1- المعنى المعروف في اللغة العربية والواردة به الكلمة في القرآن الكريم، وهو كما في (تفسير ابن كثير): التفسير والبيان والتعبير عن الشيء. وهو أيضاً: حقيقة الشيء وما يؤول أمره إليه.
وبشيء من إمعان النظر في المعنيين، نرى الثاني امتداداً للأول وتكملة له.
ولتوضيح ذلك:
نقرأ في الكتاب الحكيم: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [الشورى:11]، و((إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)) [الإنسان:2].
فالله سبحانه سميع بصير، والإنسان كذلك سميع بصير!
لكننا نعرف -بدهياً- وبدون أي تلكؤ، أن الله سبحانه وتعالى سميع بصير، بالمعنى الكلي الكامل المحيط للكلمتين، فهو سبحانه سميع بصير بلا حدود.
وأن الإنسان سميع بصير، بالمعنى الجزئي الناقص المحدود للكلمتين، فسمعُ الإنسان وبصرُه تحدهما عوامل كثيرة.
ومثلها: الحي، الملك، المؤمن، العزيز، الجبار...إلخ.
ومثلها الأفعال التي يمكن أن تعزى إليه سبحانه، وإلى مخلوقاته، مثل: شاء، أراد، وغيرها.
ومثلها: الأسماء التي يمكن أن تضاف إلى الخالق والمخلوق، مثل: أمر، إرادة، مشيئة... ومنها كلمة (تأويل).
فعندما تضاف كلمة (تأويل) إلى الإنسان، يفهم منها التأويل الجزئي الناقص المحدود.
أما التأويل الذي يعلمه الله سبحانه، فهو تأويل كلي كامل محيط، يشمل التفسير والبيان والتعبير عن الشيء وحقيقته، وما يؤول إليه أمره، وتفصيله الدقيق المحيط...
ومثلاً على ذلك، قوله سبحانه: ((اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)) [القمر:1].
فنحن نعرف أن تأويل: ((اقْتَرَبَتِ)) [القمر:1]، أو (تفسيرها)، هو: صارت قريبة (ضد بعيدة)، لكن، ما هي مدة هذا الاقتراب؟ كم عدد أيامه وساعاته ودقائقه؟ ما هي تفصيلاته بدقة؟ وكيف يتم؟...إلى آخر الأسئلة، وكلها من تأويل ((اقْتَرَبَتِ)) [القمر:1]، الذي لا يعلمه إلا الله.(2/178)
ونعرف أن ((السَّاعَةُُ)) [القمر:1]، هي نفخة الصور الأولى! لكن، كيف تقوم الساعة؟ ما هي عواملها بالتفصيل؟ وما هي نتائجها بالتفصيل أيضاً؟ والأسئلة كثيرة، والأجوبة عليها من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله.
هذا هو المعنى اللغوي القرآني لكلمة (تأويل).
ومن هنا نعرف أن معرفتنا بمعاني القرآن الكريم، مهما تعمقت، تبقى ناقصة، وأن المعنى الكامل يبقى غائباً عنا، وهو ما يمكن أن يسمَّى (المعنى الباطن)، وهذا هو التأويل الذي يأتي يوم القيامة: ((وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)) [الأعراف:52، 53]، كما أن دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار هو أيضاً من تأويله.
2- المعنى الاصطلاحي الذي تتبناه الحركات الباطنية، من صوفية وغيرها، والذي هو موضوع بحثنا:
وهو إعطاءُ الكلمةِ معنىً يخالف المعنى اللغوي والشرعي المجمع عليه في كتب اللغة والأصول، ويتفق مع العقيدة الباطنية للمؤولين، يفتشون فيه، أو فيها (في اللفظ أو في الجملة) عن أي شيء يمكن أن يكون رمزاً أو إشارة إلى شيء من العقيدة الباطنية، فيبرزونه، موهمين أنه المعنى الحقيقي.
وفي التقية الصوفية، نواجه نوعين من التأويل:
* تأويل نصوص القرآن والسنة لتتفق مع باطلهم، ويسمونه أيضاً (التفسير الإشاري)، نذكِّر ببعضها:
- (لا إله إلا الله)، تأويلها: لا موجود إلا الله.
- و((إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى)) [العلق:8]، تأويلها: إن المخلوقات ترجع إلى ربها الذي صدرت عنه لتندمج فيه.(2/179)
- ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)) [آل عمران:191]، تأويلها:
عبارة: ((يَذْكُرُونَ اللَّهَ)) [آل عمران:191]، يدخل فيها ترديد كلمة: (الله حي) بتقاطيعها لا بألفاظها.
وعبارة: ((قِيَامًا وَقُعُوداً)) [آل عمران:191]، تشير إلى القفز، وبذلك تكون الآية مشيرة إلى الحضرة الصوفية! وينسون طبعاً أو يتناسون عبارة: ((وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)) [آل عمران:191]!
-...((قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)) [الإسراء:85]: معنى كونه ربانياً أنه من أسرار علوم المكاشفة ولا رخصة في إظهاره إذ لَمْ يظهره رسول الله صلى الله عليه وسلم(1)..
- ونزيد في التأكيد بإضافة نص للغزالي في (إحيائه)، مر في مكان سابق من هذا الكتاب. يقول:
...ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه، نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه، وما خالف أولوه(2)..
إذن، فهم يؤولون نصوص القرآن والسنة التي تخالف كشفهم! وهذا يعني:
أ- لا يؤمنون إلا بكشوفهم وهلوساتهم كمصدر للاعتقادات والعبادات.
ب- ينكرون المعنى الصحيح للنص القرآني أو السني، ويرفضونه.
ج- يخافون من إعلان هذا الرفض؛ لأنه يجرد عليهم سيف الردة (سيف الحلاج).
د- لذلك يتظاهرون بالإيمان بنصوص القرآن والسنة المخالفة لكشوفهم، ولكنهم يقولون: إن لها معنى باطناً، هو معناها الصحيح.
هـ- يفتشون في النص عن أي شيء يمكن أن يروا فيه إشارة أو رمزاً لما يعتقدون.
و- يسلطون الأضواء على هذا الشيء ويبرزونه، وكأنه المعنى الحقيقي للنص!
ز- وإذا لم يستطيعوا إقناع الآخرين لقبول تأويلاتهم، عمدوا إلى خدعة أخرى؟ فقالوا عن المعنى الصحيح للنص: إنه المعنى الظاهر! وقالوا عن تأويلهم الباطل: إنه المعنى الباطن!
والنتيجة:
__________
(1) إحياء علوم الدين: (3/243).
(2) إحياء علوم الدين: (1/92).(2/180)
تأويل نصوص القرآن والسنة، هو كفر صراح بالنصوص، وأسلوب للتخلص من عقوبة هذا الكفر، وخداع للمسلمين لجرهم إلى ضلالات التصوف.
* النوع الثاني من التأويل الذي يمارسه المتصوفة في كل مناسبة هو تأويل ضلالاتهم، وتأويل نصوصهم الدالة على ضلالاتهم لإظهارها وكأنها لا تخالف الشريعة الإسلامية. يفعلون ذلك لأهداف:
أ- التستر على باطلهم، والتظاهر بأنهم لا يخالفون القرآن والسنة!
ب- الضحك على أذقان المغفلين لئلا يتهموهم بالكفر والزندقة.
ج- خداع المسلمين لإقناعهم أن الصوفية من الإسلام، ثم جرهم إليها.
د- خداع الذين لا يقتنعون بضلالات الصوفية، ليتركوا تلك النصوص تسري بين المسلمين بهدوء ليستطيعوا هم أن ينصبوا شباكهم بهدوء، ويصيدوا بها فرائس جديدة بهدوء. وبهذه الفرائس الجديدة يزيد مدد الشيخ وتستمر مسيرة الكهانة. وبهذه الفرائس الجديدة تزداد قناعة المجاذيب بأن جذباتهم التحشيشية الإشراقية هي فتوحات إلهية، وبأن هلوساتهم هي نور اليقين وعين اليقين وحق اليقين.
وغفلة المسلمين جعلت المتصوفة يتمادون بالقول بالتأويل! فكلما جئتهم بنص من نصوصهم الضلالية، قالوا لك: هذا له تأويل! فنقول:
إن هذا التأويل، والقول بهذا التأويل، هو كفر وزندقة وردة، وهو كيد للإسلام ومكر بالمسلمين، وضحك على ذقون المغفلين لجرهم إلى أحضان الشياطين، ثم إلى جهنم وبئس المصير.
* الخلاصة:
للكفر مدخلان:
1- رفض ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بصراحة. وهذا كفر فيه صدق ووضوح.
2- تأويل ما جاء به محمد، أو بعض ما جاء به. وهذا رفض متستر، وهو كفر فيه خبث ومكر وكيد وخداع، فهو شر من الكفر الأول.
* المغالطة والمراوغة والمخادعة:-
سنورد صوراً سريعة من مغالطاتهم ومراوغاتهم ومخادعاتهم، حيث يأتي في قمتها أمران:
- الطريقة البرهانية الغزالية، أي: مزج الإسلام بالتصوف، وهو ما اعتادوا على تسميته بالتصوف السني.
- التأويل الاصطلاحي.(2/181)
وتكاد كل خدعهم ومغالطاتهم ومراوغاتهم أن تكون فروعاً لهاذين الأصلين، منها:
- لو قال قائل: إن الصوفية كفر، لسمع أجوبة كثيرة مثل: الذي يصلي ويصوم ويقرأ القرآن... هل هو كافر؟
الجواب: إن الصلاة والصيام وقراءة القرآن ليست من الصوفية، بل هي من الإسلام الذي مزج به التصوف. والخمر لا يصير طيباً ولا حلالاً إذا مزج بالماء أو بالعسل، بل يبقى خبيثاً ومحرماً. وكذلك الصوفية تبقى زندقةً وكفراً ولو مزجت بالصلاة والصيام وقراءة القرآن والزكاة والقتال مع المجاهدين في سبيل الله...
- من المغالطات أن نسمع من يتظاهر بنقد التصوف، ويقول برزانة: إنهم يبالغون في التعبد، والمبالغة في التعبد ليست حراماً، ولكنها قد تثير الملل عند بعضهم...
- مما يرددونه دائماً وبعناد قولهم عن الآية: ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)) [آل عمران:191]، تعني الحضرة الصوفية!
الجواب: لا تساعد اللغة العربية على هذا الفهم، كما لم يفهمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك، ولا التابعون ولا تابعوهم. ومعنى الآية هو أن يذكر المسلم الله في جميع الحالات.
- لو عرضت عليهم أحد النصوص الصوفية المشحونة بالكفر والزندقة، فسترى الجواب حاضراً: (هذا له تأويل)!!، أو يقولون: (هذا مدسوس).
- وهذه صورة من أساليبهم في المراوغة، يتسلى القارئ بتحليلها، يقول ابن عجيبة:(2/182)
...ولذلك كان النظر في الكتب يضعف المسالك لتشعبها وكثرتها عند اختلاف الهمم، لا سيما من جُبلت طبيعته على علم الظاهر، فإنه أبعد الناس عن الطريق ما لم يدَّاركه الله بفتح منه؛ لأن التشريع كلُّ حكمة منها تحتها حِكَم، مَن لم يفهمها فبستانه مزهر غير مثمر، ومن هنا وقع الإنكار، حتى امتحن الله كثيراً من الصوفية على أيدي علماء الظاهر عندما نسبوهم للكفر والزندقة والبدعة والضلال! وسر الخصوصية يقتضي ذلك لا محالة، ((سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)) [الفتح:23].. ((وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ)) [الأنعام:9]. وما هلكت الأمم السابقة إلا بقولهم: ((إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)) [الزخرف:23]. فتحصل أن الإنسان إذا جال مع النفس في ميدانها فجاهدها حتى هذبها وطهرها من الأوصاف الحاجبة لها، رجعت نفسه حينئذ إلى أصلها، وهي الحضرة التي كانت فيها، إذ لم تكن بينها وبين الحضرة إلا الحجب الظلماتية، فلما تخلصت منها رجعت إلى أصلها نوراً مشرقاً(1)...
- نترك للقارئ التسلية بتحليل ما فيها من المخادعات والمغالطات، لكن ننبه إلى نقطة واحدة فقط، هي قوله: (حتى امتحن الله كثيراً...وسر الخصوصية يقتضي ذلك لا محالة، ((سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ...)) [الفتح:23]، فنقول له: هذا افتراء على الله الكذب، فأكثر من نصف سكان الأرض يؤمنون بسر الخصوصية، هذا الذي تدعيه، ولم يمتحنوا لا هم ولا كهانهم، فالأيونيون والرواقيون والإيلوسيون والغنوصيون والهنادكة والبوذيون والطاويون وغيرهم، كلهم كانوا وما زالوا يحترمون كهانهم الذين تحققوا بسر الخصوصية ويبجلونهم، ولم يُمتحن أصحاب هذا السر إلا في الإسلام!
__________
(1) إيقاظ الهمم، (ص:349).(2/183)
لذلك، فإما أن يكون أصحاب سر الخصوصية كفاراً زنادقة، أو يكون الإسلام غير صحيح، ولا ثالث لهاذين الاحتمالين.
- ومن مغالطاتهم، قول محمد المهدي الصيادي (الرواس): ومما لا يلتفت إليه التشدق بما أبهمه وأوهمه المبتدعة أهل الوحدة المطلقة(1)....
هذا القول هو مثل قولهم: علومنا مقيدة بالقرآن والسنة، ومثل قول قائلهم: لا يكون الصديق صديقاً حتى يشهد له في حقه سبعون صديقاً أنه زنديق؛ لأن الصديق يعطي الظاهر حكم الظاهر والباطن حكم الباطن، ويحمل نفس معنى العبارة: اجعل الفرق في لسانك موجوداً والجمع في جنانك مشهوداً، وأترك تحليلها للقارئ، مع التذكير بأن أهل الوحدة المطلقة هم الذين يصرحون بوحدة الوجود ولا يقيدون عباراتهم بالرمز واللغز.
- ومن أساليبهم في المغالطة قول عبد الكريم الجيلي:
...فلا بد لمن يقصد معرفة علمنا هذا.. أن يقيس العلوم الواردة إليه على الأصول المشروعة التي قد ثبتت بالكتاب والسنة والإجماع؟ فما وجده من تلك العلوم موافقاً للشريعة فيقصده ويتجلى به، وما وجده مخالفاً توقف عن استعماله إلى أن يفتح الله على ما يؤيده من الشريعة، فيستعمله حينئذ(2)...
لملحوظة المغالطة هنا يجب أن ننتبه إلى قوله: وما وجده مخالفاً توقف عن استعماله إلى أن يفتح الله على ما يؤيده من الشريعة.
إذن، فما يخالف القرآن والسنة ليس كفراً، ولا يجب تركه ونبذه، وإنما يتوقف فقط عن استعماله ريثما يفتح الله عليه (تعالى الله عن الخداع)، بنص يمكن تأويله بما يوافق المخالفة.
- ومن مغالطاتهم ومراوغاتهم قول الجيلي نفسه:
__________
(1) فصل الخطاب، (ص:203).
(2) المناظر الإلهية، (ص:9).(2/184)
...ثم قال الإمام الأكمل: كل حقيقة لا يؤيدها شريعة فهي زندقة، يريد أن كل علم يَرِدُ عليك من الحقائق التي لا تؤيدها الشريعة، فاستعمال ذلك العلم زندقة منك؛ لأنك تفعل خلاف الشرائع؛ لأن الحقائق فيها زندقة، إذ ليس في الحقائق مسألة إلا وقد أيدها الكتاب والسنة(1)...
أرجو من القارئ أن ينتبه إلى قوله: فاستعمال ذلك العلم زندقة منك...، وأن يحلل بنفسه المغالطة والمراوغة في هذه العبارة وفي النص كله.
- ومن أشهر مغالطاتهم قولهم بالدس عليهم، وهذا مثل منها:
يقول عبد الوهاب الشعراني:
...وكان (ابن عربي) متقيداً بالكتاب والسنة... وجميع ما عارض من كلامه ظاهر الشريعة وما عليه الجمهور فهو مدسوس عليه، كما أخبرني بذلك سيدي الشيخ أبو الطاهر المغربي نزيل مكة المشرفة، ثم أخرج لي نسخة (الفتوحات) التي قابلها على نسخة الشيخ التي بخطه، في مدينة قونية، فلم أر فيها شيئاً مما كنت توقفت فيه وحذفته حين اختصرت (الفتوحات)(2).
- جوابنا: لم يبين لنا القطب الرباني شيئاً من هذه المدسوسات. ثم إن كل ما في (الفتوحات) يدور حول وحدة الوجود، إما تصريحاً، أو بالعبارة الصوفية، ولو حذفناها لما بقي من (الفتوحات) شيء! فما الذي يمكن أن يدس عليها؟ وهل يحتاج البحر الميت إلى دس الملح عليه ليغدو ملحاً؟؟ ثم إن الفتوحات لا يطبعها إلا المتصوفة وأقطابهم، ولا يهتم بدراستها إلا المتصوفة وأقطابهم، فلِمَ لا يحذفون هذا المدسوس؟... والأسئلة كثيرة.
- ويتمم الشعراني مراوغاته:
وقد دس الزنادقة تحت وسادة الإمام أحمد بن حنبل في مرض موته عقائد زائغة، ولولا أن أصحابه يعلمون منه صحة الاعتقاد لافتتنوا بما وجدوه تحت وسادته.
__________
(1) المناظر الإلهية، (ص:9).
(2) اليواقيت والجواهر: (1/6).(2/185)
وكذلك دسوا على شيخ الإسلام مجد الدين الفيروزأبادي صاحب (القاموس) كتاباً في الرد على أبي حنيفة وتكفيره، ودفعوه إلى أبي بكر الخياط اليمني البغوي، فأرسل يلوم الشيخ مجد الدين على ذلك، فكتب إليه الشيخ مجد الدين: إن كان بلَغَك هذا الكتاب فأحرقه فإنه افتراء من الأعداء، وأنا من أعظم المعتقدين في الإمام...
الجواب على هذا الكلام (مع غض النظر عن صدقه أو كذبه):
عرف أصحاب أحمد بن حنبل العقائد الزائفة المدسوسة فنبذوها، ولم يبق لها أثر، فلِمَ لا تفعلون مثل ذلك وتنبذون ما في كتب المتصوفة من وحدة الوجود وأساليب التقية، وخداع المسلمين؟؟ لِمَ لا تفعلون ذلك؟ إذ لو فعلتم ذلك لأصبحت كتب الصوفية شبه بيضاء.
- يتمم:
وكذلك دسوا على الإمام الغزالي عدة مسائل في كتاب (الإحياء)، وظفر القاضي عياض بنسخة من تلك النسخ فأمر بإحراقها.
وكذلك دسوا علي أنا في كتابي المسمى بـ(البحر المورود) جملة من العقائد الزائفة وأشاعوا تلك العقائد في مصر ومكة نحو ثلاث سنين، وأنا بريء منها...
- نقول: بمثل هذا يخادعون الذين آمنوا ويغالطونهم ويستجرونهم إلى ظلمات التصوف، أو على الأقل يوهمونهم أن المتصوفة مظلومون مكذوب عليهم. والقول بأنهم دسوا على الغزالي مسائل في (الإحياء) هو كذب. وقوله: إنهم دسوا عليه في (البحر المورود) هو كذب، ومثل هذا الكذب يدل على أن قائله لا يخاف الله ولا يرجو اليوم الآخر، مع العلم أن كتاب (الإحياء) الذي أمر القاضي عياض بإحراقه هو نفس هذا المتداول بين الأيدي الآن.
- ومن أبشع مغالطاتهم ومخادعاتهم في كتبهم التي يترجمون فيها لأعيانهم، أنهم يوردون قبل كل شيء أسماء كبار الصحابة على أنهم من أولياء الله المتصوفة، ثم يوردون أسماء كهانهم، ويخلطون معهم علماء أجلاء مثل ابن حنبل أو الشافعي أو الثوري أو العز بن عبد السلام أو ابن الجوزي أو غيرهم، فيوهمون الغافلين ويستجرونهم إلى أحضان إبليس.(2/186)
- وهذا نص من كتاب حديث العهد، قد يزيد عدد الأكاذيب فيه عن عدد سطوره: ولما كان أهل الله هم أهل الرحمة الواسعة، وهم أهل الفتوة والشفقة على عباد الله عامة، فما بالك بمن وقع فيهم من الأمة المحمدية خاصة، سواء كان هذا الوقوع منهم عن قصدٍ أو خطأ في الاجتهاد، فإلى الإمام ابن تيمية ومقلديه من أصحاب سوء الظن بعباد الله، أنقل هذه العبارة من (الفتوحات المكية) (الجزء: الأول) (الصفحة: 616): يقول الشيخ الأكبر: إن من فتوة أهل هذا الطريق ومعرفتهم بالنفوس أنهم إذا كان يوم القيامة، وظهرما لهم من الجاه عند الله، خاف منهم من آذاهم هنا في الدنيا...
- للقارئ أن يتسلى بتحليل هذا النص، لمعرفة ما فيه من افتراءٍ على الله سبحانه، ومخادعةٍ ومراوغةٍ ومناقضةٍ للقرآن والسنة، وتَعَالُمٍ بالغيب.
لكن هذا الإصرار على الكيد للإسلام والمكر بالمسلمين، بأسلوبه العميق الهادئ الأملس المتلوي الذي يحشو زعاف السم في برشامات جميلة المظهر مكتوب عليها: أهل الله، أهل الرحمة، الشفقة على عباد الله..، هذا الإصرار بهذا الأسلوب الخبيث يجعلنا نتوجه إلى الله سبحانه بقلوبنا وكل حواسنا سائلين إياه أن يهدي هذه الطائفة الضالة المضلة، أو أن يكبتها فيقف كيدها ومكرها بالإسلام والمسلمين.
- ومن الملحوظات: يتحدث عن أهل الله الذين هم أهل الرحمة...والجواب:
نعم يوجد في بني آدم من هم من أهل الله ومن أهل الرحمة...ولكن ما هو برهان هذا الدعي أنهم هم المتصوفة؟ وهل تكفي وسوسات إبليس للبرهنة على ما يدعيه؟!
- ثم هو يهاجم بأسلوب فيه نعومة أولئك الذين يسميهم: أصحاب سوء الظن بعباد الله..، والجواب:(2/187)
إن الذين يحكمون على التصوف بأنه مستنقع الكفر والزندقة والضلال، إنما يعتمدون في ذلك على النصوص المبينة من القرآن والسنة، وعلى مخالفة الصوفية الواضحة وضوح الشمس في رائعة نهار مشرق لهذه النصوص، جملةً وتفصيلاً، وعلى التزام المتصوفة بالكذب الفاجر الذي لا حدود له، عندما يقولون دون خوف من الله تعالى ولا خجل من عباده: إنهم ملتزمون بالقرآن والسنة! بينما هم في الحقيقة ملتزمون بهلوسات الجذبة التي يسمونها الكشف.
فهل المسلمون الذين يبينون للناس هذا المنكر الماحق، هم من أصحاب سوء الظن بعباد الله؟!
إن إحسان الظن واجب عندما يتعلق الأمر بمسائل شخصية بحتة.
أما إن كان يمس دين الإسلام وأمة الإسلام، فإحسان الظن والسكوت هما دخول في لعنة الله: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) [المائدة:79]. وواجب المسلم العمل على إزالة المنكر، وواجب أصحاب المنكر أن يسرعوا في ترك المنكر مع التوبة والاستغفار، فإن أصروا على منكرهم وعلى الدعوة إلى منكرهم! فهل يستطيع مسلم يخاف الله ويرجو اليوم الآخر أن يحسن الظن بهم؟!
- ثم يورد المؤلف قول شيخه الأكبر: إن من فتوة أهل...وظهر ما لهم من الجاه عند الله، خاف منهم من آذاهم...
والجواب:
أ- إن تزكية النفس هي من كبائر الإثم: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)) [النساء:49، 50].
((فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) [النجم:32].(2/188)
((وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)) [الأحقاف:9].
ب- قوله هذا هو، على كل حال، أمر غيبي لا يُعرف إلا بنص من القرآن والسنة، ونصوص القرآن والسنة تحكم عليهم أنهم من أضل عباد الله.
- وهذا نص آخر من نفس الكتاب الذي قد يزيد عدد الأكاذيب فيه عن عدد سطوره، يقول:
وكان الشيخ أبو مدين...إذا قيل له: قال فلان عن فلان عن فلان، يقول: ما نريد نأكل قديداً، ائتوني بلحم طري، وفي رواية: أطعمونا لحماً طرياً، كما قال الله تعالى: ((لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيَّاً)) [النحل:14]، لا تطعمونا قديداً.
يعلق المؤلف فيقول: أي لا تنقلوا إلينا إلا ما يُفتح به عليكم في قلوبكم، لا تنقلوا إلينا فتوح غيركم...
- الجواب: نستطيع أن نعرف المغالطة في هذا الأسلوب والمخادعة، إذا عرفنا أنهم يعتقدون أن الوحي الذي كان ينزل على محمد هو فتوح مثل فتوحهم.
- وكل كتبهم هي من مخادعاتهم ومراوغاتهم، وفي مقدمتها: (اللمع) ولو أنصف لسماه (الظلم)، و(إحياء علوم الدين) ولو صدق لسماه (إحياء علوم الكهانة)، و(الرسالة القشيرية) (رسالة الضلال والدجل)، و(الحكم العطائية) التي هي (نقم ضلالية كفرية)، مروراً بكل كتبهم حتى الوصول إلى الحديث منها، وإلى ما سيؤلَّف في آتٍ من الزمن.
إن كل كتاب جديد يؤلف في التصوف، إنما هو أسلوب جديد في المخادعة والمراوغة والدجل يقدمه مؤلفه ليدعم به مسيرة الكهانة في الأمة الإسلامية.
ومثلاً منها: كتاب من كتبهم الحديثة التي يقتنونها بنشاط، نرى عناوين فصوله كما يلي:
- التعريف: نقرؤه فلا نجد فيه شيئاً من التعريف، وإنما نجد جملاً دعائيه يزينون بها الصوفية للقارئ ليخدعوه ويضللوه.
- الاشتقاق: نقرؤه فلا نجد فيه أي بحث علمي صحيح عن الاشتقاق إلا جملاً للدعاية للصوفية.(2/189)
ثم نقرأ - كما في كل كتبهم- فصولاً عما يسمونه المقامات، مثل التوبة والزهد والورع والتوكل...إلى آخر ما هنالك، وهي كما رأينا، لا علاقة لها بالطريقة ولا بالحقيقة، وإنما هي أساليب دعائية يزينون بها الدعاية للصوفية بأسلوب ماهر ذكي يخدعون به القارئ الذي يجهل ما هي الصوفية.
- ومن أساليبهم الناعمة في المغالطة، إيرادهم قصصاً عن بعض شيوخهم تظهر تمسكهم بالإسلام أو ببعض سننه، وكيف أنهم ينفرون من الإخلال بالآداب الإسلامية، ويجعلون هذا دليلاً على صحة الصوفية.
والجواب: إن التمسك بالتعاليم الإسلامية وسننها وآدابها هو من الإسلام وليس من الإشراق، والتمسك بالإسلام وآدابه لا يجعل الإشراق إحساناً، ولا الزندقة إيماناً، وهم عندما مزجوا الإشراق بالإسلام أساءوا إلى الإسلام ولم يغيروا شيئاً في الإشراق.
- ومن أساليبهم الناعمة في المغالطة: ذكرهم لبعض الطرق التي عمل بعض أتباعها أو مشايخها على نشر الإسلام بين غير المسلمين، أو قاتلوا الاستعمار وجاهدوا لإعلاء كلمة الإسلام.
والجواب على هذا مثل الجواب على سابقه، هو أن العمل على نشر الإسلام والجهاد في سبيل الله هو من تعاليم الإسلام ولا علاقة له بالإشراق، ويبقى الإشراق زندقةً وكفراً ولو جاهد أصحابه في سبيل الله، ويبقى مزج الإشراق بالإسلام ضلالاً بعيداً وإساءةً كبرى للإسلام وتدميراً للعقيدة في نفوس المسلمين. وهل يصبح الزنا (مثلاً) ولاية إذا مزجه مازجٌ بالإسلام؟!
* الوحدة المطلقة:(2/190)
الوحدة المطلقة هي التصريح بوحدة الوجود بالعبارة المطلقة، أي غير المقيدة بالإشارة والرمز واللغز، وهذا هو الكفر والزندقة عندهم؛ وهم لا يعنون بالكفر والزندقة الخروج من الولاية والصديقية، لا، وإنما يعنون بها أنها كفر وزندقة بالنسبة للشريعة (التي هي الظاهر) لا بالنسبة للحقيقة، إذ هي عندهم، بالنسبة لحقيقتهم، ولاية وصديقية وقرب ومعرفة، لكن يجب أن تبقى مكتومة وألا يعبر عنها إلا بالعبارة الصوفية، وهم في واقع الأمر يستعملون عبارة (الوحدة المطلقة للخداع والتضليل والتهرب من سيف الحلاج).
وقد مر معنا قول قائلهم: إن الجنيد والشبلي أفتيا بزندقة الحلاج وبقتله، وهما يعلمان أنه ولي الله حقاً، كما رأينا قول عارفهم الغوث: وبويعت في الحضرة على التباعد عن أناس ابتُلوا بالانتقاد والاعتراض على أولياء الله تعالى، وذلك فيما يقبل التأويل! وهو يعني بهذا أن العبارة الصوفية يجب أن تكون قابلة للتأويل ليمكن بذلك خداع المسلمين! أما إن لم تكن قابلة للتأويل فالذنب ذنب الصوفي عندئذ؛ لأنه سيكون من أهل الوحدة المطلقة، الذين لا يقيدون عبارتهم بالإشارة والرمز واللغز التي تجعل التأويل ممكناً، والتي هي مجن الطريقة البرهانية الغزالية التي تترست به، فاستطاعت أن تخدع المسلمين وعلماء المسلمين طيلة تسعة قرون أو تزيد، واستطاعت بذلك أن تصل إلى غاية إبليس من ورائها بتحريف العقيدة الإسلامية في النفوس، ودفعها إلى التخبط في ظلمات بعضها فوق بعض، وإيصال المجتمعات الإسلامية إلى ما هي عليه من فساد وضياع.
ومثال ممن يقولون عنهم إنهم من أهل الوحدة المطلقة (ابن سبعين) لمثل قوله:
كم ذا تموه بالشعبين والعلم ... ... والأمر أوضح من نار على علم(2/191)
فهو يطلب ترك التمويه بالإشارة والرمز (كم ذا تموه بالشعبين والعلم)، ويدعو إلى الصدع بحقيقتهم التي هي في نظره أوضح من نار على علم. وقولهم عنه إنه من أهل الوحدة المطلقة لا يعني مطلقاً أنهم لا يعتقدون بولايته العظمى وقطبيته، هذا إن لم يكونوا يعتقدون بغوثيته.
ومثله عمر بن الفارض، لمثل قوله:
وصرح بإطلاق الجمال ولا تقل ... ... بتقييده ميلاً لزخرف زينة
وكلنا يعلم أن عمر بن الفارض عندهم هو سلطان العاشقين، حتى قال فيه شاعرهم:
لم يبق صيب مزنة إلا وقد ... ... وجبت عليه زيارة ابن الفارض
ومن المشيخات الصوفية التي يجعلونها من أهل الوحدة المطلقة (الطريقة السبعينية)،
لأن ذكرهم كان: (ليس إلا الله) بدلاً من: (لا إله إلا الله)؛ لأن عبارة: (ليس إلا الله) تصرح بوحدة الوجود، ولا تقيدها بالإشارة والرمز واللغز.
وأعيد القول: إنهم يعنون بعبارة (الوحدة المطلقة) أي: الوحدة غير المقيدة بالإشارة والرمز واللغز.
الباب الرابع
مناقشات ودراسات مختلفة
الفصل الأول
مناقشة التعاريف واشتقاق (الصوفية)
* التعاريف:
كثيراً ما تورد كتب التصوف تعاريف للصوفية.
وكل تعاريفهم ليس فيها شيء من التعريف، إلا لافتات دعائية، هي عبارات مرموزة منمقة لا يفهمها إلا المتمرس بأساليبهم، ومع ذلك فهي بعيدة عن أن تكون تعاريف، وهذه أمثلة منها:
- التصوف: علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق، وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية.
- التصوف: استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني.
- التصوف كله أخلاق، فمن زاد عليك بالأخلاق، زاد عليك بالتصوف.
- التصوف: علم يعرف به كيفية ترقي أهل الكمال من النوع الإنساني في مدارج سعاداتهم.
هذه نماذج من تعاريفهم، لو قرأها القارئ ألف مرة وألف مرة وألف مرة لما استطاع أن يتوصل إلى معرفة أي شيء عن الصوفية.(2/192)
على أن المتمرس بأساليبهم يعرف أن عبارتي (تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق) تعني التخلص من الشعور بالمخلوقية أو (العبودية) وتوابعها. وأن (السعادة الأبدية) تعني ذوق الألوهية أو (استشعار الألوهية، أو الفناء في الله)...وكذلك معنى بقية العبارات.
وبدون إطالة، التعريف الصحيح هو:
الصوفية هي رياضات يقوم بها السالك حتى يصل إلى الجذبة، حيث يرى -بتأثير إيحاءات شيخه المؤله- رؤىً يتوهم في بعضها أنها تحقق بالألوهية، وبالتالي استشعار لوحدة الوجود.
* اشتقاق كلمة الصوفية:
كتبوا وقالوا كثيراً عن أصل الاسم (الصوفية) فكان مما كتبوا:
الصوفية من الصوفة، أي: كالصوفة المطروحة استسلاماً، وقيل: من الصَّفَّة، وقيل: من الصِّفَة، وقيل: من الصفاء، وقيل: من الصفوة، وقيل: من صوفة (لقب رجل في الجاهلية)، وقيل: من الصوف، وقيل: من الصوفانة (بقلة زغباء قصيرة). وهم غير متفقين في شيء منها، بل إن كل واحدة منها مردودة أو مرفوضة من أكثرهم، وهذا يريحنا من مناقشتها، فهي كلها غير صحيحة، وهي كلها عبارات دعائية. ونكتفي بإيراد كلمة للقشيري أوردها ابن خلدون في فصل (علم التصوف) في مقدمته، يقول: لا يشهد لهذا الاسم- أي: التصوف- اشتقاق من جهة العربية ولا قياس، والظاهر أنه لقب..
وقد تحمس بعض الباحثين -منهم زكي مبارك مثلاً- لكلمة (الصوف) وأنهم نسبوا إليه لأنهم كانوا يلتزمون بلبسه.
إن صح هذا الاشتقاق، فقد بنوا بنيانهم على باطل؟ فليس في لبس الصوف فضيلة، وليس في الانتساب إليه شرف! وذلك للأسباب التالية:
أ- عدم التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم:-
في البخاري ومسلم (لباس) عن أنس: كان أحب الثياب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبسها الحبرة.
وجاء في شرحها للحافظ ابن حجر في الفتح:.. وقال ابن بطال: هي من برود اليمن تصنع من قطن....(2/193)
إذن فقد كان أحب الثياب إلى الرسول ثياب قطن، لا ثياب صوف، والتأسي به صلى الله عليه وسلم يقتضي لبس ثياب قطنية، أو لبس ما يوجد -عدا المحرم- كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، ولبس الصوف ليس من التأسي به، فليس فيه فضيلة.
بل قد أورد ابن القيم رحمه الله في كتابه (زاد المعاد): (1/ 144) عن عائشة رضي الله عنها: أنها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم برداً من صوف، فلبسها، فلما عرق فوجد ريح الصوف طرحها...قال المعلقان على (زاد المعاد): هو أيضاً في سنن أبي داوُد (4074) لباس، ومسند أحمد (6/132 و144 و219 و249)، وإسناده صحيح. وهذا يقلب للصوف ظهر المجن.
ب- التشبه بغير المسلمين:
يقول زكي مبارك في كتاب التصوف الإسلامي في الاشتقاق: ...يهمنا أن نقيد في هذا البحث أن لبس الصوف كان من تقاليد النصرانية..
ويقول: والجاحظ يحدثنا أن النصراني يلبس الصوف حين يتنسك، وفي رسائل إخوان الصفا أن راهباً قدم في ثوب من صوف.
ويقول رينولد نيكلسون: كانت الثياب المصنوعة من خشن الصوف علامة على الزهد قبل الإسلام(1).
ويقول عمر فروخ: كلمة (تصوف) مشتقة من الصوف الذي هو لباس العباد وأهل الصوامع(2)...
إذن فلبس الصوف كان من تقاليد زهاد الديانات الأخرى، الذين كانوا ينقطعون في الصوامع للعبادة والتنسك، وقد أمرنا أن نخالفهم، وألا نتشبه بهم، وخاصة في الأمور التعبدية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من تشبه بقوم فهو منهم}، رواه أبو داوُد (لباس) وأحمد بن حنبل عن ابن عمر، وغيرهما.
والأحاديث كثيرة تأمرنا بمخالفتهم:
ج- الرياء:
__________
(1) في التصوف الإسلامي وتاريخه، (ص:48).
(2) التصوف في الإسلام، (ص:24).(2/194)
عندما كانوا يلتزمون بلباس الصوف فقد كانوا يريدون إشعار الناس أنهم من الزهاد والعباد وغير ذلك، وفي مثلهم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من لبس لباس شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوباً مثله}، ويزيد في رواية ثانية: {ثم تلهب فيه النار}. رواه أبو داوُد (لباس).
وأظن أن القشيري فطن إلى عورات اشتقاق التصوف من الصوف، فرفضه واقترح كلمة (الصفوة) كمصدر آخر للاشتقاق! وهو بعيد كل البعد.
النتيجة: إذا كان التصوف مشتقاً من الصوف؛ لأنهم كانوا يلتزمون بلبسه، فعملهم باطل لأنه مبني على باطل، وهو من الكبائر، وعلى كل حال، النسبة إلى الصوف غير صحيحة.
- إذن، فمن أين جاءت الكلمة (صوفية)؟
الجواب: جاءت من أحد مصدرين، أو منهما مجتمعين. الأول هو كلمة (صوفيا) اليونانية بمعنى (الحكمة) ومنها (حكمة الإشراق)(1).
والثاني كلمة (صوفي) اليهودية التي كانت تطلق على الشيخ المسلك (المرشد) في حلقات المعارف السرية التي كان يتخرج فيها الأنبياء (الكذبة طبعاً) ويتأكد المصدر الأول (صوفيا) اليونانية بالمعطيات التالية:
1- كون الفرضيات الأخرى مردودة لغوياً، لا تتفق مع قواعد اللغة في الاشتقاق.
2- كون كل فرضية منها مرفوضة من أكثرهم، ويدل على هذا كثرة التعاريف التي وضعوها.
3- وجود من رفضها كلها من علمائهم.
4- الناحية اللفظية:
إذ أن النسبة إلى (سوفيا) المعربة هي (سوفي) للشخص. و(سوفية) للفكرة، لكن عندما انتشرت هذه الكلمة، سرعان ما خضعت للذوق العربي في اللفظ، فأصبحت (صوفي) و(صوفية)، ثم قيل (تصوف) و(متصوف).
وغلط المستشرق تيودور نولدكه عندما قال: إن السيغما (السين اليونانية) تقلب عند التعريب سيناً لا صاداً، فنحن نقول في (فيلوسوفيا) فلسفة، لا فلصفة.
غلط لأن المسألة تتعلق بالذوق العربي في لفظ الكلمة، لا بقاعدة في الترجمة.
__________
(1) حكمة الإشراق كتاب للسهروردي الحلبي.(2/195)
5- يدعم قولنا، ما أورده عمر فروخ في حاشية (الصفحة: 24) من كتابه، يقول: إن النصارى الأرثوذكس يسمون فتياتهم (صوفْية) ويكتبونها صاداً ويلفظونها كذلك...على أن ذلك ليس حجة في الفصيح.
نقول: لكنه حجة في الذوق العربي في لفظ الكلمة.
ثم إن كل الذين كانوا يتناقلون هذه الكلمة (سوفية، أو سوفية) كانوا لا يعرفون أصلها ولا من أين أتت- إلا أفراداً قلائل- فمن الطبيعي جداً أن يتصوروا أن لها أصلاً عربياً يكون قريباً من لفظها، وهو كلمة (صوفية، وصوفي) ثم يلفظونها كذلك دون انتظار.
6- قال بهذا الاشتقاق عدة باحثين، منهم أبو الريحان البيروني المتوفى سنة (440هـ)، أي: إنه كان قريباً بعض الشيء من زمن ذيوع الكلمة، وكان أيضاً يتقن أكثر من لغة أجنبية، يقول: ومنهم (أي: من قدماء اليونانيين) من كان يرى الوجود الحقيقي للعلة الأولى فقط...والحق هو الواحد الأول فقط، وهذا رأي السوفية، وهم الحكماء،
فإن (سوف) باليونانية الحكمة، وبها سمي الفيلسوف (بيلاسوبا) أي: محب الحكمة، ولما ذهب في الإسلام قوم إلى قريب من رأيهم سُمّوا باسمهم(1).
وممن قال بهذا الاشتقاق المستشرق فون هامر، وتعصب له الأديب عبد العزيز الإسلامبولي، والأستاذ محمد لطفي جمعة(2)...وغيرهم.
7- الزمن:
يلاحظ أن هذا الاسم (الصوفية) ظهر بعيد حركة الترجمة النشطة من اليونانية في القرن الثاني الهجري وهذا له دلالته القوية.
8- المكان:
كانت مراكز الترجمة هي بغداد وبعض المدن حولها، وخاصة في فارس. وفي هذه الأماكن ظهر أوائل الذين عرفوا بهذا الاسم (المتصوفة) ممن مر معنا بعضهم في هذا الكتاب. بينما لم يعرف هذا الاسم في جنوب العالم الإسلامي ومغربه إلا بعد ذلك بمدة ملحوظة.
وهذا له دلالته أيضاً.
9- التشابه في العقيدة والطريقة:
__________
(1) الفلسفة الهندية، (ص:32).
(2) التصوف الإسلامي، زكي مبارك (الاشتقاق).(2/196)
ظهر في اليونان القديمة فلسفات ونحل متعددة، من أشهرها: أسرار إلوسيس، وإلوسيس مدينة يونانية كانت تعبد الإلهة (ديمثير) التي كانت إلهة الخصب والزراعة والخلود.
ما إن جاء القرن الخامس قبل الميلاد، حتى كانت هذه النحلة قد غزت العالم، فصارت المدينة طوال العصر القديم مزاراً يتقاطر إليه اليونان والرومان، ويحج إليه بعض أباطرة الرومان (إلى معبد ديمثير في المدينة).
تقوم العبادة في هذه النحلة على أسطورة غامضة ظلت سراً مكتوماً ألف عام، وكان المريدون يمثلون قصة ميثولوجية لكي يبعثوا في نفوسهم العواطف التي انفعل بها الإله أو الآلهة، ويتلون عبارات مبهمة، ويرقصون ويصيحون على صوت موسيقى صاخبة، لكي يحققوا حالة الجذب أو الاتحاد بالآلهة(1).
وفلاسفة اليونان الأقدمون (الأيوينون طاليس(2) وتلامذته: انكسيمندريس وأنكسيمانس وهرقليطس) كانوا يؤمنون بوحدة الوجود. فمن كلام هيرقليطس، مثلاً: أنه كان يرى أن النار هي المبدأ الأول الذي تصدر عنه الأشياء وترجع إليه، لا النار التي ندركها بالحواس، بل نار إلهية لطيفة للغاية؛ أثيرية، نسمة حارة حية عاقلة أزلية أبدية. هي حياة العالم وقانونه (لوغوس)(3)... (ترجمت عبارة لوغوس فيما بعد بالكلمة).
والرواقيون كانوا يؤمنون بوحدة الوجود.
__________
(1) تاريخ الفلسفة اليونانية، (ص:6).
(2) ولد سنة 624 ق.م، ومات سنه 546 ق.م.
(3) تاريخ الفلسفة اليونانية، (ص:18).(2/197)
والغنوصية (من gnosis في اليونانية = المعرفة)، وكان المريدون يتناقلونها سراً ويزعمون أنها وحي أنزله الله منذ البدء. وهي هي الصوفية ظاهراً وباطناً، بطريقتها وعقيدتها، وهي نحلة إلوسيس نفسها (مع اختلاف في الأسماء فقط)، وكانت تعدو على الأديان والمذاهب بالتأويل والتحوير، مدعية تحويلها إلى معنى أعمق، فعلت ذلك مع جميع الأديان حتى وصلت إلى الإسلام، وسميت فيه (الصوفية) أو (المعرفة) أو (الإشراق) وهي نفس العبارات والأسماء التي كان كهانها يستعملونها دائماً(1).
إن هذا التشابه في العقيدة والطريق إليها بين الفلسفات اليونانية، وخاصة الإلوسية والغنوصية، وبين الصوفية- مضافاً إلى الأدلة السابقة- يجعل اعتقادنا أن الاسم (الصوفية) انزلق إلى المجتمعات الإسلامية من اليونانية قريباً من اليقين.
1- يضاف أيضاً إلى ما سبق، اعتقاد بعض العلماء من كبارهم أن الصوفية وصلت إلى المجتمعات الإسلامية عن طريق اليونان بصورة رئيسية، وأن فلاسفة اليونان كانوا الشيوخ الأوائل المعروفين.
فمثلاً، يقول السهروردي المقتول: إنه رأى أستاذه أرسطو في النوم، فسأله رأيه عن أقطاب التصوف الذين يستشهد بهم وبآرائهم كل من كتب في التصوف أو تكلم فيه من مثل أبي يزيد البسطامي وسهل التستري وذي النون المصري والحسين بن منصور الحلاج(2)؟
ويقول أيضاً:
...وأما أنوار السلوك في هذه الأزمنة القريبة، فخميرة الفيثاغوريين وقعت إلى أخي أحميم (أي: ذي النون المصري) ومنه نزلت إلى سيارتستر وشيعته (أي: سهل التستري)(3).
