القبورية في اليمن
نشأتها - آثارها - موقف العلماء منها
تأليف فضيلة الشيخ
أحمد بن حسن المعلم
الحمد لله الذي بيّن عقائد الأمم الهالكة في محكم الكتاب، وأبان ما ترتب عليها من الشقاوة والهلاك في الدنيا والآخرة ليعتبر بذلك أولو الألباب، وحدد بداية الانحراف نحو الشرك وأسبابه لِتُحذَرَ وتُجتَنبَ تلك الأسباب، وكرّه إلينا الأخذ بسبل الضالين والمغضوب عليهم كما نقرأه صباحاً ومساءً في أم الكتاب، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على من افتتح رسالته بالدعوة إلى التوحيد، وختم حياته وهو يحذر من الشرك والتنديد، وأسباب ذلك، وخص منها البناء على القبور على وجه التحديد، صلى الله عليه وسلم، صلاة وسلاماً دائمين مستمريْن إلى يوم الوعيد، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار، الذين فقهوا إشارته وطبقوا عبارته، فحجبوا قبره عن الأنظار لما خشوا أن يترتب على ظهوره من الفتن والأخطار، ورضي الله عن خلفائه الذين كانت خلافتهم على منهاج النبوة فما انحرفوا عنه ذات يمين ولا يسار، وما تخلوا منه عن قليل ولا كثير، ولا نقير ولا قطمير.
وكان مما عملوا به بمقتضى منصب الخلافة تسوية المشرف من القبور، وتفقد المقابر مما قد يستجد فيها من أمر منكور، أو بناء معمور، وتبعهم على ذلك غالب ولاة الأمور إلى أن انقضت تلك القرون الفاضلة وتصرمت تلك العصور.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له؛ شهادة معترف بالتقصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير.
أما بعد: فإن من أبرز أهداف الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله الحفاظ على عقيدة المسلمين صافية نقية كما جاء بها رسول الله ( ومحاربة كل ما يهدد سلامتها ويحط من مكانتها.(1/1)
ولقد قام الصحابة من ذلك بأوفر نصيب،فجاهدوا في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم وألسنتهم، وتبعهم على ذلك من سار على منهاجهم من التابعين، وتمسك بحبل مودتهم من اللاحقين، وما زالت الطائفة المنصورة من أتباعهم على الحق ظاهرين، ولمن خرج عن الصراط قاهرين، وستبقى هذه الطائفة قائمة على الحق بإذن الله إلى يوم الدين،لا يضرها كيد الكائدين من المخالفين، ولا خذلان القاعدين من المآلفين، ولقد تنوعت أساليب جهادها وميادين حربها لأعدائها ما بين السيف والسنان والقلم واللسان، وبين جهاد الكفار الظاهرين والمبتدعة والمنافقين، كل بما يليق بحاله ويحقق إزالة منكره وضلاله ممتثلين قول الحق سبحانه: ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ( 1، وقوله سبحانه: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ( 2، وبذلك حفظ الله هذا الدين وثبت الإيمان واليقين.(1/2)
ولكن قضاء الله المبرم وسننة الكونية التي لا تخرم، قضت بانحراف طوائف من هذه الأمة، وأخذها بسنن الأمم الماضية والقرون الخالية في جوانب مختلفة من عقائدها وأعمالها، وكان لكل فرقة حلية وشعار يعرفه من طالع كتب تاريخ العقيدة على تتابع الأعصار، وكان من أبرز شعارات الشيعة الغالية والصوفية الجاهلة التي هي من العلوم خالية - الغلو في الصالحين من الأئمة والأولياء - غلواً حملهم على أن (أخرجوهم من حدود الخلقية، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية، فربما شبهوا واحداً من الأئمة بالإله، وربما شبهوا الإله بالخلق)3، ولأجل أنهم قد فارقوا الحياة، ولا يمكن الالتقاء بذواتهم الباليات، عمدوا إلى تشييد المشاهد والقباب لتكون ملجئاً إليه يلجؤون وعليه يعولون،كما صور عبّاد الأوثان صور الأنبياء والصالحين وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل، فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله كما قرر ذلك الإمام الفخر الرازي 4.
ومن منطلق الغلو في البشر تولدت العقائد الضالة، والتصورات المنحرفة، والأعمال الباطلة المراغمة لصرائح آيات الكتاب، وصحيح السنة الذي لا شك فيه ولا ارتياب.
ومنذ أن ظهر ذلك الانحراف والعلماء لهم بالمرصاد، ينكرون تلك الضلالات، ويقررون أحكام تلك البدع والمنكرات، بين مصرح وملمح، ومقل ومستكثر،لم يختص بذلك مذهب دون مذهب 5، أو عصر دون آخر، وإن كان يقوى الإنكار حيناً، ويضعف حيناً آخر على مقتضى الأحوال، كما أن القبورية نفسها كانت تسفر عن وجهها حيناً وتتبرقع بالتقية حيناً آخر.(1/3)
وفي عصرنا هذا، عصر الصحوة المباركة،التي أقضت مضاجع الكافرين، ودوخت جنود الغازين المعتدين، وأشعرت طوائف الكفر المختلفة؛ أن الجولة القادمة للإسلام، وأن الخصم الحقيقي للكفر وأهله هم أبناء الصحوة ورموزها العظام، السائرون على منهج أسلافهم الصالحين الكرام، فصمم الكفار على محاربة هذا الاتجاه. لتمسكه الصارم بجميع ما تقتضيه لا إله إلا الله، وأرادوا أن يحل محلهم من يُجَزِّئ ذلك وفق شهوته وهواه، فشجعت دوائر النظام الدولي الجديد ووكلاؤها في بلاد المسلمين سائر الفرق الضالة المنتمية للإسلام على الظهور والتصدر والانتشار في الساحة الإسلامية،لتكون البديل المناسب الذي يمكن التعامل معه باسم الإسلام،لإلغاء وجود العلماء العاملين والدعاة الصادقين، وأتباعهم المخلصين.
ومن تلك الطوائف التي وقع عليها الاختيار الصوفية المنحرفة، وقد رأينا آثار ذلك الاختيار في صورة دعم مادي ومعنوي للطرق الصوفية، ودعاة القبورية المعاصرين ومنهم رموز في اليمن، حيث قد ثبت اهتمام السفارات الأجنبية بأولئك الرموز، ومؤسساتهم الدعوية العلمية بل إن بعض السفارات قد قدمت الدعم المادي القوي لبناء بعض مشاريعهم التعليمية وغيرها، وبذلك نشطت الصوفية في اليمن نشاطاً ملحوظاً، حيث أقامت الجمعيات والجامعات، وأعادت فتح الأربطة التعليمية القديمة، وأنشأت أخرى جديدة، وأسست دور نشر ومكتبات، لبعث تراثهم الفكري ومنهاجهم القبوري، وشرعت في تجديد وترميم المشاهد والقباب، وإعادة الزيارات القبورية لسالف عهدها.(1/4)
وذلك في نظري تهديد مباشر للعقيدة، وتوهين للإّتِبَاع، وعمل على نشر الشرك والابتداع، فكان من الواجب على كل قادر أن يذب عن هذا الدين، ويدافع عن عقائد المسلمين، ومن أنجح هذه الوسائل حسب اعتقادي، كشف حقيقة الخصم، وتعرية مبادئه ومناهجه؛ليحذره الناس، ويتحصنوا عن الاغترار بدعوته والوقوع في فتنته، فجاءت هذه الرسالة التي أكتبها لإتمام متطلبات التخرج في مرحلة الماجستير وسميتها " القبورية في اليمن نشأتها وآثارها وموقف العلماء منها ".
ولقد كان لاختياري هذا الموضوع أسباب منها:
1) ابتغاء الأجر والثواب بالاسهام في تنقية العقيدة مما نسب إليها الانحراف والضلال.
2) رغبتي الذاتية الملحة في معرفة أسرار الفرق القبورية والتأكد مما يقوله الناس عنها وإقامة الدليل على ماصح من ذلك من كتب القوم أنفسهم.
3) ما سبقت الإشارة إليه من وجود خطورة على عقيدة المسلمين، تمثلها الدعوة القوية للقبورية وتزيين مبادئها وأعمالها ونشر كتبها وفكرها، فالقبورية من أقوى معاول هدم العقيدة وزعزعة قواعد التوحيد؛ لذا وجب بيان حقيقتها، وكشف مساوئها وتحذير المسلمين من خطرها.
4) أن التراث الصوفي والشيعي الذي يُضخ إلى عقول ونفوس الأمة،لو وصل مباشرة إلى القارئ دون تعليق أو تنبيه عليه من قبل من يعرف حقيقته؛ قد يؤثر في النفوس، لما يشتمل عليه من شبهات وتزيين للباطل؛ فلذا لزم قراءة ذلك الفكر قراءة علمية وكشف ما يحتوي عليه من باطل ثم توعية الأمة به من وجهة نظر أهل السنة،ليكون في ذلك حصانة للقارىء والباحث عن الحق من العوام وأشباههم.
5) أن كثيراً من طلاب العلم والدعاة يعرفون حقيقة القبورية بصورة مجملة، فهم يبغضونها ويحاربونها، ولكنهم يخفقون في بعض الأحيان لعدم المعرفة المفصلة بها، فأردت أن أقدم لهم زاداً يفيدهم في هذا الميدان.(1/5)
6) أن من يدرس الصوفية " القبورية " في العالم الإسلامي ويمثل بأقوال وأفعال المتصوفة، لا يكاد يذكر مثالاً عن صوفية اليمن، وكأنه لا يوجد تصوف في اليمن،مغرق في الغلو والضلال،كما هو الحال في بقية بلدان المسلمين، فأردت أن أقدم هذه المادة من فكر صوفية اليمن يستفيد منها الباحثون ويمثلون بها متى شاءوا.
هذه هي أهم الأسباب التي دفعتني للكتابة في هذا الموضوع، وهي دوافع وجيهة في نظري، إذ لا أهم من التحذير من الشرك والعمل على حماية التوحيد، فهذان الأصلان هما خلاصة دعوة الرسل عليهم السلام، وأما اعتراض من يقول إن الوقت ليس وقت الردود والصراع داخل الصف الإسلامي، فإن ذلك المعترض عليه أن يوجه هذا اللوم إلى من ينشر الشرك والبدع؛ إذ ذلك هو السبب الحقيقي للصراع والنزاع،كما قرره القرآن قال تعالى:( ومن الذين قالوا إنّا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة (6، قال قتادة: ( فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء يوم القيامة ( إن القوم لما تركوا كتاب الله وعصوا رسله وضيعوا فرائضه وعطلوا حدوده، ألقى بينهم العدواة والبغضاء إلى يوم القيامة بأعمالهم أعمال السوء ولو أخذ القوم كتاب الله وأمره ما افترقوا ولا تباغضوا 7.
ولما استقر الرأي على البحث في هذا الموضوع بعد المشاورة والتباحث مع الكثير ممن أثق بهم من علماء اليمن، وتشجيعهم لي على المضي في هذا السبيل، عزمت متوكلاً على الله، فجمعت ما تيسر من مراجع المتعلقة بالموضوع وبالأخص كتب التشيع والتصوف، وقد حصلت على بعض كتب الشيعة وكثير من كتب الصوفية اليمنيين وبالأخص صوفية حضرموت منها المطبوع وبعض المخطوطات المصورة ثم قرأتها وجمعت المادة المطلوبة وصنفتها حسب ما يخدم الموضوع.
وقد اتبعت في كتابتها هذا المنهج:(1/6)
1) حرصت على إكمال صورة الموضوع بأن ذكرت ابتداء القبورية منذ فجر التاريخ كما قصها القرآن الكريم، ثم مررت بقبورية اليهود والنصارى واليونان؛ لإخبار النبي ( عن شبه هذه الأمة بهم ولوقوع ذلك فعلاً ثم مررت بقبورية ووثنية العرب لإكمال التقسيم، وقد أرّخت للقبورية في العالم من كتب التاريخ والتفسير والحديث عند أهل السنة وكذلك القبورية في الأمة وكان كثير من مراجعي هي كتبهم ولكن بواسطة كتب العلماء الثقات والرسائل العلمية المعتمدة، مع ذكر المصدر الأصلي والواسطة التي أخذت عنها، بالإضافة إلى ما تيسر لي الحصول عليه من المصادر الأصلية.
2) أما قبورية اليمن فلم آخذ أقوالهم إلا من كتبهم أنفسهم بدون واسطة، وقد التزمت دقة النقل والحفاظ على نصوصهم كما هي، حتى أنني أدع كلامهم على ما هو عليه وإن كان فيه أخطاء، وقد أنبه على بعض الأخطاء الفاحشة وغير الفاحشة وقد أدع ذلك لإدراك القارئ.
3) هناك نصوص كثير ة لم يلتزم أصحابها اللغة الفصحى ولم يتقيدوا بقواعد النحو وقد نقلتها كما هي، وإن رأيت شيئاً منها يحتاج إلى توضيح أوضحته في الهامش.
4) لم أحتجّ من الأحاديث إلا بحديث صححه عالم معتبر من علماء الحديث، وأما الروايات التاريخية فأعتمد منها ما اعتمده العلماء وتناقلوه في كتبهم، ولم أرَ من وهَّاها أو انتقدها من حيث السند، وهذه الروايات بالطبع لا يبنى عليها حكم، وإنما يستشهد ويستعان بها على تصوير الموضوع وتجلية ملامحه.(1/7)
5) عزوت جميع الآيات إلى سورها، وخرجت جميع الأحاديث التي استدللت بها وغالب الأحاديث التي جاءت ضمن النقول عن الآخرين وكافة الآثار التي استدللت بها كذلك إلا ما ندر، فما كان في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بعزوه إليهما مع ذكر موضعه من الكتاب والباب إضافة إلى رقم الجزء والصفحة، وما كان في غيرهما خرجته من عدد من المراجع التي يطمئن القارئ بالرجوع إليها، مع إيراد حكم علماء الحديث عليها دون أن أبدي رأيي غالباً مكتفياً بحكمهم.
6) شرحت بعض الكلمات الغريبة والمصطلحات الغامضة حيث أرى لذلك فائدة، وقد أترك بعضها إما لعدم الجدوى من شرحها أو للاختصار وضيق الوقت.
7) لم ألتزم بالتعريف بالأعلام جميعاً وإنما عرفت بالأعلام المهمة، أو من له علاقة بالبحث الذي يرد فيه، وأما الصحابة وكبار المؤلفين وأصحاب الأمهات الحديثية، فلم أتعرض لهم إلا لغرض خاص وذلك لشهرتهم ولئلا أثقل كاهل الرسالة، وهناك جماعة من الأعلام اكتفيت بذكر تاريخ وفاتهم مع الإحالة إلى تراجمهم عند المؤرخين وعلماء التراجم.
8) لقد قصدت إلى جمع أكثر عدد من النصوص والحكايات الصادرة عن القبورية وعرضها على الباحثين المهتمين بدراسة القبورية والصوفية، للاستفادة منها في أبحاثهم ودراستهم، ولم يكن قصدي الدراسة الوافية لتلك النصوص دراسة عقدية تلزمني بالإسهاب في المعالجة، وإنما علقت على بعض تلك النصوص تعليقات موجزة مناسبة لهذا القصد، ولم أتوسع إلا في مواضع دعت الحاجة إلى التوسع فيها، وأنا أعلم أنني لم أُعطِ البحث حقه، غير أني أرجو أن أكون قد وفقت لفتح هذا الباب والولوج في هذا المسلك الذي ظل مهجوراً لم يقتحم مجاهله أحد حسب علمي بالصورة التي سرت عليها، ولعل الله أن ييسر لي أو لغيري من الباحثين العودة إلى تلك المباحث والتعمق في دراستها وتوسيع نطاقها، لتقديم صورة شاملة ومعالجة شافية لها، نصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين، وكشفاً للباطل وإزهاقاً له.(1/8)
9) لإتمام الإفادة وتيسير الاستفادة قمت بعمل فهارس للرسالة هي:
أ) فهر س الآيات.
ب) فهرس الأحاديث.
ج) فهرس الآثار.
د) فهرس الأعلام المترجمين.
هـ) فهرس المصادر والمراجع.
و)فهرس الموضوعات.
وقد قمت باختصار أسماء بعض المراجع التي يكثر الرجوع إليها ومنها:
اسم المرجعالاسم المختصرفتح الباري ...............................................................................................الفتحسير أعلام النبلاء ......................................................................................السيرطبقات الخواص أهل الصدق والإخلاص....................................................الطبقاتالمشرع الروي ...........................................................................................المشرعالقاموس المحيط ..........................................................................................القاموسكنوز السعادة الأبدية في الأنفاس العلية الحبشية..........................................كنوز السعادةهجر العلم ومعاقله في اليمن................................ .......................................هجر العلمبذل الجهود في خدمة ضريح نبي الله هود...................................................بذل المجهودالعسجد المسبوك ......................................................................................العسجدقرة العيون في أخبار اليمن الميمون....................... .......................................قرة العيونغرر البهاء الضوي ...................................................................................الغرروكُتُب الشيخ الألباني صحيح السنن (أبي داود،الترمذي،النسائي،ابن ماجة) في الغالب أخرّج الحديث من كتاب السنن نفسه، ثم أقول وصححه شيخنا في صحيحه، أي في صحيح ذلك الكتاب.(1/9)
وعندما عزمت على كتابة رسالة التخرج حسب متطلبات إنهاء مرحلة الماجستير فكرت في الموضوع الذي أطرقه بحيث يكون موضوعاً حياً حاضراً في الساحة، وبحيث تنشر الرسالة وتفيد ولا تبقى على الأرفف ككثير من الرسائل التي كتبت لمجرد الحصول على الشهادة، وقد شاورت في ذلك وباحثت كثيراً ممن أثق بهم من مشايخي علماء اليمن وإخواني طلاب العلم، وكان هذا الموضوع يراود نفسي منذ أمد بعيد فشجعني عليه من شاورته وحفزني على المضي فيه من ناقشته، وعند ذلك توكلت على الله وكتبت هذه الرسالة " القبورية في اليمن نشأتها وآثارها وموقف العلماء منها "
وقد جاءت في مقدمة وتمهيد وخاتمة.
المقدمة وقد أبنتُ فيها أهمية الموضوع والأسباب التي دفعتني لاختياره ومنهجي في البحث وخطة الرسالة.
الباب التمهيدي:
وقد اشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف القبورية.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف القبورية لغة.
المطلب الثاني: تعريف القبورية اصطلاحاً.
المبحث الثاني: خطورة عقائد القبورية وعلاقتها بالشرك والوثنية.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: الشرك وخطورته
المطلب الثاني: الوثنية هي الوعاء الذي يحوي الشرك.
المطلب الثالث: الغلو في الصالحين هو أصل الوثنية.
المطلب الرابع: كثرة النصوص الناهية عن تعظيم القبور والعلة في ذلك.
المبحث الثالث: هدي الإسلام في التعامل مع القبور وزيارتها.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: موازنة الإسلام بين مصالح الأحياء والأموات بالحفاظ على كرامة الأموات وعقيدة
الأحياء.
المطلب الثاني: تعامل الصحابة مع ما عرف من قبور الأنبياء.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعاملهم مع قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثاني: تعاملهم مع النبي دانيال علية السلام.حين عثروا على جسده.
المطلب الثالث: كيف تصرف التابعون حين اضطروا إلى توسعة المسجد ليشمل الحجرة النبوية موضع القبر
الشريف في خلافة الوليد بن عبدالملك.(1/10)
المطلب الرابع: هدي الإسلام في زيارة القبور.
(2) الباب الأول: نشأة القبورية
وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: نشأة القبورية في العالم
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: نشأة القبورية في العالم بأسره.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: إثبات أن البشرية كانت على التوحيد قبل طروء الشرك.
المطلب الثاني: إثبات أن أول شرك حصل في العالم كان بسبب الغلو في الصالحين.
المبحث الثاني: القبورية عند اليهود والنصارى
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: القبورية عند اليهود
المطلب الثاني: القبورية عند النصارى.
المبحث الثالث: قبورية اليونان
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: قبورية الأمة اليونانية.
المطلب الثاني: قبورية فلاسفة اليونان.
المطلب الثالث: اتباع قبورية المسلمين للفلاسفة في علة زيارة القبور.
المبحث الرابع: القبورية عند العرب قبل الإسلام وصلتها بالوثنية.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: إثبات أن العرب كانوا على ملة إبراهيم الحنيفية السمحة.
المطلب الثاني: القبورية أصل الوثنية عند العرب.
المطلب الثالث: انتشار الأصنام في جزيرة العرب.
المطلب الرابع: الحنفاء من العرب.
الفصل الثاني: القضاء على الوثنية والقبورية على عهد رسول الله ( والصحابة والتابعين إلى نهاية
القرون الثلاثة المفضلة.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: حال جزيرة العرب حين مبعث النبي ( وكيف قضى على الوثنية.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: حال جزيرة العرب عند مبعث النبي (.
المطلب الثاني: قضاء النبي ( على الوثنية في جزيرة العرب.
المبحث الثاني: إنذار النبي ( بعودة الشرك الى جزيرة العرب والرد على من زعم المنع من عودة الشرك إاليها مطلقاً.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول:الإنذار بعودة الشرك إلى جزيرة العرب.
المطلب الثاني:الرد من زعم المنع من عودة الشرك إلى جزيرة العرب.
المبحث الثالث: خلو القرون المفضلة من مظاهر القبورية.
وفيه خمسة مطالب:(1/11)
المطلب الأول: تصريح العلماء بخلو القرون المفضلة من وجود المشاهد والمساجد على القبور.
المطلب الثاني: مايستدل به القبورية على وجود مشاهد ومبان على القبور في تلك القرون.
المطلب الثالث: الرد على مااستدلوا به على وجود مشاهد ومبان على القبور في تلك القرون.
المطلب الرابع: التصريح بتسوية الصحابة لما ارتفع من القبور وإزالة ما استجد في المقابر من فساطيط ونحوها.
المطلب الخامس: محاولات الشيعة المبكرة لإنشاء المشاهد وتصدي الخلفاء لذلك.
الفصل الثالث:نشأة القبورية في الأمة المحمدية والتعريف بأهم الفرق القبورية.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الشيعة رائدة القبورية في الأمة المحمدية.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: التعريف
المطلب الثاني: نشأة الشيعة وأهم فرقها.
المطلب الثالث: عقائد الشيعة الباعثه على القبورية.
المطلب الرابع: دور الشيعة في نشر القبورية في الأمة.
المبحث الثاني: الصوفية ربيبة الشيعة ناشرة القبورية في الأمة المحمدية.
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: التعريف بالصوفية.
المطلب الثاني: نشأة التصوف.
المطلب الثالث: العلاقة بين التصوف والتشيع.
المطلب الرابع: عقائد الصوفية الباعثة على القبورية.
المطلب الخامس: دور الصوفية في نشر القبورية في الأمة.
المبحث الثالث: مساهمة السلاطين في نشر القبورية في الأمة المحمدية.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: لمحة سريعة عن قبورية السلاطين عبر التاريخ.
المطلب الثاني: الباعث الذاتي لقبورية السلاطين.
المطلب الثالث: الباعث السياسي لقبورية السلاطين.
الفصل الرابع: نشأة القبورية في اليمن
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: حال اليمن قبل نشوء القبورية.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: إسلام أهل اليمن.
المطلب الثا ني: رسل النبي ( إلى اليمن.
المطلب الثالث: مذاهب اليمنيين.من فجر الإسلام إلى قيام الدولة الصليحية.(1/12)
المطلب الرابع: استمرار منهج السلف الصالح رغم مزاحمة المناهج المختلفة له.
المبحث الثاني: الإسماعيلية ودورها في نشر القبورية في اليمن.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: طوائف الإسماعيلة التي دخلت اليمن.
المطلب الثاني: لمحة عن الدولة الصليحية مؤسسة القبورية في اليمن.
المطلب الثالث: دور الدولة الصليحية في نشر القبورية في اليمن.
المطلب الرابع: استمرار القبورية الإسماعلية.
المبحث الثالث: مساهمة السلاطين في نشر القبورية في اليمن:
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: السلاطين هم وراء المظاهر القبورية في اليمن قبل الصوفية.
المطلب الثاني: مساهمة أئمة الزيدية في نشر القبورية في اليمن.
المطلب الثالث: مساهمة الدولة الرسولية في نشر القبورية في اليمن.
المبحث الرابع: نشأة التصوف وأهم الطرق الصوفية في اليمن.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: نشأة الصوفية في اليمن.
المطلب الثاني: أهم الطرق الصوفية التي عرفتها اليمن.
الباب الثاني: آثار القبورية
وفيه مدخل وثلاثة فصول:
المدخل: وفيه بيان نشأة العقائد الضالة عن الغلو في الصالحين.
الفصل الأول: عقائد القبورية الضالة.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: عقيدة القطبية والتصرف في الكون.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: تعريف القطب
المطلب الثاني: اعتماد ما تقرر من تعريف القطب عند قبورية اليمن.
المطلب الثالث: التصرف في الكون أهم وظائف القطب.
المطلب الرابع: فروع عقيدة التصرف في الكون.
المبحث الثاني: عقيدة الرجعة وإمكانية الاجتماع بالنبي ( يقظة.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الرجعة وإثبات أصولها الشيعية.
المطلب الثاني: إثبات اعتقاد قبورية اليمن للرجعة.
المطلب الثالث: في الرد على معتقدي الرجعة ورؤية النبي ( يقظة.
المطلب الرابع: لوازم هذا الاعتقاد وما يترتب عليه من مفاسد.
المبحث الثالث: الاعتقاد بحياة الخضر والالتقاء به.
وفيه أربعة مطالب:(1/13)
المطلب الأول: حقيقة الخضرعند أهل السنة.
المطلب الثاني: حقيقة الخضر عند الصوفية..
المطلب الثالث: نماذج من دعاوى الصوفية رؤية الخضر (.
المطلب الرابع: إبطال دعوى القوم ولاية الخضر وحياته ورؤيتهم له.
الفصل الثاني: تعظيم القبور.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: اعتقادهم تعظيم قبور مخصوصة.
وفيه ستة مطالب:
المطلب الأول: اعتقاد تعظيم وبركة مقابر مخصوصة.
المطلب الثاني: اعتقادهم بركة قبور معينة بركة عامة.
المطلب الثالث: اعتقادهم استجابة الدعاء عند بعض القبور.
المطلب الرابع: اعتقادهم قضاء الحوائج لدى بعض القبور.
المطلب الخامس: اعتقادهم أن بعض القبور أمان للخائفين.
المطلب السادس: اعتقادهم أن بعض القبور متخصصة في قضاء حاجات معينة.
المبحث الثاني: ظاهرة البناء على القبور وإلباسها.
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: القبور المعظمة الثابتة لأصحابها.
المطلب الثاني: القبور المنسوبة إلى الأنبياء, والقبور المجهولة.
المطلب الثالث: طريقة القوم في اكتشاف القبور المعظمة وإظهارها.
المطلب الرابع: الأنصاب والمشاهد التي لا قبور فيها.
المطلب الخامس: إلباس القبور وكسوتها.
المبحث الثالث: الزيارات القبورية.
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: زيارة القبور عند القبورية وأصلها الفلسفي.
المطلب الثاني: ظاهرة الزيارات القبورية.
المطلب الثالث: شعائر الزيارات القبورية.
المطلب الرابع: الفساد الأخلاقي في الزيارات وصلته بالعقائد القبورية.
المطلب الخامس: الانحراف العقدي المترتب على تلك الزيارات.
الفصل الثالث: أثر القبورية في نشر الأمراض الاجتماعية.
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: أثر القبورية في نشر السحر والكهانة في اليمن.
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: إثبات أن من الصوفية (القبورية) من يتعاطى علوم السيميا وأسرار الحروف والأوفاق
والرمل.
المطلب الثاني: إثبات أن من صوفية اليمن من يتعاطى تلك الأنواع من العلوم.(1/14)
المطلب الثالث: إثبات أن منهم من يستخدم الجن.
المطلب الرابع: إثبات أن علوم السيميا وأسرار الحروف والأوفاق من علوم السحر.
المطلب الخامس: تعريف الرمل. وأنه من الكهانه وبيان حكمه شرعاً.
المبحث الثاني: نشر الخرافة في الأمة.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: في تعريف الخرافة.
المطلب الثاني: الخرافات الناشئة عن الانحراف في مفهوم الولاية.
المطلب الثالث: الخرافات الناشئة عن الانحراف في مفهوم الكرامة.
المطلب الرابع: آثار انتشار الخرافة.
المبحث الثالث: التمايز الطبقي مظاهره ووسائل تكريسه.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: عدالة الإسلام وتسويته بين الناس.
المطلب الثاني: إثبات وجود طبقات مترفعة على المجتمع باسم النسب والعلم والولاية.
المطلب الثالث: مظاهر التمايز الطبقي.
المطلب الرابع: نماذج من الخرافات التي استخدمها القبورية لتعميق سلطتهم واستعلائهم.
المبحث الرابع: انتشار الجهل والأمية في الأمة.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: حال اليمن قبل انتشار التصوف من الناحية العلمية.
المطلب الثاني: أثر انتشار التصوف في انحسار العلوم الشرعية.
المطلب الثالث: تجهيل الأمة.
الباب الثالث: مواجهة علماء اليمن للقبورية.
وفيه فصلان:
الفصل الأول: أساليب القبورية في محاربة مخالفيها.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: أسلوب الاحتواء والاختراق.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: محاولة احتواء المخالف.
المطلب الثاني: محاولة اختراق صفوف المخالفين وبث الفتنة في أوساطهم.
المبحث الثاني: الإرهاب الفكري من أقوى أسلحة القبورية.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تربية المجتمع على التسليم المطلق لأوليائهم وأقطابهم.
المطلب الثاني: استخدام الخرافة والشعوذة والاستعانة بالجن لإرهاب المخالف.
المبحث الثالث: استخدام القوة في محاربة الخصم.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: اللجوء إلى السلطان.(1/15)
المطلب الثاني: اللجوء إلى القبائل المسلحة وحملها على إخضاع خصومهم.
المطلب الثالث: اعتماد التصفية الجسدية للخصوم.
المطلب الرابع: تشويه صورة الخصم بالإشاعات الكاذبة.
الفصل الثاني:موقف علماء اليمن من القبورية وبيان جهودهم المشكورة في مواجهتها
وفيه تمهيد وأربعة مباحث:
التمهيد: في حفظ الله لهذا الدين بواسطة العلماء رغم المكائد.
المبحث الأول: موقف علماء اليمن من القبورية الإسماعيلية وجهودهم المشكورة لمواجهتها.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: موقف العلماء اليمنيين من الإسماعيلية.
المطلب الثاني: أبرز الأعلام الذين واجهوا الإسماعيلية من علماء اليمن.
المطلب الثالث: المؤلفات اليمنية في الرد على الباطنية الإسماعيلية.
المبحث الثاني: المواجهة العلمية لعلماء الجهات اليمنية المختلفة لعموم القبورية.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: جهود علماء اليمن الأعلى (صنعاء وما يليها).
المطلب الثاني: جهود علماء اليمن الأسفل (من إب إلى عدن).
المطلب الثالث: جهود علماء تهامة في مواجهة القبورية.
المطلب الرابع: جهود علماء حضرموت في مواجهة القبورية.
المبحث الثالث: الردود الواردة في ثنايا كتب الفنون المختلفة.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: ردود في كتب التاريخ.
المطلب الثاني: ردود على القبورية جاءت على ألسنة الشعراء.
المطلب الثالث: نقول عن بعض من يعتقدهم القبورية في نقد بعض عقائد وأعمال القبورية.
المطلب الرابع: فتاوى وبيانات جماعية للتحذير من عقائد وأعمال القبورية.
المبحث الرابع: الجهود العملية لمواجهة القبورية.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: أثر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في اليمن
المطلب الثاني: دعوة الإرشاد بإندونيسيا وأثرها على القبورية على القبورية في اليمن.
المطلب الثالث: جهود أئمة وعلماء اليمن الأعلى في المواجهة العملية للقبورية(1/16)
المطلب الرابع: الجهود العملية المختلفة التي قام بها أناس مختلفون في سائر أنحاء اليمن.
وفي النهاية لا يسعني إلا أن أشكر الله تعالى على مننه العظيمة ونعمه الجسيمة، التي من أعظمها عليّ إتمام هذه الرسالة بهذه الصورة، فله سبحانه جزيل الحمد والشكر.
ثم إنني أثني بشكر كل من أعان برأي أومشورة أو تصويب خطأ أو دلالة على حق في كافة مراحل عملي، وهم كثر لا تتحمل هذه المقدمة ذكرهم، ولكن أخص بالشكر شيخي الجليل العلامة حسن ابن محمد مقبولي الأهدل الذي تفضل مشكوراً بقبول الإشراف على الرسالة ولم يبخل عليَّ بنصحه وتوجيهه، كما لم يبخل عليّ بوقته الثمين فجزاه الله خير الجزاء، وأشكر كذلك صاحبَي الفضيلة أ.د0 إبراهيم بن إبراهيم القريبي رئيس قسم الدراسات بكلية التربية جامعة الحديدة، وأ0د0 غالب ابن عبدالكافي القرشي الأستاذ بكلية الشريعة جامعة صنعاء عضو المجلس الاستشاري وزير الأوقاف والإرشاد سابقاً على تفضلهما بقراءة الرسالة وإبداء الملاحظات القيمة عليها وتصويب بعض أخطائها ومناقشة ذلك فجزاهما الله خير الجزاء، كما أشكر فضيلة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن عبدالله بكير لتعاونه الكبير معي وإمدادي ببعض ما أحتاجه مما لديه من علم ومصادر ومعرفة بتاريخ حضرموت، وكذلك فضيلة الشيخ العلامة علي سالم سعيد بكيّر الذي أمدني بعدد من المصادر ما كنت لأحصل عليها إلا من طريقه، وكذلك أمدني بالكثير من الآراء والملاحظات القيمة.
ومثله القاضي العلامة إسماعيل بن علي الأكوع الذي رجعت إليه كثيراً فيما يتعلق بتاريخ اليمن وأعلامها، كما أشكر الأخ الأستاذ وليد بن عبدالرحمن الربيعي الذي حصلت بواسطته على مصورات لعدد من المراجع المخطوطة والمطبوعة النادرة.(1/17)
كما أشكر الولد البار والصهر الوفي حسين بن علي بن محفوظ الذي لازمني طوال عملي في الرسالة وقام بجهود مشكورة في الطباعة والمراجعة وغير ذلك، وكذا أشكر الأخ الكريم عبدالله بن علي بارجاش الذي تولى طباعة معظم الرسالة، فلهما خالص الشكر ومن الله جزيل الأجر.
وإن أنسَ فلن أنسى شكر شيخي الجليل وأستاذي الفاضل أبي عبدالله حسن باعمر العمودي الذي غرس في نفسي حب التوحيد والاتباع، وكرَّه إليّ الخرافة والابتداع، وأخذ بيدي منذ نعومة أظفاري إلى مجالس العلماء ويسر لي التعرف على المشايخ الفضلاء، ومازال يتعهدني ويتفقد أحوالي إلى اليوم، وما أحسب هذا العمل إلا ثمرة من ثمار غرسه المبارك،أسأل الله أن يجزيه خير ماجزى معلماً عن تلميذه.
كما أشكر الإخوة الكرام والأبناء الأعزاء الذين تفرغوا معي أياماً متوالية يواصلون الليل بالنهار بالتصحيح والمقابلة وإتمام الطباعة، برئاسة الشيخ الكريم أبي مروان صالح بن مبارك دعكيك، فجزاهم الله خيراً وكتب ذلك في ميزان حسناتهم، وأجرى عليهم من أجر هذه الرسالة إن قبلها وأثاب عليها.
ولا أنسى شكر رئاسة الجامعة الوطنية وعمادة الدراسات العليا بها، وكافة المنتسبين إليها على إتاحة الفرصة لي، وقبولي طالباً من طلاب الجامعة، وتقديم كافة التسهيلات، حتى يسر الله لي إتمام الرسالة ومناقشتها فجزاهم الله خيراً ووفقهم للمضي في خدمة الأمة..،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الباب التمهيدي
وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول
تعريف القبورية
وفيه مطلبان:
المطلب الأول:تعريف القبورية لغة:
القبورية لغة جمع قبوري وهو مصدر صناعي صيغ بإضافة اسم مجموع " قبور " إلى ياء النسبة المردوفة بالتاء.
وقد سَوَّغ نسبته للجمع - مع أن له واحداً مستعملاً من لفظه- أنه صار (جارياً مجرى العلم لاختصاصه بطائفة بأعيانهم كأنصاري نسبة إلى الأنصار،وأصولي نسبة إلى علم الأصول؛ لأنه غلب علىعِلْم خاص حتى صار كالعَلَم عليه)8.(1/18)
وبذلك يكون إطلاق هذا اللفظ على مقدِّسي القبور والغلاة فيها سائغاً؛لأنه قدصار كالعلم عليهم. وأصل القبورية مأخوذ من " القبر " وهو مدفن الإنسان إذا مات0وجمعها قبور0 والمقبرة: موضع القبور0وجمعها مقابر.وقبرت الميت قبراً إذا دفنته، وأقبرته " بالألف" أمرت أن يقبر أو جعلت له قبراً9.
المطلب الثاني:تعريف القبورية في الإصطلاح:
دأب العلماء - رحمهم الله تعالى - على إطلاق وصف " القبورية " على الغلاة في تعظيم القبور وتقديسها والاعتقاد فيها ما لا يجوز اعتقاده إلا في الله تعالى وقصدها بأنواع العبادات والقربات ودعاء أربابها من دون الله تعالى.
وسأنقل لك طائفة من عباراتهم في ذلك وأكتفي بجماعة من علماء اليمن: فمنهم العلامة البدر محمد بن إسماعيل الأمير -رحمه الله - 10حيث قال في كتابه الشهير "تطهير الإعتقاد عن أدران الإلحاد": (والنذر بالمال على الميت ونحوه، والنحر عل القبر،والتوسل به،وطلب الحاجات منه هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية،وإنما كانوا يفعلونه لما يسمونه وثناً وصنماً، وفعله القبوريون لما يسمونه ولياً وقبراً ومشهداً والأسماء لا أثر لها ولا تُغيّر المعاني).11
ومنهم العلامة حسين بن مهدي النعمي12- رحمه الله - في كتابه " معا رج الألباب في مناهج الحق والصواب " ذكره بلفظ القبوريين فقال:(والمشروع فيها - زيارة القبور - إنما هو تذكر الدار الآخرة والإحسان إلى الميت المزور بالدعاء والترحم، والاستغفار، وسؤال العافية. فقلب القبوريون الأمر وعكسوا وعاكسوا مقاصد الشرع، وجعلوا المقصود بالزيارة: الشرك بالميت،والدعاء به، وسؤاله الحوائج، واستنزال البركات، والنصر على الأعداء0 فأساءوا إلى أنفسهم وإلى الميت0)13 الخ.(1/19)
ومنهم شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني 14-رحمه الله- أطلق هذا اللفظ في "نيل الأوطار" حيث قال في كتاب الجنائز: (وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يُشك معه أن كثيراً من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهتْ عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجراً، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكَّأ،وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة)15الخ.
وقال في كتابه " الدر النضيد" وهو يتكلم عن حكم التصوير: (فانظر إلى ما في هذه الأحاديث من الوعيد الشديد للمصورين لكونهم فعلوا فعلاً يشبه فعل الخالق،وإن لم يكن ذلك مقصوداً لهم،وهؤلاء القبوريون قد جعلوا بعض خلق الله شريكاً له ومثلاً ونداً، فاستغاثوا به فيما لا يستغاث فيه إلا بالله، وطلبوا منه ما لا يطلب إلا من الله،مع القصد والإرادة)16.
ومنهم العلامة السلفي الشيخ محمد بن علي بافضل17 - رحمه الله - في كتابه "دعوة الخلف إلى طريقة السلف" فقد قال:(أما استغاثة القبوريين بمن يعتقدون صلاحه من الموتى فغير جائزة شرعاً وعقلاً، بل هو شرك ينبغي التنبيه عليه وإنكاره)18.
بعد هذه النقول التي مرَّت بنا يتضح لنا أن العلماء يطلقون لفظ القبوريين،ومثله القبورية على الغلاة في أرباب القبور الذين يعتقدون فيهم النفع والضر، ويطلبون منهم حاجاتهم،ويلوذون بهم عند خوفهم،ويقدِّمون لهم أنواعاً من العبادات والقرابين كالدعاء، والنذر،و الذبح، والحلف بهم.ويتلخص من ذلك أن القبورية عند العلماء هم:(طائفة غَلَت في أصحاب القبور واعتقدت فيهم عقائدَ ضالة حملَتها على تعظيم قبورهم وآثارهم والتقرّب إليها بأنواع من العبادات حتى صيَّرتها أنداداً لله تعالى).
المبحث الثاني
خطورة عقائد القبورية وعلاقتها بالشرك والوثنية
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: الشرك19 وخطورته:(1/20)
إن أعظم انحراف وقع في تاريخ البشرية هو الإشراكُ بالله،وعبادةُ غيره معه، ولذلك كانت أعظم غاية من إرسال الرسل هي إزالة الشرك،وإعادة الناس إلى التوحيد:قال تعالى:( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ( 20،وقال تعالى: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون (21، وقال الرسول (: ((بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقومٍ فهو منهم))22، فهذه النصوص صريحة في أن أعظم غاية من إرسال الرسل هي إزالة الشرك، وإعادة الناس إلى التوحيد وماذاك إلا لقبح الشرك، وعظيم خطره على العباد في دنياهم وآخرتهم.
وتظهر تلك الخطورة من أوجه عدّة:-
الوجه الأول - أنه سبب هلاك كثيرمن الأمم في الدنيا:كما قال تعالى: ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين (23، فقد ختمت الآية بقوله تعالى:( كان أكثرهم مشركين ( لبيان السبب الذي أورد تلك الأمم هذه العاقبة السيئة،وذلك السبب هو شركهم بالله تعالى تعالىقال ابن جرير24: ( كان أكثرهم مشركين( يقول: فعلنا ذلك أي الهلاك بهم لأن أكثرهم كانوا مشركين بالله مثلهم)25.
وقال ابن الجوزي 26: (( كان أكثرهم مشركين ( المعنى فأهلكوا بشركهم27).
الوجه الثاني- أنه السبب في تردِّي الإنسان من منزلة التكريم إلى منزلة الإهانة والتحقير، وإلى الاتصاف بأخبث الأوصاف؛وهو وصف النجس28: قال تعالى: ( ياأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجدَ الحرام بعد عامهم هذا وإن خِفتم عَيلة فسوف يغنيكمُ الله من فضله إن شاء إنَّ الله عليم حكيم(29.(1/21)
قال السيد رشيد رضا30 -رحمه الله- في تفسير هذه الآية:(أي ليس المشركون كما تعرفون من حالهم إلا أنجاساً فاسدي الاعتقاد، يشركون بالله ما لا ينفع ولا يضر؛فيعبدون الرجس من الأوثان والأصنام ويدينون بالخرافات والأوهام ولا يتنزهون عن النجاسات ولا الأوثان،ويأكلون الميتة والدم من الأقذار الحسية، ويستحلّون القمار والزنا من الأرجاس المعنوية،ويستبيحون الأشهر الحرم.
وقدتمكّنت صفات النجس منهم حساً ومعنىً،حتى كأنهم عينه وحقيقته؛فلا تمكنوهم بعد العام أن يقربوا المسجد الحرام) الخ 31 0
وقال سيد قطب32 - رحمه الله- في الظلال: (يجسِّم التعبير نجاسة أرواحهم فيجعلها ماهيتهم وكيانهم فهم بكيانهم وبحقيقتهم: نجس يستقذره الحس،ويتطهر منه المتطهرون 0وهو النجس المعنوي لا الحسي في الحقيقة فأجسامهم ليست نجسة لذاتها،إنما هي طريقة التعبير القرآنية بالتجسيم)33.
الوجه الثالث- أنه يحبط الأعمال: قال تعالى:( ذلك هُدى الله يهدي به من يشاءُ من عباده ولو أشركوا لحبِطَ عنهم ما كانوا يعملون (34، لقد جاءت هذه الآية في سياق ذكر الأنبياء والرسل الذين اجتباهم الله واصطفاهم،فبين أن تلك الهداية وذلك الاصطفاء إنما هو بتوفيق الله تعالى،ولو لم يصاحبهم ذلك التوفيق فوقعوا في الشرك لحبطت أعمالهم.
قال ابن كثير35 -رحمه الله-: ثم قال تعالى:( ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ( أي إنما حصل لهم ذلك بتوفيق الله، وهدايته لهم ( ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ( تشديد لأمر الشرك وتغليظ لشأنه وتعظيم لملابسته)36.
وقال تعالى مخاطباً نبيه محمداً(:( ولقد أُوحي اليك وإلى الذين من قبلك لئن اشركتَ ليحبطن عملك ولتكوننَّ من الخاسرين (37، قال الإمام الألوسي 38-رحمه الله-: (وأياً ما كان فهو كلام على سبيل الفرض؛ لتهييج المخاطب المعصوم، وإقناط الكفرة،والإيذان بغاية شناعة الإشراك وقبحه،وكونه ينهى عنه من لا يكاد يباشره فكيف بمن عداه) 39.(1/22)
الوجه الرابع - أنه يحول دون المغفرة: قال تعالى: ( إنَّ الله لا يغفرُ أن يُشركَ به ويغفرُ ما دون ذلك لمن يشاء(40.
قال سيدقطب- رحمه الله- في كلامه على هذه الآية: (إن الشرك انقطاع ما بين الله والعباد0 فلا يبقى لهم معه أمل في مغفرة. إذا خرجوا من هذه الدنيا وهم مشركون مقطوعو الصلة بالله رب العالمين. وما تشرك النفس بالله وتبقى على هذا الشرك حتى تخرج من الدنيا - وأمامها دلائل التوحيد في صفحة الكون وفي هداية الرسل- ما تفعل النفس هذا وفيها عنصر من عناصر الخير والصلاحية.إنما تفعله وقد فسدت فساداً لا رجعة فيه، وتَلِفَت فطرتها التي برأها الله عليها، وارتدّت أسفل سافلين وتهيأت بذاتها لحياة الجحيم!)41.
الوجه الخامس- أنه يحرم العبد من الاستفادة من شفاعة الشافعين42 يوم القيامة؛ الشفاعة الموجبة للجنة والمنجية من النار: ففي البخاري من حديث أبي هريرة ( أنه قال: قلت يارسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟قال: ((لقد ظننت ياأبا هريرة ألايسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لاإله الا الله خالصاً من قبل نفسه))43 قال الحافظ44: (قوله: ((من قال لا إله الا الله)) احتراز من الشرك)45 قال ملّا علي القاري46 في مرقاة المفاتيح: (أي لا يشوبه شك ولا شرك ولا يخلطه نفاق وسمعة ورياء... وقيل: أسعد هنا بمعنى أصل الفعل وقيل بل على بابه وأن كل أحد يحصل له سعادة شفاعته لكن المؤمن المخلص أكثر سعادة فإنه ( يشفع في إراحة الخلق من هول الموقف،ويشفع في بعض الكفار كأبي طالب في تخفيف عذاب النار) انتهى محل الغرض منه.47 وهو يفيد ما عنونّا له من أن المشرك محروم من الشفاعة المنجية من النار والموجبة للجنة.(1/23)
الوجه السادس- أنه أعظم الموانع من دخول الجنة وأعظم أسباب الخلود في النار: قال تعالى: ( لقد كفر الذين قالوا إنَّ الله هو المسيحُ ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربَّكم إنه من يُشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ( 48
قال السيد رشيد رضا -رحمه الله-: (أمرهم عليه السلام بالتوحيد الخالص،وقفّى عليه بالتحذير من الشرك،والوعيد عليه ببيان أن الحال والشأن الثابت عند الله تعالى هو أن كل من يشرك بالله شيئاً مامن ملَكٍ أو بشرٍ أو كوكب أو حجر أوغير ذلك بأن يجعله نداً له أو متّحِداً به، أو يدعوه لجلب نفع أو دفع ضر،أو يزعم أنه يقرِّبه إلى الله زلفى فيتخذه شفيعاً زاعماً أنه يؤثر في إرادة الله تعالى أو علمه فيحمله على شئ غير ما سبق به علمه وخصصته إرادته في الأزل - من يشرك هذا الشرك ونحوه- فإن الله يحرِّم عليه الجنة في الآخرة بل هو قد حرَّمها عليه في سابق علمه وبمقتضى دينه الذي أوحاه إلى جميع رسله،فلا يكون له مأوى ولا ملجأ يأوي إليه إلا النار دار العذاب والهوان،وما لهؤلاء الظالمين لأنفسهم بالشرك من نصير ينصرهم ولا شفيع ينقذهم ( من ذا الذي يشفع عنده الا بإذنه( 49 ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون (50 فالنافع رضاه: ( ولا يرضى لعباده الكفر ( 51وشرأنواعه الشرك) 52انتهى المقصود منه.
المطلب الثاني: الوثنية هي الوعاء الذي يحوي الشرك:(1/24)
إذا عرفت الشرك وخطورته في الدنيا والآخرة، فاعلم أن الوثنية هي الوعاء الذي يحوي الشرك، والجسم الذي يتجسَّد ويسري فيه ذلك الروح الخبيث - الشرك - فالأصنام والأوثان والهياكل ما هي إلا مظاهر يتجسد فيها الشرك الذي يتعلق في الحقيقة بمخلوقات أخرى اعتقدها المشركون، وتعلقت بها قلوبهم ومنحوها صفات الآلهة. يقول الفخر الرازي 53 -رحمه الله تعالى- في تفسيره عند قوله تعالى في سورة يونس: ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرُّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لايعلمُ في السماوات ولا في الأرضِ سبحانه وتعالى عما يُشركون ( 54:(... " وأما النوع الثاني " ما حكاه الله تعالى عنهم في هذه الآية، وهو قولهم: ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ( فاعلم أن من الناس من قال: إن أولئك الكفار توهموا أن عبادة الأصنام أشد في تعظيم الله من عبادة الله سبحانه وتعالى. فقالوا:ليست لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله تعالى بل نحن نشتغل بعبادة هذه الأصنام، وأنها تكون شفعاء لنا عند الله. ثم اختلفوا في أنهم كيف قالوا في الأصنام أنها شفعاؤنا عند الله؟ وذكروا فيه أقوالاً كثيرة: فأحدها- أنهم اعتقدوا أن المتولي لكل إقليم من أقاليم العالم روح معين من أوراح عالم الأفلاك؛ فعيّنوا لذلك الروح صنماً معيناً واشتغلوا بعبادة ذلك الصنم، ومقصودهم عبادة ذلك الروح، ثم اعتقدوا أن ذلك الروح يكون عبداً للإله الأعظم ومشتغلاً بعبوديته.
وثانيها- أنهم كانوايعبدون الكواكب وزعموا أن الكواكب هي التي لها أهلية عبودية الله تعالى، ثم لما رأوا أن الكواكب تطلع وتغرب وضعوا لها أصناماً معينة واشتغلوا بعبادتها،ومقصودهم توجيه العبادة إلى الكواكب.
وثالثها - أنهم وضعوا طلسمات معينة على تلك الأصنام والأوثان، ثم تقرَّبوا إليها كما يفعله أصحاب الطلسمات.(1/25)
ورابعها - أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل، فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى، ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر،على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله.
وخامسها - أنهم اعتقدوا أن الإله نور عظيم وأن الملائكة أنوار فوضعوا على صورة الإله الأكبر الصنم الأكبر، وعلى صورة الملائكة صوراً أخرى.
وسادسها- لعل القوم حلولية، وجوزوا حلول الإله في بعض الأجسام العالية الشريفة)55.
وما ذكره الرازي أمر منطقي إذ لا يُعقَل أن الإنسان بسمعه وبصره وعقله، ينحتُ صنماً أو يصنع وثناً بيده - وهو يعلم مادته ومن أين أُخذ- ثم يزعم أن هذا الصنم أو الوثن هو الذي يخلق ويرزق، وهو الذي ينفع ويضر، هذا لا يكون أبداً. فلم يبقَ إلا ما ذكره الرازي من أنهم يرون أن هذه التماثيل والأصنام هي رموز لمخلوقات معظَّمة تستحق العبادة لقربها من الله، ومنزلتها عنده كما يفعل القبورية بقبور معظميهم.وبهذا تعلم أن هذه الظاهرة إنما هي جسد يحتضن الشرك الذي هو لها بمنزلة الروح.
المطلب الثالث: الغلو في الصالحين هو أصل الوثنية:(1/26)
إذا كان منهج القبورية هو الغلو في أرباب القبور الذين يُظن أنهم أولياء لله ومقربون لديه، فإن ذلك المنهج هو نفسه أصل الوثنية وعبادة الأصنام كما جاء في البخاري في كتاب (التفسير) عند قوله تعالى: ( وقالوا لا تذرُن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً ( 56قال ابن عباس رضي الله عنهما: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان الى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك ونُسي العلم عُبدت)57. إذاً أصنام قوم نوح كانت رموزاً لرجال صالحين حمل الغلو أتباعهم على تقديسهم وتعظيمهم وتطور الأمر حتى عبدوهم.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح:(وقصة الصالحين كانت مبدأ عبادة قوم نوح هذه الأصنام ثم تبعهم من بعدهم على ذلك)58.
المطلب الرابع:كثرة النصوص الناهية عن تعظيم القبور والعلة في ذلك:
ولمّا كان أصل الشرك والوثنية هو الغلو في أصحاب القبور؛ تواترت الأحاديث تواتراً معنوياً بالنهي عن تعظيم القبور بأي نوع من أنواع التعظيم، وفَهِمَ الصحابةُ والتابعون لهم بإحسان العلة من تلك النصوص، وأشاعوا ذلك الفهم وعملوا بمقتضاه، وتبعهم على ذلك سائر علماء أهل السنة من المتقدمين والمتأخرين، وإليك طائفة من تلك النصوص التي وردت بأساليب متنوعة:(1/27)
الأسلوب الأول- في النهي عن زيارة القبور في أوّل الإسلام وما فهمه العلماء من ذلك: فعن بريدة بن الحصيب ( قال: قال رسول الله (: ((نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) 59. قال العلامة المناوي60 -رحمه الله- في "فيض القدير شرح الجامع الصغير": (00((كنت نهيتكم عن زيارة القبور)) لحدثان عهدكم بالكفر. وأما الآن حيث انمحت آثار الجاهلية واستحكم الإسلام وصرتم أهل يقين وتقوى ((فزوروا القبور)) أي بشرط أن لا يقترن بذلك تمسح بالقبر،أو تقبيل، أوسجود عليه، أو نحو ذلك. فإنه كما قال السبكي61: " بدعة منكرة إنما يفعلها الجهال "...)62.
وقال الشيخ أحمد الرومي الحنفي63 في كتابه "مجالس الأبرار ومسالك الأخيار " في شرح هذا الحديث: (هذا الحديث من صحاح المصابيح رواه بريدة، فيه تصريح بوقوع النهي في أوائل الإسلام عن زيارة القبور لكونها مبدأ عبادة الأصنام) ثم ذكر قصة عبادة الأصنام في قوم نوح، ثم قال: (فلما كان منشأ عبادة الأصنام من جهة القبور؛نهى ( أصحابه في أوائل الإسلام عن زيارة القبور سداً لذريعة الشرك، لكونهم حديثي عهد بكفر، ثم لما تمكن التوحيد في قلوبهم أذن لهم في زيارتها)64.
وقال الشيخ علي محفوظ65 في كتابه (الإبداع في مضار الابتداع): (وسر النهي أولاً عن زيارتها؛ أنه لما كان منشأ عبادة الأصنام من جهة القبور في قوم نوح، نهى النبي ( أصحابه في صدر الإسلام عن زيارتها سداً للذريعة، لكونهم حديثي عهد بكفر، ثم لما تمكن التوحيد في قلوبهم؛ أذن لهم في زيارتها وعلمهم كيفيتها0 تارة بفعله،وتارة بقوله، كما مرّ في الأحاديث أول الفصل)66.
الأسلوب الثاني - النهي عن اتخاذ قبره عيداً وما فهمه العلماء من ذلك:
عن أبي هريرة ( قال: قال رسول الله (: ((لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم))67.(1/28)
قال المناوي -رحمه الله-: (معناه النهي عن الاجتماع لزيارته اجتماعهم للعيد، إما لرفع المشقة أو كراهة أن يتجاوزوا حدّ التعظيم، وقيل العيد ما يعاد إليه أي لا تجعلوا قبري عيداً تعودون إليه متى أردتم أن تصلّوا عليّ،فظاهره نهي عن المعاودة،والمراد المنع عما يوجبه وهو ظنهم بأن دعاء الغائب لا يصل إليه، ويؤيده: ((وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)) أي " لا تتكلفوا المعاودة إلي فقد استغنيتم بالصلاة علي ".-قال-: ويؤخذ منه أن اجتماع العامة في بعض أضرحة الأولياء، في يوم أو شهر مخصوص من السَّنة، ويقولون هذا يوم مولد الشيخ ويأكلون ويشربون وربما يرقصون فيه، منهي عنه شرعاً وعلى ولي الشرع ردعهم على ذلك وإنكاره عليهم وإبطاله) 68 انتهى.
وقال شمس الحق العظيم أبادي 69 -رحمه الله- في شرح هذا الحديث: (وأما الآن فإن الناس في المسجد الشريف إذا سلم الإمام عن الصلاة قاموا في مصلاهم مستقبلين القبرالشريف كالراكعين له70 ومنهم من يلتصق بالسرادق 71ويطوف حوله وكل ذلك حرام باتفاق أهل العلم وفيه ما يجر الفاعل إلى الشرك) موضع الشاهد قوله: (وفيه ما يجر الفاعل إلى الشرك)72.
وقال الطيبي73 -رحمه الله - في شرح نفس الحديث:(نهاهم عن الاجتماع لها اجتماعهم للعيد نزهة وزينة،وكانت اليهود والنصارى تفعل ذلك بقبور أنبيائهم فأورثهم الغفلة والقسوة، ومن عادة عَبَدة الأوثان أنهم لا يزالون يعظِّمون أمواتهم حتى اتخذوهم أصناماً،وإلى هذا الإشارة بقوله: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد))74 فيكون المقصود من النهي كراهته أن يتجاوزوا في قبره غاية التجاوز ولهذا ورد: ((اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))75...)76 انتهى موضع الشاهد.(1/29)
الأسلوب الثالث - نهيه عن الصلاة على القبور وإليها:عن أبي سعيد الخدري ( أن رسول الله (: ((نهى أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها))77، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما- أن رسول ( قال: ((لا تصلّوا إلى قبر ولا تصلوا على قبر))78، وعن أبي مرثد الغنوي ( عن رسول الله ( أنه قال: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها))79.
قال الإمام الشافعي -رحمه 0الله تعالى- في كتابه "الأم" في كتاب الصلاة: (وأكره أن يُبنى على القبر مسجد وأن يسوَّى أو يصلى عليه وهو غير مسوَّى أو يصلى إليه. قال وإن صلى إليه أجزأه وقد أساء، أخبرنا مالك أن رسول الله ( قال: ((قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقى دينان بأرض العرب)). - قال -: وأكره هذا لِلسنّة والآثار وأنه كره - والله أعلم - أن يعظَّم أحد من المسلمين يعني يتخذ قبره مسجداً، ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بعده)80. تأمل قول الشافعي- رحمه الله-: (ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بعده)، إذن ليست العلة أن في ذلك تضييقاً على المسلمين في مقابرهم، وإن كان ذلك لازم من اتخاذ مقابر المسلمين العامة مساجد على بعض القبور، وليست العلة الخوف من تنجس الأرض لأن الحكم عام في القبر الذي ابتدِئ حفره كما هو في القبر المنبوش؛ وإنما العلة عند الشافعي-رحمه الله- خشية الفتنة والضلال على من يأتي بعده،وأي فتنة أو ضلال أعظم من أن يعَظَّم المخلوق حتى يُصرَف لقبره من العبادة والتقديس ما لا يليق إلا بالله عز وجل؟!.(1/30)
وقال القرطبي 81 -رحمه الله- في تفسيره في تفسير سورة الكهف- بعد أن ساق كثيراً من الأحاديث التي فيها النهي عن البناء على القبور وتعظيمها-: (وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله ( يقول: ((لا تصلوا الى القبور ولا تجلسوا عليها)) لفظ مسلم. أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى؛ فيؤدِّي الى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام، فحذر النبي ( عن مثل ذلك وسد الذرائع المؤدية الى ذلك) 820
الأسلوب الرابع - دعاؤه ( ربه أن لا يجعل قبره وثناً يعبد، مع إخباره بشدة غضب الله على متخذي قبور أنبيائهم مساجد، مما يؤكد العلاقة بين القبورية "اتخاذ القبور مساجد " والوثنية " صيرورة تلك القبور المعظمة أوثاناً تعبد من دون الله ":ما جاء عن أبي هريرة ( أن رسول الله ( قال: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد اشتدَّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) 83.
قال الحافظ ابن عبد البر84 في (التمهيد) في شرح هذا الحديث: (الوثن: الصنم 0وهو الصورة من ذهب كان، أومن فضة، أوغيرذلك من التمثال.وكل مايعبد من دون الله فهو وثن صنماً كان، أو غيرصنم. وكانت العرب تصلي إلى الأصنام وتعبدها فخشي رسول الله ( على أمته أن تصنع كما صنع بعض من مضى من الأمم، كانوا إذا مات لهم نبي عكفوا حول قبره كما يصنع بالصنم فقال (:((اللهم لا تجعل قبري وثناً)) يصلى إليه،ويسجد نحوه، ويعبد، فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك. وكان رسول الله ( يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبله الذين صلّوا الى قبور أنبيائهم، واتخذوها قبلة ومسجداً،كماصنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون لها ويعظمونها، وذلك الشرك الأكبر.
فكان النبي ( يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه وأنه مما لا يرضاه خشيةً عليهم امتثال طرقهم)85 0(1/31)
وقد عنون العلامة ابن حجر المكي الهيتمي 86 -رحمه الله -في كتابه (الزواجر) عنواناً قال فيه: (الكبيرة الثالثة،والرابعة، والخامسة،والسادسة، والسابعة،والثامنة والتسعون: اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، واتخاذها أوثاناً، والطواف بها، واستلامها، والصلاة إليها). ثم ساق جملة من الأحاديث الدالة على ما عنون له، ثم قال(" تنبيه " عَدُّ هذه الستة من الكبائر وقع في كلام بعض الشافعية وكأنه أخذه مما ذكرته من هذه الأحاديث)، ثم ذكر وجه الدلالة على تلك الكبائر، إلى أن قال وهو موضع الشاهد:(وأما اتخاذها أوثاناً فجاء النهي عنه بقوله (: " لا تتخذوا قبري وثناً يعبد بعدي " 87، أي لا تعظِّموه تعظيم غيركم لأوثانهم بالسجود له، أو نحوه،فإن أراد ذلك الإمام بقوله:(واتخاذها أوثاناً) هذا المعنى اتجه ما قاله من أن ذلك كبيرة بل كفر بشرطه، وإن أراد أن مطلق التعظيم الذي لم يؤذن فيه كبيرة ففيه بُعد، نعم قال بعض الحنابلة: قصدُ الرجل الصلاة عند القبر متبركاً به عين المحادة لله ورسوله وابتداع دين لم يأذن به الله للنهي عنها ثم إجماعاً) 88 الخ.
وقال الملّا علي القاري -رحمه الله- في "مرقاة المفاتيح ": (أي لا تجعل قبري مثل الوثن في تعظيم الناس،وعودهم للزيارة بعد بدئهم،واستقبالهم نحوه في السجود، كما نسمع ونشاهد الآن في بعض المزارات والمشاهد ((اشتد)) استئناف كأنه قيل: لِمَ تدعو بهذا الدعاء؟ فأجاب بقوله اشتد ((غضب الله)): ترحماً على أمته وتعطفاً لهم، قاله الطيبي، وتبعه ابن حجر، والأظهر أنه إخبار عما وقع في الأمم السابقة؛ تحذيراً للأمة المرحومة من أن يفعلوا فعلهم،فيشتد غضبه عليهم)89 انتهى محل الغرض منه.
فهذه نصوص أرباب المذاهب الأربعة: المالكية،والشافعية،والحنابلة،والأحناف، متفقة على أن الغلو في القبور وتعظيمها بالصلاة لها أو إليها يجعلها أوثاناً تعبد من دون الله.(1/32)
الأسلوب الخامس: لعنهُ ( لليهود والنصارى وإخباره بلعن الله لهم كونهم اتخذوا قبور انبيائهم مساجد يحذر أمته مما صنعوا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ( في مرضه الذي لم يقم منه:((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) قالت: فلولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً))90.
وعنها رضي الله عنها قالت: لما كان مرض رسول الله ( تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها مارية وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة، فذكرتا من حسنها وتصاويرها، قالت: فرفع النبي ( رأسه فقال:((أولئكِ إذاكان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوَّروا فيه تلك الصور، أولئكِ شرار الخلق عند الله يوم القيامة))91.
وعن ابن عباس وعائشة ( أن رسول الله ( لما حضرته الوفاة جعل يلقي علىوجهه طرف خميصة92 له فإذا اغتم بهاكشفهاعن وجهه وهو يقول:((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) تقول عائشة رضي الله عنها: (يحذّر ما صنعوا)93.
هذه الأحاديث الثلاثة يشدد فيها النبي ( النكير،ويؤكده بلعن الفاعلين لذلك، وأنهم شرار الخلق عند الله تعالى، وذلك لقبح ذلك الفعل وعظيم أثره في الانحراف عن العقيدة الصحيحة،وفتح الباب للشرك والوثنية وقد بيَّنت عائشة رضي الله عنها أن الصحابة فهموا ما قصده النبي ( وعناه، ومن أجل ذلك لم يبرزوا قبره خشية أن يتخذ مسجداً،وأنه إنما قال ذلك محذراً لأمته أن تصنع كما صنع أولئك.(1/33)
قلت:وبالفعل عمل الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائرُ العلماء في العصور المختلفة علىستر قبره وحجبه عن الناس،وبالغوا في ذلك غاية المبالغة كماسيأتي في كلام النووي 94 والسمهودي 95-رحمهما الله-،وإليك كلام بعض العلماء على هذه الأحاديث وإشارتهم وتصريحهم بأن هذه النصوص تمنع من تعظيم القبور حتى لا تعبد من دون الله،ويفتتن بها الناس، وتؤدي إلى ما أدى إليه غلوّ الأولين في قبور معظميهم، حيث صارت أوثاناً تعبد من دون الله.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في كلامه على حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما: (وكأنه علم أنه مرتحل فخاف أن يعظَّم قبره كما فعل من مضى فلعنَ اليهود والنصارى إشارة الى ذم من فعل فعلهم) 96.
ويناسب هذا المقام ما ذكره الإمامان النووي وابن حجر في شرحهما على الصحيحين في الكلام على قصة موت موسى (، وسؤال ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة.
قال النووي -رحمه الله -: (قال بعض العلماء: وإنما سأل الإدناء ولم يسأل نفس بيت المقدس لأنه خاف أن يكون قبره مشهوراً عندهم فيفتتن به الناس) 97.
وقال ابن حجر:(لكن حكى ابن بطال عن غيره أن الحكمة في أنه لم يطلب دخولها ليُعمِّي موضع قبره لئلا يعبده الجهال من أمته) 98.
من هذه النقول الثلاثة يتبين ما فهمه العلماء من أحاديث النهي عن اتخاذ المساجد على القبور؛ وهو خشية التعظيم المفضي إلىعبادتها كما حصل للأمم السابقة بغلوها في أنبيائها وصالحيها إلى أن عبدتهم من دون الله،وتحولت القبورية إلى وثنية وشرك، أجار الله أمة محمد ( من ذلك.
وقال العلامة ابن دقيق العيد 99 -رحمه الله تعالى- في شرح عمدة الأحكام في حديث عائشة الثاني:(وقوله (: ((بنوا على قبره مسجداً)) إشارة الى المنع من ذلك وقد صرح به الحديث الآخر: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد))100.(1/34)
وقد علّق الصنعاني -رحمه الله- على كلامه هذا فقال: (قوله: ((إشارة الى المنع من ذلك)). أقول: من حيث إنه جعل شرار خلق الله هم المصورون، ومعلوم أن من فعل شيئاً يكون به من شرار خلق الله أنه فعل محرماً وقد صرح به في حديث آخر،يريد الحديث الذي أخرجه الشيخان بلفظ:((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) زاد مسلم: ((والنصارى)) وحديث عائشة بلفظ: ((الرجل الصالح)) أعم من قبور الأنبياء.والكل محرم فإنه ذريعة إلى تعظيم الميت، والطواف بقبره،والتماس أركانه،والنداء باسمه، وبالجملة أنه يصير صنماً يعبد) انتهى محل الغرض منه.ولايزال بعده كلام قوي متين في النعي على القبوريين فلينظرهناك 1010
ومما يناسب هذا المقام ما قرره العلامة الشيخ محمد بن سالم البيحاني 102 -رحمه الله- في كتابه (إصلاح المجتمع) إذ قال وهو يتحدث عن الشرك:(ومن الشرك تعظيم القبور الذي فتن به المسلمون في مختلف الجهات، حتى بنوا عليها القباب، واتخذوا لها الأقفاص والتوابيت،وطافوا بها وحجوا إليها،ونذروا لأصحابها بجزء معلوم من أولادهم وأقاموا لها الحفلات والمواسم، وجاءوا إليها متوسلين ومستغيثين. وهذا يطلب منهم الولد،وثانٍ يطلب منهم شفاء المريض، وثالث يريد منهم النصرة على الأعداء، وأن ينصفوا له من فلان الظالم،ونسبوا إليهم من الكرامات ما لا يصح أن يكون معجزة لنبي مرسل، وكتبوا عنهم الشطح، والكلام الذي لا يصدر إلا من ملحد في دين الله، أو مدّع أنه شريك لله) الخ كلامه رحمه الله 103 0(1/35)
الأسلوب السادس - النهي المباشر للأمة عن البناء على القبور، وتعظيمها بأي نوع من أنواع التعظيم، وإخباره ( أنه لا يفعل ذلك إلا شرار الخلق عند الله تعالى:فعن جندب بن عبدالله ( قال: سمعت رسول الله ( قبل أن يموت بخمس يقول: ((إني أبرأُ إلى الله أن يكون لي منكم خليل...)) إلى أن قال: ((ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إنى أنهاكم عن ذلك))104.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهماقال: ((نهى رسول الله ( أن يجصص القبر وأن يقعد عليه ويبنى عليه))105.ولفظ أبي داود: ((نهى أن يقعد على القبر ويبنى عليه)106.
وعن ابن مسعود ( قال: سمعت رسول الله ( يقول:((إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد)) 107.ففي هذه الأحاديث التي مرت النهي الصريح عن أي نوع من أنواع التعظيم للقبور ومن ذلك: النهي عن اتخاذها مساجد، والنهي عن مجرد البناء عليها، وعن تجصيصها، والكتابة عليها. وقد توجه النهي أول ما توجه إلى قبور الأنبياء والصالحين0 لماذا؟ لأنها هي التي يخشى الغلو في أربابها عكس قبور سائر الناس، والفتنة بها أعظم من غيرها. وهذا هو الواقع المشاهد فإنه ما من مشهد إلا ويزعم أنه بني على ولي صالح، ذي مناقب وكرامات عظيمة يرجى نفعه ويخاف انتقامه، أو يزعم أنه على نبي من أنبياء الله كما ظهر ذلك تخميناً في أماكن كثيرة من بلاد الله،ولكثيرٍ من الأنبياء، مع تصريح العلماء أنه لا يُعلم على التحقيق واليقين إلاّ قبر نبينا محمد (، وزاد بعضهم قبر الخليل ( في الموضع المشهور باسمه في فلسطين 108.(1/36)
ثم لاحِظْ كيف قرَنَ النبي ( من يتخذ المساجد على القبور بمن تقوم عليهم الساعة وقد صرَّح عليه الصلاة والسلام في أحاديث صحيحة أن أولئك الذين تقوم عليهم الساعة لا يؤمنون بالله ولا يعرفونه كما جاء في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك ( أن رسول الله ( قال: ((لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله)) 109، فالذين تقوم عليهم الساعة لم يستحقوا أن يكونوا شرار الخلق إلا بالكفر التام والخلو التام من الإيمان، إذاً فمقارنتهم بالذين يتخذون القبور مساجد يدل على خطورة النهاية التى تصل إليها القبورية بأصحابها.
وهذا يظهر من تعليق العلماء على تلك الأحاديث: يقول الإمام النووي - رحمه الله - في شرح حديث جندب (:(قال العلماء: إنما نهى النبي ( عن اتخاذ قبره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه، والافتتان به،فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثيرمن الأمم الخالية، ولما احتاجت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله ( حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها،مدفن رسول الله (وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد؛ فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لايتمكن أحد من استقبال القبر، ولهذا قال في الحديث: ((ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً))والله أعلم بالصواب) 110.(1/37)
وقال العلامة صديق حسن خان111 في كتابه "السراج الوهاج في كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج " في شرحه لحديث جابر (: ((وأن يبنى عليه)) قال النووي: فيه كراهة البناء عليه، قال: أما البناء عليه، فإن كان في ملك الباني فمكروه. وإن كان في مقبرة (مسبلة) فحرام نص عليه الشافعي والأصحاب، قال في (الأم): ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى، ويؤيد الهدم قوله: ((ولا قبراً مشرفاً إلا سويته)) انتهى.
وأقول: فإن البناء على القبر حرام لا مكروه في أي مكان ولأجل أي قبرٍكان،وهذا بالأدلة الثابتة الصحيحة في الصحيح وغيره، من طرق تُوجِب العلم اليقين:
(فمنها): الأمر بالتسوية كما تقدم.
(ومنها): النهي عن البناء كما مر هنا.
(ومنها): النهي عن اتخاذ القبور مساجد، ولعنُ فاعلِ ذلك وغير ذلك مما هو مبين في كتب السنة.
وبالجملة فما هذه أول شريعة صحيحة محكمة،وسنة قائمة صريحة تركها الناس واستبدلوا بها غيرها0
وقد صارت هذه البدعة وسيلة لضلال كثير من الناس، "ولا سيما العوام" فإنهم إذا رأوا القبر عليه الأبنية الرفيعة، والستور العالية،وانضم إلى ذلك إيقاد السرج عليه، سبب عن ذلك الاعتقاد في ذلك الميت ولا يزال الشيطان الرجيم وإبليس اللعين يرفعه من رتبة إلى رتبة حتى ينادى مع الله،ويطلب منه ما لا يطلب إلا من الله (ولا يقدر عليه سواه فيقع في الشرك 00هذا أمر العوام.
وأما الخواص فلهم عرس 112 الموتى على قبورهم وطوافها، والمراقبة عندها وانتظار وصول الفيض من أصحابها، والاستمداد بهم في الفرج بعد الشدة وإيجاب النذور لهم ووضع الأموال في المقابر إلى غير ذلك من الكبائر، والإشراك، والبدع،وكل ذلك ضلالة على ضلالة وظلمة فوق ظلمة ( وسيعلمُ الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (113.
وأما تخصيص قبور الفضلاء بهذه الداهية الدهياء، والمعصية الصماء، والفاقرة العظمى فلا وجه له) الخ 114(1/38)
وقال القرطبي -رحمه الله تعالى- في تفسيره "تفسير سورة الكهف ":(وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيماً وتعظيماً فذلك يُهدم ويزال، فإن فيه استعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، وتشبهاً بمن كان يعظم القبور ويعبدها وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي ينبغي أن يقال هو حرام)115.
وكان -رحمه الله تعالى- قد صرح في تفسير سورة البقرة عند قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم (116.وهو يتكلم عن سد الذرائع بأن ما ورد من الأحاديث في النهي عن البناء على القبور وتجصيصها...الخ. إنما هو لسد الذريعة المؤدية الى ما وصلت إليه الأمم السابقة من التدرج في عبادتها من دون الله وهذا نص كلامه -رحمه الله-:(قال علماؤنا: ففعَلَ ذلك أوائلهم ليأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ويعبدون الله عز وجل عند قبورهم، فمضت لهم بذلك أزمان، ثم إنهم خلف من بعدهم خلوف جهلوا أغراضهم، ووسوس لهم الشيطان:أن آباءكم وأجدادكم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوها فحذر النبي ( عن مثل ذلك وشدّد النكير والوعيد على من فعل ذلك وسدَّ الذرائع المؤدية الى ذلك فقال:((اشتدَّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد)) وقال: ((اللهم لا تجعلْ قبري وثناً يعبد))117.
هذه أقوال أهل العلم على هذه الأحاديث ونحوها، وكلها تؤكد أن المقصد من ذلك النهي والتشديد هو سدّ ذرائع الشرك،وألا يصل الحال بهذه الأمة كما وصل بالأمم السابقة حتى حلّت بها الوثنية والشرك وذلك يؤكّد ما عَنْوَنَّا له أول الفصل ولله الحمد.(1/39)
الأسلوب السابع - الأمر بتسوية القبور المشرفة مع قرن ذلك بطمس التماثيل: فعن ثمامة بن شُفي -رحمه الله - قال: (كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس 118 فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوى ثم قال:سمعت رسول الله ( يأمر بتسويتها)119.وعن أبي الهيَّاج الأسدي-رحمه الله- قال: قال لي علي بن أبي طالب:(ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ( ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته)120. وهكذا فهم الصحابة رضوان الله عليهم الأمر، فسوّوا القبور المشرفة، وأمروا بذلك وصار هذا شعارهم وديدنهم.
فهذا فضالة بن عبيد ( يطبِّق ما سمع ويأمر بتسوية القبر؛ امتثالاً لأمر رسول الله ( بتسويتها، وهذا علي ( يبعث رئيس شرطته أبالهياج الأسدي121 لطمس القبوركما بعثه رسول الله ( أي أنه يطبِّق ماعرفه وفهمه من أمر رسول الله ( بذلك، وهذا عثمان ( يأمر بتسوية القبور كذلك. قال عبدالله بن شرحبيل بن حسنة -رحمه الله-: (رأيت عثمان ( يأمر بتسوية القبور فقيل له هذا قبر أم عمرو بنت عثمان! فأمر به فسوِّي)122 وعن عمرو بن شرحبيل قال: (لا ترفعوا جدثي - يعني القبر - فإني رأيت المهاجرين يكرهون ذلك)123،وسيأتي مزيد بيان لهذا في الباب الأول إن شاء الله 124.
وأما العلماء ممن جاء بعد الصحابة والتابعين وإلى عصرنا الحاضر، فستأتي نماذج من كلامهم الدال على أنهم فهموا ذلك المعنى، وعملوا بمقتضاه، وصرحوا بأنه من باب سد الذريعة المفضية إلى الوثنية والشرك بالله تعالى.
قال الإمام الشافعي-رحمه الله-: (ولم أرَ قبور المهاجرين والأنصار مجصصة قال الراوي عن طاووس: أن رسول الله ( نهى أن تبنى القبور أو تجصص (قال الشافعي) وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يبنى فيها فلم أرَ الفقهاء يعيبون ذلك)125.(1/40)
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الكبرى " في جواب سؤال يتعلق بهذا الموضوع: (المنقول المعتمد كما جزم به النووي في شرح المهذب حرمة البناء في المقبرة المسبلة،فإن بُني فيها هُدم ولا فرق في ذلك بين قبور الصالحين والعلماء وغيرهم، وما في الخادم مما يخالف ذلك ضعيف لايلتفت إليه، وكم أنكر العلماء على باني قبة الإمام الشافعي- رحمه الله - وغيرها، وكفى بتصريحهم في كتبهم إنكاراً) انتهى محل الغرض منه 126.
وقال في جواب سؤال آخر: (يحرم بناء القبر في المقبرة المسبلة؛وهي التي اعتاد أهل البلد الدفن فيها، ومثلها الموقوفة لذلك،سواء كان مدماكاً أم مدماكين لأن الكل يسمى بناء ولوجود علة تحريم البناء في ذلك وهي تحجير الأرض على من يدفن بعد بلاء الميت،إذ الغالب أن البناء يمكث إلى ما بعد البلى، وأن الناس يهابون فتح القبر المبني، فكان في البناء تضييق للمقبرة ومنع الناس من الانتفاع بها فحرم، ووجب على ولاة الأمر هدم الأبنية التي في المقابر المسبلة،ولقد أفتى جماعة من عظماء الشافعية بهدم قبة الإمام الشافعي -رحمه الله-وإن صُرفت عليها ألوف من الدنانير لكونها المقبرة المسبلة وهذا - أعني البناء في المقابر المسبلة - مما عمّ وطم،ولم يتوقِّه كبير ولا صغير فإنا لله وإنا اليه راجعون) 127.(1/41)
وقال شيخ الإسلام الشوكاني -رحمه الله- في النيل في شرح حديث علي (: (قوله:" ولا قبراً مشرفاً إلا سويته " فيه أن السنة أن القبر لا يرفع رفعاً كثيراً من غير فرق بين من كان فاضلاً ومن كان غير فاضل، والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرّم، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك، والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير - كماقال الإمام يحيى 128 والمهدي129 في الغيث - لا يصح لأنه غاية ما فيه أنهم سكتوا عن ذلك والسكوت لا يكون دليلاً إذا كان في الأمور الظنية، وتحريم رفع القبور ظني،ومِن رفعِ القبور الداخل تحت الحديث دخولاً أولياً القبب والمشاهد المعمورة على القبور، وأيضاً هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن النبي (فاعل ذلك كما سيأتي0 وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام، منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضر، فجعلوها مقصداً لطلب قضاء الحوائج وملجأً لنجاح المطالب وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدّوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا.(1/42)
وبالجملة إنهم لم يدَعوا شيئاً مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه - فإنا لله وإنا إليه راجعون - ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا تجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالماً ولا متعلماً ولا أميراً ولا وزيراً ولا ملكاً، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيراً من هؤلاء القبوريين 130 أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجراً، فإن قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه- تعالى- ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة، فيا علماء الدين، ويا ملوك المسلمين،أي رزء للإسلام أشد من الكفر، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله؟ وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجباً:
لقد أسمعت لوناديت حياً …ولكن لاحياة لمن تنادي
ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رمادِ 131(1/43)
وقال صديق حسن خان: (أقول: الأحاديث الصحيحة وردت بالنهي عن رفع القبور، وقد ثبت من حديث أبي الهياج ما تقدم فما صدق عليه أنه قبر مرفوع أو مشرف لغة فهو من منكرات الشريعة التي يجب على المسلمين إنكارها وتسويتها، من غير فرق بين نبي وغير نبي،وصالح وطالح،فقد مات جماعة من أكابر الصحابة في عصره ( ولم يرفع قبورهم،بل أمر علياً بتسوية المشرف منها،ومات ( ولم يرفع قبرَه أصحابُه،وكان من آخر قوله:((لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))،ونهى أن يتخذ قبره وثناً، فما أحق الصلحاء والعلماء أن يكون شعارهم هو الشعار الذي أرشدهم إليه (، وتخصيصهم بهذه البدعة المنهي عنها تخصيص لهم بما لايناسب العلم والفضل؛فإنهم لو تكلموا لضجوا مِن اتخاذ الأبنية على قبورهم وزخرفتها لأنهم لا يرضون بأن يكون لهم شعار من مبتدعات الدين ومنهياته، فإن رضوا بذلك في الحياة كمن يوصي من بعده أن يجعل على قبره بناء، أو يزخرفه فهو غير فاضل، والعالم يزجره علمه عن أن يكون على قبره ما هو مخالف لهدي نبيه (،فما أقبح ما ابتدعه جهلة المسلمين من زخرفة القبور، وتشييدها، وما أسرع ما خالفوا وصية رسول الله ( عند موته فجعلوا قبره على الصِفة التي هو عليها الآن وقد شدَّ من عضد هذه البدعة ما وقع من بعض الفقهاء من تسويغها لأهل الفضل حتى دوّنوها في كتب الهداية والله المستعان...) 132.
الأسلوب الثامن - إنكاره على من طلبوا أن يجعل لهم شجرة يتبركون بها:(1/44)
كما في قصة ذات أنواط والحديث بذلك أخرجه الترمذي -رحمه الله- في سننه في كتاب الفتن، باب " لتركبن سنن من كان قبلكم " من حديث أبي واقد الليثي (:(أن رسول الله ( لما خرج إلى حنين مرَّ بشجرة للمشركين يقال لها: ذاتُ أنواط، يعلِّقون عليها أسلحتهم، قالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذاتُ أنواط، فقال لهم النبي (:((سبحان الله هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة. والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم)) قال أبوعيسى هذا حديث حسن صحيح 133 0
فانظر- رحمك الله- كيف عظَّم رسول الله ( سؤالهم له أن يجعل لهم شجرة يتبركون بها كما يفعل المشركون وذلك بعدة أمور، منها: التسبيح الذي يقال عند سماع الأمر العظيم، ومنها: تشبيه طلبهم ذلك بطلب قوم موسى حين قالوا له:( اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ( 134، ومنها: الإخبار بالسُنَّة الماضية من اتِّباع هذه الأمة لغيرها من الأمم السابقة فيما وقعوا فيه من الفتن والضلال وإقسامه على ذلك 0
فهذا كله برهان واضح على خطورة تلك المظاهر الوثنية وماتجرُّه على الأمة من انحراف في عقيدتها ولهذا حذر العلماء - رحمهم الله- من وجود مثل تلك الأماكن التي يعظِّمها العوام ويتبركون بها ويعتقدون فيها شيئاً من النفع والضر، أو يقومون عندها بشعائر تعبدية مبتدعة أو شركية، قال الإمام أبوبكر الطرطوشي 135 - رحمه الله - في كتابه " الحوادث والبدع " بعد سياق هذا الحديث:(فانظروا - رحمكم الله - أينما وجدتم سدرة وشجرة يقصدها الناس،ويعظِّمون من شأنها، ويرجون البرء والشفاء من قبلها، وينوطون بها المسامير والخرق،فهي ذات أنواط فاقطعوها) 136 0(1/45)
وقال الإمام أبو شامة الدمشقي الشافعي 137 -رحمه الله- في كتابه " الباعث على إنكارالبدع والحوادث" وهو يتكلم عن البدع والمحدثات المستقبحة: (ومن هذا القسم أيضاً: ماقد عمَّ به الابتلاء من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد 138 وسرْج مواضع في كل بلد يحكي لهم حاكٍ أنه رأى في منامه بها أحداً ممن شهر بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم فرائض الله وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، فيعظمونها ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها؛وهي ما بين عُيونٍ وشجرٍ وحائطٍ وحجر. وفي مدينة دمشق - صانها الله تعالى من ذلك- مواضع متعددة كعوينة الحمى خارج باب توما، والعمود المخلق داخل باب الصغير، والشجرة الملعونة اليابسة خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق - سهَّل الله قطعها واجتثاثها من أصلها- فما أشبهها بذات أنواط الوارد في الحديث...)139 وذكر الحديث السابق 0(1/46)
فانظر كيف فهم العلماء- رحمهم الله تعالى - من هذا الحديث النهي عن هذه المظاهر الوثنية القبورية وأنها تؤدي إلى الشرك بالله تعالى وعبادة غيره كما قال ابن القيم 140-رحمه الله تعالى-: (فما أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ الأوثان من دون الله،ولو كانت ما كانت 0ويقولون: إن هذا الحجر وهذه الشجرة وهذه العين تقبل النذر0 أي تقبل العبادة من دون الله تعالى فإن النذر عبادة وقربة، يتقرب بها الناذر إلى المنذور له، ويتمسحون بذلك النصب ويستلمونه، ولقد أنكر السلف التمسح بحجر المقام الذي أمر الله تعالى أن يتخذ منه مصلى كما ذكر الأزرقي 141 في كتاب " تاريخ مكة " عن قتادة في قوله تعالى: ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ( 142 قال: (إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه، ولقد تكلفت هذه الأمة شيئاً ما تكلفته الأمم قبلها، ذكر لنا من رأى أثره وأصابعه فمازالت هذه الأمة تمسحه حتى اخلولق) 143. وأعظم الفتنة بهذه الأنصاب فتنة القبور وهي أصل فتنة عبادة الأصنام كما قاله السلف من الصحابة والتابعين وقد تقدَّم) 144 0
وعلى ذلك فإن تنبيه رسول الله ( لأصحابه،هو تنبيه للأمة كلها ألا يتبعوا الأمم الضالة فيما سلكوه من سبل الضلال، ومن أهمها وسائل الشرك 0
الأسلوب التاسع - نهيه ( أن يذبح لله في مواضع الشرك وأعياد الجاهلية:
فقد روى أبوداود من حديث ثابت بن الضحاك ( قال: (نذر رجل على عهد النبي ( أن ينحر إبلاً ببوانة145 فأتى النبي ( فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي (: ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا:لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم،قالوا: لا، قال النبي (: أوفِ بنذرك فإنه لانذر في معصية الله ولافيما لا يملك ابن آدم)) 146 0(1/47)
فالرسول ( استوضح السائل عن سر تخصيصه لذلك المكان بالذبح فيه، لأنه ربما كان فيه وثن من أوثان الجاهلية يذبح له من دون الله، أو كان فيه عيد من أعيادهم،وخشي أن يكون ذلك السائل أراد التشبه بهم في ذلك، أو أنه بقي لديه شيء من آثار تعظيم ذلك المكان، فلما أجاب السائلُ بالنفي أجاز النبي ( نذره وأمره بالوفاء به، معلناً له وللأمة كلها أنه لاوفاء لنذر في معصية الله،ومن ذلك يفهم أنه لوكان في ذلك المكان وثن يعبد، أو عيد من أعياد الجاهلية، لكان ذلك النذر بتخصيص ذلك المكان معصية ولما جاز الوفاء به، وماذاك إلا لاستئصال كل مايؤدي إلى تعظيم الأماكن التي يؤدي تعظيمها إلى إفساد العقيدة، وإيجاد نوع من التعظيم القلبي الذي يوجب الشرك بالله في ذلك 0
قال شيخ الإسلام ابن تيمية147 - رحمه الله- في "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم":(وهذا يدل على أن الذبح بمكان عيدهم ومحل أوثانهم معصية لله من وجوه:
أحدها - أن قوله ((فأوفِ بنذرك)) تعقيب للوصف بالحكم بحرف الفاء وذلك يدل على أن الوصف هو سبب الحكم فيكون سبب الأمر بالوفاء وجود النذر خالياً من هذين الوصفين فيكون الوصفان مانعين من الوفاء ولو لم يكن معصية لجاز الوفاء به 0
الثاني - أنه عقب ذلك بقوله: ((لاوفاء لنذر في معصية الله)) ولولا اندراج الصورة المسؤول عنها في هذا اللفظ العام، وإلا لم يكن في الكلام ارتباط والمنذور في نفسه - وإن لم يكن معصية - لكن لما سأله النبي ( عن الصورتين قال له: ((فأوفِ بنذرك)) حيث ليس هناك مايوجب تحريم الذبح هناك، فكان جوابه ( فيه أمراً بالوفاء عند الخلو من هذا، ونهى عنه عند وجود هذا، وأصل الوفاء بالنذر معلوم، فبين ما لا وفاء فيه.(1/48)
الثالث - أنه لوكان الذبح في موضع العيد جائزاً لسوغ ( للناذر الوفاء به كما سوّغ لمن نذرت الضرب بالدف أن تضرب به بل لأوجب الوفاء به إذ كان الذبح بالمكان المنذور واجباً 0 وإذا كان الذبح بمكان عيدهم منهياً عنه فكيف بالموافقة في نفس العيد بفعل بعض الأعمال التي تعمل بسبب عيدهم...) ثم أخذ يتكلم عن العيد واشتقاقاته ثم قال: (... ومعلوم أن ذلك إنما هو لتعظيم البقعة التي يعظمونها، بالتعييد فيها، أو لمشاركتهم في التعييد فيها، أو لإحياء شعار عيدهم فيها،ونحو ذلك0 إذ ليس إلا مكان الفعل أو نفس الفعل أو زمانه 0
فإن كان من أجل تخصيص البقعة - وهو الظاهر - فإنما نهى عن تخصيص البقعة لأجل كونها موضع عيدهم، ولهذا لما خلت من ذلك أذن في الذبح، وقصد التخصيص باق، فعلم أن المحذور تخصيص بقعة عيدهم.
وإذا كان تخصيص بقعة عيدهم محذوراً، فكيف نفس عيدهم؟. هذا كما أنه لما كرهها لكونها موضع شركهم بعبادة الأوثان كان ذلك أدل على النهي عن الشرك وعبادة الأوثان...فإذا كان ( قد نهى أن يذبح في مكان كان الكفار يعملون فيه عيداً - وإن كان أولئك الكفار قد أسلموا وتركوا ذلك العيد، والسائل لايتخذ المكان عيدا ً، بل يذبح فيه فقط - فقد ظهر أن ذلك سداً للذريعة إلى بقاء شيء من أعيادهم؛خشية أن يكون الذبح هناك سبباً لإحياء أمر تلك البقعة؛وذريعة لاتخاذها عيداً)148 0
وقال الملا علي القاري - رحمه الله - في شرح المشكاة: (وهذا كله احتراز من التشبه بالكفار في أفعالهم) 149 0
المبحث الثالث
هدي الإسلام في التعامل مع القبور وزيارتها
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول:موازنة الإسلام بين مصالح الأحياء والأموات بالحفاظ علىكرامة الأموات وعقيدة الأحياء:(1/49)
من مزايا الإسلام شموله وكماله، ووسطيته واعتداله، وموازنته بين المصالح والمفاسد؛ بحيث لا يحث على جلب منفعة يترتب عليها حدوث مفسدة، أو تفويت مصلحة أعظم منها، ومن هذا المنطلق جاءت نظرته إلى مقابر المسلمين، فحفظت للأموات كرامتهم وشرعت ما فيه مصلحتهم، ونهت عن تقديس القبور تقديساً يؤدِّي إلى تعظيمها في نظر الأحياء وافتتانهم بها والاعتقاد في أصحابها ما لا يجوز اعتقاده إلا في الله.
فنهى رسول الله ( عن امتهان المقابر بجعلها مواطن لقضاء الحاجة 150، وعن وطء القبور 151، والجلوس عليها152،وعن كسر عظام الميت 153، وحذر علماءُ المسلمين وفقهاؤهم من نبش القبور لغير مصلحة تعود على الميت أو ضرورة تلجىء إلى ذلك 154، وأرشد الرسول ( الماشي بين القبور أن يخلع نعليه 155، وهذه الأمور فيها غاية الحفاظ على قبور المسلمين، وغاية التكريم لأمواتهم.
وحتى لا يؤدِّي تكريم أموات المسلمين،والحفاظ عليهم إلى تقديسهم والغلوّ فيهم، فقد نهى رسول الله ( عما يؤدي إلى ذلك. فنهى عن الصلاة على القبور وإليها 156، ونهى أن تتخذ مساجد 157، وعن تجصيصها والبناء عليها والكتابة عليها 158، وأمر بتسوية القبور المشرفة التي ترفع فوق الحد الذي يسمح به الشرع 159، وقد عقل الصحابة والتابعون لهم بإحسان، والأئمة المقتدى بهم ذلك، وحافظوا على ذلك الهدي الصالح، والطريقة الرشيدة حتى نهاية القرون المفضلة، عندما آلت ولاية المسلمين إلى الروافض والباطنية فغيّروا وبدّلوا وأماتوا سنة الرسول ( وأصحابه،ونشروا سنة اليهود والنصارى في بلاد المسلمين، وتبعهم على ذلك جهلة الحكام، ومنحرفو المتصوفة،حتى شاع ذلك في بلاد المسلمين، وصار هو الغالب على كثير منها رغم تحذير العلماء وتقرير الفقهاء،وصيحات الغيورين على سنة المصطفى () 160.
المطلب الثاني: تعامل الصحابة مع ما عرف من قبور الأنبياء:
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى - تعاملهم مع قبر النبي (:(1/50)
لقد مرت بنا أحاديث لعنِ النبي ( اليهود والنصارى؛ حيث اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد 161، وأن ذلك كان في آخر حياته ( 162، بل كان آخر ذلك في حال نزول الموت به ( 163، وقدصرحت عائشة رضي الله عنها أنه كان ((يحذرماصنعوا))،وصرحت أن الصحابة لم يبرزوا قبره لتلك العلة.
وهذا الذي فهمته عائشة من أحاديث الرسول ( التي لعن فيها اليهود والنصارى لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد- هو الفقه الصحيح والفهم الثاقب اللائق بها رضي الله عنها، وليس هو فهمها وحدها رضي الله عنها،وإنما فَهْمُ الصحابة جميعا ً، والدليل على ذلك أنهم دفنوه كما يدفن سائرالمسلمين لم يميّزوه بشيء عن سائر الموتى إلاوضع قطيفة في لحده 164 حيث لا يخشى من ذلك أي تأثير علىعقائدالناس إذ لم تكن ظاهرة لهم ولا يمكن أن يفتتن بها أحد.وأما هيئة القبر فإنه كسائر القبور، فقد روى البخاري - رحمه الله - عن سفيان التمار أنه (رأىقبر النبي ( مسنماً) 165. قال الحافظ: (أي مرتفعاً) 166.
قلت: الارتفاع المشروع فقط، يفسره مارواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه عن القاسم بن محمد قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: ياأماه اكشفي لي قبر رسول الله ( وصاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لامشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء) 167 وزاد الأمر وضوحاً مارواه الآجُرّي في كتاب صفة قبر النبي ( من طريق إسحاق بن عيسى بن بنت داود بن أبي هند عن غنيم بن بسطام المدني قال: رأيت قبر النبي ( في إمارة عمر بن عبدالعزيز فرأيته مرتفعاً نحواً من أربع أصابع ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه) 168.(1/51)
فهذه الروايات تبين ما كان عليه قبر النبي ( وقبر صاحبيه، وأنها ليس عليها أي أثر من آثار التعظيم والتقديس، وإنما هي قبور عادية كسائر القبور، لا مجصصة، ولا مرتفعة، وليس عليها توابيت، ولا سرج، ولا ثياب، ولا أي شيء مما ابتدعته القبورية فيما بعد، وهذا كله يحقق لنا هدي النبي ( وأصحابه في القبور، وأنَّ ما خالفه إنما هو هدي اليهود والنصارى الذين استحقوا اللعن على ذلك.
وكمافهم الصحابة ( من تلك الأحاديث أنه لا يجوز إضفاء ملامح العظمة على قبر النبي ( وقبور المسلمين، كذلك فهموا أنه لو أبرز قبر النبي ( لربما أدَّى الى ان يفتتن الناس به،وأن يعملوا عنده مالا يجوز،وذلك جَعَلَه يدعو ربه أن يجنبه إياه، ولقد استجاب الله دعاءه، وحماه بما فعله الصحابة رضوان الله عليهم،ثم التابعون رحمهم الله كماقال الإمام ابن القيم-رحمه الله-:
فأجاب ربُّ العالمين دعاءه وأحاطه بثلاثة الجدرانِ
حتى غدت أرجاؤه بدعائه في عِزّة ٍوحمايةٍ وصيانِ
ففي عهد الصحابة ( كان في بيت عائشة -رضي الله عنها- وكان لا يدخل عليه ولا يصل إليه أحد إلا بإذنها،ولم يُنقَل أن الناس كانوا يستأذنونها لزيارته، وإنما يسلمون من المسجد ثم ينصرفون، ثم دفن معه أبو بكر ثم عمر ولم يدفن عمر ( إلا بإذنها -رضي الله عنها- وقد روى قصة دفنه مع صاحبيه البخاري -رحمه الله- في صحيحه 169، ومما يؤيد أن القبر كان بعيداً عن أنظار الناس وعن وصولهم إليه؛ قصة القاسم بن محمد المتقدمة قريباً في هذا البحث،وأنه عندما رغب في رؤية القبر استأذن عائشة في ذلك فكشفت له عن القبور، أي أنها فتحت الباب وكشفت الستارة التي على الباب الذي في الجدار الذي بنته عندما دفن عمر ( مع النبي ( وأبي بكر ليكون حائلاً بينها وبين القبور 170، وهذا دليل قوي على أن القبور كانت في غاية الصيانة والبعد عن وصول الناس، حتى أقرب الناس إلى عائشة لا يرونها إلا بإذن منها رضي الله عنها،(1/52)
ومما يؤكد ذلك أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه عن هشام بن عروة عن أبيه: (لما سقط عليهم الحائط171 في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه، فبدت لهم قدم ففزعوا وظنوا أنها قدم النبي ( فما وجدوا أحداً يعلم ذلك حتى قال لهم عروة، لا والله ما هي قدم النبي (، ما هي إلا قدم عمر بن الخطاب ()172، فانظر كيف كان ذلك الجمع الحاضر لتلك الحادثة غير مميز لمواقع القبور بعضها من بعض مما يؤكد أنها كانت محجوبة عنهم لا يعرفون عنها شيئاً.
ومما يؤكد أن القبر الشريف كان محجوباً عن الناس، لا يصلون اليه إلا بطريقة غير مأذون فيها، ولا مقرة من أهل العلم وأولي الأمر، حديث علي بن الحسين زين العابدين -رحمه الله- أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي ( فيدخل فيها فنهاه، وقال: ألا أحدثك حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله ( قال: ((لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا علي فإن تسليمكم ليبلغني أين كنتم)) 173. فأنت ترى أن الرجل كان يدخل من فرجة، إذاً هناك جدار محيط بالقبر مغلق عليه غير أن فرجة فتحت بأيّ سبب من الأسباب استغلَّها ذلك الرجل، فصار يدخل إلى عند القبر فيسلِّم على النبي (، فنهاه ذلك الإمام العظيم علي بن الحسين زين العابدين -رحمه الله-، والجدار الذي أشرتُ اليه هو جدار حجرة عائشة رضي الله عنها التي سبقَ أن أشرتُ إليها فيما مضى وهذا -رواية سقوط جدار عائشة- من أوضح الأدلة على ما ذكرت من حجب القبر عن الناس وكذلك -رواية زين العابدين- على موقف علماء السلف ممن يحاول أن يصل إلى القبر ظاناً أن في ذلك قُرْبى وفضيلة، والله أعلم.
المسألة الثانية - تعاملهم مع قبر النبي دانيال عليه السلام174:(1/53)
لقد تعلَّم الصحابة من رسول الله ( أن سبب حدوث الشرك في العالم هو الغلوّ في الصالحين، وفهموا من نهيه المكثف آخر حياته،وفي مرض موته، أن قبور الأنبياء والصالحين لا يجوز تعظيمها، وأن اليهود والنصارى استحقوا اللعن حينما بنوا المساجد على قبورهم،وصوَّروا فيها صورهم،لذلك تعاملوا مع قبره بالشكل الذي سبق في المسألة الأولى من هذا المطلب.
وعندما انسابت جيوش المسلمين في أرجاء الأرض فاتحةً -تقتلع الشرك من النفوس، وتقتلع وسائله ومظاهره من على وجه الأرض،ووصل جيش أبي موسى الأشعري مدينة تَستُر175 -وجدوا رجلاً يعظِّمه أهل البلد، ويستنزلون به الغيث، ويتوسلون به إلى ربهم،ويذكرون أنه النبي دانيال أحد أنبياء بني إسرائيل الذين أُتيَ بهم إلى هذه الجهة أيام بختنصر، فخشي أن يبقى بين الناس فيفتتنون به، ويغلُون فيه، فعمل على إخفائه، وإبعاده عن متناول الناس،وطمس قبره؛حتى لا يعرفه أحد أبداً، ولم يشفع كونه نبياً أو صالحاً أن يبرزه أو يميِّز قبره.(1/54)
قال الإمام ابن كثير-رحمه الله تعالى- في تاريخه:(وقال يونس بن بكيرعن محمدبن إسحاق عن خالد بن دينار حدثنا أبو العالية قال: لما افتتحنا تَستُر وجدنا في بيت الهرمزان سريراً عليه رجل ميت عند رأسه مصحف، فأخذنا المصحف فحملناه الى عمر بن الخطاب، فدعا له كعباً فنسخه بالعربية، قال: فأنا أول رجل من العرب قرأه،قرأته مثلما أقرأ القرآن هذا، فقلت: لأبي العالية ما كان فيه؟ قال: سيركم وأمركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعد، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان الليل دفناه وسوَّينا القبور كلها، لتعميته على الناس فلا ينبشونه قلت: فما يرجون منه؟ قال: كانت السماء اذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون، قلت: مَن كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له دانيال، قلت: منذ كم وجدتموه قد مات؟ قال: منذ ثلاثمائة سنة، قلت ما تغير منه شيء؟ قال: لا، إلا شعرات من قفاه، إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض، ولا تأكلها السباع. وهذا إسناد صحيح إلى أبي العالية)176.(1/55)
قلت: قد يطعن البعض في هذه الرواية لقوله فيها: (منذ ثلاثمائة سنة) إذ من المعلوم أن آخر رسل وأنبياء بني إسرائيل هو عيسى عليه السلام، وأنه لا نبي بينه وبين نبينا محمد (،وأنه من المتفق عليه أن ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام أكثر من ثلاثمائة سنة بكثي ر، وكان ابن كثير قد أجاب عن هذا الإشكال فقال:(ولكن إن كان تاريخ وفاته محفوظاً من ثلاثمائة سنة فليس بنبي بل هو رجل صالح لأن عيسى بن مريم ليس بينه وبين رسول الله ( نبي بنص الحديث الذي في البخاري177 والفترة التي كانت بينهما أربعمائة سنة، وقيل ستمائة،وقيل ستمائة وعشرون سنة، وقد يكون تاريخ وفاته من ثمانمائة سنة، وهو قريب من وقت دانيال، إن كان كونه دانيال هو المطابق لما في نفس الأمر،فإنه قد يكون رجلاً آخر، إما من الأنبياء، أو الصالحين،ولكن قربت الظنون أنه دانيال؛ لأن دانيال كان قد أخذه ملك الفرس فأقام عنده مسجوناً كما تقدم) 178. قلت: كيفما كان الأمر فموضع الشاهد محفوظ لنا وهو أن الصحابة منهجهم الذي تلقَّوه من النبي ( هو طمس القبور، وإخفاؤها سواء كانت لأنبياء أو صالحين أو غيرهم،بل كلما كان العبد ذا منزلة أعظم كانت عنايتهم بإخفاء قبره أكبر لأن خوف الفتنة حينئذ أشد.
المطلب الثالث:كيف تصرَّف التابعون حين اضطروا إلى توسعة المسجد ليشمل الحجرة النبوية موضع القبر الشريف في خلافة الوليد بن عبدالملك؟!(1/56)
كان الوليد بن عبد الملك 179 من أشهر خلفاء بني أُميَّة، وهو أكثرهم عنايةً بالبناء والعمران حتى لقب مهندس بني أميَّة180، وكان بين بني أمية وآل علي بن أبي طالب( عداء تاريخي كما هو معلوم، فلا يرضى خلفاء بني أمية أن يتميز عنهم آل علي( بأي فضيلة، وكان بيت فاطمة رضي الله عنها ضمن أبيات النبي ( الواقعة على الحد الشرقي للمسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، فتوافقت رغبة الوليد في بناء المسجد، وتشييده بما يليق به وبعظمة الخلافة في عهده مع الرغبة في إلغاء تلك الميزة التي يتميز بها بنو علي( بسكناهم في بيت فاطمة رضي الله عنها جوار المسجد، وبين أبيات النبي (،فصمم على تنفيذ ذلك المشروع وهو توسعة المسجد من جوانبه الأربعة،وإدخال حجر أمهات المؤمنين وحجرة فاطمة وحجرة عائشة رضي الله عنهن جميعاً في المسجد إضافة إلى أن بعض المؤرخين قد ذكروا أن بعض جدران الحجرة قد بدأ فيه الخلل نتيجة القِدَم181، وعندما وصل خطابه بذلك إلى واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز جمع الفقهاء العشرة182 ووجوه الناس،وأخبرهم بما أمر به الوليد فأنكروا ذلك، وكرهوه، ورأوا أن بقاء بيوت النبي ( على حالها أدعى للعبرة، والاتعاظ، فكتب عمر بن عبد العزيز للوليد فرد بإنفاذ الأمر وعزم على عمر بذلك فنفذ ما أمر به183، وعارض في ذلك سعيد بن المسيب، قال ابن كثير-رحمه الله-:(كأنه خشيَ أن يُتَّخذَ القبر مسجداً والله أعلم)184.
وأصرحُ من ذلك ما نقله السمهودي عن عروة بن الزبير أنه قال: (نازلت عمر بن عبد العزيز في قبر النبي ( ألا يجعل في المسجد أشد المنازلة فأبى وقال: كتاب أمير المؤمنين لابد من إنفاذه، قال قلت: فإن كان ولابد فاجعلوا له حوجواً - قال السمهودي: (أي وهو الموضع المزور خلف الحجرة)185.(1/57)
قلت: وهذا العمل الذي أشار به عروة - رحمه الله- هو الذي ذكره الإمام النووي -رحمه الله - حيث قال:(ولما احتاجت الصحابة 186 رضوان الله عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله ( حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله ( وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله،لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر. ولهذا قال في الحديث: ((ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً))187 والله أعلم بالصواب)188.
هذا ما فعله أهل العلم وأولو الأمر عندما اضطروا إلى ذلك سترًا للقبر ستراً كاملاً،فلا يُنظر، ولا يتمكن أحد من الصلاة إليه، وما ذاك إلا أنهم فهموا الأحاديث الناهية عن الصلاة على القبور وإليها،وعن اتخاذ القبور مساجد،وفهموا العلة في ذلك النهي، فعملوا على إزالة تلك العلة وفي هذا أبلغ رد على شبهة القبوريين الذين يحتجون بأن قبر النبي ( في مسجده189.
المطلب الرابع هدْيُ الإسلام في زيارة القبور:
كما هو الشأن في سائر شرائع الإسلام أنها تكون في غاية من الاعتدال والسماحة، وصادرة عن حكمة بالغة تضمن لمن عمل بها على بصيرة: الفوز، والنجاح، والسعادة، دون أن يتعرض بسببها لأي نوع من أنواع الضلال والشقاء في الدنيا والآخرة.(1/58)
كذلك كانت شرعية زيارة القبور في الإسلام حينما كان الناس حدثاء عهد بالكفر والشرك وعبادة غير الله نهاهم الرسول ( عن الزيارة، حتى يكون هناك برزخ فاصل بين العهدين عهد الشرك وعهد التوحيد، وعهد الجاهلية وعهد الإسلام حتى يذهب ما في النفوس من الالتفات إلى الأرض وما عليها مما يقدِّسه الناس، وعهد السموّ الروحي والصفاء القلبي والذهني الذي لا يبقى معه التفات إلى غير الله (.
وفعلاً حينما حصل ذلك؛خاطب النبي ( أمته قائلاً:((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها))190 ((فإنها تذكر الموت))،وفي رواية: ((فإن في زيارتها تذكرة))، وفي أخرى: ((فإنها تذكر الآخرة)) 191، وفي ثالثة:((فزوروها ولتزدكم زيارتها خيراً))192،وفي رواية رابعة:((فإن فيها عبرة)) 193، ومن حديث أنس (:((ثم بدا لي أنها تُرقّ القلب وتُدمع العين وتُذكر الآخرة فزوروها ولا تقولوا هُجراً))194.
وبهذا يشرع لنا الرسول الله ( زيارة القبور مع بيان العلة فيها وهي تذكرة الموت، والدار الآخرة، وتزهِّد في الدنيا، وترق القلب وتدمع العين، وينبغي أن يحرص الزائر أن تزيده زيارته للمقابر خيراً، وهذا كله فيما يخص الزائر.
أما الأموات فإن لهم فيها نصيباً أيضاً حيث كان ( إذا زارهم يدعو ويستغفر لهم، كما روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله (: (كلما كان ليلتها من رسول الله ( يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غداً مؤجَّلون وإنا إن شاء الله بكم للاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)) 195،وعنها رضي الله عنها أنها سألته إذا هي زارت القبور ما تقول: قال:((قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)) 196.(1/59)
ففي هذه الأحاديث بيان أن من مقاصد الزيارة وعللها السلام على الأموات والدعاء والاستغفار لهم، قال الإمام الصنعاني -رحمه الله- في"سبل السلام "بعدما شرح أحاديث الإذن بالزيارة: (والكل دالّ على مشروعية زيارة القبور وبيان الحكمة فيها وأنها للاعتبار... فإذا خلت من هذه لم تكن مرادة شرعاً)197.
فهذه هي زيارة القبور عند أهل السنة كما علّمهم إيّاها رسول الله ( فمن أتى بها على هذا الوجه ولهذه الغاية ظفر بالأجر والفائدة المترتبة عليها،ومن زارها لغير ذلك فهي ردٌّ عليه0 ثم إنها إما أن تكون بدعية، وإما أن تكون شركية بحسب ما يحصل فيها من أعمال ويقارنها من اعتقاد وقصد.
ذلك هو هدي الإسلام في زيارة القبور، وتلك هي أهداف وغايات الزيارة واضحة ناصعة بعيدة عن كل ذريعة تؤدي إلى الشرك بأربابها والغلوّ في أصحابها،وقد جاءت بعض القيود التي تسد الثغرات الموصلة إلى ذلك:
القيد الأول: ألا تتخذ أعياداً: قال (: (لاتجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً،وصلوا عليّ، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)198،وقد سبق كلام العلماء عليه ونص المناوي على أن من ذلك: (اجتماع العامة في بعض أضرحة الأولياء في يوم أو أشهر مخصوص من السنة) ودعا ولاة الأمر إلى إنكار ذلك عليهم199.
ونفهم من هذا أنه ليس من هدي الإسلام تعيين يوم معين من سنة،أو شهر، أو أسبوع، يخصص لزيارة القبور كما هو شأن القبورية.(1/60)
القيد الثاني: ألا تُشَدّ إليها الرحال، فعن أبي سعيد الخدري ( قال:قال رسول الله (: ((ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام ومسجد الأقصى ومسجدي))200، وروى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى - في مسنده عن عبدالرحمن بن هشام بن الحارث أنه قال:(لقي أبو بصرة الغفاري أبا هريرة وهو جاءٍ من الطور فقال: من أين أقبلت؟ فقال: من الطور صليت فيه، قال: أما لو أدركتك قبل أن ترحل ما رحلت إني سمعت رسول الله ( يقول: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى))201.
فهذا النهي عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة مقصود به أن يشد رحله مسافراً إلى مكان بعينه لعبادة الله تعالى فيه، هذا هو الظاهر المتبادر إلى الذهن وهو الذي فهمه ذلك الصحابي أبو بصرة الغفاري، واحتج به على أبي هريرة (،وسكت أبو هريرة ( فلم يرد عليه وهذا دليل التسليم لما رُوي ولِمَا أُخذ واستُنبط من تلك الرواية؛فإن قال قائل: إن أبا هريرة ( قد روى ذلك الحديث كما في الصحيحين 202، قيل له: إن هذا مما يؤكد قبول أبي هريرة لِمَا أتاه به أبو بصرة رضي الله عنهما،ومن المعلوم أن أبا هريرة لم يقل أنه سمع ذلك الحديث من رسول الله (،فالغالب أنه يرويه عن أبي بصرة،ولم يثبت عن أبي هريرة أي رد لما جاء به أبو بصرة لا في الصحيحين ولا في مسند أحمد؛ حيث جاءت القصة كاملة،وهذا يؤكد ذلك القبول والرجوع من أبي هريرة لما جاء به أبوبصرة، كما فهم ذلك أيضاً أبو سعيد الخدري( راوي الحديث،فقد روى أحمد في مسنده أن شهر ابن حوشب قال:لقينا أبا سعيد ونحن نريد الطور، فقال سمعت رسول ( يقول: ((لا تُعمَل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد...)) الحديث203.(1/61)
وكذلك فهمه عبدالله بن عمر(؛ فعن قزعة ( قال: سألت ابن عمر ( آتي الطور؟ فقال: (دع الطور ولا تأتها وقال:لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) 204،وعلى ذلك درج الصحابة والتابعون وتابعوهم لم يثبت أن أحداً منهم سافر إلى قبر، أو مشهد لمجرد الزيارة،ولم يصرح أحد منهم باستحباب ذلك العمل.
