل الله ينصفنا منه، ويكفينا إياه، فلم تمض سنة حتى مات الشيخ علاء الدين، فما خرجت جنازته حتى عاد الماء إلى مجاريه وقال الشيخ أبو الفتح المالكي في ذلك:
قطعوا السبيل فعوقبوا ... قطعاً بمتصل الظما
ونما السرور لهم به ... فرحاً وكان المأتما
قامت نوايح بل صوايح ... حول سافرة الدمى
وتشتتوا بعد التفرق ... مزعجين عن الحما
ما ضرهم لو أنهم ... سلكوا الطريق الأقوما
لكنهم حسبوا الوقا ... حة والقباحة مغنما
وتعرضوا بمساءة البدر ... المنير توهما
وتناولوا من ماء ... ساحته الشريفة أسهما
سروا بذلك برهة ... حتى إذا فرحوا بما
والله يغفر للجميع ... تفضلاً وتكرما(1/446)
ولي الشيخ علاء الدين نيابة القضاء بمحكمة الميدان خارج دمشق، ثم نيابة الباب مدة طويلة، وأقامه بعض قضاة القضاة مقامه، وقد زار القاضي بيت المقدس، وكان أول توليته بمحكمة الميدان عوضاً عن الكمال الخضيري في يوم الجمعة، يوم دخول محمل الحاج إلى دمشق رابع عشر صفر سنة خمس وأربعين وتسعمائة، كما نقلته من تاريخ شيخه ابن طولون، ثم سافر الشيخ علاء الدين إلى الروم سنة ست وأربعين وتسعمائة، فعجب منه علماء الروم من فطانته، وفضيلته مع قصر قامته، وصغر جثته، وسموه كجك علاء الدين، ثم كانوا يضربون المثل به، وأعطي، ثم تدريس دار الحديث الأشرفية بثلاثين عثمانياً قال ابن طولون: وهو درس متجدد لم يكن بالدار المذكورة سوى مشيخة الحديث، ودخل دمشق يوم الأحد ثامن صفر سنة سبع وأربعين وتسعمائة، ودرس بدار الحديث المذكورة في قوله تعالى: " الله نور السموات والأرض " وحضره شيخه ابن طولون، والشيخ عبد الرحمن الشويكي مفتي الحنابلة، والشيخ علاء الدين بن صدقة، ثم أعرض عن نيابة القضاء، وأقبل على التدريس، وغلبت عليه المعقولات، وبلغني أنه ألف حواشي على شرح الألفية لابن المصنف وكان يقرىء، ويدرس، ويفتي ويدرس بالجامع الأموي، وبالأشرفية وبالعادلية الصغرى، وبالتقوية قال والد شيخنا: كان له سطوة، وكلمة نافذة، وسخاء للطلبة وولي تدريس المدرسة التقوية، ومشيخة الشامية البرانية، وغيرها، وأسكن فيها طلبة علم وصار يمدهم بالإكرام، والإطعام، ونبل قدره انتهى.
وبلغني أنه كان يحفظ القرآن العظيم ويكثر تلاوته، وحفظ كثيراً من الكتب، وكان الناس يهابونه قاضي القضاة فمن دونه وكان له جرأة، وعشيرة باسطاً لحرمة، مقبول الشفاعة، يؤاسي الطلبة، ويحسن إليهم، وانتفع به كثيرون، وممن برع عليه الشيخ إسماعيل النابلسي، والشيخ عماد الدين، والشمس بن المنقار، والمنلا أسد، والشمس الصالحي، والشمس بن هلال، والشيخ علاء الدين القباني، وممن أخذ عنه شيخنا، الشيخ شهاب الدين العيثاوي، وكان يحضر دروسه في المعقولات قال وأشار عليه: والدي بالأشتغال في الفقه فأقرأ في شرح الروض وقال لي: يوم ابتدائه فيه سلم على الشيخ، وقل له قبلنا أشارته، وأقرأنا في الفقه، وكان له شعر متوسط من أحسنه قوله:
لولا ثلاث هن لي بغية ... ما كنت أرضى أنني أذكر
عز رفيع وتقى زائد ... والعلم عني في الملا ينشر
ولما كانت سنة إحدى وستين وتسعمائة منع الحكام، من شرب القهوة فقال الشيخ علاء الدين بن عماد، متعرضاً للشيخ أبي الفتح المالكي:
قل لأبي الفتح إذا جئته ... قول عجول غير مستاني
أدرك بني البرش على برشهم ... قد منعوا من قهوة البن
وقال:
اشرب من البن قهوة الندما ... وأدركن منها المباح فما أحلى
من أين للفاضل الذي حكما؟ ... بماذا البن أنه حرما نقلا؟
واستفت في حلها لمن علما ... وأترك مقال الجهول والخصما ألا
فلا تشبه لشربها الحرما ... قد نص أهل العقول والعلما أن لا
ولما أمر قاضي القضاة ابن إسرافيل، أن يجعل لمأذنة العروس خمسة أهلة أوسطها أكبر، وكانت بهلال واحد، ففعل ذلك جلال الدين العامل، المتكلم، يومئذ على الجامع فوضعت أهلتها يوم السبت تاسع عشري شعبان سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة. قال الشيخ علاء الدين بن عماد الدين في ذلك:
عروسة قد تردت ... من المحاسن حلة
نقول ميقات وصل ... قران هذي الأهلة
وعليه مؤاخذة في استعمال عروس بالتاء، وهو غير مسموع وإنما يقال عروس للذكر والأنثى كما في القاموس، وغيره فلو قال هذي عروس تردت لسلم من ذلك، وكانت وفاته بعد الظهر يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وصلى عليه الوالد إماماً، وحضر الصلاة عليه علي أفندي قنالي زاده، وغيره من الأكابر، ودفن بتربة باب الصغير، وقال ماماي مؤرخاً وفاته:
قضى الإمام العلائي ... من كان بالحق يفتي
وهاتف الحق نادى ... تاريخه مات مفتي
وقال الطيبي تاريخه أعظ، وقال غيره تاريخ ظالم، وجمع الطيبي بين التواريخ الثلاثة في هذا البيت:(1/447)
أرخ موت ابن العماد العالم ... بمات مفتي واعظ وظالم
واعظ مضارع، ولا يصح أن يكون أمراً، لأن الأمر عظ، وإنما سكنه في البيت لضرورة الوزن وقال الشيخ شمس الدين بن هلال يرثيه:
على ابن عماد الدين تبكي الفضائل ... وتندبه في العالمين الفواضل
به كان عقد الدهر من قبل حالياً ... ولكنه من بعده الآن عاطل
عليه وألا لا تفيض مدامع ... عليه وألا لا يحدث ناقل
وما كان ظني أن يوسد في الثذي ... وليس له إلا القلوب منازل
فحسبك يا ريب المنون جناية ... وعلى الخلق أني من فعالك ذاهل
ولكنني من بعده لست جازعاً ... ولا حذراً مما له الدهر فاعل
دفعنا بك المحذور يا غاية المنى ... ولم أستطع دفع الذي بك نازل
وإن أقفرت منك المنازل في المدى ... فإن فؤادي من خيالك آهل
ففي حلب قد جاءني ما أساءني ... وكنت مقيماً وهو عني راحل
فبينا أنا في السوق أبصرت ساعياً ... فقلت: غراب البين ما أنت قائل؟
عسى أنت لا تدري وليتك لم تكن ... فحسبك قل لي علك الآن ذاهل
أجاب إمام العصر وسد في الثرى ... فسألت دموعي الهاطلات الهوامل؟
تأكذت من حزني ومن فيض عبرتي ... أكفكف دمعاً وهو كالسحب هاطل
ولكنني أعددت للنوح والبكا ... بحارع دموع ما لهن سواحل
ولو كنت أقضي بعض بعض حقوقه ... وما هو من إحسانه لي واصل
ملأت جميع الأرض فيه قوافيا ... يرددها في الخافقين القبائل
على أنني أستغفر الله فضله ... يقصر عن إدراكه المتطاول
عليه من الرضوان ما يستحقه ... ورب البرايا بالزيادة كافل
ولا زال منهلاً على قبره الحيا ... وبرد مثواه مسح وهاطل
علي بن إسرافيل قنالي زاده
علي بن إسرافيل الإمام العلامة الأوحد المفنن الفهامة، علي جلبي قنالي زاده أحد الموالي الرومية المشهورين بالعلم والفضيلة. اشتغل في العلم على جماعة، واتصل آخراً بخدمة ابن كمال باشا، ودرس بإحدى الثماني، وولي قضاء دمشق، فدخلها في غرة ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ولم يتأخر عن السلام عليه أحد إلا شيخ الإسلام الوالد لأنه انقطع عن التردد إلى القضاة وغيرهم، والشيخ علاء الدين بن عماد الدين المذكور قبله، فإنه كان مريضاً مرض الموت، فبادر القاضي إلى زيارة الشيخ الوالد في بيته، وعيادة الشيخ علاء الدين، ومات الشيخ علاء الدين بعد أيام، فحضر جنازته، وترحم عليه، ثم قرأ على الشيخ الوالد في الحديث، وأخذ عنه، وكان بينهما مطارحات، وكان عالماً متبحراً يميل إلى الأدب والشعر، ولعله أحسن علماء الروم شعراً، وكان يعتقد الشيخ شهاب الدين الطيبي، وأخذ عنه، واستكتب بعض مؤلفاته، وبقي بدمشق قاضياً نحو أربع سنوات، ثم عزل عنها، وأعطي قضاء مصر في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وتسعمائة، ثم أعطي قضاء أدرنة، ثم إسلام بول، ثم قضاء العسكريين، ثم تقاعد عنه مقبلاً على مطالعة الكتب، والنظر في العلوم، وألف حاشية على حاشية حسن جلبي على شرح المواقف، وحاشية على حاشية شرح التحرير للسيد الشريف، وحاشية على شرح الدرر، ومن شعره ما أنشده الشيخ الإسلام الوالد:
أرى من صدغك المعوج دالاً ... ولكن نقطت من مسك خالك
فأصبح داله بالنقط ذالاً ... فها أنا هالك من أجل ذلك
فأنشده شيخ الإسلام الوالد:
ذا أصبحت مهتماً بمالك ... وحالك من صروف الدهر حالك
فلا يحظر سوى خير ببالك ... لعل الله يحدث بعد ذلك
ومن شعر علي أفندي:
يا من يقيل عثار العبد بالكرم ... إذا أتاه من الزلات في ندم
أرشد بنور الهدى نفسي فقد بقيت ... من المظالم في ليل من الظلم(1/448)
بقيت من كرب الحرمان في كرب ... هب لي نسيم الرضى يا باري النسم
ومنه:
أنفق فإن الله كافل عبده ... فالرزق في اليوم الجديد جديد
المال يكثر كلما أنفقته ... كالبئر ينزح ماؤها فيزيد
وصار بينه وبين شيخ الإسلام مفاوضة في أبي حيان، وتلميذه السمين أيهما أمثل؟ فمال الشيخ إلى أبي حيان، وقال: إن كلامه أحسن وأجود، ومال الأفندي إلى ضد ذلك، ثم كتب بعد ذلك رقعة إلى الشيخ يتلطف فيها، وذكر فيها ترجمة السمين من كلام شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة، وفيها قوله: إنه ناقش أبا حيان في إعرابه مناقشات غالبها جيد، وصدر الأفندي رقعته بقوله:
يا سيداً قدره في العلم مشتهر ... وهل رأى الناس قدراً غير مشتهر؟
يفوق فضلاً على أهل العلوم كما ... يفوق بدر جميع الأنجم الزهر
بعثت قول إمام كان صنعته ... تبيان كعبة فضل رافع الحجر
في ذكر ترجمة الشيخ السمين شها ... ب الدين أوردها كالنثر في الدرر
إن شئتم فانظروا لا زال حضرتكم ... مؤيداً من إله الناس بالنظر
فأجاب الشيخ الوالد رحمه الله تعالى بقوله:
يا سيداً فاق أهل العصر قاطبة ... في كل فن على المقدار مشتهر
ويا إماماً سما فوق الرؤوس علىً ... قد وافق الخبر من عليائه الخبر
بعثت قول شهاب في الشهاب له ... نعت به طابت الأخبار والسير
جاءت مناقشة منه لسيده ... إذ لاح من فكره من لفظه درر
إن الأثير أبا حيان عمدتها ... به الأئمة في الآفاق تفتخر
والكل مغترف من بحره نهلاً ... فالبعض معترف والبعض متنكر
ثم السمين سمين من معارفه ... ليس التغير يعروه ولا الغير
وليس ضائر كل من يناقشه ... والبحر صاف وقد يبدو به كدر
والشمس والبدر قد يعروهما فتر ... والضوء والنور من هذين منتشر
يكفيهما شرفاً منك الثناء ومن ... مولاه يوماً علي فهو منتصر
واخترت رفع روي حيث ناسبه ... علاك يا شمس فضل زانها خفر
فارفع من جانبي حتماً لجانبكم ... وخفض عيشي من جدواك منتظر
فكتب إليه الأفندي مجيباً وملتمساً:
نظم من السيد الشيخ الإمام أتى ... كالنجم ملتمعاً والدر منتشراً
علومه لجة لا غرو إن قذفت ... من خطة عنبراً من لفظه دررا
كماله غير محصور، وليس يرى ... من يبتغي المدح إلا العي والحصرا
أفاد حتماً بتفضيل الإمام أبي ... حيان أحياه من أحيا الورى وبرى
إن الشهاب دخان مظلم فإذا ... دانى الأثير غداً نجماً يضي ويرى
يرى الشهاب إذا أهدى مناقشة ... على الأثير وفي إعرابه سطرا
كقيم الباغ قد يهدي لسيده ... برسم خدمته من باغه الثمرا
لكن على الحضرة العليا يعرض إذ ... أمر على خاطر المملوك قد خطرا
إن تخرج الشمس من أبحاثه وعلى ... الإنصاف يلقى عليه البحث والنظرا
عسى يحصل من تحقيق سيدنا ... فوائد تحتوي الأوضاع والغررا
ثم الروي تفاءلنا بفتحته ... منا لنا، ولكم والفتح والظفرا
فكتب كل منهما رسالة اختار فيها عشرة أبحاث بين الشيخين، وسمى الوالد رسالته العقد الثمين، في المناقشة بين أبي حيان والسمين، وكتب فيها اثنى عشر بحثاً، ثم أرسلها إلى الأفندي، وكتب إليه معها:
بحر طما وحلا واستخرج الدررا ... عقداً يرصف منظوماً ومنتثرا
وامتد جعفر فضل للسوي به ... يحيى ربيع رباع أو خصيب برا
وفاح عرف جنان أمطرت سحراً ... منه فأنعش قلباً كان مستعرا
بنفحة منه أولى مثل ثانية ... من نفحة الصور يحيى خاطر فترا(1/449)
والعبد يفخر إن مولاه كاتبه ... أدى الأمانة عنه واقتفى أثرا
ثم الولا أثره مستلزم وكفى ... ومن علي يواليه فقد نصرا
والعبد ممتثل مرسوم سيده ... في جمع عشرة أبحاث له سطرا
مما أثارته أفكار الأثير وقد ... بث الشهاب من قدحه شررا
وأنت حاكمها الترضي حكومته ... وإنما العدل والإنصاف منه يرى
وأنت حاكم هذا العصر سيده ... فاحكم بفكرك في العصر الذي غبرا
فبحر فضلك لا تحصى عجائبه ... وروض فكرك يؤتي الزهر والثمرا
لا زلت قدرك مرفوعة وقولك ... متبوعاً وحلمك مسموعاً على الكبرا
ودمت في دولة دروية أبداً ... ما غاب كوكب أفق أو بدا سحرا
مات بعلة النقرس في سنة تسع وسبعين بتأخير السين في الأول، وتقديمها في الثاني وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي ابن أمير الشيرازي
علي ابن الفاضل الصالح الورع علي ابن شيخ أمير الشيرازي صاحب الخط المنسوب. كتب مصاحف كثيرة، وكان يبيعها بأثمان غالية، وكتب تفسير ابن كمال باشا مرات، وتفسير أبي السعود وغير ذلك، ودخل دمشق فأخذ الحديث عن الوالد وغيره، ثم قطنها، وصاهره شيخنا الشيخ شهاب الدين العيثاوي مر بمجلس الشيخ الداوودي، فسمعه يذكر أن الموت بالطاعون شهادة، فحم من ليلته أو التي بعدها وطعن، ثم مات بعد يومين يوم الجمعة شعبان سنة ست وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة، وصلى عليه شيخنا بجامع الجوزة خارج الفراديس، ودفن بمرج الدحداح رحمه الله تعالى.
علي بن بيوم النقطجي
علي بن بيوم بن علي الرومي الأصل، الدمشقي الشيخ الصالح المسلك منلا علاء الدين المجذوب، المعروف بالنقطجي لأنه كان كاتب غيبة أصحاب الأجزاء بالجامع الأموي لينقط على كل من تأخر منهم عن الحضور للقراءة، فأطلقت عليه هذه النسبة التركية. أخذ عن الشيخ يونس الزبال، ولما مات تصدر صاحب الترجمة في مكانه الذي كان يقيم فيه الذكر بعد صلاة الجمعة بالجامع الأموي تجاه ضريح سيدي يحيي بن زكريا عليهما السلام من جهة القبلة، وسكن بزاويته بسويقة صاروجا، وعمر المغارة التي على كتف بانياس المعروفة بالنقطجية، ولما تولى نظارة الجامع منلا إسلام العجمي تسلط على النقطجي بلسانه، ولامه على مسامحة القراءة، وإغفال التنقيط، وكانت تفرش لمنلا إسلام طنفسة لطيفة عند باب الصنجق من قبل الظهر إلى العصر، ويجمع إليه ثمة الكتاب والجباة وغيرهم، فدخل يوماً الشيخ على النقطجي قبل حضوره، فرأى الطنفسة فأخذته حالة مزعجة، فجاء متحركاً حتى أخذ الطنفسة، ورفعها إلى أعلى قامته، وقلبها ورمى بها، ثم أخذ في الذكر والتهليل، وخرج من الجامع، فما مضى على الناظر ثلاثة أيام حتى مات. وكانت وفاة النقطجي سنة أربع وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي بن صدقة
علي بن صدقة، وقيل: اسم أبيه عبد الله، ولقبه صدقة بن علي بن صدقة الحلبي، البانقوسي، الشافعي، الصوفي، الشيخ علاء الدين العارف بالله تعالى الواعظ بالجامع الأموي صاحب الشعر الرائق، والكلام الفائق، على طريقة الصوفية. قرأ الفقه وغيره على الشيخ تقي الدين القاري، وفي العربية على ابن طولون، وذكره الوالد في تذكرة من أخذ عنه فقال: قرأ علي في الألفية، وحضر دروسي، وعنده جذب قال: ويغلب عليه الصلاح. واشتغل بالوعظ انتهى.
وكان من العارفين المستترين على طريقة الشيخ عبد القادر بن حبيب الصفدي، وله شرح(1/450)
على رسالة الشيخ أرسلان رضي الله تعالى عنه كتبها شيخه ابن طولون بخطه في تعليقاته وهي تفصح عن مقام عال في الطريق، وحال شريف من أحوال أهل التحقيق، وكان يقرأ البخاري في بيوت الأكابر، وكان يخشع الناس من وعظه، فصيح اللسان لم يضبط عليه لحن في وعظه، وكان رفيقاً للشيخ علاء الدين بن عماد الدين، بل له عليه شيخية، وكان ابن عماد الدين يعاتبه على معاشرة العوام، ودخول القهوات، وكان يقول: مسكين يجالس المساكين، وكان يحب مجالسة الفقراء والضعفاء قيل: وكان يأكل الحشيشة، ويكثر من اللعب بالطاب والبرك، ويجالس أهل البطالات واللهو، وهذا وإن كان كذلك، فهو ملاميته فإن الملامية يخربون ظواهرهم، ويعمرون بواطنهم، وكان خشن العيش، قانعاً لا يبالي باللبس، وكتب إلى الشيخ علاء الدين بن عماد الدين:
أضحى الإمام علاء الدين منفرداً ... بالعلمه والحلم والإيفاء بالعدة
فإن وفا لي زماناً من مكارمه ... فإن لي ذمة منه بتسميتي
وحدثني الشيخ أبو بكر ابن العدوي الكاتب، وكان تلميذ ابن صدقة أن الشيخ علاء الدين بن صدقة دخل يوماً على القاضي كمال الدين الحمراوي، فقال له القاضي كمال الدين: يا مولانا الشيخ علاء الدين ما الذي بينك وبين الشيخ علاء الدين بن عماد الدين حتى بلغنا أنه هجاك؟ فقال: يا مولانا نظماً أم نثراً؟ قال: نظماً، فأنشده ابن صدقة بديهة:
أمولانا كمال الدين إني ... سأخبركم بمن قد قال عني
أيهجوني بنظم ثم ينسى ... زماناً يستفيد النثر مني.
ومن شعره:
رأيت في المرآة وجه الذي ... أضحى من الدنيا منى النفس
فقلت للنفس انظري واشهدي ... بدر الدجى في دارة الشمس
ومنه قصيدة:
لما رأيت البيض قد جردت ... ناديت فيهم يا لسود العيون
الخالبات الجالبات الهوى ... الفاتكات الفاترات الجفون
فيا ظبا البان كفا بالظبا ... جرحتم قلبي فلا تقتلون
ويا وشاة الحب ذي ادمعي ... ما قد جرى يملي فلا تكتبون
أتعذلوني لو عرفتم لما ... كنتم، وحق الله لي تعذلون
أهلة في الخمر لما بدت ... قالت بدور التم: منها استرون
ما في سواد العين إلا هم ... وغيرهم ما في السويدا يكون
يهون بذل الروح في حبهم ... وكل صعب في هواهم يهون
وله ديوان شعر، وكل شعره مطبوع مقبول. مات بعلة الاستسقاء في رجب سنة خمس وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، وصلي عليه بجامع الجوزة خارج باب الفراديس بدمشق، ودفن بتربة الفراديس رحمه الله تعالى.