ويورد ابن سبعين في الرسالة النورية أقوالاً لسقراط وأفلاطون وأرسطو يعبرون بها عن وحدة الوجود وعن أحوالهم وأذواقهم في معرفتها والتحقق بها(4).
__________
(1) تاريخ الفلسفة اليونانية، (ص:244) بتصرف.
(2) ولاية الله والطريق إليها، (ص:175).
(3) ولاية الله والطريق إليها، (ص:170).
(4) روضة التعريف بالحب الشريف، (ص:609).(2/198)
والششتري يجعل سقراط وأفلاطون وأرسطو من مشايخ المعرفة ويذكر إلى جانبهم الحلاج والشبلي والنقري والشوذي والسهروردي وغيرهم، وذلك في قصيدته التي مطلعها:
أرى طالباً مني الزيادة بالحسنى ... ... بفكر رمى سهماً فعدَّى به عدنا(1)
11- يضاف أيضاً إلى ما سبق، أن هذا الاسم (الصوفية) ظهر في فترة تفشت فيه ظاهرة استعارة الكلمات اليونانية واستعمالها في مختلف الفنون، حيث نقرأ مثلاً: الفلسفة، الفيلسوف، الموسيقا، الموسيقار، الأرثماطيقي، الإسطرلاب، البركار، الهيولى، السفسطائية، المجسطي، الماليخوليا، الأقراباذين، الأسطقسات...إلخ. وعليه فليس مستهجناً ولا غريباً أن يستعيروا كلمة "سوفيا" للتسمي بها، بل كان مثل هذا قاعدة متبعة.
12- في واقع الأمر وحقيقته، وإذا أردنا أن نكون موضوعيين، فإن كل مصطلح ظهر في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وأردنا معرفة مصدره، فعلينا أن نفتش قبل كل شيء عن أصل له في اليونانية، إما عن طريق الترجمة أو الاستعارة والتعريب، فيما عدا مصطلحات أصول الفقه والفقه والحديث واللغة.
إن هذه المعطيات مجتمعة، تشكل برهاناً قوياً على أن كلمة (صوفية) لها أصل يوناني.
- ويتأكد المصدر الثاني (صوفي) اليهودية بالمعطيات التالية:
1- إن المعطيات (1 و2 و3 و4 و9) السابقة، هي أيضاً معطيات لهذا المصدر.
2- يقول البروفيسور عبد الأحد داوُد(2):
وكان الرجل الذي ينظر أو يرقب من البرج (المصفا أو المسفا) يسمى (صوفي SOPHI)(3).
__________
(1) روضة التعريف بالحب الشريف، (ص:609).
(2) كان اسمه القسيس دافيد بنجامين الكلداني وهو من كبار علماء اللاهوت المسيحي، أسلم سنة 1904م، أو بعدها بقليل، وتسمى عبد الأحد داوُد، وقد كان حياً حتى بعد الحرب العالمية الأولى، ولم أقف على تاريخ وفاته، وهو من أورميا بفارس.
(3) محمد في الكتاب المقدس، (ص:72).(2/199)
...ففي الأصل كانت (المسفا) (مكان ينصب فيه صفاة، أي حجر) مجرد نصب أو مزار على مكان منعزل مرتفع في (جلعاد) حيث كان يعيش المراقب (SOPHI) مع أسرته، ولحق بعد فتح إسرائيل لأرض كنعان واحتلالها ازداد عدد (المسفايات)، وسرعان ما أصبحت مراكز دينية عظيمة، وتطورت إلى معاهد للتعليم والجمعيات الدينية. ويبدو أنها تشبه الجماعات الصوفية والإسلامية مثل المولوية والبكداشية والنقشبندية وغيرها، وكل واحدة منها كانت تحت إشراف شيخها ومرشدها، وكانت هناك مدارس ملحقة بالمسفا حيث كان يجري تدريس الشريعة والدين والأدب العبري وغير ذلك من فروع المعرفة، ولكن فوق هذا العمل التعليمي، كان الصوفي رئيس جماعة الداخلين في هذه المجموعة، وقد اعتاد أن يدرسهم ويلقنهم الدين السري الذي يعرف الآن بالصوفية. والواقع أن من نعرفهم الآن باسم الصوفية كانوا يسمون عندئذ (نبييم NBIYIM) أو أنبياء(1)...اهـ.
انطلاقاً من هذا النص ومما تورده كتب التاريخ، يمكن وضع النقاط التالية:
- كانت الصوفية (الدين السرى) منتشرة في اليهودية وكانت (المسفايات)(2) هي مراكز التسلك فيها.
- كان الشيخ المسلك (المرشد) في المسفاة يسمى (صوفي SOPHI)(3).
__________
(1) محمد في الكتاب المقدس، (ص:72، 73)، وهؤلاء الأنبياء هم الأنبياء الكذبة.
(2) الصفاة كلمة سامية معناها (الحَجَر)، فيكون المعنى الأساسي لكلمة (مسفا) هو المحجرة، والمعنى الأساسي لكلمة (صوفي) هو الحَجَري أو الحجَّار، ثم تطورت لتأخذ معناها الاصطلاحي.
(3) الصفاة كلمة سامية معناها (الحَجَر)، فيكون المعنى الأساسي لكلمة (مسفا) هو المحجرة، والمعنى الأساسي لكلمة (صوفي) هو الحَجَري أو الحجَّار، ثم تطورت لتأخذ معناها الاصطلاحي.(2/200)
- كان الواصل من غير (صوفي) يسمى (نبي) وهي كلمة عبرية معناها (ناطق)، وهؤلاء هم الأنبياء الكذبة، وكان بنو إسرائيل يعظمونهم ويقدسونهم، بينما يقتلون الأنبياء الحقيقيين! ويتبع متصوفة المسلمين سننهم في ذلك؟ فهم يقدسون مشايخ الصوفية ودعاتهم، بينما يحاربون من يدعو إلى ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم! وهذا من مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: {لتتبعن سنن من كان قبلكم...}.
- كان في بغداد- شأن أكثر المدن الإسلامية- جالية يهودية تعرف باسم (الجالوت)، ومن البدهي أن ذلك الدين السري كان منتشراً بينهم، وأن الشيخ المرشد في كل مسفاة كان يسمى (صوفي SOPHI)، لأنه لم يحدث في اليهودية ما يمكن أن يغير ذلك.
- في القرنين الأول والثاني الهجريين ظهر في البلاد الإسلامية عدد ممن ادعى النبوة، ومما لا شك فيه أن أكثر هؤلاء المدَّعين -إن لم يكن كلهم- كانوا من خريجي تلك المسفايات التي كانت معاهد لإعداد الأنبياء، وكانت تجري على أيديهم الخوارق، ولعل أشهرهم الحارث الدمشقي، وكان نصيبهم القتل أو التوبة.
- إن سلوكَ هؤلاء والخوارقَ التي تحدث على أيديهم تدل على أنهم سلكوا طريق الإشراق ومارسوا رياضته حتى وصلوا. وتسميتُهم أنفسَهم أنبياء تدل على أنهم أخذوا الطريقة في مسفاة من المسفايات اليهودية وتسلكوا على يد شيخها (صوفي)، وذلك لأن اليهود هم وحدهم الذين كانوا يسمون الإشراقي (نبياً)، بينما كان غير اليهود يسمونه الكاهن أو العراف أو القديس. وهذا يعني أن من المسلمين من كان ينضم إلى حلقات الإشراق اليهودية ويتسلك على يد صوفيها مستَجَرَّاً بما كان يجري على يده من خوارق.
- إن أول من عرف باسم (صوفي) في المجتمع الإسلامي هو (أبو هاشم الصوفي) المتوفى قبيل منتصف القرن الثاني الهجري.(2/201)
- ومن غير المستبعد، بل من المقبول، أن يكون أبو هاشم هذا قد تسلك في (مسفا) (سرية طبعاً) في بغداد، ووصل إلى الإشراق (الجذبة) على يد صوفيها، وبتوجيهه تطور في المشاهد والكشوف والعلوم اللدنية (نبي ثم رائي ثم بصير) وأخيراً وصل إلى مقام الإرشاد، وأسس مسفاً إسلامية (سرية طبعاً)، فاستحق بذلك لقب (صوفي)، وصارت له حلقته التي يلقن فيها الدين السري (الإشراق). وبما أنه مسلم فمن البدهي أن تضم حلقته مريدين مسلمين، هذا إن لم يكونوا كلهم مسلمين، ومن البدهي أن يتخرج في حلقته واحد على الأقل يستحق لقب (صوفي)، أي: مرشد ورقيب.
وهكذا كان انطلاق النبرات الأولى للاسم (صوفي).
وجاءت الترجمات عن اليونانية، وانتشرت معها، فيما انتشر، كلمة (صوفيا) بمعنى الحكمة، وانتبه بعض مثقفي الإشراقيين إلى التشابه اللفظي بين (صوفي) و(صوفيا)، كما انتبهوا إلى التوافق المعنوي، ثم انتبهوا إلى أن هذا الاسم سيصرف عنهم الحاجة إلى التسمي بأحد الأسماء السابقة (نبي أو كاهن أو عراف أو قديس) التي تقطر سيوفها دماً، ولعله عرض هذه الفكرة (وهذا هو المعقول) على شيخه وإخوانه فأعجبتهم، وبدءوا يستعملون الاسم (الصوفية) حتى انتشر.
- هذا بالنسبة لاشتقاق الاسم، أما الصوفية ذاتها، عقيدتها وطريقتها، فقد كان لها طرق إضافية.
الفصل الثاني
من أين جاءت الصوفية
* لإبليس شركان:
الشرك الأول: هو الجنس ولواحقه، يمنع به ابن آدم -ابتداءً- من الدخول في الإسلام، والإسلام هو الدين الذي جاءت به جميع الرسل.
الشرك الثاني: هو الإشراق الصوفي أو التحشيشي، ينصبه إبليس لابن آدم الذي سار في طريق الإسلام، ولم ينغمس في غواية الجنس، فيغريه ويقنعه أن أوهام الإشراق هي الخلد وملك لا يبلى، أو هي المعرفة أو الغوثية أو الحلول أو الاتحاد أو الوحدة، حسب استعداده الثقافي والنفسي، ((فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)) [الأعراف:16].(2/202)
إن دراسةً لأي وثنية من الوثنيات ترينا الدور الرئيسي الذي يلعبه الإشراق في عقائدها وطقوسها، فالحشيش والأفيون يقدِّم للمبتدئين أو الذين لا يريدون إجهاد أنفسهم من السالكين، والرياضة الصوفية يمارسها الذين يريدون أن يكونوا رؤساء دينيين.
ويلاحظ أن الوثنيات المنعزلة تعتمد أساساً في إشراقاتها على الحشيش أو بعض زمرته (كالأفيون أو فطر المكسيك أو الكوكا أو غيرها) ويقل فيها دور الرياضة الصوفية. وكلما تطورت الوثنية، كلما قل دور الحشيش وزمرته (لكنه لا ينعدم)، وكلما زاد دور الرياضة والمجاهدة وصار أكثر بروزاً.
ولا يكون الكاهن كاهناً إلا إذا وصل إلى الجذبة، وأشرق عليه سناها الخداع.
وأكرر القول: إن دراسة كافية لوثنيات التاريخ تؤكد هذه الظاهرة، مما يجعلنا مطمئنين إلى القول بأن الصوفية وجدت منذ أن نزل إبليس إلى الأرض، أو بعد ذلك بقليل.
وهذا يعني أن الصوفية لو لم تنحدر إلى المسلمين من الأمم السابقة لأوجدها فيهم إبليس باستدراج العبَّاد السذَّج ذوي القلوب الطيبة إلى الجذبة، إما باستعمال المورفين الخارجي (شجر الهلوسة) أو بعض زمرته، أو باستعمال المورفين الداخلي (الإندورفين). وهناك من الواصلين من استُدرج إلى الصوفية بالإندورفين مرضياً، وهو الذي يسمونه (المراد)، لكن هؤلاء يشكلون استثناءً في المسيرة؛ لأن الواقع هو أن الصوفية انحدرت إلى المسلمين من الأمم السابقة:
* أولاً: من عرب الجاهلية:
كانت الصوفية منتشرة في جزيرة العرب قبل الإسلام، وكانت معروفة باسم (الكهانة)، حيث كان في كل قبيلة كاهن.
روى ابن أبي حاتم في تفسير: ((يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)) [النساء:51] عن جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري، سئل عن الطواغيت، فقال: إن في جهينة واحداً، وفي أسلم واحداً، وفي هلال واحداً، وفي كل حي واحداً، وهم كهان كانت تنزل عليهم الشياطين.(2/203)
وكانوا يسمون الكاهن أيضاً (العراف)، والمعنى واحد؛ لأن معنى كلمة (الكاهن) هو (العارف)، جاء في لسان العرب: ...والعرب تسمي كل من يتعاطى علماً دقيقاً كاهناً، ومنهم من كان يسمي المنجم والطبيب كاهناً...الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار....
ومن أشهر كهان الجاهلية شق بن صعب القسري (من نسله خالد بن عبد الله القسري وأخوه أسد)، ويوحي الاسم (شق) أنه لقب وليس اسماً، وكذلك (سطيح)، واسمه ربيع بن ربيعة المازني الأزدي، ومما تذكره الكتب عنهما، نستطيع أن نظن أنهما، مثل أحمد البدوي، جُذبا جذبة استغرقتهما إلى الأبد.
ومن عارفي الجاهلية الذين دخلوا في صراع مع الإسلام: مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وسجاح.
* ثانياً: من الهند:-
حيث يقدَّر أن الهندوسية عرفت هناك منذ حوالي ثمانمائة سنة قبل المسيح، والكهانة الهندوسية هي نفس الكهانة في كل مكان، عقيدة وطريقة، وهي نفس الصوفية، حيث تقوم عقيدتها على وحدة الوجود، وطقوسها هي نفس الطقوس الإشراقية في كل مكان: الخلوة، والجوع، والسهر، والصمت، وتركيز الفكر والبصر والجلسة الثابتة، أو ضبط التنفس حسب إيقاع معين.
* ثالثاً: من فرس الجاهلية:-
وقد كان الفرس قبل الإسلام يدينون بالزرادشتية (المجوسية)، المبنية على وحدة الوجود، منحدرة من اتحاد أو حلول بين انبثاقات صادرة عن إلهين اثنين (النور والظلمة)، وكان مذهب الأكثرية المجوسية يرجع المبدأين (النور والظلمة) إلى كائن أعلى واحد، منه انبثق الوجود، ثم جاءت المانوية متفقة مع الزرادشتية في أصل العقيدة.
* رابعاً: من اليونان:
حيث كانت تسيطر الإيلوسية، التي هي نفس الكهانة الهندوسية ونفس الغنوصية ونفس الصوفية عند المسلمين، مع فوارق يقتضيها اختلاف الظروف والثقافات والإشراقات.(2/204)
وعندما سيطر اليونانيون بقيادة الإسكندر بن فيليب المكدوني على بلاد الشام ومصر والعراق وفارس وبعض الهند، سيطرت ثقافتهم، بعد أن امتزجت بالثقافة الشرقية(1) على البلاد، منذ القرن الثالث قبل الميلاد، فانتشرت الإيلوسية وكهانتها وثقافتها، بما في ذلك الأوفاق والزايرجة والطلاسم واستنطاق الحروف واستخدامها وأسرارها، هذه العلوم التي لم تزل علوماً أساسية عند متصوفة المسلمين، والتي هي نفس السحر وأبوابه، والتي انبثقت أصلاً من الكهانة المصرية الفرعونية.
ثم انحدرت الإيلوسية إلى الرومان، وانتشرت في الإمبراطورية الرومانية، حتى إن بعض القياصرة كانوا يحجون إلى إيلوسيس.
وعندما ظهرت المسيحية، حاربت الإيلوسية (شأن دين الإسلام في أي عصر كان)، فتسترت بالكتمان، حتى ظهرت في القرن الثاني الميلادي باسم (الغنوصية)، أي: المعرفة، (باليونانية Gnosis)، ومنها الغنوصي، أي العارف، وانتشرت الغنوصية حيث انتشرت المسيحية، وخاصة في بلاد الشرق: مصر والشام والعراق واليمن وبعض فارس، وهي البلاد التي دخلت في الإسلام قبل غيرها، وكان بين غنوصية سورية وغنوصية الإسكندرية بعض الفوارق، لتأثر الأخيرة بشيء من اليهودية.
* خامساً: من اليهودية:-
مر في الصفحات السابقة أن الصوفية كانت منتشرة بين اليهودية، وكانت تسمى (التنبؤ)، ويسمى الواصل من السالكين فيها (نبياً)، ويسمى شيخها (صوفياً)، وتسمى مراكزها (المسفايات)، واحدها (مسفا).
وكانت التجمعات اليهودية متناثره في كل البلاد التي دخلها الإسلام، وكانت مسفاياتها منتشرة معها، ولعل هذه المسفايات كانت المنطلق الرئيسي للصوفية في المجتمعات الإسلامية.
__________
(1) يطلق المؤرخون على هذه الثقافة اسم (الهيلينيسية)، أي: (اليونانية الشرقية).(2/205)
- وبعث الله سبحانه محمداً، فحارب الأوثان والأوهام، وكانت الكهانة في مقدمة الأوهام الشركية التي حاربها الإسلام: ((فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ)) [الطور:29](1)، ((وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)) [الحاقة:42]، ((وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)) [الأنعام:128]، حيث لا يجدي التأويل ولا تزكية النفس ولا ادعاء القربى، ولا افتراء الكذب على الله.
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن حفصة: {من أتى عرافاً فسأله عن شيء، فصَدَّقَهُ بما يقول، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً}. وفي روايةٍ بِدُوْنِ: (صَدَّقَهُ).
وقال فيما رواه الأربعة وأحمد والبيهقي والحاكم (وقال صحيح على شرطهما) عن أبي هريرة مرفوعاً: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصَدَّقَهُ بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم}.
ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله مرفوعاً.
أقول: لعل هذا الحديث هو الذي جعلهم يستبدلون كلمة العراف، بالعارف.
وفي البزار عن عمران بن الحصين مرفوعاً، والطبراني في (الأوسط) عن ابن عباس: {ليس منا من تَطَيَّرَ أو تُطُيِّرَ له، أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له، أو سَحَرَ أو سُحِرَ له}.
__________
(1) الجذبة الإشراقية أو التحشيشية هي صورة مخففة من الجنون، وعندما تزداد كمية الإندورفين زيادة كافية يصبح المجذوب مجنوناً ويقولون عنه: إنه في مقام جمع الجمع، أو الاستغراق، أو الإطلاق.(2/206)
وتحرك الكهنة ليدافعوا عن وجودهم، ومن أشهرهم مسيلمة وسجاح والعنسي، فخذلهم الله له المنة، ولزم الكهنة الباقون الصمت واعتصموا بالكتمان.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن توبة العارف متعذرة، أو صعبة جداً على الأقل، لسبب بسيط؛ لأنه يعتقد أن هلوساته الشيطانية هي إشراقات إلهية! وللحق، هي خَدَّاعَةٌ خَدَّاعَة.
ولهذا بقيت الكهانة تسري في غيابات الغرف المظلمة، ووراء الأبواب الموصدة، والكهنة يتحاشون إظهار رءوسهم خوفاً من أن تختطفها سيوف الردة، حتى فطن بعضهم إلى أن تغيير الاسم (الكهانة) يمكن أن يساعدهم على التحرك بحرية، وكانت الترجمات من اليونانية، وانتشرت كلمة (سوفيا) بمعنى الحكمة، ممزوجة بالكلمة (فيلو سوفيا) بمعنى حب الحكمة (أي: الفلسفة)، أو غير ممزوجة، وحدث أن وصل واحد ممن تسلك في (المسفا)، إلى مقام (سوفي)، أي: المرشد، ورأى أحد مثقفيهم أن هذه الكلمة العبرية تتوافق مع الكلمة اليونانية (سوفيا)، بمعنى الحكمة، ورآها مناسبة لمقتضى الحال، ولعله عرضها على شيخه أو مريديه، فحازت القبول، فتبنَّوها ونشروها بين طائفتهم التي كانت محدودة العدد في ذلك الوقت، وسرعان ما خضعت للذوق العربي في لفظ الكلمة، فأصبحت (صوفية)، والمنتسب إليها (صوفي).(2/207)
ورفعت الكهانة رأسها بعد أن وضعت عنواناً جديداً لها، ولافتات دعائية ذكية، فصارت الصوفية والقربى والإحسان والصديقية...وتحركت لتكون معول الهدم الذي دمر العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين، الذين صاروا يأخذون عقائدهم من الهلوسات ومن شياطين الجن، بعد أن كان مصدرها القرآن والسنة لأولي النهى ولقوم يعقلون ويعلمون ويبصرون ويسمعون ويتفكرون. وكانت معول الهدم الذي دمر المجتمعات الإسلامية، لأنها كانت، وما زالت، تنشر الجهل والخرافة والانحراف عن الصراط المستقيم. وكانت معول الهدم الذي أفسد الأمة الإسلامية؛ لأنها مسخت الفرد المسلم الذي تأثر بها، فجعلته جاهلاً خرافياً ذليلاً خانعاً تواكلياً، يعبد الشيخ بدلاً من عبادة الله، ولا يشغل تفكيره إلا الوصول إلى ساعة الصفا والمتعة التي يسمونها: (روحانية وولاية...)، حيث يقضي ساعة أو ساعات متمتعاً بالذهول (مسطولاً) سادراً في هلوساته وأوهامه الجذبية، الإشراقية أو التحشيشية لا فرق.
* وخلاصة الكلام...
عندما جاء الإسلام، كانت الصوفية منتشرة في كل البلاد التي دخلها، بل في كل العالم. كانت منتشرة في جزيرة العرب باسم الكهانة، وكانت منتشرة في الهند وفارس؛ لأن دياناتهم كانت تقوم على أساس الرياضة حتى الجذبة، وما فيها من رؤى ومكاشفات، وكانت منتشرة في النصرانية التي كانت تسيطر على مصر والشام والعراق وجزء من فارس واليمن، وكذلك اليهودية، وكان الشيخ فيها يطلق عليه باللغة العربية اسم (الكاهن والعارف والعراف) أو ما يرادفها في اللغات الأخرى.
ولما جاء الإسلام، اختبأت وراء الأسوار، حتى قُدر لكهانها أن يجدوا صيغة ملائمة استطاعوا أن يظهروا بها أمام الناس ويدعوهم إليها.
وقد عرف هذه الحقيقة بعض علمائهم القدامى، (إن لم يكن أكثرهم)، فهذا شهاب الدين يحيى بن حبش السهروردي يقول:(2/208)
...وأما أنوار السلوك في هذه الأزمنة القريبة، فخميرة الفيثاغوريين وقعت إلى أخي أحميم (أي: ذي النون المصري)، ومنه نزلت إلى سيار تستر وشيعته...وأما خميرة الخسروانيين في السلوك، فهي نازلة إلى سيار بسطام (أبي يزيد)، ومن بعده إلى فتى بيضاء (الحلاج)، ومن بعدهم إلى سيار آمل وخراقان (أبي الحسن الخراقاني)(1).
ونسي السهروردي كهان الحجاز ونجد! وله الحق، فقد كان أكثرهم أدعياء مقلدين، كما يظهر من قراءة أخبارهم، كما نسي اليهود؛ لأنهم كانوا يعملون بصمت وتكتم.
ولعل من المفيد إيراد فقرة للسهروردي نفسه وردت قبل كلامه هذا مباشرة، فقد روى أنه رأى أستاذه أرسطو في النوم، فسأله عن رأيه عن أقطاب التصوف الذين يستشهد بهم وبآرائهم كل من كتب في التصوف أو تكلم فيه، من مثل أبي يزيد البسطامي وسهل التستري وذي النون المصري والحسين بن منصور الحلاج. فقال فيهم: أولئك هم الفلاسفة والحكماء حقاً، ما وقفوا عند العلم الرسمي، بل جاوزوا إلى العام الشهودي، وما اشتغلوا بعلائق الهيولى، فلهم الزلفى وحسن مآب.
- وهذا ابن سبعين يثبت مشيخة فلاسفة اليونان في التصوف، فيقول في إحدى رسائله:
...والأقدمون منهم (أي: من الفلاسفة) في الإلهيات أنبه، غير أنهم يغلطون، وهم أقرب إلى الأنبياء وإلى الإيمان بهم من غيرهم، وأرسطو ذكر أمرهم في (نيقوماخيا)، وهذا الرجل كان جليل القوم في المهنة؛ لأنه في القوى والأحوال الإلهية مثل غيره، وملك بعض الأسرار الطبيعية والإلهية وكتمها، وأفلاطون في التجرد والتوجه وفهم الأحوال الإلهية أثبت، وإن كان أرسطو أجل منه على الإطلاق، فإنه توجه، وكان حاله في سره(2)... (ثم يذكر بعد ذلك جملة من العبارات التي يقول: إنهم كانوا يرددونها).
ويورد ابن سبعين أيضاً في الرسالة النورية:
__________
(1) ولاية الله والطريق إليها، (ص:171).
(2) رسائل ابن سبعين، (ص:268).(2/209)
...وكان سقراط يقول في كل صباح: أنا الدليل بالذات، وأنت العزيز بالذات، فلا تجعلني بعزتك من السعداء بالغرض، يا من هو صورة كل شيء، وقياس هذا العالم، ووجوده القريب...وكان يكثر قول: أنت أنت أنت...
وكان أفلاطون يقول: يا نور العالم، يا سبب الكل...كم ذا نتجرد ونعود إلى هذا الجسم، ونرجع في عالم العقل إليه، قوني بحيث أَثْبُتُ عندك ولا نعود، فإن صرفتني إلى هذا الهيكل فأشغلني بك وألهمني بالرجوع إلى حالتي التي انصرفت من حضرتها الشريفة...
وكان أرسطو يقول: يا علة العلل، يا أزل الأزل، يا سبب أول(1)...
- إن ابن سبعين يورد هذه الأقوال على أنها تتضمن وحدة الوجود (وهي كذلك)، ليدلل على أنهم كانوا من شيوخ الصوفية القدماء.
وقد مر معنا قول الدكتور عبد الحليم محمود:
...فإن الصوفية جميعاً، وفلاسفة الإشراق منذ فيثاغورس وأفلاطون إلى يومنا هذا، يعلنون منهجاً محدداً يقرونه جميعاً ويثقون فيه ثقة تامة... وهو منهج معروف أقرته الأديان جميعها، واصطفته مذاهب الحكمة القديم منها والحديث...(2).
- والششتري في نونيته المشهورة يجعل فلاسفة اليونان شيوخاً في التصوف، ويضمهم، أو يضم إليهم، متصوفة المسلمين، يقول:
وتيم ألباب الهرامس كلهم ... ... وحسبك من سقراط أسكنه الدنا
وجرد أمثال العوالم كلها ... ... وأبدى لأفلاطون في المثل الحسنى
وهام أرسطو أو مشى من هيامه ... ... وبث الذي ألقي إليه وما ضنَّا
وكان لذي القرنين عوناً على الذي ... ... تبدَّى له وهو الذي طلب العينا
ويفحص عن أسباب ما قد سمعتم ... ... وبالبحث غطى العين إذ ردَّه غينا
وذوَّق للحلاج طعم اتحاده ... ... فقال: أنا من لا يحيط به معنى
فقيل له: ارجع عن مقالك. قال: لا، ... ... شربتُ مداماً كل من ذاقه غنَّى
__________
(1) رسائل ابن سبعين، (ص:162).
(2) المرسي أبو العباس، (ص:10).(2/210)
وأنطق للشبلي بالوحدة التي ... ... أشارَ بها لما امَّحى عنده الكونا(1)
...إلى أن يذكر جملة من متصوفة المسلمين.
* النتيجة:
للتصوف عند المسلمين جذور يونانية وكسروية ويهودية، وهندية وعربية جاهلية.
إن التصوف عند المسلمين انحدر إليهم من التصوف في الأمم الأخرى، الذي كان يسري فيها منذ أزمنتها البعيدة، وسيبقى ما دام إبليس وجنوده بالمرصاد للإنسان.
وهذه طريقة الإشراق ... ... كانت وتبقى ما الوجود باقي
وفي الفصل التالي، نصوص إشراقية وحدوية من أديان مختلفة، نوردها زيادة في التأكيد والتوضيح.
وقبل ذلك نورد نبذة عن الحارث الدمشقي، وهو كاهن ظهر في زمن عبد الملك بن مروان، وسمى نفسه نبياً، وكانت الشياطين تُخرج رجليه من القيد وتمنع السلاح أن ينفذ منه، وكانت الرخامة تسبِّح إذا مسحها بيده، وكان يُري الناس رجالاً وركباناً على خيل في الهواء ويقول: هم الملائكة. وعندما حكموا بقتله ضربوه فلم يؤثر فيه السلاح، حتى قال أحدهم: (باسم الله)، ثم طعنه، فنفذ فيه الرمح، وقتله.
وفي ظاهرة الحارث هذه ثلاث معطيات، أو استدلالات:
1- الخوارق التي كانت تجري على يديه تدل على ممارسته الرياضة الإشراقية.
2- تسميته نفسه (نبياً) تدل على أنه وصل إلى الجذبة في (مسفا) يهودي، إذ اليهود فقط هم الذين كانوا يسمون الواصل إلى الجدبة (نبياً).
3- نفوذ الرمح فيه عند ذكر اسم الله، يدل على شيطانيات خوارقه.
وهذا كله من الأدلة على أن الكهانة لم تنقطع، بل بقيت تتابع مسيرتها في الخفاء (وهذا هو المعقول).
الفصل الثالث
الصوفية في الوثنيات وعند أهل الكتاب
الصوفية هي المستنقع الذي عاشت فيه أو شربت من شواطئه وثنيات التاريخ.
وهذه لمحات سريعة عن أشهر الوثنيات المعاصرة، وكيف أنها قائمة على الإشراق الصوفي بطريقته وحقيقته، يتلوها عرض سريع للتصوف عند أهل الكتاب.
__________
(1) روضة التعريف بالحب الشريف، (ص:609)، ويعني بذي القرنين الإسكندر بن فيليب، وهذا خطأ.(2/211)
وقبل ذلك، يجب أن نتذكر دائماً أن الأديان جميعها، ما عدا الإسلام، مجهولة التاريخ والجغرافية، وكل ما تذكره كتب هذه الديانات عن تاريخها وجغرافيتها لا أساس له من الصحة، إلا قليلاً مما عند أهل الكتاب، ويجب ألا ننسى هذه الحقيقة في قراءتنا للعروض التالية.
* الطاوية (منتشرة في الصين):-
نسبة إلى (طاو)، وقبل عصر كونفوشيوس (حوالي القرن الرابع قبل الميلاد)، كانت هذه الكلمة تعني (الطريق وأسلوب العمل)(1)، واستعملها كونفوشيوس بمعنى (الطريق الصحيح للعمل).
أما الطاويون فقد صارت عندهم ذات مفهوم واحد؛ يعني: الأشياء في مجموعها، أو ما يطلق عليه وحدويو الغرب اسم المطلق، وهو ما يطلق عليه متصوفة المسلمين اسم الوجود.
والنصوص المنقولة هنا تُعزى لشخص مقدس معاصر لكونفوشيوس، اسمه (لاو تزو)، أي: الأستاذ لاو، يقال: إنه مؤسس الطاوية، وهذه النصوص من كتابهم المقدس كتاب (لاو تزو)، يقول: الطاو مَثَلُها كوعاء، رغم أنه فارغ، يمكن أن يُسْحب منه بلا نهاية، وليس في حاجة قط لأن يُملأ، وهي عظيمة جداً، وبالغة العمق، حتى ليبدو أنها أقدم من كافة الأشياء، إذا ما انغمس فيها أحد طرف صار ناعماً، وأصعب مشكلة تحل، وأقوى ضوء ساطع ينتشر، وأشد المشكلات تعقيداً تستحيل إلى أمور بسيطة، إنها في سكونها كالخلود نفسه، إنني لا أعرف وليدة من هي. اهـ.
__________
(1) يلاحظ أن كلمة (الطريقة) تحمل نفس معنى كلمة (طاو)، مع التنبيه إلى أن كلمة (طاو) هي كلمة صينية وليست عربية، وأن الكلام هنا عن أمر حدث في الصين، مع ملحوظة أخرى قد يكون لها أهمية، وهي أن المصريين القدماء كانوا يطلقون على مصر اسم (طاو)، فهل هناك علاقة بين (طاو) التي هي مصر وبين الطاولة، كما أن هناك الوادي المقدس (طوى)؟ فهل من علاقة تاريخية وجغرافية نُسيت؟.(2/212)
- في هذا النص، يُعرِّفنا الأستاذ لاو ما هي الطاو، ويُلاحظ أن وصفها يشبه أن يكون وصفاً لله تعالى، لكنه وصف فيه شذوذ وتجرؤ وتشبيه، وهذا نابع من ثقافتهم وتصوراتهم.
ويقول: يأتي إلى الوجود عشرة آلاف شيء، وقد شهدتها تعود، لا يهم كيف تنتعش انتعاشاً بالغاً، كل شيء يجب أن يعود إلى أصله الذي صدر عنه، هذه العودة إلى الأصل تسمى الهدوء، هي تحقيق لمصير فرد، وأن يُحقق كل شخص مصيره لهو النمط الأبدي، وإذا عرفت النمط الأبدي فهو محصَّن من كل ناحية، والمحصَّن من كل ناحية هو عادل تماماً، وإذا كان عادلاً، فهو مَلِكٌ، ومن كان مَلِكاً فهو كالسماء، وإذا كان كالسماء فهو متمشٍّ مع الطاو، وإذا كان متمشياً مع الطاو فهو مثلها لا يفنى، وبرغم أن جسده قد يختفي في خضم محيط الوجود، فهو بعيد عن كل أذى...اهـ.
- يشرح (لاو تزو) في هذا النص وحدة الوجود، وكيف أن الأشياء تصدر عن ذات الطاو ثم تعود إليه، ويلاحظ أنه يستعمل كلمة (الهدوء) والتي يقابلها عند متصوفة المسلمين كلمة (الفناء). ولنلاحظ عبارة: (وقد شهدتها تعود)، والتي لا تعني إلا أنه شهدها بالكشف.
ويقول: الكلمات الصادقة لا تكون منمقة، والكلمات المنمقة لا تكون صادقة، والرجل الصالح لا يجادل، وأولئك الذين يجادلون ليسوا بصالحين، والحكماء ليسوا بعلماء، والعلماء ليسوا بحكماء، إذا ما توقفنا عن العلم لا يواجهنا المزيد من المشاكل...تخلوا عن الحكمة وتخلصوا من الفطنة، وسيصبح الناس أحسن حالاً مائة مرة. اهـ.
- بين (لاو تزو) هنا أن حقيقتهم لا يمكن أن يُبَرْهن عليها بالأساليب الجدلية، والكلمات المنمقة، وأنها تشرح بالكلمات الصادقة البسيطة، والملحوظةالهامة هنا هي الأمر بالجهل! لأن الجهل جزء أساسي من رسالة الإشراق في كل زمان ومكان.(2/213)
ويقول: هو لا يغادر داره قط، ومع ذلك فهو عالم بالعالَم بأسره، ولا يُطلُّ من نافذته، ومع ذلك يسبر غور طريق السماء، وفي الحقيقة كلما سافر الإنسان إلى مكان أبعد، كان أقل إدراكاً، وهكذا يعرف الحكيم دون أن يتحرى، ولا يفعل شيئاً ومع ذلك ينجز كل شيء.
...لهذا السبب يرتدي الحكيم رداءً من قماش خشن يُخفي ما هو أثمن من أنفس درة داخل فؤاده...
هذا ما يسمى الاستغراق الخفي، مَن خَبِرَهُ لا يمكن أن يعامل على أنه مُقَرَّب أو مزجور، لا يمكن أن يعان أو يضار، لا يمكن أن يمجد أو يحط من قدره، ولهذا يحتل المكان الأول بين كافة الكائنات البشرية في العالم. اهـ.
في هذا النص يقدم (لاو تزو) صورة خاطفة للجذبة التي يسميها الاستغراق الخفي ولكشفها الذي يجعل الحكيم عالماً وهو لم يغادر داره، بل ولا غرفته، بل ولم يطل من نافذته..
والتماثل الكامل بين الطاوية والصوفية واضح، حتى لقد دفع هذا الوضوح أحد الباحثين لأن يقرر أن التصوف عند المسلمين هو امتداد للطاوية، وطبعاً؛ لا بد من وجود فروق يقتضيها اختلاف الظروف.
* الجينينة (نسبة إلى جينا، أي: القاهر والمتغلب):-
أسسها مهاويرا الملقب بـ(جينا الرابع والعشرين)، وكان مولده سنة 599 قبل الميلاد.
صام مهاويرا يومين ونصف يوم، ونتف شعر جسمه، وبدأ يجوب البلاد حافياً..(2/214)
ولجأ إلى الزهد والجوع والتقشف، وغرق في التفكير، واهتم بالرياضة الصعبة القاسية والتأملات النفسية العميقة، وبعد ثلاثة عشر شهراً من ترهُّبه خلع ملابسه دون حياء، إذ كان قد قتل في نفسه عواطف الجوع والإحساس والحياء، وكان أحياناً يعتكف في المقابر... وكان يغرق في المراقبة إلى حد لا يشعر فيه بالحزن أو السرور، ولا بالألم أو الراحة... ووصل مهاويرا إلى حالة الذهول وعدم الإحساس بما حوله (أي: الجذبة)، وأفنى كل اتجاه مادي، فحصل من درجات العلم على الدرجة الخامسة (أعلى الدرجات)، وهي درجة العلم المطلق، ونيل البصيرة أو النجاة، وبعد سنة أخرى من الصراع والتأملات فاز بدرجة (المرشد)...وبهذا بدأ مهاويرا مرحلة جديدة هي الدعوة لعقيدته...
ويقول الجينيون: إن جينا الثالث والعشرين، واسمه: (بارسوانات)، أسس نظاماً رهبانياً شدَّد فيه بضرورة الرياضات الشاقة المتعبة(1)...
__________
(1) أديان الهند الكبرى (سلسلة مقارنة الأديان)، (ص:111، 112، 113).(2/215)
- نرى في هذا النص أن الجينية تقوم على الرياضة الإشراقية، وعلى رأسها الجوع، وهذه الرياضة تقود إلى الجذبة التي يسمونها (حالة الذهول وعدم الإحساس بما حوله وفناء كل اتجاه مادي)، وفي الجذبة يحصل على الدرجات العليا من العلم (العلم المطلق)، وبالمثابرة على الرياضة وصل إلى درجة (المرشد)، كما نلاحظ أن هذا هو (النجاة) عندهم. ولننتبه إلى العري أيضاً. ولعل من المفيد ذكر المنجيات عند الجينيين (وهناك ما يشبهها في الهندوسية والبوذية والطاوية، بل وكل الوثنيات)، وهي: الاعتقاد الصحيح، العلم الصحيح، الخلق الصحيح الذي له أصول سبعة هي: التمسك بالخلق الحميد، والإقلاع عن الخلق السيء، الورع، التقليل من الحركات البدنية ومن الكلام، التحلي بعشر خصال هي العفو، والصدق، والاستقامة، والتواضع، والنظافة، وضبط النفس، التقشف الظاهري والباطني، والزهد، واعتزال النساء، والإيثار، ثم التفكير في الحقائق الأساسية، والسيطرة على متاعب الحياة وهمومها والقناعة الكاملة(1). اهـ.
هذه هي المنجيات في الجينية، وفي كل الوثنيات ما يماثلها في المكان والمقام، وهي تذكرنا بمنجيات الغزالي ومقامات الصوفية، كما يذكرنا العري في الجينية بمثيله عند الصوفية.
* الهندوسية:-
نظرة سريعة:
لا يمكن العثور على تعريف جامع للهندوسية؛ لأن فيها مئات كثيرة من المذاهب المتباينة، لكن عندهم عقيدة رئيسية (يؤمن) بها أكثرهم، إن لم يكن كلهم.
- فكلهم يؤمنون بالفيدا، كتابهم المقدس، لكن يوجد غيره مئات الكتب المقدسة.
- وكلهم يؤمنون بالروح الأزلي (آتمان)، وقد يطلقون عليه أسماء أخرى، والإله عندهم ذو ثلاثة أقانيم (حسب الوظيفة التي يقوم بها).
أ- براهمان (الخالق).
ب- فيشنو (الحافظ).
ج- سيفا (المهلك).
وقد تختلف المذاهب عن بعضها في تقسيم الأعمال بين الأقانيم الثلاثة، كما قد يختلف عدد الأقانيم.
__________
(1) أديان الهند الكبرى، (ص:127، 128، 129).(2/216)
- إلى جانب هذا الثالوث، يوجد عشرات الألوف من الآلهة! والنص المقدس التالي من (الفيدا)، هو حوار بين فِشْنو الذي تجسد بصورة إنسان اسمه (كْرِشْنا)، وبين ملك مقدس اسمه (أرجونا) (صار إلهاً فيما بعد)، والحوار يجري في مستهل معركة حربية بين أفراد عائلة صاروا كلهم آلهة.
يروي هذا الحوار شخص اسمه (سامياجا)، كان حاضراً معهما، يرويه لملك آخر اسمه (هاري)، وطبعاً، كل هؤلاء الأشخاص صاروا آلهة يعبدون.
يقول النص:
قال أرجونا: اللغز السامي، الحديثُ المتعلق بالروح التي وهبتَي إياها بالنعمة، بهذه النعمة انتهى ضياعي، وكما أعلنَتْ عن نفسها، هكذا أنت تكون، أيها الرب السامي، لكنني أرغب أن أرى شكلك المقدس، أيها الشخص السامي، وإذا كنت تعتقد أنني أستطيع أن أراك، فأظْهِرْ لي روحك اللافانية، يا رب اليوجا، يا كرشنا.
قال الرب المبارك: شاهِدْ أشكالي يا أرجونا، هي بالمئات وبالآلاف، متنوعة في شكلها ومقدسة، ولها ألوان وهيئات مختلفة... اليوم، شاهِدْ الكون المتحرك والساكن، وكل ما تريد أن تراه، كله متَّحِدٌ في جسدي يا أرجونا، لكنك لا تستطيع أن ترى بعينيك الإنسانيتين، وسأمنحك أعيناً تفوق الطبيعة، شاهد قدرتي المقدسة.
قال سامياجا: بعد أن تكلم رب اليوجا، أيها الملك هاري، أظهر شكله المقدس السامي إلى أرجونا. لهذا الشكل أفواه وعيون كثيرة، ورؤى عديدة تدهش، وزينات مقدسة، وأسلحة مرفوعة مقدسة، ويلبس الثياب المقدسة، ويتحلى بالعطور والدهون المقدسة، ويتألف من كل الأعاجيب، ويتألق، وغير محدود، ووجهه يلتفت إلى كل اتجاه، ولو شعت ألف شمس في الفضاء، كان من الممكن أن تشبه عظمة الكائن المعظم.
هناك شاهد أرجونا الوجود بكامله، بأجزائه العديدة المتجمعة في واحد، في جسد إله الآلهة(1).
- وفي مكان آخر (والمتكلم الآن هو كْرِشْنا):
__________
(1) الفكر الفلسفي الهندي، (ص:204).(2/217)
من لا يتعلق فهمه بأي مكان، من يُخضع ذاتَه ومن يطرد رغبته، يأتي عن طريق الرفض إلى الحالة السامية التي تُصعِّد كل عمل. اسمع إلى ما أوجزه لك يا أرجونا: كيف يصل الإنسان عندما يحقق الكمال إلى براهمان؟ من يكون موهوباً بفهم نقي، ويضبط نفسه، ولا يلتفت إلى مواضيع الحس، ويلقي بالجاذبية والاشمئزاز بعيداً، ويسكن في عزلة، ويأكل القليل، ويضبط كلامه وجسده وعقله، ويعتنق التأمل والتركيز، ويلقي الإحساس بالذات والقوة والتنافر والرغبة والبغضاء، أو الملكية بعيداً، أولا يكون أنانياً، بل هادئاً في عقله، يستحق أن يصبح براهمان.
عندما يصبح الإنسان واحداً مع براهمان، ويكون هادئاً في روحه، فلا يحزن، ولا يرغب، وعندما يعتبر كل الكائنات على السواء، ويصل إلى التعبد السامي، إليَّ. بالتعبد يعرفني، ويعرف من أنا، وما هو مقامي، وعندما يعرف من أنا يدخل فيَّ. الرب يسكن قلوب الكائنات، ويجعلها أن تدور بقدرته كأنها على آلة. الْتَجِئ إليَّ بكل قدرتك يا أرجونا، وبنعمتي تحصل على السلام السامي والمسكن الأبدي.
الحكمة أكثر سرية من كل الأسرار التي أعلنتها لك، فكر فيها تماماً، واعمل ما تشاء(1).
- النصان واضحان كل الوضوح، ومع ذلك لا بأس من لفت نظر القارئ إلى بعض النقاط فيهما:
أ- وحدة الوجود في النصين: (شاهد أرجونا الوجود بكامله)، (يصبح الإنسان واحداً مع براهمان).
ب- الرياضة، في النص الثاني: (العزلة والأكل القليل وضبط الكلام والجسد والعقل والتأمل والتركيز).
ج- (إفراغ النفس من كل رغباتها على الإطلاق)، التي تقابل قول المتصوفة: (اخلع نعليك)...وماشابهها.
د- هذه الأمور هي نفس ما نراه ونسمعه ونقرؤه من أقوال متصوفة المسلمين وفي كتبهم.
هـ- كما يجب ألا ننسى الشبه التام بين قول الهنادكة: (إن البراهمة خلقوا من وجه الإله الأعظم)، وقول المتصوفة المسلمين: (إن محمداً خلق من وجه الله).
__________
(1) الفكر الفلسفي الهندي، (ص:234، 235).(2/218)
كما نلاحظ التوافق بين الكشف (عندما شاهد الرب) والعقائد المسبقة.
ومن يتتبع أقوال المتصوفة ونصوص الفيدا يقف أحياناً على تشابه حتى في المفردات.