وأما الفقهاء المتأخرون فقد اختلفوا في ذلك ونقل خلافهم الإمام النووي 205، وشيخ الإسلام ابن تيمية 206،والحافظ ابن حجر 207 - رحمهم الله-،وقد بحث هذه المسألة بحثاً مستفيضاً العلامة صديق حسن خان -رحمه الله- في شرحه لمختصر مسلم المسمى (السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم ابن الحجاج) وقد استغرق بحثه أربعاً وثلاثين صفحة من الحجم الكبير (من ص84- 117) من الجزء الخامس من طبعة قطر؛وبعد إيراد مختلف الأقوال ومناقشتها قال: (وأما السفر لغير زيارة القبور كما تقدم نظائره،فقد ثبت بأدلة صحيحة ووقع في عصره ( وقرره النبي عليه السلام فلا سبيل إلى المنع منه والنهي عنه، بخلاف السفر إلى زيارة القبور فإنه لم يقع في زمنه، ولم يقر أحداً من أصحابه، ولم يشر في حديث واحد إلى فعله واختياره ولم يشرعه لأحد من أمته لا قولاً ولا فعلاً...) إلى أن قال:(وحاصل الكلام وجملة المرام في هذا المقام أن مسألة السفر لزيارة قبر من القبور " أي قبر كان" أقل درجاتها أن تكون من المشتبهات والمؤمنون وقّافون عند الشبهات)208.
بين يدي هذا الفصل
إننا عندما نبحث عن القبورية في العالم لسنا مجرد مؤرخين، يطيب لهم أن يتعرفوا على أحداث ويصوروا مجتمعات،ويصفوا ما وصلوا إليه من أحوال العالم لمجرد السرد التاريخي،وإنما نبحث ذلك منطلقين من سنة كونية ثابتة أخبرنا عنها الرسول (، وهي أن هذه الأمة ستأخذ مأخذ الأمم السابقة، وستسلك سبيلها في كل جوانب حياتها بما في ذلك الجوانب الاعتقادية والتعبدية والأخلاقية.(1/62)
فإذا ثبت أن تلك الأمم عظَّمت القبور وآثار الصالحين وتدرجت في ذلك حتى عبدت أولئك الصالحين-في نظرها- فإن من هذه الأمة من سيفعل ذلك، وهذا ما أخبر عنه رسول الله ( وما يشاهد على أرض الواقع.
فأما ما أخبر به النبي ( ففيما رواه البخاري من حديث أبى هريرة ( قال: قال رسول الله (: ((لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال ومَنْ الناس إلا أولئك)) 209.
وروى البخاري أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري ( قال: قال رسول الله (: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمَنْ؟)) 210.
وقد وقع ما أخبر به النبي ( كاملاً0 والذي يهمنا إثباته هو مشابهة هذه الأمة للأمم قبلها في قبوريتهم،وتعظيمهم للأنبياء والصالحين،وانتشار عقائدهم الباطلة لدى كثير منهم، وهذا ما سوف نبيّنه في هذا الفصل إن شاء الله.
الفصل الأول
نشأة القبورية في العالم
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول
نشأة القبورية في العالم بأسره
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: إثبات أن البشرية كانت على التوحيد قبل طروء الشرك.
من المعلوم المتفق عليه أن الله تعالى خلق الخلق جميعاً على فطرة التوحيد،فآدم عليه السلام هو الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته، وجرى له في الجنة ما جرى، ولم يكن من ذلك شيء يخالف التوحيد أو يقدح فيه،ثم أهبطه إلى الأرض نبياً كريماً ورسولاً مرشداً إلى ذريته،و هو قول جمع من العلماء.
وعلى تعاليم رسالة آدم نشأ بنوه وعلى نهجه ساروا، حتى لقد صرح عكرمة ( بأنهم داموا على ذلك عشرة قرون، 211 وهذا الذي ذكرناه من نشأة البشرية على التوحيد هو ما قرره القرآن وشهدت به السنة المطهرة.(1/63)
أما القرآن ففي قول الله تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 212.
ففي الآية الكريمة أن الدين الذي أمر الله رسوله أن يقيم وجهه عليه هو فطرة الله التي فطر الناس عليها ثم أكّد ذلك بقوله ( ذلك الدين القيم ( فالدين الحنيف والدين القيم هو التوحيد وهو الذي فطر الله الناس عليه.
قال ابن كثير - رحمه الله -: (فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره) 213.
وقد أكدت ذلك السنة وفصَّلته وذلك فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ( قال: قال رسول الله (: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترون فيها من جدعاء؟214)) 215 ثم يقول أبو هريرة: (واقرأوا إن شئتم ( فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله (216).
قال ابن حجر - رحمه الله - في شرح هذا الحديث: (وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى: ( فطرت الله التي فطر الناس عليها ( الإسلام واحتجوا بقول أبي هريرة ( وبحديث عياض بن حمار عن النبي ( فيما يرويه عن ربه:((وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم))217 الحديث وقد رواه غيره فزاد فيه ((حنفاء مسلمين)) ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى: ( فطرت الله ( لأنها إضافة مدح وقد أمر نبيه بلزومها فعلم أنها الإسلام) 218.
ونكتفي بهذه النصوص الواضحة الصريحة التي لاخلاف على معناها، لإثبات أن البشرية كانت على التوحيد قبل طروء الشرك عليها.
المطلب الثاني: إثبات أن أول شرك حصل في العالم كان بسبب الغلو في الصالحين:(1/64)
كانت عداوة إبليس لآدم قديمة منذ أن أمره الله بالسجود له،فأبى فلعنه الله وطرده بسبب ذلك، ومنذ ذلك الحين أخذ على نفسه: أن يعمل على كل ما فيه الإساءة إليه وإلى جلب سخط الله عليه، وكان أول عمل عمله إغراؤه بالأكل من الشجرة،ذلك العمل الذي كان سبباً لإخراجه من الجنة وإهباطه إلى الأرض هو وإبليس معاً، ولم يكتفِ إبليس بعداوة آدم وحده بل ضمّ إلى ذلك عداوة ذريته وأعلنها صريحة بأنه لن يدخر جهداً لإغوائهم وصدّهم عن السبيل،والعمل على جعل مصيرهم مقترناً بمصيره هو إلى نار جهنم ( قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين، قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين ( 219، ( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلاّ عبادك منهم المخلصين، قال فالحق والحق أقول، لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين (220.
وقد حذر الله عباده المؤمنين وجميع بني آدم من تلك العداوة وخطورتها، وخطورة الهدف الذي يسعى إبليس لتحقيقه من خلال عداوته لهم، فقال سبحانه وتعالى: ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ( 221 وقال: ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم، ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون ( 222.(1/65)
ولكن لأمرٍ أراده الله نسي بنو آدم تلك العداوة، وجهلوا ذلك التحذير الذي حذرهم الله إياه ولم ينسَ هو ذلك، بل عمل على جلب الأنصار والجنود من الإنس والجن، فسلطهم على بني آدم حين غفلوا عما أوصاهم به الله، فأجلب عليهم هو وجنوده فاجتالوهم عن دينهم وأوقعوهم في الشرك، وهو ما رواه النبي ( عن ربه عز وجل كما في حديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله ( قال ذات يوم في خطبته ((ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كلّ مال نحلته 223 عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم 224عن دينهم،وحرمت عليهم ما أحللت لهم،وأمرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً،وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب)) 225
ولم يكن ذلك في عهد النبي ( وإنما من فجر التاريخ قبل أن يبعث نوح عليه السلام، بل إن مبعث نوح إنما كان لإرجاع الناس إلى الجادة بعد ذلك الانحراف الخطير، وكان الباب الذي دخل منه الشيطان إلى إغواء أولئك الناس:باب الغلو في الصالحين، فكانت أول أصنام عبدت على وجه الأرض هي صور وتماثيل لرجال صالحين أحبهم قومهم وغلَوا فيهم فصوّروهم، ثم تدرج بهم الحال حتى عبدوهم من دون الله تعالى! ولما جاءهم نوح ينعى عليهم ذلك المسلك الخاطىء، ويدعوهم إلى العودة إلى الصراط المستقيم أبوا وعاندوا وتواصوا بالصبر على تلك الآلهة والاستمرار على الإشراك بالله المتمثل في عبادتها من دون الله ( وقالوا لاتذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولاسواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً ( 226.(1/66)
وهذه كما هو واضح أسماء بشر كانوا صالحين محبوبين لدى قومهم،حملهم ذلك على الغلو فيهم وإنزالهم فوق منزلتهم، وتطور الأمر حتى عبدوهم،كما ورد عن ابن عباس ( في تفسير هذه الآية أنه قال: (أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونُسِخ العلم عبدت)227
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث: (وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح هذه الأصنام ثم تبعهم من بعدهم على ذلك) 228 وقد تواطأ المفسرون عند تفسير هذه الآية على ذكر هذا الأثر وأثاراً أخرى كلها تؤدي نفس المعنى. 229
وقد صرح القرطبي - رحمه الله تعالى -:بأنه من أجل أن عبادة الأوثان ابتدأت بسبب الغلو في الصالحين حذر النبي ( من اتخاذ القبور مساجد ولعن من فعل ذلك، قال: (قلت:وبهذا المعنى فسِّر ماجاء في صحيح مسلم من حديث عائشة أن أم حبيبة وأم سلمه ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة- تسمى مارية فيها تصاوير- لرسول الله ( فقال رسول (: ((إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)) 230.(1/67)
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (وقال غير واحد من السلف: " كان هؤلاء قوماً صالحين في قوم نوح (، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم" فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين، فتنة القبور وفتنة التماثيل، وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله ( في الحديث المتفق على صحته: عن عائشة - رضي الله عنها - ثم ذكر الحديث السابق في كلام القرطبي - ثم قال: " فجمع في هذا الحديث بين التماثيل والقبور "وهذا كان سبب عبادة اللات، فقد روى ابن جرير بإسناده عن سفيان عن منصور عن مجاهد: ( أفرأيتم اللات والعزى ( 231 قال:(كان يلت السويق فمات فعكفوا على قبره) 232،وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (كان يلت السويق للحاج) 233 فقد رأيت أن سبب عبادة ودّ، ويغوث، ويعوق،ونسر، واللات، إنما كانت من تعظيم قبورهم ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها، كما أشار إليه النبي ( قال شيخنا 234: وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور هي التي أوقعت كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر،أو فيما دونه من الشرك،فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين، وتماثيل يزعمون أنها طلاسم الكواكب ونحو ذلك، فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبةٍ أو حجر، ولهذا نجد أهل الشرك كثيراً يتضرعون عندها، ويخشعون ويخضعون، ويعبدونهم بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله ولا وقت السحر، ومنهم من يسجد لها وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء مالا يرجونه في المساجد فلأجل هذه المفسدة حسَم النبي ( مادتها، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقاً، وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها؛ لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة فيها للشمس، فنهى أمته عن الصلاة حينئذ، وألا يقصد المصلي ما قصده المشركون(1/68)
سداً للذريعة)235.
وبهذه الآيات المحكمة والأحاديث الصحيحة الصريحة، وما علق به عليها أهل العلم؛ تعلم أن القبورية هي أساس الوثنية،وأن الوثنية هي الوعاء الذي أحتوى على الشرك بالله عز وجل وجسَّدَه.
المبحث الثاني
القبورية عند اليهود والنصارى:
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: القبورية عند اليهود:
لست بحاجة إلى الإطالة في إثبات قبورية اليهود، فقد أغنتننا الأحاديث المصرحة بذلك عن الصادق المصدوق ( والمخرجة في الصحيحين وغيرهما،ومنها حديث أبي هريرة ( أن رسول الله ( قال: ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) 236 وحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي ( قال:في مرضه الذي مات فيه ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))237.
فهذان الحديثان في الصحيحين - وسيأتي غيرهما في المطلب الثاني- قاطعان على قبورية اليهود، وأزيد أن اليهود ليسوا قبوريين فقط ولكنهم أيضاً ميالون إلى عبادة غير الله بشكل أوضح وأصرح، كما نقل ذلك عنهم القرآن وذلك في موضعين من قصة موسى (.
الموضع الأول: بعد نجاتهم من ملاحقة فرعون وخروجهم من البحر وإهلاك الله لعدوهم وهي نعم عظيمة تستوجب شكر مسديها وإفراده بالعبادة وعدم الالتفات إلى غيره، لكن النفوس الدنيئة لا تكون نظرتها إلا إلى الأسفل دائماً،لذلك عندما مروا على القوم المشركين العاكفين على أصنامهم مالت نفوسهم إلى تقليدهم ومحاكاتهم في ذلك،قال تعالى: ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال: إنكم قوم تجهلون. إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون. قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين ( 238
وهذا في غاية الصراحة فهم طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهاً آخر كما أن أولئك لهم آلهة فهو طلب الشرك والاستعداد النفسي له.(1/69)
الموضع الثاني: حينما ذهب موسى لميقات ربه وتركهم مع هارون فصنع لهم السامري العجل ودعاهم إلى عبادته، فبادروا إلى ذلك ولما يأبهوا لتحذير هارون من ذلك بل واجهوه بالتمرد وكادوا يقتلونه حينما وقف في طريقهم قال تعالى: ( وما أعجلك عن قومك يا موسى. قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك ربِّ لترضى. قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري. فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً قال ياقوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي. قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزاراً من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي. أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً. ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري. قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ( 239.
وبهذا العرض اليسير تتضح قبورية اليهود وشركهم واتخاذهم الآلهة من دون الله.
المطلب الثاني: القبورية عند النصارى:
الأمة النصرانية أمة غالية فيمن تعظمه من الأنبياء والصالحين ولقد حملهم ذلك على تأليه المسيح وأمه وغيرهما من الأحبار والرهبان،وهذا صريحُ نصِّ القرآن،حيث يقول الله تعالى فيهم: ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون( 240.(1/70)
وقد أمر الله رسوله ( أن يقيم عليهم الحجة ببطلان ما هم عليه من عبادة غير الله فقال: ( قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم ( 241، ثم أمره أن ينهاهم عن الغلو في الدين وتقليد سلفهم الغالين فيه؛ لأن الغلو هو سبب عبادتهم لغير الله فقال: ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلّوا عن سواء السبيل ( 242، فمن غلوِّهم أنهم اتخذوا المسيح وأمه إلهين من دون الله،واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دونه وتلك العلة- التي هي الغلو -هي العلة المشتركة بين جميع المشركين.
ومن الغلو كذلك اتخاذهم قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد كما في حديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمه ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا ذلك للنبي ( فقال: ((إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، فأولئكِ شرار الخلق عند الله يوم القيامه)) 243
وهذه الكنيسة التي رأتها أم حبيبة وأم سلمه هي قطعاً كنيسة نصارى فهذا إثبات قاطع لقبوريتهم وقد حذر النبي ( من الاقتداء بهم في ذلك كما في حديث عائشة وعبدالله بن عباس ( قالا: (لما نُزِل برسول الله ( طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذر ما صنعوا) 244.(1/71)
وقد بيّن ابن كثير رحمه الله في تاريخه: أن تلك القبورية عند النصارى 0إنما حدثت فيهم بعد أن حرفوا دينهم، وقالوا بالتثليث، قال رحمه الله تعالى: (ثم بعد المسيح بثلاثمائة سنة؛حدثت فيهم الطامة العظمى، والبليّة الكبرى، واختلف البتاركة 245 الأربعة وجميع الاساقفة 246 والقساوسة 247 والشماسة 248 والرَهَابين 249 في المسيح على أقوال متعددة لا تنحصر ولا تنضبط، واجتمعوا وتحاكموا إلى الملك قسطنطين باني القسطنطينية، وهو المجمع الأول فصار الملك إلى قول أكثر فرقة اتفقت على قول من تلك المقالات فسموا "الملائكة"، ودحَضَ من عداهم وأبعدهم، وتفردتْ الفرقة التابعة لعبدالله بن أديوس الذي اثبت أن عيسى عبد من عباد الله،ورسول من رسله، فسكنوا البراري، والبوادي، وبنوا الصوامع 250،والديارات 251،
والقلايات 252،وقنعوا بالعيش الزهيد، ولم يخالطوا أولئك الملل والنحل، وبنت الملائكة 253 الكنائس الهائلة، عمدوا إلى ماكان من بناء اليونان فحولوا محاريبها إلى الشرق وقد كانت إلى الشمال إلى الجدي254) 255.
ثم قال: رحمه الله تحت عنوان " بناء بيت لحم والقمامة 256 " (وبنى الملك قسطنطين بيت لحم على محل مولد المسيح وبنت أمه هيلانة القمامة يعني على قبر المصلوب وهم يسلّمون لليهود أنه المسيح).257
وبما مر من نصوص قرآنية ونبوية وتاريخية تتضح قبورية النصارى وغلوّهم في أنبيائهم وصالحيهم حتى عبدوهم من دون الله تعالى.
المبحث الثالث
قبورية اليونان
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: قبورية الأمة اليونانية:(1/72)
الأمة اليونانية أمة عظيمة سادت وظهرت على مسرح التاريخ القديم قروناً من الزمن، وقد أنشأت حضارة متميزة وظهر فيها علوم ومعارف وفلسفة وصلت إلى الأمم الأخرى، وتناقلتها الأجيال إلى العصر الحاضر، وهذا لا مراء فيه، ولكن مع كل ذلك فقد كانت هذه الأمة أمة وثنية قبورية تُألِّه كل ما أعجبت به من مظاهر الكون، وعباقرة وأبطال البشر،بل وجميلات النساء!فهناك (آلهة السماء) و(آلهة الأرض) و(آلهة الخصب) و(الآلهة الحيوانية) و(آلهة ما تحت الأرض) إلى آخر القائمة، وقد ذكر المؤرخون كيف تنشأ تلك الآلهة وكيف تعبد 258 وكانت كذلك أمة قبورية تقدس قبور موتاها، فقد كان الموتى في العصور المبكرة من تاريخ اليونان يُعْتَبرون أرواحاً قادرة على أن تفعل للناس الخير والشر وتسترضى بالقرابين والصلاة 259. وكان اليونان في عصرهم الزاهر يرهبون هذه الأشباح الغامضة أكثر مما يحبونها، وكانوا يسترضونها بطقوس ومراسم يقصد بها إبعادها واتقاء شرها 260، وكان الإله في أول الأمر من الأسلاف والأبطال الموتى، كما كان المعبد في الأصل قبراً، ولا تزال الكنيسة حتى الآن في معظم البلاد مكاناً تحفظ فيه آثار الموتى القديسين 261.
هذه هي أمة اليونان وتلك آلهتها كانت في بدايتها أمواتاً من ذوي التميز في جوانب مختلفة من الحياة،تدرج بهم الشيطان حتى صيروهم آلهة من دون الله، وقبور أولئك الموتى هي الأصل في المعابد التي تتربع فيها تلك الآلهة.
المطلب الثاني: قبورية فلاسفة اليونان:(1/73)
في تلك الأمة وذلك الجو نشأ فلاسفة اليونان على الوثنية والقبورية، وبقي ذلك هو اعتقادهم وتفكيرهم ولم يغنِهم ما وصلوا إليه في مختلف العلوم- التي أصبحوا فيها أساتذة العالم- لم تغنهم تلك العلوم، ولم ترتفع بتفكيرهم في الجانب الإلهي من حياتهم،بل ظلوا يتخبطون في ظلمات الجهل ومسالك الضلال، ذلك أن هذا الجانب ليس بمقدور العقول تصوّره التصوّر الصحيح، والوصول إلى حقيقته، وإنما مصدره هو الوحي الذي ينزله الله على رسله،فيبلغونه للناس ويقودونهم به إلى معرفة ربهم وما يجب عليهم، وما يلتحق بذلك من أركان الإيمان ومقوماته، وحيث إن أولئك الفلاسفة مصدرهم في بحثهم عن الحقيقة هو العقل، والعقل قاصر عن إدراكها فقد تاهوا في أودية الضلال وما وصلوا إلا إلى نظريات متناقضة، وقضايا فجّة غير ناضجة، وبقي ما تربَّوا عليه من الوثنية والقبورية؛ هو الذي يوجه تفكيرهم ويستحوذ على أعمالهم وطقوسهم، وقد شهد المتلقفون لفلسفة اليونان من علماء المسلمين على قدواتهم من فلاسفة اليونان بالقبورية وأبانوا كيف يتصور أولئك الفلاسفة إمداد أرواح الموتى لمن دعاهم وتشفع بهم.
يقول الفخر الرازي في كتابه المطالب العالية: (إن فلاسفة اليونان كانوا يستمدون الفيوض من القبور وأهلها، إذا اعترتهم مشكلة من المشكلات، وكان الفلاسفة من تلاميذ أرسطو إذا دهمتهم نازلة ذهبوا إلى قبره للحصول على المدد والفيض) 262.
وبما أن القوم فلاسفة وليسوا مقلدين لما كان عليه الآباء والأجداد فقد خرَّجوا تعلقهم بالقبور تخريجاً علمياً مبنياً على نظريتهم العامة في الإلهيات، حيث يؤمنون بنظرية الفيض أي أن " العقل الفعال " الذي هو موازٍ للإله يفيض على من دونه من المخلوقات.(1/74)
وبما أن أرواح الموتى القديسين هي كذلك آلهة صغيرة حسب العقيدة اليونانية العامة فإن تلك الأرواح تفيض على من زارها طالباً منها الشفاعة، وذلك بحسب يقين الزائر وفنائه في المزور واستعداد نفسه لتقبل ذلك الفيض، وهي بدورها تتلقى الفيض من الإله الأعظم، وقد مثلوا ذلك بانعكاس شعاع الشمس إذا وقع على جسم صقيل ثم انعكس على غيره، فإن الشمس إذا وقعت على الماء أو مرآة وانعكس شعاعها على حائط أو غيره حصل النور في الموضع الثاني بواسطة الشعاع المنعكس على المرآة، قالوا: فهكذا الرحمة تفيض على النفوس الفاضلة كنفوس الأنبياء والصالحين، ثم تفيض بتوسطهم على نفوس المتعلقين بهم، وكما أن انعكاس الشعاع يحتاج إلى المحاذاة فكذلك الفيض لابدّ فيه من توجه الإنسان إلى النفوس الفاضلة 263.
المطلب الثالث: اِتَّباع قبورية المسلمين لفلاسفة اليونان في علة زيارة القبور:
إن معظم ما يأتيه القبورية وما يعتقدونه تجاه القبور وأهلها وإنما هو اتباع للأمم السابقة، تصديقاً لحديث الرسول ( في حديث ذات أنواط حيث طلب بعض أصحابه أن يجعل لهم ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط فقال لهم: ((الله أكبر! إنها السنن،قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى ( اجعل لنا إلهاً كما لهم ءالهه قال: إنكم قوم تجهلون ( 264 لتركبن سنن من كان قبلكم)) 265، وجاء من حديث أبي سعيد رضي الله عنه بلفظ: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم، قلنا: يارسول الله اليهود والنصارى قال فمن؟)) 266، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه ((لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع،قيل: يا رسول الله،كفارس والروم؟ قال: مَنْ الناس إلا أولئك)) 267.
ويظهر من سبب ورود الحديث الأول أن بعضاً من هذه الأمة ستتبع اليهود فيما انحرفوا فيه من التفاتهم إلى التعلق بالمخلوقين،وهذا هو أساس القبورية.(1/75)
كما يظهر من الحديث الثالث أن اتباع الأمم السابقة لا يقتصر على اليهود والنصارى وإنما يتعداه إلى سائر فارس والروم،ومن الروم اليونان الذين نُقِلت فلسفتهم إلى الأمة الإسلامية فأفسدت عقائد قوم من المسلمين.
وممن تلقى عقائد الفلاسفة وألبسها رداء الإسلام ونشرها في الأمة المحمدية قبورية المسلمين من فلاسفة وباطنية شيعية وصوفية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهو يتكلم عن الوسائل المشروعة وغيرها: " الوجه الثاني أن يدعو له الرسول ( فهذه أيضاً مما يتوسل به إلى الله تعالى، فإن دعاءه وشفاعته عند الله من أعظم الوسائل فأما إذا لم يتوسل العبد بفعل واجب، ولا مستحب، ولا الرسول دعا له، فليس في عظم قدر الرسول ما ينفعه، ولكن بعض الناس الذين دخلوا في دين الصابئة والمشركين،ظنوا شفاعة الرسول ( لأمته لا تحتاج إلى دعاء منه، بل الرحمة التي تفيض على الرسول ( تفيض على المستشفع من غير شعور من الرسول ( ولا دعاء منه، ومثلوا ذلك بانعكاس شعاع الشمس إذا وقع على جسم صقيل ثم انعكس على غيره، فإن الشمس إذا وقعت على الماء أو مرآة، وانعكس شعاعها على حائط أو غيره؛ حصل النور في الموضع الثاني بواسطة الشعاع المنعكس على المرآة،قالوا: فهكذا الرحمة تفيض على النفس الفاضلة كنفوس الأنبياء والصالحين، ثم تفيض بتوسطهم على نفوس المتعلقين بهم،وكما أن انعكاس الشعاع يحتاج إلى المحاذاة فكذلك الفيض لابد فيه من توجه الإنسان إلى النفوس الفاضلة وجعل هؤلاء الفائدة في زيارة قبورهم من هذا الوجه.
وقالوا أن الأرواح المفارقة تجتمع هي والأرواح الزائرة فيقوى تأثيرها وهذه المعاني ذكرها طائفة من الفلاسفة ومن أخذ عنهم كابن سيناء وأبي حامد وغيرهم) 268.(1/76)
قلت: هذا فرع من فروع نظرية الفيض التي يعتقدها الفلاسفة،وطبيعي على هذا الاعتقاد أن يكون هناك توجه إلى النفوس الفاضلة لتكون واسطة بين المستشفع والخالق المعطي سبحانه، تلك الواسطة هي " الشافع " وقد قرر ذلك من أتباع الفلاسفة قوم كما ذكره شيخ الإسلام - رحمه الله - منهم أبو حامد الغزالي وذلك في كتابه " المظنون به على غير أهله " والفخر الرازي في كتابه "المطالب العلية" ونقل عن الاثنين أحد قبورية حضرموت وهو عبد الرحمن بن محمد العيدروس في كتابه " بذل المجهود في خدمة ضريح نبي الله هود "وجعل ذلك هو علة زيارة القبور، وسيأتي نص كلام الغزالي منقولاً من كتابه، وكلام الرازي عن العيدروس في مطلب علة الزيارة عند القبورية 269، وبهذا يتضح أن زيارات القبورية لم تكن هي الزيارات الشرعية التي علتها الاعتبار والاتعاض بحال الموتى ورقة القلب وتذكر الآخرة والدعاء للأموات والسلام، عليهم وإنما لاستمداد من الأموات على طريقة الفلاسفة.
وأما تشبههم باليهود والنصارى في البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها فظاهر، وحتى لا يقول قائل إن ذلك من أتباع الفلاسفة في علة الزيارة إنما هو مذهب مهجور لدى قبورية اليوم لا وجود له عندهم 0
أقول له ولكل من يدافع عنهم:انظر إلى محمد علوي مالكي -باعث القبورية في مكة من جديد ووارث أحمد زيني دحلان ويوسف النبهاني- انظر إليه وهو يحكي أحوال الزائرين للنبي (: (تختلف أحوال الزائرين في استفادتهم من زيارتهم واستمدادهم من الله بواسطة نبيهم المصطفى وحبيبهم المجتبى ( وبحسب استعدادهم في تلقي الفيوضات الإلهية والواردات الربانية بواسطة الحضرة المحمدية،) 2700
ويقول في موطن آخر: (اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد أول متلق لفيضك الأول. صلاة نشهدك بها من مرآته،ونصل بها إلى حضرتك من حضرة ذاته، قائمين لك وله بالأدب الوافر،مغمورين منك ومنه بالمدد الباطن والظاهر) 2710(1/77)
وأما تشبههم باليهود والنصارى في البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها فظاهر ليس به خفاء.
المبحث الرابع
القبورية عند العرب قبل الإسلام وصلتها بالوثنية
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: إثبات أن العرب كانوا على ملة إبراهيم ( الحنيفية السمحة:
كانت العرب وبالأخص عرب الحجاز على ملة أبيهم إبراهيم (، ملة التوحيد الحنيفية السمحة، برآء من الشرك وأهله، كما حكى الله تعالى عن إبراهيم ( مثنياً عليه وعلى أتباعه بذلك: ( إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين. شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين. ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ( 272 وقال تعالى مبرِئاً إبراهيم والذين معه من الشرك،ومقدِّمَهم لنا قدوةً، وجاعلاً لنا الأسوة فيهم ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إناَّ برءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ( 273..
وقد ذكّر الله العرب بهذا الإرث العظيم الذي ورثوه من أبيهم إبراهيم( فقال: ( ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ( 274(1/78)
وقد بقي العرب على تلك الملة قروناً، حتى ظهر عمرو بن لحي الخزاعي فغيرها، ودعا العرب إلى عبادة الأوثان، قال رسول الله (: ((وعرضت عليَّ النار فلما وجدت سفعتها تأخرت عنها، وأكثر من رأيت فيها النساء إنِ ائتمن أفشين،وإن سألن ألحفن، وإذا سئلن بخلن، وإذا أعطين لم يشكرن،ورأيت فيها عمرو بن لحي يجر قُصبه في النار وأشبه من رأيت به معبد بن أكثم الخزاعي، فقال معبد: يا رسول أتخشى عليَّ من شَبَهِه فإنه والدي، فقال: لا، أنت مؤمن وهو كافر، وهو أول من حمل العرب على عبادة الأصنام)) 275،وهناك ألفاظ أخرى بنفس المعنى في الصحيحين وغيرهما 276.
وكان سبب انحرافهم ووقوعهم في الشرك هو الغلو في الصالحين كما سيأتي في قصة عبادتهم للَّات أو للأماكن المقدسة كما في قصة نقلهم حجارة الحرم والطواف بها حيثما حلّوا.
المطلب الثاني: القبورية هي أصل الوثنية عند العرب:
كما هو الشأن -بعد كل رسالة من الرسالات السابقة- تأتي بعدها فترة ينقص العلم ويثبت الجهل، ويجد الشيطان سبيلاً إلى نفوس الناس وعقولهم، فينحرف بهم عن الصراط المستقيم، وقد مرّ معنا أن دين إبراهيم ظل قائماً حتى ظهور عمرو بن لحي الخزاعي الذي كان أول من غيّره وحرَف العرب عنه إلى عبادة الأصنام، وكان سبب وقوعهم في الوثنية هو الغلو في الصالحين منهم وتعظيم قبورهم حتى اتخذوها أصناماً،قال ابن عباس في قوله تعالى ( اللات والعزى (277: (كان اللات رجلاً يلت السويق للحاج) 278.
والذي أمرهم بذلك هو عمرو بن لحي.
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث -راداً على من زعم أن اللات هو عمرو بن لحي: (والصحيح أن اللات غير عمرو بن لحي، فقد أخرج الفاكهي من وجه آخر عن ابن عباس أن اللات لما مات قال لهم عمرو بن لحي: إنه لم يمت ولكنه دخل الصخرة فعبدوها وبنوا عليها بيتاً، وتقدم في مناقب قريش أن عمرو بن لحي هو الذي حمل العرب على عبادة الأصنام، وهو يؤيد هذه الرواية) 279.(1/79)
فهذا وجه من أوجه القبورية المؤدية إلى الوثنية عند العرب،وهناك وجه آخر وهو تعظيم آثار الصالحين ومنازلهم وبيوت عباداتهم تعظيماً زائداً على الحد المشروع.
قال ابن هشام في سيرته: قال: ابن إسحاق: (ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم -حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح في البلاد- إلا حمل معه حجراً من حجارة الحرم تعظيماً للحرم،فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة،حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة، وأعجبهم،حتى خلف الخلوف ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات) 280
فهذا السبب كما ترى كان ناتجاً عن تعظيم آثار إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فالحرم شرَّفه الله تعالى بهما حيث بَنَيَا فيه بيت الله الحرام والكعبة المشرفة، فكان تعظيم المكان ناتج عن تعظيم من اشتهر به وهو إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ذلك الغلو فيهما وفي البيت الذي ينسب إليهما كان سبباً في ضلال طوائف من العرب والزج بهم في الوثنية والشرك.
المطلب الثالث: انتشار الأصنام في جزيرة العرب:
بعد تلك البدايات البسيطة والبدائية أخذ إبليس يرقّي العرب في سلّم الوثنية حتى أصبحت ديناً تدين به، له شعائره 281 ومشاعره 282 وطقوسه 283 وعقائده وتنوعت العبادات من طواف وتمسح ودعاء واستشفاع واستقسام 284 بالأزلام بين يدي تلك الأصنام إلى نذر الأموال ونحر النعم وغير ذلك، كما انتشرت الأصنام في الجزيرة العربية انتشار النار في الهشيم بدءاً ببيت الله الذي أنشئ على التوحيد ولأجل التوحيد،حيث يقول الله تعالى عنه: ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ( 285.(1/80)
هذا البيت كان فيه أكبر تجمع للأصنام في جزيرة العرب حيث كان عدد الأصنام -التي كسرها رسول الله ( يوم فتح مكة في جوف الكعبة وحولها- ثلاثمائة وستين صنماً 286،كما كان في جوف الكعبة أشهر أصنام قريش على الإطلاق (هبل) 287،ولم تبق قبيلة من قبائل العرب إلا ولها صنمها الذي يعرف بها وتعرف به وتعبّد له أبناءها 288،بل تجاوز الأمر إلى أن أصبح لكل بيت صنمه الخاص به،289 وحتى المسافر لا يقيم أثناء سفره في بقعة إلا تخيّر من أحجارها ما يعجبه فينصبه إلهاً له.290
ولم يكتف الشيطان بذلك بل دلّهم على أصنام قوم نوح التي كانت مطمورة في رمال ساحل جدّة فاستخرجها مؤسس الوثنية في الجزيرة العربية عمرو بن لحي الخزاعي وفرقها على العرب فعظمت وعبدت فيهم 291.
وبذلك انطمست ملة إبراهيم وغاب التوحيد وحل الشرك محله،حتى صارت الدعوة إلى إخلاص العبادة لله تعالى من العجائب لديهم حينما صدع بها النبي ( فقالوا -كما حكاه القرآن -: ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب، وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد،ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاق ( 292.
المطلب الرابع: الحنفاء من العرب:(1/81)
ذلك هو الجوّ المظلم الذي وصلت إليه الأمة العربية قبل البعثة وهو الغالب عليها، ولكن بقي بصيص ضئيل من النور الخافت الذي نجا من أطباق الظلمة، ولكنه لم يهدِ أصحابه صراطاً مستقيماً، ولم يسلك بهم سبيلاً قويماً 293، وقد تمثّل ذلك في بقاء مجموعة صغيرة جداً متفرقة في أنحاء الجزيرة العربية، وربما كان بمكة منهم نصيب أوفر، أولئك هم من سُمّوا بالحنفاء نسبة إلى الحنيفية ملة إبراهيم، وتمثل تمسكهم بالحنيفية في رفضهم للوثنية من حيث عبادة الأوثان وتقريب القرابين لها،واعتقاد نفعها وضرّها وشفاعتها كما هو شأن الوثنيين، هداهم إلى ذلك فطرتهم التي مَنَّ الله عليهم ببقائها صافية نقية من كَدُورات الوثنية، غير أنهم لم يهتدوا إلى مراد الله تعالى وما يجب له من العبادة،حتى لقد نقل أهل السير عن زيد بن عمرو بن نقيل قوله: (اللهم إني لو أعلم أيّ الوجوه إليك أحب عبدتك به ولكني لا أعلمه) 294 ولذلك تفرقوا في البلاد يبحثون عن دين إبراهيم، فمنهم من دخل النصرانية كورقة بن نوفل، ومنهم من لم يدخل أيّ دين وبقي على ما هو عليه كزيد بن عمرو بن نفيل.
وقد ذكرت أسماء بعض هؤلاء فمنهم: قس بن ساعدة الأيادي، وزيد بن عمرو بن نفيل، وأمية بن أبي الصلت، وأبو قيس بن أبى أنس، وخالد بن سنان، والنابغة الذبياني، وزهير بن أبي سُلمى، وكعب بن لؤي بن غالب أحد أجداد النبي ( 295 وقد ذكر غيرهم أيضاً 296، غير أن من هؤلاء الذين ذكروا من تنصر، وكل هؤلاء لم يدركوا الإسلام إلا ورقة بن نوفل حيث أدرك الفترة الأولى من الوحي ففرح واستبشر وتمنى أن يعيش ليرى دعوة النبي ( وينصره ولكنه مات في فترة الوحي. 297
الفصل الثاني
القضاء على الوثنية والقبورية على عهد النبي ( والصحابة ( والتابعين
إلى نهاية القرون الثلاثة المفضلة
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول
حال جزيرة العرب حين مبعث النبي ( وكيف قضى على الوثنية فيها
وفيه مطلبان:(1/82)
المطلب الأول: حال جزيرة العرب عند مبعث النبي (:
عرفنا في مطلب القبورية عند العرب كيف فشت عبادة الأصنام، وشملت جميع أطراف جزيرة العرب، وأنه لم يبقَ على أصل التوحيد إلاّ أفراد يعدون بالأصابع، منبوذون من قومهم يلقون منهم السخرية والاستهزاء والمقت، وكيف سيطرت الجاهلية على جميع أوجه الحياة حتى أظلم الكون، واستوجب أهله مقت الله وغضبه، إلاّ أولئك الحنفاء القلائل وبقايا من أهل الكتاب مشردين في الصحاري والقفار متوارين في صوامعهم وأديرتهم، وقد صوَّر النبي ( تلك الحالة، وذلك فيما رواه مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي ( قال: ((ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلاّ بقايا من أهل الكتاب)) 298، هكذا كانت الدنيا بما فيها جزيرة العرب عند مبعث النبي (، فكيف انجابت تلك الظلمة، وزالت تلك الجاهلية؟ هذا ما سنعرفه في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: قضاء النبي ( على الوثنية في جزيرة العرب:(1/83)
لقد بعث الله ( رسوله ( بما بعث به إخوانه المرسلين من قبله؛ لإزالة الشرك،ونشر التوحيد، وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد سبحانه،كما قال تعالى: ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت( 299، فشمرّ الرسول ( في الدعوة إلى الله سراً وجهراً وليلاً ونهاراً، وكان أول ما أعلنه من دعوته حين أمره الله تعالى أن يصدع بها أن قال: ((يا أيها الناس قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا)) 300،فاستجاب له السابقون الأولون، وحاربه بقية قومه واستهجنوا ما جاء به واستنكروه، وقالوا ما حكاه الله عنهم: (وعجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاّب 0 أجعل الآلهة إلهًا واحداً إن هذا لشيء عجاب. وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد. ما سمعنا بهذا في المِلَّةِ الآخرة إن هذا إلا اختلاق ( 301.(1/84)
لكن الله أبى إلاّ أن يتم نوره ويعليَ كلمته ولوكره الكافرون، ومضى ( في دعوته وتربى على ذلك أصحابه، وانطلقوا دعاةً إلى ذلك، فاتسعت دائرة الحق وانتشر نور الإسلام بعد جهد كبير وزمن غير قصير؛ حمل عليه العناية الفائقة التي أولاها رسول ( للتربية وغرس العقيدة في النفوس حتى تمكنت منها، ثم توالت المحن وصب العذاب على أصحابه ليشتدّ عودهم وتصقل نفوسهم،حتى إذا تهيئوا لإقامة دولة التوحيد؛هيأ لهم الملاذ الآمن والقاعدة الصلبة التي تبنى عليها تلك الدولة، وذلك بإسلام الأوس والخزرج ومبايعتهم للنبي (، ثم هجرته إليهم، وحينما استقر في المدينة وثبّت دعائم الدولة انكفأ يدعو إلى الله بأسلوب آخر، بالقوة والجهاد لمن يعترض سبيل تلك الدعوة كما أمره الله تعالى بذلك حيث قال: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتةٌ ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإنَّ الله بما يعملون بصير( 302، وكما صرَّح هو ( عن حقيقة دعوته ووسيلته لتحقيقها حيث قال: ((بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجُعلَ رزقي تحت ظل رمحي وجُعلَت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبَّه بقوم فهو منهم)) 303.
وتوالت الحروب بينه وبين الكافرين مع استمراره في الدعوة والتربية، حتى أذن الله بالفتح ففتحت مكة، وعلى أثر ذلك دخل الناس في دين الله أفواجاً كما قال تعالى: ( إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً. فسبِّح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ( 304.(1/85)
وعند ذلك علت راية التوحيد خفاقة على ربوع الجزيرة العربية، وكانت الدولة والكلمة للإسلام، وزال الشرك وقضي عليه،حتى بعَث النبي ( في السنة التاسعة من الهجرة علياً ( بهذا الإعلان النهائي المشعر بأنه لا مكان للشرك في هذه الجزيرة، ولاحق لمشرك أن يمارس شركه فيها، فكان هذا الإعلان في موسم الحج ليسمعه كل من شهد الموسم ويعود لإبلاغه إلى قومه: ( براءةٌ من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين.فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غيرُ معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين. وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله، فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم 305 (، وكان عليّ يتبع ذلك بقوله: (ألا لا يحجنَّ بعد هذا العام مشرك،ولا يطوفن بالبيت عريان)306.
وبالفعل لم يعد ذلك الموسم من السنة العاشرة إلَّا وقد طهِّرت الجزيرة من الشرك والمشركين,وأُجلِب أهلها للاستجابة لدعوة الله، وحققوا توحيده، وصاروا من حزبه بعد أن كانوا من حزب الشيطان، فما حج رسول الله ( حجته الوحيدة الشهيرة بحجة الوداع إلّا وكل من حضر الموسم - وهم عدد كبير لم تشهد الجزيرة تجمعاً مثله من قبل - كلهم مسلمون موحدون وبذلك أكمل الله الدين وأتم النعمة على عباده المؤمنين وانتهت مهمة خاتم المرسلين، ونزلت في يوم عرفة من ذلك العام آخر آية من كتاب الله معلنة ذلك: ( اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ( 307.(1/86)
وحين رأى الشيطان تلك الفتوح وذلك الإقبال على دين الله وتلك النهاية للشرك والمشركين في جزيرة العرب،أصابه اليأس وغلب عليه القنوط من عودة الشرك إليها وقيام دولة له فيها كتلك التي هوت وتلاشت بقيام دولة الإسلام، وقد أخبر النبي ( بيأسه ذلك فقال: ((إنَّ الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم)) 308، وقال(: ((وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها))309، وقال: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك))310.
وليس معنى ذلك أن لا يتطرق أي نوع من الشرك على أي حال من الأحوال، وإنما المقصود نوع خاص من عبادة الشيطان،كما سيأتي إيضاحه في المبحث الثاني إن شاء الله.
المبحث الثاني
إنذار النبي ( بعودة الشرك إلى جزيرة العرب
والرد على من زعم المنع من عودة الشرك إليها مطلقاً
و فيه مطلبان:
المطلب الأول: الإنذار بعودة الشرك إلى جزيرة العرب:
رغم البشارات العظيمة التي رأيناها في المبحث السابق،فإن النبي ( أنذر كذلك بعودة الشرك والوثنية إلى هذه الجزيرة المباركة في أحاديث كثيرة صرَّح فيها بعبادة الأوثان مطلقاً،أو عبادة أوثان مخصوصة من أوثان العرب في جاهليتها،أو بلحوق أقوام من أمته بالمشركين، وهذا كله يدل على أن الأحاديث التي يُفهم منها امتناع عودة الشرك إلى جزيرة العرب ليس على إطلاقها، وإنما هي محمولة على معانٍ أو أحوال مخصوصة،والداعي إلى حملها على تلك الأحوال والمعاني المخصوصة هو وجوب الجمع بين النصوص الصحيحة؛ حتى نتمكن من إعمال جميع النصوص ولا نلجأ إلى التحكم بإبطال بعضها مع صحة أسانيدها إلى النبي ( كما صرّح بذلك علماء الأصول والمصطلح 311(1/87)
ومن هذه الأحاديث حديث ثوبان ( الطويل الذي أخبر فيه النبي ( ببلوغ الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها وفيه: ((لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان))312.
ومنها حديث أبي هريرة ( أن رسول الله ( قال: ((لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة)) 313.
ومنها حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ( قال: ((لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى، فقالت عائشة:يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله: ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ( 314 أن ذلك تام قال: ((إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيبة، فَتَوَفَّى كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم)) 315.
فهذه الأحاديث الثلاثة صحيحة أسانيدها، صريحة متونها،في أن الأوثان ستعبد في جزيرة العرب،وأن أقواماً من أمة محمد ( سيلتحقون بالمشركين،ومن باب الإنصاف فإنه يفهم من حديث عائشة رضي الله عنها أن ذلك كائن بعد أن يبعث الله الريح التي تقبض أرواح المؤمنين،ومع تسليمنا بذلك إلا أننا نقول: إنه ليس في الحديث ما يمنع وقوع الشرك وعبادة الأوثان قبل ذلك الريح، وهذا ما سننثبته في المطلب الثاني إن شاء الله.
المطلب الثاني: الرد على من زعم المنع من عودة الشرك إلى جزيرة العرب:
إن الأحاديث التي أوردنا بعضها في المطلب الأول لَتَردُّ على مَنْ منع عودة الشرك في هذه الأمة، وذلك من ناحيتين:(1/88)
الناحية الأولى أن هذه الأحاديث دالة قطعاً على أن الحديث الذي يستدلون به ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب))316 ليس على عمومه بل هو مخصوص، ومعلوم عند أهل الأصول أن العام الذي قد دخل عليه التخصيص تضعف دلالته بذلك،ولا يكون كالسالم من ذلك الذي لم يتطرق إليه تخصيص، وعلى هذا فإننا نقول إن كان النبي ( ذكر يأس الشيطان مقِراً له فإن ذلك محمول على حال مخصوص وهو أن تجتمع الأمة على عبادة الأوثان أو نحو ذلك من المعاني والأحوال.
وإن كان مجرد إخبار عن حال الشيطان حين بُهِر بانتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجاً فهذا ليس بدليل أصلاً؛ لأن يأْس الشيطان ليس بحجة على أحد،وهو لا شك مخلوق كسائر الخلق معرض لسوء التقدير وخلف الظن، وطروء سائر ما يطرأ على المخلوقين من أمل وقنوط ويأس واستبشار، ولا يلزم أن يتحقق كل ما يطرأ عليه، وما يأسُه هنا إلا من هذا القبيل، أيِسَ في ذلك الوقت الذي رأى فيه إقبال الخير واندحار الشر، ثم عاد إليه الأمل والرجاء منذ أن أوشك الرسول ( على الرحيل، وتحقق له شيء مما أمَّلَهُ على يد مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي وأتباعهما من المرتدين في نواحي الجزيرة العربية،وإن كان هذا الحال لم يدمْ طويلاً حيث قضى أبوبكر ومعه سائر الصحابة على تلك الردة، وأعادوا المرتدين إلى حظيرة الإسلام، إلا أن ما حصل كان دليلاً على أن يأس الشيطان لم يكن قاطعاً ولا ثابتاً، بل كان قابلاً للتحول إلى الأمل والرجاء.
الناحية الثانية إن مما يدل على أن ذلك الحديث ليس دالاً على عدم وقوع الشرك في جزيرة العرب هو وقوعه بالفعل وإليك نماذج من ذلك الوقوع:(1/89)
النموذج الأول الردة الواقعة عند وفاة النبي ( وهي معلومة لدى الجميع امتلأت بها كتب السير والتواريخ وكتب السنة والحديث 317، ومجرد الردة يعتبر عبادةً للشيطان على أي صورة كانت، فمجرد الكفر بالله يعتبر عبادة للشيطان، لأنه استجابة وطاعة للشيطان وتلك هي العبادة بعينها.
ومع ذلك فقد صرح العلماء برجوع طوائف من العرب إلى عبادة الأوثان.
فقد نقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض 318 وغيره أنهم قالوا: (كان أهل الردة على ثلاثة أصناف، صنف عادوا إلى عبادة الأوثان، وصنف تبعوا مسيلمة والأسود العنسي،وكان كل منهما، ادعى النبوة قبل موت النبي ( فصدق مسيلمة أهل اليمامة وجماعة غيرهم، وصدق الأسود أهل صنعاء وجماعة غيرهم - إلى أن قال - وصنف ثالث استمروا على الإسلام، ولكنهم جحدوا الزكاة وتأولوا بأنها خاصة بزمن النبي ( وهم الذين ناظر عمر أبا بكر في قتالهم كما وقع في حديث الباب، ثم نقل عن ابن حزم أن العرب انقسمت إلى أربعة أقسام "00 والثالثة أعلنت بالكفر والردة 00") 319.
وقد أقر الحافظ هذه الأقوال،كما أقرها غيره من العلماء والمؤرخين،وممن نقل ذلك عن القاضي عياض -مقراًًً له -أحد مؤرخي حضرموت المعتمدين لدى القبوريين وهو صالح بن علي الحامد في كتابه " تاريخ حضرموت " 320، فهذه الحادثة تنقض الاستدلال بحديث: ((يأس الشيطان)) وحديث: ((ما الشرك أخشى عليكم)) على استحالة عودة الشرك إلى جزيرة العرب نقضاً صريحاً.
النموذج الثاني - التصريح بألوهية علي بن أبي طالب ( من قبل عبدالله بن سبأ اليهودي وأتباعه أيام خلافته بالعراق.
روى البخاري - رحمه الله - في صحيحه عن عكرمة - رحمه الله - قال: (أتى علي ( بزنادقة فأحرقهم،فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي ( " لا تعذبوا بعذاب الله " ولَقَتَلْتُهم لقول النبي (: " من بدّل دينه فاقتلوه ")321.(1/90)
قال الحافظ في شرحه لهذا الحديث: (وزعم أبو المظفر الإسفرايني في " الملل والنحل " أن الذين أحرقهم عليٌّ ( طائفة من الروافض ادعَوا فيه الألوهية وهم السبأية،وكان كبيرهم عبدالله بن سبأ يهودياً، ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة، وهذا يمكن أن يكون أصله: ما رويناه في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبدالله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل لعلي (: إن هنا قوم على باب المسجد يدّعون أنك ربهم فدعاهم فقال لهم ويلكم ما تقولون؟ قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا فقال: ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل الطعام كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء، وإن عصيته خشيت أن يعذبني، فاتقوا الله وارجعوا، فأبَوا إلا ذلك،فقال: ياقنبر ائتني بفَعَلَةٍ322 معهم مَرورهم 323، فخُدَّ لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر،وقال: احفروا فأبعِدوا في الأرض، وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال إني طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا فلما كان الغد غدَوا عليه، فجاء قنبر فقال: قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام، فقال: أدخلهم، فقالوا كذلك، فلما كان الثالث قال:لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة فأبوا إلا ذلك أن يرجعوا فقذف بهم فيها حتى احترقوا وقال:
إني إذا رأيت الأمر أمراً منكراً أو قدت ناري ودعوت قنبراً
وهذا سند حسن) 324.
وقد اعترف الرافضة أنفسهم بهذه الحادثة،فقد أورد الدكتور عبد الرسول الغفار في كتابه "شبهة الغلو عند الشيعة " عدد من الروايات عن أئمة الشيعة تؤيد ما ذكره الحافظ.325.
وهذا شرك لا ريب فيه وعبادة للشيطان على جميع وجوه التفسير لذلك الحديث، فإن قال قائل: إن هذا ليس في جزيرة العرب، قلت: هل الشرك ممتنع في خصوص الجزيرة أم في عموم الأمة؟ الذي أعرفه من كلام القوم هو أن الشرك ممتنع في عموم الأمة0 وعلى ذلك فهذه الحادثة ردٌّ صريح عليهم.(1/91)
النموذج الثالث القرامطة الذين أعلنوا عن كفرهم بأقوالهم وأفعالهم، وأجمع العلماء والمؤرخون على كفرهم وقد خرجوا في هذه الأمة وفي جزيرة العرب، وكان مقر ملكهم البحرين،ووصل من كفرهم أنهم أغاروا على مكة فقتلوا الحجيج، وانتهكوا حرمة البيت، واقتلعوا الحجر الأسود من موضعه واحتملوه معهم إلى مقر ملكهم، ومكث عندهم بضعاً وعشرين سنة ثم أعادوه، وعندما فعل قائدهم الخبيث فعلته رفع عقيرته متبجحاً بما فعل معلناً كفره وإلحاده قائلاً:
فلو كان هذا البيت لله ربنا لصبَّ علينا النار من فوقنا صبا
لأنا حججنا حجة جاهلية مجللة لم تبقِ شرقًا ولا غربا 326
وهذا النموذج رد آخر صريح على من يزعم أن الشرك لن يعود إلى جزيرة العرب، إلا إن كان يفهم من الحديث أن عبادة الشيطان لا تكون إلا بعبادة الأصنام خاصة فإن صاحب هذا الفهم ربما سلم له ذلك ولكن ما الدليل على تخصيص عبادة الشيطان بذلك دون سواه من أنواع الكفر والإلحاد؟
الواقع أنه لا دليل على ذلك،وأن جميع أنواع الكفر- من شرك وإلحاد وغيرها من أنواع الكفر -هي من عبادة الشيطان، بل جميع المعاصي من عبادة الشيطان.
قال الإمام الرازي - رحمه الله -: " المسألة الرابعة " قوله: ( لا تعبدوا الشيطان ( معناه لا تطيعوه بدليل أن المنهي عنه ليس هو السجود له فحسب، بل الانقياد لأمره والطاعة له فالطاعة عبادة) 327، وهذا يشمل جميع أنواع المعاصي.
وقد عدَّ الشنقيطي -رحمه الله - الحكم بغير ما أنزل الله من عبادة الشيطان فقال: (واتباع الشرائع المخالفة لما شرعه الله تعالى هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ( 328 وقوله تعالى على لسان إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً (329) 330.(1/92)
النموذج الرابع -علي بن الفضل الجدني الذي ظهر في اليمن عام (278هـ) وقتل بعاصمة مملكته المذيخرة عام (304 هـ) هذا الرجل أجمع -كذلك- على كفره وإلحاده العلماء والمؤرخون ونقلوا عنه الإلحاد الصريح والكفر البواح، فهل يقول القبوريون أنه ليس بكافر؛لأن جزيرة العرب لن يعود إليها الشرك إلى قيام الساعة أم بماذا يجيبون عنه؟
النموذج الخامس رؤساء وقادة الحزب الاشتراكي اليمني الذين أعلنوا الإلحاد وحاربوا الله ورسوله والمؤمنين، وأحلوا المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة،واستهزأوا بالله ورسوله، اتفقت كلمة العلماء المعتبرين- المعاصرين لهم- على كفرهم وإلحادهم في الجملة، وهو دليل قاطع على أن الشرك قابل أن يعود إلى جزيرة العرب وإلى سواها من بلاد العالم الإسلامي،ولا يمكن للقبوريين أن يردوا هذا الدليل بأي حجة مقنعة، فلم يبق بعد هذه النماذج شبهة للقبوريين إلا: الهوى والإصرار على التمسك بالقول وإن ظهر خطؤه.
ومما يدل على إمكان وقوع الشرك في هذه الأمة تواطؤ جميع المؤلفين في الفقه، وكذا كتب أحاديث الأحكام على تخصيص باب أو كتاب في كل مؤلفاتهم الشاملة باسم باب الردة، ولو كان الأمر مستحيلاً لما أضاعوا الجهد والوقت في الكلام على أمر مستحيل الوقوع، إنهم ما فعلوا ذلك إلا وهم يعلمون يقيناً أن ذلك ممكن، وأن ما يستدل به القبوريون لايدل على شيء من ذلك.
المبحث الثالث
خلو الثلاثة القرون المفضلة من مظاهر القبورية وآثارها
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: تصريح العلماء بخلوّ القرون المفضلة عن وجود المشاهد والمساجد على القبور:(1/93)
سبق في الباب التمهيدي الأحاديث الناهية عن اتخاذ القبور مساجد والأمر بتسوية القبور،وعرفنا كيف طبّق الصحابة والتابعون تلك الأحاديث،وكيف فعلوا بقبر النبي ( عند موته، ثم كيف فعلوا عندما اضطروا إلى إدخال موضع قبر النبي ( وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر، وكيف تصرف الصحابة إزاء قبر دانيال حين وجدوه أيام الفتوح، وعرفنا مما سبق حذرهم الشديد من ظهور تعظيم القبور وتقديسها خشية الافتتان بها، وعلى ذلك فلا غروَ أن يسير التابعون لهم بإحسان على طريقهم، وكذلك تابعوهم رضي الله عن الجميع ورحمهم رحمة واسعة، وهذا ما صرح به العلماء رحمهم الله تعالى.(1/94)
قال شيخ الإسلام ا بن تيمية -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى وهو يتكلَّم عن مشهد رأس الحسين (: (...دَعْ خلافة بني العباس في أوائلها وفي حال استقامتها فإنهم حينئذ لم يكونوا يعظمون المشاهد سواء منها ما كان صدقاً أو كذباً كما حدث فيما بعد؛ لأن الإسلام كان حينئذ في قوته وعنفوانه ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء في بلاد الإسلام لا في الحجاز ولا اليمن ولا الشام ولا العراق ولا مصر ولا خراسان ولا المغرب ولم يكن قد أحْدِث مشهد لا على قبر نبي ولا صاحب ولا من أهل البيت ولا صالح أصلاً، بل عامة هذه المشاهد محدثه بعد ذلك، وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس وتفرقت الأمة وكثر فيهم الزنادقة والملبسون على المسلمين،وفشت فيهم كلمة أهل البدع وذلك من دولة المقتدر في أواخر المائة الثالثة، فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القداحية بأرض المغرب ثم جاءوا بعد ذلك إلى أرض مصر وقريباً من ذلك ظهر بنو بويه وكان في كثير منهم زندقة وبدع قوية، وفي دولتهم قويَ بنو القداح بأرض مصر، وفي دولتهم أظهر المشهد المنسوب إلى علي ( بناحية النجف، وإلاّ فقبل ذلك لم يكن أحد يقول إن قبر علي هناك وإنما دفن علي ( بقصر الإمارة بالكوفة. وإنما ذكروا أن بعضهم حكى عن الرشيد أنه جاء إلى بقعة هناك وجعل يعتذر إلى المدفون فيها، فقالوا إنه علي،وإنه اعتذر إليه مما فعل بولده، فقالوا هذا قبر علي،وقد قال قوم إنه قبر المغيرة بن شعبة والكلام عليه مبسوط في غير هذا الموضع)331.(1/95)
ويؤيد ماقرره شيخ الإسلام مقاتله الإمامان الذهبي وابن كثير، يقول الذهبي في آخر ترجمة عضد الدولة البويهي الذي قال عنه قبل ذلك: (وكان شيعياً جلداً أظهر بالنجف قبراً زعم أنه قبر الإمام علي وبنى عليه المشهد وأقام شعار الرفض ومأتَم عاشوراء والاعتزال) ثم قال: وبه ختم ترجمة عضد الدولة: (قلت:فنحمد الله على العافية فلقد جرى على الإسلام في المائة الرابعة بلاء شديد بالدولة العبيدية بالمغرب، وبالدولة البويهية بالمشرق وبالأعراب القرامطة فالأمر لله تعالى).332.
وقال ابن كثير في حوادث سنة (347 هـ):(وقد امتلأت البلاد رفضاً وسباً للصحابة من بني بوية وبني حمدان والفاطميين، وكل ملوك البلاد مصراً وشاماً وعراقاً وخرا سان وغير ذلك من البلاد كانوا رفضاً وكذلك الحجاز وغيره،وغالب بلاد المغرب،وكثر السب والتكفير منهم للصحابة) 333.
ويؤيده كذلك ما ذكره السمهودي -رحمه الله -في كتابه (وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى) وهو يتحدث عن قبر فاطمة رضي الله عنها قال: (وإنما أوجب عدم العلم بعين قبر فاطمة رضي الله عنها وغيرها من السلف ما كانوا عليه من عدم البناء على القبور وتجصيصها)334.
ثم قال تحت عنوان: " بيان المشاهد المعروفة اليوم بالبقيع وغيره من المدينة المشرفة ": (اعلم أن أكثر الصحابة ( -كما قال المطري ممن توفي في حياة النبي ( وبعد وفاته- مدفونون بالبقيع وكذلك سادات أهل بيت النبي ( وسادات التابعين (.
وفي مدارك عياض عن مالك أنه مات بالمدينة من الصحابة نحو عشرة آلاف وباقيهم تفرقوا في البلدان.
وقال المجد: " لاشك أن مقبرة البقيع محشوة بالجماء الغفير من سادات الأمة غير أن اجتناب السلف الصالح المبالغة في تعظيم القبور وتجصيصها أفضى إلى انطماس آثار أكثرهم فلذلك لا يعرف قبر معين منهم إلاّ أفراداً معدودة ") 335.(1/96)
ويؤيده أيضاً ما ذكره الشافعي- رحمه الله تعالى - في كتابه الأم قال: (ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة)، قال الراوي عن طاووس: (إن رسول ( نهى أن تبنى القبور أو تجصص - قال الشافعي -:(وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يبنى فيها فلم أرَ الفقهاء يعيبون ذلك) 336.
وحتى قبورية اليمن يعترفون بذلك، فهذا الشلي337ّ يقول وهو يتحدث عن مقابر تريم: (إن كثيرا منهم لايعرف عين قبره، بل ولا جهته لأن المتقدمين كانوا يجتنبون البناء والكتابة على القبور وإنما استحسنه
المتأخرون) 3380
المطلب الثاني:ما يستدل به القبورية على وجود مشاهد ومبان على القبور في تلك القرون:
القبورية فرقة مبتدعة كسائر الفرق المبتدعة الضالة، يجمعها جميعاً تتبع المتشابه من القول والإعراض عن المحكم الصريح، فبرغم الأدلة القطعية على النهي عن البناء على القبور وتجصيصها واتخاذها مساجد والكتابة عليها وغير ذلك من الأدلة المحكمة، إلا أنهم تركوا ذلك كله واحتجوا بأمور لا يجوز الاحتجاج بها، إما لعدم ثبوتها أو لعدم دلالتها على المطلوب، وسأذكر هنا ما استدلوا به من وجود مبان على القبور في القرون المفضلة وهي:
(1) أن الصحابة ( بنوا مسجداً على القبر في حياته ( فأقرهم على ذلك، ولم يأمرهم بهدمه.
(2) أن عمر بن الخطاب( ضرب خيمة على قبر زينب بنت جحش رضي الله عنها.
(3) أن عثمان بن عفان ( ضرب الفسطاط على قبر الحكم بن أبي العاص.
(4) أن محمد بن الحنفية ضرب فسطاطاً على قبر عبدالله بن العباس (.
(5) أن فاطمة بنت الحسين امرأة الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ضربت على قبره القبة سنة ثم رُفعت.
(6) أن عائشة رضي الله عنها أمرت بفسطاط فضرب على قبر أخيها عبدالرحمن حين مات بذي طوى.
(7) أن خارجة بن زيد قال: (رأيتني ونحن شبان في زمان عثمان بن عفان ( وإن أشدَّنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مضعون حتى يجاوزه).(1/97)
قلت:هذه سبعة آثار استدل بها القبوريون على وجود أصلٍ لما دَرَجوا عليه من البناء على القبور في عهد
السلف الصالح ( 339،وسأرد - بحول الله- على ذلك مبيناً أنه لا أساس لما تمسكوا به إلا ما يفعله من قال الله فيهم:(فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا ّالله ( 340.
المطلب الثالث: الرد على ما استدلوا به من الشبهات على وجود مبان على القبور في تلك القرون:
الشبهة الأولى - قولهم بأن الصحابة بنوا مسجداً على القبر في حياته ( فأقرهم على ذلك، وهم يريدون بذلك ما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة أبي بصير (،حيث ذكر قصة مجيئه إلى النبي ( بعد صلح الحديبية، وإرسال المشركين يطلبون إرجاعه إليهم وكيف سلَّمه إليهم،ثم قتل أبو بصير ( أحد الرسولين ثم خرج إلى سيف البحر ومكث هناك،ولحق به أبو جندل بن سهيل بن عمرو وجماعة من المسلمين، وأنهم شكَّلوا عصابة لقطع الطريق على المشركين والاستيلاء على قوافلهم،حتى أرسل المشركون للنبي ( يرجونه قبولهم لديه فأرسل النبي ( إليهم كتاباً بذلك، فجاء الكتاب وأبو بصير ( في حال الموت،فمات وكتاب رسول ( على صدره فصلى عليه أبو جندل.
والقصة إلى هنا- في البخاري وغيره-مُسنَدة،غير أن فيما ساقه ابن عبد البر زيادة ((وبنى على قبره مسجداً)) 341،وهذا موضع الشاهد الذي احتجَّ به القبوريون كما فعل الغماري في رسالته إحياء المقبور حيث قال: (الدليل الثامن: أن الصحابة بنوا مسجداً على القبر في حياته ()342ثم ساق القصة عن الاستيعاب وفيها تلك الزيادة.(1/98)
قلت: نعم ذكر ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب ولكنه ساق القصة من طريق عبد الرزاق عن معمر -قال الزهري في حديثه -: غير أن عبد الرزاق لم يذكر موضع الشاهد وإنما وقف عند قوله: (فأرسلت قريش إلى النبي ( تناشده الله والرحم، إلاّ أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي ( إليهم) 343، وإلى هنا ساق القصة ابن عبد البر ثم قال: (وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر في أبي بصير بأتم ألفاظٍ وأكمل سياقه)، ثم ذكر القصة وفيها موضع الشاهد (فقدم كتاب رسول الله ( على أبي جندل وأبو بصير يموت فمات وكتاب رسول الله ( بيده يقرأه فدفنه أبو جندل مكانه وصلى عليه وبنى على قبره مسجداً) 344.
فأنت ترى أن ابن عبد البر فرَّق بين رواية عبد الرزاق الموصولة الصحيحة وبين هذه الرواية التي نقلها عن موسى بن عقبة، وقد دمجها الغماري تدليساً على القارئ ليتوهم أن القصة كلها بذلك الطريق الصحيح المسند والواقع خلاف ذلك.
وبعد أن عرفنا أن قصة المسجد إنما هي من رواية موسى بن عقبة نعود لنقول: هناك اعتراض على الاستشهاد والاستدلال بالقصة من ناحيتين:
الناحية الأولى من جهة السند: فموسى بن عقبة رواها عن الزهري مرسلة، وقد رواها من طريق موسى بن عقبة البيهقي في دلائل النبوة من طريقين عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب مرسلة 345، كما رواها ابن عساكر في تاريخه،ذكره الشيخ الألباني وقال: (رواية موسى بن عقبة في تاريخ ابن عساكر(8/334/1)رواه بإسنادين عنه عن ابن شهاب مرسلا ً أو معضلاً بلفظ: (وجعل عند قبره مسجدا) 346.(1/99)
وبناء على ما تقدم فإن هذا المرسل لا يحتج به كما هو مقرر عند علماء الحديث، هذا لوكان سالماً من المعارضة،فكيف وهو مخالف لما في البخاري،حيث لم يذكر تلك الزيادة هو ولا أحد ممن خرَّج تلك القصة سوى موسى بن عقبة، ثم هو مخالف للأحاديث التي تبلغ مبلغ التواتر المعنوي في المنع من بناء المساجد على القبور ولعنِ فاعلِ ذلك،مع تأخّر تلك الأحاديث أو بعضها عن هذه الحادثة؛إذ كان لعن أولئك في مرض موت الرسول (.
الناحية الثانية من جهة المتن: في اللفظ الذي ذكره ابن عبد البر (وبنى على قبره مسجداً)،هذا اللفظ قد خالفه ثلاثة من الحفاظ، روَوه بلفظ: (وجعل عند قبره مسجداً)، وهم: البيهقي في دلائل النبوة،وابن عساكر في تاريخه وتقدم العزْو إليهما، والثالث الحافظ ابن حجر في الفتح حيث قال في شرح الحديث الذي ساقه البخاري في كتاب الشروط من صحيحه: (وفي رواية موسى بن عقبة عن الزهري فكتب رسول الله ( إلى أبي بصير فقدم كتابه وأبو بصير يموت فمات وكتاب رسول الله ( في يده فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجداً) 347،
وظاهر أن (عند قبره) يختلف قطعاً عن (على قبره)، فبناء المسجد على القبر هو الذي فيه النزاع، والذي قد وردت الأحاديث بتحريمه ولعن فاعله، وأما البناء عند القبر فيختلف باختلاف قصد الباني وليس فيه نهي لذاته فلو فرضنا أن هذا اللفظ صحيح فإنه لا دليل فيه على مطلوب القبورية.
وهناك ناحية ثالثة وهي على افتراض أن السند صحيح وأن اللفظ هو كما أورده الغماري: (على قبره مسجداً)، فإن التعارض قائم لا شك ولا إمكان للجمع، والتاريخ معروف، فقصة أبي بصير قبل السنةِ الثامنة سنةِ الفتح،والأحاديث الناهية عن اتخاذ المساجد على القبور في آخر أيام النبي (،بعضها قبل موته ( بخمسة أيام348 وبعضها وهو محتضر349 فهي ناسخة لتلك القصة وبهذا لا يبقى للقبورية أي استدلال بهذه القصة.(1/100)
الشبهة الثانية من شبهات القوم:أن عمر بن الخطاب ضرب خيمة على قبر زينب بنت جحش رضي الله عنها.
قلت: قصة ضرب عمر ( الخيمة على قبر زينب بنت جحش رضي الله عنها رواها ابن سعد من طريق محمد بن المنكدر،وعن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه، فلفظ محمد بن المنكدر عن عمر:(أنه مرَّ على حفارين يحفرون قبر زينب في يوم صائف فقال: (لو أني ضربت عليهم فسطاطاً، فكان أول فسطاط ضرب على قبر) 350، ولفظ موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه (أمر بفسطاط فضرب على قبرها لشدة الحر يومئذ فكان أول فسطاط ضرب على قبر بالبقيع) 351، وهناك لفظ ثالث عن عبدالله بن ربيعة قال: (رأيت عمر بن الخطاب صلى على قبر زينب بنت جحش سنة عشرين في يوم صائف ورأيت ثوباً مد على قبرها وعمر جالس على شفير القبر) 352.
وهذه الألفاظ جميعها مبينة أن الفسطاط الذي ضرب أو الثوب الذي مد كما في الرواية الثالثة؛إنما مُدَّ لإظلال الحفارين ووقايتهم من حر الشمس في ذلك اليوم الصائف، فأي دليل فيه على بناء المساجد والمشاهد على القبور؟ !،هذا إن صح، ولم أكلِّف نفسي البحث في أسانيدها لأنها حتى لو صحت لم تدل على قصد المستدل،وهذا واضح فبطل الاستدلال بهذه القصة.
الشبهة الثالثة من شبهات القوم: قصة عثمان بن عفان ( حين ضرب الفسطاط على قبر الحكم بن أبي العاص، ولفظها عند ابن سعد من طريق الواقدي سنده إلى ثعلبة بن أبي مالك قال: (رأيت يوم مات الحكم بن أبي العاص في خلافة عثمان بن عفان ضرب على قبره فسطاطاً في يوم صائف، فتكلم الناس فأكثروا في الفسطاط فقال عثمان: (ما أسرع الناس إلى الشر وأشبه بعضهم إلى بعض، أنشدكم الله من حضر نشدتي: هل علمتم عمر بن الخطاب ضرب على قبر زينب بنت جحش فسطاطاً؟ قالوا: نعم،قال: فهل سمعتم عائباً؟ قالوا: لا) 353،قلت: الحديث في سنده الواقدي ومع ذلك فهو من حيث الدلالة كالذي قبله لادليل فيه على ما يريدون.(1/101)
الشبهة الرابعة من شبهاتهم: أن محمداً بن الحنفية ضرب فسطاطاً على قبر عبدالله بن عباس (،قلت: الأثر رواه ابن أبي شيبة من طريق هشيم عن عمران بن أبي عطاء قال:(شهدت وفاة ابن عباس فوليه ابن الحنفية فبنى عليه بناءً ثلاثة أيام) 354 وكذلك أخرجه الحاكم من طريق هشيم إلا أنه قال: (حدثنا أبو حمزة، ثنا عمران بن أبي عطاء، فجعلها اثنين أبا حمزة وعمران مع أن الصحيح أن أبا حمزة هو عمران نفسه فلا أدري أهي غلطة مطبعية أم أنه وهم من الحاكم -رحمه الله-،ولم يعلق الذهبي على ذلك،ولا محقق الكتاب في طبعته الجديدة 355، وكذلك رواه الخطيب في "مُوضِح أوهام الجمع والتفريق" من طريقين: أحدهما عن سفيان عن عمران بن أبي عطاء،وأخرى عن هشيم عن أبي حمزة الأسدي يريد بذلك إثبات أن عمران بن أبي عطاء هو أبو حمزة الأسدي) 356، وعمران الذي يدور عليه الأثر من رجال مسلم وقال عنه الحافظ في التقريب: (صدوق له أوهام) 357، فالأثر ثابت رغم ذلك؛ لأنه يحكي مشاهدة ورؤية فلا يضر ما قيل عنه من أوهام، غير أن الأثر لا يفيد القوم شيئاً إذ أنه لا يخرج عما سبق من الآثار،إذ بقاء الفسطاط -الذي جاء مصرحاً به في رواية الجميع كان لمدة ثلاثة أيام فقط- دالّ أنه كان لغرض آخر غير ما تَرمِي إليه القبورية؛ فإما أن يكون بُنِي على الحفارين ثم ظلَّ كذلك وهذا الأقرب وإما لأمر آخر، ولكن أن يحتج به على بناء المشاهد والمساجد على القبور فهذا لا يقوله عاقل منصف.
الشبهة الخامسة: قصة فاطمة بنت الحسين وضربها القبة على قبر زوجها الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
قلت: هذا الأثر قد علَّقه البخاري في صحيحه،في كتاب الجنائز،في باب "ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور" قال: (ولما مات الحسن بن الحسن بن علي ( ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثم رُفعت فسمعوا صائحاً يقول: (ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه الآخر: بل يئسوا فانقلبوا) 358(1/102)
وهذا الأثر قد حمَلَ نقدَه وتفنيدَه معَه؛ لأمور:
الأمر الأول - إيراد البخاري له في هذا الباب دال على استنكاره له، قال الحافظ -رحمه الله-: (ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة هناك فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر وقد يكون في جهة القبلة فتزداد الكراهة) 359.
والأمر الثاني ذكرُ الهاتف فإنه مُشْعِر بقبح ما صنعت تلك المرأة.
قال ابن المنير _كما نقل عنه الحافظ _: (إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بالميت بالقرب منه تعليلاً للنفس، وتخيلاً باستصحاب المألوف من الأنس ومكابرة للحس، كما يتعلل بالوقوف على الأطلال البالية ومخاطبة المنازل الخالية،فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح ما صنعوا، وكأنهما من الملائكة أومن مؤمني الجن، وإنما ذكره البخاري لموافقته للأدلة الشرعية لا لأنه دليل برأسه) 360، إذاً فعلى رأي ابن المنير إنما أورد البخاري ذلك للاستئناس به لما ذهب إليه من كراهة اتخاذ المساجد على القبور وليس لتأييد ذلك.
قال القسطلاني -رحمه الله - في شرحه على البخاري: (ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة فيه فيسلتزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهية وإذا أنكر الصائح بناءً زائلاً وهو الخيمة فالبناء الثابت أجدر، ولكن لا يُؤخَذ من كلام الصائح حكم لأن مسالك الأحكام الكتاب والسنة والقياس والإجماع ولا وحي بعده عليه الصلاة والسلام، وإنما هذا وأمثاله تنبيه على انتزاع الأدلة من مواضعها واستنباطها من مظانها) 361. وبهذا يظهر أن الدليل هو لنا وليس للقبورية.
الشبهة السادسة من شبهات القوم: أن عائشة رضي الله عنها أدركت أخاها عبد الرحمن بعد موته -حين رفعوا أيديهم عن دفنه بذي طوى -فأمرت بفسطاط فضرب على قبره.(1/103)
قلت: هذا الأثر علقه البخاري -رحمه الله تعالى- قال: (رأى ابن عمر ( فسطاطاً على قبر عبدالرحمن فقال: انزعه يا غلام فإنما يظلّه عمله) 362.
وقال الحافظ في شرحه: (وعبد الرحمن هو ابن أبي بكر الصديق بَيَّنَه ابن سعد في روايته له موصولاً من طريق أيوب بن عبدالله بن يسار قال: (مرَّ عبدالله بن عمر على قبر عبدالرحمن بن أبي بكر أخي عائشة وعليه فسطاط مضروب فقال: يا غلام انزعه فإنما يظله عمله، قال الغلام تضربني مولاتي. قال: كلا فنزعه)،ومن طريق ابن عون عن رجل قال: (قدمت عائشة ذا طوى حين رفعوا أيديهم عن عبدالرحمن بن أبي بكر فأمرت بفسطاط فضرب على قبره ووكلت به إنساناً وارتحلت فقدم ابن عمر...) فذكر نحوه، وقد تقدَّم توجيه إدخال هذا الأثر في هذه الترجمة)، قلت: يعني ما ذكره في الأثر السابق أثر فاطمة بنت الحسين وهو أن البخاري قاس الفسطاط على المسجد في الكراهة.
وهذا الأثر كذلك يجب أن يستدل به على محاربة الصحابة لتلك المظاهر لا على إثباتها وتأصيلها،فعائشة رضي الله عنها نصبت تلك الخيمة ولم يتبين لنا ما هو السبب في ذلك، ولا لأي غرض كان نصبها،ثم ذهبت فلما جاء ابن عمر( استنكر ذلك وعبّر عن استنكاره بالأمر بنزع ذلك الفسطاط، رغم إخبار الغلام له بأن من أمر به هو عائشة رضي الله عنها،ورغم ما يكنّه الصحابة جميعاً لعائشة رضي الله عنها من التقدير والاحترام،إلا أن ذلك لم يمنع ابن عمر من تغيير ما رأى أنها أخطأت فيه.(1/104)
ولم يذكر بعد ذلك لنا محدث ولامؤرخ أن عائشة اعترضت على ما فعله ابن عمر،وهذا دليل على أنها رجعت إلى ما رآه ابن عمر، خصوصاً وأن عائشة رضي الله عنها ليست ممن يسكت على ما يرى خلافه، ومن أجل ذلك كثرت استدراكاتها على الصحابة حتى جمعها الزركشي - رحمه الله - في كتاب مستقل سماه (الإجابة لما استدركته عائشة رضي الله عنها على الصحابة) ولم يذكر هو ولا غيره أن عائشة رضي الله عنها استدركت على ابن عمر ما فعل، فسقط هذا الدليل والحمد لله.
الشبهة السابعة: أثر خارجة بن زيد -رحمه الله- أحد الفقهاء السبعة أنه قال: (رأيتني ونحن شبان في زمن عثمان ( وإن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه).
قلت: الأثر علقه البخاري 363 بنفس اللفظ، وقد تعرض له العلامة عبدالرحمن المعلمي اليماني 364 - رحمه الله- في كتاب البناء على القبور وردّه من أحد عشر وجهاً، وأكتفي بوجهين اثنين فقط أراهما مزيلين للإشكال، قال رحمه الله: (ثانياً في تهذيب التهذيب في ترجمة خارجة: " قال ابن نمير وعمرو بن علي: مات سنة (99هـ) وقال ابن المديني وغير واحد: مات سنة مائة "، فظاهر هذا أن الأكثر على أن موته كان سنة مائة والجمع أولى بأنه مات أواخر سنة (99هـ)، وفي تاريخ ابن عساكر أنه توفي وعمره سبعون سنة، وذكر لذلك قصة أن خارجة قال:" رأيت كأني بنيت سبعين درجة، فلما فرغت منها هويت وهذا السنة لي سبعون سنة وقد أكملتها، قال فمات فيها ".
ونقل مثله ابن خلكان عن طبقات ابن سعد، فإذا أنقصنا سني عمره من سني الهجرة لموته بقي تسع وعشرون، فيكون مولده آخر سنة تسع وعشرين،وعثمان قتل سابع ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، فيكون سن خارجة يوم قتل عثمان ست سنين تقريباً،فكيف يكون شاباً في زمن عثمان؟.(1/105)
وقد راجعت طبقات ابن سعد، "طبع أورُبَّا" فظهر أنه روى هذه القصة عن الواقدي) - قلت: والمعلمي -رحمه الله- يشير بذلك إلى ضعف القصة حيث ظهر تناقضها- ثم قال (ثالثاً: إذا سلم إسناده ولم نعتبر هذه علة قادحة فيه، فإنه ينبغي الجمع بأن يتأول الأثر بأن قوله:(شبّان) مجاز، أراد أننا غلمان أقوياء أصحاء كأننا شبان، ويؤيد هذا كلمة (غلمان) الثابتة في التاريخ وإن حذفت في التعليق، ويؤيده أيضاً أنه لو كانوا أبناء تسع سنين ونحوها لما ذهبوا يتواثبون على قبر رجل من أفاضل السابقين، ولاسيما وبجواره قبر ابن رسول الله (، وهذا ممنوع في الشرع اتفاقاً لأن من روى عنه إباحة الجلوس على القبر لا يبيح التوثب عليه. وقوله: (إن أشدنا وثبة... الخ).يدل أن أكثرهم يقصر فيقع على القبر والذي يجاوزه يقع على القبور المجاورة، وأبناء الصحابة ( لم يكونوا يبلغون التمييز إلاّ وهم عارفون آداب الدين ملتزمون لها مثل خارجة بن زيد، وعلى هذا فلا دلالة في الأثر لأن الغلام الذي عمرُه ست سنين -وإن كان قوياً - يشق عليه أن يثب أكثر من ذراعين ونصف على وجه الأرض وهذا هو عرض القبر عادة تقريباً.
ويشبه أن يكون قبر عثمان بن مظعون أعرض قليلاً من القبور المعتادة، ويكون خارجة أراد بذلك القول: الإخبار عن عرض القبر ليخبرهم أن السنة توسعة القبر) 365.
وبهذا تنقطع حجة القبوريين في جميع ما استدلوا به من وجود مظاهر القبورية في عهد السلف الصالح وسأثبت - إن شاء الله - إضافة لما سبق خلاف ذلك: وهو إنكار السلف لكل ما هو من هذا القبيل والتنصيص على منع إقامة الفساطيط وما هو أعلى منها في المطلب الرابع.
المطلب الرابع:التصريح بتسوية الصحابة لما ارتفع من القبور وإزالة ما استجد في المقابر من فساطيط ونحوها:(1/106)
تقدم في الباب التمهيدي في الأسلوب السابع: أمر النبي ( بتسوية القبور المشرفة،وذلك عن فضالة بن عبيد، وعلي بن أبي طالب (،وكذلك تطبيقهما لذلك،فأمر فضالة بتسوية قبر 366 صاحبهم الذي مات برودس،كما بعث علي ( أبا الهياج الأسدي لذلك الغرض 367،وكذلك عثمان بن عفان ( كان يأمر بتسوية القبور بما في ذلك قبر ابنته أم عمرو بنت عثمان 368، ومن ذلك تعامل أبي موسى وأصحابه مع قبر دانيال وقد مر 369 وأما قضية الفساطيط فقد مرَّ معنا قصة عائشة في وضع فسطاط على قبر أخيها عبد الرحمن وكيف أزاله ابن عمر ولم تعترض على ذلك 370، وكذلك ما فعلته فاطمة بنت الحسين ومانبه به على خطئها من الهاتفين، وكيف أدخل البخاري ذلك في باب كراهية اتخاذ المساجد على القبور 371.
وقد أوصى بعض الصحابة والتابعين بالمنع من إقامة الفسطاط على قبورهم أو رفعها، فأوصى أبو هريرة ( (ألا يضربوا على قبره فسطاطاً) 372، وأوصى بمثل ذلك أبو سعيد الخدري ( 373، وكذلك أوصى بمثل ذلك سعيد بن المسيب 374، وقال محمد بن كعب القرظي (هذه الفساطيط التي على القبور
محدثة) 375، وقال عمر بن شرحبيل: (لا ترفعوا جدثي 376 فإني رأيت المهاجرين يكرهون ذلك 377).
فهذه الآثار كافية لإثبات منهج الصحابة والتابعين في وضع القبور وتسويتها والمنع من عمل أي شيء يؤدي إلى تعظيمها والغلو في أصحابها.
المطلب الخامس:محاولات الشيعة المبكرة لإنشاء المشاهد وتصدي الخلفاء لذلك:(1/107)
لقد نشأت الشيعة -يوم نشأت- غالية في حبها غالية في بغضها،وكانت الرافضة من أكثر فرق الشيعة غلواً،ولا عجب فإن مُنْشِئها ومؤسسها الأول كان يهودياً غالياً، يحمل أسوأ ما عند اليهود من عقائد، وينطوي على أبشع ما لديهم من حقد على الإسلام والمسلمين، ذلك هو أحد أهم رؤوس أهل الرفض عبدالله بن سبأ اليهودي 378، فلا غرابة أن تحمل تلك الفرقة بذور القبورية والوثنية في طياتها منذ نشأتها الأولى، ففي الوقت الذي كانت الأمة -كل الأمة- تحارب القبورية وتطمس آثارها،كان هؤلاء الغلاة يحاولون إنشاء المشاهد والقباب على قبر الحسين ( في كربلاء، ولكن يقظة الخلفاء والأمراء وما يجري في عروق الأمة من مقاومة لتلك القبورية كان يقف حائلاً قوياً وسداً منيعاً دون تمكين الرافضة من تلك الغاية.
وبنظرة عابرة إلى تاريخ كربلاء يتبين ذلك، فقد زعم مؤرخو الرافضة أن أول بناء أقيم على قبر الحسين (كان بعد دفنه مباشرة 379،ولم أرَ في تواريخ أهل السنة ما يؤيد ذلك،وقد اختلفوا فيمن أقام تلك المباني فقيل: بنوأسد الذين تولَّوا دفنه، وقيل المختار بن أبي عبيد الثقفي،وكلا الاحتمالين لم يقيموا عليه دليلاً معتبراً،وعندي أنه إن كان ذلك ثابتاً فالمختار أحرى به؛ لأنه كان شيعياً متعصباً نذر نفسه للقضاء على قتلة الحسين مع ما عنده من انحرافات وكذب على الله حتى زعم أنه يُوحى إليه 380.
ولكن كيف تم له ذلك؟ وإن تم فكيف يُقرّ ويُترك في ظل دولة ابن الزبير، ثم في ظل دولة بني أمية؟، وهم كما يقول مؤرخ كربلاء: (أقاموا المخافر والمسالح 381 المدججة بالعتاد والسلاح والرجال على أطراف كربلاء لمطاردة الزوار ومعاقبتهم بأقسى العقوبات من القتل والصلب والتمثيل بهم)382.(1/108)
إن أولئك الزوار المزعومين - الذين وضعت دولة بني أمية العتاد والسلاح والرجال لمنعهم من الزيارة -إنما كانوا يزورون ذلك المكان المقدس المعلّم بالبناء المزعوم، فكيف يُعقل أن يترك البناء طيلة تلك الفترة دون أن يتعرضوا له،مع وجود ما قيل من المنع من الزيارة والمعاقبة لمن ظُفر به من الزوار.
وقد زعم مؤرخ كربلاء أن أول من تعرَّض لهدم ما على القبر من بناء هو أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء العباسيين، ولم يرجع ذلك إلى مصدر معتمد،وإنما عزاه إلى منظومة بعنوان " مجالي اللطف " للشيخ محمد السماوي383.
قلت: إن صح هذا فإنه قد يكون هناك مبانٍ يسيرة بُنيتْ خلسة في حال غفلة من الرقباء، فلما عرف بها المنصور بادر إلى هدمها..
ثم زعم مؤرخ كربلاء أنه في عهد هارون الرشيد وفي آخر أيامه بالذات:(هدَم الحائر وكَرَبَ موضَع 384
القبر المطهر وقطع السدرة التي كانت نابتة عنده ليمحو بعد ذلك كل أثر له) 385، وهذا إن صح فهو شبيه بما فعله أبو جعفر المنصور، وقد أورد بعد ذلك قصة توحي بأنه كان للحائر نظام معين وله خدم وسدنة موظفون للقيام بواجب الخدمة وأوقاف هي تلك الأموال التي أجرتها أم موسى وهي أم المهدي ابنة يزيد بن منصور وقد عزى تلك القصة إلى الطبري في تاريخه في حوادث عام (193هـ) 386.
وعلى كل حال فاحتمال أن يكون الشيعة - في الفترة ما بين عصر المنصور والرشيد - قد تمكنوا من عمل شيء ما من البدع وأحدثوا شيئاً ما من المعالم على قبر الحسين - غير بعيد، ولكن حينما فطن لها الرشيد فعل ما يجب عليه من إزالة لما أوجب الشرع إزالته، وأما كون القبر قد صار له نظام معين وإدارة وسدنة.... الخ فهذه مزاعم لادليل عليها، ولا تتماشى مع واقع ذلك العصر.(1/109)
ثم ذكر أن القبر وما عليه من بناء وما حوله من دور قد هدمت في أيام الخليفة المتوكل أربع مرات خلال خمسة عشرة سنة،وأطال في ذلك جداً وكانت مراجعه في ذلك في الغالب كتب الشيعة وبعض كتب مؤرخي أهل السنة، والذي يظهر أن بناءً بشكل ما قد أقيم على القبر، وذلك بعد عهد الرشيد وفي أيام الخلفاء الذين تبنوا مذهب الشيعة وهم المأمون والمعتصم والواثق،إما برضى منهم أو بانصرافهم عن مراقبة تلك البقعة وما يدور فيها، لعدم الحساسية التي كانت لدى أسلافهم، من ذلك؛ فتمكن المتربصون من الرافضة مما يريدون، حتى إذا كانت خلافة المتوكل ورجع عن التشيع والاعتزال وأحاط به أهل السنة قام بما يجب عليه من طمس تلك المعالم المخالفة للشرع تنفيذاً لأمر الرسول ( الذي رواه عنه على بن أبي طالب (.
هذا الذي يمكن أن يكون قد حصل وأما ما كثَّر به الدكتور عبد الجواد الكلام وسوَّد به الصفحات فهو مما لا تطمئن إليه النفس، إذ يبعد أن يحصل ذلك أربع مرات في خلال خمس عشرة سنة مع إصرار المتوكل على منع أي إحداث في ذلك الموضع، وقد ذكر بعد ذلك أن المنتصر بن المتوكل كان قد أعاد البناء على قبر الحسين ووضع عليه ميلاً عالياً يرشد الناس إليه، واعتمد في ذلك على مراجع شيعية فقط.
غير أن مؤرخي السنة قد ذكروا ميل المنتصر إلى آل أبي طالب ومحبته لهم وإرجاع بعض ما كان لهم من الأوقاف وغيرها 387، ومن هنا فلا يستبعد أن يجيبهم إلى شيء من ذلك، غير أن كل ما يمكن أن يقال: أنه فعله، إنما هو وضع علامة على قبر الحسين ( فقط، ليعرف موضع القبر، والشيعة عندما يستميتون في إثبات ذلك إنما يريدون الاستدلال على عراقة ما هم عليه من القبورية المعاصرة وأن جذورها ممتدة إلى القرون المفضلة.(1/110)
وبهذا تعرف أن القرون الثلاثة المفضلة مضت وليس هناك قبور معظمة، ولا مشاهد أو قباب ولا غيرها من مظاهر القبورية،ولا شيء من طقوس ومراسيم العبادات القبورية، وما حاول فعله الرافضة من ذلك فقد جُوبِهَ بردع قوي من خلفاء المسلمين وأمرائهم.
ولا يقدح فيما قرره العلماء من خلو القرون المفضلة من مظاهر القبورية، وجود بعض قبور للخلفاء قد أبرزت وبنيَ عليها، إذ أن ذلك لم يدخل فيما قصدوه بالنفي،حيث إن الكلام هو في مشاهد من يعتقد فيهم الصلاح ويُقْصدون للتبرك،وذلك غير موجود في قبور الأمراء والسلاطين، على أن هذه القبور التي بُني عليها إنما كانت في القرن الثالث بعد الجولة التي ظهر فيها الرفض والتجهم أيام المأمون والمعتصم والواثق، وقد نص المؤرخون على أن أول خليفة أبرز قبره هو الخليفة محمد المنتصر بن المتوكل العباسي المتوفى سنة (248هـ) بطلب من أمّه الرومية الأصل 388.
ثم بنيت عليه قبّة عرفت فيما بعد باسم القبّة الصليبية ودفن مع المنتصر فيها الخليفتان المعتز (ت 255هـ) والمهتدي (256 هـ)،وقد قرر المستشرق (هرستفيلد) أنها أول قبّة في الإسلام،وأقره على ذلك عدد من المؤرخين المعاصرين 389،وهذا تأكيد ثان على ما سبق تقريره من أن القرون المفضلة مرت وليس فيها مشاهد ولا قباب على قبور الأئمة والأولياء ومن يُرى فيهم الصلاح.
بين يدي هذا الفصل
إننا عندما نبحث عن القبورية في العالم لسنا مجرد مؤرخين، يطيب لهم أن يتعرفوا على أحداث ويصوروا مجتمعات،ويصفوا ما وصلوا إليه من أحوال العالم لمجرد السرد التاريخي،وإنما نبحث ذلك منطلقين من سنة كونية ثابتة أخبرنا عنها الرسول (، وهي أن هذه الأمة ستأخذ مأخذ الأمم السابقة، وستسلك سبيلها في كل جوانب حياتها بما في ذلك الجوانب الاعتقادية والتعبدية والأخلاقية.(1/111)
فإذا ثبت أن تلك الأمم عظَّمت القبور وآثار الصالحين وتدرجت في ذلك حتى عبدت أولئك الصالحين-في نظرها- فإن من هذه الأمة من سيفعل ذلك، وهذا ما أخبر عنه رسول الله ( وما يشاهد على أرض الواقع.
فأما ما أخبر به النبي ( ففيما رواه البخاري من حديث أبى هريرة ( قال: قال رسول الله (: ((لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال ومَنْ الناس إلا أولئك)) 390.
وروى البخاري أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري ( قال: قال رسول الله (: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمَنْ؟)) 391.
وقد وقع ما أخبر به النبي ( كاملاً0 والذي يهمنا إثباته هو مشابهة هذه الأمة للأمم قبلها في قبوريتهم،وتعظيمهم للأنبياء والصالحين،وانتشار عقائدهم الباطلة لدى كثير منهم، وهذا ما سوف نبيّنه في هذا الفصل إن شاء الله.
الفصل الأول
نشأة القبورية في العالم
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول
نشأة القبورية في العالم بأسره
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: إثبات أن البشرية كانت على التوحيد قبل طروء الشرك.
من المعلوم المتفق عليه أن الله تعالى خلق الخلق جميعاً على فطرة التوحيد،فآدم عليه السلام هو الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته، وجرى له في الجنة ما جرى، ولم يكن من ذلك شيء يخالف التوحيد أو يقدح فيه،ثم أهبطه إلى الأرض نبياً كريماً ورسولاً مرشداً إلى ذريته،و هو قول جمع من العلماء.
وعلى تعاليم رسالة آدم نشأ بنوه وعلى نهجه ساروا، حتى لقد صرح عكرمة ( بأنهم داموا على ذلك عشرة قرون، 392 وهذا الذي ذكرناه من نشأة البشرية على التوحيد هو ما قرره القرآن وشهدت به السنة المطهرة.(1/112)
أما القرآن ففي قول الله تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 393.
ففي الآية الكريمة أن الدين الذي أمر الله رسوله أن يقيم وجهه عليه هو فطرة الله التي فطر الناس عليها ثم أكّد ذلك بقوله ( ذلك الدين القيم ( فالدين الحنيف والدين القيم هو التوحيد وهو الذي فطر الله الناس عليه.
قال ابن كثير - رحمه الله -: (فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره) 394.
وقد أكدت ذلك السنة وفصَّلته وذلك فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ( قال: قال رسول الله (: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترون فيها من جدعاء؟395)) 396 ثم يقول أبو هريرة: (واقرأوا إن شئتم ( فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله (397).
قال ابن حجر - رحمه الله - في شرح هذا الحديث: (وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى: ( فطرت الله التي فطر الناس عليها ( الإسلام واحتجوا بقول أبي هريرة ( وبحديث عياض بن حمار عن النبي ( فيما يرويه عن ربه:((وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم))398 الحديث وقد رواه غيره فزاد فيه ((حنفاء مسلمين)) ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى: ( فطرت الله ( لأنها إضافة مدح وقد أمر نبيه بلزومها فعلم أنها الإسلام) 399.
ونكتفي بهذه النصوص الواضحة الصريحة التي لاخلاف على معناها، لإثبات أن البشرية كانت على التوحيد قبل طروء الشرك عليها.
المطلب الثاني: إثبات أن أول شرك حصل في العالم كان بسبب الغلو في الصالحين:(1/113)
كانت عداوة إبليس لآدم قديمة منذ أن أمره الله بالسجود له،فأبى فلعنه الله وطرده بسبب ذلك، ومنذ ذلك الحين أخذ على نفسه: أن يعمل على كل ما فيه الإساءة إليه وإلى جلب سخط الله عليه، وكان أول عمل عمله إغراؤه بالأكل من الشجرة،ذلك العمل الذي كان سبباً لإخراجه من الجنة وإهباطه إلى الأرض هو وإبليس معاً، ولم يكتفِ إبليس بعداوة آدم وحده بل ضمّ إلى ذلك عداوة ذريته وأعلنها صريحة بأنه لن يدخر جهداً لإغوائهم وصدّهم عن السبيل،والعمل على جعل مصيرهم مقترناً بمصيره هو إلى نار جهنم ( قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين، قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين ( 400، ( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلاّ عبادك منهم المخلصين، قال فالحق والحق أقول، لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين (401.
وقد حذر الله عباده المؤمنين وجميع بني آدم من تلك العداوة وخطورتها، وخطورة الهدف الذي يسعى إبليس لتحقيقه من خلال عداوته لهم، فقال سبحانه وتعالى: ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ( 402 وقال: ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم، ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون ( 403.(1/114)
ولكن لأمرٍ أراده الله نسي بنو آدم تلك العداوة، وجهلوا ذلك التحذير الذي حذرهم الله إياه ولم ينسَ هو ذلك، بل عمل على جلب الأنصار والجنود من الإنس والجن، فسلطهم على بني آدم حين غفلوا عما أوصاهم به الله، فأجلب عليهم هو وجنوده فاجتالوهم عن دينهم وأوقعوهم في الشرك، وهو ما رواه النبي ( عن ربه عز وجل كما في حديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله ( قال ذات يوم في خطبته ((ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كلّ مال نحلته 404 عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم 405عن دينهم،وحرمت عليهم ما أحللت لهم،وأمرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً،وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب)) 406
ولم يكن ذلك في عهد النبي ( وإنما من فجر التاريخ قبل أن يبعث نوح عليه السلام، بل إن مبعث نوح إنما كان لإرجاع الناس إلى الجادة بعد ذلك الانحراف الخطير، وكان الباب الذي دخل منه الشيطان إلى إغواء أولئك الناس:باب الغلو في الصالحين، فكانت أول أصنام عبدت على وجه الأرض هي صور وتماثيل لرجال صالحين أحبهم قومهم وغلَوا فيهم فصوّروهم، ثم تدرج بهم الحال حتى عبدوهم من دون الله تعالى! ولما جاءهم نوح ينعى عليهم ذلك المسلك الخاطىء، ويدعوهم إلى العودة إلى الصراط المستقيم أبوا وعاندوا وتواصوا بالصبر على تلك الآلهة والاستمرار على الإشراك بالله المتمثل في عبادتها من دون الله ( وقالوا لاتذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولاسواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً ( 407.(1/115)
وهذه كما هو واضح أسماء بشر كانوا صالحين محبوبين لدى قومهم،حملهم ذلك على الغلو فيهم وإنزالهم فوق منزلتهم، وتطور الأمر حتى عبدوهم،كما ورد عن ابن عباس ( في تفسير هذه الآية أنه قال: (أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونُسِخ العلم عبدت)408
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث: (وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح هذه الأصنام ثم تبعهم من بعدهم على ذلك) 409 وقد تواطأ المفسرون عند تفسير هذه الآية على ذكر هذا الأثر وأثاراً أخرى كلها تؤدي نفس المعنى. 410
وقد صرح القرطبي - رحمه الله تعالى -:بأنه من أجل أن عبادة الأوثان ابتدأت بسبب الغلو في الصالحين حذر النبي ( من اتخاذ القبور مساجد ولعن من فعل ذلك، قال: (قلت:وبهذا المعنى فسِّر ماجاء في صحيح مسلم من حديث عائشة أن أم حبيبة وأم سلمه ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة- تسمى مارية فيها تصاوير- لرسول الله ( فقال رسول (: ((إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)) 411.(1/116)
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (وقال غير واحد من السلف: " كان هؤلاء قوماً صالحين في قوم نوح (، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم" فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين، فتنة القبور وفتنة التماثيل، وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله ( في الحديث المتفق على صحته: عن عائشة - رضي الله عنها - ثم ذكر الحديث السابق في كلام القرطبي - ثم قال: " فجمع في هذا الحديث بين التماثيل والقبور "وهذا كان سبب عبادة اللات، فقد روى ابن جرير بإسناده عن سفيان عن منصور عن مجاهد: ( أفرأيتم اللات والعزى ( 412 قال:(كان يلت السويق فمات فعكفوا على قبره) 413،وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (كان يلت السويق للحاج) 414 فقد رأيت أن سبب عبادة ودّ، ويغوث، ويعوق،ونسر، واللات، إنما كانت من تعظيم قبورهم ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها، كما أشار إليه النبي ( قال شيخنا 415: وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور هي التي أوقعت كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر،أو فيما دونه من الشرك،فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين، وتماثيل يزعمون أنها طلاسم الكواكب ونحو ذلك، فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبةٍ أو حجر، ولهذا نجد أهل الشرك كثيراً يتضرعون عندها، ويخشعون ويخضعون، ويعبدونهم بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله ولا وقت السحر، ومنهم من يسجد لها وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء مالا يرجونه في المساجد فلأجل هذه المفسدة حسَم النبي ( مادتها، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقاً، وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها؛ لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة فيها للشمس، فنهى أمته عن الصلاة حينئذ، وألا يقصد المصلي ما قصده المشركون(1/117)
سداً للذريعة)416.
وبهذه الآيات المحكمة والأحاديث الصحيحة الصريحة، وما علق به عليها أهل العلم؛ تعلم أن القبورية هي أساس الوثنية،وأن الوثنية هي الوعاء الذي أحتوى على الشرك بالله عز وجل وجسَّدَه.
المبحث الثاني
القبورية عند اليهود والنصارى:
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: القبورية عند اليهود:
لست بحاجة إلى الإطالة في إثبات قبورية اليهود، فقد أغنتننا الأحاديث المصرحة بذلك عن الصادق المصدوق ( والمخرجة في الصحيحين وغيرهما،ومنها حديث أبي هريرة ( أن رسول الله ( قال: ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) 417 وحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي ( قال:في مرضه الذي مات فيه ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))418.
فهذان الحديثان في الصحيحين - وسيأتي غيرهما في المطلب الثاني- قاطعان على قبورية اليهود، وأزيد أن اليهود ليسوا قبوريين فقط ولكنهم أيضاً ميالون إلى عبادة غير الله بشكل أوضح وأصرح، كما نقل ذلك عنهم القرآن وذلك في موضعين من قصة موسى (.
الموضع الأول: بعد نجاتهم من ملاحقة فرعون وخروجهم من البحر وإهلاك الله لعدوهم وهي نعم عظيمة تستوجب شكر مسديها وإفراده بالعبادة وعدم الالتفات إلى غيره، لكن النفوس الدنيئة لا تكون نظرتها إلا إلى الأسفل دائماً،لذلك عندما مروا على القوم المشركين العاكفين على أصنامهم مالت نفوسهم إلى تقليدهم ومحاكاتهم في ذلك،قال تعالى: ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال: إنكم قوم تجهلون. إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون. قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين ( 419
وهذا في غاية الصراحة فهم طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهاً آخر كما أن أولئك لهم آلهة فهو طلب الشرك والاستعداد النفسي له.(1/118)
الموضع الثاني: حينما ذهب موسى لميقات ربه وتركهم مع هارون فصنع لهم السامري العجل ودعاهم إلى عبادته، فبادروا إلى ذلك ولما يأبهوا لتحذير هارون من ذلك بل واجهوه بالتمرد وكادوا يقتلونه حينما وقف في طريقهم قال تعالى: ( وما أعجلك عن قومك يا موسى. قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك ربِّ لترضى. قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري. فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً قال ياقوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي. قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزاراً من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي. أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً. ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري. قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ( 420.
وبهذا العرض اليسير تتضح قبورية اليهود وشركهم واتخاذهم الآلهة من دون الله.
المطلب الثاني: القبورية عند النصارى:
الأمة النصرانية أمة غالية فيمن تعظمه من الأنبياء والصالحين ولقد حملهم ذلك على تأليه المسيح وأمه وغيرهما من الأحبار والرهبان،وهذا صريحُ نصِّ القرآن،حيث يقول الله تعالى فيهم: ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون( 421.(1/119)
وقد أمر الله رسوله ( أن يقيم عليهم الحجة ببطلان ما هم عليه من عبادة غير الله فقال: ( قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم ( 422، ثم أمره أن ينهاهم عن الغلو في الدين وتقليد سلفهم الغالين فيه؛ لأن الغلو هو سبب عبادتهم لغير الله فقال: ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلّوا عن سواء السبيل ( 423، فمن غلوِّهم أنهم اتخذوا المسيح وأمه إلهين من دون الله،واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دونه وتلك العلة- التي هي الغلو -هي العلة المشتركة بين جميع المشركين.
ومن الغلو كذلك اتخاذهم قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد كما في حديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمه ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا ذلك للنبي ( فقال: ((إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، فأولئكِ شرار الخلق عند الله يوم القيامه)) 424
وهذه الكنيسة التي رأتها أم حبيبة وأم سلمه هي قطعاً كنيسة نصارى فهذا إثبات قاطع لقبوريتهم وقد حذر النبي ( من الاقتداء بهم في ذلك كما في حديث عائشة وعبدالله بن عباس ( قالا: (لما نُزِل برسول الله ( طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: ((لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذر ما صنعوا) 425.(1/120)
وقد بيّن ابن كثير رحمه الله في تاريخه: أن تلك القبورية عند النصارى 0إنما حدثت فيهم بعد أن حرفوا دينهم، وقالوا بالتثليث، قال رحمه الله تعالى: (ثم بعد المسيح بثلاثمائة سنة؛حدثت فيهم الطامة العظمى، والبليّة الكبرى، واختلف البتاركة 426 الأربعة وجميع الاساقفة 427 والقساوسة 428 والشماسة 429 والرَهَابين 430 في المسيح على أقوال متعددة لا تنحصر ولا تنضبط، واجتمعوا وتحاكموا إلى الملك قسطنطين باني القسطنطينية، وهو المجمع الأول فصار الملك إلى قول أكثر فرقة اتفقت على قول من تلك المقالات فسموا "الملائكة"، ودحَضَ من عداهم وأبعدهم، وتفردتْ الفرقة التابعة لعبدالله بن أديوس الذي اثبت أن عيسى عبد من عباد الله،ورسول من رسله، فسكنوا البراري، والبوادي، وبنوا الصوامع 431،والديارات 432،
والقلايات 433،وقنعوا بالعيش الزهيد، ولم يخالطوا أولئك الملل والنحل، وبنت الملائكة 434 الكنائس الهائلة، عمدوا إلى ماكان من بناء اليونان فحولوا محاريبها إلى الشرق وقد كانت إلى الشمال إلى الجدي435) 436.
ثم قال: رحمه الله تحت عنوان " بناء بيت لحم والقمامة 437 " (وبنى الملك قسطنطين بيت لحم على محل مولد المسيح وبنت أمه هيلانة القمامة يعني على قبر المصلوب وهم يسلّمون لليهود أنه المسيح).438
وبما مر من نصوص قرآنية ونبوية وتاريخية تتضح قبورية النصارى وغلوّهم في أنبيائهم وصالحيهم حتى عبدوهم من دون الله تعالى.
المبحث الثالث
قبورية اليونان
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: قبورية الأمة اليونانية:(1/121)
الأمة اليونانية أمة عظيمة سادت وظهرت على مسرح التاريخ القديم قروناً من الزمن، وقد أنشأت حضارة متميزة وظهر فيها علوم ومعارف وفلسفة وصلت إلى الأمم الأخرى، وتناقلتها الأجيال إلى العصر الحاضر، وهذا لا مراء فيه، ولكن مع كل ذلك فقد كانت هذه الأمة أمة وثنية قبورية تُألِّه كل ما أعجبت به من مظاهر الكون، وعباقرة وأبطال البشر،بل وجميلات النساء!فهناك (آلهة السماء) و(آلهة الأرض) و(آلهة الخصب) و(الآلهة الحيوانية) و(آلهة ما تحت الأرض) إلى آخر القائمة، وقد ذكر المؤرخون كيف تنشأ تلك الآلهة وكيف تعبد 439 وكانت كذلك أمة قبورية تقدس قبور موتاها، فقد كان الموتى في العصور المبكرة من تاريخ اليونان يُعْتَبرون أرواحاً قادرة على أن تفعل للناس الخير والشر وتسترضى بالقرابين والصلاة 440. وكان اليونان في عصرهم الزاهر يرهبون هذه الأشباح الغامضة أكثر مما يحبونها، وكانوا يسترضونها بطقوس ومراسم يقصد بها إبعادها واتقاء شرها 441، وكان الإله في أول الأمر من الأسلاف والأبطال الموتى، كما كان المعبد في الأصل قبراً، ولا تزال الكنيسة حتى الآن في معظم البلاد مكاناً تحفظ فيه آثار الموتى القديسين 442.
هذه هي أمة اليونان وتلك آلهتها كانت في بدايتها أمواتاً من ذوي التميز في جوانب مختلفة من الحياة،تدرج بهم الشيطان حتى صيروهم آلهة من دون الله، وقبور أولئك الموتى هي الأصل في المعابد التي تتربع فيها تلك الآلهة.
المطلب الثاني: قبورية فلاسفة اليونان:(1/122)
في تلك الأمة وذلك الجو نشأ فلاسفة اليونان على الوثنية والقبورية، وبقي ذلك هو اعتقادهم وتفكيرهم ولم يغنِهم ما وصلوا إليه في مختلف العلوم- التي أصبحوا فيها أساتذة العالم- لم تغنهم تلك العلوم، ولم ترتفع بتفكيرهم في الجانب الإلهي من حياتهم،بل ظلوا يتخبطون في ظلمات الجهل ومسالك الضلال، ذلك أن هذا الجانب ليس بمقدور العقول تصوّره التصوّر الصحيح، والوصول إلى حقيقته، وإنما مصدره هو الوحي الذي ينزله الله على رسله،فيبلغونه للناس ويقودونهم به إلى معرفة ربهم وما يجب عليهم، وما يلتحق بذلك من أركان الإيمان ومقوماته، وحيث إن أولئك الفلاسفة مصدرهم في بحثهم عن الحقيقة هو العقل، والعقل قاصر عن إدراكها فقد تاهوا في أودية الضلال وما وصلوا إلا إلى نظريات متناقضة، وقضايا فجّة غير ناضجة، وبقي ما تربَّوا عليه من الوثنية والقبورية؛ هو الذي يوجه تفكيرهم ويستحوذ على أعمالهم وطقوسهم، وقد شهد المتلقفون لفلسفة اليونان من علماء المسلمين على قدواتهم من فلاسفة اليونان بالقبورية وأبانوا كيف يتصور أولئك الفلاسفة إمداد أرواح الموتى لمن دعاهم وتشفع بهم.
يقول الفخر الرازي في كتابه المطالب العالية: (إن فلاسفة اليونان كانوا يستمدون الفيوض من القبور وأهلها، إذا اعترتهم مشكلة من المشكلات، وكان الفلاسفة من تلاميذ أرسطو إذا دهمتهم نازلة ذهبوا إلى قبره للحصول على المدد والفيض) 443.
وبما أن القوم فلاسفة وليسوا مقلدين لما كان عليه الآباء والأجداد فقد خرَّجوا تعلقهم بالقبور تخريجاً علمياً مبنياً على نظريتهم العامة في الإلهيات، حيث يؤمنون بنظرية الفيض أي أن " العقل الفعال " الذي هو موازٍ للإله يفيض على من دونه من المخلوقات.(1/123)
وبما أن أرواح الموتى القديسين هي كذلك آلهة صغيرة حسب العقيدة اليونانية العامة فإن تلك الأرواح تفيض على من زارها طالباً منها الشفاعة، وذلك بحسب يقين الزائر وفنائه في المزور واستعداد نفسه لتقبل ذلك الفيض، وهي بدورها تتلقى الفيض من الإله الأعظم، وقد مثلوا ذلك بانعكاس شعاع الشمس إذا وقع على جسم صقيل ثم انعكس على غيره، فإن الشمس إذا وقعت على الماء أو مرآة وانعكس شعاعها على حائط أو غيره حصل النور في الموضع الثاني بواسطة الشعاع المنعكس على المرآة، قالوا: فهكذا الرحمة تفيض على النفوس الفاضلة كنفوس الأنبياء والصالحين، ثم تفيض بتوسطهم على نفوس المتعلقين بهم، وكما أن انعكاس الشعاع يحتاج إلى المحاذاة فكذلك الفيض لابدّ فيه من توجه الإنسان إلى النفوس الفاضلة 444.
المطلب الثالث: اِتَّباع قبورية المسلمين لفلاسفة اليونان في علة زيارة القبور:
إن معظم ما يأتيه القبورية وما يعتقدونه تجاه القبور وأهلها وإنما هو اتباع للأمم السابقة، تصديقاً لحديث الرسول ( في حديث ذات أنواط حيث طلب بعض أصحابه أن يجعل لهم ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط فقال لهم: ((الله أكبر! إنها السنن،قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى ( اجعل لنا إلهاً كما لهم ءالهه قال: إنكم قوم تجهلون ( 445 لتركبن سنن من كان قبلكم)) 446، وجاء من حديث أبي سعيد رضي الله عنه بلفظ: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم، قلنا: يارسول الله اليهود والنصارى قال فمن؟)) 447، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه ((لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع،قيل: يا رسول الله،كفارس والروم؟ قال: مَنْ الناس إلا أولئك)) 448.
ويظهر من سبب ورود الحديث الأول أن بعضاً من هذه الأمة ستتبع اليهود فيما انحرفوا فيه من التفاتهم إلى التعلق بالمخلوقين،وهذا هو أساس القبورية.(1/124)
كما يظهر من الحديث الثالث أن اتباع الأمم السابقة لا يقتصر على اليهود والنصارى وإنما يتعداه إلى سائر فارس والروم،ومن الروم اليونان الذين نُقِلت فلسفتهم إلى الأمة الإسلامية فأفسدت عقائد قوم من المسلمين.
وممن تلقى عقائد الفلاسفة وألبسها رداء الإسلام ونشرها في الأمة المحمدية قبورية المسلمين من فلاسفة وباطنية شيعية وصوفية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهو يتكلم عن الوسائل المشروعة وغيرها: " الوجه الثاني أن يدعو له الرسول ( فهذه أيضاً مما يتوسل به إلى الله تعالى، فإن دعاءه وشفاعته عند الله من أعظم الوسائل فأما إذا لم يتوسل العبد بفعل واجب، ولا مستحب، ولا الرسول دعا له، فليس في عظم قدر الرسول ما ينفعه، ولكن بعض الناس الذين دخلوا في دين الصابئة والمشركين،ظنوا شفاعة الرسول ( لأمته لا تحتاج إلى دعاء منه، بل الرحمة التي تفيض على الرسول ( تفيض على المستشفع من غير شعور من الرسول ( ولا دعاء منه، ومثلوا ذلك بانعكاس شعاع الشمس إذا وقع على جسم صقيل ثم انعكس على غيره، فإن الشمس إذا وقعت على الماء أو مرآة، وانعكس شعاعها على حائط أو غيره؛ حصل النور في الموضع الثاني بواسطة الشعاع المنعكس على المرآة،قالوا: فهكذا الرحمة تفيض على النفس الفاضلة كنفوس الأنبياء والصالحين، ثم تفيض بتوسطهم على نفوس المتعلقين بهم،وكما أن انعكاس الشعاع يحتاج إلى المحاذاة فكذلك الفيض لابد فيه من توجه الإنسان إلى النفوس الفاضلة وجعل هؤلاء الفائدة في زيارة قبورهم من هذا الوجه.
