الكشاف عن ضلالات
حسن السقاف
سليمان بن ناصر العلوان
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأَشهد أَن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن حماية العقيدة من تحريف المبتدعين جهاد من أَعظم الجهاد ، والتصدي لهم لكشف ضلالهم وتلبيساتهم أَمر واجب على طائفة من أهل العلم والإيمان.
وقد وقفتُ على كتاب لابن الجوزي (1) اسمه: (دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه).فلما نظرتُ فيه فإذا هو مشتمل على: التحريف ، والتأويل ، والتعطيل ، والتفويض. والكتاب جملة: ظلمات بعضها فوق بعض ، وزاد الكتاب ظلمة وعمىً وضلالاً المعلق عليه المسمى: [حسن السَّقَّاف] ، فقد شحن الكتاب بتعليقاتِ مهلكة ، وآراء ساقطة ، وكشف بتعليقاته وقبلُ في سائر كتبه عن سوء معتقده وضلاله.
__________
(1) وقد عقد السَّقَّاف في كتابه المبتور "تناقضات الألباني" (1/9) فصلاً لبيان الأحاديث التي ضعفها الألباني في البخاري أو مسلم مع أن السَّقَّاف طعن كما هنا في حديث الجارية وطعن في عشرات الأحاديث المخرجة في الصحيحين أو أحدهما لكونها تخالف اعتقاده كما سنبينه إن شاء الله فيما يأتي.
وأما كتابه "تناقضات الألباني" فقد وقع فيه في خبط وخلط وتناقض فظيع واضطراب وكذب في النقل فلا يُغتر به وقد ثبت عندي بقراءة بعض كتب السَّقَّاف أنه عدو للسنة والتوحيد وأنه جهمي جلد ومن قرأ هذه الرسالة مع اختصارها عرف ما قلت وعرف أن أهل البدع لا يزالون يدأبون لهدم العقيدة السلفية وتجديد العقيدة الجهمية.(1/1)
فلمَّا قرأتُ التعليقات على الكتاب المكتث بالبدع والضلالات ؛ رأَيتُ:أنه لا بدَّ من تبيين ضلالاته ، وأَباطيله ، وكذبه ، وافتراءاته ؛ حتى ينكشف أمره ، ويظهر زيغه وجهله. فإنه قد طال عناده ، وكثر شقاقه ، وظن أن سكوت العلماء عن تبيين أمره ؛ لضعف فيهم ، أو لعدم قدرة كشف زيغه وانحرافه ، وإظهار كذبه وافترائه. وما عَلِمَ أنهم سكتوا عنه تحقيراً لشأنه ، وإخماداً لبدعه ، وإماته لذكره. ولكن لا ضير إذا كان ذكره قد شاع ، وخبره قد طار، في: البدع ، والضلالات ، والكذب ، والافتراءات.
كما ستقف عليه أيها السُّنِّي في هذا الكشاف: الذي يكشفه ، وعشرات معه من: أهل الزيغ والعناد والإلحاد ، وبث البدع والضلالات في ثنايا كتب أهل العلم والدين ، الذين أسهروا ليلهم ، وأَظمأُوا نهارهم ؛ لنشر العقيدة الصحيحة ، وتقريبها للقاصي والداني، نصحاً للأمة وبراءَة للذمة؛ فصارت محبتهم علماً لأهل السنة ، وبغضهم علماً لأهل البدعة والفرقة.
فلِلَّهِ درهم من أقوام: عاشوا على الإسلام والسن ، فنسأل الله تعالى أن يدخلهم الجنة.
ولمَّا رأيت أن الردَّ سوف يطول لكثرة بدعه وفجوره، وكتابه قد انتشر، وكثر مروجوه ، خصوصاً في مكة-طهرها الله من أهل الشرك والبدع-: خشيت على من لا يعرف حاله أن يغتر به، خصوصاً أنه علَّق على كتاب عالمٍ مشهور ، ينطوي أمره على الكثير ممن ينظر إلى من قال لا إلى المقال. فشرعت لأُبين ترهاته باختصار ، وأدع الرد على تعليقاته وعلى كتاب ابن الجوزي رداً مفصلاً لوقت آخر إن شاء الله.
فأقول:
السَّقَّاف لم يدع لفظة شنيعة إِلا ووسم بها أَهل السنة ، ولا وصفاً قبيحاً إِلا وعابهم به ، فجعل الحق باطلاً ، والباطل حقاً ، والسنة بدعة ، والبدعة سنة ، وسبَّ علماء الإسلام ، وكفَّر هداة الأنام ، وأثنى على جهمية هذا الزمان.(1/2)
ولم يكتف بما جاء به من البدع والظلمات في توحيد الأسماء والصفات ، حتى طعن في الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان كما في (ص102-103 ، تعليق رقم:18) ، و(ص236-243) .
وهذا برهان واضح على انحرافه وضلاله ، فإنه لا يطعن في أحد من أَصحاب النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- إلا ظالم باغي.
وأما معاوية بن أَبي سفيان –رضي الله عنه- فإن العلماء –رحمهم الله- اتفقوا على أَنه أَفضل ملوك هذه الأمة. ذكر ذلك شيخ الإسلام كما في "الفتاوى": (4/478) . وقد تُوفي النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- وهو عنه راضٍ ، وهذا كافٍ في فضله وشرفه. فرضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.
وسأَذكر –إن شاء الله تعالى- في الرد المفصَّل فضل معاوية –رضي الله عنه- ومعتقد السلف في أَصحاب النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- فإن من أصول السلف: محبة الصحابة ، والترضي عنهم ، ومدحهم ، والثناء عليهم ، وبغض من عاداهم ، أو طعن فيهم ، أَو تنقص أَحداً منهم.
قال الإمام أبو زرعة:
(إذا رأيت الرجل يتنقص أَحداً من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فاعلم أنه زنديق وذلك أَن الرسول – صلى الله عليه وسلم- عندنا حق والقرآن حق وإِنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وإِنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ، ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة) رواه الخطيب في "الكفاية" : (ص97) .
* وفي (ص95 ، تعليق رقم:2) :
نسب السقاف التأْويل والتفويض إلى الإمام أحمد. وهذا الإطلاق والتعميم من الكذب على أَحمد ، والكذب مجانب الإيمان.
وبراءة الإمام أَحمد من التأْويل والتفويض: أمر معلوم مشهور بين العلماء وطلبة العلم ، ولا ينكر ذلك أَو يجحده إلا مكابر أو جاهل أو مبتدع. وهو إِمام أَهل السنة والجماعة ، وأَقواله شجى في حلوق أَهل البدع.(1/3)
وما نقله السَّقَّاف عن البيهقي وابن كثير من أَن الإمام أَحمد أَول قوله تعالى: {وجاء ربك} بـ:"جاء ثوابه". أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- في كتابه: "الاستقامة": (1/74) ، و"الفتاوى": (5/399-400) ،فليراجع.
علماً بأَن بعض العلماء طعن في هذا النقل عن أَحمد ، لأن ذلك من رواية حنبل: وهو يغلط ويهم على أَحمد. وعلى كلٍّ ، لا يتعلق بمثل هذا على تأْويل الصفات إِلا مريض القلب.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في: "الفتاوى": (5/409) :
(وبعض الخائضين بالتأْويلات الفاسدة يتشبث بأَلفاظ تنقل عن بعض الأَئمة وتكون إمَّا غلطاً أَو محرفة) .
والسَّقَّاف لم يقف عند حدِّ الكذب والافتراء على العلماء ، بل تجاوز ذلك ، وأَخذ يفتري الكذب على النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- ، فالحديث الصحيح الذي يطعن في معتقده ويدرأ في نحره يضعفه. والحديث الضعيف الذي قد استبان ضعفه يصححه ، ويستدل به لمذهبه.
* وفي: (ص108 ، تعليق رقم:24) :
* طعن السَّقَّاف في حديث الجارية ، وقول النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم- لها: أَين الله؟ مع أن الحديث في "صحيح مسلم" : (5/20- نووي) ، من طريق حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أَبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن الصحابي الجليل معاوية بن الحكم السلمي، وإسناده صحيح وقد تلقاه العلماء بالقبول وقابلوه بالتسليم.
والسَّقَّاف وأَتباعه ، الذين يسعون بشتى الوسائل للقضاء على العقيدة السلفية ، يطعنون على من يضعف شيئاً من "صحيح مسلم" ,1, . وها هو يضعف حديث الجارية لكونه يخالف معتقده الذي يعتقده: من نفى علو الله على خلقه ، كما عليه الجهمية المعطلة ، الذين هم أَضل من البهائم ، وعقولهم أَشبه ما تكون بعقول الأَنعام ، بل هم أَضل سبيلاً.
وتضعيفه للفظة: "أين الله؟" دليل ظاهر على أَنَّ الهوى يتجارى بهذا الرجل كما يتجارى الكلب بصاحبه.
* وفي: (ص108 ، تعليق رقم:25) :(1/4)
كذب السَّقَّاف على البخاري ، وزعم أَنه أَوَّل الضحك بـ: "الرحمة" ، وهذا خطأ. وإن عزى قوله للبيهقي فإن البخاري من كبار علماء السلف ، وحاشاه من هذا التأْويل الباطل الذي لا يجهله أَصغر طالب علم.
و"الضحك": صفة من صفات الله تعالى يجب إثباتها دون تحريف أو تعطيل ، ودون تكييف ، أَو تمثيل { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }. وتأْويل "الضحك" بـ:"الرحمة" أو "الرضى" مذهب الأشاعرة. والبيهقي ينهج منهجهم كثيراً ، وعنده تساهل كثير في النقل ، فلا يسلم لما ينقله عن علماء السلف من التأْويل ، فإِنه نقلٌ مجرد ، وليس بمجوَّد.
وأَمَّا السَّقَّاف ، فإن قلت: أَشعري ، فكلامه يدل على ذلك. وإن قلت:جهمي ؛ فأقواله تشهد عليه بذلك. كل بدعة وبلاءٍ فيه. نسأَل الله السلام والعافية ، فإن القلوب بين إصبعين من أَصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
*وفي: (ص108 ، تعليق رقم:26) :
زعم السَّقَّاف أَنَّ ابن خزيمة ندم على تصنيف كتابه "التوحيد" ، وأَنه رجع عنه. وهذا من الكذب والافتراء الذي لا يروج إلا على أَتباع السَّقَّاف أَهل الأَهواء.