- ونص آخر من نصوصهم الكثيرة من (أوبانيشاد شاندوجيا):
1- حقاً إن هذا العالم كله براهمان. وبهدوء، يعبده الإنسان، لأنه قد أتى منه، وسينحل فيه، ولأنه يتنفس بواسطته.
2- هو الذي يتضمن العقل، وجسدُه هو الحياة، وشكله هو النور، وفكره الحقيقة، وذاته هي الفراغ، إنه يتضمن كل الأعمال والرغبات والأوامر والأذواق، ويشمل العالم كله، هو الذي لا يتكلم- روحي هذه ضمن قلبي، هي أصغر من حبة أرز، ذاتي هذه هي أعظم من الأرض ومن الفضاء والجو ومن هذه العوالم(1). (انتهى).
ونص آخر (أوبانيشاد ائتاريا).
...هو براهمان، هو أندرا، هو براجاتي، هو كل هذه الآلهة، هو هذه العناصر، الأرض والريح والفضاء والماء والنور، هذه الأشياء، وتلك التي تمتزج بالنار كما كانت(2)...
- أرجو من القارئ الكريم أن يعود إلى أقوال المتصوفة، وخاصة عينية الجيلي ليرى التشابه.
وهذه صور من ضرب الشيش عند الهندوس، أو عند فرقة من فرقهم التي تعد بعشرات الألوف، وهذه الفرقة موجودة في ماليزيا، ويجعلون رأس الآلهة هو سيفاناتراجا، بدلاً من براهمان. ولهم عيد سنوي يحتفلون به هو عيد (تابوزام)، حيث يكون الاجتماع العام على مقربة من أحد مداخل العاصمة (كوالالامبور).
هذا العيد المجيد يحتفل به هنود ماليزيا سنوياً في شهر (الكوكب)، حيث يتوسط البدر كبد السماء،...وذلك تمجيداً لذكرى الإله (سيفاناتراجا) رب آلهة الهندوس(3) (بالنسة لهذه الفرقة)..
ويبدأ التمجيد أيضاً للإله (مورغان)، وهو حفيد (سيفاناتراجا)(4)...
__________
(1) الفكر الفلسفي الهندي، (ص:112).
(2) الفكر الفلسفي الهندي، (ص:109).
(3) أغرب القبائل والشعوب بالقرن العشرين: (1/16).
(4) أغرب القبائل والشعوب بالقرن العشرين: (1/17).(2/219)
إن الصلاة الهندوسية تقام قبل الاحتفال بالعيد المجيد...يمتنعون عن ممارسة الحب، ويكتفون بوجبة طعام واحدة نباتية في اليوم...ثم يدخلون في الصلاة والتأمل والعزلة...التي تتحول تدريجياً إلى غيبوبة عن هذا العالم (أي: الجذبة).
وبفضل تلك الصلاة والعزلة والتأمل التي تفصلهم عن الواقع لتدخلهم في عالم الخيال والغيبوبة الطويلة المقترنة بالتوحيد للذات الإلهية...عندها تمتلكهم نشوة غريبة جداً تدعى (نشوة الرعدة الإنشائية)، فتراهم حالمين بأبعاد لا حدود لها...وبواسطتها يتاح لهم دون استثناء اجتياز المسافات الطويلة (الصاعدة في الجبل الشاهق)، ضمن الدروب الوعرة، والتي تتطلب جهداً ومهارة فائقة، فيصلون بالنهاية إلى المعبد التابوزامي...
وهم في تلك الحالة يبدون في إحساس غامر بالورع والتقى...بينما الرماح الحادة تترنح على وجناتهم...والأسهم الفضية مغروزة في ألسنتهم...والكلاليب التي تنتزع قطعاً من أجسادهم.. والسلال التي تثقل كاهلهم (قد يبلغ وزن بعضها 60 كغ).. وهم لا يأبهون لكافة الآلام والإصابات، بل إنهم من خلالها يستسلمون لنشوة غريبة وعجيبة...والأغرب من كل هذا هو أن تلك الجروح العميقة لا يسيل منها الدم إلا من بضع قطرات تعد على أصابع اليد الواحدة...فسرعان ما تلتئم...فلا يبقى منها سوى آثار ندوب سوداء...وهم فريسة لذلك الشعور الغريب الذي يعبر لهم عن إمكانية الوصول بتلك المآثر والبطولات من خلالها الاتصال بالإله الأكبر سيفاناتراجا...
...فيتجمع أولئك المؤمنون حول زعيمهم الديني (غورو)، وهم يتغنون بنشيد (الفل - فل)، بمعنى (الرمح - رمح)...بينما يقف (غورو) أمام أحد المؤمنين ليثقب وجنة المؤمن بالمغرز بعد أن باركه بدعواته...(2/220)
ولكن عندما يشق السهم الحاد والمسنون لحم وجنة المؤمن اللدنة... يبدأ المؤمن بالارتعاد بشدة كمن أصابه مس أو جنون، فيقفز بالهواء ليدق الأرض بقدميه دقاً رتيباً وشديداً، ومن ثم يتمايل على وقع النشيد الحماسي، بينما يكون قد برز من وجنتيه الغائرتين ذلك السهم الفضي، فلا يسيل من وجنتيه من أثر الجرح إلا قليل من قطرات الدم لا تذكر...وتشق ألسنتهم بأسياخ فضية يتراوح طولهم ما بين (12-18 سم)...والرماح الطويلة التي تخترق الوجنة ويبلغ طولها عادة أربعة أمتار، وعلى طرفي الرمح تعلق السلال المملوءة حليباً وعسلاً، وأما البرتقال فإنه يثبت على الخصر بواسطة سنارات فضية تغرز في الجسد...فيتقدم أحدهم ليجلس على كرسي بلا ظهر، عندها يباشر الزعيم الديني (غورو) في غرز الكلاليب الفضية الحارة في جسده، ويبلغ عدد الكلاليب في بعض الأحيان زهاء ستين كلاباً، والمؤمن لا يزال تحت سيطرة الرعدة الانتشائية الغريبة إلى أن يحني رأسه ليذهب في غيبوبة بلا حدود أو نهاية(1)....إلخ. اهـ.
- لا أظنني بحاجة إلى تعليق، فالأمر واضح؛ لكن الملحوظةأن متصوفة المسلمين لم يبلغوا شأو هؤلاء القوم!
والسؤال: هل هؤلاء القوم تسري فيهم كرامة أحمد الرفاعي؟ أم ماذا؟
* وهذه نصوص بوذية متفرقة من كتاب فايسيسكا سوترا:
الكتاب الأول- الفصل الثاني:
17- الوجود واحد بسبب وحدة العلامة(2)...
الكتاب الثاني- الفصل الأول:
28- تتوضح وحدة الأثير بوضوح وحدة الوجود(3).
الكتاب الثاني- الفصل الثاني:
7- جوهرية وأبدية الزمان تتوضحان بتوضيح جوهرية وأبدية الهواء.
8- وحدة الزمن تتوضح بتوضيح وحدة الوجود.
11- جوهرية وأبدية الفراغ تتوضحان بوضوح جوهرية وأبدية الهواء.
__________
(1) أغرب القبائل والشعوب بالقرن العشرين: (1/19، وما بعدها).
(2) الفكر الفلسفي الهندي، (ص:484).
(3) الفكر الفلسفي الهندي، (ص:486).(2/221)
12- وحدة الفضاء (أي: الفراغ) تتوضح بتوضيح وحدة الوجود(1). اهـ.
ولا حاجة للتنبيه إلى وحدة الوجود الواضحة في هذه النصوص وضوحاً كاملاً، وكذلك الطريقة التي توصل إليها، وللزيادة في الوضوح نورد وصفاً يذكره (آسين بلاثيوس)(2)عن كيفية وصول الهندوسي أو البوذي إلى الجذبة، يقول: ...ومذهب الفيدا الوارد في الأوبانيشاد يجعل غاية الكمال والسعادة في حشد الروح باستبعاد كل خاطر غير فكرة الموجود المطلق، وأصحاب نظام اليوجا(3) كانوا يستخدمون من أجل الوصول إلى هذه الغاية طريقة في الإيحاء الذاتي التنويمي شبيهة جداً بما قرره ابن عربي، فكان اليوجي يجلس القرفصاء ساكناً بلا حراك، ونظره مثبت، وانتباهه مستغرق في الحرفين (أم)، وهو اسم من أسماء براهما المستسرة، ثم يقع في جذبة(4) تفقده الشعور. وتمرين النَّفَس، وهو رياضة إيقاعية للشهيق والزفير، كان يمارسه (تنجل) للوصول إلى نفس الغاية(5) (أي: الجذبة). اهـ.
- أي: إن الرياضة الإشراقية هي الطريق للوصول إلى المعرفة عندهم وعند غيرهم طبعاً، والفرق هو في تفسير هذه الظاهرة، وفي وسائل تزيينها للمريدين. وفي الرياضة الإيقاعية للشهيق والزفير يمكن أن نلاحظ دور الأكسجين مضافاً إلى دور الإيقاع الرتيب.
* الصوفية عند أهل الكتاب:-
* عند اليهود:
__________
(1) الفكر الفلسفي الهندي، (ص:486).
(2) مستشرق إسباني مات سنة (1944م).
(3) اليوجا رياضة تعبدية إشراقية يمارسها الهندوس والبوذيون والجينيون للوصول إلى الجذبة.
(4) كلمة (جذبة) هي مصطلح يستعمله متصوفة المسلمين فقط ويستعمله آسين بلاثيوس هنا بالاستعارة.
(5) النص من كتاب (ابن عربي) لآسين بلاثيوس، (ص:187).(2/222)
مر في فصل سابق وصف الأستاذ عبد الأحد داوُد للتصوف اليهودي الذي كانوا يسمونه (التنبؤ)، وأنهم كانوا يسمون الواصل إلى الجذبة وأحلامها (نبي)، ويسمون الشيخ المسلك (صوفي)، أي المراقب أو المرشد. وكانت عندهم- على قلتهم- عدة طرق، منها (الإلكسائية) و(الأبيونية).
وبعد ظهور الإسلام بقرون، ولعله في حوالي القرن الخامس الهجري، صار التصوف اليهودي معروفاً باسم (الكبالة Gabbalah)، أي المأثور، مع الاحتفاظ بالاسم القديم (التنبؤ).
وهناك أشياء مثيرة للانتباه؟ ففي التنبؤ اليهودي (أو الكبالة) يصنفون الواصلين إلى الجذبة على ثلاث مراتب: نبي (ومعناها الناطق)، أو نبي سفاتايم (أي: ناطق الشفتين)، ثم رائي، ثم بصير- وهو أعلاها- والبصير عندما يتصدى لتسليك المريدين يسمى (صوفي)، أي: المرشد. ورأينا في فصول سابقة أن متصوفة المسلمين يقسمون المكاشفين كذلك إلى نفس المراتب الثلاث: المحاضر (من المحاضرة)، ثم المكاشف (من المكاشفة)، ثم المشاهد (من المشاهدة)، وهو أعلاها، وعندما يتصدى من وصل إلى مقام المشاهدة إلى تسليك المريدين يسمونه (المرشد).
وواضح أن هذه المصطلحات، التصوفية هي مرادفات للمصطلحات الكبالية.
وشيء آخر، نقرأ في المعجم الفرنسي (Larousse) وصفاً للكبالة ترجمته كما يلي: (تفسير يهودي باطني ورمزي لنص الكتاب المقدس)، كتابه التقليدي (الكلاسيكي) هو (الزوهار) أو (كتاب الإشراق). وأنصار العلوم الخفائية (الباطنية) يستعملون رموز الكبالة في اتجاه سحري. اهـ.
نلاحظ أن أسلوب الكبالة في تفسير الكتاب المقدس هو باطني ورمزي، مثل تفسير متصوفة المسلمين للقرآن الكريم تماماً.
وكذلك استعمال الرموز الكبالية في السحر هو مثل استعمال الرموز الصوفية في السحر.
أما كتاب الإشراق (الزوهار)، فقد ظهر في أوائل القرن السادس الهجري لمؤلف يهودي من مدينة ليون في إسبانيا، كما يظن، ويمكن أن يكون أقدم من ذلك بقليل أو كثير.(2/223)
ولننتبه إلى أن واقع تصنيف أحلام الجذبة (محاضرة ثم مكاشفة ثم مشاهدة) تابع لتوجيهات الشيخ المسلك، ولتوجيهاته فقط، وأن خوارق شتى تحدث على أيدي الكباليين.
* عند النصارى:
أعلنت الصوفية عن نفسها عند المسيحيين في القرن الثاني الميلادي باسم الغنوصية، أي: المعرفة، ومنها الغنوصي أي: العارف، وسماه العرب منهم الكاهن، وقد رفضتها الكنيسة أولاً، ومع الزمن قبلتها وتبنتها.
وهذا نص لصوفي مسيحي يصف كيفية وصوله إلى الجذبة.
يقول (نيمو)(1)خادم أم الإله، متلقي اعترافات القديسة تيريزا(2)، في كتابه الأسفار:
...وجدت فائدة كبيرة في الدعوات الصوتية التي تسمى بالأذكار، خصوصاً في الكلمات (أبانا الذي...) مما يكرره الفم ساعات طويلة، و(ليتقدس اسمك)، و(وفي القلب رغبة في أن ينحصر هناك)....
كنت أجد في هذه الكلمة وحدها (الله) رضاً بالغاً لنفسي، بحيث لم أشأ ولم أستطع أن أنتقل عنها إلى أفكار أخرى، وكنت أقتصر على ذلك حتى أصل إلى البركة(3)...
رجل دين إسباني من أهل النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي.
ويعرف القارئ أن البركة تعني الجذبة، كما يظهر في هذا النص تأثر متصوفة المسيحيين بأسلوب الذكر الإرهاقي الذي استعمله متصوفة المسلمين قبل نيمو بحوالي ستة قرون.
وبسبب عوامل ما، تشعبت الصوفية عند المسيحيين إلى أكثر من مذهب، فالقديسة تيريزا الأفيلية، مثلاً، تؤمن أن الخالق غير المخلوق، وتصف وصولها أو (فتوحها) بأنه اتحاد بينها وبين الله (تعالى الله)، فتقول من قصيدة:
...واتحاد النفس بالله في القران الروحي شبيه بشمعتين تذوبان معاً حتى يصبح نوراهما نوراً واحداً(4)...
ومن قصيدة أخرى:
__________
(1) رجل دين إسباني من أهل النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي.
(2) تيريزا الأفيلية من قرية آفيلا الإسبانية، ماتت سنة (1582م).
(3) ابن عربي، لآسين بلاثيوس، (ص:186) في الحاشية.
(4) يسوع المسيح شخصيته وتعاليمه (ص:212).(2/224)
...هاأنذا يا عريسي الأكبر، دعني أقترب منك... وليدخل هذا الجدول الصغير في خضمك، أغثني يا أعذب حليل... ولتسترح نفسي بين ذراعي عريسها(1)...
حيث يظهر من أقوال القديسة هذه أن تجلياتها كانت جمالية لا جلالية، واتحادية لا وحدوية.
بينما نرى القديس خوان دي لا كروث(2) يؤمن بوحدة الوجود، فمن أقواله:
...حبيبي هو الجبال، والوديان المنعزلة المليئة بالأشجار، والجزر الغريبة، والأنهار الرنانة، وصفير الرياح الحبيبة، والليل الساكن(3)...
من النصوص المارة آنفاً، وكذلك من الفصول السابقة، ومن أية دراسة واعية لأية وثنية في التاريخ، يظهر واضحاً دور الإشراق فيها، بل إن الكاهن في كل الوثنيات لا يسمى كاهناً حتى يصل إلى الجذبة عن طريق الرياضة الصوفية، ويحصل على يده بعض الخوارق، وقد يكتفون بالمهلسات، أو يستعملونها كعامل مساعد، مع العلم أن بعض الوثنيات، كديانة الإينكا مثلاً، كانت كما يظهر تكتفي بالمهلسات، وبعضها كالديانة الهندوسية، كانت وما زالت تستعمل الطريقتين، المهلسات والرياضة الصوفية، وبعضها كان ولما يزل يكتفي بالرياضة الصوفية.
للتسلية:
يقول د. سيد حسين نصر:
...بل إن مقام (الخدمة) نفسه الذي يأتي متأخراً بعد مقام البقاء، لا يجوز أن يحمل على معنى العمل أو الفرض الديني بالمعنى المألوف؟ بل بمثابة خدمة أداها كائن تذوق (الوصال)، وهي في منزلتها تقابل العهد الذي قطعه أفالوكتسفارا على نفسه في الدين البوذي، بإنقاذ الخلائق، بعد أن تم له أن يخطو خطوة واحدة في (النيرفانا)(4). اهـ.
__________
(1) عمر بن الفارض من خلال شعره، (ص:77).
(2) إسباني متصوف من أهل القرن السادس عشر الميلادي.
(3) مجلة العربي، (عدد: 305)، (ص:40).
(4) الصوفية بين الأمس واليوم، (ص:67).(2/225)
- النيرفانا هي المصطلح البوذي الذي يقابل مصطلح (الفناء في الله)، وقد عربها بعض المتصوفة في إيران أو (أسلمها)، فصارت (نيروان)(1)، واستعملوها بنفس المعنى. وبقراءة النصوص المترجمة إلى العربية، نجد أن كلمة (النيرفانا) ترد أحياناً بمعنى (المطلق)، وأحياناً بمعنى: (الفناء في المطلق)، وهو الأكثر تواتراً.
- ويجب ألا ننسى ملحوظة هامة، وهي أن الحقيقة الصوفية، (أي: الجذبة ورؤاها)، والطريق إليها (أي: الرياضة الصوفية)، هي واحدة في كل زمان ومكان، ويكون الاختلاف في أشكال الهالات التي تحاط بها، والتفاسير التي تشرح بها رؤاها وأساليب الدعاية التي يقدمونها لها، كما أن للخلفية الاجتماعية المحيطة بالواصل دور شامل في الأطروحات التي تقدمها كشوفه.
الفصل الرابع
الصوفية وتدمير المجتمع الإسلامي
قلنا ونعيد:
لإبليس شركان يصيد بهما بني آدم، فيخرجهم من الهدى إلى الضلال، ومن استقامة الفطرة إلى الانحراف والانحلال، واتباع الأهواء.
* الشرك الأول: الجنس وملحقاته:
بهذا الشرك يستطيع إبليس أن يبعد ابن آدم عن نداء الفطرة، وعن السلوك المستقيم الموجه بالغرائز السليمة (المتوازنة فيما بينها حسب الفطرة التي فطرها الله عليها)، فتنحرف فيه غرائز، وتتضخم أخرى على حساب بقية الغرائز التي تضمر بسبب هذا التضخم.
وأرسل الله سبحانه الرسل بالتعاليم الاعتقادية والفكرية والعملية التي تحفظ على الإنسان سيره المستقيم، وتعيد الغرائز إلى توازنها الفطري، وتحقق عبادة الله في الأرض. والإسلام هو الرسالة التي جاء بها كل الرسل: ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ)) [آل عمران:19].
* الشرك الثاني: الإشراق.
قد يتغلب نداء الفطرة في الإنسان على نداء الهوى، فيسير في الطريق المستقيم ملتزماً التعاليم الإلهية، متخذاً منها المنطلقات التي توجه كل تصرفاته.
__________
(1) من الفكر الصوفي الإيراني المعاصر، الفصل الأخير.(2/226)
وهذا يعني أنه أفلت من الشرك الأول، وأنه سار على الصراط المستقيم. لكنه سيجد أيضاً إبليس أمامه، ينتظره على هذا الطريق: ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)) [الأعراف:16]، سيجده وقد نصب له الشرك الثاني (الإشراق).
ويستغل إبليس الغرور والجهل في الإنسان ليوقعه في هذا الشرك باسم الإسلام وباسم الولاية وباسم مقام الإحسان، والقرب والمعرفة...و...إلخ.
وللوصول إلى الإشراق يوجد طريقان:
الطريق الأول: طريق شجرة الخلد وملك لا يبلى، وهي أنواع، فعند بعض الشعوب القديمة، وفي الهند خاصة، كانت شجرة الحشيش، وفي الشرق الأوسط، كانت شجرة الخشخاش (الأفيون)، وفي المكسيك كانت فطر المكسيك، وفي البيرو (أمريكا الجنوبية) كانت شجرة الكوكا، وفي ماليزيا كانت شجرة الكافا...إلى غير ذلك مما لم أقف عليه.
كانت شجرة الخلد هذه، وفي قمتها الحشيش والخشخاش، حكراً على الكهان، كما كانت تدخل قصور الملوك في أحيان كثيرة.
وكانت سراً مقدساً يتعاطاها الكهان ضمن طقوس تعبدية سرية كي يقعوا في الجذبة، حيث تشرق عليهم الأنوار الهلوسية، ويتلقون العلوم اللدنية الهذيانية، وينطقون بما يتوهمون أنه الحكمة.
وبهذه الإشراقات الباطلة، والحكمة المتوهمة، كانوا يخرجون من الإسلام، باباً بعد باب، وتدخل عليهم الوثنية من كل باب.
والطريق الثاني: طريق الرياضة والمجاهدة الصوفية، فكثيراً ما كان يتعذر الحصول على المهلس الخارجى لسبب أو لآخر، حينئذ، كان إبليس يهيئ لأوليائه البديل الناجع، وباسم الإحسان، وباسم السير إلى الله والعروج إليه، وباسم المعرفة، كان يستجرهم إلى الرياضة الصوفية التي تهيئ لهم المهلس الداخلي (الإندورفين) ورفيقه الذي توقعهم دفقاته في الجذبة، حيث تشرق عليهم الأنوار الهلوسية، ويتلقون العلوم اللدنية الهذيانية، وينطقون بما يتوهمون أنه الحكمة.(2/227)
وطريق الرياضة هذه هي طريق خداعة، تخدع الإنسان أكثر من طريق شجر الهلوسة، لذلك كان اعتماد إبليس عليها أكثر من اعتماده على الشجر، وكان اسمها (الكهانة والمعرفة)، وعندما حاربها الإسلام، حولوا اسمها إلى (الصوفية)، وعندما كُفِّر من كهانها من كفر وقُتل من قتل، ظهرت الطريقة البرهانية الغزالية.
والطريقة البرهانية الغزالية، والتي هي الإشراق الممزوج بالإسلام، هي أسلوب إبليسي استعمله إبليس، ويستعمله، للإبقاء على مسيرة الإشراق الذي فتن به بني آدم كما أخرج أبويهم من الجنة.
فأصل الأديان كلها الإسلام: ((وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ)) [فاطر:24] و((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ)) [آل عمران:19]، وعن طريق ((شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)) [طه:120]، أو بديلها (الصوفية)، أخرج إبليس بني آدم من إسلامهم إلى مختلف الوثنيات التي عرفها التاريخ.
لقد كان، وما زال، يوحي إلى أوليائه أن يتستروا بدين الله، ليهدمه بهم من الداخل، حيث يوهمهم أن هلوساتهم الجذبية هي إشراقات إلهية، وأنها نور اليقين وعين اليقين وحق اليقين، ثم يوحي إليهم أن يضيفوا علومهم اللدنية الهلوسية إلى الدين الحق، حيث تتراكم البدع شيئاً فشيئاً، ومع الزمن يختفي الدين الحق، وتسود البدع ويعتقد الناس أنها هي هو.
ومع الزمن، وبإيحاءات الأبالسة وأهواء الكهان وولائجهم، تتشعب البدع وتأخذ طرقاً مختلفة بعيدة كلها عن الدين الحق.
وكثيراً ما يكون للفئات المسيطرة دور في تشجيع مذهب بتشجيع دعاته ودعمهم ومحاولة منع المذاهب المنافسة من التحرك المكشوف، أما التحرك المستور فلا سلطان لهم عليه.
وهكذا ظهرت كل وثنيات التاريخ، وهكذا وجدت الهندوسية والبوذية والطاوية والجينية، أما اليهودية والنصرانية فقد تدخلت فيها عوامل أخرى.(2/228)
وطبعاً لم ينج المسلمون من هذا الشرك الروحاني، حيث ظهرت (وتظهر) آثاره المدمرة في أشكال متعددة، لعل أبرزها ثلاثة:
1- الاستسلام العجيب للتتار.
2- تمزيق الأمة الإسلامية إلى فرق مذهبية تحارب الإسلام باسم إسلام محرف ينتهجونه.
3- إفساد عام في العقائد والعبادات والأخلاق والسلوك وأساليب التفكير.
وفيما يلي بيان لهذه الأشكال التدميرية نذكرها بإيجاز شديد لأن تفصيلها يستوعب مجلدات، مع التذكير أن الكشوف والمشاهدات الجذبية هي دائماً موجهة بالقناعات الفكرية المسبقة، أي: بالأماني والطموحات والمعلومات المختزنة والعواطف المهيمنة.
* الاستسلام العجيب للتتر:-
في العقود الأخيرة من القرن السادس الهجري وما يليها، كانت الصوفية واسعة الانتشار جداً، وقد مر معنا في الفصول السابقة أمثلة كثيرة عن الحالة التي وصلت إليها الأمة، والتي ظهرت نبتاتها الأولى في أزمنة سابقة، حتى استوت على أيدي دعاة للصوفية (مشايخ) يقدسهم حتى غير الصوفيين، جهلاً بالصوفية، ومن هؤلاء الدعاة: الغزالي (حجة الإسلام)، والجيلاني، والرفاعي، وعدي بن مسافر، والشاذلي، والدسوقي، والبدوي... وغيرهم.
بالإضافة إلى ما مر من الأمثلة في الفصول السابقة، نورد مثالاً (على الماشي) فيه كفاية لأخذ فكرة عن الواقع.
يورد ابن العماد الحنبلي في (الشذرات) في حوادث سنة 657 هـ:
وفيها (أي: توفي في هذه السنة) الشيخ يوسف القميني الموله:
قال الذهبي في (العبر): الذي تعتقده العامة أنه ولي الله، وحجتهم الكشف والكلام على الخواطر، وهذا شيء يقع من الكاهن والراهب والمجنون الذي له قرين من الجن، وقد كثر هذا في عصرنا والله المستعان، وكان يوسف يتنجس ببوله، ويمشي حافياً، ويأوي أقميم حمام نور الدين، ولا يصلي.(2/229)
وقال ابن شهبة في (تاريخ الإسلام): كان يأوي القمامين والمزابل، وغالب إقامته بإقميم حمام نور الدين بسوق القمح، وكان يلبس ثياباً طوالاً تكنس الأرض ولا يلتفت إلى أحد، والناس يعتقدون فيه الصلاح، ويحكى عنه عجائب وغرائب، ودفن بتربة المولهين بسفح قاسيون، ولم يتخلف عن جنازته إلا القليل. اهـ.
- لا تعليق، لكن ملحوظة أنه لم يتخلف عن جنازته إلا القليل، وأن هذا حدث في دمشق، التي ما خلت منذ أسلمت من دعاة للإسلام الحق، لا يخافون في الله لومة لائم، فكيف تكون الحالة في غيرها.
ثم ننتقل إلى القطاع الذي اجتاحه المغول:
هذا القطاع هو العراق وفارس، وأبرز الطرق التي كانت منتشرة فيه أواخر القرن السادس الهجري هي: الجنبلانية، الملامتية، القشيرية، الصديقية، القادرية، الرفاعية، العدوية، الكبروية، وهناك غيرها طبعاً، مع العلم أن الرفاعية ثم القادرية كانت أبرزها على الإطلاق وأوسعها انتشاراً!
وفي العقود الأولى من القرن السابع ظهرت: الجشتية، السهروردية، البابائية، البكطاشية، وبقيت الرفاعية ثم القادرية هما الأبرز والأوسع انتشاراً، وتليهما السهروردية والملامتية.
من النتائج لهذا الانتشار الصوفي، النتيجة الظاهرة الصارخة، ألا وهي الاستسلام العجيب للغزو التتري الذي كان يبيد المدن والقرى ويقتل الملايين، بينما كان المسلمون يهرعون إلى المشايخ والقبور، ويلجئون إلى الأوراد والطلاسم لاستجلاب النصر، ويستسلمون للذبح استسلام النعاج!!
لأخذ فكرة عن هذا الاستسلام العجيب نورد نبذاً من (الكامل في التاريخ) لابن الأثير، منها:
ذكر خروج التتر إلى بلاد الإسلام:(2/230)
لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلاً وأؤخر أخرى، فمن ذا الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك، فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً... هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الأيام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقاً، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها... ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا(1)...
- أقول: رحم الله ابن الأثير، فلقد رأى الخلق قبل أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا أبشع من تلك الحادثة بكثير بكثير بكثير؟ فالماركسية حتى الآن، وفي أقل من سبعين سنة، قتلت من المسلمين ما يزيد عن (100) مليون نسمة، واحتلت من أراضيهم ما يزيد عن (23) مليون كيلومتر مربع (أرقام فلكية)، وهي تزحف وتزحف، وتقتل من المسلمين في أفغانستان والحبشة وغيرها ما يزيد معدله عن (1200) قتيل يومياً عدا عن أضعافهم من المشردين وعدا عن المجازر الاستثنائية التي جرت وتجري في بلاد العرب وغيرها والتي يذهب ضحيتها عشرات الألوف ومئاتهم في أيام أو أسابيع. والفرق بين حالة المسلمين في ذلك الوقت وبين حالتهم الآن، أنهم في ذلك الوقت كانوا يعرفون أن الذين يقتلونهم هم التتر، أما الآن؟ فيرون ويسمعون ويلمسون ولا يحسون ولا يعرفون؟! وإلى الله المشتكى.
ومنها:
ذكر مسير التتر إلى أذربيجان وملكهم أردبيل وغيرها:
__________
(1) الكامل في التاريخ: (9/324).(2/231)
.. ثم إنهم ملكوا البلد عنوة في شهر رمضان سنة ثمان عشرة (بعد الستمائة)، ووضعوا السيف فلم يبقوا على صغير ولا كبير ولا امرأة حتى إنهم يشقون بطون الحبالى، ويقتلون الأجنة، وكانوا يفجرون بالمرأة ثم يقتلونها، وكان الإنسان منهم يدخل الدرب فيه الجماعة فيقتلهم واحداً بعد واحد، حتى يفرغ من الجميع، لا يمد أحد منهم إليه يداً(1)...
ومنها:
ذكر ملك التتر مراغة:
...وبلغني أن امرأة من التتر دخلت داراً وقتلت جماعة من أهلها، وهم يظنونها رجلاً، فوضعت السلاح، وإذا هي امرأة، فقتلها رجل أخذته أسيراً. وسمعت من بعض أهلها أن رجلاً من التتر دخل درباً فيه مائة رجل، فما زال يقتلهم واحداً واحداً، حتى أفناهم، ولم يمد أحد يده إليه بسوء، ووضعت الذلة على الناس، فلا يدفعون عن نفوسهم قليلاً ولا كثيراً(2)...
ومنها:
ذكر دخول التتر ديار بكر والجزيرة وما فعلوه في البلاد من الفساد:
...إن الرجل الواحد منهم كان يدخل القرية أو الدرب، وبه جمع كثير من الناس، فلا يزال يقتلهم واحداً بعد واحد، لا يتجاسر أحد يمد يده إلى ذلك الفارس، ولقد بلغني أن إنساناً منهم أخذ رجلاً، ولم يكن مع التتري ما يقتله به، فقال له ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه، ومضى التتري أحضر سيفاً فقتله به. وحكى لي رجل قال: كنت أنا ومعي سبعة عشر رجلاً في طريق، فجاءنا فارس من التتر، وقال لنا حتى يكتف بعضنا بعضاً، فشرع أصحابي يفعلون ما أمرهم، فقلت لهم: هذا واحد، فلم لا نقتله ونهرب؟ فقالوا: نخاف! فقلت: هذا يريد قتلكم الساعة، فنحن نقتله، فلعل الله يخلصنا، فوالله ما جسر أحد أن يفعل ذلك! فأخذت سكيناً وقتلته وهربنا فنجونا، وأمثال ذلك كثير(3)...
__________
(1) الكامل في التاريخ: (9/339).
(2) الكامل في التاريخ: (9/385).
(3) الكامل في التاريخ: (9/337).(2/232)
- أقول: ما دام القتل مؤكداً، وما دام في الدفاع عن النفس إمكانية للنجاة، إذن، فلم يكن ذلك الاستسلام بسبب الخوف فقط، ولو كان الخوف وحده هو السبب لهربوا على الأقل، إن لم يدافعوا! ولو محصنا الأمور لرأينا أن السبب الأساسي هو (مقام التوكل، أو التسليم، أو عدم الاعتراض)، الذي جرتهم إليه الصوفية، وعلى رأسها الرفاعية التي كانت واسعة الانتشار، بسبب ضرب الشيش، والهجوم على النار، وأكل الحيات... ثم القادرية ثم بقية الطرق.
ومنها:
ذكر وصول طائفة من التتر إلى أربل ودقوقا:
...(يذكر حوادث مذهلة) إلى أن يقول: وعادوا (أي: التتر) سالمين، لم يذعرهم أحد، ولا وقف في وجههم فارس! وهذه مصائب وحوادث لم ير الناس من قديم الزمان وحديثه ما يقاربها! فالله سبحانه يلطف بالمسلمين ويرحمهم ويرد هذا العدو عنهم(1)...اهـ.
- هنا أذكر تقريراً لصاحب كتاب (الفكر الشيعي والنزعات الصوفية)، يقول:
...وجلا ابن تيمية حقيقة أخرى، حين قرر أن ظهور الأحمدية (الرفاعية)، وإضعافهم الوازع الديني المتصل بالفقه الإسلامي مباشرة، وتخديرهم الناس، وحملهم على الخمول والكسل والتسليم، كان أكبر أسباب ظهور التتار(2). اهـ.
- أقول: إن دور العقيدة التي غرستها الصوفية أقوى من دور الخمول والكسل، ولنسمع شاعرهم يقول:
يا خائفين من التتر
عوذوا بقبر أبي عمر
ينجيكمو من الضرر(3)
وهذا تقرير آخر، لأبي الحسن الندوي، يقول:
__________
(1) الكامل في التاريخ: (9/386).
(2) الفكر الشيعي، (ص:88).
(3) رجال الفكر والدعوة في الإسلام: (2/176).(2/233)
كانت العقائد والتقاليد المشركة نالت رواجاً بين عامة المسلمين باختلاطهم مع غير المسلمين... وانتشار تعليمات الجهلة والضالة من الصوفية وأعمالهم، فقد وجد عدد وجيه من المسلمين في ذلك الحين يعتقدون في أئمة دينهم ومشايخهم والأولياء والصالحين منهم الاعتقادات الفاسدة... وكل ما كان يدور حول قبور الأولياء والمشايخ كان تقليداً ناجحاً للأعمال والتقاليد التي كانت تنجز في معابد غير المسلمين وقبور المقدسين عندهم، فالاستغاثة منهم والاستعانة بهم، ومد يد الطلب والضراعة إليهم، كل ذلك كان عاماً شائعاً بينهم، كما عمت عادة بناء المساجد الفخمة على قبورهم وجعلها مسجداً، وعقد المهرجانات عليها عاماً فعاماً، وقطع المسافات الطويلة للوصول إليها، وقد تفاقمت هذه العقائد السيئة وانتشرت هذه البدع والمنكرات في أواخر القرن السابع بشكل فظيع(1)... إلخ.
- أقول: كل ما كان يدور حول قبور الأولياء والمشايخ، لم يكن تقليداً ناجحاً للأعمال والتقاليد التي كانت تنجز في معابد غير المسلمين كما قال أبو الحسن! وإنما هو نتيجة طبيعية للصوفية أينما وجدت، يؤمن به كل الصوفية، لكنهم يظهرونه عندما يأخذون قسطاً كافياً من الحرية، ويكتمونه تقيَّةً عندما تتفتح عليهم أعين المسلمين اعتقاداً منهم أن هذا هو رسالة الإسلام، وقد رأينا من أقوالهم مئات النصوص التي تشير إلى هذا.
وترد هنا ملحوظة هامة، هي أن التتر عرفوا للصوفية فضلها في انتصاراتهم التدميرية وقدروها كثيراً، وأعطوها مركزاً مرموقاً، جعلها تهيمن على كل البلاد التي اجتاحها التتر، وقد جلى هذه الحقيقة أحد مشايخ الرفاعية، هو صالح بن عبد الله البطائحي، عندما قال في صراحة تامة لابن تيمية في مناظرته له في مصر سنة 705هـ / 1305م: نحن ما ينفق حالنا إلا عند التتر، وأما عند الشرع فلا.
__________
(1) رجال الفكر والدعوة في الإسلام: (2/171، 172).(2/234)
وكان هذا التقدير الكبير للصوفية من قِبَل التتر الذين دمروا البلاد وأهلكوا العباد سبباً آخر لإقبال الناس، من أهل البلاد التي اجتاحها التتر، ومن التتر أيضاً، إقبالاً كاملاً على الصوفية وتقديس مشايخها إلى درجة التأليه، حتى عم البلاء إلا من رحم ربك.
* النتيجة:
الصوفية كانت العامل الأساسي الوحيد وراء الاستسلام العجيب لتلك المجازر التي ما عرف التاريخ مثل هولها حتى ظهور الماركسية سنة 1917م في روسيا، ثم امتدادها بعد ذلك، حيث قتلت من المسلمين وحدهم في مدة (68 عاماً) يزيد عن (100 مليون نسمة)، واحتلت من أراضيهم ما يزيد عن (23 مليون كيلو متر) مربع، وهي تزحف بإصرار وبأساليب مبنية على القوانين العلمية للقضاء على العالم الإسلامي عامة، والعربي خاصة، والمسلمون هم الذين يمهدون لها الطريق، ويزيلون من أمامها العقبات، ويعدون مقاتلة أعداء الماركسية جهاداً في سبيل الله، ولعلهم لم يشعروا بعد أن الماركسية هي اليهودية، وأنها التطبيق العملي لأسطورة الشعب المختار، وأنها تجند البشر لخدمة اليهود، ولعلهم لم يشعروا بعد أنهم مجروفون فيها بشكل أو بآخر، دون أن يشعروا كما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم: {غثاء كغثاء السيل}. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون.
ولعلهم لم يشعروا بعد أن الماركسية هي فتنة الدجال، وستبلغ قمتها بظهور المسيح الدجال، ملك اليهود، مع العلم أن أحوال الماركسية وأساليبها وغاياتها (التي لم يشعر بها المسلمون بعد) تطابق أوصاف الرسول لفتنة الدجال مطابقة تامة، وأنها لا تجري بقوى سحرية، وإنما بالدعاية الرمادية الغزيرة منذ عقودها الأولى، حيث اقتنع المسلمون بأوهام لا واقع لها، وصارت عندهم هذه الأوهام حقائق بدهية من طول ما سمعوه من دعاية موجهة وكثرتها، وأصبح المسلمون لا يرون كافراً ولا عدواً للإسلام إلا مَنْ يحارب الماركسية.
* الفرق المذهبية:(2/235)
يمكن أن نميز في الفرق المذهبية عند المسلمين عدة حالات:
أ- فرق ذاتُ منشأ غير صوفي، نشأت فيها طرق صوفية، فشحنتها بالأعداد الكثيرة التي أعطتها الدفع اللازم للاستمرار.
ب- فرق صوفية المنشأ والمسير، يعتبرون أنفسهم صوفية حتى الآن، بينما هم غدوا فرقاً متميزة.
ج- فرق صوفية المنشأ، تطورت حتى نسي أهلها منشأهم الصوفي، وصاروا على دين جديد.
د- فرق لم تنشأ فيها طرق صوفية، فاضمحلت وذابت في إحدى الفرق السابقة أو رجعت إلى الإسلام.
هـ- فرق لم يكن للصوفية فيها دور ملحوظ، ورغم ذلك استمرت مسيرتها، لكنها الآن قليلة الأتباع نسبياً، ولعله لا يوجد منها غير فرقتين: الزيدية بفروعها (السليمانية، والصالحية، والجارودية..)، والإباضية، مع ملحوظة هامة هي: لو اعتبرت الزيدية الصالحية والسليمانية (فقط) مذهباً خامساً، والإباضية مذهباً سادساً، لما كان هذا الاعتبار بعيداً عن الواقع، مع اعتراض على الإباضية، لقولهم بتكفير علي بن أبي طالب.
وفيما يلي، نستعرض بإيجاز أبرز الفرق في عصرنا الحاضر، التي لعبت الصوفية دورها في وجودها أو في استمراريتها:
* الإسماعيلية:
يحتاج التوضيح الموجز إلى دور الصوفية فيها إلى صفحات كثيرة، لذلك نكتفي بإيراد بعض أقوال لبعض الباحثين:
يقول عارف تامر، وهو إسماعيلي من السلمية، في تقديمه لقصيدة عامر بن عامر:
...مما لا ريب فيه أن في القصيدة آراء إسماعيلية ظاهرة، وتعابير إسماعيلية باطنية لا تخفى على المطلعين، ولعل هذا يثبت نظريتنا القائلة بأن المدرستين، الإسماعيلية والصوفية، كانتا متلازمتين تتأثران ببعضهما البعض بالنسبة لوقائع الأزمنة والأحوال(1)...
ويقول الدكتور سيد حسين نصر:
__________
(1) أربع رسائل إسماعيلية، في آخر مقدمته على قصيدة عامر بن عامر.(2/236)
فقد كانت هناك بعض الصلات بين التصوف والتشيع- وعلى الأخص بطابعه الإسماعيلي- كما يبدو مما ذكره إخوان الصفا عن التصوف في رسائلهم، وهم إن لم يكونوا حتماً من أصل إسماعيلي، فهم بلا ريب قد نشئوا في وسط شيعي، واقترن ذكرهم فيما بعد بالحركة الإسماعيلية(1)... اهـ.
- وأضيف: إن العقائد والشطحات عند الإسماعيلية بشكل عام، وعند الحسن بن الصباح منذ استيلائه على قلعة (آلَهْ مُوت) في نواحي قزوين سنة 483 هـ، وعند خلفائه، بشكل خاص، سواء في الأقوال أو الأفعال، وكذلك عند سنان راشد الدين الذي استولى على عدة قلاع في الشمال الغربي من الشام، في النصف الثاني من القرن السادس الهجري، وما يذكر عنه من خوارق تدل على قيامه بالرياضة الإشراقية، وتقديسهم لابن عربي وأفعاله، وتبنيهم تفاسيره الإشارية، كل هذا دليل على دور الصوفية في الإسماعيلية.
وهذه كلمة لعالم من علمائهم شهاب الدين بن نصر ذي الجوشن الديلمي المينفي (نسبة إلى المينفة في شمال غربي سورية)، تظهر فيها وحدة الوجود إلى جانب العقيدة الرئيسية عندهم، يقول:
اعلم أيها الأخ البار الرحيم الرشيد، بأن التوحيد هو صفة الموحَّد المجيد، وهو درجة العقل الفعال، وأحد الحقيقة، والمبدَع الأول، وينبوع الوجود، ومصدر العدد، فمنه إشراق أنوار الكلمة العلية، ومبتدأ الوجود، وابتداع المنزه المعبود، والواحد الفرد الصمد، الذي من جوهره وجدت الموجودات، فلزمتها صفة الأعداد والأزواج والأفراد، وإليه عودتها حين المعاد(2)...اهـ.
__________
(1) الصوفية بين الأمس واليوم، (ص:134).
(2) أربع رسائل إسماعيلية، رسالة مطالع الشموس في معرفة النفوس، مطلع المرتبة الثانية في التوحيد والتنزيه والتجريد.(2/237)
تبدو العقيدة الإسماعيلية في هذا النص في (العقل الفعال) وأوصافه، وتبدو وحدة الوجود في قوله: (الذي من جوهره وجدت الموجودات...وإليه عودتها حين المعاد. وشطحاتهم في الأقوال والأفعال، التي هي، بطبيعة الحال، تشبه أحوال متعاطي الحشيش، دعت أعداءهم إلى تسميتهم بـ (الحشاشين)، وانتشر الاسم.
والإسماعيلية تنقسم إلى فرقتين رئيسيتين: النزارية أو (الآغاخانية)، والمستعلية أو (البوهرة)، وكانت الشعائر الإسلامية قد ألغيت عند النزارية منذ العقود الأخيرة في الموت، قبل أن يهدمها التتر؛ لكنهم الآن عادوا إلى تطبيقها على المذهب الشافعي، وعسى أن يرتق الله سبحانه بهم بعض الفتق.
* النصيرية:-
مؤسسها أبو شعيب محمد بن نصير النميري (بالولاء)، مات حوالي سنة (270هـ)، وخلفه تلميذه محمد بن جندب، وكانت مدته قصيرة، وكانت الطائفة في زمنهما قليلة، تتألف من بعض الشيعة الذين قبلوا أقوال ابن نصير. وبعد موت محمد بن جندب بعد عام (270هـ) بقليل، خلفه أبو محمد عبد الله بن محمد الجنان الجنبلاني (مات سنة 287هـ)، وكان يقيم في فارس في بلدة (جنبلا)، ولذلك اشتهر أيضاً بـ (الفارسي)، وقد أحدث طريقة صوفية عرفت بـ(الجنبلانية)، وكانت مثل غيرها من الطرق، تجتذب المريدين المخدوعين من سنة وشيعة، وأكثرهم من السنة؛ لأن أهل السنة كانوا يشكلون الأكثرية الساحقة، وكان كل من دخل الطريقة يتحول مباشرة إلى النصيرية اتباعاً لشيخه، وبذلك ازداد أتباع المذهب النصيري ازدياداً كبيراً.
سافر الجنبلاني إلى مصر، حيث انتسب إلى طريقته الحسين بن حمدان الخصيبي الذي صحب الجنبلاني في عودته إلى فارس، ثم خلفه في مشيخة الطريقة وفي الرئاسة الدينية للطائفة، وقد انتقل إلى حلب، وجعلها موطناً له، وانتشرت الطريقة في عهده بسرعة، وخاصة في سنجار، وانتشارها يعني انتشار المذهب النصيري، وقد ساعد على انتشار الطريقة والمذهب طول عمر الخصيبي، الذي عاش حتى سنة (358هـ).(2/238)
ونورد قولاً في هذا الموضوع لمؤرخ نصيري هو محمد أمين غالب الطويل(1)، يقول: كان السيد أبو سعيد سرور (مات سنة 426 هـ)، أكبر مؤلف بين العلويين، وهو آخر شيخ منفرد بالطريقة الجنبلانية التي استحالت بعد ذلك، وتشكل منها شعب العلويين(2)...(العلويون) اسمٌ ثانٍ للنصيرية استحدث زمن الاستعمار الفرنسي، ويسمون أيضاً (العلي إلهيون).