علي بن النبك
علي بن عبد الرحيم بن النبك أحد مريدي الشيخ يونس الهمداني والقيم ابن القيم ابن القيم بالجامع الأموي بحلب، والمبلغ بالحجازية. كان شيخاً معمراً بقي في القيامة والتبليغ ستين سنة، وسرقت له من داره أمتعة، فلم يتفحص عليها ولا تغير لسرقتها، فما مضت مدة يسيرة حتى أعيدت إليه. ذكره ابن الحنبلي، وقال: توفي في رمضان سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي المقشاتي
علي بن عبد الرحمن بن أبي بكر، الشيخ علاء الدين الحلبي المقشاتي، الصوفي، القادري، الأردبيلي حفيد الشيخ أبي بكر الدليواتي، صاحب المزار المشهور بحلب أدرك جده هذا، ولازم حلقة الذكر مع أتباعه، ولم يزل على ديانته ونورانيته يتعاطى أمر المقشات بحانوته، والناس سالمون من لسانه، ويده قال ابن الحنبلي: وربما صحبناه تبركاً به كما قال جدنا الجمالي: وصحب جده توفي سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
علي الصالحي(1/451)
علي بن عبد الرحيم، الشيخ الصالحي، الشافعي تلميذ الشيخ العارف بالله سيدي إبراهيم التسيلي. كان له فضيلة، ومعرفة بالصالحين والأولياء، ويحدث عنهم، وكان شيخنا رحمه الله تعالى يعتقده، ويصطحب معه، وكان يحدثنا عنه كثيراً، وكان للشيخ علي صحبة مع الأخ الشيخ شهاب الدين رحمه الله تعالى وكان جاراً لنا بالمدرسة الملاصقة للجقمقية، والطبقة، والغرفة علوها، وهي التي كانت سكناً للشيخ علاء الدين بن عماد الدين، وتعرف بالخانقاه الأندلسية وكانت وفاته يوم الثلاثلاء سادس جمادى الآخرة سنة خمس وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي السنفي
علي بن علي الشيخ الإمام العلامة، الفقيه النبيه الفهامة، نور الدين السنفي، المصري، ثم الدمشقي الشافعي. ولد بمصر سنة إحدى وتسعمائة، وأخذ الفقه وغيره عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والبرهان القلقشندي، والكمال الطويل محمد بن علي بن محمد القاري، والجمال يوسف السلامي الشهير بالجمل النقيب بالأزهر، والعلامة شمس الدين محمد بن محمد الدلجي العثماني، والجمال الصافي، ويحيى الدميري، وناصر الدين اللقاني المالكي، والشمس محمد بن محمد النشيلي، والشمس الضيروطي، والبدر محمد بن أحمد بن محمد المشهدي، ونور الدين علي الكتامي بفتح الكاف، وبالمثناة فوق وبالميم وعطية الضرير، وخضر المالكي، والشهاب الرملي وغيرهم، وأخذ العربية عن الشيخ نور الدين اللقاني، وعن الشيخ عطية الضرير، والشيخ خضر المالكي، والثلاثة أخذوا عن الشيخ خالد الأزهري شارح التوضيح. ورد الشام وقطنها، وانتفع به الفضلاء كالشيخ إسماعيل النابلسي، والشيخ شمس الدين الحجازي، وشيخنا شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد العيثاوي، والشيخ أحمد القابوني، والشيخ محيي الدين البكري، وتزوج بأمه، وولي نيابة القضاء بالكبرى، وتنزه عن المحصول برهة، ثم تناوله، وكانت وفاته بدمشق ليلة الأحد رابع شعبان سنة ثمان وسبعين - بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
علي دفتر دار الشام
علي بن مراد دفتر دار الشام. كان له تودد إلى الناس، وكان إذا مر بالأسواق يسلم على الكبير والصغير، والغني والفقير، وهو الذي بنى الدار بالقيمرية، والجنينة بالقرب من جامع يلبغا من جهة الغرب. وأرضها وقف الحرمين، والآن احتكرها فضل الله الرومي في حدود سنة ثلاثين وألف. وأحكرها بيوتاً، ومات علي جلبي الدفتر دار فجأة في سنة ثمانين وتسعمائة.
علي بن سنين
علي بن منصور، الشيخ العلامة علاء الدين بن سنين بالتصغير الطرابلسي مفتي طرابلس، الحنفي. أخذ عن علماء مصر، واجتمع بالوالد سنة اثنتين وخمسين بالقاهرة، وقرأ عليه غالب شرحه المنظوم على الألفية، وكتب له إجازة به وبغيره، وسافر إلى الروم، وكانت وفاته في بضع وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة عن دنيا عريضة قيل ترك اثني عشر ألف أصل من الزيتون غير التوت والأموال رحمه الله تعالى.
علي بن موسى الحرفوشي
علي بن موسى الأمير ابن الأمير ابن الحرفوش أمير بعلبك. دخل دمشق في يوم الجمعة ثامن عشر ذي القعدة سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة صحبة يانظ إبراهيم، وجماعة من الينكجرية، فاجتمع بمحمد باشا ابن سنان باشا، وهو يومئذ نائب الشام، فأكرمه وهرعت إليه الناس للسلام عليه، ونزل في بيت يانظ إبراهيم، ثم قبض عليه بعد عشرة أيام، وحبس وعرض الباشا فيه إلى أبيه، وهو الوزير الأعظم يومئذ، وكان أبوه حين كان بالشام نائباً في سنة خمس وتسعين أراد القبض عليه، فهرب منه، فلما علم بإمساكه أنهى إلى حضرة السلطان أنه من العصاة، فأمر بقتله، فضربت عنقه داخل قلعة دمشق بعد صلاة العشاء ليلة السبت ثاني عشر المحرم سنة تسع وتسعين وتسعمائة، وأرسل رأسه إلى التخت السلطاني، ودفن جسده بباب الفراديس.
علي الجيزي
علي ابن الشيخ العلامة زين العابدين الجيزي المالكي. اشتغل على الشيخ ناصر الدين اللقاني حتى تبحر في علوم الشريعة. أجازه بالإفتاء والتدريس، وكان يرد شيخه إليه الأسئلة المشكلة، وكان مقتنعاً بالدون من الطعام، واللباس، حسن الأخلاق. ذكره الشعراوي، ولم يؤرخ وفاته رحمه الله تعالى.
علي بن يوسف الرومي(1/452)
علي بن يوسف قاضي قضاة الشام أحد الموالي الرومية المعروف بابن حسام الدين. كان له طمع، ولما كانت قصة القابجي الذي أمسك بني خطاب، ومن كان معهم، وورد الحكم بقتله كان مساعداً فيها، وحكم بقتله، وحث محمد شاه ابن حسن بيك لربكي الشاه يومئذ على قتله، فقتل في سنة تسع وثمانين وتسعمائة، ثم انفصل.
علي الطحلاوي
علي الشيخ الإمام العلامة الزاهد نور الدين الطحلاوي، المالكي. أخذ عن الشيخ ناصر الدين اللقاني، والشيخ فتح الدين الدميري، وأجيز بالإفتاء والتدريس، فدرس وأفتى وانتفع به خلائق. ذكره الشعراوي أيضاً، ولم يؤرخ وفاته رحمه الله تعالى.
علي الطندتاي
علي الشيخ العالم، الراسخ، المحقق الشيخ نور الدين الطندتاي الشافعي. أخذ الفقه عن الشيخ شهاب الدين الرملي، وقرأ على الشيخ ناصر الدين اللقاني وغيرهما، وأخذ الطريق عن الشيخ محمد الشناوي، والشيخ علي المرصفي، وكان يأمر إخوانه بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وأجيز بالإفتاء والتدريس، فأفتى ودرس في حياة شيوخه، وكان شيخه الرملي يقول تحقيق المسائل في درس الشيخ نور الدين الطندتاي، وجمع فتاوي للخطيب الشربيني. ذكره الشعراوي في معاصريه، وذكر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، والشيخ نور الدين الشوني، إلى جانبه، والشيخ نور الدين الطندتاي إلى جانب الشوني، ورأى الشيخ شهاب الدين البلقيني، وجماعة المجلس جلوساً بعيداً عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فقال شخص: يا رسول الله ما سبب قرب هذا منك، ولم يكن أكثرهم صلاة عليك. فقال: سبب ذلك كثرة تواضعه، وهضم نفسه، ولم يؤرخ الشعراوي وفاته رحمه الله تعالى.
علي جلبي الحمصي
علي جلبي بن هلال أخو الشيخ محمد بن هلال الحمصي من شعره:
أقول لأصحابي عن القهوة انتهوا ... ولا تجلسوا في مجلس هي فيه
وما كان تركي شربها لكراهة ... ولكن غدت مشروب كل سفيه
وهذا قريب من قول أبي السعود مفتي الروم، وقد سئل عن القهوة. ما أكب أهل الفجور على تعاطيه، لا يحسن ممن يخشى الله ويتقيه، انتهى.
عمر سلطان
عمر بن محمد بن أبي اليمن محمد بن قطب الدين، الشيخ العلامة زين الدين بن سلطان الصالحي. الحنفي. أخذ الفقه عن عمه القطب ابن سلطان، وعن الشيخ شمس الدين بن طولون، وعن الشيخ عبد الصمد العكاري، والعربية عن الشيخ تقي الدين القاري، ودرس بعده في مدارس آخرها الجوهرية، ومات عنها، وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة، ويقرر دروسه تقريراً حسناً، وكان يعرف العربية، ولزمته فيها، وهو أول مشايخي في العلم، وانتفعت به، ورأيت والدي رحمه الله تعالى في المنام، فأشار إلي بملازمته، وعرفني بأني أنتفع به، وكان بارعاً في العربية خلاف ما كان يظن فيه كثير، وكان كثير من الناس ينسبونه إلى التغفل، ولم يكن كذلك، بل كان فطناً ذكياً، وإنما كان على خلاف ما عليه الناس من التطرف، وكان طويل القامة، عريض الجسد، يلبس الأثواب السابغة، والعمامة الكبيرة الحسنة، وكان البطالون ممن يدعي العلم يلقبونه بالجمل، وربما قيل: جمل المحمل، وكان منجمعاً عن الناس، ملازماً دار الحديث الظاهرية. يتردد الناس إليه في الفتاوي وغيرها، وكان مسموع الكلمة موقراً عند الحكام وغيرهم، وكان يتردد إليه الناس للإصلاح بينهم، وكان طاهر العرض، عفيف النفس، يكرم زائريه، ويضيفهم، ويكف نفسه عما بأيديهم، وكان يستأجر قرية الإصطبل بالبقاع لقربها من وقف الجوهرية هناك، وسافر إلى البقاع مدة لأجل الإستغلال، فكان إذا ذكره حساد معاصريه. وقيل: أين الجمل؟ يقال: في الإصطبل حسداً وغيبة، وهو كان سالماً من مثل ذلك، وكان ينتفع المترددون إليه بكتبه مطالعة عنده، وعارية، واستكتب عدة كتب، ووقف كتبه آخراً، وحج في أواخر عمره، وصحب القطب الهندي وغيره بمكة، وصحب منها كتباً نفيسة، وكانت تبري له الأقلام، ولا يحسن بريها، وكان يكب على المطالعة ليلاً ونهاراً ما لم يكن عنده وارد. وبالجملة كان من أفراد عصره ديناً، وورعاً، وعلماً. توفي في غرة ربيع الثاني سنة سبع بتقديم السين. وتسعين بتأخيرها وتسعمائة، وصلي عليه بالجامع الأموي، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
عمر بن محمد الكفرسوسي(1/453)
عمر بن محمد الصالح الواعظ زين الدين ابن شيخ الإسلام شمس الدين الكفرسوسي. أخذ عن والده، وكان له استحضار حسن للأحاديث النبوية والمواعظ. توفي يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عمر بن الموقع
عمر بن أبي بكر بن الموقع، القاضي زين الدين الشافعي. أخذ عن الشيخ يوسف العيثاوي، وولده شيخنا، وعن الشيخ إسماعيل النابلسي، وكان يقلده في الهيئة والعمامة واللباس إلا أنه كان قليل البضاعة من العلم. ناب في القضاء بمحكمة الصالحية، ثم بقناة العوني، ثم الكبرى، ثم الباب، ومات يوم الثلاثاء خامس عشري رمضان سنة أربع وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة بدمشق، ومات أخوه القاضي شهاب الدين بالروم في هذا اليوم، وهو من الإتفاق الغريب رحمه الله تعالى.