والسَّقَّاف يختلق الأكاذيب ، ويشكك في كتب السلف ، التي تغيظه وتحزنه ؛ لما فيها من: النور ، وكشف البدع وأهلها ، وبيان انحرافهم عن الصواب ، وبعدهم عن الكتاب والسنة.
وأَما قول السَّقَّاف إن الرازي سمى كتاب ابن خزيمة: "كتاب الشرك" فهذا لا يستغرب من أَعداء السنة ، ومّنْ هو الرازي حتى يحتج بكلامه (1) .
ومن طالع كتبه ؛ علم ما فيها من البدع ، والضلالات ، والأُمور المنكرات ، بل والشركيات الجليات ، ولكنها حسنات عند السَّقَّاف وأَعوانه.
__________
(1) انظر:"شرح ابن عيسى على النونية": (2/188-190) لتقف على بعض ما قيل في حال الرازي.(1/5)
هذا ولم يذكر لنا السَّقَّاف الشرك الذي في كتاب ابن خزيمة ؛ حتى ننظر فيه ، ونزنه بالميزان الشرعي!! وتعليقاته تدل على أَنه يقصد بالشرك: ذكر الآيات ، وسياق الأحاديث ، التي يؤخذ منها: إثبات السمع ، والبصر ، والقدم ، واليدين ، والعلو ، والاستواء، وغير ذلك لله على ما يليق بجلاله.
ويا خيبة المسعى! فإن كان وصف الله تعالى بما وصف به نفسه ، أَو وصفه به رسوله –صلى الله عليه وسلم-: شركاً ، فما هو إذاً التوحيد: نفى العلو ، ووصف الله بالعدم ، { فَإنَّهَا لاَتَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }. وأهل البدع يلقون الكلام على عواهنه دون نظر لما يترتب من الإيمان ، أو الكفر ، ولكن: { وَسَيعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }.
* وفي (ص110 ، تعليق رقم 32) :
نسب السَّقَّاف السلف إلى التجسيم ، وقد كرَّر هذه المقالة في عشرات المواضع من تعليقاته.
وهذه سجية كثير من أَهل البدع ، فـ"البهت": ديدنهم ، و"الوقيعة" في أَهل الأَثر علامتهم ، وما جرى لأَهل السنة من قِبَل أَهل البدع أَمر يطول ذكره ، فإِن أَهل البدع أَهل ظلم وبغي ، بخلاف أهل السنة: فإنهم يعدلون مع جميع الطوائف ؛ لأن العدل يحبه الله ، والله تعالى أَرسل الرسل ليقوم الناس بالقسط. فمن ترك هذا الأَصل فقد خالف هدي الرسل.
هذا وليعلم أَن وصف الله تعالى بما وصف به نفسه ، أَو وصفه به رسوله محمد –صلى الله عليه وسلم- لا يلزم منه التشبيه ولا التجسيم ؛ لأن الله تعالى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ْ} لا في أًفعاله ، ولا في صفاته. ومن ظن أَن إثبات الأسماء والصفات لله يقتضي تشبيهاً أو تجسيماً ، لم يقدر الله حق قدره ، وشبه الخالق بالمخلوق ، إذ لم يفهم من صفات الخالق إلا ما يفهم من صفات المخلوق وهذا عين التشبيه ، فما هرب منه المعطل وقع فيه.
* وفي: (ص110 ، تعليق رقم 34) :(1/6)
نفي مقالة مالك المشهورة: (والكيف مجهول) ، وزعم أَنها غلط كبير ، وما أَتي إلا من جهله ، وسوء عقيدته. ثم أثبت عن مالك أَنه يقول: (والكيف غير معقول) ، ولم يذكر الفرق بين العبارتين.
ثم قال: (فتنبه) . أَقول تنبهنا ، فتبين لنا: بلادتك ، وسوء فهمك لكلام العلماء.
ثم قال السَّقَّاف: (وقد بسطت ذلك في كتابي: عقيدة أهل السنة والجماعة) . ويقصد بأَهل السنة والجماعة: الجهمية وأضرابهم ، أهل الفرقة والضلالة ، وكثير من أهل البدع خصوصاً الأشاعرة ، يسمون أَنفسهم: أهل السنة والجماعة. وقد بيَّنتُ ذلك في كتابي: "القول الرشيد في حقيقة التوحيد" .
هذا وليعلم أَن قول مالك وغيره من السلف: (والكيف غير معقول)، المراد به: نفي علم الكيفية عنَّا، لا نفي حقيقة الصفة.
والسلف يثبتون لله تعالى الصفات على ما جاء بـ"الكتاب والسنة" إثباتاً بلا تمثيل ، وتنزيهاً بلا تعطيل ، ولا يكيفون شيئاً من صفاته.
قال العلامة ابن القيم –رحمه الله تعالى-:
(وإِن كان لا سبيل لنا إلى معرفة كنهها وكيفيتها فإن الله تعالى لم يكلف عباده بذلك ولا أَراده منهم ولا جعل لهم إليه سبيلاً ، بل كثير من مخلوقاته أَو أَكثرها لم يجعل لهم سبيلاً إلى معرفة كنهه وكيفيته وهذه أَرواحهم التي هي أَدنى إِليهم من كل دان قد حجبت عنهم معرفة كنهها وكيفيتها)(1)
* وفي: (ص111 ، تعليق رقم:35) :
حفي السَّقَّاف بمقالة (قبر معروف الترياق المجرب) وهذه المقالة وإِن ذكرها من ذكرها ، ونقلها من نقلها ، فإنها خطأ ، ووسيلة من وسائل الشرك.
ومن استنجد بصاحب القبر ، أَو دعاه ، وطلب منه غفران الذنوب ، وتفريج الكروب ، فإنه: مشرك شركاً أَكبر.
والسَّقَّاف بدعُهُ متنوعة ، فإنه منحرف في جميع أَنواع التوحيد.
نسأل الله السلامة والعافية.
* وفي: (ص118 ، تعليق رقم:46) :
نفى السَّقَّاف عن الله ، وزعم أَنها تسوق إلى التجسيم ، وهذا من تجهمه وضلاله.
__________
(1) "مختصر الصواعق": (ص55)(1/7)
ولما كان حديث أبي سعيد الذي فيه: (( يكشف ربنا عن ساقه)) شوكة في حلوق أَهل البدع ، من الجهمية وأَضرابهم ، طعنوا فيه ، وزعموا أَن لفظة (( ساقه)) لم تثبت ، وقد جاءت من طرق متعددة عند الشيخين وغيرهما (1) .
إلا أَن لفظ مسلم يكشف عن ساق موافقة للفظ الآية: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } .والمراد من الآية والحديث: إثبات صفة الساق لله تعالى. ولكن لا حيلة مع أهل البدع ، فإن كل حديث يخالف أَهواءهم يطعنون فيه. ولا أَرى شيئاً ينفع معهم إلا أَن يفعل بهم مثلما فعل عمر بصبيغ لإِخراج الأَوهام الفاسدة من رؤوسهم. وأَما دعاتهم فإن السيف أَنفع شيء لهم لتطهير البلاد من أَدرانهم وأَوضارهم ، كما فعل خالد القسري في إمامهم الجعد بن درهم(2).
وقد شنَّ جمع غفير من أَهل البدع حملات على نفي صفة الساق عن الله تعالى ، منهم: الغزالي ، والصابوني ، وغيرهما من أَهل الانحراف ، ولكن لا يضرون إلا أَنفسهم. فالحق أبلج ، والباطل لجلج.
قال تعالى:
{ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ }.
* وفي: (ص122) :
__________
(1) كما جزم بذلك الترمذي في (جامعه) : (5/344) ، وسأل عنه الإمام البخاري فقال: (هذا حديث حسن صحيح) .
(2) وقد بدا لي بعد ذلك أن أُفرد كتاباً في تصحيح الحديث وإثبات الصورة لله تعالى والرد على رسالة السَّقَّاف في تضعيف الحديث ونفي الصورة عن الله المطبوعة آخر كتاب (دفع شبه التشبيه) ، وقد سميت الكتاب (القول المبين في إثبات الصورة لرب العالمين) .(1/8)
وصف السَّقَّاف علماء السلف وأئمتهم بأنهم مبتدعة لردهم شعر الأَخطل النصراني ، وكأَن السَّقَّاف يظن أَنه إذا أثبت شعر الأَخطل النصراني فقد أثبت الحجة على نفي الاستواء ، والسَّقَّاف لا يبالي برد الأحاديث الصحيحة بحجج عقلية متهافتة ، ومع ذلك ينتصر لإثبات شعر ينسب للأَخطل النصراني ليثبت به حكماً عقدياً.
والله جل وعلا أَثبت استواءَه على العرش في سبعة مواضع ، وهذا الاستواء حقيقي يليق بالله جل وعلا ، ولا ينكره إلا الجهمية وأَشباههم ، وقد كفرهم خمسمائة عالم كما ذكر ذلك اللالكائي والطبراني.
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى-:
ولقد تقلد كفرهم خمسون في *** عشر من العلماء في البلدان
واللالكائي الإمام حكاه عنهم ** بل قد حكاه قبله الطبراني
* وفي: (ص127 ، تعليق رقم:53) :
قال السَّقَّاف:
(الغريب أَن المبتدعة يقولون لا نصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه ، ثم يقولون استوى على العرش بذاته فمن أين جاءوا بلفظة ذاته هذه .. )
& أقول:
ذكر بعض السلف أَن الله استوى على العرش بذاته ؛ ليغيظوا بها المبتدعين ، ويرغموا بها أُنوف المبطلين المعطلين ، وليعلم أَهل التجهم أَن الاستواء حقيقي ، وأَن الله استوى على عرشه لا أَن ملكه استوى كما يزعم ذلك من يزعمه من أهل التعطيل الذين مدار قولهم يرجع إلى نفي وجود الله.
وبعض أَهل السنة يرى عدم إطلاق لفظة "الذات" في الاستواء لأنها لم ترد من وجه صحيح ، فتمر الأحاديث كما جاءت ، وهذا حسن. ولكن لما أنكر الجهمية استواء الله على عرشه استواءً حقيقياً ؛ اضطر بعض السلف إلى ذكر الذات ؛ ليفحموا الجهمية ، مع أَن الأَحاديث الصحيحة صريحة في ذلك ، وإن لم ترد لفظة "الذات" فيها.
* وفي: (ص112 ، تعليق رقم:40) :
طعن السَّقَّاف في شيخ الإسلام ابن تيمية.