* اليزيدية (عبدة الشيطان):-
وهي في الأصل طريقة صوفية هي الطريقة العدوية، مؤسسها عدي بن مسافر الأموي، من نسل مروان بن الحكم، وقد تتلمذ على عبد القادر الجيلاني.
كانت بلاد سنجار بجبالها ووديانها شبه منعزلة عن العالم، فترعرعت فيها النصيرية الجنبلانية بحرية، حتى استوت، وعندما هاجر منها النصيريون إلى المناطق الشمالية الغربية من سورية عام (620هـ)، خلفهم فيها أتباع الطريقة العدوية، إذ كان مقر عدي بن مسافر هناك، وترعرعت هذه الطريقة بعيداً بعض الشيء عن أعين المسلمين وعلماء الإسلام، وأخذت حريتها الكاملة، ومن الطبيعي أن تظهر بين مشايخها الأمويين وأتباعهم ردود فعل تتناسب شدتها مع شدة غلو النصيرية في شتمهم للأمويين، وخاصة يزيد بن معاوية، وردود الفعل هذه، مضاف إليها طبيعة الصوفية الخاضعة دوماً للكشف وتوجهاته، والذي هو خاضع بدوره لأهواء الشيخ الكامنة في نفسه من جهة، ووسوسات شياطين الجن والإنس من جهة ثانية، ومضاف إليها الجهل الذي تفرضه الصوفية على أتباعها، كل هذا جعل الانحراف المقابل للتشيع يسير بسرعة حتى استوى في مدة وجيزة وظهر الزيغ والضلال في زمن شيخها حسن بن عدي بن صخر بن أبي البركات بن صخر بن مسافر، وصخر بن مسافر هذا هو أخو عدي بن مسافر الذي عمر حتى تجاوز التسعين من عمره.
__________
(1) من أحياء العقد الثالث من القرن العشرين الميلادي، لم أقف على تاريخ وفاته.
(2) تاريخ العلويين، (ص:264).(2/239)
مات حسن بن عدي سنة (644هـ) مقتولاً على الزندقة، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، ولا بد من أن يكون بعض التطور قد حدث بعده في الطريقة.
ولعل النصيرية هم الذي أطلقوا عليهم اسم (اليزيدية) للتشنيع، بينما قبلوه هم لأنهم كانوا يرون فيه شرفاً لا تشنيعاً بسبب أموية شيوخهم، وهذا يعني أن هذا الاسم يجب أن يكون قد انتشر قبل هجرة النصيرية (وهو كذلك).
ولعل مقام الورع الذي تحقق به مشايخهم، وكانوا يحثونهم عليه، هو الذي أوصلهم إلى عبادة الشيطان! فقد كانوا لشدة تحققهم بهذا المقام، يتورعون عن السب واللعن، حتى عن لعن الشيطان (بدلاً من سب الشيطان قل: لا إله إلا الله)، ثم مع مثابرتهم على التمسك بهذا المقام- ولعل عوامل أخرى تدخلت في الموضوع- صاروا يعنفون من يسب الشيطان، ومع الزمن، وزيادة الورع، تحول هذا إلى تقديس الشيطان ثم إلى عبادة له.
* الدرزية:-
تؤمن الدرزية أن الزمن يقسم إلى أكوار، وكل كور إلى أدوار، وأن الله سبحانه يتأنس (يظهر بصورة إنسان) في أول كل دور، وأنه (سبحانه وتعالى) في الدور الأخير من الكور الحالي تأنس بصورة الخليفة الفاطمي (الحاكم).
مؤسس الدرزية هو الحمزة بن علي الزوزني (اختفى سنة 411 هـ بعد اختفاء الحاكم)، ومما ينعت به: علة العلل، العقل الأول، النور الكلي، الجوهر الأزلي، فيه بدأت الأنوار، ومنه برزت الجواهر، وعنه ظهرت العناصر، ومنه تفرعت الأصول، وبه تنوعت الأجناس، أصل الوجود، قائم الزمان، هادي المستجيبين... ذو معة. وكانت دعوته بدعم مباشر من الحاكم.(2/240)
ويأتي بعده في المرتبة الدينية إسماعيل بن محمد التميمي (النفس الكلية، المشيئة...ذو مصَّة)، ثم محمد بن وهب القرشي (الكلمة...)، ثم سلامة بن عبد الوهاب السامري (السابق، الجناح الأيمن..)، ثم علي بن أحمد السموقي الطائي (التالي، الجناح الأيسر..)، المعروف بلقب بهاء الدين الضيف (اختفى سنة 434هـ/ 1042م)، ومدته في الدعوة أطول من مدة الأربعة مجتمعين. وهؤلاء يدعون (الحدود الخمسة).
تظهر وحدة الوجود واضحة في أوصاف الحمزة بن علي: فيه بدأت الأنوار، ومنه برزت الجواهر، عنه ظهرت العناصر...إلخ، كما تشم منها زاخمة رائحة الكشف والرؤى الكشفية.
وتصف الدكتورة نجلاء عز الدين مؤلفة كتاب: (الدروز في التاريخ) الحاكم بقولها:
...فالحاكم كغيره من الصوفية، خبر المعراج الروحي فغاب بشهوده عن وجوده... يتكلم وكأن الله هو المتكلم، فيقول: وكما سما أناس بحبنا إلى الفناء في ذاتنا، فلولا المحبة لما فنوا ولما وصلوا إلى طريق الارتقاء إلى العالم الأقدس(1) لو رجعنا إلى فصل لا طريقة بدون شيخ، لرأينا التشابه التام بين هذا القول وأقوال مشايخ الصوفية).
وجاء في الرسالة الثالثة عشر من رسائل الحكمة (كتاب الدروز): إن المولى سبحانه لا يدخل تحت الأسماء والصفات واللغات...هو الموجود في الحقيقة ولا غيره موجود(2). (هذا نفس قول الصوفية).
وتقول المؤلفة أيضاً (وهي درزية): إن مذهب الدروز مسلك صوفي عرفاني...فالسالك بعد أن يكون قد ارتاض بالعمل بموجب ظاهر الشريعة وباطنها يصل إلى مرحلة يصبح عندها مهيأً لتقبل الحقيقة دون حاجة إلى شعائر ووسائط...إن ما هو أهم من ظاهر العبادات معناها الحقيقي، وهو الرياضة الروحية...فتصبح النفس مهيأة للمثول أمام خالقها، فتبلغ بنعمة المولى ولطفه مرتبة المشاهدة(3)...
__________
(1) الدروز في التاريخ، (ص:129).
(2) الدروز في التاريخ، (ص:140).
(3) الدروز في التاريخ، (ص:148و 149).(2/241)
وفي ترجمتها للأمير السيد جمال الدين عبد الله التنوخي، وهو يلي الحدود الخمسة في المقام (ت:884 هـ/ 1479 م)، تقول: ...فهو (أي: عبد الله التنوخي) ينبوع الخيرات ومعدن البركات...العارف بالله الرباني...سرعان ما انتشرت شهرته كولي من أولياء الله الصالحين(1)...
وتقول: إن كتابات السيد مفعمة بروح صوفية، فقد اتبع خطا الصوفية في الوصول إلى معرفة الله(2)...
ومما تورده من أقواله: ...فمتى قهرت النفس الشهوات أصبحت خاضعة لله، مراقبة لباريها، سائرة إلى معرفته، فيمن عليها الصفاء والإشراق(3)...
وفي كتاب إلى عبد القادر ريان، أحد المريدين، يقول السيد: وقاعدة السعادة في الدين والدنيا أن يستشعر العبد حضور خالقه في سره وطويته وظاهره وباطنه...وتأتي المشاهدة بعد الانصراف عن كل ما هو سوى الله(4).. اهـ.
* النتيجة:
الصوفية وراء الدرزية، وفي الحقيقة، الدرزية الآن هي الإشراق ذاته غير ممزوج بشيء (الخلوة والرياضة حتى الوصول إلى الإشراق)، والنصوص القليلة السابقة واضحة في هذا المدلول، وهم يسمون أنفسهم (الموحدين)، ويسمون مذهبهم (مسلك التوحيد)، ويعنون بذلك نفس المعنى الصوفي، أي: وحدة الوجود. والواصلون منهم يسمون (أعرافاً)، مفردها (عَرْف)، وهو اشتقاق من (العارف)، مع العلم أن هذا (أعراف)، قلما يستعملونه الآن، ويستعملون بدله كلمة (أجاويد)، مفردها (جويِّد).
وهناك دلائل تشير إلى أن الدروز كانوا يقيمون الشعائر الإسلامية حتى زمان متأخر.
* البكطاشية:-
طريقة صوفية في الأصل، وحتى الآن يعتبرها أتباعها طريقة صوفية، رغم أنها صارت مذهباً -بل ديناً- شاذاً عن الإسلام، وقد لا يمضي وقت طويل حتى ينسى أتباعها أنهم أتباع طريقة صوفية، ويرون أنفسهم أهل مذهب خاص.
__________
(1) الدروز في التاريخ، (ص:229).
(2) الدروز في التاريخ، (ص:236).
(3) الدروز في التاريخ، (ص:236).
(4) الدروز في التاريخ، (ص:237).(2/242)
وهذه بعض معالمها كما يذكرها أحمد حامد الصراف (بغدادي) في كتابه (الشبك).
1- البكطاشية طريقة صوفية لا يتيسر الانخراط في سلكها إلا بعد مضي مدة التجربة، وهي ألف يوم ويوم.
2- البكطاشية تتهاون بأداء الفرائض كالصوم والصلاة والحج والزكاة والجهاد.
3- البكطاشي لا يتحرج في شرب الخمرة، فالخمرة شربها مباح.
4- البكطاشي يعترف عند الباب أو البير بما ارتكبه من آثام ويتلقى منه المغفرة.
5- البكطاشي يغالي في الإمام علي، ويرفعه إلى مقام الألوهية(1). اهـ.
والبكطاشية منتشرة في تركيا وشرق أوروبا، ويقال: إن عدد أتباعها في تركيا وحدها يزيد على ثلاثة عشر مليوناً، وكذلك انتشارها في مصر في تزايد مستمر، والبكطاشي شيعي اثناعشري يسمي نفسه سنياً.
ويوم 16 آب هو عيدهم، حيث يجتمع الآلاف منهم بالألبسة الزاهية، يطوفون حول القبر المقدس في نوشهر في تركيا، ويقيمون الرقصات والأذكار الخاصة، وعلى رءوسهم قلنسوات أسطوانية ذات 12 طية، إشارة إلى الأئمة الاثني عشر، أئمة الشيعة، وحركاتهم في الرقص (الحضرة) عنيفة، ويبقى العيد ثلاثة أيام.
* المتاولة:
شيعة الهند وإيران والعراق الجنوبي وجبل عامل (الشرخ الأكبر في جسم الأمة الإسلامية):-
ما كان التتار في غزواتهم حملة عقيدة يسعون إلى نشرها، وما كان غزوهم إلا من أجل العلو أو الانتقام أو النهب) ولمجرد الغزو والفتح، وكانت عقائدهم التي يدينون بها متشعبة وثنية ساذجة تنفر منها الفطرة السليمة.
عندما تصطدم أمة، هذه حالها، بعقيدة واضحة، متلائمة مع الفطرة، مستقيمة مع المنطق، صادقة المنهج، فسرعان ما تستسلم هذه الأمة لهذه العقيدة.
وهذا ما حدث للتتار، فبعد جيل (في مكان)، أو جيلين (في مكان آخر)، أو أكثر بقليل (في مكان ثالث)، أخذ التتار يدخلون في الإسلام زرافات ووحداناً.
__________
(1) الشبك، (ص:47).(2/243)
وبما أن الصوفية كانت واسعة الانتشار جداً، لذلك كان دعاة الإسلام بين التتار خليطاً من مسلمين صحيحي العقيدة ومن متصوفة، مما جعل دخول قسم لا بأس به من التتار إلى الإسلام على أيدي متصوفة، وخاصة من مشايخ الطريقة الرفاعية الذين كانوا يذهلونهم بالخوارق التي يجرونها أمامهم.
وهنا يجب ألا ننسى أن المتصوفة يظهرون الشريعة ويبطنون الحقيقة (حقيقتهم)، فهم عندما كانوا بخوارقهم يجتذبون التتار إلى الإسلام، كانوا يجتذبونهم إلى الشريعة الإسلامية حسب الظاهر، ثم بعد ذلك يجرونهم وراءهم في طريق التصوف.
كما يجب ألا ننسى أبداً أن إبليس ماهر في الحساب، يتقن الجمع والطرح، ويعرف أن العشرة أكثر من الواحد.
ويجب كذلك ألا ننسى أبداً أن إبليس كان يعرف أن التتار ليسوا حملة عقيدة، وأنهم باختلاطهم مع المسلمين سوف يسلمون، إن لم يكن في هذا الجيل، ففي الذي بعده.
وبذلك كان يعرف أن إدخال أعداد من التتار في الإسلام بواسطة المتصوفة لإضلال أضعاف أضعاف أضعافهم، هو عملية مربحة جداً له.
ولذلك كان وجنده يقدمون خدماتهم للمتصوفة بإجراء تلك الخوارق، وبكل تأكيد، كانوا يقدمونها بحماس، مما سبب دخول أعداد من التتار في الإسلام.
زاد بذلك افتتان الناس بالصوفية، وغدا الشيخ الصوفي إلهاً يعبد ويسجد له، وصارت تقدم له الأدعية والنذور والقرابين، ويتبرك حتى ببوله وخرئه، وصارت الطلاسم والأوراد والأحزاب والقبور هي هم المسلم، وكان الجهل هو المساعد الأكبر.
في ذلك الوقت، أي: في النصف الثاني من القرن السابع (بعد الغزو التتاري)، وما بعده، كان للتشيع فرق كثيرة (قليلة الأتباع)، يمكن توزيعها على ثلاث مجموعات هي:
أ- الغلاة: وأبرزهم النصيرية، وكانوا منتشرين في شمالي سورية وفي جيوب صغيرة في العراق وفارس، وكانوا يسمون أيضاً (العلي إلهيون).(2/244)
ب- الأقل غلواً: وأبرزهم الإسماعيلية والزيدية الجارودية، وكانوا منتشرين في البحرين واليمن والشام وفي جيوب في فارس، وكانت الزيدية في فارس أكثر من الإسماعيلية، ولا يعرف لها وجود متميز في الشام.
ج- المعتدلة: وأبرزهم الزيدية الصالحية والسليمانية في فارس والعراق واليمن، وكذلك شيعة جبل عامل في جنوب لبنان، والحلة وما حولها في العراق، وفي جيوب صغيرة في فارس والشام.
والشيعة المعتدلة هؤلاء كانوا يحترمون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم، لكنهم يفضلون علي بن أبي طالب، ويرونه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان، ويشتمون الأمويين، وخاصة يزيد بن معاوية، ويرون أن الخلافة يجب أن تكون في العلويين، وأن العباسيين مغتصبون لها، وكانوا يتبعون المذاهب السنية في الفقه.
جاء القرن الثامن والتاسع، والمسلمون (ويهمنا هنا البلاد التي اجتاحها المغول) على هذه الحال، ومن البدهي أن يظهر في الشيعة متصوفة، حيث عمل مثقفوهم على الجمع بين التصوف والتشيع، ساعدتهم طبيعة الصوفية بما فيها من باطنية وادعاء النسب لآل البيت، وزعم التسلسل الذي يوصلونه إلى علي بن أبي طالب عن طريق الأئمة الاثني عشر، لكنهم كانوا يبثون عقائدهم هذه بصورة محدودة بين خواصهم وبعض غيرهم، كما ألف بعضهم كتباً في هذا الشأن، أي إنهم لم يؤسسوا طرقاً صوفية ويحاولوا تشييعها، بل اكتفوا بما كانوا يلقونه من دروس ومواعظ ومناقشات، أو بما كانوا يؤلفون من الكتب، منهم:
آل طاوُس: الذين بقيت نقابة الأشراف فيهم عشرات السنين، وكانوا يعدون أولياء ذوي كرامات أحياءً وأمواتاً، حتى لقد صار قبر السيد أحمد بن طاوُس مزاراً مشهوراً، وحتى تحرج العامة والخاصة عن الحلف به كذباً خوفاً(1). وأهمهم.
- نقيب الأشراف رضي الدين علي بن طاوُس، توفي سنة (644هـ)، قبل دخول التتار إلى بغداد.
__________
(1) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:113).(2/245)
- وبعده نقيب الأشراف جمال الدين محمد بن طاوُس، توفي بعد سنة (672هـ) بقليل.
- وبعده غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن طاوُس، توفي سنة (693هـ).
ومن غير آل طاوس:
- كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني مات سنة (679هـ).
- عز الدين، أبو الفضل عامر بن عامر البصري، من أحياء العقود الأولى من القرن الثامن، نظم قصيدة سماها (ذات الأنوار)، عدد أبياتها (507) أبيات، وعدد فصولها (12) فصلاً، نظمها سنة (705هـ)، (لنلاحظ أن 5+7=12 وهو عدد الأئمة الإثني عشرية)(1)، وقصيدته هذه التي مطلعها:
تجلى لي المحبوب في كل وجهة ... ... فشاهدته في كل معنى وصورة
هى التي يعزو عبد الوهاب الشعراني في طبقاته أبياتها الأوائل إلى إبراهيم الدسوقي، وتوحي هذه القصيدة بأن عامر بن عامر إسماعيلي، تصوف في الطريقة البكطاشية، فصار اثني عشرياً إسماعيلياً.
- الحسن بن يوسف بن مطهر الحلي، تلميذ نصير الدين الطوسي، صاحب كتاب منهاج الكرامة، الذي نقضه ابن تيمية في كتابه (منهاج السنة)، مات ابن المطهر سنة (727هـ)، وقد تشيع به جماعات كثيرة.
وهناك غيرهم أعداد.
هؤلاء أوجدوا هنا وهناك بؤراً شيعية جديدة أضيفت إلى القديمة، وفي هذه البؤر وجد مشايخ الطرق المتشيعون الذين جاءوا فيما بعد دعاة، كانوا عوامل، إلى جانب الشيخ، في إقناع الأتباع بالتشيع.
ثم جاءت الطرق لتكون العامل الحاسم في تشييع فارس وبعض العراق، وقبل إلقاء نظرة سريعة على أبرزها، نعود لإلقاء نظرة ثانية، وسريعة أيضاً، على مدى سيطرة الصوفية على المجتمعات في ذلك الوقت:
مما يقرره أبو الحسن الندوي ناقلاً، يقول:
وآخرون قد جعلوا الميت بمنزلة الإله والشيخ الحي المتعلق به كالنبي، فمن الميت يطلب قضاء الحاجات وكشف الكربات، وأما الحي فالحلال ما حلله والحرام ما حرمه...
__________
(1) أشار إلى هذه الملاحظه مؤلف الفكر الشيعي والنزعات الصوفية.(2/246)
فطائفة من هؤلاء يصلون إلى الميت، ويدعو أحدهم الميت، فيقول: اغفر لي وارحمني، ونحو ذلك، ويسجد لقبره، ومنهم من يستقبل القبر، ويصلي إليه مستدبراً الكعبة، ويقول: القبر قبلة الخاصة، والكعبة قبلة العامة، وهذا يقوله من هو أكثر الناس عبادة وزهداً...وآخر من أعيان الشيوخ المتبوعين أصحاب الصدق والاجتهاد في العبادة والزهد، يأمر المريد أول ما يتوب أن يذهب إلى قبر الشيخ، فيعكف عليه عكوف أهل التماثيل، وجمهور هؤلاء المشركين بالقبور يجدون عند عبادة القبور من الرقة والخشوع والدعاء وحضور القلب ما لا يجد أحدهم في مساجد الله تعالى...
حتى إن طائفة من أصحاب الكبائر الذي لا يتحاشون فيما يفعلونه من القبائح، كان إذا رأى قبة الميت أو الهلال الذي على رأس القبة، خشي من فعل الفواحش، ويقول أحدهم لصاحبه. ويحك هذا هلال القبة، فيخشون المدفون تحت الهلال، ولا يخشون الذي خلق السماوات والأرض...
ويحلف أحدهم اليمين الغموس كاذباً، ولا يجترئ أن يحلف بشيخه اليمين الغموس كاذباً، ومنهم من يقول: كل رزق لا يرزقه إياه شيخه لا يريده...
وهؤلاء يجعلون الرسل والمشايخ يدبرون العالم بالخلق والرزق وقضاء الحاجات وكشف الكربات...ومن هؤلاء من يظن أن القبر إذا كان في مدينة أو قرية فإنهم ببركته يرزقون وينصرون، وأنه يندفع عنهم الأعداء والبلاء بسببه(1)...
ثم يقول أبو الحسن الندوي معلقاً ومبيناً:
__________
(1) رجال الفكر والدعوة في الإسلام: (2/172، وما بعدها).(2/247)
وكانت النتيجة الحتمية لهذا الإجلال والتعظيم أن تتزايد أهمية المشاهد بإزاء المساجد...فقد انتشرت هذه المشاهد والمزارات في كل ركن من أركان العالم الإسلامي، ووجدت آلاف مؤلفة من القبور المزورة، وتصدى الأمراء والسلاطين لوقف الممتلكات والأراضي الواسعة عليها، وأقيمت عمارات ضخمة وقباب فخمة في أمكنة هذه القبور ومشاهد المشايخ، كما وجدت أمة بأسرها من العاكفين والكناسين والخدم لهذه القبور، ونالت الرحلة إليها كل إعجاب، حتى بدأت تصل قوافل الحجاج إليها من مسافات بعيدة...
إلى أن يقول:
وفي القرنين السابع والثامن، دخلت هذه المشاهد والضرائح في حياة المسلمين الدينية، ونالت عندهم من القبول والمركزية ما جعلها تنافس بيت الله وتتحداه(1)...إلخ.
وهذا تقرير آخر لابن بطوطة (الرحالة) عن تربة أبي إسحاق، إبراهيم بن شهريار الكازروني في كازرون(2)، يقول:
...ومن عادتهم أن يطعموا الوارد كائناً من كان، من الهريسة المصنوعة من اللحم والسمن، وتؤكل بالرقاق، ولا يتركوا الوارد عليهم للسفر حتى يقيم في الضيافة ثلاثة، ويعرض على الشيخ الذي بالزاوية حوائجه، ويذكرها الشيخ للفقراء والملازمين للزاوية وهم يزيدون على مائة...
وهذا الشيخ أبو إسحاق معظم عند أهل الهند، ومن في الصين، ومن عادة الركاب في بحر الصين أنهم إذا تغير عليهم الهواء وخافوا اللصوص نذروا لأبي إسحاق نذراً، أو كتب كل منهم على نفسه ما نذره...وما من مركب يأتي من الصين أو الهند إلا وفيه آلاف من الدنانير، فيأتي الوكلاء من جهة خادم الزاوية فيقبضون ذلك...اهـ.
__________
(1) رجال الفكر والدعوة في الإسلام: (2/176 - 187).
(2) مدينة إيرانية داخلية تبعد عن أقرب مرفأ إليها على خليج البصرة حوالي مائة كم، وهو بندر ريك.(2/248)
- أقول: في هذه النصوص كفاية وفوق الكفاية بكثير، لنعرف مدى سيطرة الصوفية، ومدى تأثير المشايخ على العقول، والكتاب كله براهين من أقوالهم على عقائدهم هذه التي يؤمنون بها كلهم ويكتمها الكمل منهم، ويظهرون الشريعة.
وهذه ملحة إضافية من أناشيدهم على لسان شيوخهم:
وأنا صرخت في العرش حتى ضج
وأنا حملت على علي حتى هج
وأنا البحار السبعة من هيبتي ترتج
في هذا المحيط، أخذت الطرق الصوفية تعمل عملها، والبارزة من هذه الطرق هي:
الصفوية:
التي لعبت في هذا المضمار دورين: دورا تأسيسياً في مراحلها الأولى، ثم الدور الحاسم في مراحلها الأخيرة.
مؤسسها هو صفي الدين إسحاق بن أمين الدين جبرائيل الأردبيلي، والظاهر أنه تركي الأصل؛ لكنه مع ذلك من سلالة الحسن أو الحسين (الشك من ابنه)، ولد صفي الدين سنة (650هـ)، ومات سنة (735هـ) على الأرجح، أخذ الطريقة (لعلها القادرية) عن الشيخ إبراهيم الزاهد الكيلاني المتوفى سنة (700هـ) في كيلان، ثم أسس طريقته التي انتشرت في أردبيل وقزوين وما حولهما، وتسربت إلى غيرها من البلدان القريبة.
كان أتباعها يتحولون إلى شيعة (معتدلة) بسبب تشيع شيوخهم ونسبهم العلوي (المدعى)، ودعوتهم إياهم إلى التشيع؛ لأن المريد يجب أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل، وكان أتباعه قبل الشروع بالحضرة يسجدون له، ثم يتابعون حضرتهم، وهي من الجالسة الصائتة، وقد أخذت الطريقة النعمتللاهية هذا التقليد عن الصفوية(1).
__________
(1) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:249).(2/249)
السنية السعدية: مؤسسها سعد الدين محمد بن المؤيد...بن حمويه، مات في خراسان سنة (650هـ-1252م)، لقبوه بـ (يسعى العجم)، شيعي من تلاميذ ابن عربي (الشيخ الأكبر)، أسس طريقته في دمشق، ثم انتقل إلى خراسان لينشرها هناك. و(يسعى العجم) هذا هو خاتم الأولياء، الذي هو معاد النبي، ومغرب جميع الأنوار المنتشرة في العلويات والسفليات...وهو مظهر قيام الساعة، يعني: قيام نفس الولاية التي تعم الإلهية، وكان (يسعى العجم) هذا يمثل العلم الإلهي المتسلسل من آدم إلى محمد ومندمجاً على ثمرة (تعليم الأسماء وعلم البيان)(1)...
ويسعى العجم هذا نزلت عليه سكينة الله فصار بها حياً باقياً خالداً دائماً في هذه الدار، وأعطاه السلام مفاتيح الغيب...وهكذا صار (يسعى العجم) إنساناً إلهياً لا يختلف عن الله حتى في الخلود(2)..اهـ.
- أقول: ما على القارئ إلا أن يتخيل رجلاً هذه صفاته التي يؤمن بها أتباعه وغيرهم، وهو شيعي يدعوهم إلى التشيع! فهل يمكن أن يوجد في هؤلاء الأتباع من لا يستجيب له؟ وهكذا انتشر التشيع في شرقي إيران، وإن كان انتشاراً محدوداً؛ لأن انتشار الطريقة السنية السعدية لم يكن واسعاً مثل الصفوية مثلاً، ويجب ألا ننسى أن شيخ يسعى العجم، الذي هو محيي الدين بن عربي، كان شيعياً أيضاً(3)، ويجعله الإسماعيلية من أئمتهم.
الحروفية: مؤسسها فضل الله بن عبد الرحمن الحسيني الاستراباذي، شيعي كان يتنقل بين مدن فارس، قتله ميران شاه بن تيمورلنك سنة (804هـ)، له ثلاثة كتب مقدسة: الجاردان نامة، أي: كتاب الخلود، ومحبة نامة، وعرش نامة، والأخيران شعر.
كان الجاردان نامة يدرس سراً، ولخليفته الثاني (علي الأعلى) شرح عليه.
__________
(1) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:208).
(2) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:209).
(3) ميزان الاعتدال للذهبي في ترجمة ابن عربي.(2/250)
في سنة (786هـ-1384م)، أعلن فضل الله مهديته (مهدي السنة طبعاً) بين أخصائه، وتلقى البيعة سراً(1)...وكانت دعوته مبنية على أنه خليفة الله كآدم وعيسى ومحمد، اجتمعت فيه مُثُل الصوفية والشيعة لإنقاذ العالم بالدم، فكان مهدياً وختماً للأولياء ونبياً وإلهاً في وقت واحد(2).
وبدهي أن يتبع الأتباع شيخهم بالتشيع، لأن المريد يجب أن يكون بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل. وطبعاً، كان الجهل أكبر مساعد.
ومما يجدر ذكره أن علم الحروف، رغم كونه من مستلزمات الكهانة أو (الصوفية؛ لا فرق) في جميع حالاتها، إلا أنه كان مقتصراً على الشيوخ والعارفين، حتى جاءت الحروفية فعممته، وصار علم الحروف (السحر) حرفة ووسيلة لتسخير الطبيعة، بقطع النظر عن كون المستخدم لها براً أو فاجراً، وانشغل الصوفية (وغيرهم) به لرسم الهياكل والطلاسم(3)...والمحبة والقبول والشفاء من الأمراض وغيرها...
ورغم أن الطريقة الحروفية اندثرت باندماجها في البكطاشية فيما بعد؛ إلا أنها تركت أثرها الحروفي في كل الطرق، وبالتالي في الأمة جمعاء، إلا من رحم ربك، وهكذا صار علم الحروف (السحر) من المظاهر البارزة في ثقافة الأمة جمعاء، إلى جانب القبوريات وخوارق المشايخ وتغريبة بني هلال وقصة سيف بن ذي يزن، وكذلك ظهر أثرها بعد زمن في الشيخية، ثم في البابية والبهائية.
الهمدانية:
مؤسسها علي بن الشهاب الهمداني، شيعي فارسي تخرج بالكبروية، وكاد أكثر مريديه من السنة الذين تشيعوا اتباعاً لشيخهم، وكان الجهل أكبر مساعد، مات علي الهمداني سنة (786هـ)، وسار خلفاؤه على نهجه بتشييع أتباعهم على النفس الطويل، وفي الهمدانية تخرج نور بخش.
__________
(1) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:181).
(2) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:182).
(3) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:197).(2/251)
في هذه العقود -أي: النصف الثاني من القرن الثامن- ظهر أيضاً كتاب من الشيعة المتصوفة دعوا إلى الجمع بين التصوف والتشيع، لعل أشهرهم: بهاء الدين، حيدر بن علي العبيدي الآملي، مات بعد سنة (794هـ)، له كتاب كان مشهوراً، اسمه (جامع الأسرار ومنبع الأنوار في أن عقائد الصوفية موافقة لمذهب الإمامية الإثني عشرية)، وله كتاب في التصوف اسمه: (نص النصوص في شرح الفصوص)، أي: شرح (فصوص الحكم لابن عربي. وبهاء الدين هذا من أتباع الطريقة الأكبرية العربية الحاتمية(1).
- ومن الظواهر البارزة في هذه العقود، تيمورلنك والحركة التيمورلنكية، ننقل جملة موجزة عنه من (الفكر الشيعي والنزعات الصوفية):
... فقد بدأ تيمور علاقاته الشخصية بالصوفية...اتصل في مطلع شبابه في (كش) بالشيخ شمس الدين الفاخوري، وفي خراسان بالشيخ أبي بكر الخوافي (ت: 838 هـ)، ولما ارتفع نجم تيمور غلب عليه السيد محمد بركة (ت: 804)، ولهذا روي عنه أنه كان يقول: جميع ما نلته بدعوة الشيخ شمس الدين الفاخوري، وهمة الشيخ زين الدين الخوافي والسيد محمد بركة. يضاف إلى هذا أن تيمور كان يزور الصوفية ويكرمهم أينما حل، ويزور قبور شيوخهم، حتى إنه لما فتح العراق، قصد إلى واسط، ليزور قبر السيد أحمد الرفاعي. وفي مقابل هذا كان الصوفية يدعون لتيمور ويؤيدونه، وبخاصة أنه لبس الخرقة منهم، فصار بذلك واحداً منهم، واعتبرت أعماله كرامات صوفية، وصار مظهر تجليات الحق الجمالية والجلالية، ووصفت أعماله كلها بصدورها عن الإلهام الإلهي والهاتف السماوي وأنباء الغيب(2).... اهـ.
__________
(1) الصوفية بين الأمس واليوم، (ص:135).
(2) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:168، 169).(2/252)
كان تيمورلنك سني المذهب، نشأ في مجتمع سني على مذهب أبي حنيفة، وقد قاده تصوفه إلى التفاعل الكامل مع الطريقة الصفوية الشيعية، فعندما اتصل بشيخها صدر الدين موسى (ت: 794 هـ) ابن صفي الدين وخليفته، أقطعه مدينة أردبيل وما حولها، فصار صدر الدين الحاكم الفعلي لأردبيل، بالإضافة إلى سلطته الصوفية المؤلهة، كما وهب ابنه وخليفته (علاء الدين علي) الأسرى الذين وقعوا في قبضته في حروبه في بلاد الروم(1) سنة (804هـ-1401-1402م)، فسموا (الصوفية الرومللو). بينما نرى تيمورلنك هذا يجتهد في محاربة أهل السنة، وعندما ينتصر عليهم يعاملهم بقسوة بالغة، وخاصة دمشق التي أبادها إبادة كاملة، بحجة أن أهلها شاركوا في مقتل علي والحسين رضي الله عنهما، وأنهم من أتباع الأمويين.
يقول كامل مصطفى الشيبي:
جمع تيمورلنك بين العاطفة الشيعية والفقه السني.
ويقول: كان من الطبيعي أن تظهر في عهد تيمور حركات شيعية غالية، وذلك لغلبة التصوف وارتفاع شأن العلويين(2).
ويحسن أن نذكر هنا أن (خدابندة) خليفة قازان، تشيع وأعلن التشيع في جميع مملكته، لكن ذلك لم يجد شيئاً لندرة دعاة الشيعة في بلاده آنذاك؛ ولأن العقيدة لا يمكن أن تفرض بمرسوم يصدر عن الحاكم؛ ولأن هذا الإعلان دفع دعاة السنة إلى النشاط في الدفاع عن الإسلام، مات خدابندة (716هـ-1316م).
وفي القرن التاسع الهجري ظهرت الطرق التي كان لها الدور الحاسم والنهائي في تحويل الفرس إلى شيعة، هذه الطرق هي: النوربخشية، المشعشعية، النعمتللاهية، ثم الصفوية في دورها الثاني.
قبل إلقاء نظرة سريعة على هذه الطرق، لا بأس من قراءة تضاف إلى ما سبق لبعض ما يقوله الباحثون في وصف الظروف التي كانت تعيشها المجتمعات المسلمة في فارس وغيرها، يقول (الشيبي):
__________
(1) كانوا يطلقون على تركيا اسم (بلاد الروم)، والأسرى المذكورون كلهم مسلمون سنيون أتراك.
(2) الصوفية بين الأمس واليوم، (ص:173).(2/253)
...لقد كانت روح اليأس والشعور بالضعف تملأ المجتمع الإسلامي في هذه الفترة إلى حد أن السلاطين الذين كان بيدهم زمام الأمور، جعلوا وسيلتهم إلى تحقيق مطامعهم اللجوء إلى الطلاسم والأدعية على طريقة البوني(1). وكان من انتشار هذا الميل بين الناس أن انتصار (شاهرخ) على قرا يوسف في سنة (828هـ-1420م) نسب إلى تلاوة القراء لسورة الفتح اثني عشر ألف مرة، ومن هنا جعل المصنفون يتجهون إلى هذا النوع من المعرفة، ويسجلون ما مر بهم من حوادث مماثلة، ليجعلوا من هذا التصرف علماً قائماً بذاته، ومن أمثال ذلك ما فعله (الغياثي) المعاصر لابن فلاح من تعليل قتل (بير بودان) سنة (870هـ-1466م) بكونه من تأثير القران الثاني بالسرطان، وقتل (جهانشاه) هازم (بير بودان) سنة 872هـ تحقيقاً لنبوءة القرآن في قوله: ((غُلِبَتِ الرُّومُ)) [الروم:2]، باعتبار هذه السنة تقابل قيمة ((بِضْعِ سِنِينَ)) [الروم:4](2)القرآنية الواردة في هذه السورة، وهزيمة جهانشاه على يد حسن بك بقول عبد الرحمن البسطامي (من الحروفيين): إذا زاد الجيم في الطغيان فمعه ميم ابن عثمان. وقد قرنت الأحداث التي تمت على يد المشعشعين بقرانات مثل هذه أيضاً...ومن هنا كان في إمكان الإنسان أن يستكنه المستقبل عن طريق التعمق في دراسة أسرار القرآن والاجتهاد في تنمية قوة الكشف النفسية، مع معين من العلم بالأعداد والحروف وتجمعات النجوم ودلالاتها. وكان من الطبيعي في ظروف مثل هذه أن ترتفع مكانة الكرامات الصوفية التي تطورت إلى مسائل عملية تذهل الناس وتستأثر باهتمامهم، وبذلك سمت مكانة الصوفي الاجتماعية...اهـ.
__________
(1) أحمد بن علي البوني في كتابه (شمس المعارف الكبرى).
(2) كلمة (بضع) فقط هي التي تطابق (872) بحساب (الجمّل الكبير).(2/254)
- إذن، ففي مثل هذه الأرضية الاجتماعية، كان باستطاعة الشيخ الصوفي أن يحرك أتباعه كما يريد، وأن يجعلهم يعتقدون ما يريد، وأن يقدموا له أموالهم وأرواحهم وأبناءهم ونساءهم رخيصة لا يبتغون في ذلك شيئاً إلا رضا الشيخ على أنه رضا الله.
لكن، رغم كل هذه التطورات، بقيت نسبة السنة أكثر من نسبة الشيعة في فارس، حتى جاءت الطرق التي كانت الحاسمة في الموضوع. وهي:
النوربخشية:
مؤسسها واهب الأنوار (نور بخش)، مات سنة (869هـ*، شيعي كان يعلن أن همه هو الجمع بين التصوف والتشيع(1)، أخبره كشفه أنه المهدي المنتظر (لم تكن خرافة محمد بن الحسن العسكري قد انتشرت بعد)(2)، وساعده في ذلك اسمه (محمد بن عبد الله)، وسمى ابنه (القاسم)، فصار: (أبا القاسم محمد بن عبد الله)، كما عرف عن طريق الكشف أنه من سلالة فاطمة الزهراء، انتشرت طريقته انتشاراً واسعاً بسبب الخوارق التي كانت تجري على يديه، وبسبب مهديته وعلويته، وبسبب الظروف الاجتماعية المؤاتية، وكان أكثر أتباعه من السنة الذين تشيعوا انقياداً وراء شيخهم، إذ المريد يجب أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل، وكان الجهل أكبر مساعد، وقد انتشرت النوربخشية في أواسط إيران وجنوبها وبعض شمالها. ولقد حاول نور بخش الانقضاض على الملك، حيث بدأ حركته (826هـ-1423م) في كوه تيري من قلاع ختلان، وكان أنصاره يلقبونه ألقاباً كثيرة، منها: الإمام والخليفه على كافة المسلمين(3)، لكنه
__________
(1) الصوفية بين الأمس واليوم (ص:137).
(2) المهدي عند الشيعة الآن هو محمد بن الحسن العسكري، مع العلم أن الحسن العسكري توفي دون أن ينجب، ومحمد المزعوم هذا غائب في مغارة سامراء منذ (ألف ومائة وخمسين سنة) وهم ينتظرون خروجه ليحكم بأحكام داوُد ولا يُسْأل عما يفعل، ويستوزر (سبعة وعشرين) من قوم موسى، ويحيي الله له الصحابة والخلفاء فيقتلهم وعلى رأسهم أبو بكر وعمر.
(3) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:335).(2/255)
فشل، بسبب انشقاق قسم من أتباعه، وانضمامهم إلى الطريقة الهمدانية، وشيخها آنذاك (عبد الله المشهدي)، خصم نور بخش، وهنا يظهر دور الهمدانية بالتشييع على النفس الطويل.
وبعد أن استولى الصفويون على ملك إيران بمدة، هرب شيخ النوربخشية آنذاك (طاهر بن رضا الإسماعيلي القزويني) ومعه جمع من أتباعه إلى الهند، حيث نشر هناك في ولاية (أحمد نكر) الطريقة والتشيع، وكذلك في كشمير، بجهود مير شمس العراقي، الذي يقال: إنه أدخل (34) ألفاً من الهنادكة في النوربخشية (الشيعية طبعاً)(1).
المشعشعية:
ظروفها تشبه ظروف النوربخشية، فقد كان مؤسسها محمد بن فلاح شيعياً، أخبره الكشف أنه من آل البيت، وأنه المهدي المنتظر (مهدي السنة طبعاً)، وكان معاصراً لنور بخش، كثر أتباعه بسبب مهديته ونسبه (المدَّعى)، وخوارقه (التشعشع)، وكان أكثر أتباعه في الأصل من السنة الذين تحولوا إلى شيعة اتباعاً لشيخهم، حتى استطاع أن يؤسس بهم دولة في خوزستان، عاصمتها (الحويزة)، عرفت بالدولة المشعشعية.
يقول المؤرخون لهذه الحركة:
"...يبدو أنهم (المشعشعين) كانوا في حروبهم واقعين تحت تأثير قوة شيخهم المغناطيسية، فلم يكونوا يشعرون بما حولهم، بل كانوا يقدمون على خوض المعارك في حال من الذهول والغيبة عن الحس(2).
ويقولون: وينبغي أن نتذكر أن حركة المشعشعين قامت في بدئها على التصوف، حتى وصف محمد بن فلاح بأنه كان جامعاً بين المعقول والمنقول، وصوفياً صاحب رياضة ومكاشفة وتصوف، وأنه انتقل من التصوف إلى التشيع فشكله بأشكال شيعية(3).
__________
(1) الإمام السرهندي حياته وأعماله، (ص:38).
(2) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:318).
(3) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:327).(2/256)
- أقول: لقد كان شيعياً قبل تصوفه، تشيع على يد أستاذه وأبي زوجته الشيخ أحمد بن فهد الحلي، وقد تخاصما فيما بعد، وذهب محمد بن فلاح إلى القبائل التي كانت تسكن قرب واسط، وأفتى ابن فهد بقتله، وأرسل رسولاً إلى أمير القبائل التي كان ابن فلاح بينها، يطلب إليه القبض عليه، فلم ينقذ ابن فلاح إلا قسمه بأنه سني صوفي، وبأن ابن فهد وأتباعه شيعة ومن أعدائه(1).
إن هذه الحادثة تظهر أن التشيع في جنوب العراق والغرب الأوسط من إيران كان حتى ذلك الوقت مستهجناً، وكانت الأكثرية الساحقة من السنة.
بعد هذه الحادثة انتقل ابن فلاح إلى خوزستان، وهناك أسس طريقته الصوفية وشيَّع أتباعه، ثم أعلن مهديته (840هـ)، وجمع أموالاً كثيرة من قطع الطرق على الحجاج وغيرهم، ثم أعلن نفسه ملكاً، وبقيت مملكته حتى اجتاحها الصفيون.
النعمتللاهية: مؤسسها نعمة الله الولي، من إحدى قرى حلب، سني حنفي المذهب، تخرج بالطريقة الشاذلية، انتقل إلى فارس، وهناك أسس طريقته، حيث تأثر بجو التشيع الزاحف، فصار شيعياً، وهنا أعيد القول أيضاً، بأن هذا التشيع الزاحف كان من التشيع المعتدل، أي إنهم كانوا يرون أن الخلافة يجب أن تكون في البيت العلوي، وكانوا يشتمون الأمويين، وكانوا يحترمون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عدا معاوية، وينتهجون المذاهب السنية في الفقه، هكذا كان تشيع المتشيعين في إيران في ذلك الوقت، وتحول نعمة الله إلى التشيع يعني أنه صار يرى الخلافة محصورة في آل البيت العلوي، وصار يشتم الأمويين، وبقي يسمي نفسه سنياً، أي: إن الفرق بينه وبين المتشيعة في ذلك الوقت في إيران، كان هو الاسم فقط، أما المضمون فكان واحداً.
__________
(1) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:304).(2/257)
ومثل غيره من الأولياء أخبره الكشف أنه من سلالة علي بن أبي طالب، وأن أئمة الشيعة هم أجداده، وأسس طريقته وهي (جالسة صائتة)، حيث كان المريدون قبل الشروع في الذكر يسجدون له، ثم يضعون اليد اليمنى على الركبة اليسرى، واليد اليسرى على الركبة اليمنى، ويرددون (لا إله إلا الله)، مائلين بأجسامهم من اليسار إلى اليمين مع الناي والدف.
وهؤلاء المريدون الذين يسجدون لشيخهم (وكل الصوفية كذلك وإن أخفوها تقية)، تحولوا إلى عقيدة شيخهم، أي: صاروا شيعة يسمون أنفسهم سنة، وطبعاً أمر هذا الاسم هين في مثل تلك الظروف.
وهكذا جاءت النعمتللاهية لتشيع من شرد على الطرق التي كانت تعلن التشيع، لقد شيعت أتباعها وشيعت عواطفهم وأبقت اسم السنة عليهم.
- لم ينتصف القرن التاسع حتى كان الفرس قد دخلوا في التشيع عن طريق الصوفية، وإن كان بعضهم ما زال يسمي نفسه سنياً، وكانوا كلهم- إلا النادر- من الشيعة المعتدلة، الذين كانوا يحترمون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتبعون المذاهب السنية، حتى جاءت الصفوية في مرحلتها الثانية التي كانت حاسمة في هذا الموضوع.