عمر بن يوسف الحيسوب الحسني
عمر بن يوسف، الشيخ الإمام العلامة زين الدين ابن الشيخ العارف بالله تعالى صلاح الدين البعلي، الحنبلي، عرف بابن أبي الحسن الحيسوب الفرضي الفقيه العالم مفتي بعلبك. حضر دروس الوالد، وسمع منه كثيراً، وأجاز وكان من أخص الناس بالأخ شهاب الدين، توفي سنة خمس وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
عمر السرايري
عمر السرايري أحد أفراد دمشق في الموسيقى والتلحين والدخول. كان من جماعة الشيخ محمد الجعيدي. مات في حدود التسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
عمر المرعشي
عمر المرعشي، الحلبي الحنفي القاضي زين الدين. دخل دمشق في سنة تسع وتسعين وتسعمائة قادماً من الحج، وكان له شهامة. نزل عند شيخنا القاضي محب الدين، ومات بحلب في سنة ألف في المحرم رحمه الله تعالى.
عمر الرسام
عمر الشيخ زين الدين الرسام المكي، الدمشقي. من حفاظ القرآن، وله همة وجرأة. وكان سبب موته أنه طالب أحمد الخليلي الجابي بعلوفته في وقف الحرمين الشريفين، فأجابه بالمجون والسخرية على عادته، فصفعه الشيخ زين الدين، فترافعا إلى نائب الباب إبراهيم بن بيرام الحنفي، فاعترف بصفعه، واستطال عليه في المجلس، فعزره النائب، فرجع إلى بيته محموماً نحو عشرة أيام، ثم مات في خامس عشر رمضان سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة بدمشق رحمه الله تعالى.
حرف الغين المعجمة من الطبقة الثالثة
غنيم المالكي
غنيم الشيخ الصالح العابد الزاهد. المالكي شيخ قبة السلطان الغوري بالقاهرة. نشأ على علم، وعمل، وديانة، وسلامة صدر ذكره الشعراوي، ولم يؤرخ وفاته رحمه الله تعالى.
حرف الفاء من الطبقة الثالثة
فرهات باشا
فرهات باشا كان نائب حلب وليها في سنة أربع وستين، ثم كان نائب بغداد، كان لا يسفك دماً، وإن وجب، ويقول بنية خلقها الله تعالى فلا نخربها ولا يقطع يد سارق، ولا يقيم حداً، وإنما يجزي بأنعام على المجرم بما سامحه من العقوبة وكان يتكلم بالعربية، ويحفظ تواريخ، ويخوض في دقائق الصوفية ذكره ابن الحنبلي وذكر أنه أمر خطيب الجامع الأعظم بحلب، وهو الزين الأرمنازي أن يذكر السبطين قبل ذكر الستة الباقين من العشرة قال ابن الحنبلي: وقد كان كما هو الحق لا يذكر بعد الأربعة إلا الستة، ولا بعد الستة إلا العمين حمزة، والعباس، ثم السبطين قال: وأغلظ على الشيخ زين الدين القول في تأخير السبطين، فاضطرب الناس لما أحدثه، وذكر أنه ألف رسالة سماها تأهيل من خطب في ترتيب الصحابة في الخطب ومات صاحب الترجمة ببغداد سنة ثمان وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف القاف من الطبقة الثالثة
قاسم الجبرتي
قاسم بن محمد الحلبي الشافعي، المعروف بابن الجبرتي لأن أباه كان يعتقد الشيخ علي الجبرتي المصري نزيل حلب، فنسب إليه. ولد بحلب في سنة اثنتين وتسعمائة، وحفظ القرآن العظيم، وقرأ الغاية على البرهان العمادي، ونصف المنهاج على الشمس الخناجري، وشارك في التجويد، وصار خطيباً، وإماماً بجامع السيد المجاور لدار العدل بحلب، وكان ديناً صالحاً، قوي الاستحضار لبعض عبارات الفقه، وكان يحفظ تواريخ من أدركهم، ونوادر عمن لم يدركهم، وكان يغسل الموتى ذكره ابن الحنبلي ولم يؤرخ وفاته فهو من هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
قاسم القواس(1/454)
قاسم بن محمد الدمشقي الأستاذ القواس قرأ على الشيخ الوالد في الغاية وكان يحضر دروسه ويصحب الأخ الشيخ شهاب الدين توفي في حدود سنة ألف عن سن عالية حتى قيل أنه جاوز المائة رحمه الله تعالى.
قاسم القادري
قاسم بن أبي الفضل، الحلبي الشافعي، الصوفي القادري كان زموطياً، ثم فتح الله تعالى عليه، وصار شيخ الشيوخ بحلب بعد الشيخ صالح المشهور بابن المعلم، وتولى إمامة الحلاوية، الحنفية، مع أنه شافعي، وكتب الوثائق بمحكمة بعض القضاة الروميين بحلب، وشرح عنقاء مغرب، لابن العربي على حسب حاله، والحكم لابن عطا الله، وقرظ له شرح الحكم ابن الحنبلي بقوله:
ذا كتاب فيه معارف تجلى ... ونكات على ذوي الذوق تملى
قد أتتنا على لسان مفيد ... ذي بيان من عالم الفضل فضلا
وتراءت من صرح ذا الشرح تجلى ... كعروس من لمحها لن تملا
وعلى كل حالة فهو شرح ... ليس يخلو عن الفوائد أصلا
ولئن كان قابلاً لتلاف ... وتجاف عن بعض ما فيه حلا
فلبدر السماء محق تراه ... فاذكر المحقق فيه حيث تجلى
قاسم المغربي
قاسم المغربي الأقصرائي ذكره الشعراوي في طبقاته الوسطى: توفي في سنة سبعين بتقديم السين وتسعمائة بمدينة فاس رحمه الله تعالى.
قاسم بن كلستان
قاسم بن علي بن أحمد بن عبد الله الحلبي الشافعي الشهير بابن كلستان، قال ابن الحنبلي: لازم الشمس بن بلال في النحو، وحضر الزين بن الشماع في الحديث، وكان يتقيد بالكلام النحوي وتفقه على منلا موسى الكردي، وأم بالمدرسة المقدمية، ودرس في بقعة بالجامع الكبير، ولم يؤرخ وفاته.
قانصوه الجركسي
قانصوه بن عبد الله الجركسي عتيق القاضي ولي الدين بن الفرفور كان شيخاً جركسياً مغفلاً، وكان يظن أنه ينظم الشعر، ولا يتقيد بوزن ولا قافية، ويزعم أنه أشعر الناس كقوله:
انظر إلى الصوابية ... في سفح قاسوني
كأنها شامة ... في رأس حرذون
وهجا ماماي فقال:
وقد سبق طبعك ... إلى أكل لحم الخنزير
فما فيك إلا ضرر للناس ... في الباطن والظاهر
كالتوت الشامي ... سواد في سواد في سواد
فلما وقف ماماي على خطه فقال:
وقانصوه فجعل ... منعنع الصفات
ما عنده رشاد ... يستأهل الكرات
وكان يزعم المدح، والهجاء، ويضحك الناس منه، ومما يقول، وهو لا يدري شيئاً.
مدح شيخ الإسلام الوالد فقال:
ألف ألف سلام وأذكى تحيه ... على الشيخ بدر الدين بن الرضي الغزي
يتفجر العلم من حلقه ولسانه ... كما يتفجر الماء من الحجر المزي
فما أنت متكبر ولا متجبر ولا أحمق ... يا ابن الرضي الغزي يا غزي
فلما أنشدها للشيخ الوالد، ضحك الشيخ الوالد حتى استغرب، ثم أجازه، وذكره ابن الحنبلي في تاريخه، وقال: إنه معتوق المحب بن أجا، وقال إنه صالح له نوع تعبد واشتغال بالعلم قطن دمشق، وتولى النظر على تربة الست في حلب الجاري وقفها بسوق الصابون، ثم عزل عنه مات قانصوه سنة سبع وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان رحمه الله تعالى.
قانصوه الغزاوي(1/455)
قانصوه بن مساعد بن مسلم الغزاوي أمير عجلون، والكرك، وأمير الحاج الشامي نحو خمس عشرة سنة. كان من أحسن الأمراء سيرة، وكان من يحج في زمانه يستريح في سفره، وكانت العرب تطيعه وتخافه، فيحصل للحجاج الأمن والراحة، وهو في نفسه كان حسن النية، وكان يبخل لكنه عمر مسجد هشام جوار سوق جقمق، وتبرع من ماله للجامع الأموي وغيره، وصاهر من أكابر التجار بعضهم، وكان الناس يبتهجون به أيام حركة الحج بدمشق ذهاباً وإياباً، ولما دخل إبراهيم باشا الوزير بلاد الشام من جهة مصر، وغزا الدروز، وظهرت منه تلك الحركة لم يحضر عليه قانصوه، فلما دخل إسلام بول سود عليه، وعرض على السلطان مراد خان أنه عصى، فورد أمر سلطاني إلى علي باشا ابن علوان نائب الشام بالقبض عليه، فقبض عليه في طريق الحاج عائداً من الحج، ثم أحضر إلى دمشق مع الركب، واستودع القلعة مدة، وذلك في سنة أربع وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة، ثم توجه علي باشا بنفسه، ومعه قانصوه مقيداً في تخت روان، ومعه الأمير منصور بن الفريخ، والأمير علي بن الخرفوش، والأمير عساف، وآخرون من الأمراء، فلما دخل بهم إسلام بول رأى السلطان مراد قانصوه، وهيئته، وشيبته، ونورانيته، فأطلقه مكرماً، وأبقى عليه إمارة الحاج، فرجع إلى الشام، وباشر إمارة الحاج، ثم أعطى صنجق عجلون لرجل من الترك يقال له: أبو سيفين، فلما توجه إلى عجلون عين معه الوزير سنان باشا، وكان يومئذ نائب الشام ماية ينكجري، وأمرهم بالقبض على قانصوه أو قتله، فصار بينهم وبين جماعة قانصوه حرب، فقتل أبو سيفين، وقتل معه نحو خمسة عشر ينكجرياً سوى غيرهم من جماعة أبي سيفين، ورجع الباقون إلى دمشق، وهرب قانصوه وأولاده، وأعيان جماعته، ثم لما عزل سنان باشا من الوزارة العظمى ثانياً في عاشر شوال سنة تسع وتسعين بتقديم التاء المثناة فيهما. ووصل خبر عزله إلى بلاد الشام توجه الأمير قانصوه، ومعه ولده الأمير أحمد على البرية إلى الروم، فدخل إلى إسلام بول في خامس عشر ذي الحجة، فحصل له من السلطان مراد خان الرعاية التامة، وخلع عليه واستمر ثمة إلى أن توفي سنة ألف في غرة المحرم، ثم أعطى ولده أحمد نيابة عجلون، ووصل الخبر إلى دمشق رابع عشري المحرم المذكور رحمه الله تعالى.
قباد باشا أمير حلب
قباد باشا ابن رمضان أمير أمراء حلب والد سليمان باشا كان له شهامة زائدة، وحرمة وافرة على مماليكه، وخدمه. أرسل شخصاً أعجمياً إلى ما وراء أصفهان لإحضار طائر السمرمر بسبب جراد مهول حصل بالبلاد الحلبية، وخيف عوده، فذهب وأتى بالطائر في سنة أربع وستين وتسعمائة، فخرج إلى لقائه أهل حلب، ودخلوا به بالتهليل والتكبير كما وقع مثل هذا في سنة تسع وخمسين وثمانمائة كما ذكره أبو ذر في تاريخه، وأمر قباد باشا بجمع الجراد، فجمع الناس منه بضبط قاضي حلب إذ ذاك مائة ألف كيل، ثم فاجأهم عزله، وصار عند عزله فتنبه بسبب حكم أظهره بعض أهل حلب بالتفتيش على صوباشيه بسبب الجراد إلا أن الله تعالى كفى شرها، ولم يؤرخ ابن الحنبلي وفاته.