وقالوا أن الأرواح المفارقة تجتمع هي والأرواح الزائرة فيقوى تأثيرها وهذه المعاني ذكرها طائفة من الفلاسفة ومن أخذ عنهم كابن سيناء وأبي حامد وغيرهم) 449.(1/125)
قلت: هذا فرع من فروع نظرية الفيض التي يعتقدها الفلاسفة،وطبيعي على هذا الاعتقاد أن يكون هناك توجه إلى النفوس الفاضلة لتكون واسطة بين المستشفع والخالق المعطي سبحانه، تلك الواسطة هي " الشافع " وقد قرر ذلك من أتباع الفلاسفة قوم كما ذكره شيخ الإسلام - رحمه الله - منهم أبو حامد الغزالي وذلك في كتابه " المظنون به على غير أهله " والفخر الرازي في كتابه "المطالب العلية" ونقل عن الاثنين أحد قبورية حضرموت وهو عبد الرحمن بن محمد العيدروس في كتابه " بذل المجهود في خدمة ضريح نبي الله هود "وجعل ذلك هو علة زيارة القبور، وسيأتي نص كلام الغزالي منقولاً من كتابه، وكلام الرازي عن العيدروس في مطلب علة الزيارة عند القبورية 450، وبهذا يتضح أن زيارات القبورية لم تكن هي الزيارات الشرعية التي علتها الاعتبار والاتعاض بحال الموتى ورقة القلب وتذكر الآخرة والدعاء للأموات والسلام، عليهم وإنما لاستمداد من الأموات على طريقة الفلاسفة.
وأما تشبههم باليهود والنصارى في البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها فظاهر، وحتى لا يقول قائل إن ذلك من أتباع الفلاسفة في علة الزيارة إنما هو مذهب مهجور لدى قبورية اليوم لا وجود له عندهم 0
أقول له ولكل من يدافع عنهم:انظر إلى محمد علوي مالكي -باعث القبورية في مكة من جديد ووارث أحمد زيني دحلان ويوسف النبهاني- انظر إليه وهو يحكي أحوال الزائرين للنبي (: (تختلف أحوال الزائرين في استفادتهم من زيارتهم واستمدادهم من الله بواسطة نبيهم المصطفى وحبيبهم المجتبى ( وبحسب استعدادهم في تلقي الفيوضات الإلهية والواردات الربانية بواسطة الحضرة المحمدية،) 4510
ويقول في موطن آخر: (اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد أول متلق لفيضك الأول. صلاة نشهدك بها من مرآته،ونصل بها إلى حضرتك من حضرة ذاته، قائمين لك وله بالأدب الوافر،مغمورين منك ومنه بالمدد الباطن والظاهر) 4520(1/126)
وأما تشبههم باليهود والنصارى في البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها فظاهر ليس به خفاء.
المبحث الرابع
القبورية عند العرب قبل الإسلام وصلتها بالوثنية
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: إثبات أن العرب كانوا على ملة إبراهيم ( الحنيفية السمحة:
كانت العرب وبالأخص عرب الحجاز على ملة أبيهم إبراهيم (، ملة التوحيد الحنيفية السمحة، برآء من الشرك وأهله، كما حكى الله تعالى عن إبراهيم ( مثنياً عليه وعلى أتباعه بذلك: ( إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين. شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين. ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ( 453 وقال تعالى مبرِئاً إبراهيم والذين معه من الشرك،ومقدِّمَهم لنا قدوةً، وجاعلاً لنا الأسوة فيهم ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إناَّ برءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ( 454..
وقد ذكّر الله العرب بهذا الإرث العظيم الذي ورثوه من أبيهم إبراهيم( فقال: ( ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ( 455(1/127)
وقد بقي العرب على تلك الملة قروناً، حتى ظهر عمرو بن لحي الخزاعي فغيرها، ودعا العرب إلى عبادة الأوثان، قال رسول الله (: ((وعرضت عليَّ النار فلما وجدت سفعتها تأخرت عنها، وأكثر من رأيت فيها النساء إنِ ائتمن أفشين،وإن سألن ألحفن، وإذا سئلن بخلن، وإذا أعطين لم يشكرن،ورأيت فيها عمرو بن لحي يجر قُصبه في النار وأشبه من رأيت به معبد بن أكثم الخزاعي، فقال معبد: يا رسول أتخشى عليَّ من شَبَهِه فإنه والدي، فقال: لا، أنت مؤمن وهو كافر، وهو أول من حمل العرب على عبادة الأصنام)) 456،وهناك ألفاظ أخرى بنفس المعنى في الصحيحين وغيرهما 457.
وكان سبب انحرافهم ووقوعهم في الشرك هو الغلو في الصالحين كما سيأتي في قصة عبادتهم للَّات أو للأماكن المقدسة كما في قصة نقلهم حجارة الحرم والطواف بها حيثما حلّوا.
المطلب الثاني: القبورية هي أصل الوثنية عند العرب:
كما هو الشأن -بعد كل رسالة من الرسالات السابقة- تأتي بعدها فترة ينقص العلم ويثبت الجهل، ويجد الشيطان سبيلاً إلى نفوس الناس وعقولهم، فينحرف بهم عن الصراط المستقيم، وقد مرّ معنا أن دين إبراهيم ظل قائماً حتى ظهور عمرو بن لحي الخزاعي الذي كان أول من غيّره وحرَف العرب عنه إلى عبادة الأصنام، وكان سبب وقوعهم في الوثنية هو الغلو في الصالحين منهم وتعظيم قبورهم حتى اتخذوها أصناماً،قال ابن عباس في قوله تعالى ( اللات والعزى (458: (كان اللات رجلاً يلت السويق للحاج) 459.
والذي أمرهم بذلك هو عمرو بن لحي.
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث -راداً على من زعم أن اللات هو عمرو بن لحي: (والصحيح أن اللات غير عمرو بن لحي، فقد أخرج الفاكهي من وجه آخر عن ابن عباس أن اللات لما مات قال لهم عمرو بن لحي: إنه لم يمت ولكنه دخل الصخرة فعبدوها وبنوا عليها بيتاً، وتقدم في مناقب قريش أن عمرو بن لحي هو الذي حمل العرب على عبادة الأصنام، وهو يؤيد هذه الرواية) 460.(1/128)
فهذا وجه من أوجه القبورية المؤدية إلى الوثنية عند العرب،وهناك وجه آخر وهو تعظيم آثار الصالحين ومنازلهم وبيوت عباداتهم تعظيماً زائداً على الحد المشروع.
قال ابن هشام في سيرته: قال: ابن إسحاق: (ويزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم -حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح في البلاد- إلا حمل معه حجراً من حجارة الحرم تعظيماً للحرم،فحيثما نزلوا وضعوه فطافوا به كطوافهم بالكعبة،حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة، وأعجبهم،حتى خلف الخلوف ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات) 461
فهذا السبب كما ترى كان ناتجاً عن تعظيم آثار إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فالحرم شرَّفه الله تعالى بهما حيث بَنَيَا فيه بيت الله الحرام والكعبة المشرفة، فكان تعظيم المكان ناتج عن تعظيم من اشتهر به وهو إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ذلك الغلو فيهما وفي البيت الذي ينسب إليهما كان سبباً في ضلال طوائف من العرب والزج بهم في الوثنية والشرك.
المطلب الثالث: انتشار الأصنام في جزيرة العرب:
بعد تلك البدايات البسيطة والبدائية أخذ إبليس يرقّي العرب في سلّم الوثنية حتى أصبحت ديناً تدين به، له شعائره 462 ومشاعره 463 وطقوسه 464 وعقائده وتنوعت العبادات من طواف وتمسح ودعاء واستشفاع واستقسام 465 بالأزلام بين يدي تلك الأصنام إلى نذر الأموال ونحر النعم وغير ذلك، كما انتشرت الأصنام في الجزيرة العربية انتشار النار في الهشيم بدءاً ببيت الله الذي أنشئ على التوحيد ولأجل التوحيد،حيث يقول الله تعالى عنه: ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ( 466.(1/129)
هذا البيت كان فيه أكبر تجمع للأصنام في جزيرة العرب حيث كان عدد الأصنام -التي كسرها رسول الله ( يوم فتح مكة في جوف الكعبة وحولها- ثلاثمائة وستين صنماً 467،كما كان في جوف الكعبة أشهر أصنام قريش على الإطلاق (هبل) 468،ولم تبق قبيلة من قبائل العرب إلا ولها صنمها الذي يعرف بها وتعرف به وتعبّد له أبناءها 469،بل تجاوز الأمر إلى أن أصبح لكل بيت صنمه الخاص به،470 وحتى المسافر لا يقيم أثناء سفره في بقعة إلا تخيّر من أحجارها ما يعجبه فينصبه إلهاً له.471
ولم يكتف الشيطان بذلك بل دلّهم على أصنام قوم نوح التي كانت مطمورة في رمال ساحل جدّة فاستخرجها مؤسس الوثنية في الجزيرة العربية عمرو بن لحي الخزاعي وفرقها على العرب فعظمت وعبدت فيهم 472.
وبذلك انطمست ملة إبراهيم وغاب التوحيد وحل الشرك محله،حتى صارت الدعوة إلى إخلاص العبادة لله تعالى من العجائب لديهم حينما صدع بها النبي ( فقالوا -كما حكاه القرآن -: ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب، وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد،ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاق ( 473.
المطلب الرابع: الحنفاء من العرب:(1/130)
ذلك هو الجوّ المظلم الذي وصلت إليه الأمة العربية قبل البعثة وهو الغالب عليها، ولكن بقي بصيص ضئيل من النور الخافت الذي نجا من أطباق الظلمة، ولكنه لم يهدِ أصحابه صراطاً مستقيماً، ولم يسلك بهم سبيلاً قويماً 474، وقد تمثّل ذلك في بقاء مجموعة صغيرة جداً متفرقة في أنحاء الجزيرة العربية، وربما كان بمكة منهم نصيب أوفر، أولئك هم من سُمّوا بالحنفاء نسبة إلى الحنيفية ملة إبراهيم، وتمثل تمسكهم بالحنيفية في رفضهم للوثنية من حيث عبادة الأوثان وتقريب القرابين لها،واعتقاد نفعها وضرّها وشفاعتها كما هو شأن الوثنيين، هداهم إلى ذلك فطرتهم التي مَنَّ الله عليهم ببقائها صافية نقية من كَدُورات الوثنية، غير أنهم لم يهتدوا إلى مراد الله تعالى وما يجب له من العبادة،حتى لقد نقل أهل السير عن زيد بن عمرو بن نقيل قوله: (اللهم إني لو أعلم أيّ الوجوه إليك أحب عبدتك به ولكني لا أعلمه) 475 ولذلك تفرقوا في البلاد يبحثون عن دين إبراهيم، فمنهم من دخل النصرانية كورقة بن نوفل، ومنهم من لم يدخل أيّ دين وبقي على ما هو عليه كزيد بن عمرو بن نفيل.
وقد ذكرت أسماء بعض هؤلاء فمنهم: قس بن ساعدة الأيادي، وزيد بن عمرو بن نفيل، وأمية بن أبي الصلت، وأبو قيس بن أبى أنس، وخالد بن سنان، والنابغة الذبياني، وزهير بن أبي سُلمى، وكعب بن لؤي بن غالب أحد أجداد النبي ( 476 وقد ذكر غيرهم أيضاً 477، غير أن من هؤلاء الذين ذكروا من تنصر، وكل هؤلاء لم يدركوا الإسلام إلا ورقة بن نوفل حيث أدرك الفترة الأولى من الوحي ففرح واستبشر وتمنى أن يعيش ليرى دعوة النبي ( وينصره ولكنه مات في فترة الوحي. 478
الفصل الرابع
نشأة القبورية في اليمن
وفيه أربعة مباحث
المبحث الأول:
حال اليمن قبل نشوء القبورية
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: إسلام أهل اليمن:(1/131)
من مناقب اليمنيين التي سجلها لهم التاريخ بأحرف من نور مبادرتهم إلى اعتناق الإسلام بشكل لم يشابههم فيه أحد من قبائل وأقطار الجزيرة العربية الأخرى، وقد تعددت التأويلات لسبب تلك المسارعة لاعتناق الإسلام من قبل اليمنيين، وأقوى تأويل - والله أعلم - هو ما جعل الله في نفوسهم من الإيمان، وفي قلوبهم من الرقة ومحبة الخير، وما ادَّخره الله لهم بمحض فضله من إنعام وفضل.
ودليل ذلك الأحاديث المستفيضة في فضائل أهل اليمن 479، كما كان لقرب اليمن من مكة مهبط الوحي على النبي ( وموضع بعثته علاقة بذلك، وإن كان هذا لم ينفع بعض القبائل التي كانت أقرب إلى مكة من اليمن، وبحسب طبيعة البشر في الاختلاط والتعايش والتفاعل كان وصول أخبار الرسول ( إلى اليمن وتأثر أهلها به في وقت مبكر من حياة الدعوة الإسلامية، وقد كان الوافدون من اليمنيين إلى مكة لأغراض مختلفة هم الرواد الذين رجعوا إلى قومهم مبشرين بهذا الدين ودعاة إليه، بعد أن أسلموا وعرفوا شيئاً من الإسلام على يد الرسول (، ومن أشهر أولئك:
1) ضماد بن ثعلبة الأزدي ( 480
2) الطفيل بن عمرو الدوسي ( 481.
3) عمرو بن أمية الدوسي ( 482.
4) قيس بن نمط بن قيس بن مالك الهمداني ( 483.
5) عبد الله بن قيس بن أم غزال الأرحبي ( 484.
6) ذباب بن الحارث بن عمرو السعدي (485.
وكان في إسلام هؤلاء ورجوعهم أثر في انتشار الإسلام في قومهم، وتهيئتهم لقبوله.
وممن وفد عليه ( وتوطَّن المدينة مهاجراً أبو موسى الأشعري ورفقته الأشعريون 486 وأبو هريرة (487 وغيرهم.
وفي عام الوفود بشَّر النبي ( أصحابه بقدوم وفود اليمن، وبالفعل توالت تلك الوفود وكانت من أفضل الوفود العربية، فسُرَّ بها رسول الله (، ودعا لها، وعادت مؤمنة صادقة، فنشرت الإيمان والإسلام في ربوع اليمن.
المطلب الثاني رسل النبي ( إلى اليمن:(1/132)
ولما ظهر لرسول الله ( ما يتمتع به اليمنيون من نفوس طيبة قابلة للإيمان والإسلام، وتأكد لديه صدق توجه اليمنيين نحو دين الله، وأن الإسلام قد أصبح منتشراً فيهم، أحب ( أن يعمق مفاهيم الإسلام في نفوسهم، وينشر تعاليمه بينهم، ويضع لهم من يعلمهم ويرشدهم ويحكم بينهم بشرع الله ويسوسهم بنظامه الخالد، فأرسل رسله معلمين ودعاة وحكاما ً، فأحسن اليمنيون وفادتهم، وأكرموا نزلهم، وأخذوا عنهم دين الله، وعملوا به، وتحاكموا إليه.
وكان من أشهر من أرسلهم رسول الله ( إلى اليمن معاذ بن جبل(، اليمن الأعلى بما في ذلك الجند488،وأبو موسى الأشعري (وكان عاملاً على زبيد وعدن
وساحل اليمن كله 489.
ومهَّد النبي ( لمعاذ طريقه، وكشف له حقيقة الجهة التي وجهه إليها، وزوّده بأروع التوجيهات والوصايا فقال: ((إنَّك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذ عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم، وتوقَّ كرائم أموال الناس)) 490.
ولعل النبي ( خص معاذاً بهذا دون أبي موسى؛ لأن أبا موسى من أهل البلد، ويعرف طبيعتها وطبيعة أهلها، ثم وصى النبي ( معاذاً وأبا موسى معاً فقال: ((بشِّرا،ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا)) 491، فخرجا مستلهمَين هذه الوصايا، ناصحين مخلصين لمن أُرسِلا إليهم، واتجه كل منهما إلى عمله،وكانا يتزاوران ويتعهد أحدهما الآخر.
فدخل في الإسلام على أيديهما من لم يكن قد أسلم من قبل، وتعلم العلم منهما من كان مسلماً مؤمناً، وعمَّ الإيمان والعلم أرض الفقه والإيمان.(1/133)
كما أرسل رسلاً آخرين لأغراض مختلفة منهم: علي بن أبي طالب 492، وخالد بن الوليد 493، وجرير بن عبدالله البجلي 494، وخالد بن سعيد بن العاص 495، وطاهر بن أبي هالة 496، ويعلى بن أمية 497، وعمرو بن حزم 498، وزياد بن لبيد البياضي 499، وعكاشة بن ثور 500 ( أجمعين، وكان لهم أعظم الأثر على اليمنيين، وقد لقوا منهم المحبة والوفاء والتعاون الذي يعزّ مثاله.
المطلب الثالث: مذاهب اليمنيين منذ فجر الإسلام حتى قيام الدولة الصليحية:
وصل الإسلام إلى اليمن نقياً صافياً لم تشُبْه أي شائبة، فلم يدخل على يد مذهب فقهي أو فرقة عقائدية أو طريقة صوفية كما حصل في بعض البلاد الإسلامية، وإنما دخل على أيدي أصحاب رسول الله ( سادات أهل السنة وقدوتهم الذين أمرنا رسول الله ( بالرجوع إلى ما كانوا عليه عند الاختلاف 501، وبقي منهجهم وسبيلهم محفوظاً بحفظ الله في هذا البلد المبارك إلى اليوم، وإن زاحمه غيره من المذاهب والمناهج في بعض الفترات، وإن حاولت السلطات المتنفذة في كثير من الأحيان طمسه وإحلال مذاهبها محله إلا أنها لم تفلح في ذلك.
التشيع:
ومن المذاهب التي وصلت إلى اليمن في وقت مبكر التشيع؛ وذلك أن أهل اليمن قد كان موقفهم مع أمير المؤمنين علي ( واضحاً ومعروفاً، فهم أقوى القبائل التي كانت معه وأكثرها عدداً 502، ولاشك أن ذلك سوف يعكس نفسه على قبائلهم وأهاليهم الباقين في اليمن؛ ولذلك تحدثت مصادر التاريخ اليمنية عن تعسف بسر بن أرطأة 503 والي معاوية على اليمن،وشدته في معاملة بعض القبائل اليمنية، وبالخصوص قبيلة همدان التي كانت من أكثر القبائل مناصرة لأمير المؤمنين علي ( حتى نسبوا إليه ذلك البيت الذائع:
فلو كنت بواباً على باب جنة …… لقلت لهمدان ادخلوا بسلام 504(1/134)
فالتشيع في اليمن لا يستطيع أحد إنكاره، ولكن أي فرق الشيعة كانت في اليمن في ذلك الوقت؟ يتضح مما مرّ في بحث نشأة الشيعة أن الفرق الشيعية لم تتميز عن بعضها إلا في وقت متأخر، ولذا فإنني أرجح أن التشيع الذي كان موجوداً في اليمن قبل وفود الزيدية والإسماعيلية إنما كان التشيع السالم من الغلو كما سبق وصفه.
نعم هناك إشارة إلى وجود شيعة اثني عشرية في اليمن في حوالي النصف الثاني من القرن الثالث، وذلك عندما ذكر المؤرخون علي بن الفضل الجدني، والذي أصبح زعيم القرامطة في اليمن، فقد ذكروا أنه كان شيعياً اثني عشرياً، وأنه حجّ ثم زار قبر الحسين بعد الحج، وهناك التقى بميمون القداح505، كما قيل: إن ابن الفضل أخذ ذلك المذهب في عدن من قوم من الاثني عشرية، لقيهم هناك 506.
قلت: إن صح هذا فالاحتمال بوجود فئة صغيرة في عدن وارد ولم تشتهر، أو يعطها المؤرخون اهتماماً، كما أن هناك احتمالاً آخرَ، وهو أن أولئك القوم كانوا من التجار الذين ينزلون عدن لفترة ثم يغادرونها، وماعدا ذلك فإنه لم يرد تفصيل عن أي فرقة شيعية واضحة في اليمن في تلك الفترة.
الدعوة الإسماعيلية:
أ- القرامطة:(1/135)
كان المذهب الإسماعيلي هو أول مذهب واضح متميز من مذاهب الشيعة وصل إلى اليمن، حيث وصل الداعيان: علي بن الفضل الجدني، والحسن بن فرج بن حوشب 507 إلى ميناء غلافقة سنة (268 هـ) مبعوثَين من قبل داعية الإسماعيلية ميمون القداح، غير أنهما لم يعلنا الدعوة إلاّ سنة (270هـ)، وكانت دعوتهما في غاية السرية والحيطة والحذر، ثم أعلن الثورة علي بن الفضل وكشف عن وجهه الحقيقي، وفعل ما هو مشهور في تاريخ اليمن مما ليس هنا محل تفصيله إذ لا يتعلق بموضوعنا، غير أن المهم أن علي بن الفضل قد سلك طريق القرامطة أصحاب البحرين، وكشف عما يعتقده وفعل ما أمْلته عليه نزواته وأحبه هواه، وبذلك كان أمَدُ دعوته قصيراً، وإن كان شرها مستطيراً، ولم يقم أحد بدعوته بعد موته والقضاء على دولته 508.
ب _ العبيديون (الفاطميون):
أما الحسن بن حوشب المشهور بـ " بمنصور اليمن " فقد بقي محافظاً على تعليمات ميمون القداح، ملتزماً بالانتماء إليه وإلى ذريته التي ملكت المغرب العربي، وأنشأت هناك الدولة الإسماعيلية الباطنية، وكان على اتصال مستمر معهم 509، إلا أن دولته لم تدم طويلاًً إذ قُضي عليها ككيان سياسي في حياة علي بن الفضل، واضطر منصور إلى التخفِّي والبعد عن المعترك السياسي حتى مات سنة (302 هـ) 510، ثم عادت الدعوة الإسماعيلية إلى دور السِّتر والسرية، وقد رتب لها الدعاة الذين يقومون بها، ويبثون تعاليمها، ويحافظون على أتباعها، ويواصلون العلاقة مع أصلهم في المغرب ثم في مصر بطرقهم الذكية المعروفة وذلك من سنة (303-439هـ)، حتى عادوا إلى الظهور حين أمكنتهم الظروف، وتهيأت لهم الأسباب على يد علي بن محمد الصليحي كما سيأتي 511.(1/136)
هذه هي الفترة الأولى للدعوة الإسماعيلية العلنية في اليمن، وهي لم يكن لها تأثير ظاهر في مسألة القبورية حيث لم تتمكن من التفرغ لذلك، ولم يكن لها من النفوذ والقبول ما يمكِّنها من ذلك، بل عاش قادتها محارَبين ودعاتها مضطهدين، فلم يستطيعوا عمل شيء مما يتعلق القبورية، كما أن هذه الفرقة لم يكن لها مذهب ظاهر وشائع بين الناس كأي مذهب من المذاهب الأخرى، إلا أنها كانت أخطر من تلك المذاهب من حيث تماسك أصحابها والحفاظ على كيانهم رغم المحاربة الشاملة لهم من كافة فئات الشعب والحكام على حد سواء، مما كان له الأثر البالغ في تمكنهم من إعلان دولتهم مرة أخرى في أيام الصليحي، ثم العودة مرة أخرى إلى الستر منذ زوال دولة الصليحي إلى يوم الناس هذا.
الزيدية:
الفرقة الشيعية الثانية التي دخلت اليمن في هذه الفترة هي الزيدية، وقد سبق التعريف بها في المبحث الأول من الفصل الثالث 512،وكان وصول الزيدية واستقرارها في اليمن سنة أربع وثمانين ومائتين
هجرية 513، وذلك بوصول الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين إلى صعدة للمرة الثانية وإقامة دولته هناك، ثم العمل على نشرها ومواصلة أبنائه وأحفاده وبعض الأئمة من أهل البيت المعتنقين للمذهب الزيدي، حيث استقرت دولة الأئمة الزيدية من ذلك التاريخ إلى أن أطيح بآخر إمام من أئمتها محمد البدر سنة (1382هـ- 1962 م) وذلك بقيام الثورة وتأسيس الجمهورية العربية اليمنية.(1/137)
وهذه الفرقة قد سخَّرت دولتها وسلطانها لدعم عقائدها ومذاهبها،كما أنها قد طوَّعت فِقهها وأصولها لمآربها السياسية 514، ولكنها برغم قِدَم دخولها وامتداد فترة حكمها بما لم تبلغه أي دولة أو فرقة أخرى، ظلَّت منزوية في مواطن نفوذها السياسي يمتد وجودها بامتداد سلطانها ظاهراً ورسمياً، وأما في الباطن فإن الناس يكرهون ما تفرضه عليهم، ويهللون فرحاً عندما ينزاح عنهم كابوس حكمهم؛ ليعلنوا ما في نفوسهم من عقائد ومبادئ، ويزيلون ما فرض من شعارات خاصة بالزيدية، فرضتها السلطة 515.
يقول القاضي محمد بن علي الأكوع 516 -رحمه الله تعالى -: (وكان مذهب الهادي قابعاً في صعدة، ومنكمشاً عليها وعلى بلادها وبعض ظاهر همدان، ولم يغزُ سنام نجد اليمن وبلاد حجة ومغارب حمير إلا في القرن الحادي عشر الهجري، عندما تمت سيطرة القواسم على اليمن،وتغلبت الأسرة الزيدية على ناصية الأمور، وخلت البلاد من التيارات السياسية التي تجابهها، كما قحط اليمن من قادته ورؤسائه، وأصبحوا قانعين بالتبعية؛ إذ فقدوا كل مقوِّمات الطموح والشعور بأنهم سادة البلاد) 517.
قلت: وذلك في عهد الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم الذي وحَّد اليمن الطبيعي، وفرض المذهب الزيدي على كل من دخل تحت حكمه حتى في حضرموت التي تعد من أشد البلاد منافرة لمذهبه؛ وذلك لسيطرة العلويين الذين يتبعون المذهب الشافعي والعقيدة الأشعرية والمشرب الصوفي، والذين يتعصبون لذلك غاية التعصب، ولست بحاجة إلى مزيد بسط وتفصيل عن الزيدية؛ لما سبق من شرح لها في الفصل الثالث من هذا الباب.
وأما قبورية الزيدية فالحق أن زيدية اليمن لم تكن لديهم قبورية ظاهرة في هذه الفترة، ولذلك فسوف أرجئ الحديث عن قبور يتهم إلى المطلب التالي إن شاء الله.
الخوارج:(1/138)
سبق تعريف الخوارج وهم فرق كثيرة، والفرقة التي اشتهرت في اليمن من فرق الخوارج هي فرقة الإباضية أصحاب عبدالله بن إباض 518،وهم أخف فرق الخوارج انحرافاً وأقربها إلى السنة 519.
ومعلوم أن نشأة الخوارج كانت على أثر حادثة التحكيم، وأن علياً ( قاتلهم في النهروان عام (37) أو (38 هـ)،وقتل معظمهم،ولكن الفئة الباقية انتشرت في البلاد بشكل خفي، ثم أصبح كل من حل بأرض يدعو أبناءها إلى رأيه، ولذلك كثرت الخوارج مرة أخرى، وأصبحت قوة لا يستهان بها، وشكلت مصدر قلق كبير للدولة الأموية إلى نهايتها، ومطلع الدولة العباسية. فهل وصل إلى اليمن أحدٌ منهم في بداية أمرهم؟ وهل انتشرت الدعوة الخارجية بين اليمنيين بشكل أو بآخر قبل العقد الثالث من القرن الثاني؟.
هذا مالا يمكن الجزم به، ولكن هناك إشارات إلى شيء من ذلك، منه ما حكاه الخزرجي من أن الخوارج هاجموا صنعاء فحاول وهب بن منبه قتالهم بأهل صنعاء، فلم يستطع، فصالحهم أهل صنعاء على مائة ألف دينار، فأخذوها، ورجعوا، واستعان أهل صنعاء لسدادها بأهل المخاليف، فأعانوهم 520.
ومنها أن عبدالله بن يحيى الكندي 521 زعيم الخوارج الأول عندما أقام دولته في حضرموت، كاتب إخوانه الإباضية في صنعاء، فانضموا إليه 522، هاتان الإشارتان توحيان بوجود ما للخوارج قبل إعلان دولتهم في شبام حضرموت سنة (128هـ)، وأما البداية الحقيقية المتفق عليها فهي في هذه السنة.(1/139)
وملخص قصة الخوارج في اليمن أن عبدالله بن يحيى الكندي - وكان رجلاً من أعيان حضرموت - حج سنة (127 هـ)، وفي مكة التقى ببعض دعاة الخوارج الذين كانوا يحضرون المواسم لبث دعوتهم، فكلموه في الأمر، وذكروا له مظالم بني أمية وانحرافهم، وأن الواجب هو الخروج عليهم وإزالة دولتهم وإقامة دولة الحق التي تحكم بالعدل وتعيد الأمور إلى نصابها إلى آخر ما ذكر، فقال له عبدالله بن يحيى: (إنني رجل مطاع في قومي، ولو دعوتهم إلى ذلك أجابوني إليه). فعاهده أبو حمزة على ذلك، فعاد عبدالله بن يحيى ومعه أبو حمزة الأزدي إلى حضرموت، وكتب إلى إخوانه أباضية البصرة يشاورهم في الخروج على الخليفة الأموي،فكتبوا إليه: (إن استطعت ألا تقيم يوماً واحداً فافعل، فإن المبادرة بالعمل الصالح أفضل ولست تدري متى يأتي عليك أجلك...)، فأعلن عبدالله نفسه أميراً وبايعه أبو حمزة وتبعه الناس في حضرموت من سائر القبائل، وقبَضَ على والي بني أمية، وحبسه ثم أطلق سراحه، وما إن استقرت له الأمور في حضرموت حتى اتجه صوب مكة، فقدم ومعه زهاء تسعمائة وقيل ألف ومائة من أصحابه يوم عرفة إلى صعيد عرفة، والناس بها يوم الوقوف فما شعروا إلا بخيل الخوارج وعليها الرجال معممين رافعين ألويتهم، فما كان من أمير مكة إلا أن سلّم لهم الأمر دون قتال، وفي يوم النحر دخلوا مكة كذلك، وبذلك صفت لهم مكة دون أي مقاومة، ولكن أخبارهم انتشرت، واستعد لهم أهل المدينة، وبعد استقرار الوضع في مكة خلَّفوا عليها والياً من قبلهم، ثم توجهوا إلى المدينة، وكان أهل المدينة قد جهزوا جيشاً لمقاومتهم، وكان أكثر الجيش من عامة الناس وليسوا من الجنود المدربين أو ذوي الخبرة بالحرب، والتقى الجيشان في منطقة قديد، وهُزِم جيش المدينة هزيمة منكرة وقتل منه ألفان ومئتان وثلاثون رجلاً 523(1/140)
وعلى إثر ذلك دخل جيش الخوارج المدينة، واحتلوها ورتبوا الأمر فيها، وطارت الأخبار إلى دمشق، فجهز الخليفة جيشاً كبيراً وحشد فيه مقاتلين أقوياء مدربين، فسار الجيش الأموي صوب المدينة، وتقدم جيش الخوارج باتجاه الشام، فالتقى الجيشان في وادي القرى، فانهزم جيش الخوارج وقتل قائده أبو حمزة، ثم واصل الجيش الأموي طريقه إلى المدينة ثم إلى مكة،ولم يقم له واليها، ثم إلى صنعاء وقد خرج عبدالله بن يحيى ومن معه لملاقاة الجيش الأموي في الطريق، وفعلاً التقيا، وهُزم الجيش الخارجي، وقُتل عبدالله بن يحيى، وهكذا واصل الجيش الأموي الطريق إلى عاصمة دولة الخوارج (شبام)، والتقى بأميرها ومن معه وهزم الخوارج، وقتل واليهم وفتك قائد الجيش بالحضارم فتكاً ذريعاً، وقتل الرجال والنساء وفعل الأفاعيل، وبهذا انتهى كيان دولة الخوارج ولم يبق لهم نفوذ، غير أن فكرهم وعقائدهم ظلت موجودة ويدين بها كثير من أبناء حضرموت حتى نهاية القرن السادس تقريباً، ونشأ لهم كيان غير محدد المعالم أواخر القرن الخامس، قضى عليه الصليحي عندما مد نفوذه إلى حضرموت، ولم يكن للخوارج أي دور في انتشار القبورية في اليمن حسب علمي 524.
التصوُّف:(1/141)
حتى لا تختلط علينا المفاهيم، يجب أن نفرِّق بين الزهد الذي دعا إليه الإسلام، وحث عليه الرسول (، وحمده أئمة المسلمين، ولم يذمه أحد ممن يعتد بقوله، وبين التصوف المُحدَث المجلوب من خارج حدود الإسلام، والمضبوط بضوابطه المعروفة، والمحدّد بحدوده الواضحة، والمبني على فلسفة خاصة، فهذا لون والزهد الذي جاءت به شريعة الإسلام لون آخر، وإن الخلط بين الأمرين قد أوقع لبساً كبيراً على عوام الناس، واستغلَّه دعاة التصوف وتزينوا به، بل اتخذوه درعاً واقياً من سهام الطاعنين عليهم وعلى فلسفته الضالة وبدعهم المحدثة الخارجة عما جاء به الإسلام، فإذا تكلَّم متكلم عن مخازي التصوف ومثالبه، عارضه المتصوفة بإبراز الشخصيات النظيفة الطاهرة على أنها أئمته ومؤسسوه،فيذكرون أباذر ( وأبا الدرداء (، ومن التابعين أويس القرني، والحسن البصري ومن شابههما، ثم يذكرون مالك بن دينار، والفضيل بن عياض،ومن أهل اليمن: عمرو بن ميمون الأودي، وطاووس بن كيسان اليماني، ووهب بن منبه، ونحوهم، وهؤلاء لا علاقة لهم ألبتة بما أحدث بعد من تصوف مبتدَع فلسفي محتوٍ على إلحاد أصحاب الحلول والاتحاد، ومكائد المتاجرين بالولاية والكرامات.
فإذا بينا هذه الحقيقة، وعرفنا الفرق الواسع بين الزهد بمفهومه الصحيح، وبين التصوف المنحرف، استطعنا أن نجزم بلا أي تردد أن هذه الفترة التي نتحدث عنها لم يكن فيها باليمن شيء مما يصح أن يطلق عليه تصوف بالمعنى الصحيح الدقيق، وبالتالي فليس للتصوف في هذه الفترة أي دور في نشر القبورية.
المذاهب الفقهية:(1/142)
(كان المذهب السائد في اليمن إلى انتهاء القرن الثالث الهجري هو العمل بالكتاب العزيز والسنة النبوية، ولم يتقيد أهل اليمن حينئذ بكلام واحد من الأعلام، واعتمدوا في دراسة الفقه النبوي على مثل مسند الإمام الحافظ عبدالرزاق بن همام الصنعاني المتوفى سنة (210هـ)، وعلى مسند أبي قرة موسى بن طارق الجندي، ومسند عبدالملك بن عبدالرحمن الذماري، ومسند الحافظ محمد ابن يحيى بن أبي عمر العدني، ثم غزت المذاهب العقائدية والفقهية) 525.
ويؤكد ذلك الإمام المؤرخ ابن سمرة الجعدي 526 في "طبقات فقهاء اليمن " حيث يقول: (وكان الغالب في اليمن مذهب مالك وأبي حنيفة، ولم يكن علم السنة مأخوذاً في هذا المخلاف إلا من جامع معمر بن راشد البصري، وهو مصنف في صنعاء، وجامع سفيان بن عيينة، وجامع أبي قرة موسى ابن طارق اللحجي الجندي، ومن المرويات عن مالك في الموطأ وغيره مثل كتاب أبي مصعب، أو عما يُروى عن طاووس وابنه وقدماء فقهاء اليمن الذين ذكرت أطرافاً من فضلهم وشيوخاً من جلهم) 527.(1/143)
ومن هذين النصين يتبين أن الأصل في أهل اليمن اتباع الكتاب والسنة على مذهب المحدثين، وبعد انتشار المذاهب الإسلامية وصلت تلك المذاهب المالكية والحنفية والشافعية، وأما المذهب الحنبلي في الفروع فلم يسجّل له وجود في اليمن تلك الفترة، وكان المذهب المالكي هو أول تلك المذاهب انتشاراً ثم الحنفي ثم الشافعي، وليس للمذهب المالكي وجود في اليمن الآن، وبقي المذهب الحنفي في زبيد بشكل محدود، بينما انتشر المذهب الشافعي في عموم اليمن بما في ذلك صنعاء وذمار وما والاهما حتى القرن الحادي عشر، حينما فرض المذهب الهادوي الذي يتبناه الأئمة الزيدية على تلك النواحي، وانقسمت اليمن بعد ذلك انقساماً ظاهراً، حيث ساد المذهب الشافعي اليمن الأسفل وتهامة وما والاها من البلاد الجبلية، والجند وماحو لها بما في ذلك معظم مخا ليف، إب والحجرية كاملة، والبيضاء وما يلتحق بها، ومأرب والجوف، هذا فيما كان يعرف باليمن الشمالي، وأما ما كان يعرف باليمن الجنوبي فكله شافعي ولاوجود للمذهب الهادوي فيه، وماعدا ذلك فالسائد فيه المذهب الهادوي، وهو يمتد من صعدة شمالاً إلى يريم وما جاورها جنوباً مقتصراً على المنطقة الجبلية إلى مشارف تهامة غرباً.(1/144)
هذه صورة مختصرة للمذاهب الفقهية التي سادت اليمن، ولكن يجب ألا نغفل حقيقة مهمة، هي أن اتباع الكتاب والسنة والتجرد لهما، ونبذ التعصب المذهبي بل نبذ التمذهب بشكل تام بقي مستمراً في اليمن، ولم يلغه وجود المذاهب الفقهية وانتشارها، بل ظل حياً حاضراً وإن ضعف في بعض الأحيان وخفَتَ صوته إلا أنه مازال موجوداً خصوصاً في المناطق الزيدية، وقد اشتهر جماعة من المجتهدين النابذين للتقليد الذين كان لهم الأثر الطيب على العلم والعلماء، وكانوا نبراساً مضيئاً في حوالك الظلم التي لبَّدت سماء الأمة الإسلامية قروناً عديدة، وأصبحوا أساتذة الاجتهاد، والتجديد، وحرية الرأي، ورمز الاقتداء بالسلف الصالح ليس في اليمن فقط ولكن في العالم كله، حيث تتداول كتبهم بل وتصبح من المقررات الأساسية في أشهر الجامعات الشرعية والمعاهد الدينية في العالم الإسلامي، من أشهر أولئك:
1) محمد بن إبراهيم الوزير 528.
2) صالح بن مهدي المقبلي 529.
3) الحسن بن أحمد الجلال 530.
4) محمد بن إسماعيل الصنعاني.
5) محمد بن علي الشوكاني.
وغيرهم الكثير، وإن كانوا أقل شهرة منهم؛تضمنهم " البدر الطالع " لشيخ الإسلام الشوكاني، "ونشر العرف لنبلاء اليمن بعد الألف "،وغيرهما من كتب التواريخ والتراجم، وما تزال هذه المدرسة قائمة إلى اليوم، وعميدها وأشهر علمائها في هذا العصر القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني -حفظه الله - وهو في اليمن أشهر من نار على علم.
هذا وأما الاجتهاد الفقهي في المناطق الشافعية فقليل إن لم يكن معدوماً، ولعلّ السبب في كثرة المجتهدين في الجهات الزيدية طبيعة المذهب الهادوي الذي أبقى باب الاجتهاد مفتوحاً، بل حرَّم التقليد في بعض المواضع من أصله، بعكس أتباع المذاهب الأخرى الذين أغلقوا باب الاجتهاد من بعد القرن الرابع، وصاحوا بكل من ادعاه بأنه جاهل متعالم، أو مارق منحرف.(1/145)
هذا وقد أطلتُ في هذا الموضع لأنني رأيت جمع كل ما يتعلق بالمذاهب الفقهية فيه ولن أعود إلى شيء من ذلك فيما بعد لعدم اقتضاء الموضوع له.
الفرق العقائدية غير ما تقدم:
لقد ذكرنا فيما تقدم فرق الشيعة الإسماعيلية والزيدية وفرقة الخوارج الإباضية، وإكمالاً للبحث ينبغي أن نلمَّ ببقية الفرق التي طرأت على اليمن وعلى أهله الذين مازالوا متمسكين بمنهج السلف الصالح في عقيدتهم إلى اليوم، نعم إن منهج السلف الصالح منهج الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هو الأصل في اليمن، والمناهج الأخرى إنما هي طارئة عليه، وكان هذا المنهج هو منهج الأمة بكاملها حينما كانت الأمة هي الصحابة الكرام وتابعوهم بإحسان، ثم بدأت الفرق الضالة تخرج عن هذا السبيل، وتفارق ذلك المنهج؛ فخرجت الخوارج ثم الروافض ثم القدرية في عهد الصحابة أنفسهم، ثم توالت تلك الفرق في الانحراف ومفارقة المنهج القويم والصراط المستقيم، وقد تفرقت تلك الفرق نفسها إلى فرق فرعية كثيرة جداً، وظهرت فرق جديدة ذات أثر في الساحة الإسلامية؛ منها الجهمية ثم المعتزلة ثم الكلّابية والماتريدية والأشاعرة،وهذه الثلاث الفرق الأخيرة في الواقع قد تبيّن لها ضلال الفرق السابقة عليها وخصوصاً الجهمية والمعتزلة اللتين تشتركان في الانتساب إلى علم الكلام.(1/146)
وقد حاول أئمة تلك الفرق الثلاث العودة إلى النبع الصافي والمنهل العذب، ولكن آثار علم الكلام لم تمكن الإمامين ابن كلاب 531، والماتريدي 2 من ذلك، فتخلصا من كثير من بدع وعقائد الجهمية والمعتزلة، وبقي لديهما بعضها وأخذا ببعض أصول السلف أهل السنة، وقصّرا في بعضها، والله تعالى يتولاهما، وهو أعلم بما في نفوسهما سبحانه، أما نحن فندعوه سبحانه أن يغفر لهما وللمخلصين من أتباعهما، وأن يتجاوز عمَّا أخطآ فيه، ما دام الحامل لهما عليه حب التنزيه والخشية من التشبيه، ولكن حبنا لهما ورغبتنا الصادقة في أن يتجاوز الله عنهما لا يجعلنا نصحح مذهبهما ونسكت عن خطئهما.
وأما أبو الحسن الأشعري -رحمه الله - فله ثلاثة أطوار:
الطور الأول: الاعتزال المحض على طريقة أبي علي الجبّائي الذي كان متزوجاً بأمه وكافلاً له.
الطور الثاني: تقرير ما كان عليه ابن كُلّاب وأصحابه.
الطور الثالث: رجوعه الكامل إلى ما كان عليه السلف الصالح وذلك في كتبه: " الإبانة عن أصول الديانة "، " ومقالات الإسلاميين "، " ورسالتي إلى أهل الثغر "، وهناك من يخالف في ترتيب الطوْرَين الأخيرين، أو يجعلهما طوراً واحداً 3.(1/147)
لكن عامة من ينتسبون إليه إنما ينتسبون إلى ما كان عليه في الطور الوسط، فهم في حقيقتهم كُلّابية أو قريباً منها، وليسوا على السنة المحضة التي كان عليها السلف الصالح، والتي عرفت فيما بعد خصوصاً بعد محنة القول بخلق القرآن عرفت (بمذهب أحمد بن حنبل) أو (بالحنابلة)، ولم يكن الإمام أحمد -رحمه الله- متفرداً بها، بل هي عقيدة سائر أئمة أهل السنة وأصحاب الحديث، وعلى رأسهم الإمامان مالك والشافعي وكذلك الإمام أبو حنيفة، إلا ما يذكر عنه في مسألة الإيمان، هذا وإن كثيراً من علماء الحديث وأئمة الفقه والمفسرين وغيرهم هم في الأصل من أهل السنة وأتباع السلف الصالح، ولكنهم قد تأثروا ببعض أقوال الأشاعرة أو الماتريدية خصوصاً في تأويل بعض الصفات، وهذا لا يجعلهم أشاعرة ولا ماتريدية، لأنهم من أهل الحديث والآخذين به والمقدمين له على كل الأصول، بخلاف الأشاعرة المتكلمين وكذلك الماتريدية المتكلمين فإنهم يقدِّمون العقل، ويتحاكمون إلى قواعد المنطق وعلم الكلام مقدمين ذلك على الكتاب والسنة، وهذا فارق كبير بينهم وبين المتمسكين بالآثار، والمقدمين للأخبار، والتابعين للسلف الأخيار، الذين وقعوا في تقليد أولئك في بعض المسائل532.
بعد هذه المقدمة المهمة في نظري أعود فأقول: إنه لم يثبت بشكل جلي وجود للماتريدية أو الأشعرية في اليمن في هذه الفترة.
وأما المعتزلة فالصحيح أن الذي أتى بها إلى اليمن هو الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين سنة (285هـ)، فالزيدية في العقيدة معتزلة، وإن خالفوا المعتزلة في المنزلة بين المنزلتين، فجعلوا مكانها الإمامة، ويقول بعض الباحثين: إن اعتزال زيدية اليمن في بداية أمرهم كان على طريقتهم الخاصة بهم، وليس هو الاعتزال المعروف المنسوب إلى واصل بن عطاء وأتباعه.(1/148)
وقد ظلت الزيدية على ذلك إلى أن ظهرت المطرفيَّة 533، وانتشرت، وفشت بين الناس، وأصبحت تشكل قوة علمية وبشرية يحسب لها ألف حساب، وخصوصاً أنهم قد خالفوا السائد من عقائد الاعتزال وعقائد الزيدية في أمور أهمها: مسألة الإمامة وأنهم لا يحصرونها في أبناء علي (، وإنما من جمع صفاتها من المسلمين، فهو أهل لها، وكذلك التفضيل بمجرد النسب لا يقرونه، فتدخلت الغيرة على العقيدة مع الغيرة على الميزة التي اكتسبها بعض الناس في مسألتي الإمامة والنسب، وعند ذلك رغب القائمون على المذهب الزيدي وعقيدته الموروثة في التصدي لهذه الفرقة، وهزيمتها فكرياً عن طريق المناظرة،ولما كان رجال المطرفية أكثر علماً وأنضج فكراً؛ وشعر الطرف الثاني بذلك؛ رغب في تسليح فريقه برجال على نفس المستوى، بل أقوى ليحملوا فكره، ويدافعوا عن أصوله ومبادئه بالطريقة التي يريدها هو، وعندما علم الإمام المتوكل أحمد بن سليمان أن أحد علماء المعتزلة وصل إلى مكة لأداء الحج عام (540 هـ) سارع باستدعائه إلى اليمن، فأجاب إلى ذلك، ووافى الإمام في محل إقامته حينها هجرة محنكة من خولان صعدة في مطلع عام (541هـ)، ومعه كتب الاعتزال، وبقي في اليمن سنتين ونصف لنشر الاعتزال على طريقة معتزلة البصرة، وهي تخالف الاعتزال الذي كان في اليمن من قبل والذي كان أقرب إلى معتزلة بغداد، وقد التقى في هذه الفترة القاضي جعفر بن عبد السلام الأبناوي بالبيهقي 534، وأخذ عنه علوم الاعتزال وأسلوب المحاجة والمناظرة استعداداً لمناظرة المطرفية، ثم لما عزم البيهقي على العودة إلى العراق عزم معه جعفر بن عبد السلام ليتزود من المنبع الأصلي للاعتزال،غير أن البيهقي مات في تهامة في طريق العودة، فلم يثنِ ذلك عزيمة ابن عبد السلام، بل واصل المسير إلى العراق وفارس، وأخذ في كل بلد حلّه عن علماء المعتزلة فيه 535، ثم عاد يحمل كتب المعتزلة معه، وبهذا تكامل وجود المعتزلة في اليمن، بل إن من(1/149)
الباحثين من يرى أن المعتزلة لم تدخل اليمن إلا من ذلك التاريخ.
ولكن الحق أن الذي دخل في ذلك التاريخ هو فكر وعقيدة معتزلة البصرة التي تخالف الاعتزال الذي ظل قائماً في المجتمع منذ دخل الهادي إلى أن ظهر جعفر بن عبدالسلام في أيام المتوكل على الله أحمد ابن سليمان المتوفى سنة (566 هـ) 536.
المطلب الرابع:استمرار منهج السلف الصالح رغم مزاحمة المناهج المختلفة له:
لقد تكفل الله بحفظ دينه وكتابه الكريم، فقال جلّ من قائل: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون( 537، ومقتضى حفظه أن يبقى ظاهراً قائماً، وأن تقوم به طائفة تمثله بحق، وتعمل به بصدق، وتدعو إليه بإخلاص، على وفق ما نزل الكتاب وما بلغ الرسول ( ووفق ما فهمه الصحابة الكرام من الكتاب والسنة دون زيادة أو نقصان أو انحراف، وقد أكد هذا المعنى الرسول ( في قوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)) 538.
وإذا كان هذا الوعد يشمل جميع بلاد الله التي يظللها الإسلام، فإنَّ يمن الإيمان والحكمة من أحق البلاد بتحقيق هذا الوعد، وبالفعل فإن تاريخ اليمن لمليء بالأدلة على هذه الدعوى، فلم يخلُ جانب من جوانب منهج أهل السنة والجماعة ممن يقوم به،ويدافع عنه طوال التاريخ اليمني، أو على سبيل الاحتياط في معظم مراحل التاريخ.(1/150)
وإذا كان قد مرَّ بنا أن غالب القرون الثلاثة كان الظاهر فيه مذهب أهل السنة والجماعة في اليمن، فإن الفترات اللاحقة لم تشهد غياباً كاملاً لهذا المذهب، وإنما قد يضعف، ويضايق، ويضطهد دعاته في بعض الأحيان، ثم لا يلبث أن يظهر، وما إن تُرفع الحجب، وتزال العقبات من أمامه حتى يهرع الناسُ إليه، يتسابقون عليه، ويسيرون تحت لوائه، وذلك أنه الوحيد المنسجم مع الفطرة والذي تميل إليه الأنفس والقلوب التي لم تعمَ بظلمات البدع، ولم يعكر عليها غبار الشبهات، ومن الأدلة الناصعة على أن منهج السلف الصالح هو المنهج المنسجم مع الفطرة السليمة أن جميع المذاهب الوافدة على اليمن لم تظهر، وتنتشر بين الناس إلا في ظل دول قوية وسلطات قاهرة، ماعدا منهج أهل السنة والجماعة فإنه يقوم بنفسه، وينتشر بما جعل الله فيه من عوامل البقاء والخلود والانتشار، وسيظهر ذلك مما سنورده في المباحث القادمة عند الكلام على تلك المناهج.
وإذا علمنا أن الأصل الذي كان عليه أهل اليمن هو مذهب أهل السنة والجماعة وأن المذاهب الأخرى إنما طرأت عليه، فإن المعروف المقرر هو بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت خلافه، ولم يثبت أن مذهباً من تلك المذاهب الوافدة قد طبق اليمن قاطبة، ولم يدّعِ أحد من أهل تلك المذاهب ذلك، وهذا وحده يكفي دليلاً على استمرار مذهب السلف الصالح وعدم انقطاعه إلى يومنا هذا.(1/151)
وهذا ما نلمحه جلياً في كلام المؤرخين، والشهادة الأولى لمؤرخ زيدي هو يحيى بن الحسين ابن القاسم في طبقات الزيدية حيث يقول: (قلت: وكان اليمن في هذا التاريخ - وهو سنة أربعمائة إلى خمسمائة - فيه اختلاف شديد في المذاهب، واضطراب وفتن وشبه يوردها كل فريق، فكان فيه الزيدية فريقين: مخترعة ومطرفية، وفي اليمن الأسفل حنبلية وشافعية، ولما كان رأس خمسمائة فما بعدها غلب على اليمن الأسفل مذهب الأشعري لما خرج من الشام مع بني أيوب، فإنهم أخرجوا معهم " المقالة القدسية " أول إحياء علوم الدين في عقيدة الأشعري فمال إليه أكثر الشافعية في ذلك الوقت؛ لأن الأشعري في ثلاثمائة سنة وكانت وفاته أربع وعشرين وثلاثمائة... ثم اختلفت الشافعية باليمن فمنهم من قال بمقالة أحمد بن حنبل بأن المتشابهات تمر من غير تأويل مع اعتقاد أن الله ليس كمثله شيء، واحتجوا بقراءة الوقف على قوله: (وما يعلم تأويله إلا الله (539، ومنهم من تأول ذلك كما يقول الأشعري، وجرت بينهم مناظرات في ذلك الزمن لاسيما العمراني الشافعي صاحب " البيان " على مذهب الشافعي فإنه بنى على أصول أحمد) انتهى محل الغرض منه 540، وقد عقَّب القاضي الأكوع على هذا الكلام بقوله: (ورغم هذه التيارات المتعاكسة المتضاربة فقد ظل اليمن صامداً أمامهم لم تتزعزع عقائده أو يهدم بنيانه المتراص إلا بعد فترة متراخية، ثم ذكر نحواً مما ذكره في كتابه اليمن الخضراء ونقلناه سابقاً 541،ثم قال: (هذا هو العمل السائد في العقائد والمقامات في عموم اليمن ماعدا حضرموت فالغالب عليها مذهب الخوارج.
ولما تغلغلت هذه المذاهب في النفوس بطبيعة التفاعل والامتزاج انبثق عنها في القرن الرابع الهجري مذاهب متشعبة فمن حنفية إلى مالكية إلى شافعية إلى هادوية في صعدة، والمذهب السائد هو مذهب السلف الذين لا ينتمون إلى أي إمام من أئمة المذاهب) 542.(1/152)
ويقول شيخ الإسلام الشوكاني -رحمه الله تعالى-: (ولا ريب أن علماء الطوائف لا يكثرون العناية بأهل هذه الديار لاعتقادهم في الزيدية مالا مقتضى له إلا مجرد التقليد لمن لم يطلع على الأحوال، فإن في ديار الزيدية من أئمة الكتاب والسنة عدداً يجاوز الوصف، يتقيدون بالعمل بنصوص الأدلة، ويعتمدون على ما صح في الأمهات الحديثية، وما يلحق بها من دواوين الإسلام المشتملة على سنة خير الأنام، ولا يرفعون إلى التقليد رأساً، ولا يشوبون دينهم بشيء من البدع التي لا يخلو أهل مذهب من المذاهب من شيء منها، بل هم على نمط السلف الصالح في العمل بما يدل عليه كتاب الله وما صح من سنة رسول الله ( مع كثرة انشغالهم بالعلوم التي هي آلات علم الكتاب والسنة من نحو وصرف وبيان وأصول ولغة مع عدم إخلالهم بما عدا ذلك من العلوم العقلية، ولو لم يكن لهم من المزية إلا التقيَّد بنصوص الكتاب والسنة وطرح التقليد،فإن هذه خصيصة خص الله بها أهل هذه الديار في هذه الأزمنة الأخيرة، ولا توجد في غيرهم إلا نادراً) 543..
وفي القرن الرابع نرى من يحمل منهج أهل السنة والجماعة ومذهبهم، ويرد على من خالفهم، فهذا الحسين بن عبدالله المراغي له كتاب يردّ به على المعتزلة باسم " الحروف السبعة في الرد على المعتزلة وغيرهم من أهل الضلال والبدعة " وقد عاش آخر القرن الثالث وبداية القرن الرابع حيث توفي سن (324هـ) 544، وهو وافد على اليمن وليس من أهلها، ولكنه استقر بها، وصار له أتباع أخذوا عنه ذلك المذهب الذي كان في الأصل موجوداً قبل وروده 545.
وفي القرن الخامس يمر بنا الفقيه عبدالله بن يزيد اللَعفي، قال الجندي: (له تصانيف على معتقد السلف)، وكان يعيش في القرن الخامس ووفاته (بعد خمسمائة بيسير) 546.(1/153)
وفي القرن الخامس أيضاً كانت مدرسة الإمام زيد بن عبدالله اليفاعي 547، وهي مدرسة عظيمة جليلة، يدرس فيها فنون مختلفة، ومن أعظمها علوم العقيدة على مذهب السلف الصالح والفقه على مذهب الإمام الشافعي -رحمه الله-، وكان أصحابه فوق ثلاثمائة متفقه في غالب الأيام، حتى لقد خشي منه ومن أتباعه وأتباع شيخه أبي بكر بن جعفر المحابي أمير الجند من قبل الصليحي، فعمل الحيلة للإيقاع بين الشيخين وأتباعهما؛ مما اضطر الشيخ زيد للرحيل إلى مكة تجنباً للفتنة 548.
وعاصره وكان على نفس المنهج الإمام زيد بن الحسن الفايشي 549، غير أن الأول كان بالجند والثاني بالجعامي من أعمال إب، وتوفي سنة (528هـ) وقيل (527هـ) 550 -رحمه الله- وفي مدرستيهما كان يدرس علم التوحيد على مذهب السلف الصالح - رضوان الله عليهم - وعنهما وعن غيرهما من العلماء أخذ الإمام يحيى بن أبي الخير 551 ذلك المذهب 552، والإمام ابن أبي الخير هو رأس أهل السنة في اليمن في القرن السادس، فقد تبناه ودافع عنه وكافح وألّف وناظر وخرّج الطلاب عليه،وقد عني بالرد على المعتزلة حين وفودهم إلى اليمن يمثلهم القاضي جعفر بن عبد السلام المعتزلي فألّف كتابه " الانتصار في الرد على القدرية الأشرار "، ثم ظهرت الأشاعرة فأضاف - رحمه الله - إلى ما ذكره في الانتصار من مسائل القدرية مذهب الأشعرية والرد عليهم، قال ابن سَمُرة: (فأجحف فيه على الأشعرية وقطع حلوقهم وأفحمهم خصوصاً بذلك من يقول(: ما أنزل الله على بشر من شيء ( 553.
ففرح الفقهاء بكتابه " الانتصار " وانتسخوه ودانوا به واعتقدوه) 554.(1/154)
وقال ابن سمرة قبل ذلك: (وكان الإمام يحيى قد سمع في مدرستي الشيخين الإمامين زيد بن حسن الفايشي وزيد اليفاعي " كتاب التبصرة " في علم الكلام وأصول الدين تصنيف أبي الفتوح 555 على مذهب السلف الصالح، وهما ينقلانه جميعاً عن الشيخ أبي نصر البندنيجي مصنف " المعتمد " في الخلاف، فإنهما صحباه جميعاً في مكة، وعن الإمام يحيى أخذ مشايخنا " التبصرة " في أصول الدين ورويناها عنهم وكان -رحمه الله - يُسمعها في مدرسته، ويعلمها من طلبها، فناظر الشريف العثماني وهو أشعري، ونصر مذهب الحنابلة أهل السنة) 556.
وقد ملأ أطراف اليمن أصحاب وتلاميذ الإمام يحيى بن أبي الخير، ونشروا ما أخذوا عنه في كل مكان حلّوا فيه، ومن أشهر من خلفه في ذلك الطريق الفقيه مسعود بن علي بن مسعود العنسي 557،وقد كان شديد الغيرة على ذلك المذهب، حتى أنه عندما أظهر طاهر بن يحيى بن أبي الخير القول بمذهب الأشاعرة بعد موت أبيه، غضب لذلك، وقام فيه قياماً حسناً، وألّف في الرد عليه، قال الجندي وهو يتكلم على انحراف طاهر ونقض توبته التي أعلنها في حياة أبيه أثناء ترجمته لسيف السنة البر يهي: (ولذلك أجمع الفقهاء على هجره والإنكار عليه مشافهةً ومراسلة ومكاتبةً، وكان من أعظمهم في ذلك القاضي مسعود، ولهذا في الرد عليه كتاب كبير وأخباره يطول ذكرها) 558، وبهذا تعرف غيرة هذا الفقيه على مذهب أهل السنة، وليس وحده ولكن أجمع جميع الفقهاء الحضارين في ذلك الوقت على ما أبدى على طاهر بن يحيى بن أبي الخير من الإنكار والهجر، ثم تسلمت الراية مدرسة أخرى هي مدرسة الإمام سيف السنة أبي الحسن أحمد بن محمد بن عبدالله البر يهي السكسكي.(1/155)
قال الجندي: (وله كتب عدة في الأصول، يرد بها على المعتزلة والأشعرية، وكان كبير القدر، شهير الذكر، صاحب كرامات عديدة، وكتب مفيدة) 559، وقد حذا طلابه حذوه في الرد على الأشاعرة وغيرهم 560، وبأصحاب الإمام البر يهي نقطع أن مذهب أهل السنة كان ظاهراً قوياً إلى ما بعد منتصف القرن السابع، أي إلى بعد دخول الأيوبيين إلى اليمن بنحو مائة سنة حيث كان دخولهم سنة (569هـ) 561.
وبعد منتصف القرن السابع بدأت تقل المعلومات عن وجود قائمين بمذهب السلف، ولكن مذهب السلف الصالح ما كاد ينحسر عن المناطق الشافعية حتى لمع نجمه زاهراً مضيئاً في المناطق الزيدية على يد مفخرة اليمن الإمام العظيم محمد بن إبراهيم الوزير الذي عاش في أواخر القرن الثامن وأوائل القرن التاسع، فقد جدد هذا الإمام العظيم مذهب السلف الصالح في تلك المناطق، وأشاد أركانه، وأوضح معالمه؛ مما جعل كتبه مرجعاً لأهل السنة وعلماء السلفية في مختلف بلاد العالم الإسلامي، رغم ما لاقى في سبيل ذلك من محن وأذى، قابلها بالصبر والاحتساب وسعة الصدر والإصرار على التمسك بالحق الذي آمن به.
وقد كتب الله له النجاح في دعوته، وأثمرت جهوده بإنشاء مدرسة علمية سلفية، راسخة القواعد طيبة الثمار، مازال سبيلها معموراً إلى الآن، وقد سقنا الحديث عنها في هذا المبحث، والغرض هو تقرير أن منهج السلف الصالح في العقيدة مازال موجوداً حاضراً فاعلاً في اليمن منذ أن دخلها على يد معاذ وأبي موسى - رضي الله عنهما - إلى اليوم، وذلك تصديقاً لقول النبي (: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك))5620
المبحث الثاني
الإسماعيلية ودورها في نشر القبورية في ال
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: طوائف الإسماعيلية التي دخلت اليمن:(1/156)
سبق في المبحث الأول أن الإسماعيلية التي دخلت اليمن فصيلان: أما الفصيل الأول فهم القرامطة، ويمثلهم علي بن الفضل الجدني، وقد انتهى هذا الفصيل بانتها ء دولة علي بن الفضل وابنه الفأفاء سنة (304هـ) كما سبق على يد آل يعفر الحواليين السُنيين.
وأما الفصيل الثاني فهو المنتمي إلى العبيديين أصحاب الدولة الفاطمية بمصر، وكان يمثل هذا الفصيل منصور اليمن.
وحينما قضى أهل السنة على الدولة الإسماعيلية ككيان سياسي، وانتهى بذلك أثر علي بن الفضل، لم ينتهِ أثر ابن حوشب أو منصور اليمن، بل إنه عهِدَ بالدعوة من بعده إلى من يقوم بها كما سيأتي في المطلب الثالث، ولكن الذي يهمنا هنا أن الإسماعيلية في مصر في آخر عهد الدولة العبيدية انقسمت إلى قسمين: مستعلية، ونزارية، تبعاً للإمام الذي تبعته كل فرقة منها، وذلك أنه بعد موت الخليفة " المستنصر " اختلف على من يخلفه في الإمامة، فبايع قوم ابنه الأكبر "نزار " وهم النزارية، وبايع قوم آخرون ابنه الأصغر " أحمد " وسموه " المستعلي " وهم المستعلية، والذي يهمنا أن الذين في اليمن من الإسماعيلية ومنهم الصليحيون هم من فرقة " المستعلية " 563.
ثم انقسمت المستعلية باليمن إلى قسمين هما: " الداودية " أتباع الداعي " داهود قطب شاه " والسليمانية أتباع " سليمان بن حسن "، فالداودية هم البُهرة، والذين ولاؤهم للزعامة الإسماعيلية بالهند، وهم الظاهرون والذين ينصبُّ الكلام عنهم كلما ذكرت الحركة الإسماعيلية المعاصرة، وهم أشد تطرفاً وأكثر قبورية، وأما السليمانية فهم الذين يطلق عليهم المكارمة وولاؤهم لزعيمهم المتواجد بنجران، وهم أقل عدداً وأثراً من البهرة 564.
المطلب الثاني: لمحة عن الدولة الصليحية مؤسسة القبورية في اليمن:(1/157)
بعد موت ابن حوشب أو منصور اليمن، ظل التواصل جارياً بين خليفته في اليمن عبد الله ابن عباس الشاوري وبين المهدي " المزعوم " القائم بالمغرب، وكان قد وصل تكليف رسمي من المهدي للشاوري بالقيام بأمر الدعوة، وفعلاً قام بها، ولكن الحسن بن منصور اليمن لم يسلِّم له، وأحب أن يكون هو قائماً مقام أبيه، وتربص بالشاوري حتى أمكنته الفرصة فوثب عليه فقتله، ثم أعلن نفسه قائماً مقام أبيه، وتتبع من كان مع الشاوري فقضى عليهم.
ثم أعلن تخليه عن مذهب أبيه ورجوعه إلى مذهب أهل السنة، وكان قد قضى على معظم الرجال البارزين من أعوان أبيه، ولم يبق إلا من أمكنه الاستتار، وكان من هؤلاء: يوسف بن موسى ابن أبي الطفيل فقام بأمر الدعوة، ثم قام بعده جعفر بن أحمد بن عباس ثم عبدالله بن محمد بن بشر ثم محمد بن أحمد الشاوري ثم هارون بن محمد بن رحيم ثم يوسف بن أحمد بن الأشج ثم سليمان ابن عبدالله بن عامر الزواحي، وكان هذا الرجل عظيم الجاه كثير المال، فكلما همَّ به أحد من الناس رد عليه قائلاً: (أنا رجل مسلم، أقول: لاإله إلا الله محمد رسول الله، فكيف يحل لكم دمي ومالي؟ فيمسكون عنه)،وهو الذي سلم الأمر إلى الصليحي.565.
وكان أبو الصليحي محمد بن علي الصليحي قاضياً سنياً فاضلاً ذا مكانة في قومه، وكان الشاوري يزور هذا القاضي الفاضل، فلحظ ابنه وما عليه من مخايل النجابة والذكاء والشجاعة وغيرها من مؤهلات القيام بالدعوة بل بالإمارة، فكان يجالسه، ويفضي إليه بالدعوة، ويرغبه فيها حتى أقنعه.(1/158)
ولم يتعجل الشاب علي بن محمد الصليحي الأمر، ولكنه بدأ يمهد لنفسه بخطوات وئيدة ثابتة، فأخذ يحج بالناس عن طريق السراة والطائف لمدة خمسة عشر عاماً حتى شاع ذكره، وظهرت شخصيته، وعرف مكانه، وكان قد تردد على ألسنة الناس أن ذلك الشاب سوف يملك اليمن، فكان يسمعه من كثير من الناس ولكن يجيب باستبعاد ذلك، وإن كان في قرارة نفسه يتوْقُ إليه ويزيد تصميماً على بلوغه،وعندما حضرت الوفاة سليمان الزواحي أوصى بكتبه وأمواله، وكانت كثيرة لعلي ابن محمد الصليحي، فانكب على تلك الكتب، فقرأها، وفهمها، وصار من العلماء بما فيها، وبعد أن بث دعوته، واستجاب له أعداد كبيرة من الناس، أعلن ثورته وتبعيته للخليفة الفاطمي " المستنصر بالله "، وذلك من جبل مسار سنة (439هـ) 566.
وهكذا تأسست الدولة الصليحية، ومازال الصليحي يتوسع حتى ملك اليمن كله، ولم يكتف بذلك، بل أدخل الحجاز ضمن دولته، وملك مكة وما والاها باسم الفاطميين، وبعد مكاتبات مع خليفته في مصر ولّى العهد لابنه محمد، ولكنه ما لبث أن مات مبكراً في حياة أبيه، فأُخبر الخليفة بذلك وطلب أن يقوم بولاية العهد ابنه الآخر المكرم أحمد، فوافق الخليفة على ذلك 567.
وفي سنة (459هـ) عزم على الحج، وأخذ معه من الأموال والنفائس مالا يقدّر بثمن، كما حمل معه جميع الملوك والأمراء الذين أجلاهم عن الملك، وحبسهم لديه؛ خوفاً من تمردهم، أخذهم جميعاً معه إلى الحج، وعددهم خمسون ملكاً، وترك ابنه ولي العهد بصنعاء، وسار من طريق تهامة في مرافقين آخرين، وكان في موكبه ألفا فارس، غير أن أولئك الفرسان لم يكونوا مرافقين له، وإنما كان قد قدّمهم أمامه، وسار هو في مجموعة صغيرة من آل الصليحي وبعض المقربين 568.(1/159)
وكان من جملة الموتورين منه آل نجاح حكام زبيد الذين أزالهم عنها، وسلبهم دولتهم؛ فكانوا يتربصون به الدوائر، فلما علموا بسفره رصدوه، ثم تجهزوا في جهاز غير طائل، ولكنّ توفيق الله صحبهم، ونصره تنزل عليهم ففاجأوه بمنطقة يقال لها "المهجم" من تهامة، فأعملوا في معسكره سلاحهم البسيط، فقتلوه، وقتلوا أخاه، وغنموا جميع ما في المخيم من أموال ومجوهرات ونفائس وسلاح وخيل وغير ذلك، ثم احتزوا رأسه ورأس أخيه، وحملوهما مع النساء اللاتي أسروهن، ومنهن أسماء بنت شهاب زوجة الملك علي بن محمد الصليحي وأم أولاده، وقد نصبوا رأس الصليحي وأخيه على رمحين، ووضعوهما أمام أسماء على الراحلة، ثم بعد ذلك نصبوهما أمام الطاق الذي تسكنه بحيث كلما نظرت من الطاقة رأتهما أمامها، وتم لسعيد الأحول النجاحي وإخوانه الاستيلاء على زبيد وإقامة الدولة النجاحية السنية هناك، وكان قتله يوم السبت الحادي عشر من ذي القعدة سنة (459هـ)569 ودام الأمر لبني نجاح سنة واحدة، وقيل أقل من ذلك 570.(1/160)
في أثناء ذلك كانت أم الملك المكرم قد هرَّبت إليه رسالة،تحثه فيها على العمل على فك أسارها، وبالغت في ذلك حتى قالت في الرسالة: (أنها حبلى من العبد سعيد الأحول)، ولم يكن شيء من ذلك، وإنما قصدها حثه على الإسراع حيث قالت: إن تأخرت عن إطلاقي تمت الفضيحة حين ألد بولد لذلك العبد، واستغلَّ المكرم تلك الرسالة أحسن استغلال، فكان يقرأها على الناس في المساجد والمجامع، ويثير بها نخوتهم، فألّب الناس، وجهز لاستعادة زبيد، وفك أسر أمه، وسار في عشرة آلاف شخص حتى داهموا زبيد، واقتحموها، وهزموا بني نجاح ومن معهم، ويمم المكرم تحت الطاق الذي فيه أمه، فأطلقها، وأنزل الرأسين المنصوبين أمام ذلك الطاق، فغسلهما، ودفنهما في زبيد، وبنى عليهما مشهداً، هو ثاني مشهد يثبته التاريخ في اليمن 571، وعند عودته مرّ بالمكان الذي قتل فيه أبوه وعمه، فأخذ جثتيهما معه إلى صنعاء 572،وبنى عليهما مشهداً في صنعاء، ثم حاول استعادة ملك أبيه، فأفلح في البعض، وأخفق في البعض الآخر.
وكان قد أصابه الريح حين كشف عن وجهه أمام أمه573 في زبيد، وبقي مريضاً بذلك، ولكنه بقي ماسكاً بزمام الملك حتى ماتت أمه أسماء سنة (479 هـ)، بعد ذلك فوّض الأمر إلى الملكة السيدة بنت أحمد الصليحية، وهي التي يسميها العامة وأشباههم " الملكة أروى "، ثم انتقلا إلى ذي جبلة من مخلاف جعفر، وهو الذي يسمى اليوم " إب ".
وفي عام (484 هـ) مات المكرم، فأسند أمر الدعوة إلى الأمير أبي حمير سبأ بن أحمد بن المظفر الصليحي، وبقي الملك بيد السيدة بنت أحمد حتى ماتت سنة (532 هـ)، ودفنت في جامع جبلة يسار القبلة،وقيل أن قبرها كان في موضع خاص قد استثنته من الوقف حين أوقفت أرض المسجد على العموم،فهو يعتبر ضمن المسجد.(1/161)
وبعد موت الملكة بدأ التحلل في الدولة الصليحية وبدأت النواحي تستقل، فبعد استقلال النجاحيين بتهامة وعاصمتها زبيد في حياة الملكة استقل بعد موتها الزريعيون بعدن والجند وما بينهما والياميون بصنعاء ومخا ليفها ومعظم اليمن الأعلى، وهكذا تساقطت مدنهم وحصونهم حتى كانت نهايتهم سنة (532هـ).
سياسة الدولة الصليحية في تبني ونشر الإسماعيلية:
مرَّ بنا أن الدعاة الإسماعيليين توارثوا الدعوة بعد منصور اليمن على نفس المنهج، وكان آخرهم سليمان الزواحي، الذي سلَّم الراية لعلي بن محمد الصليحي، ودرّس علي بن محمد الصليحي الإرث الإسماعيلي، وفهمه حتى صار من دعاته، ولكنه بعد أن أقام دولته انشغل بالسياسة عن الدعوة، وهكذا خلفاؤه: ابنه المكرم وسبأ بن أحمد لم يعرف عنهما الانشغال بالدعوة بأنفسهما، ولكن هناك دعاة عاصروهما، قاموا بما يجب نحوها، ومع ذلك لم يظهر من الصليحيين إجبار لأهل السنة أو الزيدية الذين دخلوا تحت حكمهم على اتباع مذهبهم، والذي يبدو أن الشعار الظاهر هو ترك أهل كل مذهب يعملون بمذهبهم في خاصة أنفسهم، ولكن ولاتهم ودعاتهم كانوا يعملون في الخفاء؛ للإيقاع بخصومهم الذين يعلمون بغضهم لهم وتكفيرهم إياهم، ويعملون المكائد لتفريقهم وإشغال بعضهم ببعض، ومن الأمثلة الناصعة على ذلك ما ذكره الجندي في ترجمة الفقيه زيد بن عبدالله اليفاعي بعد أن ذكر فضل الشيخ وسعة علمه وكثرة طلابه حتى لقد أصبح طلابه أكثر عدداً من طلاب شيخه أبي بكر ابن جعفر بن عبدالرحيم المحابي، وقد كانا يدرّسان في مسجد الجند جنباً إلى جنب، ولم يكن بينهما شيء من المنافسة، قال: (ولم يزل ذلك من شأنهم حتى تمت الحيلة من المفضل في التفريق بينهم، وذلك أنه مات ميت من أهل الجند، فخرج الإمام زيد والإمام أبو بكر بن جعفر في أصحابهما، يقبرون وعليهم الثياب البيض لبس الحواريين، والمفضل يومئذ بقصر الجند، فحانت منه نظرة إلى المقبرة، فرأى فيها جمعاً عظيماً(1/162)
مبيضين، فسأل عن ذلك فقيل: قبر ميت غالب من حضره من الفقهاء، فعرَض بذهنه ما فعله ابن المصوع مع أخيه حيث قتله،وقال: " هؤلاء يكفروننا ولا نأمن خروجهم علينا مع القلة، فكيف مع الكثرة؟ ثم قال لحاضري مجلسه: انظروا كيف تفرقون بينهم، وتدخلون البغضاء عليهم بالوجه اللطيف "، فجعلوا يولّون القضاء بعض أصحاب الإمام زيد أياماً، ويعزلونه، ويولون مكانه من أصحاب الإمام أبي بكر بن جعفر، ثم يولون إمامة الجامع كذلك، ثم النظر في أمر المسجد كذلك، حتى ظهر السباب بين الحزبَين، وكادَ يكون بين الإمامين، فعلم الإمام زيد ذلك فارتحل مهاجراً إلى مكة) 574، فالكيد والدس ثابت عليهم، ولعلّ الجو لم يساعدهم بشكل كبير وواضح على دعوة عامة الناس إلى مذهبهم، أما الدعوة السرية والفردية فهي قائمة لاشك، وقد كسبوا لهم أتباعاً مازالوا يسيرون على منهجهم إلى اليوم.
ما ينسب إلى الصليحيين من إباحة المحرمات وحط الواجبات:(1/163)
ذكر الحمادي اليماني -رحمه الله- أنه كان يسمع ما يقوله الناس عن هذه الفئة " الصليحية الباطنية "، وأنه كلما سأل أحداً ممن أشاع تلك الأخبار: أتشهد بذلك؟ قال: لا، إنما سمعت الناس يقولون ذلك فقلته، قال: (فرأيت أن أدخل في مذهبه؛ لأتيقن صدق ما قيل من كذبه؛ ولأطلع على سرائره وكتبه) 575، ثم بدأ بذكر كيفية الدعوة إلى أن ذكر كيف يحطون عنه الصلاة ثم الصوم، وكيف يحلون له الخمر، وهم في كل ذلك يستدلون بالآيات بعد أن يحرفونها عن مواضعها، ثم بعد اجتياز تلك المراحل، يترقون به إلى ذلك الفعل الشنيع الذي أشيع عنهم، فقال: (فإذا صح عندك حاله، فاذهب به إلى زوجتك، فاجمع بينه وبينها، فيقول: سمعاً وطاعة لله ولمولانا، فيمضي به إلى بيته، ويبيت مع زوجته حتى إذا كان الصباح قرع عليهما الباب، وقال: " قوما قبل أن يعلم بنا هذا الخلق المنكوس، فيشكر ذلك المخدوع له فيقول: " ليس هذا من فضلي. هذا فضل مولانا "، فإذا خرج من عنده تسمع به أهل هذه الدعوة الملعونة، فلا يبقى منهم أحد إلا بات مع زوجته كما فعل ذلك الداعي الملعون، ثم يقول: " لابد لك أن تشهد المشهد الأعظم عند مولانا، فادفع قربانك "، فيدفع اثني عشر ديناراً، ويصل به ويقول: يا مولانا إن عبدك فلان يريد أن يشهد المشهد الأعظم وهذا قربانه حتى إذا جن الليل ودارت الكؤوس وحميت الرؤوس، وطابت النفوس أحضر جميع أهل هذه الدعوة الملعونة حريمهم، فيدخلن عليهم من كل باب، وأطفئت السرج والشموع، وأخذ كل واحد منهم ما وقع عليه يده، ثم أمر المقتدي زوجته أن تفعل كفعل الداعي الملعون وجميع المستجيبين، فيشكره ذلك المخدوع على ما فعل له، فيقول له: " ليس هذا من فضلي، هذا من فضل مولانا أمير المؤمنين فاشكره ولا تكفره على ما أطلق من وثاقكم، ووضع عنكم أوزاركم، وحط عنكم آصاركم، ووضع عنكم أثقالكم، وأحل لكم بعض الذي حرم عليكم جهالكم: ( وما يلقاها إلاّ الذين صبروا وما يلقاها إلاّ ذو حظ عظيم ( ")(1/164)
576.
قال محمد بن مالك -رحمه الله تعالى-: (هذا ما اطلعت عليه من كفرهم وضلالتهم، والله تعالى لهم بالمرصاد، والله تعالى عليَّ شهيد بجميع ما ذكرته مما اطلعت عليه من فعلهم وكفرهم وجهلهم، والله يشهد عليّ بجميع ما ذكرته عالم به، ومن تكلم عليهم بباطل فعليه لعنة الله تعالى ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين، وأخزى الله من كذب عليهم، وأعد له جهنم، وساءت مصيراً، ومن حكى عنهم بغير ما هم عليه فهو يخرج من حول الله وقوته إلى حول الشيطان وقوته) 577
هذا ما ذكره الحمادي عن علم وخبرة، فهل يسلّم له ذلك ويتابع عليه؟
أقول: أما الحمادي فلم تُروَ له ترجمة مفصلة في أي كتاب من كتب تواريخ اليمن التي يتداولها الناس، حتى إن القاضي محمد بن علي الأكوع عند تحقيق كتابه ذلك لم يعثر له على ذكر إلا في طبقات فقهاء اليمن للجعدي، حيث قال: (وفي رسالة محمد بن مالك الحمادي)، وكذلك في كتاب السلوك للجندي، قال في سياق كلامه عن علي بن الفضل: (على ما ذكره الفقيه أبو عبدالله محمد بن مالك ابن أبي القبائل أحد فقهاء اليمن وعلماء السنة، وكان ممن دخل في مذهبهما " منصور و"ابن الفضل " أيام الصليحي وتحقق أصل مذهبهما، فلما تحقق فساد ذلك، رجع عنه، وعمل رسالة مشهورة يخبر بأصل مذهبهم، ويبيْن عوارهم ويحذر من الاغترار بهم) 578، ولذلك فإن الجزم بصدق ما يقول لا يليق بالباحث المنصف، غير أن بعض ما ذكره قد توبع عليه ممن لا يظن أنه نقل عنه، فترتيب الدعوة عند الفاطمية الإسماعيلية بمصر تشبه إلى حد بعيد ما ذكره الحمادي، وقد ذكر ذلك المقريزي، وهو غير متهم عليهم؛ لأن نقله عنهم وحكايته لتاريخهم لا يفهم منه إلا احترامهم واعتبارهم من خيار الخلفاء، كما أن له كتاباً خاصاً بتاريخهم أسماه " اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء" 579، وهو من بين العلماء القلائل الذين أثبتوا انتساب الفاطميين إلى علي (، فأرى أن شهادته عليهم مقبولة قطعاً.(1/165)
وقد وصف المقريزي في خططه ترتيب الدعوة، وقد جعلها تسع مراتب، وفي المرتبة التاسعة قال: (هي النتيجة التي يحاول الداعي بتقرير جميع ما تقدم رسوخها في نفس من يدعوه، فإذا تيقن أن المدعو تأهل لكشف السر والإفصاح عن الرموز أحاله على ما تقرر في كتب الفلاسفة من علم الطبيعيات وما بعد الطبيعة، والعلم الإلهي وغير ذلك من أقسام العلوم الفلسفية، حتى إذا تمكن المدعو من معرفة ذلك كشف الداعي قناعه، وقال: ما ذكر من الحدوث والأصول رموز إلى معاني المبادئ وتقلب الجواهر، وأن الوحي إنما هو صفاء النفس؛ فيجد النبي في فهمه ما يلقى إليه، ويتنزل عليه؛ فيبرزه إلى الناس، ويعبر عنه بكلام الله الذي ينظم به النبي شريعته بحسب ما يراه من المصلحة في سياسة الكافة، ولا يجب حينئذ العمل إلا بحسب الحاجة من رعاية مصالح الدهماء، بخلاف العارف فإنه لا يلزمه العمل بها، ويكفيه معرفته؛ فإنها اليقين الذي يجب المصير إليه، وماعدا المعرفة من سائر المشروعات فإنما هي أثقال وآصار حملها الكفار أهل الجهالة، لمعرفة الأعراض والأسباب، ومن جملة المعرفة عندهم أن الأنبياء النطقاء أصحاب الشرائع إنما هم لسياسة العامة، وأن الفلاسفة أنبياء حكمة الخاصة، وأن الإمام إنما وجوده في العالم الروحاني إذا صرنا بالرياضة في المعارف إليه، وظهوره الآن إنما هو ظهور أمره ونهيه على لسان أوليائه ونحو ذلك مما هو مبسوط في كتبهم، وهذا حاصل علم الداعي، ولهم في ذلك مصنفات كثيرة منها، اختصرت ما تقدم ذكره) 580.(1/166)
وفيما أورده المقريزي شاهد لمراتب الدعوة، وإن كان الحمادي قصر بها عن عدد تلك المراتب، كما فيها شاهد على إسقاط الواجبات والتكاليف، كما ذكر الباحثان إحسان إلهي ظهير في " الإسماعيلية " والدكتور سليمان عبدالله السلومي في " أصول الإسماعيلية " أن للإسماعيلية كتباً في تأويل أركان الإسلام وعباداته من أشهرها كتاب " دعائم الإسلام " و" تأويل دعائم الإسلام " للقاضي النعمان بن حيون المغربي،، ونقلا عنهما وعن غيرهما من التأويل لتلك الأركان والعبادات ما يلغيها فعلاً، وأن بعض من وصل إلى درجة المعرفة لديهم معفوون عنها 581.
كما اعترف بأصل ذلك أحد باحثيهم المعاصرين وهو الدكتور مصطفى غالب في "تاريخ الإسماعيلية"، حيث قال: (وما ظهر من أمور الدين من العبادة العملية وما جاء في القرآن هي معانٍ يعرفها العامة، ولكن لكل فريضة من فرائض الدين تأويلاً باطناً لا يعلمه إلا الأئمة وكبار حججهم ودعاتهم وحدودهم) 582.
وتبقى قضية إباحة الفاحشة سواءً إحلال النساء بالانفراد أو في المشهد الأعظم- كما عبر عنه الحمادي - فهذا الجزء من التهمة لم أجد له من كتبهم ما يشهد له، وإن كان مبدأ التأويل ونسخ الشريعة يسعه ويتضمنه، ولكنهم أنفسهم ينكرون ذلك غاية الإنكار، كما صرَّح بذلك الغزالي في رده عليهم 583، ولذا فأنا عاجز عن نفيه أو إثباته على سبيل القطع، ولا أحب أن أقذف أحداً بما لم يثبت لديّ بيقين، خصوصاً في مثل هذه التهم القبيحة التي تنكرها الفطر السليمة، والشيم الأصيلة، فضلاً عن الدين القويم.
المطلب الثالث: دور الدولة الصليحية في نشر القبورية في اليمن:(1/167)
لم يثبت في تاريخ اليمن وجود قبر معظّم عليه مشهد أو مسجد قبل العقد الثاني من القرن الخامس إلا ما ذكر مما يسمى مسجد الشهيدين بصنعاء الذي قيل أنه على قبَري قثم وعبدالرحمن ابني عبيدالله بن العباس (، والذَين قتلهما بسر بن أرطأة والي معاوية ( على اليمن الذي أرسله أثناء الفتنة بينه وبين علي (، فقد قيل: إنه بُنى على قبريهما مسجد، وهذا الذي قيل ذكره المتأخرون من مؤرخي اليمن مثل الجندي حيث قال: (وقبر الطفلين مشهور بصنعاء في مسجد يعرف بمسجد الشهيدين) 584والخزرجي حيث قال: (فدفن الولدان حيث قتلا وبني عليهما مسجد هو معروف 585، وقال مثله ابن الديبع 586، وقال العرشي: فقبرا بصنعاء بالشهيدين، وبهما سمي 587، فهذه المراجع كلها كما ترى تثبت وجود المسجد على القبر، ولكن متى بني ذلك المسجد؟ ومن الذي بناه؟.(1/168)
عبارتهم بلفظ المبني للمجهول وهي لا تفيد تحديد من بنى أو متى بُني، كما أن العرشي يثبت أن القبر بذلك المسجد، وهو أيضاً لم يحدد تاريخ بناء المسجد، فالذي نفهم من هذه العبارات أنه في أيام أولئك المؤرخين يوجد مسجد، يقال: إنه على قبر ذينك الطفلين، لم يحدد أحد منهم ولا من غيرهم متى بني، ومما يؤكد أنه لم يكن موجوداً في الزمن الأول أن المؤرخ إسحاق بن يحيى بن جرير الطبري الصنعاني المتوفى سنة (450هـ)ذكر الحادثة وقتل الطفلين في باب المصرع، ولم يذكر بناء المسجد عليهما 588، وكذلك الرازي المتوفى سنة (560هـ) ذكر المصرع، وصرح بقوله: (الموضع الذي يباع فيه السليط وموضع الحدادين إذا أردت أن تنزل سوق العراقيين موضع مسجد ابن زيد، وكانت مقبرة غمدان حيث يحدد الحدادون اليوم بصنعاء، والله سبحانه وتعالى أعلم) 589، فلو كان هناك مسجد أو مشهد على القبرين لذكرَه، وبهذا نعلم أن المسجد أو المشهد المشار إليه إنما بني بعد ذلك على عادة القبورية الذين يتتبعون المناسبات، وعلى أثرها يبنون على البقعة التي يتوهمون أنها موضع القبر، فتصبح بذلك مزاراً، ولهذا فإن الدكتور "علي سعيد سيف" في رسالته الأضرحة في اليمن لم يثبت هذا المسجد ضمن الأضرحة التي تناولها بالدراسة، وإنما ذكرها في التمهيد فقط، وقال: (ولكن يستشف من بعض الروايات) 590.(1/169)
وقد اجتهدت في توضيح هذه المسألة حتى لا يقال أن هناك مشهداً من أيام الصحابة؛ فيتخذ حجة للقبوريين، ومثل ذلك يقال في المسجد المبني على قبر الشريف العراقي، وهو الطبيب العراقي الذي كان يعمل في اليمن في صنعاء، فلما سمع بما يفعله علي بن الفضل بالإسلام والمسلمين نذر على نفسه أن يقتله، فذهب إلى عاصمة ابن الفضل "المذيخرة" وعمل فيها وأظهر براعة في الطب فطلبه علي بن الفضل ليكون طبيباً له ثم احتاج ابن الفضل إلى الفصد ففصده بمبضع مسموم فمات ابن الفضل وهرب الطبيب إلى موضع يسمى " قينان " بوادي السحول فقتل هناك،قال الجندي: (وقبره هنالك، وهو مسجد جامع له منارة يزار ويتبرك، به دخلته في المحرم أول سنة ست وتسعين وستمائة) 591.
وقد علق على ذلك القاضي الأكوع فقال: (والقبر لايزال موجوداً وهذه القصة ظاهرة عليها الصنعة والوضع ومحتاجة إلى مناقشة) 592.(1/170)
أما ابن الديبع فقال: (فأُدرك في السحول عند المسجد المعروف بقينان، فأرادوا إمساكه، فامتنع وقاتلهم حتى قتل، وقبره هناك رحمه الله) 593.وهذا - كما ترى - ليس فيه ذكر المسجد الذي على القبر وعلى كل حال فليس في النقلين ولا في غيرهما ذكر لتاريخ بناء المسجد الذي على القبر ولا من بناه، فليس فيه أي حجة على وجود مسجد على القبر قبل التاريخ الذي ذكرته سابقاً، وهو العقد الثاني من القرن الخامس؛ لأن هذا المسجد لو صح أنه بني عند مقتل ذلك الرجل لكان في القرن الرابع، حيث أنه قتل بعد مقتل علي بن الفضل بأيام، ولكن ذلك لم يصح، وبهذا يثبت أن المشاهد الثابت بناؤها هي التي أسستها الدولة الصليحية الإسماعيلية، غير أنه - ومن باب الأمانة ومعرفة الحقيقة - قد ثبت أن هناك مشهداً واحداً، سبق الدولة الصليحية بسنوات، وهو لا يمت للقبورية بصلة؛ لأنه من مشاهد السلاطين لا من مشاهد الأولياء والصالحين، ذلك المشهد هو مشهد آخر أمير من أمراء بني زياد وعمته، إذ إن وزير ذلك الأمير الطفل - ويسمى نفيساً - كان قد قتل الطفل وعمته بتهمة أن المرأة كانت تكاتب خصمه ومنافسه " نجاحاً "، وكان وقتها فاراً من زبيد بسبب تسلط" نفيس "، فقتلها، وقتل الطفل، ثم بنى عليهما جداراً، فلما علم نجاح بذلك اتخذه ذريعة للانقضاض على خصمه، وجمع الجموع، ثم هجم بهم على زبيد في عدة وقائع، آخرها سنة (412هـ) حيث قتل نفيس، فلما دخل نجاح زبيد سأل مولاه " مرجان ":(ما فعل مواليك وموالينا؟ قال: في ذلك الجدار، فأخرجهما نجاح، وصلى عليهما، وبنى لهما مشهداً، وأعاد مرجاناً في موضعهما، فبنى عليه حياً وعلى جثة نفيس) 594.(1/171)
وقد ذكر مثل ذلك ابن الديبع في الفضل المزيد 595، وقريباً منه الخزرجي في العسجد المسبوك 596، وهذا أول مشهد بني على قبر في اليمن حسبما اطلعت عليه في كتب التاريخ اليمني، وليس هو مما يخشى منه؛ لأنه ليس له فضل من جهة دينية، وإن كان هو من الأمور المحرمة، ومن نتائج الجهل وتوسيد الأمور إلى غير أهلها، مع أن النجاحيين من السُنة، وليسوا من الشيعة رواد القبورية في العالم، ولكنّ السببَ - والله أعلم - هو النزعة السلطانية والكسب السياسي بإظهار وتعظيم ذلك الوزير لأسياده ووفائه لهم بعد أن أصبح هو الوريث لدولتهم، وما أظن أن هذا سوف يحصل لولا أن ظاهرة تقديس القبور وتعظيمها قد فشت في البلاد الإسلامية المجاورة من جهة الدولة الفاطمية الإسماعيلية.
(2) مشاهد آل الصليحي:
الدولة الصليحية إسماعيلية العقيدة، فاطمية الولاء، متأثرة كل التأثر بأسيادها العبيديين في مصر، وقد مر بنا دور العبيديين في نشر القبورية، فلا غرابة أن يكون الصليحيون على منوالهم، وأن يسيروا على طريقهم، ولامانع أن نجزم بأنهم مؤسسو القبورية في اليمن.
(3) مشهد الرأسين:
مر بنا أن بني نجاح عندما قتلوا على بن محمد الصليحي وأخاه أخذوا رأسيهما، فنصبوهما بزبيد أمام طاق زوجة الصليحي " أسماء بنت شهاب "، وعندما هاجم الملك المكرم أحمد بن علي الصليحي زبيد لاستنقاذ أمه من الأسر، واسترجاع ملك أبيه، أنزل الرأسين، ودفنهما في زبيد، وبنى عليهما مشهداً. قال عمارة: (وأنا أدركت مشهد الرأسين) 597، وكان ذلك سنة (460 هـ).
(1) مشهد الصليحي بصنعاء:
وعند عودة الملك المكرم إلى صنعاء نبش قبري أبيه وعمه، ثم حمل جثتيهما في تابوتين، ودفنهما في صنعاء وأمر ببناء مشهد جامع لهما 598، وهو بذلك أخذ بسُنّة المعز الفاطمي الذي أحضر معه رفات آبائه عندما انتقل من المغرب إلى مصر، وبنى عليهما التربة الشهيرة التي تسمى " تربة الزعفران " وقد سبق الحديث عنها.(1/172)
قبر السيدة بنت أحمد في جامع ذي جبلة:
قال الهمداني: (وفي غرة شهر شعبان من سنة اثنتين وثلاثين وخمس مائة توفيت الملكة الحرة عن اثنتين وتسعين سنة من العمر، ودفنت في جامع ذي جبلة أيسر القبلة في منزل متصل بالجامع، وكانت هي التي تولت عمارة هذا الجامع، وهيأت موضع قبرها فيه. وذكر إدريس: " أن بعض ملوك اليمن أراد أن يخرج جثتها من قبرها حين ظن بعض الفقهاء كونها في الجامع، ففتحوا عن قبرها حتى انتهوا إلى تابوت، فوجدوا فيه قفصاً مقفلاً، ففتحوه، فأصابوا فيه كتباً وأحكاماً، تشهد أنها استثنت فيه ذلك المنزل الذي دفنت فيه عن المسجد لقبرها فيه، ووجدوا بذلك علامات القضاة وشهادة الشهود الثابتة عند الحكام، فردوا قبرها على ما كان عليه، وردوا تربته وحجارته إليه "، ويقول إدريس:" وقبرها إلى اليوم،يزوره جميع فرق الإسلام، ويعترف بفضلها الخاص والعام، ويأتي إلى قبرها من أصيب بظلم، أو حاجة، أو علة في بدنه،أو بليَّة، فيتشفعون بها إلى الله تعالى في كشف ما انتابهم بفضلها ") 599.
وفيها وفي قبرها يقول القاضي حسين بن أبي عمران بن الفضل اليامي:
وقفت على قبر الوحيدة وقفة وقد زِين منها مسجدٌ وستورُ
فقبلته واستفتُ رَيَّاً ترابه وعاود قلبي رنة وزفير
و سالت دموع العين مني كأنها بشطِّ مجاري المقلتين سطور
ولله منها روحُ قُدْس تميزت فصارت بأعلى الدائرات تطير600
مشهد العباس:(1/173)
هذا المشهد كما يقول - الدكتور علي سعيد سيف - يقع في منطقة أسناف خولان إلى الشرق من مدينة صنعاء على يمين الطريق المار بين صنعاء وخولان الطيال، ويبعد عن صنعاء بحوالي (20)كم، ويحتل المسجد الضريح ربوة مرتفعة تقع جنوب قرية أسناف، وتتبع إدارياً مديرية خولان التابعة لمحافظة صنعاء، 601، وذكر الدكتور أن العباس صاحب الضريح غير معروف، ولكن بناء الضريح كان بتاريخ (شهر ذي الحجة سنة تسع عشرة وخمسمائة) 602، وهذا التاريخ يأتي أثناء حكم الملكة السيدة بنت أحمد الصليحية غير أن الدكتور يرجح أن يكون باني الضريح واسمه "موسى بن محمد القطبي " 603 كان من السلاطين السُنيين الذين عاشوا في تلك الفترة، وربما يكون أميراً أو شيخ قبيلة، أطلق عليه لقب سلطان، ولست أوافق الدكتور على ذلك الاستنباط، فما دام العصر عصر الصليحيين، وهم في عصر قوتهم فلن يكون هناك مجال لسلاطين سنّيين، فلم لا يكون ذلك الرجل والٍ من ولاة الصليحيين؟ خصوصاً والدكتور يقول فيما بعد: (ومن المحتمل أن معمار هذا الضريح قد نهَج نهْج معمار الدولة الصليحية في جامع جبلة والذي يتشابه في كثير من الأوجه مع عمائر الدولة الفاطمية بمصر؛ لما كانت بينهما علاقات) 604، أليس نسبة هذا الضريح إلى الصليحيين أحق من أن ينسب إلى أهل السنة؟ بلى، والدلائل قائمة، فهم الحاكمون، وهم الذين ابتدأوا بإنشاء المشاهد في اليمن، وطريقة بناء الضريح كطريقتهم، وعليه فالمرجح أن هذا الضريح من عمل الصليحين والله أعلم.
المطلب الرابع: استمرار قبورية الإسماعيلية:(1/174)
بانتهاء الدولة الصليحية انتهى دور الظهور الثاني للإسماعيلية في اليمن، ودخلوا دور السِّتر الثاني، ولكن دهاتهم ودعاتهم قد أحسوا بذلك قبيل انتهاء الدولة وبالتحديد في أيام الملكة السيدة بنت أحمد، ولذلك فقد كلف (القاضي لمك بن مالك الجمادي عند عودته إلى اليمن من قبل الإمام الخليفة المستنصر وباب أبوابه المؤيد بتنفيذ سياسة معينة بالنسبة إلى إقامة الدعوة ونقل آدابها وعلومها إلى اليمن، وأنه لُقِّب بلقب داعي القلم في عهد الملك المكرم أحمد الصليحي، ولقب داعي البلاغ في عهد الملكة الحرة، وقد اختار هذا الداعي نخبة من التلامذة الأفذاذ البعيدين عن الملك أمثال ابنه يحيى بن لمك والذؤيب ابن موسى الوادعي وإبراهيم بن الحسين الحامدي، وسلم إليهم كل ما كان أخذه من علوم الدعوة أيام إقامته بمصر) 605، وبهذا كوّنوا الأساس المتين لصرح دعوتهم الذي يعول عليه في بقائها واستمرارها حتى إن ذهبت الدولة، بقيت الدعوة محافظة على كيانها، بل ازدهر علمها في تلك الفترة أكثر فأكثر.(1/175)
يقول الهمداني: (نرى أن دعوة اليمن مضت من يوم وفاة السيدة الحرة الملكة الصليحية إلى انتهاء الدولة الأيوبية في اليمن في مرحلة تمتاز بنشاط علمي، وجمع شتات التراث الفكري، وتسجيلها في كتب ومؤلفات وحفظ ما تركه المؤلفون الدعاة في عهد الخلفاء الفاطميين، وقد بدأت هذه الحركة العلمية في حياة الملك المكرم والملكة الحرة بعد عودة قاضي قضاة اليمن لمك بن مالك الحمادي من الديار المصرية إلى مقر الدولة الصليحية، وقد سبق أن ذكرنا أن داعي الدعاة المؤيد في الدين الشيرازي قرر في أواخر عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي خطوط برنامج الدعوة العلمي، وكلف القاضي لمك تنفيذ هذا البرنامج، ونقل القاضي كتب الدعوة وما احتوته من العلوم إلى اليمن.ثم قررت السيدة الملكة الحرة بعد وصول القاضي إلى اليمن فصل الدعوة عن شؤون الملك، وعينت الملكة يحيى بن لمك والداعي الذؤيب بن موسى الوادعي للإشراف على تنفيذ هذا المشروع العلمي البعيد عن التيارات السياسية، فابتدأت الدعوة تعمل لهذا الغرض في عهد الداعي الذؤيب بن موسى الوادعي، ومأذونه السلطان الخطاب بن الحسن الحجوري، ثم أظهر الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي، ومأذونه الشيخ علي بن الحسين بن جعفر بن الوليد القرشي، والشيخ محمد بن طاهر الحارثي نشاطاً بليغاً في هذا الصدد، وبلغ الداعي حاتم بن إبراهيم الحامدي، والداعي علي بن محمد بن الوليد من إنتاجهما الأدبي مبلغاً لا يستهان به. وأثبت الداعي علي بن حنظلة خلاصة بعض علوم الدعوة في رسالته وأرجوزته. وقد واصل علماء اليمن هذا النشاط العلمي في القرون التالية إلى عهد الداعي إدريس عماد الدين الأنف القرشي المتوفى سنة اثنتين وسبعين وثمان مائة، بل إلى أيامنا هذه. ومن هذا العرض السريع نأخذ فكرةعما يوجد من الثروة الأدبية والعلمية في خزائن كتب الدعوة اليمنية) 606. وكانت هذه الجهود في أكثر الأحيان محاطة بالسرية التامة؛ وذلك لمحاربة اليمنيين لها(1/176)
سواء في ذلك أئمة الزيدية أو سلاطين الشافعية، ولكن كل ذلك لم يفتَّ في أعضادهم، أو يوهن عزائمهم، فاستمروا، وعندما جاءت التعددية الحزبية وحرية الرأي التي تجاوزت الحدود لإعطاء الحرية لأصحاب العقائد الضالة والمبادئ الهدامة والدعوات المشبوهة، عندما جاء هذا العهد، استغلت الإسماعيلية الفرصة، وبدأت تزاول نشاطها بجرأة عجيبة وجهود جبارة وتركيز ينذر بالخطر على البلاد اليمنية، وتداعوا إلى اليمن من كل حدب وصوب، وصار اليمن من أماكن حج البهرة الإسماعيلية، بحيث يحج إلى اليمن حسب تعبيرهم عشرات الآلاف كل عام، والعمل الظاهر الذي يمارسونه هو تتبع الأضرحة والقبور المنسوبة إلى أئمتهم ودعاتهم، وإليك قائمة بأهم المشاهد والقبور والمزارات التي يقصدونها:
1) قبر الداعي إبراهيم بن حاتم الحامدي الهمداني الحاشدي اليامي في قرية "الحطيب" عزلة شرقي حراز - قضاء حراز - ويعتبر أهم مزار للإسماعيلية الداودية البهرة، ومتوسط من يزوره سنوياً من غير باطنية اليمن خمسة عشر ألف نسمة، خاصة من الهند وباكستان، والداعي المذكور مؤلف كتاب " كنز الولد ".
2) قبر الملكة السيدة بنت أحمد الصليحي في الجامع الكبير بمدينة جبلة محافظة إب.
3) قبر إدريس عماد الدين صاحب كتاب "زهر المعاني " المقبور تحت قمة جبل شبام حراز (2920 متر فوق سطح البحر)، وتجري الآن محاولة حثيثة من قبل الإسماعيلية لإقامة مسجد على قبره؛ رغم عدم وجود سكان في هذا الجبل الإستراتيجي، والذي يعد من أهم المواقع العسكرية في المنطقة متحكم في طريق صنعاء الحديدة، ويطل على كل قضاء حراز.
4) قبر في جبل الصميع في عزلة هوزان قضاء حراز محافظة صنعاء،لم يُعرف اسم صاحبه
5) قبر الداعي لمك بن مالك في حصن زبارة قسم الملاحي عزلة لهاب قضاء حراز محافظة صنعاء.(1/177)
6) قبرا الحسين والحسن ابني إدريس عماد الدين في قمة جبل مسار، من عزلة مسار،قضاء حراز، ونشك في أصل وجود هذين القبرين المندثرين بعد أن كُشف عنهما بزعم الباطنية، وهذا الجبل المركز الأول لانطلاق الدولة الصليحية في اليمن، وهو موقع هام واستراتيجي مرتفع عن سطح البحر (2760) متراً،ولازال أهله صامدين أمام هذه الطائفة رغم كثرة الإغراءات والضغوط.
7) قبر الملا محمد في مدينة زبيد من بلاد تهامة محافظة الحديدة.
8) قبرٌ في غيل بني حامد عزلة بني مونس، قضاء همدان محافظة صنعاء.
9) قبرٌ في حصن طيبة المطل على وادي ظهر من قضاء همدان محافظة صنعاء.
10) قبر أويس القرني من قرية الحمى من ضواحي زبيد.
وهناك مساجد يخصونها بالزيارة وليس هناك سبب ظاهر لزيارتها:
1) الجامع لكبير بصنعاء 607.
2) مسجد معاذ بن جبل بالجند.
3) مسجد في حرف سفيان.
4) حصن ذمرمر من بلاد حضور، وهذا الحصن قد كان يوماً مقراً لآل حاتم الياميين، وقد قيل:إنهم كانوا إسماعيلية باطنية، وممن ذكر من أهلها "محمد بن أحمد اليامي"، ووصف بأنه عالم الإسماعيلية وشاعرها 608.
المبحث الثالث
السلاطين ودورهم في نشر القبورية في اليمن
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: السلاطين هم وراء مظاهر القبورية في اليمن قبل الصوفية:
لعل أعظم نزعة لدى السلاطين دفعت بهم إلى إنشاء المشاهد ومظاهر العظمة على القبور: هي أبهة الملك،ومحبة استمرار ناموس الملك بعد الوفاة كما كان حال الحياة،كما صرح به المقريزي وهو يتحدث عن تربة أسرة آل قلاوون بالقاهرة 609،مع بواعث أخرى تقدم الحديث عنها في الفصل الثالث،610.(1/178)
ومن أجل الباعث الأول المشار إليه أصبح السلاطين وراء معظم مظاهر القبورية في اليمن، فأول مشهد عرف وثبت وجوده في اليمن على الإطلاق هو مشهد الزياديَيْن، الذي بناه مولاهما نجاح على جثتيهما عندما أنزلهما عن الجدار، وقد تقدم 611،كما أن السلطان أسعد بن وائل من أوائل من دفُنوا في المساجد في الديار الشافعية إن لم يكن أولهم 612.
وأول قبة بنيت في حضرموت على الإطلاق هي قبة السلطان مسعود بن يماني المتوفىَّ سنة (هـ648) 613، وهذه المشاهد كلها قبل رسوخ التصوف في اليمن، وحتى أول مشاهد الدولة الصليحية التي سبق الكلام عنها والتي هي أول المشاهد المنظمة والمتوالية- والتي بقي أثرها إلى اليوم- هي كذلك في بدايتها كان لدافع عظمة السلطان دخل كبير فيها، ثم جاءت الدولة الأيوبية وكان معظم سلاطينها يدفنون إما في قباب خاصة، كما دفن المعز إسماعيل بن طغتكين في قبة خاصة به في زبيد تعرف بقبة الخليفة 614، أو في مدارس أو نحوها، ولإعطاء صورة لما علية سلاطين اليمن من اهتمام بالمشاهد والقباب لأهداف مختلفة أضرب مثالين، أحدهما لإئمة الزيدية، والآخر لسلاطين الدولة الرسولية، وذلك في المطلبين التاليين.
المطلب الثاني: أئمة الزيدية ودورهم في نشر القبورية في اليمن:(1/179)
رغم أن الغلو لدى الزيدية الأولى لم يكن خارجاً عن الحدّ، ورغم أن اتجاهها هو اتجاه المعتزلة المعتمدين على العقل النافين للخوارق والكرامات كما هو معلوم، إلا أننا نجد أئمة الزيدية في اليمن - وبعد قرون من إنشاء دولتهم وتتابع العشرات من أئمتهم- نجدهم ينحرفون انحرافاً شديداً في هذه المسألة، والذي يظهر - والله اعلم- أن باعث الأئمة لذلك كان باعثاً سياسياً أكثر منه باعثاً عقديا،ً ولكن وجود المشاهد والقباب ووجود سدنةٍ يتأكلون منها ويبنون بها مجداً وجاهاً على أنقاض عقائد الأمة حوّلها إلى مزارات مقدسة يعتقد فيها العوام وأشباههم مالا يجوز اعتقاده إلا في الله تعالى، ومن أجل السياسة أيضاً يتغاضى الأئمة عن ذلك ويتركون العامة يغرقون في بحر الخرافة والشرك وهم ينظرون.
وأئمة الزيدية يبنون المشاهد للسياسة ويهدمونها للسياسة كذلك؛ فالدليل على أنهم يبنونها للسياسة ما بدر من الإمام عبدالله بن حمزة وذلك أنه عاش في آخر القرن السادس وبداية القرن السابع 615، وهو أول من سن لأئمة الزيدية سنة البناء على المشاهد حيث لم يُسجَّل لأحد من الأئمة قبل عصره شئ من ذلك.
والذي يظهر لي- والله أعلم- أنه إنما فعل ذلك مضاهاة لمعاصريه من الأيوبيين الذين عُرِف عنهم أنهم يبنون على قبور سلاطينهم البنايات الضخمة في مصر والشام 616 وفي اليمن كذلك 617،فلعله أراد أن يُظْهِر بذلك شيئاً من أبهة الملك للأئمة وهم أموات كما هي لهم وهم أحياء، وقد لاحظ ذلك الأستاذ محمد محمود الزييري في كتيِّبه"الإمامة وخطرها على وحدة اليمن" حيث قال: (بهذه النفسية يمارس الإمام أعباء منصبه،وتكاد هذه الأعباء تنحصر في استصفاء ثروة الشعب باسم الزكاة وقمع الانتفاضات الشعبية باسم الجهاد وقتال البغاة، ثم بناء مسجد باسم الأمام تضاف إلى جواره غالباً قبة الضريح لهذا الإمام تمدّ نفوذه الروحي حتى وهو في القبر) 618.(1/180)
وهذا الذي نسبه الزبيري إلى الإئمة يجب أن يحدَّد بأئمة القرن السابع فَمَنْ بعدهم، وأن أولئك الأئمة قد عمَّروا على معظم قبور الأئمة السابقين مشاهد وقباباً.
وقد خَطَا هذا الإمام بالقبورية في الديار الزيدية خطوات كبيرة جداً، إذ لم يكتف بأن يبني لنفسه مشهداً في حياته أو يوصِي أن يبُنى له ذلك بعد وفاته، وإنما سن ذلك عملياً في حياته بأمر إمامي وتهديد شديد اللهجة لأهل قرية "لصف " حيث قتِل عندهم أخوه إبراهيم بن حمزة وهو يقاتل الأيوبيين، فلما حصل ذلك كتب لهم الأمام عبدالله بن حمزة هذه الرسالة يهدِّدهم فيها إذا لم يبنوا عليه مشهداً أنه سينقل جثمانه عنهم،وهذا نص الرسالة:
(بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله المنصور بالله أمير المؤمنين إلى كافة الساكنين بلصف من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإنا نحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، ونسأله لنا ولكم التوفيق لما يحب ويرضى0(1/181)
أما بعد: فقد بلغنا جفوتكم للشهيد الذي توفي بين أظهركم، وحطَّ رحله بين أفنيتكم، وجاد بنفسه دون بلادكم،واستقبل بوجهه العدوّ صبراً واحتساباً حين زاغت الأبصار فشلاً، وبلغت القلوب الحناجر وجلاً، وظن قوم بالله الظنونا جزعاً، وابتلي المؤمنون بالهزيمة امتحاناً، وزلزلوا بالحادثة اختباراً، فرخص عنده من الموت ما غلا عند غيره، وغلا عنده من الفرار ما رخص عند سواه, وعلم القصد فتم العزم، ومضى على البصيرة على مناهج السلف الصالح مستقبلاً لكثرة العدو وعزمه، ومستصغراً لعظيمة نجده، فبلغنا أنكم هاجرون لقبره، قالون لمصرعه، قد صغّرتم منه ما عظّم الله سبحانه جهلاً، وجهلتم ما علم الصالحون حيرة وشكاً، كأنكم لم تسمعوا أقوال محمد صلى الله عليه وآله فينا - أهل البيت خاصة - ((أقرب الناس مني موقفاً يوم القيامة بعد حمزة وجعفر رجلٌ منا أهل البيت خرج بسيفه فقاتل إماماً ظالماً فقُتِل))، فهلا - رحمكم الله - استشفيتم بتراب مصرعه من الأدواء، وسألتم بتربة مضجعه رفع الأسواء، واستمطرتم ببركة قبره من رحمة ربكم طوالع الأنواء, وعظَّمتم حاله كما يُعَظَّم حال الشهداء، وأوجبتم من حقه ما ضّيع الأعداء، وعمَّرتم على قبره مشهداً، وجعلتموه للاستغفار مثابة ومقصداً، ونذرتم له النذر تقرباً، وزرتموه تودداً إلى الله سبحانه وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وإلينا تحبُّباً، فقد رُوِّينا عن أبينا صلى الله عليه في حديث فيه بعض الطول أنه نظر إلى الحسن والحسين عليهما السلام وهما يلعبان بين يديه فبكى فهابه أهل المنزل أن يسألوه، فوثب عليه الحسين عليه السلام فقال: ما يبكيك ياأبتي؟ فقال: إني سررت بكما اليوم سروراً لم أسرّ به قبله مثله، فجاءني جبريل فأخبرني أنكم قتلى، وأن مصارعكم شتى، قال: يا أبتي فمن يزورنا على تباين قبورنا؟ قال: ((قوم من أمتي يريدون بذلك برّي وصلتي إذا كان يوم القيامة أتيت حتى آخذ بأعضادهم فأنجيهم من أهوالها وشدائدها)).(1/182)
ألا فاعلموا بعد الذي بلغنا عنكم أنا قد قَلَيْنا له جواركم، ورغبنا به عن داركم، وعزمنا بعد الخيرة لله سبحانه وتعالى على نقله من أوطانكم إلى من يعرف حقه، ويتيقن فضله وسبقه، فلو رعيتم له حرمه القرابة وفضل وراثة النبوة)تأمل(! لعلمتم حرمة ذلك الدم الزكي، وكثر عليه منكم الباكون، والبواكي، فإن كان ذلك من غرضكم فإنا نفعله إن شاء الله تعالى، وإن لم يكن من إرادتكم فلسنا بتاركيه بتوفيق الله سبحانه،والسلام) 619.
والرسالة لم تقتصر على بناء المشهد عليه بل تعدت إلى طلب الاستشفاء بتراب مصرعه، والسؤال بتربته، والاستمطار بقبره، فهل كان الإمام فعلاً- وهو من هو في العلم والعقل والدهاء - هل كان يعتقد ذلك؟! أظنه لم يكن كذلك وإنما كما قلت سابقاً يريد إسباغ الهيبة وإضفاء المكانة على مشهد وقبر أخيه، ولذلك فإنه حينما لم يتم الإصغاء إليه فأنه نقل جثمانه إلى قرية الزاهر بالجوف حيث قُبِر هناك 620.
والإمام الثاني الذي كرر نفس الأسلوب هو الإمام يحيى بن محمد حميد الدين الذي أمر في رسالة أخرى قبيلة أرحب ببناء تابوت وقبة على قبر الإمام أحمد بن هاشم الويسي المتوفي سنة (1269هـ)والمدفون في "دار أعلا" من أرحب للتبرك به،وهدَّدهم إن لم يفعلوا ذلك بأنه سينقل رفاته إلى مكان آخر، فما كان من أهل أرحب إلا أن بنوا له قبة ووضعوا على قبره تابوتاً 621، والذي جعلني أدَّعي أن الباعث على ذلك هو السياسة أن الإمام يحيى كذلك كان عالماً وعاقلاً ولم يكن من السذاجة بحيث يعتقد أن ذلك مما يحبه الله ويرضاه،ثم إنه في نفس الوقت أو بعده بقليل كان ابنه وولي عهده الإمام أحمد بن يحيى يهدم قبور أولياء الصوفية في الديار الشافعية كما سيأتي بعد قليل.(1/183)
تلك هي الحوادث والتصرفات التي تدل على أن أئمة الزيدية يبنون المشاهد لأجل السياسة وإن كان قد ترتب على ذلك خلل كبير في عقيدة الكثير من العوام وأشباههم، كما صور ذلك الإمام الشوكاني رحمه الله حين ذكر ما يجري عند مشهد الإمام أحمد بن الحسين صاحب ذيبين 622، وبعد أن ألِفَ علماءُ تلك البلاد هذه المشاهد -وكان القائمون وراءها أئمة مجتهدين - ركنوا إلى ذلك الواقع، وأحسنوا الظن بمن سن تلك السنة وتابعوهم عليها، ليس بالفعل فقط ولكن بالإفتاء أيضاً، وهذه نقلة خطيرة جداً، وتحول كبير في هذا المسار عند الزيدية، والذي أفتى بذلك هو الإمام الجليل يحيى بن حمزة الذي أثنى عليه الإمام الشوكاني رحمه الله في البدر الطالع ثناءً عاطراً 623، رغم رده عليه في هذه الفتوى، والفتوى المقصودة هي مانقلها عنه الإمام المهدي في البحر الزخار حيث قال: (مسألة (ي) ولابأس بالقباب والمشاهد على الفضلاء لاستعمال المسلمين ولم ينكر) 624.