الصفوية في مرحلتها الثانية: توسعت كثيراً، وزاد أتباعها بازدياد الإقبال عليها، ودعم موقف تيمورلنك وجماعته التقديسي لها ولشيوخها (ويجب أن ننتبه هنا إلى أن موقف تيمورلنك كان امتداداً للقناعات الفكرية المنتشرة في مجتمعه، وأنه، بصفته حاكماً، كان نتيجة، أو انبثاقاً لها)، وفي العقود الأخيرة من القرن التاسع، في زمن شيخها حيدر بن جنيد بن إبراهيم بن علي بن صدر الدين موسى بن صفي الدين (توفي سنة 893 هـ) بلغت قمة قوتها، حتى استطاع إسماعيل بن حيدر وهو في الرابعة عشرة من عمره أن يؤلف جيشاً من أتباع أبيه يسيطر به على إيران كلها، ثم أعلن نفسه ملكاً على إيران سنة (905هـ).(2/258)
ولنستمع في ذلك إلى محمد جواد مغنية، يقول: ...هو إسماعيل بن حيدر بن جنيد بن صفي الدين الذي ينتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظم عليه السلام، وهو أول ملوك الصفوية ومؤسس دولتهم، وكان آباؤه وأجداده من العرفاء وشيوخ الصوفية، فلقبوا بلقب (سلطان)، وما إن أتم إسماعيل العام الرابع عشر من عمره حتى ألف جيشاً من أتباع أبيه ومريديه، وقاده بنفسه للغزو والفتح، وكانت إيران يومذاك موزعة الأطراف بين العديد من الملوك والأمراء ورؤساء القبائل..."(1). اهـ.
ويقول كامل مصطفى الشيبي:
...وسنرى أن فقهاء الشيعة في إيران كانوا من القلة بحيث اضطر الصفويون إلى استقدام فقهاء الشام ليساعدوا في نشر التشيع في بلادهم، وتنظيم الدولة على أساس منه...(2). اهـ.
- نقول: في الواقع كان التشيع قد عم كل إيران، ولكنه كان تشيعاً معتدلاً ينتهج المذاهب الفقهية السنية، فاستقدم الصفويون فقهاء الشيعة من الشام، وكانوا نصيريين، ولعل فيهم فقهاء من شيعة جبل عامل (المتاولة)، إذ الفقه الشيعي كان محصوراً يبن هؤلاء وبين الإسماعيلية، على اختلاف بينهما في الأصول والفروع، ولعل متاولة جبل عامل كانوا قد دخلوا في الغلو قبل ذلك.
جاء فقهاء الشيعة الشاميون إلى فارس، ليفقهوا الشيعة بفقه الشيعة، وطبعاً، في تلك الظروف، (بجميع جوانبها) يجب أن يحدث تفاعل وتداخل وتوازن بين الفقه النصيري وجوانب من فقه الإسماعيلية الذين كان لهم وجود، والفقه السني الذي تنتهجه غالبية الشيعة، وكان علماؤه قليلين، وعلمهم ضحلاً بسبب الصوفية.
تعلم الشيعة في فارس والعراق فقه الشيعة، وصاروا كلهم من الغلاة، وإن استمروا على تسمية أنفسهم من (المعتدلين)، يقول آية الله المامقاني(3)، أكبر علمائهم في الجرح والتعديل:
__________
(1) الشيعة في الميزان،) (ص:175).
(2) الفكر الشيعي والنزعات الصوفية، (ص:338).
(3) محمد حسن بن عبد الله المامقاني، توفي في النجف سنة (1323هـ-1905م).(2/259)
إن ما كان به الغلاة الأقدمون غلاة، أصبح الآن عند جميع الشيعة الإمامية من ضروريات المذهب(1).
ويورد السيد عبد الله بن الحسين السويدي العباسي(2) نصاً عن سجل لنادر شاه (ملك إيران)، قرئ يوم الخميس (25 شوال 1156هـ)، يقول: ...ولم يكن في نواحي إيران ولا في أطرافها سب (أي: سب الشيخين والصحابة)، ولا شيء من هذه الأمور الفظيعة، وإنما حدثت أيام الخبيث الشاه إسماعيل الصفوي...(3).
ومن الطبيعي أن يظهر في المذهب الجديد علماء، وككل عقيدة جديدة تظهر على مسرح الوجود، يكون أتباعها متحمسين لنشرها باندفاع بالغ، كذلك كان علماء المذهب الجديد ودعاته، انتشروا للدعوة لمذهبهم الجديد، وخاصة بين الشيعة الغلاة والمعتدلة، ومع الزمن والمثابرة على الدعوة تحول القرامطة الذين كانوا يسكنون الشواطئ العربية من خليج البصرة، وكذلك شيعة بلاد الشام، وكثير من الإسماعيلية والفرق الشيعية الأخرى (باستثناء الفرق في اليمن) إلى المذهب الجديد؛ مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية التي صارت من الغلاة، مع العلم أن أكثر متاولة الهند تحولوا من الهندوسية أو من السنة بعد ذلك.
وكان اسم (المتاولة)، ولم يزل يطلق على شيعة جبل عامل في جنوب لبنان، بينما غالبية الشيعة في العراق وإيران والهند لا يسمون أنفسهم هذا الاسم، وإنما شيعة إمامية إثني عشرية، علماً بأن مذهب الجميع واحد بكل أصوله وفروعه ومراجعه.
وهكذا أحدث التصوف فيما أحدثه من تدمير، أكبر شرخ في جسم الأمة الإسلامية كان من الأسباب الواضحة في ضعفها واندحارها.
__________
(1) الخطوط العريضة،) (ص:42).
(2) عالم بغدادي متوفى سنة (1174هـ-1761م).
(3) مؤتمر النجف، ملحق بكتاب الخطوط العريضة، (ص:97).(2/260)
وقد احتاجت عملية التحويل هذه إلى قرنين ونصف من الزمن، كانت الصوفية خلالها تعمل بدأب واستمرار، والمسلمون وفقهاؤهم في غفلة مستسلمون بحجة حب آل البيت وإحسان الظن بالمسلمين، وكأن حب آل البيت وإحسان الظن بالمسلمين يمنع من وجوب معرفة الحق والأمر به، وتمييز الباطل والنهي عنه، على أن العامل المسبب لهذه الغفلة وهذا الاستسلام هو التصوف ذاته، وما بث من عقائد وفرض من جهل طيلة قرون.
ومن آثار الفقه النصيري البارزة في المذهب الجديد، سب أبي بكر وعمر، وتكفير صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتأليه الأئمة الاثني عشر، والعصمة، والبداء، والتقية، والرجعة (أي: خرافة مهديهم محمد بن الحسن العسكري الغائب في مغارة سامراء، منذ حوالي اثني عشر قرناً، وهم ينتظرون خروجه)، وقد رأينا أسلافهم، نور بخش والمشعشع والآخرين، كيف كانوا يدعون المهدوية السنِّية؛ لأن محمد بن الحسن العسكري لم يكن معروفاً لا هو ولا رجعته إلا عند النصيرية وعند بعض من كان قد تأثر بهم قبل ذلك. وكان أول المتأثرين بالفقهاء النصيرية الوافدين هم أتباع الطريقة الصفوية المباشرون؛ لأنهم كانوا أول من يستقبل أولئك الفقهاء وأول من يأخذ عنهم، وكانوا يبقون فيهم أكثر من البقاء في غيرهم من الإيرانيين، لذلك انقلب أتباع الطريقة الصفوية إلى النصيرية بكل ما فيها من عجر وبجر.
صار أتباع الطريقة الصفوية في عهد إسماعيل بن حيدر، وبناء على أوامره أو أوامر أبيه، يلبسون طرابيش حمراً، فأطلق عليهم اسم (قزلباش)، أي: الرءوس الحمر، وبانتهاجهم منهج النصيرية، شكلوا فرقة جديدة في الأمة الإسلامية، معروفة الآن باسم (القزلباشية) التي سنراها فيما يأتي.(2/261)
ولعل من المفيد أن نذكر أن نادر شاه (ت: 1160هـ/ 1747م) أراد أن يعيد الشيعة إلى التشيع المعتدل ثم إلى السنة بقوة الحكم، فأصدر مرسوماً يقول فيه من جملة ما يقول: ...فاعلموا أيها الإيرانيون أن فضلهم (أي: الخلفاء الراشدين) وخلافتهم على هذا الترتيب، فمن سبهم أو انتقصهم فماله وولده وعياله ودمه حلال للشاه، وعليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين، وكنت شرطت عليكم حين المبايعة في صحراء مغان عام (1148) رفع السب، فالآن رفعته، فمن سب قتلته وأسرت أولاده وعياله وأخذت أمواله...(1). اهـ.
ولكن كما قلنا، إن العقيدة لا يمكن أن تفرض من الحاكم، ولذلك لم تُجْدِ محاولة نادر شاه شيئاً، وبالعكس، فقد اغتاله قواده بعد حوالي أربع سنوات، وبقي الغلو.
ولو استغل دعاة الإسلام وفقهاء السنة هذا الظرف، وانتشروا بين الشيعة يدعون إلى طريق الحق، لتركوا آثاراً ظاهرة قد تكون سبباً في تغيير تاريخ الأمة الإسلامية. وهكذا كانت الصوفية وراء أكبر شرخ في جسم الأمة، وكذلك كانت وراء الفرق الأخرى التي منها:
* القزلباشية:-
يصفها أحمد حامد الصراف كما يلي: القزلباشية فرقة دينية منتشرة في بر الأناضول، وهي تعتبر شيعية المذهب في نظر المسلمين، وهي تقارب كل المقاربة نصيرية سورية، وهم يسمون أنفسهم (العلوية)... وهم يخالفون المسلمين بأمور منها: أنهم لا يحلقون رءوسهم... ولا يصلون الصلوات الخمس، ولا يتوضئون، ويكرعون الخمر، ولا يحافظون على صوم شهر رمضان، ويصومون اثني عشر يوماً من الأيام الأولى من المحرم، ويندبون الحسن والحسين... وعندهم أن علياً تجسد فيه الآله(2)...
ويقول عنهم أيضاً: القزلباشية في بدء نشأتها كانت تسمى (الصفوية) نسبة إلى قطب الأقطاب صفي الدين إسحاق الأردبيلي... وهو الجد السادس للشاه إسماعيل الصفوي(3)...اهـ.
__________
(1) مؤتمر النجف، ملحق بكتاب (الخطوط العريضة)، (ص:96).
(2) الشبك، (ص:243).
(3) الشبك، (ص:48).(2/262)
وقد رأينا قبل قليل كيف تم التحول من الصفوية إلى القزلباشية، ولها وجود في أفغانستان أيضاً.
* الروشنائية:-
نسبة إلى (بير روش)، أي: الشيخ المنوّر، بايزيد بن عبد الله، ولد عام (931هـ)، يقول المترجمون له: صحب اليوغيين، وبدأ يرى رؤى ويسمع أصواتاً تناديه من وراء الغيب، فاشتغل بالذكر الخفي، ثم استغرق في ورد الاسم الأعظم، فلما بلغ الحادية والأربعين من عمره هتف به هاتف من السماء، أنه لم يعد في حاجة إلى الطهارة الشرعية، وينبغي له أن يصلي صلاة الأنبياء بدل صلاة المسلمين... وانصرف إلى الرياضة الأربعينية... وتعاليمه التي وردت في كتابه (صراط التوحيد) يظهر عليها أثر التعاليم الصوفية الغالية.
مات بير روش سنة (980هـ) بعد أن انتشرت طريقته أو (فرقته) انتشاراً واسعاً في الهند، ثم أخذت تتقلص بعده حتى انقرضت(1) لننتبه أن كلمة (روش) تحمل نفس معنى كلمة (بوذا) أي: المستنير. وكان وأتباعه يصرحون بوحدة الوجود (أي: من أهل الوحدة المطلقة).
* المهدوية:-
مؤسسها محمد بن يوسف الجونبوري الذي نشأ في أواخر المائة التاسعة ببلدة جونبور في الهند، وادعى أنه المهدي، وكان أزهد الناس وأورعهم.
من معتقدات المهدوية أن السيد محمد بن يوسف الجونبوري، مهدي موعود، وأنه أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، بل إنه أفضل من آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى على نبينا وعليهم السلام، وأنه مساوٍ لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في المنزلة، وإن كان تابعاً له في المذهب، وأنه ومحمد صلى الله عليه وسلم كلاهما مسلم كامل وسائر الأنبياء ناقصو الإسلام، وأنه شريك في بعض الصفات الإلهية، بعد فوزه بمنصب الرسالة والنبوة...
انتشر هذا المذهب في غجرات والدكن من بلاد الهند، ومما وصف به هذا المهدي: إنه كان صاحب المقامات العالية، ذا كشوف وكرامات.
__________
(1) الإمام السرهندي، (ص:42، وما بعدها).(2/263)
ومن أقوال المنتقدين له: إنه كان كذلك، ولكنه أخطأ في دعواه لوقوع الخطأ في الكشف.
ومن أقوال أحد علمائهم وهو الشيخ غلاب بن عبد الله المهدوي: إن للمهدوية أصولاً وفروعاً، الأول منها التوبة...والعمل الصالح و.. ودوام الذكر على طريقة حفظ الأنفاس...(1)...اهـ.
وهكذا يتضح دور الصوفية، فقد كان محمد بن يوسف الجونبوري صاحب مقامات وكشوف، وشاهد بالكشف ما ألقاه إلى مريديه...ومن أصولهم دوام الذكر على طريقة حفظ الأنفاس...وللعلم: حفظ الأنفاس حسب إيقاع معين هو أحد أساليب الرياضة الإشراقية التي توصل إلى الجذبة.
* القاديانية:-
مؤسسها الميرزا غلام أحمد القادياني (نسبة إلى بلدة قاديان)، مات سنة (1908م)، صوفي أخبره الكشف أنه مكلف من الله تعالى بإصلاح الخلق على نهج المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وقد صرح أن له إلهام ومكاشفات. ومن مكاشفاته:
- روح المسيح حلت فيه.
- ما يلهمه هو كلام الله كالقرآن الكريم والتوراة والإنجيل.
- المسيح (الذي هو هو) سينزل في قاديان.
- قاديان هي البلدة المقدسة الثالثة المكنى عنها في القرآن بالمسجد الأقصى.
- الحج إليها فريضة.
- أوحي إليه بآيات تربو على عشرة آلاف آية.
- من يكفر به فهو كافر.
- القرآن ومحمد وسائر الأنبياء قبله قد شهدوا له بالنبوة وعينوا زمن بعثته ومكانها. اهـ.
ومن أقواله التي تثبت صوفيته، وأن ما جاء به كان من الكشف، قوله:
...وإني ما قلت للناس سوى ما كتبت في كتبي، أي: إني محدث، وإن الله يكلمني كما يكلم المحدثين...جاء جبريل واصطفاني وأدار إصبعه وأشار أن ربك سيعصمك من الأعداء(2)...
__________
(1) الثقافة الإسلامية في الهند، (ص:223، 224).
(2) القاديانية، حسن عبد الظاهر، (ص:77).(2/264)
ومن أقواله: لقد حرم الذين سبقوني من الأولياء والأبدال والأقطاب من هذه الأمة المحمدية من النصيب الأكبر من هذه النعمة (المكالمة الإلهية)، ولذلك خصني الله باسم (النبي)، أما الآخرون فلا يستحقون هذا الاسم(1)...اهـ.
نرى الميرزا نفسه يعترف بأنه من الأقطاب، وأنه محدث، وأنه مكاشف، وأنه من بين الذين سبقوه من الأولياء والأبدال والأقطاب هو الوحيد الذي خصه الله بالنبوة. أي: إن الصوفية هي وراء القاديانية، وطبعاً هناك خلفيات ليس هنا مجال بحثها، لكن لا بأس من التذكر هنا أن الصوفية اليهودية هي التي تسمي الواصل فيها (نبياً).
* البريلوية:
طريقة صوفية منتشرة في شبه الجزيرة الهندية، نشأت شديدة الانحراف عن الإسلام، ولعله لن يمضي وقت طويل حتى ينسى أتباعها أنهم أتباع طريقة صوفية، وتغدو ديانة جديدة مستقلة، والتشيع فيها واضح، وهم يكفرون بشكل خاص الجماعة الإسلامية في الهند، والديوبنديين، وجماعة الدعوة والتبليغ، وإذا شعروا أن أحداً من هذه الجماعات دخل مساجدهم، فالويل له والثبور.
* الشبكية:
يدين بها أهل قرى في شرق الموصل، معروفون باسم (الشبك)، ولعله اسم للقبيلة، أو للشيخ الذي استقل بها، يقول عنها أحمد حامد الصراف:
...وأما مذهبهم فقد كانوا إلى ما قبل ثلاثين أو أربعين سنة (أي: قبل الحرب العالمية الأولى)، بكتاشية يراجعون فيه جلبي قونية ويتلقون منه الإشارة، وكان أحدهم إذا ذهب إلى زيارة كربلاء، يراجع وكيلاً لجلبي قونية هناك(2).
ويقول في مكان آخر: الشبك؛ طريقة صوفية، وللانخراط في سلكها مراسيم خاصة، وبقية العقائد تشبه ما في البكطاشية(3). اهـ.
أقول: لا يقول الشبك الآن عن أنفسهم إنهم أتباع طريقة صوفية، ولعل أكثرهم لا يعرفون ذلك؛ وإنما يعتقدون جميعهم أنهم على دين خاص سرّي لا يجوز البوح به.
* الكشفية أو الشيخية:
__________
(1) القاديانية، حسن عبد الظاهر، (ص:77).
(2) الشبك، (ص:8).
(3) الشبك، (ص:47).(2/265)
نسبة للكشف، تفرعت عن التشيع الإيراني، إذن فجذورها الأساسية هي الصوفية؛ لأن الصوفية هي التي حولت إيران إلى شيعة، ومع ذلك فقد تشكلت الكشفية أيضاً عن طريق الصوفية، بدلالة اسمها (الكشفية) من الكشف الذي كان مؤسسها يقول: إنه حصل له، (مع إنكاره على المتصوفة).
أسسها الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي (1166هـ/ 1753م- 1241هـ/1826م)(1)، ومن عقائدها:
الحقيقة المحمدية تجلت في الأنبياء تجلياً ضعيفاً، ثم تجلت تجلياً أقوى في محمد والأئمة الاثني عشر، ثم اختفت زهاء ألف سنة، وتجلت في الشيخ أحمد الأحسائي، ثم في تلميذه كاظم الرشتي، ثم تجلت في كريم خان الكرماني وأولاده إلى أبي قاسم خان، وهذا التجلي هو أعظم التجليات لله. والأنبياء والأئمة والركن الرابع (الشيخ أحمد وخلفاؤه) هم شيء واحد يختلفون في الصورة، ويتحدون في الحقيقة التي هي (الله ظهر فيهم). والشيخ أحمد وخلفاؤه هم أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين، وهم يعبدون علياً على أنه الله. ودور الصوفية واضح فيها من (الكشف، الحقيقة المحمدية، تجلي الحقيقة المحمدية، تجليات الله). وأما الاسم (الشيخية)، فهو نسبة إلى الشيخ أحمد الأحسائي، وهم يسيرون على نهج الطريقة الحروفية(2).
* البابية:
مؤسسها: (الباب) علي محمد رضا الشيرازي، تسلك في الطريقة الشيخية على يد الشيخ عايد، أحد تلامذة كاظم الرشتي، واشتغل بعلم الحروف حسب الطريقة الحروفية، ثم انتقل إلى النجف وكربلاء، وتتلمذ على كاظم الرشتي نفسه، كما اتصل بالمتصوفة حيث انقطع نفر من أصحابه إلى الرياضة الصوفية أربعين يوماً (الأربعينية)، ثم خرج وهو يتكلم بالعلوم اللدنية، وبالكشف أوحي إليه كتاب البابية المقدس (البيان)، وهذه نبذ منه:
__________
(1) يوجد خلافات في تاريخ ولادته وموته، وقد اعتمدت هنا أعلام الزركلي.
(2) حقيقة البابية والبهائية، (ص:45، وما بعدها).(2/266)
(لا تتعلمن إلا بما نزل في البيان أو ما ينشأ فيه من علم الحروف وما يتفرع على البيان، قل يا عبادي تتأدبون ولا تخترعون. ثم تخضعون على أنفسكم ثم تنصتون. ثم الواحد من بعد العشر أن لا تتجاوزون عن حدود البيان فتحزنون).
(إنا قد جعلناك جليلاً للجاللين. وإنا قد جعلناك عظيماناً عظيماً للعاظمين. وإنا قد جعلناك نوراً نوراناً نويراً للناورين. وإنا قد جعلناك رحماناً رحيماً للراحمين. وإنا قد جعلناك تماماً تميماً للتامين. قل إنا جعلناك كمالاً كميلاً للكاملين. قل إنا قد جعلناك كبراناً كبيراً للكابرين. قل إنا قد جعلناك حباناً حبيباً للحابين. قل إنا قد جعلناك شرفاناً شريفاً للشارفين. قل إنا قد جعلناك سلطاناً سليطاً للسالطين. قل إنا قد جعلناك ملكاناً مليكاً للمالكين. قل إنا قد جعلناك علياناً عليلاً للعالين. قل إنا قد جعلناك بشراناً بشيراً للباشرين...).
(تبارك الله من شمخ مشمخ شميخ. تبارك الله من بذخ مبذخ بذيخ. تبارك الله من بدء مبتدئ بديء. تبارك الله من فخر مفتخر فخير. تبارك الله من ظهرمظهرظهير. وتبارك الله من قهر مقهر قهير. وتبارك الله من غلب مغتلب غليب...) إلخ.
هذه نماذج من علوم الباب اللدنية الكشفية، والكتاب محشو بالعبارات الصوفية والمشيرة إلى وحدة الوجود.
مع ملحوظة هامة، هي أن من أصحاب الباب السابقين يقرب من أربعمائة يهودي، اثنان منها حاخامان.
كان إعلان الباب عن دعوته سنة (1260هـ-1844م)، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وقد أصدر العلماء فتوى بقتله على الردة، ونفذ فيه حكم الإعدام بأمر من الشاه ناصر الدين سنة (1265هـ-1849م)(1).
والمهم أن نعرف أن الصوفية كانت وراء البابية مع عوامل أخرى طبعاً.
* البهائية:
تفرعت مباشرة عن البابية، إذن فجذورها صوفية، بالإضافة إلى الدور الرئيسي الذي لعبته الصوفية في نشأتها.
__________
(1) حقيقة البابية والبهائية، (ص:57، وما بعدها).(2/267)
مؤسسها (بهاء الله) الميرزا حسين علي بن الميرزا عباس بزرك المازندراني النوري، ولد سنة (1233هـ)، وكان يعاشر الصوفية ويتعب نفسه في قراءة كتبهم، انضم إلى البابية مع أوائل من انضم إليها، تنقل ورجع إلى طهران، ثم نفي إلى بغداد، واشتد الخلاف بينه وبين البابية، فهرب خفية إلى غار قريب من قرية (سركلو) التابعة لناحية (سورداش) في لواء السليمانية شمالي العراق، وأظهر هناك النسك والتصوف، وكان يحضر مجالس الصوفية كثيراً.
يقول صاحب كتاب (حقيقة البابية والبهائية):
...وهناك رافد آخر أثر في عقله وثقافته وأسلوبه، وهو المذاهب الصوفية، وبالأخص ما يتصل بوحدة الوجود والحلول والفناء، ولا غرابة في ذلك، فلقد خالط الصوفية منذ صغره، وتتلمذ على أيديهم...وتأثير الكتابات الصوفية قد بلغ في أسلوب الميرزا حسين مبلغاً عظيماً، حتى إنك لا تكاد تقرأ صفحات من كتاباته إلا وتحسب نفسك أمام كتاب من كتب متطرفي الصوفية في معانيه ومبانيه... اهـ.
وله كتب مقدسة، منها: الإيقان، والأقدس، والإشراقات، وغيرها.
وهذه نبذ من (إشراقات بهاء الله)، يقول مخاطباً البابيين: (يا ملأ البيان، ضعوا أوهامكم وظنونكم ثم انظروا بطرف الإنصاف إلى أفق الظهور، وما ظهر من عنده ونزل من لدنه، وما ورد عليه من أعدائه.. قد حبس مرة في الطاء، وأخرى في الميم، ثم الكاف مرة أخرى...).
من قوله في إشراقاته مخاطباً المسلمين: (قل يا ملأ القرآن قد أتى الموعد الذي وعدتم به في الكتاب، اتقوا الله ولا تتبعوا كل مشرك أثيم، إنه ظهر عليَّ شأن لا ينكره إلا من غشته أصحاب الأوهام وكان من المدحضين...).(2/268)
ادعى الميرزا حسين أنه المسيح عيسى عليه السلام، ثم ادعى الربوبية، وقال: إن الله يتجلى عليه، فيفنى منه العرض، ولا يبقى إلا الجوهر الرباني الخالص، ومن هنا جاء لقبه: (بهاء الله)، ومن أقواله في ذلك: (يا حسين، اسمع النداء من شطر السجن، إنه لا إله إلا هو الفرد الخبير، إذا رأيت أنجم سماء بياني، وشربت رحيق العرفان من كأس عطائي، قل: إلهي إلهي! لك الحمد بما أيقظتني وذكرتني في سجنك، وأيدتني على الإقبال إليك، إذا أعرض عنك أكثر عبادك).
وأساس عقيدة البهائية أن الله (جل وعلا) ليس له وجود الآن إلا بظهوره في مظهر البهاء، وكان يظهر قبلاً بمظاهر تافهة في الديانات السالفة؛ لكنه بظهوره في البهاء الأبهى، بلغ الكمال الأعلى...
ويصرح البهائيون في كتبهم بأن الميرزا حسين البهاء هو ربهم(1).
المهم هو أن الصوفية وراء البهائية ومنشئتها.
* وفي الختام:-
(كفرداعل) و(خان العسل) قريتان من قرى حلب، أهلها مسلمون حتى سبعينات القرن الرابع عشر الهجري، حيث وفد إليهما بعض النصيرية، وفيهم شيخان صوفيان: الشيخ حسين وأخوه الشيخ نصّوح، ولعلهما من الطريقة الجنبلانية، سلكا المريدين، وكانت تحدث على أيديهما بعض الخوارق، وفي سنين قد لا تتجاوز العشرين، كان أهل القريتين قد تحولوا إلى النصيرية مع مجموعات في القرى المجاورة.
مات الشيخ حسني (لعله في العقد الأخير من القرن الرابع عشر الهجري)، وبنوا له مقاماً يناسب المقام، ولعل أخاه الشيخ نصّوح لا يزال حياً حتى كتابة هذه الكلمات.
ومن قصصه التي يرويها شاهد عيان: ذهب الشيخ نصّوح إلى قرية (عَنَدان) القريبة من القريتين السابقتين لزيارة جماعة من مريديه الذين تحولوا إلى نصيرية على يده ويد أخيه، وبعد هدأة من الليل طلب من المجتمعين عنده الخروج معه إلى خارج القرية، وهناك أخبرهم أنهم سيقومون بغارة على إسرائيل؟ وأمرهم أن يفعلوا مثله.
__________
(1) حقيقة البابية والبهائية، (ص:147، وما بعدها).(2/269)
وعادة، في الحقول والبيادر المحيطة بالقرى، يعينون الحدود بين العقارات بسلاسل من الحجارة الصغيرة (الدبش) يبنونها عليها.
أخذ الشيخ نصوح يتناول من هذه الحجارة الواحد بعد الآخر، ويقذفها باتجاه فلسطين مع ترديد صوت (رْرْرْرْرْرْرْرْرْ...) بصوت عال عندما ينطلق الحجر من يده، وصوت (بومْ مْ) عندما يسقط على الأرض.
وأخذ مريدوه يفعلون نفس الشيء، يأخذون الحجارة من سلاسلها، ويقذفونها باتجاه فلسطين، وكانت أصوات (رْرْرْرْرْرْرْ...بومْ مْ...رْرْرْرْرْرْرْرْ...بومْ مْ) تنطلق في الفضاء مختلطة ببعضها مغطية على أصوات وقع الحجارة أو ارتطامها ببعضها. بقي الفقراء هكذا طيلة ساعات، زالت بعدها معالم الحدود بين العقارات، وتوعرت أراضي سيئي الحظ الذين كان نصيبهم أن يحصل هذا الجهاد في أرضهم.
بعد منتصف الليل، عاد المجاهدون إلى بيوتهم منهكين من التعب فرحين بما تيسر لهم من الجهاد في سبيل الله على يد شيخهم العظيم.
في الصباح، ذهب أحد المجاهدين إلى دكان بقال صديق في حاجة له، وأثناء الحديث أخبره بغزوة الليل، فما كان من البقال إلا أن طلب من صديقه البقاء في الدكان ريثما يعود، وخرج مسرعاً إلى البيت الذي ينزل فيه الشيخ نصوح، حيث وجد القوم مجتمعين عنده، فسلم وجلس بخشوع ظاهر، وبعد أن استأذن من الشيخ بالكلام قال له: يا سيدي، رأيت هذه الليلة حلماً شغلني، أريد أن أعرضه عليك، رأيت أني في إسرائيل، ورأيتك هناك، ومعك جماعة لم أتبين وجوههم، في أيديكم القنابل تلقونها على اليهود، وكانت كل قنبلة تقتل عدداً منهم.
انفلت الشيخ نصوح يصيح بصوت عال: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أنت ولي، أنت مكاشف، تبركوا به يا مؤمنون هذا ولي مكاشف...إلى آخر ما قاله. وعاد البقال إلى دكانه وقد ربح زبائن جدداً لبقالته.(2/270)
ولعل قارئاً أو سامعاً يظن أن هذه حادثة شاذة، فنقول له: بل هي من صميم الصوفية، تورد كتبهم ما يشبهها عن أبي يعزى، وأبي مدين الغوث، وأبي الحسن الشاذلي، وأحمد البدوي، وأحمد الرفاعي، وعبد القادر الجيلاني، وغيرهم الكثير، ولعل كثيراً من القراء سمعوا الأنشودة الصوفية: (الله الله يا بدوي وجا باليُسَرى)، أي: جاء بالأسرى..
* خلاصة ما سبق:-
الصوفية سبب أساسي في تمزيق المسلمين، ووراء المذاهب المنتشرة التي جعلتهم فرقاً وأشياعاً.
* الإفساد العام:
المسلمون بحمد الله كثيرون، يعدون بمئات كثيرة من الملايين، لكنهم في حالتهم الحاضرة، كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: {غثاءكغثاء السيل}، وسبب هذه الغثائية هي الصوفية التي وصل فسادها في الأمة حتى الأعماق، وبيان ذلك:
أولاً: إفساد العقيدة
(أ) تؤمن العقيدة الإسلامية أن الله جلت قدرته خلق الكون من العدم لا من ذاته سبحانه، وأن المخلوقات غير الخالق، وذلك بنصوص من القرآن والسنة مر بعضها في فصول سابقة..
وجاءت الصوفية..
فحولت أتباعها عن هذه العقيدة الإسلامية إلى عقيدة وثنية هي وحدة الوجود، تؤمن أن الله هو الكون، وأن الكون والمخلوقات هي تعينات من ذاته سبحانه، تكثف كل منها حسب شكله المرئي، الذي يطلقون عليه فيما يطلقون اسم (الإناء)، ويسمون أيضاً هذه المخلوقات أو (الجزء المتعين من الذات الإلهية كما يفترون)، يسمونه (عالم الملكوت)، أما الجزء الباقي على حاله اللطيفة من الذات الإلهية (حسب افتراءاتهم)، فيسمونه: (عالم الجبروت) (سبحان الله العظيم، وتعالى علواً كبيراً، وما قدروا الله حق قدره).
(ب) من الإيمان في الإسلام أن الله سبحانه فوق السماوات والعرش، وذلك بنصوص من القرآن والسنة مر بعضها.
وجاءت الصوفية...(2/271)
فحولت أتباعها إلى عقيدة وثنية تؤمن أن كل ما نراه وما نحسه هو الله، أو هو جزء منه سبحانه وتعالى عما يشركون. ومن تعابيرهم عن هذه العقيدة قولهم المنتشر على الألسنة: إن الله في كل مكان، قولهم بتكفير من يقول بالجهة، ويعنون بالجهة (العلو)، أي: إنهم يحكمون بكفر من يقول: إن الله سبحانه فوق السماوات، وبذلك يحكمون (شعروا أو لم يشعروا) بكفر القرآن والسنة، وبالتالي يحكمون أن محمداً وأصحابه كفرة، ولعلهم لم يشعروا بذلك، لأنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وقد مر معنا قول قائلهم: إن ظاهر القرآن من أصول الكفر.
(جـ) تؤمن العقيدة الإسلامية أن النبوة فضل من الله يؤتيه من يشاء من عباده.
وجاءت الصوفية...
فحولت أتباعها عن هذه العقيدة إلى عقيدة وثنية، تؤمن أن النبوة نتيجة لممارسة الرياضة الإشراقية، حتى قال قائلهم (ابن سبعين): لقد ضيق ابن آمنة واسعاً عندما قال: {لا نبي بعدي}.
(د) تؤمن العقيدة الإسلامية أن محمداً، ومثله جميع الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، هم بشر مثل بقية البشر في كل شيء، وإنما يمتازون عنهم بالوحي، وبالأخلاق العظيمة.
وجاءت الصوفية..
فحولت أتباعها عن هذه العقيدة إلى عقيدة وثنية تجعل محمداً صلى الله عليه وسلم المجلي الأعظم للذات الإلهية، منه تنبثق المخلوقات وتعود إليه في حركة مستمرة (الحقيقة المحمدية)، وأطلقت عليه أسماء وصفات هي من أسماء الله سبحانه وصفاته، ويمكن الرجوع إلى كتاب (دلائل الخيرات) مثلاً، لرؤية هذا الشرك.
(هـ) تؤمن العقيدة الإسلامية أن أول ما خلق الله القلم...(الحديث).
وجاءت الصوفية...
فجعلت أتباعها يؤمنون أن أول خلق الله هو محمد صلى الله عليه وسلم، وللتوفيق بين الحديث وبين ضلالهم، جعلوا (القلم) اسماً لمحمد صلى الله عليه وسلم، واخترعوا ما سموه (الحقيقة المحمدية)، وتجلياتها، ليجعلوا شيئاً من التنسيق بين الإسلام وبين اليونانيات.(2/272)
ونحن نسمع المؤذنين يختمون الأذان بمثل: الصلاة والسلام عليك يا أول خلق الله...، ونسمع عبارة: (أسبقية النور المحمدي) على ألسنة الصوفية وأتباعهم يؤكدونها ويصرون عليهم. وبذلك يكذبون محمداً صلى الله عليه وسلم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
(و) من العقائد الإسلامية أن الوحي الذي أنزله الله على محمد وعلى سائر الرسل، إنما نزل به ملك مقرب: ((ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)) [التكوير:20]، هو جبريل عليه السلام، كان ينزل به ويعلمه محمداً والأنبياء قبله، ويذاكره به.
وجاءت الصوفية...
فجعلت أتباعها يعتقدون أن الوحي هو هذيان مثل هذياناتهم، وكشوفاتهم الجذبية التي تقود إليها الطريقة.
(ز) للعقائد الإسلامية، في الإسلام، مصدران فقط، لا ثالث لهما، هما القرآن، وصحيح السنة.
وجاءت الصوفية...
فجعلت للعقائد مصدراً ثالثاً، هو الكشف والكتب المنبثقة عنه، وجعلوه -عملياً- المصدر الأساسي للعقائد، وإن أنكروا ذلك نظرياً، أما القرآن والسنة، فما وافق الكشف قرروه، وما خالفه أولوه، ليتفق مع الكشف! وقد صرح بذلك حجتهم الغزالي في كتابهم المقدس (إحياء علوم الدين)، وكلهم بدون استثناء يقدسون الغزالي و(إحياءه)، وهذا يعني أنهم كلهم، يؤمنون بما في (الإحياء)، كما أنهم يرددون نفس الفكرة في كثير من كتبهم المتداولة.
وكتاب (الإحياء)، ومعه بقية كتب الكهانة، كالرسالة القشيرية، والحكم العطائية، وقوت القلوب، واللمع، وبوارق الحقائق، والفتوحات المكية، والفيوضات الربانية، وفتوح الغيب...وغيرها وغيرها، تدرس في مساجد المسلمين منذ قرون طويلة، وينشأ عليها شباب المسلمين، حتى صاروا يعتقدون أنها قمة الإسلام وقمة العلم وقمة التقوى وسبيل النجاة، بينما هي في الحقيقة الكهانة التي جاء الإسلام ليحاربها فيما يحارب.(2/273)
(ح) من العقائد الإسلامية أنه يمكن أن يتبين لنا من هم أصحاب الجحيم، أما أصحاب الجنة المزكَّون، وعباد الله المخلصون، فلا نستطيع معرفتهم، بل ولا الرسول نفسه يستطيع معرفتهم إلا بالوحي: ((...وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)) [الأحقاف:9]، وغيرها من الآيات والأحاديث التي مرت في فصل سابق، والتي لم تمر.
وجاءت الصوفية...
فجعلت أتباعها، وغير أتباعها، يوزعون الولاية حسب ترتيبات شياطينهم من الإنس والجن، وحسب أوهامهم المنبعثة من هلوساتهم الكشفية وعلومهم اللدنية.
بل وأكثر من ذلك بكثير، أكثر بنسب تفوق الأرقام الفلكية بكثير، فقد جعلتهم إيحاءات شياطينهم وهلوساتهم يتحققون بما يقفز فوق الخيال والأوهام ويتجاوز قيم الأبعاد الفلكية بأكثر بكثير من الأبعاد الفلكية، جعلتهم يتحققون بالألوهية، فالولي منهم يصل إلى الإحساس والتحقق والذوق والاستشعار أنه الله (سبحان الله) بجميع أسمائه وصفاته، أو ببعضها على الأقل، إن كان في أول الوصول، وأنه يتصرف في الكون، والمتواضع منهم يتصرف بأجزاء منه، قد تصغر وقد تكبر، حسب مقامه، وهذا هو الذي لم يصل بعد إلى (حيث لا إلى).
وقد مضت على الأمة الإسلامية قرون طويلة، كانت هذه الخرافات الضلالية تشكل الجزء الرئيسي من ثقافتها وأحاديثها في أسمارها وفي وعظ وعاظها، حتى وصلت إلى ما هي عليه، بل هي الآن خير مما كانت عليه في تلك القرون.
إفساد العبادات:
أقحمت الصوفية على الإسلام عبادات غريبة عنه، منها:
(أ) مزجت الرياضة الإشراقية (الخلوة، والجوع، والسهر، والذكر الإرهاقي البدعي، والحضرة؛ (الراقصة والجالسة)، والرقص؛ (بنقص أو بدون نقص)، بالإسلام، وجعلتها طريق السير إلى الله (أي: إلى الألوهية).(2/274)
(ب) في الوثنيات طقوس جاء الإسلام ليحاربها فيما يحارب، كعبادة الشيوخ والأولياء الذين كانوا في الجاهلية يسمون (الكهان)، يعبدونهم عملياً وينكرون ذلك نظرياً)، والاستغاثة بالقبور والأموات، وتقديس الأضرحة والحجارة والقبب والأشجار...وغيرها.
وجاءت الصوفية...
فأقحمت هذه الطقوس على الإسلام، وجعلتها عبادات يتقربون بها إلى الله، إلى جانب العبادات الأصلية، وكثيراً ما كنا نرى أناساً أضاعوا الصلاة وارتكبوا المنكرات، دون أي شعور بحرج، ومع ذلك كانوا ملتزمين بهذه الطقوس.
وجعلت الصوفية أتباعها يعتقدون أن الالتزام بهذه الطقوس هو من المنجيات، وأن إهمالها من المهلكات، بل وكثير من المتصوفة يعتقدون ويصرحون أنها كافية.
(جـ) ابتدعوا أقوالاً وأعمالاً أقحموها على العبادات الإسلامية الأصيلة، في أوائلها وثناياها وأواخرها، حتى صار أكثر المسلمين يتمسكون بها على أنها جزء من العبادة، لا يجوز تركه، وقد يقيمون القيامة على من يتركه، مثل: التلفظ بالنية للدخول في العبادة (تكبيرة الإحرام هي المدخل للصلاة، فبطل ذلك، أو نسخ، أو عدل.. لا ندري؟ وصار المدخل هو قولهم: نويت أصلي...إلخ)، وفي كثير من المساجد، شاهدناهم في رمضان بعد صلاة العشاء، وبإيعاز من الإمام أو الشيخ، يقولون جماعة بصوت عال: نويت صيام نهار غد من شهر رمضان وهكذا بقية العبادات، بل وأقحموا هذا التلفظ على العادات، على أنها بذلك ستصير عبادات.(2/275)
وأقحموا المصافحة عند انتهاء الصلاة، مع ترديد (تقبل الله) مع الجهر جماعة بالاستغفار وغيره، وأضافوا إلى الأذان في آخره ما لم يأذن به الله، وتكون هذه الإضافة في كثير من الأحيان أطول من الأذان، عدا عما فيها من كذب على الله ورسوله، كقولهم: إن محمداً أول خلق الله، كما أضافوا في أول الأذان ما يسمونه التذكير، وذلك في أوقات مخصوصة ما أنزل الله بها من سلطان، عدا ما يرددونه في هذا التذكير، من مثل قولهم: (نعم أنت مخلوق ولست بخالق، ولكن لك الرحمن قد وكل الأمرا)، وغيرها الكثير مما تصدى العلماء لنقضه في كتبهم ورسائلهم.
وسموا ذلك: (بدعة حسنة) تبريراً لإحداثهم في دين الله.
(د) أحدثوا طقوساً ابتدعوها، ما أنزل الله بها من سلطان، كمولد النبي، وموالد من يسمونهم (الأولياء)، ومجالس الصلاة على النبي بما فيها من مخالفة لأركان الذكر والدعاء في الإسلام، ومثل قراءة (صحيح البخاري) جماعة في المساجد إذا حزبهم أمر، وغير ذلك مما يعرفه المسلمون ومما لم يرد فيه أي نص عن الرسول صلى الله عليه وسلم، عدا عما فيها من شركيات ومخالفات وكبائر. وقد طغت هذه الطقوس، وتمسك بها الكثيرون على أنها من صميم الإسلام يتقربون بها إلى الله، حتى إن بعض من يسمَّون (علماء) يكفرون من ينتقد هذا أو يفسقونه.
وللعلم: المعروف عن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يوم الإثنين، أما (12 ربيع أول)، فهو اختراع، والتلفيق واضح فيه، و(12 ربيع أول) من عام الفيل كان يوم خميس.(2/276)
(هـ) تهاونوا بالعبادات بحجة الوصول إلى مقام رفع عنهم فيه التكليف، أو بحجة أن الشيخ يدخلهم الجنة دون حساب، أو بحجة أن تارك العبادة منهم أفضل من العابد من غيرهم، أو بالحجة التي تقول: جذبة من جذبات الحق تساوي عمل الثقلين، أو بحجة أن قراءة الورد الفلاني أو الصلاة على النبي الفلانية أفضل من عبادة كذا وكذا، أو بحجة أن من زار قبر الشيخ فلان، أو رآه أو رأى من رآه أو مر بمدرسته أو اتبع طريقته يغفر له كل ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر...إلى آخر ما رأينا أمثلة منه في الفصول السابقة.
وبذلك كانت الصوفية وراء ابتعاد الناس عن الإسلام وإهمالهم لتعاليمه.
إفساد الأخلاق والسلوك
* النفاق:-
يقول سبحانه: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)) [النساء:145]، ويقول جل وعلا: ((...وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ. اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ. وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)) [المنافقون:4].
هذا هو حكم النفاق في الإسلام.
والنفاق هو إظهار الإسلام وإبطان الكفر.
ولو غيرنا الاسم (النفاق)، وجعلناه (التقية)، لبقي حكمه نفس حكمه؛ لأن تغيير الاسم لا يغير الحكم، فعندما نسمي الخمر (فودكاً) تبقى خمراً وتبقى محرمة.(2/277)
ولو عبرنا عن النفاق بمثل قولهم: (اجعل الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً)، فسيبقى حكمه نفس الحكم، وسيبقى نفاقاً، ولو وضعنا عبارة أخرى، مثل: (مع مشاهدة المشيئة العامة لا بد من مشاهدة الفرق بين ما يأمر الله به وما ينهى عنه)، أو مثل: (إياك أن تقول أناه، واحذر أن تكون سواه)، أو مثل: (يا رب جوهر علم لو أبوح به لقيل أنت ممن يعبد الوثنا)، أو مثل: (طريقتنا أن نحفظ الشرع ظاهراً، وهذا هو السر العميق المطلسم)، أو غيرها من مئات عباراتهم المدونة في كتبهم وفي معاجمهم ليستعملوها هم ومريدوهم والسالكون في طريقهم في التمويه على أهل الشريعة. لو عبرنا عن النقاق بأي عبارة كانت، فسيبقى نفاقاً، وسيبقى مصير أهله الدرك الأسفل من النار. لكن الصوفية جعلت النفاق شطراً من الولاية والصديقية، ومن أقوالهم في ذلك: (التقية حرم المؤمن...)، وغيرها مما مر. ومعنى التقية في الإسلام هو إبطان الإيمان وإظهار ما يخالفه في حالة الاستكراه ولمدة محدودة عابرة، إلا في حالات استثنائية جداً، أما عندهم فهي على العكس تماماً، إبطان وحدة الوجود، وإظهار الإسلام.
* الكذب:-
في الواقع النفاق هو الكذب، بل هو من شر أنواع الكذب، وهذا المرض (الكذب) المستشري في سلوكنا ومعاملاتنا إنما هو مظهر من مظاهر اجعل الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً، أو انبثاق عنها تسرب من الشيوخ الذين كانوا على مدى قرون يعدون بعشرات الألوف، إلى مريديهم الذين كانوا يعتبرون نخبة المجتمع، ثم إلى الأتباع والمؤمنين، وبالتالي إلى الجميع.
* نسخ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:-(2/278)
اللذين تأتي فرضيتهما بعد الأركان مباشرة، وهما الركنان اللذان يقوم عليهما المجتمع الإسلامي واستمراريته، وتركهما، أو ترك أحدهما، يدخل في لعنة الله ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ...)) [المائدة:78] ((كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ)) [المائدة:79]، ويجعل الفساد ينتشر في الأمة.
جاءت الصوفية فألغت الأمر بالمعروف بحجة الخوف من الرياء، وحصرته فيما يكفي لاستمرار المسيرة الصوفية في المجتمع، وألغت النهي عن المنكر بنفس الحجة وبحجة الخوف من وقوع الناهي فيما نهى عنه، وحصرته في النهي عما يعرقل مسيرة التصوف في المجتمع.