قودر أفندي
قودر أفندي قاضي قضاة دمشق، أحد موالي الروم. تولى قضاء الشام بعد ابن أبي السعود المفتي في صفر سنة تسع بتقديم التاء المثناة وستين وتسعمائة، وكان قليل العلم إلا أنه كان وافر الحرمة، عفيف اليد عن أخذ ما سوى المحصول من أموال الناس، واستمر إلى أن مات بها في صفر سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة وصلى عليه شيخ الإسلام الوالد إماماً، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
حرف الكاف من الطبقة الثالثة خال
كمال الدين الحمراوي
تقدم في المحمدين رحمه الله تعالى.
حرف اللام من الطبقة الثالثة خال
حرف الميم من الطبقة الثالثة
محمود بن محمد الطرابلسي
محمود بن محمد بن أحمد، الشيخ الفاضل نور الدين ابن الشيخ ناصر الدين الطرابلسي الحنفي إمام المرادية خارج دمشق وخطيبها، وهو أخو الشيخ علاء الدين إمام الجامع الأموي. مولده سنة اثنتين وستين وتسعمائة. أخذ القرآن عن الشيخ شهاب الدين أحمد الفلوجي، الشافعي، وتفقه بالشيخ شمس الدين المنقار وغيره، ومات سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمود الجالقي(1/456)
محمود بن عبد القادر القاضي نور الدين الجالقي القسام العسكري. كان قريباً للشيخ نجم الدين البهنسي، وكان يشكو منه لمنعه إياه من استحقاق له في وقف أهل بيتهما، فآل أمره إلى أن سافر إلى القسطنطينية لشكاية عليه، وجرت بينهما أمور انتهت آخراً إلى الصلح، وأقام القاضي محمود آخراً بإسلام بول، وتبع طريق الملازمة، وكان له معرفة بتصفية الحديد حين يصير فولاذاً، وأكثر معيشته منه، ثم ورد دمشق آخراً قساماً عسكرياً، وسلك في قضائه طريقة العفة والديانة حتى وقعت في توليته ماجرية إبراهيم بيك طالوا، وتزوجه لبنت إبراهيم بيك ابن جعفر بعد موت أبيها وقد طالت أيامها بكراً، ثم بعد دخوله بها أراد أن يثبت وصايته على أيتام أبيها من قبل أبيها، وهذا أمر بعيد جداً في عقول الناس إذ ذاك لأن إبراهيم بن طالوا كان باتفاقهم أسفه الناس في مال له، أو لغيره إذا وقع في يده، وتكرر منه إتلاف أموال، وكان إبراهيم بن جعفر من أمسك الناس على ماله، وأحرصه عليه، وكان أعرف الناس بسفه إبراهيم بيك ابن طالوا، فأراد أن يثبت أنه وصى إليه على أيتامه عند القاضي محمود الجالقي، ويبذل له ألف دينار ذهباً، وسببه أن المال ينوف على عشرين ألفاً، فأبى الجالقي إما خوفاً على عرضه، واستدراك الناس عليه، ولعله الأرجح، وإما ديانة وتورعاً، وهو الذي أظهره لنا ولغيرها، فلما أبى بذل ابن طالوا المال لمصطفى أفندي ابن سنان، وكان قاضي قضاة دمشق إذ ذاك، وأثبت الوصاية عنده بمعونة الشيخ محمد بن سعد الدين، فحصل للجالقي قهر عظيم مرض بسببه برمي الدم، ومات في شوال سنة سبع بتقديم السين وتسعين بتأخيرها وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمود الصلتي
محمود بن عبد الوهاب، السيد الشريف نور الدين ابن السيد تاج الدين الصلتي. مولده كما قرأت بخط والد شيخنا نقلاً عن أبيه سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، ونشأ في حجر أبيه في دنيا عريضة وخيلاء، وولي تولية جامع تنكز وغيره بدمشق، وآخر نظرا النظار، وسار إلى الروم مرتين للمفاوضة مع القاضي كمال الدين الحمراوي في الأنظار، وأصلح بينهما آخراً قاضي القضاة ابن أبي السعود بحلب، وكان الناس غير راضين منه، ولا من أبيه في ولايتهم، ومات قبل أبيه في صبيحة يوم سادس عشري رمضان سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة عن خمسين سنة، وصلي عليه قبل الظهر بالأموي، ودفن في تربة الشيخ أرسلان رضي الله تعالى عنه.
محمود التركماني
محمود بن علي بن مصطفى التركماني الأصل الحموي، الحنفي. زوج بنت سيدي الشيخ علوان الحموي. مولده سنة تسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة، وأخذ العلم عن الشيخ علاء الدين الأطاسي الحموي، ثم ناب في القضاء بحماة، ثم صحب الشيخ علوان، فترك النيابة، وترك حماة، فسأل الشيخ علوان من الأصلح بها للنيابة، فقال له الشيخ محمود، فحمله القاضي على النيابة، فأبى وأتى الشيخ. فقال: يا سيدي كيف قلت ما قلت. قال له الشيخ: إني لم أزده على جواب سؤاله بأنك الأصلح، وأنا أنهاك عن ترك النيابة. قال ابن الحنبلي: وقد ورد حلب مرتين ثانيتهما سنة أربع وستين وتسعمائة، وفيها آخاني وعاهدني على أن يشفع كل منا لصاحبه لدى الحاجة يوم القيامة قال: وأخبرني وهو صدوق أنه حسيني وموسوي، وأن جده مصطفى هذا هو صاحب الكرامات، والمزار الذي يزار بسيجر، ولم يؤرخ وفاته رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
مراد باشا نائب
مراد باشا نائب الشام باني المرادية خارج بابي الجابية والشاعور بالسويقة المحروقة، وكان مكانهما حوشاً جامعاً، وربما كان به جماعة من بنات الخطا، فلما بنى بيت القهوة في جواره، وكان الشيخ محمد اليتيم يعمل القهوة، ثم سعى في استئجار ذلك الحوش، وضمه إلى بيت القهوة، وجعله ساحة مجلس الناس بها، واتخذ مكاناً منها مسجداً، فإذا حضر وقت الصلاة أقام الصلاة، وصلى هو ومن حضر جماعة، فلما ولي مراد باشا الشام في سنة ست وسبعين وتسعمائة أراد أن يبني مسجداً، فاختير له هذا المكان، فبناه قيل: ووضع المحراب في الموضع الذي اتخذه الشيخ اليتيم للصلاة، ورتب له مراد باشا خطيباً، وإماماً ومؤذنين، وبنى بها حجراً، ورتب لمن يسكن بها طعاماً، ورتب قراء يقرأون بالجامع الكبير غربي المقصورة عند باب الخطابة، وبقي ذلك إلى الآن.
مسعود المغربي(1/457)
مسعود بن عبد الله الشيخ الصالح العارف بالله تعالى المعتقد سيدي مسعود المغربي. صحب بدمشق الشيخ شهاب الدين الأخ، وكان يجلس عنده في درسه عن يمينه، فيقول له الأخ: يا سيدي مسعود احفظ لي قلبي، فإن جدي الشيخ رضي الدين كان يجلس إلى جانبه سيدي علي بن ميمون في درسه، فيقول له: يا سيدي علي أمسك لي قلبي، ولما دخل سيدي مسعود دمشق كان يقتات من كسب يمينه، فكان يضرب الأبواب المغربية جدراناً لبساتين دمشق، وكان يبقي ما يعمله خمسين سنة وأكثرها لا يتهدم من اتقانه لها، وأخبرت أنه عرض له جندي، والشيخ في لباس الشغل فقال له: خذ هذه الجرة واحملها، وكان بها خمر، فحملها الشيخ معه، فلما وضعها وجدها الجندي دبساً، فجاء إلى الشيخ، واعتذر إليه، وتاب على يديه، وكان لأهل دمشق فيه كبير اعتقاد يتبركون به، ويقبلون يديه، وكان صاحب شيخنا الشيخ يحيى العمادي الآتي ذكره في هذه الطبقة، فكان يزوره في مكتبه بالمدرسة العزيزية، فيأمر الشيخ الصبيان، فيقومون لتقبيل يد الشيخ مسعود، فإذا جلس دعاني شيخنا بابنه على الخصوص، واستعرضني درسي، ثم يقول لي: قبل يد سيدي مسعود، ثم يقول له: يا سيدي مسعود هنا أخو سيدي شهاب الدين خاطرك عليه ادع له، فيمسح الشيخ مسعود على رأسي، ويقول لي: بارك الله فيك يا ولدي، ويدعو لي وأنا أجد بركة دعائه الآن. توفي رحمه الله تعالى يوم الخميس رابع عشري رمضان المعظم سنة خمس وثمانين وتسعمائة، وحضرت جنازته، وصليت عليه مع الناس خارج باب الزاوية، وقد أكبت على جنازته الناس، وازدحموا وحضرها العلماء، ومشايخ الصوفية، ودفن بالزاوية رحمه الله تعالى وأعاد علينا، وعلى المسلمين من بركاته آمين.
مصطفى العجمي
مصطفى بن محمد العجمي الحلبي، ثم الدمشقي الشافعي كان أبوه من تجار دمشق، وأهل الخير، وكان لصاحب الترجمة معرفة بالفرائض، والحساب ومشاركة في عدة فنون، وله شعر لطيف. توفي في حدود سنة خمس وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس فيما أحسب رحمه الله تعالى.