ثم تبع الإمام المهدي على ذلك الإمام يحيى فقال في الأزهار وهو يتكلم عما يندب في القبر ومنه رفعه قدر شبر (وكره ضد ذلك والإنافة بقبر غير فاضل)625
ومن المعلوم أن الإمام الشوكاني قد ردّ على هذه الفتوى بكتابه المشهور "شرح الصدور في تحريم رفع القبور ".
هذا ما يتعلق ببناء المشاهد والقباب وأما هدم تلك المشاهد وكونه للسياسة كذلك فهو أظهر، وإليك هاتين الواقعتين:(1/184)
أما الواقعة الأولى فهي ما حدث من هدم للقبور المشرفة والمشاهد المقامة عليها أيام الإمام المتوكل على الله المعاصر للشوكاني،حيث إنه أجاب أئمة الدعوة النجدية إلى هدم بعض المشاهد في صنعاء وما حولها،وكتب بذلك إلى سائر الجهات، ذكر ذلك الإمام الشوكاني في "البدر الطالع" وصاحب كتاب "حوليات يمانية " وسيأتي نص كلامهما في الباب الثالث إن شاء الله 626، وقد جزْمتٌ بأن الأمر كان سياسة لا تديناً؛ لأن ذلك الإمام بينما كان يرضخ للنجديين ويداهنهم كما عبر بذلك صاحب الحوليات كان في نفس الوقت يكاتب الأتراك والمصريين للقدوم إلى الجزيرة والقضاء على الدولة النجدية 627.
والواقعة الثانية التي تدل على أن من أئمة الزيدية من يهدم القبور لأجل السياسة هي حادثة هدم بعض القبور في الديار الشافعية من اليمن، والتي قام بها الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين حيث أزال القبة التي على قبر الفقيه أحمد بن موسى بن عجيل عام (1348هـ)، حينما كان والياً للعهد بعد أن تغلب على معارضة قبيلة الزرانيق - التي كانت تعرف من قبل بالمعازبة- لامتداد نفوذ الإمام يحيى إلى بلادها ودخولها تحت حكمه، كما أزال الإمام أحمد كذلك التابوت من على قبر أحمد بن علوان في يفرس من ناحية جبل حبشى عام(1362هـ) 628،قد يقول قائل لم لا تحمل هذا العمل على المحمل الحسن وتجريه على أفضل تقدير وتجعله من باب إزالة المنكر؟(1/185)
فأقول: إن الذي يمنع من حمله على ذلك هو عدم إقدام الإمام أحمد عندما كان ولياً للعهد، أو بعد أن أصبح إماماً على إزالة شئ من مشاهد البلاد الزيدية، فلو كان الأمر لوجه الله لما فعله في ناحية وتركه في ناحية أخرى، قد يكون بعض مشاهدها أشد من تلك التي هدمها،كما قال القاضي إسماعيل الأكوع حفظه الله 629، ومما يؤكد صلة المشاهد الزيدية بالسياسة أن معظم المشاهد المعظمة في الديار الزيدية هي للأئمة وحواشيهم، وقلّ أن تجد مشهداً لرجل فقير أوضعيف، وإليك قائمة بأهم المشاهد الزيدية وستكون إن شاء الله على حسب التسلسل الزمني لإنشائها:
1) مشهد الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة من منطقة ظفار ذيبين.
2) مشهد الأمير عماد الدين يحي بن حمزة (أخو عبدالله بن حمزة) بمدينة كحلان.
3) مشهد الإمام أحمد بن الحسين المعروف بأبي طير في مدينة ذيبين.
4) مشهد الإمام يحيى بن حمزة (وليس أخا عبدالله بن حمزة بل هو من ذرية الحسين وليس من ذرية الحسن 630)ومشهده بمدينة ذمار.
5) مشهد الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بصعدة631ومعه عدد من أبنائه وأحفاده ومشهد الإمام المهدي باني تلك المشاهد.
6) مشهد الإمام صلاح الدين بصنعاء.
7) مشهد الإمام المهدي لدين الله أحمد بن المرتضى حصن الظفير حجة.
8) مشهد الإمام المهدي صلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم بصعدة.
9) مشهد الإمام الناصر محمد بن يوسف بن صلاح بن المرتضى بمدينة ثلا.
10) مشهد الإمام شرف الدين يحيى بن شمس الدين أحمد بن يحيى المرتضى بظفير حجة.
11) مشهد مدرسة الإمام شرف الدين بثلا، وفيه عدد من أبنائه وبناته وذويه.
12) مشهد الأمير صلاح الدين بن شمس الدين بن الإمام شرف الدين بمدينة ثلا.(1/186)
هذه بعض المشاهد وقد تركت الكثير سواها وهي كلها موجودة مشاهدة للعيان، وقد كتب عنها كتابة تاريخية أثرية الدكتور علي سعيد سيف في رسالته المقدمة للدكتوراه من جامعة صنعاء باسم "الأضرحة في اليمن من القرن الرابع إلى القرن العاشر"، فيمكن لمن أراد معرفتها بدقة أن يرجع إلى هناك.
مع العلم أن أكثر هذه المشاهد تضم إلى جوار من هي باسمه عدداً من أبنائه وأحفاده وزوجاته، وهذا يثبت أن أئمة الزيدية قد ساهموا في نشر مظاهر القبورية في جهاتهم كسائر حكام اليمن.
المطلب الثالث: الدولة الرسولية ودورها في نشر القبورية في اليمن:
لمحة عن الدولة الرسولية:
الدولة الرسولية منسوبة إلى مؤسسها " نور الدين عمر بن علي بن رسول" (ت 647هـ)، وقد قامت على أنقاض الدولة الأيوبية،حيث كان عمر بن علي من قواد هذه الدولة أيام آخر ملوكها الملك المسعود، وحين عزم الملك المسعود على السفر إلى مكة حيث مات بها، استبد بالأمر ودعا إلى نفسه وخطب له بذلك، ثم توالى أبناؤه وأحفاده في الملك والسلطنة، وامتدت دولتهم من حضرموت إلى مكة بل في بعض الأحيان من ظفار إلى مكة، وعاشوا في صراع مع أئمة الزيديه حيناً يأخذون صنعاء وذمار وحجة، وحيناً يصل أئمة الزيدية إلى زبيد أو إلى تعز أو إب وهكذا، وامتدَّ حكمهم من سنة (625هـ) إلى سنة (958هـ) وهي مدة طويلة زادت على ثلاثة قرون وقد تميزت هذه الدولة بالقوة والعظمة والإنجازات الضخمة في شتى الميادين.
ففي العمران فعلت ما لم تفعله دولة أخرى في اليمن،وكان أكثر ملوكها مشاركين في العلم والأدب فبنوا المدارس وجلبوا العلماء والمدرسين ووقفوا الأوقاف العظيمة عليها،كما جمعوا نفائس الكتب بل ألفوا الكثير منها في فنون مختلفة، وفي عصرهم ازدهر التصوف وشجع بعضهم أتباع ابن عربي أصحاب وحدة الوجود.(1/187)
وبالجملة فقد كانت هذه الدولة مفخرة من مفاخر اليمن في جوانب كثيرة، كما كانت فاتحة شر كبير في جوانب أخرى، ومن أهمها فتح الباب أمام التصوف المنحرف الفلسفي تصوف أصحاب وحدة الوجود الذي ما تزال آثاره ظاهرة إلى هذا التاريخ وإن أفل نجمه وذهبت دولته، كما أنهم رسخوا القبورية في اليمن من خلال قبور سلاطينهم وتبنيهم لبناء بعض المشاهد على قبور بعض من يعتقدون فيه الصلاح، هذه هي الدولة الرسولية.
وإليك لمحة عن بعض قبور الدولة الرسولية:
قبور الدولة الرسولية:
1) الملك نور الدين عمر بن علي بن رسول المتوفى(647هـ) 632 دفن في المدرسة الأتابكية في ذي هزيم في مدينة تعز بعد أن نقلوه إليها من الجند 633.
2) الملك الأشرف عمر بن المظفر المتوفى (696هـ) 634 ودفن في المدرسة الأشرفية بمدينة تعز 635.
3) الناصر بن الأشرف المتوفى (725 هـ) 636 ودفن في المدرسة الأشرفية مدرسة والده 637.
4) الملك المجاهد المتوفى (764هـ) 638 ودفن في مدرسته المجاهدية بتعز 639.
5) الملك الأفضل بن المجاهد المتوفى (778هـ) 640 وحمل من زبيد إلى تعز ودفن في مدرسته الأفضلية 641.
6) الملك الأشرف بن الأفضل المتوفى (783 هـ) 642 ودفن بمدرسته الأشرفية بتعز 643.
7) الملك الناصر بن الأشرف المتوفى (878هـ) 644 ودفن في مدرسة والده الأشرفية 645.
8) الملك المنصور بن الناصر بن الأشرف المتوفى (830 هـ) 646 ودفن بمدرسة جده الأشرفية،وقد كان موته بمدينة زبيد فُحمل إلى تعز 647.
9) الملك الظاهر يحيى بن إسماعيل المتوفى (842 هـ)648ودفن في مدرسته الظاهرية 649 بمدينة تعز.
10) الملك الأشرف إسماعيل بن الظاهر يحيى المتوفى (845 هـ)650ودفن عند والده بالمدرسة الظاهرية بمدينة تعز651.(1/188)
هؤلاء الملوك الذين وقفت على التصريح بدفنهم في المدارس التي بنوها، ولا يبعد أن يكون غيرهم من الأمراء ومن الملوك الذين ولّوا ولايات قصيرة أو خرجوا على الملوك الرسميين أن يكونوا كذلك قد دفنوا في مدارس أو مشاهد، بل لا يبعد أن تكون نساؤهم كذلك وقد وقفت على تصريح بواحدة منهن.
11) قال ابن الديبع: وفي السنة المذكورة (836هـ) توفيت أم السلطان الحرة الطاهرة، أم الملوك جهة الطواشي، جمال الدين فرحان بمدينة زبيد في الثاني عشر من صفر، ودفنت قريباً من تربة الشيخ طلحة بن عيسى الهتار، وأمر ولدها السلطان الملك الظاهر بإنشاء مدرسة عظيمة على ضريحها ورتب فيها إماماً وخطيباً وأيتاماً ومعلماً لهم وعشرين قارئاً يقرؤون القرآن عند ضريحها عقب كل صلاة، ورتب لهم ما يقوم بكفايتهم. 652
12) كما أشار الجندي إلى أن هناك تربية خاصة بخواص وأقارب بني رسول حيث قال في ترجمة محمد بن القاضي عمر الهزاز: (وكان المظفر يجله ويعتقد صلاحه وربما زاره سراً إلى منزله - إلى أن قال- وحين بلغت وفاته الملك المظفر كتب إلى أولاده سألهم أن يدفنوه في التربة التي هي قبلي جامع عدينه، ففعلوا ذلك إذ خواص بني رسول من القرابة والسراري مقبورون فيها) 653.
وهذه التربة ربما كانت على غرار ترب الفاطميين والمماليك التي سبق ذكرها.
مساهمة سلاطين الدولة الرسولية في بناء المشاهد على قبور من يعتقدون فيهم الصلاح:(1/189)
بنى سلاطين الدولة الرسولية المشاهد والقباب على قبور من يعتقدون صلاحهم، ولكن للأسف لم نجد النص الصريح على شئ من ذلك إلا على قبر الشيخ أحمد بن علوان، ومشهد أحمد بن علوان يوجد بمنطقة يفرُس محافظة تعز، وهو معاصر للملكَيْن عمر بن علي بن رسول وابنه المظفر، ويعد من أكابر أقطاب الصوفية في اليمن، عُمّر مشهده وأول من عمّره الملك المظفر ذكر ذلك صاحب الأضرحة، ولم يحدد التاريخ الذي جرى فيه البناء،كما أن المشهد والمسجد المجاور له قد شهد توسعة وترميماً كثيراً في فترات مختلفة، أهمها على يد السلطان عامر بن عبدالوهاب الطاهري كما هو مكتوب هناك654،وآخرها على يد بعض ولاة الأتراك.
المبحث الرابع
نشأة الصوفية ودورها في نشر القبورية في اليمن
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: نشأة الصوفية في اليمن:
سبق تعريف الصوفية والتفريق بين الزهد الذي دعا إليه الإسلام وبين التصوف المنحرف، والإيضاح بأن كلامنا إنما هو منصب على التصوف الفلسفي المنحرف، سواء شَعَرَ المتصوفة القائمون به بأصل ذلك التصوف وعرفوا مصادره أم أخذوه تقليداً وثقة بمن قبلهم، فالانحراف هو الانحراف إن أتى على يد خبيث ماكر أو على يد صالح مغفل، وأما الأشخاص أنفسهم وما هي مقاصدهم ونواياهم فذاك شيء مرده إلى الله تبارك وتعالى وليس إلينا، إذا عرفنا هذا التذكير حق لنا أن نشرع في رصد مبدأ هذا التصوف المنحرف ونشأته.
روّاد التصوف في اليمن:(1/190)
لعل حضرموت كانت هي الرائدة في جلب واستيراد التصوف، فقد ذكر مؤرخو حضرموت أن أول من عرف بالتصوف فيها هو " عبدالله بن أحمد بن عيسى المهاجر إلى الله " حيث ذكر الشاطري في " أدوار التاريخ الحضرمي " أن من شيوخه أبا طالب المكي، فقد تلقى عنه علم التصوف، وقرأ عليه كتابه "قوت القلوب " ذلك الكتاب الشهير في فن التصوف.وذلك لما حج سنة (377 هـ) 655 غير أن هذا الرجل لم يكن له أثر يذكر في نشر التصوف في حضرموت، كما سيأتي عند حديثنا عن الفقيه المقدم، وهذا كما نرى من رجال القرن الرابع.
وفي القرن الخامس:يطالعنا اسم الصوفي "سود بن الكميت" المتوفى (436 هـ) حيث ترجمه الشرجي في "طبقات الخواص "،وذكر قصة تحوله إلى التصوف، وأنه كان له أصحاب ومريدون، وأنه كان يجلس معهم في المسجد ويأكل وينام معهم فيه 656،وهو أشهر من عرف بالتصوف أو من أشهرهم في هذا القرن،مع وجود آخرين أشار إليهم السيد عبدالله الحبشي ولم يبين أسماءهم وذكر أنهم من المناطق المحاذية لتهامة ومن مدينة تعز657.
وفي القرن السادس: اشتهر الصوفي أحمد بن أبي الخير الصياد المتوفى سنة (579 هـ) وقد كان رجلاً عادياً من عوام مدينة زبيد، وعلى أثر رؤيا رآها تحول إلى التصوف، وصحب الشيخ إبراهيم الفشلي الآتي ذكره في القرن السابع، قال الشرجي بعد ذكر الرؤيا:(ومنذ ذلك الوقت أخذ يترقى في درجات التصوف) 658.
قلت: ثم اشتهر أمره، وتجمع حوله المريدون وسجلت له الكرامات،ونقلت عنه أقوال ذات قيمة عند أهل التصوف 659. والملاحظ أنه في هذا القرن بدأت تتكون جماعات التصوف ويلتفّ المريدون حول شيوخهم لا لطلب العلم ولكن لأخذ الفيوضات والبركات وسلوك ذلك الطريق المبتدع، وليس هذا خاصاً بالصياد وحده بل قبله كان لشيخه إبراهيم الفشلي، الذي سيأتي الحديث عنه في القرن السابع.(1/191)
القرن السابع: هذا القرن هو في الحقيقة قرن التصوف ففيه نبتت وترعرعت البذور التي بذرت في القرون الماضية وشهد تحولات كبيرة منها:
1)دخول مدرسة ابن عربي - مدرسة وحدة الوجود - إلى اليمن وكان ذلك على يد رجل غامض مشبوه يقال له "المقدسي"، لا يعرف اسمه الحقيقي ولا شيء من ترجمته 660؛ وذلك لشدة حنق الفقهاء وأهل العلم عليه وهجره، بل ومحاولة قتله في قصة طويلة عجيبة تدخّل على إثرها السلطان وزجر الفقهاء وتوعدهم أشد الوعيد إن هم تعرضوا له ولأصحابه 661، ولكن هذا الرجل لم يمت إلا وقد غرس تلك النبتة الخبيثة في اليمن، وقد قرر العلامة الأهدل أنه أول من قدم بكتب ابن عربي إلى اليمن. 662
كما ظهر هذا القول كذلك في هذا القرن لدى أبي الغيث بن جميل الملقب شمس الشموس المتوفى سنة (651هـ) وألَّف في ذلك كتاباً 663، ولدى معاصره أحمد بن علوان وله في ذلك عدة كتب منها:" البحر المشكل الغريب " و" الفتوح المصونة والأسرار المخزونة " و" التوحيد الأعظم 664".
وقد ذكر مترجمو الرجلين أن لهما مكاتبة تشهد بمدى ما وصلا إليه من التبجح والدعوى التي عرف بها أهل تلك النحلة، قال الشرحبي في ترجمة أبي الغيث:(وكتب إليه الشيخ أحمد المذكور " ابن علوان " مرة من بلده كتاباً يقول فيه: أما بعد. فإني أخبرك أني:
جزت الصفوف إلى الحروف إلى الهجا حتى انتهيت مراتب الإبداع
لا باسم ليلى أستعين على السرى كلا ولا لبُنى تقل شراعي
فأجابه الشيخ أبو الغيث بكتاب يقول فيه: من الفقير إلى الله تعالى أبي الغيث بن جميل غَذِيِّ نعمة الله تعالى في محل الحضرة، أما بعد فإني أخبرك أني:
(3) تجلَّى ليَ الاسم القديم باسمه فاشتُقَّتِ الأسماء من أسمائي
وحبانيَ الملك المهيمن وارتضى فالأرض أرضي والسماء سمائي. 665(1/192)
قال الحبشي:(وبهذين الرجلين - أبي الغيث وابن علوان - قامت مدرسة الفلسفة الصوفية في اليمن، إلا أن قربهما المباشر من عصر ابن عربي لم يجعلهما يستفيدان من كتاباته الخاصة، وإنما كان ذلك من خلال المشرب الذوقي الذي عُرِفتْ به تعاليم هذه المدرسة، وهم ينهلون جميعاً من الاتجاه الذي سار عليه أسلافهم من دعواهم في الحب والقرب وغيره من إشارات الصوفية)666.
2) في هذا القرن دخلت الطرق الصوفية من الخارج، ونشأت الطرق الصوفية المحلية،وإليك لمحة عن أهم الطرق الصوفية التي عرفتها اليمن في هذا القرن في المطلب التالي.
المطلب الثاني: أهم الطرق الصوفية التي عرفتها اليمن:
الطرق الوافدة:
1) الطريقة القادرية: وهي أول وأشهر الطرق الصوفية في اليمن، وقد أعاد الحبشي أول لقاء لليمنيين بهذه الطريقة وشيخها إلى سنة (561 هـ)، وهي سنة وفاة الشيخ الجيلاني - رحمه الله - حيث لقيه اثنان من اليمنيين في موسم الحج، وهما الشيخ " علي بن عبدالرحمن الحداد " والشيخ "عبدالله الأسدي "، أما الأول فالتقى به صدفة عند الكعبة، وأما الثاني فقد سافر خصيصاً للقاء الشيخ عبدالقادر عندما علم بأنه ناوٍٍ على الحج تلك السنة، فالتقى به في عرفات. ولم يوضّح ما هو دور الرجلين في نشر الطريقة القادرية في اليمن؟ولكن من بين من ذكر أنهم أخذوا الطريقة القادرية من صوفية اليمن "أحمد بن أبي الجعد "ووفاته ببضع وسبعين وسبعمائة 667،(وأبو بكر بن محمد بن أبي حربه) وفاته (794هـ) 668 وبهذا نقطع أن هذه الطريقة دخلت اليمن في القرن السابع وربما قبله بقليل.(1/193)
2) الطريقة المَدْيَنِيَّة:المنسوبة إلى الصوفي المغربي الشهير "شعيب أبي مدين التلمساني"، وهذا الصوفي قد صدّر طريقته إلى اليمن عن طريق مكة عبر تلميذه عبدالرحمن المقعد، ولكن المقعد مات في الطريق فوكل إيصالها إلى رجلٍ آخر هو "عبدالله الصالح المغربي" الذي وصل إلى تريم،وإلى من سماه أبو مدين ووصفه الفقيه المقدم- محمد بن علي باعلوي- المتوفى سنة (653 هـ)، فدخل خلسة إليه وهو في حلقة شيخه الفقيه "علي بن محمد بامروان "فغمزه وأخذه من بين يدي شيخه فأبلغه الرسالة وحكّمه وألبسه لباس الصوفية، فعاد إلى شيخه وهو كذلك فغضب عليه شيخه وزجره وظل مقاطعاً له حتى مات "رحمه الله "، ثم ذهب إلى قيدون فلقي الشيخ "سعيد بن عيسى العمودي" المتوفى سنة (671 هـ) فحكّمه كذلك وأدخله في عداد الصوفية،ولقي في دوعن كذلك " باعمر " صاحب عُورَة وألحقه بالجماعة، ثم توجه إلى ميفعة ولقي الشيخ عبدالله باحمران فحكّمه كذلك وألحقه بهم، واستقر في ميفعة حتى مات، وعند موته قسم تركته بين تلاميذه وأشار إليهم بأن هناك علامة على من يكون شيخهم وهو أن يقع من نصيبه السبحة فوقعت من نصيب الفقيه المقدم، وبذلك أصبح شيخ صوفية حضرموت وشيخ الطريقة المدينية بها، وعند وفاته نصّب زوجته أم المساكين في منصب شيخ الصوفية بحضرموت 669.(1/194)
3) الطريقة الرفاعية: المنسوبة إلى أحمد بن علي الرفاعي المتوفى (578هـ)، وقد دخلت اليمن على يد عمر بن عبدالرحمن بن حسان القدسي المتوفى سنة (688هـ) وكان الشيخ قد أدرك أحد أحفاد الشيخ أحمد الرفاعي وهو نجم الدين الأخضر،فأخذ عنه الخرقة الرفاعية، وتربى بين يديه تربية صوفية، فلما استكمل الشيخ تعليمه أمره أن يدخل اليمن وينشر الخرقة الرفاعية هنالك، وفي اليمن اجتمع القدسي ببعض من صوفيتها أمثال الشيخ عمر بن سعيد الهمداني وغيره، ويقول الشرجي: أنه (تنقل بعد ذلك إلى عدة أماكن في اليمن وابتنى عدة ربط بعد أن شهر الخرقة الرفاعية، وانتشرت عنه انتشاراً كلياً لاسيما في مخلاف جعفر) 670.
4) الطريقة الشاذلية: نسبة إلى الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الله الشاذلي المتوفى سنة (656هـ)، وقد انتقلتْ هذه الطريقة إلى اليمن على يد الشيخ علي بن عمر بن دعسين الشاذلي الذي كان من أوائل المؤسسين في اليمن 671.
5) الطريقة السهروردية: نسبة إلى الشيخ عمر بن محمد السهروردي المتوفى سنة (631هـ) ذكرها العيدروس في الجزء اللطيف وذكر أن من أتباعها في اليمن إسماعيل الجبرتي والعلوي 672.
الطرق المحلية: أهم الطرق المحلية التي نشأت في هذا القرن:
1) الطريقة العلوية: المنسوبة إلى الفقيه محمد بن علي باعلوي المشهور بالفقيه المقدم الذي سبق ذكره آنفاً في الطريقة المدينية.
2) الطريقة الأهدلية: نسبة إلى الشيخ علي بن عمر الأهدل المتوفى سنة نيف وستمائة، وهو أخذها في الأصل عن رجل من أصحاب الشيخ عبدالقادر الجيلاني يسمى الأحوري وقد (كثر أصحابه وأتباعه وتخرج به جماعة ممن شهر، وذكر منهم الشيخ أبو الغيث بن جميل وأحمد بن أبي الجعد) 673.
3) الطريقة العلوانية: نسبة إلى الشيخ أحمد بن علوان صاحب يَفْرس 674.
السماع الصوفي:(1/195)
وفي هذا القرن " السابع " فشى وانتشر السماع الصوفي، وهو إنشاد الأشعار في المساجد ومواطن العبادة بقصد التقرب إلى الله تعالى، واعتبار ذلك من ضمن الوسائل التي تقرب إليه وتزكِّي النفس وتسمو بالروح، سواء حصل معها عزف بالمعازف المعروفة كالدفّ والشبَّابة ونحوها أو لم يحصل، وفي كثير من الأحيان يصحب ذلك رقص وتمايل وطرب زائد، وربما وصل إلى السكر والإغماء وفقدان الشعور، وكل ذلك تُعطى له المسوّغات، ويُؤصل له بما يظهره وكأنه من أعظم القرب وأفضل الشعائر في العرف الصوفي، وكان من روّاده في هذا القرن، الشيخ أبو الغيث بن جميل، والشيخ أحمد ابن علوان،والشيخ محمد بن أبي بكر العواجي، والشيخ محمد بن عيسى الزيلعي 675، والشيخ سفيان الأبيني وغيرهم 676 وسيأتي مزيد من الحديث عن السماع في الباب الثاني إن شاء الله.
الشطح الصوفي:
تعريف الشطح:
عرَّفه المناوي بقوله: (كلام يعبِّر عنه اللسان مقرون بالدعوى، ولا يرتضيه أهل الطريق من قائله وإن كان محقاً) 677، وفي قوله لا يرتضيه أهل الطريق نظر؛ لأن الواقع أن أعظم من يعتبرهم الصوفية أهل الطريقة أو أهل الحقيقة هم أهل الشطح بل المبالغون فيه، بل في كثير من الأحيان نجد أعظمهم شطحاً أرفعهم رتبة، ثم كيف لا يرتضونه وهم ينقلونه عن أولئك الشاطحين باعتباره من جواهر كلامهم ودرر ألفاظهم وخوارق كراماتهم، بل ربما أثبتوا به بعض ما يقررون من القضايا 0
لاشكَّ أنهم يرتضونه وإنما يتظاهرون أمام الآخرين بعدم ارتضائه أو بتأويله.
وكذلك قوله (وإن كان محقاً) الغالب في الدعاوى والشطح ألا يكون محقاً، ومن تتبع تلك الشطحات عرف ذلك، والحق في هذه القضية أن أقصى ما يمكن فعله هو التماس العذر للشاطح بأنه قال ذلك في حال سُكْر وغيبوبة، ومن كان هذا شأنه فإنه جدير أن يدرج في طبقات المجانين لا في طبقات الأولياء.(1/196)
وقد نُقِل شطح كثير عن صوفية هذا القرن كان كالمدخل لأصحاب الدعاوى والباحثين عن الشهرة والمنزلة عند عوام الناس، يتوسعون فيه ما شاء لهم هواهم واستخفافهم بحدود الشرع وعظمة الحق وعقول الخلق.
ومن الصوفية الذين سجّلوا السبق في الشطح من أهل هذا القرن أحمد بن علوان، وأبو الغيث بن جميل في قصتهما الشهيرة ومفاخرتهما التي ساقها معظم من ترجمَ لهما وقد سبق ذكرها.678 والفقيه المقدم محمد بن علي باعلوي وهو من أعظمهم في ذلك 679. والشيخ أحمد بن أبي الجعد الأبيني.680
انتشار التصوف في عموم اليمن:
وفي هذا القرن انتشر التصوف في عموم مناطق اليمن، وظهر في كل منطقة قطب من أقطابهم الذين لا يزال تأثيرهم وتعلق الناس بهم قائماً إلى اليوم، وأكثر المناطق قبولاً للتصوف في هذه الفترة تهامة، فقد ظهر في شمالها صاحبا عواجه محمد بن حسين البجلي (621 هـ) 681، ومحمد بن أبي بكر الحكمي (617هـ) 682 وفي المراوعة ظهر علي بن عمر الأهدل (نيف وستمائة) 683 وفي بيت عطاء أبو الغيث بن جميل (651 هـ) 684، وفي بيت الفقيه أحمد بن موسى بن عجيل (696) 685، وفي التريبة قرب زبيد عيسى بن إقبال الهتار (606هـ) 686، فهؤلاء ستة من كبار الصوفية كلهم من تهامة، وفي محافظة تعز أحمد بن علوان (655 هـ) 687، وفي لحج سفيان بن عبدالله الأبيني (وفاته القرن السابع) 688، وفي أبين أحمد بن أبي الجعد الأبيني (690 هـ) 689، وفي عدن جوهر بن عبدالله الصوفي سنة (616هـ) 690، وفي محافظة شبوة محمد بن عبدالله بامعبد كان حياً سنة (680هـ) 691، وفي حضرموت -دوعن- سعيد بن عيسى العمودي (671) 692 وفي تريم الفقيه المقدم محمد بن علي باعلوي (653هـ) 693، ورغم عدم الاستقصاء فإنك ترى أن معظم ديار الشافعية في اليمن قد عمَّها التصوف في هذا القرن.
أثر الدولة الرسوليَّة في ترسيخ التصوف وتقويته في اليمن:(1/197)
في هذا القرن كانت الدولة الرسولية في أوج قوتها وعنفوان شبابها، وكان سلاطينها يدينون بالولاء التام للصوفية؛لأن الصوفية قد اتخذوا عندهم أيادي جليلة، من أهمها بشاراتهم بالملك واستمراره في أعقابهم،فجدهم عمر بن علي بن رسول بشَّرَه جماعة من الصوفية بالملك وقوَّوا عزمه عليه 694. وكذلك بشَّرَ إبراهيمُ الفشلي الملكَ المظفر باستمرار الملك في ذريته حينما نازعه إخوانه على ذلك 695. وبهذا حصل الاعتقاد التام في الصوفية لدى ملوك وأمراء بل وساء قصور بني رسول، وبذلك مكَّنَتْ الدولة الرسولية للصوفية تمكيناً تاما ً، فما من اعتراض من الفقهاء على الصوفية إلاَّ ويقمعه ملوك بني رسول، وما من انحراف يحدثه الصوفية إلا ويتأوّلونه لهم، وانظر على سبيل المثال قصة النزاع بين الفقهاء وبين أصحاب وحدة الوجود،والتي شرحَها وبيَّنَ مراحلها وأحداثها الأستاذ عبدالله الحبشي في كتابه " الصوفية والفقهاء في اليمن " 696.
هكذا تكامل نشر الصوفية ورسخت جذورها بل وبسقتْ وتمتْ فروعهاوآتتْ ثمارها في هذا القرن، وواصلت التطور والتوسع في القرون اللاحقة 697.
قبورية الصوفية:(1/198)
سبق الحديث عن نشأة المشاهد وبناء المساجد على القبور في اليمن، وأنها كانت على يد الدولة الصليحية الباطنية، وعلى أيدي السلاطين وبالأخص الأيوبيين والرسوليين ومن جاء بعدهم ومن عاصرهم من أئمة الزيدية، ولم يسجل في ذلك الوقت مشاهد خاصة بالصوفية، ومما يؤكد أنه لم يكن للصوفية مشاهد وقبور شهيرة - يقصدها الناس للتبرك بها وعَمَلِ ما يعمله الصوفية المتأخرون عند قبور أوليائهم - خلوُّ طبقاتِ فقهاء اليمن للجعدي من ذلك تقريباً، وقد كان فراغه منه في آخر القرن السادس في عام (586هـ) 698، بينما نجد البهاء الجندي قد شحن كتابه السلوك بذلك، وأكثَرَ من ذكر القبور التي تزار ويتبرك بها 699، وإن لم يذكر أن عليها مشاهد إلا نادراً 700، حتى أن القاضي الأكوع في مقدمته للسلوك تبرَّم من ذلك، وأنكرَه وسجَّل كلمة قيمة وملاحظة طيبة عليه.
بداية الزيارات الحولية:
وفي تراجم رجال هذا القرن تُطالِعُك الزيارات الحولية وغير الحولية للقبور وبعض الأماكن الأخرى، ففي ترجمة محمد بن ظفر الشميري قال الجندي: (وبلغتُ تربته قاصداً زيارته،وأقمت عندها أياماً، وهو بمسجد وإلى جنبه امرأته، وببركته مازالت قريته محترمة ما قصدها أحد بسوء إلا خذله الله، ولم أجد بتلك الناحية مزاراً أكثر من تربته قصداً للزيارة وقضاء الحوائج التي تطلب من الله، وكثرة النذور لها، وفي ليلة الرغائب من رجب يجتمع عندها خلق ناشر) 701.
كما يطالعك في هذا القرن بدايةُ اتخاذ اجتماعٍ موسميٍّ لزيارة قبر نبي الله هود على يد الشيخ عبد الله باعباد المعروف بـ" القديم " وذلك بعد جذاذ النخل وتعبئة التمر، وليس على الأشهر القمرية 7020(1/199)
وذكر اليافعي قصة زيارة الشيخ أحمد بن أبي الجعد وأصحابه والشيخ سعيد بن عيسى العمودي وأصحابه لقبر نبي الله هود ( وما جرى بينهما مما سيأتي في الباب الثاني 703، كما ذكر زيارة الكثيب الأبيض بأبين، ويقال في ذلك المكان قبور بعض الصالحين، وهو كثيب يزوره أهل تلك البلاد وما حولها من البلدان في كل سنة في وقت معلوم في رجب 704، وفيه ذكر مؤرخو حضرموت أن الفقيه المقدم محمد بن علي باعلوي كان يزور قبر نبي الله هود ( 705.
وهكذا في هذا القرن تكاملت فصول الصوفية وظهر معظم مقوماتها وعرف أبرز رجالها ثم فشت وترسخت أكثر وأكثر حتى يومنا هذا.
الباب الثاني
آثار القبورية
ويشتمل على مدخل وأربعة فصول
المدخل
وفيه بيان نشأة العقائد الضالة عن الغلو في الصالحين
الفصل الأول
عقائد القبورية الضالة
وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول: عقيدة القطبية والتصرف في الكون.
المبحث الثاني: عقيدة الرجعة وإمكان الاجتماع بالنبي ( يقظة.
المبحث الثالث: الاعتقاد بحياة الخضر واللقاء به.
سبق في الباب التمهيدي تعريف القبورية وأنها(طائفة غلت في أصحاب القبور واعتقدت فيهم عقائد ضالة، حملتها على تعظيم قبورهم وآثارهم،والتقرب إليهم بأنواع من العبادات حتى صيّرتهم أنداداً لله تعالى).(1/200)
فهذه الطائفة أهم سماتها الغلو وهو مجاوزة الحد في هؤلاء الناس الذين زَعَمَتْهُم أولياء لله تعالى،مما نتج عنه عقائد ضالة، بعض هذه العقائد شرك وبعضها دون ذلك،وبناءً على تلك العقائد نشأ تعظيم القبور والآثار المنسوبة إلى أولئك الأولياء، وبهذا التعظيم غرست بذور من بذور القبورية في نفوس هؤلاء القبورية ومقلديهم من العوام، مثل المحبة والخوف المتجاوزَيْن حدود الطبيعة الذَين أوجبا التذلل والانكسار أمام هؤلاء الأولياء أحياءً وأمواتاً، وحملا على التقرب إليهم بما لا يُتقرب به إلا إلى الله سبحانه من النذر والذبح والطلب منهم ما لا يجوز طلبه إلاّ من الله تعالى وهو الدعاء، وبناءً على كل ذلك نشأت في الأمة أمراض فتاكة مثل السحر والكهانة والدجل والخرافة والتمايز الطبقي وتجهيل الأمة.
من هذا المنطلق سيكون تناولي لآثار القبورية، وهناك آثار كثيرة لن أتكلم عنها لضعف أو خفاء ارتباطها بالقبورية التي حددتُ معالمها في هذا التعريف، والتي قد يكون لها بواعث أخرى غير الغلو في أصحاب القبور،ومن أمثلة ذلك عقيدة وحدة الوجود وإضاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الصوفية والسماع الصوفي، فهذه الثلاثة النماذج وغيرها قد يتطلع القارئ لبحثها ودراستها ولكنني لن أخوض فيها لخروجها عما رسمته وحددته لنفسي، ولضيق المساحة المحددة لهذا البحث.
الفصل الأول
عقائد القبورية الضالة
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: عقيدة القطبية والتصرف في الكون
وفيه أربعة مطالب
المطلب الأول: تعريف القطب:(1/201)
قال الجرجاني في تعريف القطب: (وقد يسمى غوثاً باعتبار التجاء الملهوف إليه وهو عبارة عن الواحد الذي هو موضع نظر الله في كل زمان، أعطاه الطلسم الأعظم من لدنه، وهو يسري في الكون وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح في الجسد، بيده قسطاس الفيض الأعم, وزنه يتبع علمه، وعلمه يتبع علم الحق،وعلم الحق يتبع الماهيات الغير المجعولة، فهو يفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل، وهو على قلب إسرافيل من حيث حصته الملكية الحاملة مادة الحياة والإحساس لا من حيث إنسانيته، وحكم جبرائيل فيه كحكم النفس الناطقة في النشأة الإنسانية، وحكم ميكائيل فيه كحكم القوة الجاذبة فيها، وحكم عزرائيل فيه كحكم القوة الدافعة فيها).706
هذا هو القطب، وهو مأخوذ عن الإسماعيلية كما سبق عن ابن خلدون707، والإسماعيلية أخذته عن الفلاسفة، وما النفس الناطقة إلا إحدى مراتب الألوهية عند الفلاسفة.
المطلب الثاني: اعتماد ما تقرر من تعريف القطب عند قبورية اليمن:
ما اشتمل عليه تعريف القطب السابق هو ما اعتقده صوفية اليمن ودانوا به، يقول اليافعي708 بعد أن ذكر حديث الأبدال الموضوع: ((وله واحد قلبه على قلب إسرافيل)) قال: (والواحد المذكور في هذا الحديث هو القطب، وهو الغوث ومكانته من الأولياء كالنقطة من الدائرة التي هي مركزها به يقع صلاح العالم)709.
وقال الحداد: (والقطب الغوث هو: إمام الأولياء أهل الدائرة والتصريف، وهم المعدودون في الأخبار والآثار الواردة فيهم). 710
وتلك الصفات التي يتحلى بها القطب قد أسبغها قبورية اليمن على أوليائهم، وبهذا وصف الشيخ علي الأهدل صاحبي عواجة البجلي والحكمي فقال أثناء حكاية ساقها الشرجي عن اليافعي في بعض مصنفاته: (يا أبا الغيث هذان في مقام التولية والعزل، يوليان ويعزلان ويميتان ويحييان بإذن الله تعالى وسوف أرثهما وترثني أنت) 711.(1/202)
وبذلك وصف محمد بن أحمد باجرفيل الدوعني أبابكر العيدروس حينما استفسره محمد بن عمر بحرق عن تصرفات مالية تصرفها العيدروس على غير الوجه الشرعي فقال: (أنا أشهد أنه أمير المؤمنين المالك للتولية والعزل والحل والعقد والتصرفات كلها، وأشهد أنه أفضل أهل الأرض ظاهراً وباطناً) 712.
ووُصف بها الشيخ عبدالرحمن السقاف، قال عبدالرحمن الخطيب: (الحكاية السابعة والثلاثون بعد الثلاثمائة وهي السادسة والتسعون من مناقب السقاف ( عن عبدالرحيم بن علي الخطيب -رحمه الله تعالى - قال:كنت يوماً في مجلس شيخنا الشيخ عبدالرحمن - رضي الله تعالى عنه - فتكلم الشيخ في الشيخ أبي الغيث بن جميل اليمني 713 ثم قال في أثناء مدحه:أتى فقهاء اليمن إلى الشيخ أبي الغيث وقالوا له: يا أبا الغيث ما عرفنا إيش مذهبك أخبرنا إيش مذهبك أنت شافعي أم مالكي أم حنبلي أم حنفي؟ فقال لهم: (لا أنا شافعي ولا مالكي ولا حنبلي ولا حنفي، فقالوا له: (فإيش أنت فقال:جنداري من جنادرة السلطان،ثم سكت الشيخ عبدالرحمن - رضي الله تعالى عنه - ساعة ثم همز نفسه ومد يديه في الهواء وقال بأعلى صوته: أنا جنداري من جنادرة السلطان، قال عبدالرحيم ثم بعد ذلك بأيام قلت للشيخ عبدالرحمن - رضي الله تعالى عنه -: وما جنداري السلطان، فقال: ما هذا معناه، هو الذي يدخل على السلطان من غير إذن ولا عليه حجاب، ويأمر وينهى ولا أحد يعارضه فيما يريد، وإذا دخل بلداً أو مكاناً لم يبق لأحد معه من أهل تلك الديار والمكان أمر لا أمير ولا وزير ولاغيرهما، بل الأمر أمر الجنداري والحكم حكمه ما شاء فعل ولا معقب لأمره ولا مرد له...)714.
قلت:وقبل هذه الحكاية حكايات أخرى ساقها صاحب الجوهر فيها تأكيد وشواهد على ما تضمنته هذه الحكاية من اعتقاد القطبية للسقاف التي تجعله في مقام التصرف التام والتولية والعزل.(1/203)
وإليك نص حكاية منها، وهي الحكاية الخامسة والثلاثون بعد الثلاثمائة عن عمر المحضار بن عبدالرحمن السقاف715 قال: (كنت نائماً أظنه قال في مسجد مدينة رسول الله () قال:فلم أشعر إلا برجل من الصالحين قد وكزني برجله فرفعت رأسي فقال: ما أجرأك تنام هنا وبطن أبيك ملانة كرعان 716 [ كم واحد قال سلبه ثم ولى عني ولم أعرفه فسأل الشيخ عمر ( عن معنى قول الرجل بطن أبيك ملانة كرعان ]717 فقال أخذ الخلق كلهم في بطنه يولي من يشاء ويعزل من يشاء رضي الله تعالى عنه)718.
وقال أحمد بن حسن العطاس في أثناء حكاية (فقال: إني صاحب الوقت وأتصرف في أهله وأنت فلان ابن فلان، وإن كنت تريد أن تنظر إلى بلدكم تريم فأدخل رأسك في كمي فبهت من ذلك ولم أفعل، ثم قال لي: أتريد أن أتصرف في قلب الباشا بأن يقوم؟ وكان جالساً في الحرم فبمجرد قوله ذلك قام الباشا وأتباعه وذهبوا خارجين من الحرم، فلما قاربوا الخروج منه قال لي: أتريد أن أتصرف فيه بأن يرجع فيطوف؟ فبمجرد ذلك رجع هو وأتباعه وطافوا، ثم قال لي: أتريد أن أتصرف في قلب الشريف عبدالمطلب بأن يرجع الخمسة الديواني فتسلك في السوق وتمشي؟ فبمجرد قوله ذلك نادى المنادي بأعلى صوته يقول لكم الشريف عبدالمطلب لايمتنع أحد من الخمسة الديواني).719
فانظر إلى هذا الذي إن صدق النقل عنه فهو ساحر كيف يدعي هذه الرتبة من مراتب الأولياء عند الصوفية وأنه يتصرف حتى في قلوب الناس ومقاصدهم ويحملهم على فعل ما يشاء دون اختيار منهم، وكيف يقص هذا العالم القدوة من علماء صوفية حضرموت لأتباعه ومريديه هذه القصة مسلماً بها مريداً منهم أن يصدقوها ويعتقدوها، أليس هذا هو التطبيق العملي لعقيدة القوم في القطب الذي مر تعريفه؟
المطلب الثالث: التصرف في الكون أهم وظائف القطب:(1/204)
اتضح من تعريف القطب بأنه هو المفوَّض من قبل الله تعالى في التصرف في الكون،وربما أطلقوا على مرتبة القطبية (الخلافة العظمى)720، والمعنى: أن يكون القطب خليفة الله تعالى في تصريف الكون.
ولمعرفة ما يشمله ذلك التفويض لدى القوم نذكر بعض النصوص من كتبهم تبين سعة ذلك التفويض وشموليته من حيث الزمان والمكان ومن حيث الدنيا والآخرة.
نقل السيد علي بن محمد الحبشي721 -أحد أقطاب حضرموت- على سبيل الإقرار والاستحسان عن عبدالعزيز الدباغ قوله: (إن تصرفي يصل حتى إلى الجنان، وإن الحور ما يفعلن شيئاً إلا بأمر مني)، وكان يقول لمريده:(إن كنت تعتقد أن الْبِسَّ في جميع أقطار الأرض يأكل الفأر بغير إذن مني فما أحسنت الأدب معي)، ثم يعقب الحبشي على ذلك فيقول: (انظر إلى هذا الفناء العظيم وأين اليوم هذا الاعتقاد) 722.
فانظر إلى هذه الدعوى التي شملت التصرف في الدنيا والآخرة وجميع أقطار الأرض وجميع العوالم من عالم الحور العين إلى عالم الْبِسَّ والفأر.
وإليك صورة أخرى للتصرف الشامل في الحياة وبعد الموت، قال الشلي: (وقال بعض العارفين: الفقيه المقدم تصرف على المشايخ الذين تصرفوا بعد موتهم كتصرفهم في حياتهم وهم القطب الرباني الشيخ عبدالقادر الجيلاني والشيخ معروف الكرخي والشيخ عقيل المنبجي وحيوة بن قيس) ثم استشهد على ذلك بهذه الأبيات لمحمد بن علي خرد باعلوي723 صاحب الغُرر:
تصرّف شيخ في الوجود معظّم ٌ على السادة الأشياخ أهل المعارف
على السيد الشيخ الفتى عبد قادر ومعروفٍ الكرخي منجٍ لتالف
وقيسٌ عقيل المنبجي وشيخنا لتصريفه لا يصرفون الصارف
وتصريفهم في كل شيء محقق سوى في جمال الدين عين لواقف 724
وتأكيداً لذلك تجدهم في الحضرات وبعض الموالد ينشدون إلى اليوم:
ربي اسألك باسرار الفقيه المقدم والذي قد حوى التصريف من قبل آدم(1/205)
ويقول صاحب شرح العينية: (وكان سيدنا الفقيه من الممكنين في التصريف بعد موتهم، قال المشايخ العارفون: ما صلينا على جنازة إلا والفقيه محمد بن علي بعد موته يصلي معنا عليها)725،فانظر الشمول الزماني لهذا التصريف من الأزل إلى الأبد! بل زاد في الأنموذج اللطيف أن قال بعد ما ذكر صلاته على الأموات بعد موته: (فلا شك أنه ممن صلى على نفسه بنفسه)726
وفي مناقب عبدالرحمن السقاف يقول محمد بن علي خرد: (ومنها ما روي عن السيد عبدالرحمن بن علوي بن محمد بن الشيخ المذكور، قال كنت في عدن، وقد أصابني في عيني وجع، ولقيت الفقيه العالم القاضي محمد بن سعيد كبن، وأريته إياها وكان عارفاً بعلم الطب، وقيل،إنه كان يعرف اثني عشر علماً سوى العلوم المتداولة بين الناس معرفتها، ما يسأله أحد عن شيء منها، وقلت له يافقيه: أعطني لها دواء، فلما نظرها قال: (هذا مرض تسميه الأطباء الماء الأخضر وليس عندنا دواء حتى يكمل عماؤها، وإن أردت لها دواءاً قبل ذلك دللناك عليه فقلت: ما هو؟ فقال: اقصد جدك الشيخ عبدالرحمن، وقل له: يسلم عليك محمد بن سعيد كبن، وقل له: في عيني وجع أريدك تزيله بإذن الله فإنه يزول، فقلت له: تحولني على ميت؟ فنهض من مقعده وارتعش، ثم قال: والله،ثم والله ثم والله، إني أعتقد في الشيخ المذكور أنه يتصرف في مماته، كتصرفه في حياته،وأنه انتقل إلى الآخرة ولم تنتقل دولته، وفي رواية عن الفقيه الولي الصالح الشيخ سهل بن عبدالله باقشير،ما أخبرني عنه السيد شيخ بن عبدالله بن الشيخ عبدالرحمن، قال: لما رأى الفقيه عين عبدالرحمن رآها عمياء لكتيبة حصلت فيها هذا من أمر القدرة ما يزيل أمر القدرة إلا أهل القدرة، وجدك من أهل القدرة فأحاله عليه،فقال عبدالرحمن: ثم بعد مدة رأيت الشيخ في المنام على سرير فقلت له: إن الفقيه ابن كبن قال لي إنك تتصرف بعد وفاتك كتصرفك في حياتك، فأخذ بإذني وقال لي: (أنا ابن محمد بن علي، ما تصدق إلا إن قال: لك(1/206)
ابن كبن؟ أنا كذلك وأزْيَد وأزْيَد، ( ونفع به)727، فهذا لا يقتصر على التصرف في الكون في حياته وبعد مماته بل هو كذلك وأزيد وأزيد) ولا أدري ما هو الأزيد من ذلك؟!.
وهناك مثال عملي للتصرف في الكون مع تأويل له من أحد كبار أقطاب صوفية اليمن: (من عجائب الآيات وغرائب الكرامات ما وقع بين الشيخين العارفين السيفين القاطعين أعني أبا عيسى واسمه سعيد وأحمد ابن أبي الجعد المذكورَين، وذلك أنه ورد الشيخ أحمد المذكور في جمع من أصحابه على الشيخ سعيد في وقت جاءوا إلى زيارة القبور الشريفة في حضرموت، فوافقه الشيخ سعيد وأصحابه على الزيارة ومشوا، فلما بلغوا بعض الطريق بدا للشيخ سعيد أن يرجع في هذا الوقت ويزور في وقت آخر، فرجع هو وأصحابه إلى موضعهم واستمر الشيخ أحمد على عزمه حتى انتهى إلى مقصده فزار ورجع، والشيخ سعيد مكث أياماً ثم خرج هو وأصحابه إلى الزيارة المذكورة فالتقى الشيخان وأصحابهما في الطريق فقال الشيخ أحمد للشيخ سعيد: توجه عليك حق الفقراء في رجوعك فقال: لا ما توجه علي حق، فقال له الشيخ أحمد:بلى قد توجه عليك الحق فقم وأنصف، فقام الشيخ سعيد وقال: من أقامنا أقعدناه، فقال الشيخ أحمد: ومَنْ أقعدنا ابتليناه، وأصاب كل واحد منهما ما قاله صاحبه، فصار الشيخ أحمد مقعداً إلى أن لقي الله تعالى، وصار الشيخ سعيد مبتلى في جسمه ببلاء قطع جسمه حتى لقي الله تعالى رضي الله تعالى عنهما.
وهذه لعمري أحوال تَكِلُ في جَبِّ بعضها السيوف القاطعة، وإنما يقطع الحالان معاً إذا كان صاحباهما متكافيين أو قريباً من التكافي، فإن لم يكونا كذلك قطع القوي منهما الضعيف، وقد يقطع السابق دون المسبوق فيما يظهر والله أعلم.) 728.
ومنهم من يدَّعي ذلك لنفسه كما قال الشيخ أبو بكر بن سالم صاحب عينات:
(أنا أعزل أنا اللي ولي أنا شيخها قاضيها)729.(1/207)
وقال أحمد بن حسن العطاس قال: (فزعت مرة من أحد الناس فلما جئت إلى الحبيب أبي بكر بن عبدالله قال لي: لا تخف من حي ولا من ميت عاد المفاتيح إلا كلها بيدي)،وقال أيضاً: (قال الحبيب أبوبكر بن عبدالله انسدحت مرة في بندر الشحر في مسجد الحبيب أحمد بن أبي بكر بن سالم بعد صلاة الصبح فأتوا بشيء كالبيضة وفيه شيء ونكتوه عند رأسي فإذا هو مختلف الألوان الأبيض والأسود والممتزج فقلت: لعله عالم الذر قال: نعم، فقلت لعله لما ولوكم عليه؟ قال: نعم)730، وهذا واضح أن الرجل يدّعي أنه بيده مفاتيح الكون ولا أحد يقدر على عمل شيء بغير إذنه هذا في الحكاية الأولى، وأما الحكاية الثانية ففيها أنه ولي على عالم الذر أي الخلق الذين لم يخرجوا إلى الحياة بعد.
وقضية القطبية واعتقادها عند أهل اليمن مبثوثة في كتبهم فلا يكاد أحد من كبارهم لا يوصف بها،حتى لقد قال عبدالرحمن بن محمد السقاف باعلوي 731: (في تربة تريم ثمانون قطباً كلهم أشراف () 732 فهؤلاء فقط في تربة تريم، فكم في باقي ترب اليمن، والسقاف توفي عام (819 هـ) فكم جاء بعده من الأقطاب، وهذا كله في اليمن إلى ذلك التاريخ فكيف ببقية بلاد الله منذ أن خلق الله آدم إلى يومنا، لاشك أن عدد الأقطاب لا يمكن أن يأتي عليه الحصر رغم أنهم يقولون إن القطب واحد فقط ولا يولي غيره حتى يموت.
وعلى كل حال فإننا سنلمس الأثر الكبير لعقيدة القطبية بالمفهوم الصوفي فيما يأتي من المطالب حيث تتوالد العقائد الضالة بعضها من بعض.(1/208)
وكما شارك صوفية اليمن بقية الصوفية في عقيدة القطبية شاركوهم كذلك في اعتقادهم بدولة الأولياء وديوان شورا هم، يقول أحمد بن حسن العطاس: (وعقد أي الديوان مرة في قبة الحبيب عمر بن عبدالرحمن العطاس ورأيت الحبيب أبا بكر ارتفع من قبره وفرشوا له فوق القبر حقه، وكان رئيس المجلس الحبيب أبوبكر، ورأيت بالجانب البحري من القبة، رجلاً فسألته: من هو؟ فقال: نقيب الأولياء بالقدس، والذي ظهر لي أن النوبة بقيت مع الحبيب أبي بكر مدة بعد موته، قال سيدي: والرجال الذين هم رجال ما يطلبون مقام القطبية، ولا غيرها ويفرون منها، ومثالها مثال مَنْ قال لك: (هذه البلدة ونفقة أهلها، وخرج معاشهم ودوابهم، وأعطاك ما يحتاجون إليه ماذا ترى لنفسك؟).
وقال أيضاً: (وفي ليلة وفاة الحبيب أبي بكر عبدالله العطاس، اجتمع الأولياء أهل الظاهر والباطن، وجلست أنا بالقرب منهم، وكان ذلك في جامع حريضة، فكان رئيس المجلس الشيخ عبدالقادر الجيلاني فدعاني الشيخ عبدالقادر فقلت له: أنا ما فيَّ طاقة لشيء إن معكم شيء لي اطرحوه في القرآن، فطلع أحد من الأولياء لم أعرفه إلا من بعد، ولما انقضت نوبته اجتمعوا بأعلى شبام، بالقرب من العقّاد، وجعل الأمر بين اثنين، واحد على المعالي وواحد على المسافل)733.
المطلب الرابع: فروع عقيدة التصرف في الكون:
الفرع الأول: درجة الكونية:
والمراد بها أن الولي قادر على أن يقول للشيء كن فيكون، وهذا مما اختَصَّ الله به، ولم يقم دليل على أن الله تعالى منحه أحداً من خلقه، ولم يدّعه أحد من رسل الله فضلاً عن غيرهم من البشر، ولكن الصوفية حينما ادّعوا لأنفسهم خلافة الله في تصريف الكون ساغ لهم ذلك الادعاء الكاذب المبني على الادعاء الكاذب الأول.(1/209)
ومن أدلة ادعائهم ذلك لأنفسهم وإقرارهم من ادعاه ما ورد في ترجمة علوي بن الفقيه المقدم من المشرع قال:(وحُكي أن الشيخ عبدالله باعباد سأل صاحب الترجمة عما ظهر له من المكاشفات بعد موت والده فقال:(ظهر لي ثلاث أحيي وأميت بإذن الله، وأقول للشيء كن فيكون، وأعرف ما سيكون فقال الشيخ عبدالله: نرجو فيك أكثر من هذا) 734.
وأعجب من ذلك ما ذكره صاحب الجوهر في ترجمة الشيخ إبراهيم بن يحيى بن أحمد بن محمد بافضل: (وقال في بعض مصنفاته وردت إليَّ رقعة من الفقيه ابن العربي ( فإذا فيها ورد علينا فقير وقال لنا: الفقير يحيي ويميت بإذن الله تعالى، والفقير يقول للشيء كن فيكون بإذن الله تعالى والفقير لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. فأشكل علينا مافيها735 فقال الشيخ إبراهيم بن يحيى ( شعراً:
إذا لم أفتكم بصريح علم فلا من بعدها تستفتيوني
بما في محكم القرآن أفتي وإلا بعد هذا كذبوني
ثم أجاب عن الكل بجواب فايق عجيب وأتى على كل مسألة بدليل من القرآن) 736. وحسبك بهذا إقرار لهذه العقائد الخبيثة وأخذ بها.
الفرع الثاني: الإحياء والإماتة:(1/210)
مما تضمنه توحيد الربوبية من الصفات التي لاشريك له سبحانه فيها الإحياء والإماتة، وقد جمع الله سبحانه بين هاتين الصفتين في آيات كثيرة جداً، أقتصر على ثلاث منها، ففي آل عمران يقول تعالى:( والله يحي ويميت والله بما تعملون بصير (737، وفي التوبة يقول تعالى: ( إن الله له ملك السموات والأرض يحيي ويميت ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير ( 738، وفي يونس يقول الله تعالى: (هو يحيي ويميت وإليه ترجعون ( 739، ولما كانت هاتان الصفتان من أكبر البراهين على ربوبية الله تعالى احتج بهما إبراهيم على خصمه فقال وهو يحاج ذلك الطاغية: ( ربي الذي يحيي ويميت ( فعاند الطاغية وكابر فقال: ( أنا أحيي وأميت ( قال المفسرون: فلما رأى إبراهيم سفهه وسخافة دعواه عدل إلى دليل آخر أكثر ظهوراً ولا يستطيع أن يغالط فيه سفهاء الأحلام ممن حوله فقال:( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ( 740،وقد عد المفسرون هذا الطاغية مدّعياً للربوبية بذلك وجعلوه مثل فرعون الذي صرح بذلك حين قال: ( أنا ربكم الأعلى (741 وقال:( ما علمت لكم من إله غيري (742.
وهذا كله يدل بجلاء على أن من ادعى هاتين الصفتين فقد ادعى الربوبية، ومع ذلك فإن الصوفية القبورية يدعون ذلك لبعض أوليائهم،أو يدعيها بعضهم فيقرونه عليها، وإذا أردنا أن نعتذر لهم نقول: إنهم لم يدّعوا ذات الربوبية ولكنهم ادعوا الخلافة العظمى عن الحق سبحانه، ومن جملة وظيفة الخليفة التي فوضها إليه الرب سبحانه هذه الصفة وغيرها من الصفات التي يزعمونها لأوليائهم، وأما ادعاؤهم ذلك فثابت لاشك فيه، ومن الأدلة على ذلك ما مر من ادعاء علوي بن الفقيه المقدم لذلك فيما حكاه الشلي كما في الفرع الأول.
الفرع الثالث: علم الغيب:(1/211)
من مسلَّمات العقيدة الإسلامية اختصاص الله تعالى بعلم الغيب وأنه لا يشاركه فيه أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ( إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ( 743، وأنه سبحانه عنده وحده مفاتيح الغيب كما قال تعالى: ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ( 744، وقد بينها سبحانه وحصر علمها عنده، وفي الحديث أن النبي ( قال: ((مفاتيح الغيب خمسٌ لا يعلمها إلا الله؛ لا يعلم ما في غدٍ إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطرأحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله)).745
بهذه النصوص وغيرها قطع علماء المسلمين أن علم الغيب مما اختص الله به، وأن من ادعاه فقد كذب746 وأنه طاغوت 747.
ومع ذلك فقد ادعاه الصوفية القبورية لبعض أوليائهم أو ادعاه بعضهم وأقروه عليه وعدّوه من كراماته ومناقبه.
ومن الأدلة على ذلك ما مر في الفرعين الأول والثاني مما ادعاه علي بن الفقيه المقدم وذكر في مناقبه أنه: (يحيي ويميت ويقول للشيء كن فيكون ويعلم ما سيكون).
ومن ذلك ما جاء في ترجمة أبي بكر بن عبدالرحمن السقاف أنه يقول:(أعرف من الفرش إلى العرش)748، وفي ترجمة أخيه حسن بن عبدالرحمن السقاف: (كان يقول: أنا أعرف السعيد والشقي وأعرف الصالحين بالشيم) 749، وفي ترجمة أخيهما الثالث شيخ: (وقال والده عبدالرحمن السقاف:ولدي شيخ كعشرة شيوخ، وما سميته شيخاً إلا أني رأيته في اللوح المحفوظ شيخاً) 750.
وسأقتصر على هذه النماذج مع أن هناك دعاوى كثيرة من هذا القبيل.
الفرع الرابع: إعطاء الولد:
هذه الخصلة (إعطاء الولد) هي كذلك من خصائص الله تعالى كما قال (: ( لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير ( 751.(1/212)
ولو قيل: إن صالحاً من الصالحين الأحياء دعا ربه لأحد من الناس بالولد فرزق بتلك الدعوة ولداً ماكان عليه من نكير، ولكن أن ينسب إلى الولي ذاته إعطاء الولد حياً كان أو ميتاً فذلك الذي فيه ادعاء ما هو من خصائص الربوبية، والقبورية يدعون ذلك لأنفسهم أو لأوليائهم أحياءً وأمواتاً، والدليل عليه ما جاء في تذكير الناس قال جامعه: (وأهدى بعض السادة شيئاً لسيدي ( فدعا له بأن يرزقه الله ولداً وقال له: حولناك على الحبيب أحمد بن علي الهدار، وهذا الحبيب كان من أهل الأحوال العظيمة، وكان إذا جاءه أحد وسأله الدعاء بالذرية يقول له:بايأتيك ولد، أو اثنان أو أكثر فاعترض عليه أحد بقلبه فكاشفه الحبيب أحمد وقال له:يا فلان إن الذين قسمتهم من بحر الشيخ أبي بكر بن سالم سبعة آلاف ولد، وأنت يأتيك نصف ولد، فأتاه نصف ولد على رِجل واحدة ويد واحدة وناصفة وجه، نسأل الله العافية.) 752
ويظهر من هذه الحكاية بشكل جلي أن الرجل لم يدعُ الله،وإنما يقول على جهة الوعد (بايأتيك ولد) وهذا باللهجة الحضرمية معناه سوف يأتيك ولد، فليس فيه أي معنى من معاني الدعاء، ويؤكد ذلك إنكار العامي وغضب الحبيب من ذلك الإنكار، ثم تصريحه بأنه قسّم، وقسّم من أين؟ قسَّم من بحر الشيخ أبي بكر بن سالم، فأبوبكر بن سالم عنده القدرة والإمكانية الواسعة جداً المشبهة بالبحر، وهذا ولده أخذ يقسَّم من ملك جده، أليس هذا صريح في أنهم يدَّعون القدرة الكاملة على ذلك وأنه من جملة ما يملكونه.(1/213)
وبناءً على ترسخ هذه العقيدة لديهم نجدهم يطلبون ذلك فعلاً من أوليائهم، قال صاحب تذكير الناس:(قال سيدي: وزرنا مرة تربة الفريط بتريم نحن والأخ حامد بن أحمد المحضار، ولما كنا عند الشيخ القرشي صاحب الذرية أخذ الأخ حامد حصاة كبيرة ووضعها عند قبر الشيخ وقال: -والحاضرون يسمعون - شف نحنا نبغي ولداً لفاطمة عبوده بنت عبدالله بن عمر القعيطي، وكانت مسنة في ذلك الوقت ومستبعدٌ أن تحمل فقدّر الله أنها حملت بولد وعاش) 753.
وصاحب هذه الحكاية من كبار أقطاب القوم وعلمائهم ومع ذلك يروي هذه الحكاية مقراً لها، و"حامد المحضار " من كبارهم أيضاً وقد رفع صوته يطلب ذلك أمام العامة وأقره من حضر من الأكابر، إذاً هي قضية مسلّمة يربّون عليها أتباعهم.
ويقول آخر من كبارهم وُصف بأنه:" العالم الجليل نسخة السلف وقدوة الخلف " في رحلته الموسومة بـ " النفحة الشذية إلى الديار الحضرمية وتلبية الصوت من الحجاز وحضرموت " في نفس الموضوع: (ولما وقفنا على قبر الشيخ عمر بن علي القرشي ويروى أن من طرح عند قبره حجرة يرزق ولداً،وقيل: لنا أن الحبيب علي بن محمد الحبشي زاره وبصحبته الحبيب عمر بن عيدروس العيدروس فأخذ الحبيب عمر ملا ثوبه حصى ليطرحه عند القبر، فقال له الحبيب علي: كثّرت جم، فقال: أريد نسمات تذكر الله أو قال تعبد الله، فأخذت أنا حصاتين وطرحتهما عند القبر على هذه النية) 754، فإذا كان هذا فعل علمائهم فماذا يا ترى يصنع عوامهم وجهالهم؟.
الفرع الخامس: إنزال المرض ورفعه:(1/214)
القول في هذا الفرع كالقول في بقية الفروع فالمرض لا يصيب به إلا رب العالمين، قال تعالى حاكياً عن إبراهيم أنه قال لقومه وهو يدعوهم ويبين لهم حقيقة دعوته وعقيدته:( وإذا مرضت فهو يشفين (755، وقال الرسول (: ((لا عدوى ولا طيرة)) 756،وقد صرح العلماء بأنه ليس المقصود نفي العدوى من أصلها بدليل قوله (: ((لا يورد ممرض على مصح)) 757، لأنه واضح أن في ذلك اعتبار العدوى ولكنه نفى على المعنى الذي كانت الجاهلية تفهمه وهو أن الأمراض تعدي بذاتها فتنسب إلى الأمراض، فحسم ( هذا المعنى الباطل بهذا اللفظ العام ليكون أبلغ وأشمل 758، فكيف يأتي بعد ذلك من يقول أنه يضع المرض على من شاء وأنه يرفعه عمن يشاء، إن ذلك لاشك ادَّعاء لخاصة من خصوصيات الربوبية وتعليق للخلق بغير الحق وهذا أيضاً مضاد ومناقض لما تدعيه الصوفية من تجريد قلوب الناس من سوى الله تعالى.
وإليك الدليل على زعمهم وضع الأمراض على أناس ورفعها عن آخرين، فقد ذكر الشرجي في ترجمة إسماعيل الجبرتي قال: (ومن ذلك ما يروى عن رجل من أهل مكة يقال له الفقيه عبدالرحيم الأميوطي أنه قال: (كنت لا أعتقد الشيخ إسماعيل، وكنت أحط منه، فبينما أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان، وإذا بي أرى الشيخ قد دخل عليّ في جماعة، فسمعته وهو يقول لآخر: هات الوجع الفلاني فجاء به فوضعه عليَّ ثم قال: هات الوجع الفلاني فجاء به فوضعه علي، ثم مازال يقول هات الوجع الفلاني ويضعه عليّ، حتى وضع عليّ قدْرَ عشرين وجعاً حتى كدت أموت، وخرج، قال: (فبقيت تلك الأوجاع عليّ باقي ليلتي ويومي ذلك إلى العصر، فأرسلت إليه واستعطفت خاطره، فجاء إليَّ فرفع ذلك كله عني، وقمت كأن لم يكن بي شيء فتبت إلى الله تعالى، وحسّنت عقيدتي في الشيخ نفع الله به).759(1/215)
إذاً فالذي لا يعتقد فيهم ذلك فهو مهدد بالمرض من قبلهم، فهذا عمر المحضار يروي عنه صاحب المشرع (... وكان إذا غضب على أحد أصابه الجذام وغيره من الأسقام بعد ثلاثة أيام، فقيل له: أما تخشى أن ينالك بهذا شيء فقال: إني لم أدعُ على أحد،ولكني إذا غضبت على أحد وقع في باطني نارٌ لا تنطفئُ إلا بعد ما يصيبه ذلك المرض أو يتوب).760
الفرع السادس: إنزال المطر:
الآيات في تفرد الله تعالى بإنزال المطر كثيرة جداً، منها قوله تعالى: ( أفرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ( 761، فلو كان أحد من الخلق قادراً على ذلك فهل سيكون هذا التحدي صحيحاً؟ والجواب: لا قطعاً فعلم أنه لا ينزل المطر إلا الله، بل حتى علم الوقت الذي ينزل فيه المطر ومكان نزوله قبل نزوله لا يعلمه إلا الله: ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (762، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يجوز أن ننسب إنزال المطر إلى عبد من عباد الله، بل إن رسول الله ( قد حسم الأمر بشكل أوضح، وأبعد المؤمنين عن توهم ذلك أو التلفظ بلفظ يؤدي إلى ذلك الفهم الخاطئ، ففي صحيح البخاري من حديث زيد بن خالد الجهني ( قال: ((صلى لنا رسول الله ( صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف، أقبل على الناس فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: (أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما من قال مُطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب،وأما من قال بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب)).763(1/216)
ومن الأدلة على أن القوم يعتقدون في أوليائهم إنزال المطر ما جاء في ترجمة أحمد بن عمر الزيلعي من طبقات الخواص حيث قال: (وكان للفقيه أيضاً ولد يقال له علي،كان من الصالحين، وكان لا يُلازم في المطر إلا ويحصل سريعاً حتى عرف بذلك، وكان يقال له صاحب الماء) 764، وقد كان ذكر في ترجمة الجد حكايات تدل على أنه ينزل الغيث منها: (أنه وصل من اللحية إلى قرية المحمول وقد أجدبوا مدة طويلة، فعند أن وصل إليهم جاءت إليه بهيمة وجعلت تخور بين يديه، فدخل المسجد ودعا الله تعالى ثم قال: (يا ميكائيل كل، فاجتمع السحاب للفور من كل ناحية ومطروا مطراً عظيماً بإذن الله تعالى) 765.
ومنها قول صاحب الطبقات:(وكان أهل الوادي خُلَب بضم الخاء المعجمة وفتح اللام وآخره باء موحدة يصحبونه ويعتقدونه، فجاء إليهم مرة وهم مجدبون فجعلوا يلازمونه في السيل فقال لفقيرٍ له: (اذهب إلى رأس الوادي وقل له: يقول لك الفقيه سل الآن، ففعل الفقير ذلك، فسال الوادي من ساعته وسقوا سقياً هنيئاً بفضل الله تعالى) 766، فلاحِظْ أمره لميكائيل في الحكاية الأولى وأمره للوادي في الحكاية الثانية، هل يدل على أن الأمر مجرد دعاء؟ كلا لا يدل إلا على أنه هو المالك لذلك والمتصرف فيه.
وفي تذكير الناس: (قال سيدي: ووقع بحريضة في بعض السنين قحط شديد، فسار الحبيب علي بن جعفر العطاس إلى النقعة، وهي قرية بقرب حريضة وقال لأهل البلد: سنجيئكم بسيل من عند الشيخ جنيد باوزير إن شاء الله، فلما وصل إليها زار قبر الشيخ جنيد والشيخ علي بن سالم ورجع فسال وادي حريضة تلك الليلة). 767(1/217)
وأوضح من هذا ما ذكره، أيضاً في تذكير الناس قال: (قال سيدي وبلغنا أن الشيخ عبدالله بن أحمد بلعفيف كان من أولياء الله المستجابة دعوتهم، ويقال له بياع السيول، وصل إلى تريم في بعض زياراته، فاجتمع ببعض السادة آل العيدروس فقال له أنت: بلعفيف بياع السيول، فقال له الشيخ:نعم حاجة خدمة، فقال له الحبيب: نعم مرادنا سيل، فقال الشيخ لا بأس، بكم تشتري؟ فقال له الحبيب بالذي تريده، فقال الشيخ: نبيع لك سيل بكبش سمين، وخمس قهاول768 برُ، فقال الحبيب:لا بأس تم الكلام، فقال الشيخ تبغي السيل لأي أرض؟ قال الحبيب: للشرج الفلاني حقي، فقال الشيخ: هات الكبش والبر وأخرج رُعّاضك لشرجك، فأتى الحبيب بالبر والكبش وخرج الرُّعَّاض769 وشرب الشرج بإذن الله وبركة أولياء الله) 770.
قلت:وحكى لي جدي - رحمه الله - أن في قرية مجاورة لنا رجلاً يقال له " فلان باسليمان " وكان حراثاً عارفاً بقوانين الحراثة ومتى يكون السيل أفضل للأرض، فكان ربما جاء السيل في غير الوقت الذي يراه مناسباً فلا يسقي أرضه فعوتب في ذلك لأنه ربما إذا لم يسق لم يأت سيل آخر، فيقول:(ما بيني وبين السيل إلا صاع طحين) يعني أنه يتزود صاعاً من الطحين ويزور الشيخ سعيد بن عيسى فيأتي السيل، فهل يشك أحد في اعتقاد هذا العامي وأمثاله أن الشيخ سعيد بن عيسى يملك إعطاء السيل؟!.
الفرع السابع: إجابة الداعي وإغاثة المستغيث:(1/218)
إن هذا الفرع في الحقيقة هو النتيجة الحتمية لتلك العقائد بل الثمرة المرة الخبيثة لها، فإن المريد الصوفي أو العامي من عوام المسلمين حينما يتكرر على سمعه أن فلاناً من الأولياء هو القطب الغوث الذي أعطي الخلافة العظمى في هذا الكون والتولية والعزل فيه، واعتباره الواسطة بين الله وبين عباده فلا يصل خير إلى العباد إلا بواسطته، وأنه قد فوِّض إليه تصريف الكون، وأن تصريفه نافذ على كل شيء من العرش إلى الفرش وحتى البِسْ لا يأكل الفأر في جميع أقطار الأرض إلا بإذنه، وأنه يعطي ويمنع ويشفي ويمرض بل يميت ويحيي ويُنزل الغيث ويهب الولد، إلى آخر ما ينسب إليهم من القدرات، ماذا سيتصور ذلك المسكين، هذا الولي؟ لاشك أنه سيتصور أنه هو السميع المجيب وأنه على كل شيء قدير، وبموجب هذا التصور سيهرع إليه كلما نزلت به نازلة أو أصابته حاجة، فإنه لا رجاء في حصول أي مطلوب أو دفع أي مرهوب إلا بالالتجاء إليه، وهذا هو الذي يحصل في كثير من الأحيان والأحوال ولدى أكثر الناس من القرون التي سيطر فيها فكر القبورية على الناس.
وهم لم يكتفوا بما مضى من دفع الناس إلى ذلك الاعتقاد والتصور الخاطئ، بل صرح الكثير من أوليائهم بأنهم يسمعون من ناداهم ويجيبونه ويغيثون من استغاث بهم وينقذونه مما هو فيه، ويروون مئات القصص التي تحكي كيف نزل الضر بفلان فاستغاث بالقطب فأغاثه، بصور وأساليب متنوعة كلها تتآزر على شيء واحد هو تعميق الاعتقاد في ذلك الشخص بأنه يفعل ويفعل، وأن على الجميع الالتفات إليه والاعتماد عليه وإنزال حوائجهم به.(1/219)
وهذا هو الشرك بالله تعالى، ولكنني لن أخوض في الرد عليه في هذا الموضع، وإنما سوف أنقل بعض النماذج عنهم في ذلك لإثبات أنهم يعتقدون في أهل الولاية منهم أحياءً وأمواتاً أنهم يجيبون الداعي ويغيثون المستغيث، وليس الأمر كما يقوله من يروج تلك العقائد ويدافع عن الموروث الذي كان عليه الآباء والأجداد من أن ذلك مجرد توسل بهم إلى الله وإن كان بلفظ الدعاء والاستغاثة.
وإليك النصوص الصريحة والوقائع الواضحة الشاهدة على ما نقول:
أول ما نورد في ذلك تقرير عميد القوم وحجتهم وإمامهم في العلم والتصوف من يسمونه (قطب الدعوة والإرشاد عبدالله بن علوي الحداد) وهذا التقرير في قصيدة من أشهر قصائده لدى القوم وهي العينية حيث يقول فيها في صفة الولي:
من كل طود في العلوم وفي الحجا متبحر متفنن متوسع
داع إلى الله العظيم بفعله ومقاله والحال غير مضيع
ذي عفة وفتوة وأمانة وصيانة للسر أحسن من يعي
وزهادة وعبادة وشهادة منه الغيوب بمنظر وبمسمع
جمع الرياضة والكشوف ولم يزل يرقى إلى أن يستجيب إذا دعي 771
إذاً فهي حقيقة مسلّمة عند القوم أن الولي ما يزال يترقى حتى يصير ممن يستجيب إذا دعي 772، فعند القوم أن الولي " يُدعى" وليس فقط يتوسّل به و" يجيب إذا دُعي " وليس الله ( يجيب من دعاه متوسلاً به.
وبناءً على تلك الحقيقة المعروفة لديهم منذ عرف التصوف المنحرف في اليمن والتي عبر عنها الحداد في عينيته، تجد الدعوى متواصلة لأوليائهم بإغاثة من استغاث بهم.(1/220)
ومن ذلك ما ذكره شارح العينية المذكورة في ترجمة علوي بن الفقيه المقدم حيث قال: (وكان ( سريع الغوث لمن استغاث به، قال السيد الجليل العلامة المحدث الإمام محمد بن علي علوي خرد باعلوي في كتابه " الغُرر " أخبرني الشيخ عبدالرحمن بن علي أن العارفين قالوا: (ثلاثة من آل باعلوي لا تزال خيل حميتهم وإجابتهم مسرجة ملجمة من دعا بهم أُجيب وهم علوي المذكور وابنه علي والشيخ عمر المحضار، وقال صاحب كتاب الغرر المذكور في ذلك شعراً:
إذا خفت أمراً أو توقّعت شدة فنوِّه بهم كي يدركوك ويحضروا
فنوِّه بعلوي الفتى وابنه علي كذا عمر فيما يجل ويعسر
فغارتهم تنجيك من كل شدة وعُسرٍ وضيقٍ أو بصدرك يكبر 773
ولا يقتصر الأمر على أناس ينسبون إلى الولي أنه يغيث من يستغيث به، ولكن الولي يدّعي ذلك لنفسه ويفخر به، فهذا عمر المحضار يقول في قصيدة مازالوا إلى اليوم ينشدونها في حضرة السقاف.
إني سريعُ الغوث في كل الشدائد فاهتف
باسمي تجدني أسرِعُ
قل يا شهاب الدين إن يعروك خطب يا فطن
فأنا لخطبك أدفعُ
وقال شارح العينية في ترجمة عبدالرحمن السقاف: (وكان يرد على من غلط في مسجده وهو بالعجز 774 ويسمعه الغالط، وكان يقلب التراب دراهم بإذن الله تعالى، وكان يظهر لمن استغاث به جهاراً في الأماكن البعيدة بحراً وبراً) 775.
وفي كتاب " تاج الأعراس " في مناقب الحبيب القطب صالح بن عبدالله العطاس، قال المؤلف: (ومما أكرم الله به صاحب المناقب، وخصه به من سنيات المراتب، وكان ينفرد به دون أقرانه من أهل المظاهر والمناصب، أنه يحضر عند من ناداه وتوسل به إلى الله بصدق نية وصفاء طوية) 776.
وتقول الشيخة سلطانة الزبيدية كما في ترجمة السقاف من المشرع: (ما رأيت أحداً أسرع إجابة عند الاستغاثة من السيد محمد بن السقاف، وكانت تقول:إذا حدث أمر واستغثت بالأولياء فأول من يغيثني هو) 777.(1/221)
وقال صاحب " تاج الأعراس " في ترجمة صالح بن عبدالله العطاس: (وممن أثنى على صاحب المناقب واعترف له بمقام الغوثية شيخ مشايخ تلك العصور، وعالمها وإمامها المشهور، شيخ الإسلام ببلد الله الحرام السيد أحمد بن زيني دحلان قال: (إنه حصل عليَّ حال بمكة وكربتُ لذلك كرباً شديداً فاستغثت بالحبيب صالح بن عبدالله العطاس صاحب عمد وهو إذ ذاك بحضرموت ودعوته بثلاثة أصوات، فإذا هو حاضر عندي في الحرم المكي، راكباً على جواد أخضر اللون ومعه أربعون جندياً كلهم مسلحون، فحين رأيته ذهب عني ذلك الكرب وانشرحت انشراحاً كاملاً ببركته) 778.
وقال كذلك في ترجمة هادون بن هود العطاس: (ومن كرامات الحبيب هادون أيضاً ما أخبرتني به والدتي الشريفة العفيفة شيخة بنت الجد علي بن حسين بن هود العطاس الآتي ذكرها في ترجمة والدي من الباب السادس عن والدتها الشريفة العفيفة زينة بنت الحبيب هادون المذكور قالت: لما كان والدي يجدد عمارة بعض المساكن بالمشهد وعنده جملة من العمال أصبحنا ذات يوم وليس عندنا في الدار ما يفطر به الصائم من أنواع الطعام، فلما رجع والدي من المسجد الإشراق كعادته أخبرناه بالحال فقال: لا بأس، ولكنكم أوقدوا ناراً في المطبخ كعادتكم ليستشعر العمال بأن غداهم يطبخ كالعادة،ثم خرج والدي إلى عند العمال وألقى بيتاً من الشعر الحميني ارتجالاً على الذين ينقلون المدر منهم وأمرهم أن يرتجزوا به، وكان قد استنجد فيه بجده الحبيب علي بن حسن العطاس صاحب المشهد وهو قوله:
مع هادون يا بو حسن والخير واصل وهز الرمح لا تعمد 779 القبة وغافل
قالت: فلم نلبث إلا يسيراً وإذا نحن بقافلة أي عير مرسلة لمقام المشهد من أهل حجر بن دغار وفيها الذرة والتمر والدهن وغير ذلك، وبمعية العير أناسٌ من تلك الجهة أيضاً قاصدين زيارة الحبيب علي بن حسن ومعهم ثلاثة أكباش سمان للمقام، فذبحنا وقدحنا وكان ذلك اليوم من أسعد أيام العمال عليهم انتهى.(1/222)
قلت780: وقول الحبيب هادون لجده علي (وهز الرمح) لما اشتهر من أن الحبيب علي كان يلقب بأبي حربة وسبب تلقيبه بذلك أنها تواترت الأخبار من المعادين للحبيب علي في حياته وأهل الجرأة على مقام المشهد بعد وفاته أنهم يرونه في مناماتهم يطعنهم بحربته فيخبرون قراباتهم بذلك موقنين بالموت ويموتون في الحال بإذن الله القائل: ((من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) لاسيما الذين يعتدون على غيرهم في شهر المشهد أي ربيع الأول؛ لأن الحبيب علي قد جعله عُرضه بضم العين أي أماناً مؤبداً في كل سنة بين المحاربين من قبائل تلك الجهة وأخذ عليهم العهد في ذلك ليأتي كل منهم وهو مطمئن البال إلى المشهد لحضور قصة مولد نبيهم محمد ( وسماع شمائله الشريفة وما يضاف إلى ذلك من المواعظ الدينية، فكان مما أكرم الله به الحبيب علي وعظم به شهر المولد النبوي أن من اعتدى فيه بالقتل ونقض العهد يعجل الله له العقوبة بإهلاك عدد من أولاده وقبيلته بمقدار الأيام الماضية من ذلك الشهر، فمن قتل فيه في اليوم الخامس مثلاً يهلك الله خمسة من رجاله في أسرع وقت، ومن قتل فيه في اليوم السابع يهلك الله منهم سبعة وهكذا حتى صار ذلك عند قبائل الجهة من المجربات التي لا خلاف فيها) 781.
وأعتذر للإطالة بنقل الحكاية كاملة وذلك لما فيها من دلالات كثيرة يجدها المتأمل وليعرف كيف يسخِّر القبوريون الناس لمصالحهم ويبنون على حطام عقائدهم مجدهم الموهوم.
وأسألُ صاحب التاج وكل من ينشر هذه الحكايات ويغرس بها تقديس هؤلاء الناس في نفوس عوام المسلمين أين كان الحبيب علي وحربته يوم هجم الجيش النجدي على المشهد فأخربه وهدّم قببه وكسّر توابيته؟.(1/223)
ومن ذلك أيضاً ما ذكره صاحب مقدمة ديوان العيدروس قال: (وأخبرني السيد الفقيه محمد الظمطاوي المكي وقد رويتها عن المريد الصادق نعمان بن محمد المهري أنه قال: (كنا في سفينة سائرين إلى الهند فحصل في السفينة خرق عظيم فأيقن أهل السفينة بالهلاك فضجُّوا بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى وهتفوا بالمشايخ، فقال نعمان: فهتفت بشيخي أبي بكر بن عبدالله العيدروس، فأخذتني ِسنة فرأيت شيخي وهو داخل السفينة وبيده منديل أبيض متيمماً نحو الخرق، فانتبهت فرحاً مسروراً وناديت بأعلى صوتي يا أهل السفينة أبشروا فقد جاء الفرج، فقالوا لي: ماذا رأيت، فقلت لهم: رأيت شيخي ( دخل السفينة الساعة وبيده منديل فسد به الخرق فافتقدوه فوجدوا الخرق مسدوداً بمنديل أبيض). 782
وفي نفس الكتاب في آخره قال: (وأخبرني الأمير مرجان بن عبدالله عبد السلطان عامر بن عبدالوهاب قال: كنا في محطة صنعاء الأولى فحصل علينا ما حصل، وأنا إذ ذاك في جماعة، فحمل علينا العدو ففر أصحابي ووقع في فرسي جملة أكوان783 فسقط بي، فزار بي العدو من كل جانب وأنا أهتف بالصالحين، ثم ذكرت الشيخ الأجل أبابكر بن عبدالله العيدروس فهتفتُ به فإذا هوقايم فو الله العظيم لقد رأيته نهاراً وعاينته جهاراً أخذ بنا صيتي وناصية فرسي وشلني من بينهم حتى أوصلني إلى المحطة السعيدة فعند ذلك مات الفرس ونجوت ببركات الشيخ نفع الله به وأعاد علينا من بركاته) 784.(1/224)
فهذه النماذج إن شاء الله كافية لإثبات أن القوم يعتقدون في أوليائهم أنهم يسمعون استغاثاتهم، وأنهم يغيثونهم عند ذلك، فحيناً يحضرون بأنفسهم،وحيناً يحصل المطلوب بدون حضورهم، وعليه فإن دعاءهم لأوليائهم ليس مجرد توسل إذ التوسل إنما هو دعاء لله تعالى مع ذكر المتوسَّل به وسؤال الله سبحانه أن يحقق المطلوب بجاه أو ببركة ذلك المتوسَّل به، ولذلك فإن الذين يعرفون حقيقة التوسل ويقتصرون عليها لا يجيزون دعاء المتوسل بهم ويصرحون بأنهم لا يدعون ولا يجيزون دعاء غير الله، وإنما يذكرونهم في ضمن دعائهم لله للتبرك بذكرهم وليكونوا سبباً في عطاء الله.
الفصل الثاني
موقف علماء اليمن من القبورية
وبيان جهودهم المشكورة في مواجهتها
وفيه تمهيد وأربعة مباحث
التمهيد: في حفظ الله لهذا الدين بواسطة العلماء رغم المكائد والمؤامرات:
لقد تكفل الله تعالى بحفظ هذا الدين وبقائه واستمراره إلى أن يرث الأرض ومن عليها، لا يقضي عليه عدو من الكافرين، ولايطمس معالمه مبتدع من المبتدعين، حتى تغيب السنة كلها، وتحل البدعة محلها، قال تعالى: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (785،وقد فصل رسول الله ( وسائل ذلك الحفظ، فوعد بوجود طائفة من العلماء العاملين والأخيار المجاهدين القائمين على حفظ هذا الدين في قوله (: ((لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لايضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)) 786.
ولايمنع وجود هذه الطائفة القائمة على الحق؛ من تسرب بعض البدع، واندثار بعض السنن، وانحراف بعض المفاهيم على مرور الأيام؛ لذلك فقد أخبر النبي ( بأنه بعد كل فترة، يقيض الله لهذه الأمة من يجدد لها دينها، فقال: ((إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)) 787.(1/225)
والحمد لله فقد صدق الله ورسوله، وحُفظ الدين، وجُددت معالمه، رغم هدم الهادمين وكيد الكائدين وبدع المبتدعين، ولقد حظي اليمن بما سبق له من عناية الله سبحانه ولطفه بالحظ الأوفر والنصيب الأكبر من ذلك، وصار مجددوه وأعلام علمائه ودعاته مجددين للأمة كلها، وليسوا مجددين لليمن وحده، فرزقهم الله القبول التام والثقة المطلقة عند سائر الطوائف وفي سائر البلاد الإسلامية، فكتبهم هي من أهم مقررات جامعات العالم الإسلامي المرموقة ومراكزه العلمية، وقد أقبل الباحثون على دراسة شخصيات المجددين اليمنيين ومناهجهم في العقيدة والدعوة والعلوم المختلفة من تفسير وحديث وعقائد وغير ذلك.
وبرغم ما سلف في الفصل الأول من أساليب مختلفة، سلكها القبورية؛ لمواجهة علماء أهل السنة، وما قاموا به من جهد جهيد وكيد شديد لمواجهة هؤلاء العلماء؛ إلا أن تلك الجهود والأساليب الماكرة الكثيرة،كلها لم تفلح في صد العلماء عن معارضتهم وكشف ضلالهم وبيان حالهم، وإن كانت مناطق اليمن تختلف في قوة وضعف تلك المواجهة، فعلماء البلاد الزيدية بحكم قوتهم وكثرتهم وعدم تمكن النفوذ الروحي في بلادهم، ولسعة أفق المذهب الزيدي والفقه الهادوي وحثه على الاجتهاد؛ كانت جهودهم أكبر ومواجهتهم وسلطان علمهم على القبورية أقهر، وقدشاركوا في مقاومة كل أنواع القبورية من إسماعيلية وأصحاب وحدة الوجود وعموم القبورية مقدسي القبور.(1/226)
وكان لعلماء زبيد موقف مشرف في صد أهل وحدة الوجود ومقاومتهم حتى اندثر مذهبهم أو كاد، وأما بقية المناطق كالجند وما حولها وعدن وحضرموت، فقد كانت مواقفهم أضعف وأقل، وذلك أنه وبعد دخول التصوف ورسوخه في هذه المناطق في القرن السابع وما بعده، احتوى المتصوفة الساحة العلمية، وهيمنوا عليها هيمنة شبه تامة، فالعلم حُصر في قبائل وأسر محددة هي الأسر العلوية التي أصبح كل علمائها من المتصوفة على تفاوت في غلوهم واعتدالهم فيه، إلا ما ندر، والنادر لاحكم له، ثم الأسر التي تُوالي هذه القبيلة موالاة تامة، وترى أنها تابعة لها " منطوية فيها " حسب تعبيرهم، وفي المقابل فقد أعطى العلويون لهذه الأسر إمتيازات كبيرة مقابل التزامهم بطريقهم، وعملهم على الترويج لأفكارهم وتلميع شخصياتهم؛ ولذلك فقد أصبح العالم الذي يستطيع أن يبصر بغير منظارهم، ويصل إلى ما عند غيرهم، أصبح في حرج عظيم حيث يرى الحق، ولايستطيع الإفصاح عنه والعمل به، فتجده يرضخ لما عليه القوم، وإن كان في قرارة نفسه منكراً له؛ إلا من أراد الله لهم الخير وهيأهم لإقامة الحجة وسلوك المحجة، وتحمل التبعة وهم، أقل من القليل، متناثرون عبر القرون الطويلة والبلاد الشاسعة، ولم يستطع أحد أن يظهر بذلك المظهر حسب علمي إلا في القرنين الثالث عشر والرابع عشر بعد انتشار الدعوة السلفية في اليمن بواسطة تلاميذ الإمامين ابن الأمير والشوكاني، وكذلك ظهور وانتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ووصولها إلى تلك المناطق، واتصال بعض علماء هذه البلاد بعلمائها في الحجاز ونجد، واطلاعهم على كتبهم ورسائلهم، فقد هزت تلك الدعوة الجزيرة العربية كلها، وحركت ذلك الركود الذي خيم عليها قروناً طويلة، ووصل أثرها إلى كل أرجائها، بل وكل أرجاء العالم الإسلامي،كما أسهمت حركة الإرشاد في إندونيسيا بجهود كبيرة في إيقاظ علماء وطلبة العلم في حضرموت وما جاورها، وأزالت كثيراً من الحجب التي كانت تغطي(1/227)
الحقيقة، وحطمت كثيراً من القيود التي كان الناس يرسفون فيها، وأسقطت تلك الهيبة التي صنعها القبوريون لأنفسهم وأوليائهم، وسيّروا بها الناس كما أرادوا.
هذا هو موجز موقف العلماء من القبورية، وإليك تفاصيله في المباحث الآتية.
المبحث الأول
موقف العلماء اليمنيين من القبورية الإسماعيلية
وجهودهم المشكورة في مواجهتها
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: موقف العلماء اليمنيين من الإسماعيلية:
لم يجمع علماء اليمن ومثقفوه وحكامه على ذم شيء من البدع الطارئة كإجماعهم على كفر ومروق الطائفة الإسماعيلية الباطنية؛ مما حملهم على التصريح بكفرها ونشر قبائحها، ومحاربتها بشتى الوسائل من القتال إلى الردود العلمية، ومما يوضح ذلك عبارات المؤرخين وثورات الفقهاء ومقاومة الأئمة والملوك لها حتى أزالوها، وقضوا على دولتها وكيانها، وإن كان مقتهم والتصريح بالتفكير في حق علي بن الفضل وصاحبه منصور اليمن أشهر وأظهر من مقت الصليحي، وماذاك إلا لأن الصليحي كان أدهى من سابقيه ومستفيداً من أخطائهما، فتجنب إظهار الكثير مما أظهر الأولان من العقائد والأفعال الممقوتة، وكان بالرعية أرأف وألطف، وبذلك كسب شيئاً من التعاطف لشخصيته لا لنحلته، وكذلك الملكة الحرة والمعروفة عند العامة بـ " الملكة أروى " كانت ذات شخصية عظيمة وحنكة سياسية كبيرة، ثم كونها امرأة ظهرت بتلك القوة وذلك الدهاء في ذلك العصر، كل ذلك خفف من حدة المقت نحو الصلحييين كشخصيات.
أما مبادؤهم وعقائدهم فكانت موضع اتفاق من سائر اليمنيين كلهم بمقتها وبذمها، حتى لقد نحتوا من اسم هذه الطائفة عبارة مختصرة فقالوا " السمعلة "، وجعلوها شعاراً للذم، والطعن فيمن تطلق عليه.(1/228)
وهذه بعض عبارات المؤرخين يصفون دخول هذه النحلة إلى اليمن على يد علي بن الفضل وصاحبه، ومن أوائل المؤرخين الذين أبدوا الموقف اليمني من هذه الطائفة العلامة ابن سمرة صاحب طبقات فقهاء اليمن، فقد قال: ("فصل" ثم لحق باليمن كله في آخر المائة الثالثة وأكثر المائة الرابعة فتنتان عظيمتان:
فتنة القرامطة: وقد عمت العراق والشام والحجاز، وإن اختلف تأثيرها في البلدان فَمَلَكَ المخلاف اليمني علي بن الفضل - لعنه الله - وأظهر فيه ما هو منسوب إليه ومشهور عنه على منبر جامع الجند بقوله:
خذي الدف ياهذه والعبي وغني هزاريكِ ثم اطربي
فذكر القصيدة، ثم قال: (والشعر طويل، وكله تحليل محرمات الشرع والاستهانة به، فقتل أهل اليمن قتلاً ذريعاً قبل هذا، وملك الحصون والأموال العظيمة) 788.
وبعد أن ساق الجندي تاريخ ابن الفضل ومنصور اليمن قال: (قال ابن جرير 2: وكان عنوان كتاب ابن الفضل إلى أسعد: من باسط الأرض وداحيها ومزلزل الجبال ومرسيها علي بن الفضل إلى عبده أسعد ابن أبي يعفر، وكفى بهذا الكلام دليلاً على كفره، فنسأل الله العصمة) 3.
وقال الخزرجي في العسجد المسبوك بعد أن ذكر طرفاً من أخبار منصور وعلى بن الفضل: (فلما صار علي بن الفضل في صنعاء أظهر مذهبه الخبيث ودينه المشؤوم، وارتكب محظورات الشرع، وادعى النبوة، وكان المؤذن يؤذن في مجلسه أشهد أن علي بن الفضل رسول الله، وأباح لأصحابه شرب الخمر ونكاح البنات وسائر المحرمات) 4، وقد نقل ابن الديبع كلام الخزرجي بنصه دون أن يعزوه إليه، وهو إقرارله 5.(1/229)
وقال الأكوع في تعليقه على قرة العيون: (القرامطة فرقة من الباطنية، واحدها قِرْمِطي بكسر القاف وسكون الراء وكسر الميم بعدها طاء مهملة وياء النسبة، والقرمطة تقارب الشيء بعضه من بعض، يقال "خط مقرمط " إذا كان متقارب الحروف و" ومشي مقرمط " أي متقارب الخطو، سمي به أبو سعيد الأشعب؛ لأنه كان قصيراً دميماً مجتمع الخلق أسمر كريهاً؛ فلذلك سمي قرمطياً. فنسبت إليه القرامطة لأتباعه، قال الإمام نشوان6: والقرمطة عند أهل اليمن عبارة عن الزندقة، وصاحبها عندهم قرمطي، وجمعه قرامط، وقرامطة.
قلت: وهي منظمة سرية خطيرة، تكونت من جماعة فارسية من المجوس، اندست بين المسلمين متظاهرين بالدين والورع، وهدفها تقويض دعائم الإسلام وإعادة السيادة الفارسية، ثم اتخذت التشيع لها شعاراً لما أعجزتها الحيل. وكان منشؤها بفارس ولها خلايا بكل مكان، ثم امتدت جذورها إلى العراق وكْرَ التشيع، وأصبح مركزاً هاماً لبث دعوتهم في ظل البكاء والعويل على ما نال أهل البيت من التشريد والتنكيل، وألفوا قلوباً حانية على هذا المبدأ الذي استهوى بريقه ضعفة النفوس والسذج من الناس، واعتنقه البعض عن طيب خاطر وسماحة نفس بدون مناقشات للغايات والأهداف، والبعض اعتنقه طمعاً في الوصول إلى المناصب والجاه والمال، واستفحل أمر هذه العصابة، وعمَّ خطرها، وتطاير شررها، وقُوضت ممالك، وكانت فتنة صماء، جرّت على الإسلام والمسلمين ويلات وحروب لا ينادي وليدها، ونال منها اليمن شرارة انطفأت بعد حين) 789.
ويقول نشوان بن سعيد، وهو من علماء ومؤرخي الزيدية: (وسار علي بن الفضل الخنفري إلى أرض يافع، فاشتدت وطأته باليمن، واستولى على أكثر مخاليفه، وأعلن بالكفر، وأحل جميع المحرمات، وخرب المساجد، وكان يدّعي أنه نبي)، ثم ذكر بعض تلك الأبيات، ثم قال: (وابن الفضل أول من سنَّ القرمطة في اليمن، والقرمطة عند أهل اليمن عبارة عن الزندقة، وصاحبها عندهم قرمطي، فجمعه قرامطة) 790.(1/230)
أما القاضي حسين بن أحمد العرشي، وهو كذلك من علماء ومؤرخي الزيدية، فقد أطال في بيان حالهم وكشف عوارهم والتحذير منهم، فقال: (اعلم أن الباطنية - أخزاهم الله تعالى- أضر على الإسلام من عبدة الأوثان، وسموا بها؛ لأنهم يبطنون الكفر، ويتظاهرون بالإسلام، ويختفون حتى تمكنهم الوثبة، وإظهار الكفر، وهم ملاحدة بالإجماع،ويسمون " بالإسماعيلية "؛ لأنهم ينسبون أئمتهم المستورين فيما يزعمون إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، و"بالعبيدية "؛ لدعائهم إلى عبدالله بن ميمون القداح الذي نسبته الباطنية إلى مايزعمون من الأئمة المستورين.
والعبيديون من أولاد عبيدالله، وِلاة مصر ذلك الزمن، والآن يسمون "شيعة"؛ لكونهم مظهرين أن أئمتهم من أولاد الرسول، حين عرفوا أنه لا يستقيم لهم إمالة الحق، والدخول إلى دهليز الكفر، إلا بإظهار المحبة والتشيع، ولهم قضايا شنيعة وأعمال فظيعة، كالإباحية وغيرها، وقد تابعهم على ذلك من ذهب عنه النور الإيماني، واستولى على قلبه الهوى الشيطاني، وهم مع ذلك ينكرون القرآن والنبوة والجنة والنار، ولولا أن حياتهم معلومة عندهم، مرتبة بينهم لأنكروها.
وعلى الجملة فدينهم النجوم، وظواهرهم التخوم، ولايكاد يظهر مذهبهم لأتباعهم إلا لمن رسخ دينهم في قلبه، وتراهم إذا وجدوا لأنفسهم قوة أظهروا أمرهم، وأعلنوا كفرهم، فإن غُلبوا ولم تساعدهم الأيام، كمنوا كما تكمن الحية في جحرها، وهم مع ذلك يؤملون الهجوم والوثبة، وأن ينهشوا عباد الله، وقد أفصح السيد " الدافعاني " عن أطراف من أحوالهم في رسالته بعد اختلاطه بهم، وتردده عليهم، ولا ينبغي لذي معرفة وقوة، أن يعرف منهم أحداً يقتدرعليه، فيتركه وشأنه، فإنهم - أهلكهم الله تعالى-شياطين الأرض) 791.(1/231)
وكلامه عام يشمل ابن الفضل ومنصور اليمن والصليحيين، بل إنه قد بين في مقدمة كتابه هذا أن من جملة ما حمله على تأليفه أنه سمع راوياً يروي عن أناس، وذُكر عندهم بنو الصليحي، وما فعلوه من جوامع وصدقات، فترحموا عليهم جهلاً بأنهم دعاة الباطنية وأصحاب الطائفة العبيدية، فقلت: الآن اتخذ الجهل من الناس مأخذه، وفتح لهم فاه، وأطبق نواجذه، فقلت قصيدة مستغربة وكلمة منظومة معربة، سميتها مسك الختام) 792.
هذا هو موقف علماء ومؤرخي اليمن من الإسماعليلية، وهو مع ما فيه من المقت لهم وتكفيرهم لا يرقى إلى المستوى المطلوب الذي يجب أن يصل إليه الرد والبيان لحالهم وسوء معتقدهم وخطورة مكائدهم ودسائسهم، وربما كان للأولين العذر في ذلك كونهم قد حاربوهم حرباً عسكرية وسياسية حتى أزالوا دولهم، وطهروا اليمن من وجودهم.(1/232)
ولكن يجب ألا يخفى على علماء اليمن وحكامه أن مجرد زوال دولة الباطنية لا يكفي، فدولتهم قد زالت قديماً بزوال ابن الفضل ومنصور اليمن وأتباعه، ولكن نارها مازالت تدب تحت الرماد حتى مرت بها ريح الصليحي، فأشعلتها أقوى من ذي قبل، وملك جميع اليمن كما هو معلوم، ثم زالت دولته، وبقي فكره وعقائده ودعوته، وبقي دعاته يخلف بعضهم بعضاً، ويوصي بحفظ الدعوة والحفاظ عليها في دور الستر كما يقولون حتى يحين دور الظهور الجديد، وبقيت كتبهم متوفرة، وهي أعظم ما يقوم عليه منهج الإسماعيلية في العالم كله، هذه الكتب محفوظة كما يؤكِّد ذلك الدكتور حسين الهمداني في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء وبعض المكتبات الخاصة وبعض المتاحف ودور الكتب العالمية، وقد بدأت موجة إحياء لهذه الكتب ونشر وتحقيق في أكثر من بلد؛ وذلك للتحول الجديد في العالم وطغيان الحرية الفكرية والعقائدية، فبعد أن كان الباطنية يتخفون غاية التخفي بعقائدهم، ويخفون كتبهم عن أهل نحلتهم حتى يصلوا إلى مستوى معين من الفهم والقناعة بما لديهم، أصبحوا اليوم يتباهون بما هم عليه، وينشرون تلك الكتب على الملأ، ويتظاهر بعض الباحثين بانتسابه إليهم، ويؤرخ لهم مادحاً شارحاً لبعض قضاياهم التي كانت في غاية السرية.
إذاً هذا الفكر الضال والمعسول في نفس الوقت الذي ينبني على الفلسفة والخطاب العقلي والعاطفي في آنٍ واحد، جدير بالاهتمام والحذر واتخاذ التدابير الواقية من بعثه وافتتان الناس به في المستقبل.(1/233)
واسمع إلى الدكتور حسين الهمداني، وهو أحد الباحثين الباطنية الإسماعيلية المحدثين، وهو يمني حيث يقول في كتابه "الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن " تحت عنوان " الثروة العلمية الفاطمية في اليمن": (ترى أن دعوة اليمن مضت من يوم وفاة السيدة الحرة الملكة الصليحية إلى انتهاء الدولة الأيوبية في اليمن في مرحلة تمتاز بنشاط علمي وجمع شتات التراث الفكري وتسجيلها في كتب ومؤلفات وحفظ ما تركه المؤلفون الدعاة في عهد الخلفاء الفاطميين، وقد بدأت هذه الحركة العلمية في حياة الملك المكرم والملكة الحرة بعد عودة قاضي قضاة اليمن لمك بن مالك الحمادي من الديار المصرية إلى مقر الدولة الصليحية، وقد سبق أن ذكرنا أن داعي الدعاة المؤيد في الدين الشيرازي، قرر في أواخر عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي خطوط برنامج الدعوة العلمي، وكلف القاضي لمك تنفيذ هذا البرنامج، ونقل القاضي كتب الدعوة وما احتوته من علوم إلى اليمن، ثم قررت السيدة الملكة الحرة بعد وصول القاضي إلى اليمن فصل الدعوة من شؤون الملك. وعينت الملكة يحيى بن لمك والداعي الذؤيب بن موسى الوادعي للاشراف على تنفيذ هذا المشروع العلمي البعيد عن التيارات السياسية. فابتدأت الدعوة تعمل لهذا الغرض في عهد الداعي الذؤيب بن موسى الوادعي، ومأذونه السلطان الخطاب بن الحسن الحجوري، ثم أظهر الداعي إبراهيم بن الحسين الحامدي ومأذونه الشيخ علي بن الحسين بن جعفر بن الوليد القرشي،والشيخ محمد بن طاهر الحارثي نشاطاً بليغاً في هذا الصدد، وبلغ الداعي حاتم بن إبراهيم الحامدي، والوادعي علي بن محمد بن الوليد من إنتاجهما الأدبي مبلغاً لايستهان به. وأثبت الداعي علي ابن حنظلة خلاصة بعض علوم الدعوة في رسالته وأرجوزته. وقد واصل علماء اليمن هذا النشاط العلمي في القرون التالية إلى عهد الداعي إدريس عماد الدين الأنف القرشي، المتوفى سنة اثنتين وسبعين وثمان مائه، بل إلى أيامنا هذه، ومن(1/234)
هذا العرض السريع نأخذ فكرة عما يوجد من الثروة الأدبية والعلمية في خزائن كتب الدعوة اليمنية) 793.
كما أن الأستاذ عبدالله الحبشي ذكر في كتابه مصادر الفكر العربي الإسلامي في اليمن ذكر ستة عشر داعياً ومؤلفاً من دعاة الإسماعيلية اليمنيين الذين خلفوا ثروة علمية وعقائدية ضخمة، كلها يقصد بها تعميق وترسيخ الفكر والعقيدة الإسماعيلية لدى اليمنيين 794.
ذلك المخزون الفكري وإن كان ضالاً غير مستساغ لدى العقلاء، فإنه قد يستساغ لدى الجهلاء، ولدى المفتونين بالغرائب، ولدى المندسين الذين دأبوا على بث الفتن والشقاق من خلال العقائد الضالة والأفكار الهدامة. هذا بالإضافة إلى الاهتمام الكبير والمتزايد باليمن من قبل هذه الطائفة هذه الأيام، وما يعتمل داخل تجمعات هذه الطائفة في مناطق تواجدها وعلاقاتها المريبة مع جهات أجنبية، ربما عملت على زعزعت أمن اليمن واستقراره.(1/235)
وكذلك الظاهرة التي برزت في السنوات الأخيرة ما يسمى لدى تلك الطائفة في الخارج " الحج إلى اليمن "؛ وذلك لتتبع قبور دعاتهم في مناطق مختلفة في اليمن، سبقت الإشارة إلى بعض منها، ومما يدل أن وراء الأكمة ما وراءها، أنهم لم يقتصروا على زيارة تلك القبور والانصراف عنها، ولكنهم يشترون ماحولها من أرض ودور ومدارس وأي شيء، حتى يتحول الضريح وماحوله إلى ملك خاص بهم، يقيمون فيه المساكن في الظاهر، ولاندري ما وراء المساكن، وقد شاهدت قبراً لهم معظماً في زبيد، وقد ملكوا سكناً واسعاً بجواره، فإذا جاءوا للزيارة نزلوا فيه،وانطلقوا منه إلى بقية المزارات، كما رأيت قبراً آخر في قرية الحمى من نواحي زبيد، يسمونه قبر " حضرة خواجه أويس القرني عاشق رسول الله ( " هكذا مكتوب عليه، وقد دخلته وهو ضمن مباني مدرسة صغيرة قديمة، فاشتروا حسب إفادة بعض أهالي المنطقة مساحة من الأرض، وبنوا عليها مدرسة جديدة على أن تكون المدرسة القديمة والقبر لهم، ورأيت قبراً عالياً مغطى بثوب موشى، لعله من الحرير مطرز بآيات من القرآن وبعض العبارات الأخرى، وهو في غاية من النظافة، ومفروش بفراش من السجاد والبخور يفوح منه مما يلقي له مهابة في نفس الزائر.
فهذه الأماكن، مايدرينا أنها تتحول إلى مقار للفتنة والمؤامرة في يوم من الأيام! وهل كانت بدايات اليهود المهاجرين إلى فلسطين إلا بهذه المثابة؟ أوَما نخشى أن يأتي يوم يقال فيه لابد من وطن قومي لهذه الطائفة؟
ولايسعني في نهاية هذا المطلب إلا أن أسجِّل تحذيري للعلماء وللحكام ولكل غيور على أمن اليمن وسلامته واستقراره:
أرى خلل الرماد وميضَ نارٍ ويوشك أن يكونَ لها ضرامٌ
لئن لم يطفها عقلاءُ قوم يكون ضرامها جثثٌ وهامُ
المطلب الثاني: أبرز الأعلام الذين واجهوا الإسماعيلية من علماء اليمن:(1/236)
سبقت الإشارة إلى ضعف المواجهة العلمية لهذه الطائفة، ولكن مع ذلك فإن علماء اليمن لم تخلُ الساحة تماماً من الردود وبيان فساد عقائد ومناهج هذه الطائفة، ومن المؤمل أن يقوم العلماء المعاصرون بسد ذلك النقص.
العلم الأول
محمد بن مالك بن أبي القبائل795 الحمادي
هذا الإمام هو أشهر من رد على الإسماعيلية من اليمنيين، بل إن رسالته أصبحت مرجعاً لكل من يكتب عنهم، وهو الفقيه أبو عبدالله محمد بن مالك بن أبي القبائل الحمادي المعافري، والذي لم يُعثر له على ترجمة، كما أكد ذلك القاضي محمد بن علي الأكوع في مقدمة كتابه 796 غير أن الجندي قد أفاد ما يأتي في ترجمة علي بن الفضل: (على ما ذكره الفقيه أبو عبدالله محمد بن مالك بن أبي الفضائل أحد فقهاء اليمن وعلماء السنة، وكان ممن دخل في مذهبهما - منصور وابن الفضل - أيام الصليحي، وتحقق أصل مذهبهما، فلما تحقق فساده رجع عنه، وعمل رسالة مشهورة، يخبر بأصل مذهبهم،ويبِيْن عوارهم ويحذر من الاغترار بهم) 797، وقد استنبط القاضي الأكوع أن وفاة الحمادي كانت في أيام علي بن محمد الصليحي ما بين عامَي (439هـ -459 هـ) حيث لم يدرك مقتل الصليحي سنة (459 هـ).(1/237)
وكتاب الحمادي من أهم الكتب الكاشفة عن حقيقة الإسماعيلية في اليمن،بل هو أهمها؛ وذلك لما انطوى عليه من مشاهدة واحتكاك وخبرة من الداخل، قال - رحمه الله - في فاتحة كتابه: (قال محمد ابن مالك - رحمة الله تعالى عليه -: اعلموا أيها الناس المسلمون، عصمكم الله بالإسلام، وجنبنا وإياكم طرق الآثام، وأرشدكم، ووفقكم لمرضاته، وسددكم، إني كنت أسمع ما يقال عن هذا الرجل الصليحي كما يسمعون، ومايتكلم به عليه من سيء الإذاعة وقبح الشناعة، فإذا قال القائل: هو يفعل، ويصنع، قلت: أنت تشهد عليه غداً، فيقول: ما شهدت، ولا عاينت، بل أقول كما يقول الناس. فكنت أتعجب من هذا أولاً، ولا أكاد أصدق،ولا أكذب ما قد أجمع عليه الناس، ونطقت به الألسن، فتارة أقول هذا ما لا يفعله أحد من العرب والعجم، ولا سمع به فيما تقدم في سالف الأمم، إنما هذه عداوة له من الناس للمآل الذي بلغه من غير أصل ولا أساس، وكنت كثيراً ما أسمعه يقول:حكم الله لنا علىمن يظلمنا، ويرمينا بما ليس فينا.
فرأيت أن أدخل في مذهبه؛ لأتيقن صدق ما قيل فيه من كذبه؛ ولأطلع على سرائره وكتبه،فلما تصفحت جميع ما فيها، وعرفت معانيها، رأيت أن أبرهن على ذلك؛ ليعلم المسلمون عمدة مقالته، وأكشف لهم عن كفره وضلالته؛ نصيحة لله وللمسلمين؛ وتحذيراً ممن يحاول بغض هذا الدين، والله موهن كيد الكافرين.(1/238)
فأول ما أشهد به وأشرحه، وأبينه للمسلمين وأوضحه، أن له نوّاباً يسميهم الدعاة المأذونين، وآخرين يلقبهم بالمكلبين تشبيهاً بكلاب الصيد؛ لأنهم ينصبون للناس الحبائل، ويكيدونهم بالغوائل، وينقبضون عن كل عاقل، ويلبِّسون على كل جاهل، بكلمة حق يراد بها باطل. يحضّونهم على شرائع الإسلام، من الصلاة والزكاة والصيام كالذي ينثر الحب للطير؛ ليقع في شراكه، فيقيم أكثر من سنة يمعنون به وينظرون صبره، ويتصفحون أمره، ويخدعونه بروايات عن النبي ( محرفة، وأقوال مزخرفة،ويتلون عليه القرآن على غير وجهه، ويحرفون الكلم عن مواضعه، فإذا رأوا منه الانهماك والركون والقبول والإعجاب بجميع ما يعملونه والانقياد لما يأمرونه، قالوا حينئذٍ: اكشف عن السرائر، ولاترض لنفسك، ولاتقنع بما قد قنع به العوام من الظواهر، وتدبر القرآن ورموزه، واعرف مثله وممثوله، واعرف معاني الصلاة والطهارة، وماروي عن النبي ( بالرموز والإشارة، دون التصريح في ذلك والعبارة،فإنما جميع ما عليه الناس أمثال مضروبة، لممثولات محجوبة، فاعرف الصلاة وما فيها، وقف على باطنها ومعانيها، فإن العمل بغير علم لاينتفع به صاحبه، فيقول: عمَّ أسأل، فيقول: قال الله تعالى: ( أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( 798، فالزكاة مفروضة في كل عام مرة، وكذلك الصلاة من صلاها مرة في السنة فقد أقام الصلاة بغير تكرار، وأيضاً فالصلاة والزكاة لها باطن؛ لأن الصلاة صلاتان، والزكاة زكاتان، والصوم صومان، والحج حجان، وما خلق الله - سبحانه - من ظاهر إلا وله باطن، يدل على ذلك: ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ( 799 ( قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن ( 800، ألا ترى أن البيضة لها ظاهر وباطن، فالظاهر ما تساوى به الناس وعرفه الخاص والعام، وأما الباطن فقصر علم الناس به عن العلم به، فلا يعرفه إلا القليل، من ذلك قوله: ( وما آمن معه إلا قليل ( 801، وقوله: ( وقليلٌ ماهم ( 802،وقوله: ( وقليلٌ من عبادي(1/239)
الشكور ( 803، فالأقل من الأكثر الذين لاعقول لهم) 804.