* وفي: (ص127) :(1/9)
وصف شيخَ الإسلام وتلميذه ابن القيم –عليهما رحمة الله- بالتجسيم ، وهذا بهت. وليس بأَول مرة يصدر ذلك من السَّقَّاف. ومجرد السب والشتم والطعن لا ينصر حقاً ولا يبطل باطلاً ، ولو أن المرء يجادل أَو يناظر أَكْفر عباد الله وأَشدَّهم على الرحمن عتياً ؛ لكان عليه أَن يدلي بالحجج والبراهين التي تقمع الباطل وأهله. أما مجرد السب والشتم فهو من صفات المفلسين ، الذين إذا عجزوا عن إظهار الحجة ؛ استراحوا إلى البهت والافتراء ، وهذا لا يعجز عنه أَحد وليس هو أيضاً من صفات المؤمنين ومن يريد وجه الله والدار الآخرة عليه أَن يأتي بالأَدلة القاطعة والحجج الدامغة ، التي يخضع لها كل طالب حق ويدع الكذب والافتراء وتحميل الكلام ما لا يحتمل.
ولشيخ الإسلام –رحمه الله تعالى- كلام مفيد حول هذه المسألة فليراجع للفائدة: "الفتاوى" (4/186)
* وفي: (ص131-135) :
أطال السَّقَّاف في نفي علو الله على خلقه ، مع أن علو الله على خلقه معلوم من الدين بالضرورة ، وقد فطر الله جميع الخلق عليه ، وأَقرَّ به جميع الناس: مؤمنهم ، وكافرهم ، حتى البهائم إذا أصابها ضر رفعت رؤوسها إلى السماء ، إلا الجهمية ومن وافقهم ، فإنهم لا يقرون بعلو الله على خلقه. فقد اجتالتهم الشياطين عن فطرهم ، فهم شر من اليهود والنصارى.
قال الإمام أبو عبدالله البخاري في خلق أفعال العباد (ص11) :
( نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس فما رأيت أَضل في كفرهم منهم وإني لأَستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم) .
* وفي: (ص141) :
كذب السَّقَّاف على ابن تيمية كعادة أسلافه ، ونسب إليه: أَنه يثبت الحركة لله.(1/10)
وهذا من البهت. فشيخ الإسلام لم يثبت الحركة ، كما أَنه لم ينفها ، إنما ذكر أَقوال العلماء كما في "الفتاوى": (5/402)،و"الاستقامة":(1/70)، ورجح العلامة ابن القيم كما في: "مختصر الصواعق":(ص389) الإِمساك عن الأَمرين فلا نقول يتحرك ، وينتقل، ولا ننفي ذلك. وهذا الأظهر لعدم ورود ذلك في الكتاب والسنة.
وبما تقدم نقله عن ابن تيمية –رحمه الله تعالى- يتبين كذب السَّقَّاف ، وأنه لا يتورع عن الكذب على العلماء ، وتقويلهم ما لم يقولوا كعادة شيخه الكوثري.
وقد قال النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم-:
(( من قال في مؤمن ما ليس فيه أَسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال)) . أخرجه أبو داود وغيره ، من حديث ابن عمر ، وهو حديث صحيح.
* وفي: (ص144 ، تعليق رقم:66) :
زعم السَّقَّاف أن المراد بحديث خلق الله آدم على صورته. أي: على صورة المضروب.
وهذا تحريف وصرف للحديث عن ظاهره. والصحيح في معنى الحديث كما عليه السلف أن الله خلق آدم على صورة الرحمن كما جاء في بعض طرق الحديث عند عبدالله بن الإمام أحمد ، وابن أبي عاصم ، وغيرهما. وصحح الحديث أَحمد ، وإِسحاق بن راهويه وهما هما.
وسأَذكر –إن شاء الله- في الرد المفصل الأدلة على قوة القول بتحسين الحديث ، وأن الضمير في قوله –صلى الله عليه وسلم-: ((خلق الله آدم على صورته)) لا يعود إلا على الله ولو لم يكن في الباب سوى هذا الحديث لاتفاق أَهل القرون الثلاثة الأُول على ذلك.
وقد قال أَحمد:
(من قال إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي)
ذكر ذلك أبو يعلى في "طبقات الحنابلة": (1/309)
وقال إسحاق على الحديث المتقدم:
(لا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف رأي)
وقال عبدالوهاب الوراق:
( من لم يقل إن الله خلق آدم على صورة الرحمن فهو جهمي)(1/11)
والقول بأن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن لا يقتضي تمثيلاً ولا تشبيهاً ، بل تمر الأحاديث كما جاءت من غير تمثيل ولا تشبيه ؛ لأن الله {ليس كمثله شيءٌ وهو السميعُ البصيرُ}.
وقد قال الآجري في كتابه "الشريعة" (ص315) بعد حديث ابن عمر(( لا تقبحوا الوجه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن عزَّ وجلَّ)) : (هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها ، ولا يقال كيف؟ ولم؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق وترك النظر كما قال من تقدم من أئمة المسلمين ) .
وأما تأويل ابن خزيمة-رحمه الله تعالى- لحديث ((خلق الله آدم على صورته)) فإنه خلاف الحق ، وهو معدود من أخطائه، والله يعفو عنه ، ولا يجوز لنا التشبث بأخطاء العلماء وزلاتهم ، فإن تتبع زلات العلماء من هوادم الإسلام.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- في بيان تلبيس الجهمية(الجزء الثالث-مخطوط) :
(لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير عائد إلى الله فإنه مستفيض من طرق متعددة عن عدد من الصحابة وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك . . . ) .
ومن تتبع كلام أئمة السلف من أهل القرون الثلاثة الأُول علم مصداق ما قاله الشيخ من أنه لا نزاع بينهم في عود الضمير إلى الله وكلام الآجري المتقدم يدل على ما قاله الشيخ. وأما خلاف ابن خزيمة فلا يؤثر لمخالفته الحق. والله أعلم.
* وفي: (ص148 ،تعليق رقم:72) :
قال السَّقَّاف على حديث: (( رأَيتُ ربي في أحسن صورة)) :
(هذا حديث موضوع بلا شك ولا ريب) .
أقول:
وهذا الحكم على الحديث: قول على الله وعلى رسوله بلا علم ، وليس هذا بغريب من السقاف ، فقد تقدم أَنه ضعف حديث الجارية الذي فيه (( أين الله؟ )) مع أنه في (صحيح مسلم) : (5/20) ، ولا مطعن في أحد من رواته. والحديث الذي جزم السَّقَّاف أنه موضوع حديث صحيح ,1, .(1/12)
ولا يضر الحديث تضعيف السَّقَّاف فإن قاعدة السَّقَّاف وذويه من أهل الأهواء معروفة: فكل حديث يخالف معتقدهم السيء ويدرأ في نحورهم ضعيف أو موضوع ،فهم يعتقدون ثم يستدلون ، وما يخالف معتقدهم يصدرون الحكم بضعفه ، بناءً على ما يعتقدونه. وهذه طريقة أهل الأهواء.
ولذلك لا أرى كبير نفعٍ في إثبات صحة حديث: ((رأيتُ ربي في أحسن صورة)) على حسب قواعد المحدثين في هذا المختصر اكتفاءً بالحكم العام على الحديث ,2, ؛ لأن السَّقَّاف يطعن في الأحاديث المتفق على صحتها إذا خالفت معتقده فكيف لا يطعن في حديث لم يخرجه الشيخان ولا أحدهما ، وتارة ينسف السَّقَّاف جميع الكتاب كما فعل في كتاب (السنة) لابن الإمام أحمد ، وكتاب (الرؤية) للدار قطني.
* وفي: (ص157 ، تعليق رقم:87) :
ذكر السَّقَّاف حديث أبي هريرة في إثبات الصورة لله تعالى المخرَّج في(الصحيحين) ، وفيه: (( فيأْتيهم في الصورة التي يعرفونها فيقول:أنا ربكم.فيقولون: أَنت ربنا ... )) .
فعلَّق عليه قائلاً –مع ذكره لبعض الاعتراضات الباطلة على الحديث-:
(فيه إثبات الصورة لله تعالى ، وذلك محال) .
& أقول:
وهذا رد للحديث بغير بيِّنة ولا برهان ، ونفي لما أثبت الرسول لربِّه.
وقد قال البربهاري: (إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار أو يرد الآثار أو يريد غير الآثار فاتهمه على الإسلام ، ولاشك أنه صاحب هوى مبتدع) (1) .
وهذا الوصف من البربهاري ينطبق تمام الانطباق على السَّقَّاف وأَمثاله من كثير من المعاصرين الذين يردون الآثار بغير حجة ولا برهان.
وقد قال إِسحاق بن راهويه: (من بلغه عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر) . ذكره ابن حزم في كتاب "الإحكام": (1/97) ، عن محمد بن نصر المروزي عنه.
__________
(1) شرح كتاب "السنة": (ص51)(1/13)
وقال البربهاري: (ومن رد حديثاً عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقد رد الأثر كله وهو كافر بالله العظيم) (1) .
وأَقوال السلف في ذلك كثيرة. فليحذر السَّقَّاف وأَتباعه من العقوبات المترتبة عليهم بسبب ردهم للأحاديث ودفعهم لها ، لكونها تخالف عقائدهم الفاسدة.
وإذا علم خطورة رد الأحاديث الصحيحة فليعلم أَنَّ إِثبات الصورة لله تعالى أمر متفق عليه بين سلف الأُمة وأَئمتها لصحة الأحاديث في ذلك فيجب إثبات الصورة لله تعالى إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل فإن الله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في أفعاله ولا في صفاته قال تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } فقوله: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ردٌّ على المشبهة الذين يشبهون صفات الله بصفات خلقه وقوله: { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } ردٌّ على المعطلة الذين ينفون عن الله ما وصف به نفسه أَو وصفه به رسوله- صلى الله عليه وسلم- بحجةٍ أوهى من بيت العنكبوت فإنهم يظنون أَنهم إذا أثبتوا لله الأسماء الحسنى والصفات العلى فقد شبهوا الخالق بالمخلوق وهذا سوء فهم وضلال بعيد ولا يظن هذا الظن إلا من لم يعرف الله وما هرب منه المعطلون وقعوا فيه فإنهم شبهوا الله بالجمادات لأنهم إذا لم يثبتوا لله أَسماءَه وصفاته فقد شبهوه بالناقصات تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً قال تعالى: {وَللهِ الأَسْمِاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.
* وفي: (ص158) :
نقل السَّقَّاف عن الكوثري قولاً ملخصه نفي الصورة عن الله.