وقد مرت الأمثلة على ذلك في فصول سابقة.
* التزهيد بالعمل والدعوة إلى التواكل والكسل:-
العمل من أجل العيش هو من تعاليم الإسلام، ونصوصه كثيرة ومعروفة، وجاءت الصوفية فزهدت المسلمين بالعمل بحجة الزهد والتوكل، بل قررت عدم جواز الصلاة وراء من يأمر بالعمل، وقد مر هذا في فصل سابق نقلاً عن (الإحياء)، وبذلك انتشرت التكايا في البلاد الإسلامية، وغصت بالتنابل، وامتلأت شوارع المدن والقرى وأزقتها بالمكدين (الشحاذين)، وتعطلت الأرض، وتوقفت الأعمال، وكانوا يعدون ذلك من الورع والزهد والتوكل، وأحياء هذه الأيام الذين عاشوا العقود الأولى من القرن العشرين الميلادي يعرفون هذا تمام المعرفة.
* نشر الذل والخنوع والخضوع:-
إن انتشار الصوفية الواسع جعل سلوك المريدين تجاه الشيخ ينزلق إلى المجتمعات الإسلامية، فانتشر الخنوع والخضوع وتقبيل اليد والرجل والوقوف للاحترام، وهي أمور كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهها، وشيوخ المتصوفة ومريدوهم يدافعون عنها حتى الآن بأساليب كلها مغالطة والتواء.
* تقديس المجانين:-(2/279)
المجانين هم مرضى يستحقون العطف والعناية والدواء، لكن شيوخ الصوفية كانوا، وما يزالون يعدون المجانين أولياء أرادهم الله سبحانه لولايته، دون سعي منهم (المراد)، ويصفونهم أنهم سائحون في حب الله، ويتبركون بهم بل وببولهم وروثهم، وإذا ماتوا بنوا لهم المقامات والزيارات.
ولسعة انتشار الصوفية طغت هذه النظرة على المجتمعات الإسلامية، وقد رأينا في فصول سابقة من أمثلة ذلك، وكبار السن الآن يعرفون هذه الأمور في صغرهم في مجتمعاتهم. وماذا يمكن أن يُنْتَظَرَ مِن مُجْتَمَعاتٍ تُقَدِّسُ مَجانينَها.
* التوكل والتسليم والزهد والورع والإخلاص:-
رأينا في فصول سابقة كيف شوهوا معنى التوكل والتسليم والزهد والورع في نفوس المسلمين، وكيف كانت نتائج ذلك التشويه مما عانت منه الأمة وتعاني حتى الآن، وأذكر القارئ بوقائع التتر واستسلام المسلمين لهم استسلام النعاج.
وحتى الآن، فقد سمعنا ونسمع وعاظاً وخطباء يطلبون من الناس أن يخرجوا من مسجد ليدخلوا في مسجد، وأن هذا كافٍ لدحر أعداء الإسلام، أي أنهم يقولون بلسان حالهم، بل ولسان مقالهم أيضاً: ربنا حارب، إنا ههنا في المساجد قاعدون. وسمعنا من يقول وهو يعظ ويحث المسلمين على الخير: الحمد لله الذي سخر لنا أمريكا وإنكلترا وفرنسا وروسيا يخترعون الاختراعات ويصنعون الصناعات ويقدمونها لنا، ونحن نتفرغ فقط لعبادة الله؟! إلى آخر قائمة طويلة من التشويه والتزوير لمعاني القيم الإسلامية والأخلاق التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* إفساد الفكر:
يقوم بناء الفكر الإنساني، كائناً ما كان، بمعطيات ثلاث:
1- المنطلقات أو الأسس، التي يستند إليها ويأخذ منها عناصر بنائه.
2- كيفية البناء.
3- الغاية التي يرمي إليها.
وفي الإسلام:
- المنطلقات هي القرآن وصحيح السنة وواقع الحياة والوجود على حقيقته.(2/280)
- كيفية البناء موجهة بالفهم المبني على أسس علمية مدروسة للقرآن والسنة، وبفهم الصحابة رضي الله عنهم وتطبيقاتهم، كما هي موجهة، في الأمور الدنيوية، بمعرفة واقع الحياة والوجود معرفة علمية صحيحة.
- الغاية التي يرمي إليها بناء الفكر الإسلامي ويسعى إليها المسلم هي الأجر والثواب من الله سبحانه كما وعد به عباده المؤمنين في القرآن والسنة، لا كما يتوهمه المتوهمون.
وقد أفسدت الصوفية هذه العناصر إفساداً بالغاً، ففسد فكر المسلم، ووصل المسلمون إلى الحالة الراهنة التي لا يحسدون عليها، مع التذكير بأن حالتهم في القرون الأخيرة حتى النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري كانت الأنموذج الكامل لمجموع الإفسادات التي أنتجتها الصوفية، حتى هيأ الله سبحانه لدعوة الحق من أعاد لها جدتها، فأخذت الأمة تستيقظ شيئاً فشيئاً من سبات كان عميقاً كالموت.
وقد مرت في فصول الكتاب، وتمر، أمثلة كثيرة من صور الإفساد، وما هي إلا عرض بسيط له.
* إفساد المنطلقات:
* القرآن:-
لم يستطع المتصوفة تحريف القرآن؛ لأن الله، له الحمد، حفظه باعتناء المسلمين بحفظه ودرسه وتدريسه والتعبد بقراءته في الصلاة وفي التلاوة آناء الليل وأطراف النهار، فعمدوا إلى تحريف معانيه، وهذا مثل من تفسيرهم، منقول عن (تفسير القرآن الكريم للشيخ الأكبر العارف بالله العلامة محيي الدين بن عربي):(2/281)
((الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ)) [آل عمران:172]: يقول الشيخ الأكبر مفسراً هذه الآية: ((الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ)) [آل عمران:172]، بالفناء في الوحدة الذاتية. ((وَالرَّسُولِ)) [آل عمران:172]، بالمقام بحق الاستقامة. ((مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ)) [آل عمران:172]، أي: كسر النفس. ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ)) [آل عمران:172]، أي: ثبتوا في مقام المشاهدة. ((وَاتَّقَوْا)) [آل عمران:172]: بقاياهم. ((أَجْرٌ عَظِيمٌ)) [آل عمران:172]، وراء الإيمان، هو روح المشاهدة(1).
ومثل آخر: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ..)) [التوبة:100]: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ)) [التوبة:100]، أي: الذين سبقوا إلى الوحدة من أهل الصف الأول. ((مِنَ الْمُهَاجِرِينَ)) [التوبة:100]، الذين هجروا مواطن النفس. ((وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100]، الذين نصروا القلب بالعلوم الحقيقية على النفس، ((وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ)) [التوبة:100]، في الاتصاف بصفات الحق.
((بِإِحْسَانٍ)) [التوبة:100]، أي: بمشاهدة من مشاهدات الجمال والجلال(2)...
وقد مر في الفصول السابقة أمثلة أخرى على تحريفهم لمعاني القرآن، وهي بعض من كل، ومن يريد الاستزادة يستطيع الرجوع إلى كتابهم المقدس (إحياء علوم الدين) ليرى من التزوير في التفسير ما تقشعر له أبدان الذين يؤمنون بالله ورسله وكتبه ويرجون اليوم الآخر، وكذلك بقية كتبهم على تفاوت بينهم في العبارة وفي عدد ما يفسرونه من آيات. وقد رأينا نثرات من تفاسيرهم للقرآن تفاسير سحرية، وكتبهم ملأى باستعمالات القرآن في اتجاهات سحرية.
* الإفساد في الحديث:-
__________
(1) تفسير ابن عربي: (1/235).
(2) تفسير ابن عربي: (1/505).(2/282)
كان اعتناء المسلمين بالحديث الشريف، وما زال، أقل من اعتنائهم بالقرآن الكريم، لأسباب معروفة، مما ترك مجالاً للدس والتقول على الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخذ المتصوفة حريتهم بوضع ما يملي عليهم الكشف من أحاديث، وتضعيف ما يضعفه الكشف، وتصحيح ما يصححه، حتى كانوا هم وراء قسم كبير من ركام الأحاديث الموضوعة المعروفة، وتلك التي لم تزل مدرجة في قسم الأحاديث الضعيفة، والتي تشكل نسبة عالية فيها.
وأوضح دليل على هذا هو كتاب (إحياء علوم الدين) لحجة الإسلام، الإمام، فقيه مئات من الأحاديث الموضوعة التي يقول عنها الحافظ العراقي: لم أجده، أو لم أجد له أصلاً، وهذا يعني، بدهياً، أن الواضع لها هو الغزالي أو كشفه، ونقول للذين يقولون خلاف هذا: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، وأرونا المصدر الذي أخذ منه الغزالي هذه الأحاديث.
ومظاهر التقوى والورع التي يتحلى بها كثير من الصوفية جعلت، وتجعل، الناس يثقون بهم ويأخذون عنهم، مع العلم أن التقوى والورع والزهد ولواحقها لا تدل على صحة العقيدة! فكل المؤمنين المخلصين لدينهم، في كل الأديان، يكونون أتقياء ورعين زاهدين...
ونعرف أن متصوفة المسلمين يدينون بالطريقة البرهانية التي مزجت الإشراق بالإسلام، فهم يؤمنون بها، والمخلص منهم ينتهج الإسلام والإشراق معاً.
ولا بأس هنا من عرضٍ يعرض على علماء الحديث، لا أظنهم ناجين من السؤال عنه أمام التاريخ على الأقل، بعد إذ تبين لهم الحق.
هذا العرض هو مراجعة كتب الرجال، والبحث في الرواة عن الشيوخ الكمل الذين تمكنوا من مقام الفرق الثاني، فلم يظهر في سلوكهم وأقوالهم ما يدل على ما في قلوبهم، أي: وصلوا إلى تطبيق القاعدة: اجعل الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً. والتي عبر عنها الجنيد بعبارة: مشاهدة الفرق بين ما يأمر الله به وما ينهى عنه تطبيقاً تاماً.(2/283)
وأعتقد أن بحثاً جاداً في هذا المجال، إن كان مخلصاً، لا يبتغي إلا رضا الله سبحانه، والوصول إلى الحق، سوف يخلص كتب الرجال من إشكالات واردة فيها، وهذه الإشكالات رغم قلتها، لكنها هامة، من ذلك مثلاً، نرى بعض الرجال موثقاً عند عالم ثقة، ومضعفاً عند مثله، وقد وضع علماء الحديث قواعد دقيقة لحل مثل هذه المشكلة، وهذه قاعدة تضاف إليها قد يكون لها القول الفصل في كثير من الأحيان أو في بعضها.
ومن ذلك مثلاً أن قسماً من الأحاديث الضعيفة، يمكن أن يدرج بعد هذه الدراسة تحت عنوان (المكذوبات).
ومن ذلك مثلاً ما يبدو بعض الأحيان من تناقض ظاهري بين حديثين صحيحين، وقد وضع علماء الحديث عشرات القواعد الدقيقة لحل مثل هذه المشكلة، وهذه قاعدة تضاف إليها، قد يكون لها القول الفصل في كثير من الأحيان أو في بعضها.
ولست أدري، هل أكون مصيباً أو مخطئاً إذا قلت بوجوب إعادة النظر بمثل أبي نعيم الأصفهاني و(حليته)، وذلك بدراسة دقيقة من قبل أكثر من عالم حديث، شريطة أن يكونوا كلهم، على معرفة كاملة واضحة بالكشف والرؤى الكشفية، وكيف يمكن أن يذهب المكاشف إلى مسجد (مثلاً)، فيرى فيه شيخاً معيناً وتلاميذ يطلبون العلم عليه، فيجلس معهم، ويكتب ما يمليه الشيخ، ثم يعود إلى بيته، وفي كراسته علوم جديدة، بينما كان ذلك المسجد، في حقيقة الأمر، خالياً إلا من هذا المكاشف الذي رأى الشيخ وتلامذته بوهم كشفه، وسيقسم هذا المكاشف اليمين تلو اليمين أن ما كتبه كان سماعاً من الشيخ المعين بحضور تلاميذه أو بدون حضورهم (حسب الكشف).
وذلك لأن المكاشف كثيراً ما يختلط عليه الأمر، فلا يفرق بين الرؤى الكشفية والواقعية، وقد رأينا في فصل سابق مئات الأمثلة على ذلك، إضافة إلى عشرات الأمثلة المتفرقة بين الفصول.(2/284)
ومن إفسادهم في الحديث تزوير معانيه بالتفسير الإشاري، وقد رأينا في ثنايا الكتاب أمثلة منها، ومن يريد الزيادة فأمامه كتبهم، وعلى رأسها (إحياء علوم الدين).
* واقع الحياة والوجود:-
إن واقع الحياة والوجود قائم كما أراده الله، متحرك بسننه تعالى في خلقه التي لا تبديل لها ولا تحويل، والتي يسمونها في لغة العصر الحديث (القوانين الطبيعية)، فلا يستطيع مخلوق إفساد شيء منه إلا في إطار الحدود التي قدر الله سبحانه أن يكون هذا المخلوق القدرة على التصرف فيها، وهي لا تزيد عن عمليات نقل للأشياء أو لأجزاء منها من مكان ووضعها في مكان ملائم، أو غير ملائم، وكل ما صنعه الإنسان، وما يصنعه، لا يخرج عن هذا قيد شعرة، وكان إفساد الصوفية في هذا المجال بإفساد فهم الواقع وتفسيره، وبإفساد أساليب التعامل معه، وفي وضع الأمور في غير مكانها الصحيح.
ففي مجال تفسير الواقع، زورت الصوفية الفكر لدى أتباعها الذين كان ينظر إليهم في أوقات كثيرة على أنهم نخبة المجتمع، زورت التفكير عندهم، حتى أصبحوا، هم والأمة من ورائهم، لا يرون الأمور إلا رؤىً ضبابيةً، ولا يفسرونها إلا تفاسير مبنية على الكرامات وتصرفات الجن وتهاويل الخوارق، ويرسمون للكون صوراً في أذهانهم مأخوذة من كشوف المكاشفين الهلوسية، ومن علومهم اللدنية، وتفصيل هذه وحدها يحتاج إلى كتاب مستقل؛ لأنها تشمل كل نواحي الحياة، وقد مر بعضها في فصول سابقة.(2/285)
وفي مجال التعامل مع الواقع، صارت الأوراد والأقسام والطلاسم والحجب هي الأساليب التي يتعامل بها الفرد والمجتمع مع واقع متوهم، وصار العلماء إلا من رحم الله، يمزجون فقههم بكتابة الحجب والأوفاق والدوائر لتسهيل الأمور في شتى نواحي الحياة، وأظن أن أكثر العلماء الآن (في السنين الأولى من القرن الخامس عشر الهجري)، إن لم يكونوا كلهم، قد عانوا من طلبات كثير من الناس، حتى من بعض المثقفين، أن يفكوا لهم سحراً، أو يخلصوهم من أمور لا تزيد عن كونها أوهاماً من أوهام الصوفية. ورقصات الزار في مصر والسودان والحبشة والحضرات الصوفية في كل البلاد الإسلامية، والسيارة والعدة لزيارة القبور جماعياً وضرب العدة حولها (وقد تقلص هذا كثيراً بسبب انتشار الثقافة، والزيارات الإفرادية التي تجر إلى الاستغاثة بالأموات، وطلب النصرة حسب الأوهام...
كل هذا من نتاج التصوف، وإن ظهر بعضه في جماعات تدعي أنها غير متصوفة؛ لأن القناعات الفكرية إذا عمت جرفت أمامها كل من لم يعصمه الله سبحانه.
وكان من نتائج هذا الفهم السحري، المرتبط بالكرامات كلياً أو قريباً من الكلي، وهذا التعامل المبني على الفهم السحري، ما نراه من ضياع وتخبط ووضع للأمور في غير أماكنها الصحيحة، بل وعدم القدرة على ذلك فكرياً وعملياً.
والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، يحتاج تفصيلها إلى مئات الصفحات، ونورد منها أمثلة عابرة، جرت وتجري حالياً.
* حادثة:-
كانت فئة من المجاهدين تعاني في قطاعها فقراً شديداً بالمال والسلاح والطعام، حتى عرف أفرادها الجوع، ورأى أحد الأثرياء المخلصين المتصلين بهذه الفئة في المنام من يقول له: إنه إذا وزع أربعين ألفاً على العميان والفقراء المجاورين عند المقام الفلاني فسينتصرون.
ووزع المبلغ على العميان والفقراء المجاورين، وأخذ ينتظر النصر.(2/286)
ولم يطل الانتظار، فقد هوجمت هذه الفئة دون أن تستطيع مقاومةً ولا دفاعاً وسحقت؛ لأنها كانت مفتقرة إلى السلاح، وكان الجوع ينهكها.
* حادثة ثانية:-
أربعة شباب باعوا أنفسهم لله، وانضموا إلى فئة من المجاهدين، لكنهم رأوا أفراد هذه الفئة يعكفون على قبر يطلبون عنده الثواب، ويستنزلون النصر! فنصحوهم وجاءوهم بالبينات من نصوص القرآن والسنة التي تثبت أن هذا العمل من الشرك العظيم.
عقد أفراد الفئة المجاهدة مؤتمراً فيما بينهم وشكلوا محكمة برئاسة عالمهم، حاكمت الشبان الأربعة محاكمة (عادلة)! فقد استمعت إلى أقوالهم وأدلتهم من القرآن والسنة برحابة صدر، ثم أصدرت حكمها عليهم بالإعدام، ونفذ الإعدام.
* واعظ:-
رجل يقول بلسان حاله: إنه عالم، يناقش حالة المسلمين، ويلقي مواعظه، ومن هذه المواعظ ما معناه:
إن السبب في انهيار المسلمين هو عدم الإخلاص، فلو كنا مخلصين لكفانا أن نحمل البندقية، ونوجهها باتجاه العدو كيفما كان، وستخرج الرصاصة لتصيب منه مقتلاً...
* وواعظ آخر:-
يقول ما معناه:
إن العلة في المسلمين هي عدم الخشوع في الصلاة، وعلينا أن ندعو للخشوع، ونحث عليه، وعندما يتحقق ذلك يتحقق النصر.
وتعليقاً على هذه المواعظ نقول:
الإخلاص مطلب أساسي، لكن نسأل: الإخلاص لماذا؟ هل نخلص لما نتوهمه أنه الحق؟ إن هذا النوع من الإخلاص ليس إسلامنا؛ لأن الإسلام يأمرنا أن نعرف الحق أولاً بالأسلوب العلمي الصحيح، ثم نخلص في أقوالنا وأعمالنا وكل سلوكنا لهذا الحق. والخشوع أيضاً مطلوب، لكن كيف يكون؟ وفيم؟ إن كانت العقيدة فاسدة فالخشوع ضغث على إبالة، وإن كانت العبادة غير صحيحة، فالخشوع فيها رزء فوق رزء، وإن كان العمل الدنيوي في اتجاه معكوس أو منحرف فالخشوع يزيد الطين بلة، إن الوثني التقي يخشع أمام وثنه وفي عبادته، فهل ينفعه خشوعه؟ والماركسية الزاحفة يعجبها كثيراً أن نعمل على إيقافها بالخشوع، وبقراءة البخاري جماعة في المساجد.(2/287)
وزيادة في التوكيد، نضيف كلمة أخرى لأبي الحسن الندوي عن حالة المسلمين التي كانوا عليها في القرون الأخيرة، يقول:
...لا بد أن نشير إلى أن ذلك الوسط والعهد (القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين)...كان التصوف فيهما قد تغلغل في أحشاء المجتمع الإسلامي، وامتزج بلحمه ودمه، حتى أصبح التصوف له طبيعةً وذوقاً، وسمةً وشعاراً... بل كانت العامة لا تعبأ بعالم أو مرب أو مصلح، ولا تقيم له وزناً، ولا تعتقد فيه الخير والصلاح، ولا تنتفع بمواعظه وكتاباته، ما لم يكن له إلمام بالتصوف والسلوك، ويكون قد صحب بعض المشايخ المعروفين، وانخرط في سلك بعض الطرق السائدة المقبولة في الناس(1).
ويقرر في كتاب آخر ناقلاً:
...في القرن الثامن عشر (الميلادي)، كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ، ومن التدني والانحطاط أعمق دركه، فارْبَدَّ جَوُّهُ، وطبقت الظلمة كل صقع من أصقاعه ورجاء من أرجائه، وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب وتلاشى ما كان باقياً من آثار التهذيب العربي.
واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات، وماتت الفضيلة في الناس، وساد الجهل، وانطفأت قبسات العلم الضئيلة، وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال...وقام كثير من الولاة والأمراء يخرجون على الدولة التي هم في حكمها، وينشئون حكومات مستقلة، ولكن مستبدة كحكومة الدولة التي خرجوا عليها، فكان هؤلاء الخوارج لا يستطيعون إخضاع من في حكمهم من الزعماء هنا وهناك، فكثر السلب والنهب، وفقد الأمن، وصارت السماء تمطر ظلماً وجوراً، وجاء فوق جميع ذلك رجال الدين المستبدون يزيدون الرعايا إرهاقاً فوق إرهاق، فغلّت الأيدي، وقعد عن طلب الرزق، وكاد العزم يتلاشى في نفوس المسلمين، وبارت التجارة بواراً شديداً، وأهملت الزراعة أيما إهمال.
__________
(1) الإمام السرهندي حياته وأعماله، (ص:124).(2/288)
وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس سجفاً من الخرافات وقشور الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات، وكثر عديد الأدعياء الجهلاء، وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات ويوهمون الناس بالباطل والشبهات، ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور، وغابت عن الناس فضائل القرآن، فصار يشرب الخمر والأفيون (والحشيشية)، في كل مكان، وانتشرت الرذائل وهتكت ستر الحرمات من غير خشية ولا استحياء(1). اهـ.
يقول أبو الحسن الندوي عند إيراده (مقرراً) هذا النص: إنه لا يتحمل مسؤولية صحته مائة في المائة.
ونجيبه: تأكد يا أستاذنا أنه صحيح مائة في المائة، وأن الإسلام يعيش غربته منذ قرون طويلة.
* وثنية الأمير:-
رأينا من أقوالهم في الفصول السابقة مدى تقديسهم للشيخ، وما يعتقدونه في الشيوخ من القدرة الإلهية والتصرف في الكون، بل وكل الصفات الحسنى.
وعملياً، كان هذا التقديس وهذا الاعتقاد عندهم ركنين أساسيين من أركان الإسلام والإيمان، أو كانا الركنين اللذين يقوم عليهما ما يسمونه (الإحسان).
وبما أن الصوفية كانت مسيطرة على المجتمعات الإسلامية، ومتغلغلة في نفوس كل المسلمين، إلا من رحم الله، لذلك كانت نظرة الجميع إلى الشيخ هي هذه النظرة التقديسية.
وبطبيعة الحال، انزلق هذا التسليم للشيخ والاعتقاد بقدرته الإلهية، إلى التسليم لأي رئيس والاعتقاد بقدرته الإلهية، فصاروا ينتظرون من الأمير أن يصلح ما يفسدون وأن يقول للشيء: كن فيكون.
__________
(1) الإمام الدهلوي، (ص:34).(2/289)
وهذه العقيدة بالذات هي التي أضاعت بلاد المسلمين، فلقد كان الفساد الذي رأينا صوره، مستشرياً هناك بسبب الصوفية، وكان الدعاة والوعاظ كلهم، حتى من كان على نهج الإسلام الصحيح، ينتظرون الأمير الذي يغير ذلك الحال ويصلح الأحوال، ناسين قوله سبحانه: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)) [الرعد:11].
وطبعاً، لا يملك الأمير القدرة الإلهية، ولم تكن لديه تلك العصا السحرية التي يحركها فتغدو الخيانة أمانة والكذب صدقاً والقناعات الفكرية المزورة حقاً ووعياً.
وبما أن القناعات المسيطرة على الناس والمتغلغلة في أعماق نفوسهم هي قدرة الأمير، لذلك كانوا يتهمونه بالجبن أو بالخيانة أو بالظلم أو ما شابهها. فيثور عليه ثائر يزيحه ويجلس مكانه، وهو يظن أنه شجاع وأمين، لكنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً، فيتهمه الناس بدورهم بما اتهموا سلفه، فيضطر للبطش بهذا أو ذاك دفاعاً عن نفسه، ويستشري التناحر بين أنصاره وأعدائه، حتى يثور عليه ثائر آخر، فإما أن يزيحه أو ينفصل عنه... وهكذا.
وهكذا بقيت الأمة تعيش في فتن مستمرة، ونهاية الفتن معروفة، إنها دمار الأمة. وهكذا ذهبت بلاد المسلمين، كما أنها الآن في طريقها للضياع بلداً بعد آخر بيد الماركسية، على يد دعاة ينبثقون من روح وثنية الحاكم، مثيرين الفتن ضد أعداء الماركسية وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وهؤلاء، وإن كان بعضهم غير صوفي، لكن نظرتهم هذه انبثقت في أساسها من الصوفية التي حرثت، وجاء الخبثاء؟ فزرعوا وحصدوا.
* النظرة الطفولية للأمور:-
إن تقديس الشيخ الذي انزلق إلى النظرة التأليهية للحاكم، ومرور قرون على المسلمين وهم يتحركون في هذا الإطار، جعل النظرة الطفولية للأمور من الخواص المسيطرة على التفكير والمسيرة له، إلا من رحم الله.(2/290)
فالطفل في أشهره الأولى لا يرى إلا البارز من الأشياء، فعندما يحمله أبوه، يمد يده إلى أنفه، أو إلى يده إن كانت قريبة منه، ولو وضعت أمامه على الأرض أشياء مختلفة الأحجام، فإنما يمد يده إلى البارز منها سواء لكبر حجمه أو لوجوده على مكان بارز. فهكذا المسلمون الآن لا يرون في المجتمعات إلا البارز، والحاكم أبرزهم، لذلك فهو المطالَب بإقامة حكم الله، وهو المطالب بالنصر، وعليه تبعة انهيار الأخلاق وتبعة الهزائم...إلخ. والعجب العجاب المثير للارتياب أنهم لا يلقون هذه التبعات إلا على الذين يحاربون الماركسية.
ومما نسمعه، مثلاً، من أدعية يدعو بها من يسمونهم (علماء): اللهم هيئ لهذه الأمة قائداً صالحاً يقيم فيها حكم الله ويقودها إلى النصر...إلخ.
وكأن القائد معه عصاً سحرية، أو له قوة إلهية، وكأن الإسلام نزوة حاكم، وكأنهم نسوا قول الله سبحانه: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)) [الرعد:11].
ومن الأمثلة على النظرة الطفولية للأمور، سؤال كثيراً ما سمعناه، وهو: هل نحن الآن في عهد مكي، أو في عهد مدني؛ وكثيراً ما دارت النقاشات حول هذا التساؤل! وكأن التاريخ عبارة عن كليشة يكرر طبعها في كل مكان وزمان، وعلينا أن نعرف موضعنا من هذه الكليشة. ورغم أن هذا السؤال قد يصدر عن غير متصوفة، لكن ما كان يمكن قبوله لولا النظرة الطفولية التي انبثقت من التسليم للشيخ، وعدم القيام بأي عمل، بل وعدم التفكير بالقيام به أو التفكير بكيفية هذا القيام، وإنما يعرض الأمر على الشيخ، ويطبق ما يقوله حرفياً دون مناقشته أو حتى الاستفهام منه عن غريبه (من قال لشيخه: لِمَ؟ لا يفلح أبداً). وكان التقي الورع الذي يرجو الفلاح والذي كان يَنْظُر إليه على أنه نخبة الأمة، كان لا يفكر في أي أمر، وإنما يعرضه على الشيخ، ويطلب توجيهه المقدس، ويدعو الناس في وعظه وخطبه إلى مثل هذا.(2/291)
ومن أخطر مظاهر هذه النظرة الطفولية الواضحة، إن لم يكن أشدها خطراً، هو مناقشة الأمور دون إدراك للعلاقة بين الأسباب والنتائج.
ومن المفاسد القاتلة التي انبثقت عن الصوفية قبول المتناقضات على أنها كلها صحيحة؛ لأن احترام الشيوخ وتقديسهم وتقديس أقوالهم كان طيلة قرون طويلة هو طريق النجاة والفلاح، وبطبيعة الحال، كانت أقوالهم متناقضة وساقطة بسبب جهلهم من جهة، ولأنهم كانوا يأخذون علومهم من الكشف والعلم اللدني من جهة ثانية، وبسبب الغرور الذي يسببه تقديس الناس لهم، والذي يجعلهم يعتقدون أن كل ما يجري على ألسنتهم من هذيانات هو من باب (حدثني قلبي عن ربي) ؛ وكان الناس كلهم إلا من رحم الله، يعتقدون في الشيوخ هذا الاعتقاد ويطبقونه؟ لذلك كانوا يقبلون المتناقضات على أنها من عند الله، ولا تعترض فتنطرد، وكانت هذه الحالة من الأسباب الرئيسية في تشتت أفكار الأمة وتخبطها.
ومن مظاهر الفساد المدمر التي انبثقت عن الصوفية (الطبطبة) على المفاسد ومحاولة تبريرها، بل والإصرار على عدم وجودها ومهاجمة من يحاربها بأساليب شتى.
وطبعاً، انبثقت هذه الظاهرة من قاعدة: سلم تسلم، أو لا تعترض فتطرد.
ومن الفساد الذي سيطر على الأمة قروناً طويلة الازدواجية في العقيدة وفي التفكير التي كان يعيشها وعاظ الأمة وموجهوها ودعاتها، إلا من رحم الله، حيث كانوا يبطنون خلاف ما يظهرون، يبطنون وحدة الوجود وما يتفرع عنها، ويظهرون الشريعة الإسلامية التي يحاولون توجيهها لتتفق مع ما يبطنون.
وفي واقع الأمر كان هناك صراع خفي يتفاعل في ضمير كثير من العلماء الذين قبلوا الصوفية حيث كان يظهر هذا الصراع في كتابات بعضهم وفي أقوالهم وبعض أفعالهم، مثل ما نراه عند أحمد الفاروقي السرهندي وأمثاله الذين كانوا يتشددون في وجوب كتمان السر إلا عن مستحقيه، ويهاجمون من يصرح بالوحدة.
هذا موجز لدور الصوفية في تمزيق الأمة الإسلامية.(2/292)
لكن يوجد إلى جانبها عاملان آخران تأتي أهميتهما بعد الصوفية، وهما:
أ- الخلفيات الفكرية والعقائد والفلسفات: التي كانت تشكل تيارات في المجتمعات الإسلامية تحيط بالشيخ وتوجه كشوفه وعلومه اللدنية؛ لأن الرؤى الكشفية هي انبثاقات للمعلومات والتوجهات والأماني والطموحات المختزنة في أعماق الشيخ، ومنها تلك الخلفيات الفكرية والعقائد، مع العلم أن بعضها وجد بسبب الصوفية أيضاً. فمحمد بن فلاح، مثلاً، تشيع بسبب المحيط الذي كان يعيش فيه، في الحلة التي كان التشيع غالباً في أهلها، ثم شيع أتباعه بمئات الألوف بواسطة الصوفية...وهكذا.
ب- الموقف السلبي في مواجهة الصوفية: وذلك بحجج هي أقبح من الصوفية، وهي متعددة، لكن أبرزها وأبشعها حجتان:
1- قول من يقول: لا تفرقوا صفوف المسلمين. يقولها لمن يشرح للناس خطر الصوفية ويبين زيفها وضلالها؟!
والجواب على هذه الحجة الفاسدة هو قوله سبحانه: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا)) [آل عمران:103]، أي: إن جمع الصفوف يكون بالاعتصام بالقرآن والسنة اللذين هما حبل الله، وتفريق الصفوف يكون بالابتعاد عنهما.
وهذا الذي يقول لدعاة الحق: لا تفرقوا صفوف المسلمين، إنما يقدم العون الأكبر لاستشراء الداء وتفريق المسلمين وتمزيقهم، كما هو حاصل؛ وهو داخل في زمرة الموصوفين بالآية الكريمة: ((....كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ...)) [المائدة:79].
2- قول من يقول: لا تكفر مسلماً! كيف تكفر رجلاً يشهد أن لا إله الا الله؟
والجواب على هذه الحجة الفاسدة هو أولاً: أن المسألة ليست مسألة تكفير مسلم، وإنما هي مسألة بيان الحق من الباطل والهدى من الضلال، ثم إن كل البلاء الذي أصاب الأمة ودمرها، جاء في الأساس على يد أناس يشهدون أن لا إله إلا الله ويضمرون ما يضمرون، وأكثرهم- إن لم يكونوا كلهم- مخلصون فيما جاءوا به ويعتقدون أنه الحق.(2/293)
كما أن الواجب على المسلم أن يعرف الحق أولاً، كما يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [[اعرفوا الحق تعرفوا أهله]]، وطبعاً، إذا عرفنا الباطل نعرف أهله أيضاً، ويجب أن نعرفه لنعرفهم.
قد كان من واجب علماء المسلمين أن يدرسوا الصوفية دراسة واعية ثم ينبهوا الأمة إلى خطرها؛ لكن الذي حصل أن فطاحل العلماء كانوا لا ينظرون إلا إلى ظاهرها وإلى عباراتها المتداولة دون محاولة لتفهم حقيقة معانيها ومراميها، فما كان واضح الدلالة على وحدة الوجود، أي ما كان من عبارات الوحدة المطلقة، حكموا عليه بالكفر، وما كان غامضاً أولوه التأويل الحسن بحجة عدم تكفير المسلم؛ ولأنهم لم يحاولوا دراسة الصوفية بعمق، ولم يتنبهوا إلى تواصيهم بالتقية وكتمان السر عن غير أهله، وأن هذا السر كفر وزندقة!
وعدم دراستهم للصوفية جعلهم يرتكبون أخطاءً كان لها دور واضح في بقاء مسيرة التصوف لتفعل فعلتها التي فعلت، ومن هذه الأخطاء:
* قولهم: إن في المتصوفة من يؤمن بوحدة الوجود، ومنهم من يقول بالاتحاد أو بالحلول، وفيهم الأتقياء الذين يسيرون على منهج الصوفية الحقة التي لا تؤمن بهذه الأمور.
وطبعاً؛ هذا كلام خطأ كله، فالصوفية مذهب واحد، وعقيدتها هي وحدة الوجود، ولا يوجد بين متصوفة المسلمين من يقول أو يعتقد بالاتحاد أو الحلول، (لا يوجد ولم يوجد)، كما أن الذين لا يعرفون وحدة الوجود بينهم هم السالكون الذين لم يبلغوا بعد محل ثقة الشيخ.
* ومن هذه الأخطاء قولهم: إن في المتصوفة من يقول بالحقيقة المحمدية، ومنهم من لا يقول بها! وهذا خطأ كله؛ فالمتصوفون كلهم، حتى السالكون المبتدئون، تشرح لهم الحقيقة المحمدية ويؤمنون بها، وقد يسمونها أسماء أخرى، مثل: (أسبقية النور المحمدي، أو أول خلق الله...).(2/294)
وقد استغل المتصوفة هذا الموقف، وصاروا كلهم يقولون عن أنفسهم وعن مشايخهم وأتباعهم وأمثالهم: إنهم على الصوفية الحقة، ثم ينهالون بالشتائم على الدخلاء على الصوفية وعلى المبتدعة الذين يقولون بالحلول والاتحاد، أو الذين يقولون بالوحدة المطلقة (أي: غير المقيدة بالرمز واللغز).
وهكذا بقيت مسيرة التصوف، وأوصلت الأمة إلى ما نراه الآن، مع العلم أنها الآن أقل سيطرة بكثير مما كانت عليه في قرون سابقة.
لكن بشيء من التدقيق، يتضح أن هاتين الحجتين السلبيتين هما أيضاً من نتاج الصوفية، ومن أساليب المتصوفة في الدفاع عن أنفسهم ومعتقدهم، حتى فشتا بين الأمة.
إن هذه الأمراض والمفاسد، ارتكزت في سريانها في الأمة على مرضين خبيثين بعثتهما الصوفية في الأمة، هما: الجهل والعقم الفكري.
* الجهل:-
لولاه لما استطاعت هذه المفاسد- وغيرها- أن تجد لها مكاناً في المجتمعات الإسلامية، وقد رأينا في الفصول السابقة النصوص الكثيرة لأقطابهم وعارفيهم، التي يأمرون بها بالجهل والابتعاد عن العلم، بل وينفرون بها من مجرد معرفة القراءة والكتابة، وهي غيض من فيض، ولولا أن تلاوة القرآن فرض على المسلمين، ومعرفة الحلال والحرام فرض على فئة منهم، لنسيت القراءة والكتابة جملةً وتفصيلاً، والله وحده يعلم إلى ماذا كانت ستؤول إليه أحوال الأمة.
* العقم الفكري:-
رأينا في الفصول السابقة، ونرى في مجتمعاتنا الحالية، الأمثلة الكثيرة الكثيرة على فرض الصوفية على المريدين أن يكونوا بين يدي الشيخ كالأموات بين أيدي الغاسلين، ورأينا، ونرى، كيف أن الفرد من المريدين لا يفكر لنفسه ولا لغيره، وإنما يذهب إلى الشيخ ليفكر له، ولا يطلب معرفة، بل يذهب إلى الشيخ ليفيض عليه من معارفه اللدنية، ولا يقضي أمراً حتى يرى الشيخ فيه رأيه...إلخ.(2/295)
كانت هذه حالة كل الأمة، إلا من رحم الله، بل إن هذا (الحال) صار (مقاماً) عالياً، حتى كانوا لا يحاولون، بل يتواصون بعدم محاولة فهم نصوص القرآن والسنة إلا من الشيخ، فإذا أخطأ الشيخ، فخطؤه خير من صوابك! وإذا كان جاهلاً، فجهله خير من علمك! وإذا ناقضت أقواله النصوص، فاتباع فهمه هو الإيمان، واتباع فهمك هو الضلال! وإذا تناقضت أقوال الشيوخ فيما بينهم، فكلهم من رسول الله مقتبس (بالكشف طبعاً)...إلى آخر القائمة...ومثل هذا موجود حتى الآن.
وبذلك سيطر العقم الفكري، بل الشلل الفكري على الأمة، حتى وصلت إلى ما هي عليه.
إن الله سبحانه وتعالى لم يظلم المسلمين عندما سلط عليهم الاستعمار. حاشاه سبحانه وتعالى من الظلم؛ وإذ كان الجزاء من جنس العمل، فقد كان الاستعمار هو الدواء النجس لتلك العلة الخبيثة.
وقد يسأل سائل: ألا يوجد في الصوفية إيجابيات؟ والجواب: نعم، لها إيجابيتان:
1- الأدب الرمزي، إذ أن متصوفة المسلمين هم الذين ابتكروه لستر حقيقتهم، ولم ينتشر في العالم إلا بعدهم بقرون طويلة، ويظهر أن مبتكريه كانوا سابقين للجنيد في الزمان، لكن الجنيد هو الذي بلوره ووضع له القواعد والمصطلحات وكثيراً من عباراته التي يستعملونها.
2- بعض التفاصيل التاريخية، حيث تقدم كتب المتصوفة صوراً من حياة المجتمعات الإسلامية وعاداتها لا نراها في غيرها، كما نستطيع من خلالها تفسير بعض إشارات الاستفهام التاريخية عند المسلمين وعند غيرهم أيضاً.
الفصل الخامس
تكفير المتصوفة
لقد كُفِّر المتصوفةُ وزُنْدِقوا، وقُتِل منهم مَن قُتِل على الزندقة، واستطاع الباقون التخلص من عقوبة الزندقة بالتستر بالفقه والصلاة والصيام وقراءة القرآن، وكان هذا هو المنطلق لإيجاد الطريقة البرهانية الغزالية التي مزجت الإسلام بالتصوف، واستطاع هذا السرطان القاتل أن يسري في جسم الأمة الإسلامية ليدمر دينها ودنياها.
وهذا كشف ببعض من كفر وزندق وقتل، منقول من كتبهم:(2/296)
يقول عبد الوهاب الشعراني في طبقاته(1):-
...ونقل الثقات (ويزيد في كتاب اليواقيت والجواهر قوله: منهم الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، وأحمد بن خلكان، والشيخ عبد الغفار القوصي، وغيرهم)(2)عن:
- أبي يزيد البسطامي أنهم نفوه من بلده سبع مرات.
- وكذلك وقع لذي النون المصري أنهم وشوا به إلى بعض الحكام، وحملوه من مصر إلى بغداد مغلولاً مقيداً، (ويضيف في اليواقيت والجواهر: سافر معه أهل مصر يشهدون عليه بالزندقة).
- وكذلك وقع لسمنون المحب محنة عظيمة... ثم إن الخليفة أمر بضرب عنق سمنون وأصحابه فمنهم من هرب، ومنهم من توارى سنين...
- وكذلك وقع أنهم رموا أبا سعيد الخراز وأفتى العلماء بتكفيره.
- وأخرجوا سهل بن عبد الله من بلده (تستر) إلى البصرة ونسبوه إلى قبائح وكفروه.
- وقتل حسين الحلاج... (وبعد صفحتين: ووقع الاختلاف أهو الذي صلب أم رفع كما وقع في عيسى عليه الصلاة والسلام).
- وشهدوا على الجنيد حين كان يقرر في علم التوحيد، ثم إنه تستر بالفقه...
(ويقول صاحب اللمع: فكم من مرة قد طلب وأخذ، وشهدوا عليه بالكفر والزندقة)(3)، وصاحب اللمع قريب عهد بالجنيد.
- وأخرجوا محمد بن الفضيل البلخي بسبب المذهب.
- وعقدوا للشيخ عبد الله بن أبي جمرة مجلساً في الرد عليه...فلزم بيته، فلم يخرج إلا للجمعة حتى مات.
- وأخرجوا الحكيم الترمذي (من ترمذ)...حين صنف كتاب علل الشريعة وكتاب ختم الأولياء وأنكروا عليه..
- وأنكر زهاد الراز(4) وصوفيتها على يوسف بن الحسين وتكلموا فيه ورموه بالعظائم.
__________
(1) الطبقات الكبرى: (1/15، 16، 17).
(2) اليواقيت والجواهر: (1/13).
(3) اللمع، (ص:500).
(4) المدينة هي الري، وليست الراز، والنسبة إلى الري هي (الرازي)، ولعله عرف أن اسم المدينة هو الراز عن طريق الكشف والعلم اللدني. أما قوله: وصوفيتها، فيدل على أن الصوفية قد يشتركون أيضاً في تكفير الصوفي، لكن مجاراة للناس وتستراً على حقيقتهم.(2/297)
- وأخرجوا أبا الحسن البوشنجي وأنكروا عليه وطردوه...
- وأخرجوا أبا عثمان المغربي من مكة.. وطاف به العلوية (أي: أحفاد علي بن أبي طالب) على جمل في أسواق مكة بعد ضربه على رأسه ومنكبيه...
- وشهدوا على السبكي بالكفر مراراً...
- وقال أهل المغرب على الإمام أبي بكر النابلسي...فأخرجوه من المغرب مقيداً إلى مصر وشهدوا عليه عند السلطان...فأخذ وسلخ وهو حي...أو قتل ثم سلخ. - وأخرجوا الشيخ أبا مدين المغربي من بجاية...(مات وهو في طريقه إلى القتل).
- وأخرجوا أبا القاسم النصراباذي من البصرة وأنكروا عليه..
- وأخرجوا أبا عبد الله الشجري صاحب أبي حفص الحداد...
- وشهدوا على أبي الحسن الحصري بالكفر...
- وتكلموا في ابن سمنون وغيره بالكلام الفاحش حتى مات فلم يحضروا له جنازة.
- وتكلموا في الإمام أبي القاسم بن جميل بالعظائم إلى أن مات...
- وأفتوا بتكفير الإمام الغزالي وأحرقوا كتابه (الإحياء)...وكان من جملة من أنكر على الغزالي وأفتى بتحريق كتابه القاضي عياض وابن رشد..
- وأخرجوا أبا الحسن الشاذلي من بلاد المغرب بجماعته ثم كاتبوا نائب الإسكندرية بأنه سيقدم عليكم مغربي زنديق...
- ورموا الشيخ أحمد بن الرفاعي بالزندقة والإلحاد...
- وقتلوا الإمام أبا القاسم بن قسي...
- وقتلوا ابن برّجان (شيخ ابن عربي أو شيخ شيخه)، والخولي، والمرجاني...فشهدوا عليهم بالكفر...
- وأما الشيخ محيي الدين بن عربي وسيدي عمر بن الفارض فلم يزل المنكرون ينكرون عليهما إلى وقتنا هذا...
- وأنكروا على الشيخ عبد الحق بن سبعين وأخرجوه من بلاد المغرب وأرسلوا نجاباً بدرج مكتوب أمامه يحذرون أهل مصر منه.
- ومما أورده الشعراني أيضاً في نفس طبقاته متفرقاً في ترجماته للمذكورين.
- أبو نعيم الأصفهاني، أخرجه أهل أصفهان ومنعوه من الجلوس في الجامع.
- عبد السلام بن مشيش، شيخ أبي الحسن الشاذلي، قتل في بلاد المغرب.(2/298)
- محمد الرويجل العريان قتله العثمانيون حين دخول مصر.
- أبو العباس أحمد الملثم كفروه.
- أبو الفتح الواسطي كان مبتلى بالإنكار عليه، مات في الإسكندرية حوالي سنة (580هـ).
- عبد الله بن محمد العرشي المرجاني، امتحن وأفتى العلماء بتكفيره، قتل في تونس سنة (669هـ).
- محمد القونوي (صدر الدين) صاحب ابن عربي وابن زوجته كان مبتلى بالإنكار عليه مات في قونية سنة (672هـ).
ومما أورده الشعراني أيضاً في اليواقيت والجواهر:
- وشهدوا على الشبلي بالكفر مراراً(1).
- وأنكروا على سيدي إبراهيم الجعبري، وسيدي حسين الجاكي(2).
* ملحوظة: شهادات التكفير هذه هي مما أورده الشعراني في طبقاته ويواقيته.