وقد بدأ كتابه بذكر الدعاة المأذونين، وكيفية قيامهم بتلك الدعوة،وكيف يؤوِّلون، ويعلمون الناس أن لكل شيء ظاهراً وباطناً، فالصلاة لها باطن والزكاة لها باطن...الخ، ثم ذكر تدرجهم بالمدعو حتى يصل إلى الدرجة التي يبيح له الإمام المبيت مع زوجة الداعي، ثم مع زوجات الواصلين إلى تلك الرتب العالية عندهم 805؛ ثم ذكر المشهد الأعظم وما فيه من إباحية، ثم يختم الفصل بقوله: (قال محمد بن مالك - رحمه الله تعالى -: هذا ما اطلعت عليه من كفرهم وضلالتهم، والله - تعالى - لهم بالمرصاد،والله - تعالى - عليَّ شهيد بجميع ما ذكرته مما اطلعت عليه من فعلهم وكفرهم وجهلهم، والله يشهد عليَّ بجميع ما ذكرته عالم به، ومن تكلم عليهم بباطل فعليه لعنة الله واللاعنين والملائكة والناس أجمعين، وأخزى الله من كذب عليهم، وأعد له جهنم وساءت مصيراً، ومن حكى عنهم بغير ما هم عليه، فهو يخرج من حول الله وقوته إلى حول الشيطان وقوته.
فأديت هذه النصيحة للمسلمين حسب ما أوجب علي من حفظ هذه الشهادة، فإن الله - سبحانه -أمر بحفظ الشهادة ومراعاتها وأدائها إلى من لم يسمعها، قال الله (:( سُتكتب شهادتهم ويسئلون (806،والله أسأله أن يتوفانا مسلمين، ولاينزع عنا الإسلام بعد أن أتانا بمنه ورحمته) 807.
ثم قال تحت عنوان " المقالة في أصل الدعوة الملعونة ": (وقد رأيت أيها الناس، وفقنا الله وإياكم للصواب، وجنبنا وإياكم طرق الكفر والارتياب، أن أذكر أخبار هذه الدعوة الملعونة؛ لئلا يميل إلى مذهبهم مائل، ولا يصبو إلى مقالتهم لبيب عاقل، ويكون في هذا القدر من الكلام في هذا الكتاب إنذار لمن نظره، وإعذار لمن، وقف عليه واعتبره) 808، ثم ابتدأ في تاريخ تلك الدعوة وأخبارها إلى آخر الكتاب.(1/240)
والكتاب يعد من أهم وأقدم المراجع المؤرخة للباطنية والكاشفة عن حقائقهم خصوصاً باطنية اليمن؛ ولذا فلا يحصى من نقل عنه قديماً وحديثاً، وقد طبع عدة طبعات من آخرها وأفضلها طبعة " مركز الدراسات والبحوث اليمني " بتحقيق القاضي محمد بن علي الأكوع سنة (1415 هـ).
ولقد حاول البعض التشكيك في بعض ما احتوى عليه الكتاب، إما باعتبار ذلك غير معقول، أو بدافع قومي أو وطني، ولكن الشهادة التي صدّره بها القاضي الأكوع عن المقريزي تشهد للحمادي بصدقما ذكره، وكذلك يشهد له كثير من النقول عن كتب الإسماعيلية أنفسهم التي أوردها الباحث الكبير إحسان إلهي ظهير في كتابه الفذ " الإسماعيلية تاريخ وعقائد " ومن أراد التأكد فليرجع إليه في الباب السادس " الإسماعيلية والتأويل الباطني " 809 و" الإسماعيلية ونسخ شريعة محمد صلوات الله عليه"810، إلا موضوع " المشهد الأعظم " أي جمع الرجال مع النساء، وكذلك المبيت مع زوجة الداعي وزوجات من يليه فلم أجد إلى الآن ما يشهد له فلا أستطيع الجزم بإثباته كما لا أستطيع نفيه.
العلم الثاني
الإمام يحيى بن حمزة
وهو الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن علي، ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي(، وهو خلاف أكثر أئمة اليمن الذين يرجعون إلى الحسن بن علي (، ولد بصنعاء سنة (669 هـ) (واشتغل بالمعارف العلمية وهو صبي، فأخذ من جميع أنواعها على أكابر علماء الديار اليمنية، وتبحر في جميع العلوم، وفاق أقرانه، وصنف التصانيف الحافلة في جميع الفنون) 811، (وهو من أكابر أئمة الزيدية بالديار اليمنية، وله ميل إلى الإنصاف مع طهارة لسان وسلامة صدر وعدم إقدام على التكفير والتفسيق بالتأويل ومبالغة في الحمل على السلامة على وجه حسن، وهو كثير الذب عن أعراض الصحابة المصونة (، وعن أكابر علماء الطوائف رحمهم الله) 812، وله في ذلك " الرسالة الوازعة للمعتدين عن سب أصحاب سيد المرسلين " 813.(1/241)
وكتبه كثيرة جداً، أوصلها بعضهم إلى مئة مجلد، ومنها رسالتاه اللتان رد فيهما على الباطنية، وهما " الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام " و" مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار " وقد طبعتا، ولكني لم أحصل على أي منهما.
وهذا الإمام لم يقتصر على الرد على الإسماعيلية بقلمه ولسانه، بل حاربهم بسيفة وسنانه، كما ذكر ذلك صاحب أعلام المؤلفين الزيدية 814، ولست أدري شيئاً عن مضمون الكتابين غير أن الظن أنهما مفيدان ومحققان، فقد وُصِفَ هذا الإمام بالتحقيق والنبوغ.
وهو مع مكانته العلمية وشهرته بين علماء اليمن، قد صدرت عنه بعض الفتاوى التي يظهر بجلاء مخالفتها للأدلة، من أشهرها تجويزه بناء المشاهد والقباب على قبور الخلفاء وذوي الفضل، وهذه الفتوى هي التي رد عليها الشوكاني برسالته "شرح الصدور بتحريم رفع القبور"، وقد ذكر بعض تلك المسائل القاضي إسماعيل الأكوع في ترجمته في كتابه هجر العلم 815.
وقد توفي - رحمه الله - في موضع اعتزاله بعد أن تخلى عن الإمامة بقصر هران بذمار سنة (749 هـ) 816.
المطلب الثالث: المؤلفات اليمنية في الرد على الباطنية الإسماعيلية:
لقد عثرت- أثناء بحثي عن هذه الطائفة وتاريخها وموقف العلماء منها-على عدد من الردود عليها من علماء اليمن،ولاأزعم أن هذه الأسماء التي سأذكرها في هذا المطلب هي كل ما كتبه اليمنيون في ذلك، ولكن هذا ما وقفت عليه.
1 - 3) ماسبق ذكرها؛وهي رسالة الحمادي "كشف أسرار الباطنية"،و"الإقحام لأفئدة الباطنية الطغام" و"مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار" وكلتاهما للإمام يحي بن حمزة.
4) "الحسام البتار في الرد على القرامطة الكفار"؛ للشيخ حُميد بن محمد المحلي الهمداني المعروف بحميد الشهيد، وكان من كبار الهادوية في عصره، قتل سنة (652) 817.
5) "الرسالة القاطعة في الرد على الباطنية" (جزآن)؛ للشيخ محمد بن يحيى بن أحمد بن حنش، توفي سنة (719) 818.(1/242)
6) "العضب المسلول في الرد على الباطني المخذول" لأبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي، توفي سنة (873) 819.
هذه هي الكتب المفردة،وهناك من تعرض لهم أثناء بحوث أخرى وضمن كتب غير مخصصة للرد عليهم منها:
أ) ماكتبه الإمام محمد بن إبراهيم الوزير، المتوفى سنة (840هـ)؛ في كتابه" إيثار الحق على الخلق" في عدة مواضع.
ب) محمد بن الحسن الديلمي المتوفى سنة (711 هـ)، في كتابه "قواعد عقائد آل محمد"، وغير ذلك من كتب العقائد والتاريخ.
وعندما بدأت موجات الحجاج الإسماعيلية تتوافد على اليمن،وظهر نشاطهم ونشاط إخوانهم من اليمنيين،تحرك بعض العلماء والدعاة من المعاصرين؛ لمواجهة ذلك خطابة ومحاضرة وربما تأليفاً، والواجب أن تأخذ هذه الفرقة حظها من العناية والاهتمام على مستوى الخطر الذي تشكله، والله الموفق.
المبحث الثاني
المواجهة العلمية لعلماء الجهات اليمنية المختلفة لعموم القبورية
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: جهود علماء اليمن الأعلى "صنعاء ومايليها ":
لقد كان لعلماء هذه الجهة النصيب الأوفر والحظ الأكبر من الجهود العلمية والعملية في مواجهة القبورية،وقد تقدم بعض جهودهم في مواجهة الباطنية الشيعية،وفي هذا المبحث سألقي الضوء على جهودهم في مواجهة عموم القبورية،ولم تكن تلك الجهود العظيمة لأن بلادهم كانت أكثر قبورية من غيرها،ولكن كان هناك عاملان أساسيان لذلك:
الأول: هو الاجتهاد والتجديد الذي تميز به علماء هذه الجهة،فاتسعت آفاقهم، وزالت الموانع من طريقهم؛ سواء موانع النظر العلمي، أو موانع الجهر بكلمة الحق التي حالت دون علماء جهات أخرى أن يقولوها.
الثاني: أنه لايوجد من يتبنى القبورية، ويدافع عنها بقوة من علماء تلك الديار، وإنما الذي يروج تلك القبورية هم الحكام دون اعتقاد؛ بل لدوافع إظهار العظمة لديهم، فلم يكن لهم حماس الصوفية المعتقدة في الأولياء والحكام الخاضعين لسلطان الصوفية.(1/243)
ولذا فسوف تطالعنا أسماء عديدة، لها إسهاماتها في هذه الجهود من جوانب مختلفة،ولكنني سأكتفي بدراسة أكثر تلك الأسماء تأثيراً،وهما الإمامان شيخا الإسلام "محمد بن إسماعيل الأمير" و"محمد بن علي الشوكاني"، مع استعراض بعض آثارهما في هذا المجال، وأما بقية الأسماء فسأذكرها مجردة،مع تاريخ الوفاة وبعض مصادر الترجمة، واسم الأثر الذي تركه ذلك العالم في مواجهة القبورية وموضوعه.
العلم الأول
من أعلام مواجهة القبورية في اليمن الأعلى
الإمام محمد بن إسماعيل الأمير
هو علامة اليمن ومجدد علم الحديث بها،البدر المنير محمد بن إسماعيل بن صلاح، الأمير الكحلاني ثم الصنعاني، ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب (، ولد بكحلان ليلة الجمعة منتصف جمادى الأول سنة (1099هـ) 820، ثم ارتحل مع والده إلى صنعاء،وهناك أكب على طلب العلم على أشهر وأفضل علمائها، (ورحل إلى مكة،وقرأ الحديث على أكابر علمائها وعلماء المدينة، وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران،وتفرد برئاسة العلم في صنعاء، وتظهر بالاجتهاد وعمل بالأدلة، ونفر عن التقليد وزيف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية، وجرت له مع أهل عصره خطوب ومحن) 821، وقد عدد الشوكاني تلك المحن التي وقعت عليه 822.
وقد تفرد في عصره من بين علماء اليمن بأمور، هي من أعظم خصال المجددين، وأزكى ثمار اجتهاد المجتهدين، أولها الدعوة إلى التوحيد الخالص ومحاربة الشرك ووسائله،وهذا ما سنراه في الجزء الثاني من هذه الترجمة، وكان ذلك قبل أن يسمع بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب- رحمه الله- فلما سمع بها وبما يقوم به ابن عبدالوهاب في ذلك السبيل، فرح فرحاً شديداً،وتقوّى بذلك، ووجد المساعد على دعوته التي كان يظن أنه وحده عليها، فراسله بقصيدته الشهيرة المعروفة بالقصيدة النجدية، والتي مطلعها:
سلامٌ على نجد ومن حل في نجد وإن كان تسليمي على البعد لايجدي
وقال مبدياً سروره بما يدعو إليه ذلك الإمام:(1/244)
لقد سرني ما جاءني من طريقة وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي
وقد ضمّن هذه القصيدة أهم ملامح دعوته إلى التوحيد والاجتهاد ومحاربة البدع، وأثنى على الإمام ابن عبدالوهاب بذلك.
ولكن هناك أموراً ساعدت على شيء من التردد تجاه الشيخ ابن عبدالوهاب؛ وهي أنه لم يبادر بالجواب على الصنعاني، وترتب على هذا السبب أسباب أخرى، من أهمها أن القصيدة انتشرت، وسار بها الركبان، وبلغت الحجاز والشام والعراق وغيرها من البلدان التي لابن عبدالوهاب فيها أعداء، فسارعوا بالكتابة لابن الأمير، يلومونه على مدحه لابن عبدالوهاب، ويختلقون المطاعن والمثالب، ويهوِّلون الأمر بحيث يصورونه له أنه بسبب هذه القصيدة، ارتفع شأن هذا الرجل، واغتر به أناس مع ما عنده من أخطاء، ويحمِّلون ابن الأمير مسؤولية من اغتر بقصيدته، ولكن ذلك كله لم يؤثر فيه،كما صرح بذلك في مقدمة قصيدة الرجوع غير أنه بعد فترة، ورد إليه رجل من أهل نجد، يزعم أنه من طلاب محمد ابن عبدالوهاب، وذكر لابن الأمير بعض الأمور عن صاحبه، لم ترق له، ولم يُعِر ذلك اهتماما ً، ثم ورد رجل آخر، يظهر عليه سمت وسيما صلاحٍ ونباهة في طلب العلم حسبما يصفه ابن الأمير؛ فأكد ما قاله الوافد الأول وأحضر حسب زعمه بعض رسائل ابن عبد الوهاب التي فيها تبرير تكفير سائر الأمة، والوجهة في قتل مخالفيه، وأخذ أموالهم، فلما تجمع ذلك كله وجد ابن الأمير نفسه مضطراً لمسح ما فعلته القصيدة الأولى، من دعاية لابن عبدالوهاب، فنظم قصيدته التي مطلعها:
رجعت عن النظم الذي قلت في النجدي فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي
وأبان فيها ما بلغه عن ابن عبدالوهاب، مما لا يرتضيه وأهمه تكفير الأمة قاطبة، والتَّجاري على الدماء والأموال، وأقول:(1/245)
أما القضية الأولى فهي قطعاً غير صحيحة، وجميع مؤلفات الإمام ومؤلفات أبنائه وأحفاده وأعلام الدعوة النجدية موجودة متداولة، وليس فيها شيء من ذلك، أعني التكفير العام المطلق للأمة، وإنما فيها التحذير من الشرك والحكم العام دون التعيين لمن وقع في الشرك بأنه مشرك، مالم يكن معذوراً، وتاب عن ذلك، فدعوى تكفير الأمة قاطبة مما افتراه عليه أعداؤه؛ لتشويه سمعته.
وأما القضية الثانية وهي التجاري على دماء المسلمين وأموالهم فهي مبنية على حكم من يحاربهم، فمن اعتقد هو وأتباعه أنه مرتد معاند، لم يقبل النصح، ولم ينصع للدعوة، استحل قتاله، وغنم أمواله، وذلك بعد البلاغ والإعذار، كما تنص عليه كتبه وكتب أتباعه، وأما وصول الأمر إلى حد الاغتيال دون إنذار ودون دعوة، فما علمت أن الشيخ وأتباعه العلماء، يجيزون ذلك بهذه الصورة المذكورة، وأما أن يحصل من بعض الجنود وقُوَّادِهم شيء من التجاوز في القتل أو في نهب الأموال أو ما أشبه ذلك، فهذا ممكن، وليس العيب فيه على الشيخ، ولا على دعوته.
وعلى كل حال فتأخُّر جواب الشيخ ابن عبدالوهاب علىالشيخ ابن الأمير؛ فتح المجال للطرف الثالث وهم الناقمون على الشيخين جميعاً، فسعوا للإيقاع بينهما، وخصوصاً أنهم لمسوا قضية حساسة لدى ابن الأمير، وهي قضية قتل الناس وأخذ أموالهم باسم الدين والشرع والجهاد في سبيل الله، التي كان قد سنّها بعض أئمة اليمن، وضاق بها علماء اليمن ذرعاً، ومن أشدهم ابن الأمير،فكم له في ذلك من مكاتبات وقصائد تعد ثورة على تلك الأوضاع، فخشي أن يذم أئمة اليمن، ويمقتهم لذلك الظلم،وفي نفس الوقت يمدح إمام نجد الذي يجاري أئمة اليمن في ذلك البغي والظلم.
هذه في نظري هي الأسباب الحاملة على نظم القصيدة الأخيرة؛ ولذلك ومن أجل أن يقطع الطريق على من يصطاد في الماء العكر، فقد أكد تمسكه بما جاء في القصيدة النجدية من العقيدة والمنهج، وإنما كان الرجوع عن تلك القضايا المحددة فقال:(1/246)
نعم واعلموا أني أرى كل بدعة ضلالاً على ما قلت في ذلك العقد
ولاتحسبوا أني رجعت عن الذي تضمنه نظمي القديم إلى نجد
بلى كل ما فيه هو الحق إنما تجاريك في سفك الدما ليس من قصدي
وتكفير أهل الأرض لست أقوله كما قلته لا عن دليل به تهدي) 823
والقصيدة ثابتة عن الإمام ابن الأمير، وليست مقولة على لسانه، والسبب فيها ماذكر، وليس هو تراجعاً عن ذلك المنهج، وقد أشار الشوكاني في "الدر النضيد" إلى شرح هذه القصيدة لابن الأمير824، فمن أنكرها من علماء نجد وغيرهم كان إنكاره لها عن عدم اطلاع على ما ذكر من أسباب وملابسات، وماذاك إلا غيرة على الإمام ابن الأمير من أن ينسب إليه مايخالف ماعرف عنه من الدعوة إلى التوحيد والاتباع ومحاربة الشرك والابتداع.
وأما الأمر الثاني فالدعوة إلى الاجتهاد ونبذ التقليد الأعمى والتعصب المقيت، وهذا الأمر تطفح به كتبه التي خصص منها رسالة لهذا الغرض بعنوان: " إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد "، كما تعرض لهذا الأمر في الكثير من كتبه الكبيرة والصغيره، وأعلنه في العديد من قصائده، ومنها هذه القصيدة النجدية التي تكلمنا عنها آنفاً حيث قال:
وأقبح من كل ابتداع سمعته وأنكاه للقلب الموفق للرشد
مذاهب من رام الخلاف لبعضها يُعض بأنيابِ الأساود والأسد
يصب عليه سوط ذم وغيبة ويجفوه من قد كان يهواه عن عمد
ويُعزى إليه كل ما لا يقوله لتنقيصه عند التهامي والنجدي
فيرميه أهل الرفض بالنصب فرية ويرميه أهل النصب بالرفض والجحد
وليس له ذنب سوى أنه غدا يتابع قول الله في الحل والعقد
ويتبع أقوال النبي محمد وهل غيره بالله في الشرعي من يهدي
لئن عده الجهال ذنباً فحبذا به حبذا يوم انفرادي في لحدي 825
وتجد هذا الاتجاه في ديوانه في عدة مواضع بارزاً، وقد جر عليه هذا ضروباً من المحن، كما مر.(1/247)
والأمر الثالث مقارعته للأئمة وتشديده النكير عليهم في المظالم التي يرتكبونها بحق الأمة في دمائها وأموالها، وهو فاشٍ في كتبه ورسائله وقصائده، ومن أشهر تلك القصائد وأذيعها وأبعدها ذكراً القصيدة التي مطلعها:
(سماعاً عباد الله أهل البصائر لقولٍ له يفنى منام النواظر) 826
وقد شجب فيها ظلم الأئمة وميل بعض القضاة عن مقتضى العدل، وسكوت العلماء عن قول كلمة الحق، وبالجملة فقد وهب نفسه وراحته ووقته وعلمه لإعلاء كلمة الحق ورفع راية التوحيد وقمع البدع والمنكرات، ومن طريف ما قام به في الحفاظ على التوحيد ومحاربة الشرك ما ذكره "زبارة" في " نشر العرف" تحت عنوان " صنم المخا وفتنة الخطبة بصنعاء " قال: (وأرشد المهدي العباس إلى إزالة أصنام كانت ببندر المخا لطائفة البانيان،وألف البدر رسالة في ذلك نفيسه، فبادر المهدي إلى الأمر بإزالتها وهدم بيوتها، وقبض جميع أموالها، وقد كان لها مال واسع يقدر بنحو خمسين ألف ريال، فأخذ وأوصل أحد الأصنام إلى حضرة الإمام والبدر لديه، فأمر البدر بكسره، وكان في صورة أنثى، فديس بالنعال) 827.
وقد التف حوله نخبة كبيرة من طلاب العلم من طبقات متفاوتة من المجتمع، قال عنها الشوكاني: (وقد كان أكثر أتباع صاحب الترجمة من الخاصة والعامة، وعملوا باجتهاده وتظاهروا بذلك، وقرأوا عليه كتب الحديث وفيهم جماعة من الأجناد، بل كان الإمام المهدي يعجبه التظهر بذلك، وكذلك وزيره الكبير الفقيه أحمد بن علي النهمي وأميره الكبير الماس المهدي، ومازال ناشراً لذلك في الخاصة والعامة غير مبال بما يتوعده به المخالفون له، ووقعت في أثناء ذلك فتن كبار، وقاه الله شرها) 828.(1/248)
وبواسطة طلابه والمقتدين به من العلماء والدعاة، وصلت إلينا الدعوة السلفية اليمنية، والحمد لله،كما خلّف ثروة ضخمة من الكتب التي تُشد إليها الرحال في التحقيق والتجديد ودقة الفقه والاستنباط، من أوسعها انتشاراً " سبل السلام " و"تطهير الاعتقاد " والعدة حاشية شرح العمدة " لابن دقيق العيد، ومؤلفاته كثيرة جداً، قال القاضي الأكوع: (وله رسائل كثيرة، يضيق المقام بذكرها) 829.ومعظمها في تلك الاتجاهات التي أشرنا إليها، وسيأتي التعريف بما يخص القبورية من مؤلفاته التي اطلعنا عليها أو بعضها، ولقد اهتم العلماء والمؤرخون وطلاب الدراسات العليا بدراسة جوانب مختلفة من حياته وفكره، فمنهم الإمام الشوكاني في " البدر الطالع "، والقاضي الحيمي في كتابه"طيب السمر"، والجرموزي في كتابه " سلافة العصر "، والقاضي أحمد قاطن في كتابه" الدمية والتحفة "، وعبدالله بن عيسى في كتابه "الحدائق"، وعبدالله الحبشي في كتابه "مصادر الفكر الإسلامي في اليمن "830.
وقد ترجمه ترجمة واسعة " زبارة "في " نشر العرف "، والقاضي الأكوع في " هجر العلم "، كما كُتبت عنه عدد من المؤلفات الخاصة والرسائل العلمية منها: كتاب " الصنعاني وكتابه توضيح الأفكار " للدكتور" أحمد محمد العليمي "، وكَتب علي عبدالجبار ياسين السروري كتاباً بعنوان: " ابن الأمير الصنعاني حياته وفقهه "، نال بها درجة الماجستير، وكتب الباحث قاسم صالح ناجي الريمي رسالة بعنوان " الفكر التربوي عند ابن الأمير الصنعاني "، نال بها درجة الماجستير، وكتب عنه العلامة عبدالرحمن طيب بعكر كتاباً بعنوان " مصلح اليمن محمد بن إسماعيل الأمير دراسة حياته وآثاره" وكتب الأساتذة قاسم غالب أحمد، وحسين أحمد السياغي، ومحمد بن علي الأكوع، وعبدالله ابن عبدالوهاب الشماحي، ومحمود إبراهيم زائد كتاب " ابن الأمير وعصره " 831.(1/249)
هذا هو الإمام محمد بن إسماعيل الأمير أحد أبرز مجددي اليمن ومن أوائل من فتح باب مواجهة القبورية في اليمن الأعلى.
جهود ابن الأمير في مواجهة القبورية:
لقد احتلت مواجهة القبورية حيزاً واسعاً من حياة ابن الأمير وجهده وجهاده، ولن أستطيع الإحاطة بكل ما كتب في هذا الجانب، فبعضه مازال مخطوطاً، وبعضه ضمن مؤلفات كبيرة متناثر في ثناياها، والقصد هو إلقاء الضوء على منهج الرجل في مواجهة القبورية، وسيظهر ذلك - إن شاء الله - من خلال استعراض ما يقع عليه الاختيار من كتبه.
الأثر الأول من آثار ابن الأمير المفردة في مواجهة القبورية
" تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد "
هذه الرسالة هي أشهر كتبه المفردة في هذا الموضوع، وقد تداولها الناس، وطبعت عدة طبعات في بلدان عديدة، قال في مقدمتها بعد الحمد والثناء والصلاة والسلام على النبي (: (وبعد فهذا " تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد "،وجب عليّ تأليفه، وتعين عليّ ترصيفه؛ لما رأيته وعلمته من اتخاذ العباد الأنداد، في الأمصار والقرى وجميع البلاد، من اليمن والشام ومصر ونجد وتهامة، وجميع ديار الإسلام، وهو الاعتقاد في القبور، وفي الأحياء ممن يدعي العلم بالمغيبات والمكاشفات وهو من أهل الفجور، لا يحضر للمسلمين مسجداً، ولا يُرى لله راكعاً ولا ساجداً، ولا يعرِف السنة والكتاب، ولا يهاب البعث والحساب، فواجب عليّ أن أنكر ما أوجب الله إنكاره، ولا أكون من الذين يكتمون ما أوجب الله إظهاره) 832.
وقد احتوى الكتاب على خمسة أصول وعدد من الفصول، كلها تدور حول إخلاص العبادة لله تعالى، وبيان ما وصل الناس إليه من جاهلية باعتقادهم في أصحاب القبور، ونقد كثير من الأوضاع المبتدعة المتعلقة بذلك.(1/250)
وللشيخ كتب أخرى مفردة في هذا الموضوع، منها كتاب بعنوان " الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف "، ألفه حينما اطلع على جواب لأحد القبوريين، أجاب به علىسؤال ورد إليه، فجاء في ذلك الجواب: (إن للأولياء ما يريدون، وأنهم ممن يقول لأي شيء أرادوه كن فيكون، وأنهم من القبور لقضاء الحوائج يخرجون) 833، إلى آخر ما ذكره المجيب من نواقض الاعتقاد الصحيح قال: (فتعين إيقاظ أهل الغفلة والمنام، من القاصرين والعوام، ببيان حقيقة الولي وماورد في صفته من الآثار، وبيانه من الكتاب والسنة والأخبار، ثم بيان رد ما أورده المجيب من الهذيان، وأنه جعل الأولياء من جملة الأصنام والأوثان، ووصفهم بأنهم كالإله تقّدسَ وتعالى، وأنهم يقولون للشيء كن فكان، فرأيته يتعين إبانة الصواب، وبيان حقيقة ما افتراه من الأوتاد والأنجاب والأقطاب، وما خالف فيه بهذه البدعة من أدلة السنة والكتاب) 834.
ثم تتبع ذلك المجيب، بأن يورد مقطعاً من كلامه، ثم يتعقبه بالرد وبيان الحق في تلك المسألة، وقد طُبع الكتاب عام (1417هـ) بتحقيق مجموعة من الطلاب في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت إشراف الشيخ "حسن علي حسين العواجي " المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين في نفس الجامعة.(1/251)
كما أن له كتاباً يتعلق بالقبورية، ولا يظهر علاقته بهم إلا بعد النظر الفاحص فيما يمارسون، ذلكم الكتاب هو المسمى " رسالة شريفة فيما يتعلق بـ (الأعداد للحروف، والأوفاق، وكم بقي من عمر الدنيا،وذكر المهدي المنتظر "، والذي يخص موضوعنا منها هو ما يتعلق بالحروف والأوفاق، وقد تكلم في المسألة الأولى عن حروف " أبجد، هّوز "، وأبان أنها ليست في دلالتها على الأعداد من وضع اللغة العربية، ثم انتهى إلى القول بأن جعلها دلالة على الأعداد أمر اصطلاحي، لا حجر فيه، ولا ضير على متعاطيه، ونهي ابن عباس عنه وأنه من السحر، يدل على أنه عرف أنه اصطلاح لليهود، يستعملونه في الأسحار، وهذا يأتي بحقيقته في المسألة الثانية 835.
وفي المسألة الثانية قرر أن علم الأوفاق علم مبتدع وحادث، لايعرف له دليل من كتاب ولا سنة ولا فعل صحابي ولاغيره، وبعد أن فنّده، وحكم بعدم وجود أصل شرعي له، نقل تعريف داود الأنطاكي له، ثم قال: (قلت:وهذا شأن الأسحار والابتداع، لاشأن الطريقة النبوية والاتباع، ومعلوم أنها طريقة سحرية، إذ المطلوب بها أمور دنيوية محضة، من جاهٍ عند العباد، وجلب رزق من أيديهم، وإلقاء المهابة في قلوبهم وغير ذلك) 836.
وإنما قلت: إن هذه الرسالة هي من ضمن مواجهة القبورية؛ لأنه سبق في الباب الثاني أن كثيراً من أولياء القبورية ذكروا أنهم يتعاطون علم الحروف والأوفاق، ويتصرفون بها، ويعدون ما ينتج عن ذلك كرامات لأولئك الأولياء، وهو في الحقيقة من السحر، فناسب جعل هذه الرسالة من جملة الردود عليهم، وقد حقق هذه الرسالة الأخ: مجاهد بن حسن بن فارع الوصابي المطحني، وراجعها شيخنا الشيخ مقبل الوادعي - رحمه الله - وطُبعت من قِبَل دار القدس بصنعاء عام (1412هـ - 1992م).(1/252)
كما إن هناك رسالة صغيرة هي عبارة عن إجابة على سؤال عن حكم الذبح على القبور بعنوان "مسألة في الذبائح على القبور وغيرها " حققها أخونا " الشيخ عقيل بن محمد المقطري "، وراجعها محدث اليمن العلامة " مقبل بن هادي الوادعي " 837- رحمه الله -، وهي رسالة صغيره جداً، أبان فيها حرمة تلك الذبائح، وفصل فيها، وقد عد الذبح ـ على باب الدار وعلى جدرانها، وكذلك ما سمي عند العامة بـ "الهجر " ونحوه ـ من الذبائح المحرمة، ولكن الذابح لايكون بذلك مرتداً، وأما الذابح للقبور فإنه يكون مشركاً، وذبيحته ذبيحة مشرك:(... فإن الذابح لابن علوان مثلًا، لايكون إلا عن اعتقاد أنه يضر وينفع، ويعطي ويمنع، ويشفي المرض ويذهب عن الأبدان العليلة الأدواء، وهذا بعينه الذي كان عليه عباد الأوثان وأتباع الشيطان، فإنهم كانوا ينحرون لها، ويهتفون بأسمائها، ويدعونها، ويخافونها، ويرجونها، ويطوفون بها، وينادونها بمثل " على الله وعليك "، كما يفعله الآن عباد القبور والقباب والمشاهد التي يجب هدمها) 838.
كما يعد من هذا الباب شرحه على رجوعه عن القصيدة النجدية المسمى " إرشاد ذوي الألباب إلى حقيقة أقوال ابن عبدالوهاب " أو " النشر الندي بحقيقة أقوال ابن عبد الوهاب النجدي "، ذلك أن الرجل لم يرجع كما سبق عن أصل ما كان في قصيدته الأصلية " النجدية "، وإنما رجع عن مدح محمد ابن عبدالوهاب وبيان ما بلغه عنه مما لايرتضيه، وهذا كله لايغير من منهج تلك القصيدة، وبالتالي فالشرح يؤكد ما كان في تلك القصيدة من مواجهة للقبورية، ويوضحه، ويقيم الأدلة عليه، كيف لا وهو قد صرح فيها بأن القبوريين قد أصبحوا مشابهين لعباد " ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ".(1/253)
ولعل الله أن يهيىء نشر ذلك الشرح؛ ليتضح صحة هذا الكلام؛ وليخسأ من يتشدق أمام العوام وأشباه العوام، بأن الصنعاني رجع عما جاء في قصيدته النجدية مطلقاً، وأنه عاب على ابن عبدالوهاب دعوته إلى التوحيد من أصلها، ومحاربته للشرك والقبورية من أساسها. هذه بعض جهود الإمام الصنعاني - رحمه الله - في مواجهة القبورية.
العلم الثاني
من أعلام مواجهة القبورية في اليمن الأعلى
الإمام شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني
هو الإمام شيخ الإسلام أحد مشاهير أعلام اليمن ومجددي الدين فيه، وأحد رواد النهضة الحديثة والصحوة المباركة ورموز السلفيين في العصور المتأخرة، محمد بن علي بن محمد الشوكاني ثم الصنعاني، ترجم لنفسه، وسلسل نسبه إلى آدم ( 839، ولد - رحمه الله - في "هجرة شوكان" وسط نهار يوم الاثنين الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة سنة (1173هـ)، ونشأ بصنعاء في كنف والده الذي يعد من كبار علماء صنعاء في وقته، وقد أقبل على طلب العلم بشكل منقطع النظير، أعانه على ذلك الحال الميسور لأسرته، إذ وفَّر له التفرغ للطلب، وعدم الانشغال عنه بطلب المعاش، كما كان من أسباب نبوغه وترقيه في الطلب، وسرعة البلوغ إلى المطلب والأرب، النفس الأبية،والهمة العلية، وتشجيع الأب، ودفعٌ به إلى الارتقاء وجود مجموعة من أكابر العلماء، من طلاب الإمام ابن الأمير والمتأثرين به، وهكذا واصل مشوار التعليم، ثم صار يعيد الدروس لزملائه وأقرانه، ثم اشتهر بين أساتذته وأشياخه قبل بلوغ العشرين من عمره 840،وما إن بلغ العشرين حتى أصبح مفتياً ترد إليه الفتاوى من جهات مختلفة من اليمن، وكان يفتي بدون أجر، وذلك أمر مستغرب في زمنه وفي وطنه.(1/254)
ولقد امتحنه الله تعالى بامتحان عظيم، وهو تولي القضاء، بل قضاء الأقضية أو بالتعبير العصري " رئاسة القضاء "، فنجح في الامتحان ونجى من الافتتان، وأجمع مترجموه على نزاهته، وحسن سيرته فيه،بل لم يعد رئيساً للقضاة فحسب،وإنما من أقرب المقربين إلى أئمة عصره الذين عايش حكمهم، وهم:الإمام المنصور علي بن المهدي العباس (1189 - 1224 هـ)،وابنه الإمام المتوكل على الله أحمد (1224- 1231 هـ)، وحفيده الإمام المهدي عبدالله (1231- 1251 هـ)، ولقد كان لقربه منهم أثر كبير في كثير من الإصلاحات، ومنها حمله على الاستجابة لطلب الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود من الإمام المهدي هدم المشاهد والقباب المقامة على القبور في صنعاء ونواحيها، فصوّب الإمام الشوكاني ومن معه من العلماء ذلك، وحثوا الإمام عليه، فوقع الهدم لتلك المشاهد، كما سيأتي في مطلب الجهود العملية لمواجهة القبورية.
كما أثر عليه في غير ذلك من جوانب الإصلاح، وهذا جانب مهم من جوانب شخصية الشوكاني، وهو جانب الإصلاح السياسي والاجتماعي، والذي مارسه عملياً ومن موقع القرار بخلاف الإمام ابن الأمير، الذي كان يمارسه من خارج نطاق السلطة.
والجانب الثاني كما بدأه سلفه من علماء اليمن، من تمزيق قيود التقليد الأعمى والعصبية المقيتة، فقد قام في ذلك الجانب بجهود جبارة نظرياً من خلال دعوته إلى ذلك وتأليفه فيه وتأصيله في عدد كبير من كتبه ورسائله، حتى أنّا سنجد أنه جعل مدخله إلى نقد فتوى الإمام يحيى بن حمزة في رسالته "شرح الصدور بتحريم رفع القبور "، جعل مدخله إلى ذلك التأكيد على الرجوع إلى الكتاب والسنة والتحاكم إليهما 841، وقد أخذ ذلك حيزاً كبيراً من تلك الرسالة، وهكذا شأنه في كثير من رسائله، إضافة إلى كتابه الخاص في ذلك، المسمى " القول المفيد في أدلة الاجتهادوالتقليد ".(1/255)
وأما الجانب العملي فهو ما يراه كل مطالع لمصنفاته الفقهية والحديثية، وحواشيه وشروحه، فكلها ينطلق فيها من هذا المنطلق، ولا يبالي بمن خالف، أو وافق فيما يذهب إليه.
والجانب الثالث هو دعوته إلى الاتباع ونهيه عن الابتداع، وجهاده في سبيل إخلاص كلمة التوحيد، وحربه لعقائد الشرك والتنديد، وسيأتي في آخر هذا المطلب دراسة بعض آثاره في ذلك.
غير أني أود قبل الخروج من هذا الجانب أن أرد على قوم ظفروا بقصيدة للإمام الشوكاني في ديوانه، فهموا منها أنه يعادي الإمام محمد بن عبدالوهاب، ويرد عليه وعلى علماء نجد وأمرائها، فطاروا بذلك فرحاً، وانتسخوها، وصاروا يوزعونها على أتباعهم، والواقع أن القارىء لايجد فيها ما يفرح به أولئك، غير أنهم قد اتخذوا سياسة التأثير النفسي على الأتباع، فإنهم عندما يوزعونها هم، وربما جعلوا لها مقدمة تبين أن هذه القصيدة رد فيها الشوكاني على الوهابية، ونقض ما يدعون إليه من محاربة الأولياء والمعتقدين فيهم... الخ، فإن التابع المسكين سيتأثر بتلك المقدمة المكتوبة أو الشفوية، ويعتبر أن القصيدة من هذا الباب دون تأمل لما فيها، مما هو في الحقيقة رد عليهم وتأكيد على منهج الشوكاني الذي كرس له حياته، ولم يحد في هذه القصيدة عنه، إذ عرف عنه تجويز التوسل بالصالحين، وقرره في أكثر من كتاب من كتبه، مع اعتباره دعاء غير الله شرك أكبر، وقد رد على ابن الأمير حين قال إنه من الشرك العملي،وذلك في الدر النضيد 842، وكل ما في الأمر أن الإمام الشوكاني حذر من التسرع في تكفير الأمة بما دون الشرك من البدع،كالبناء على القبور،وجعل التوابيت عليها، أو التوسل الذي يراه هو مباحاً، أما مَن دعاهم من دون الله، واعتقد فيهم مالا يجوز اعتقاده إلا في الله، فقد اعتبره من الشرك المخرج من الملة، قال - رحمه الله في تلك القصيدة:(1/256)
ومن يأتي إلى عبد حقيٍرفيزعم أنه الرب الودودُفهذا الكفر ليس به خفاءٌولا ردلذاك ولا جحودُولست بمنكر هدماً لقبرٍ إذا لعبت بجانبه القرودُوقالوا: إن ربَّ القبر يقضي لنا حاجاً فتأتيه الوفودكذبتم ذاك ربُّ العرش حتقاًتعالى أن تكون له ندودُومن يقصد إلى قبر لأمرٍ توسل فهو الكنودُ 843 بغير وهذا الكلام واضح في مراد الإمام - رحمه الله-، ومنسجم مع منهجه، ولئن كان فيه شيء من التعميم والإطلاق فيجب إرجاعه إلى كلامه البين الواضح، وأما قوله قبل هذه الأبيات:
فإن قلتم قد اعتقدوا قبوراً فليس لذا بأرضينا وجودُ
فيجب أن يقارن بينه وبين ما في سائر كتبه،ومنه ماجاء في "الدر النضيد"،حيث قال: (وإذا علمت هذا، فاعلم أن الرزية كل الرزية، والبلية كل البلية، أمرٌ غير ما ذكرناه من التوسل المجرد، والتشفع بمن له الشفاعة، وذلك ماصار يعتقده كثير من العوام، وبعض الخواص في أهل القبور، وفي المعروفين بالصلاح من الأحياء، من أنهم يقدرون على مالا يقدر عليه إلا الله (، ويفعلون مالا يفعله إلا الله (، حتى نطقت ألسنتهم بما انطوت عليه قلوبهم، فصاروا يدعونهم تارة مع الله، وتارة استقلالاً، ويصرخون بأسمائهم، ويعظمونهم تعظيم من يملك الضر والنفع، ويخضعون لهم خضوعاً زائداً على خضوعهم عند وقوفهم بين يدي ربهم في الصلاة والدعاء، وهذا إذالم يكن شركاً فلا ندري ماهو الشرك؟!، وإذا لم يكن كفراً فليس في الدنيا كفر.) 844.(1/257)
فإن قيل: هذا عام، ولايدل على أن هذا موجود في اليمن، قلت: يؤكد دلالته على ذلك ماجاء في نفس الكتاب بعد أن أسرد الأدلة على تحريم أنواع من الشرك ووسائله، حيث قال وهو يؤكد ما ينتج عن تعظيم القبور وتفخيمها من عقائد باطلة: (وروى لنا أن بعض أهل جهات القبلة، وصل إلى القبة الموضوعة على قبر الإمام أحمد بن الحسين صاحب " ذي بين " -رحمه الله -، فرآها وهي مسرجة بالشمع، والبخور ينفح من جوانبها وعلى القبر الستور الفائقة، فقال عند وصوله إلىالباب: أمسيت بالخير، يا أرحم الراحمين) 845.
إذاً كيف نؤول قوله: (فليس لذا بأرضينا وجودُ)، قلت: يُؤوَّل - والله أعلم - أن هذه القصيدة هي في إطار المراسلات الرسمية بين إمام اليمن، ومعه الشوكاني، وبين أئمة نجد، الذين كانت العلاقات بينها يسودها الود حيناً والنفور حينا، وخوف إمام اليمن من زحف الجيوش النجدية على بلاده حيناً، فجاءت هذه لقصيدة، لتهدئة الأوضاع وإقناع النجديين بأنه ليس في اليمن مايستوجب محاربتهم له وزحفهم عليه، فجاز مثل هذا التعبير المخالف للواقع لأجل دفع فتنة الاقتتال بين الطرفين والله أعلم.
وبعد معرفة هذه الجوانب المهمة أقول: إن الإمام الشوكاني خلّف لليمن ثروتين عظيمتين:
أما الأولى: فهم طلابه وأصحابه الذين ساروا عل نهجه، وتعلموا منه المنهج السلفي النقي، وحملوه إلى أن وصلنا اليوم كما وضعه،وهم كُثر، وقد أورد منهم الأستاذ عبدالغني قاسم عدد اثنين وتسعين رجلاً 846، منهم من هو عالم، ومنهم من أصبح إماماً مجتهداً، أو قاضياً عادلا،ً أو والياً كبيراً، وهؤلاء الطلاب هم أساس المدرسة السلفية القائمة في اليمن اليوم،والتي يعد رأسها اليوم القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني عضو مجلس الإفتاء حالياً.(1/258)
والثروة الثانية: هي كتبه ومصنفاته، التي اتفق على الثناء عليها في الجملة الموافق والمخالف، وصارت مراجعاً للكثير من المؤسسات العلمية في شتى بقاع العالم الإسلامي، وتنافس لاقتنائها العلماء وطلاب العلم في كل مكان، وهي كثيرة جداً، حصر الباحث عبد الغني قاسم منها (278) مائتين وثمانية وسبعين مؤلفاً، وأفاد أن المجال مازال مفتوحاً؛ لاكتشاف غيرها في مظانٍ حددها،هي: (المكتبات المنزلية للأسر اليمنية التي توارثت ملكية مخطوطات علماء اليمن، أو في مكتبات كل من الهند "حيث يوجد تلاميذه" وتركيا " إسطنبول "، وإيطاليا وبريطانيا، وسائر متاحف ومكتبات أوروبا الغربية والشرقية، حيث تسربت إلى خارج اليمن.
مترجمو الشوكاني:
كما لايحصى عدد تلاميذه بالدقة، ولاتعرف مؤلفاته بالتحديد من كثرتها، كذلك لايحصى عدد من ترجم للشوكاني، وأشاد بعلمه، وأظهر جوانب من شخصيته، وحتى لا أطيل على القارئ، فلن أشغل نفسي بمن أفرده بالترجمة من الأقدمين، ولا من ترجم له في كتب التراجم والتواريخ العامة؛ وإنما أذكر بعض الباحثين الذين درسوا نواحي من حياة الشوكاني وعلمه وفكره، وقدموا في ذلك رسائل علمية؛ للحصول على درجات علمية من قبيل الدكتوراه والماجستير.
فمنهم دون التزام بترتيب معين:
1) د. محمد بن حسن الغماري، له رسالة دكتوراه بعنوان: " الإمام الشوكاني مفسراً ".
2) د. عبدالغني قاسم الشرجبي، له رسالة دكتوراه بعنوان: " الإمام الشوكاني حياته وفكره ".
3) د. عبدالله نومسوك، له رسالة بعنوان: " منهج الإمام الشوكاني في العقيدة ".
4) د. صالح بن عبدالله الظبياني،له رسالة دكتوراه بعنوان: " اختيارات الإمام الشوكاني الفقهية من خلال كتابيه نيل الأوطار والسيل الجرار ".
5) د. زياد علي " من ليبيا " له رسالة دكتوراه بعنوان:" الفكر السياسي والقانوني عند محمد ابن علي الشوكاني ".(1/259)
6) د. عادل ياؤوز" من تركيا "، له رسالة دكتوراه بعنوان: " الإمام الشوكاني محدثاً ".
7) د. سمير حسين، له رسالة دكتوراه بعنوان: " الشوكاني ومنهجه في الفقه الإسلامي من خلال كتابه السيل الجرار ".
8) صالح محمد صغير مقبل،له رسالة ماجستير بعنوان: "محمد بن علي الشوكاني وجهوده التربوية"
9) خالد بن إبراهيم بن عبدالله الديبان،له رسالة ماجستير بعنوان: "قضايا العقيدة عند الإمام الشوكاني ".
10) عبدالله فارع عبده العزعزي، له رسالة ماجستير بعنوان: " الشوكاني مؤرخاً،دراسة في منهجه التاريخي في كتابه (البدر الطالع لمحاسن ما بعد القرن السابع) ".
11) سالم بن محمد باكوبن،له رسالة دكتوراه تحت الإعداد بعنوان: "الإمام الشوكاني وجهوده في الدعوة ".
12) برنارد هيكل اللبناني،له رسالة باللغة الإنجليزية بعنوان: "الشوكاني والوحدة الفقهية في اليمن".
قال القاضي إسماعيل الأكوع:(وتوجد رسائل دكتوراه وماجستير أخرىلم أذكرها؛لأنهالم تنشر بعد)847.
وهناك مئات المقالات الصحفية والأبحاث العلمية المتفرقة في الصحف والدوريات وغيرها، كل ذلك يدل على عظمة هذا الرجل واهتمام العلماء به. وقد توفي رحمه الله سنة (1250 هـ).
جهودالشوكاني في مواجهة القبورية:
وأما عن جهوده في مواجهة القبورية فهي كثيرة مشكورة،وقد ترك عدة آثار في ذلك:(1/260)
الأثر الأول " شرح الصدور في تحريم رفع القبور " وهو رد على الإمام يحيى بن حمزة الذي قال كما نقل عنه صاحب البحر الزخار: (لا بأس بالقباب والمشاهد على قبور الفضلاء والملوك لاستعمال المسلمين، ولم ينكر) 848، فرد عليه، ومهد لذلك بالتذكير بالعودة إلى الكتاب والسنة والالتزام بما جاء فيهما، وماجناه التقليد على أهله وعلى الناس من كوارث، ثم جعل هذه المسألة كالمثال على تلك القاعدة، وقد نوَّه الشيخ العلامة محمد حامد الفقِّي بالشوكاني وكتابه في مقدمته لشرح الصدور فقال: (وله "الشوكاني " من الرسائل في مفردات المسائل كثير جداً، فمنها رسالته هذه " شرح الصدور بتحريم رفع القبور " وهي رسالة تنادي بأنه من الشجاعة وقوة اليقين، بحيث وقف هذا الموقف الفذ في وجه جموع أهل اليمن وغيرهم، يرد على الإمام يحيى خطأه - وناهيك بمنزلة الإمام يحيى من نفوس الزيديين - هذا الرد المفحم، وينادي عليه في صراحة المؤمن الذي لايخشى في الله لومة لائم: أخطأت في تجويز رفع القباب والمشاهد على قبور الصالحين والملوك، ويالها من شجاعة لله وفي الله! ولو أن العلماء كانوا بهذه الشجاعة في قولة الحق، وكانوا بالصدق والإخلاص في النصيحة كذلك، لكان شأن المسلمين اليوم غير ماهم عليه من الذلة والهوان.
والله يجزي الإمام الشوكاني وإخوانه الصادقين خير الجزاء، ويوفقنا لمثل ما وفقهم، ويحشرنا يوم القيامة مع إمامنا وإمامهم وإمام المهتدين عبد الله ورسوله محمد ()849.
وقد اعتنى العلماء بهذه الرسالة وطبعت طبعات عديدة.(1/261)
الأثر الثاني كتاب " الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد "، وهو أيضاً جواب على سؤال ورد إليه عن ذلك الموضوع، وقد صدّر الجواب بتوضيح بعض المصطلحات التي يؤدي الخلط فيها إلى الغلط، وهي: الاستغاثة، والاستعانة، والتشفع، والتوسل، وقد شرح معانيها، وأبان الفروق بينها، وقد رجح جواز التوسل بالصالحين على اعتبار أن ذلك توسل بأعمالهم الفاضلة، واحتج لذلك، ورد على من منع منه، ومسألة التوسل من المسائل التي جرى فيها الخلاف قديماً وحديثاً، والصحيح والله أعلم أنها من البدع المحدثة التي لم يثبت لها دليل عنه (،ولا عن أصحابه بالمعنى الذي يريده مجوزو ذلك التوسل، هذا في أصل المسألة، وأما ماهو حاصل اليوم عند جماهير المسلمين من عوام وأشباههم وصوفية وغيرهم من المنحرفين، فإن التوسل يستعمل، ويراد به الاستغاثة المجمع على المنع منها واعتبارها شركاً فلينتبه لذلك.
ثم أنه بعد مافرغ من تقرير موضوع التوسل، قرر بقوة وحزم أن دعاء غير الله شرك، وأنه تعبير عما تنطوي عليه نفوس من يدعون غير الله من الاعتقاد فيهم ما لا يجوز اعتقاده إلا في الله تعالى، وقد سبق نص كلامه كاملاً قبل قليل 850، وقد نوّع الكلام، واستطرد استطرادات حسنة، وبيَّن كثيراً مما يقع فيه الناس من نواقض التوحيد، ومما هو وسائل إلى ذلك، ونبه على حرمة الحلف بغير الله والطيرة، وفرّق بين الشرك والكفر الأصغر والأكبر إلى غير ذلك من الفوائد الجليلة.
الأثر الثالث " رسالة في وجوب توحيد الله عزوجل " وهي مأخوذة من كتابه الكبير المسمى " العذب المنير في جواب عالم بلاد عسير "، وقد كان السؤال متعلقاً بالتوحيد، وكون الدعاء عبادة، وهل يعذر الجاهل في ذلك... إلخ.(1/262)
فأجاب شيخ الإسلام جواباً شافياً مقنعاً مليئاً بالأدلة من الكتاب والسنة مستشهداً بأقوال أهل العلم، وبين منزلة الدعاء من الدين، وحكم صرفه لغير الله، وحقيقة شرك المشركين الأولين، وهو اتخاذهم لأصنامهم شفعاء عند الله، وأن من هذه الأمة من يتخذ أصحاب القبور شفعاء، وهو بذلك مساوٍ لمشركي الجاهلية، ومنهم من يدعوهم من دون الله، وهؤلاء أغلظ شركاً من مشركي الجاهلية، ثم تعرّض لتقسيم الكفر إلى كفر أكبر وكفر أصغر، وإلى خفاء الشرك وكثير من أنواعه على كثير من المسلمين حتى وقع فيه بعض من ينسب إلى الأدب والعلم، ثم بيّن خطورة اتخاذ المشاهد والقباب على القبور المبالغ في تعظيمها وتزيينها، ثم بين الحكمة من لعن رسول الله ( متخذي القبور مساجد.
ثم أنكر إدخال قبر النبي ( في المسجد، وما بني عليه بعد ذلك، وكيف كان اهتمام النبي ( بإزالة القبور المشرفة بحيث بعث أميراً من أهله هو علي بن أبي طالب (؛ لطمس التماثيل، وتسوية القبور.
هذا مجمل ما احتوت عليه الرسالة، وهي قيِّمة في بابها، فرحمه الله وغفر له وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وهذه الرسالة قد قام بتحقيقها ونشرها د. محمد بن ربيع بن هادي المدخلي الأستاذ بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد طبعت للمرة الثانية عام (1419هـ).(1/263)
تلك ثلاثة نماذج من جهود شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله -، الخاصة في مواجهة القبورية، وهناك جهود أخرى كثيرة موزعة أثناء تراثه العظيم الذي خلّفه؛ ليستضيء به العلماء، ويتربى عليه الطلاب، ويرجع إليه المختلفون في كثير من القضايا، فهو لم يغفل مواجهة القبورية في تفسيره ولا أغفلها في شروحه للأحاديث وكتب الفقه، وما سهى عنها في فتاواه وردروده على الأسئلة عند أدنى مناسبة، فقد عاش هذه القضية بكل حواسه، وتفاعل معها بكل عواطفه، لذلك قال د. إبراهيم هلال، وهو يتكلم عن دعوة شيخ الإسلام الشوكاني إلى إخلاص شهادة لاإله إلا الله: (وقد أخذت هذه الدعوة منه حيزاً كبيراً، بحيث صار فيها في اليمن إماماً كابن عبدالوهاب في الحجاز من قبل، وابن تيمية في مصر والشام، ولاقى من جرائها الكثير من المتعصبين ومن المقلدين ورُمي بالنصب من أجلها، ومن أجل دعوته إلى الاجتهاد والرجوع بالتشريع، إلى طريقة السلف الصالح من الصحابة والتابعين) 851.
المؤلفات المفردة في مواجهة القبورية لعلماء اليمن الأعلى سوى ما تقدم:
ولعلماء اليمن الأعلى الآخرين جهود مشكورة مباركة في هذا المجال، وقد ألف الكثير منهم في الرد على القبورية رسائل مفردة، فمنهم:
1) محمد بن محمد السماوي، المتوفى سنة (1410هـ)، مترجم في هِجَر العلم (3/1407)، له رسالة بعنوان: " التوصل إلى تحريم التوسل " 852، في الرد على القائلين بجواز التوسل.(1/264)
2) يحيى بن محمد شاكر، المتوفى سنة (1370هـ)، مترجم في هجر العلم (4/2088)، له رسالة بعنوان: " دفع المشكك في وقوع شطر هذه الأمة في الشرك " 853، في الرد على من يقول بامتناع وقوع أحد من هذه الأمة في الشرك، كما له رسالة أخرى بعنوان:" السيف القاطع لأماني أهل الشرك والمطامع " 854، وجهها إلى الإمام يحيى حميد الدين، انتقد فيها عدداً من المنكرات، ومن أهمها المشاهد التي على القبور، وأوصاه فيها بهدمها وإزالتها وكذلك إزالة البدع والمنكرات والرجوع إلى الكتاب والسنة، وإفساح المجال للعلماء من أهل السنة؛ لتعليمها والعمل بها.
هؤلاء بعض من اطلعت على تآليفهم في هذا الباب، ولاشك أنه يوجد سواهم، وعدم اطلاعي لا يعني عدم وجود شيء من ذلك.
المطلب الثاني:جهود علماء اليمن الأسفل (من إب إلى عدن) في مواجهة القبورية:
العلم الأول
القاضي العلامة عقيل بن يحيى الإرياني
القاضي العلامة النابغة عقيل بن يحيى بن محمد بن عبدالله الإرياني، وصفه القاضي إسماعيل بن علي الأكوع بقوله: (عالم أديب كاتب شاعر له مشاركة قوية في الفقه وعلوم العربية، سلك مسلك أهل السنة في اتباع أدلة كتاب الله وسنة رسوله (، ونعى على المقلدين والمعتقدين بالأولياء جمودهم، وندد بمن يعتقد فيهم الخير، وأنهم يشفعون لمن يلتمس الخير عندهم، أو عن طريقهم، فاتهمه بعض الغلاة بأنه ينزع إلى عقيدة الوهابية فقال:
إن أنا نزّهت إلهي عن الأ نْداد قالوا أنت وهابي
لكن لي بالمصطفى أسوة فقومه سمَّوه بالصابي 855(1/265)
وقد ترجم له ابن أخيه الأديب مطهر بن علي الإرياني ترجمة مطولة في التقديم لرسالته موضوع البحث، عندما نشرها أخوه القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني، ضمن مجموعة رسائل في علم التوحيد، وذكر ذكاءه ونبوغه، وعدد العلوم التي أتقنها رغم عمره القصير والمجالات التي شارك فيها، وأبرز السمات التي كان متميزاً بها: (إخلاص التوحيد كله لله، وتشدده في ذلك إلى حد عدم السكوت حيث سكت الآخرون عن بعض ممارسات العامة واعتقاداتهم الباطلة بالأولياء وزيارة أضرحتهم والتقرب إليهم والهتاف بأسمائهم عائذين بهم عند حدوث أي حادثة كزلة قدم طفل أو وقوع دابة من أنعامهم أو نحو ذلك مما نظر إليه على أنه إشراك صريح لله في وحدانيته، وبحكم تمسكه الشديد بمبدأ " إخلاص التوحيد كله لله "، لم ينظر إلى هذه المسألة على أنها شبهة إشراك أو جهالات مضلة مما يقع في الكثير من العامة، بل نظر إليها على أنها الشرك بعينه كما نرى في كتابه هذا) 856.
ولم يعمّر طويلاً، بل اخترمته المنية في ريعان شبابه - رحمه الله تعالى -، فقد كان مولده سنة(1324هـ)، ووفاته سنة (1346هـ)، فكان عمره أقل من اثنين وعشرين عاماً رحمه الله رحمة واسعة) 857،وأثره الوحيد هو كتاب " السيف الباتر لأعناق عباد المقابر "، وقد اشتمل الكتاب على ثلاثة أبواب:(1/266)
الباب الأول: في أمور يجب التنبيه عليها، واشتمل على ستة تنبيهات: التنبيه الأول على قول النبي ( ((لتتبعن سنن من كان قبلكم))، ثم أورد تسع خصال وقع فيها التشبه بالمشركين في هذه الأمة، التنبيه الثاني في أن من مكائد الغلاة التشنيع على أهل الحق، التنبيه الثالث في أن من مكائد الغلاة إفهامهم العوام بأن ما يحصل عند قبور الصالحين من محبتهم، ومن أنكر ذلك فهو من مبغضيهم، التنبيه الرابع في أن كثيراً من يظهر عقيدة الغلاة، وينتصر لهم، ويصوب أقوالهم المخالفة لما جاءت به الرسل هم زنادقة، لايعترفون أن للعالم إلهاً ولا صانعاً... الخ، التنبيه الخامس أن من مكائد الغلاة التي كادوا بها العوام قولهم لهم: إن مَن خالف ما نحن عليه من عبادة القبور، نزلت به المصائب، التنبيه السادس في أن الغلاة يدّعون رؤيتهم النبي ( عياناً بجسده يقظة.(1/267)
وأما الباب الثاني: فهو في الاستغاثة وما يتعلق بها، بيّن حال القبوريين في هذا الموضوع، ثم استشهد على أن ذلك شركاً بالآيات الكريمة، وقارنهم بمشركي العرب، وبيّن أن المشركين السابقين لم يعتقدوا أن أصنامهم تخلق أو ترزق، وإنما اتخذوها شفعاء عند الله كشأن هؤلاء المعتقدين للقبور وأصحابها، ثم أورد بعض الآيات الآمرة بالالتجاء إلى الله (، وقد تكلم على البسملة والفاتحة، وبيّن ما فيها من الوجوه الدالة على وجوب توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به، ثم عزز بذكر آيات أخرى، مما يبين ذلك المقصود، ثم نقل نقلاً طويلاً من إغاثة اللهفان لابن القيم - رحمه الله -، ثم نقلاً عن العلامة "محمد رشيد رضا " من تفسيره " تفسير المنار"، ثم عقد فصلاً للتفريق بين الاستغاثة والتوسل، ثم تحدث عن التوسل، وقرر أنه إن كان التوسل عقيدة في المتوسَّل به فهو من النوع الأول، وإن لم يكن له فيه عقيدة وإنما أراد ذكره عند دعاء الله (، متبركاً بذلك الاسم فقط، فقد اعتبر هذا القسم " بدعة من أعظم البدع وأشنعها "، ثم عقد فصلاً آخر، أكد ما مر الكلام فيه في شأن الدعاء والذبح ونحوه. وبعده فصلٌ آخر يتضمن ما قاله الخصم من إثبات للأقطاب وبطلان ذلك بالدليل الواضح، وبعد ماعرّف القطب على مصطلح الصوفية قال: (أما إثبات الأقطاب هذه الصفة فمروقٌ من الدين وعدول عن سبيل الموحدين وخروج عن الصراط المستقيم) 858، ثم أورد الأدلة على بطلان قول الصوفية، ثم عقد فصلاً، قال في فاتحته: (ويلحق بذلك من شنيع مقالات أهل القبور في هذا الوقت قولهم: إن النبي ( لايخلو منه زمان أو مكان) 859،ثم أبطل ذلك، ثم كر على "عباد القبور " حسب تعبيره واعتقادهم الفضل والولاية بمن قد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وعدد أولئك الأقطاب في زعمهم من أمثال ابن عربي وابن الفارض وعبد الكريم الجيلي، ثم أورد أمثلة من كلامهم، ورد العلماء عليه وبيان حكم هؤلاء عندهم.(1/268)
وأما الباب الثالث: فقد عقده " في حكم زيارة القبور والسفر إليها "، ذكر الأحاديث الناهية عن شد الرحل إلى غير المساجد الثلاثة، وما أخذه العلماء منها من منع السفر إلى مشاهد الصالحين، ثم عقد فصلاً نقل تحته كلاماً لابن القيم - رحمه الله - من "إغاثة اللهفان" يوضح فيه مكائد الشيطان التي كاد بها الناس حتى عبدوا القبور.
وأما الخاتمة فقد خصصها لشبه الخصم، والرد عليها بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية،وجعل في آخره قصيدة تزيد على أربعين بيتاً في نفس الموضوع، لابأس من إيرادها هنا:
قل الحق واصدع بالذي فيه تؤمر
وبالعرف فأمر والتزم نهي منكر
ولله فاخلص بالعبادة وحده
سميعٌ عليم شاهد غير غائب
سماعاً عبادالله مني نصيحة
نصحتكم أبغي الفلاح لكم غداً
ألا نزهوا أوطانكم ونفوسكم
فهذي قبور الأوليا بينكم لها
وها هي كالأصنام بين ظهوركم
جعلتم برب العالمين مشاركاً
أتدعون ميْتاً زاعمين بأنه
ومن بعد قلتم إنهم شفعاؤكم
و أقسم بالرحمن جل بأنه
كما قلتمُ قالوا فسيقت إليهم
دعاؤكم مخ العبادة فاعلموا
وكم منكم يدعو"ابن علوان " قائلاً
أيا حابس الحنشان والفيل بل ويا
دعوتك أرجو أن تلبي دعوتي
فأنت الذي في كل وقت تجيبنا
فهذا هو الشرك الصريح الذي له ولا تخشَ غير الله والله أكبرُ
لتنج غداً من حر نار تسعر
فليس سواه للأنام يدبر
لطيف خبير رازق متكبر
هي الحق فاصغوا وانصتوا وتدبروا
وحق الذي يولي النصيحة يُشكر
عن الشرك والأوثان كي تتطهروا
يحُج ويستسقى لديها وينحر
إليها لدى وقع الشدائد يجأر
فيا ويح مَن مِن بعدِ الايمان يكفر
يجيب الذي يدعو ويُغني ويفقر
إلى الله فهو الخالق المتجبر
نظير مقال الجاهلية فاحذروا
خيول متينات الأعنة ضمّر
كما قال طه الصفوة المتخير
دعوتك مضطراً فجاهك أكبر
مقيِّد كل الجان أنت المسخِّر
وأيقنت أن النجح لا يتعسر
إذا ما إجابات الإله تؤخر
تكاد السماوات العلى تتفطر860
العَلَم الثاني
من أهل هذه المنطقة(1/269)
العلاّمة الكبير الشيخ أحمد بن محمد بن عوض العبَّادي - رحمه الله-
العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن عوض العبّادي - رحمه الله -،ولد بقرية من قرى إب، نشأ بها ثم سافر أسفاراً عديدة وطويلة، وصل خلالها إلى كابول، وأخذ بها عن الحافظ محمد تقي الدين الأفغاني في القرآن الكريم وفقه الشافعية وغيرهما من العلوم، ثم ارتحل إلى الهند، وطلب بها العلم ثمانية عشر شهراً تقريباً، ثم سافر إلى عمان، وتزوج من "صور"، وأقام بها اثنتي عشرة سنة، وحج من هناك مرتين، ثم رجع إلى بلاده ومنها إلى لحج، ثم عدن حيث استقر في الشيخ عثمان إماماً لمسجده الذي عُرف باسمه ويسمى كذلك مسجد "زكُّوا " 861.
وقد عرف في عدن بدعوته إلى الكتاب والسنة وتجريد التوحيد لله تعالى والمتابعة للرسول( وكانت بينه وبين علماء عدن من الصوفية القبورية مصادمات وخصام بسبب ذلك، ولعله من أوئل الدعاة المعاصرين السلفيين في الشطر الجنوبي من اليمن سابقاً.
غير أني لم أجد له ترجمة ماعدا النبذة اليسيرة التي قدّم بها العلامة البيحاني لمنظومته: "هداية المريد" 862 ولئن تجاهله المترجمون فلن يتجاهله رب العالمين - سبحانه -، أسأل الله أن يكتبه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً.
(2)
(3) أثره في مواجهة القبورية:
(4) الأثر الوحيد المكتوب للعبّادي هو منظومته "هداية المريد إلى سبيل الحق والتوحيد"، وهي منظومة متوسطة كلها في العقيدة والدعوة إلى التوحيد والاتباع، والتحذير من الشرك والابتداع، والرد على المخرفين والدجاجلة، كما وصفهم الشيخ البيحاني 863 - رحمه الله - في التعليق عليها.(1/270)
(5) وقد افتتحها بمقدمة أبان فيها منهجه وغرضه منها، فهي في اعتقاد السلف ونصيحة لإخوانه في الله، يحذرهم فيها من البدع والمحدثات 864، ثم عرّف العلم، وحث عليه لا سيما علم التوحيد، فهو المقدم على كل العلوم، ثم معرفة حقيقة الإيمان بما يجب الإيمان به، ثم معرفة الفروع، وحذر من الجهل بالتوحيد ثم الجهل عموماً 865، ثم ابتدأ في شرح العقيدة عموماً، وبدأ بتوحيد الأسماء والصفات، ثم انتقل إلى شروط التوحيد، ثم حذر من الاعتقادات الباطلة، وركز على قول من قال: "لو اعتقد أحدكم في حجر لنفعه "، وحذره من هذا القول، وبيّن أن الأصنام إنما عبدت بهذا الاعتقاد، ثم استمر في شرح مراده حتى وصل إلى نقطة مهمة في مسيره، هي التحذير من الشرك، وبين قبحه وسوء عقابه في الدنيا والآخرة، وعدد هنا بعض المكفرات، ثم وقف مع بعض ما يفعله القبورية عند القبور من أنواع العبادات كالاستغاثة وحلق الرأس، والطواف والاعتكاف عند القبور 866، ثم حذر من تكفير المسلم بغير بينة 867.(1/271)
ثم انتقل إلى الدعوة إلى السنة والتحذير من البدعة، وأطال في هذا الفصل، وتعرض لرد بعض الشبهات التي يوردها المبتدعة؛لإثبات بدعهم، مثل جمع الناس على صلاة التراويح في زمن عمر والأذان الثالث للجمعة في زمن عثمان، وأبان أن ذلك قد أقره الصحابة؛ وبذلك يصير سنة بإجماعهم، وأن الرسول ( قد صلاها جماعة في حياته فلا حجة للمبتدعة 868، ثم تعرض للحقيقة والشريعة، وأبان أن الحقيقة هي ماجاء بها الكتاب والسنة، لا ماجاء بها الصوفية المبتدعة، ثم انثنى عليهم في السماع الصوفي المبتدع والأوراد والأذكار البدعية، وفنّد ذلك، وسخِر منهم في رقصهم ووجْدهم؛ لأنهم إنما يفعلون ذلك عندما يذكر التشبيب والتغزل وتشبيه المرأة بغصن البان، ثم يزعمون أن ذلك من محبة الله، ثم أرشد إلى الذكر المشروع الذي جاء به كتاب الله وسنة رسوله ( 869، ثم نهى عن الغلو المذموم 870، وبعده حذر من التكييف والتشبيه في صفات الله تعالى، ثم تعرض لحكم البناء على القبور، وحذر من ذلك، وبين زيارة القبور الشرعية، وحث عليها والزيارة البدعية، وحذر منها، وما يترتب عليها من الغلو في أرباب القبور وما يحدث في تلك الزيارات من مفاسد عقدية وأخلاقية، وخلص إلى مشايخ الطرق وما يكيدون به الناس من الحيل والمكايد، لأجل ابتزازهم وأخذ ما في أيديهم والضحك على عقولهم 871، وانتهى بيان التصوف المحمود، ويعني به الزهد والورع وتخليص القلب من أمراضه، والذي يكون مبنياً على العلم النافع جالباً للعمل الصالح، وعدّد الأعمال الصالحات والآداب الحسنة التي يتحلى بها سالك هذا السبيل، وما ينبغي له من مداومة ذكر الله تعالى على الصفة الشرعية لا البدعية.872
هذه هي منظومة العلامة العبّادي، وقد علق عليها العلامة البيحاني - رحمه الله - تعليقات مهمة نافعة، وقد طبعت مرتين، الطبعة الأولى لم أطلع على تاريخها، ثم طبعت مرة أخرى عام (1389هـ) مع نفس التعليقات التي وضعت على الطبعة الأولى.(1/272)
العَلم الثالث
من أعلام هذه المنطقة
الإمام العلامة محمد بن سالم بن حسين الكدادي المشهور "بالبيحاني "
هو الداعية السني الكبير محمد بن سالم بن حسين الكدادي البيحاني، مؤسس المعهد الإسلامي بعدن، ولد - رحمه الله - " ببيحان " سنة (1326هـ)، وعند بلوغه الرابعة عشر من عمره أرسله والده إلى تريم بحضرموت؛ ليتعلم هناك في رباطها المشهور الذي يقوم عليه السيد عبدالله بن عمر الشاطري، فمكث أربع سنوات، ثم عاد الى بيحان،فمكث فيها سنتين، ثم توجه إلى عدن سنة (1346 هـ)، فلازم الشيخ أحمد بن محمد بن عوض العبّادي، وتزوج ابنته، ثم رحل إلى مصر، للالتحاق بالأزهر، فدرس في بعض معاهده، ثم في كلية الشريعة فيه، غير أنه ما لبث إلا سنة دراسية واحدة، اضطر بعدها إلى العودة إلى عدن حيث استقر في مدينة كريتر، وأسس فيها مسجد العسقلاني، الذي عُرف بالشيخ، وعرف الشيخ به، ومكث هناك يدعو إلى الله، ويقيم الدروس العلمية والوعظية، وينشر السنة المطهرة ويحارب البدع والخرافات والشركيات، كما كان على وعي سياسي جيد، فكان ينبه قومه إلى خطورة الاستعمار والانسياق وراء ثقافته ومبادئه الكافرة، ويدعو للتخلص منه.
ومن أبرز مآثره المعهد الإسلامي الذي أسسه هناك على نفقة جمع من المحسنين، والذي أُمم في أيام الإشتراكيين، وأصبح مقراً لوزارة الداخلية، كما أنه كان نشيطاً في التأليف، فألّف أكثر من اثنين وعشرين كتاباً من أشهرها كتاب "إصلاح المجتمع "الذي لقي قبولاً واسعاً، وانتشر في أقطار المسلمين عموماً، وتعددت طبعاته.(1/273)
وقد أصبح الشيخ علماً بارزاً لا في محيط اليمن وحدها، ولكن على مستوى العالم العربي والإسلامي، وكانت شهرة الشيخ بدعوته للكتاب والسنة ومحاربة الجهل والشرك والبدعة والخرافة، يشهد بذلك مترجموه، وتنطق به كتبه، فقد تعرض في إصلاح المجتمع في أكثر من مناسبة إلى ماكان شائعاً من البدع والشركيات، ودعا إلى التخلص منها، وقد سبق نقل شيء من كتابه إصلاح المجتمع في الباب التمهيدي.
كما ظهر توجهه ذلك ناصعاً جلياً في تعليقاته على منظومة شيخه أحمد العبّادي، الموسومة " هداية المريد إلى سبيل الحق والتوحيد " فقد نقد الشركيات، ونعى على أربابها، وطالب بإزالتها، بل صرح أنه قام بمحاولة لدى حكومة عدن؛ لإزالة مايحدث من الشرور في الزيارات مثل " زيارة العيدروس والهاشمي" وغيرها، وكادت أن تنجح تلك المساعي، لولا اعتراض بعض الجهال وسدنة القبور 873.
كما بين البدع العملية مثل السماع الصوفي وبدع الأذكار، وفنّد الكرامات الزائفة التي يروجها الصوفية، ويلبسون بها على العوام قال: (يزعم بعض أهل حضرموت أن دابة الفقيه المقدم كانت تعرفُ طرق السماء، وأن زوجته سئلت عن حالها،فقالت: (لسنا بخير بعد الفقيه، وقد كانت أخبار السماء في حياته تأتينا صباح ومساء)، وفي " المشرع الروي " من هذه الخرافات مالا يحصى كثرة، فليته لم يبرز إلى حيز الوجود، أو ليتها أكلته دابة الأرض التي أكلت عصا سليمان بن داود، والويل لمن كذّب بشيء من هذه الكرامات المكذوبة، فإنه يعد في نظر القوم كافراً ملحداً زنديقاً، وكان التصديق بها أعظم شأناً من التصديق بالمعجزات، فنسأل الله حماية الإسلام وصيانته من هذه الخزعبلات والخرافات. 874.(1/274)
وقد لاقى في سبيل دعوته تلك كثيراً من المحن والمصاعب، فصبر، وصابر، وكانت دعوته مفتاحاً من مفاتيح الصحوة المباركة في جنوب اليمن آنذاك، وبعد الاستقلال ومجيء الاشتراكيين إلى عدن لاقى من الإهمال والتهميش، بل من المضايقة والتهديد مالا يطاق، ففر إلى الشطر الشمالي كما كان يسمى ذلك الوقت، فاستقر في مدينة تعز معززاً مكرماً من الدولة والشعب، واحتضنه محبوه فيها، وأغدقوا عليه، وأجلوه، وأكرموه بما لا مزيد عليه، وفي عام (1392هـ) حج حجته الأخيرة، ثم عاد إلى تعز وبعد عودته بيوم واحد انتقل إلى جوار ربه، رحمه الله رحمة واسعة، وكانت وفاته في (10/12/ 1972 م) في تعز 875.
الأثر الخاص بمواجهته القبورية من آثار البيحاني - رحمه الله -.:
أما الأثر الخاص بمواجهة القبورية من آثار البيحاني- رحمه الله - فهو "الصارم القرآني في الرد على درر المعاني "،ودرر المعاني اسمه الكامل " درر المعاني في الرد على العبّادي وتلميذه البيحاني " وهو رد على منظومة العلامة العبادي المسماة هداية المريد، والتي عرفت بها سابقاً، وكان العلامة البيحاني قد علق عليها تعليقات مهمة وقوية، فانزعج القبورية للمنظومة والتعليقات عليها انزعاجاً كبيراً، فردوا بذلك الكتاب، فقام الشيخ البيحاني - رحمه الله - بالرد عليهم بكتابه الصارم القرآني.
والكتاب ما يزال مخطوطاً عند أحد أقارب الشيخ لم يطبع بعد، ولم استطع الاطلاع عليه غير أنني بعد محاولات حصلت على صورة لفهرس الكتاب وأربع صفحات منه فقط، وبالنظر إلى الفهرس يمكن أن نتعرف على صورة مجملة للكتاب، فقد صدّر الكتاب بقصيدة للقاضي الإرياني، ولم يبين أي القضاة من بني الإرياني هو، ولكن ظني أنه القاضي عقيل بن يحيى، والقصيدة هي التي ختم بها " السيف الباتر لأعناق عباد المقابر " والتي مطلعها:
قل الحق واصدع بالذي فيه تؤمر ولا تخش غير الله والله أكبر
ومن أبياتها القوية في مهاجمة القبورية قوله:(1/275)
لحا الله عبَّاد القبور فإنهم لقد بدلوا دين الإله وغيروا 876.
ثم بعد الخطبة تكلم عن مصادر الكتاب، ثم تعرض للكلام عن الكتاب المردود عليه " درر المعاني " وذكر، أنه مدح الصحابة والسلف الصالح؛ متوصلاً بذلك إلى ذم شيخ الإسلام ابن تيمية، والتهكم به وبمن يتابعه، ثم إن الخصم تعرض لهداية المريد، وهاجمها فعلق الشيخ على ذلك، ثم ذكر أن الخصم كذب عليهم، لعله يريد نفسه وشيخه العبّادي، ثم ذكر عقائدهم في الله وصفاته وملائكته ورسله وأولياء الله وصفتهم وخوارق العادات، وبين بعد ذلك من هو الولي، ثم تعرض لتاريخ الدعوة وإلى من ينتسب مذهب الوهابية، وفي أي عصر ظهر، وكيف كان ظهوره، ثم ألمح لخيانة الخصم في النقل، بعد ذلك عرَّف بشيخ الإسلام ابن تيمية، وثناء الناس عليه، وما قيل فيه من الرثاء.(1/276)
ثم جاء عنوان " نقد وتحليل"، ولعله موضوع رسالة الخصم، ثم تعرض لكتاب "كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب " وهو لمؤلف شيعي من العراق اسمه " محسن الأمين العاملي "877، وتعرض كذلك لكلام ابن حجر " وهو المكي الهيتمي " في ابن تيمية ورد عليه، وذكر أن الخصم استعان في رده بشواهد الحق " للنبهاني "، وأنه تشبث بالصواعق الإلهية لسليمان بن عبدالوهاب أخي الشيخ، كما عرج على الشطي أحد خصوم الدعوة الوهابية، ويظهر أن الشيخ رد على الجميع، ثم ذكر اتفاق الشيخين ابن الأمير ومحمدبن عبدالوهاب في العقيدة، ثم عاد بعد ذلك؛ ليذكر كلام الناظم "العبّادي" والمعلق "البيحاني" في عموم المسلمين، وبعد ذلك تكلم عن الحلف والذبح لغير الله، ثم نصوص زعماء الوهابية في عموم المسلمين، واستعرض بعد ذلك نصوص الكتاب والسنة الناهية عن دعاء المخلوق، وبعده عنوان " كلام المغالين في أصحاب القبور " ثم جهل الخصم بما يقول وكذبه على الصحابة والتابعين وجرأته في ذلك، ثم بشرية الرسول (، وبعد ذلك كله تعرض لتهمة الخصم له ولشيخه بكراهة الرسول (، ثم تكلم على طلب الشفاعة وأدلة الخصم عليها، خلص بعده إلى الكلام عن التوسل ما يجوز منه وما لايجوز، وأبطل أدلة الخصم، ثم نقل كلام الشيخ محمد عبدُه المصري في التوسل ودعاء الصالحين، ثم أوضح كلام الناظم والمعلق في الاستغاثة واحتجاج الخصم بالمجاز العقلي والأحاديث الضعيفة والرد عليه في ذلك، وتوالت العناوين: (" استدلاله بالقرآن " وكلام العلماء " الشرك بالله والاستعانة بغيره " الحياة البرزخية " غلط الخصم ومغالطته " رفع القبور والبناء عليها " نصوص العلماء وأقوالهم " هدم المساجد والقباب المبنية على القبور، دفاع الخصم عن التماثيل " إنكاره على ابن القيم "شرقه بحديث أبي الهياج " " دفاعه عن رفع القبور " " شد الرحال لزيارة القبور " كلام الناظم والمعلق في النذر " واحتجاج الخصم بما لا يفهم " الكلام على إهداء(1/277)
ثواب القراءة للميت ").
هذه عناوين الكتاب ومنه يعرف مضمونه، فهو في الرد على القبورية فيما يعتقدون في القبور من العقائد الضالة، وفيما يأتون عندها من الأعمال القبيحة، وما يوجهونه من تهم وافتراءات لخصومهم دعاة التوحيد، ودفاع عن أولئك الدعاة ورد عن أعراضهم وتبرئة لمناهجهم من الانحراف الذي رماها به القبورية، هذا هو ما ظهر لي من ملامح الصارم القرآني للشيخ البيحاني عليه رحمة الله.
وفي نفس السياق تأتي رسالته الصغيرة " زوبعة في قارورة " فجهود البيحاني في مواجهة القبورية ومواقفه منهم هي اللائقة بالعالم السني المتابع لمنهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى.
ولعل في رسالة الدكتور أحمد هجوان عن" الإمام البيحاني" ما يكشف مزيداً من هذه المواقف ولكني للأسف لم أطلع عليها.
المطلب الثالث: جهود علماء تهامة في مواجهة القبورية:
لقد تميز علماء وفقهاء تهامة بموقفهم الصلب والقوي من أصحاب وحدة الوجود، وأما موقفهم من القبورية العامة التي أبرز سماتها تعظيم القبور وأصحابها، فلم يكن بذلك الموقف القوي والواضح، وإن كنا لم نلمس من علمائهم الذين لم يتأثروا بالصوفية ذلك الانسياق وراء القبورية،كالذين تأثروا بالصوفية من أمثال المحدث "أحمد بن أحمد بن عبداللطيف الشرجي الزبيدي صاحب التجريد الصريح " 878 فإن الشرجي له كتاب " طبقات الخواص أهل الصدق والإخلاص " ملأه بالخرافات، ونقل فيه من الطامات ما يلحقه بركب الشعراني المشهور بنقل الطامات والهلوسة الصوفية، والشلي الحضرمي صاحب المشرع الروي الذي ملأه بالخرافات والدجل، بحيث يعجب القارىء كيف بلغت الجرأة به إلى هذا الحد، والاستخفاف بعقل القاريء إلى هذه الدرجة، فالشرجي لا يكاد يقل عنهما في كتابه "طبقات الخواص ".(1/278)
أقول: إن علماء تهامة الذين حاربوا أصحاب وحدة الوجود مع حسن ظنهم بالكثير من القبورية إلا أنهم لما يوافقوهم على الكثير من شطحهم وخرافاتهم، وكثيراً ما يجد القاريء لكتبهم - مثل كتب العلامة الحسين بن عبدالرحمن الأهدل - نقدهم في بعض أمورهم وتصرفاتهم، ولكن لم تظهر المواجهة إلا بعد انتشار الدعوة السلفية التي قادها "الإمام ابن الأمير والإمام الشوكاني، رحمهما الله" ووصول دعاة وجنود الدعوة النجدية إلى تهامة في القرن الثالث عشر، فمنذ تلك الفترة، ظهر من يحارب القبورية بقوة وجرأة وعلم وبصيرة، ومع ذلك فموقفهم من القبورية إذا قورن بموقفهم من أصحاب وحدة الوجود عد ضئيلاً،وإذا قورن عدد من تصدى للقبورية بمن تصدى لأصحاب وحدة الوجود كان قليلًا، وأنا أكتفي بعلَم واحد من أعلام تهامة هو:.
العلاّمة حسين بن مهدي النُّعمي التهامي ثم الصنعاني(1/279)
قال عنه السيد محمد بن محمد زبارة في " نشر العرف ": (السيد العلامة النبيل التقي الفهامة الحسين بن مهدي النعمي التهامي ثم " الصنعاني " 879، ولد كما يظهر بمدينة " صبيا " من أرض تهامة،ثم وفد إلى صنعاء للأخذ عن علمائها في حياة الإمام الصنعاني - رحمه الله - وصار من جملة أصحابه، حتى لقد اتهم هو والإمام الصنعاني بمخالفة مذهب الهادي والتظاهر بذلك 880، وقد ذُكر عنه العمل بالسنة وإحياء ما اندثر منها 881،ورغم ذلك فقد استمر العلامة النعمي في دعوته وتعليمه للسنن ومحاربة البدع مجللاً محترما ً882،حتى أن إمام العصر "المهدي " قد أذن له في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان المخالف من خاصة المهدي، وقرأ "الإمام" على المترجم له أياماً في "شرح العمدة لابن دقيق العيد " 883، وتوفي - رحمه الله - سنة (1187هـ)، هذا هو العلامة النعمي لم يحفل به المترجمون، ولكن كتابه العظيم الذي سنعرض له، يشهد بعظمته وسعة علمه، ويصور لنا منهجه الذي هو منهج السلف الصالح، منهج التجديد الذي عرفناه من ابن الأمير والشوكاني رحمهما الله.
أثره في مواجهة القبورية:
أثره المطبوع المتداول في مواجهة القبورية هو كتاب" معارج الألباب في مناهج الحق والصواب" هذا هو الاسم المختصر للكتاب، وقد وُجد على طرة النسخة الخطية مايلي:
(معارج الألباب، في مناهج الحق والصواب لإيقاظ من أجاب بحسن بناء المشاهد والقباب، ونسي ما تضمنته من المفاسد وهي، عجب من الخطوب عجاب، وأحال أخذ الحكم من دليله في هذه الأعصار فَسدَّ باب الحكمة وفصل الخطاب، وعطّل الانتفاع في هذه الأزمان بعلوم السنة والكتاب، إلى غير ذلك مما يأتيك بيانه وتحقيقه - إن شاء الله - بأحسن تحرير وجواب) 884.(1/280)
هذا ماكتب على طرة الكتاب وهو معرِّف به، مبين عن وجهته، مشير إلى السبب الدافع إلى تأليفه، وهو الرد على من أجاب باستحسان تلك المشاهد والقباب على قبور الأولياء، وقد نص على هذا السبب في مقدمته الكافية فقال: (وبعد، فلما كان في شهر ربيع الآخر من شهور سنة سبع وسبعين ومائة وألف من الهجرة النبوية، وقفت على صورة سؤال، وغير ماجواب في شأن ما يسر الله هدمه، وافتقاده من المشاهد والقباب، وإزالة ما أزيل منها بالتدمير والخراب؛ لما تفاحشت خطوب مفاسدها في هذا الزمان، وضاهت رسوم الجاهلية الجهلاء النافية للتوحيد والإيمان، مع كون وضع القباب أمراً صادم المأثور الصحيح من النهي الصريح، فهو بمجرده ممنوع شرعاً، كما قد شرحت ماجاء فيه ضمن رسالة مستقلة وجيزة، أسفرت عن وجهة الصبيح واسمها: " مدارج العبور علىمفاسد القبور ".
وكان قبل هذا التاريخ بمدة يسيرة، ألقى إليّ بعض أعيان الزمن بمدينة صنعاء اليمن - حاطها الله وسائر بلاد الإسلام من طوارق المحن والفتن - كتاباً ورد عليه من مكة المشرفة، ذكر فيه ما حاصله:
أنه وصل إلى هنالك سؤال في هذه المسألة، وأنه أجاب فيه مفتو الأربعة المذاهب، بما يتضمن التشنيع على من دل على هدم القباب والمشاهد، وأشار بتخريب تلك المعاقل والمعاهد 885. وبعد أن أبان خواء ذلك الجواب، وعدم استناده إلى سنة ولا كتاب، وإنما (أجابوا: بأنه صرح به في المنهاج وشرحه،وهو الذي فهمه ابن عبد الحق من عبارة الروضة بالجواز) 886. كر على المجيبين، وندد بأصلهم الذي عليه يعتمدون، وإليه يرجعون، وهو التقليد المحض والمنع من إعمال النظر في الأدلة، وقد شنع عليهم، وأطال النفس في ذلك، شأنه شأن مشايخه وزملائه من المدرسة السلفية في اليمن، وقد استغرق ذلك باقي المقدمة.(1/281)
أما الباب الأول: فجعله في أبحاث متفرقة تتعلق بتلك الأجوبة، منها الرد عليهم في أخبار استدلوا بها، وقد أخلّوا بشروط الاستدلال إما دراية أو رواية، فالدراية كونهم لم يستدلوا بها على وجهها كاستدلالهم بحديث ((من آذى لي ولياً)) على حرمة المشاهد والقبور.
وقد حاكمهم أولاً إلى أصلهم و(على جواز أخذ الحكم من دليله وإمكان الاجتهاد في هذه الأعصار) فكيف يجيزون لأنفسهم خلاف ما أصلوه، ثم ناقشهم في الجزم بكون هذا المدفون ولياً، وأبان جانباً مما ينسب إلى من يوصفون بالولاية من الشطح والتخريف، وكيف يكون هدم هذه القباب إيذاءاً لأولياء الله وهو امتثال لأمر رسول الله (؟! ثم رد عليهم حديث: ((مارآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن)) وأن ذلك لايثبت عن رسول الله ( 887، وأخذ يبدي ويعيد في موضوع الاجتهاد والتقليد إلى نهاية الفصل888، وهكذا في الفصل الذي يليه، رد على من قال منهم: (ولا يدعي الاجتهاد في زماننا هذا إلا من جهل شروط الاجتهاد وعريَ عن أصول الفقه)، واستمر في رده إلى نهاية الباب الأول 889.
أما الباب الثاني: فجعله (في ذكر جملة شافية من الأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة، الشاهدة بأن وضع القباب والبناء على القبور من أصله وتشريفها والكتابة عليها وتجصيصها واتخاذها مساجد وما يتصل بذلك: أمر تقرر في الشرع منعه، وسبق الحكم الجازم بالنهي عنه)، وبعد أن نقل من ذلك جملة كثيرة علّق على بعضها، ونقل نقلاً طويلاً عن ابن القيم من " إغاثة اللهفان "، ثم علّق على بعض كلام ابن القيم وانتهى الباب) 890.(1/282)
أما الباب الثالث: فجعله للرد المباشر على تلك الأجوبة حيث يذكر جملة من الجواب،ثم يرد عليه، وقد استغرق هذا الباب بقية الكتاب، ولم يقتصر على تفنيد شبههم المتعلقة بالمشاهد والقباب، وإنما تطرق إلى ضلالات المتصوفة، وأنواع الشرك التي تُرتكب عند المشاهد والقبور، وما يجب على المسلمين والعلماء تجاه ذلك، وهو نقاش قوي ومنهج سوي مفيد لطالب العلم في رد شبه القبورية.
فرحم الله العلامة النعمي، وغفرله، وجزاه خير الجزاء على ما قدم، وله أثر ثانٍ أخص في الموضوع بعنوان " مدارج العبور على مفاسد القبور " ذكره في مقدمة المعارج (27)، ولا أعلم عن وجوده شيئاً، وأما مضمونه فهو في النهي عن البناء على القبور، وما يلحق بذلك حسب إشارة المؤلف..
المؤلفات المفردة في مواجهة القبورية لعلماء تهامة:
ولغير من تقدم مؤلفات ورسائل مفردة تعنى بمواجهة القبورية في بعض الجوانب،و إليك جدولاً بأسماء هؤلاء العلماء وأسماء مؤلفاتهم:
1) محمد بن أحمد الأهدل المتوفى سنة (1271هـ)، وله رسالة بعنوان " تحذير الإخوان المسلمين من تصديق الكهان والعرافين " ووجه كونها في مواجهة القبوريين أن بعض القبوريين هم الذين يقومون بالكهانة والعرافة باعتبار ذلك من الكرامات، المرجع هجر العلم (4/ 2015).
2) حسن بن خالد الحازمي: المتوفى سنة (1234 هـ) أو (1235 هـ)، له رسالة بعنوان " قوت القلوب بمنفعة توحيد علام الغيوب" واضح من العنوان أنها في الدعوة إلى التوحيد وقطعاً في التحذير مما يضاده من عقائد وأعمال القبورية، المرجع هجر العلم (3/1224).
3) الحسين بن عبدالرحمن الأهدل المتوفى سنة (855 هـ) له رسالة بعنوان " القول النضر على الدعاوي الفارغة بحياة الخضر) يرد بهاعلى عقيدة مشهورة من عقائد القبورية وهي القول بحياة الخضر وزعم الالتقاء به والأخذ عنه. المرجع هجر العلم (1/ 46).(1/283)
4)قادري بن أحمد الأهدل مازال حياً - حفظه الله -له منظومة بعنوان" بهجة القلوب بتوحيد علام الغيوب " وهي مطبوعة مع هداية المريد للعبّادي، وقد تناول فيها الكثير من انحرافات القبورية، وأبان ضلالها وكشف عوارها.
المطلب الرابع: جهود علماء حضرموت في مواجهة القبورية:
لم تترسخ القبورية في أي ناحية من نواحي اليمن كما ترسخت في حضرموت، حيث سيطر القبورية فيها على كل شيء، سيطروا على الحكام، ووجّهوا السلاطين وسعوا لجلب الاستعمار، وكان لهم عنده مكانة مرموقة، وأمسكوا بزمام القيادة العلمية والروحية في البلد بقبضة حديدية، لم تترك لسواهم وسوى الدائرين في فلكهم متنفساً؛ لذلك لا نرى تلك المعارضة للفكر الصوفي في حضرموت مثل ما عورض في زبيد وصنعاء أو غيرهما من أنحاء اليمن، وحتى كتابة التاريخ فقد احتكروها بين قادة التصوف وأنصارهم، فجاء تاريخ حضرموت كما يشاؤون لا كما هو في الحقيقة، لذلك لا غرابة أن يقل أو ينعدم المواجهون للقبورية فيها، ومن ظهر فإنما ظهر بعد أن حصلت للقبورية الهزات العنيفة بفعل الدعوة السلفية في صنعاء وفي نجد؛ حيث وصلت الجيوش النجدية إلى قلب وادي حضرموت، والتقى دعاتها بالناس، فتأثر بهم رجال من شتى الطبقات حتى من السادة العلويين 891، ثم دعوة الإرشاد باندونيسيا،
ومن هؤلاء الذين برزوا:
العَلَم الأول
الشيخ علي بن أحمد باصبرين
وهو العلامة الفقيه المحدث الأديب الداعية علي بن أحمد باصبرين - رحمه الله - لم يُعرف تاريخ ولادته وتاريخ وفاته بالتحديد؛ ولكن العلامة الشيخ علي سالم بكيّر يرجح أنه (عاش في النصف الأخير من القرن الثالث عشر الهجري وأوائل القرن الرابع عشر)892، وكان هذا الإمام متميزاً بالشجاعة متظاهراً بحمل السلاح يقول عنه علوي بن طاهر الحداد: (كان شجاعاً ذا عزم لايزال متمنطقاً بمسدس أو مسدسين)893.(1/284)
وكان ذا غيرة شديدة حملته على إنكار الكثير من المنكرات والعمل على تغيير بعضها باليد، يقول الحداد: (وأحسب أن له يداً في الثورة التي وقعت بجده على قناصل الدول وهي واقعة مشهورة، وقد تمكن من الفرار فسلم، وهو الذي أثار العوام على الأبنية التي جعلت على الجمرات الثلاث بمنى فهجموا عليها وأخربوها)894.
كما كان مبرزاً في العلم متفوقاً فيه، وصفه أحد العلويين بقوله: (وهو إمام في كل العلوم)895، وكان عاملاً بعلمه داعياً إلى ماهو مقتنع به، لم يجمد على ما كان عليه أهل مصره وعصره؛ بل دعا إلى التوحيد وحذر من الشرك وزيف الخرافات وحارب المنكرات؛ ومن أجل ذلك حاربه علماء حضرموت ونازعوه وحذروا منه، يقول ابن عبيدالله: (وجرت بينه وبين علماء تريم منازعات في عدة مسائل، منها التوسل والاستغاثة ومنها ثبوت النسب بمشجّرات العلويين المحررة، وكان الشيخ يبالغ في إنكار ذلك وألِّفت رسائل من الطرفين 896)، ونقل مستنكراً ما قاله أحمد بن حسن العطاس عن هذا الإمام فقال: (وفي مجموع كلام العلامة السيد أحمد بن حسن العطاس أن بعض العلماء المصريين قال له::" نعرف من الحضارم حدة الطبع، وأنت بعيد عنها " قال له:" من عرفت من الحضارم؟ " قال له:" عرفت الشيخ علي باصبرين، وجلست معه في الحرمين سنين، فرأيت من حدته ما لا مزيد عليه "، فقال السيد أحمد:" ذاك رجل من أهل البادية، وتلقى شيئاً من العلم، وقد حجر سلفنا وأشياخنا على المتعلقين بهم الأخذ عنه؛ لأنه ليس بأهل للإلقاء ولا للتلقي، ولا يخفى عليكم ما في طباع البادية من الغلظة والجفاء "، انتهى.وفي هذا غض من مقام الشيخ علي لايليق بالإنصاف، وقد علمت أن السيد عمر بن حسن الحداد قرأ عليه وهو من مراجيح العلويين)897.(1/285)
ويبرز اتجاهه التجديدي من خلال بعض مؤلفاته ومنها:" إرشاد صالحي العبيد لتحقيق إخلاص كلمة التوحيد " ذكرها في المسألة التاسعة من " المهمات الدينية " المتعلقة بالنهي عن قول العوام (ياولي الله جئنا إليك وحططنا الذنب بين يديك) بعد أن علق عليها قال: (ومن أراد توضيح ما في المقام فعليه برسالتي المسماة " رشاد صالحي العبيد لتحقيق إخلاص كلمة التوحيد " 898.
وهذه الرسالة لم نعثر عليها، ولكنا عثرنا على المهمات وسوف يأتي الحديث عنها حين نتكلم عن أثر هذا العالم في مواجهة القبورية،وله مؤلفات أخرى منها خمسةكتب في الفقه الشافعي،وكتاب عن أنساب السادة العلويين سماه " حدائق البواسق المثمرة في بيان صواب أحكام الشجرة " فرغ من تأليفه سنة (1298 هـ) قاله ابن عبيد الله 899، ورسالة في الرد على بعض من اعترض عليه في رسالة الشجرة المذكورة. 900 إضافة إلى تلك الكتب هناك كتاب مخطوط في مكتبة الحرم المكي بعنوان "إتحاف الناقد البصيربخصوص صحيح الجامع الصغير" ذكره شيخنا الألباني في مقدمة كتابه صحيح الجامع الصغير وقال: إنه اطلع عليه في مكتبة الحرم المكي، وقد نقد المؤلف حيث أنه يتابع السيوطي على تصحيحه دون تحقيق من قبله 901.
هذه نبذة عن الشيخ علي باصبرين رحمه الله وهو مترجم في " الشامل في تاريخ حضرموت "، و" إدام القوت أو معجم بلدان حضرموت "، " وتاج الأعراس " وكلها تراجم موجزة.
أثر هذا العلم في مواجهة القبورية
كان الأولى أن أدرس رسالة " إتحاف صالحي العبيد " التي أشرت إليها سابقاً ولكنها مفقودة؛ لذا لجأت إلى الرسالة الأخرى وهي: " المهمات الدينية في بعض المرتكب من المناهي الربانية ".(1/286)
وهي رسالة صغيرة حصر فيها المؤلف مجموعة من المناهي التي قد ارتكبها الناس، ولم يتقيد بباب من أبواب العلم، وإنما نوعها بحسب أهمية تلك المناهي المرتكبة، فاشتملت الرسالة على خمس وسبعين مسألة، قال في مقدمتها: (ولقد جمعت في هذه العجالة خمساً وسبعين مهمة من مهمات الدين مما عم الابتلاء بالتلبس بها، وقد أرسلت منها نسخاً عديدة لكل كبير بلد أو قرية،كل هذا خروجاً من عهدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإبلاغ الجهد في بذل النصيحة لهذه الأمة المباركة، لعل وعسى أن ينتفع بها مؤمن صالح، ويرتدع بها وينيب غاوٍ بجهالته طالح)902.
وقد مضى في تلك المهمات إلى أن قال:(التاسعة) مما يحرم ما يقال عند إقبال الزائرين إلى المزور:
(ياوليّ الله جئنا إليك وحططنا الذنب بين يديك)(1/287)
وقد علق على ذلك وبين مافيه من الغلو، وأنه لايغفر الذنوب إلا الله، ثم أحال على رسالته السابق ذكرها، ومضى إلى المهمة (الثامنة عشر) وفيها تعرض لما عند بعض جهات حضرموت أنهم: (إذا ميزوا زكاة أموالهم بنحو حَجْر والرِّيَد903 يقولون: (هذا لله وللشيخ سعيد أو حق الله وحق الشيخ سعيد مثلاً)904، ثم تكلم عن ذلك من الناحية الاعتقادية والناحية الفقهية، وقد حكم أن هذا القول خلاف الصواب، وأنه مبني على اعتقاد أنهم (إذا فعلوا ذلك يأمنون عاهات أموالهم وإلا فيصابون بعاهة في أنفسهم وأموالهم، أو من الله إذا أغضبوا الشيخ بمخالفة عادتهم من إعطائهم مالا يستحقه، مع نسبة الآثار إلى مايتوهم الجاهل أنه منه، وذلك خلاف الصواب والحق أن موجد الآثار وأسبابها هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد القائل سبحانه: ( ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولاخلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ()905، والحق أنه لم يشبع المسألة وربما كان ذلك لأجل الاختصار، وفي المهمة (العشرون) تحدث عن النذر وأنه (لايصح إلا إن كان لمن يملك - ومنه المسجد- طاعة لله وقربة بها يتقرب إليه تعالى لا لميت وبهيمة ما لم يرد غيرهما المعتبر، ولا معصية أو مكروهاً أو مباحاً لآدمي أو جني أو معظم ما غير الله الواحد الأحد الفرد الصمد، لرجاء مالم يقضهِ الله له لو لم يشفع له هذا المعظم، أو دفع ما قد قضاه الله وأبرمه عليه في سابق علمه، فهذا محرم بل كفر في حق العالم والجاهل الذي أخبره بمقتضى ما يتضمن ذلك من هو من أهل الإخبار والتعليم 906).
والشيخ قد أبان جانباً مهماً من الحق في هذه المسألة؛ وهو تحريم النذر للأموات، وأنه متى صاحبه ذلك الاعتقاد صار كفراً في حق العالم والجاهل الذي قد أخبره به من هو أهل للإخبار، ولكن هنا أمران:(1/288)
الأمر الأول: تصحيح النذر عند إرادة المعتَبَر ممن له علاقة بالقبر فإن هذا موهم جداً ومغرٍ للعوام بالنذر لتلك المشاهد والقباب ومن فيها، وتَرتُب الاعتقاد إن لم يكن موجوداً حال النذر والغالب أنه لاينذر لها ولم يقصد من عندها من الزوار وغيرهم إلا مع وجود الاعتقاد فيهم، ولذلك فقد انتقد هذا المسلك الشيخ أبو بكر الخطيب في فتاواه معللاً بأن (الغالب أنهم يقصدون تعظيم ذات الولي أو قبره أو مشهده وذلك باطل والله أعلم بالصواب)907، وكذلك الرسول ( عندما نذر الرجل أن يذبح إبلاً ببوانه سأله: ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قال: لا قال: (فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قال:لا قال: فأوف بنذرك)) 908، وهذا يدل على أن النذر لو كان لمكان فيه وثن أو عيد لما أجازه؛ لئلا يظن ظان أن ذلك لتعظيم تلك البقعة، وهكذا هنا فإن قصد تعظيم ذلك المشهد والقبر هو الغالب، فكان الواجب سد هذه الذريعة وعدم تصحيح النذر من أصله.
الأمر الآخر: جعل النذر شركاً -إن وجد الاعتقاد والتعظيم- هذا فيه قصور، إذ النذر عبادة لله تعالى وليس كما يفهمه بعض الفقهاء مجرد هبة أو عطية، ولذلك فجعله لهذا المشهد أو القبر هو في حد ذاته قربة وعبادة، وصرف ذلك لغير الله شرك، ولولم يوجد التعظيم؛ لأن الحامل عليه هو الخوف أو الرجاء كما ذكره الشيخ آنفاً، بخلاف ما لو نذر لحي فإنه في عرف الفقهاء بمعنى العطية أو الهبة، وعلى ذلك درج الناس فيما يتعاطونه بينهم فيقول قائلهم نذرت لابني أو أخي أو فلان بكذا أي وهبته، فما كان من هذا القبيل فلا يمنع إلا أن قارنه التعظيم والتقرب والله أعلم.(1/289)
أما المهمة (الحادية والعشرون) ففيها يقرر المؤلف أنه لايتقرب ولايعظم بالصلاة والنسك " الذبح " إلا لله تعالى، ولاينسب الإحياء والإماته إلا لله تعالى، وهذه أمور معلومة لا إشكال فيها وإن كان من الناحية العملية بعض القبورية أو جلّهم يخالفون في الذبح فيجيزونه لغير الله،ويتأولون ما يفعل من ذلك عند العوام، والذي لاعلة له إلا "تعظيم من ذبح له" يتأولون ذلك بتأويلات باطلة،وكذا الإحياء والإماتة، هذا أصل من الناحية النظرية متفق عليه، أما من الناحية العملية فالصوفية ينسبون لأوليائهم الإحياء والإماتة -كما جاء في ترجمة علوي بن الفقيه المقدم من المشرع وغيره - وقد تقدم إثبات اعتقادهم لذلك في الباب الثاني، وذلك غاية الإلحاد والعياذ بالله، ثم يرتب على ما تقدم تحريم العقيرة 909، لكونها يهل بها لغير الله ولغير ذلك من المحظورات التي تترتب على ذلك، ويأتينا هنا بفائدة جديدة جليلة وهي أن الزامل910 الذي يكون غالباً مصاحباً لزيارات الأولياء هو: (لتعظيم المقبور له بمنزلة تلبية وفد الله تعالى بالحج والعمرة وهذا من أعظم المنكرات وأعظم منها سكوت أهل العلم عنهم فيما لو فرض سكوتهم فضلاً عن رضى عاقل بذلك) 911، وهذه النكتة لم أعرف من نبه عليها غيره ولكن لا استبعد صحة ما قرر في ذلك إذ أنّ هذا هو الشأن في معظم الزيارات إن لم يكن فيها جميعاً وهذا أولاً، وثانياً: أنها فعلاً تعتبر تعظيماً للولي وذلك برفع الرايات التي هي شعاره واشتمالها غالباً على أبيات شعرية في مدحه أو دعائه والاستغاثة به. وثالثاً: أن خليفة ذلك الولي المسمى عندنا " منصب مقامه " يعطى في هذه الزيارات من التعظيم والتفخيم وإظهار مقامه وقدره شيئاً عظيماً كما نبه عليه " الصبان " في كتابه زيارات وعادات " زيارة نبي الله هود " 912، فرحم الله الشيخ باصبرين.(1/290)
والمهمة (الثانية والعشرون) يقرر فيها أن الحلف بغير الله تعالى وصفاته وأسمائه شرك، ثم قسم الشرك إلى جلي وخفي،وأن الجلي هو المخرج من الملة والخفي لايخرج من الملة،ثم تعرض لصيغ من الحلف وتكلم عنها، ثم فرق بين ماكان المقصود به تعظيم المحلوف به كتعظيم الله أو يخاف منه كخوفه، أو يرجى منه نفع لم يقضه الله،أو يدفع عنه ضر قد كتبه الله فهو الحرام الكفر اتفاقاً،أما إذا سلمت العقيدة من ذلك فلا كفر جلي وفي الخفي خلاف والورع تركه مطلقاً) 913 وهذا تفصيل جيد،,أجود منه لو صرح بتحريم النوع الثاني وإن لم يكن شركاً.
والمهمة (الستون): قال لايجوز لأحد حكاية ماصورته منكر، وإن صدر عن بعض الأكابر محمول على أنه مؤول عنده بتأويل غير متبادر للعامة؛أو أنه صدر حال غيبة عن تعقل مقوله بوجه من الوجوه أو أنه من قول غيرٍ كجني كما قال بعضهم:
أنا عرشها والكرسي أنا للسما بانيها
ولولا الحيا من جدي نار الجحيم أطفيها 914
والنهي عن ذلك في محله، وأما التأويل لذلك فبعيد وقد تقدم إيضاح ذلك 915
المهمة (الحادية والستون): قال فيها (من المحرمات قول بعض المعتقدة جواباً لقول المعتقد ادعُ الله لي بالجنة " أنت في الغدفة أو ضماني ") 916، وهذا القول يتكرر كثيراً من بعض أقطاب القوم في مناسبات مختلفة وهو محرم كما ذكر الشيخ إن كان مجرد جرأة عن غير اعتقاد،أما من اعتقد أنه يملك ذلك فهذا طاغوت لأنه زعم لنفسه حقاً من خالص حق الله تعالى.
هذه هي المهمات التي تعرض فيها الشيخ للقبورية ونقد بعض عقائدهم وأعمالهم، وأما بقية المهام فإنها منكرات يقع فيها الكثير من الناس وهي معاصي لاعلاقة لها بالقبورية.(1/291)
والشيخ -رحمه الله تعالى- قد تحرر من غل التقليد لمعلميه والتأثر بمجتمعه إلى حد كبير،وحسبه ذلك مادام مجتهداً باحثاً عن الحق جاداً في العمل به والدعوة إليه،وقد بقي لديه بعض آثار مدرسة حضرموت لم يستطع التخلص منها وهي قليلة في جانب ما حقق من إصابة للحق،فرحمه الله وغفر له.
العَلَم الثاني
من أعلام المواجهين للقبورية في حضرموت
الشيخ محمد بن علي بافضل رحمه الله تعالى
للأسف لم أعثر لهذا الشيخ على ترجمة مكتوبة،ويقال أن هناك ترجمة كتبها هو لنفسه بعنوان "حياتي" غير أنني لم أتحصل عليها،وهي عند بعض أولاده كما أخبرني بعض أقاربه، فلذلك أكتب ملامح عامة عنه فأنا أعرفه،وقد جالسته وحضرت درساً من دروسه في مدينة " القَطْنْ " بلده الذي ولد وعاش فيه معظم حياته.
كانتدراسته الأولى في رباط تريم على يد شيخه الشهير عبدالله بن عمر الشاطري، ثم هاجر إلى الصومال ومكث هناك ردحاً من الزمن، ولعله هناك التقى ببعض المصريين من أنصار السنة وبذلك تحول إلى الاطلاع على كتب الإمامين ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمهما الله وأئمة الدعوة السلفية في مختلف العصور حتى صار بذلك من أعلام الدعوة السلفية.(1/292)
يقول فضيلة الشيخ " السيد السيد رجب " المدرس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في تقديمه لكتابه " دعوة الخلف إلى طريقه السلف " وهو يتكلم عن أعلام الدعوة الذين أشعلوا المشاعل لينيروا الطريق وليوضحوا السبيل ليسترشد الحائر ويهتدي السائر: (ومن هؤلاء العالم الفاضل، والشيخ الوقور، والمربي الأمين، والقدوة الطيبة والمجاهد المكافح الذي صابر وثابر وأفنى شبابه وصحته في سبيل الدعوة وإبلاغ الحجة وأداء الأمانة وإيقاظ الغافلين،والأخذ بيد العاملين،والذي نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، ذلكم هو الشيخ " محمد علي بافضل "، بارك الله فيه وأطال عمره ونفع به وجزاه بكل خير، فقد جاهد وناضل في سبيل عقيدته، في كل مكان حل به وأقام فيه، ومن يذهب إلى الصومال يجد مسجداً فخماً سمي باسمه، أقامه وشيد أركانه، وكان إمامه وخطيبه ومدرس العلم والمعرفة لرواده وأحبابه وإخوانه ومعارفه، فهذا درس التفسير، وذاك درس الحديث، وهذا درس الفقه، بل كان يدرس النحو والصرف وهكذا.
وكلٌّ حسب منهج دراسي منظم، ومستويات علمية متباينة، فربّى رجالاً فاهمين عالمين عاملين، جمعوا بين طلب الدنيا والدين، والشباب والشيوخ من حوله ملتفون، كان لهم العالم والمرشد والأخ والصديق والأب والرفيق، يلتفون حوله ويستجيبون لنصحه، ويعملون بتويجهاته ويستشيرونه في أخص أمورهم، وإن أنس لا أنسى ليلة وداعه وهو مغادر الصومال بعد إقامته فيه مدة طويلة إلى موطنه العزيز والجموع محتشدة في ذلك المسجد بمقديشو والرجل يفيض على الجميع من علمه وتجاربه ونصائحه وكانت كلماته مشوبة بأنفاس كبد محترق تلفح الآذان، والناس في حزن عميق وألم للفراق شديد، ثم يحمِّلني تبعة القيام بالمسجد ويعهد إلي بتحمل الأمانة ولكن أنّى لي ولأمثالي أن نملأ هذا الفراغ ونقوم بذلك العمل الكبير والمجهود العظيم فجزاه الله خير الجزاء) 917 هذه لمحة عن حياة الشيخ وجهده في المهجر.(1/293)
وأما في الوطن فأنا أسجل ما بلغني عنه وما شاهدته منه مباشرة:
فلقد سمعت بالشيخ وجهوده ودعوته إلى الكتاب والسنة في آخر حياته رحمه الله،حوالي عام اثنين أو ثلاثه وتسعين وثلاثمائه وألف هجرية،حيث وصف بالدعوة إلى التوحيد والسنة ومحاربة البدع والشركيات وبيان خرافات الصوفية وتزييفها، وماكان قائماً به من نشر العلم والإفتاء في مدينته القطن، ثم شاء الله بعد مدة أن أزور القطن وأصلي المغرب والعشاء في مسجدها الجامع، حيث يدرس الشيخ وقد كنت ذاهلاً عن الشيخ ودعوته التي وصفت لي من قبل، فلما كان بين العشائين فإذا بالشيخ يتصدر الحلقة العلمية ليدرس طلابه من كتاب فقه السنة " للسيد سابق " وفي سيرة الرسول ( ولا أذكر ما هو الكتاب الذي كان يدرس فيه وقتها،فجلست في الدرس وسمعت كلاماً قيماً غريباً على ما هو معروف في الأوساط العلمية الحضرمية آنذاك، وبعد انتهائه من الدرس أردت أن أتأكد مما سمعت، فسألته عن بعض الأمور المتعلقة بالبدع والشركيات المنتشرة في البلاد، فأجاب جواباً صريحاً واضحاً بما يشفي غليل محب السنة والتوحيد، فاطمأننت إليه واقتربت منه وتعرفت عليه وعرفته على نفسي، فقال لي: (لقد أجبتك على تلك الأسئلة بما سمعت لأنني هنا في القطن ولوكنت من شبام وحدرا لسبطونا على تلك الأجوبة) هكذا بهذه اللهجة الدارجة ومعناها: أنه لما أجابني بما أجابني لأنه في بلد القطن الذي قد استجاب أهله للدعوة السنية وآمنوا بها، ولو أنه كان في مكان آخر من بلد شبام أو ما كان شمالاً عنها لضرب على تلك الإجابة لما عليه أهل تلك الديار من التعصب والخرافة، وعندها عرفت أنه ذلك العالم السلفي الذي حُدَّثْتُ عنه من قبل، ثم دعاني إلى منزله فاعتذرت فواعدني من اليوم الثاني حيث أخذني إلى مسجد جديد كان يقوم على عمارته وفي أثناء تجولنا في المسجد كان يشكو إلي سوء الأوضاع في البلاد ومحاربة النظام الشيوعي للدين وأهله وما يلاقيه هو من رقابة ومتابعة(1/294)
شديدة، ثم إنه رحمه الله سافر إلى المملكة العربية السعودية، حيث وافاه الأجل في مدينة جده حوالي عام (1404هـ)، وقد ترك أثراً طيباً في بلده وكان له طلاب ومحبون فيها وفي غيرها، كلهم سائر على نهجه ومقتبس من طريقته - رحمه الله رحمةواسعة -.
الأثر الذي خلّفه "دعوة الخلف إلى طريقة السلف":
وواضح من عنوانه أنه دعوة إلى العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم في جميع الأمور من عقيدة وعبادة وأخلاق ومعاملات وسائر شؤون الحياة،ولقد لخص موضوع الكتاب المؤرخ الشهير سعيد عوض باوزير في المقدمة التي قدم بها للكتاب فقال: (آمنت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً) هذا هو موضوع الكتاب الذي جمعه المؤلف من أوثق المصادر.