مصطفى باشا والي الشام
مصطفى باشا تولى دمشق الشام، وكان غشوما سفاكاً للدماء، ومع ذلك كان يحترم العلماء، ويعظمهم، وصلى الجمعة مرة بجامع يزديك المعروف بالجامع الجديد خلف والد شيخنا الشيخ يونس العيثاوي، ومعه الدفتر دار، والأغوات فتعرض في خطبته للظلم، وتحريم القهوة فغضب لذلك، وعقد عليه مجلساً فيه الشيخ أبو الفتح المالكي والشيخ نجم الدين البهنسي، وحصل للشيخ يونس فيه نوع أنصاف من القاضي لم يكن راضياً عن الشيخ بسبب تشديده في الظلم، وتعرضه له وللباشا، وعمر مصطفى باشا الخان، والحمام في سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، وقال الشيخ أبو الفتح المالكي مؤرخاً لعمارة حمامه:
لما كملت عمارة الحمام ... وازداد به حسن دمشق الشام
نادت طرباً وأرخت منشدة ... حمامك أصل راحة الأجسام
معروف الصهيوني
معروف القاضي نور الدين، الصهيوني، الشافعي. قال الشيخ يحيى بن النعيمي كما قرأت بخطه: ميلاده كما أخبرني بلفظه في ذي الحجة سنة خمس وتسعين بتقديم التاء المثناة وثمانمائة، وكان من الفضلاء البارعين، والعلماء الفارغين. أعطي تدريس الشامية البرانية عوضاً عن البرهان ابن جماعة في سنة أربعين وتسعمائة، ومن شعره مؤرخاً لترصيص الجامع الأموي في سنة أربع أو خمس وأربعين وتسعمائة، ومادحاً لمن كان على يديه، وهو الدفتر دار بدمشق إذ ذاك:
سموت أوج المطلع البارع ... فنلت منه أسعد الطالع
وجئت ديوان العلا كاملا ... وكنت دفتر دار النافع
يا مالكاً قال لسان النهى ... عنه حديثاً أعجب السامع
حسبي من الفخر إذا أنصفوا ... وأرخوا ترصيصي الجامع
مولاي دامت بالهنا والمنى ... أوقاتكم ونورها ساطع
وقال أيضاً:
دفتردار عصرنا ... سر الكمال خصصه
أرخت بيتاً مفرداً ... له بخير أخلصه
الجامع الأموي الذي ... سعدي أفندي رصصه
ومن شعره:
كم قد ملأت من الدنيا وزخرفها ... يدي وأنفقته، والله يخلفه(1/458)
المال ما كان لي إحراز لذته ... وأجره ولغيري ما أخلفه
ومن الطف ما وقع لشيخ الإسلام الوالد أنه خرج إلى منتزه بالنيرب من صالحية دمشق يسمى بالدهشة، فاستدعى إليه جماعة من الفضلاء منهم الشيخ العلامة زين الدين عبد اللطيف بن كثير، والعلامة زين الدين معروف الصهيوني صاحب الترجمة، والعلامة بدر الدين بن شعبان، فكتب مستدعياً للشيخ عبد اللطيف:
عسى الأقدام تنعم بالتمشي ... إلى روض خلا عن كل فحش
به إخوان صدق قد تنقوا ... عن الإدناس من غل وغش
وما فيهم سوى حبر فقيه ... وصوفي ونحوي ومنشي
وشاد معرب باللحن يشدو ... بضرب قاعد، والحال يمشي
ومجلسنا صفا ذاتاً ووصفاً ... ورق وراق في كنس ورش
مضاعف نبته، وفي بفرش ... يفوق على بدائع كل نقش
وقانا وقدة الرمضاء فيه ... نسيم رائق في ظل عرش
ينم على أزاهره فيبدي ... لنا أسرارها طيباً ويفشي
سناء طاهر حساً ومعنى ... لناظره على الحالين يعشي
غني عن سوى خل وفي ... لطيف ذاته هش وبش
فضائله على الألباب تملي ... فتدهشها وتطربها وتنشي
وقصدي أنت يا أملي مجيراً ... لأنظم شمل لذاتي وأنشي
ونضحي باجتماعك كالثريا ... فنحن الآن عند بنات نعش
بقيت مسلماً ما انهل وبل ... معقب حالتي نعش وطش
وغنى العندليب ضحى بروض ... ونغم سربه ليلاً بعش
وقال مستدعياً للقاضي زين الدين معروف لذلك المنتزه، وكتب إليه:
رياض الأنس للألباب تدهش ... وروح نسيمه للروح ينعش
ومجلسنا حوى غرس التهاني ... وأطيار المنى فيه تعشش
قطوف الفضل فيه دانيات ... وكرمات الفنون به تعرش
حوى إخوان صدق قد تنقوا ... عن الأدناس من غل ومن غش
خلا عن منكر والقصد فيه ... هو المعروف فأت ولا تشوش
وقال مستدعياً للبدر بن شعبان لذلك المكان، وكتب إليه:
مجالس أنسنا للب تدهش ... بروض ريحه للروح تنعش
بها توت وتفاح وخوخ ... وإنجاص وأعناب ومشمش
وثلج ثم مشروب وماء ... فإن اللحم إذ يشوى يعطش
حوى لطفاً ومعروفاً، ولكن ... على البدر المنير به نفتش
توفي القاضي معروف كما قرأته بخط الشيخ يحيى بن النعيمي بأسكودار إسلام بول ثامن عشري ذي الحجة سنة إحدى وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
مفتاح الحبشي
مفتاح بن عبد الله الحبشي، ثم الهندي نزيل دمشق، الشيخ العلامة، الفاضل، المعتقد ذكره الشيخ الوالد في تلاميذه، وأثنى عليه، وقال: حضر مجلسي كثيراً، وقرأ علي في المنهاج انتهى.
وكان من أخص الناس بالشيخ الوالد، وبالشيخ شهاب الدين الأخ، وكان يقول: حط الفقه رواقة في بيت الشيخ رضي الدين الغزي، وحط علم القراءات ركابه في بيت الطيبي. توفي نهار الأربعاء ثالث عشر شعبان سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس بالقرب من الشيخ شهاب الدين الطيبي رحمه الله تعالى.
منجك بن أبي بكر
منجك بن أبي بكر بن عبد القادر بن منجك الأمير الكبير الدمشقي والد الأمير محمد أخبرني ولده الأمير محمد أن أباه قرأ على الشيخ الوالد في الحديث وغيره، وسمع دروسه كثيراً، وكانت وفاته سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة، وصلى عليه الشيخ الوالد إماماً رحمه الله تعالى.
منصور بن محب الدين(1/459)
منصور بن إبراهيم بن سلامة محب الدين الدمشقي، الشيخ المسند نور الدين أبو السرور. ولد بدمشق ليلة الثلاثاء خامس عشر شوال سنة اثنتين وتسعمائة. أخذ عن القاضي زكريا، والبرهان القلقشندي، والحافظ عبد الحق السنباطي المصريين، والتقوي ابن قاضي عجلون، والسيد كمال الدين الدمشقيين، وكان من حفاظ كتاب الله تعالى. أخذ عنه ولده الشيخ محمد، والشيخ إبراهيم بن كسبائي وغيرهم. توفي يوم الإثنين سادس عشري جمادى الآخرة سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة وهي سنة ميلادي رحمه الله تعالى.
منصور الشراباتي
منصور بن أحمد بن منصور الشراباتي، الشافعي كاتب المصاحف. قرأ على الشيخ الوالد في الغاية وغيرها، وحضر دروسه. توفي في حدود الثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
منصور خطيب السقيفة
منصور بن عبد الرحمن، الشيخ العلامة الصالح الأديب زين الدين الدمشقي، الحريري، الشافعي، الشهير بخطيب السقيفة لأنه كان خطيباً بجامع السقيفة خارج باب توما سنين كثيرة، وكان خادم ضريح الشيخ أرسلان مدة طويلة. كان له يد طولى في علوم كثيرة كالتفسير والعربية، وكان صوفي المشرب أرسلاني الطريقة. أخذ عن جماعة منهم شيخ الإسلام الوالد، وله أرجوزة في حفظ الصحة، ورسالة سماها برسالة النصيحة، في الطريقة الصحيحة، وذكر ابن الحنبلي في تاريخه، وقال: تعانى الأدب، ونظم ونثر، وألف مقامه حسنة غزلية سماها لوعة الشاكي، ودمعة الباكي. وشاع ذكره بحل الزايرجة للسبتي، واتصل بسبب ذلك بالسلطان أبي يزيد خان ابن السلطان سليمان، فأكرم مثواه، وبلغه مناه، ثم عاد إلى وطنه ومأواه. ثم رحل منه إلى حلب سنة خمس وستين وتسعمائة، فجاور بالمدرسة الشرقية، وأسفر عن تأليف في التصريف أتهم فيه أنه لغيره، أو منقول فيه كلام غيره فحسنه. قال: وهرع إليه أفراد من أوباش عوام الصوفية من صوفية العوام، وأضافه من الناس أقوام. ثم شاع عنه أكل الكيف والتهاون في بعض الأمور الدينية. ثم ذكر كلاماً يقتضي الطعن عليه، وإضافة أمور غير مرضية إليه. وكذلك عادة ابن الحنبلي في هذا التاريخ بأدبي شبهة يهتك من المترجم ستراً، ولا يكاد يقيم لمن يحتمل حاله التأويل عذراً. والذي عرفناه من أخبار أخيار الدمشقيين أن الشيخ منصور كان من عباد الله الصالحين. ومن كراماته ما حدثنا به شيخنا الشيخ محمد بن أبي بكر اليتيم العارف بالله تعالى. قال: كنت يوماً عند الشيخ منصور، وكان الشيخ جالساً على إحدى الصفتين اللتين في باب جامع السقيفة، وهي القبلية، فجلست في مقابلته على الصفة الأخرى الشمالية، فجاءته بنت صغيرة بعثها إليه أهل بيته، فقالت: يا سيدي يريدون بطيخاً أصفر. قال: وكان البطيخ الأصفر يومئذ قد فرغ من دمشق. فقال: نرسل الساعة إن شاء الله تعالى، فتعجبت من كلام الشيخ، وقلت: كيف؟ قال: نرسل ولا بطيخ بهذا البلد. قال: ثم أقبل على كلامه، فبينا نحن كذلك إذا بإنسان أقبل من الغوطة، فسلم على الشيخ، ومعه دابة عليها خرج، فأخرج من كل عين منه بطيخة من أحسن البطيخ، وأكبره، فقال الشيخ: هذه نرسلها إلى البيت، وهذه نأكلها هنا. ومن شعر الشيخ منصور:
يا صاحبي اهجرا جنح الدجى الوسنا ... لتخبرا في الورى عن بهجة وسنا
خذا من الشرع ميزاناً لفعلكما ... ولا تميلا إلى مستقبح وزنا
ومنه:
يا خليلي خلتي هجرتني ... وإذا بالهجر منها وجدي
بلغاها بعد السلام سقامي ... ثم قولا حني عليه وجودي
ومنه مقتبساً:
عاذلي ظن قبيحاً ... مذ رأى عشقي ينم
ظن بي ما هو فيه ... إن بعض الظن إثم
وله أيضاً:
ظن بالناس جميلاً ... واتبع الخيرات تسم
واجتنب ظناً قبيحاً ... إن بعض الظن إثم
وله أيضاً:
إن عزت الصهباء يا سيدي ... وكان في الحضرة عذب اللما
جعلت سكري ماء ريق له ... لا واخذ الله السكارى بما
وله:
ناديته في سكره ... بنظر أو ما إليّ
إني لأفهم ما تقول ... وإنما غلبت علي(1/460)
ويحكى عنه أنه رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عزم على لاشتغال بالزايرجة فقال له: اكتب ألفاً، اكتب سيناً، كتب كذا حتى سمى له حروف هذين البيتين:
استقم أنت أول الأمر ماء ... ثم من بعد جيفة مأكولا
إن ذا شأن كل حر وعبد ... سنة الله فاجتنب تبديلا
فأصبح، وقد أعرض عن ذلك الخاطر. أنشدني صاحبه الشيخ بركات الكيال قال: أنشدنا الشيخ منصور خطيب السقيفة لنفسه:
لي من الله عناية ... أنا منها في رعاية
لطفه بي من قديم ... كان في أصل البداية
لم يزل عندي مقيماً ... بسرور للنهاية
خصني الله بعلم ... هو من سر الدراية
وهو وهمي، وفيه ... حكم فيها الهداية
والذي ينكر حالي ... وهو من أهل السعاية
حلت مولاي عليه ... إن في الله كفاية
وحسودي إن رماني ... لا أبالي بالرماية
ودروعي محكمات ... وهي من ربي وقاية
كنف الله كفاني ... وهو لي نعم الحماية
لم يزل قدري علياً ... عند أرباب الولاية
واقتدائي بالتهامي ... شرفي في كل غاية
وعلى الله اعتمادي ... وكفاني بالعناية
ومن غرر قصائد الشيخ منصور ما امتدح به شيخ الإسلام الوالد، ونقلته من خطه رحمة الله تعالى عليهما:
إلام أنا الولهان بالرشأ الألمي ... وحتام لم أبرح أرى حبه حتما
وكم ضن باللقيا فأورثني ضناً ... ويمنعني ظلماً، فيمنحني ظلما
ومن وسن الأجفان كم رمت أنه ... يفوض لي سهماً، ففوق لي سهما
نظرت إلى سقم الجفون، فأثرت ... بقلبي، وزادتني على سقمي سقما
فيا صاحبي داعي الهوى اليوم صاح بي ... فسل ما بنا في الحي قد فعلت سلمى
أباحت حمى جسمي سيوف لحاظها ... فألحاظها تدمي، ووجناتها تدمى
وكل كلام العاذلات، فلم أكن ... أحس به إلا وأحسبه كلما
ألائمتي كفي الملام، واقصري ... فعند سماع اللوم لي أذن صما
جفاني الكرى حتى يئست من الكرى ... فكم بت في الظلماء أرتقب النجما
وطال علي الليل حتى إذا بدا ... سنا وجه بدر الدين انجلت الظلما
هو الفاضل ابن الفاضل البحر في الندى ... هو الحبر في علم هو الغاية العظمى
له منطق من نحوه الدر يجتلي ... ولفظ معانيه بها أنطق البكما
وليس له في فعله من مضارع ... وفي كل حال أمره ماضياً حتما
يطابق لفظي فيه معنى وصورة ... فلا غرو إن أبدعت نثراً، وإن نظما
عليم زهت أيامه بوجوده ... فكان لها روحاً، وكانت له جسما
ولو عرضت للعلم شرح غوامض ... عليه، لما زادته يوماً بها علما
أعز الورى جاراً وأحماهم حمى ... وأغزرهم جوداً وأعظمهم حلما
كريم إذا أولى، وغيث إذا همى ... وليث إذا أوما همام إذا هما
إمام به أهل الفضائل تقتدي ... فكل به في العلم أصبح مؤتما
وفي الجود والإعطاء أمسى مبالغاً ... وكاد نداه اليوم يستغرق اليما
تجمع فيه كل فضل وسؤدد ... وقد ساد في أيامنا العرب والعجما
وما بلغت أهل الفصاحة في الورى ... بلاغته، إلا وصيرهم بكما
أيا شيخ الإسلام السليم فؤاده ... ويا من سواه في الورى قط لا يسمى
أيا ديك قد فاضت على سائر الورى ... وكم لك من أيد، وكم لك من نعما(1/461)
فيا ويح من لم يعط قدرك حقه ... ويا فوز من قد نال من كفك اللثما
أبثك ما يلقاه قلبي من الأسى ... وهذي الليالي كم تجرعني السما
ولم يكفها ما مر بي من صروفها ... إلى أن غدت قهراً تحملني الهما
وصاحبت هذا الناس براً وفاجراً ... فحرت، ولم أصحب يقيناً ولا وهما
وأشغلت فكري في المدائح في الورى ... فضاعت ولا حمداً أفادت ولا ذما
ولم أر في الأيام مثلك سيداً ... كريماً هماماً ماجداً أروعاً شهما
وما ضاع فيك المدح بل ضاع نشره ... ولكن له الحساد لم تستطع شما
فباسمكم هذي القوافي وسمتها ... فيا حبذا اسماً ويا حبذا وسما
وما أنا نظام لعمري وإنما ... مدائحكم أمست تعلمني النظما
فأنت الذي أدبني، وأنا الذي ... إلى أدبي بين الورى نظر الأعمى
فإن أر يوماً منك بعض عناية ... كفاني، فلا بؤساً أخاف ولا غما
بكم صرت منصوراً على كل حاسد ... وكم من ضعيف الحال أوليته عزما
إذا المرء لم يعلق رجاء ببابكم ... فمن ذا الذي ترجى أياديه للرحمى
فدونكها غراء مسك ختامها ... ودمت قرير العين لا تختشي هما
ولا زلت بحراً بالعطا متداركاً ... بسيط الأيادي وافر الجود والنعما
توفي الشيخ منصور في رابع رجب سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان. قال والد شيخنا: كما قرأته بخطه، وكان رجلاً صالحاً، ومات ميتة صالحة فيما بلغني انتهى.