فصدق فيه قول الشاعر:
ومن جعل الغراب له دليلاً *** يمرُّ به على جيف الكلاب
وقال تعالى: { وَإِنَّهُمْ لَيصُدُّونَهُمْ عن السَّبيلِ ويحسبونَ أنَّهُمْ مُّهْتَدُونَ }
__________
(1) شرح كتاب "السنة": (ص43)(1/14)
وتجهم الكوثري مشهور بين صغار طلبة العلم فضلاً عن كبارهم ، ومن جعله عمدته في تحرير المسائل فقد ساقه إلى سبيل أهل الجحيم ، ومن أَحب أهل البدع والضلال حشر معهم.
قال تعالى: { احْشُرُواْ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } أي: شبهاءهم ونظراءَهم كما ذكر ذلك غير واحد من أَهل العلم.
* وفي: (ص170،تعليق رقم:100) :
نفى السَّقَّاف صفة القدم عن الله تعالى ، مع أَن الحديث في إثبات صفة القدم لله تعالى متفق عليه من حديث أنس (1) . فأي انحراف أعظم من هذا الانحراف.
وما نقله السَّقَّاف عن ابن حبان في معنى حديث: (( حتى يضع رب العِزَّةِ فيها قدمه )) غلط وهو مردود عليه ، ولسنا نتعبد الله بأقوال الرجال ولكننا نزنها بالكتاب والسنة ، إن وافقته قبلناها واحتججنا بها ، وإلا رددناها على قائلها. فأقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها.
والحديث صريح في إثبات القدم لله تعالى ، ولا يحتاج إلى تفسير السَّقَّاف الباطل حتى ولا ابن حبان الذي صرف الحديث عن ظاهره بغير حجة.
والهاء في قوله: ((قدمه)) تعود على الربِّ جلَّ وعلا ، وعلى هذا درج علماء السلف الذين تمسكوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم. وشَرِق بهذا الحديث أهل البدع ومن اغتر بهم ؛ فنفوا عن الله صفة جاءت بها السنة بنقل العدول الثقات.
هذا وقد قال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على "صحيح ابن حبان" (1/502) على حديث إثبات صفة القدم:
( وقد ذهب طائفة إلى تأْويله ، ولم يتعقب هذه الطائفة بشيء. وصفة المعلق أن يبيِّنَ الخطأ من الصواب ، وأَن يدحض الباطل ، لا أن يشكك في معاني الأحاديث. علماً أَنه نقل قول الترمذي في معنى الحديث ، وهو الصواب ، ولكنه لم يكتف بذلك حتى أَتى بالهذيان. وله أَمثال هذا الهذيان في كثير من تعليقاته على الكتب فيجب التنبه لذلك) .
* وفي: (ص173،تعيق رقم:106) :
__________
(1) "صحيح البخاري": (8/594،فتح) ، و"مسلم": (رقم:2848)(1/15)
زعم السَّقَّاف أن السلف –الذين يسميهم أَهل البدع:مجسمة- أَخطر من المعتزلة …
وما ذاك إلا لأن السلف أثبتوا لله صفة القدم كسائر صفاته الثابتة بالكتاب والسنة ، إثباتاً بلا تمثيل ، وتنزيهاً بلا تعطيل.
* وفي: (ص178 ، تعليق رقم: 112) :
زعم السَّقَّاف: (أَن حماد بن سلمه ضعفه مشهور) .
وهكذا السَّقَّاف كعادته فيما تقدم يلقي الكلام على عواهنه ، إذا جاءه ما يخالف هواه. وحماد بن سلمه قد اشتهر كلام العلماء فيه ، وأنه ثقة في روايته عن ثابت ابناني ، صدوق في روايته عن غيره ، على الصحيح.
* وفي: (ص190) :
قال السَّقَّاف: (نحن نغمز حماد بن سلمة أَشد الغمز وخصوصاً في أحاديثه في الصفات ، وعلى ذلك أَهل العلم … ) .
& أقول:
غمزك حماد بن سلمة دليل على: قلة دينك ، وسوء عقيدتك ، وكثرة شططك ، ودليل أَيضاً على فضل حماد بن سلمة ، فإنه كان من أشد الناس على أهل البدع ، ومن ثم يبغضونه ، خصوصاً إذا روى حديثاً في الصفات يقطع قلوبهم ، ويدحض باطلهم وفجورهم.
قال أحمد بن حنبل –رحمه الله- :
(إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة ؛ فاتهمه على الإسلام ، فإنه كان شديد على المبتدعة)(1).
وأما قول السَّقَّاف: (وعلى ذلك أهل العلم) . فهذا كذب فقد خرَّج له البخاري تعليقاً ، وخرَّج له مسلم في "صحيحه" ، وأهل السنن ، وغيرهم. وعدم إخراج البخاري له في الأُصول لا يدل على ضعفه ، وليس كل رجل لا يخرِّج له البخاري يكون ضعيفاً.
فإن شرط البخاري في الرجال شديد. فظهر للبخاري –رحمه الله تعالى- أن حماد بن سلمة ليس على شرطه ، ومن ثم لم يخرِّج له. وهذا لا يدل على ضعفه. علماً أن البخاري عيب عليه عدم إخراج حديثه كما عاب عليه ابن حبان في مقدمة "صحيحه" (1/153) .
__________
(1) انظر: "سير أعلام النبلاء": (7/450)(1/16)
وحماد بن سلمة أوثق بكثير من أُناس خرج لهم البخاري في "صحيحه" . وهذا معلوم عند أهل الحديث ، ولكن السَّقَّاف شن الغارة على حماد لكونه شديداً على أهل البدع ، والسَّقَّاف من دعاتهم جملة وتفصيلاً!!
* وفي: (ص179 ، تعليق رقم: 113) :
نقل السَّقَّاف عن البخاري أَنه أَوَّل صفة "الضحك" بـ:"الرحمة".
وقد تقدم أن هذا النقل لا يصح عن البخاري ثم نقل السقاف عن النووي أن معنى الضحك من الله تعالى هو: الرضى ، والرحمة ، وإرادة الخير …
وهذا القول مردود على النووي لمخالفته للكتاب ، والسنة ، وإجماع سلف الأمة. ولا يجوز تأْويل صفة "الضحك" بـ:"الرحمة" على ذلك. والنووي ليس ممن يعتد عليه في باب الأسماء والصفات. فإنه كثير التأويل ، والموافقة للأشاعرة في تحريفهم لصفات الباري جلَّ وعلا ، يعرف ذلك من قرأ كتبه خصوصاً "شرحه لصحيح مسلم" .
* وفي: (ص184 ، تعليق رقم: 121) :
طعن السَّقَّاف في كتاب "السنة" لعبدالله بن الإمام أحمد ، وزعم أن فيه بلايا وطامات.
& أقول:
لم يذكر السَّقَّاف البلايا والطامات التي في كتاب "السنة" ، وقد تقدم طعنه أيضاً في كتاب "التوحيد" لابن خزيمة لاشتماله على إثبات الأسماء والصفات لله تعالى على ما يليق به. فالطعن الذي صبَّه السَّقَّاف على كتابه "السنة" من قبل الطعن الذي طعنه في كتاب "التوحيد". فالسَّقَّاف يطعن في كتب السلف ، ويشكك فيها كما أَنه يطعن في ذواتهم ويشكك في عقائدهم.
وقد قال النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- :
(( من أَكل برجل مسلم ؛ أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم ، ومن كسي ثوباً برجل مسلم ؛ فإن الله يكسوه مثله من جهنم ، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء ؛ فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة)) . حديث حسن رواه أبو داود والحاكم وغيرهما عن المستورد –رضي الله عنه- .
* وفي: (ص185) :(1/17)
قال السَّقَّاف: (إن سند كتاب "السنة" المنسوب لابن أحمد مركب مفتعل كما أننا على شك من نسبة كتاب "السنة" لابن أحمد خصوصاً أن في سنده أعني الكتاب لابن أحمد مجهول .. ) .
& أقول:
في كلامه أَباطيل. فإنه حكم على سند كتاب "السنة" بأنه مركب مفتعل ، ولم يذكر دليلاً على ذلك ، وقد تلقت الأُمة كتاب عبدالله بن الإمام أحمد بالقبول ، وقابلوه بالتسليم. فالطعن فيه أو التشكيك طعن في عقيدة السلف . وما ذخر السَّقَّاف وأتباعه في ذلك . فقد شحنوا كتبهم بعيب السلف وتضليلهم . بلْه ذلك بل كفروهم وقاعدة السَّقَّاف وأتباعه تقدم الإشارة إليها: كل كتاب يفحهم يشككون في نسبته لمؤلفه ، وكل حديث يكشف زيغ عقائدهم يضعفونه.
ثم إن السَّقَّاف تناقض ، وقال:
(كما أننا على شك من نسبة كتاب السنة لابن أحمد) .
& أقول:
إذا حكمت على سنده بأنه مركب مفتعل كما تقدم . فلماذا تشك بل اقطع وتيقن بأنه موضوع عليه . ولكن أهل الباطل دائماً متناقضون مضطربون.
ثم إن قول السَّقَّاف:
(خصوصاً أن في سنده أعني الكتاب لابن أحمد مجهول) .
خطأ نحوي صوابه: "مجهولاً" بالنصب . فالسَّقَّاف يلحن في القول والفعل مع أنه في: (ص191) يطعن على الشيخ الألباني في العربية.
وكذلك في تناقضاته التي يغلب في كثير منها الكذب والافتراء والبهت ، مع كثرة لحنه فيها قولاً وفعلاً ، وصدق فيه قول القائل: "رمتني بدائها وانسلت" .
وهذا التنبيه النحوي إنما وقع عرضاً ولم أقصد تتبعه في بيان جهله في النحو ، فالأمر أعظم من ذلك ، والخلاف الذي بيننا وبينه في أُصول الدين وليس في النحو . وقد قال مالك –رحمه الله تعالى-: (تلقى الرجل وما يلحن حرفاً وعمله لحن كله) (1).
* وفي: (ص188) :
قال السَّقَّاف بعدما رد حديث الجارية نقلاً عن شيخه أَبي الفضل الغماري: (فليخجل بعد هذا من يدعو الناس إلى عقيدة: "الله في السماء" وليتب) .
& أَقول:
__________
(1) 10) انظر "بستان العارفين": للنووي: (ص75)(1/18)
السَّقَّاف تمادى في الطغيان ، ولم يكتف برد النصوص الصحيحة وتحريفها ، بل تجاوز ذلك ، ولم يعرف نفسه . فأَمر من أَثبت النصوص بالتوبة.