دعوة إلى التوحيد الخالص دون إشراك، وإيمان برسالة خاتم الأنبياء دون انحراف،وتمسك بتعاليم مستقاة من أصولها الصحيحة دون ابتداع،في ميدان الاعتقاد يدعو الكتاب إلى إصلاح كل ما أفسدت البدع والأباطيل من جوهر العقيدة،وفي ميدان السلوك والعبادة يدعو إلى رفض كل زيادة ليست في كتاب الله الكريم ولا في سنة رسوله المطهرة 918).
وبعد كلام عام عن أزمة المسلمين وأن لاحلَّ لها إلا بالرجوع الحق إلى الإسلام قال المقدم: (ربما تثير بعض النقاط التي عالجها الكتاب حساسيات بعض الناس، أو تصطدم بوجهات نظر خاصة بهم،ولكنني واثق بأن المؤلف لم يكتب ما كتب عن هوى أو غرض وإنما كان يصدر عن عقيدة امتزجت بروحه وقلبه، يدافع بها عن دين الله الحق،طالما تحدث بها لسانه، قبل أن يتناولها قلمه، فالمؤلف من خطباء الحضارم الموهوبين وأساتذتهم المستنيرين، تعرفه المنابر والحفلات،كما تعرفه فصول الدراسة،وقاعات المحاضرات919). والكتاب قد جعله المؤلف على طريقة السؤال والجواب:(1/295)
وقد شمل توحيد الربوبية والألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وما يضاد ذلك من الإلحاد والشرك، وقد ركز على توحيد الربوبية بعض الشيء لوجود التشكيك فيه في تلك الفترة، فترة انتشار الإلحاد في العالم كله،وعندنا في حضرموت بسبب النظام الشيوعي الذي كان جاثماً على صدر البلاد وأهلها،ثم تكلم على السنة ومايتعلق بها ومايضادها من البدع،كما عرج على الفكر الصوفي الحضرمي ونقد بعض خرافاته، وأبان بعض ما يحتوي عليه من الشعوذةوالدجل، وخصص بعض البدع التي تتفرد بها حضرموت مثل" صلاة الخمسة فروض" التي تؤدى آخر جمعة من رمضان، حيث يصلون الفرائض الخمسة الفجر ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء في آن واحد وذلك بنية قضاء ما فات أثناء السنة الماضية
وأول من أحدثها في حضرموت " الشيخ أبو بكر بن سالم العلوي صاحب عينات "، ولذلك فإن أكثرمن يتعصب لها هم المنسوبون إليه، ولاتزال مستمرة بشكل رسمي وبطقوس واعتقادات، خاصة في بلده عينات إلى اليوم،كما تعرّض لبعض الأمور التي دعا الواقع إلى طرقها؛كمسألة المرأة في الإسلام،وتعدد الزوجات،وموضوع الإسلام والرق،هذا مجمل ما اشتمل عليه ذلك الكتاب فهو مهم جداً ومفيد للغاية فرحم الله مؤلفه وأجزل له الثواب.
العَلَم الثالث
العلامة القاضي عبدالله بن عوض بكير
وهو العلامة الكبير والقاضي الشهير، داعية السنة في وقت تَغَلُّب البدع،ورافع راية التوحيد في مجتمع تجوس خلاله أنواع من الشرك،ويتصدر فيه دعاة الخرافة الشيخ عبدالله عوض بكير.
ولد رحمه الله في مدينة " غيل باوزير " سنة (1314هـ) 920،قرأ القرآن في أحد كتاتيب قرية " القارة" من ضواحي الغيل،وبعد مرحلة من العمل والكدّ، التحق بركاب الشيخ عمرمبارك بادبَّاه في قرية "الصداع"، وأقام لطلب العلم لديه نحواً من خمسة عشر عاماً، قرأ خلالها عدداً من الفنون حتى تقدم على أقرانه وأصبح شيخه يوكل إليه بعض المهام؛من تعليم طلاب وإمامة مسجد وردٍ على فتاوى) 921.(1/296)
ثم انتقل إلى رباط الغيل فترة،ثم ارتحل إلى بلاد الصومال " جيبوتي " و"مقديشو" مرتين لتحصيل العلم ولقمة العيش معاً، وهناك التقى ببعض علماء الأزهر 922، ثم عاد واستقر إماماً لمسجد النور بالقارة،وقد حصل من العلم حظاً كبيراً مكَّنَه من أن يكون مرجعاً لمجتمعه الصغير، عليه يعرضون أسئلتهم وإليه يرجعون في حل مشاكلهم،ويراجعونه فيما يقع لهم من قضايا، ومنها ما قد يصدر لهم أو عليهم من أحكام قضائية وفتاوى شرعية، فكان يعلق عليها بما يراه الحق،وبذلك انتشر خبره وسار ذكره حتى وصل (مجالس العلماء ودخل مكاتب الحكام واستمع إلى آرائه الوزراء والسلاطين،فتوجهت إليه الأنظار ترقبه وتراقبه)923، (وبالإضافة إلى قوة عارضته الفقهية في المناظرات الشفوية والكتابية، مما أكسبه سمعة علمية طيبة،وحنكة في معالجة القضايا الفقهية،وإبراز خفاياها ودقائقها.. بالإضافة إلى ذلك كان صريحاً في الحق لايماري ولايداري،نزيهاً لا تمتد عينه إلى متع غيره،محارباً للبدع أياً كان القائم بها، لاتأخذه في الله لومة لائم، فقد كتب الرسائل وألقى الخطب، وكاتب من يتوسم فيه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،مشنعاًعلى كثير من البدع التي تعمل باسم الدين، وأظهر وأبان وجه الحق في كثير مما يُتخذ تحت شعار الدين،بينما هو في حقيقته باطل وجاهلي فألَّف من بين ماألَّف:
1) مثالب المزار: وهي رسالة في منكرات زيارات القبور. وأن زيارة القبور مشروعة كما شرعها الدين الإسلامي، وبغير ذلك تعتبر منكراً يجب إنكاره وتجب إزالته وتغييره.
2) تطهير الفؤاد من سيّء الاعتقاد: وهي رسالة توضح كثيراً من المعتقدات الفاسدة الشائعة في الجهة سواء كانت مما يتعلق بالموتى أو بالأحياء أو بالجمادات أحياناً، ومايفعل باسم كبراء الجن، كما يقول أرباب تلك المعتقدات.(1/297)
3) الدفوف في المساجد: وتلك رسالة أوضح فيها حكم ضرب الدفوف في بيوت الله التي يجب أن تُنَزَّه عن مثل هذه المعازف والملاهي، ولقد ترسم فيها طريقة السلف الذين سبقوه وعنهم نقل مانقل)924.كان هذا من الشيخ رحمه الله في عهد اشتدت فيه الخصومات بين الإرشاديين والعلويين في مهجرهم في أندونيسيا وسنغافورة،وألقت تلك الصراعات بظلالها على الوطن،وأصبح مَن يصنف أنه مِن الإرشاديين أو يتهم بذلك منبوذاً،بل مُعرّضاً لأنواع من الأذى، ولذلك فقد اتهم بالإرشادية كما اتهم بالوهابية،وإن لم يكن كما يقول ابنه الشيخ عبدالرحمن ملتزماً لواحدة من الطائفتين، بل قد يؤديه اجتهاده إلى موافقته إحداهما في أمور ومخالفتها في أمور أخرى،ولكن الإرهاب الفكري الكبير الذي كان يمارس لايرضى بأنصاف الحلول ولا يعرف للاجتهاد معنى،"وإنما كُن معنا أوأنت ضدنا"، ولكن الشيخ - رحمه الله - ما بالى بذلك بل صمد في وجه كل تلك الزوابع،ولكن لما شاع عن الشيخ من سعة في العلم وبصيرة في الرأي ونزاهة في المعاملة وعدل في الخصومة وقوة في الموقف،كل ذلك أرغم معاصريه على احترامه،وحَمَل المسؤولين على أن يخطبوا وده، وأن يطالبوه بتحمل مسؤولية القضاء الشرعي،والقرب من السلطان للاستفادة منه في الرأي والمشورة، وقد نفر من ذاك بادىء الأمر،ولكنه رضخ له بعد إلحاح وبعد تأمل في المصالح والمفاسد،ودخل سلك القضاء وتدرج فيه بعد أن عُرف عدله ونزاهته وقوة إدراكه ونفوذ بصره حتى أصبح رئيس القضاء،وعضو مجلس الدولة، ولقد قام من خلال منصبه ذلك بإصلاحات قضائية وإدارية جبارة، سبق بها عصره وتفردت بها حضرموت عن سائر البلدان المجاورة، كما أصلح القضاء وطوره وحافظ على تحكيم الشريعة، فإن له بصمة أخرى عظيمة هي رئاسة لجنة الشؤون الدينية والتي كان من مهامها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،ومراقبة الآداب الإسلامية،والدعوةإليها، والتنفير من كل مفسدة خلقية،والدعوة إلى السنة ومحاربة البدع(1/298)
في الدين) 925، (فحاربت من البدع ما حاربت ونجحت ولاحقت من المفاسد الخلقية ما لاحقت وأصلحت) 926،ولكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثقيل على أصحاب الشهوات، ومحاربة البدع شديد على أرباب الهوى والشبهات،وإلغاء بعض ما في البدع والزيارات البدعية مضر بالسدنة ومن يجنون من ورائها أنواع الثمرات، وحرك إبليس جنده؛ فحوربت هذه اللجنة من قبل أشخاص لهم في البدع والمحافظة عليها قَدَمُ راسخ،أَوْلَهُم في طقوس هذه البدع مصالح مادية ومصالح روحية، بل إن لهم في البدع مصالح رهيبة، وهي في نفس الوقت تمثل المخدِّر العام للشعب كي ينصرف عنهم ولايلاحقهم في بدعهم وأهوائهم، وبالمحافظة عليها وباستمرارها سيكون الشعب متلهيا بها منصرفاً إليها،غير متطلع لمستقبل، ولا عابىء بحاضر، كيف لا وهي تملأ أكثر أيام العام، ولاتنتهي مناسبة بدعة حتى تبدأ مناسبة جديدة لأخرى، ويتبع هذه البدع من المفاسد والمناكر والمحرمات مايندي له جبين الدين ويتصبب له عرقاً وجه الأخلاق... بل وتتبعها مفاسد اجتماعية تصل إلى حد التفريق بين الزوج وزوجه، والابن وأبيه.
وما أكثر البدع اليوم وما أكثر مروِّجيها والمغشوشين بها، وأشدها شؤماً وأكثرها لؤماً؛ هو بدعة مايسمى بالزيارات لما يؤتى فيها من المنكرات، والصد عن دين الله بعبادات أعمق جاهلية؛ لأنها
باسم.927 تقام وباسم الدين تتحدث. والزيارات بدعة في الدين، وبدعة في حضرموت،وبحسبك أن تعلم أنها لاتستند لسند في العادات والتقاليد حضرمي أصيل.
وقدكان للجنة الشؤون الدينية في عهد السلطان صالح مع هذه البدعة بصورة خاصة،مواقف خاصة،مما جعل السلطان عليه - رحمة الله - اقتناعاً منه بمضارها، يوقفها ويأمر بإلغاء طقوسها ومراسمها أياً كانت، ولكن القوم - هداهم الله - وغفر لهم ولنا، أعلنوا عدم تمسكهم بدينهم إذا كان يقف في طريق ما ألفوه، وأنت عليم بما يترتب على هذا من حكم شرعي) 928.(1/299)
وقد أخبرني أحد معاصري الشيخ رحمه الله، أنه منع الحضرة التي كانت تقام عند القبر الذي تحت مسجد عمر ويسمى قبر"علوية" أيام وجوده في القضاء،وأقفل المكان وعزم على تأجيره مستودعات أو نحو ذلك،ولكنه لم يتمكن من تأجيره، وإنما بقي مقفلاً مدة طويلة،ولكن بعد وفاته أعيد فتحه وأعيدت الحضرة التي تعمل له، وهاهو اليوم وصمة عار على جبين المكلا وأهل المكلا، وبقعة سوداء يطالعها كل من يزور هذه المدينة من الغرباء، فيحكم على أهلها الطيبين محبي السنة أنهم من المخرفين والخاضعين لسلطان الدجل والشعوذة ولامنكر، بل المنكرون كثير ولكن من يستجيب لهم؟؟
كما أنه كان قد أبطل الحضرة التي كانت تقام في مسجد الروضة بالمكلا،وقد أعادها القبوريون هذه الأيام،وكما كان الشيخ رحمه الله عالماً وقاضياً ومصلحاً؛كان كذلك شاعراً وأديباً مرهف الحس قوي العارضة،وبعد عمر طويل قضاه في التعلم والتعليم والإصلاح،انتقل إلى رحمة ربه في يوم الاثنين السابع عشر من جمادى الثانية عام ألف وثلاثمائة وتسعة وتسعين للهجرة؛ رحمه الله رحمة واسعة، وقد ترجمه الأستاذ سعيد عوض باوزير في الفكر والثقافة في التاريخ الحضرمي929.
(4) آثاره في محاربة القبورية:
كما سبق فإن للشيخ ثلاثة آثار في مواجهة القبورية وسيكون الكلام هنا عن اثنين منها، وأما الثالث فسأذكره مع قائمة المؤلفات المفردة لأهل حضرموت.(1/300)
الأثر الأول: هو"رفع الخمار عن مثالب المزار"وهو عبارة عن رسالة صغيرة أجاب فيها فضيلته على سؤال من محب كما يقول؛بعد أن تردد في الإجابة عليه لما في زمانه من الانتكاس ثم عزم فأجاب وأجاد وبين أن المزار المعروف في الجهة، أي جهة حضرموت، محرم لأنه يشتمل على جملة من المفاسد العقدية والاخلاقية، وقد أورد جانباً من الأحاديث الناهية عن الابتداع وطبقها على هذه الزيارات، ثم ذكر أنواعاً من المفاسد الأخلاقية مثل الاختلاط بين الرجال والنساء والذي قد تصل نتائجه إلى الزنا وقد يحصل اللواط كذلك، مع ما فيها من الملاهي التي هي مقصد أكثر الزوار وليس مقصدهم الاعتبار وتذكر الموت، وقد شن حملة على من يحضرها من المتزيين بزي العلم مع سكوتهم على تلك المناكر وقال: (إنهم أشرار لا أخيار)، وأجاب على شبهة يطرحها البعض وهي: أن هناك خيراً في هذه الزيارات، مثل الموالد التي تقام فيها والمواعظ، فأبان أن الموالد هنا لا تكون مشروعة أصلاً، ولو فرض أنها سائغة لكان الواجب تنزيهها عن هذه الأماكن التي يظهر فيها الفساد عياناً، وعلى افتراض أن في ذلك شيئاً من الخير؛ فإنه قليل لايساوي ما فيها من الشر.
ثم ذكر داهية من دواهي المخرفين التي لقنوها العوام وهي: اعتقاد بعضهم (أن من حضر سبع مرات عند قبرٍ؛ على مثل تلك الحال فكأنما حج البيت الحرام) قال: (وهذا عين المحادة لله بل ربما كان كفر)930.
وقد كانت عاطفة الشيخ وغيرته بادية واضحة، وحرقته على ما يفعل قومه قوية بارزة، فها هو يصل به الانفعال إلى أن يقول: (وبعض الجهلة يوقِف على مثل هذه الجرائم وقائف، ويجعلها باسم المقام، ولاشك أن مثل هذا المقام، مقام أئمة النار فيحرم الوقف عليه، وتحرم الصدقة، لكون ذلك إعانة على المعصية، ولاتجوز الإعانة على مثل ذلك، فمن أعان فيه بشيء فهو من جملة العاصين الممقوتين)931.(1/301)
والرسالة لم تتعرض لبعض الأشياء المهمة الحاصلة في تلك الزيارات، ومنها الاعتقادات الباطلة والأعمال الشركية، وليس ذلك لأن الشيخ لايرى ذلك من المخالفات ففي الأثر الثاني سيظهر قوله فيها ولكن الذي يظهر أن الرسالة مبتورة أوضائع منها بعض الأوراق، ويشهد لذلك قول ابنه الشيخ "عبدالرحمن بكير "في خاتمة الرسالة: (انتهى ما وجدناه بخط الوالد وبقلمه، عليه رحمة الله، وربما كان للموضوع بقية فلنحتفظ بالموجود ولنبحث عن المفقود، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه)932.
أما الأثر الثاني: للشيخ بكير فهو " تطهير الفؤاد من سيء الإعتقاد "، وهي رسالة صغيرة لازالت مخطوطة،اطلعت عليها بخط ابن المؤلف الشيخ عبد الرحمن عبد الله بكير،نسخها من خط والده، وفرغ من نسخها يوم (24) من شهر شعبان عام (1391هـ)، وقد كان الشيخ عبد الله رحمه الله كتبها عام (1343هـ)، وتقع في حوالي (40) صفحة،بدأها بعد المقدمة بتعريف الإيمان ثم التأكيد على الإيمان بالقضاء والقدر، ثم عنون (وجوب الاعتماد على الله وحده) وأورد تحت هذا العنوان الآيات والأحاديث الدالة على ذلك،ثم ثنّى بـ(لايجوز سؤال غير الله ولا دعاؤه) وأورد كذلك ما في الباب من الآيات والأحاديث واستمر على هذا المنوال يبرز العنوان المناسب ثم يسوق تحته من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم ويعلق على ذلك بما يناسبه، ومما يؤكد حرقته وغيرته على التوحيد والاتباع كثرة شكواه من المتزيين بزي أهل العلم الذين يرون المنكر فلا ينكرونه، بل يشارك بعضهم فيه، والبعض الآخر يُري العامة طريق الابتداع ويحثهم عليه.(1/302)
وكان من عناوين هذه الرسالة غير ما ذكر: (من يتوكل على الله فهو حسبه)933، و(الاستعانة لا تكون إلا بالله)934، و(دعاء غير الله شرك)935، و(ألفاظ شركية تلفظها العامة)936، و(اعتقادات شركية تعتقدها العامة)937، و(يجب التحذير من كل ما يجر إلى الشرك)938، و(وجوب تصحيح الاعتقاد وتصفية الباطن)939، واستمر متعرضاً للعلماء المفتونين، ثم انتقل إلى البدع وركز على بدعة الحضرات التي تقام في المساجد وغيرها،وما يصاحبها من دعوات شركية مع السماع الصوفي واستخدام الدفوف في المساجد، كما أخذ يكرر العناوين الدالة على كفر وشرك من يدعو غير الله وأن ذلك من الكفر الصريح، كما فرق بين التوسل والدعاء، وذكر أن التوسل مشروع عند أهل السنة والجماعة كما جاء في الأحاديث الصحيحة لكن ينبغي الدخول من بابه)940، وبين دعاء غير الله الذي عبر عنه بأنه إحداث دين لم يكن، ثم عاد ليقرر أن المبتدعين جهلة غير مؤتمنين على الشريعة 941، وبعده تعرض لبداية عبادة الأصنام وأنها كانت بسبب الغلو في الصالحين، ثم عنون (البدع في الدين ابتداءً وسيلة من وسائل الشرك انتهاءاً)942، وهكذا يمضي مع البدع ليقول: (نهي الإسلام عن البدع حسم لوسائل الشرك)943، و(جميع بدع القبور منافية للدين)944، ثم ذكر أن الفعل المفضي إلى المفسدة ممنوع،ثم يأتي للقوم من الباب الذي لايستطيعون سده فيقول: (مع الشيخ ابن حجر في بدع القبور)945، ومن المعلوم أن ابن حجر المكي هو عمدتهم في الفقه، وبعد ذلك يعنون: الصلاة عند القبور والوقف والنذر عليها أو لها)946، ويواصل تحت هذا العنوان النقل عن ابن حجر، ثم يحذر من الحلف بغير الله وأنه من الشرك أو الكفر به، ثم يتعرض لفعل الموالد عند القبور لإنه إذا منعت الصلاة عندها مع أن المصلي لا يقصد إلا الله وحده وإنما يخشى من أن يجره التبرك بذلك القبر إلى الشرك، فإن الموالد أولى من ذلك لإنها إنما أقيمت للتبرك بصاحب القبر وتعظيمه947، ثم يختم بنقد(1/303)
الزيارات القبورية وقد سبق تفصيل رأيه في ذلك عند الكلام على " رفع الخمار عن مثالب المزار "،ويطيل حتى ينهي الرسالة بذلك.
بقي شيءٌ لفت نظري وهو نقده على من نسب كثيراً من البدع القبورية للسيد علي بن محمد الحبشي،واعتباره غير راض عن ذلك لما عرف عنه من العلم والورع والتمسك بما كان عليه سلفه من علماء آل باعلوي بحضرموت،وهذا إحسان ظن من الشيخ بالسيد علي المذكور،ربما لأنه لم يطلع على كتاب "كنوز السعادة الأبدية " والذي جمعه أحد طلاب علي الحبشي من كلامه،والذي يحوي من الخرافات ما لامزيد عليه،وكذلك نقل بعض صور القبورية والعقائد الضالة على وجه الاستحسان،بل في معرض التعليم للناس والحث على تلك البدع والأعمال والعقائد.
ظني والله أعلم أن الشيخ عبد الله لو اطلع على هذا الكلام لغيّر رأيه، ولم يدافع هذا الدفاع الكبير عن علي حبشي والله أعلم.
المؤلفات المفردة في الرد على القبورية لعلماء حضرموت:
1) العلامة الشيخ محمد بن عمر العماري وله رسالتان في مواجهة القبورية إحداهما " فتوى حول الاستغاثة بغير الله " مطبوعة وهي رسالة قصيرة، والثانية رسالة بعنوان " دق بالمسمار على الضاربين بالطار أو نصيحة وإنذار " وموضوعها الاعتراض على السماع الصوفي أو مايسمى عندنا في حضرموت " الحضرات " في المساجد والمشاهد.
2) العلامة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بكير عضو هيئة الافتاء الشرعية، من المعاصرين حفظه الله وله رسالة بعنوان: " شن الحروب على مقبرة الشيخ يعقوب" وهي رسالة كان الباعث عليها الهجمة الوقحة التي شنها رجال ومسؤولو الجبهة القومية أيام حكمها على مقابر المسلمين ودكها للبناء عليها وتمرير الطرق فيها دون مبرر، وقد تعرض فيها للزيارات الشرعية والبدعية.(1/304)
2) العلامة الشيخ الفقيه أبوبكر أحمد بن عبدالله الخطيب الأنصاري التريمي الحضرمي الشافعي المتوفى سنة (1356هـ)،له رسالة صغيرة اسمها: "نصيحة الإخوان عن إتيان السحرة والكهنة وأهل الجان " توجد ضمن مجموع فتاواه المسمى " الفتاوى النافعة في مسائل الأحوال الواقعة " جمع سالم بن حفيظ ابن عبدالله بن حسين بن الشيخ أبي بكر بن سالم، من (301 - 321) من ذلك المجموع.
الفصل الثاني
تعظيم القبور
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول
اعتقادهم تعظيم قبور مخصوصة
وفيه ستة مطالب:
المطلب الأول: اعتقادهم تعظيم وبركة مقابر مخصوصة:
منذ أن بدأ المتصوفة تعلقهم بالقبور وقالوا قولتهم المشهورة: (قبر معروف الكرخي الترياق المجرب) وهم يتوسعون في الانحراف، ويتيهون في الضلال، ويضيفون الجديد من الدجل والخرافة، ينسبون بهما الفضائل والفواضل إلى قبور أوليائهم، فحيناً تعم البركة مقابر بأكملها، وحيناً تخص قبوراً معينة، وهناك مقابر قد عممَّ قبورية اليمن البركات عليها وأعطوها القداسة والتعظيم.
فمن تلك المقابر مقبرة المِسْدَارة بقرية المخادر محافظة إب، قال الجندي في ترجمة علي بن أبي بكر التباعي: (وقبره بمقبرة المخادر وتعرف بالمسدارة بخفض الميم بعد ألف ولام وسكون السين المهملة وفتح الدال المهملة ثم ألف ثم راء مفتوحة ثم هاء، وهي من المقابر المشهورة بالبركة، إذ رأى بعض الصالحين النبي ( وهو في طرفها يزور، وجماعة يسألونه الشفاعة فقال هذا خاتمي ذمام على أهل المسدارة من النار ولما كان مستفيضاً لم يكد أحد من أهل القرية ونواحيها يحب أن يقبر إلا فيها تعلقاً بهذا الأثر) 948، فانظر إلى هذه الرؤيا كيف أثرت في الناس فصدقوها وعملوا بمقتضاها، حتى إن أهل تلك النواحي لا يقبرون إلا فيها.(1/305)
ومنها مقبرة الكثيب الأبيض بأبين، قال اليافعي: (وهو كثيب يزوره أهل تلك البلاد وما حولها من البلدان في كل سنة في وقت معلوم في رجب... ويقال في ذلك المكان قبور بعض الصالحين) 949.
وقد ذكره كذلك الجندي بشيء من البسط فقال: (وقد تطلع النفوس إلى خبر الكثيب: أما الشأن فيه فهو موضع في أبين عدن وهو أحد المواضع المباركة في اليمن على ما ذكر الثقة فيما رواه الرازي مقدم الذكر أن في اليمن أربعة مواضع مباركة بالاتفاق منها الكثيب الأبيض عند وادي يرامس أرض أبين، ومنها الجند، ومنها زبيد، ومنها نجران،ولم يزل الناس ينتابون الكثيب لاسيما في رجب ويجتمعون فيه ليلة سبع وعشرين من الشهر ويزعمون أنها سنة العلماء المتقدمين 950، سُئل بعض فقهاء تلك الناحية من المتأخرين هل يذكر شيئاً من فضله؟ فقال: لا أعلم إلا أني رأيت وسمعت الإجماع منعقد على قصده وزيارته وما يكون مجاناً عن باطل). 951(1/306)
ومنها مقابر تريم الثلاث: زنبل، والفريط، وأكدر والتي يجمعها اسم شامل هو " بشار " للثلاث التُربَ، وهذه المقابر قد بلغ فيها الغلو مبلغاً لم تبلغه أي مقبرة أخرى في اليمن، واسمع إلى فضلها من مؤرخ القوم وناشر مناقبهم وفضائلهم بغثها وسمينها وعُجرها وبُجرها المؤرخ الشلي في مشرعه: (وأما مقابر مدينة تريم فأعظمها وأحقها بالتقديم مقبرة " زَنْبَل " بفتح الزاي وسكون النون وفتح الموحدة آخرها لام، وهي مقبرة السادة الأشراف وفيها من العلماء العاملين والأولياء والصالحين ما لا يحصى، وكان الشيخ عبدالرحمن السقاف يقول:" فيها من أكبر الأولياء أكثر من عشرة آلا ف وفيها ثمانون قطباً من الأشراف"، ونحو ذلك حكى عن الشيخ الولي سعد بن علي، ويقال أن فيها عصبة من الصحابة ( أرسلهم الصديق الأكبر ( لقتال أهل الردة مع زياد بن عبيد 952 الأنصاري فمات كثيرون منهم بتريم ولم نعرف قبورهم، لكن حكى عن الشيخ عبدالرحمن السقاف أنه قال: إن قبورهم شرقى قبر الأستاذ الأعظم الفقيه المقدم بنحو رمية حجر، وذلك بقرب مشهد العارف بالله أبي بكر باشميلة ( ونفعنا بهم، (وبالجملة) فهي بقعة تأرجت بطيب تربها وأشرقت أرضها بنور ربها.
(الثانية) مقبرة الفريط تصغير فرط وهو كما في القاموس: الجبل الصغير أو رأس الاكمة والعلم المستقيم يهتدي به جمعه أفرط وأفراط سميت باسم الجبل الذي بقربها وهى مقبرة آل بافضل والخطباء وغيرهم من مشايخ تلك الجهة، وفيها أيضاً من العلماء والفضلاء والأولياء ما لا يحصى وحكى عن الشيخ عبدالرحمن السقاف أن فيها أكثر من عشرة آلاف ولى وقد شاهد كثير من أهل الكشف أن الرحمة أول ما تنزل من السماء على هذه المقبرة ثم تعم سائر الجهات.(1/307)
وحكى عن عبدالرحمن السقاف وحكاه السيد الجليل عبد 953 بن أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن الأستاذ الأعظم عن بعض مشايخه بمكة أنهما قالا: إن تحت الفريط الأحمر روضة من رياض الجنة، وحكى عن غير واحد من الأولياء أنه شاهد نوراً ساطعاً على قبور الخطباء لاحقا بعنان السماء، وعن الشيخ حسن الورع بن علي أنه قال: من نظر منارة الجامع والفريط حتى سفر 954 عليه لم يكتب عليه ذنب، وكان بعض الأولياء العارفين يقول:من وقع ظل الفريط عليه لم تمسه النار؛ ولأجل هذا يحرص أهل البلدان على أن تكون مقابرهم حذاء الفريط المذكور حيث يقع ظله عليها.(1/308)
(الثالثة) مقبرة أَكْدَر بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح المهملة فراء، وتسمى هذه المقابر الثلاث "بشَّار" بفتح الموحدة وتشديد المعجمة آخره راء وهو اسم الواقف،لها وهذه المجنات مشهورة بالبركات في كل واحدة منها جم غفير من الأولياء العارفين ظاهرين ومستورين، من آل بصرى وجديد وعلوي، ومن آل بافضل، والخطباء، وآل باحرمي، وآل بامحسون، وآل بامروان،وآل باعيسى، وآل باعبيد، وغيرهم، إلا أن كثيرا منهم لا يعرف عين قبره بل ولا جهته؛ لأن المتقدمين كانوا يجتنبون البناء والكتابة على القبور وإنما استحسنه المتأخرون لأمور منها: أن يعرف الميت هل بُلي أو لا؟ لأن المشهور عندهم أن الميت لا يبلى إلا بعد أربعين سنة أو نحوها، ومنها أن يعرف صاحب القبر ليزار، ويتبرك به، ويدفن عنده أقاربه، ونحو ذلك من المقاصد الحسنة، وكان الشيخ محمد بن أفلح يقول: مِنْ مسجد عبد الله بن يماني إلى آخر زنبل كلها قبور، ومن ثم يقع لكثير من المشايخ أنه يخلع نعليه إذا جاوز المسجد المذكور، وقد كان كثير من أهل الكشف يشاهدون البركات الظاهرة والأنوار الباهرة في هذه الجنان، وشاهد غير واحد منهم أنهم على غاية من النعيم والنور الجسيم، ورأى جماعة رسول الله ( يزورهم، وكذا الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وحكي أن الشيخ أبا سعيد قرأ سورة هود فلما بلغ قوله تعالى: ( فمنهم شقي وسعيد ( 955، جعل يردد الآية ويتفكر،ثم قال يأهل القبور ليت شعري من الشقي منكم ومن السعيد؟ فأجابه الإمام العارف بالله تعالى أحمد بن محمد بافضل من قبره بقوله: أمض يا سعيد في قراءتك ليس فينا شقي، وقيل إن الذي أجابه هو الشيخ مسعود بن يحيى باحرمي ولعل الواقعة تعددت.
وحكى عن الشيخ الزاهد الورع السيد حسن بن علي،وكان من أهل الكشف أنه قال: سأل رجل من أهل الفريط رجلاً من أهل زنبل عن أهل مقبرته فقال: خيلنا تحمل رجلنا، وسأله عن أهل مقبرته فقال: زنادقتنا956 حشو جنتنا.(1/309)
وللشيخ الإمام علي بن أبي بكر بن عبدالرحمن السقاف:
وكم بدور بذاك الحي قد برزت تمد زوارها من فيضها الزخر
وكم عز بيته الأسرار قد غمرت بفضل هطالها الزوار كالمطر
وذات دن دنت ترمي يحس بها زوارها في سواد الليل والسحر
وذات أكدر للأكدار مجلية تشفى بمرهمها الزوار عن ضرر
وارجع إلى ذكر وتوحيد ومعرفة خصوا بها صفوة صُفُّوا عن الكدر
وامنحوا من عظيم الفضل كم منح وكم عطايا وكم جود وكم غمر
وكم حقائق توحيد لها وهبوا وكم جواهر أنوار وكم درر
وكم مواقيت أسرار ومعرفة وكم تماكين تصريف وكم قدر
شيوخنا في بحار من حقائقها قد مكنوا الكل بالأسرار والسير
حظوا وخصوا بجاه لا يحد له وسع ولافضلهم يحصى بمستطر
رسوخ أقدامهم يحكي رواسيها أسود نهام تحمي الجار عن ضرر
بحور علم شموس في دياجرها تهدي الضوائل والسلاك في السفر
أئمة الدين آل المصطفى فلهم مكارم عدها يربو على الزهر
وراث طه على التحقيق أن لهم محاسن أدهشت الباب ذي الفكر
أولو الصفا والوفا أجناد خالقهم أولو العبودة حقاً صفوة البشر
هم عمدة الكون أحبار العلوم بهم باهى المهيمن للأملاك في الخبر
فلا مزيد على مدح الإله لهم وذكره فضلهم في الآي والسور
فالقحط عنا مع البلوى يزال بهم أيضاً وفي الجدب نسقي وابل المطر
وهم بدور لنا في كل مظلمة وهم لنا عمدة في اليسر والعسر
قوم إلى الله طاروا عن هياكلهم حق دنوا من رياض القدس والقدر
أهل التقى والنقى طابت مغارسهم فأينعت بثمار القصد والظفر
فحسِّن الظن واعتمد يا أخي بهم كي في معاد تفز بالأمن والوطر
واقصد رضى الله في الدنيا بحرمتهم لعل تحظى بحور الخلد والظفر
وقال الشيخ أبو بكر بن عبدالله العيدروس:
في جنان بشَّار خيامهم قد طنبت والأخدار
وكم بها من أقمار957 تلألأت أنوارهم بالأقطار
وقال: ولم يزل عني الكد ر إلا إذا زرت آل أكدر
وأهل الفريط المشتهر وقبر الشيخ المنور
العيدروس بحر الدرر ليث الضراغيم الغضنفر958(1/310)
فانظر إلى هذه الخصائص والفضائل وما جعل فيها من كرامات ينالها الزوار ويحصل عليها الراغبون، أفلا يحمل ذلك ضعاف العقول على التعلق بهذه المقابر ومَنْ فيها واعتقاد النفع والضر فيهم؟.
وغير مقابر تريم هناك مقابر أخرى في حضرموت مباركة مجربة - هكذا يزعمون -، يقول الشلي: (والمقابر المشهورة في حضرموت أربع: مقبرة تريم، ومقبرة شبام، ومقبرة الهجرين، ومقبرة الغيل الأسفل) 959.
المطلب الثاني: اعتقاد بركة قبور معينة بركة عامة:
لن أستطيع ولن يستطيع أي باحث حصر وإحصاء القبور التي أطُلِْق عليها المدح والثناء، ونسبت إليها البركات، وما يضئ منها من الأنوار، وما يفوح منها من الروائح العطرية والمسكية، وما يتحقق لزائرها من الأنس والارتباط، ثم نجاح الحاجات وتفريج الكربات، إن إحصاء ذلك أمر غير متيسر قطعاً ولكنني سأكتفي بذكر بعض ذلك ومن أماكن متفرقة من اليمن.
وأول تلك الأماكن "زبيد" فقد ذُكر عن كثير ممن قُبِرَ بها من الصالحين الثناء على قبره ونسبة الكثير من الفضائل إليه، وأكثر ما ذكر من ذلك عن قبور بمقبرة "باب سهام "، ومقدمو تلك المقبرة سبعة نفر، قال الشرجي في ترجمة إبراهيم الفشلي: (وقُبره بمقبرة باب سهام،من مدينة زبيد من القبور المشهورة المقصودة للزيارة والتبرك، وهو أشهر السبعة الذين يعتقد أهل زبيد أن من زارهم سبعة أيام متوالية قضيت حاجته، وهم هذا الفقيه إبراهيم والشيخ أحمد الصياد، والفقيه عمر بن رشيد، والشيخ مرزوق بن حسن، والشيخ علي بن أفلح، والشيخ علي المرتضى، وفي السابع اختلاف، فمن الناس من يجعله أحد بني عقامه ومنهم من يجعله الشيخ أحمد المعترض،ومنهم من يقول غير ذلك، والله أعلم) 960.
وقد نظم هؤلاء السبعة بعضهم فقال:
بباب سهام سبعة من مشايخ لقاصدهم ذخر وكنز لمقلل
فيونس إبراهيم مرزوق جبرتي961 وأفلح صياد كذا ابن الرضى علي
زيارتهم نجح لكل حوائج وفي الخلد سكنى للذى زار مقبل 962(1/311)
ولأن هذه مفخرة عند القوم لمدينة زبيد قد تسمو بها على غيرها من المدن لم يرتضِ أهل تريم ذلك، بل عارضوهم بذكر ما في مقابر تريم من فضائل وفضلاء، قال الشلي بعد أن نقل تلك الأبيات: (فعارضه الإمام مبدي العلوم الغريبة والأخبار العجيبة الشيخ على بن أبي بكر فقال:
تريم بها منهم ألوف عديدة بساحة بشار شموس الورى قبل
زيارة كل منهم صح أنها لما شئت من جلب ودفع تحصل
وإن قيل ترياق ببغداد جربا ففي ربع بشار شفا كل معضل
ويا حبذا ذاك الفريط وظله فكم قد حوى من كامل السر منهل
فكم معدن كم مورد كم معظم وكم حبر تحقيق وشيخ مدلل
وبلبل قلبي نفح مسك بزنبل بها من كنوز السر كم من مجلل
وكم جهبذ فيها بنوا كدر بها بهم ينزل الله الغيوث لممحل
فلا تحتقرها رب أشعث خامل سما سره فضلا على كل معضل) 963
وإليك بعض القبور المفردة التي ذكرت لها بعض البركات والأسرار وتعلق بها الناس واعتقدوا فيها العقائد الضالة:
ومن مدنية زبيد أيضاً: قال الشرجي: (ومن ذلك رجل بمقبرة باب النخل يقال له المُلَبّك، بضم الميم وفتح اللام وتشديد الباء الموحدة وآخره كاف، ما كان يعرف ولا سمعنا به إلا في هذا الزمان، ذكر رجل من عوام أهل زبيد أنه نبهه عليه إنسان وهو في المنام وقال له: إن صاحب هذا القبر من الأولياء وإن من لازمه في حاجة قضيت، وشاع هذا في أهل البلد، حتى صار لهم فيه معتقد عظيم، يزورونه ويتبركون به، لاسيما العوام والنساء فإنهم يخرجون في ذلك عن الحد) 964.
وكذلك يقول الشرجي في ترجمة عثمان بن أبي القاسم بن أحمد بن إقبال: (وقبره هنالك مشهور يزار ويتبرك به)، ثم ترجم لولد له وقال في آخر ترجمته: (ودفن عند والده وقبره يزار، ويتبرك به، على تربتهم أنس ظاهر وبركة) 965، وفي ترجمةإسماعيل بن إبراهيم الجبرتي قال: (ودفن بمقبرة باب سهام من مدينة زبيد، وله هنالك مشهد عظيم لم يكن في تلك المقبرة أعظم منه، عليه أثر النور والبركة ظاهر). 966(1/312)
نماذج من القبور المعظّمة في محافظة تعز:
قال الشرجي في ترجمة أحمد بن علوان: (ودفن في قريته قرية "يَفْرُس " بفتح الياء المثناة من تحت وسكون الفاء وضم الراء وآخره سين مهملة، وهي على نحو مرحلة من مدينة تعز، وقبره بها ظاهر معروف مقصود للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة لا سيما في آخر جمعة من شهر رجب، فإن أهل تلك النواحي يقصدونه من كل موضع،أهل تعز وغيرهم، ويخرجون بالنساء والأولاد، وقرية الشيخ المذكور محترمة، ومن استجار بها لا يقدر أحد أن يناله بمكروه) 967.
وفي ترجمة الفقيه الإمام زيد بن عبدالله اليفاعي قال الشرجي: (وقبره بالمقبرة القريبة من مدينة الجند مشهور مقصود للزيارة والتبرك، قال الجندي: " لم أرَ في اليمن تربة تتجدد معرفتها ويكثر زوارها كتربة الفقيه زيد، ولا تكاد تخلو تربته من زائر، وقلما قصدها ذو حاجة إلا قضيت حاجته، قال: ولقد أخبرني جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب بأخبار يطول شرحها في ذلك نفع الله به وبسلفه آمين ") 968.
قلت: هل يقصد الجندي أن ذلك متواتر بالمعنى الاصطلاحي إن كان كذلك فممن أخذ هذا الجمع؟ إنه في الغالب عن جماعة من تجار الخرافة والكرامات.
وفي ترجمة أبي عبدالله محمد بن ظفر الشميري قال الجندي: (وقد بلغتُ تربته قاصداً للزيارة، فأقمت عنده أياماً وإلى جنبه قبر امرأته المذكورة، قال: وببركته لم تزل تربته محترمة ما قصدها أحد بسوء إلا خذله الله تعالى، ولم أجد بتلك الناحية مزاراً أكثر من تربته قصداً للزيارة وقضاء الحوائج التي تطلب من الله تعالى وكثرة النذور وغير ذلك، وفي ليلة الرغائب من شهر رجب يجتمع عندها خلق ناشر قال: وتراب تربةِ الفقيه يشم منه ريح المسك نفع الله به) 969.
قلت: أما رائحة المسك التي تكررت ولا تزال في ترب كثير من المقدسين فإنها لعبة من لعب السدنة، يصبون الروائح العطرية على التراب ليوهموا الزوار بأن ذلك من ريح التربة والقبر المقدس.
نماذج من قبور إب:(1/313)
منها قبر الشيخ علي بن عمر قال الجندي في ترجمته: (وتربته من الترب المشهورة في البركة واستجابة الدعاء، ومن عجيب بركتها ما أخبرني بعض الثقات من أهل العناية والبحث عن أحوال هذا الرجل وأمثاله أنه كان على قبره شجرة سدر يتبرك بها الناس،ويأخذ أصحاب الحموات من أوراقها يطلون بها رؤوسهم فيبرأون، واستفاض ذلك في جهات كثيرة حتى كان يؤتى لذلك من الأماكن البعيدة، ويُعْتمد في الأمراض الشديدة، ومن عادات أهل إب في غالب الأعياد أن يحصل بينهم وبين أهل باديتهم حروب كثيرة كما هو متحقق فلا يألو من ظفر منهم بصاحبه غير مفكر بالأذية بقتل أو غيره، فحصل في بعض الأعياد حرب انتصر بها أهل البادية فانهزم أهل إب إلى البيوت، ووصل أهل القرية إلى قريتهم ولم يطيقوا دخولها فقال بعض شياطينهم اذهبوا بنا إلى هذه الشجرة التي يعبدونها، ولنعقرها عليهم فلا ينتفعوا بها فنهاهم العقلاء، وأسرع إلى ذلك الجهلاء، فضربوا العلبة بفأس حتى أوقعوها الأرض، وألقى الله بقلوب أهل المدينة القوة والأنفة فخرجوا مسرعين نحوهم فهزموهم هزيمة شنيعة وقتلوا منهم جمعاً أولهم عاقر الشجرة، وحين وقع هبّروه بالسيوف تهبيراً عظيماً، وتعرف هذه التربة بتربة من سمع النداء بالصلاة عليه في الحرم ولم ير المنادي) 970.
ومنها قبر محمد بن عبدالله الهمداني بناحية السحول، قال في ترجمته الشرجي: (وقبره في الرباط المذكور مقصود للزيارة واستنجاح الحوائج) 971.
ومنها قبر يحيى بن أبي الخير الإمام المشهور قال الشرجي في ترجمته: (وكانت وفاه الشيخ يحيى بقرية ذي السفال كما قدمنا سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، وقبره هنالك من القبور المشهورة في اليمن المقصودة للزيارة والتبرك واستنجاح الحوائج، وله عند أهل الجبال كافة مكانة عظيمة، ولهم فيه معتقد حسن،ويروون له كرامات كثيرة، ويتوجهون به في مهماتهم ويستغيثون به في ضروراتهم،وهو كذلك وفوق ذلك رحمه الله تعالى ونفع به) 972.(1/314)
من قبور لحج وأبين:
منها قبر الحسن علي بن الحسن الأصابي قال الشرجي في ترجمته: (تُوفي سنة سبع وخمسين وستمائة بقرية المحْفَد بفتح الميم والفاء وسكون الحاء المهملة بينهما وآخره دال مهملة، وقبره هنالك مشهور يزار ويتبرك به، ويوجد منه رائحة المسك خصوصاً ليلة الجمعة، ذكر ذلك الجندي رحمه الله).973
ومنها قبر عبدالله بن علي بن حسن بن الشيخ علي، قال الشلي: (ولقي ربه سنة سبع وثلاثين وألف في قرية الوهط الشهيرة، وقبره بها كالشمس وقت الظهيرة مقصود بالزيارات وقضاء الحاجات ونيل المطلوبات ومن استجار به نجا من جميع المخاوف والردى، وعمل الباشا محمد باشا على قبره قبة عظيمة) 974.
من قبور عدن:
منها قبر أبي عبدالله محمد بن عبدالله بن أبي الباطل الصريفي، قال الشرجي في ترجمته: (...حتى توفي بها - عدن - وتربته هنالك من الترب المشهورة المقصودة للزيارة والتبرك، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يناله بمكروه، ولأهل عدن فيه معتقد عظيم، وله عندهم محل جسيم، وهو فوق ذلك رحمه الله تعالى ونفع به) 975.
ومنها قبر الشيخ عبدالله بن أحمد العراقي، قال الشرجي في ترجمته: (ولأهل عدن فيه معتقد حسن، وله هنالك تربة معظمة) 976.
ومنها قبر الشيخ جوهر بن عبدال له، قال الشرجي في ترجمته: (وتربته هنالك من أكبر الترب المشهورة المقصودة للزيارة والتبرك، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يناله بمكروه، ومن تعدى إلى ذلك عوقب عقوبة معجلة، وقد جرب ذلك غير مرة، ولم أتحقق تاريخ وفاته - رحمه الله تعالى - ونفع به آمين) 977.
من قبور شبوه:
قبر الشيخ محمد بن عمر الحباني(وهو يقع على مكان مرتفع في المقبرة الحبانية القديمةفوق طين الجديدة وبجانبية بعض أولاده وأحفاده وقبورهم منورة ومقصودة بالزيارة) 978.(1/315)
قبر الشيخ أبي بكر بن إسماعيل بن محمد بن عمر الحباني (وهو في مجري السيل في شعب الشقب، ويمر الماء من حواليه دون أن يأخذ منه شيئاً، وقد كان أهل البلاد أيام الاستسقاء يتوسلون به إلى الله، ولا يأتي الليل إلا ويأتيهم الغيث بأذن الله، وقد حضرنا هذا مراراً ونحن صغار) 979.
قبر الفقيه علي بن محمد بن عمر الحباني صاحب الحوطه، قال المحضار: (ودفن بجوار المسجد وقد كانت علية قبة وانهد مت) 980، وقال قبل ذلك (أخبرني الثقة من أهل الحوطة أن السيد الصوفي محسن ابن عبد الله بن عبد القادر المحضار صاحب مرخة جاء إلى الحوطة وكان يزروها دائماً، وليلة دخل إليها بعد العشاء فقدم المسجد بعد أن خرج المصلون، وكان جائعاً ودق على التابوت إلى أن خرج إليه قرص حار ولحمه فأكل نصف القرص واللحمة، ومع الفجر جاء أحد المشايخ الكرام.. وقال للسيد محسن أعطني من عشاء الشيبة فأعطاه النصف الباقي) 981.
من قبور حضرموت:(1/316)
ومنها قبر عبدالله بن شيخ العيدروس، قال الشلي في ترجمته: (وعمل عليه قبة حسنة الباطن والظاهر والنور في أرجائها لائح وباهر) 982، ومنها قبر الشيخ أبي بكر بن سالم، قال الشلي في ترجمته: (وتربته بها مشهورة كالشمس وسط النهار، تقصده الزوار من جميع الأقطار، بأنواع الأنذار، ومن استجار بقبره المأنوس أمسى وهو محروس، لا يقدر أحد أن يناله ببؤس، وبني عليه قبة عالية البناء عظيمة القدر حساً ومعنى) 983، ومنها في مدينة الشحر قبر شيخ بن إسماعيل بن إبراهيم السقاف، قال الشلي: (ومشهده في الشحر مشهور وبالأنوار مغمور وبالزيارة معمور) 984، ومنها قبر الفقيه المقدم، قال الشلي في ترجمته: (وقبر الأستاذ بمقبرة زنبل المشهورة،وبالزيارة والقراءة معمورة، وقبره بها كالبدر ليلة الكمال، وكالشمس وقت الزوال، مقصود بالزيارة من كل البلاد، ويهرع إليه عند النوائب من كل ناد، ويسعى الناس كل يوم لزيارته سعياً حثيثاً، ويستسقى به قديماً وحديثاً، وكان حفيده الشيخ الإمام عبدالله باعلوي كثير الزيارة له وينشد عنده:
يا دار إن غزالاً فيك هيمني لله درك ما تحويه يا دار
لو كنت أشكو إليها حسن ساكنها إذن رأيت بناء الدار ينهار
وكان يقول إذا رآه " كل الصيد في جوف الفراء "وكان الشيخ محمد بن أبي بكر باعباد يزوره كثيراً وإذا رأى القبر الشريف قبله، فقيل له:كيف تقبله وأنت تنهى عن تقبيل القبور فقال ما صبرت عنه) 985.
قبور من نواحٍ مختلفة:
فمن كمران قبر الفقيه محمد بن الحسن بن عبدربه، قال الشرجي في ترجمته: (حتى توفي سنة خمس وعشرين وخمسمائة، ودفن إلى جنب مسجده في الجزيرة المذكورة،وتربته هنالك من الترب المشهورة، مشهورة الفضل، وآثار الفقيه وبركته ظاهرة على ذلك الموضع المبارك، وهو مأوى لعباد الله الصالحين المختفين والظاهرين، وقد تقدم في ترجمه الشيخ أحمد الصياد ما يدل على ذلك نفع الله بهم أجمعين) 986.(1/317)
ومن قبور بلاد الزيدية قبر الإمام المهدي أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم المعروف بأبي طير، قال الأكوع في ترجمته: (وقبره معروف يزار ويتبرك به،وقد اندفع عوام الناس يعتقدون فيه اعتقادات باطلة حتى أخرجوه من آدميته،كما ذكر الإمام الشوكاني في رسالته " الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد" ص(12) جاء فيها ما يلي:
(وروي لنا أن بعض أهل جهات القبلة وصل إلى القبة الموضوعة على قبر الإمام أحمد بن الحسين صاحب ذي بين رحمه الله فرآها وهي مسرجة بالشمع، والبخور ينفح في جوانبها، وعلى القبر الستور الفائقة فقال عند وصوله إلى الباب: أمسيت بالخير يا أرحم الراحمين ") 987.
ومنها قبر الإمام يحيى بن حمزة بذمار، قال الإمام الشوكاني في ترجمته: (ومات في سنة 705 خمس وسبعمائة بمدينة ذمار ودفن بها وقبره الآن مشهور مزور، ومما شاع على الألسن أنه إذا دخل رجل يزوره ومعه شيء من الحديد لم تعمل فيه النار بعد ذلك، وقد جربت ذلك فلم يصح، وكذلك اشتهر أنه إذا دخل شيء من الحيات قبته مات من حينه) 988، ونقل المعلق على الكتاب هذه الأبيات التي كتبت على قبته وهي:
نور النبوة والهدى المتهلهل أرسى كلاكله ولم يتحول
في قبة نصبت على خير الورى وأشرف في الفخار وأفضل
وعلى الإمامة والزعامة والندا والجود والمجد الأثيل الأكمل
وعلى السماحة والرجاحة والنهى وعلى المليك الأوحد المتطول
والعالم المتوحد المترهب المتعبد المتنفل المتبتل
يحيى بن حمزة نور آل محمد لب اللباب من النبي المرسل
كشاف كل عظيمة وملاذ كل ملمة ورجاء كل مؤمل
يا زائراً ترجو النجاة من الردى عن قبره وضريحه لا تعدل
لذ بالضريح وقف به متضرعاً واطلب رضاك من المهيمن واسئل
تحيى بكل فضيلة ووسيلة وتنال خيراً من علو المنزل
شرفت ذمار بقبر يحيى مثلما شرفت مدينة يثرب بالمرسل
فليهنأ أهل ذمار حسن جواره فيما مضى وكذاك في المستقبل 989
المطلب الثالث: اعتقادهم استجابة الدعاء عند بعض القبور:(1/318)
تقدم اعتقاد القوم في مقابر معلومة اعتقاداً شاملاً لها كما تقدم اعتقادهم في بعض القبور، وإسباغ الفضائل عليها بدون تخصيص نوع معين من الكرامات التي تدرك لديها، وفي هذا المطلب أذكر إن شاء الله بعض القبور التي قيل أن الدعاء عندها مستجاب،وما دام أن الأمر مخصوص باستجابة الدعاء فإنني سأقتصر على ذكر القبر واسم صاحبه مع المرجع فقط طلباً للاختصار إلا ما رأيت في غير إيراد نص كلام المترجم فائدة فإنني سأذكره.
فمن تلك القبور:
- قبر أبي الخير الشماحي بزبيد ذكره الشرجي 990.
- قبر علي بن الحسن الأصابي بأبين (المحفد) ذكره الشرجي 991.
- وقبر محمد بن علي مولى الدويلة بتريم ذكره الشلي 992.
- وقبر أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن الأستاذ ذكره الشلي 993.
- وقبر عبدالله با علوي ذكره الشلي 994.
- وقبر عبد الله بن محمد بن علي صاحب الشبيكة بمكة ذكره الشلي 995.
- وقبر عقيل بن عمر أبي المواهب بالرباط قرب ظفار ذكره الشلي 996.
- وقبر محمد بن عبدالرحمن السقاف ذكره الشلي في كيفية زيارة مقابر تريم. 997.
المطلب الرابع: اعتقادهم قضاء الحوائج لدى بعض القبور:
ومن تلك الاعتقادات الباطلة التي يعتقدها القبورية في قبور أوليائهم أن صاحب الحاجة إذا لزم تلك القبور قضيت حاجته، وكأنها هي الواهبة لها أو الواسطة فيها، وكلا الأمرين مبني على ولاية أصحاب تلك القبور وما أعطوا من التصرف في الكون والتوسط بين الله وبين خلقه في إعطاء ما ينفع الناس.(1/319)
فمن تلك القبور قبر محمد بن عبدالله بن يحيى الهمداني،قال الشرجي في ترجمته: (وقبره بالرباط المذكور مقصود للزيارة واستنجاح الحوائج) 998، ومنها قبر مرزوق بن حسن الصريفي، قال الشرجي: (قلما قصده ذو حاجة إلا وقضيت) 999، ومنها قبر الإمام زيد بن عبدالله اليفاعي، قال الشرجي: (ولا تكاد تخلو تربته من زائر، وقلما قصدها ذو حاجة إلا قضيت) 1000،ومنها قبر صاحبي عواجة محمد بن أبي بكر الحكمي ومحمد بن حسين البجلي، قال الشرجي في ترجمة البجلي: (وقبره بقرية عواجة إلى جنب قبرصاحبه الشيخ محمد الحكمي، تستنجح بهما الحوائج ويستنزل بهما القطر) 1001، ومنها قبر محمد العيدروس بن عبدالله بن شيخ بالهند، قال الشلي في ترجمته: (ومن زاره بحسن نية وسلامة طوية أعطي سؤاله ونال مأموله ونواله) 1002، ومنها قبر أبي الحسن على بن قاسم العيلف بن هيش بن عمر بن نافع الحكمي،قال الشرجي: (يروى أنه من قرأ عند قبره سورة ياسين إحدى وأربعين مرة لم يقطع بين ذلك بكلام قضيت حاجته كائنة ما كانت، وقد جربتُ ذلك وصح والحمد لله على ذلك) 1003، ومنها قبر أبي الحسن علي بن عبد الملك بن أفلح، قال الشرجي في ترجمته: (وقبره بمقبرة باب سهام من القبور المشهورة المقصودة للزيارة والتبرك واستنجاح الحوائج والمطالب) 1004، ومنها قبر أبي بكر بن عيسى بن عثمان الأشعري، قال الشرجي في ترجمته: (وقبره هنالك مشهور يزار ويتبرك به، ويروى أن من قرأ عند قبره سورة ياسين (إحدى وأربعين) مرة قضيت حاجته كائنة ما كانت وقد جرب ذلك وصح)1005، ومنها قبر القاضي أحمد بن محمد باعيسى، قال الشلي وهو يتحدث عن كيفية زيارة مقابر تريم: (كالقاضي أحمد بن محمد بن محمد باعيسى حكي عنه أنه قال: من زارني بنية صادقة وطلب حاجة ضمنت له قضاءها أو كما قال () 1006.
المطلب الخامس: اعتقادهم أن بعض القبور أمان للخائفين:(1/320)
من القضايا المسلَّمة عند القوم أن بعض من ينسبون إلى الصلاح تظل مقابرهم محترمة مبجلة يأمن فيها الملتجئ إليها سواء كان محقاً في التجائه أو مبطلاً، وسواء كان طالبه والباحث عنه محقاً أو مبطلاً، مادام الاثنان مؤمنين بقداسة تلك البقعة، معتقدين لولاية صاحبها وكراماته التي فيها تأمين اللاجئين إليه، ولكن عندما يأتي من لا يؤمن بقداسة ذلك المحل خصوصاً الطالبين ولا يعتقدون ما يعتقده عامة الأمة فيه فإنه لا يحصل شيء من ذلك، فابن علوان وأبو الغيث بن جميل والعيدروس وعلي بن حسن العطاس وغيرهم كثير قيل في تراجمهم أن تربتهم مأوى اللاجئين وأمان الخائفين من التجأ إليها أمن ومن تعدّى عليها عوجل بالعقوبة، ويحكون حكايات كثيرة فمنها وقائع وقعت لمن تعدى على حرمة تلك الترب حتى قالوا إن علي بن حسن العطاس يحمي الناس من شهر ربيع الأول ولو قبل الوصول إلى مشهده، وذلك بأن يقتل من أقارب المعتدي بعدد الأيام التي مضت من الشهر، فإن مضى يومان وحصل الاعتداء قتل اثنان وإن كان في الرابع منه قتل أربعة وهكذا 1007.
إذن فالأمر محقق عند القوم بينما نجد أن هناك اعتداءات (بحسب تعبيرهم) سافرة وقعت لا على الملتجئين إليهم بل عليهم أنفسهم فلم يدفعوا عن أنفسهم ولم يحصل على الجاني أي شيء فما السر؟.
السر والله أعلم عدة أمور:(1/321)
الأمر الأول: الحالة النفسية لأولئك المتعلقين فهم عندهم الاستعداد النفسي لقبول أي شيء من قبل هذه القبور، وهذا يضعف المقاومة ويهيئ السبيل لوقوع تلك الأحوال التي يعدونها عقوبات لمنتهك حرمة ذلك المقام، وهذا أمر شائع ومعروف،فالمجتمع الذي يكثر الحديث عن الجن ويسرد القصص الكثيرة يصيبه من أذى الجن مالا يصيب المجتمع المُعِْرض عن ذلك الذي لا يلتفت إليه، وكذلك قل في العين والطيرة ونحو ذلك ولعل القرآن أشار إلى ذلك في قول الله تعالى: ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً ( 1008، فحينما وجد الجن ذلك الضعف من الإنس نحوهم زادوا من أذيتهم.
والأمر الثاني: وجود خدم لبعض الأضرحة من الجن هم كما صرحوا هم بذلك وسيأتي بيان هذا في موضع آخر إن شاء الله.
والأمر الثالث: حيل السدنة ومكرهم ودهاؤهم الذي يجعلهم يفعلون أفعالاً بطرق خفية وملتوية يتوهم من لا يعرف حقيقة الحال أن تلك الأفعال صادرة عن الولي بينما هي من أفعال السدنة.
والأمر الرابع: وجود فئات من القبائل ترى أنها ملتزمة لذلك الولي وذريته وأن حمايته وحماية ذريته واللائذين به من واجباتهم، فهم يقومون بالانتقام ممن أخفر ذمة ذلك الولي أو أحد ذريته أو محبيه اللائذين به، فيقومون بذلك طبيعياً ثم يشاع أنه عقوبة من الولي، بينما نجد أن الذين لا يفكرون في تلك العقوبات والتصرفات المنسوبة إلى الولي لا يضرهم شيء، فالجيش النجدي الموحَّد المتوكل على الله حين هاجم حضرموت ضرب تلك القبب وأزال توابيتها وسواها كما أمر الرسول ( فلم يحصل عليهم شيء، ولم ينتقم منهم أولئك الأولياء بشيء بل عادوا إلى بلادهم سالمين وإن حصل عليهم هزيمة في معركة ما فشأن الحروب فر وكر ونصر وهزيمة والعاقبة للمتقين.(1/322)
وكذلك ما فعله الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين بقبري ابن علوان وابن العجيل وغيرهما لم يصبه من أثره شيء، وأوضح من ذلك وأقرب ما فعله الشباب المحتسب بعد حرب الانفصال (ربيع الأول 1415هـ) من تسوية القبور المعظمة في عدن ومنها قبر العيدروس لم ينتج عنه شيء عليهم، وهذا كله دليل على بطلان تلك المزاعم وعلى صحة التفسير الذي تقدم والله أعلم.
ومن تلك القبور، قبر عيسى بن إقبال الهتار، قال عنه الشرجي: (ودفن بقرية التريبة بضم التاء المثناة من فوق تصغير تربة، قرية من قرى الوادي زبيد وقبره هنالك مشهور يقصد للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يتعرض له بمكروه، ومن تعدَّى ذلك عوجل بالعقوبة والقرية كلها محترمة ببركته) 1009، ومنها قبر أبي الغيث بن جميل، قال الشرجي: (ودفن بقريته بيت عطاء المشهورة، وتربته هنالك من الترب المشهورة المعظمة قلَّ أن يوجد لها نظير في اليمن، لا تكاد تنقطع من الزوار من كل ناحية، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يناله بمكروه من أهل الدولة والعرب وغيرهم) 1010، ومنها قبر أحمد بن عجيل، قال الشرجي في ترجمته: (ومن استجار به سلم من جميع المخاوف بل مَنْ وصل إلى قريته لم يقدر أحد أن يتعرض له بمكروه، وليس للملوك وغيرهم على أهل قريته تصرف ولا ولاية كما في سائر القرى كل ذلك ببركته) 1011، ومنها قبر أحمد بن علوان،قال الشرجي في ترجمته:(وقرية الشيخ المذكور محترمة،ومن استجار بها لايقدر أحد أن يناله بمكروه)1012، ومنها قبر سفيان بن عبدالله الأبيني، قال الشرجي في ترجمته: (وتربته هنالك من الترب المشهورة المقصودة للزيارة والتبرك، ومن استجار به لا يقدر أحد أن يناله بمكروه أبداً، ومن تعدَّى شيئاً من ذلك عوقب أشد العقوبة من غير إمهال، وقد جرب ذلك غير مرة) 1013، ومن تلك القبور في عدن قبر محمد بن عبدالله الصريفي، قال الشرجي في ترجمته:(ومن استجار به لا يقدر أحد أن يناله بمكروه،(1/323)
ولأهل عدن فيه معتقد عظيم وله عندهم محل جسيم وهو فوق ذلك رحمه الله تعالى ونفع به) 1014، ومنها في حضرموت قبة عبدالله بن شيخ العيدروس، قال الشلي في ترجمة سقاف العيدروس: (ودفن بقبة جده عبدالله بن شيخ، وقبره مشهور عند الناس، ومن استجار به أمن من كل بأس) 1015، ومنها كذلك قبر الشيخ أبي بكر بن سالم صاحب عينات، قال الشلي في ترجمته: (ومن استجار بقبره المأنوس أمسى وهو محروس لا يقدر أحد أن يناله ببؤس)1016، ومنها قبر علي بن حسن العطاس، بالمشهد بحضرموت، قال صاحب " تاج الأعراس " ضمن حكاية ساقها: (قلت: وقول الحبيب هادون لجده الحبيب علي "وهز الرمح " لما اشتهر من أن الحبيب علي كان يلقب بأبي حربة، وسبب تلقيبه بذلك أنها تواترت الأخبار من المعادين للحبيب علي في حياته وأهل الجرأة على مقام المشهد بعد وفاته أنهم يرونه في مناماتهم يطعنهم بحربته فيخبرون قراباتهم بذلك موقنين بالموت ويموتون في الحال بإذن الله القائل: "من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب "،لا سيما الذين يعتدون على غيرهم في شهر المشهد أي ربيع الأول؛لأن الحبيب علي قد جعله عُرضة بضم العين أي أماناً مؤبداً في كل سنة...الخ) 1017، فهذه عدد من الأمثلة على ذلك الاعتقاد من مواطن مختلفة من اليمن.
المطلب السادس: اعتقادهم بعض القبور متخصصة في قضاء حاجات معينة:
للناس عند زياراتهم لبعض القبور حاجات كثيرة يستغيثون بها من أجل الحصول على الولد والاستسقاء والاستشفاء وسيأتي ذلك تفصيلاً في السطور التالية:.
الحصول على الولد:
سبق في فروع الاعتقاد بتصرف الأولياء في الكون أن من الناس من يعتقد بأن فلاناً يعطي الولد، وذكرنا هناك أمثلة لذلك وبعض القبور التي يعتقد ذلك في أصحابها، ومن تلك القبور قبر الشيخ القرشي في مقبرة الفريط بتريم حتى أنهم يسمونه صاحب الذرية، وليس الأمر مجرد دعاء عند قبره ذلك ولكن فقط وضع " حصاة " عند القبر 1018.
الاستسقاء:(1/324)
كذلك مرَّ في فروع عقيدة التصرف في الكون أنهم يعتقدون في بعض الأولياء، أنهم ينزلون الغيث وذكرنا أمثلة على ذلك.
ومن القبور التي ذكرناها هناك قبر الشيخ جنيد باوزير صاحب النقعة، وذكرنا قصة علي بن جعفر العطاس وقوله لأهل حريضة: با نجيكم بسيل من عند الشيخ جنيد باوزير إن شاء الله 1019، كما ذكرت قصة باسليمان واعتماده على الشيخ سعيد بن عيسى العمودي في إنزال الغيث 1020، وذكر الجندي في ترجمة الشيخ أبي بكر بن أكدر قال: (أخبرني الثقة من أهل تلك الناحية أنهما يزاران ومتى عطش أهل حضرموت واشتد بهم الجهد وصلوا قبرهما واستسقوا بهما فما يلبثون أن يسقوا) 1021.
الاستشفاء:
سبق أيضاً في فروع عقيدة التصرف بعض الأمثلة في الاستشفاء، نضيف هنا أمثلة أخرى منها ما ذكره صاحب تذكير الناس: (قال سيدي: ولما خرج الحبيب أحمد بن محمد المحضار من دوعن، لزيارة تريم وعينات، ووادي ابن راشد، بات ليلة بذي أصبح عند السادة آل البحر، فاشتدت الحمى بابنه محمد، حتى غاب عن إحساسه، فأشفق عليه والده منها، فخرج ليلاً إلى ضريح الحبيب حسن ابن صالح، وكان شيخ فتحه، ووقف تجاهه، وقال: وعزة المعبود، إن لم تذهب الحمى من ولدي محمد لأصبح في خشامر، عند بن علي جابر، فلما كان آخر الليل، عرق ابنه محمد وخرجت منه الحمى، وطلب الأكل، وأصبح:كأنما1022 نشط من عقال، وسرحوا من يومهم) 1023.
ومنها ما قاله عبدالقادر العيدروس: (... وذلك أن بعض الأصحاب من أهل حضرموت أهدى لي طيباً فقلت: هلا أهديت لي من تراب قبر سيدي الشيخ سعد بن علي (؟ فإنَّ ذلك عندي من أشرف الهدايا، وأفخر أنواع الطيب، ثم أنشدت في هذا المعنى:
سألت العرفا عن طب دائي فقالوا تراب ذلك الجناب الأقدس
على الخبير سقطت فاغنم داؤك وربي إنه درياق أنْفَسُ
داوني يا سعد وأدرك قبل تِلافي وحقك أنني لك عبد أكيسُ(1/325)
فأرسل إليَّ من العام القابل قليلاً من تراب ذلك الضريح الشريف في قارورة زجاج ولله الحمد...) 1024.
وقد جاء في ترجمة عمر المحضار: (مات ( وهو ساجد في صلاة الظهر، يوم الاثنين ثاني عشرة في شهر ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وقبره بتريم يزار ويتبرك به، ترياق مجرب يعرف استجابة الدعاء وكذلك مسجده) 1025.
المبحث الثاني
ظاهرة البناء على القبور وإسراجها وإلباسها
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: القبور المعظمة الثابتة لأصحابها:
أقصد بهذا المطلب إعطاء صورة تقريبية للحالة التي وصل إليها القوم من نشر لمظاهر القبورية على الرغم من النهي الصحيح الصريح عن البناء على القبور واتخاذها مساجد وإسراجها والكتابة عليها ورفعها وإنارتها...الخ، وقد مرّ ذلك كله في الباب التمهيدي.
ومع ذلك النهي وتقريره في كتب علماء الإسلام ومنهم علماء الشافعية والهادوية الذين صرحوا إما بالتحريم أو بالكراهة، بل إن ابن حجر المكي -وهو عمدة علماء اليمن الشافعية في الفقه- عدَّ ذلك كله من كبائر الذنوب،ولو أنني فصّلت في هذا المطلب وتتبعت جميع القبور المعظّمة لطال جداً بل لاستغرق مجلداً كاملاً، ولكن الأمر لا يحتاج إلى حشد الكثير من الأدلة لظهور ذلك للعيان واستطاعة كل إنسان أن يرى تلك المشاهد والقباب والقبور المجصصة والشواهد الكبيرة ذات الكتابات الواضحة الحاملة لمناقب ومزايا أصحابها في كل مكان، فما من مدينة أو قرية في اليمن إلا ولها نصيب من ذلك يقل أو يكثر وكلما كانت المدينة أعرق في التصوف والتشيع كان حظها أكبر كزبيد وعدن وتريم والشحر وصعدة وغيرها من المدن والقرى على امتداد الساحة اليمنية.
وحتى يسهل الوقوف على ذلك سوف أستعرض ذلك محافظةً محافظة وليس من شرطي الاستقصاء والإحاطة وإنما إعطاء فكرة فقط كيفما تيسر.
محافظتي الحديدة وزبيد:(1/326)
وأبدأ من حيث بدأت القبورية وانتشرت وفاقت غيرها وسبقت سواها سبقاً زمنياً وسبقاً من حيث الكثرة والكثافة من " تهامة "،وسأذكر الأسماء فقط دون أي إعتبار للترتيب لا من حيث الزمن ولا من حيث المكان ولا حتى من حيث ترتيب الأسماء على حسب الحروف:
- (أحمد بن موسى بن عجيل / بيت الفقيه) - (إبراهيم بن علي الفشلي/ زبيد)
- (أحمد بن محمد الرديني / قرية عازب الحلى) -(أحمد بن عمر الزيلعي / اللحية) - (إسماعيل بن محمد الحضرمي / الضَّحِى) -(أحمد بن أبي بكر الرداد / زبيد)
- (بكر بن محمد بن حسن بن مرزوق / زبيد) - (إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي / زبيد)
- (سليمان بن أبي القاسم الهاجري / المهجم) - (سعد بن محمد العرضي/بيت حسين)
- (طلحة بن عيسى الهتار / التريبة) - (علي بن عبدالله الطواشي / حلى)
- (علي بن محمد المعروف بابن الغريب / قرية السلامة) - (علي بن المرتضى الحضرمي / زبيد) - (علي بن الحسين بن رطاس / زبيد) - (عمر بن محمد بن رشيد / زبيد) - (محمد بن أبي بكر الحكمي / عواجة) - (محمد بن حسين البجلي / عواجة) - (محمد بن عمر بن حُشَيبر / بيت الفقيه) (محمد بن يعقوب أبو حربة / وادي مدرر) - (أحمد بن أبي بكر بن يحيى المساوى /حرض) - (علي بن أبي بكر الأجحف / الحرجة) - (عثمان بن أبي القاسم بن أحمد بن إقبال / القرتب) - (مسعود بن عبدالله الحبشي / رمع)
- (أحمد بن عبدالله بن أحمد الصريدح / المدالهه) - (أحمد بن أبي الخير الشماحي / زبيد)
- (عثمان بن هاشم الحجري / بيت حسين) - (محمد بن عمر النهاري / سهام)
- (أبو القاسم بن عثمان بن أبي القاسم / القرتب) - (علي بن قاسم العليف الحكمي/ زبيد)
- (علي بن عبدالملك بن أفلح / زبيد) - (علي بن نوح بن علي الأبوي / زبيد)
- (علي بن أبي بكر بن شداد / زبيد) - (عيسى بن إقبال الهتار / التريبة)
- (عيسى بن حجاج العامري / بيت حسين) - (عيسى بن مطير الحكمي/ بيت حسين)(1/327)
- (محمد بن عبدالله الحقيص / زبيد) - (محمد بن إبراهيم بن دحمان / زبيد)
- (محمد بن عمر بن محمد بن شوعان / زبيد) - (محمد بن أبي بكر الزوقرى / زبيد)
- (محمد بن أبي بكر بن شييح / العامرية) - (محمد بن أحمد الزجاجي / زبيد)
- (مفتاح بن عبدالله الأسدي / بيت مفتاح) - (مهدي بن محمد المنسكي / المهجم) - (يوسف بن علي الأشكل / وادي سردد) - (محمدبن أبي بكرالأشكل/وادي سردد)
- (أبو بكر بن عيسى بن عثمان الأشعري / زبيد) - (يوسف بن عمر المعتب/ حد القحرية)
- (أبو بكر محمد بن حسان المضري / التحيتا) - (أحمد الجندح / المثينة)
-(أبو القاسم بن محمد السهامي/ زبيد) …… - (عبلة ورزم / زبيد)1
- (رجل يقال له ابن سيرين / زبيد) - (الشيخ البكاء / زبيد)
- (أبوبكر السلاسلي / القرتب) - (الملبك /زبيد)
- (محمد بن يوسف الضجاعي / وادي رمح) - (الصديق بربش/زبيد)
- (محمد بن عبدالله المؤذن / قرية الغصن من وادي مور) - (محمد بن مهنا القرشي / وادي مور)
- (محمد بن إسماعيل المكدش / قرية الأنفة وادي سهام) - (محمد بن مهنا الشريف / قرية البرزة)
- (محمد بن أبي مليكه / وادي سردد) - (مرزوق بن حسن الصريفي / زبيد)
- (أبوبكر بن محمد بن علي الجندح / حيس) - (أبوبكر بن محمد الحداد / زبيد)
- (الفيروزآبادي صاحب القاموس / زبيد) - (أبو الغيث بن جميل / بيت عطاء)
- (قراء ياسين العشرة / زبيد) - (الشيخ يونس / زبيد)
- (الحجب / التريبة) - (عمر بن أبي القاسم الخزان / القطيع)
- (الشيخ صديق / الحديدة) - (علي بن عمر الأهدل / المراوعة)
- (الساكت / القطيع) - (المقدم / القطيع)
- (حباك الماء/ التريبة) - (أحمر العين / المنيرة)
- (الشيخ أدهل / الزيدية) - (حامي الحمى / القناوس)
- (سود بن الكميث / الفاشق) - (طاهر أبو الغيث / حرض)
محافظة تعز:
- (أبو العباس أحمد بن محمد الصبعي / سهفنه) - (محمد بن عبدالله بن الخطيب / موزع)(1/328)
- (عبدالملك بن محمد بن أبي ميسرة اليافعي / الجوه) - (السروي / منطقة جبا)
- (أحمد بن محمد الشكيل / المخلاف) - (أحمد بن محمد الجماعي / سهفنه)
- (عبدالرحمن بن عقيل بن محمد صاحب المخا / المخا) -
- (الواسطي / الجند) - (محمد بن ظفر الشميرى/ الجند)
- (أبو السرور بن إبراهيم / الدملوة) - (الشيخ سلمان / حبيل سلمان تعز)
- (عفيف الدين سليمان بن عمر / تعز) - (أحمد بن علوان / يفرس)
- (زيد بن عبدالله اليفاعي / الجند) - (علي بن أحمد الرميمة / صبر تعز)
- (علي بن عمر الشاذلي / المخا) - (عمر بن عبدالرحمن / صاحب الحراء)
- (أحمد بن محمد الضبعي / سهفنه) - (محمد بن عبدالله الخطيب / موزع)
- (أبوبكرمحمد بن ناصر الحميري/ الذنينتين قرب الجند) - (الحساني / جبل حيشي) - (عبدالله بن محمد العباس الحجاجي الشاكري / الجند) - (ابن ردمان / الصراهم) - (علي بن يوسف صاحب المجرية/ جبل شمير).
محافظة إب:
- (الحسين بن محمد بن الحسين السحولي / السحول) - (عمر بن عبدالرحمن بن حسان / الذهوب)
- (أبو موسى عمران الصوفي / جبلة) - (يحيى بن أبي الخير العمراني / ذي السفال)
- (علي بن أبي بكر التباعي / المخادر) - (عمر بن سعيد الهمداني / ذي عقب)
محافظة لحج والضالع:
- (عبدالله بن علي بن حسن بن الشيخ / الوهط لحج) - (سفيان بن عبدالله / سفيان لحج)
- (عبدالله بن حسن الجوهري / المحلة لحج) - (عمر بن علي/ الوهط)
- (حسن البحر / الحمراء لحج) - (طهرور / قرية طهرور)
- (بهية بنت موسى / عيديد لحج) - (موسى بن حسين / الجفاية لحج)
- (مزاحم / لحج) - (سعيد بن عيسى / مقيبرة لحج)
- (علي بن زين/ الشرج) - (عبدالله بن حسن الجوهري / المحلة)
محافظات عدن وأبين وشبوة:
- (ريحان بن عبدالله العدني / عدن) -(علي بن حسن الأصابي / المحفد أبين)
- (عبدالله بن محمد بن عبدويه / كمران) - (أحمد بن علي الحرازي / عدن)(1/329)
- (أحمد بن محمد بامعبد / رضوم شبوة) - (محمد بامعبد / عين بامعبد / شبوة)
- (جوهر بن عبدالله الصوفي / عدن) - (علي بن أحمد بن قيدار القريضي / عدن)
- (أبو بكر بن عبدالله العيدروس / عدن) - (أبان بن عثمان بن عفان / عدن) 1026
- (العثماني / الشيخ عثمان عدن) - (الهاشمي / الشيخ عثمان عدن)
محافظة حضرموت:
هي أكبر المحافظات تلوثاً بالقبورية بعد تهامة،بل ربما زادت على تهامة خصوصاً هذه الأيام فإن حركة إحياء القبورية فيها قائمة على قدم وساق في شتى مناحيها من حيث إشادة وترميم المشاهد وإحياء الزيارات والشعائر القبورية، ونشر كتب الخرافة والدجل،وتأليف الرسائل لتأصيل تلك الخرافات أوالرد على المعترضين عليها.
- (عبدالرحمن بن محمد يعرف بـ " سقاف العيدروس " / تريم) - (أبو بكر أكدر / تريم)
- (عبدالله بن عبدالرحمن الشهير بالنحوي/ روغه) - (عبدالله بن أبي بكر العيدروس / تريم)
- (عبدالله بن شيخ بن عبدالله العيدروس / تريم) - (عبدالرحمن السقاف / تريم)
- (أبو بكر بن سالم صاحب عينات / عينات) 1027 - (محمد بن علي الفقيه المقدم / تريم)
- (أحمد بن حسين بن عبدالله العيدروس / تريم) - (أحمد بن محمد الشهير بالحبشي / الحسيسة)
- (أحمد بن الأستاذ الأعظم / العجز) - (حسين بن عبدالله العيدروس / تريم)
- (محمد بن حسن المعلم أسد الله جمل الليل / تريم) (سالم بن بصرى / تريم)
- (أحمد بن عبدالرحمن المشهور بـ(شهاب الدين/تريم) - (محمد بن علوي بن أحمد بن الأستاذ / تريم)
- (عبدالله باعلوي / تريم) - (حسن بن علي بن محمد مولى الدويلة/ تريم)
- (علوي بن الأستاذ الفقيه المقدم / تريم) - (عبدالله بن الأستاذ الفقيه / تريم)
- (علي بن محمد صاحب مرباط / تريم) - (محمد بن عبدالله باعلوي / تريم)
- (علي بن عبدالله باعلوي / تريم) - (محمد بن علي عيديد / تريم)
- (علي بن علوي خالع قسم / تريم) - (الشيخ عمر المحضار / تريم)(1/330)
- (علي بن أبي بكر السكران / تريم) - (حسن الورع / تريم)
- (سالم بن فضل / تريم) - (فضل بن محمد بافضل / تريم)
- (أحمد بايحيى واسع وعمه / تريم) - (إبراهيم بن يحيى بافضل / تريم)
- (أبو بكر بن الحاج / تريم) - (علي بن أحمد بامروان / تريم)
- (علي بن عمر القرشي / تريم) - (أحمد بن محمد بافضل / تريم)
- (علي بن محمد الخطيب / تريم) - (عبدالرحمن بن يحيى الخطيب / تريم)
- (أحمد بن علي الخطيب / تريم) - (أحمد بن محمد بن أبي الحب / تريم)
- (سعيد بن علي بامدحج / المشهور بالسويني / تريم) - (يحيى بن سالم بافضل/ تريم)
- (محمد الغريب / تريم) - (القطب عبدالله بن علوي الحداد / تريم)
- (محمد بن علي خرد / تريم) - (محمد بن علي مولى الدويلة/تريم)
- (أبوبكر بن عبد الله الشهير بالإمام / تريم) - (أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن الأستاذ/تريم)
- (عباد بن بشر الصحابي رضي الله عنه / القرية) - (أحمد بن عيسى المهاجر إلى الله / الحسيسة)
- (سلطانه بنت علي الزبيدية / حوطة سلطانه قرب سيئون)
- (علي بن محمد الحبشي / سيئون) …… - (عمر بامخرمة / سيئون)
- (عيدروس بن عمر الحبشي / الغرفة) - (أحمد بن زين الحبشي / حوطة أحمد بن زين)
- (الحسن بن صالح البحر / ذي أصبح)… - (أحمد بن عبد الله القديم باعباد / الغرفة)
جرب هيصم مقبرة شبام تحتوي على عشرات القبور المعظمة والقباب والمشاهد.
- (الهدار / القطن)
- (وفي بلد النقعه بالقرب من حورة قبر الشيخ جنيد باوزير)…- (وقبر الشيخ علي بن سالم باوزير)
وأما حريضة ففيها عدد كبير جداً من القباب والمشاهد على قبور آل العطاس منها:
قبر السيد عمر بن عبد الرحمن العطاس …، وقبر طالب بن حسين العطاس، وقبر أبي بكر بن عبد الله العطاس، وقبر أحمد بن حسن العطاس وغيرهم.
وفي وادي عمد أكثر من عشرين قبراً معظماً أشهرها:
صالح بن عبد الله العطاس، وصالح بن عبد الله الحامد، وقبر عمر بن حسين العطاس بنفحون.(1/331)
ثم بقية قرى الوادي لا تكاد قرية واحدة تكون خالية من قبة أو مشهد أو قبر مجصص يزار في السابق، ولدي قائمة بأكثر تلك القبور آثرت عدم كتابتها للاختصار.
وهناك مناطق لم تذكر وقبور كثيرة تركتها كذلك حيث القصد التمثيل وليس الحصر.
الباب الثاني
آثار القبورية
ويشتمل على مدخل وأربعة فصول
المدخل
وفيه بيان نشأة العقائد الضالة عن الغلو في الصالحين
الفصل الأول
عقائد القبورية الضالة
وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول: عقيدة القطبية والتصرف في الكون.
المبحث الثاني: عقيدة الرجعة وإمكان الاجتماع بالنبي ( يقظة.
المبحث الثالث: الاعتقاد بحياة الخضر واللقاء به.
سبق في الباب التمهيدي تعريف القبورية وأنها(طائفة غلت في أصحاب القبور واعتقدت فيهم عقائد ضالة، حملتها على تعظيم قبورهم وآثارهم،والتقرب إليهم بأنواع من العبادات حتى صيّرتهم أنداداً لله تعالى).
فهذه الطائفة أهم سماتها الغلو وهو مجاوزة الحد في هؤلاء الناس الذين زَعَمَتْهُم أولياء لله تعالى،مما نتج عنه عقائد ضالة، بعض هذه العقائد شرك وبعضها دون ذلك،وبناءً على تلك العقائد نشأ تعظيم القبور والآثار المنسوبة إلى أولئك الأولياء، وبهذا التعظيم غرست بذور من بذور القبورية في نفوس هؤلاء القبورية ومقلديهم من العوام، مثل المحبة والخوف المتجاوزَيْن حدود الطبيعة الذَين أوجبا التذلل والانكسار أمام هؤلاء الأولياء أحياءً وأمواتاً، وحملا على التقرب إليهم بما لا يُتقرب به إلا إلى الله سبحانه من النذر والذبح والطلب منهم ما لا يجوز طلبه إلاّ من الله تعالى وهو الدعاء، وبناءً على كل ذلك نشأت في الأمة أمراض فتاكة مثل السحر والكهانة والدجل والخرافة والتمايز الطبقي وتجهيل الأمة.(1/332)
من هذا المنطلق سيكون تناولي لآثار القبورية، وهناك آثار كثيرة لن أتكلم عنها لضعف أو خفاء ارتباطها بالقبورية التي حددتُ معالمها في هذا التعريف، والتي قد يكون لها بواعث أخرى غير الغلو في أصحاب القبور،ومن أمثلة ذلك عقيدة وحدة الوجود وإضاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الصوفية والسماع الصوفي، فهذه الثلاثة النماذج وغيرها قد يتطلع القارئ لبحثها ودراستها ولكنني لن أخوض فيها لخروجها عما رسمته وحددته لنفسي، ولضيق المساحة المحددة لهذا البحث.
الفصل الأول
عقائد القبورية الضالة
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: عقيدة القطبية والتصرف في الكون
وفيه أربعة مطالب
المطلب الأول: تعريف القطب:
قال الجرجاني في تعريف القطب: (وقد يسمى غوثاً باعتبار التجاء الملهوف إليه وهو عبارة عن الواحد الذي هو موضع نظر الله في كل زمان، أعطاه الطلسم الأعظم من لدنه، وهو يسري في الكون وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح في الجسد، بيده قسطاس الفيض الأعم, وزنه يتبع علمه، وعلمه يتبع علم الحق،وعلم الحق يتبع الماهيات الغير المجعولة، فهو يفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل، وهو على قلب إسرافيل من حيث حصته الملكية الحاملة مادة الحياة والإحساس لا من حيث إنسانيته، وحكم جبرائيل فيه كحكم النفس الناطقة في النشأة الإنسانية، وحكم ميكائيل فيه كحكم القوة الجاذبة فيها، وحكم عزرائيل فيه كحكم القوة الدافعة فيها).1028
هذا هو القطب، وهو مأخوذ عن الإسماعيلية كما سبق عن ابن خلدون1029، والإسماعيلية أخذته عن الفلاسفة، وما النفس الناطقة إلا إحدى مراتب الألوهية عند الفلاسفة.
المطلب الثاني: اعتماد ما تقرر من تعريف القطب عند قبورية اليمن:(1/333)
ما اشتمل عليه تعريف القطب السابق هو ما اعتقده صوفية اليمن ودانوا به، يقول اليافعي1030 بعد أن ذكر حديث الأبدال الموضوع: ((وله واحد قلبه على قلب إسرافيل)) قال: (والواحد المذكور في هذا الحديث هو القطب، وهو الغوث ومكانته من الأولياء كالنقطة من الدائرة التي هي مركزها به يقع صلاح العالم)1031.
وقال الحداد: (والقطب الغوث هو: إمام الأولياء أهل الدائرة والتصريف، وهم المعدودون في الأخبار والآثار الواردة فيهم). 1032
وتلك الصفات التي يتحلى بها القطب قد أسبغها قبورية اليمن على أوليائهم، وبهذا وصف الشيخ علي الأهدل صاحبي عواجة البجلي والحكمي فقال أثناء حكاية ساقها الشرجي عن اليافعي في بعض مصنفاته: (يا أبا الغيث هذان في مقام التولية والعزل، يوليان ويعزلان ويميتان ويحييان بإذن الله تعالى وسوف أرثهما وترثني أنت) 1033.
وبذلك وصف محمد بن أحمد باجرفيل الدوعني أبابكر العيدروس حينما استفسره محمد بن عمر بحرق عن تصرفات مالية تصرفها العيدروس على غير الوجه الشرعي فقال: (أنا أشهد أنه أمير المؤمنين المالك للتولية والعزل والحل والعقد والتصرفات كلها، وأشهد أنه أفضل أهل الأرض ظاهراً وباطناً) 1034.(1/334)
ووُصف بها الشيخ عبدالرحمن السقاف، قال عبدالرحمن الخطيب: (الحكاية السابعة والثلاثون بعد الثلاثمائة وهي السادسة والتسعون من مناقب السقاف ( عن عبدالرحيم بن علي الخطيب -رحمه الله تعالى - قال:كنت يوماً في مجلس شيخنا الشيخ عبدالرحمن - رضي الله تعالى عنه - فتكلم الشيخ في الشيخ أبي الغيث بن جميل اليمني 1035 ثم قال في أثناء مدحه:أتى فقهاء اليمن إلى الشيخ أبي الغيث وقالوا له: يا أبا الغيث ما عرفنا إيش مذهبك أخبرنا إيش مذهبك أنت شافعي أم مالكي أم حنبلي أم حنفي؟ فقال لهم: (لا أنا شافعي ولا مالكي ولا حنبلي ولا حنفي، فقالوا له: (فإيش أنت فقال:جنداري من جنادرة السلطان،ثم سكت الشيخ عبدالرحمن - رضي الله تعالى عنه - ساعة ثم همز نفسه ومد يديه في الهواء وقال بأعلى صوته: أنا جنداري من جنادرة السلطان، قال عبدالرحيم ثم بعد ذلك بأيام قلت للشيخ عبدالرحمن - رضي الله تعالى عنه -: وما جنداري السلطان، فقال: ما هذا معناه، هو الذي يدخل على السلطان من غير إذن ولا عليه حجاب، ويأمر وينهى ولا أحد يعارضه فيما يريد، وإذا دخل بلداً أو مكاناً لم يبق لأحد معه من أهل تلك الديار والمكان أمر لا أمير ولا وزير ولاغيرهما، بل الأمر أمر الجنداري والحكم حكمه ما شاء فعل ولا معقب لأمره ولا مرد له...)1036.
قلت:وقبل هذه الحكاية حكايات أخرى ساقها صاحب الجوهر فيها تأكيد وشواهد على ما تضمنته هذه الحكاية من اعتقاد القطبية للسقاف التي تجعله في مقام التصرف التام والتولية والعزل.(1/335)
وإليك نص حكاية منها، وهي الحكاية الخامسة والثلاثون بعد الثلاثمائة عن عمر المحضار بن عبدالرحمن السقاف1037 قال: (كنت نائماً أظنه قال في مسجد مدينة رسول الله () قال:فلم أشعر إلا برجل من الصالحين قد وكزني برجله فرفعت رأسي فقال: ما أجرأك تنام هنا وبطن أبيك ملانة كرعان 1038 [ كم واحد قال سلبه ثم ولى عني ولم أعرفه فسأل الشيخ عمر ( عن معنى قول الرجل بطن أبيك ملانة كرعان ]1039 فقال أخذ الخلق كلهم في بطنه يولي من يشاء ويعزل من يشاء رضي الله تعالى عنه)1040.
وقال أحمد بن حسن العطاس في أثناء حكاية (فقال: إني صاحب الوقت وأتصرف في أهله وأنت فلان ابن فلان، وإن كنت تريد أن تنظر إلى بلدكم تريم فأدخل رأسك في كمي فبهت من ذلك ولم أفعل، ثم قال لي: أتريد أن أتصرف في قلب الباشا بأن يقوم؟ وكان جالساً في الحرم فبمجرد قوله ذلك قام الباشا وأتباعه وذهبوا خارجين من الحرم، فلما قاربوا الخروج منه قال لي: أتريد أن أتصرف فيه بأن يرجع فيطوف؟ فبمجرد ذلك رجع هو وأتباعه وطافوا، ثم قال لي: أتريد أن أتصرف في قلب الشريف عبدالمطلب بأن يرجع الخمسة الديواني فتسلك في السوق وتمشي؟ فبمجرد قوله ذلك نادى المنادي بأعلى صوته يقول لكم الشريف عبدالمطلب لايمتنع أحد من الخمسة الديواني).1041
فانظر إلى هذا الذي إن صدق النقل عنه فهو ساحر كيف يدعي هذه الرتبة من مراتب الأولياء عند الصوفية وأنه يتصرف حتى في قلوب الناس ومقاصدهم ويحملهم على فعل ما يشاء دون اختيار منهم، وكيف يقص هذا العالم القدوة من علماء صوفية حضرموت لأتباعه ومريديه هذه القصة مسلماً بها مريداً منهم أن يصدقوها ويعتقدوها، أليس هذا هو التطبيق العملي لعقيدة القوم في القطب الذي مر تعريفه؟
المطلب الثالث: التصرف في الكون أهم وظائف القطب:(1/336)
اتضح من تعريف القطب بأنه هو المفوَّض من قبل الله تعالى في التصرف في الكون،وربما أطلقوا على مرتبة القطبية (الخلافة العظمى)1042، والمعنى: أن يكون القطب خليفة الله تعالى في تصريف الكون.
ولمعرفة ما يشمله ذلك التفويض لدى القوم نذكر بعض النصوص من كتبهم تبين سعة ذلك التفويض وشموليته من حيث الزمان والمكان ومن حيث الدنيا والآخرة.
نقل السيد علي بن محمد الحبشي1043 -أحد أقطاب حضرموت- على سبيل الإقرار والاستحسان عن عبدالعزيز الدباغ قوله: (إن تصرفي يصل حتى إلى الجنان، وإن الحور ما يفعلن شيئاً إلا بأمر مني)، وكان يقول لمريده:(إن كنت تعتقد أن الْبِسَّ في جميع أقطار الأرض يأكل الفأر بغير إذن مني فما أحسنت الأدب معي)، ثم يعقب الحبشي على ذلك فيقول: (انظر إلى هذا الفناء العظيم وأين اليوم هذا الاعتقاد) 1044.
فانظر إلى هذه الدعوى التي شملت التصرف في الدنيا والآخرة وجميع أقطار الأرض وجميع العوالم من عالم الحور العين إلى عالم الْبِسَّ والفأر.
وإليك صورة أخرى للتصرف الشامل في الحياة وبعد الموت، قال الشلي: (وقال بعض العارفين: الفقيه المقدم تصرف على المشايخ الذين تصرفوا بعد موتهم كتصرفهم في حياتهم وهم القطب الرباني الشيخ عبدالقادر الجيلاني والشيخ معروف الكرخي والشيخ عقيل المنبجي وحيوة بن قيس) ثم استشهد على ذلك بهذه الأبيات لمحمد بن علي خرد باعلوي1045 صاحب الغُرر:
تصرّف شيخ في الوجود معظّم ٌ على السادة الأشياخ أهل المعارف
على السيد الشيخ الفتى عبد قادر ومعروفٍ الكرخي منجٍ لتالف
وقيسٌ عقيل المنبجي وشيخنا لتصريفه لا يصرفون الصارف
وتصريفهم في كل شيء محقق سوى في جمال الدين عين لواقف 1046
وتأكيداً لذلك تجدهم في الحضرات وبعض الموالد ينشدون إلى اليوم:
ربي اسألك باسرار الفقيه المقدم والذي قد حوى التصريف من قبل آدم(1/337)
ويقول صاحب شرح العينية: (وكان سيدنا الفقيه من الممكنين في التصريف بعد موتهم، قال المشايخ العارفون: ما صلينا على جنازة إلا والفقيه محمد بن علي بعد موته يصلي معنا عليها)1047،فانظر الشمول الزماني لهذا التصريف من الأزل إلى الأبد! بل زاد في الأنموذج اللطيف أن قال بعد ما ذكر صلاته على الأموات بعد موته: (فلا شك أنه ممن صلى على نفسه بنفسه)1048
وفي مناقب عبدالرحمن السقاف يقول محمد بن علي خرد: (ومنها ما روي عن السيد عبدالرحمن بن علوي بن محمد بن الشيخ المذكور، قال كنت في عدن، وقد أصابني في عيني وجع، ولقيت الفقيه العالم القاضي محمد بن سعيد كبن، وأريته إياها وكان عارفاً بعلم الطب، وقيل،إنه كان يعرف اثني عشر علماً سوى العلوم المتداولة بين الناس معرفتها، ما يسأله أحد عن شيء منها، وقلت له يافقيه: أعطني لها دواء، فلما نظرها قال: (هذا مرض تسميه الأطباء الماء الأخضر وليس عندنا دواء حتى يكمل عماؤها، وإن أردت لها دواءاً قبل ذلك دللناك عليه فقلت: ما هو؟ فقال: اقصد جدك الشيخ عبدالرحمن، وقل له: يسلم عليك محمد بن سعيد كبن، وقل له: في عيني وجع أريدك تزيله بإذن الله فإنه يزول، فقلت له: تحولني على ميت؟ فنهض من مقعده وارتعش، ثم قال: والله،ثم والله ثم والله، إني أعتقد في الشيخ المذكور أنه يتصرف في مماته، كتصرفه في حياته،وأنه انتقل إلى الآخرة ولم تنتقل دولته، وفي رواية عن الفقيه الولي الصالح الشيخ سهل بن عبدالله باقشير،ما أخبرني عنه السيد شيخ بن عبدالله بن الشيخ عبدالرحمن، قال: لما رأى الفقيه عين عبدالرحمن رآها عمياء لكتيبة حصلت فيها هذا من أمر القدرة ما يزيل أمر القدرة إلا أهل القدرة، وجدك من أهل القدرة فأحاله عليه،فقال عبدالرحمن: ثم بعد مدة رأيت الشيخ في المنام على سرير فقلت له: إن الفقيه ابن كبن قال لي إنك تتصرف بعد وفاتك كتصرفك في حياتك، فأخذ بإذني وقال لي: (أنا ابن محمد بن علي، ما تصدق إلا إن قال:(1/338)
لك ابن كبن؟ أنا كذلك وأزْيَد وأزْيَد، ( ونفع به)1049، فهذا لا يقتصر على التصرف في الكون في حياته وبعد مماته بل هو كذلك وأزيد وأزيد) ولا أدري ما هو الأزيد من ذلك؟!.
وهناك مثال عملي للتصرف في الكون مع تأويل له من أحد كبار أقطاب صوفية اليمن: (من عجائب الآيات وغرائب الكرامات ما وقع بين الشيخين العارفين السيفين القاطعين أعني أبا عيسى واسمه سعيد وأحمد ابن أبي الجعد المذكورَين، وذلك أنه ورد الشيخ أحمد المذكور في جمع من أصحابه على الشيخ سعيد في وقت جاءوا إلى زيارة القبور الشريفة في حضرموت، فوافقه الشيخ سعيد وأصحابه على الزيارة ومشوا، فلما بلغوا بعض الطريق بدا للشيخ سعيد أن يرجع في هذا الوقت ويزور في وقت آخر، فرجع هو وأصحابه إلى موضعهم واستمر الشيخ أحمد على عزمه حتى انتهى إلى مقصده فزار ورجع، والشيخ سعيد مكث أياماً ثم خرج هو وأصحابه إلى الزيارة المذكورة فالتقى الشيخان وأصحابهما في الطريق فقال الشيخ أحمد للشيخ سعيد: توجه عليك حق الفقراء في رجوعك فقال: لا ما توجه علي حق، فقال له الشيخ أحمد:بلى قد توجه عليك الحق فقم وأنصف، فقام الشيخ سعيد وقال: من أقامنا أقعدناه، فقال الشيخ أحمد: ومَنْ أقعدنا ابتليناه، وأصاب كل واحد منهما ما قاله صاحبه، فصار الشيخ أحمد مقعداً إلى أن لقي الله تعالى، وصار الشيخ سعيد مبتلى في جسمه ببلاء قطع جسمه حتى لقي الله تعالى رضي الله تعالى عنهما.
وهذه لعمري أحوال تَكِلُ في جَبِّ بعضها السيوف القاطعة، وإنما يقطع الحالان معاً إذا كان صاحباهما متكافيين أو قريباً من التكافي، فإن لم يكونا كذلك قطع القوي منهما الضعيف، وقد يقطع السابق دون المسبوق فيما يظهر والله أعلم.) 1050.
ومنهم من يدَّعي ذلك لنفسه كما قال الشيخ أبو بكر بن سالم صاحب عينات:
(أنا أعزل أنا اللي ولي أنا شيخها قاضيها)1051.(1/339)
وقال أحمد بن حسن العطاس قال: (فزعت مرة من أحد الناس فلما جئت إلى الحبيب أبي بكر بن عبدالله قال لي: لا تخف من حي ولا من ميت عاد المفاتيح إلا كلها بيدي)،وقال أيضاً: (قال الحبيب أبوبكر بن عبدالله انسدحت مرة في بندر الشحر في مسجد الحبيب أحمد بن أبي بكر بن سالم بعد صلاة الصبح فأتوا بشيء كالبيضة وفيه شيء ونكتوه عند رأسي فإذا هو مختلف الألوان الأبيض والأسود والممتزج فقلت: لعله عالم الذر قال: نعم، فقلت لعله لما ولوكم عليه؟ قال: نعم)1052، وهذا واضح أن الرجل يدّعي أنه بيده مفاتيح الكون ولا أحد يقدر على عمل شيء بغير إذنه هذا في الحكاية الأولى، وأما الحكاية الثانية ففيها أنه ولي على عالم الذر أي الخلق الذين لم يخرجوا إلى الحياة بعد.
وقضية القطبية واعتقادها عند أهل اليمن مبثوثة في كتبهم فلا يكاد أحد من كبارهم لا يوصف بها،حتى لقد قال عبدالرحمن بن محمد السقاف باعلوي 1053: (في تربة تريم ثمانون قطباً كلهم أشراف () 1054 فهؤلاء فقط في تربة تريم، فكم في باقي ترب اليمن، والسقاف توفي عام (819 هـ) فكم جاء بعده من الأقطاب، وهذا كله في اليمن إلى ذلك التاريخ فكيف ببقية بلاد الله منذ أن خلق الله آدم إلى يومنا، لاشك أن عدد الأقطاب لا يمكن أن يأتي عليه الحصر رغم أنهم يقولون إن القطب واحد فقط ولا يولي غيره حتى يموت.
وعلى كل حال فإننا سنلمس الأثر الكبير لعقيدة القطبية بالمفهوم الصوفي فيما يأتي من المطالب حيث تتوالد العقائد الضالة بعضها من بعض.(1/340)
وكما شارك صوفية اليمن بقية الصوفية في عقيدة القطبية شاركوهم كذلك في اعتقادهم بدولة الأولياء وديوان شورا هم، يقول أحمد بن حسن العطاس: (وعقد أي الديوان مرة في قبة الحبيب عمر بن عبدالرحمن العطاس ورأيت الحبيب أبا بكر ارتفع من قبره وفرشوا له فوق القبر حقه، وكان رئيس المجلس الحبيب أبوبكر، ورأيت بالجانب البحري من القبة، رجلاً فسألته: من هو؟ فقال: نقيب الأولياء بالقدس، والذي ظهر لي أن النوبة بقيت مع الحبيب أبي بكر مدة بعد موته، قال سيدي: والرجال الذين هم رجال ما يطلبون مقام القطبية، ولا غيرها ويفرون منها، ومثالها مثال مَنْ قال لك: (هذه البلدة ونفقة أهلها، وخرج معاشهم ودوابهم، وأعطاك ما يحتاجون إليه ماذا ترى لنفسك؟).
وقال أيضاً: (وفي ليلة وفاة الحبيب أبي بكر عبدالله العطاس، اجتمع الأولياء أهل الظاهر والباطن، وجلست أنا بالقرب منهم، وكان ذلك في جامع حريضة، فكان رئيس المجلس الشيخ عبدالقادر الجيلاني فدعاني الشيخ عبدالقادر فقلت له: أنا ما فيَّ طاقة لشيء إن معكم شيء لي اطرحوه في القرآن، فطلع أحد من الأولياء لم أعرفه إلا من بعد، ولما انقضت نوبته اجتمعوا بأعلى شبام، بالقرب من العقّاد، وجعل الأمر بين اثنين، واحد على المعالي وواحد على المسافل)1055.
المطلب الرابع: فروع عقيدة التصرف في الكون:
الفرع الأول: درجة الكونية:
والمراد بها أن الولي قادر على أن يقول للشيء كن فيكون، وهذا مما اختَصَّ الله به، ولم يقم دليل على أن الله تعالى منحه أحداً من خلقه، ولم يدّعه أحد من رسل الله فضلاً عن غيرهم من البشر، ولكن الصوفية حينما ادّعوا لأنفسهم خلافة الله في تصريف الكون ساغ لهم ذلك الادعاء الكاذب المبني على الادعاء الكاذب الأول.(1/341)
ومن أدلة ادعائهم ذلك لأنفسهم وإقرارهم من ادعاه ما ورد في ترجمة علوي بن الفقيه المقدم من المشرع قال:(وحُكي أن الشيخ عبدالله باعباد سأل صاحب الترجمة عما ظهر له من المكاشفات بعد موت والده فقال:(ظهر لي ثلاث أحيي وأميت بإذن الله، وأقول للشيء كن فيكون، وأعرف ما سيكون فقال الشيخ عبدالله: نرجو فيك أكثر من هذا) 1056.
وأعجب من ذلك ما ذكره صاحب الجوهر في ترجمة الشيخ إبراهيم بن يحيى بن أحمد بن محمد بافضل: (وقال في بعض مصنفاته وردت إليَّ رقعة من الفقيه ابن العربي ( فإذا فيها ورد علينا فقير وقال لنا: الفقير يحيي ويميت بإذن الله تعالى، والفقير يقول للشيء كن فيكون بإذن الله تعالى والفقير لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. فأشكل علينا مافيها1057 فقال الشيخ إبراهيم بن يحيى ( شعراً:
إذا لم أفتكم بصريح علم فلا من بعدها تستفتيوني
بما في محكم القرآن أفتي وإلا بعد هذا كذبوني
ثم أجاب عن الكل بجواب فايق عجيب وأتى على كل مسألة بدليل من القرآن) 1058. وحسبك بهذا إقرار لهذه العقائد الخبيثة وأخذ بها.
الفرع الثاني: الإحياء والإماتة:(1/342)
مما تضمنه توحيد الربوبية من الصفات التي لاشريك له سبحانه فيها الإحياء والإماتة، وقد جمع الله سبحانه بين هاتين الصفتين في آيات كثيرة جداً، أقتصر على ثلاث منها، ففي آل عمران يقول تعالى:( والله يحي ويميت والله بما تعملون بصير (1059، وفي التوبة يقول تعالى: ( إن الله له ملك السموات والأرض يحيي ويميت ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير ( 1060، وفي يونس يقول الله تعالى: (هو يحيي ويميت وإليه ترجعون ( 1061، ولما كانت هاتان الصفتان من أكبر البراهين على ربوبية الله تعالى احتج بهما إبراهيم على خصمه فقال وهو يحاج ذلك الطاغية: ( ربي الذي يحيي ويميت ( فعاند الطاغية وكابر فقال: ( أنا أحيي وأميت ( قال المفسرون: فلما رأى إبراهيم سفهه وسخافة دعواه عدل إلى دليل آخر أكثر ظهوراً ولا يستطيع أن يغالط فيه سفهاء الأحلام ممن حوله فقال:( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ( 1062،وقد عد المفسرون هذا الطاغية مدّعياً للربوبية بذلك وجعلوه مثل فرعون الذي صرح بذلك حين قال: ( أنا ربكم الأعلى (1063 وقال:( ما علمت لكم من إله غيري (1064.
وهذا كله يدل بجلاء على أن من ادعى هاتين الصفتين فقد ادعى الربوبية، ومع ذلك فإن الصوفية القبورية يدعون ذلك لبعض أوليائهم،أو يدعيها بعضهم فيقرونه عليها، وإذا أردنا أن نعتذر لهم نقول: إنهم لم يدّعوا ذات الربوبية ولكنهم ادعوا الخلافة العظمى عن الحق سبحانه، ومن جملة وظيفة الخليفة التي فوضها إليه الرب سبحانه هذه الصفة وغيرها من الصفات التي يزعمونها لأوليائهم، وأما ادعاؤهم ذلك فثابت لاشك فيه، ومن الأدلة على ذلك ما مر من ادعاء علوي بن الفقيه المقدم لذلك فيما حكاه الشلي كما في الفرع الأول.
الفرع الثالث: علم الغيب:(1/343)
من مسلَّمات العقيدة الإسلامية اختصاص الله تعالى بعلم الغيب وأنه لا يشاركه فيه أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ( إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ( 1065، وأنه سبحانه عنده وحده مفاتيح الغيب كما قال تعالى: ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ( 1066، وقد بينها سبحانه وحصر علمها عنده، وفي الحديث أن النبي ( قال: ((مفاتيح الغيب خمسٌ لا يعلمها إلا الله؛ لا يعلم ما في غدٍ إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطرأحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله)).1067
بهذه النصوص وغيرها قطع علماء المسلمين أن علم الغيب مما اختص الله به، وأن من ادعاه فقد كذب1068 وأنه طاغوت 1069.
ومع ذلك فقد ادعاه الصوفية القبورية لبعض أوليائهم أو ادعاه بعضهم وأقروه عليه وعدّوه من كراماته ومناقبه.
ومن الأدلة على ذلك ما مر في الفرعين الأول والثاني مما ادعاه علي بن الفقيه المقدم وذكر في مناقبه أنه: (يحيي ويميت ويقول للشيء كن فيكون ويعلم ما سيكون).
ومن ذلك ما جاء في ترجمة أبي بكر بن عبدالرحمن السقاف أنه يقول:(أعرف من الفرش إلى العرش)1070، وفي ترجمة أخيه حسن بن عبدالرحمن السقاف: (كان يقول: أنا أعرف السعيد والشقي وأعرف الصالحين بالشيم) 1071، وفي ترجمة أخيهما الثالث شيخ: (وقال والده عبدالرحمن السقاف:ولدي شيخ كعشرة شيوخ، وما سميته شيخاً إلا أني رأيته في اللوح المحفوظ شيخاً) 1072.
وسأقتصر على هذه النماذج مع أن هناك دعاوى كثيرة من هذا القبيل.
الفرع الرابع: إعطاء الولد:
هذه الخصلة (إعطاء الولد) هي كذلك من خصائص الله تعالى كما قال (: ( لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير ( 1073.(1/344)
ولو قيل: إن صالحاً من الصالحين الأحياء دعا ربه لأحد من الناس بالولد فرزق بتلك الدعوة ولداً ماكان عليه من نكير، ولكن أن ينسب إلى الولي ذاته إعطاء الولد حياً كان أو ميتاً فذلك الذي فيه ادعاء ما هو من خصائص الربوبية، والقبورية يدعون ذلك لأنفسهم أو لأوليائهم أحياءً وأمواتاً، والدليل عليه ما جاء في تذكير الناس قال جامعه: (وأهدى بعض السادة شيئاً لسيدي ( فدعا له بأن يرزقه الله ولداً وقال له: حولناك على الحبيب أحمد بن علي الهدار، وهذا الحبيب كان من أهل الأحوال العظيمة، وكان إذا جاءه أحد وسأله الدعاء بالذرية يقول له:بايأتيك ولد، أو اثنان أو أكثر فاعترض عليه أحد بقلبه فكاشفه الحبيب أحمد وقال له:يا فلان إن الذين قسمتهم من بحر الشيخ أبي بكر بن سالم سبعة آلاف ولد، وأنت يأتيك نصف ولد، فأتاه نصف ولد على رِجل واحدة ويد واحدة وناصفة وجه، نسأل الله العافية.) 1074
ويظهر من هذه الحكاية بشكل جلي أن الرجل لم يدعُ الله،وإنما يقول على جهة الوعد (بايأتيك ولد) وهذا باللهجة الحضرمية معناه سوف يأتيك ولد، فليس فيه أي معنى من معاني الدعاء، ويؤكد ذلك إنكار العامي وغضب الحبيب من ذلك الإنكار، ثم تصريحه بأنه قسّم، وقسّم من أين؟ قسَّم من بحر الشيخ أبي بكر بن سالم، فأبوبكر بن سالم عنده القدرة والإمكانية الواسعة جداً المشبهة بالبحر، وهذا ولده أخذ يقسَّم من ملك جده، أليس هذا صريح في أنهم يدَّعون القدرة الكاملة على ذلك وأنه من جملة ما يملكونه.(1/345)
وبناءً على ترسخ هذه العقيدة لديهم نجدهم يطلبون ذلك فعلاً من أوليائهم، قال صاحب تذكير الناس:(قال سيدي: وزرنا مرة تربة الفريط بتريم نحن والأخ حامد بن أحمد المحضار، ولما كنا عند الشيخ القرشي صاحب الذرية أخذ الأخ حامد حصاة كبيرة ووضعها عند قبر الشيخ وقال: -والحاضرون يسمعون - شف نحنا نبغي ولداً لفاطمة عبوده بنت عبدالله بن عمر القعيطي، وكانت مسنة في ذلك الوقت ومستبعدٌ أن تحمل فقدّر الله أنها حملت بولد وعاش) 1075.
وصاحب هذه الحكاية من كبار أقطاب القوم وعلمائهم ومع ذلك يروي هذه الحكاية مقراً لها، و"حامد المحضار " من كبارهم أيضاً وقد رفع صوته يطلب ذلك أمام العامة وأقره من حضر من الأكابر، إذاً هي قضية مسلّمة يربّون عليها أتباعهم.
ويقول آخر من كبارهم وُصف بأنه:" العالم الجليل نسخة السلف وقدوة الخلف " في رحلته الموسومة بـ " النفحة الشذية إلى الديار الحضرمية وتلبية الصوت من الحجاز وحضرموت " في نفس الموضوع: (ولما وقفنا على قبر الشيخ عمر بن علي القرشي ويروى أن من طرح عند قبره حجرة يرزق ولداً،وقيل: لنا أن الحبيب علي بن محمد الحبشي زاره وبصحبته الحبيب عمر بن عيدروس العيدروس فأخذ الحبيب عمر ملا ثوبه حصى ليطرحه عند القبر، فقال له الحبيب علي: كثّرت جم، فقال: أريد نسمات تذكر الله أو قال تعبد الله، فأخذت أنا حصاتين وطرحتهما عند القبر على هذه النية) 1076، فإذا كان هذا فعل علمائهم فماذا يا ترى يصنع عوامهم وجهالهم؟.
الفرع الخامس: إنزال المرض ورفعه:(1/346)
القول في هذا الفرع كالقول في بقية الفروع فالمرض لا يصيب به إلا رب العالمين، قال تعالى حاكياً عن إبراهيم أنه قال لقومه وهو يدعوهم ويبين لهم حقيقة دعوته وعقيدته:( وإذا مرضت فهو يشفين (1077، وقال الرسول (: ((لا عدوى ولا طيرة)) 1078،وقد صرح العلماء بأنه ليس المقصود نفي العدوى من أصلها بدليل قوله (: ((لا يورد ممرض على مصح)) 1079، لأنه واضح أن في ذلك اعتبار العدوى ولكنه نفى على المعنى الذي كانت الجاهلية تفهمه وهو أن الأمراض تعدي بذاتها فتنسب إلى الأمراض، فحسم ( هذا المعنى الباطل بهذا اللفظ العام ليكون أبلغ وأشمل 1080، فكيف يأتي بعد ذلك من يقول أنه يضع المرض على من شاء وأنه يرفعه عمن يشاء، إن ذلك لاشك ادَّعاء لخاصة من خصوصيات الربوبية وتعليق للخلق بغير الحق وهذا أيضاً مضاد ومناقض لما تدعيه الصوفية من تجريد قلوب الناس من سوى الله تعالى.