وترك ولدين أحدهما الشيخ أحمد المجذوب. بلغني أنه لما أتى أمه في بعض الأحوال.
قال لها: أحسب أنك قد حملت برجل صالح، فجاء الشيخ محمد مجذوباً مباركاً، والثاني الشيخ أبو الفتح، وبقي حياً إلى الآن له معرفة بالأوفاق. وكان كاتباً بسوق الخيل، ثم ترك ذلك بعد سفر ولده الشيخ يوسف إلى إسلام بول وعودة.
منصور المنشد
منصور بن خوشكلدي المنشد الداخل أحد مشاهير أهل الدخول والموسيقى بدمشق. أخذ عنه مصطفى بن دنكز الداخل المشهور. توفي ابن خوشكلدي في أوائل حدود هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
موسى بن القيصر
موسى بن محمد، الشيخ الصالح ابن الشيخ العارف بالله تعالى المعروف بابن قيصر القبيباتي الشافعي. توفي يوم الاثنين ثالث ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وتسعمائة، ودفن عند أبيه بتربة الحصني خارج باب الله.
موسى الحجاوي الحنبلي
موسى بن أحمد، الشيخ الإمام العلامة شرف الدين موسى الحجاوي، الصالحي، الحنبلي مفتي الحنابلة. قال والد شيخنا: كان رجلاً عالماً عاملاً متقشفاً. انتهت إليه مشيخة السادة الحنابلة والفتوى، وكان بيده تدريس الحنابلة بمدرسة المرحوم الشيخ أبي عمر، وتدريس في الجامع الأموي انتهى.
ومن انتفع به القاضي شمس الدين بن طريف، والقاضي شمس الدين الرجيحي، والقاضي شهاب الدين الشويكي والقاضي أحمد الوفائي المفلحي مفتي الحنابلة الآن بدمشق. وألف كتاب الإقناع جمع فيه المذهب، وهو عمدة الحنابلة الآن بدمشق، وكانت وفاته ليلة الجمعة عشر سابع عشر ربيع الأول سنة ثمان وستين وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون. وكانت جنازته حافلة حضرها الأكابر والأعيان. تأسف عليه الناس رحمه الله تعالى.
موسى القابوني
موسى بن أحمد بن علي، الشيخ شرف الدين ابن الشيخ عفيف الدين القابوني، ثم الدمشقي، الشافعي، الخطيب بجامع منجك بمسجد الأقصاب. كان عالماً، صالحاً، مقرئاً، مجوداً، مجيداً، وكان يؤدب الأطفال، وكان ختناً للشيخ شهاب الدين الطيبي، وأخذ عنه وعن غيره، وحضر دروس الشيخ الوالد كثيراً، وأجاز له. توفي ثاني عشر شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وتسعمائة عن ثلاث وستين رحمه الله تعالى.
موسى القبيباتي(1/462)
موسى بن خير القبيباتي، المعروف بالزبدة. كان شافعي المذهب، وكان يكثر الفحص والسؤال عن أحكام دينه حتى يضجر العلماء، وكان رجلاً صالحاً مباركاً. مات شهيداً قتلته لصوص قصدوا بيت تبل بالقبيبات، فخرج إليهم مع الناس، فجاءه سهم غرز في مشعره، فمات بعد يومين في سنة.
موسى المغربي
موسى بن عبد الله المغربي، العمادي، المالكي. أخذ عن الشيخ الوالد، وحضره كثيراً، وكان عبداً صالحاً، فقيهاً. قطن قرية كفريا من البقاع العزيز من أعمال دمشق، ومات بها سنة سبع بتقديم السين وستين وتسعمائة، ودفن عند سيدي عبد الرحمن الرمثاني بجبل لبنان رحمه الله تعالى.
موسى الكناوي
موسى بن الكناوي، الدمشقي، الشافعي، الصوفي الشيخ العالم العارف بالله. أخذ العلم عن الشيخ جمال الدين بن عبد الله بن رسلان البويضي. رأى جماعة من العلماء والمشايخ والصالحين، وأخذ عنهم، وممن أخذ عنه الشيخ عبد القادر شيخ المحيا ابن سوار، والشيخ العارف بالله محمد اليتيم، والشيخ تقي الدين المقرىء، وكان يذكره كثيراً، ويأثر عنه، والحاج حيدر الأجدف الرومي، وحدثني عنه أنه سئل. هل وقع لكم من الكرامات والخوارق شيء؟ فقال: ليست هناك كرامات، ولكن مرة كنت زائراً في ميدان الحصى، فجئت إلى محلتي في أثناء الليل، وليس معي أحد، فنبحني كلب عند باب المصلى فأذعرني. فقلت: لا إله إلا الله، فوقع الكلب ميتاً، وكان ممن أخذ عنه الشيخ محمد الحجازي لكن أعرض عنه آخراً، وحدثني الحاج حيدر أن سبب إعراضه عنه أن الشيخ موسى ذكر حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه رخصته فقال الحجازي: إن النبي صلى الله عليه وسلم عجرف في ذلك. فغضب الشيخ موسى وقال له: لا تعد إلينا بعدها، ولم يعد حتى سافر إلى مصر، ثم جاء بعد مدة ومعه من الهدية أشياء إلى الشيخ، فلم يقبلها منه، وقال: يا رجل خرجنا عنك، فلا نعود، وكان الشيخ موسى ممن جمع بين العلم والعمل، وله مجاميع عدة، وتعليقات نافعة، ونظم قصيدة لامية في أسماء جماعة من أولياء الله تعالى، وشرحها شرحين، ونظمه يقرب من نظم سيدي عبد القادر بن حبيب من حيث التركيب لكن عليه نورانية الصدق والنصيحة. وحدثني الشيخ محمد اليتيم قال: سمعنا من الشيخ موسى أثراً: لئن احفظ قلب أخ لي في الله خير من أن أصلي سبعين ركعة، فسألت عنه والدي شيخ الإسلام فقال: ما وقفت عليه لكن الشيخ موسى ثقة، وله مطالعة لكلام العلماء، فلعله وقف عليه، وكانت وفاته يوم الأربعاء رابع المحرم سنة ست وسبعين بتقديم السين وتسعمائة، ودفن في تربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
موسى بن يوسف
موسى بن يوسف بن أيوب القاضي شرف الدين ابن القاضي جمال الدين. مولده بعد الأربعين وتسعمائة، وكانت له فضيلة على قدر حاله، وكان خفيف الروح، ظريف العشرة، يتقصد النكات اللطيفة، وله هجو لطيف، وكان عشيراً للفاضل أمين الدين الصالحي، وكانا يتساجلان النكت. كان شاهداً بقناة العوني وغيرها، ثم صار قاضياً شافعياً نيابة بها، ثم بالدهيناتية، وله تاريخ على حسب حاله، وربما نقل فيه ما لم يتثبت منه. مات في بضع وتسعين بتقديم التاء وتسعمائة رحمه الله تعالى.
موسى المصري الحنبلي
موسى المصري الحنبلي. كان له فضيلة ما، وله شعر على حسب حاله، ومدح شيخ الإسلام الوالد بعدة قصائد، وكان الشيخ يحسن إليه، ويجيزه إلا أنه بلغني كان يعتقد اعتقاد حمقى الحنابلة، وقال لي مرة: أعرني ألفية الشيخ رضي الدين في الطب لأكتب منها نسخة، فاعتذرت إليه، فغضب وقال: أنا أستغني عنها بأن أجمع فوائد طبية، وأنظمها وهذا يدل على حماقة فيه، وخفة عقل، وهو كان زري الهيئة، وكان فقيراً جداً. ولم يكن فقره أبيض إلا أنه لم يكن عنده حقد عفا الله عنه. مات في حدود التسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة. رحمه الله تعالى.