وقد قال النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم-:
(( إذا لم تستح فاصنع ما شئت )) رواه البخاري: (10/523-فتح) من حديث أبي مسعود.
وأما قول السَّقَّاف لمن أثبت علو الله على خلقه (فليتب) .
& أقول:
التوبة واجبة من الذنوب والمعاصي ، وأما التوبة مما أمر الله باعتقاده وفطر الخلق عليه فمنكر من القول وزور، فأمرُ من أثبت علو الله على خلقه بالتوبة من أعظم الضلال ولا يصدر ذلك ممن يؤمن بالله واليوم الآخر. إذ المؤمن يثبت العلو لله تعالى على خلقه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة ، واستقر ذلك في فطر الخلق ، وأقرت به العقول السليمة ، فلم ينكره إلا من تغيرت فطرته، وفسد عقله.
قال تعالى: { سَبِّحْ اسمَ ربِكَ الأعلى }
وقال تعالى: { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّنْ فَوْقِهِمْ }
وقال تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرَ فَوْقَ عِبَادِهِ }
فللهِ تعالى جميع أنواع العلو ، ولكن أَهل التحريف والتعطيل تلاعبوا بهذه الآيات الدالة على إثبات علو الله على خلقه ، وحرفوها ، وصرفوها عن ظاهرها الذي فطر الله عليه عباده ، حتى البهائم مفطورة على أن الله في السماء . فقبَّح الله من كانت البهائم أحسن حالاً منه ، وما أحسن ما قاله الإمام ابن خزيمة –رحمه الله- : (من لم يؤمن بأن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب ، فإن تاب وإلا ضُربت عنقه ، وطُرح على مزبلة) (1).
__________
(1) 11) انظر "مختصر الصواعق المرسلة": (ص359) . وأنظر:كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية" لابن القيم. فقد قرر هذه المسألة أعظم تقرير وبسط عليها بسطاً موسعاً ومن قراءته تعلم فساد عقول الجهمية وكفرهم ومخالفتهم للفطر والكتب المنزلة من عند الله.(1/19)
وقتله ليس تعزيراً ، بل لردته وخروجه عن الإسلام ، لإنكاره ما ثبت بالكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأُمة وأئمتها إجماعاً يعلمه الخاص والعام.
* وفي: (ص194) :
أنكر السَّقَّاف الجهمي نزول الرب جلا وعلا إلى السماء الدنيا وقال: ( لا يمكن أن ينزل بذاته كما تتخيل المجسمة إلى السماء الدنيا ؛ لأنَّ في ذلك حلول الخالق في المخلوق ، وهو كفر بواح. ) .
& أقول:
ثبت بالنصوص القاطعة في "الصحيحين" وغيرهما أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر نزولاً يليق بجلاله.
وزَعْمُ السَّقَّاف أن من قال ينزل بذاته أنه مجسم حلولي: قول بلا علم { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } . والسَّقَّاف لا يفهم من نزول الخالق إلى السماء الدنيا إِلا كما يفهم من نزول المخلوقات ، وهذا ظن الذين كفروا.
وقد اتفق الصحابة والتابعون وجميع علماء السلف على أَن الله تعالى ينزل إِلى السماء نزولاً حقيقياً ، ولا ينكر ذلك إلا أهل البدع من الجهمية وأَشباههم الذين اعتاضوا عن كلام الله وكلام رسوله –صلى الله عليه وسلم- بآراء الجعد بن درهم والجهم بن صفوان رؤوس التعطيل.
* وفي: (ص195 ، تعليق رقم: 130) :
أَعاد السَّقَّاف الكذب على ابن تيمية –رحمه الله تعالى- مرة أُخرى كعادته وعادة إخوانه من أهل البدع . وقوَّل الشيخ ما لم يقل من إثبات الحركة لله مما سكت النص عنها ، وتحتمل معنى صحيحاً ، وتحتمل معنى فاسداً ، والإمساك عنها أَولى.
وليست من المسائل التي يضلل فيها المخالف إلا إذا علم أَن القائل يقصد معنى فاسداً ، ولكن أَهل البدع يتشبثون بما هو أَوهى من بيت العنكبوت.
ثم إِن السَّقَّاف أَراد أَن يشفي غلته من شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى- فأَخذ يطعن في الشيخ ورماهُ بالتجسيم ، وهذا لا يضر الشيخ –رحمه الله تعالى- شيئاً ، وقد أَحسن القائل:(1/20)
فما ضر بحر الفرات يوماً *** أَن خاض بعض الكلاب فيه
* وفي: (ص205 ، تعليق رقم: 144) :
زعم السَّقَّاف أَن ضحك النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- من قول اليهودي لما قال: يا محمد ، إن الله يضع السموات على إِصبع … الحديث متفق عليه من حديث ابن مسعود.
إنكار صريح منه على اليهودي.
وهذا قول باطل وتحريف للنصوص فإن النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- لم يضحك إلا تصديقاً لقول الحبر ، كما جاء ذلك في الصحيح (1) ، ولكن لما ساءَ قصد السَّقَّاف ساء فهمه فأَخذ يلف يميناً وشمالاً لصرف الحديث عن ظاهره كما فعل أَسلافه من الجهمية المعطلة.
والسَّقَّاف لم يأْت بشيء جديد عن أسلافه في معظم تعليقاته ، ولكنه يجدد مذهب إخوانه الجهمية الذين كفرهم خمسمائة عالم من أهل الصدق والمعرفة والإيمان.
* وفي: (ص219 ، تعليق رقم: 157) :
نقل السَّقَّاف عن ابن حجر: أنه قال على قوله –صلى الله عليه وسلم- (( فإن الله قبل وجهه)) قال: (وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته) .
& أقول:
وهذا شطط في القول من ابن حجر والسَّقَّاف ومن تابعهما ، فليس في الحديث رد على من أَثبت أَن الله على العرش بذاته ؛ لأن قوله –صلى الله عليه وسلم-: (( فإن الله قبل وجهه)) فيه إثبات قرب الله تعالى ، ولا يتنافى ذلك مع علوه فإن الله تعالى قريب في علوه ، عال في قربه . يوضح ذلك ويبينه أَن الصحابة –رضي الله عنهم- لما رفعوا أصواتهم بالذكر قال لهم النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم-: (( أيها الناس اربعوا على أنفسكم إنكم ليس تدعون أصم ولا غائباً ، إنكم تدعون سميعاً قريباً ، وهو معكم ، والذي تدعونه أَقرب إلى أَحدكم من عنق راحلته)) .
متفق عليه من حديث أَبي موسى.
فهذا الحديث صحيح صريح أَن الله تعالى أقرب إلى أحدنا من عنق راحلته ، وهو مع ذلك فوق سمواته وهذا ظاهر ، إنما أتى من أتى بسبب سوء عقيدته.
__________
(1) 12) انظر:"صحيح البخاري": (8/550،الفتح)(1/21)
وقد قال العلامة ابن القيم –رحمه الله تعالى-:
( فأخبر –صلى الله عليه وسلم- وهو أعلم به أنه أقرب إلى أحدهم من عنق راحلته ، وأخبر أنه فوق سمواته على عرشه ، مطلع على خلقه ، يرى أعمالهم ، ويعلم ما في بطونهم ، وهذا حق لا يناقض أحدهما الآخر) (1).
وحديث النزول يدل أيضاً على ذلك ، فإنه ينزل إلى السماء الدنيا ، مع أنه مستو على عرشه ، وهذا حق يصدق بعضه بعضاً ، ولا إشكال فيه عند مَنْ سَلمت فطرته ، ولم تتلوث بحثالة المعطلة.
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في "العقيدة الواسطية":
( وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ولكن يصان عن الظنون الكاذبة …. إلخ) فراجعه فإنه مفيد ، وأُحيل إلى ذلك أهل الإيمان.
وإلا فأهل البدع يحرقون كتب ابن تيمية من شدة بغضهم للعقيدة السلفية ، ولكن لم ينفعهم ذلك شيئاً ، ولم يستفيدوا من التحريق ، وفشلت جميع محاولاتهم ، فعمد كثير من أهل البدع يعلقون ويحققون كتب السلف خصوصاً كتب ابن تيمية ، لا حباً له ، ولا حباً لنشر العقيدة والعلم ، ولكن كي يدسوا في ثناياها العقائد الفاسدة ، والتشكيك في علماء السلف وكتبهم.
وقد أشرت إلى ذلك في كتابيّ: "التوكيد في وجوب الاعتناء بالتوحيد" ، و"القول الرشيد في حقيقة التوحيد".
ولي أيضاً مصنف مستقل يكشف تلاعب بعض المعاصرين بكتب السلف (2) ، فعلى السلفيين: التيقظ لذلك ، وعدم الغفلة عن مخططات أهل البدع ، فخذ وصفهم من الإمام البربهاري فإنه خبير بهم ، حيث يقول:
( مثل أصحاب البدع مثل العقارب يدفنون رؤوسهم وأيديهم في التراب ويخرجون أذنابهم فإذا تمكنوا لدغوا وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس فإذا تمكنوا بلغوا ما أَرادوا) (3).
* وفي: (ص245 ، تعليق رقم: 184) :
__________
(1) 13) "مختصر الصواعق": (ص397)
(2) 14) اسمه: "حماية السلف من تلاعب الخلف"
(3) 15) انظر: "المنهج الأحمد": (2/37)(1/22)
تطاول السَّقَّاف وكفَّر شيخ الإِسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-.
وقد قال النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم-:
(( أَيما امرِئ قال لأخيه: يا كافر. فقد باء بها أحدُهما إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه))
متفق عليه من حديث ابن عمر.
ونشهد الله وملائكته وحملة عرشه وجميع خلقه أَن شيخ الإِسلام بريء مما رماه السَّقَّاف.
وأن السَّقَّاف مفتر كذاب ، وقد قال تعالى:
{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّنْ رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}.
قال أبو قلابة: هي والله لكل مفترٍ إلى يوم القيامة.
ثم إن السَّقَّاف لم يقف عند حدّ تكفير شيخ الإسلام –رحمه الله- بل تابع كذبه وافتراءَه عليه ، وزعم أنه يقول بالجسمية . وقال من ذلك قوله في: "تأسيسه": (1/101) :
( وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأُمة وأئمتها أنه ليس بجسم وأن صفاته ليست أجساماً ولا أعراضاً! فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل جهل وضلال) .
ثم أتبع السَّقَّاف هذا القول بالتجهيل والتضليل.