وإليك الدليل على زعمهم وضع الأمراض على أناس ورفعها عن آخرين، فقد ذكر الشرجي في ترجمة إسماعيل الجبرتي قال: (ومن ذلك ما يروى عن رجل من أهل مكة يقال له الفقيه عبدالرحيم الأميوطي أنه قال: (كنت لا أعتقد الشيخ إسماعيل، وكنت أحط منه، فبينما أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان، وإذا بي أرى الشيخ قد دخل عليّ في جماعة، فسمعته وهو يقول لآخر: هات الوجع الفلاني فجاء به فوضعه عليَّ ثم قال: هات الوجع الفلاني فجاء به فوضعه علي، ثم مازال يقول هات الوجع الفلاني ويضعه عليّ، حتى وضع عليّ قدْرَ عشرين وجعاً حتى كدت أموت، وخرج، قال: (فبقيت تلك الأوجاع عليّ باقي ليلتي ويومي ذلك إلى العصر، فأرسلت إليه واستعطفت خاطره، فجاء إليَّ فرفع ذلك كله عني، وقمت كأن لم يكن بي شيء فتبت إلى الله تعالى، وحسّنت عقيدتي في الشيخ نفع الله به).1081(1/347)
إذاً فالذي لا يعتقد فيهم ذلك فهو مهدد بالمرض من قبلهم، فهذا عمر المحضار يروي عنه صاحب المشرع (... وكان إذا غضب على أحد أصابه الجذام وغيره من الأسقام بعد ثلاثة أيام، فقيل له: أما تخشى أن ينالك بهذا شيء فقال: إني لم أدعُ على أحد،ولكني إذا غضبت على أحد وقع في باطني نارٌ لا تنطفئُ إلا بعد ما يصيبه ذلك المرض أو يتوب).1082
الفرع السادس: إنزال المطر:
الآيات في تفرد الله تعالى بإنزال المطر كثيرة جداً، منها قوله تعالى: ( أفرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ( 1083، فلو كان أحد من الخلق قادراً على ذلك فهل سيكون هذا التحدي صحيحاً؟ والجواب: لا قطعاً فعلم أنه لا ينزل المطر إلا الله، بل حتى علم الوقت الذي ينزل فيه المطر ومكان نزوله قبل نزوله لا يعلمه إلا الله: ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (1084، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يجوز أن ننسب إنزال المطر إلى عبد من عباد الله، بل إن رسول الله ( قد حسم الأمر بشكل أوضح، وأبعد المؤمنين عن توهم ذلك أو التلفظ بلفظ يؤدي إلى ذلك الفهم الخاطئ، ففي صحيح البخاري من حديث زيد بن خالد الجهني ( قال: ((صلى لنا رسول الله ( صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف، أقبل على الناس فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: (أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما من قال مُطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب،وأما من قال بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب)).1085(1/348)
ومن الأدلة على أن القوم يعتقدون في أوليائهم إنزال المطر ما جاء في ترجمة أحمد بن عمر الزيلعي من طبقات الخواص حيث قال: (وكان للفقيه أيضاً ولد يقال له علي،كان من الصالحين، وكان لا يُلازم في المطر إلا ويحصل سريعاً حتى عرف بذلك، وكان يقال له صاحب الماء) 1086، وقد كان ذكر في ترجمة الجد حكايات تدل على أنه ينزل الغيث منها: (أنه وصل من اللحية إلى قرية المحمول وقد أجدبوا مدة طويلة، فعند أن وصل إليهم جاءت إليه بهيمة وجعلت تخور بين يديه، فدخل المسجد ودعا الله تعالى ثم قال: (يا ميكائيل كل، فاجتمع السحاب للفور من كل ناحية ومطروا مطراً عظيماً بإذن الله تعالى) 1087.
ومنها قول صاحب الطبقات:(وكان أهل الوادي خُلَب بضم الخاء المعجمة وفتح اللام وآخره باء موحدة يصحبونه ويعتقدونه، فجاء إليهم مرة وهم مجدبون فجعلوا يلازمونه في السيل فقال لفقيرٍ له: (اذهب إلى رأس الوادي وقل له: يقول لك الفقيه سل الآن، ففعل الفقير ذلك، فسال الوادي من ساعته وسقوا سقياً هنيئاً بفضل الله تعالى) 1088، فلاحِظْ أمره لميكائيل في الحكاية الأولى وأمره للوادي في الحكاية الثانية، هل يدل على أن الأمر مجرد دعاء؟ كلا لا يدل إلا على أنه هو المالك لذلك والمتصرف فيه.
وفي تذكير الناس: (قال سيدي: ووقع بحريضة في بعض السنين قحط شديد، فسار الحبيب علي بن جعفر العطاس إلى النقعة، وهي قرية بقرب حريضة وقال لأهل البلد: سنجيئكم بسيل من عند الشيخ جنيد باوزير إن شاء الله، فلما وصل إليها زار قبر الشيخ جنيد والشيخ علي بن سالم ورجع فسال وادي حريضة تلك الليلة). 1089(1/349)
وأوضح من هذا ما ذكره، أيضاً في تذكير الناس قال: (قال سيدي وبلغنا أن الشيخ عبدالله بن أحمد بلعفيف كان من أولياء الله المستجابة دعوتهم، ويقال له بياع السيول، وصل إلى تريم في بعض زياراته، فاجتمع ببعض السادة آل العيدروس فقال له أنت: بلعفيف بياع السيول، فقال له الشيخ:نعم حاجة خدمة، فقال له الحبيب: نعم مرادنا سيل، فقال الشيخ لا بأس، بكم تشتري؟ فقال له الحبيب بالذي تريده، فقال الشيخ: نبيع لك سيل بكبش سمين، وخمس قهاول1090 برُ، فقال الحبيب:لا بأس تم الكلام، فقال الشيخ تبغي السيل لأي أرض؟ قال الحبيب: للشرج الفلاني حقي، فقال الشيخ: هات الكبش والبر وأخرج رُعّاضك لشرجك، فأتى الحبيب بالبر والكبش وخرج الرُّعَّاض1091 وشرب الشرج بإذن الله وبركة أولياء الله) 1092.
قلت:وحكى لي جدي - رحمه الله - أن في قرية مجاورة لنا رجلاً يقال له " فلان باسليمان " وكان حراثاً عارفاً بقوانين الحراثة ومتى يكون السيل أفضل للأرض، فكان ربما جاء السيل في غير الوقت الذي يراه مناسباً فلا يسقي أرضه فعوتب في ذلك لأنه ربما إذا لم يسق لم يأت سيل آخر، فيقول:(ما بيني وبين السيل إلا صاع طحين) يعني أنه يتزود صاعاً من الطحين ويزور الشيخ سعيد بن عيسى فيأتي السيل، فهل يشك أحد في اعتقاد هذا العامي وأمثاله أن الشيخ سعيد بن عيسى يملك إعطاء السيل؟!.
الفرع السابع: إجابة الداعي وإغاثة المستغيث:(1/350)
إن هذا الفرع في الحقيقة هو النتيجة الحتمية لتلك العقائد بل الثمرة المرة الخبيثة لها، فإن المريد الصوفي أو العامي من عوام المسلمين حينما يتكرر على سمعه أن فلاناً من الأولياء هو القطب الغوث الذي أعطي الخلافة العظمى في هذا الكون والتولية والعزل فيه، واعتباره الواسطة بين الله وبين عباده فلا يصل خير إلى العباد إلا بواسطته، وأنه قد فوِّض إليه تصريف الكون، وأن تصريفه نافذ على كل شيء من العرش إلى الفرش وحتى البِسْ لا يأكل الفأر في جميع أقطار الأرض إلا بإذنه، وأنه يعطي ويمنع ويشفي ويمرض بل يميت ويحيي ويُنزل الغيث ويهب الولد، إلى آخر ما ينسب إليهم من القدرات، ماذا سيتصور ذلك المسكين، هذا الولي؟ لاشك أنه سيتصور أنه هو السميع المجيب وأنه على كل شيء قدير، وبموجب هذا التصور سيهرع إليه كلما نزلت به نازلة أو أصابته حاجة، فإنه لا رجاء في حصول أي مطلوب أو دفع أي مرهوب إلا بالالتجاء إليه، وهذا هو الذي يحصل في كثير من الأحيان والأحوال ولدى أكثر الناس من القرون التي سيطر فيها فكر القبورية على الناس.
وهم لم يكتفوا بما مضى من دفع الناس إلى ذلك الاعتقاد والتصور الخاطئ، بل صرح الكثير من أوليائهم بأنهم يسمعون من ناداهم ويجيبونه ويغيثون من استغاث بهم وينقذونه مما هو فيه، ويروون مئات القصص التي تحكي كيف نزل الضر بفلان فاستغاث بالقطب فأغاثه، بصور وأساليب متنوعة كلها تتآزر على شيء واحد هو تعميق الاعتقاد في ذلك الشخص بأنه يفعل ويفعل، وأن على الجميع الالتفات إليه والاعتماد عليه وإنزال حوائجهم به.(1/351)
وهذا هو الشرك بالله تعالى، ولكنني لن أخوض في الرد عليه في هذا الموضع، وإنما سوف أنقل بعض النماذج عنهم في ذلك لإثبات أنهم يعتقدون في أهل الولاية منهم أحياءً وأمواتاً أنهم يجيبون الداعي ويغيثون المستغيث، وليس الأمر كما يقوله من يروج تلك العقائد ويدافع عن الموروث الذي كان عليه الآباء والأجداد من أن ذلك مجرد توسل بهم إلى الله وإن كان بلفظ الدعاء والاستغاثة.
وإليك النصوص الصريحة والوقائع الواضحة الشاهدة على ما نقول:
أول ما نورد في ذلك تقرير عميد القوم وحجتهم وإمامهم في العلم والتصوف من يسمونه (قطب الدعوة والإرشاد عبدالله بن علوي الحداد) وهذا التقرير في قصيدة من أشهر قصائده لدى القوم وهي العينية حيث يقول فيها في صفة الولي:
من كل طود في العلوم وفي الحجا متبحر متفنن متوسع
داع إلى الله العظيم بفعله ومقاله والحال غير مضيع
ذي عفة وفتوة وأمانة وصيانة للسر أحسن من يعي
وزهادة وعبادة وشهادة منه الغيوب بمنظر وبمسمع
جمع الرياضة والكشوف ولم يزل يرقى إلى أن يستجيب إذا دعي 1093
إذاً فهي حقيقة مسلّمة عند القوم أن الولي ما يزال يترقى حتى يصير ممن يستجيب إذا دعي 1094، فعند القوم أن الولي " يُدعى" وليس فقط يتوسّل به و" يجيب إذا دُعي " وليس الله ( يجيب من دعاه متوسلاً به.
وبناءً على تلك الحقيقة المعروفة لديهم منذ عرف التصوف المنحرف في اليمن والتي عبر عنها الحداد في عينيته، تجد الدعوى متواصلة لأوليائهم بإغاثة من استغاث بهم.(1/352)
ومن ذلك ما ذكره شارح العينية المذكورة في ترجمة علوي بن الفقيه المقدم حيث قال: (وكان ( سريع الغوث لمن استغاث به، قال السيد الجليل العلامة المحدث الإمام محمد بن علي علوي خرد باعلوي في كتابه " الغُرر " أخبرني الشيخ عبدالرحمن بن علي أن العارفين قالوا: (ثلاثة من آل باعلوي لا تزال خيل حميتهم وإجابتهم مسرجة ملجمة من دعا بهم أُجيب وهم علوي المذكور وابنه علي والشيخ عمر المحضار، وقال صاحب كتاب الغرر المذكور في ذلك شعراً:
إذا خفت أمراً أو توقّعت شدة فنوِّه بهم كي يدركوك ويحضروا
فنوِّه بعلوي الفتى وابنه علي كذا عمر فيما يجل ويعسر
فغارتهم تنجيك من كل شدة وعُسرٍ وضيقٍ أو بصدرك يكبر 1095
ولا يقتصر الأمر على أناس ينسبون إلى الولي أنه يغيث من يستغيث به، ولكن الولي يدّعي ذلك لنفسه ويفخر به، فهذا عمر المحضار يقول في قصيدة مازالوا إلى اليوم ينشدونها في حضرة السقاف.
إني سريعُ الغوث في كل الشدائد فاهتف
باسمي تجدني أسرِعُ
قل يا شهاب الدين إن يعروك خطب يا فطن
فأنا لخطبك أدفعُ
وقال شارح العينية في ترجمة عبدالرحمن السقاف: (وكان يرد على من غلط في مسجده وهو بالعجز 1096 ويسمعه الغالط، وكان يقلب التراب دراهم بإذن الله تعالى، وكان يظهر لمن استغاث به جهاراً في الأماكن البعيدة بحراً وبراً) 1097.
وفي كتاب " تاج الأعراس " في مناقب الحبيب القطب صالح بن عبدالله العطاس، قال المؤلف: (ومما أكرم الله به صاحب المناقب، وخصه به من سنيات المراتب، وكان ينفرد به دون أقرانه من أهل المظاهر والمناصب، أنه يحضر عند من ناداه وتوسل به إلى الله بصدق نية وصفاء طوية) 1098.
وتقول الشيخة سلطانة الزبيدية كما في ترجمة السقاف من المشرع: (ما رأيت أحداً أسرع إجابة عند الاستغاثة من السيد محمد بن السقاف، وكانت تقول:إذا حدث أمر واستغثت بالأولياء فأول من يغيثني هو) 1099.(1/353)
وقال صاحب " تاج الأعراس " في ترجمة صالح بن عبدالله العطاس: (وممن أثنى على صاحب المناقب واعترف له بمقام الغوثية شيخ مشايخ تلك العصور، وعالمها وإمامها المشهور، شيخ الإسلام ببلد الله الحرام السيد أحمد بن زيني دحلان قال: (إنه حصل عليَّ حال بمكة وكربتُ لذلك كرباً شديداً فاستغثت بالحبيب صالح بن عبدالله العطاس صاحب عمد وهو إذ ذاك بحضرموت ودعوته بثلاثة أصوات، فإذا هو حاضر عندي في الحرم المكي، راكباً على جواد أخضر اللون ومعه أربعون جندياً كلهم مسلحون، فحين رأيته ذهب عني ذلك الكرب وانشرحت انشراحاً كاملاً ببركته) 1100.
وقال كذلك في ترجمة هادون بن هود العطاس: (ومن كرامات الحبيب هادون أيضاً ما أخبرتني به والدتي الشريفة العفيفة شيخة بنت الجد علي بن حسين بن هود العطاس الآتي ذكرها في ترجمة والدي من الباب السادس عن والدتها الشريفة العفيفة زينة بنت الحبيب هادون المذكور قالت: لما كان والدي يجدد عمارة بعض المساكن بالمشهد وعنده جملة من العمال أصبحنا ذات يوم وليس عندنا في الدار ما يفطر به الصائم من أنواع الطعام، فلما رجع والدي من المسجد الإشراق كعادته أخبرناه بالحال فقال: لا بأس، ولكنكم أوقدوا ناراً في المطبخ كعادتكم ليستشعر العمال بأن غداهم يطبخ كالعادة،ثم خرج والدي إلى عند العمال وألقى بيتاً من الشعر الحميني ارتجالاً على الذين ينقلون المدر منهم وأمرهم أن يرتجزوا به، وكان قد استنجد فيه بجده الحبيب علي بن حسن العطاس صاحب المشهد وهو قوله:
مع هادون يا بو حسن والخير واصل وهز الرمح لا تعمد 1101 القبة وغافل
قالت: فلم نلبث إلا يسيراً وإذا نحن بقافلة أي عير مرسلة لمقام المشهد من أهل حجر بن دغار وفيها الذرة والتمر والدهن وغير ذلك، وبمعية العير أناسٌ من تلك الجهة أيضاً قاصدين زيارة الحبيب علي بن حسن ومعهم ثلاثة أكباش سمان للمقام، فذبحنا وقدحنا وكان ذلك اليوم من أسعد أيام العمال عليهم انتهى.(1/354)
قلت1102: وقول الحبيب هادون لجده علي (وهز الرمح) لما اشتهر من أن الحبيب علي كان يلقب بأبي حربة وسبب تلقيبه بذلك أنها تواترت الأخبار من المعادين للحبيب علي في حياته وأهل الجرأة على مقام المشهد بعد وفاته أنهم يرونه في مناماتهم يطعنهم بحربته فيخبرون قراباتهم بذلك موقنين بالموت ويموتون في الحال بإذن الله القائل: ((من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) لاسيما الذين يعتدون على غيرهم في شهر المشهد أي ربيع الأول؛ لأن الحبيب علي قد جعله عُرضه بضم العين أي أماناً مؤبداً في كل سنة بين المحاربين من قبائل تلك الجهة وأخذ عليهم العهد في ذلك ليأتي كل منهم وهو مطمئن البال إلى المشهد لحضور قصة مولد نبيهم محمد ( وسماع شمائله الشريفة وما يضاف إلى ذلك من المواعظ الدينية، فكان مما أكرم الله به الحبيب علي وعظم به شهر المولد النبوي أن من اعتدى فيه بالقتل ونقض العهد يعجل الله له العقوبة بإهلاك عدد من أولاده وقبيلته بمقدار الأيام الماضية من ذلك الشهر، فمن قتل فيه في اليوم الخامس مثلاً يهلك الله خمسة من رجاله في أسرع وقت، ومن قتل فيه في اليوم السابع يهلك الله منهم سبعة وهكذا حتى صار ذلك عند قبائل الجهة من المجربات التي لا خلاف فيها) 1103.
وأعتذر للإطالة بنقل الحكاية كاملة وذلك لما فيها من دلالات كثيرة يجدها المتأمل وليعرف كيف يسخِّر القبوريون الناس لمصالحهم ويبنون على حطام عقائدهم مجدهم الموهوم.
وأسألُ صاحب التاج وكل من ينشر هذه الحكايات ويغرس بها تقديس هؤلاء الناس في نفوس عوام المسلمين أين كان الحبيب علي وحربته يوم هجم الجيش النجدي على المشهد فأخربه وهدّم قببه وكسّر توابيته؟.(1/355)
ومن ذلك أيضاً ما ذكره صاحب مقدمة ديوان العيدروس قال: (وأخبرني السيد الفقيه محمد الظمطاوي المكي وقد رويتها عن المريد الصادق نعمان بن محمد المهري أنه قال: (كنا في سفينة سائرين إلى الهند فحصل في السفينة خرق عظيم فأيقن أهل السفينة بالهلاك فضجُّوا بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى وهتفوا بالمشايخ، فقال نعمان: فهتفت بشيخي أبي بكر بن عبدالله العيدروس، فأخذتني ِسنة فرأيت شيخي وهو داخل السفينة وبيده منديل أبيض متيمماً نحو الخرق، فانتبهت فرحاً مسروراً وناديت بأعلى صوتي يا أهل السفينة أبشروا فقد جاء الفرج، فقالوا لي: ماذا رأيت، فقلت لهم: رأيت شيخي ( دخل السفينة الساعة وبيده منديل فسد به الخرق فافتقدوه فوجدوا الخرق مسدوداً بمنديل أبيض). 1104
وفي نفس الكتاب في آخره قال: (وأخبرني الأمير مرجان بن عبدالله عبد السلطان عامر بن عبدالوهاب قال: كنا في محطة صنعاء الأولى فحصل علينا ما حصل، وأنا إذ ذاك في جماعة، فحمل علينا العدو ففر أصحابي ووقع في فرسي جملة أكوان1105 فسقط بي، فزار بي العدو من كل جانب وأنا أهتف بالصالحين، ثم ذكرت الشيخ الأجل أبابكر بن عبدالله العيدروس فهتفتُ به فإذا هوقايم فو الله العظيم لقد رأيته نهاراً وعاينته جهاراً أخذ بنا صيتي وناصية فرسي وشلني من بينهم حتى أوصلني إلى المحطة السعيدة فعند ذلك مات الفرس ونجوت ببركات الشيخ نفع الله به وأعاد علينا من بركاته) 1106.(1/356)
فهذه النماذج إن شاء الله كافية لإثبات أن القوم يعتقدون في أوليائهم أنهم يسمعون استغاثاتهم، وأنهم يغيثونهم عند ذلك، فحيناً يحضرون بأنفسهم،وحيناً يحصل المطلوب بدون حضورهم، وعليه فإن دعاءهم لأوليائهم ليس مجرد توسل إذ التوسل إنما هو دعاء لله تعالى مع ذكر المتوسَّل به وسؤال الله سبحانه أن يحقق المطلوب بجاه أو ببركة ذلك المتوسَّل به، ولذلك فإن الذين يعرفون حقيقة التوسل ويقتصرون عليها لا يجيزون دعاء المتوسل بهم ويصرحون بأنهم لا يدعون ولا يجيزون دعاء غير الله، وإنما يذكرونهم في ضمن دعائهم لله للتبرك بذكرهم وليكونوا سبباً في عطاء الله.
الفصل الأول
أساليب القبورية في محاربة مخالفيها
وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الأول:
أسلوب الاحتواء والاختراق
وفيه مطلبان:
المطلب الأول:محاولة احتواء المخالف:
إن رواد القبورية في الأمة الإسلامية وهم الباطنية الشيعة، ومن جاء بعدهم من الصوفية، إنما هم تلاميذهم وأتباعهم والناقلون لعقائدهم وأساليب دعوتهم وطرق تثبيت دولتهم، مع شيء من التطوير الذي يتناسب مع وضعهم بين أهل السنة،ولا يخفى على من قرأ التاريخ براعة الباطنية في احتواء المخالف، والتأثير عليه بالطرق والأساليب الملتوية الكثيرة، وسنرى في هذا المطلب صورة منها، وهكذا تلاميذهم الصوفية استخدموا تلك الطرق والأساليب مع مخالفيهم هنا في اليمن، وإليك بعض الأدلة على ذلك:(1/357)
سبق عند الحديث عن الإسماعيلية بيان طرقهم في الدعوة، وكيفية الوصول إلى إقناع المدعو، والترقي به درجة درجة حتى يصل إلى القناعة التامة بما هم عليه، وهناك صورة واضحة في طريقة الاحتواء وتحويل الخصم إلى أن يصبح من أقوى المناصرين لهم، وهي احتواء علي بن محمد الصليحي الذي كان أبوه قاضياً من علماء أهل السنة خصوم الإسماعيلية، وكيف استطاع داعية الإسماعيلية احتواء ابنه علي حتى كان هو الذي أسس دولة الإسماعيلية الفاطمية في اليمن، قال الخزرجي: (أجمع علماء التاريخ ورواة الأخبار من أهل اليمن أن القاضي محمد بن علي الصليحي والد الأمير علي بن محمد الصليحي كان فقيهاً عالماً سنيّ المذهب، وكان قاضياً في بلده حسن السيرة مرضي الطريقة، وكان أهله وجماعته يطيعونه ولا يخرجون عن أمره، وكان الداعي عامر بن عبدالله الزواحي يلوذ به، ويركب إليه كثيراً؛ لرياسته وسؤدده وصلاحه وعلمه، فرأى يوماً ولده علياً فلاحت له فيه مخايل النجابة، وكان يومئذ دون البلوغ، وكان الداعي عامر بن عبدالله الزواحي كلما وصل إلى القاضي يتحدث مع ولده علي المذكور، ويخلو به، ويطلعه على ما عنده حتى استماله، وغرس في قلبه ولبِّه ما غرس من علومه وأدبه ومحبة مذهبه، وقيل: كانت عند الداعي عامر بن عبدالله الزواحي حلية الصليحي في كتاب " الصور "، وهي من الذخائر القديمة، فأوقفه منه على مستقبل حاله وشرف مآله، وأطلعه على ما أطلعه عليه سراً من أبيه القاضي محمد وأهله جميعاً، ثم مات الداعي عامر بن عبدالله الزواحي، فأوصى له بجميع كتبه، وأعطاه مالاً جزيلاً قد كان جمعه من أهل مذهبه، وقد كان رسخ في ذهن الصليحي ما رسخ، فعكف على الدرس، وكان ذكياً فلم يبلغ الحلم حتى تضلع في معارفه التي بلغ بها، وبالجد السعيد تدرك غاية الأمل البعيد، فكان فقيهاً في مذهب الإمامية، متبصراً في علم التأويل، ثم صار يحج بالناس دليلًا على طريق السراة، ولم يزل كذلك نحواً من خمس عشرة سنة،(1/358)
وكان الناس يقولون له: بلغنا أنك ستملك اليمن بأسره، فكره ذلك، ونكره على من يقوله مع كونه قد شاع على ألسنة الخاصة والعامة، فلما كان في سنة تسع وعشرين وأربعمائة ثار في رأس مسار وهو أعلى جبل في تلك الناحية) 1107.
تلك صورة من صور الاحتواء الإسماعيلي للمخالفين، وفي تاريخ الصوفية الكثير من تلك الصور، من ذلك قصة الصوفي عبدالرحمن بن عمر باهرمز مع الفقيه عمر بن عبدالله بامخرمة، فقد كان الصوفي باهرمز له طريقة قبيحة في تصوفه، وهو أنه عندما يرد عليه الحال - كما يقولون - يجمع النساء الحسان متزينات بأحسن الزينة فيغنين ويرقصن حتى يذهب ما به، وهذا أمر منكر لا إشكال فيه، وقد سمع عمر بامخرمة بذلك فأنكره، وعزم على الذهاب إليه للإنكار عليه، فرحل أول مرة، ثم رجع من الطريق، ثم عزم وصمم حتى دخل عليه فلما رآه الشيخ كاشفه بنيته وعزمه وقال له: (عاد وقتك ما جاء)، فرجع إلى بلاده، ثم عاد الثالثة، وعند دخوله عليه أمر بعض النساء الحسان اللاتي يرقصن عنده أن تعتنقه، قال العيدروس: (فما هو إلا أن فعل به ذلك خر مغشياً عليه، فلما أفاق تلمذ للشيخ، وحكمه في ذلك الوقت، وفتح الله عليه ببركة الشيخ، وصار من كبار العارفين المربين، وقيل: إن الفقيه لما طلب التحكيم من الشيخ قال: له: صلِّ ركعتين إلى المشرق، فامتثل، فلما أحرم رأى الكعبة تجاه وجهه) 1108.
المطلب الثاني: محاولة اختراق صفوف المخالفين وبث الفتنة في أوساطهم:
إن البدع في الغالب تكون مخالفة للفطرة، مناقضة لأدلة الشرع وأصوله، يرفضها العقل السليم الذي لم يتلوث بأمراض الشبهات؛ ولهذا لم يبق أمام دعاة البدع إلا الكيد والمكر وأساليب اللف والدوران لمقاومة الخصوم والتغلب عليهم، وقبورية اليمن من أولئك المبتدعة، لم يدعوا أسلوباً من أساليبهم إلا اتبعوه، ومن ذلك أسلوب الدس والمكيدة وبث الفتنة في صفوف المخالفين، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:0(1/359)
المثال الأول: ما فعله والي الدولة الصليحية على الجند من بث الفتنة بين فقهائها حتى يسلم هو وأهل نحلته من انصرافهم لمقاومتهم والعمل على إزالة دولتهم، قال الجندي في ترجمة الفقيه الإمام زيد ابن عبدالله اليفاعي: (وكانت مدرسة الفقيه عن يمين المنبر، وربما اتكأ وقت التدريس على المنبر، وكان أصحابه فوق ثلاثمائة متفقه، في غالب الأيام يقوم بإعالتهم قوتاً وكسوة، وكانوا يملئون ما بين الباب والمنبر كثرة، وكان الفقيه أبو بكر شيخه يقرئُ في الزاوية التي تحت جدار بئر زمزم 1109، وكان أصحابه في غالب الأحوال نحو خمسين طالباً، هكذا ذكر بعض معلقي أخبارهم، ولم يزل ذلك من شأنهم حتى تمت الحيلة من المفضل 1110 في التفريق بينهم، وذلك أنه مات ميت من أهل الجند، فخرج الإمام زيد والإمام أبو بكر بن جعفر في أصحابهما يقبرون، وعليهم الثياب البيض لبس الحواريين، والمفضل يومئذ بقصر الجند فحانت منه نظرة إلى المقبرة، فرأى فيها جمعاً عظيماً مبيضين، فسأل عن ذلك، فقيل: قُبرانُ ميتٍ، غالب من حضره من الفقهاء، فعرض بذهنه ما فعله ابن المصوع 1111 مع أخيه حيث قتله، وقال: هؤلاء يكفروننا ولا نأمن خروجهم علينا مع القلة، فكيف مع الكثرة؟ ثم قال لحاضري مجلسه: انظروا كيف تفرقون بينهم، وتدخلون البغضاء عليهم بالوجه اللطيف، فجعلوا يولّون القضاء بعض أصحاب الإمام زيد أياماً، ويعزلونه، ويولّون مكانه من أصحاب الإمام أبي بكر بن جعفر، ثم يولّون إمامة الجامع كذلك، ثم النظر في أمر المسجد كذلك حتى ظهر السباب بين الحزبين، وكاد يكون بين الإمامين، فعلم الإمام زيد ذلك، فارتحل مهاجراً إلى مكة) 1112.
فانظر كيف لجأ هذا الباطني الإسماعيلي إلى الدس بين هؤلاء الفقهاء الطيبين! وكيف استطاع بخبثه وطيبتهم أن يفرقهم، وأن يملأ صدورهم حقداً على بعضهم البعض حتى قضى على دعوتهم!.(1/360)
المثال الثاني: ما ذكره الأستاذ صلاح البكري في " تاريخ الإرشاد بإندونيسيا " من عمل القبورية أصحاب الرابطة العلوية لزرع الفتنة بين أصحاب الإرشاد- لولا أن سلم الله - وقُضيَ على الفتنة قبل استفحالها.
قال الأستاذ البكري تحت عنوان " أول مؤامرة ضد جمعية الإرشاد ": (من الأحداث الخطيرة التي قام بها دعاة العنصرية، تلك المؤامرة ضد حياة جمعية الإرشاد الإسلامية، فقد اتصل بعض آل باعلوي وأنصارهم برئيس الجمعية الشيخ سالم بالوعل، وسيطروا على عواطفه بأوهام فارغة، وهيمنوا على أفكاره حتى صار كالآلة الصماء في أيديهم، ولا غرابة، فهو أمي ساذج أو كما يقول الحضارم: "على تَوّه"، واقترحوا عليه إبدال اسم " جمعية الإرشاد " بالجمعية الكثيرية؛ ليدخل في الإدارة أعضاء من قبيلته آل كثير؛ ليفوزوا بالأكثرية عند اجتماع الإدارة، وأزمع الشيخ بالوعل على ذلك، ثم أعلن لجميع الإرشاديين في العاصمة وفي خارجها ليجتمعوا في جاكرتا (بتافيا)، وأقبل الإرشاديون أفراداً وجماعات من العاصمة ومن خارجها، فشك البوليس الهولندي في هذا التجمع الذي لم يسبق له مثيل، فاتصلوا بنقيب العرب الشيخ عمر منقوش، يستفسرون منه الأمر حتى اطمأنوا، ولما رأى الشيخ بالوعل قدوم الإرشاديين أعلن تأجيل الاجتماع إلى أجل غير مسمى. ولكن وفود الإرشاد قررت إقامة الاجتماع كما نُشر في الصحف، وفعلاً اجتمعوا في دار الجمعية وأحضروا كاتب عدل ومحامياً، وتقرر في هذا الاجتماع فصل الرئيس الشيخ سالم بالوعل من الإدارة ومن الإرشاد، وتكونت إدارة جديدة للإرشاد من كبار الشخصيات وهم:
الشيخ غالب بن سعيد بن تبيع رئيساً
الشيخ محمد عبيد عبود كاتباً
الشيخ عبدالله بن عبدالقادر بن هرهرة أميناً للصندوق
الشيخ سالم عمر بالفاس مستشاراً
كان ذلك عام 1920م.
بذلك سلمت جمعية الإرشاد من المكيدة التي دبرها المرجفون والرجعيون ودعاة العنصرية ومن على شاكلتهم من الأغبياء والمخدوعين.(1/361)
أما الشيخ بالوعل فقد اعتبر فصله من إدارة الإرشاد ومن عضويتها إهانة شنيعة؛ لذلك رفع دعوى ضد جمعية الإرشاد هي والأعضاء الجدد الذين أدخلهم في العضوية قبيل حضور الوفود، وذهب بهم إلى دار الجمعية فوجدها تحت حراسة البوليس، فعاد إلى منزله بزملائه الأعضاء، وهناك قرروا إبطال قرار الفصل وحل جمعية الإرشاد، ثم رفع دعوى ضد الإدارة الجديدة بأنها غير شرعية، ولكن أراد الله لجمعية الإرشاد أن تزدهر ويتألق نجمها في إندونيسيا، ثم أُسدل الستار على الدعوتين إلى الأبد) 1113.
المبحث الثاني
الإرهاب الفكري من أقوى أسلحة القبورية
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تربية المجتمع على التسليم المطلق لأوليائهم وأقطابهم:
وهذه سمة أخرى من سمات الباطنية أن يربوا المجتمع بشكل عام على التسليم لهم وعدم معارضتهم، وأن المعارضة سبيل إلى الحرمان، وما أفلح من اعترض، والفوز والقبول في التسليم للقادة والأئمة والأولياء؛ وذلك أن علومهم الباطنة المزعومة لا يمكن إقامة الحجة عليها، فلا كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا عقل يمكن أن يدل عليها، فما بقي إلا أن يسلّم السامع، وأن يلغي عقله حتى لا يحرم، وكذلك تصرفاتهم المخالفة للشرع والعقل لا يمكن تبريرها إلا بذلك، ولو ذهبتُ أبحث عن الأمثلة، وأحصرها لضاقت عنها مساحة هذا المطلب، ولكن أضرب أمثلة قليلة تدل على أمثالها وأشكالها:(1/362)
المثال الأول: في كتاب " السعادة الأبدية في الأنفاس العلية الحبشية "التي ألقاها صاحبها (علي الحبشي) في مجالسه التي كان يعقدها؛ لتعليم الناس وإرشادهم؛ ولتدريس وتربية طلابه، وتلقاها وجمعها أحد طلابه وهو (محسن بن عبدالله بن الحبيب الإمام محسن بن علوي السقاف)، وردت هذه الحكاية، قال: (وأورد الشيخ عبد العزيز الدباغ كلاماً في حسن الظن وكونه نافعاً، وإن لم يكن المعتقَد فيه متصفاً بذلك، فقال: كان رجل تاجراً وله مال كثير، فاشتاقت نفسه إلى ما مع الرجال أهل الكمال، وعزم أن يتجرد إلى الله، وينقطع إليه، وكان في البلد رجل مشهورٌ بالصلاح وتربية المريدين، وهو في الباطن على خلاف ذلك، فكان إذا رجع إلى خلوته يأتون إليه ناس من أصحابه على طريقته، فيلهون ويسكرون، فباع الرجل التاجر جميع ما معه وصيره نقداً، ثم سار إليه ومعه ذلك المال؛ ليتحكم له ويوصله إلى الله، فصادف وقت خلوته، فلما دق الباب أشرفت جارية، فقالت: من بالباب؟ فقال: عبدالعال، وكان واحد من أصحابه أهل الملاهي اسمه عبدالعال، فلما أخبرت الشيخ باسمه ظن أنه صاحبه، فقال لها: افتحي له الباب، فطلع الرجل، فوجد الجواري والشراب وآلات اللهو عنده، فما التفت إلى شيء قط بل جثا بين يدي الشيخ، فخجل لما رآه غير صاحبه، وهو يظهر الصلاح، فقال له: يا سيدي، أنا رجل أريد الطريق إلى الله، وأريد أن تسلّكني، وتدلني على الله، وهذا ما معي من المال، فلما وضعه بين يديه تقاصرا لخجل، فقال: إن الوظائف جميعها مشغولة إلا عمل في حديقة لنا بعيدة، خذ المكتل والمسحاة، وسر إليها، واشتغل فيها إلى أن يفتح الله عليك، فامتثل أمره، ولم يغير حسن ظنه فيه ما شاهده عنده، وحين وصل إلى الحديقة، ابتدأ في العمل، ومات أحد الأبدال في تلك الليلة، فاجتمعوا هم والقطب، فقالوا: من يصلح بدله؟ فقالوا: فلان، يعنون ذلك الرجل الذي في الحديقة؛ بسبب حسن ظنه، فدعوا منه، وقالوا له: خذ هيل بلا كيل، واتصل(1/363)
بربه، فاطلع على حالة شيخه، فقال:أنا قد أدركت مطلوبي، وهو يصطلح هو وربه) 1114.
هذه هي التربية التي يربون بها أتباعهم، وينشئون عليها أجيالهم، فهل سيكون لدى خريج هذه المدارس أي غيرة أو نخوة تدفعه لإنكار منكراتهم، والاعتراض على أي شيء يقدمون عليه من أقوال أو أفعال مهما بلغت في القبح والسوء؟! وليس هذا هو المثال الوحيد، ولكن الأمثلة على ذلك كثيرة جداً.
المثال الثاني:ما ذكره الشلي، وهو يتحدث عن كرامات الأولياء ووجوب التسليم لهم فيها، وإن ظهر منهم أي مخالفة، فإنهم لاشك أن لهم في الباطن ما يسوِّغ ذلك، قال: (وأنا أورد قصة، فيها أبلغ زجر وآكد ردع من الإنكار على أولياء الله تعالى وأتمّ حث على اعتقادهم والتأدب معهم وحسن الظن بهم ما أمكن، وهي ما حكاه إمام الشافعية في زمنه " أبو سعيد عبدالله بن أبي عصرون " قال: دخلت بغداد في طلب العلم، فرافقت ابن السقاء بالنظامية، وكنا نزور الصالحين، وكان ببغداد رجل يقال له الغوث يظهر إذا شاء، فقصدنا زيارته، ومعنا الشيخ عبدالقادر الجيلاني، وهو يومئذ شاب، فقال ابن السقاء: لأسأله مسالة لا يدري جوابها، وقلت: لأسأله مسألة، وأنظر ما يقول، وقال الشيخ عبدالقادر: معاذ الله أن أسأله شيئاً وأنا بين يديه أنتظر بركته، فدخلنا عليه، فلم نره إلا بعد ساعة، فنظر إلى ابن السقاء مغضَباً، وقال: ويحك يا ابن السقاء تسألني مسألة لا أدري جوابها، وهي كذا وجوابها كذا، إني لأرى نار الكفر تتلهب فيك، ثم نظر إليّ وقال: يا عبدالله تسألني؛ لتنظر ما أقول فيها وهي كذا وجوابها كذا، لتخران 1115 عليك الدنيا إلى شحمة أذنيك بإساءة أدبك، ثم نظر إلى الشيخ عبدالقادر، وأدناه منه، وأكرمه، وقال له: يا عبد القادر، لقد أرضيت الله ورسوله بأدبك كأني أراك ببغداد، وقد صعدت الكرسي متكلماً على الملأ، وقلت: قدمي هذه على رقبة كل ولي، وكأني أرى الأولياء في وقتك، وقد حنوا رقابهم؛ إجلالاً لك، ثم غاب عنا، فلم(1/364)
نره بعد. قال: فأما الشيخ عبدالقادر فقد ظهرت أمارات قربه من الله، وأجمع عليه الخاص والعام، وقال: قدمي هذه على رقبة كل ولي، فأجابه في تلك الساعة أولياء الدنيا، قال جماعة: وأولياء الجن، وطأطأوا رؤوسهم وخضعوا إلا رجلاً بأصبهان فسُلِب حاله، وممن طأطأ رأسه أبو النجيب السهروردي، وأحمد الرفاعي، وأبو مدين، والشيخ عبدالرحيم القناوي، قال ابن أبي عصرون: وأما ابن السقاء فإنه اشتغل بالعلوم حتى فاق أهل زمانه، واشتهر بقطع من يناظره في جميع العلوم، وكان ذا لسان فصيح، وسمت مليح، فأدناه الخليفة، وبعثه رسولاً إلى ملك الروم، فأعجب به، وجمع له القسيسين، وناظرهم، فأفحمهم،وعظُم عند الملك، فأراد فتنته فتراءت له بنت الملك، فافتتن بها، فسأله أن يزوجها له،فقال: لا إلا أن تتنصر، فتنصر والعياذ بالله، وتزوجها، ثم مرض، فألقوه بالسوق يسأل القوت، فمر عليه من يعرفه، فقال له: ما هذا؟ فقال: فتنة حلّت بي بسببها ما ترى، فقال: هل تحفظ القرآن؟ قال: لا إلا قوله تعالى: ( رُبَما يودُّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( 1116، ثم جاز عليه وهو في النزع، فقلبه إلى القبلة، فاستدار عنها، فعاد فاستدار عنها، فخرجت روحه لغير القبلة، وكان يذكر كلام الغوث، ويعلم أنه أصيب بسببه. قال ابن أبي عصرون: وأما أنا فجئت إلى دمشق، فأحضرني السلطان نور الدين الشهيد، وأكرهني على ولاية الأوقاف، فوليتها، وأقبَلت علي الدنيا إقبالاً كثيراً، فقد صدق الغوث فينا كلنا انتهى.
فهذه الحكاية التي كادت تتواتر في المعنى بكثرة ناقليها وعدالتهم فيها أبلغ زجر عن الإنكار على أولياء الله تعالى خوفاً أن يقع المنكر فيما وقع فيه ابن السقاء نعوذ بالله من ذلك) 1117.(1/365)
قلت: هذه من خرافات القوم ولا يرهبنا وصفه لها بأنها كادت أن تتواتر، فأين أسانيده بذلك؟ ثم لو فرض تواترها، فلا تعدو أن تكون من أخبار الكهنة الذين يخبرون ببعض المغيبات،ويصدقون في بعضها؛ لأن الولي الحق ليس من شأنه أن يظهر متى شاء، ويختفي عن الأبصار متى شاء، وليس من شأنه أن يبشّر عبدالقادر بذلك العلو والاستكبار الذي يجعله يتحدى الأولياء ويقول: (قدمي على رقبة كل ولي)، ولكن الرجل قد بلغ بعض ما يريد من إقناع قرّائه بالتسليم للأولياء وعدم الاعتراض عليهم؛ لما يترتب على التسليم من الفوز والفلاح، وعلى الاعتراض من الطرد والحرمان.
المثال الثالث: ما نقله الشرجي عن أبي بكر بن أحمد بن دعسين في ترجمته أنه: (كان يقول: أقل درجات الإيمان أن تسلم للأولياء أحوالهم وأقوالهم وأفعالهم، فإن لم تعرف معناها،ولا اهتديت إليه، فاحمل جميع أمورهم على أحسن الأشياء وأعدلها، وما صح عنهم فسمع وطاعة وحب وكرامة) 1118.
قلت: هذه أقل درجات الإيمان فما أعلاها يا ترى؟.
المثال الرابع: ما ذكره صاحب تذكير الناس، قال: (وقال سيدي أحمد: وقد أمدّ الله الوقت للشيخ عمر أبا مخرمة من بعد العصر إلى المغرب ثلاثين ألف سنة، فاستشكل بعضهم هذا، فقال له سيدي: أما في بالك حديث يوم القيامة طوله خمسون ألف سنة، وأنه يكون على المؤمن كأخف صلاة صلاها في الدنيا وهذا منه، فقيل له: وكيف صارت تلك المدة ليالي أو أياماً أو غير ذلك، فقال: هذا علم تصديق وإيمان، ما هو علم ها توه أشوفه) 1119. فقوله: (هذا علم تصديق وإيمان ما هو علم هاتوه أشوفه)، واضح جداً أنه ليس من علم الدليل والحجة التي يصح أن يطالب بها السامع، وإنما هو علم تصديق وإيمان لا اعتراض وانتقاد، وقوله: (هاتوه أشوفه) يعني أرني إياه حتى أنظر إليه.
المثال الخامس: من قواعدهم المسلّمة وكلماتهم الدارجة المنتشرة، قول عبدالله بن علوي الحداد:(1/366)
وسلِّم لأهل الله في كل مُشْكِلٍ لديك،لديهم واضحٌ بالأدلةِ 1120
وقول الآخر:
وإذا لم تر الهلال فسلِّم لأناسٍ رأوه بالأبصار
هذه خمسة أمثلة تدل كلها على ما عنونا له في هذا المطلب، وهو تربية الأمة على الرضوخ والاستسلام وإلغاء العقول وتجاوز القواعد والأصول الشرعية؛ لأجل أن يمشي ما يريده القوم، ويسلم لهم ما يأتون من أقوال وأفعال دون حاجة إلى أدلة شرعية أو عقلية، وقد اقتصرتُ على هذه الأمثلة الخمسة مع وجود الكثير من الأمثلة في تراث صوفية اليمن، أما صوفية البلاد الأخرى فلا أخال قواعدها في هذا الموضوع خافية على المتابع لتواريخهم.
المطلب الثاني: استخدام الخرافة 1121 والشعوذة 1122 والاستعانة بالجن لإرهاب المخالف:
لقد سعى الصوفية والباطنية لترسيخ وتعميق القدرات الخارقة للأئمة والأولياء، حتى لقد بالغوا في ذلك، فوصفوهم بعلم الغيب وتصريف الكون والقدرة على إظهار الخوارق التي لم يُظهر مثلها الأنبياء، وأنهم قادرون على أن يتجزءوا بأجسادهم، وأن يكون الواحد منهم في عدة أماكن في آن واحد، وكل ذلك قد مر، حتى أصبح حكم الناس على صلاح الشخص هو إظهاره تلك الخوارق مع ادعاء الولاية، وعندما ترسَّخ ذلك في أذهان المجتمع، وتربى عليه، بادروا بافتراء الأكاذيب ورواية الخرافات عمن يريدون أن يسبغوا عليهم صفة الولاية حتى يقنعوا الناس بولايتهم، كما بادر طلاب الجاه والمناصب في الرياضات الموصلة إلى خرق العادات، وتعلموا أنواعاً من علوم السحر، حتى أتقنوا ذلك، وعملوا به، وعقدوا الصلح مع الجن؛ ليقوموا لهم بأعمال خارقة يطلعونهم على مغيبات واقعة، ثم جعلوا ذلك كله سلاحاً يشهرونه في وجه كل من يخالفهم، وينكر عليهم، وهذه عدة أمثلة توضح ذلك وتثبته:(1/367)
المثال الأول: ما ذكره الشلي في ترجمة محمد بن علي مولى الدويلة، قال: (وتواجد يوماً بحضرة عمه الشيخ الإمام عبدالله بن علوي حتى غُشي عليه، ثم أقيمت الصلاة، فصلى معهم، فلما فرغوا، قال العارف بالله علي بن سلم لعمه عبدالله: صلى ابن أخيك بلا وضوء؛ لأنه زال عقله، فأخبره عمه بقول الفقيه علي بن سلم فقال: وعزة الحق إني توضأت، وشربت من الكوثر، ونفض لحيته، فتقاطر منها الماء، ثم قال:يا فقيه، نزل علينا شيء لو نزل على الجبال لدكت، ثم أنشأ يقول:
الحب حبي والحبيب حبيبي والسبق سبقي قبل كل مجيب
نوديت فأجبت المنادي مسرعاً وغطست في بحر الهوى وغدي بي
لي تسعة وثلاثة مع تسعة والعقد لي وحدي وعلا نصيبي
ما تعلموا أني المقدم في الملا ليلة سرى باليثربي سرى بي)1123.
فانظر إلى هذه الدعوى العريضة والتي برهانها أنه نفض لحيته، فتقاطر الماء منها، ولو كان ذلك الماء من ماء الكوثر، هل سيذهب هكذا هدراً ولا يعرف له ميزة عن غيره من المياه، ولا تظهر له رائحة، ولا يبقى في موضعه؟ إلى آخر ما يمكن أن يظهر من الدلائل، ثم أعجبُ لهذا الفقيه وسرعة تصديقه وتسليمه واقتناعه بما حكى هذا الرجل عن نفسه!.(1/368)
المثال الثاني: ذكر الشلي في ترجمة الشيخ عمر المحضار أنه قال: (قال لابن أخيه الشيخ عبدالله العيدروس: أن رجلاً يغضب لغضبه جبار السماوات، وأشار إلى نفسه) 1124، ثم استدل الشلي على إثبات ذلك بقوله: (وكان إذا غضب على أحد أصابه الجذام وغيره من الأسقام بعد ثلاثة أيام، فقيل له: أما تخشى أن ينالك بهذا شيء؟ فقال: إني لم أدعُ على أحد، ولكني إذا غضبت على أحد، وقع في باطني نار لا تنطفئ إلا بعد ما يصيبه ذلك المرض، أو يتوب) 1125. هذه الحكاية الله أعلم بصحتها ولكن على فرض صحتها، فإنها رادع قوي لكل من يفكر أن يخالف هذا الشيخ، وربما كان ذلك من السحر إذ الصحيح أن الساحر قد يصيب المسحور بعوار واختلال في عقله أو في بدنه، والقصة بغضِّ النظر عن صحتها أو عدم صحتها فالغرض منها حاصل حين تُروى، ويتداولها الناس، فإنه يترتب عليها هيبة عظيمة من التعرض لإغضاب من يدّعي الولاية.
المثال الثالث: ما قدمناه في الباب الثاني في مطلب التصرف في الكون 1126 عن " مرآة الجنان " 1127 في قصة أحمد ابن أبي الجعد وسعيد بن عيسى العمودي، حيث ذكر أنه عندما أقام ابن أبي الجعد الشيخ سعيد؛ للإنصاف من نفسه، قال: (من أقامنا أقعدناه فقال الشيخ أحمد: ومن أقعدنا ابتليناه، فأصاب كل واحد منهما ما قال لصاحبه، وصار الشيخ أحمد مقعداً إلى أن لقي الله تعالى، وصار الشيخ سعيد مبتلىً في جسمه حتى لقي الله تعالى)، وهذه الحكاية تصب في نفس الغرض، وهو إرهاب الناس من التعرض للأولياء ومخالفتهم.(1/369)
المثال الرابع: ما ذكره صاحب " تذكير الناس " عن أحمد بن حسن العطاس أنه ذكر حكاية طويلة منها أن عبدالرحمن بن مصطفى العيدروس دخل مصر، قال: (وحصلت بينه وبين أهل مصر مناظرة في الإمامة، وقال لهم: أنا أحق بها منكم؛ لِمَا اجتمعَ فيَّ من الشرف والعلم والتبرع، فقالوا له: لا نسلم لك إلا بدليل، فتوجه بحاله إلى القناديل التي في المسجد فابتلعها، فقالوا له: هذه ولاية، ومسلّمون لك فيها) 1128.
والحكاية ظاهرة الدلالة على أن برهان الولاية هو هذه الخوارق التي لا يبعد أن تكون من السحر.
المثال الخامس: ما حكاه الشلي في ترجمة محمد بن علي مولى الدويلة، قال: (وأكثر أعماله قلبيات، وكان يخفي أعماله عن أصحابه حتى عن أهله، وربما اعترض عليه بعض من اتصف بالعلم وليس من أهله، حتى إن بعضهم قام يصلي، والسيد عنده نائم، فقال في نفسه: أنا ساجد وقائم وهذا مضطجع نائم، ويدّعون أنه قدوة للعالم. فلما سجد عجز عن رفع رأسه، فتاب عما وقع له في نفسه، فأمر صاحب الترجمة بعض من عنده بأن يرفع رأسه من السجود، ولما فرغ اعتذر إليه، وعاهده على أن لا يعود) 1129.
فانظر إلى ما لقي هذا العالم من العقوبة والتأديب لقاء اعتراضه على هذا الولي، ثم كيف سلَّم له ولايته، وتاب من الاعتراض عليه.
المثالان السادس والسابع: ما تقدم 1130 نقله عن " تاج الأعراس " في مطلب استخدام الجن حيث نقلنا هناك حكاية سالم العطاس الذي كان له جني، اسمه " مزنقب "، وكيف سلطه على تلك القبيلة التي أبت أن تستقبل الركب العطاسي حسب تعبير المؤلف: (فصرخ بهم مزنقب صرخات، روّع بها نساء القبيلة وأطفالها؛ مما اضطر رجال القبيلة إلى الرضوخ لآل العطاس واسترضائهم والاعتذار إليهم وضيافتهم).
وحكايته مع شريف مكة وكيف فجّر"مزنقب" الماء في مجلس الشريف مما اضطره للتسليم له كذلك.
المبحث الثالث
استخدام القوة في محاربة الخصم
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: اللجوء إلى السلطان:(1/370)
اللجوء إلى السلطان شأن المبتدعة والباطنية في كل زمان ومكان؛ لفقدهم الدليل المقنع، فيلجَئون إليه، يداهنونه، ويطْرُونه، ليدافع عنهم وعن باطلهم، ويدفع خطر خصومهم
لا يفزعون إلى الدليل وإنما في العجز مفزعهم إلى السلطان
ويقول العلامة الحسين بن عبدالرحمن الأهدل في كلامه عن الصوفية: (فإن عادة هذه الطائفة أعني "ابن عربي "وأتباعه التحبب إلى الدولة وإيراد أحاديث وروايات في فضائلهم، حتى يجعلوا السلطان الجائر من الأبدال 1131 والعادل هو القطب، وربما ألقوا في سمعه أن له درجة التحكيم والتفويض فيما فعله بلا حرج؛ ولذلك لم يكد يتبع 1132 إنكار العلماء من قديم الزمان وهذا من مكرهم، قاتلهم الله) 1133، وكلام الأهدل هذا هو الذي استفاض، بل تواتر معناه، وهناك مواقف كثيرة جداً للصوفية في التزلف إلى السلاطين والتمكين لأنفسهم لديهم منذ نشأة الصوفية إلى اليوم، والذي يعنينا هم صوفية اليمن وقبوريتها، فإليك بعض تلك المواقف: من ذلك تبشيرهم بالمُلك أو بخلوده في أعقابهم، ومنه ما ذكره الخزرجي في "العسجد " في ابتداء أمر الدولة الرسولية، قال: (قال صاحب السيرة المظفرية: أخبرني الشيخ الصالح سليمان بن منصور بن حزينة قال: لما وصل الملك المسعود 1134، وعبر طريق خبت القحرية، وكان على قارعة الطريق شيخان من مشايخ الصوفية الصالحين، يسمى أحدها المغيث، والآخر الهدس، فقال أحدهما للآخر: هل ترى ما أرى؟ فقال له: وأي شيء تراه؟ قال: أرى شخصاً إن سار سار العسكر جميعه. فقالوا: لعله الملك المسعود فقال: لا، بل هو الملك المنصور عمر بن علي بن رسول، والملك في عقبه إلى آخر الدهر) 1135.
ومن ذلك بشارة صاحبَي عواجة محمد بن أبي بكر الحكمي ومحمد بن حسن البجلي مؤسس الدولة الرسولية عمر بن علي بن رسول المذكور سابقاً بانتقال الملك إليه وتقوية عزمه عليه.(1/371)
قال الأستاذ عبدالله الحبشي تحت عنوان " تاريخ الصوفية في عهد بني رسول ": (ولعل بداية تاريخ الصوفية مع الرسوليين يبتدئ ببداية هذه الدول، بل قبل البداية بسنوات عدة، فالمؤرخون يذكرون تلك الصداقة الوطيدة بين مؤسس الدولة الرسولية الملك المنصور عمر بن علي بن رسول.- حكمه من 629 - 647هـ - وبين الفقيه الصوفي محمد بن أبي بكر الحكمي سنة 617هـ وصاحبه الصوفي محمد بن حسين البجلي المتوفى سنة 621 هـ وهما من كبار الصوفية في اليمن. ويقال أنهما اللذان قويّا عزمه في الاستيلاء على الحكم بعد مشاهدتهما تضعضع الدولة الأيوبية وتنافس أمرائها فيما بينهم على الحكم. ونحن إذا أدركنا أن موت الحكمي كان قبل قيام الرسولي بالحكم بنحو عشر سنوات، ندرك مدى العلاقة التامة بين الصوفية ودولة بني رسول، ولندع الباحث المعاصر الأستاذ محمد بن أحمد العقيلي، يشرح هذه المسألة، فيقول:(عرف ذلك الشاب المتطلع لملك اليمن عمر بن علي الرسولي وهما قد تنبآ له بالملك ما يمكن لطموحه المتطلع من الاستفادة من نفوذهما الروحي، فأخذ في تقديرهما، وكانا عند قدوم مساح الأرض الزراعية لتقدير الخراج على المزارع، يكتبان أغلب أراضي أهل جهاتهما، فلما جاء دور الفقيهين لمسح أراضيهما وأخذ الضرائب عنهما، عفا عنهما الأمير عمر بن علي الرسولي وقد بلغ ذلك نحو خمسة عشرة ألف دينار، وأدركا بلا شك مطمعه البعيد، فأخذا يروجان مقالتهما السابقة بملك اليمن له ويشيعان ذلك سراً، ثم يذيعانه مقدماً؛ لتهيئة النفوس والعقول لوثبته، وشاعت كلمتهما، فتقبلها الناس بالترقب) 1136.
إذاً فالدولة الرسولية، تدين للصوفية بوجودها بعد أن مهدوا لها عند الناس، وأصبحت مما ينتظر وقوعه. ولا أحتاج إلى تعليق على ما قرره الأستاذان الحبشي والعقيلي.(1/372)
ومن تلك البشارات بشارة الصوفي إبراهيم بن الحسن بن أبي بكر الشيباني للملك المظفر، قال الشرجي في ترجمته: (وكانت له كرامات ظاهرة، من ذلك أنه زاره الملك المظفر في أيام والده الملك المنصور ابن رسول، ولازمه في الملك بعد أبيه، فضرب الفقيه بيده على كتف المظفر، وقال له: المُلك لك ولذريتك لا أسد الدين ولا فخر الدين، يعني بني عمه. وكان المظفر يخاف أن ينازعوه في الملك بعد أبيه،فكان كما قال: تولى الملك المظفر وذريته من بعده وبطل أسد الدين وفخر الدين، فلما صار الملك إلى الملك المظفر، سامح الفقيه في خراج أرضه وأراضي أهله، ولم يزالوا على الجلالة والاحترام مدة المظفر وبعده) 1137.
ومن تلك البشارات بشارة إسماعيل الجبرتي للملك الأشرف بانهزام جند قصدوه، فكان كما قال الشوكاني: (وصارت له عنده منزلة وكلمة لا ترد) 1138. ذلك بعض ما لدى صوفية تهامة، ولدى صوفية حضرموت ما يشابهه، أو يزيد عليه، من ذلك ما ذكره صاحب " تاريخ الدولة الكثيرية " في ترجمة بدر أبي طويرق تحت عنوان " نسبه واهتمام العلويين به " قال: (تصدّى جماعة من السادة العلويين في أوائل ظهوره للبحث والتنقيب عن سلسلة نسبه، ثم أسفرت نتائج بحوثهم عما يأتي:
هو بدر بن عبدالله بن جعفر بن عبدالله بن علي بن عمر بن جعفر بن بدر بن محمد بن علي بن عمر ابن كثير بن ظنة بن عبدالله بن حرام بن عمر بن سبأ الأكبر، ثم ينتهي النسب إلى يشجب بن يعرب ابن قحطان بن هود (.(1/373)
هكذا جاء في دشتة العلامة زين العابدين بن عبدالله بن شيخ العيدروس العلوي، قال: ولما أن تحققوا صحة هذه النسبة ذهب سبعة منهم إلى ضريح النبي هود على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، واعتكفوا هناك متضرعين إلى الله سبحانه، أن يقيض هذا السلطان؛ لحفظ القطر كله. قال وظهرت آثار الإجابة في السنة نفسها، إذ طرق بدر جميع الجهة الحضرمية، واستولى عليها من عين با معبد غرباً إلى ظفار شرقاً، وذلت له رقاب أهلها في بضعة شهور، ولم يبق بها إلا مواضع حقيرة، استكملها فيما بعد، كما سيأتي) 1139. فالقوم عندما لاحظوا أمارات النجاح وعوامل النصر واستعداد هذا السلطان، لتكوين سلطنة قوية واسعة ذات نفوذ، أحبوا أن يكون لهم عنده يد، فمثلوا هذه الرواية، وأحكموا فصولها، وأقنعوا بها السلطان، وكسبوا وده.(1/374)
وقريباً من ذلك فعل بعضهم مع منصب آل عمودي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبو ست، قال علوي بن طاهر الحداد، وهو يتكلم عن نسب آل العمودي الذي أثبته محمد بن ياسين باقيس إلى أبي بكر الصديق في كتاب له باسم " النبذة ": (وفي هذه النبذة التصريح بنسبهم على ما يقوله السادة الأشراف العلويون وهو مخالف، لما يقوله المؤرخون، وسيأتي بسط القولين ومستندهما في بابه قال: قال: " أي الحبيب عبدالله الحداد " فزرنا الشيخ العارف بالله معروف باجمال مؤذن بضرفون 1140 ومن في تربته،وطلعنا بضة، واجتمعنا فيها بكثير من أهل الفضل من آل العمودي وغيرهم. منهم السيد عمر باعقيل باعلوي وزوجته الصالحة بنينة ومن آل العمودي الشيخ عبدالقادر والشيخ مطهر والشيخ عبدالرحمن والشيخ سعيد أولاد الشيخ الكبير الشهير عبدالله بن عبدالرحمن بوست، وهو والي منصب آل العمودي أعني الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن، وسمي بوست؛ لأن له في كل يد ست أصابع لأنه شبيه، بعبد الله بن عبدالرحمن ابن سيدنا أبي بكر الصديق (؛ لأنه جدهم، وينسبون إليه على ما ذكره بعض سادتنا آل أبي علوي، نفع الله بهم في بعض مكاشفاته، ولا تكون إلا حقيقة؛ لأن الكشف الصادق إخبار عن عين اليقين وهو، حق وصدق، وقد أمر ( بالأخذ بأقوال الصالحين في الأثر المروي عنه (، وهذا منه) 1141، ثم قال: وأما ما ذكره الشيخ محمد بن ياسين عن الحبيب عبدالله الحداد عند ذكر الشيخ عبدالرحمن ابن عبدالله أبو ست وانتساب آل العمودي إلى أبي بكر الصديق، وقوله: " على ما ذكره بعض سادتنا آل أبي علوي، نفع الله بهم " فمراده بالبعض المذكور السيد الشريف أستاذ الفقهاء والمتكلمين، وإمام الزهاد الورعين أحد الأولياء المعتقدين عبدالرحمن بن علي بن أبي بكر السكران بن عبدالرحمن السقاف، له كتاب فيه الوقائع التي وقعت له في اليقظة والمنام وما بينهما، وهي إطلاعات روحية، تتمثل لهم فيها المعاني والأرواح، ذكر أنه اجتمع بروح الشيخ الكبير(1/375)
سعيد بن عيسى، وسأله عن نسبه، فذكرله سلسلة نسبه إلى أبي بكر الصديق (، والقصة أطول مما ذكرنا، وقد رأيناها بقلم بعض أشياخ آل العمودي) 1142، ثم قال:(وقد نقل الشيخ عبدالرحمن بن عثمان - الآنف الذكر - تلك الواقعة،وكتبها في مصحفه، ومنه نقلتها، وهي: وذكر الشريف عبدالرحمن بن علي: أن عبدالله بن عبدالرحمن بن الإمام أبي بكر الصديق كان له ست أصابع، السادسة على صورة الإبهام تليها. وكان ذا فراسة وفهم في الأمور. كان إذا دخل البلد، لا يستطيع أحد من أهل البلد، أن يكذب خشية أن يعرفه، ويسمع كذبه بفراسته. وكان يقول له والده عبدالرحمن: سيخرج من صلبك ولدٌ اسمه كاسمك، وصورته كصورتك، والله إني أنظر إلى أصبعه الزائدة تتحرك عند حركتك،وتكون له فراسة كفراستك، وفهم كفهمك ووالله لولا أنه في غرة كل موجود ليس كمثله شيء، لقلت أنك هو، وهو أنت. وكان الشيخ محمد بن عمر باعفيف يقول لشيخه الشيخ عبدالرحمن: يا سيدي، أهو قد ظهر؟ فيقول. لا، إلا أنه قريب الظهور انتهى. والحبيب السيد الشريف عبدالرحمن بن علي المنسوب إليه هذه الواقعة الكشفية الروحية ولد سنة(850)، وتوفي سنة (923 هـ). وقد تحققتْ بولادة الموعود به الشيخ المعمر عبدالله بن عبدالرحمن المذكور في أواخر القرن العاشر، وتوفي سنة (1072 هـ)، وكان له في كل يد ست أصابع، الزائدة على صورة الإبهام تليها. وهذه الحكاية من أغرب ما يروي) 1143،وقد كان عبدالرحمن أبوست العمودي حاكماً على منطقة دوعن مدة طويلة.(1/376)
وهذه النماذج وغيرها كثيرة كافية للدلالة على منهج القوم في استرضاء السلاطين والحكام؛ لكسب تأييدهم، وضمان وقوفهم معهم ضد مخالفيهم، ولم ينتهِ هذا المنهج أو يتغير، فصوفية اليوم هم صوفية الأمس، وإن ما حدث أيام حرب الانفصال - ربيع الأول 1415 هـ من صوفية حضرموت لكافٍ في الدلالة على ذلك. فقد وقفوا مع الانفصاليين بكل ما أوتوا من قوة، وقد تبارى خطباؤهم في تأييد حركة الانفصال، وأصدروا البيانات المؤيدة لها، وأفتوا بأن القتال في صفوف الاشتراكيين جهاد في سبيل الله؛ لأنه دفاع عن الأنفس والأعراض والأموال إلى غير ذلك من المواقف، بل إن بعض من يكتب اليوم في التنظير للصوفية والدفاع عنها قد قَبِل أن يكون وزيراً للأوقاف في حكومة الاشتراكيين الانفصاليين، ولكن سرعان ما تغيرت المواقف، وتبدل الولاء، وتناقضت الخطب والبيانات بمجرد انتصار القوات (الحكومية) وأصبحوا يتظاهرون بتأييدها، وأنهم كانوا مؤيدين لها طيلة المحنة التي مرت بها البلاد، ولا أدري كيف يثق الحكام بمن هذه مبادؤهم ومواقفهم؟! أم أنها مناورات من الطرفين على حد قول الأول: (كلانا عالمٌ بالترهات).
وإليك أخي القارئ الكريم بعض المواقف التي استعان فيها الصوفية بالحكام ضد مخالفيهم:
الموقف الأول: ما ذكره الخزرجي في ترجمة الفقيه حسين بن أبي بكر السودي، قال: (وكان فقيهاً صالحاً فاضلاً مشهوراً بالفقه والصلاح، وشهدت له كرامات كثيرة، وكان معظماً عند الناس، ولكن بلغ الملوك عنه أنه يتصل بإمام الزيدية في عصره، وهو محمد بن مطهر، فكرهوه، وهموا بأذيته، فكان لا يستقر في موضع ينالونه فيه، وكان ينكر على الفقراء الرقص والسماع؛ فلذلك أجمع الفقراء والفقهاء عليه، ولم يزل حذراً من السلطان حتى توفي في السنة المذكورة سنة "704هـ ") 1144.(1/377)
الموقف الثاني:ذكره شيخ الإسلام الشوكاني - رحمه الله - في ترجمة إسماعيل الجبرتي، قال: (وكان أول ظهور أمره أنه بشر السلطان الأشرف بانهزام جند قصدوه، وكان الأمر كذلك. وصارت له بذلك عنده منزلة وكلمة لا ترد، وكان منزله ملجأ لأهل العبادة ولأهل البطالة وأهل الحاجات، فأهل العبادة يحضرون للذكر والصلاة، وأهل البطالة للسماع واللهو، وأهل الحاجات لوجاهته، فأنه تتلمذ له أحمد بن الرداد، ومحمد المزجاجي، فجالسا السلطان، وكان مغرى بالسماع والرقص داعياً إلى نحلة ابن عربي حتى صار من لا يحصل نسخة من الفصوص، تنقص منزلته عنده، واشتد البلاء على العلماء الصادعين بالحق، بسببه وفيه يقول بعض الأدباء، وكان منحرفاً عنه ومعتقداً لصلاح صالح المصري:
صالح المصري قالوا: صالح ولعمري إنه للمنتخب
كان ظني أنه من فتية كلهم إن تمتحنهم تختلب
رهط إسماعيل قطاع الطر يق إلى الله وأرباب الريب
سفل حمقى رعاع غاغة أكلب فيهم على الدنيا كلب
وقد كان قام صالح المصري هذا على صاحب الترجمة، فتعصبوا له حتى نفوه إلى الهند، ثم كان الفقيه أحمد الناشري عالم زبيد يقوم عليه وعلى أصحابه، ولا يستطيع أن يغيرهم عما هم فيه؛ لميل السلطان إليه) 1145. فانظر كيف استُغِلَّ نفوذ هذا الصوفي على السلطان إلى هذه الدرجة من الظلم والاضطهاد للخصوم، وهناك مواقف كثيرة سيجدها المتتبع لو بحث عنها.
ولصوفية حضرموت مواقف تندرج في نفس هذا المسلك الدنيء، وتسير على ذات المنهج الرديء، وكان أبرزها في أثناء الصراع الذي نشب في إندونيسيا بين العلويين والإرشاديين:(1/378)
فمن ذلك سعيهم لدى حكومة بريطانيا وإقناع قنصلها في العاصمة الإندونيسية بتافيا (جاكرتا) بأن الإرشاد، تعمل ضد السياسة البريطانية، قال صلاح البكري: (وقد تأثر القنصل لجهله حقيقة الإرشاد، فأرسل إلى الحكومتين القعيطية والكثيرية؛ ليأخذوا حذرهم من كل إرشادي يدخل حضرموت، ويرسل المسؤولون في الحكومتين منشوراً على كافة الحضارم بإندونيسيا) 1146. ثم ذكر نص البلاغ الذي يتهدد ويتوعد كل من بقي في جماعة الإرشاد، ويصفه بأنه عدو لوطنه ولمواطنيه عاقاً لهم مخالفاً لجماعتهم في كل مقوماتهم ساعياً في تسميم عقولهم وأفكارهم 1147، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل تحول إلى اضطهاد حقيقي للإرشاديين في بلدهم الأصلي حضرموت، قال البكري: (لم يكتف آل باعلوي وغيرهم من المعارضين لثورة الإرشاد الدينية الحرة عند هذا الحد، فاتجهوا بوشاياتهم إلى حضرموت، واستطاعوا أن يؤثروا على السيد حسين بن حامد المحضار وزير الحكومة القعيطية بمدينة المكلا. فقد كان هذا الوزير يتلقى الرسالة تلو الرسالة من قريبه السيد محمد المحضار ببندووسو بجاوه، يحرضه على عرقلة كل إرشادي يأتي من إندونيسيا إلى وطنه بحضرموت. وقد تأثر الوزير بتلك الرسائل إلى حد كبير، فأخذ يضطهد كل إرشادي قادم إلى حضرموت، وأسهم في ذلك والي دوعن عمر بن أحمد باصرة، أسهم في التعذيب؛ إرضاء لوزير الحكومة القعيطية) 1148.
ولم يكتفوا بالتنكيل بالمنتمين إلى جمعية الإرشاد فحسب، بل تعدى الضرر والاضطهاد إلى أسرهم وأقربائهم للضغط عليهم وحملهم على إخراج أقاربهم من جمعية الإرشاد، وقد شرح ذلك الأستاذ البكري، وأوضح أن نائب السلطنة بدوعن، تولى ذلك، وأورد على ذلك دليلاً هو رسالة من أحد أقرباء عضو من أعضاء الإرشاد. هذا نصها:
(الحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.(1/379)
إلى جناب الأكرم المكرم المحترم العزيز الأخ سالم بن أحمد با مصفّر سلمه الله تعالى آمين. وعليه مني السلام وأزكى التحية والإكرام ورحمة الله وبركاته على الدوام. صدر المرقوم من قيدون، والعلم خير ولطف وعافية، نرجو الله الكريم أنك وكافة المعارف بخير وعافية.
قد سبقت إليك جملة كتب وفيها من الحقائق كفاية، وعرفناك أن نحن بغيناك تخرج من هذه الجمعية "جمعية الإرشاد"؛ الله الله لحيث المشقة ضاوية علينا، وقد وصّالنا المقدم، وبتينا إلى عنده، وأعطى لنا مهلة لما شهر شعبان، من خرج من هذه الجمعية يخبر الحبيب محمد بن أحمد المحضار ولعاد عليه شيء، ومن لا خرج بايوصي المقدم لأهله،وأنت بُصْرك. الله الله في الجواب مطلوب وأما فينا فما تحتاج إلى وصاه والسلام.
حرر في 12 ربيع الثاني سنة: 1338 هـ
طالب الدعاء
محمد بن أحمد بامصفر) 1149
ولم يكتف العلويون بذلك، بل ذهبوا إلى أبعد منه حيث وشوا إلى شريف مكة، وحذروه هؤلاء الإرشاديين، ووصفوهم له بأنهم نواصب، يبغضون آل البيت، ولديهم أفكار سامة، يريدون منعهم من الحج والعمرة ودخول أراضي الحجاز؛ حرصاً على سلامة أهله وسائر الحجاج من انتقال عدوى هذه الأفكار إليهم؛ ومنعاً من أن يلتقي هؤلاء الخوارج بإخوانهم الذين على شاكلتهم، يعنون أتباع الدعوة النجدية، وقد أورد البكري نص الرسالة المتضمنة لذلك 1150.
هذه بعض الأدلة على لجوء القبوريين إلى السلطان أياً كان هذا السلطان مسلماً أو كافراً، مادام أن الالتجاء إليه سيحقق لهم غرضاً.(1/380)
وقد لفت نظري سقاف بن علي الكاف في مؤلفه " حضرموت عبر أربعة عشر قرناً ". حين أرخ لهذه الحوادث، وقد حاول أن يضبط نفسه، وأن يقاوم مشاعره، فلم يتحامل تحاملاً ظاهراً على أصحاب الإرشاد، ولكنه أورد رسالتهم إلى وزارة الخارجية البريطانية ليومئ إلى القارئ أن هؤلاء القوم حملهم بغضهم لخصومهم وهواهم المتبع على أن يلجئوا إلى العدو الكافر، ويستعينوا به على خصومهم وقد نسي أن أصحابه قد فعلوا أكبر من ذلك وأكثر وليس فقط مع بريطانيا، بل مع بريطانيا وهولندا وغيرهما من دول المسلمين والكفار وأن بريطانيا استجابت لطلب العلويين وجارتهم على رغبتهم، وضايقت الإرشاديين في بعض مستعمراتها 1151.
المطلب الثاني: اللجوء إلى القبائل وحملها على إخضاع خصومهم:(1/381)
تقدم بيان ما وصلت إليه الصوفية القبورية من سلطة ونفوذ على القبائل، والإشارة إلى أنها تستخدم ذلك النفوذ ضد كل من يخالفها، وتسخرها؛لتهديد وأذية خصومها، وقبل أن نذكر تسخير الصوفية للقبائل في ضرب الخصوم الأباعد، نذكر قصة طريفة تؤدي الغرض، وتظهر مدى استخدامهم لذلك النفوذ والزج بالقبائل في فتن لا ناقة لهم فيها ولا جمل، قال محمد بن هاشم تحت عنوان" قضية التابوت ": (الذي يظهر أن نفسيات السراة والزعماء من السادة وغيرهم من أهل ذلك القرن قاسية متصلبة، لا تعرف المرونة، ولا تجنح إلى المجاملة. وربما تغلّب على القوم التعسف الأناني، والتعصب الأعمى الذي تنكره العقول، وتمجه الأذواق، وتقف الطباع السليمة حسرى دون شأوه. وقضية التابوت يستنتج منها ما ذكرناه، ويعلم منها مبلغ التخبط السياسي الذي تعانيه حضرموت في ذلك العهد وإليك ما قالوه عنها، قالوا: "وفي سنة 1161هـ كانت واقعة التابوت الذي أرسله الشيخ العمودي لضريح الحداد، وهو شبيه التابوت الذي على قبر المحضار ". فاختلف رأي السادة فبعضهم رضي ذلك كالحبيب أحمد بن علي ابن الشيخ أبى بكر بن سالم ومنهم من لم يرض كالسادة آل العيدروس، وكذلك اختلف رأي القبائل على هذا حتى وقعت الحرب على وضعه. وأصابت رصاصة رأس السيد صالح بن علي بن أحمد ونفذوا به إلى عينات حيث قضى نحبه. وبقي التابوت موضوعاً في بعض الديار بأمر من يافع أشهرهم أحمد غرامة البعسي، وصمم الحبيب أحمد بن علي على وضعه على الضريح فجاء الرتبة من يافع ووضع بحضورهم قيل على رضى من آل همام ممزوج بخداع.
وبعد وضعه قام السادة آل العيدروس وعظم عليهم الأمر واستنجدوا بالشنافر وساروا على أحيائهم فصار بعد ذلك ما صار من حريق التوابيت كلها التي على القبور. ثم تراجع الناس واجتمع الرأي على إرجاع التوابيت فأعيدت على حالها وأصلحن بأعواد هندية مصهرة) 1152.(1/382)
ومما يظهر نفوذ أولئك الصوفية وتسخيرهم للقبائل ما قاموا به إزاء الحملة النجدية على حضرموت، والتي استهدفت وادي حضرموت من المشهد جنوباً غربياً إلى عينات في الشمال الشرقي، أو إلى قبر هود شرق عينات، فبعد الكر والفر والأخذ والعطاء، وحينما همَّ النجديون بدخول وادي عمد والذي أول مُدنهِ مدينة حريضة، جمع آل العطاس قبائل تلك المنطقة وكونوا منهم جيشاً كبيراً تصدى للنجديين وكسروهم وذلك عندما بدأ الضعف يَدبُّ فيهم بسبب هجوم محمد علي باشا على عاصمتهم الدرعية وقد فصل ذلك صاحب تاج الأعراس في عدة مواضع 1153، ومما قال وهو يتحدث عن القائد العام لجيش حضرموت علي ابن جعفر العطاس:(ومما أكرمه الله به من دقة النظر، فمن فطانته ودقة سياسته أنه جعل على كل قبيلة من تعتقده وتحترمه من السادة المتقدم ذكرهم زيادة على غيره) 1154، وكانت القبائل التي جمعها آل العطاس وقادوها بأنفسهم قبائل الجعدة قال: (ومما يجدر بالذكر هنا أن المقدم عمر بن علي باصليب المشجري لما بلغه الخبر بهجوم الوهابيين على بلد حريضة جاء إليها في ثلاثمائة رامي من قومه آل باصليب سكان حالة باصليب والمعقل بوادي عمد منجداً للسادة آل العطاس وقبائل الجعدة ففرحوا بهم ومنهم وشكر الحبيب علي بن جعفر المقدم باصليب وقومه.. الخ) 1155.(1/383)
وهذا نموذج آخر من استخدام القبائل للحفاظ على مصالح آل باعلوي وإلا فالجيش النجدي ما كان يريد إلا أن يطهر البلاد من أدران القبورية، وأن يصلح ما أفسده الصوفية والقبورية من عقائد الناس، وصاحب المصلحة الحقيقية في ردعه وصده هم القبوريون أما سائر الأمة فكان من صالحهم أن ينتصر وأن يزيل مظاهر القبورية التي أفسدت عقائد الناس وأن يعلموهم دينهم كما حصل في المناطق التي استولوا عليها في كثير من أرجاء الجزيرة العربية كما قرر ذلك شيخ الإسلام الشوكاني في ترجمة "الشريف غالب بن مساعد "من البدر الطالع قال وهو يتكلم عن حروبه مع صاحب نجد " عبدالعزيز بن سعود ": (فإن صاحب نجد تبلغ عنه قوة عظيمة لا يقوم لمثلها صاحب الترجمة. فقد سمعنا أنه قد استولى على بلاد الحسا والقطيف وبلاد الدواسر وغالب بلاد الحجاز. ومن دخل تحت حوزته أقام الصلاة والزكاة والصيام وسائر شعائر الإسلام، ودخل في طاعته من عرب الشام الساكنين ما بين الحجاز وصعده غالبهم إما رغبة وإما رهبة، وصاروا مقيمين لفرائض الدين بعد أن كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئاً ولا يقومون بشيء من واجباته إلا مجرد التكلم بلفظ الشهادتين على ما في لفظهم بها من عوج. وبالجملة فكانوا جاهلية جهلاء كما تواترت بذلك الأخبار إلينا، ثم صاروا الآن يصلون الصلوات لأوقاتها، ويأتون بسائر الأركان الإسلامية على أبلغ صفاتها، ولكنهم يرون أن من لم يكن داخلاً تحت دولة صاحب نجد وممتثلاً لأوامره خارج عن الإسلام) 1156.(1/384)
وقد أكد ما قلت عن الجيش النجدي العلامة ابن عبيد الله في مادة المحيضرة من "إدام القوت " حيث قال: (ولم يفسد حرثاً ولا أهلك نسلاً، وإنما هدم القباب، وسوى القبور المشرفة، وألقى القبض على المناصب وأهانهم، وأتلف قليلاً من الكتب، كثره بعض العلويين، كصاحبنا الفاضل السيد علوي ابن سهل بدون مبرر من الدليل) 1157.مع أن أهل حضرموت في تلك الفترة بأمس الحاجة إلى من يعلمهم أمر دينهم ويبصرهم بما هم عليه من أخطاء في العقائد والأعمال. فكان قيام تلك القبائل تضحية بمصالحها الحقيقية للحفاظ على مصالح سادتهم، ولما لم يكن هناك مقاومة تذكر من علماء حضرموت تستحق التصدي القوي لها باستخدام القبائل لم أر شيئاً واضحاً في ذلك إلا في الصراع العلوي الإرشادي، فقد حاول آل باعلوي أن يستفيدوا من نفوذهم الروحي على قبائل يافع، فكاتبوهم يحرضونهم على مواجهة الإرشاديين وقمعهم ولكن الأحوال قد تغيرت، والعقول قد تفتحت، والعقائد التي كانوا يعتقدونها فيهم قد ظهر زيفها، فلم يسعفوهم ولم يستجيبوا لمطالبهم، بل سخروا بها وإليك بعض رسائلهم إلى قبائل يافع لذلك الغرض:(1/385)
الرسالة الأولى: من محمد بن أحمد المحضار إلى علي بن حسن بن نقيب اليافعي قال فيها: (الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله مهدي السلام الخاص من الشيخ المكرم والمحب المحترم علي بن حسن ابن نقيب وعلى من بقي له اتصال بالحبيب والشيخ مولى الكثيب 1158 وأما من خرج عن دائرة أهل البيت فيأكله الكلب أو الذئب، وماله في الأمر من نصيب وكتاب الشيخ علي وصل وفرحنا به وزواج الأولاد صالح وصالح مبارك وقدوم إلى خير وبودنا أن نرسل واحداً من الأولاد ولكنهم معذورون وبالنية حاضرون، والسلام وسلموا على الخال طالب عوض وسمعنا بعزمه إلى الحج والزيارة وربح التجارة وفرحنا له، ومن الله على الجميع، والسلام منا ومن الأولاد عليكم ولأهل الوداد أما أهل الفساد "يعني الإرشاديين" فلهم الإبعاد وأشد من بعد عاد والمولى بالمرصاد والشفيع سيد الرسل يوم الميعاد والتناد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار. وبلغنا أن الإمام " يحيى إمام اليمن " مجهز على يافع، ويافع لا يصلح الأمر ويطفي الجمر إلا الأخ محمد بن علي الحييد لأن الإمام يكاتبه ويافع قد هم حقه 1159 أن بغيته يعزم أجمعوا على الذي يليق به من الخرج والفتح على يده، وخبر الإمام واجب الانتباه له - يعني إمام اليمن - لأن الأمر مهم جم جم، ومعه قصد - لعل الكاتب يقصد من سؤاله غزو حضرموت - لا يقدرون يافع ولا غيرهم بمقاومته وهو هزم التركي ومعه دولة كبيرة والله يختار.
حرر في بندووسو في 7 جمادى الآخرة سنة 1338هـ
الداعي / محمد بن أحمد المحضار. 1160(1/386)
والرسالة الثانية:- أيضاً من المحضار ذاته (الحمد لله ونسأله بالاسم الأعظم والحبيب الأكرم (ومحبهم يغنم نخص المحبين بني مالك لا يزالون ملوك الممالك مازال الكل في مسلك المصطفى سالك،والشيخ أبو بكر ضامن لهم بذلك وفوق ما هناك 1161 ونهدي السلام للجميع ونخص منهم الشيبان والشبان،جاء العزم إليكم بعد مولد ربيع الأول، والحذر شيء يدخل عليكم مما دخل على الكثير من أهل الزمان الذين استحوذ عليهم الشيطان وخرجهم من الأمان وسيخرجهم من الإيمان. بلغنا أنه وصل عندكم باعشر العشير وحمار الحمير وخنزير الخنازير قطعوا حباله وصفعه بالنكير وخبث الحديد ما يصفيه إلا الكير وشنو النكير. وإن بلغنا دخول شيء المكان تركنا كليران (بومي أيو) والله المستعان.
محمد بن أحمد المحضار) 1162
وقد علق الأستاذ البكري على هذه الرسائل فقال: (لم يستطع السيد المحضار الوقوف أمام تيار النهضة الفكرية ولم تؤثر رسائله في يافع فلم يقيموا لكلامه وزناً ولا لتهديداته ثمناً، بل كان الأمر بالعكس، كانوا يهزءون برسالته كل الهزء)1163.
المطلب الثالث: اعتماد التصفية الجسدية للخصوم:
مرّ بنا الأذية الكبيرة التي قام بها إسماعيل الجبرتي وأعوانه ضد الذي كان ينكر عليهم في زبيد " صالح المصري " 1164، وقد ذكر الشوكاني العجائب من ذلك مما يحاول القبورية والمنحرفون فعله بدعاة السنة كما في كتابه أدب الطلب سواء ما وقع للإمام محمد بن إسماعيل الأمير أو له شخصياً أو لغيرهما، وقد تناقل الناس ذلك في أنحاء اليمن في الجبال والتهائم وحضرموت وما بين ذلك ومما تناقلوه: الضرب ومحاولة القتل بالسلاح واستخدام السم ولكني في مثل هذه القضايا لا أعول على ما كان متداولاً بين الناس دون أن يكون مكتوباً وعليه فإنني أقتصر على ما ذكره صلاح البكري مما حدث ضد أصحاب الإرشاد بإندونيسيا. فقد قال تحت عنوان "محاولة اغتيال رائد النهضة الدينية ":(1/387)
(حاول جماعة من آل باعلوي اغتيال الشيخ أحمد محمد السوركتي، وذلك بدس السم داخل فاكهة تسمى " بلمنبنق " وكان الشيخ مولعاً بأكلها فابتاع منها كمية وأكلها وبعد لحظات شعر بمغص شديد وأخذ يئن من شدة الألم فاستدعى طبيباً، وبعد الفحص قرر الطبيب أنه مسموم، ولولم يسعفه الطبيب بالدواء لذهب الشيخ إلى رحمة ربه، وهكذا أراد الله تعالى للشيخ أن يعيش ليستمر في تأدية رسالة الإسلام. وفي مدينة بوقور هاجم جماعة من العلويين وأنصارهم الشيخ عبد العزيز الكويتي ضيف إندونيسيا ومؤيد الحركة الإرشادية الحرة وضربوه بآلة حادة في رأسه ولكن عناية الله أحاطت به وأنقذته من الموت.) 1165.
وهناك حادثة أخرى ذكرها ابن عبيد الله وهو يتحدث عن حاكم تريم، فيقول: (وكان ينكر بطبعه غلوا القبوريين، فوافقته آراء الوهابية، وأكثر التعليق بوحيد عصره، وفريد دهره، مقدم الجماعة، وشيخ الصناعة، الذي انتهت إليه رياسة العلم بتريم، العلامة الجليل السيد أبي بكر بن عبد الله الهندوان، المتوفى بتريم سنة 1248هـ، وقد اتهمه العلويون بأنه هو الذي يعلم عبدالله عوض غرامة آراء الوهابية، ويحثه على الالتزام بها، ومؤاخذة الناس بمقتضاها، فتآمروا على قتاله، فهرب إلى بيت جبير)1166.(1/388)
وأما الإمام الشوكاني فقد طالت شكواه من الخصوم الجهلة والمتعصبة القبورية وغيرهم وذكر أنواعاً من الأذى الذي حاولوا أن يلحقوه به وبغيره من دعاة السنة والتوحيد، فقال - رحمه الله -: (ومن عجيب ما أشرحه لك أنه كان في درس الجامع بعد صلاة العشاء الآخرة في صحيح البخاري يحضره من أهل العلم الذين مقصدهم الرواية وإثبات السمع جماعة، ويحضره من عامة الناس جمع جم لقصد الاستفادة بالحضور، فسمع ذلك وزير رافضي من وزراء الدولة وكانت له صولة وقبول كلمة بحيث لا يخالفه أحد وله تعلق بأمر الأجناد، فحمله ذلك على أن استدعى رجلاً من المساعدين له في مذهبه فنصب له كرسياً في مسجد من مساجد صنعاء، بمكان يسرج له الشمع الكثير في ذلك المسجد حتى يصير عجباً من العجب فتسامع به الناس وقصدوا إليه من كل جانب لقصد الفرجة والنظر إلى ما لا عهد به، والرجل الذي على الكرسي يملي عليهم في كل وقت ما يتضمن الثلب لجماعة من الصحابة صانهم الله، ثم لم يكتف ذلك الوزير بذلك حتى أغرى جماعة من الأجناد من العبيد وغيرهم بالوصول إليَّ لقصد الفتنة، فوصلوا وصلاة العشاء الآخرة قائمة ودخلوا الجامع على هيئة منكرة وشاهدتهم عند وصولهم، فلما فرغت الصلاة قال لي جماعة من معارفي إنه يحسن ترك الإملاء تلك الليلة في البخاري فلم تطب نفسي بذلك، واستعنت بالله وتوكلت عليه، وقعدت في المكان المعتاد، وقد حضر بعض التلاميذ وبعضهم لم يحضر تلك الليلة لمَّا شاهدَ وصول أولئك الأجناد، ولما عقدت الدرس وأخذت في الإملاء رأيت أولئك يدورون حول الحلقة من جانب إلى جانب ويقعقعون بالسلاح ويضربون سلاح بعضهم في بعض، ثم ذهبوا ولم يقع شيء بمعونة الله تعالى وفضله ووقايته. ثم أن ذلك الوزير أكثر السعاية إلى المقام الإمامي هو ومن يوافقه في هواه ويطابقه في اعتقاده من أعوان الدولة واستعانوا برسائل بعضها من علماء السوء، وبعضها من جماعة من المقصرين الذين يظنهم من لا خبرة له في عداد أهل(1/389)
العلم. وحاصل ما في تلك الرسائل إني قد أردت تبديل مذهب أهل البيت عليهم السلام، وأنه إذا لم يتدارك ذلك الخليفة بطل مذهب آبائه ونحو هذا من العبارات المفتراة والكلمات الخشنة والأكاذيب الملفقة. ولقد وقفت على رسالة منها لبعض أهل العلم ممن جمعني وإياه طلب العلم ونظمنا جميعاً عقد المودة وسابق الألفة فرأيته يقول فيها مخاطباً لإمام العصر: إن الذي ينبغي له ويجب عليه أن يأمر جماعة يكبسون منزلي ويهجمون مسكني، ويأخذون ما فيه من الكتب المتضمنة لما يوجب العقوبة من الاجتهادات المخالفة للمذهب، فلما وقفت على ذلك قضيت منه العجب، ولولا أن تلك الرسالة بخطه المعروف لديَّ لما صدقت، وفيها من هذا الزور والبهت الكلمات الفظيعة شيء كثير، وهي في نحو ثلاثة كراريس،وعند تحرير هذه الأحرف قد انتقم الله منه فشَّردَه أمام العصر إلى جزيرة من جزائر البحر مقروناً في السلاسل بجماعة من السوقة وأهل الحرف الدنيئة وأهلكه الله في تلك الجزيرة، ولا يظلم ربك أحداً) 1167.
المطلب الرابع: تشويه صورة الخصم بالإشاعات الكاذبة:(1/390)
هذا مسلك لأهل الباطل قديم، فأعداء الرسل قد استخدموه وقريش قد أكثرت منه لتشويه صورة النبي ( فقالت " ساحر " و"شاعر " و" مجنون " و: كذاب " و(إنما يعلمه بشر ( 1168 الخ تلك الألقاب الكاذبة والإشاعات المغرضة المضللة، ومازال ذلك شأنهم مع العلماء القائمين مقام النبي ( والوارثين له، وهو نفسه يتكرر مع علماء اليمن ودعاته كلما واجهوا جهّال ومنحرفي قومهم في سائر أنحاء اليمن، فأئمة التجديد قد عانوا أشد المعاناة من ذلك المسلك الظالم لدى خصومهم، وعبروا عنه بأساليب مختلفة، يقول العلامة الإمام محمد بن إبراهيم الوزير حاكياً ما لقيه من متعصبة عصره: (وإني لما تمسكت بعروة السنن الوثيقة، وسلكت سنن الطريقة العتيقة، تناولتني الألسنة البذيئة من أعداء السنة النبوية، ونسبوني إلى دعوى في العلم كبيرة، وأمور غير ذلك كثيرة حرصاً على ألا يُتَّبَع ما دعوت إليه من العمل بسنة سيد المرسلين والخلفاء الراشدين والسلف الصالحين، فصبرت على الأذى وعلمت أن الناس مازالوا هكذا:
ما سلم الله من بريته ولا نبي الهدى فكيف أنا) 1169
ثم جاء دور المقبلي ولقي من الأذى ما لقي حتى أنه حين قال بيته المشهور:
قبَّح الإلهُ مفرِّقاً بين الصحابة والقرابة
أجابه أحد غلاة الزيدية فقال:
أطرق كرا يامقبلي فلأنت أحقر من ذبابة
وقال الآخر:
المقبلي ناصبي أعمى الشقا بصره
فرق ما بين النبي وأخيه حيدره
لا تعجبوا من بغضه للعترة المطهرة
فأمه معرفة لكن أبوه نكره 1170
والبيت الأول فيه وقاحة وخسة، والأبيات الأخرى فيها قذف له ولأمه. وقد أعرب الإمام العلامة محمد بن إسماعيل عن ذلك وشكى منه أمر الشكوى قال في قصيدته النجدية:
وأقبح من كل ابتداع سمعته وأنكاه للقلب الموفق للرشد
مذاهب من رام الخلاف لبعضها يعض بأنياب الأساود والأسد
(5) يصب عليه سوط ذم وغيبة ويجفوه من قد كان يهواه عن عمد
ويعزى إليه كل مالا يقوله لتنقيصه عند التهامي والنجدي(1/391)
فيرميه أهل الرفض بالنصب فرية ويرميه أهل النصب بالرفض والجحد
وليس له ذنب سوى أنه غدا يتابع قول الله في الحل والعقد
ويتبع أقوال النبي محمد وهل غيره بالله في الشرع من يهدي
لئن عدّه الجهال ذنباً فحبذا به حبذا يوم انفرادي في لحديد 1171
وأما الشوكاني فقد جمع إلى همه هموم المتقدمين عليه، وشكى مما أصابه وأصابهم وحل به وبهم، وهو لاشك أصدق تعبيراً فالنائحة الثكلى ليست كالمستأجرة، وقد تقدم كلامه في المطلب الثالث فأرجع إلية
وعندما نشب الخلاف بين العلويين وأصحاب الإرشاد في إندونيسيا تفنن العلويون في تشويه سمعتهم وإطلاق الألقاب المنفرة عليهم فكان مما أطلقوا عليهم من ألقاب: (أنهم وهابيون، ونصارى، وأنهم يعملون ضد مصالح هولندا وإنجلترا والقعيطي والكثيري، وأنهم خوارج يبغضون أهل البيت) 1172.
وهذه عبارة مقتطعة من رسالة محمد بن أحمد المحضار إلى يافع في منطقة " يومي أيو " في إندونيسيا يقول أثناءها عن أحد الإرشاديين: (وصل عندكم باعشر العشير وحمار الحمير وخنزير الخنازير قطعوا حباله وصفعه بالنكير وخبث الحديد ما يصفيه إلا الكير وشنوا النكير) 1173. وقد وصفوهم في رسالتهم إلى شريف مكة بما يلي: (وينهون إلى مقامكم السامي أنها نجمت من مدة قريبة من الخوارج في هذه البلاد، عقيدتها بغض أهل البيت الطاهر وتحقير النبي ( وبث الدسائس وإيقاد الفتن، ولهم من النشرات الجمة ما يبين خبيث قصدهم)1174 هذه شذرات مما صدر عن القوم من تشويه وطعن لخصومهم.
المبحث الثالث
الردود الوارده على القبورية في كتب الفنون المختلفة
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: الردود على القبورية في كتب التاريخ:
إن جميع من له إدراك وفهم - ولوكان بسيطاً - يدرك بسهولة ضلالات القبورية وانحرافاتها، وقد تناثر نقد العلماء وردهم على تلك الضلالات والخرافات في ثنايا ماكتبوا من شتى الفنون، وأنقل إليك جملة مما ظفرت به من كلامهم:(1/392)
فمن المؤرخين القاضي العلامة محمد بن علي الأكوع رحمه الله يقول في مقدمة السلوك للجندي منتقداً عليه شدة ولوعه بتتبع الكرامات والزيارات ومايقال عن المقابر وما لها من فضائل: (ومؤرخنا رحمه الله ولوع بشدة وبشكل جدي وكبير بذكر كرامات الأولياء والمنامات والمرائي الخلابة التي هي أغرب من الخيال وتلحق بقسم المستحيل وبحديث خرافة.
وكان يصدر أحكامه بتلك الكرامات عن عقيدة راسخة لاتقبل الجدل والمناقشة وعن نفس مؤمنة بذلك خصوصاً إذا تلقاها عن الثقات فإنها تصير عنده من القطعيات.
والحق أن أكثرها بالخرافات أشبه وبخرق العادات اعلق،وبالبله السذج ألصق، لأن البعض منها يخرجها عن حد المعقول إلى حيز المحال والتجديف، على أنا لاننحي باللائمة على مؤرخنا الجندي الذي انساق وراء هذه العاطفة الروحانية الزايفة لأن الوسط الذي كان يعيش فيه الجندي كان ملغماً بهذه الخرافات،ومنغمساً في هذا الجو القدسي في نظرهم كما سبقه إلى هذا غيره، وسير الأئمة وغيرهم مليئة بهذه الحكايات.
خدعة الملوك:
ومما يستغرب أن الملوك والرؤساء انجرفوا وراء هذه الظاهرة ومع السواد الأعظم وفي هذا المسار كما يحكي لنا الجندي في بعدة مواقف عن ملوك عصره ومن قبلهم.
وأعتقد جازماً أن انسياق الملوك والرؤساء وراء هذه الروحانية الزائفة "خدعة سياسية" لاتمت إلى عقيدتهم بصلة،كيف لا وبعض الملوك مهزوز العقيدة مضطرب في الإلهيات. وإنما يقصدون من وراء ذلك تضليل العامة وجعلهم في متاهة الجهالات وحتى يبتعدوا عن تتبع مساوئ الحكام والبحث عن كبائر جرائمهم وقد يكون البعض منهم صادقاً في ذلك والله من وراء العلم.(1/393)
ويبدو أن هذه الظاهرة وهذه البلوى عمت جميع الأقطار الإسلامية، وما السيد البدوي والدسوقي والسيدة زينب وأضرابهم في القطر المصري والشيخ عبدالقادر الجيلاني والبسطامي وغيرهم في بغداد والنابلسي وابن عربي بالشام وقل في المغرب العربي وإفريقية المسلمة وإيران وغير ذلك إلا من هذا القبيل.
أما كرامة أولياء بلادنا اليمن الأعلى فهم الأولياء المسلحون الذين يحملون السيف والرمح ويجالدون على الإمامة ويقاتلون دونها، وذلك مثل الإمام الهادي والإمام أحمد بن الحسين صاحب ذي بين وسيل الليل أحمد حسن وغيرهم، والعجب أن تخرج من ثنايا هذا الصراع الدموي كرامات وعجائب وغرائب. وتعليل هذه الظاهرة والموجه العارمة التي نزلت في بلاد الإسلام، هو ابتعاد المسلمين عن روح الدين الحنيف الصحيح الذي جاء عن محمد بن عبدالله ( وأتباعه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وبما أدخله أعداء الإسلام من الشوائب والبدع التي صدأت جوهره الصافي النقي وولدت مثل هذه القضايا وكانت سبباً لتأخر المسلمين كما قيل.
وصدق رسول الله (((لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه))1175 هذا وليس هنا بسط القول عن هذه المسألة، فمن شاء معرفة ذلك فعليه بكتب ابن تيمية وكتب تلميذه ابن قيم الجوزية رحمهما الله تعالى، وفي كتاب الله جل شأنه مافيه مقنع، وحسبنا ذلك) 1176. وهكذا نرى هذا العلامة المؤرخ ينتقد هذه الظواهر، ويحللها، وبيبن موقف الحكام منها، ويربط بين تبنيهم لها وسياسة الملك التي يعمبلون على تثببيتها وأنهم ما جاروا القبورية إلا للاستفادة منهم في ذلك.(1/394)
المؤرخ الثاني: القاضي العلامة إسماعليل بن علي الأكوع وهو أخو القاضي محمد وقد تعرض للقبورية في عدة مواضع من كتابه "هجر العلم "منها ما في بيت الفقيه في ترجمة "أحمد بن موسى بن العجيل "حيث قال في معرض الترجمة: (وكان على قبره تابوت وقبة أزالهما الإمام أحمد بن الإمام يحيى حميد الدين سنة 1348هـ حينما كان ولياً للعهد بعد أن تغلب على معارضة قبيلة الزرانيق -التي كانت تعرف من قبل بالمعازبة - لامتداد نفوذ الإمام يحيى إلى بلادها، ودخولها تحت حكمه.كما أزال الإمام أحمد كذلك التابوت من على قبر أحمد بن علوان في يَفْرُس من ناحية جبل حبشي سنة 1362هـ لاعتقاد جهلة العامة في صاحبي القبرين الضر والنفع، وتالله لقد أحسن الإمام أحمد صنعاً في كلتا الحالين ولو أن يده امتدت إلى سائر القباب والتوابيت الأخرى التي يعتقد عامة الناس في أصحابها الضر والنفع لأجزل الله مثوبته وأحسن إليه، ولاسيما القبور التي يلتمس عندها العامة الخير والبركة، ويرجون منها النفع،ودفع الضر والشر)1177، ثم ذكر كلام الشوكاني في وصف قبة الإمام "أحمد بن الحسين " نقلاً عن الدر النضيد وتقدم ذلك النقل 1178، ثم ذكر رسالتين مهمتين لإمامين من أئمة الزيدية يأمران فيهما ببناء مشاهد على قبور بعض المقربين إليهما ثم قال حفظه الله: (وكان الواجب على الإمام أحمد هدم القبور التي يلتمس العامة منها الخير والبركة امتثالاً لأمر الرسول ( لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( بهدم القبور، كما ورد في صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال: " قال لي علي بن أبي طالب ( ألا أبعثك علىمابعثني عليه رسول الله ( أن لا أدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته "1179. وأفضل التشيع بالإمام علي رضي الله عنه الاقتداء به، والعمل بسيرته التي هي مقتبسة من سيرة المشرّع العظيم رسول الرحمة ( إذ لايكفي المحبة باللسان والمخالفة في العمل) 1180.(1/395)
وفي ذي الجنان "قرية أحمد بن علوان " قال في ترجمة ابن علوان: (وقد فتن به العامة في عهده وبعد وفاته وحتى اليوم فقبره مقصود للزيارة وكنت أعتقد أن افتتان الناس به إنما حدث بعد وفاته)1181، وبعد أن ذكر موضوعاً عن الزبيري وقصيدة له فيهدم قبر ابن علوان وستأتي إن شاء الله في موضعها ثم قال: (ولكن الأخ القاضي فضل بن علي الأرياني أطلعني على قصيدة لأحمد بن علوان تدل على أنه كان يدعي لنفسه أموراً خارقة للعادات، نذكرها هنا، ونذكر كذلك جواب الفقيه علي المقصري السرددي عليها ومن يطلع عليهما لا بد أن يحكم عليه بأنه كان يزعم لنفسه كرامات أختص بها وأن أتباع طريقته قد فتنوا به في حياته. نسأل الله الهداية والتوفيق إلى اتباع أحكام كتابه وسنة رسوله ( على الوجه الذي يرضاه)1182. وهذا كله يدل على توجه الرجل وحرصه على سلامة المعتقدة ومقته للقبورية والقبوريين.(1/396)
المؤرخ الثالث: الأستاذ صلاح البكري وهو من مؤرخي حضرموت المنتمين إلى جمعية الإرشاد بإندونيسيا وقد عنون في كتابه "تاريخ حضرموت السياسي" هذا العنوان " الخرافات " عدّد تحته الكثير من تلك الخرافات المتعلقة بالقبور وبالاعتقاد بالجن وتقديم ما يدفع شرهم من ذبائح أو كسر بيض على باب الدار لئلا يحتلها الجن وأبان من يقف وراء تلك الخرافات، ولا أطيل فهذا نص كلامه: (ولقد ابتنى بعض العلويين قباباً كثيرة لبعض موتاهم رحمهم الله، ووضعوا على أجداثهم التوابيت، ودعوا الناس لزيارتها، والتبرك بها، والتوسل إليها لقضاء الحاجات واستنزال البركات، وقد يوجد في القبة خزانة " تيحه " في داخلها إناءان: أحدهما للنقود والآخر للزيت الذي يقدمه المريض لطلب الشفاء، وأقرباء الميت هم الذين يتمتعون بهذه القرابين والنذور، وقد يبالغ بعض المرضى في الضلال فيأكلون قليلاً من تراب ذلك القبر لطلب الشفاء، وإني لأذكر أني حينما كنت في حضرموت وأنا يومئذ لم أبلغ سن الرشد أصبت بحمى، فذهبت إلى قبة المرحوم عمر بن محمد الهدار العلوي الواقعة على مقربة من حوطة أحمد ناصر،وأكلت قليلاً من تراب قبره ' وقبلت تابوته، وتوسلت إليه ليذهب الآلام، ويعيد إلي صحتي كاملة غير منقوصة، ووضعت في الخزانة أوقية وربعاً، وعدت إلى البيت وأنا أرتعد من حمى الورد، ومن حسن حظي أني في اليوم الثاني شفيت من مرضي، ولكن من سوء حظي أن ازداد اعتقادي في الهدار واعتمادي عليه من دون الله، فذهبت في الحال إلى السوق وابتعت رطلاً من زيت السمسم، ثم ذهبت إلى قبة الهدار، ووهبت له الزيت في الخزانة، وهكذا ذكرت صاحب القبة في السراء والضراء خفية وجهرة، وهو لاينفعني بشيء، ولم أذكر الله عزوجل، الذي هو أقرب إلي من حبل الوريد، وبيده كل شيء.(1/397)
ويوجد في الروحانيين وبوجه أخص في العلويين من يصنع التمائم والعزائم للمرضى وغيرهم من طلاب الحاجات، ويبالغ بعض الدجالين من أصحاب السلطة الروحية فيسقون المريض ماءً ممزوجاً ببزاقهم للشفاء، ويتجرع هذا المريض " المغفل " ذلك البزاق القذر، وهو مسرور كل السرور متوهماً أن الشفاء آت لاريب فيه.
وهناك كتب ألفت ورسائل دونت كان لها أثرها السيء في عقلية الشعب، وتسميم أفكاره،وإفساد عقيدته، وفي مقدمة هذه الكتب " المشرع الروي " لصاحبه الشيخ محمدبن أبي بكر الشلي المشحون بالكفريات والخزعبلات، ثم كتاب: " الجوهر الشفاف " وغيرهما.
ويقسم كثير من الناس بالأضرحة ويخافونها إذا حنثوا في أيمانهم أكثر مما يخافون الله، فقد يطلب المشتكي من خصمه أن يقسم على ضريح مقدس خيراً من أن يقسم بالله أو بالقرآن، ويعتقدون أن لتلك الأضرحة قوة الانتقام إذا كان المقسم حانثاً، وأهم الأضرحة التي يقسمون بها هي:
المكانالاسمالمكانالاسمعيناتالشيخ أبو بكر بن سالم العلويحوطة أحمد بن زينأحمد بن زين الحبشي العلويقيدونسعيد بن عيسى العموديتريمعبدالله العيدروس العلويبضةمعروف باجمالحوطة أحمد ناصرعمر بن محمد الهدار العلويالغرفةعيدروس بن عمر الجيشي العلويالمشهدعلي بن حسن العطاس العلويتريمعمر المحضار العلويذي أصبححسن بن صالح البحر العلوي
وفي زعمهم أنه إذا أراد الشخص أن يأتيه كساء من أبيه أو من أحد أقربائه المهاجره في جاوة أوفي غيرها، فما عليه إلا أن يذهب إلى إحدى القباب ويقطع جزءاً صغيراً من ثوبه، ويربطة باللعاب، ويقذف به في الحائط، ولا تمضي سنة إلا وقد نال مطلوبة ولذلك تظهر الحيطان في بعض القباب كأنها مغطاة بطبقة من الورق المزخرف أو زينت بنقوش مختلفة الألوان.(1/398)
وبعض المرضى وبالأخص إذا كان صغيراً يُطاف حوله حَمَل مراراً، ثم يقطع جزءً من أذنه ويعلقه في ذراع المريض، ويذبح ذلك الحمل ويوزع لحمه على الجيران بعد أن يأخذ الدجال الذي أشار لهم بتلك العملية جزءً كبيراً منه. وأول ما يعمله الشخص الذي يريد أن يبني بيتاً أن يدق أربعة أوتاد في البقعة التي سيبني فيها المنزل لطرد عين السوء،وذلك بعد أن أخذ رأي أحد الروحانيين، وعندما يتم بناء البيت يذبح حملاً على عتبته كما يفعل الفرنجة عند الاحتفال بإنزال السفينة لأول مرة في البحر بكسر زجاجة خمر، وفي بعض أجزاء حضرموت يذبح صاحب البيت شاة، ويأخذ من دمها بيده ويخضب الباب. وبعضهم في أثناء عملية البناء ويأكل البناؤون لحمها، ويريقون دمها على الحيطان، وعندما يدخل صاحب البيت لأول مرة يكسر بيضتين على عتبة الدار، وأخريين على الدرج، وأخريين عند الطابق العلوي) 1183(1/399)
والمؤرخ الرابع: الذي نستشهد ببعض كلامه هو الأستاذ كرامه سليمان بامؤمن صاحب كتاب" الفكر والمجتمع في حضرموت" وهو كتاب حديث تناول موضوعاً مهماً جداً وجانباً حساساً من جوانب الحياة في حضرموت،هو جانب الفكر مرتبطاً بالمجتمع،وقد كشف أسراراً وأبان مخبآت لم يرق للبعض ظهورها ولذلك فالكتاب ومؤلفه مستهدفان بالتشهير وهذا أقل ما يمكن أن أقوله،وإلا فيمكن أن يكون أكثر من التشهير، وإليك نموذجاً واحداً من ألصق ما ا حتوى عليه الكتاب بموضوعنا "القبورية " قال - حفظه الله - تحت عنوان"نقد الفكر الصوفي ماله وماعليه": (الإنسان كما أشرنا سابقاً مكون من جسم وروح لايفترقان إلا عند الموت. والتوازن بين نشاطهما هو مادعا إليه الإسلام. والتصوف جنوح نحو نشاط الروح مقتبساً فلسفته من ثقافات الأمم السابقة للإسلام، خاصة الثقافة المسيحية التي سنت الرهبنة والتنسك والخلوة في الكهوف والأديرة، وترك طيبات الحياة المباحة كعدم الزواج عند الرهبان والراهبات قال الله تعالى: ( وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها("الحديد: 27 "، والاعتدال في التصوف قولاً وعملاً والإلتزام بالكتاب والسنة دون تأويل ومغالاة لا يخرج المتصوف عن عقيدته التوحيدية وشريعته الإسلامية. وكم من هؤلاء الصوفية المستقيمين قد عرفهم العالم الإسلامي واليمن وحضرموت.وقد وقفوا في وجه الغلو والانحراف الصوفي واستنكروا ما صدر من المغالين من شذوذ وانحراف ومحذور قولاً وعملاً. ومما يعقّد مشكلة التصوف الضعف البشري أمام حالات مذهلة تتراءى للمتصوفة فتفقدهم توازنهم ولايثبت إلا الراسخون في العلم والعقيدة. ولاسيما أن كثيراً من مثل هذه الأحوال وخوارق العادات تحصل للبر والفاجر وللمسلم وغير المسلم. ناهيك عن أن للشيطان أحابيله لغواية الإنسان كما أن للعلم والسحر دورهما في كثير مما يصوره بعض الصوفية(1/400)
أنه كرامات كما تستغل الصدف والفراسة للإدعاء بالكرامات. ولا تقتصر الخطورة في غلو الصوفية وانحرافاتهم وشذوذهم، عليهم أنفسهم فحسب فهذه أمرها سهل ومحصور. وإنما الخطر كل الخطر في التأثير على الناس والمجتمع وخاصة على العوام والسذّج لأنهم أكثر فئات المجتمع تأثراً وانصياعاً لمؤثرات الفكر الصوفي المنحرف. ويجب أن ننظر إلى المتصوف وأحواله حالة خاصة به وحده. أما أن يجعل من أحواله وتصرفاته منهاجاً يقتدى بها - وأمامنا كتاب الله وسنة رسوله ( وهدي أصحاب رسول الله والتابعين ومن اهتدى بهديهم- فهذا مما يجب أن لا يكون ولايصح إطلاقاً أن نجزىء القرآن الكريم والحديث الشريف الصحيح إلى ظاهر للعامة وباطن للخاصة يؤلون معاني ألفاظ القرآن الكريم كما نزلت من عند الله على رسول الله (، وألفاظ السنة كما تحدث بها الرسول ( لعامة المسلمين ويطلقون عليها علوم الشريعة وفي تقديرنا إن أخطر وأوسع ثغرة فكرية تهدد بنيان الإسلام وتشوه عقيدة المسلم هو هذا المدخل في تجزئة القرآن الكريم والسنة إلى ظاهر وباطن وإلى شريعة وحقيقة. ولا تقف الخطورة عند تجزئة الإسلام إلى منهاجين وعلمين أحدهما للخاصة والآخر للعامة،بل تتعداها إلى تقسيم المجتمع الإسلامي إلى طبقتين أو فئتين اجتماعيتين هما فئة التعالي وهي فئة الخاصة المحدودة في المجتمع وفئة الأتباع- وهي فئة العامة العريضة في المجتمع -, ويتمادى التمييز الاجتماعي في غيه عندما تكون فئة الخاصة هي المدبرة والمسيرة لحياة ومعاش وسعادة فئة العامة من خلال سلطتها الروحية المطلقة التي يمثلها الديوان المصرفي وجهازه التنفيذي الهرمي اللذان تطرقنا إليه فيما سبق.(1/401)
وإذا رجعنا إلى آداب وتراث الفكر الصوفي الحضرمي؛ نجده مليئاً بحالات التصرف المطلق من قبل الأقطاب والأولياء والأحياء والأموات في حياة الناس من شفاء الأمراض، ورزق الأطفال، وغفران الذنوب، ورد الكوارث، وتأديب المتطاولين، وقتلهم أحياناً بالقدرة، واستئناف حياة الأموات من جديد واللقاء بالأحياء. يقول السيد علي بن حسن العطاس (من قام لله بالقدرة كلامه يتم). وهناك من يقول تأكيداً لمقولة العطاس هذه: (إن بعضهم كان يكلم الصوفي الشهير بدوعن الشيخ سعيد بن عيسى العمودي بعد موته ويشاوره). في أموره. كما يروي البعض الآخر أنه كان يخاطب الفقيه المقدم أمام قبره بل ويخرج الفقيه المقدم من قبره ليتناول مع زائره القهوة، ويتبادل أطراف الحديث.
إن عودة الروح مسألة قديمة وكان فراعنة مصر يعتقدون بعودة الروح إلى الجسد بعد الموت. ولهذا كانوا يهيئون مدافنهم كالأهرامات كل ما سيحتاجه الميت من أدوات ومأكولات وغيرها. ينما يروي لنا الرسول ( أن روح المؤمن بعد وفاته تُعَلَّق على1184 شجر الجنة ولا تعود إلى الجسد إلا عند البعث. وفي الواقع إن كيفية حياة الإنسان بين الموت والبعث وعلاقة الروح بالجسد وعذاب القبر ونعيمه، وتلاقي الأرواح هي من الغيبيات، ونكتفي بالتسليم بما جاء نصه في القرآن والحديث ولا نزيد. ويعلمنا الرسول ( أيضاً أنه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ورثه لعلماء ينفعون به الناس، وصدقة جارية تصدق بها قبل مماته، وابن صالح يدعو في حياته لأبيه الميت. إن التطرف في تمجيد الأولياء والأقطاب يؤذي الأولياء أنفسهم ويخرجهم عن بشريتهم. وقد تبرأ الرسول ( من الغلو في الدين. أو طلب شيء منه لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: (قل إنما أنا بشرمثلكم يوحى ألي أنما إلهكم إله واحد ( "الكهف -110")1185.(1/402)
ونقد المؤرخين لهذه العقائد والأعمال ليس مختصاً بمؤرخي أهل السنة والمعارضين للقبورية، ولكن بعض المؤرخين المحسوبين على القبوريين هم كذلك ينقدون هذه الأمور ويحذرون منها، وقد تقدم كلام المؤرخ العلوي علوي بن طاهر الحداد في مباحث الزيارات القبورية وقد كان شديد الانتقاد لهم مصرحاً بأن بعض تلك العقائد والأعمال هي كفر بالله تعالى فارجع إلى هناك 1186.