وقد أخذها من كتب التراجم المختلفة.
ومما لم يذكره الشعراني وذكره صاحب اللمع:
- أبو عبد الله الحسين بن مكي الصبيحي: كفره أبو عبد الله الزبيري وهيج عليه العامة.
- أبو العباس أحمد بن عطاء: رفع إلى السلطان ونسب إلى الكفر والزندقة، فقتل ضرباً بخفه.
- أبو حمزة الصوفي: كفروه، ويقول ابن الجوزي في (تلبيسه): إنهم قتلوه ونادوا على فرسه: هذا فرس الزنديق.
- محمد بن موسى الفرغاني: لأهل التعنت فيه مقال.
- أبو الحسين النوري: شهدوا عليه بالكفر.
هذا مما أورده أبو نصر الطوسي في كتابه اللمع (في ترجمته للمذكورين).
وأورد اليافعي في نشر المحاسن:
__________
(1) اليواقيت والجواهر: (1/13).
(2) اليواقيت والجواهر: (1/14).(2/299)
...لما سعي بالصوفية إلى بعض الخلفاء، أمر بضرب رقابهم، فأما الجنيد فتستر بالفقه، وكان يفتي على مذهب أبي ثور، وهو إمام القوم وسيدهم...وأما أبو الحسين النوري فقبض عليه، وكان أحد أركان المذهب وسادات القوم...وقبض معه أيضاً على أبي حمزة البغدادي، وكان أحد علماء القوم وساداتهم والمذكورين بالفتوة والتوكل...وقبض أيضاً على أبي بكر الزقاق، وكان أيضاً أحد سادات القوم والمتكلمين في المعاملات بأحسن الكلام...وقبض أيضاً على الشحام والرقام، وبسط النطع لضرب رقابهم...(1).
- أقول: يظهر أن الوزير كان من القوم، وكان يتستر بالفقه، فأنقذهم من القتل بأسلوب ذكي.
- وعدي بن مسافر، شيخ الطريقة العدوية التي هي الآن اليزيدية، نبش قبره وأحرق ما فيه مرتين، مرة سنة (652هـ) على يد أمير الموصل، ومرة سنة (817هـ) على يد جماعات كبيرة من الأكراد(2).
- وأبو حيان التوحيدي، نفي لسوء عقيدته، وكان من شيراز وهو شيخ الصوفية(3).
- وشهاب الدين السهروردي المقتول (يحيى بن حبش) قتل في حلب على الزندقة سنة (587هـ).
- وعبد القادر الجيلاني، يقول المؤرخون: إن الوزير عبيد الله بن يونس أخرب بيته وشتت أولاده، ويقال: إنه بعث في الليل من نبش عليه (في قبره)، ورمى بعظامه في اللجة(4).
- لسان الدين بن الخطيب (وزير غرناطة) قتل على الزندقة بسبب كتابه في التصوف روضة التعريف سنة (776هـ)(5).
__________
(1) نشر المحاسن الغالية، (ص:422).
(2) اليزيديون في حاضرهم وماضيهم، (ص:136، 138).
(3) لسان الميزان للذهبي.
(4) النجوم الزاهرة وشذرات الذهب وغيرها في حوادث سنة (593هـ).
(5) روضة التعريف بالحب الشريف، (التقديم)، (ص:33).(2/300)
- إن كهان التصوف الذين ذكروا في كتبهم حوادث التكفير والتقتيل والتشريد إنما ذكروها ليخدعوا بها القارئ الغافل، وليقولوا له: إن الأولياء مبتلون دائماً بالأعداء. وهي خدعة فيها كثير من الذكاء والخبث؛ لأنهم بهذا الأسلوب يؤولون حقائق التاريخ التي لا يستطيعون طمسها تأويلاً يخدم أغراضهم ويخفي سوءاتهم ويكسبهم عطف الآخرين.
- كما إن إصرارهم العجيب على الالتزام المريب بالحفاظ على مسيرة الكهانة وعلى نموها في المجتمعات الإسلامية، رغم التكفير والتقتيل والتشريد، هو دليل جديد على أن الكهانة لم تمت بظهور الإسلام، وإنما لاذت في الظلام، وبقيت تعمل بصمت وتنفث سمومها بهدوء حتى تهيأت لها الظروف الاجتماعية والفكرية، فعادت إلى الظهور من جديد.
- كما تجدر الملحوظةأن كتب المتصوفة مشحونة بالكذب الذي لا يعرف الحدود، ولكن كل كذبهم هو في صالح التصوف، وفي موضوع التكفير هذا، لم يكذبوا بتقرير واقع الذي كفروا أو قتلوا؛ لأن هذا ثابت في كتب التاريخ، وإنما كذبوا بتفسير ذلك لمصلحتهم.
- كما أن هذا التكفير والتقتيل هو صورة من صور محاربة الإسلام للصوفية، منذ ظهوره وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.
مع الظن الذي يكاد يقترب من الاعتقاد، أن القيامة ستقوم على الصوفية الممزوجة بشكل متطور عن الشيوعية، والذي يدعو إلى هذا الظن هو ملحوظة الخط البياني لمسيرة التصوف عبر التاريخ، وكون الإشراق (التحشيشي والرياضي) هو أحد شركي إبليس لإخراج بني آدم من الجنة، والذي نستطيع أن نسميه (الشرك الروحاني) مقابلة مع الشرك الأول (الشرك الجنسي).
- ولا يظن ظان أن هؤلاء المذكورين هم وحدهم الذين كفروا وشردوا وقتلوا بسبب كفرهم، بل هم كثير، وأي مسلم عندما يعرف أي حقيقة من حقائقهم يحكم عليها وعلى فاعلها بالكفر، إلا الذين عميت منهم البصائر واستجرهم إبليس إلى حظائره.
* للتسلية: حرق كتب الغزالي وتضليله:(2/301)
يقول عبد القادر بن شيخ العيدروس في تعريف الأحياء بفضائل الإحياء:
...نقل ابن السمعاني من رؤيا بعضهم فيما يرى النائم كأن الشمس طلعت من مغربها، مع تعبير ثقات المعبرين ببدعة تحدث، فحدثت في جميع المغرب بدعة الأمر بإحراق كتبه(1)...(أي: كتب الغزالي).
ويقول الغزالي ذاته في كتابه (الإملاء في إشكالات الإحياء):
...سألتَ...عن بعض ما وقع في الإملاء الملقب بالإحياء مما أشكل على من حُجب فهمه وقصر علمه ولم يفز بشيء من الحظوظ الملكية قِدْحه وسهمه، وأظهرت التحزن لما شاش به شركاء الطعام وأمثال الأنعام وإجماع العوام وسفهاء الأحلام وذعار أهل الإسلام، حتى طعنوا عليه ونهوا عن قراءته ومطالعته، وأفتوا بمجرد الهوى على غير بصيرة بإطراحه ومنابذته، ونسبوا ممليه إلى ضلال وإضلال، ونبذوا قراءه ومنتحليه بزيغ في الشريعة واختلال(2)...
- يهمنا في هذه النصوص إحراق كتب الغزالي وتضليله، أما دفاعه عن نفسه ودفاع العيدروس عنه فهو أمر عادي، إذ كل إنسان يدافع عن نفسه وعن عقيدته بما يستطيع. - وهذه طائفة من العلماء الذين اعترضوا على الغزالي وكتبه، منهم:
- الإمام أبو عبد الله محمد بن علي المازري (من فقهاء المالكية توفي سنة 536 هـ في المهدية). له كتاب الكشف والإنباء في الرد على الإحياء، من أقواله في الغزالي: ...وعرفني بعض أصحابه أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا، وهي إحدى وخمسون رسالة...(إلى أن يذكر ابن سينا) ثم يقول: وقد رأيت جملاً من دواوينه (أي: ابن سينا)، ورأيت هذا الغزالي يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من الفلسفة(3)...
__________
(1) هامش إحياء علوم الدين: (1/29).
(2) هامش إحياء علوم الدين: (1/49).
(3) غاية الأماني: (2/366) نقلاً عن طبقات السبكي.(2/302)
- ابن الصلاح، تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن (المحدث المعروف، تنقل وتوفي في دمشق سنة 643 هـ): تكلم في الغزالي بكلام قادح فيه، وطعن على كتبه بأنها مشتملة على خرافات وأكاذيب وموضوعات(1).
- عبد اللطيف الحنبلي(2): يقول في رسالة لبعض أصحابه: ...بلغني أنك اشتغلت بالقراءة في كتاب الإحياء للغزالي، وجمعت عليه من لديك من الضعفاء والعامة الذين لا تمييز لهم بين مسائل الهداية والسعادة ووسائل الكفر والشقاوة، وأسمعتهم ما في الإحياء من التحريفات الجائرة، والتأويلات الضالة الخاسرة، والشقاشق التي اشتملت على الداء الدفين...قد حذر أهل العلم والبصيرة عن النظر فيها.. بل أفتى بتحريفها علماء المغرب ممن عرف بالسنة، وسماها كثير منهم إماتة علوم الدين، وجزم بأن كثيراً من مباحثه زندقة خالصة لا يقبل لصاحبها صرف ولا عدل(3).
- والقاضي عياض(4): من أقواله: الشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف الفظيعة...وساءت به ظنون الأمة(5)...
- والذهبي(6): يقول: قد ألف الرجل (أي: الغزالي) في ذم الفلاسفة...ووافقهم في مواضع ظناً منه أن ذلك حق أو موافق للملة، ولم يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل، وحبب إليه إدمان النظر في كتاب رسائل إخوان الصفا، وهو داء عضال، وجَرَبٌ مُرْدٍ، وسُمٌّ قاتل...فالحذر الحذر من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل(7)...
__________
(1) غاية الأماني: (2/368).
(2) لم أستطع معرفة هويته.
(3) غاية الأماني: (2/369).
(4) القاضي عياض (أشهر من أن يعرف) بن موسى بن عياض، عالم المغرب، وإمام أهل الحديث في وقته، توفي في مراكش سنة (544هـ-1149م).
(5) غاية الأماني: (2/370).
(6) الذهبي، أشهر من أن يعرف، هو محمد بن أحمد بن عثمان.. الحافظ المؤرخ العلامة، توفي في دمشق سنة (748هـ-1348م).
(7) غاية الأماني: (2/370).(2/303)
- وأبو عبد الله القرطبي(1) (صاحب التفسير) يقول: إن بعض من يعظ، ممن كان ينتحل رسم الفقه ثم تبرأ منه شغفاً بالشرعة الغزالية والنحلة الصوفية، قد أنشأ كراسة على معنى التعصب لكتاب أبي حامد، إمام بدعتهم، فأين هو من تشنيع مناكيره، وتضليل أساطيره المباينة للدين وشريعة سيد المرسلين(2)...
- وأبو بكر الطرطوشي(3): يقول: شحن أبو حامد كتاب الإحياء بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما على بسيط الأرض أكثر كذباً منه، شبكه بمذاهب الفلاسفة ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهم قوم يرون النبوة مكتسبة(4). وللطرطوشي كتاب كبير في الرد على إحياء علوم الدين.
- ابن رشد (الحفيد)، أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد، أشهر من أن يعرف(5)، من أهل قرطبة له كتاب تهافت التهافت في الرد على الغزالي.
- وغيرهم كثير.
* وقفة مع آية قرآنية:
أليس من الجائز أن تكون الشجرة التي نُهيَ آدم وحواء عن أكلها هي من نوع القنب الهندي (الحشيش) أو الخشخاش (الأفيون) أو فطر المكسيك أو ما شابهها؟ مما يسبب الهلوسة؟
الدافع إلى قبول هذه الفكرة ما يلي:
1- ((.. قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)) [طه:120]، ((...مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)) [الأعراف:20].
__________
(1) محمد بن أحمد بن أبي بكر الخزرجي الأندلسي، صاحب التفسير المشهور، رحل وتوفي في مصر سنة (671هـ)/1273م.
(2) غاية الأماني: (2/372).
(3) محمد بن الوليد الفهري الأندلسي الطرطوشي، رحل وتوفي في الإسكندرية سنة (520هـ-1126م).
(4) غاية الأماني: (2/372).
(5) توفي في مراكش سنة (595هـ-1198م)، ونقلت جثته إلى قرطبة.(2/304)
رأينا أن من آثار تناول المهلسات، شعور المجذوب بسببها أنه ملك من الملائكة، وشعوره باللحظات القصيرة وكأنها آلاف السنين، وشعوره بأنه أدرك الواقع الحقيقي للعالم، وأن كل الأسرار تتكشف أمامه، وشعوره بأن نظره يحيط بفراغات لا متناهية، ورؤيته قصوراً وباحات وأقواساً وحدائق، ورؤيته أنه يعيش في رؤى جنة.
هذه المشاهدات والإحساسات، أليست نفس ما وصف به إبليس الشجرة المحرمة: ((شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)) [طه:120]، ((أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)) [الأعراف:20].
2- كذلك تقديس الأمم الوثنية لها، وتسميتهم الأفيون (حجر الخلود) و(شراب الآلهة)، وتسمية الحشيش (إكسير الخلود)...إلى آخر ما مر قبل صفحات.
أليس هو نفس معنى ((شَجَرَةِ الْخُلْدِ)) [طه:120]، و((تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)) [الأعراف:20]، مع العلم أن المصدر في الحالتين هو إبليس.
3- ((يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)) [الأعراف:27]، ((فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا...)) [الأعراف:20]، ((....فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا)) [طه:121].
أكلا منها، فنزع عنهما لباسهما، فبدت لهما سوآتهما: أليس هذا ما يحدث لمتعاطي المهلسات؟
إن الصحف والمجلات تحدثت كثيراً عن شباب وفتيات يتعرون في الطرقات أثناء جذبة المخدرات، كما رأينا أن التعري يكاد يكون من لازمات جذبة التصوف!
والمصدر هو إبليس في جميع الحالات.
أفلا يساعد هذا على قبول أن الشجرة المحرمة هي من أشجار الهلوسة؟(2/305)
4- رأينا أن من هلاوس جذبة المخدرات (وجذبة التصوف)، رؤية الأطراف طويلة جداً، فعندما يتعرى المجذوب، يرى ما كان ذا امتداد من السوأة وقد غدا طويلاً، حتى قد يثير طوله الرعب! كما يرى ما كان ذا انخفاض منها خندقاً عميقاً، قد يثير الرعب أيضاً! كما يظهر الفرق بين سوأتي الرجل والمرأة مثيراً للدهشة! خاصة إن كانت الرؤية تحدث لأول مرة! الأمر الذي يثير الانتباه مهما كانت الغفلة! أفلا تسيطر علينا فكرة أن هذا ما حدث لآدم وحواء؟ أكلا من الشجرة، فنزع عنهما لباسهما، فبدت سوآتهما مختلفة الشكل مضخمة الأبعاد، مما أثار انتباههما؟
5- ((يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)) [الأعراف:27] أفلا تبين هذه الآية بوضوح أن إبليس يفتن بني آدم بنفس الخدعة التي أخرج بها أبويهم من الجنة؛ لأن الله سبحانه لم ينهنا أبداً عن شيء لا وجود له في الواقع، وهذه الآية لن تكون شاذة عن سائر الوحي.
وبدراسة الأديان الوثنية نرى الحشيش والأفيون وما شابههما، تلعب دوراً هاماً في عقائدها، وقد مر بعض هذا في فصل سابق.
كما أن كهانهم كانوا يقدمونها لمريديهم بنفس الحجة التي قدمها إبليس ((شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)) [طه:120]، وكانوا يستعملونها كذلك للحصول على الحكمة وللوصول إلى الحقيقة وبنفس الحجة.
أي: إن إبليس فتن بني آدم بشجر الهلوسة (الحشيش ورفاقه).
أفلا يحق لنا أن نعتقد أن هذه الفتنة هي نفس الفتنة التي أخرح بها أبويهم من الجنة من قبل؟ انطلاقاً من منطوق الآية: ((لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ...)) [الأعراف:27].(2/306)
6- عند عدم وجود هذه الشجرة، بسبب عدم زرعها، أو بسبب تحريمها دينياً، نرى أن إبليس لم يتنازل عنها، بل فتش عما يقوم مقامها حتى وجده، فعلم بني آدم طريقة في الرياضة يستطيعون بها استغلال المخدر القوي الذي تفرزه بعض غددهم، واستعماله في غير ما خلق له، وأقنعهم كما أقنع أبويهم من قبل، أن هذا هو طريق الخلود والملك الذي لا يبلى والسير إلى الله...وسماها لهم أسماء خداعة كالحكمة والإشراق والمعرفة...
أي: إنه فتنهم بمادة من زمرة المادة الموجودة في شجرة الهلوسة، بل وأقوى منها.
أفلا نرى في هذا دليلاً مؤكداً على أن الشجرة المحرمة من شجر الهلوسة؟
7- في هذا التفسير القائل بأن الشجرة المحرمة هي شجرة هلوسة من زمرة الحشيش، نجد مكاناً لكل كلمة وفكرة واردة في الآيات الكريمة.
بينما في بقية التفاسير المعروضة حتى الآن (كالقول أنها الحنطة أو التفاح أو شجرة تسبب الغائط..) لا نجد مكاناً لأكثر كلمات الآيات، أو لبعضها على الأقل.
أفلا يصح هذا أن يكون دليلاً على أن الشجرة هي من زمرة الحشيش والأفيون؟
- بلى، إن قبولنا أن الشجرة المحرمة هي من زمرة الحشيش والأفيون، يعطي تفسيراً كاملاً للآيات، كما ينسجم مع أسلوب إبليس التاريخي والمستمر في إضلال بني آدم، ومع واقع الأديان الإنسانية.
وعندما يتعذر وجود الحشيش وزمرته، بسبب من الأسباب، فالمجاهدة الصوفية أو (الرياضة) تقوم بالواجب الكامل وتؤدي نفس الدور بدقة تامة ومظهر أكثر خداعاً وأشد مكراً وأقوى تأثيراً.
- ولنتذكر أن المخدرات والمهلسات مقدسة في الأديان الوثنية، وأنها مصدر رئيسي لعقائدهم.
وقد يقول قائل: إن أشجار الهلوسة من الخبائث، وليس في الجنة خبائث.
والجواب:
1- إن الله يفعل ما يريد، وهو سبحانه غير خاضع لمنطقنا الإنساني، ودور منطقنا وعقلنا في هذه الأمور الغيبية لا يتعدى العمل على فهم النص فهماً صحيحاً.(2/307)
2- تحريم أكل تلك الشجرة على آدم لا يدل بالضرورة على أنها من الخبائث، فقد تكون خلقت لغاية أخرى غير الأكل، كأن تكون طيبة الرائحة أو اللون أو غير ذلك مما لا نعرفه، أو تكون من الأشجار التي تثمر بعض حاجيات أهل الجنة، كاللباس مثلاً، وقد تكون طعاماً طيباً لبعض مخلوقات الجنة، إلى غير ذلك.. فتكون من الطيبات. ويكون الخطأ هو استعمالها في غير ما خلقت له، ومثل ذلك شجرة العنب التي هي من الطيبات، حتى إذا استعملت للخمر أصبحت من الخبائث.
وأوضح من كل هذا، الإندورفين الذي يفرزه الدماغ في جسم الإنسان، فهو ليس من الخبائث، لكن سوء استعماله هو الخبيث.
* نماذج من دور (شجرة الخلد وملك لا يبلى) في الوثنيات:
يقول الدكتور نقولا فياض:
...وقد أبقت ألواح الآشوريين وورق البردي في مصر لألف وخمسمائة سنة قبل المسيح صوراً تمثل الرجال والنساء والبنات والشباب وهم يسيرون نحو الحقول تحت ستار الليل ليحصدوا رءوس الخشخاش الخضراء ويستخرجوا حصيدها المسكر، مستعملين في ذلك حركات وإشارات وطقوساً دينيه(1).
- لعل القارئ انتبه أيضاً إلى أن قطاف الخشخاش بالليل بالذات هو طقس ديني، وطبعاً، الخشخاش هو النبات الذي يستخرج منه الأفيون.
ويقول أيضاً:
وكان كهان المجوس وعبدة الأوثان يعتبرون نوم الأفيون جسراً يربط النفس البشرية بمقر الآلهة. والدراويش يسمونه عطر الفردوس. وفيه يقول الشاعر:
يحيا من الأفيون في عالمٍ ... ... لا لُوَّمٌ فيه ولا حُسَّدُ
مِنْ ظلمة الأرض ومِنْ ظلمها ... ... إلى ذرى الخلد به يصعدُ
عطر من الفردوس مَن شمَّه ... ... كواكب الأفق له تسجد(2)
- يجدر بنا أن نلاحظ التشابه بين وصف الأفيون هنا وبين (شجرة الخلد وملك لا يبلى)، مع التذكر أن إبليس هو نفسه وراء الحالين أو (المقامين).
ومما يورده الدكتور صلاح يحياوي:
* المسكالينا (مهلس):-
__________
(1) قصة التغلب على الألم، (ص:142).
(2) قصة التغلب على الألم، (ص:142).(2/308)
يذهب هنود الهينشولا في شهر تشرين الأول من كل عام للبحث عن البِيّوته، وهي نبتة صغيرة من الفصيلة الصبارية، ليس لها أشواك، تنمو في السهول العليا من شمالي المكسيك.
ليس سهلاً على هنود الهينشولا بلوغ المناطق حيث تنمو البيوته، إذ إن عليهم أن يتسلقوا جبالاً ويتخطوا أفجاجاً ضيقة خطيرة، ويعرضوا حياتهم إلى مشاق هذا السفر الطويل؛ كانت كل تضحية تهون على الهندي المكسيكي، لأن هدف مسيرته هو البيوته، الهبة السماوية التي يمنحها له- حسب اعتقاده- الإله (بيولت). هذا وتوضح الطقوس الدينية لِجَنْيِ البيوته عند هنود الهينشولا اعتبارهم لها كهبةٍ إلهية، فبينما يتقدم الرجال نحو أعالي القمم حيث تنمو نبتة العقار، فإن النساء يبقين في القرى صائمات، معترفات بصورة علنية بخطاياهن، يعترفن بكل ما اقترفن في حياتهن، وكي لا ينسين شيئاً فإنهن يعقدن- بعد كل اعتراف على خطيئة- عقدة في حبل من مسد، ويَحذَرْن جداً من نسيان أية خطيئة عندما تأتي ساعة إعادة روايتها، إنهن يعرفن أنهن إذا لم يندمن على كل خطاياهن، أي على كل عقدة من عقد الحبل، فإنهن سيتعرضن إلى غضب الإله بيولت، والإله بيولت إله منتقم جبار، وأقل انتقام ينزله بهم هو حرمانهم من المخدر.
أما عندما يرضى الإله (بيولت) عن الهينشولا الأمناء فإنه يمنحهم الهبة السماوية من أوراق البيوتة.
وما إن يعود الهنود إلى قراهم محملين بأوراق المخدر الثمين، حتى يقوموا بتحضيره لتناوله. ويُضفى على أول حفلة سنوية لتناول البيوته كل صفات المشاركة العامة، ويتم ذلك بين الأناشيد وباتباع طقوس دينيه موروثة عن هنود الأستيك، وينتهي الأمر بهنود الهينشولا إلى الاستسلام إلى رؤى الخبل (الهلوسة) التي يهيؤها لهم المخدر.(2/309)
إن سبب هذيان الجنون هذا هو المسكالينا، شبه القلوي الموجود في البيوتة...أما المسكالينا فهي...تجعل متعاطيها ينطوي على نفسه، فهو يعاني هذيانات الجنون التي يسببها الورع الصوفي(1).
- الرجاء من القارئ أن يلاحظ وصف نوم الأفيون: (جسر يربط النفس البشرية بمقر الآلهة)، وبين عبارات: (الفناء في الله) و(العروج إلى الله)، التي يطلقونها على الجذبة. بل إن كلمة (الجذبة) ذاتها تعني (ربط النفس البشرية بالإله).
- والرجاء من القارئ أن يلاحظ الدور الذي تلعبه أشجار الهلوسة في ابن آدم وتديُّنه، وكيف يطلق عليها الصفات التي تشبه وصف إبليس للشجرة المحرمة.
كما يرجى أيضاً الرجوع إلى آخر فصل لمحة عن المخدرات لمراجعة نماذج أخرى من دور شجرة الخلد وملك لا يبلى في فتنة بني آدم.
الفصل السادس
الصوفية والسحر
الصوفية هي السحر، والفرق بينهما هو في الادعاء وفي الغاية، فالساحر صادق يعترف أنه ساحر، ويقف عند خرق العادة، والصوفي مخدوع يظن خرق العادة الذي يحدث أمامه من الكرامات، كما أنه يتجاوزه، ويبقى مثابراً على الرياضة حتى يصل إلى الجذبة، ثم يبقى مثابراً حتى يشهد وحدة الوجود، وهذه أقوال من أئمتهم تثبت أن الصوفية هي السحر.
يقول الغزالي (حجة الإسلام):
__________
(1) المخدرات، (ص:148، وما بعدها).(2/310)
أما السحر فهو عمل وكلام قد تداولوه بينهم في أوقات معلومة وطوالع معروفة وطلسمات مضروبة، فإذا أردت أن تولد طلمساً يصلح لما تريد، فخذ من كل ثلاثة أحرف حرفاً، فإذا اجتمعت لك في التأليف ثلاثة أحرف من تسعة فهو طلسم يصلح لما تريد، فانظر في الإسطرلاب عند ساعة التأليف، فهو يصلح لما دلت عليه الدقيقة من الساعة، ومثال: أ ب ت ث فتأخذ الجيم، والثاء أليق عوضاً عن الجيم، ج ح خ خذ الصاد، ص ط ظ خذ العين، فيصير عقرباً(1)، لتدوير الحروف، فضع صورتها على خاتم والقمر في العقرب تكف خاصيتها عنك أذى النساء، ترمي الخاتم في الماء فينفع سقياه الملسوع. وتلقي به سوءاً بين من أردت، وترش من مائه على سطح المبغض أو طريقه أو داره فإنه يستضر من سنة...
(ذكر كلمات تفرق بها بين جماعة فاسدة تخافهم) تأخذ أفراداً من شعير حزام، وتقول عليه أربع مرات: (هاطاش ماطاش هطاشنة، وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة)، وترميه من حيث لا يشعرون، وتنظر ما يصنع الله...وكثير مثل هذا، وقد حصرناها وشرحناها في كتاب (عين الحياة)، وهو صغير الحجم كثير الفوائد(2)...ومما يقول: واعلم أن هذه الصناعة (صناعة الإكسير) هي صناعة ربانية لا يقدر عليها إلا الأبدال والرجال والأبطال الذين كشف الله الرين عن عيون قلوبهم، وهذه لا تصح إلا للطائع...ونحن نذكر خواصاً دالة مظهرة لبدائعها وصناعتها مذكورة في كتاب (عين الحياة)(3)...
ومما يقول:
__________
(1) جصع أو ثصع لها شكل العقرب إذا قلبت إلى الأعلى.
(2) سر العالمين: (2/65، 66).
(3) سر العالمين: (2/68).(2/311)
من أراد أن لا تبصره ولا تراه العيون، فليزرع الخروع عند بدو زراعة القطن في رأس سنور أسود، فإذا طلع يخيط عليه كيساً، ويربيه حتى يجني القطن، ثم يقطف العنقود كما هو بكيسه، ويشقه حجرة، ويأخذ مرآة بيده، ثم يقطف منه حبة حبة ويضعها في فمه وينظر صورته في المرآة، فأي حبة لم يشاهد فيها نفسه عند نظر المرآة فليمسك عليها.
ولهم الأبهر الضم، وهو نبت في الأرض على صورة ابن آدم، فهذا يصلح لمن علقه على نفسه، لو مر بحجر لتبعه الحجر.
ولهم حشيشة تسمى بحشيشة الراسن، تبخر من أوراقها على اسم من تريد، فيأتيك وإن لم يرد، ولكن بشرط أن تقول هذه الكلمات على البخور، تقول: يا جامع يا جن اجمعوا وقدموا لاق لاق عاجلاً عاجلاً أشروثا أشروثا كبيبا ال صبي، ائتنا كرهاً أو طوعاً، قالتا أتينا طائعين، وليكن في يوم الأحد أو الأربعاء(1)...
ومما يقول.
المقالة الثامنة عشرة في عزائم التسخير:
تقف أول ساعة من يوم السبت مستقبل الغرب بثياب سوداء وزرق بأبخرة مذكورة مثل اللبان والحرمل وقشور الرمان والخردل البري، ثم تقول في وقت سعيد من تثليث أو تسديس مناطٍ إلى شرف، فتقول: أيها السلطان الأعظم، والملك العرمرم، مالك الفلك التابعة له النجوم، الخاسف المزلزل، زحل أنت أشرف الكواكب وسيدها وقائدها ومؤيدها، أسألك أن تعطيني وأن تمنحني ما يصلح منك لي(2)...
__________
(1) سر العالمين: (2/71).
(2) سر العالمين: (2/73).(2/312)
...فالذي يطلب من زحل، وهو كيوان، مثل المنافع الأرضية، وإظهار الكنوز وشق الأنهار والأشجار، وأما ما يخص الشمس فمثل الملك والملكة، والقمر لائق بالوزارات، والمريخ بالحروب والبأس، وعطارد للكتابة والنقش والحساب والهندسة والعلوم الدقائق والعزائم ومخاطبات الجن، كما سبق ذكره، وأما المشتري فهو للزهد والديانة وحل الطلسمات السماوية، ثم الجمعة للزهرة، قالوا: إنما أمر باجتماع الخلق عند نصف النهار في هيكل العبادات، لاجتماع خواص الأنفاس ليؤثر ذلك في حصول المطالب، لشرف نفسه الفياض منه على تابعيه من قولهم في لحظة واحدة (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)(1).
ويقول محيي الدين بن عربي (الشيخ الأكبر):
...وإن سألك عن الحرز، فاكتب له هذه الأسماء: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. (...مجموعة [طلاسم] مخطوطة باليد...) ويضاف إليها آيات، أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم،...ويضيف: وخوفي أخوف من خوف مساء أو صباح أصباؤت آل شداي على الأعلى عظيم الأمور إن الله هو التواب الرحيم لسالمين الصالحين اركض برجلك...(...مجموعة [طلاسم] مخطوطة باليد...)...
وإن سألك عن زيادة البخور فاكتب له هذه الأسماء في قرطاس...ثم تبخره ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث ترمي المجمرة وما فيها من الفحم وغيره في مفرق طريق له أربع طرائق، أو تكتب له ذلك أربعة أيام وترمي المجمرة كل يوم في مفرق آخر(2)...
ويقول في نفس الكتاب:
...وإن سألك عن العزيمة فقل له: يحتاج إلى بيضة دجاجة حمراء، ويكتب عليها هذه العزيمة: (يا سما سلمعونة يا القب المدين مدين الاسمين، يا مالك الجن والشياطين يا حي يا قيوم احبس السارق...أهيا شراهيا أدوناي أصباؤت آل شداي الساتر) ثم تدفنها في المطبخ(3)...
__________
(1) سر العالمين: (2/75).
(2) مجموعة ساعة الخبر (ص:6).
(3) مجموعة ساعة الخبر، (ص:6).(2/313)
...وإن سألك عن العزيمة. فاكتب له هذه العزيمة والأسماء في قرطاس، وعلقها في مهب الريح، فإنه يرجع ما سرقه بإذن الله تعالى، وهذا كتابه: (هطوس هطوس واله قادس ماس ريحان الأطبال آل شداي اسلام أم موسى أهيكلات داود وحرز عظيم فلعلعح العميلع سيرهوه عبوس عبوس كمال الما أجيبوا الله)(1)...
* الملحوظة:
من اطلع على كتب السحر يعرف أن هذا هو السحر نفسه.
وهذه رشفة أخرى من كتابات قطب آخر هو أحمد بن علي البوني، ولكن قبل إيراد بعض أقواله، قد يكون من المفيد أن نعرف مكانته عند القوم ودرجته في التصوف.
يقول يوسف النبهاني، في ترجمته للمذكور:
(أبو العباس أحمد بن علي البوني) من كبار المشايخ ذوي الأنوار والأسرار، وممن أخذ عنه المرسي، فمن كراماته أنه كان مجاب الدعوة...توفي سنة (622هـ)، قاله المناوي(2).
أظن أن القارئ عرف أن المرسي هو أبو العباس المرسي، قطب الغوث، تلميذ أبي الحسن الشاذلي، وهذه شذرة من كتاب البوني المشهور (شمس المعارف الكبرى):
باب رياضة (قل أوحي) المشهورة:
__________
(1) مجموعة ساعة الخبر، (ص:7).
(2) جامع النبهاني: (1/508).(2/314)
اعلم أيها الأخ إذا أردت ذلك، صم ثلاثة أيام أولها الثلاثاء ثم الأربعاء والخميس، وهو صيامك عن غير ذي روح، وأنت تبخر بحصا لبان وجاوي ليلاً ونهاراً، وأنت تقرأ السورة الشريفة في مدة ثلاثة أيام ألف مرة في تلك المدة المذكورة...واجتهد أن يكون ختمك من قراءتها ليلة الجمعة الثلث الأوسط من الليل، فإنه يحضر لك خادمها، وهو رجل قصير طويل اليدين، فيجلس قدامك، ويقول لك: السلام عليك، فثبت جنانك، فإن عليه هيبة عظيمة...والعزيمة والدعوة هي السورة الشريفة بتمامها وكذا البخور. واعلم أيها الواصل أنها من الأسرار المختصة وأنها من كتب الأنبياء والأولياء وأسرارهم، وهي هذه، تقول: بسم الله الرحمن الرحيم ((قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ)) [الجن:1]، اللهم إني أسألك يا منزل الوحي من فوق سماوات...((إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ...)) [الجن:27] ((...وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا)) [الجن:28]، اللهم إني أسألك بحق المساجد لله وبحق عبادك الصالحين...يا خدام هذه الدعوة الروحانيين...أقسمت عليكم بهذه الدعوة والأسماء والسورة بحق أرقوش، كلهوش، بططهوش، كمطهلوش، بهوش، قانوش، أقسمت عليك يا روقيائيل الملك الموكل بفلك الشمس(1)...
ونص آخر:
(فصل): تكتب هذه الأسماء في وسادة للمتباغضين من الزوجين، وهي أسماء أم موسى، يوم الجمعة عند جلوس الإمام على المنبر، أو شرع في الأذان الأول، بالزعفران وماء الورد والطيب والقرنفل مفروكاً في ماء ورد، ثم اطو الكتاب وتصمغه بالغالية، وتجعل الكتابة في جوف الوسادة التي ينامان عليها، فإنهما يتحابان، وهذا ما تكتب: (طسوم، عيسوم، علوم، كلوم، حيوم، قيوم، ديوم،..)(2).
- أقول: إن هذا هو السحر نفسه، والذي لا يصدق يستطيع أن يلقي نظرة على كتب السحر.
- وهذه أسانيد علوم البوني، يقول:
__________
(1) شمس المعارف، (ص:122، 123، 124).
(2) شمس المعارف الكبرى، (ص:213).(2/315)
...(وأيضاً سندي بعلم الحروف) إلى الشيخ الإمام أبي الحسن البصري، وهو أخذ عن(1) حبيب العجمي وهو أخذ عن الشيخ داوُد الجيلي وهو أخذ عن الشيخ معروف الكرخي، عن الشيخ سري الدين السقطي، عن شيخ الوقت والطريقة معدن السلوك والحقيقة الشيخ الجنيد البغدادي، عن الشيخ حماد الدينوري، عن الشيخ أحمد الأسود، عن الشيخ محمد الغزالي، عن الشيخ أبي النجيب السهروردي وهو لقن الشيخ العارف الفاضل أصيل الدين الشيرازي، وهو لقن الشيخ عبد الله الباياني، وهو لقن الشيخ قاسم السرجاني، وهو لقن الشيخ السيرجاني، وهو لقن الشيخ الإمام العارف الصمداني والهمام النوراني جلال الدين عبد الله البسطامي، وهو لقن شمس وصلتي وبدر قلبي طود الحقائق الشامخ وجبل المعارف الراسخ شمس العارفين وسر الله في الأرضين أبا عبد الله شمس الدين الأصفهاني.
(وأيضاً سندي بعلم الأوفاق)...وأخذ منه أيضاً عن الشيخ الإمام العلامة سراج الدين الحنفي، وهو أخذ عن الشيخ شهاب الدين القدسي، وهو أخذ عن الشيخ شمس الدين الفارسي، وهو أخذ عن الشيخ شهاب الدين الهمداني، وهو أخذ عن الشيخ قطب الدين الضيائي، وهو أخذ عن الشيخ محيي الدين بن عربي، وهو أخذ عن الشيخ أبي العباس أحمد بن التوريزي، وهو أخذ عن الشيخ أبي عبد الله القرشي، وهو أخذ عن الشيخ أبي مدين الأندلسي.
(وأيضاً) أخذت هذه الرواية عن الشيخ محمد عز الدين بن جماعة الشافعي، وهو أخذ عن الشيخ محمد بن سيرير، وهو أخذ عن الشيخ شهاب الدين الهمداني، وهو أخذ عن قطب الدين أيضاً، وهو أخذ عن الشيخ محيي الدين بن عربي.
__________
(1) يجب أن تكون: هو أخذ عنه حبيب العجمي، وهو أخذ عنه الشيخ داوُد...وهكذا حتى: عنه الشيخ أبي النجيب.(2/316)
(وأيضاً) سندي بعلم الحروف والوفق إلى الشيخ الإمام العالم العلامة الفقيه الثقة مساعد بن سادي بن مسعود بن عبد الله بن رحمة الهواري الحميري القرشي، وهو أخذ عن الشيخ شهاب الدين أحمد الشاذلي، وهو أخذ عن الشيخ تاج الدين عطاء المالكي الشاذلي، وهو أخذ عن الشيخ أبي العباس أحمد بن عمر الأنصاري المرسي.
و (أيضاً) سندي بعلم الحروف والوفق إلى الشيخ الإمام العلامة أبي العباس أحمد بن ميمون القسطلاني، وهو أخذ عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد القرشي، عن الشيخ الإمام العلامة أستاذ العصر وأوحد الدهر أبي مدين شعيب بن حسن الأنصاري الأندلسي رأس السبعة الأبدال وواحد الأربعة الأوتاد(1)...إلخ.
* الملحوظة:
لو رجع القارئ الكريم إلى كتب السحر لوجد أن علم الحروف وعلم الأوفاق (أو الوفق) هما بابان من أبواب السحر. ولنلاحظ أن رجال الأسانيد من أقطاب الصوفية.
ومن أقوال ابن سبعين في الرسالة النورية:
__________
(1) شمس المعارف الكبرى، (ص:530، وما بعدها).(2/317)
...ومن فضيلته (أي: الذكر) أنه ينفع في سبع خواص من السيمياء.. ومن أراد استعمال قوى الكواكب بحسب صناعة أهل العلم الرياضي لا بد له من الذكر، وذلك بعد الدستورية، أعني أن يكون الكوكب في بيته أو شرفه في الوتد وينظر الكوكب إليه من بيته أو شرفه من الوتد، كالزهرة في الميزان في الطالع، وزحل في الجدي أو في الميزان، والمريخ في الجدي، واعلم أن الكوكب إذا كان في الحيز أو البرج أو الدستورية كان أظهر فعلاً وأقوى تأثيراً، ثم يعمد إلى اتخاذ الصورة والاسم والبخور والأفعال، مثال ذلك برج الثور: تستعمل صورة إذا كان في الوجه الثاني ويريد الحكيم أن يخدم أمره، يتخذ صورة ثور مضروب الوسط ويناديه: (لهرلرل)، وينجر بذنب الفأرة، ويفعل الأمور المهلكة بإذن الله، ويقول في جميع خدمته: يا حمرلايل يا ديرلايل يا جبرلايل، ومفهوم ذلك: يا ملك القوى السارية في الأجسام الفلكية والطبيعية والذرات العارفة لك والتي فوقها يا نور النور(1)..
ويقول في فصل آخر:
...وهذه السيمياء تنقسم إلى خمسة أقسام: الكاذبة منها الذي يذكرها مسلمة المجريطي صاحب (رسائل إخوان الصفا)(2)، والمشكوك منها الذي يزعم ابن مسرة أنه وصله، والصحيح منها الذي إذا وصف للفقيه سماه كرامة، وإذا ذكر للحكيم سماه تصريفاً، وإذا ذكر للمقرب المحقق سماه فتنة(3)...
- أظن أن القارئ الكريم يعرف أن السيمياء هي السحر.
ويقول عبد الوهاب الشعراني مدافعاً عن الصوفية:
__________
(1) رسائل ابن سبعين، (ص:160، 161).
(2) المشهور أن رسائل إخوان الصفا من تأليف جماعة من البصرة، وقول ابن سبعين هذا يحتاج إلى تحقيق.
(3) رسائل ابن سبعين، (ص:253، 254).(2/318)
...فإن قيل: إن هذه الكرامات تشبه السحر، فإن سماع الإنسان الهواتف في الهواء، وسماع النداء في بطنه، وطي الأرض له، وقلب الأعيان، ونحو ذلك غير معهود في الحس أنه صحيح، إنما يظهر ذلك من أهل السيمياء والنارنجات؟ فالجواب ما أجاب به المشايخ العارفون والعلماء المحققون في الفرق بين الكرامة والسحر، أن السحر يظهر على أيدي الفساق والزنادقة والكفار الذين هم على غير شريعة، وأما الأولياء رضي الله عنهم فإنهم وصلوا إلى ذلك بكثرة اجتهادهم واتباعهم للسنة(1)...
* الملحوظة:
إنه يجعل الصوفية متبعين للسنة بكثرة اجتهادهم، وهذا غير صحيح، إذ أنهم يصلون إلى خرق العادة بالرياضة الصوفية التي لا تمت إلى السنة ولا إلى الإسلام بأية صلة.
كما أن الساحر أيضاً يصل إلى خرق العادة بنفس الأسلوب تماماً. والشيخ هنا يعترف أن خوارق المتصوفة وخوارق السحرة هي شيء واحد.
ويقول أحمد بن محمد المالكي الصاوي في حاشيته على (شرح الخريدة البهية):
...سيدي محمد الخلوتي... أخذ عن الشيخ دمرداش فأحبه وقربه وشغله بالطريق وأخلاه (أي: أدخله الخلوة) مراراً، وظهرت نجابته وجد واجتهد واشتهر وتلقى عنه علم الأوفاق والحرف والزايرجا والرمل، فأتقن ذلك(2)...
- أظن أن القارئ الكريم يعرف أن الأوفاق والحرف والزايرجا والرمل هي من أبواب السحر، ولعله يعرف أيضاً أن أحمد الصاوي كان شيخ الطريقة الخلوتية.
ومن كتاب (النفحة العلية في أوراد الشاذلية):
(فصل) في ذكر الدائرة والخاتم والحرز والسيف، وكلها أسماء بمسمى واحد، وفي كيفية وضعها وما فيها من الخواص قراءةً وحملاً، وضبط أسمائها المعجمة وغير ذلك. اعلم أن الرواية في هذه الدائرة من طريقين، أحدهما: عن سيدي الإمام أحمد أبي العباس المرسي، والثانية: عن سيدي الإمام شهاب الدين ولد الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنهم.
__________
(1) طبقات الشعراني: (1/14).
(2) حاشية العلامة الصاوي على شرح الخريدة البهية، (ص:149).(2/319)
أما خواصها؛ فمنها ما رواه سيدي الإمام شهاب الدين عن والده قال: هذه الدائرة ورثتها عن آبائي وأجدادي الكرام، ويريد آباءه في الطريق، قال: وكان الشيخ يكتب هذه الدائرة بالسند، وقال: من كانت هذه الدائرة على رأسه لا يموت (أي: ما دامت على رأسه)(1)..
وهذه هي الدائرة: طهورٌ، بَدْعقٌ (وفي رواية بالمثناة)، مَحْبَبَهٌ، صورهٌ (وفي رواية بالسين) سقغاطيس (وفي رواية: سبقاطيس)، سقاطيم (وفي رواية: سفاطيم)، أحونٌ، قافٌ، أَدُمَّ، حَمَّ، هاءٌ، أمينٌ أو (آمين).
...اعلم أن هذه الأسماء هي من أسماء الله تعالى، ليست بلسان من ألسنة عالم الملك ولا عالم الملكوت، ولا بلغةٍ من لغات العالمين، وإنما هي أسماء جبروتية يذكر الله تعالى بها في روضة من رياض جبروته...فاعلم أن الله قد جمع في هذه الأسماء علوم الأولين والآخرين(2)...(ثم يرسم صورتها التي تكتب بها في الحرز، وهي مربع داخله ست دوائر مكتوب على دائرته الكبرى الطلسم نفسه، وعلى بقية الدوائر آيات قرآنية)، ثم يقول:
هذه على وفق العبارة المتقدمة، ورأيتها بخط شيخنا حفظه الله تعالى، وقال في الحاشية من نسخته: وينبغي أن تكون الدائرة الكبرى ملاقيةً للخطوط الأربعة (أي: أضلاع المربع) لا خارجة عنها ولا داخلة.
__________
(1) النفحة العلية، (ص:191).
(2) النفحة العلية، (ص:203، 204).(2/320)
وقد وضع صورتها الشيخ اليافعي في كتاب (الدر النظيم في خواص القرآن العظيم) على كيفيتين رواهما من طريقتين، الأولى عن الشيخ أبي العباس المرسي.. والرواية الثانية عن سيدي الإمام تقي الدين عن أبيه سيدي الإمام شهاب الدين عن أبيه الشيخ أبي الحسن الشاذلي(1)...(يرسم الصورتين وهما مختلفتان عن الصورة الأولى)...إلى أن يقول: وذكر أنها أيضاً تكتب في حريرة بيضاء بمسك وزعفران وماء ورد في رابع عشر من رمضان، وتلف في رق غزال. وهو سيف الشاذلية وفيه اسم الله الأعظم وسره الأفخم. فتدبره فهو الكبريت الأحمر وبعضه من الدرياق الأكبر(2)...
- الدرياق معربة من كلمة (تارياك) التي تعني (الأفيون).