وما نقله السَّقَّاف عن الشيخ من التأسيس يثبت بزعمه أن الشيخ يقول بالجسمية أَدلُ دليلٍ على غباوته وشدة تحريفه للكلم عن مواضعه.
فإن شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- قال في الصفحة المقابلة لما نقله السَّقَّاف عنه:(1/23)
[الوجه السابع والسبعون] أن لفظ الجسم والعرض والمتحيز ونحو ذلك ألفاظ اصطلاحية وقد قدمنا غير مرة أن السلف والأئمة لم يتكلموا في ذلك في حق الله ، لا بنفي ولا بإثبات ، بل بدَّعُوا أهل الكلام بذلك ، وذموهم غاية الذم ، والمتكلمون بذلك من النفاة أشهر ، ولم يذم أحد من السلف أحداً بأنه مجسم ولا ذم المجسمة ، وإنما ذموا الجهمية النفاة لذلك وغيره ، وذموا أيضاً المشبهة الذين يقولون صفاته كصفات المخلوقين . ومن أَسباب ذمهم للفظ الجسم والعرض ونحو ذلك ما في هذه الألفاظ من الاشتباه ولبس الحق كما قال الإمام أحمد: يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويلبسون على جهال الناس بما يشبهون عليهم.
فهذا قول الشيخ واعتقاده في الجسم ، وهذا النقل عنه يكذب السَّقَّاف ومن تابعه على كذبه وافترائه ، وشيخ الإسلام –رحمه الله تعالى- صرح في جميع كتبه أن الجسم والعرض ونحوهما من الألفاظ التي لم ترد في الكتاب ولا في السنة ، لا تقابل بقول ولا برد.
وصرح أنها عبارات مجملة لا تحقق حقاً ، ولا تبطل باطلاً ، وصرح أنها من الكلام المبتدع كما في رسالته "التدمرية" المطبوعة ضمن "الفتاوى": (3/81) .
وأما ما تقدم من الكلام الذي نقله السَّقَّاف عن الشيخ موهماً الخلق أن الشيخ يثبت الجسم لله فأذكره من أوله حتى يتضح المراد ، فإن السَّقَّاف اختلسه من بيان تلبيس الجهمية (1/101) كاختلاس الشيطان من صلاة العبد.
قال الشيخ –رحمه الله تعالى-:(1/24)
( ثم المتكلمون من أهل الإثبات لما ناظروا المعتزلة تنازعوا في الألفاظ الاصطلاحية ،فقال قوم: العلم ، والقدرة ، ونحوهما ، لا تكون إلا عرضاً وصفة حيث كان فعلم الله قدرته:عرض . وقالوا أيضاً: إن اليد والوجه لا تكون إلا جسماً ، فيد الله ووجهه كذلك . والموصوف بهذه الصفات لا يكون إلا جسماً . فالله تعالى جسم لا كالأجسام . قالوا: وهذا مما لا يمكن النزاع فيه إذا فهم المعنى المراد بذلك ، لكن أي محذور في ذلك ، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأُمة وأئمتها أنه ليس بجسم وأن صفاته ليست أجساماً وأعراضاً فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل جهل وضلال)أهـ كلامه.
فقوله: وليس في كتاب الله … إلخ . يحتمل أن يكون من كلام الشيخ ويحتمل أن يكون تابعاً لقول المتكلمين من أهل الإثبات.
وعلى كل الاحتمالين ليس في الكلام ما يفهم منه إثبات الجسمية لله تعالى ، وإنما فيه نفي أن يكون في الكتاب والسنة أن الله ليس بجسم ، وهذا صحيح لم يرد في الكتاب ولا في السنة ، أن الله ليس بجسم ، كذلك لم يرد إثبات ذلك.
& والحاصل:
أنَّ الكلام يراد به الرد على الجهمية الذين ينفون عن الله ما وصف به نفسه من السمع والبصر والقدم والعينين واليدين وما وصفه به رسوله محمد –صلى الله عليه وسلم- بنفي ألفاظ لم يرد نفيها ولا إثباتها في الكتاب ولا في السنة كالجسم ونحوه لأنهم يتوهمون أنهم إذا أثبتوا لله الأسماء والصفات فقد أثبتوا جسماً.
ومن هذا الظن الفاسد: مرقوا من الدين ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، ونفوا عن الله الأسماء والصفات ، وآخر المقالة يدل على ذلك فإن فيه:
( فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل جهل وضلال) .(1/25)
وهذا مذهب النفاة الجهمية ومن شابههم فإنهم ينفون عن الله الأسماء الحسنى والصفات الثابتة بالشرع توهماً منهم أن إثباتها يقتضي إثبات جسم الله كسائر الأجسام –تعالى الله عن قولهم- مع أن لفظ الجسم لم يرد نفيه ولا إثباته بالشرع.
& والخلاصة:
أن السَّقَّاف كذب على الشيخ ، وحرف الكلم عن مواضعه ، وبه يتبين أنه كذَّاب ساقط العدالة ، فلا يعتمد بنقله ولا بقوله.
* وفي: (ص249 ، تعليق رقم: 189) :
قال السَّقَّاف: ( وإنني أنصح طلاب العلم وأهله أن يقتنوا كتب الإمام الكوثري وخصوصاً كتاب المقالات … إلخ) .
& أقول:
هذه النصيحة من النصائح الشيطانية كما قال تعالى عن إبليس: { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ }. وإنها لنصيحة بارتكاب البدع والضلالات والانحرافات ، وسوف يندم السَّقَّاف على هذه النصيحة التي ورثها عن إبليس حين لا ينفع الندم.
قال تعالى:
{ وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ، ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم }.
وكتب الكوثري التي ينصح السَّقَّاف باقتنائها مليئة بسبب علماء السلف (1) ، ونشر مذهب الجهمية أعداء الدين ، وقد أهلك الله الكوثري وورثه أقوام لا خلاق لهم يدعون لمنهجه ويشيدون بكتبه ويصفونه بأوصاف عظام فإنا لله وإنا إليه راجعون.
__________
(1) 16) للشيخ بكر أبو زيد رسالة اسمها: "براءَة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة" كشف فيها الجهمي الكوثري وبين زيغه وانحرافه وشتمه لعلماء السلف كما أنه فضح تلميذه الذي يعظمه ويبجله فراجعها لتقف على حال هذين الرجلين.(1/26)
هذا وإني أرى من واجب طائفة من العلماء التحذير من كتب الكوثري ومن هو على شاكلته ممن انحرف عن الجادة كالغزالي ووهبي سليمان غاوجي (1) وتلميذ الكوثري الغالي فيه "أبو غدة" الذي اتخذ الثناء على الكوثري الجهمي سبيلاً ومنهجاً ، ومع أن جماعة من العلماء بينوا زيغ الكوثري وانحرافه وشدة عداوته لأهل السنة إلا أن "أبو غدة" لا يزال يبجله ويثني عليه ويصفه بالإمامة في الدين ، فالله المستعان.
__________
(1) 17) لوهبي غاوجي كتاب اسمه: "كلمة علمية هادية في البدعة وأحكامها" سهل أمر عبادة القبور وأرشدهم بعدما عدّ فعلهم بدعة ليس غير إلى أن يسألوا الله تعالى بصلاح الولي كما في ص60 وفي نفس الصفحة جعل الأخذ بنصوص الصفات وإمرارها كما جاءت مع اعتقاد ما دلت عليه من المعاني بدعة مذمومة ، وجعل جميع آيات الصفات في كتاب واحد كما فعل ابن خزيمة وغيره من السلف بدعة. وقال: (إنما جمعها المشبهة والمبتدعة) كما في ص61 ، وفي ص70 أثنى على الداعية إلى الشرك والبدع "محمد بن علوي المالكي" ووصفه بأنه صالح تقي محدث فقيه داع إلى الله على بصيرة وخادم للسنة … وبالجملة فكتاب "وهبي غاوجي" مكتث بالبدع والضلالات وهو كغيره من الكتب التي ابتلينا بها في هذا الزمان التي تدعو إلى مذهب الخلف ونسف مذهب السلف. هذا وليعلم أصحاب المكتبات الذين يبيعون مثل هذا الكتاب وهم يعلمون ما فيه أنهم مأزورون غير مأجورين ولهم حظ وافر من الإثم لإعانتهم على نشر العقائد الفاسدة في هذه البلاد وقد قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان} والذي يبيع مثل كتاب الغاوجي أو كتب الكوثري ممن يعين على الإثم والعدوان فليستيقظ السني من غفلته ولا يفتح المجال لأهل البدع يبثون بدعهم وعقائدهم الفاسدة في عقر داره.(1/27)
وإني أيضاً أنصح طلبة العلم الذين سلكوا الجادة ، ولم يركنوا إلى أهل البدع وعلومهم بالإكثار من قراءة كتب السلف ، ونشرها بين الأنام ، والإشادة بها لتأْلفها القلوب ، كـ:كتاب "السنة" لعبدالله بن الإمام أحمد ، و"التوحيد" لابن خزيمة ، و"السنة" لابن أبي عاصم ، و"شرح اعتقاد أهل السنة" للالكائي ، و"الشريعة" للآجري ،و"السنة" للخلال ، وكتاب "الإبانة" لابن بطة ، و"الحجة في بيان المحجة" لقوّام السنة إسماعيل الأصبهاني ، و"نقض الدارمي على بشر المريسي" ، وكتاب "النزول" للدارقطني" ، وكذلك كتاب "الصفات" وكتاب "شرح السنة" للبربهاري ، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وكتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وسائر أئمة الدعوة النجدية –رحم الله الجميع ، وغفر لنا ولهم-.
* وفي: (ص250 ، تعليق رقم: 190) :
نفى السَّقَّاف الصوت عن الله ، وطعن في حديث أبي سعيد المخرَّج في "صحيح البخاري" (13/453-الفتح) الذي فيه إثبات الصوت لله تعالى ، وزعم أنه من تصرُّف الرواة ، وأنه خبر آحاد.
وهذه دعوى لا تسمن ولا تغني من جوع ، فإن الحديث لا مطعن فيه . قال البخاري –رحمه الله تعالى- في "صحيحه" حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا أبو صالح عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال:قال النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم-: ((يقول الله تعالى: يا آدم فيقول لبيك وسعديك فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار)) (1).
فهذا الحديث صحيح صريح في إثبات الصوت لله ، وليس لأحد من الرواة تصرُّف فيه ، ولكن السَّقَّاف كعادته: ما يخالف من الأحاديث بدعه وضلاله يطعن فيه ، إمَّا بالتضعيف أو بالتشكيك في صحته أو غير ذلك.