حرف النون من الطبقة الثالثة
نصوح الواعظ
نصوح قلفة المنلا الواعظ، كان يعظ بجامع دمشق الأموي، ويفسر القرآن العظيم بالتركية. توفي يوم الأربعاء رابع عشر رمضان سنة سبع بتقديم السين وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
نوح بن محمد الأماسي
أحد الموالي الرومية. توفي في رجب سنة ست وسبعين بتقديم السين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف الهاء من الطبقة الثالثة خال(1/463)
حرف الواو من الطبقة الثالثة خال
حرف اللام ألف من الطبقة الثالثة خال
حرف الياء من الطبقة الثالثة
يحيى بن محمد الصفدي
يحيى بن محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن أحمد بن محمد الشيخ العلامة شرف الدين شيخ الإسلام شمس الدين، الشهير بابن حامد الصفدي الشافعي. ولد بصفد في سنة خمس وتسعمائة، وأخذ العلم عن والده، وعن الشيخ تقي الدين البلاطنسي، والسيد كمال الدين، ودخل دمشق مراراً في أيام الطلب وبعدها، و بالجامع الأموي يوم الجمعة رابع صفر سنة ست وأربعون وتسعمائة كما ذكره ابن طولون في تاريخه، وقال: كان جهوري الصوت، وأخذ عنه ابن كيسان وغيره، ومن شعره ما أنشدنا له مصطفى ابن النعيم البقاعي:
سلم لمولاك ما قضاه ... واصبر على الحال أن تمادي
لا تخشى ناراً ذكت بليل ... كم جمرة أصبحت رمادا
وله أيضاً:
سلم لمولاك ما قضاه ... واصبر تر المر فيه شهدا
قد أججت للخيل نار ... فأصبحت بالسلام بردا
ولمؤلفه:
سلم لمولاك ما قضاه ... واصبر وإن عضت النوائب
يوسف من بعد طول حبس ... متع بالملك والمطالب
وكانت وفاته بصفد تاسع عشر صفر سنة خمس وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى
يحيى بن عبد القادر النعيمي
يحيى بن عبد القادر بن محمد الشيخ الفاضل الصالح محيي الدين ابن القاضي محيي الدين النعيمي الشافعي مولده منتصف ذي القعدة سنة اثنتين وتسعمائة، وأخذ عن غير واحد، وقرأ على شيخ الإسلام الوالد في تقسيم التنبيه والمنهاج، وحضر دروسه كثيراً، وتوفي كما نقلته من خط الشيخ شهاب الدين الطيبي في نهار الأربعاء تاسع ربيع الأول سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة، ودفن بالحمرية وهو والد الشيخ أحمد خطيب أياصوفيا بالقسطنطينية، وعبد القادر الأطروش، ومات في غيبته، وقد ذهب إلى زيارة أخيه بالروم رحمه الله تعالى.
يحيى بن المقرىء
يحيى بن العمادي، الشيخ الصالح المقرىء المجود شيخنا في تعليم القرآن العظيم معلم الأطفال بالعزيزية وغيرها. كان من عباد الله الصالحين لا يقعد في مجلس التعليم إلا على وضوء أبداً، وكان يصوم رجب وشعبان مع رمضان دائماً، وكان يزور مقابر الصالحين يوم الخميس بعد صلاة الظهر، ويصلي الجمعة في الأموي، ويبقى معتكفاً إلى العصر دائماً، وفي اعتكافه يقرأ القرآن ويقرئه، وكان وجهه يتوقد نوراً، وكان يحفظ القرآن العظيم، والشاطبية، والرائية، وكان التيسير في القراءات، ورسالة ابن أبي زيد في فقه المالكية نصب عينيه، وكان من أولياء الله تعالى ممن تطوى له الأرض كما شاهدته منه وأخبرني قبل موته أنه بقي من أجله شهران، وكان في غاية الصحة، فمرض بعد ذلك ومات لتمامهما، وحدثني قريب موته أن من أولياء الله تعالى من كرامته أن يخبر بوقت موته قبل موته ليتأهب للقاء الله تعالى قال: وهي أفضل الكرامات، وكانت وفاته في حدود سنة تسع وثمانين أو تسعين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
يحيى السايس
يحيى القدسي، الشهير بالسايس. سمعت من كثير أنه كان صالحاً قطعت رأسه بسبب أنه سب شريفاً، وسب جده، وأثبت ذلك عليه بالتعصب، وضربه الجلاد بالسيف مرتين أو ثلاثاً، فلم ينقطع عنقه، فذبحه ذبحاً، فثار الينكجرية بالجلاد وقطعوه بالسكاكين، وذلك يوم الخميس ثامن عشر ذي الحجة سنة سبع بتقديم السين وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
يحيى بن الطرابزوني
يحيى بن الطرابزوني أحد الموالي الرومية. وصل إلى التدريس بإحدى الثمان، ثم تزهد ومات في سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة عن نيف وسبعين سنة رحمه الله تعالى.
يوسف الأسعردي(1/464)
يوسف بن محمد، الشيخ العارف بالله تعالى جمال الدين بن شمس الدين الشيباني الإسعردي نزيل المدرسة المقدمية بحلب، المشهور في بلاده بابن الوزير. كان من بيت كبير بإسعرد غير أنه ترك الدنيا، ورحل إلى سيدي محمد بن عراق، وأخذ عنه الطريق، ولزمه نحو عشرين سنة حتى صار من أهل المعرفة، وصار ينظم المنظومات في المعارف، وينشدها في مجالس السماع عنده، ثم دخل مصر فاجتمع بالشيخ شاهين الجركسي، ولقي جماعة من الصوفية نحو المائة. قال ابن الحنبلي: وقد صحبناه بحلب سنة أربع وستين، ثم كان سفره إلى بلاده، ثم توفي بحصن كيفا سنة تسع بتقديم التاء المثناة وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
يوسف السنبكي
يوسف بن زكريا، الشيخ العلامة الصالح جمال الدين ابن شيخ الإسلام القاضي زين الدين زكريا الأنصاري، السنبكي أجاز ابن كسبائي في أواخر سنة تسع وسبعين بتأخير السين في الأول، وتقديمها في الثاني وكان ممن أخذ عنه صاحبنا الشيخ شمس الدين محمد ابن الجوخي الشافعي، وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي أنه ربي في نزهة وطاعة، وعدم الخروج عن دار والده قال: وقد اجتمعت به بعد أن دارت لحيته، فقال: طول عمري ما خرجت من الدار، ومقصودي أنظر بين القصرين، وباب زويله، فقلت له: إن شاء الله تعالى يشرب الشيخ يعني والده دواء وأمشي معك إلى ما ذكرت، فإن الشيخ كان لا ينفك عن مطالعة العلم، والتأليف يوماً واحداً من حين كف بصره، قال: فمرض الشيخ، وشرب دواء، وخرجت معه إلى ما طلب، فرأى الكنافة، فصار يتعجب ويقول: ما كنت أظن أن الكنافة تعمل إلا في رمضان. ثم قال: مقصودي أرى البحر، فإني ما رأيته في عمري ولا المراكب قال: فخرجت معه لما مرض الشيخ ثاني مرة، فصار يتعجب قال: ثم بعد موت والده لازم خلوة والده في النهار، فلا يركب إلا لزيارة والده، وللبيت، ولا يتردد لأحد مطلقاً، وهو ممن جبله الله تعالى على الأخلاق الحميدة، وضبط الجوارح. درس في المدرسة الصالحية بجوار الإمام الشافعي، ثم ذكر إنه حضر معه على والده في شرح رسالة القشيري له، وشرح آداب القضاء، وآداب البحث، وشرح التحرير وغير ذلك، وتوفي كما أخبرني صاحبنا الشيخ محمد الجوخي في سنة سبع وثمانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
يوسف بن حسن
الشيخ الإمام العلامة جمال الدين زين الدين الحلبي، المعروف بابن حسن ليه الحلبي الشافعي، مولده كما قرأته بخطه في إجازة شيخنا الشيخ محمود البيلوني سنة إحدى وتسعمائة، ودخل دمشق، وأخذ عنه علماؤها، وأخذ عن الشيخ شمس الدين محمد بن شعبان الديروطي، المصري في سنة أربع وتسعمائة، وتفقه بالبرهان العمادي، وشيخ الإسلام شهاب الدين أحمد البرلسي الشافعي نزيل جامع منكل بغا بحلب، وكانت وفاته كما قرأته بخط شيخنا البيلوني بعيد الظهر يوم الأحد عاشر شهر جمادى الأولى سنة تسع وسبعين بتأخير السين في الأول، وتقديمها في الثاني وتسعمائة رحمه الله تعالى.
يونس بن العيثاوي(1/465)
يونس بن عبد الوهاب بن أحمد بن أبي بكر العيثاوي الشافعي، الشيخ الفقيه العلامة شرف الدين مفيد الطالبين خطيب المسلمين والد شيخنا شيخ الإسلام، الشيخ أحمد. مولده سنة ثمان وتسعين بتقديم التاء وثمانمائة. قرأ على شيخ الإسلام تقي الدين البلاطنسي، وشيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون، ومفتي دار العدل السيد كمال الدين بن حمزة، والشيخ العلامة الأوحد علي بن أبي اللطف المقدسي نزيل دمشق، والشيخ تقي الدين القاري، وأخذ عن الوالد، وحضر دروسه، وسمع عليه بعض تآليفه، وكان يتعاطى صناعة الشهادة، وكان مركزه على العادة في أيام الجراكسة عند باب الفرج، ثم ترك ذلك، وقام بخطابه الجامع الجديد خارج باب الفرج والفراديس، وهو جامع بردسك، وسمي بالجديد لتجديده. ويقال له: الجامع المعلق لكونه مبيناً على نهر بردا، وكان إمامه أيضاً، وكانت إقامته به ينفع الناس، وكان ممن ينكر القهوة البنية، وصمم على إنكارها، وألف فيها رسالة، وكان يعلن بالإنكار على شربها على المنبر، وكان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ولما كانت الدولة التركية، وكان قضاة قضاة دمشق لا يكونون إلا من الروم كان كثير منهم ينهي عن كتابة عقود الأنكحة في غير المحاكم، فقال له الشيخ يونس: يا مولانا لو صعد الموجبان والشاهدان إلى أعلى شاهق، وعقد النكاح هناك أكان يصح؟ قال: نعم كان يصح. قال له: يا مولانا لو نزلوا إلى أعمق واد، فعقد النكاح أكان يصح؟ قال: نعم كان يصح. قال: يا مولانا فما هذا التحريج على الناس أن لا يكتب نكاح إلا في المحاكم؟ قال: يا شيخ ينقص من محصولنا. قال: يا مولانا ما نقص من ذلك خير مما زاد، ووافقه على إنكار القهوة بعض قضاة قضاة زمانه، وانتفع به من الطلبة ولده شيخنا، وأخوه من قبله الشيخ تاج الدين المتقدم في الطبقة الوسطى، ثم قرأ شيخنا على أخيه، وانتفع به قبل أبيه، وانتفع به جماعات، وممن أخذ عنه الفقه القاضيان الأخوان أحمد، وعمر ابنا أبي بكر ابن الموقع. وله تآليف منها شرح الغاية و شرح الورقات وشرح تصحيح المنهاج المسمى بالمغني وتصحيح الغاية و ديوان خطب وعبارته لا تخلو عن ضعف في العربية، والغالب عليها الصحة، ومن شعره ما قرأته بخطه:
ملاذي غياثي عمدتي، ووسيلتي ... معيني مغيثي سيد الخلق أحمد
شفيعي مجيري ملجأي وذخيرتي ... حبيبي بشيري خير خلق محمد
حديثي شيخنا أن والده كان إذا قعد يقرأ القرآن يأتي ديك كان عندهم، فيقف بين يدي الشيخ يرفع رجلاً ويضع أخرى، فلا يبرح حتى يفرغ الشيخ من قراءته، وحدثني أنه كان في مرضه الذي مات فيه لا يجري على لسانه غير السؤال عن الأذان، ثم يشرع في الصلاة حتى مات رحمه الله تعالى توفي سنة ست أو سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة، ودفن عند والده الشيخ تاج الدين في مرج الدحداح خارج باب الفراديس بالقرب من قبر الشيخ الطيبي والكفرسوسي رحمهم الله تعالى.
يونس الزبال
يونس الزبال، العبد الصالح، بل الولي المرشد الداعي إلى الله تعالى كان في أول الأمر زبالاً يجمع السرجين للحمامات بدمشق، ثم فتح الله تعالى عليه، فلزم السلوك حتى صار من أعيان المرشدين بدمشق، وصار له مجلس وحلقة ذكر عند قبر سيدي يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام بين القبر الشريف، والجدار القبلي، وأخذ عنه الشيخ علي النقطجي وغيره. بلغني أنه مات في سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة، وهي سنة ميلادي، ودفن بالقرب من زاويته بسوق صاروجا رحمه الله تعالى.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.(1/466)