وكل من اطلع على فنون السحر يعرف أن هذا الذي ذكروه (الدائرة والأسماء والحريرة ورق الغزال..) هو من أبواب السحر.
ومما يورده أحمد أبو كف في (أعلام التصوف الإسلامي):
يقول ابن عطاء الله السكندري عن علم أبي العباس (أي: المرسي): هو الجامع بين علم الأسماء والحروف والدوائر...(3) اهـ.
وطبعاً، علم الأسماء والحروف والدوائر هو من أبواب السحر.
- نكتفي بهذه النصوص، وهي كافية للدلالة على أن الصوفية هي السحر.
ولا بأس من توضيح الطريقة التي يتبعها المريد ليكون من السحرة، وقبل ذلك نقول للقارئ: اتق الله واعلم (أنها فتنة فلا تكفر) ولا تسر في هذا الطريق تحت أي عذر، كان ما كان هذا العذر؛ لأنها طريق إلى الهاوية. وهذه هي الطريقة:
وصحبة شيخ وهي أصل طريقهم ... ... فما نبتت أرض بغير فلاحة
فالشيخ الساحر الكامل ضروري، فهو الذي يوجه مريده حسب خبراته وتجاربه السابقة.
والطريقة هي نفس الطريق الإشراقية، خلوة وجوع وسهر وصمت وجلسة من جلسات اليوغا وتركيز الذهن على الأمر المراد تحقيقه مع تركيز البصر على شيء يختاره الشيخ.
__________
(1) النفحة العلية، (ص:206، 207).
(2) النفحة العلية، (ص:208).
(3) أعلام التصوف الإسلامي، (ص:63).(2/321)
يبقى المريد مثابراً على هذه الرياضة مدة قد تقصر وقد تطول، حسب مهارة الشيخ واستعداد المريد، حتى يتحقق الأمر المراد تحقيقه، فيستريح المريد مدة يقررها الشيخ، وهي لا تزيد على أيام على كل حال، ثم يعيد الكرة حتى يتحقق نفس الأمر ثانية، ثم يعيد...وهكذا حتى يصل إلى أن يتحقق هذا الأمر له بسهولة كبيرة، وهذه الرياضة صالحة لبعض الخوارق، وخاصة منها ما يتصل بالتأثير على نفوس الآخرين، أو بالاتصال عن بعد (التلباثي).
أما الطريقة الجامعة فهي الخلوة والجوع والسهر وترديد عبارة معينة خاصة بخرق معين يعرفها الشيخ ويلقنها لمريده، وقد يضاف إليها البخور لتسريع الوصول، وهذه الطريقة يستعملها السحرة المسلمون.
يثابر المريد على هذه الرياضة التي قد تقصر وقد تطول، حتى يحصل خرق العادة المطلوب، فيستريح أياماً، حسب توجيه الشيخ، ثم يعاود الكرة حتى يحصل الخرق من جديد، ثم يعاود، وهكذا حتى يصبح الحال عنده مقاماً، حيث يحصل الخرق أمامه بترديد العبارة المعينة (الطلسم) مرات قليلة، وعندئذ يكون قد أتقن عملية سحرية واحدة.
ثم يلقنه الشيخ طلسماً آخر خاصاً بخرق عادة آخر، فيعود إلى الرياضة من جديد بهذا الطلسم الجديد كما فعل في رياضة الخرق الأول، حتى يصبح الخرق الثاني له مقاماً، فيكون قد أتقن عمليتين سحريتين، وهكذا..
ويتفاضل السحرة بينهم بعدد العمليات السحرية التي يتقنها كل واحد منهم، ومن يريد الوصول إلى الجذبة منهم ثابر على طلسم واحد لا يغيره ولا يستريح حتى يصل إليها.
وقد يمكن الاستغناء عن الشيخ لأفراد نادرين عندهم استعداد نفسي، أو فيزيولوجي أو تشريحي خاص، كما يمكن الاستغناء عن الخلوة والجوع والسهر لأفراد مماثلين.(2/322)
أي: إن السحر هو نفس الصوفية بطريقته ونتائجه، والفرق بينهما هو في الادعاء والتوجه. ثم يأتي بعد ذلك دور الطلاسم والأقسام التي يسميها المتصوفة (الأوراد والأذكار) وهي وإن اختلفت ألفاظها لكن النتيجة واحدة، وكذلك بقية الأبواب.
الفصل السابع
الصوفية والشيوعية
هناك تشابه عجيب بين الصوفية والشيوعية! ومن وجوه هذا التشابه:
1- الصوفية والشيوعية تلتقيان بعقيدة وحدة الوجود! والخلاف بينهما لفظي؟
فالصوفية يقولون: لا موجود إلا الله، وكل الموجودات هي الله.
والشيوعية يقولون: لا موجود إلا المادة، وكل الموجودات هي المادة.
إذن فالخلاف في التسمية فقط، هؤلاء يسمونها (الله) جل الله وعلا، وهؤلاء يسمونها (المادة).
2- الصوفية والشيوعية تلتقيان في الكذب الذي لا يعرف الحدود.
فالصوفية يكذبون على الله ومخلوقاته (من العرش إلى الفرش) من دون خوف ولا حياء!
والشيوعيون شعارهم (اكذب ثم اكذب ثم اكذب وسوف تصدق الكذبة).
3- تلتقيان في الكيد للدين والمكر به! فمثلاً:
يقول المتصوفة: إن الصوفية نزلت وحياً من الله على رسوله، وهي مقام الإحسان! وكان محمد صلى الله عليه وسلم صوفياً، أخذ عنه الطريقة أبو بكر وعمر وعلي، وغيرهم...وغيرها من المخادعات.
ويقول الشيوعيون: إن الإسلام دين الاشتراكية، وقد كان محمد صلى الله عليه وسلم اشتراكياً، وكذلك خديجة وعمر وعلي وأبو ذر.. كانوا اشتراكيين...وغيرها من المخادعات.
4- تلتقيان بتأليه البشر وعبادتهم وتقديسهم في حياتهم وبعد موتهم.
فالمتصوفة يؤلهون سدنة الصوفية وكهانها (الشيوخ) بشكل عام وشيخ طريقتهم بشكل خاص، والشيوعيون يؤلهون سدنة الشيوعية وكهانها (لينين، ماركس، ماوتسي تونغ، غورغي ديمتروف،...وغيرهم) بشكل عام، وحاكم بلدهم بشكل خاص أو (قائد حزبهم).
5- تلتقيان في سَجْن الفرد المنتمي إليهما في زنزانة فكرية لا تسمحان له بالتطلع خارجها.
6- تتشابهان في الغاية؟(2/323)
فالصوفية تعد مريدها أن يكون هو الله المتصرف في الكون!
والشيوعية تعد مريدها أن يكون سيد مصيره.
وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.
7- الصوفية تدعي أنها الطريق المؤدية إلى السعادة الأبدية التي لا تزيد عن كونها تلبيساً وخدعة.
والشيوعية تدعي أنها تؤدي إلى نعيم الإنسان، والذي لا يزيد عن كونه تلبيساً وخدعة.
8- كلتاهما تنبذان الآخرة (مر معنا قولهم: اخلع نعليك الدنيا والآخرة).
9- كلتاهما تستعملان في خداعهما ومراوغتهما أسلوب إماتة الاحتمالات الحية، وتحريك الاحتمالات الميتة وتسليط الأضواء عليها حتى تبدو وكأنها حية!
تشابهٌ بين الضلالتين يثير الانتباه، وتلاقٍ يبعث على التساؤل؟
وبرسم الخطين البيانيين للمسيرتين، مسيرة الصوفية، ومسيرة الشيوعية التي هي التطبيق العملي لأسطورة الشعب المختار، برسم خطيهما البيانيين تاريخياً وجغرافياً، وملحوظة حاجة الصوفية إلى أساليب جديدة في الخداع والمناورة تتفق مع واقع الإنسانية الفكري في عصرها الحاضر ومستقبلها، أساليب مبنية على قوانين العلم في النفس والمجتمع والدعاية وتحريك الجماهير، وقد أتقنت الشيوعية هذه الأساليب وطورتها وتطورها؛ وكذلك مع ملحوظة حاجة الشيوعية لما يسمونه (الروحانيات) كبديل للدين؛ لأن تجارب الشيوعية أو (اليهودية لا فرق) أثبتت لها أن التدين غريزة في الإنسان لا يمكن فصله عنه.
مع ملحوظة هذه الأمور، نستطيع أن نظن، مع الترجيح، أن القيامة ستقوم على الشيوعية الممزوجة بالصوفية، ولا يعلم الغيب إلا الله سبحانه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
((رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)) [الكهف:10]
((مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا)) [الكهف:17]
المراجع(2/324)
* آراء نقدية في مشكلات الدين والفلسفة والمنطق: الدكتور مهدي فضل الله، الطبعة الأولى، (1401هـ- 1981م)، دار الأندلس.
* الإبريز: الذي تلقاه نجم العرفان الحافظ سيدي أحمد بن المبارك عن قطب الواصلين سيدي عبد العزيز الدباغ، وبهامشه كتابان (درر الغواص) ثم (الجواهر والدرر)، يطلب من مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده، ميدان الأزهر.
* ابن سبعين وفلسفته الصوفية: د. أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الأولى (1973م).
* ابن عربي، حياته ومذهبه: آسين بلاثيوس، ترجمه عن الإسبانية عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات الكويت، دار القلم، بيروت، لبنان، (1979م).
* أبو بكر الشبلي، حياته وآراؤه: عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر، منشورات المكتبة العصرية، بيروت - صيدا.
* أبو الحسن الشاذلي: الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، الناشر: دار الإسلام القاهرة، والمكتبة العصرية بيروت، (1387هـ-1967م).
* أبو مدين الغوث: د. عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، منشورات المكتبة العصرية، بيروت- صيدا.
* أحلام اليقظة: جورج هنري جرين، ترجمة إبراهيم حافظ، راجعه زكي المهندس بك، الطبعة الأولى، لجنة البيان العربي.
* إحياء علوم الدين: الغزالي (4 مجلدات)، يطلب من مكتبة عبد الوكيل الدروبي في دمشق، وبهامشه ثلاثة كتب (تعاريف الأحياء بفضائل الإحياء)، ثم (الإملاء في إشكالات الإحياء)، ثم (عوارف المعارف).
* أبو العباس المرسي (العارف بالله): د. عبد الحليم محمود، الطبعة الثانية.
* أربع رسائل إسماعيلية: تحقيق عارف تامر.
* أخبار الحلاج: (ومعه الطواسين ومجموعة من شعره)، بعناية الناشر، وتقديم وتعليق وتصحيح عبد الحفيظ بن محمد مدني هاشم، طبعة ثانية، رمل الإسكندرية، (1390 هـ-1970م).
* الأدب الصوفي في مصر في القرن السابع الهجري: د. علي صافي حسين.(2/325)
* إدمان المخدرات (أضرارها وعلاجها): نخبة من أساتذة كليات الطب، إعداد: محمد رفعت، رئيس تحرير مجلة (طبيبك الخاص)، الطبعة الأولى، (1400هـ-1980م).
* أديان الهند الكبرى (الهندوسية، الجينية، البوذية، ملحق خاص عن قضية الألوهية): الدكتور أحمد شلبي، الطبعة الرابعة، (1976م).
* الأسرار الربانية والفيوضات الرحمانية على الصلوات الدرديرية: للإمام الهمام العالم العامل واللوذعي الكامل العارف بالله تعالى شيخنا وأستاذنا معدن الشريعة والحقيقة الشيخ أحمد الصاوي المالكي الخلوتي.
* الإشارات الإلهية: لأبي حيان التوحيدي، حققه وقدم له عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات الكويت، دار القلم بيروت، الطبعة الأولى، (1981م).
* اصطلاحات الصوفية: عبد الرزاق القاشاني، تقديم وتحقيق: د. عبد اللطيف محمد العبد، الطبعة الأولى، (1397هـ-1977م).
* الأعلام: خير الدين الزركلي.
* أعلام التصوف الإسلامي: بقلم أحمد أبو كف، دار الهلال.
* أعلام ليبيا: الطاهر أحمد الذادي الطرابلسي، الطبعة الثانية، (1390هـ-1971م).
* أفضل الصلوات على سيد السادات: يوسف بن إسماعيل النبهاني، دار الفكر.
* الإلهامات الإلهية على الوظيفة الشاذلية اليشرطية: الشيخ محمود أبو الشامات الدمشقي، الطبعة الثانية، (1350هـ-1960م).
* أناشيد الصفا في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومولد البرزنجي: طبعة جديدة، جمع وإعداد مكتبة الغزالي، دمشق- بيروت.
* الإمام السرهندي، حياته وأعماله (سلسلة رجال الفكر والدعوة في الإسلام، الجزء الثالث): تأليف أبو الحسن علي الحسني الندوي، الطبعة الأولى، (1403هـ-1983م).
* الإمام الدهلوي (من سلسلة رجال الفكر والدعوة في الإسلام، الجزء الرابع): تأليف أبو الحسن علي الحسني الندوي، الطبعة الأولى، (1405هـ-1985م).
* إلجام العوام عن علم الكلام: أبو حامد الغزالي.
* الإنسان الكامل في الإسلام: الدكتور عبد الرحمن بدوي، الطبعة الثانية، مايو (1976م).(2/326)
* الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل: الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي، جزءان في مجلد، الطبعة الرابعة، (1395هـ-1975م).
* الأنوار القدسية في بيان آداب العبودية: عبد الوهاب الشعراني، جزءان في هامش الطبقات الكبرى للمؤلف (مجلد واحد).
* الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية (جزءان): الإمام العلامة عبد الوهاب الشعراني، حققه وقدم له طه عبد الباقي سرور، الطبعة الأولى.
* إيضاح أسرار علوم المقربين: السيد الشريف والمولى المنيف، بركة الأنام وقطب الزمان، مربي المريدين، الإمام جمال الدين الشيخ محمد بن عبد الله بن شيخ العيدروس باعلوي، ويليه كتابان (الكبريت الأحمر) و(غاية القرب)، المكتبة النبهانية الكبرى، سربايا، جاوى، (1352هـ-1933م)، (رقم: 11)، مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
* إيقاظ الهمم في شرح الحكم: للعارف بالله أحمد بن محمد بن عجيبة الحسني وبحاشيته الفتوحات الإلهية للمؤلف، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.
* الأوراد الخلوتية (الصلوات الدرديرية).
* أغرب القبائل والشعوب بالقرن العشرين: الجزء الأول، رياض مصطفى العبد الله، الطبعة الأولى.
* بد العارف: ابن سبعين، تحقيق وتقديم د. جورج كتورة، الطبعة الأولى، 1978م، دار الأندلس ودار الكندي، بيروت.
* بدائع الزهور في وقائع الدهور: العالم الفاضل...محمد بن أحمد بن إياس الحنفي، دار الكتب العلمية، بيروت.
* بداية الطريق إلى مناهج التحقيق في ظلال الشريعة ورحاب الحقيقة: السيد محمود أبو الفيض المنوفي الحسيني، (سلسلة من الشرق والغرب)، الدار القومية للطباعة والنشر.
* بغية المستفيد لشرح منية المريد: تأليف سيدي محمد العربي السائح الشرقي العمري التجاني، (1393هـ-1973م)، دار العلم للجميع.
* بهجة الأسرار ومعدن الأنوار: نور الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن جرير اللخمي الشطنوفي، في بعض مناقب القطب الرباني محيي الدين أبي محمد عبد القادر الجيلاني.(2/327)
* بوارق الحقائق: القطب الغوث الفرد المتمكن العارف بالله...الشيخ الكبير السيد بهاء الدين محمد مهدي الشيوخي الشهير بالرواس ابن السيد علي ابن السيد نور الدين الرديني الرفاعي الصيادي، عني بنسخه وتحقيقة وطبعه ونشره: عبد الحكيم بن سليم عبد الباسط، مكتبة النجاح، طرابلس، ليبيا.
* البهجة الخالدية: مع (السعادة الأبدية)، ثم (الحقيقة الندية)، ثم (البهجة الخالدية)، محمد بن سليمان البغدادي الحنفي النقشبندي، إستانبول، (1401هـ-1981م).
* تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس: تأليف الشيخ الإمام تاج الدين أبي العباس أحمد بن عطاء الله السكندري ويليه منظومة (بدء الأماني).. الطبعة الثانية، (1375هـ-1956م).
* تاريخ العلويين: محمد أمين غالب الطويل، الطبعة الرابعة، (1401هـ-1981م).
* تاريخ الفلسفة اليونانية: يوسف كرم، طبعة جديدة، دار القلم، بيروت.
* تحفة السفرة إلى حضرة البررة: سلطان العارفين الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، حققه وعلق عليه محمد رياض المالح، دار الكتاب اللبناني، بيروت.
* تربيتنا الروحية: سعيد حوى، الطبعة الأولى.
* التصوف الإسلامي: زكي مبارك.
* التصوف الإسلامي الخالص: السيد محمود أبو الفيض المنوفي، دار نهضة مصر للطبع والنشر، الفجالة، القاهرة.
* التصوف بين الحق والخلق: فهر الشقفة.
* التصوف الثورة الروحية في الإسلام: د. أبو العلا عفيفي، دار الشعب، بيروت.
* التصوف عند ابن سينا: د. عبد الحليم محمود، مكتبة الأنجلو المصرية.
* التصوف عند المستشرقين: أحمد الشرباصي (سلسلة الثقافة الإسلامية 27)، شوال (1380هـ)- مارس (1961م).
* التصوف في الإسلام: د. عمر فروخ، عن دار الكتاب العربي، بيروت، (1401هـ-1981م).
* تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة: (انظر الفلسفة الهندية) لأبي الريحان محمد بن أحمد البيروني، راجعه وقدم له د. عبد الحليم محمود وعثمان عبد المنعم يوسف، مع مقارنة.(2/328)
* التصوت وأقطابه: الشيخ محمد محمود السطوحي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية (كتاب الجمهورية الديني) أول يوليو، (العدد:10)، (1390هـ-1970م).
* التعرف لمذهب أهل التصوف: تأليف تاج الإسلام أبو بكر محمد الكلاباذي، (1400 هـ-1980م)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
* تلاوة الأوراد وإقامة الأذكار في الطريقة الشاذلية اليشرطية: فاطمة اليشرطية الحسينية.
* تلبيس إبليس: ابن الجوزي، عني بنشره وقدم له...محمود مهدي استانبولي، (1396هـ-1976م).
* تنزيه السنة والقرآن عن أن يكونا من أصول الضلال والكفران: أحمد بن حجر آل بوطامي آل بن علي، الدوحة، (1399هـ).
* التنوير في إسقاط التدبير: الشيخ الإمام ابن عطاء الله السكندري، تحقيق وتعليق موسى محمد علي، وعبد العال أحمد العرابي، دار التراث العربي للطباعة والنشر، ميدان المشهد الحسيني.
* تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب: تأليف مولانا العارف بالله الشيخ محمد أمين الكردي الإربلي الشافعي مذهباً النقشبندي مشرباً، الطبعة التاسعة (1372هـ)، ومقدمة الكتاب لخليفته مولانا (الشيخ سلامة العزامي)، يترجم بها للمؤلف.
* تقريب الأصول لتسهيل الوصول: أحمد زيني الدحلان، الطبعة الأخيرة، (1385هـ-1965م).
* تنبيه المغترين أواخر القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر: للشعراني، ويليه (الكشف والتبيين في غرور الخلق أجمعين) للغزالي، (1390هـ-1970م).
* الثقافة الإسلامية في الهند (معارف العوارف في أنواع العلوم والمعارف) تأليف عبد الحي الحسني، راجعه وقدم له أبو الحسن علي الحسني الندوي، الطبعة الثانية، دمشق، (1403هـ-1983م)، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
* جامع كرامات الأولياء: يوسف بن إسماعيل النبهاني، جزءان في مجلدين، تحقيق ومراجعة: إبراهيم عطوة عوض، الطبعة الثانية، (1394هـ-1974م)، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.(2/329)
* جمهرة الأولياء وأعلام أهل التصوف: تأليف العالم الجليل السيد محمود أبو الفيض المنوفي الحسيني (جزءان في مجلد)، الطبعة الأولى، (1387هـ-1967م).
* الجواهر والدرر: مما استفاده سيدي عبد الوهاب الشعراني من شيخه سيدي علي الخواص أيضاً للقطب العارف بالله سيدي عبد الوهاب الشعراني، في هامش الإبريز.
* جولات في الفقهين الكبير والأكبر وأصولهما: سعيد حوى، دار الأرقم- عمان، الطبعة الأولى، (1400هـ-1980م).
* الحديقة الندية في الطريقة النقشبندية: للعلامة محمد بن سليمان البغدادي الحنفي النقشبندي، مع كتاب (السعادة الأبدية)، ويليه (البهجة الخالدية)، إستانبول، (1401هـ-1981م).
* حاشية العلامة الصاوي على شرح الخريدة البهية لأبي البركات سيدي أحمد الدردير: تطلب من مكتبة القاهرة لصاحبها علي يوسف سليمان.
* الحشيش قاتل الإنسان ودعامة الاستعمار: هادي المدرِّس، الطبعة الأولى، (1979م).
* حقائق عن التصوف: عبد القادر عيسى، الطبعة الثانية، (1390هـ-1970م).
* الحقيقة التاريخية للتصوف الإسلامي: محمود البهلي النيال، نشر مكتبة النجاح - تونس، (1384هـ).
* حقيقة البابية والبهائية: الدكتور محسن عبد الحميد، جامعة بغداد، الطبعة الثانية.
* حكاية إبليس بما أخبر به النبي المعظم صلى الله عليه وسلم: تلي (شجرة الكون) في كتاب واحد، الطبعة الأخيرة، (1388هـ-1968م)، مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
* حلية الأولياء: أبو نعيم الأصفهاني. حياة القلوب في كيفية الوصول إلى المحبوب: لعماد الدين الأموي، الكتاب الثاني بهامش (قوت القلوب).
* حاشية العروسي: انظر (نتائج الأفكار القدسية).
* الحلاج: طه عبد الباقي سرور.
* حي بن يقظان: لابن طفيل، قدم له وحققه فاروق سعد، الطبعة الثالثة.
* الخير الكثير الملقب بخزائن الحكمة: ولي الله الدهلوي، الطبعة الأولى، (1394هـ-1974م)، دار الطباعة المحمدية بالأزهر.(2/330)
* الخطوط العريضة: السيد محب الدين الخطيب، ويليها (مؤتمر النجف)، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، (لعلها الطبعة التاسعة).
* درر الغواص على فتاوى سيدي علي الخواص: الأول على هامش (الإبريز)، عبد الوهاب الشعراني.
* دلائل الخيرات: ويليه قصيدة (البردة).. محمد بن سليمان الجزولي.
* الدواوين الست: لشيخ الإسلام وغوث الزمان الحاج إبراهيم ابن الشيخ الحاج عبد الله الكولخي، علق عليها الشيخ الحاج أبو بكر عتيق ابن المرحوم الخضر الكشتاوي ثم الشيخ الحاج محمد الثاني ابن المرحوم الحسن كافنغ.
* ديوان البرعي: الطبعة الأخيرة، (1389هـ-1970م)، المكتبة الثقافية، بيروت، لبنان.
* ديوان الحلاج: صنعه وأصلحه الدكتور كامل مصطفى الشيبي.
* ديوان ترجمان الأشواق: ابن عربي.
* الرسالة القشيرية في علم التصوف: الإمام الجامع بين الشريعة والحقيقة أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، وعليها هوامش من شرح شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، الناشر دار الكتاب العربي بيروت.
* رسالة المسترشدين: الحارث المحاسبي. المقدمة لعبد الفتاح أبو غدة.
* رسائل ابن سبعين: سلسلة تراثنا، حققه وقدم له الدكتور عبد الرحمن بدوي، نشر الدار المصرية للتأليف والترجمة.
* رسائل ابن عربي: للشيخ الأكبر محيي الدين أبي عبد الله العربي الحاتمي، الطبعة الأولى، بمطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية بعاصمة الدولة الآصفية، حيدر آباد الدكن، (1361هـ).
* الرمز الشعري عند الصوفية: الدكتور عاطف جودة نصر، الطبعة الأولى، (1978م).
* روضة التعريف بالحب الشريف: الوزير لسان الدين بن الخطيب، تحليل وتعليق وتقديم عبد القادر أحمد عطا (عبد الستار)، ملتزم الطبع والنشر دار الفكر العربي.
* رشح الزلال في شرح الألفاظ المتبادلة بين أرباب الأذواق والأحوال: عبد الرزاق القاشاني.
* رسالة الأنوار: ابن عربي.(2/331)
* سر العالمين، ومعه الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة: للإمام حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، المتوفى سنة (505هـ)، الناشر: مكتبة الجندي بمصر (صاحبها محمد علي الجندي)، تقديم مصطفى أبو العلا الشهير بحامد.
* سد هارتا: هيرمان هيسِّيه، ترجمة سمير علي، منشورات وزارة الثقافة والإعلام (1981م)، الجمهورية العراقية، سلسلة الكتب المترجمة (107).
* سراج القلوب وعلاج الذنوب: للشيخ أبي علي زين الدين علي المعيري الفناني (الكتاب الأول بهامش قوت القلوب).
* السعادة الأبدية فيما جاء به النقشبندية: للحقير الفاني عبد المجيد بن محمد الخاني الخالدي النقشبندي...ويليه (الحديقة الندية)، ثم (البهجة الخالدية)، اعتنى بطبعه حسين حليم بن سعيد استانبولي، استانبول (1401هـ-1981م).
* سنن ابن ماجة.
* سنن أبي داوُد.
* سنن الترمذي.
* السيد عبد الرحيم القنائي (شخصيات صوفية): صلاح عزام، الشعب، القاهرة، جمادى الأولى (1390هـ-يوليو 1970م).
* السر الأبهر في أوراد القطب الأكبر سيدي أحمد التجاني: الجوسقي، قبله ثلاثة كتب في مجلد واحد: (الفتح الرباني)، (الفتوحات الربانية)، (النفحة الأقدسية).
* الشبك: من فرق الغلاة في العراق، أحمد حامد الصراف، مطبعة المعارف، بغداد، (1373هـ-1954م).
* شجرة الكون: الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن العربي ويليها (حكاية إبليس)، الطبعة الأخيرة، (1388هـ-1968م)، مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
* شرح الرسالة القشيرية (بهامش نتائج الأفكار القدسية): لزكريا الأنصاري.
* شرح كلمات الصوفية: الرد على ابن تيمية، من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي، جمع وتأليف محمود محمد الغراب، (1402هـ-1981م).
* شروح رسالة الشيخ أرسلان ومنها (شرح عبد الغني النابلسي).(2/332)
* شرح دعاء السحر: لسماحة آية الله العظمى الإمام الخميني دامت بركاته، قدم عليه السيد أحمد الفهري، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، (1402هـ-1982م).
* شرح مجموع الأوراد (شرح أوراد العارف بالله المرحوم الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ حسين الشريف الحسيني): لحفيد المؤلف محمد عادل الشريف الحسيني الخليلي، (1399هـ-1979م).
* شطحات الصوفية: عبد الرحمن بدري، طبعة ثالثة، (1976م).
* شمس المعارف الكبرى: للشيخ أحمد بن علي البوني (4 أجزاء في مجلد)، ويليه رسالة (ميزان العدل في مقاصد أحكام الرمل)، ورسالة (فواتح الرغائب)...ورسالة (زهر المروج) ورسالة (لطائف الإشارة)، تأليف عبد القادر الحسيني الأدهمي.
* شيخ الشيوخ أبو مدين الغوث، حياته ومعراجه إلى الله: الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الإسلام، المكتبة العصرية، صيدا- بيروت.
* شرح القاشاني على الفصوص: انظر (فصوص الحكم).
* شرح الطريقة المحمدية: عبد الغني النابلسي.
* شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لابن العماد.
* الشيعة في الميزان: محمد جواد مغنية، دار الشروق، بيروت.
* صحيح مسلم.
* صفة الصفوة: ابن الجوزي.
* الصوفية بين الأمس اليوم: دكتور سيد حسين نصر، ترجمة د. كمال خليل يازجي، الطبعة الأولى، (1975م).
* الصوفية في نظر الإسلام: سميح عاطف الزين، الطبعة الثانية، دار الكتاب اللبناني، ودار الكتاب المصري.
* الصلة بين التصوف والتشيع: الدكتور كامل مصطفى الشيبي، مطبعة الزهراء، بغداد، (1382هـ-1963م).
* طبقات الأولياء: لابن الملقن، سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد المصري، الطبعة الأولى، (1393هـ-1973م). حققه وخرجه نور الدين شريبة (مجمع البحوث الإسلامية، الأزهر).
* طبقات الصوفية: أبو عبد الرحمن السلمي، تحقيق نور الدين شريبة، الطبعة الثانية، (1389هـ-1969م)، مكتبة الخانجي.(2/333)
* الطبقات الكبر ى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار: أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الأنصاري (الشعراني) (جزءان في مجلد)، وبهامشه الأنوار القدسية (1 و2).
* الطواسين: الحلاج، أعادت طبعه بالأوفست مكتبة المثنى- بغداد.
* علم الأدوية الخاص (الفارماكولوجيا): الدكتور أكرم المهايني، الطبعة الرابعة، مطبعة جامعة دمشق، (1980م-1981م).
* علم القلوب: أبو طالب المكي، حققه وعلق حواشيه وقدمه عبد القادر أحمد عطا، الناشر مكتبة القاهرة.
* عمر بن الفارض من خلال شعره: ميشال فريد غريب، الطبعة الأولى، سلسلة أعلام التصوف.
* عوارف المعارف: شهاب الدين السهروردي البغدادي، بهامش الإحياء.
* غاية الأماني في مناقب وكرامات أصحاب الشيخ سيد أحمد التجاني: جمع وتأليف محمد السيد التجاني، الطبعة الثانية، المكتبة الشعبية، بيروت- لبنان.
* الغنية لطالبي طريق الحق: (جزءان في مجلد واحد)، للشيخ عبد القادر الجيلاني، المكتبة الشعبية، بيروت- لبنان.
* غاية القرب في شرح نهاية الطلب: لولي الله الشريف الحبيب محيي الدين عبد القادر ابن شيخ العيدروس، قبله (إيضاح أسرار العلوم) و(الكبريت الأحمر) في مجلد واحد.
* فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني.
* الفتح الرباني: سيدي عبد القادر الجيلاني، دار الكتاب العربي، بيروت.
* الفتح الرباني فيما يحتاج إليه المريد التجاني: محمد بن عبد الله بن حسنين الشافعي الطصفاوي التجاني، ويليه ثلاث رسائل: (الفتوحات الربانية)، و(النفحة الأقدسية)، و(السر الأبهر)، الطبعة الثالثة، (1377هـ-1958م).
* الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية (في حاشية إيقاظ الهمم): كلاهما للعارف بالله أحمد بن محمد بن عجيبة الحسني، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.(2/334)
* الفتوحات الربانية في الطريقة الأحمدية التجانية: للشنقيطي قبله (الفتح الرباني فيما يحتاج إليه المريد التجاني)، وبعده (النفحة القدسية).. و(السر الأبهر) في مجلد واحد، الطبعة الثالثة، (1377هـ-1985م).
* الفتوحات المكية: ابن عربي.
* فتوح الغيب: سيدي عبد القادر الجيلاني، الطبعة الثانية، (1392هـ-1973م)، مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
* فصوص الحكم: الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، المتوفى سنة (638هـ)، والتعليقات عليه بقلم (أبو العلا عفيفي)، الطبعة الثانية، (1400هـ-1980م)، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
* فصوص الحكم: محيي الدين بن عربي، شرح الشيخ عبد الرزاق القاشاني، المطبعة الميمنية بمصر.
* الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى القرن الثاني عشر: كامل مصطفى الشيبي.
* الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة: عبد الرحمن عبد الخالق، الطبعة الأولى، (1395هـ-1975م).
* الفكر الصيني: H. G Creal ترجمة عبد الحميد سليم، مراجعة علي أدهم.
* الفلسفة الهندية مع مقارنة بفلسفة اليونان والتصوف الإسلامي: البيروني، راجعه وقدم له الدكتور عبد الحليم محمود، عثمان عبد المنعم يوسف، وهو فصول من كتاب: (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة) للبيروني.
* الفيوضات الربانية في المآثر والأوراد القادرية: جمع وترتيب العبد الفقير الحاج إسماعيل بن السيد محمد سعيد القادري، ويليه القصيدة الخمرية، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه.
* في التصوف الإسلامي وتاريخه: رينولد. ا. نيكولسون، نقلها إلى العربية أبو العلا العفيفي، (1388هـ-1969م).
* الفكر الفلسفي الهندي: سرفبالي راداكْرِشنا، ترجمة ندرة اليازجي، (1967م).
* فصل الخطاب فيما تنزلت به عناية الكريم الوهاب: محمد مهدي الصيادي (الرواس)، مكتبة النجاح، طرابلس، ليبيا.(2/335)
* الفرق بين الفرق: عبد القاهر بن طاهر البغدادي الإسفراييني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
* القاديانية: د. حسن عيسى عبد الظاهر.
* قصة التغلب على الألم: الدكتور نقولا فياض، حزيران (يونيو:1979م).
* القصد المجرد في معرفة الاسم المفرد: لابن عطاء الله السكندري، منشورات مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده بمصر.
* قلائد الجواهر: العلامة المرحوم الشيخ محمد بن يحيى التادفي الحنبلي، وبهامشه كتاب (فتوح الغيب) للجيلاني، طبع بمطبعة مصر، شركة مساهمة مصرية، ويطلب من مكتبة الشيخ مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
* قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر: تأليف مولانا العالم العلامة الفاضل والجهبذ النحرير...محمد أبي الهدى أفندي الرفاعي الخالدي الصيادي، الطبعة الأولى، (1400هـ-1980م)، بيروت، لبنان.
* قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد: للشيخ أبي طالب المكي (جزءان في مجلد)، وبهامشه كتابان جليلان (سراج القلوب) و(حياة القلوب).
* الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر: (بهامش اليواقيت والجواهر، كلاهما للشعراني، مجلدان، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
* الكبريت الأحمر والإكسير الأكبر المعبر عنه بالدر والجوهر: للعارف بالله الشريف الحبيب عبد الله بن أبي بكر العيدروس، قبله كتاب: (إيضاح أسرار علوم المقربين)، وبعده: (القرب في شرح نهاية الطلب)، كلها في مجلد واحد باسم الكتاب الأول، المكتبة النبهانية الكبرى، سربايا، جاوى، (1352هـ-1933م).
* كتاب الرياضة وأدب النفس: للإمام أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن الحكيم الترمذي، عني بإخراجه الدكتور ا. ج. آربري- الدكتور علي حسن عبد القادر، (1366هـ-1947م).
* الكامل في التاريخ: عز الدين بن الأثير.
* كشف الأسرار لتنوير الأفكار: للشيخ مصطفى بن محيي الدين نجا، الطبعة الرابعة، (1398هـ-1978م).(2/336)
* كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب: للعلامة سيدي الحاج أحمد بن الحاج العياشي سكيرج، (1381هـ-1961م).
* كشف الظنون: حاجي خليفة.
* الكشف والتبيين في غرور الخلق أجمعين: ملحق بكتاب (تنبيه المغترين) للغزالي.
* اللطائف الروحية لأبناء الطريقة الشاذلية اليشرطية. مطبعة الإنصاف، بيروت، (تصوير سحب).
* اللمع: لأبي نصر السراج الطوسي، حققه وقدم له وخرج أحاديثه الدكتور عبد الحليم محمود، وطه عبد الباقي سرور، (1380هـ-1960م)، لجنة نشر التراث الصوفي.
* ميزان الاعتدال: الذهبي.
* ما قبل الفلسفة: هـ. فرانكفورت - هـ. أ، فرانكفورت - جون. أ. ولسن - توركيد جاكوبس. ترجمة: جبرا إبراهيم جبرا، مراجعة الدكتور محمود الأمين، منشورات دار مكتبة الحياة، فرع بغداد، (1960م).
* محمد في الكتاب المقدس: البروفيسور دافيد بنجامين الكلداني (عبد الأحد داوُد)، ترجمة فهمي شما، الطبعة الأولى، (1405هـ-1985م).
* المجموعة النادرة لأبناء الآخرة: (أربعة كتب في كتاب)، محمد مهدي الصيادي الرواس، عني بتحقيقها وجمعها عبد الحكيم بن سليم عبد الباسط، مكتبة النجاح، طرابلس، ليبيا.
* مجموع أوراد الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية: جمع وطبع على نفقة الفقير إلى الله تعالى ياسين بن الشيخ حسني الدين القاسمي الخليلي، خادم الطريقة الخلوتية، الطبعة الأولى، سنة (1387هـ).
* مجموعة ساعة الخبر: تشتمل على حكم السبعة الأفلاك ومعرفة أسماء البروج ومعرفة منازل القمر، مأخوذة عن سيدي محيي الدين بن العربي، جعلها للأولياء الصالحين والطائفين المريدين، الطبعة الأخيرة، (1368هـ-1949م).
* محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار: للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، الجزء الأول، تحقيق محمد موسى الخولي، القاهرة، شعبان (1392هـ)، أكتوبر (1972م).(2/337)
* محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين: للإمام الأعظم فخر الدين محمد بن عمر الخطيب الرازي، وبذيله تلخيص المحصل للعلامة نصير الدين الطوسي، راجعه وقدم له طه عبد الرءوف سعد.
* المخدرات: الدكتور صلاح يحياوي، الطبعة الأولى، (1401هـ-1981م).
* المسلك القريب لكل سالك منيب: الحبيب الفاضل العالم العامل...سيدنا الحبيب طاهر بن حسين بن طاهر، المكتبة الشعبية.
* مسند الإمام أحمد بن حنبل.
* مشكاة الأنوار: أبو حامد الغزالي، حققها وقدم لها الدكتور أبو العلا عفيفي، القاهرة، (1383هـ-1964م).
* مصرع التصوف: برهان الدين البقاعي، تحقيق عبد الرحمن الوكيل، (1400هـ -1980م).
* معارج القدس في مدارج معرفة النفس: حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، وتليها القصيدة الهائية والقصيدة التائية للمؤلف، الطبعة الرابعة، (1980م).
* المربي: محمد محمد أبو خليل.
* معالم الطريق إلى الله: محمود أبو الفيض المنوفي، دائرة المعارف الصوفية، دار نهضة مصر للطبع والنشر.
* معجم مصطلحات الصوفية: دكتور عبد المنعم الحفني.
* مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح: تاج الدين أحمد بن محمد بن عطاء الله السكندري، الطبعة الأولى، 1381هـ-1961م، مصطفى البابي الحلبي.
* مقدمة ابن خلدون: ابن خلدون.
* من أعلام التصوف الإسلامي: طه عبد الباقي سرور، لجنة الدراسات الصوفية، مكتبة نهضة مصر ومطبعتها.
* المناظر الإلهية: للعارف بالله تعالى الإمام سيدي عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي، الطبعة الأولى، (1382هـ-1962م).
* من الفكر الصوفي الإيراني المعاصر: (معالم الفكر)، (نداء الحقيقة)، (رسالة القلب)، (نيروان)، تأليف مولانا محمد صادق عنقا شاه مقصود بير أويسي، ترجمة وتقديم دكتور السباعي محمد السباعي- دكتور إبراهيم الدسوقي شتا، دار الثقافة للطباعة والنشر بالقاهرة.
* المنح القدوسية: ابن عليوة المستغانمي، طبعة ثانية.(2/338)
* منظومة بدء الأماني في التوحيد: لسراج الدين علي بن عثمان الأوشي الفرغاني، الطبعة الثانية، (1375هـ-956م).
* المندل والخاتم السليماني والعلم الروحاني: للإمام الغزالي، جمع وتأليف الأستاذ الكبير عبد الفتاح السيد الطوخي.
* المنقذ من الضلال: للغزالي، ويليه (تحفة الأريب) لعبد الله بن عبد الله، اعتنى بطبعه حسين حلمي بن سعيد استانبولي، استانبول، (1401هـ-1981م).
* المنتخبات من المكتوبات للإمام الرباني المجدد للألف الثاني أحمد الفاروقي السرهندي: تعريب محمد مراد المنزاوي تولداً، المكي توطناً، استانبول، تركيا، (1399هـ-1979م).
* المواقف الإلهية: ابن قضيب البان.
* ميزاب الرحمة الربانية في التربية بالطريقة التيجانية: الشيخ العلامة العارف بالله سيدي عبيدة بن سيدي محمد الصغير بن أنبوجة الشنقيطي التيشيتي، دار العلم للجميع، (1393هـ-1973م).
* ميزان العمل: الغزالي، كتب المقدمة وترجم للمؤلف ونوه بالكتاب وصححه وعلق عليه فضيلة الشيخ محمد مصطفى أبو العلا، مدير عام التعليم الابتدائي بالأزهر الشريف.
* نتائج الأفكار القدسية أو (حاشية العروسي): في بيان معاني شرح الرسالة القشيرية، العنوان الموجود على الغلاف الداخلي هو: الجزء الأول من حاشية العالم العلامة الحبر الفهامة إمام الفضلاء الفخام وشيخ مشايخ الإسلام مظهر الفيض القدوسي الأستاذ السيد مصطفى العروسي، المسماة بنتائج الأفكار في بيان معاني شرح الرسالة القشيرية لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وبهامشها الشرح المذكور.
* نسيم السحر: للعارف بالله تعالى الإمام سيدي عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي، مكتبة الجندي بسيدنا الحسين بمصر.
* نشأة التصوف: عبد الكريم الخطيب.
* النجوم الزاهرة: ابن تغري بردي.
* نشر المحاسن الغالية في فضل المشايخ الصوفية أصحاب المقامات العالية: لأبي محمد عبد الله بن أسعد اليافعي، الطبعة الأولى، عام (1381هـ-1961م).(2/339)
* النفحات الأقدسية في شرح الصلوات الأحمدية الإدريسية: لمحمد بهاء الدين البيطار الشامي الميداني خادم الطريقة الرشيدية الأحمدية (سنة:1314هـ)، دار الجيل، بيروت.
* نفحات الحق: فاطمة اليشرطية، الطبعة الأولى.
* النفحات الغزالية: أبو بكر أبو بكر عبد الرزاق، المحامي بوزارة الأوقاف (مصر)، دار الفكر العربي.
* النفحة العلية في الأوراد الشاذلية: لجامعه عبد القادر زكي، على الغلاف الخارجي: الطبعة الثالثة، وعلى الغلاف الداخلي: الطبعة الثانية، المكتبة الشعبية، بيروت- لبنان.
* النفحة القدسية في السيرة الأحمدية التيجانية: للجوسقي، وهي رسالة في كتاب (الفتح الرباني فيما يحتاج إليه المريد التجاني) من ثلاث رسائل.
* هذه هي الصوفية: عبد الرحمن الوكيل، الطبعة الثالثة، (1399هـ-1979م)، دار الكتب العلمية.
* هياكل النور: يحيى بن حبش السهروردي.
* الوصايا: لابن عربي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت- لبنان.
* ولاية الله والطريق إليها: إبراهيم إبراهيم هلال، تقديم ابن الخطيب، دار الكتب الحديثة.
* يسوع المسيح (شخصيته وتعاليمه): الأب بولس إلياس اليسوعي، الطبعة الثانية.
* اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر: (مجلدان)، عبد الوهاب الشعراني، دار المعرفة، بيروت- لبنان.
* اليزيديون في حاضرهم وماضيهم: السيد عبد الرزاق الحسني، الطبعة الثامنة، (1402هـ-1982م).
فهرس المحتويات
الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ ... 1
القسم الأول الدراسات الحقيقة - الطريقة - الوصول ... 4
الباب الأول الحقيقة الصوفية ... 5
الفصل الأول مذهب واحد ... 5
الفصل الثاني مدخل إلى فهم النصوص الصوفية ... 10
الفصل الثالث وحدة الوجود عقيدة كل الصوفية ... 74
الفصل الرابع الحقيقة المحمدية ... 192
الفصل الخامس غاية التصوف ... 206
الفصل السادس العارف ... 215
الباب الثاني الطريقة ... 225
الفصل الأول الشيخ ... 229(2/340)
الفصل الثاني الرياضة (المجاهدة) ... 240
الفصل الثالث كشف بطائفة مما يسمونه الطرق الصوفية ... 254
الباب الثالث الوصول ... 271
الفصل الأول الأحوال والمقامات وتوابعها ... 271
الفصل الثاني نماذج من حكايات الصوفية ومكاشفاتهم وكراماتهم وعلومهم اللدنية ... 302
القسم الثاني المناقشات ... 428
تقديم وجيز في البدعة: ... 428
الباب الأول مناقشة الطريقة ... 431
الفصل الأول مناقشة مفهوم الصوفية للشيخ ... 431
الفصل الثاني مناقشة الرياضة (المجاهدة) ... 437
الفصل الثالث مناقشة الطريقة البرهانية (الغزالية) ... 450
الباب الثاني مناقشة الوصول ... 456
الفصل الأول مناقشة خرق العادة ... 456
الفصل الثاني مناقشة الجذبة وأحلامها ... 462
الباب الثالث مناقشة الحقيقة ... 493
الفصل الأول مناقشة وحدة الوجود ... 493
الفصل الثاني الباطنية ... 500
الفصل الثالث مناقشة التقية ... 502
الباب الرابع مناقشات ودراسات مختلفة ... 514
الفصل الأول مناقشة التعاريف واشتقاق (الصوفية) ... 514
الفصل الثاني من أين جاءت الصوفية ... 522
الفصل الثالث الصوفية في الوثنيات وعند أهل الكتاب ... 529
الفصل الرابع الصوفية وتدمير المجتمع الإسلامي ... 539
الفصل الخامس تكفير المتصوفة ... 587
الفصل السادس الصوفية والسحر ... 598
الفصل السابع الصوفية والشيوعية ... 606
المراجع ... 608
فهرس المحتويات ... 623(2/341)