ثم لو سلمنا للسَّقَّاف أن هذا الحديث تصرف فيه بعض الرواة فالأحاديث كثيرة جداً في إثبات الصوت لله وفي القرآن أيضاً آيات تثبت الصوت لله تعالى.
قال تعالى:
__________
(1) 18) (13/453-الفتح)(1/28)
{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ، إذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالوادِي الْمُقَدَّسِ طُوَى }.
وقال تعالى:
{ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ }.
فهذه الآيات تدل على أن الله تعالى ينادي ، والنداء لا يكون إلا بصوت . قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- كما في "الفتاوى": (6/531) :
(والنداء في لغة العرب هو صوت رفيع لا يطلق النداء على ما ليس بصوت لا حقيقة ولا مجاز)
وقال عبدالله بن الإمام أحمد في كتاب "السنة": (1/280) :
( سألت أبي –رحمه الله- عن قوم يقولون: لما كلم الله عز وجل موسى لم يتكلم بصوت . فقال أبي: بلى إن ربك عزَّ وجلَّ تكلم بصوت هذه الأحاديث نرويها كما جاءت) .
وقال عبدالله أيضاً:
( قال أبي –رحمه الله- حديث ابن مسعود –رضي الله عنه-: ((إذا تكلم الله عزَّ وجلَّ سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان)) قال أبي: وهذا الجهمية تنكره) .
وأما قول السَّقَّاف عن حديث أبي سعيد بأنه خبر آحاد فسيأتي-إن شاء الله- الكلام على هذه المسألة، وبيان بدعية التفريق في قبول الآحاد في المسائل الفقهية ومسائل العقيدة ، فالكل شرع يجب قبوله، ولا يعلم عن أحد من الصحابة أنه فرَّق هذا التفريق، فمن رد خبر الآحاد في العقائد فقد خالف هدي الصحابة ، واتبع غير سبيل المؤمنين.
* وفي: (ص250-251) :
ضعَّف السَّقَّاف حديث عبدالله بن أُنيس قال: سمعت النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- يقول:
(( يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان))
.وأعلَّ السَّقَّاف هذا الحديث بضعف عبدالله بن محمد بن عقيل ، والقاسم بن عبدالواحد ، وادعى أنَّ ابن عقيل ضعيف جداً ، وأن القاسم قال عنه في "الجرح والتعديل": لا يحتج به.
وعلى كلامه ظلام نزيله فنقول:(1/29)
الحديث رواه الإمام أحمد –رحمه الله تعالى- في "مسنده" (3/495) وغيره من طريق همام بن يحيى عن القاسم بن عبدالواحد المكي عن عبدالله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبدالله عن عبدالله بن أُنيس ... الحديث.
وسنده حسن فإن عبدالله بن محمد بن عقيل ليس كما زعم السَّقَّاف بأنه ضعيف جداً فإن هذا القول صادر عن عداوته لما يتضمنه الحديث لا عن معرفة بالحديث ورجاله . وقد احتج بابن عقيل جمع من أهل العلم منهم: أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إبراهيم ، والحميدي ، نقل ذلك عنهم الترمذي في "جامعه" (1/9) .
وقال البخاري-رحمه الله تعالى-: (هو مقارب الحديث) .وهذا من البخاري تعديل لابن عقيل ، فإن كلمة "مقارب الحديث" يراد بها التعديل كما نص على ذلك غير واحدٍ من أهل الحديث.
وقال الترمذي –رحمه الله تعالى- في ابن عقيل: (هو صدوق ، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه) والكلام الذي قيل فبه لا ينزل من حديثه عن مرتبة الحسن على الصحيح عندي بشرط أن لا يخالف ، فإن خالف طرح حديثه . والحديث الذي نتكلم عليه لم يخالف فيه بل شواهده كثيرة في الكتاب والسنة.
وأمَّا القاسم بن عبدالواحد فإنه صدوق(1) وثقه ابن حبان،وقال عنه ابن أبي حاتم في"الجرح والتعديل" : (7/114) : سألت أبي عنه فقال: يكتب حديثه. فقلت: يحتج بحديثه. قال: يحتج بحديث سفيان وشعبة. أ.هـ كلامه.
ومن يعلم خطأ السَّقَّاف بقوله: (وفي الجرح والتعديل ما معناه: لا يحتج بحديثه) . فإن أبا حاتم لم يقل ذلك ولا يفهم من كلامه ما يدل على ذلك.
وأيضاً السَّقَّاف كذب على الذهبي فقال: القاسم بن عبدالواحد صاحب مناكير كما في ترجمته في "الميزان".
* وفي "الميزان" (3/375) ، قال الذهبي:
وُثق. ثم نقل قول أبي حاتم المتقدم ثم قال: ومن مناكيره فساق حديثاً ليس له علاقة في موضوعنا.
__________
(1) 19) روى عنه جمع من الثقات ووثقه ابن حبان وقال أبو حاتم: يكتب حديثه . فمثله حسن الحديث.(1/30)
ثم ليعلم أن قول السَّقَّاف عن القاسم (صاحب مناكير) لا تقتضي هذه اللفظة تضعيفاً ؛ لأنه يراد تارة بهذه العبارة صاحب مفاريد (1) ولكن السَّقَّاف لا يفقه شيئاً من ذلك فظن أنها تقتضي تضعيفاً.
& والحاصل:
أن حديث عبدالله بن أُنيس حديث حسن وأن السَّقَّاف جانب الصواب في تضعيفه ، وأخطأ على أبي حاتم وكذب على الذهبي. والكذاب ساقط العدالة . وقد قال النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم-:
((وإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار)) ، كما جاء ذلك في الحديث المخرَّج في "صحيح مسلم": (رقم:2607) من حديث عبدالله بن مسعود.
* وفي: (ص264 ، تعليق رقم: 202) :
زعم السَّقَّاف أن حديث:(( إن الله قال من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب..)) فيه كلام ثم في(ص265) قال: والخلاصة أنَّ حديث((من عادى لي ولياً)) صحيح إلا أن لفظ "التردد" الذي فيه لا يثبت...
& أقول:
الحديث ثابت ولا مطعن فيه . قال البخاري –رحمه الله تعالى- في "صحيحه" (11/340-الفتح) :حدثني محمد بن عثمان بن كرامة حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبدالله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: إن الله قال: (( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأُعطينه ولئن استعاذ بي لأُعيذنه. وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته)) .
__________
(1) 20) انظر:"هدي الساري" لابن حجر: (ص437)(1/31)
وهذا الحديث احتج به البخاري –رحمه الله تعالى- في "صحيحه" ، والكلام الذي قيل في خالد بن مخلد لا يضر هذا الحديث لأنه من شيوخ البخاري الذين لقيهم وأخذ عنهم وعرف أحوالهم وميَّز أحاديثهم وقد روى هذا الحديث عنه بواسطة محمد بن عثمان وهو ثقة.
وأيّ رجل احتج به البخاري في "صحيحه" في الأُصول فقد جاوز القنطرة فلا اعتداد بطعن من طعن فيه داخل الصحيح ، وأمَّا خارج الصحيح فقد يكون من احتج به البخاري ومسلم ضعيفاً.
وقول السَّقَّاف: (وشريك فيه مقال) .
& أقول:
كثير من الرواة لا يسلم من مقال ، ولكن الشأْن هل يصيره هذا المقال ضعيفاً أم لا؟ ولو أن كل رجل فيه مقال يكون ضعيفاً لما سلم لنا إلا شيء قليل من الرجال . وشريك بن عبدالله بن أبي نمر تابعي خرج له الشيخان وغيرهما ، وتخريج الشيخين له ممَّا يقوي أمره لأنهما قد اشترطا الصحة . وقد قال ابن معين والنسائي في شريك: (ليس به بأْس) . ووثقه ابن سعد ، وقال ابن عدي: (إذا روى عن ثقة فلا بأْس بروايته) (1).
والراوي عنه في هذا الحديث سليمان بن بلال من رجال الستة ، وثقه أحمد، وابن معين، وغيرهما.
وبه تعلم أن شريك بن عبدالله يحتج بحديثه ، وقد طعن بعض العلماء في ألفاظ انفرد بها شريك ، ولكن هذا لا يدل على ضعفه ، إلا إذا خالف الثقات ، فهنا يطرح تفرده ؛ لأنه يخطئ . أما إذا روى حديثاً لم يخالف فيه فقبوله متعين ، والقدح فيه تحم بغير دليل.
& والحاصل:
أن الحديث صحيح لا علة فيه ، وتصحيح السَّقَّاف لحديث ((من عادى لي ولياً)) ، وتضعيف لفظ: (( التردد)) قول صادر عن فساد عقيدة ، وسوء فهم ؛ لأنه لما لم يفهم معنى التردد ضعفه ، وإلا فتصحيح أوله وتضعيف آخره بغير دليل: ظاهر البطلان . ومنه يعلم ما قلنا في سبب تضعيف السَّقَّاف للفظ ((التردد)) .
__________
(1) 21) انظر:"الكامل" (4/1321)(1/32)
هذا وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- عن معنى: ((تردد الله)) ؛ فأجاب –رحمه الله تعالى- كما في "الفتاوى": (18/129-130) :
( هذا حديث شريف قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة ، وهو أشرف حديث رُوي في صفة الأولياء ، وقد ردَّ هذا الكلام طائفة ، وقالوا: إن الله لا يوصف بالتردد ، وإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأُمور ، والله أعلم بالعواقب ، وربما قال بعضهم: إن الله يعامل معاملة المتردد . والتحقيق: أن كلام رسوله حق ، وليس أحد أعلم بالله من رسوله ، ولا أنصح للأُمة منه ، ولا أفصح ولا أحسن بياناً منه ، فإذا كان كذلك كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس وأجهلهم وأسوئهم أدباً ، بل يجب تأْديبه وتعزيره ، ويجب أن يصان كلام الرسول –صلى الله عليه وسلم- عن الظنون الباطلة ، والاعتقادات الفاسدة . ولكن المتردد منا وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأُمور لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منَّا ، فإن الله ليس كمثله شيء: لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله . ثم هذا باطل فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب ، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد ، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة ، ويكرهه لما فيه من المفسدة ، لا لجهله منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه كما قيل:
الشيب كره وكره أن أُفارقه *** فاعجب لشيء على البغضاء محبوب
وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه . بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب ، وفي "الصحيح": ((حفت النار بالشهوات ، وحفت الجنة بالمكاره)) وقال تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ } الآية.(1/33)
ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث فإنه قال: ((لا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبه)) ، فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوباً للحق ، محباً له يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها . ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ، ويحب فاعلها ، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق ، فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة بحيث يحب ما يحبه محبوبه ، ويكره ما يكرهه محبوبه ، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت فكل ما قضى به فهو يرده، ولا بدَّ منه ، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه ، وهو مع ذلك كاره لمساءَة عبده، وهي المساءَة التي تحصل له بالموت ، فصار الموت مراداً للحق من وجه ، مكروهاً له من وجه ، وهذا حقيقة التردد ، وهو أن يكون الشيء الواحد مراداً من وجه مكروهاً من وجه.
وإن كان لابدَّ من ترجيح أحد الجانبين كما ترجح إرادة الموت ، لكن مع وجود كراهة مساءَة عبده . وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ، ويكره مساءته ، كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته) .
* وفي: (ص274) ، آخر الكتاب:
قال السَّقَّاف: (نسأل الله تعالى أن نكون بهذا التعليق قد فرجنا عن أهل العلم وطلابه كربة الحيرة في هذه الأحاديث المتعلقة بمسألة الصفات ونسأله أن يفرج عنا كرب يوم القيامة ... ) .
& أقول:
السَّقَّاف يريد أن يموه على الخلق بهذا الدعاء ويتلاعب بعقولهم . ويظنهم همجاً رعاعاً كأتباعه الذين أضلهم بتحريفه للنصوص ، وكذبه في النقول ، وجعلهم في شك وحيرة واضطراب ، ولم يهدهم سبيل الرشاد.
وصادم في تعليقاته المنقول . وكابر العقول.
ومن كان هذا سبيله ومنهجه ، فهو على خطر عظيم.
وقوله: (ونسأله أن يفرج عنا كربة يوم القيامة) .
& أقول:(1/34)
تُبْ إلى ربك من تحريف النصوص ، والكذب ، والفجور ، مصادمة المنقول والمعقول ، وكن من دعاة الحق ، واعمل صالحاً لتحظى بالفوز يوم النشور.
فإن مَنْ لقى الله بالبدع ، والفجور ، والتحريف للمنقول والمعقول ، ونبذِ الكتاب والسنة وراء الظهور ، وتسفيه خيار الأُمة ، ورميهم بالابتداع والفجور ، كيف يريد أن يفرج الله عنه كربة يوم النشور ، ويزيل عنه وحشة القبور.
وقد خلق الله الجنة ، وخلق لها أهلاً . وخلق النار ، وخلق لها أهلاً . فكلٌّ ميسرٌ لما خلق له.
قال تعالى:
{ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ، وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
والأعمال بالخواتيم ، وصالح الأعمال سبب من أسباب حسن الخاتمة.
وفي "الصحيحين" وغيرهما من حديث الأعمش قال: سمعت زيد بن وهب عن عبدالله بن مسعود –رضي الله عنه- ، قال: حدثنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق ... الحديث وفيه:
(( فواللهِ الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)) .
وكل عبد يُبعث على ما مات عليه كما جاء ذلك في "صحيح مسلم": (رقم:2878) من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم-.
فنسأل الله تعالى أن يتوفَّانا على الإسلام والسنة.
" فصل "
وبهذا الكشاف المُختصر عن ضلالات حسن السَّقَّاف من خلال تعليقه على كتاب ابن الجوزي: " دفع شبه التشبيه بأكفِّ التنزيه" يتبين انحراف السَّقَّاف بما يلي:
طعنه في الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان مع أن العلماء اتفقوا على أنه أفضل ملوك هذه الأُمة.(1/35)
رَدُّهُ النصوص الصحيحة الصريحة إذا كانت تخالف مذهبه مذهب الجهمية.
شتمه علماء السلف ورميه إياهم بالتشبيه والتجسيم.
تكفيره شيخ الإسلام ابن تيمية تكفيراً صريحاً.
تشكيكه في كُتب أئمة السلف في العقيدة.
إنكاره علو الله على خلقه واستواءه على عرشه.
تحريفه النصوص وتخضيعه إياها للمعتقدات الردية والمذاهب البدعية.
كذبه في النقل لترويج باطله وهذا شعار المُفلس من العلمِ النافع.
ثناؤه على الكوثري وتعظيمه إياه مع أنه رأْس من رؤوس الجهمية المعطلة في هذا العصر.
ذكرُهُ مقالة من قال: (قبر معروف الترياق المجرَّب) على سبيل الاستحسان.وهذه رائحة من روائح الوثنية.
أمره من أثبت العلو لله على خلقه بالتوبة مع أن علو الله على خلقه معلوم من دين الإسلام بالضرورة وتكفير العلماء لمن أنكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة مشهور.
رده خبر الآحاد في العقائد كما في(ص 250) واضطرب في هذه المسألة كما في(ص 45) آخرها.
* وفي (ص 28)
قال: (خبر الآحاد مقبول عندنا معمول به في جميع الأبواب إلا في باب أصول العقائد .. ) .
& أقول:
وأدلة حجية خبر الآحاد من الكتاب والسنة كثيرة جدّاً ، وهي أدلة عامة في الأحكام والعقائد ولم يعلم عن أحد من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- وهم هم في العلم والدين فرق بين الأحكام والعقائد.
وفي "الصحيحين" وغيرهما عن البراء أن النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- كان أَوَّل ما قدم المدينة نزل على أجداده أو قال أخواله من الأنصار وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أول صلاة صلاَّها صلاة العصر . وصلى معه قومٌ فخرج رجل ممن صلى معه فمرَّ على أهل مسجدٍ وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قبل مكة فداروا – كما هم قبل البيت ... )) (1).
__________
(1) 22) البخاري: (1/95-الفتح) ، ومسلم: (5/9-10-نووي)(1/36)
فلو كان خبر الآحاد غير مقبول لما عملوا بقوله ، واستداروا مع أنهم كانوا على أمر مقطوع به.
أترى هؤلاء الصحابة الأخيار جهلوا حكم خبر الواحد وقبلوه في المسائل الفقهية دون المسائل العقدية؟
أم أنهم علموا من نبيهم أنه يجب قبول خبره إذا كان عدلاً وأنه لا فرق بين الأحكام والعقائد في ذلك بل التفريق بين الأحكام بدعة في الدين.
فكل من بلغه شيء عن نبيه صح مخرجه آحاداً أو غيره لم يسعه رده سواء كان في الأحكام أو العقائد فالكل شرع يجب قبوله والإذعان والانقياد له.
فمن رد خبر الآحاد الثابت عن النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- في الأحكام أو العقائد فقد اتبع غير سبيل المؤمنين قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }.
والعجب أن السَّقَّاف (1) وأتباعه من أهل التحريف يردون خبر الآحاد في العقائد مع عدالة الرواة وثقتهم وضبطهم وأمانتهم ويستدلون على نفي استواء الله على عرشه الذي أثبته في كتابه بشعر ينسب للأخطل النصراني ولم يرد دليل يدل على صحته لا لفظاً ولا معنى ويحيلون تفسير الاستواء على شعره ، ويجادلون عليه مثبتين له فخالفوا بذلك أهل التفسير واللغة وجميع الأُمة ، ومتى كان شعر أخطل نصراني لو صح حجة على كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم- ، ولكن هذا جزاءُ من أعرض عن كلام الله ، وكلام رسوله –صلى الله عليه وسلم- واعتاض عنهما بآراء اليونان وزبالة الأذهان.
هذا وليعلم أن الشعر المنسوب للأخطل هو:
قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ولا دم مهراق
ليس فيه حجة إن صحت نسبته للأخطل على تفسير الاستواء بالاستيلاء ونحو ذلك لأنه:
أولاً: محرف . صوابه:
بشر قد استولى على العراق *** ...........
__________
(1) 23) كما في (ص121-122)(1/37)
وأهل اللغة الذين لهم المرجع فيها لا يعرفون استوى بمعنى استولى.
ثانياً: لو ثبت عد تحريفه وصحت نسبته للأخطل فيبطله أن المعنى يكون قد استولى بشر على العراق وهذه صفة ملوك الدنيا لوجود المنازع لهم في ملكهم فيستولون على الملك بعد الغلبة والقهر لمن ينازعهم . وتنزيل صفة استواء ملوك الدنيا على استواء الله على عرشه تشبيه للمخلوق بالخالق وهو الذي يزعم المعطل أنه يفر منه فحرف الكلم عن مواضعه ونفى عن الله الأسماء والصفات وسلبه صفات الكمال وشبهه بالجمادات.
فإذا علم فساد قول من نفى استواء الله على عرشه استواءً حقيقياً لم يبق أمام المعطلة إلا إثبات استواء الله على عرشه استواءً حقيقياً دون تفسير للاستواء بالاستيلاء وغيره من التحريفات لأن الله جل وعلا ليس له شريك حتى يستولي على العرش بعد غلبته لشريكه قال تعالى: { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}. وروى الخطيب (5/284) في "تاريخه" من طريق داود بن علي قال: كنا عند أعرابي فأتاه رجل فقال: يا أبا عبدالله ما معنى قول الله تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } قال: هو على عرشه كما أخبر . فقال الرجل: ليس كذاك هو يا أبا عبدالله ، إنما معنى قوله استوى:استولى. فقال الأعرابي: اسكت ما يدريك ما هذا العرب لا تقول لرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد فأيُّهما غلب قيل استولى عليه والله لا مضاد له هو وعلى عرشه كما أخبر والاستيلاء بعد المغالبة.
قال النابغة:
إلا لمثلك أو من أنت سابقه *** سبق الجواد إذا استولى على الأمد
وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- هذه المسألة بسطاً لا يدع شكاً في انحراف في فسر الاستواء بالاستيلاء ونحوه فراجعه في "الفتاوى": (5/144-... ) .(1/38)
وهذا آخر ما أردت كشفه عن ضلالات حسن السَّقَّاف.
وأسأل الله تعالى أن يجعل عملنا صالحاً ولوجهه خالصاً ولا يجعل لأحد منه شيئاً . وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا من لدنه رحمه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
وقد تم الفراغ منه في شوال 5/10/1413هـ.
على يد الفقير إلى الله
سليمان بن ناصر العلوان
القصيم – بريدة
وقد قام بنقله ونشره على هذه الشبكة أبو عمر المنهجي عفا الله عنه
وتم الفراغ من النقل 1/1/1425هـ(1/39)