المطلب الثاني الٍردود على القبورية التي جاءت على ألسنة الشعراء:
وهذا الباب واسع جداً فقد تفنن الشعراء في الرد على القبورية من جوانبها المختلفة، فمن ناقد لبعض العقائد، ومن ناقد لبعض البدع والأعمال كالسماع ونحوه، ومنهم من ينتقد المتظاهرين بالولاية ممن هم في الحقيقة من المحتالين على خلق الله، ومنهم من يصف القبور المعظمة وما يفعل عندها من مناكر وضلالات، وهذه بعض تلك القصائد:
وأبدأ بشاعر من شعراء حضرموت وكبير من كبرائها العلامة الشاعر الصوفي المتشيع أبوبكر بن شهاب الدين العلوي المتوفى سنة (1341هـ)، وله قصيدتان الأولى في كشف مخاريق من يدعي الولاية ويتظاهر بمظاهرها ويتقمص لباسها، ثم من وراء ذلك يختل الغافلين ويصطاد أموال الجاهلين، بل ويتعدى الأمر إلى النساء ومايفعل تجاههن باسم الدين والولاية.
قال جامع ديوانه (وقال نفع الله به في وصف دجاجلة المتصوفة بزماننا:(1/403)
أو عالم يقضي بحكم فاصلهل للغرائب من حكيم عاقل في صورة البشر السوي الكاملأمِنَ الذئاب المُعط صنفٌ ناطقكلا بل المفتي أسير السائلأأقول: كلا والعيان مكذبيجعلوا التصوف صنعة للداجلمعط الذئاب الناطقات هم الأُلىصوفية مثل الفضيل الفاضلفترسموا برسومه كي يحسبوامشكاة نور الحق نار الباطليضعون للتمويه والتغرير فيوالطيلسان يدار فوق الكاهللبسو العبايا والمسابح والحبىمان التنسك خدعة للجاهل 1187والمظهرين البر والتقوى وإدمن لاعب أو شارب أو آكلو إذا خلوا عكفوا على شهواتهمحان السماع ورقصه المتداولهجروا كتاب الله واستغنوا بألأوتار تنعش كل قلب ذاهلزعماً بأن الطار والمزمار والذي مزهر أو زامر أو طابلأيقوم دين الله بالسفهاء منمرمى سوى جمع الحطام الزائلبئس الطوائف لا مرام لهم ولاتدرك غوائلها لغير الفاتلولهم حبائل لاجتلاب المال لمودهاتهم من كل صل صائلويطوف أطراف البلاد دعاتهمبيع المزاد ولو بشاة شائلممن يبيع ولايبالي دينهمع كل حاف يَحْفِدون وناعلفي كل واد لاتطيش سهامهمخهم الغوي ولو خرافة هازلويذيع كل ما افترى من نعت شيجنح الظلام وزهده في العاجلمن صومه وصلاته وقيامه(1/404)
وقعت ولا اتفقت لساحر بابليروون عنه خوارقاً للرسل ماحلفوا لسامع إفكهم والقابلولأجل نفي الريب مهما حدثوافي سلب ثروة كل غر غافلوهنالك الأستاذ يجهد فكرهع الصيد يبدو مكثباً للنابليترقب الفرص التي فيها قطيأفعالهم مستدرجاً للفاعليثني على أهل الثراء مصوباًمِ كذا وبكرٌ في الرعيل الواصلزيدٌ ربيعُ نَدى وعمروٌ في مقايحكيه من إلهام غيب نازلويشير رمزاً في الحديث بأن ماومشت عليهم حيلة المتحائلحتى إذا اعتقدوا علو مقامهساً للتبرك في المقر العائليغمروه جوداً واستزاروه التمايده الكريمة فوق بطن الحاملولمسحه رأس الصغير ووضعهجعل البخيل فريسة للباذلومتى تحكَّم مصلحاً في حالةفي القوم بهرة كل جمع حافلوتراه يصدع بالمواعظ خاطباًمتباكياً ليرق قلب الناكليملي زخارف زوره متأوهاًأخرى يندد باللئيم الباخلطوراً يرغب في الثواب وتارةملأىمن التبر الوفير الطائلوإذا رأى في الجمع من أكياسهمنهم تعوذ كل غول غائلأوحى إلى أحد الشياطين الأُلىوخ تنل به أقصى أماني الآملفيقول: يامسكين زر شيخ الشيجد وشغل بالعبادة شاغلوإذا أتى ألفاه في المحراب فيأدخل فأنت اليوم أسعد داخلويقال بعد الانتظار هنيهةً:بالانتشال من الحضيض السافلولك البشارة إن رزقت ولاءهلاً يابني ومرحباً بالواصلفإذا تقدم قال شيخ السوء أهري سر هذا الابتهاج الحاصلإني لرؤيتك ابتهجت ولست أدسر اتصال بالأواصر واغلفلعل في لوح السوابق بيننانيا على دعة ولطف شاملولعل حالك في أمور الدين والدتقوى به وتقيم ميل المائلإن كنت محتاجاً فخذ ما تبتغيك فنحن في كنف الرسول الكافللا تخشَ إملاقاً عليَّ ولا عليسحَراً أعرتني غفوة المتثاقلأعلمتَ أني بعد ختم وظيفتيتسماً يقول وكان أصدق قائلفرأيته صلى عليه الله مبورعايتي لمقيمكم والراحلأبشر فأنت وتابعوك بذمتية المعوزين وفي عظاة الجاهلنِب عن نبيك في مواساة العفامى والأيامى والفقير العائلجُد بالنوافل ما استطعت على اليتاحسنى ولم يعبأ بعذل العاذلخذ(1/405)
ما تشاء من امرىءٍ سبقت له الطول الحياة وفي الجنان مخالليوأنا الضمين لمن يعينك بالغنىممزوجة بزعاف سمٍّ قاتلفيصدِّق المسكين كاذبَ قصةلسداد ذي عوزٍ ورفد أراملفيشاطر الأستاذ خالص تبرهإبليس لم يطمع لها بمماثلولكَم لهم في السر غامض حيلةأبَتِ المروؤة شرحها للناقلولهم من الجنس اللطيف لطائفت فهم أشد بلادة من باقللكن على الأزواج عار المرسلاتعساً لهم من خائن ومخاتلهذي طرائقهم وهذا شأنهمإسلام أرباب السلوك العادلأفهكذا كانت طريق مشايخ الد الحبر والشبلي أو كالشاذليكالتستري وكالسري والكالجنيوسحائب الفيض العميم الهاطلكلا وحاشى بل هم عمد الهدىبربهم من كل بر عاملالزاهدون المتقون العارفونحضراتهم وخصومهم في الآجلوهم البراء من الأُلى كذبواعلىذ من انتقامك والعذاب الهائلفإليك ربي المشتكى وبك العياق الحق واصفح عن خطايا الخاطلواسمح بإرشاد الجميع إلى طريوالمرتضى تعداد طش الوابلوتغش بالرحمات روح المصطفىوبنيهما مدد الوجود الشاملضاعف صلاتك والسلام عليهماش الشرك واندرست رسوم الباطلوالصحب من بسيوفهم ثلت عرووأناب عبد في العتيم الحائل)1188ما تاب ذو خطأٍ وآب مفرطوهذه القصيدة تجسد حال الكثير ممن يدعي الولاية على امتداد الأرض اليمنية، بل على امتداد البلاد الإسلامية وللأسف الشديد، وهؤلاء لاشك يخرجون من تحت عباءة المتصوفة والشيعة القبورية.
وهناك قصيدة أخرى لهذا الشاعر في نفس المعنى أضيفها هنا.
قال جامع ديوانه:(وقال نفع الله به:
العلم والمجد رضيعا لبان والجهل يرمي ربّه بالهوان
لايدعي العلم امرؤ جاهل يخاف أن يفضحه الامتحان(1/406)
و إن جرى البحث الشرودُ الجبانُفهو لدى أشكاله باسلالعلم نور مشرق في الجنانبلى يقول الجاهل المدعيفي القلب لا لقلقة باللسانالعلم سر الله إلهامهكتب وللأحكام فيه البيانالعلم إما ظاهر وهو في الوهو لديهم واجب أن يصانأو باطن يعرفه أهلهفي أشرف القسمين رب العنانيومي بما يملي إلي أنهبمثل هذا فالأمان الأمانوقد علت أصوات أمثالهغوغاء شكوى من رماه الزماننشكو إلى الرحمن من هذه الء قارىء همساً وذي طيلسانمن ماكر ذي سبحة أو مرايلفظ بالقول الكثير المعانورامز بالغيب في حيلةفي الرمي لايصطاد إلا السمانرواد صيد كلهم حاذقكشف وتزوير المرائي الحسانشباكهم دعوى الكرامات والوذاك يستخبره بالعيانهذا يرى المختار في نومهيحضر في كل مكان وآنكأنه من بعض أتباعهمموتى شقي أو سعيد فلانومنهم المخبر عن برزخ الجماعة رجلاه مصفرتانوقد أراني الله شيخاً لهوطء حشيش الجنة الزعفرانفقلت: ماذا نابه؟ قيل: منوجمعهم للمال من حيث كانأف لقوم همهم كيدهميسكر من يشرب خمر الدنانبالمال تلقاهم سكارى كمامُثْرٍ رأوا تطهيره بالختانإن أحسن الظن بتلبيسهممستقبل الدارين يعطي الضمانمن كل ما الإنسان يخشاه منباعوه في الدنيا قصور الجنانوإن رأوا في عقله خفةًفظنه البله ثمين الجمانوكم وكم قد موهوا زائفاًع الغوث والمفزع والمستعانيارب يامنان أنت السريإخلاص والإعراض عن كل فان
ـل المكر والتدليس كيلا يهان
قلوبنا اغسل كل ريب وران
من أشرقت من نوره الخافقان
أمالت الريح الغصون اللدان)1189وفق رجال الدين للصدق والـ
ونزه الإسلام عن غش أهـ
واغفر ذنوب الكل واصفح ومن وصل أزكىماتصلي على
والآل أهل المجد والصحب ما(1/407)
وللشاعر الأديب والعالم الثبت - مفتي حضرموت في زمانه والشاعر المبرز على أقرانه العلامة عبدالرحمن ابن عبيدالله السقاف - نقد لاذع وبيان ساطع في نقد دجاجلة الصوفية والمتاجرين بالولاية حسب تعبيره، إليك بعضاً منه وهو مقدمته لإحدى قصائده في الموضوع: (وقد اتفق لي في شرخ الشباب أن أفضت في درسي كجاري عادتي في النعي على الخرافيين وتفنيد مزاعمهم وأنكرت قول بعضهم: إن أتان الفقيه المقدّم - قدّس سره - كانت تعرج الى السماء وتأتي بخبرها طرفي النهار، مع أن البراق لا يقدر على ذلك، فلو أنها حضرت ليلة المعراج لأغنت عنه؛ لأن البراق لم يجاوز إيلياء على الأصح، وقول بعض آخر عن بعض العلويين: إنه كانت له زوجة شريفة مضى لحملها ستة أشهر فتزوج فلاحة، فنشزت الشريفة؛ فخيرها بين الرجوع أو يأخذ الحمل من بطنها إلى بطن الفلاحة، ولما أصرت فعل ما تهدَّدها به، وولدت الأخيرة لثلاثة أشهر من حين الدخول! وقول آخر أن أحد الأولياء مات عن زوجة صالحة من غير ولد فاشتد حزن تلك الصالحة وعظم وجدها عليه فكان يتردد عليها من ضريحه حتى أحَبَلها بعد موته، فجاءت بولد نسبوه إليه.!
وطالما أنكرتُ مثل هذه الأضاليل التي لها يتذمر الإسلام، وتنتكس الأعلام، وتكل عن عد شرها الأقلام، فما حصلتُ إلا على الملام، وذلك هو الذي استغرق جهدهم في تشويه سمعتي والتمضمض بعرضي والتقول عليّ والسعاية بي - لولا وقاية الله.(1/408)
ومع هذا فلا يتظنّى امرؤ أني أحط من مراتب الأولياء السامية، أو أغمط من فضائلهم النامية، كلا والله فانني أتبرك بمواطئ أقدامهم وأتشرف بأن أعدّ في جملة خدّامهم، وبحمد الله قد حصل لي الحظ الأوفى من اعتنائهم، والنصيب الأكبر من صدق ولائهم، أولئك الذين لا اعتراض للشرع عليهم بحال. ولا للنقد في طريقهم أبداً مجال، ومن زعم أن بين الشريعة والحقيقة تخالفاً وقع في الضلال، وقد قال الشعراني سمعت المرصفي يقول: لا يكمل الرجل في مقام العلم والمعرفة حتى يرى الحقيقة مؤيدة للشريعة وأن التصوف ليس بأمر زائد على السنة المحمدية وإنما هو عينها، وقال سمعت الخواص يقول مراراً: ومن ظن أن الحقيقة تخالف الشريعة أوعكسه فقد جهل. انتهى.
وجاء عن غير واحد من العارفين أن الطرق إلى الله تعالى مسدودة إلا على من اقتفى أثر الرسول (، وقال: إذا رأيتم الرجل يطير في الهواء وقد أخلّ بحكم واحد من الشريعة فقولوا إنه زنديق، والأدلة في هذا عن الصوفية فضلاً عمن سواهم من الفقهاء لا يضبطها الحصر.
ولئن اشترط القشيري الحفظ للأولياء فالعصمة بالاتفاق لا تكون إلا للأنبياء، وقد أثر عن إمام دار الهجرة أنه كان دائماً يقول: كل يؤخذ من كلامه ويترك إلا صاحب هذا القبر الأعطر.
ويعجبني من الآلوسي تأويله ما ذكره ابن عربي " الطائي" من حياة أربعة من الأنبياء وأنهم لايزالون في الأرض وقوله بعد ذلك ما معناه: حسب الشيخ منا أن نؤول كلامه حتى يتفق مع كلام الله تعالى وكلام رسوله ( وأما العكس فمما لا سبيل إليه إذ الدين يصير بذلك لعبة لعّاب انتهى بمعناه)1190.
وقال في القصدة الرابعة عشرة: (وهذه في وصف بعض حال المموِّهين ووجوب الاعتماد على والإطراح لما عداها.(1/409)
كأن ما فيه من درّ الكمال حصىسوق الفضيلة في أيامنا رخصانمته أم حصان كابد الغصصالا حظّ إلا لأبناء السفاح ومنيلقون من قلة الأحرار والخلصاما زالت الناس قبلي يشتكون لماولم أجد غير وحش تلبس القمصاواليوم أطلب إنسان فأعوزنيأم لا فإشكال هذا الأمر قد عوصافهل حقيقة هذا الجيل ثابتةوالخير فيه على أعقابه نكصاما للزمان قد استشرى الفساد بهتفرح بآت ولا تحزن لمن شخصاغنيمة المرء بعد الناس عنه فلافكم تنسك دجال ليقتنصاولا يغرّك زي النسك من أحدكأنه الرّوق لكن في امتداد عصايمشي الهوينا بشئ في عمامتهرقطاء يغوي بها من عقله نقصاكأنما هو حاو لا تفارقهبذكرهم من صغار الأنفس الفرصامموّه يذكر الأخيار منتهزاًوربما اختلق الأخبار والقصصايروي غريب كرامات بلا سندديناً قويماًمن الأوهام قد خلصاخلوا الخرافات والأحلام إن لنالكن عزائم صدق مازجت رخصاما في شريعتنا وهم ولا شبهمن حاد عنها ولو قيد البنان عصىوهذه سيرة الهادي وسنتهأهل النهى قد غدا من حبه قفصاخير النبيين من شباكه لنهىغنّى الحمام وما بان النّقا رقصاله وللمرتضى منّا التحية ماانضى الدليل بأنواعه الحدا القلصا)1191وما هدي الركب بالريح النسيم وما
الأستاذ الزبيري:
وللأستاذ الشاعر محمد محمود الزبيري مشاركة في نقد القبورية قالها حينما أمر الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين بإزالة قبر ابن علوان وتسويته ونقل رفاته إلى مكان مجهول، فأهتبل الزبيري هذه الفرصة وأنشأ قصيدة طويلة مدح الإمام فيها ببيتين أو ثلاثة ثم أخذ في نقد القبورية فقال:(1/410)
أو باعثاً أمماً أو هادماً صنما(كذلك المجد إما رافعاً علماًمالو رأى جده المختار لابتسمايا من يجدد من آثار أمتهوضعت فيه ذباب السيف فالتأماجرح على كبد الإسلام متسعبأن من دينها أن تعبد الوهماخديعة للجماهير التي زعمتينهى ويأمر أنى شاء محتكماقالوا له كتب في القبر يكتبهاأم أنه اتخذ القرطاس والقلمافليت شعري أسحر ذاك يزعمهعرشاً يدبر فيه اللوح والأمما1192أم أنه اتخذ القبر المقيم بهيسعى بأكفانه للعرش مستلماكاد ابن علوان إذ بَرَّدتَ مضجعهما كان وصاهم فيها ولا علمايشكو إليك أناساً أحدثوا بدعاهول السؤال يخاف الويل والنقماجاؤوه وهو رهين القبر منتظرٌوقتاً تضيع فيه الألسن الكلمايعتد منطقه كي يستجاب لهصغيرةً فيه فيما قال أو زعمافبينما هو يخشى هفوةً سلفتجهراً وتجعله رباً، وإن رغماإذا به يجد الدهماء تعبدهوبقرع السن من أعدائه ندمافظل يرجف من خوف ومن خجلإليه لو أنه أحيى له قدمافكاد يهرب من مولاه معتذراًوكيف أرضى ربي عندك التهماربّاه، إنيَ لم أرض الذي صنعوا!!إليك صيّرني أهل الهوى صنماقد عشت عبداً فلما آن منقلبيترسموا الدين والآيات والحكماما كان أخلص توحيدي لو أنهمعبادتي دون من أولاهم النعماوكيف تخلق حلقاً ثم أسألهمقهار تأخذ من ناواك واجترماوكيف أطلب حقاً أنت مالكه الأفلاك والشمس والأقمار والديماوكيف أجعل نفسي ندّ من خلق الللموت طعماً ولا ذاقت له ألمالو كنت أدفع عن نفسي لما وجدتبين التراب وصارت جيفة ودمالو كنت أزعمها رباً لما دفنتبه الأناجيل والقرآن والحكماما كنت آمرهم إلاّ بما أمرتوكنت أزجر من ثنّى ومن ظلمامادمت فيهم فقد كنت الشهيد لهمما يصنعون، وكنت الشاهد الحكمالما توفيتني كنت الرقيب علىنفسي وأعدل من جارى ومن حكما)1193وأنت أعلم من نفسي بما صنعت(1/411)
وقد أطال الزبيري الاعتذار عن ابن علوان وأنه غير راض عما يعمله الناس عند قبره، ولكن القاضي الأكوع كما سبق في المطلب الذي قبل هذا قد صرّح أنه وجد من كلام ابن علوان نفسه ما يدل على افتتان الناس به في حياته وادعائه تلك الخوارق التي تحمل الناس على التعلق به، وهذا شأن كثير من أقطاب الصوفية.
وفي نفس الحادث يقول الشاعر المناضل زيد الموشكي:
وهذه "يفرس " والمنكر(ياعين هذا الصنم الأكبر يعبده العالم لا يفترهذا ابن علوان وذا قبره وقد يفوق الأول الآخر)1194ياعين هذا هبل آخر
وأما علي أحمد باكثير الشاعر الكبير والأديب الشهير ففي مسرحيته " همام، أو في بلاد الأحقاف " قد شخص لنا الولي " ولي الله" الذي عرفه مجتمعه الحضرمي تلك الحقبة من الزمن الذي لم يبق علم ولا تصوف كما يصرح بذلك جمع من عقلاء تلك البلاد في ذلك الزمن، وإنما رسوم ومظاهر وراءها نفوس فارغة من الصلاح، وقلوب خاوية من الإيمان،وعقول مردت على الكيد والاحتيال،وياليت القوم كانوا عصابة سرقةٍ أو قطعِ طريق أو شبه عصابات " المافيا " إذن لهان الأمر إذ يوجد ذلك في كل مكان، ويأخذ الناس حذرهم منهم،وتتحمل السلطات مسؤولية ملاحقتهم، ولكن باسم الدين وباسم الولاية وباسم الكرامات هذا ما لا يطيقه مسلم عرف الإسلام، لذلك جاء نقد الأديب باكثير عنيفاً وفي صورة صارخة من السخرية والهزء بهذا النوع من الناس فاسمعه يصف الولي المحتال:(1/412)
ة والأردية الخضر!(ولي الله ذو الحبوقد أربى على الشبر!1195وذو والعمَّة المسواكق في التسبيح والذكرورب السبحة الغارولا يذكر في السربها يذكر في الناسمن أتباعه الكُثرومن يمشي بعكازينض كالباحث عن سر)1196يطأطىء رأسه للأر وبعد أن كشف باكثير عن شخصية الولي الحي الذي يعتقد الناس فيه الصلاح وهو يمكر بهم ويحتال عليهم، يتجه اتجاهاً آخر إلى ولي ميت وماذا يدور حول قبره وأثناء زيارته، وماذا يريد الناس منه، ثم ختم المشهد بغضب همام وثورته على هذه الخرافات وهذا الجهل والتجهيل،وقد صرح بذلك في وجه داعية الخرافة:
فهذا همام بطل المسرحية يسأل محمداً أحد أشخاصها قائلاً:(1/413)
ن ماذا كان من أمر؟(محمد هات عن قيدومن عرف ومن نكر؟وما شاهدت في الموسموالتذكير والزجر؟وهل وفقت في الإنكارفيجيبه محمد:إلى قيدون كالذرتوافى الناس أفواجاًًومن راكبة الحمرفمِن سا عِيَة تمشيتحاكي ساحة الحشرهناك الساحة الكبرىومن لغو ومن هذربها ما شئت من لهومن الآساد والعفر!وقد غصت بأشتاتوالأبراد والخمرالحليةتبارت ثم فيأو بالنظر السحري!!ــــموقد يقتلن بالمعصإلى منبلج الفجر!من الظهر إلى العصروحسب الناس من خسرهناك الخسر في الدينزيارات سوى التجرولا يربح في تلك الفهو الرابح المثري!وأما سادن القبةس من حب ومن تمرتساق لداره الأكياع من ورق ومن تبر!و " للصندوق " ما يبا*تداعوا كضحى النفرولما حضر الوقتخ بالطبل وبالزمروأمُّوا نحو قبر الشيجئناك إلى القبر!يصيحون ولي اللهعنّا ثقل الوزرأتيناك لكي تحملعلينا ضافي الستروكي تسبل ياقطببها ياسيدي تدري!وفي الأنفس حاجاتونحظى منك بالسرأتيناك لكي تقضى*داروا دورة الحمرولما وصلوا القبةعِ في التابوت بالنقروأهوت راح ذاك الجميصيب السمع بالوقرفلا تسمع إلاَّ مافي الإخبات والذكر!الناسهناك الناس غيروهذا دمعه يجريفهذا خاضع شاكتستعصي علىالصدر!وهذا ينشج النشجةة في أعضائه تسري!وهذا يرعد الرعدوهذا جاء بالنذروهذا ينذر النذرعطفاً على فقريسيديوهذا صائح ياعلى ضعفي على ضريعلى عجزي وإهماليبالزينة والستروقدجُلِّلَت القبةر علقت على الجدر!وبيضات من البلوإلى زرق إلى خضرفمن حمر إلى صفرمثل الكوكب الدريومصباح كبير الضوءجلال العتق والقدر1197وللتابوت معنى منفي مختلف العصر!قد اسود من التقبيلفي أسود كالحبرضةعليه ضبب الفج إذ تضحك من أمر!فتبدو كثغور الزنبالثغر وبالنحرالتقبيلفثم الضم ووالجارية البكرالشابتلاقى فيه دمعا*سكون الموج في البحرولما سكن الجمعشقاشق فيهم هدرتراءى الناس شيخاً ذانأوا بالفوز والنصرينادي أيها الناس إهبنيل الفضل والفخربهذي النعمة العظمىوذي جود وذي برقصدتم باب ذي عطفمن(1/414)
زار بلا أجر!وأنَّ الشيخ لا يتركفي السر وفي الجهرالقصدعليكم بخلوصب والخدمة والصبروبالتسليم للأقطان بالصوفية الغروإيّاكم وسوء الظمناط النهي والأمرفأهل الله هم جازواف في البر وفي البحرملوك لهم التصر يـ*تبا شير من الكفر1198سمعنا أن في (حدرى)بلاه الله من غّر!تصدى ناشيء غرق إذ يعنون بالشعريربي الشعر كالفسام مازاد على القدرتلقى من فنون العلوجاء النفع بالضرفأغواه وأرداهحميم الأدب المزريومن شقوته استحلى
ــأُ بالتهديد والزجرجرى القلب لايعبل والعلامة الحبريبث السم في الجا هب أهل المدد السري!يسيء الظن بالأقطاهم يدعو إلى الشرله أتباع سوء كلـ*بي الواسع من صدريهنا قمت وقد ضاقءِ في عسكرها المجروما باليت بالغوغاءِ يا داعية النكروقلت اسكت عجوز السوح! هل تهذي ولا تدري؟عدو الله والإصلاوتهجو داعي الخيرأتدعو الناس للنكرفذا من شيعة الغرفصا ح الشيخ غولوهمن الجمهور بالفرفلولا أن تسللتجتي بالضرب والدفر 1199لكانوا أعدموني مهـ*همام يضحك ويقوم إ لى محمد ويضرب على كتفيه:وقاك الله من شرحماك الله من سوءيوازي عظمة شكريلقد قمت مقاماً لاح من عزم ومن صبر!)1200ولا بد لذي الإصلا
هذه بعض القصائد في نقد القبورية العامة، وهناك قصائد أخرى كثيرة في هذا الباب ولكنني أكتفي بما سبق لئلا يطول هذا المطلب.
المطلب الثالث نقول عن بعض من يعتقدهم القبورية في نقد عقائدهم وأعمالهم:
الباطل لايمكن الإجماع عليه لأنه لو حصل ذلك للبَّس على الناس دينهم ولبطلت خصيصة من خصائص هذه الأمة، وهو أنها " لا تجتمع على ضلالة "، فالطائفة المنصورة دائماً ظاهرة في مخالفة الباطل وإنكار المنكر في أي جانب كان.(1/415)
وفوق ذلك فإن من المحبين لأهل الباطل الواثقين بهم المقلدين لهم من هو من أهل الخير والصلاح، ولو رجع إلى نفسه ودرس الأمر بعيداً عن المؤثرات لميز الحق من الباطل ولظهر له خطأ كثير مما استصوبه أصحابه، فلذلك عندما تتاح لهذا النوع من الناس تلك السوانح فإنهم يقتنصونها وتظهر على أقوالهم وأفعالهم، وهناك من هو متمكن في الضلال ولكن يأبى الله إلا أن يجري كلمة الحق على لسانه أو قلمه، فمن أجل ذلك كله عقد هذا المطلب لإيراد نماذج من تلك الفتاوى والتقريرات التي وردت إما من القبورية أو ممن هو محسوب من أنصارهم وأتباعهم من علماء وفقهاء اليمن، ولن أخوض في نوايا أولئك الناس أو أحكم عليهم بضلال أو هداية، إذ المقصود هنا فقط هو تأييد الحق الذي يعرفه أهل السنة، ويقررونه ويستدلون عليه بالأدلة الشرعية المعتمدة بما يقوله من يحسب القبورية أنه منهم أو من أنصارهم وأشياعهم.
النموذج الأول:
فتوى السيد عبدالله بن محفوظ الحداد مفتي ساحل حضرموت في زمنه 1201 إذ سأله بعض أهالي تريم عن الاستغاثة بالأموات: وماحكم تلفظ القائل عند حدوث مكروه،مثل سقوط طفل: يالله ياشيخ سعيد أو يالله يامحضار، وأحياناً يقول: يامحضار احضر..... الخ.(1/416)
فأجاب: (الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد، إن مثل هذه العبارات من العبارات الشركية التي يجب على المسلم أن يتنزه عنها. فقد قال الرسول ( لمن قال: ماشاء الله وشئت: "أجعلتني لله نداً " وهذه الاستغاثات ممنوعة لأنها موهمة وتؤدي إلى خلل في العقيدة خصوصاً العامي الذي يعتقد أن لهؤلاء الأولياء تصرفاً وأنهم يحضرون عند الاستغاثه بهم - وإنما يستغاث بـ الله جل جلاله - لا بغيره من الملائكة أو الرسل أو الأولياء والصالحين فكل مما يجب منعه ومحاربته. ومع الأسف فإن هذه الألفاظ يكررها العوام، والعلماء يسمعون فلا ينهونهم ولا ينبهونهم على خطرها لأنها تتصل بالعقيدة. فالله هو النافع الضار المحيي المميت مالك الملك لاشريك له، ليس لأحد معه شرك ولا تصرف.
قال في " بغية المسترشدين ": " مسألة ك 1202" جعل الوسائط بين العبد وربه فإن صار يدعوهم كما يدعو الله في الأمور ويعتقد تأثيرهم في شيء من دون الله فهو كفر، وإن كان نيته التوسل بهم إلى الله في قضاء مهماته مع الاعتقاد أن الله هو النافع الضار المؤثر في الأمور دون غيره، فالظاهر عدم كفره وإن كان فعله قبيحاً أ.هـ.(1/417)
قلت: فإن قوله الظاهر عدم كفره أن ذلك حرام لأنه يؤدي إلى الكفر خصوصاً من العوام الذين أصبحوا يعلنون مثل ذلك في كلامهم وحتى عند الجنائز - فأهل السوق يقولون: يامحضار، وأهل النويدره يقولون: ياشهاب الدين - وهذا إن لم يكن كفراً صريحاً فهو قريب منه، ويجب على العلماء التنبيه عليه والتحذير منه ومنع إعلانه في المجتمعات كالجنائز ونحوها من الحريق وغيره، وليأخذوا بالسبيل القويم الأسلم. وإذا كنا نعذر بعض العلماء مما ورد في أشعارهم لأنهم علماء يعلمون مايقولون فإذا نادى ميتاً فإنما لأجل مدحه لا للاستغاثة به. وإن كان فيه استغاثة حملناه على المحمل السليم لعلمه، أما أن نترك العامة يأخذون الألفاظ ويعلنونها كأنها من الأذكار فهذا مالا يجوز قطعاً. والساكت عن الحق شيطان أخرس. والله المستعان) 1203.
ولما انتشرت هذه الفتوى ومضت مدة لانتشارها شكك البعض فيها فعاد أحد طلابه إليه وذكر له ذلك فأصر على صواب تلك الفتوى، وأصدر فتوى أخرى فرق فيها بين الاستغاثة التي يحرمها ويعتبرها من الشرك وبين التوسل المعروف بالأولياء بأشخاصهم أو بأعمالهم وهو ممن يجيز التوسل، وهذا نص الفتوى الثانية:(إن المتوسل متوجه بطلبه إلى الله، وذكر المتوسل به على سبيل التحبب، وأما الاستغاثة فيمكن اعتبارها توسلاً ظنياً لمن يفهم وينوي طلب الدعاء، وإلاّ فإنها ممنوعة وبالذات للعوام الذين قد يعتقدون في المستغاث به القدرة على تحقيقها استقلالاً، ولهذا فهي محرمة على العوام وعلى إظهارها الفتوى بها، ونعذر العلماء الذين جاءت في أشعارهم لعلمنا بصحة عقيدتهم وأنهم إنما يقصدون التوسل بالمستغاث به وطلب دعائه) 1204.(1/418)
وهذه الفتوى وسابقتها للعلامة الحداد لم تصل إلى المستوى المطلوب أو لم تخلُ من بعض المآخذ ولكن المراد من إثباتها هنا إثبات أن مبدأ اعتبار الاستغاثة بغير الله شرك شائع ومعروف عند كل من خلع ربقة الهوى والتقليد ومن تعصب بدون بصيرة، وإن اختلفت العبارات وتفاوت مستوى التحقيق والتدقيق في الفتاوى.
ويقرب من ذلك ما قرره العلامة عبدالله بن أحمد باسودان - رحمه الله - وهو من أكابر فقهاء حضرموت في وقته، ومن المنطوين في السادة العلويين؛ بل يعتبر شيخاً للكثير منهم في كتابه "ذخيرة العباد شرح راتب الحداد " (وقد فشت في العامة اعتقادات فاسدة في أولياء الله، فإن مرضوا، قالوا: هذا صدر من فلان، وإن شفوا؛ قالوا: بركة سيدي فلان، فلما اعتقدوا ضرهم ونفعهم؛ حلفوا بهم ونذروا لهم من دون الله، واستشفوا بهم من دون الله، فإن أجرى الله سبحانه الوادي؛ قالوا: شيء لله يافلان، وإن قبض الله عليهم المطر؛ قالوا: قبضها فلان.. والله سبحانه القابض الباسط المحيي المميت وكل شيء بيده في ملك ملكوت، ولو ذهبنا لما في الكتاب والسنة من التحذير في ذلك لعرف الناس أنهم قد هلكوا، وأكثر هؤلاء بل كلهم أتباع الدجال نعوذ بالله من الضلال، ويقع من هؤلاء في زيارة قبور الأولياء أو غيرهم كثيرٌ من الجهالات والمآثم المتكررة، هذا ما قاله الشيخ عبدالخالق المزجاجي الزبيدي.) 1205.
والمهم في هذا النقل قوله: (فلما اعتقدوا ضرهم ونفعهم حلفوا بهم ونذروا لهم من دون الله واستشفوا بهم من دون الله)، وهذا هو الرد الحاسم على المزايدين من المعاصرين، الذين يقولون: إن تلك الأفعال التي يفعلها العامة 1206 إنما هي مجرد أعمال لاتقوم على اعتقاد ضر ولانفع، ولو صح أن هناك اعتقاد ضر أو نفع لقلنا بشركهم، فهذا العالم الذي تعتبرونه من أجل علمائكم يصرح بأن هذه الأعمال ما صدرت إلا عن اعتقاد.(1/419)
أما نحن فنقول: إن مجرد فعل هذه الأعمال وصرفها لغير الله شرك ولولم يصحبه اعتقاد وانظر ما قرره الإمام الشوكاني رحمه الله في هذه المسألة في الدر النضيد. 1207
ويشبه ذلك - أيضاً - ما نقله علوي بن طاهر الحداد عن " الإمام " الحداد المشهور " عبدالله بن علوي " حيث قال: (وأما الغلو في الأولياء فسببه الجهل وقلة المعرفة بعقائد الدين وقد ينتهي ببعض الناس إلى أن يثبت لهم القدرة على الضر والنفع كما يثبت لله عزوجل، وهذا انتكاس على أم الرأس وفقد لحقيقة الإيمان والإسلام: قال الإمام العارف بالله محيي الطريق وداعي الفريق الحبيب عبدالله بن علوي الحداد العلوي: التصرف الحقيقي الذي هو التأثير والخلق والإيجاد لله تعالى وحده لاشريك له ولا تأثير للولي ولا غيره في شي قط لاحياً ولاميتاً، فمن اعتقد أن للولي أو غيره تأثيراً في شيء فهو كافر بالله تعالى انتهى). 1208
وهو كالذي قبله يثبت أن للعامة اعتقاداً منحرفاً في الأولياء بفقد حقيقة الإيمان والإسلام وأن (من اعتقد أن للولي أوغيره تأثيراً في شيء فهو كافر بالله تعالى)(1/420)
وفي مسألة الذبح لغير الله قال العلامة عبدالرحمن المشهور في "بغية المسترشدين " " مسألة ب"1209: (القنيص المعروف بحضرموت من أكبر البدع المنكرات والدواهي المخزيات، لكونه خارجاً عن مطلوبات الشرع، ولم يكن في زمن سيد المرسلين والصحابة والتابعين ( أجمعين، ومن بعدهم من الأئمة ولم يرجع إلى أساس ولم يبن على قياس، بل من تسويلات الرجيم وتهويسات ذي الفعل الذميم والعقل الغير المستقيم؛ لأن من عاداتهم أنه إذا امتنع عليهم قتل الصيد قالوا: بكم ذيم. 1210 فيذبحون رأس غنم على الطوع - يعني العود الذي تمسك به الشبكة - تطهيراً للقنيص من كل شك ووسواس فالذبح على هذه الصفة لايعجل قتل مالم يَحْضُر أجله، إذ الأجل كالرزق والسعادة والشقاوة له حدّ ووقت مقدر كما قال تعالى: ( لكل أجل كتاب ( 1211، وفي الحديث: " فرغ الله من أربع: من الخلق والأجل والرزق والخلق " ثم الذبح علىمثل هذه الحالة يتنوع إلى ثلاثة أمور: إما أن يقصد به التقرب إلى ربه، ولم يشرك معه أحداً من الخلق، طامعاً في رضاه وقربه وهذا حسن لابأس به، وإما أن يقصد به التقرب لغير الله تعالى كما يتقرب إليه معظماً له كتعظيم الله كالذبح المذكور بتقدير كونه شيئاً يتقرب إليه ويعول في زوال الذيم عليه فهذا كفر والذبيحة ميتة، وإما أن لا يقصد ذا ولا ذا بل يذبحه على نحو الطوع معتقداً أن ذلك الذبح على تلك الكيفية مزيل للمانع المذكور، من غير اعتقاد أمر آخر فهذا ليس بكفر ولكنه حرام والمذبوح ميتة أيضاً وهذا هو الذي يظهر من حال العوام؛ كما عرف بالاستقراء من أفعالهم، كما مقت هذه الصور الثلاث أبو مخرمة فيمن يذبح للجن)1212 والشاهد في النص اعتبار الذبح لغير الله على سبيل التعظيم شرك بالله تعالى، وتصريح هؤلاء الثلاثة العلماء الكبار به وهم من مشاهير علماء حضرموت المحسوبين من قدوات الصوفية:بامخرمة، وبافقيه،والمشهور.(1/421)
وفي نفس الموضوع يقول ابن عبيدالله مفتي حضرموت في وقته: (ولنضرب مثلاً بأولياء الرحمن فإن من استخف حقهم وأنكر خصوصيتهم اقتحم الغلط وأتى بأكبر شطط ومن طلب منهم مالا يطلب إلا من جبار السماوات واعتقد أن لهم تأثيراً من دون الله فقد وقع في صريح الإشراك)1213.
وفي الحلف بغير الله يقول عبدالله بن حسين بن طاهر: (وأحذركم الحلف بالله في جميع شؤونكم (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم)1214، وأما الحلف بالآباء والجدود وبكل مخلوق - وإن عظم - فهو محذور ويختلف الحكم فيه باختلاف المقصود فبعض صوره قادح في التوحيد ومادون ذلك فمكروه؛ للنهي الشديد وأشدّ من ذلك الحلف بالأمانة فالمحتاط من كف عن ذلك لسانه)1215
والشاهد جعله بعض صور الحلف قادحاً في التوحيد ولعله يقصد إذا قصد الحالف تعظيم المحلوف به.
وهذا ظاهر عند الذين يصرون على ألا يقبلوا الحلف إلا بالولي ويرفضون الحلف بالله وكذلك الذين يتهيبون من الحلف بالولي ولا يتهيبون الحلف بالله(1/422)
وفي النذر قد سبق ما قاله العلامة أبو بكر الخطيب وموضع الشاهد قوله: (أقول وأنت خبير بأن العامي الجاهل الصرف يخفى عليه ملاحظة أن هذا التصدق لايعتقد إلا في القرب ومعرفة ما هو قربة، فليتنبه لما يجيئون به للولي أو قبره أو مشهده وهو ميت فإن الغالب أنهم يقصدون به تعظيم ذات الولي أو قبره أو مشهده وذلك باطل؛ كما تقدم والله أعلم بالصواب)1216، أقول والذي تقدم قوله: (الذي تحصل للفقير من كلام أئمتنا الشافعية - رحمهم الله تعالى - ملخصاً من كلام طويل لهم في مثل هذه المسألة أن ما تصدق به على النبي أو الولي الميتين أو على قبرهما أو مشهدهما مثلاً سواءاً كان بنذر أو وقف، ومثل ذلك الأمل1217 المعروف بالجهة عندنا أنه قصد به تمليك الميت أو القبر أو المشهد بطل؛ لعدم صحة تمليك من ذكر وكذا لو نوى بذلك التقرب إلى من ذكر؛ لأن القرب إنما يتقرب بها إلى الله تعالى لا إلى خلقه ومثل ذلك ما إذا كان المتصدق به شمعاً أو زيتاً، ومثله السليط والقاز عندنا وقصد به الإسراج للتنوير تعظيماً للبقعة أو القبرأو التقرب إلى من دفن فيها أونسبت إليه كما يعتقده بعض العامة فإنهم يعتقدون أن لهذه الأماكن خصوصيات بنفسها ويرون أن التصدق عليها مما يندفع به البلاء..) 1218 أقول واضح من هذا النقل أن هذا الفقيه يوافق في قوله هذا القول الصحيح من أن النذرلغير الله شرك إذا كان عن اعتقاد في المنذورله، وهذا على قول من يجعل النذر بمعنى الهبة أو العطية، وأما من يقول إن النذر لايسمى نذراً إلا إذا كان عبادة؛ فإنه يكون النذر - على قولهم - وعلى من نذر على هذا الوجه - شركاً ولولم يصحبه تعظيم.(1/423)
يقول السيد عبدالرحمن المشهور في التفريق بين الكرامة والسحر والإشارة إلى أن بعض من يدعي الولاية قد يكون من السحرة المشعوذين والتنصيص على بعض المجاذيب من أتباع الرفاعي أو أحمدبن علوان أن بعضهم إنما يفعل ذلك بطريق السحر وتأكيده على أن الكرامة لا تكون على يد فاسق ولا يتعلم من حصلت على يده سببها ولا يسعى إليها وأن من التشبه بأصحاب الكرامات من ليسوا منهم من يستعملون الجان يقول في ذلك كله: "مسألة ى" 1219 (خوارق العادة على أربعة أقسام: المعجزة المقرونة بدعوى النبوة المعجوز عن معارضتها الحاصلة بغير اكتساب وتعلم،والكرامة وهي ما تظهر على يد كامل المتابعة لنبيه من غير تعلم ومباشرة أعمال مخصوصة، وتنقسم إلى ما هو إرهاص وهو ما يظهر على يد النبي قبل دعوى النبوة، وما هو معونة وهو ما يظهر على يد المؤمن الذي لم يفسق ولم يفتر به' والاستدراج وهو مايظهر على يد الفاسق المغتر، والسحر وهو ما يحصل بتعلم ومباشرة سبب على يد فاسق، أو كافر، كالشعوذة وهي خفة اليد بالأعمال وحمل الحيات ولدغها له، واللعب بالنار من غير تأثير، والطلاسم والتعزيمات المحرمة، واستخدام الجان وغير ذلك. إذا عرفت ذلك علمت أن ما يتعاطاه الذين يضربون صدورهم بدبوس أو سكين أو يطعنون أعينهم أو يحملون النار أو يأكلونها وينتمون إلى سيدي أحمد الرفاعي أو سيدي أحمد بن علوان أو غيرهما من الأولياء أنهم إن كانوا مستقيمين على الشريعة قائمين بالأوامر تاركين للمناهي عالمين بالغرض العيني من العلم عاملين به لم يتعلموا السبب المحصل لهذا العمل فهو من حيز الكرامة وإلا فهو من حيز السحر إذ الإجماع منعقد على أن الكرامة لا تظهر على يد فاسق وأنها لاتحصل بتعلم أقوال وأعمال وأن ما يظهر على يد الفاسق من الخوارق من السحر المحرم تعلمه وتعليمه وفعله ويجب زجر فاعله ومدعيه، ومتى حكمنا بأنه سحر وضلال حرم التفرج عليه؛ إذ القاعدة أن التفرج على الحرام حرام؛ كدخول محل(1/424)
الصور المحرمة، وحرم المال المأخوذ عليه، والفرق بين معجزة الأنبياء وكرامة الأولياء وبين نحو السحر أن السحر والطلسمات والسيمياء وجميع هذه الأمور ليس فيها شيء من خوارق العادة؛ بل جرت بترتيب مسببات على أسباب، غير أن تلك الأسباب لم تحصل لكثير من الناس، بخلاف المعجزة والكرامة فليس لهما سبيل في العادة، وإن السحر مختص بمن عمل له، حتى أن أهل هذه الحرف إذا طلب منهم الملوك مثلاً صنعتها طلبوا منهم أن يكتب لهم أسماء من يحضر ذلك المجلس فيصنعون ذلك إن سمي لهم فلو حضر آخر لم ير شيئاً وأن قرائن الأحوال المفيدة للعلم القطعي المحتفّة بالأنبياء والأولياء من الفضل والشرف وحس الخلق والصدق والحياء والزهد والفتوة وترك الرذائل وكمال العلم وصلاح العمل وغيرهما، والساحر على الضد من ذلك) 1220.(1/425)
وهذا تفصيل حسن لخوارق العادات وتمييز للمعجزة عن الكرامة من الاستدراج والسحر. والفائدة الكبيرة والقاعدة العظيمة التي تجلي الفرق بين الكرامة والسحر، أن الكرامة لا تكون بتعلم لما يحدث ذلك الأمر فإن كان ذلك الخارق ناتجاً عن سبب ظاهر وتعلم له، كان الخارق من حيز السحر لا من حيز الكرامة ولو أننا مع الصوفية جميعاً وقفنا عند هذه القاعدة وطبقناها تطبيقاً حاسماً وسليماً لاتضح أن معظم ما تطفح به كتب الصوفية في مناقب أوليائهم مما صح نسبته إليهم من باب السحر لا من باب الكرامة لأن جماعات منهم اشتهروا أو ثبت عنهم تعلم السمياء أو علم الحروف وذلك من السحر كما في هذا النقل وغيره، فمن ثبت أنه عالم بذلك مستعمل له فاسم الفسق قد وقع عليه، ثم ذلك الخارق قد أصبح صادراً عن تعلم فانتفى أن يكون من حيز الكرامة ولم يبق إلا أن يكون من حيز السحر وكذلك من يتعاطى الرياضة التي هي في صورة عبادات لم يشرعها النبي ( فإن تلك الرياضة سبب يتوصل به إلى إظهار خوارق للعادات، وقد نص الشعراني على أن بعض النصابين يمارسون الرياضات ليوهموا الناس أنهم من الأولياء ذوي الكرامات 1221(1/426)
فاتضح أن هناك فارقين أساسيين بين الكرامة والسحر أوالاستدراج وهما: التعلم واتخاذ الأسباب، فمتى وجد هذا الفرق حكم على الخارق بأنه سحر، ولو كان على يد من يظهر عليه سيما الصلاح؛ لأنه قد يكون في الباطن بخلاف ذلك. وأما الفرق الثاني: وهو الاستقامة للكرامة، والفسق للسحر والاستدراج؛ فإنه قد تحايل عليه الصوفية ولم يبق له أثر لديهم ولا لدي أتباعهم؛ حيث قرروا أصلاً خطيراً وهو أن الولي يتجزأ ويظهر بمظاهر مختلفة وأن ما تراه لديه مما ظاهره الفسق فإنه في الباطن شيء آخر، بل إن الخمر إذا رأيته يشربها فإما أنها خمر لَدُنِّية من الحضرة الربانية وإما أنها مشروب آخر ظهر لمصلحة في صورة الخمر، وكل ذلك قد ضربت عليه أمثلة،وأيضاً نقلت عنهم كيف يعتذرون لمن لم ير يصلي قط وأنه فحص فظهر أن له عشر صور، صورة واحدة هي التي رآها المعترض لا تصلي بينما تسع صور دائبة في العبادة وصدقهم من رأى ذلك ونقل الحادث على أنه كرامة من أشهر وأكبر كرامات ذلك الولي. فلنتأمل هذا الفرق ثم نحكم بموجبه على كل خارق من الخوارق على يد من كان من الناس.
شهادة حق من أصحاب وحدة الوجود:
قلت في مبحث سابق إنني لم أجد لعلماء حضرموت قولاً فاصلاً واضحاً في أصحاب وحدة الوجود مع عموم إحسان الظن بهم واعتبارهم من الأولياء، ولكني اطلعت أخيراً على نقل نقله علوي بن طاهر الحداد عن الشيخين الشافعيين الشهاب الرملي وابن حجر المكي يدل على أنه موافق لها فيه، وهذا النقل مهم جداً خصوصاً عن ابن حجر المكي الذي اشتهر عنه التأويل لأصحاب وحدة الوجود يقول الحداد:
(وسئل الشيخ أحمد الرملي عن القائل بوحدة الوجود فقال: يقتل هذا المرتد وترمى جيفته للكلاب؛ لأن قوله هذا لايقبل تأويلاً. وكفره أشد من كفر اليهود والنصارى، واستحسن الشيخ ابن حجر منه هذه الفتوى، وكان قبل ذلك يتمحل لبعض المتصوفة القائلين بها ويؤول كلامهم فرجع عن التأويل.) 1222(1/427)
وأخيراً طعنة من الحداد في صميم دعاوى قومه:
قال جامع كتاب النفائس العلوية في المسائل الصوفية: (وسأله بعض الأصحاب أيضاً عن الكبش الذي يعتاد أهل الغيل تركه في بيوتهم ويسمونه مسايراً. فأجاب رضي الله عنه ونفعنا به: أما الكبش الذي يعتاد تركه أهل الغيل في بيوتهم ويسمونه " مسايراً " وكلما ذهب أبدلوه بغيره. فهذا والعياذ بالله من الشرك بالله والشرك ظلم عظيم،وهو وأمثاله سبب تسلط الشيطان وجنوده على العاملين به. فإن الله تعالى قد سلط الشيطان على من يتبعه من بني آدم، وهذا من الاتباع له قال الله تعالى: (إن عبادي ليس لك عليهم سبلطان إلا من اتبعك من الغاويين)1223)1224 موضع الشاهد أنه جعل اتخاذ هذا الكبش شركاً. ومن المعلوم ضرورة أن متخذه لم يعتقد أنه يضر وينفع من دون الله قطعاً؛ لأنه يعرف هذا الكبش ويعرف حقيقته ومن أين جاء، وكيف يموت وينتهي، ومع ذلك كان اتخاذه شركاً. إذن فكيف لايكون من يدعو غير الله مشركاً إلا إن كان يعتقد استقلاله بالضر والنفع من دون الله، وصورة الدعاء لغير الله أظهر في الإشراك من صورة اتخاذ هذا الكبش؟
المطلب الرابع: فتاوى وبيانات جماعية للتحذير من عقائد وأعمال القبورية:
لكي يعلم القاريء الكريم أن موقف علماء اليمن المعاصرين هو موقف أسلافهم الكرام الرافض للقبورية بعقائدها وأعمالها، أسوق في هذا المطلب عدداً من الفتاوى والبيانات الجماعية، التي انتقد كاتبوها والموقعون عليها أعمالاً من أعمال القبورية أو أيدوا خلافها وهي تتناول البناء على القبور وبعض الزيارات والشعائر القبورية وادعاء علم الغيب.(1/428)
الفتوى الأولى: كانت رداً على سؤال بعث به أحد القائمين على بعض القباب في جهة تهامة ونص السؤال هو: (ماقولكم سادتي العلماء رضي الله عنكم في قضية عظيمة الخطر هي مايمارس الناس من أعمال،فهم يقربون الذبائح إلى القبور وينذرون لها ويذبحون لها ويستعيذون بها ويعتقدون فيها النفع والضر والحياة والموت " ورأس برأس " فهل هذا يرضاه الإسلام ياعلماء الإسلام، وهل ارتفاع القبور والقباب من الإسلام في شيء، وهل يؤجر عليها فاعله،فأنا منصوب قبة الشيخ داود بن الزين والناس يأتون إلي بريالات وكباش وعجلان وأشياء أخرى يقولون هذه حق الشيخ داود وإذا نهيتهم قالوا الولي سيضرك،أولئك كانوا يعملون ويقبلون، فلماذا لا تسير على ما ساروا عليه، قولوا لنا كلمة الإسلام في الموضوع - وفقكم الله -، والسائل مستفيد وهناك قباب كثيرة ومناصيب أخرى والعمل هو العمل ويأتي جهلة بدوان ويقومون بحركات ورعشات،أفتونا لا خلا عنكم الوجود؟
وقد جاءت الفتوى هكذا (الحمد لله حيث كان الحال ماشرحه السائل، فالتقرب بالذبائح إلى القبور والأولياء والإستعانة بهم والنذر لهم دائر بين أمرين خطيرين، إما كفر بواح، وإما وسيلة إلى الكفر، ذلك أنه إذا صدر هذا الفعل الشنيع ممن نشأ في دار الإسلام عالماً بأحكام الشرع في مثل هذا معتقداً النفع والضر من الولي يكفر فاعله، فتجري عليه أحكام الردة جميعها وإن كان قريب عهد بالإسلام أو نشأ في غير دار الإسلام،أو في دار الإسلام نائياً عن أماكن المعرفة، فيكون هذا الفعل في حقه وسيلة من وسائل الكفر، فيجب تعليمه وتبيين الأدلة له وإقامة الحجة عليه فإن انتهى بعد ذلك منها وإلا فحكمه أن يكفر.(1/429)
فعلى كل يجب على ولاة الأمر الردع من مثل هذه الأمور والأخذ بيد من حديد، لكل من يقدم على هذا المنكر الفظيع ولو أدى ذلك إلى هدم القباب الموضوعة على القبور سداً للذرائع،هذا ما نعتقده في هذا الموضوع والله على ما نقول وكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم).
وقد كتب الفتوى أحد كبار علماء زبيد المعاصرين وهو الشيخ أسد بن حمزة بن عبدالقادر وصادق عليها جمع من علماء زبيد وغيرها، ومنهم: محمد بن محمد بن سليمان الأهدل، محمد بن علي البطاح الأهدل، أحمد بن عبدالقهار بن صالح، محمد بن عبد الجليل العزي، عبدالجليل بن علي خليل، محمد ابن عبدالله بازي، محمد بن عيدروس علوي، عبد المجيد بن عزيز الزنداني، عمر بن أحمد سيف، علي ابن محمد واصل، حامد بن مختار شرف، محمد بن أحمد كديش " عضو محكمة الحديدة التجارية "، محمد بن علي مكرم، حسين بن محمد عثمان الوصابي، أحمد بن عبدالله سعيد الضافري، عبدالله بن قاسم الوشلي، أحمد بن محمد عامر، وعلي بن محمد الوشلي، محمد بن محمد عزيز القديمي، وإبراهيم ابن حسين صائم الدهر، عبدالرحمن الوشلي، عبدالرحمن بن عبدالله الأهدل، هذة الأسماء التي تبيَّنْتُها وهناك أسماء لم أتبيّنها.
وقد علق حاكم زبيد السابق - رحمه الله - عبدالله الأنباري على الفتوى فقال: (أنا أقرر ما قرره الأئمة السادة العلماء بمنع كل بدعة قبيحة تخالف منهج الشريعة المطهرة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فالضر والنفع بيدالله سبحانه وتعالى، والذبح لغير الله لايجوز، ومن ثبت تعاطيه لذلك فيمنع ويضبط حتى يتوب. وفق الله الجميع لخدمة كتابه وسنة رسوله ( والاهتداء بهدية وجعل الأعمال خالصة لوجهه الكريم وصلى الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.)1225(1/430)
الفتوى الثانية:كما وزعت فتوى أخرى على شكل ملصق علق في المساجد وغيرها يحتوي على فتوى مقاربة للفتوى السابقة ملخصة من مجموع ما أفتى به العلماء، وإليك نص السؤال وملخص الجواب:
نص السؤال: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فإن في بلادنا قبور رجال صالحين، مرفوعة ببناء فوق الأرض، فيها حفرة صغيرة، بداخلها تراب يتبرك به ويستشفى به، وتقام لهذه القبور زيارات سنوية موسمية في شهر رجب الحرام وغيره،، يذبح فيها الكباش لأصحاب القبور، ويجتمع عندها الرجال والنساء والباعة والألعاب، ويحتفل بهذه الزيارات كالاحتفال بيوم العيد، وتهان فيها القبور أيما إهانة.
فما هو قول السادة العلماء والأئمة الفضلاء في رفع القبور بالبناء؟ وما حكم هذه الزيارات؟ وهل هي الزيارات الشرعية التي حث عليها أبو القاسم محمد (؟ أفتونا مأجورين. نفع الله بكم الإسلام والمسلمين.
وقد تفضل أصحاب الفضيلة العلماء بالإجابة على هذا الاستفتاء. ننشر هنا خلاصة إجاباتهم:
أولاً: أوضح العلماء في فتاواهم على أنه لا أحد من الخلق لا ملك ولا نبي ولا ولي يضر أو ينفع، وأن الأموات لا ينفعون الأحياء ولا يغنون عنهم من الله شيئاً بل الأموات بحاجة إلى دعاء الأحياء لهم، والاستغفار لهم، وإذا كان سيد الأولين والآخرين نبينا محمد ( لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فكيف يملك ذلك غيره ممن هو دونه، وعليه فلا يجوز اعتقاد النفع والضر في أصحاب القبور مطلقاً،لأنه من الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام.
ثانياً: أوضح العلماء أن شد الرحال إلى القبور بدعة محدثة منكرة وقد جاء الشرع بالنهي عن شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، كقول النبي (: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى)) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.(1/431)
ثالثاً: أكد العلماء على حرمة رفع القبور أكثر من شبر لقول النبي ( لعلي بن أبي طالب:((لاتدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته)) أخرجه مسلم.
رابعاً: أكد العلماء على حرمة البناء على القبور مطلقاً، وتجصيصها، والكتابة عليها، والقعود عليها، لحديث جابر بن عبدال له: ((نهى رسول الله ( أن يقعد على القبر،وأن يجصص أو يبنى عليه)) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وفي رواية: ((نهى رسول الله ( أن يكتب على القبر شيء)) أخرجه أبو داود وابن ماجه.
خامساً: بيّن العلماء الفرق بين الزيارة الشرعية للقبور، التي تكون للعظة، والاعتبار، وتذكر الآخرة، والدعاء والاستغفار للميت. وبين الزيارات البدعية والشركية التي يتقرب فيها إلى أصحاب القبور، بالذبائح،والنذور، والاستغاثات، وما إلى ذلك من أمور الشرك الأكبر المخرج عن ملة الإسلام،وأن هذه الأمور لا تكون إلا لله (وحده لا شريك له، لقوله تعالى: ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ( ولقوله تعالى: ( فصل لربك وانحر ( ولقول النبي (: ((لعن الله من ذبح لغير الله)) أخرجه مسلم.
سادساً: أكد العلماء على أن وضع حفرة على القبر وجعل التراب فيها للتبرك والاستشفاء به من وسائل الشرك الأكبر المخرج عن ملة الإسلام.
سابعاً: أكد العلماء على تحريم، وخطورة ما يجري في هذه الزيارات، من الاختلاط بين الرجال، والنساء،وخروج الباعة، والطبول، ومايجره من الفتن، والفواحش والموبقات، علماً أن النبي (:((لعن زوَّرات القبور)) أخرجه أحمد والترمذي.
ثامناً: أوضح العلماء تحريم تخصيص شهر من السنة، لزيارات قبور الأولياء، خاصة في شهر رجب الحرام، وأن ذلك وسيلة من وسائل الشرك، الذي لايغفره الله (- إن مات صاحبه عليه - لقول النبي ( ((لا تجعلوا قبري عيداً)) أخرجه أبو داود.
وإليك أسماء بعض العلماء والمشايخ الذين أفتوا ووقعوا على هذه الفتوى.(1/432)
(1) محمد بن إسماعيل العمراني (2) مقبل بن هادي الوادعي (3) د. إبراهيم القريبي (4) د. عبدالوهاب الديلمي (5) محمد الصادق مغلس (6) عبد المجيد الزنداني (7) عبدالعزيز الدبعي (8) عبدالمحسن ثابت (9) عبدالمجيد الريمي (10) عقيل المقطري (11) محمد بن عبدالوهاب الوصابي (12) د. أحمد محمد زبيلة (13) أحمد حسن المعلم (14) إسماعيل العنسي (15) محمد المهدي (16) عبدالرحمن ابن عبدالله شميلة (17) حسين بن محفوظ (18) عمر أحمد سيف (19) عبدالقادر الشيباني (20) صالح الوادعي (21) طارق عبدالواسع (22) عبدالله الحاشدي (23) ناصر الكريمي (24) عيسى شريف (25) أحمد حسان (26) علي بارويس (27) علي بن فتيني (28) عبدالله الحميري (29) أحمد أهيف (30) أمين جعفر (31) عمّار ناشر (32) محمد الوادعي (33) عارف أنور (34) علي مقبول الأهدل (35) محمد سالم الزبيدي (36) محمد سعد الحطامي (37) حسن صغير الأهدل (38) مراد القدسي (39) إسماعيل عبد الباري (40) حسن الزومي (41) حاكم زبيد عبدالكريم النعماني (42) محمد المعمري (43) عبدالله فيصل الأهدل (44) عمر سقيم.
الفتوى الثالثة: نص السؤال: ما حكم الشرع في هذه النتيجة التي يصدرها هذا الرجل، والتي يذكر فيها ما سيحدث للأشخاص والبلدان، وكذلك مختلف الأحداث والتغيرات السياسية والاقتصادية والكوارث وغير ذلك، معتمداً كما يقول على علم الجفر والنجوم وغيرها؟ وهل يجوز إصدارها أو بيعها وشراؤها؟
وقد تفضل أصحاب الفضيلة بالإجابة عن التساؤل، ننشر هنا خلاصة تلك الإجابات، آملين أن نتمكن مستقبلاً من نشر إجابات العلماء مفصلة.. والله الموفق.
ركز العلماء على أن عمل هذا الرجل هو ادعاء لعلم الغيب، وأن من أصول العقيدة الإسلامية المقررة عند أهل الملة أن الله استأثر بعلم الغيب فلا يعلمه أحد سواه، وأدلة ذلك جدّ كثيرة، ومنها:(1/433)
1- قوله تعالى:( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ("النمل 65"
2- وقوله تعالى: ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ( "آل عمران179"
3- وقوله تعالى: ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. ( "الأنعام 59 ".
4- وقوله تعالى: ( ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله ( " يونس 20 ".
5- وقوله تعالى: ( ولله غيب السموات والأرض ( " النحل 77 ".
6- وقوله تعالى: ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً ( "الجن 26 ".
وعلى هذا فعلم الغيب محجوب عن جميع الخلق، بما في ذلك الملائكة والنبيين، قال الله تعالى حكاية عن الملائكة: ( قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا( " البقرة 32 ". وقال الله حكاية عن محمد (: ( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ( "الأعراف 188 ". وقال الله آمراً نبيه محمد (: ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ( " الأنعام 50 "، وقال الله: ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول ( " الجن 26 ". وقال الله عن الجن: ( فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( "سبأ 14 "، ويقول تعالى: ( وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت ( "لقمان34".
فالله قد حجب علم الغيب عن أكرم خلقه وهم الأنبياء والملائكة إلا ما أعلمه الله لهم، أبعد هذا يأتي هذا ويدعي معرفة الغيب؟!. إن من ادعى علم الغيب قد نازع الله، وكذب القرآن، وفارق هذه الملة.
ركز العلماء في إجابتهم على أن هذا العمل من الكهانة التي جاء الإسلام بتحريمها؛ إذ أن الكاهن هو الذي يدعي معرفة علم الغيب، وما سيقع من أحداث مستقبلية، وأن صاحب هذا العمل كاهن، والرسول ( يقول: ((ليس منا من تطيّر أو تُطيِّر له أو تكهَّن أو تُكهِّن له)) رواه البزار والطبراني.(1/434)
وأن من أتى كاهناً، فسأله عن شيء لم تقبل صلاته أربعين يوماً، كما جاء في صحيح مسلم عن النبي (، أما إن سأله وصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد، كما جاء عن النبي ( في سنن أبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه،وصححه الألباني في الإرواء "2006"،هذا في السائل فما بالك بالمسؤول.
-علم النجوم الذي يدّعي صاحب هذه النتيجة الاعتماد عليه في معرفة علم الغيب - يقول فيه الرسول (: ((من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد)). رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد،وصححه الألباني في السلسلة " 793 ".
وقد جاء في البخاري عن قتادة: (خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة السماء، وعلامات يهتدى بها، ورجوم للشياطين، فمن تأوّل فيها غير ذلك، أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به.
وقال الإمام الخطابي في معالم السنن: (علم النجوم المنهي عنه هو: ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي ستقع وما في معناها من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها، ويدعون أن لها تأثيراً في السفليات، وهذا منهم تحكّم على الغيب، وتعاط لعلم قد استأثر الله به، فلا يعلم الغيب سواه).
- وأما علم الجفر (وأنه العلم الإجمالي بلوح القضاء والقدر والذي يحتوي على ما كان ويكون وأن الرسول خَصّ به علياً وذريته من بعده)، فأمر وهمي لا حقيقة له. وأدلة ذلك كثيرة ويكفي منها:(1/435)
ما جاء عند البخاري من سؤال أبي جحيفة لعلي -( -: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن أو ليس عند الناس؟. فقال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهماً يعطى رجل في كتابه وما في الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر. وما جاء عند مسلم برقم" 1987 " عن علي قوله: (ما خصنا رسول الله بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا) وأخرج صحيفة مكتوب فيها: ((لعن الله من ذبح لغير الله...)).
فعلم الجفر باطل، وما بني على باطل فهو باطل.
وبناءً على ما سبق؛ فقد أكد العلماء على أنه لا يجوز التصريح بإصدارها، كما أنه لا يجوز طبعها،ولا بيعها، ولا شراؤها، ولا تداولها. وأنه يجب على الجهات المختصة مصادرتها والأخذ على يد صاحبها ومحاكمته، وأنه يجب عليه التوبة إلى الله والابتعاد عن هذه الضلالات، وأنه يجب إسداء النصيحة لكل من يقتنيها أو يطلع عليها، وتبيين مخاطر ذلك على العقيدة والتوحيد لعموم المسلمين. تلك هي بعض أهم النقاط التي ركز عليها العلماء سارعنا في إخراجها؛ إقامة للحجة؛ وتوضيحاً للحق؛ ونصحاً للخلق.
أما العلماء الذين تكرّموا بالإجابة على هذا التساؤل فهم:(1/436)
محمد بن إسماعيل العمراني، عمر أحمد سيف، عبد المجيد الريمي، محمد الصادق، حسين عمر محفوظ، محمد المؤيد، حسن حيدر الوصابي، على العديني، مراد القدسي، أحمد حسان، عارف أنور عمار بن ناشر، عبدالله بن أحمد المرفدي، أحند مقبل بن نصر، عبد الرحمن قحطان، عقيل المقطري، عبد الله سيف، عبد الله سنان، طارق عبد الواسع، عبد الملك داود، عبد القادر الشيباني، فاضل محمد عبدالله، يحيى الجهراني، د0 حسن الأهدل، أمين عبدالله جعفر، د0 عبد الله الأهدل، محمد سعيد الحطامي، عمر علي سقيم، حسن صغير الأهدل، عبد الرحمن عبد الله الأهدل، أحمد حسن المعلم، عبده عبدالله الحميدي، حميد عقيل، محمد المهدي، القاضي علي البعداني، محمد بن علي الرحبي، عبد الله بن غالب الحميري، عبد الرحيم الشرعبي، عبد الله عبده الإِبي، يحيى السوسوة.
كما تم الاعتماد على فتوى حول الموضوع لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، ومعه لجنة الافتاء الدائمة المكونة من كل من:، عبد العزيز آل الشيخ، صالح الفوزان، بكر أبو زيد، عبد الله الغديان.
الفتوى الرابعة:السؤال: ما حكم شد الرحال إلى الجند من قبل الرجال والنساء؟ وما صحة ما ينسب إلى النبي ( في ذلك؟
- ما حكم الموالد التي تقام داخل المسجد ليلة ذلك اليوم؟ وما حكم ما يفعله المجاذيب من طعن الرؤوس؟
- ما حكم اختلاط الرجال بالنساء داخل المسجد؟
- ما صحة ما يشاع من أن الذهاب هو حج الفقراء؟
وقد تفضل أصحاب الفضيلة العلماء بالإجابة على تلك الأسئلة. ننشر هنا خلاصة إجاباتهم، آملين أن نتمكن من نشرها كاملة ومفصلة.
أولاً: أكد أصحاب الفضيلة على شد الرحال إلى الجند بقصد التقرب والتعبد بدعة محدثة منكرة. وقد جاء الشرع بالنهي عن الابتداع. فالنص النبوي يقول: ((وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) ويقول: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). وفي رواية: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).(1/437)
هذا وقد جاء نص نبوي آخر له صلة بحرمة شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد يقول الرسول (: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا))، وأما ما يردده بعض الجهال أن الرسول ( قال: ((إلى أربعة مساجد)) بإضافة مسجد الجند، فكذِب على النبي ( والرسول يقول: ((ومن كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار)).
ولا يخفى على أحد خطورة الابتداع في الدين، ويكفي في ذلك قوله (: ((إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدعها)) حسنه الألباني.
ومما يزيد النكارة،ويشدد الحرمة ممارسة منكرات أخرى في ليلة ذلك اليوم في ذلك المكان، ومنها: (السحر الذي يفعله المجاذيب، وامتهان المسجد باختلاط الرجال والنساء - وهو منكر في حد ذاته - ومضغ القات وغير ذلك..
ثانياً: أكد العلماء على أن تخصيص أول جمعة من رجب، هو بدعة أخرى لا دليل عليها، وكذلك اتخاذ ذلك المكان بعينه في ذلك الوقت ومن باب اتخاذه عيداً، مع العلم أن الرسول (، نهى عن اتخاذ قبره عيداً، فهذا المكان من باب أولى.
ثالثاً: أكد العلماء على أهمية محبة الرسول (، وعلى أنها من الأمور الواجبة على كل مسلم، بل لا يتم إيمان المرء حتى يكون الرسول ( أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، كما أكدوا على أهمية تدارس سيرته وتعلمها وتعليمها، وليس من ذلك إقامة الموالد، سواء في تلك المناسبة أو في غيرها، بل الموالد أمر محدث لم ينص عليه كتاب ولا سنه، ولم يفعل في عهده (، ولا في عهد صحابته الكرام، ولا في عهد التابعين، ولا في عهد الأئمة الأربعة، وهم أكمل الناس حباً لرسول الله، وأكثرهم تعظيماً له وقد كمّل الله دينه، وأخبر عن ذلك بقوله: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ( وليست هذه الموالد من الدين الذي أكمله الله، بل تدخل في قوله (: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).(1/438)
رابعاً: أكد العلماء على أن ما يحصل ممن يُسمَّون بالمجاذيب هو نوع من السحر المعلوم حُرْمته، ومعلوم ما جاء في صحيح البخاري أن عمر كتب إلى ولاته: (أن اقتلوا كل ساحر وساحرة) وقوله تعالى: ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ( الآية وقوله تعالى: ( وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ( الآية.
خامساً: أكد أصحاب الفضيلة على حرمة الاختلاط في ذلك المكان وفي غيره، وعلى النكارة الشديدة لشد الرحال من قبل النساء إلى ذلك المكان، فإذا كانت المرأة لا ينبغي لها أن تخرج من بيتها للصلاة جماعة؛ إذا ترتب على خرجوها فتنة، فهذا من باب أولى.
والاختلاط أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات وسبب في كثرة الفواحش.
سادساً: أشار العلماء إلى أنه لم يثبت في فضل رجب أو في فضل العمل فيه رجب شيءٌ، وأنه كغيره من الشهور. غير أنه فقط من الأشهر الحرم، وقد ألف الحافظ ابن حجر رسالة في ذلك..
سابعاً: ذكر بعض الباحثين ممن أجاب على السؤال: أن مسألة بناء معاذ لمسجد في الجند بحاجة إلى مزيد من البحث والتحري وحتى لو ثبت ذلك فليس في ذلك أدنى دليل على ما يفعل من شد الرحال إلى هناك، فالصحابة بنوا العديد من المساجد في الشام والعراق ومصر وغيرها، ولم يكن ذلك البناء مدعاة إلى شد الرحال إليها.
ثامناً: أكد العلماء على أهمية دور العلماء والمرشدين في إنكار مثل هذه البدع؛ قياماً بواجب النصيحة ((الدين النصيحة))، وقوله (: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه...))
وأكدوا على أهمية دور أصحاب السلطات في ردع المنتفعين من ذلك؛ لما يقومون به من التغرير بالعامة والتلبيس عليهم، وأكدوا - أيضاً - على أهمية تظافر الجهود في إزالة هذا المحدث وغيره من المحدثات.(1/439)
تاسعاً: أكد العلماء على أن القول بأن الذهاب إلى هناك يعدل حجة هو من الكذب على الله، ومعلوم قوله تعالى: ( لا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون، متاعٌ قليل ولهم عذاب اليم (.
عبد الله سيف الحيدري، أحمد حسن المعلم، عقيل بن محمد المقطري، عبد الله بن غالب الحميري، محمد بن محمد المهدي، عبده عبد الله الحميدي، علي بن علي البعداني، عبد الرحيم الشرعبي، محمد بن علي الرحبي، علي بن يحيى شمسان، حميد قاسم عقيل، عبد الملك داود عبد الصمد، عبد القادر الشيباني، يحيى بن محسن الجهراني، فاضل محمد عبدالله، عبد العزيز الدبعي، سعيد بن سعيد حزام، أحمد مقبل
ابن نصر، عبد الله سنان، د0 حسن شبالة، عبد الله بن فيصل الأهدل، عبد المجيد الريمي، عبد الرحمن سعيد البريهي، عبد الله بن سعيد الحاشدي، كمال بن عبيد القادر بامخرمة، محمد الصادق مغلس ن عبدالله علي صعتر، عبد المجيد الزنداني ن عبد الوهاب لطف الديلمي، صالح الضبياني، علي ابن عبد الله العديني، حسن بن محمد حيدر الوصابي، مراد بن أحمد القدسي، مهيوب بن حسين المعولي، د0 علي مقبول الأهدل، عبد الله عبده الإبي،القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني، محمد عبد الرحمن غنيم، د0 صالح صواب، حسين عمر محفوظ ن محمد بم على الوادعي، صالح ابن علي الوادعي، أحمد حسان، محمد بن علي المؤيد، طارق بن عبد الواسع، عبد العزيز البرعي.(1/440)
الفتوى الخامسة: فتوى بمنع ما يسمى " زف الختاميات " التي يقيمها القبورية في بعض مدن حضرموت كالمكلا والشحر وغيرها، والزف هو السير الجماعي من المسجد الذي يقام فيه الحفل " حفل ختم القرآن" إلى قبر ومشهد معين, ويصحب ذلك السماع الصوفي بالدفوف والطبول وأنواع من الملاهي ويحتشد لحضوره جمع كبير من الناس رجالاً ونساءً وأطفالاً, ويحصل فيه مفاسد كبيرة، يقول أخونا الشيخ أحمد برعود في كتابه " الأضواء المضيئة على بعض العادات الحضرمية " وهو يتكلم عن تلك العادة " البدعة " بدعة الختاميات:(ولقد أمليت على هذه الفتوى وكتبتها بيدي ووقع عليها المشايخ المذكورون في نفس الجلسة عدا السيد عباس حامد الحداد لم يكن حاضراً، كما زكى الفتوى السيد عبدالله بن محفوظ الحداد. فإليك أخي القارىء نص الفتوى:
" بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين وبعد: فقد اتفق طلبة العلم بمدينة الشحر على أن تمنع زفوف الختاميات بعد نهاية الصلاة والقرآن لما يترتب على ذلك من المفاسد والمنكرات التي لاتتفق مع الشرع الشريف، فعليه نطلب من حكومتنا الموقرة أن تمنع وأن تلاحظ من يخالف هذا الأمر؛ لأن الرسول ( يقول:((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان))، كما نطلب من السيد الفاضل عبدالله بن محفوظ الحداد في هذا الموضوع أن يصدر فتوى لمنع الزفوف منعاً لما يحصل بسببها من المنكرات والمفاسد، وبعد هذه الفتوى ينبغي ويلزم كل مسلم أن يمنع أهله من الحضور لمثل هذه المجموعات التي تحصل فيها المنكرات حصولاً ظاهراً, ومع العلم أنه ليس هناك ختم حقيقي للقرآن الكريم كما كان السلف يقرأون من أوله في الصلاة ثم يختمونه في إحدى اليالي ويدعون اللعه بعد الختم ويحضره الناس في المسجد ثم يتفرقون إلى بيوتهم هذا وبالله التوفيق.(1/441)
وكذلك نعلم حكومتنا الموقرة أن هذه الليالي من رمضان يجتمعن كثير من النساء في الأسواق لشراء حوائجهن، فيجتمع بسببهن كثير من السباب فيحتكون بالنساء احتكاكاً متعمداً يأباه الشرع الحكيم وأهل النفوس الزكية، فالمطلوب من حكومتنا الموقرة أن تقوم بملاحظة هؤلاء الناس، ودفعهم عن النساء وهم المسؤولون بين يدي الله سبحانه وتعالى. والله الموفق
21/ رمضان 1411هـ
التوقيع:
" الشيخ عبد الكريم عبدالقادر الملاحي، الشيخ سالم خميس حبليل، الشيخ السيد عباس حامد الحداد ".
الحمد لله وأنا بدوري أزكي ما قاله مشايخ الشحر وعلماؤها وأضم صوتي إلى صوتهم لتقوم الحكومة بمنع هذه المنكرات المحدثه.
التوقيع:
عبد الله بن محفوظ الحداد)1226.
بيان بشأن أحداث تسوية القبور بعدن بعد انتهاء حرب الانفصال سنة (1415هـ/1994م)
وقد صدرت ردود فعل كثيرة تجاه تلك الحوادث معظمها كانت في معرض النقد والاستهجان لذلك العمل منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي إسلامي أو غير إسلامي كما صدرت عدة بيانات تعبر عن مواقف أصحابها منه ومعظمها إما رسمي يراعي سياسة الدولة التي كانت في موقف محرج أمام الجهة الإعلامية التي جوبه بها الحدث أو كانت منطلقة من منطلق حزبي تعبر عن الموقف الرسمي للحزب فلذا لم يبرز فيها الحكم الشرعي كما هو عند علماء الشرع السالمين من تلك الضغوط والحسابات الأخرى وما رأيت في تلك البيانات والكلمات والمواقف ما يمثل الحكم الشرعي الصريح الا هذا البيان الذي وقعه مجموعة من خيرة من علماء اليمن ونشرته مجلة المنتدى التي كانت تصدر تلك الفترة من صنعاء في عددها.
وهذا نص البيان وأسماء الموقعين عليه: (الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين محمد ابن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين، أما بعد: فقد تابع العلماء الموقعون على هذا البيان الأحداث الأخيرة في عدن:(1/442)
الأول منها نتج عنه تسوية القباب والقبور التي تعلق بها عوام الناس من قديم حتى أضفوا عليها من القداسة والتعظيم إلى درجة عبادتها من دون الله تعالى متمثلة في دعائها لكشف الضر وتفريج الكرب والذبح والنذر لها.
والحدث الثاني وهوحدث لا صلة له بالأول ألا وهو اشتباك مسلح بين رجال الأمن وبعض الشباب وذلك حول مقر ما يسمى بمليشيا الحزب الاشتراكي وسببه خلاف في ملكية المنزل.
كما تابع العلماء البيانات السياسية والمقالات الصحفية ورأوا أن الحقيقة الشرعية ضاعت بين دهاء سياسي وسبق صحفي، وكلا الأمرين لم ينطلقا من ضوابط شرعية وثوابت عقدية في ديننا الإسلامي.
لهذا رأى الموقعون على هذا البيان أن يبينوا الحكم الشرعي في هذه القضية حتى لا يشملهم قوله تعالى:(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون(، كما أن هذا البيان ينطلق من قوله ( فيما رواه مسلم من حديث أبي سعيد 1227 الخدري ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا لمن يارسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
الشرك وخطره:
من المعلوم من الدين بالضرورة ومن قطعيات الشريعة ويقينياتها خطورة الشرك وأنه مخرج من ملة الإسلام وموجب لصاحبه عدم المغفرة وحبوط العمل؛ قال تعالى:(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (، وقال تعالى:(أنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار (، وقال تعالى:(ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك (.(1/443)
وإن أصل دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام قام على محاربة الشرك وتأسيس التوحيد، قالى تعالى:(وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون(، وإن من وسائل الشرك التي ابتليت بها الأمة تعظيم الصالحين ونصب القباب لهم فكانت نتيجة ذلك الغلو أن دعوهم من دون الله بحجة أنهم أولياء صالحون، وهذا من تزيين الشيطان وإضلاله، لأن الغلو في التعظيم يجر إلى العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله تعالى.
نعم الواجب توقير أولياء الله ومحبتهم وإثبات الكرامات لهم؛ ولكن لا يجوز دعاؤهم والاستعانة بهم والذبح والنذر لهم كما يفعله الخرافيون.
والزيارة الشرعية لأموات المسلمين سنة لأنها تذكرهم بالآخرة، أما الزيارات المبتدعة التي تكون موسمية ويجتمع لها الرجال والنساء ولاعبو القمار ويحدثون حول تلك القبور من المفاسد البدعية والشركية والسلوكية ما لا يرضى بها عاقل، بل هي من المنكرات والصور التي شوهت جمال الإسلام وصفاءه، ويجب على العلماء إنكارها والبراءة منها.
وقد أنكر العلماء قديماً وحديثاً هذه الظواهر، وهذه أقوالهم:
1- قال ابن حجر الهيتمي المكي:
(وتجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور، إذ هي أضر من مسجد الضرار؛ لأنها أسست على معصية رسول الله ( لأنه نهى عن ذلك وأمر ( بهدم القبور المشرفة وتجب إزالة كل قندل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره) اهـ.- الزواجر عن اقتراف الكبائر " 1/149".
2- الإمام الشوكاني:
وقال في الدر النضيد ص 22:(وروي لنا أن بعض أهل جهات القبلة وصل إلى القبة الموضوعة على قبر الإمام أحمد بن الحسين صاحب " ذي بين " رحمه الله فرآها وهي مسرجة بالشمع والبخور ينفح في جوانبها وعلى القبر الستور الفائقة فقال عند وصوله إلى الباب: " أمسيت بالخير يا أرحم الراحمين".
3- قال الإمام الصنعاني في " تطهير الاعتقاد ":(1/444)
(وكذلك تسمية القبر مشهداً ومن يعتقدون فيه ولياً لا تخرجه عن اسم الصنم والوثن، إذ هم معاملون لها معاملة المشركين للأصنام ويطوفون بهم طواف الحجاج ببيت الله الحرام ويستلمونهم استلامهم لأركان البيت ويخاطبون الميت بالكلمات الكفرية من قولهم: " على الله وعليك " ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد ونحوها.
فأهل التهائم لهم في كل بلد ميت يهتفون باسمه يقولون: يا زيلعي يابن العجيل، وأهل الجبال: يا أبا طير، وأهل اليمن: يابن علوان).
4-فتوى دار الإفتاء المصرية:
هذا وقد صدرت فتوى من دار الإفتاء المصرية في عهد الشيخ عبد المجيد سليم بتاريخ "2/7/1928م"، ونصها:(اعلم أنه يحرم رفع البناء على القبر ولو للزينة ويكره للإحكام بعد الدفن بل تكره الزيادة العظيمة من التراب على القبر لإنه بمنزلة البناء وهو منهي عنه لما في صحيح مسلم عن جابر قال: نهى رسول الله ( أن يجصص القبر وأن يبنى عليه.انتهى من الدر المختار وحاشية رد المحتار.
وحين نقول يجب إنكار الشرك ومظاهره فلا يعني ذلك إعطاء الفرصة للذين يصطادون في الماء العكر ولكن لا بد من الحكمة في ذلك واتخاذ الوسائل الناجحة في استئصال كل المظاهر التي تسيء إلى ديننا وأمتنا ومراعاة المصالح والمفاسد وهدم كل مظاهر الشرك من النفوس والقلوب أولاً بواسطة نشر الوعي بين المسلمين بالوسائل المشروعة حتى يتيسر هدمها في الواقع، ألا ترى أن النبي ( أوكل إلى خالد ابن الوليد بعد أن استقر في قلبه هدم العزى، حتى قال خالد (:
ياعزُ كفرانك لا غفرانك إني رأيت الله قد أهانك
ولقد حرص الحزب الاشتراكي على دعم الخرافيين الذين تحالفوا معه وأيدوه في قرار الإنفصال وذلك سعياً منهم في طعن الإسلام وتدميره باسم الإسلام.(1/445)
وإنه من ما ينبغي التنبيه عليه ان الحامل لبعض الشباب المسلم على تسوية القبور التي قدست من دون الله هو ما قدمنا من مسلمات الدين وضرورياته، وما ثبت عن النبي (،أنه قال:((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) - متفق عليه -.
وروى مسلم في صحيحه أن علياً ( قال لأبي الهياج الأسدي: ((ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ( أن لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته..)).
إلا أن بعض الساعين إلى الفتنة والحاقدين على وحدة الأمة استغل الحدث أبشع استغلال بغية ضرب المسلمين بعضهم ببعض وشق صفهم ولبس الحق بالباطل، وتشويه الحقائق حتى صيروا المنكر معروفاً والمعروف منكراً.
وأدخلت قضيتان في بعضهما مع أن كلاً منهما منفصلة عن الأخرى، فقضية تسوية القبور كانت يوم الجمعة 27 ربيع الأول 1415هـ وما قبلها من أيام ومرت بسلام.
وقضية الصراع حول مركز المليشيا كانت يوم السبت 28 ربيع الأول 1415هـ وهي القضية المؤسفة جداً التي أدت إلى سفك دماء الأبرياء سواء من الأمن أو الشباب، فسفك الدماء بهذه الطريقة يدل على عدم مسؤولية وتصرف أرعن يجب التحقيق المنصف لمعرفة المتسبب لهذه الحادثة، وحتى لا يكون بداية سيئة وخطرة يستغلها أعداء شعبنا لتفجير صراعات داخلية واستغلالها سياسياً في الخارج وتلك هي أمنية الانفصاليين.
وعلى ضوء ما تقدم نوصي بالتالي:
1- على ولاة الأمر والعلماء القيام بواجبهم الشرعي في محاربة الشرك ومظاهره واتخاذ الوسائل الشرعية لذك وتكوين هيئة للأمر بالمعروف والنهي لتتولى محاربة جميع ظواهر الفساد، وهذا يسد أبواب الفوضى والاضطراب.
2- اتحاد كلمة العلماء وخصوصاً في مثل هذه المواقف الخطرة وأن يصدروا عن مواقف مشتركة ومنسقة تخدم دين الله (.(1/446)
3- على الشباب الرجوع إلى العلماء والالتفاف حولهم وأن لا يقدموا على عمل دون الرجوع إلى العلماء ومعرفة توجيهاتهم والحكم الشرعي في ذلك، مع العلم أن ما حصل في عدن لم يكن بمشاورة العلماء مما أدى إلى هذه النتيجة غير المرضية.
4- أن يتم تغيير المنكرات بالحكمة ومراعاة الواقع وقاعدة المصالح والمفاسد.
5- أن يحذر المسلمون الفرقة والتنازع لأن هذا مما يضعفهم ويقر عيون أعداء الإسلام.
6- تشكيل لجنة من العلماء والالتقاء بالشباب لمعرفة ملابسات الحادث والعمل على إطلاق سراحهم.
7- أن يقوم ولاة الأمر برعاية مصالح الأمة وشبابها وصيانة دينها فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
8- يجب عدم إعادة الأضرحة وتشييدها وخاصة بعد معرفة الحكم الشرعي في ذلك ويجب إنفاق الأموال المرصودة لذلك للمتضررين من الحرب وخاصة في المحافظات الجنوبية.
والله من وراء القصد
صادر عن مجموعة من علماء اليمن بتاريخ 11 ربيع الآخر 1415هـ
العلماء الموقعون على البيان هم:
عقيل المقطري، عمار بن ناشر، طارق عبد الواسع، عبد العزيز الدبعي، عبد القادر الشيباني، أحمد علي معوضة، علي محمد بارويس، عارف أنور، أحمد الشيباني، عبد الكريم الضراسي، زيد بن ثابت، عبد الله سنان، مجاهد الوصابي، علي صالح عنان محمد، عبد المجيد الريمي، محمد عبد الله الإمام، يحيى الجهراني، د. عبد الوهاب الديلمي، حمود علي ناصر السعيدي، علي العديني، عبد الله الحاشدي، مراد القدسي، يحيى علي محمد جغمان، صالح الوادعي، محمد الوادعي، أحمد مقبل، خالد أحمد سعيد.
المبحث الرابع
الجهود العملية لمواجهة القبورية
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول:أثر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب على القبورية:
(4) التعريف:(1/447)
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوة تجديدية، هدفها إعادة الأمة إلى ماكان عليه الأمر في عهد النبي ( وأصحابه الكرام، وذلك بالدعوة إلىالتوحيد الخالص، وتنقية عقائد الأمة مما داخلها من عقائد ومفاهيم منحرفة،أدت إلى الشرك بالله تعالى، ودعوة للاتباع الكامل للنبي (،وتنقية عبادات الأمة مما ألصق بها من البدع والمحدثات، والمجاهدة؛لإقامة الشرع في حياة الأمة وإزالة ما يخالفه.هذا ملخص ما يمكن أن تُعرَّف به دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى.
نشأتها:
نشأت الدعوة السلفية التي جددها الشيخ محمد بن عبدالوهاب "دعوة الإسلام الأولى" في ذهنه، بعد أن بدأ في طلب العلم،وبدأ يقارن بين ما يتعلمه من مبادئ الشرع وأحكامه وما يرى عليه الناس، ثم بدأ فعلاً عندما عاد من رحلاته إلى بلده، ولكن الدعوة راوحت مكانها بل كاد أن يُقضى عليها بالقضاء على الشيخ نفسه،حينما عزم أمير العيينة على تصفيته جسدياً 1228، فهاجر من العيينة إلى الدرعية وفيها نشأت الدعوة النشأة الأخيرة العملية، ومنها انطلقت حينما وجد الشيخ المناصرة الكاملة من قبل أميرها محمد ابن سعود -رحمه الله -وذلك سنة (1157 هـ).
وبعد أن تقبلت الدرعية وأهلها دعوة الشيخ وآمنت بها، وصَدَقتْ في ولائها، انطلق دعاتها حاملين مبادئها إلى ما حولها من ديار نجد،ثم إلى الإحساء والمناطق الشرقية،وإلى الحجاز وسائر أرجاء الجزيرة العربية، وكان بعض ذلك في حياة الشيخ والإمام محمد بن سعود وبعضه بعدموتهما في أيام عبد العزيز ابن محمد بن سعود على يد ابنه سعود، وكان من فضل الله على عباده أنه في زمن قصير تحقق للدعوة نجاح كبير،وطُهِّرت نجد وما حولها من البدع والشركيات ووسائلها،ثم أخذ أئمة الدعوة من أبناء وأحفاد الإمامين يسيرون في الأرض دعاة مجاهدين، فمن أجاب قبلوا منه،ومن أبى قاتلوه.
المآخذ على الدعوة النجدية:(1/448)
وعندما تكاثر الأتباع والأنصار حدث من بعضهم حوادث غير مرضية، وقضايا على خلاف مقتضى الشرع.
وهذا طبيعي فليس كل الجند بل ولا كل القادة هم من العلماء العاملين والدعاة المخلصين، وإنما هناك من يركب الموجة، وهناك من يطمع في الغنيمة،وهناك أصناف من الناس مختلفو المقاصد وجرائرهم كلها تلقى على كاهل الشيخ ودعوته، ولقد صار لتلك الدعوة صدىً واسع، وانتشر لجيوشها رعب كبير بين الناس،وخاف كل ذي سلطة على سلطته من أمراء وأشراف وشيوخ طرق،كلهم رأوا أن الدعوة تهددهم، فبدأت الحرب بشتى وسائلها،الحرب العسكرية والحرب الدعائية، وغيرها من أنواع الحروب، وكان الذي تولى كبر ذلك الدولة العثمانية بإسطنبول،وذلك لأمرين أساسيين:
الأمر الأول: السياسة، إذ خشيت على أجزاء كبيرة من أطراف مملكتها، ومن أهم تلك الأطراف الحجاز بما فيه مكة والمدينة،أن تخرج عن سيطرتها.
الأمر الآخر: إن الصوفية الاتحادية،كانت هي المسيطرة على الخلفاء،وهم أعدى أعداء هذه الدعوة للاختلاف العقدي بينهما.(1/449)
فمن هناك طارت الدعايات، وانتشرت الشائعات ضد دعوة الشيخ -رحمه الله تعالى- وكانت كما وصفها الشيخ الإمام ابن الأمير (وأتتنا فيها جوابات من مكة المشرفة ومن البصرة وغيرهما، إلا أنها جوابات خالية عن الإنصاف1229)واستغل خصومها بعض الهفوات التي يقع فيها بعض المحسوبين على الدعوة فضخموها، وزادوا فيها، واتخذوها أدلة على ضلال الدعوة وانحرافها، ولكن ذلك كله مازاد الدعوة التجديدية هذه إلا رسوخاً وانتشاراً وقبولاً في الأرض؛ خصوصاً بعد أن دخلت الحجاز، وحكمت الحرمين، والتقى دعاتها بالحجاج من كل مكان مباشرة، فعرف الناس الحقيقة، وتبين لهم زيف الدعايات التي كانوا يسمعونها، فحملوا هذه الدعوة إلى بلادهم، ونشروها بين أهليهم وإخوانهم، وهاهي الدعوة " الوهابية " كما سميت وشاع ذلك عنها، هاهي لا يخلو بلد من بلدان المسلمين من حاملين لها فيه، وكم من علماء وجمعيات وهيئات علمية ودعوية تسير على الخط السلفي الذي جدده الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله تعالى- في مشارق الأرض ومغاربها،رغم أن الدولة العثمانية وبواسطة واليها على مصر محمد علي باشا قد حاولوا القضاء عليها، وتمكنوا من القضاء على الدولة والقوة العسكرية والكيان السياسي، ولكنهم لم يتمكنوا من القضاء على ما أشربته قلوب الناس من الحق، فما خرج الجنود الغزاة من نجد حتى عادت الدعوة والقوة والدولة بشكل قوي، ربما أقوى من ذي قبل، وهاهي قائمة إلى اليوم في أوسع مداها وأقصى انتشارها.
علاقة الدعوة النجدية باليمن:(1/450)
من الطبيعي أن الداعية الموقن بصحة ما يدعو إليه المخلص لمبادئه محب الخير لأمته، لا تقف همته عند حد، ولا يكتفي في نشر دعوته ببلد دون بلد؛ لذا فإنه قد كان اليمن كل اليمن مستهدفاً للدعوة مُعرّضاً لدعاتها وجيوشها، ولقد شقت جيوشها الطريق إلى اليمن من جهتين، من الغرب عبر الحجاز وجبال السراة حتى وصلت إلى مناطق عسير جبالها وتهائمها، فكانت القاعدة لها بعد أن انضم أهلها إليها، وفتنوا بمبادئها، ودخل بعض أشرافها وأمرائها مع النجديين، وآزروهم على نشر الدعوة حتى وصلوا إلى الحديدة، بل إلى زبيد وحيس وما حولها 1230.
وحينما بلغت الدعوة النجدية تلك المكانة من الاستيلاء على البلاد ودخول القبائل معها والقبول بما تدعو إليه، تجاوبت القبائل اليمنية لذلك، وشعرت بضعف دولة صنعاء في عهد الإمام " المنصور " أحد الأئمة الذين عاصرهم الإمام الشوكاني، وتقدمت تلك القبائل حتى حاصرت صنعاء بعد عام (1216هـ)1231، وكانت الرسل في أثناء ذلك ترد إلى صنعاء من الدرعية بالدعوة إلى التوحيد وهدم القباب والمشاهد، وحينما أحس الإمام المتوكل بالضغط الشديد شاور من بحضرته في هدم تلك القباب والمشاهد، فقالوا له: إن كان هذا الهدم لوجه الله وتنفيذاً للشريعة فنعمَّا هو، وإن كان إنما هو مجاملة لأصحاب نجد فلا فائدة 1232، قال الشوكاني: (ثم وقع الهدم للقباب والقبور المشيدة في صنعاء وفي كثير من الأمكنة المجاورة لها وفي جهة ذمار وما يتصل بها) 1233،كما أنني لا أشك أنهم عندما مروا بمدن وقرى تهامه قد أزالوا ما فيها من مشاهد وقباب وسووا ما فيها من قبور مشرفة؛ لأن هذه هي عادتهم في كل مكان يستولون عليه، وإن لم أظفر بذلك في مرجع خاص، والفرقة الأخرى من جهة الصحراء حتى وصلت حضرموت.
وصول الدعوة النجدية إلى حضرموت:(1/451)
وصلت الدعوة النجدية إلى حضرموت رسمياً بوصول الجيش النجدي الذي يقوده ناجي بن قملا وكان ذلك في سنة (1224هـ)، فاستولوا على الكسور، وفيها حورة وهينن وحواليهما،وصَالَحَ ابن قملا القبائل اليافعية والنهدية والشنفرية، وهدم غالب رؤوس القباب المبنية على القبور من دوعن غرباً إلى قبر هود على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام شرقاً 1234، ولم يكن التأثير مقتصراً على هدم القباب فقط، بل وصل إلى إقناع القبائل وجماعات من أبناء حضرموت بهذه الدعوة وحملهم لها ورفضهم للخرافات والعقائد القبورية التي كانت سائدة في البلاد، ومن تلك القبائل قبيلة " آل علي جابر " ببلد خشامر وما حولها في منطقة العقّاد بين القطن وشبام، وحتى بعض رجال السادة العلويين تابعوهم على ذلك، كما ذكر ابن عبيدالله في "إدام القوت" عند كلامه على الحوطه "حوطة أحمد ابن زين" 1235وبشكل أوسع في منطقة " المحيضرة " إحدى ضواحي تريم وهو يتكلم، عن السلطان عبدالله عوض غرامة، فقد قال: (وكان ينكر بطبعه غلو القبوريين، فوافقته آراء الوهابية، وأكثر التعلق بوحيد عصره وفريد دهره مقدم الجماعة، وشيخ الصناعة والذي انتهت إليه رياسة العلم بتريم،العلامة الجليل السيد أبي بكر بن عبدالله الهندوان،المتوفى بتريم سنة (1248هـ)،وقد اتهمه العلويون بأنه هو الذي يعلم عبدالله عوض غرامة آراء الوهابية، ويحثه على الالتزام بها، ومؤاخذة الناس بمقتضاها، فتآمروا على قتاله، فهرب إلى بيت جبير،ولم يقدر عبدالله غرامة على حمايته بتريم؛ لأن غرامة لا يملكها كلها، وفي أيامه كان وصول الوهابية إلى تريم سنة (1224 هـ)،بقيادة الأمير علي 1236 بن قملا، فطوى بهم حضرموت، ولم يفسد حرثاً،ولا أهلك نسلاً، وإنما هدم القباب،وسوى القبور المشرفة،وألقى القبض على المناصب، وأهانهم،وأتلف قليلاً من الكتب،كثره بعض العلويين، كصاحبنا الفاضل السيد علوي بن سهل، بدون مبرر من الدليل، وأقاموا بتريم نحو أربعين(1/452)
يوماً، وعاهده عبدالله عوض غرامة، وعبدالله بن أحمد بن يماني على أن يكف الأذى عن بلادهما، على شرط أن يقوما بنشر دعوته، التي لاقت هوى من نفوسهم وقبولاً من خواطرهم) 1237.
إذاً فهذا إمام كبير وعلامة شهير من سادة تريم،كان يوافق أهل نجد على منهجهم،وقد اتهم بنشر هذا المنهج وتعليمه لهذا السلطان،حتى أن السلطان عبدالله عوض غرامة أرسل رسالة عزاء في قتيل قتل في مشاجرة بغير قصد، جاء فيها: (إننا لا نريد ذلك ولانحبه، وإنما كان قتله على غير اختيار منا، ولكن شؤم أعمالكم والتفاتكم إلى غير الله وعبادتكم للأموات والقبور هو الذي جر عليكم المصائب، وسيجر عليكم ما هو أعظم)، قال ابن عبيدالله: (ويقال أن هذه المكاتبة كانت من إنشاء إمام تريم لذلك العهد المتقدم، ذكره السيد أبي بكر بن عبدالله الهندوان، والله أعلم) 1238، بل هناك نص أوضح وأصرح في استجابة الكثير من قبائل حضرموت وبعض السادة العلويين للدعوة الوهابية، بل وطلبهم وصول دعاتها إلى حضرموت، يقول ابن عبيد الله في ترجمة أحمد بن سالم منصب عينات: (وفي أيامه كان وصول الوهابية إلى حضرموت، بطلب من بعض السادة وآل كثير، ولم يكن لهم عسكر كثير، وإنما كانوا ينشرون دعوتهم، ويستجيب لهم الناس، وكان ممن استجاب لهم آل علي جابر بخشامر، غربي شبام، وبعض السادة وبعض آل كثير وعبدالله عوض غرامة بتريم) 1239، ولكن وجود النجديين في حضرموت لم يدم طويلاً حيث كان وصولهم إليها في آخر عمر الدولة السعودية الأولى، والتي انتهت بوصول القوات المصرية إلى الدرعية سنة (1233هـ) 1240، وكانت جيوشهم قد وصلت إلى ساحل ينبع سنة (1226 هـ) 1241، وما بين هذين التاريخين كان أهل نجد مشغولين بقتال القوات المصرية، ومن هنا قلّت إمداداتهم إلى جيوشهم التي تقاتل في أطراف الجزيرة العربية ومنها الجيش الذي بحضرموت؛ ولذلك فقد هزم هذا الجيش بالقرب من حريضة على يد قبائل الجعده وقيادة السادة آل العطاس1242،(1/453)
ورجعوا إلى بلادهم.
ولكن آثار دعوتهم مازالت موجودة، وكان أشهر بلد استقرت على مبادئ هذه الدعوة هي بلد خشامر وأهلها آل علي جابر؛ لذلك كانت من النوادر أن أحداً إذا أراد من وليٍّ كرامة فلم تحصل يهدَّده باللجوء إلى آل علي جابر في خشامر، كما ذكر في تذكير الناس قول الذي قال في زيارة المشهد:
زوار جينا بانزورك ياعلي لي تكرم القاصد وترحب بالغريب
إن شيء كرامة با تقع ذا حلها والا رجعنا لا قَدَا صالح حبيب 1243
أي إذا لم تكرمنا فإننا سنذهب إلى صالح حبيب شيخ آل علي جابر الوهابيين، وقول الآخر حينما جاء إلى الحسن بن صالح البحر، وله ولد مريض، فخاطبه بقوله: (وعزة المعبود إن لم تذهب الحمى من
ولدي محمد لأصبح في خشامر عند بن علي جابر) 1244. وكل ذلك قد تقدم.
ومالبث الناس بعد ذهاب النجديين إلا يسيراً، فنشأت جمعية الإرشاد بإندونيسيا، فتواصل التأثير، ولله الحمد،حتى جاء الله بهذه الصحوة التي هي سلفية سنية منابذة للقبورية متمسكة بمنهج السلف الصالح رضوان الله، عليهم نسأل الله أن يتم نوره، ويعلي كلمته، ويهدي الجميع للتمسك بما يرضيه
المطلب الثاني: دعوة الإرشاد بإندونيسيا وأثرها على القبورية في اليمن:
من خلال العوامل التي أدت إلى قيام دعوة الإرشاد يمكننا أن نتعرف على أهم ملامحها، فالعوامل التي أدت إلى قيامها هي:
1) الجهل المركّب الذي يسود العرب في إندونيسيا.
2) تمادي العنصريين في استعلائهم على الناس واستغفالهم لهؤلاء ماديّا واجتماعيّا.
3) كثرة البدع والخرافات.1245
من خلال هذه العوامل يتضح أن هذه الدعوة كانت ثورة على الجهل الذي كان يسود العرب في مهجرهم، ووسيلة إزالته العلم، وثورة على التعالي العنصري، والمطلوب هو التساوي والعدل الذي جاء به الإسلام، وثورة على البدع والخرافات،وسبيل ذلك هو نشر التوحيد والاتباع وتعلم الإسلام الصحيح من كتاب الله وسنة رسوله (.(1/454)
ومن مجموع ذلك نتعرف على جمعية الإرشاد الإسلامية بإندونيسيا، فنراها تقوم على ثلاثة أصول:
1) نشر العلم وإفشائه بين سائر الطبقات.
2) المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع الشرائح في المجتمع.
3) محاربة البدع والخرافات ونشر ضدها من التوحيد والاتباع.
وهذه الأصول كلها نقض لبعض أركان القبورية في اليمن، وقد سبق ذكرها مفصلة في الباب الثاني في آثار القبورية.
وقد وصلت هذه الدعوة إلى اليمن وإلى حضرموت بوجه خاص موطن، مؤسسي هذه الجمعية، وكان لها أثرها الطيب؛حيث تنبه الناس من غفلتهم واستيقظوا من رقدتهم، فهرعوا إلى العلم، ورفضوا التمايز الطبقي، ودعوا إلى التوحيد والسنة ورفض البدع والخرافات والشركيات، وقام بعضهم بتسوية بعض القبور في مناطقهم، وأذكر أن أحدهم في قريتنا عَمَدَ إلى ثوب كان يكسى به صناديق مكتبة الشيخ عمر بن أحمد العمودي الشهيرة والمعروفة عند المؤرخين بـ " المكتبة الشُعبية " وعند العوام بخزانة
الشيخ عمربن أحمد، قام بأخذ هذا الثوب الذي تكسى به صناديق الكتب -على جهة التعظيم- وألقاه في بئر معطلة بالقرب من الخزانة، وذلك الرجل هو الشيخ عبدالرحيم ابن محمد المهجوس العمودي رحمه الله، وكان أول من أعلن الدعوة إلى السنة ومحاربة البدع والشركيات في ذلك البلد.
وهكذا لم يبق وادٍ أو منطقة من مناطق حضرموت إلا ووجد فيها مثل ذلك الرجل، وفي كثير من الأماكن كان لهؤلاء أنصار وأعوان، يحملون هذه الدعوة ولو في أنفسهم وأقاربهم.
ومما يدل على وجود هذا الأثر ضجة القبوريين من هذه الدعوة والشكوى منها ونشر الدعاية ضدها، من ذلك ما هو مكتوب، ومنه ما هو على الألسنة.
المطلب الثالث: جهود أئمة وعلماء اليمن الأعلى في المواجهة العملية للقبورية:(1/455)
إن القبورية لم تترسخ في اليمن الأعلى مثلما ترسخت في بقية مناطق اليمن، وذلك أن الفرقة الزيدية والمذهب الهادوي ليس فيهما من الغلو ما في مذاهب أهل الرفض والباطنية من الإسماعيلية والصوفية الغلاة، لذلك؛لم يكن في أصل المذهب الهادوي ترخيص في البناء على القبور، ولا في عقائد الزيدية اليمنية الأولى شيء من ذلك، وإنما طرأت تلك الأقوال في القرن السابع عندما توافد الصوفية على اليمن وحينما بنى بنو أيوب المشاهد على قبور سلاطينهم،وميزوها عن قبور الناس، عند ذلك سرت العدوى إلى ديار الزيدية، وبقيت محصورة على الأئمة الحاكمين وأسرهم ومقربيهم، فهي فتوى سياسية أكثر منها شرعية واعتماد على إلحاح الواقع لا على أدلة الشرع؛ ولذلك فليس هناك تعظيم للقبور التي في ذلك الجزء من اليمن كما هو في بقية الأجزاء الأخرى، وليس هناك فلسفة لزيارتها كما يوجد عند الصوفية؛ لذلك كله كان من السهل على علماء تلك البلاد وبعض حكامها أن يدركوا الحكم الصحيح لتلك المشاهد وأن يتمكنوا من هدمها وإزالتها بيسر أكثر مما عليه الحال في مناطق الصوفية، كذلك فقد كانت هناك جولات لبعض العلماء وبعض الأئمة وجهود عملية؛لإزالة بعض تلك المشاهد وتسوية القبور المعظمة عند بعض العامة،وقد اطلعت على جولتين من تلك الجولات.(1/456)
الجولة الأولى: على عهد الإمام المهدي العباس بن الحسين بن القاسم المولود (1131هـ) والمتوفى سنة (1189هـ) والذي كان معاصراً للإمام ابن الأمير الصنعاني رحمه الله المتوفى (1182هـ)، فقد قام هذا الإمام بهدم كثير من تلك المشاهد والقبور المعظمة بتحريض جماعة من العلماء رحمهم الله تعالى، قال الإمام الشوكاني رحمه الله: (وقد تكلم جماعة من أئمة أهل البيت -رضوان الله عليهم- ومن أتباعهم رحمهم الله، في هذه المسألة بما يشفي ويكفي، ولا يتسع المقام لبسطه، وآخر من كان منهم نكالاً على القبوريين،وعلى القبور الموضوعة على غير الصفة الشرعية، مولانا الإمام المهدي العباس بن الحسين ابن القاسم رحمه الله، فإنه بالغ في هدم المشاهد التي كانت فتنة للناس وسبباً لضلالهم، وأتى على غالبها، ونهى الناس عن قصدها والعكوف عليها فهدمها،وكان في عصره جماعة من أكابر العلماء ترسلوا إليه برسائل، وكان ذلك الحامل له على نصرة الدين بهدم طواغيت القبوريين 1246.
أما الجولة الثانية: فقد تم فيها إزالة القباب والمشاهد في اليمن الأعلى بجهود علماء صنعاء وحث أئمة الدعوة النجدية، قال الإمام الشوكاني -رحمه الله- في ترجمة سعود بن عبدالعزيز بن محمد ابن سعود في البدر الطالع: (ومازال الوافدون من سعود يفدون إلينا إلى صنعاء إلى حضرة الإمام المنصور، وإلى حضرة ولده الإمام المتوكل بمكاتيب إليهما بالدعوة إلى التوحيد وهدم القبور المشيدة والقباب المرتفعة، ويكتب إليّ أيضاً مع ما يصل من الكتب إلى الإمامين، ثم وقع الهدم للقباب والقبور المشيدة في صنعاء وفي كثير من الأماكن المجاورة لها وفي جهة ذمار،ومايتصل بها)1247.(1/457)
وقد ورد هذا الخبر مزيداً ومفصلاً في كتاب "حوليات يمانية" الذي حققه ونشره السيد عبدالله الحبشي حيث قال: (وفي سنة (1229 هـ) تهيأ المتوكل على خروجه على النجدي على تهامة، وعلى الشريف وعاهد الإمام القاضي عبدالله العِكام، ووصل وقد رحل المتوكل من صنعاء إلى ذمار، وبقي خارج ذمار،وطلب المغلَّبات من الإمام،ولم يتم منه بشيء ونهب محل اليهود في ذمار لا رحمه الله، وتعدى إلى الطريق المسبلة،ورحل خارج اليمن، وتبعه المتوكل وجرت بينهم حروب.
وفيها وقعة السرايم خارج جبلة، وخاب السعي من النفوذ على تهامة، فكلما هيأهم المتوكل للتحضير على المخالفين طلبوا المغلَّبات، وما مقصدهم إلا الفساد، ووقع لهم شيء من المال ورجعوا بلادهم، ورجع الإمام إلى صنعاء، ورجح مكاتبة النجدي ومداهنته، حتى وصل من الدرعية المطاوعة الآخرون الأمير محمد، ويوسف القرماني وجماعة معهم، وخاطبوا المتوكل في خراب المشاهد والقباب المنصوبة على قبور الصالحين والأئمة الهادين، فجمع الإمام أعيان دولته وعلماء حضرته، وأجاب عليه العلماء بأنه إذا كان العمل بالشريعة حقيقة لا على أنها مداهنة للنجدي وقبول قوله فهذه القباب ورفع القبور بدعة لاعلى الوجه المشروع،كما روي عن أمير المؤمنين بهدمها وتسويتها بالأرض، فرجح المتوكل الأمر بهدمها وهدمت الذي في صنعاء وما حولها قبة صلاح الدين، وقبة المنصور حسين في الأبهر،وقبة الفليحي،وسدة قبة المهدي العباس التي فيها القبر، ولم يبق إلا قبة المتوكل للصلاة، وهدمت قبة أحمد بن أحسن في الغراس وأرسل على بقية النواحي بهذا 1248.(1/458)
ومن هذا النص نفهم أن أصحاب نجد قد شددوا على الإمام في صنعاء في هذا الأمر وقد وجد الإمام نفسه مضطراً لقبول ضغوطهم والعمل بمايدعون إليه، ولكن أراد أن يحمل المسؤولية العلماء بدل أن يتحملها بمفرده، وكان العلماء يتحينون هذه الفرصة؛ لأنها تحقق جزءاً مهماً من دعوتهم،ولذلك كان جوابهم: (بأنه إذا كان العمل بالشريعة حقيقة لا على أنها مداهنة للنجدي، وقبول لقوله فهذه القباب ورفع القبور بدعة على الوجه المشروع، كما روي عن أمير المؤمنين بهدمها وتسويتها بالأرض،فرجح المتوكل الأمر بهدمها)1249. فهذا جهد كبير كان الدافع له دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتنفيذه برغبة وقناعة تامة من علماء اليمن، والنتيجة هي هدم تلك القباب وتسوية تلك القبور المشرفة وإن كانت قد أعيدت إلى سالف عهدها فيما بعد،ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.(1/459)
ونموذج آخر قام به أحد الأئمة ولكن، هناك شكوك في دوافعه، تلك الجهود هي التي قام بها الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين حينما كان ولياً للعهد في أيام أبيه وحاكماً للواء تعز، فقد قام بهدم قبة أحمد ابن موسى بن العجيل في مدينة بيت الفقيه عام (1348هـ)، وتحطيم تابوت أحمد ابن علوان وإخراج رفاته ثم دفنه في مكان مجهول عام (1372هـ)، وهذا العمل من حيث أنه تحقق به أمر مطلوب شرعاً فهو جيد، ولكن الشكوك ساورت الناس حينما اقتصر على هدم مشاهد البلاد الشافعية بينما البلاد الزيدية فيها مشاهد كثيرة،ومنها ما قد فتن به بعض الناس، ومع ذلك لم يمسها بشيء من ذلك، قال القاضي إسماعيل الأكوع في "هجر العلم" بعد أن ذكر هدم الإمام أحمد لهذين المشهدين: (وتالله لقد أحسن الإمام أحمد صنعاً في كلتا الحالين، ولو أن يده امتدت إلى سائر القباب والتوابيت الأخرى التي يعتقد عامة الناس في أصحابها الضر والنفع لأجزل الله مثوبته وأحسن إليه، ولاسيما القبور التي يلتمس عندها العامة الخير والبركة، ويرجون منها النفع ودفع الضر والشر 1250، ثم استطرد في الموضوع إلى أن قال: (وكان الواجب على الإمام أحمد هدم القبور التي يلتمس العامة منها الخير والبركات؛ امتثالاً لأمر رسول الله ()1251.
قلت: وفي هذا إشارة إلى أن الإمام أحمد ما فعل ما يجب عليه،وما كان مقصده تطبيق أمر الشرع بشكل خالص؛ وإلا لعمم ذلك، وربما يعتذر له بأن هذه المشاهد تحت سلطته بينما غيرها ليس له عليها سلطة، فقد مر أن أباه كان يؤيد تلك المشاهد التي على قبور الأئمة، وقد أمر ببناء واحد منها في منطقة أرحب على قبر الإمام أحمد بن هاشم الويسي المتوفى سنة (1269 هـ) والمدفون في (دار أعلا من أرحب للتبرك به، وهددهم بأنهم إن لم يفعلوا ذلك فإنه سينقل رفاته إلى مكان آخر، فما كان من أهل أرحب إلا أن بنوا له قبة، ووضعوا على قبره تابوتاً) 1252.(1/460)
والخلاصة أن هناك جهوداً عملية قام بها أئمة وعلماء في هذه المناطق، وقضوا ما عليهم، وقاموا بما أمروا به، فمن كان منهم مخلصاً فأجره على الله، ومن كان له مقصد آخر؛فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى.
المطلب الرابع: الجهود العملية المختلفة التي قام بها أناس مختلفون في سائر أنحاء اليمن:
إن الجهود العملية لتسوية القبور المشرفة كانت من عهد النبي ( ولا تزال إلى اليوم، وقد مر في الباب التمهيدي حديث علي -رضي الله عنه- حين قال لأبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ( ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته)1253، وهو يدل على أن النبي ( بذل جهوداً في محاربة القبور المشرفة، وكذلك علي -رضي الله عنه- في أيام خلافته وقبل ذلك في أيام عثمان حيث كان يتفقد المقابر بنفسه، ويأمر بتسويتها، وقد مر هناك.
ثم مازال ولاة الأمور يتابعون هدم ما بني في المقابر، كما صرح الإمام الشافعي -رحمه الله- بذلك في الأم ونقلته في الباب التمهيدي، وإنما تخاذل ولاة الأمر في ذلك بعد تمكن الباطنية من مقاليد الأمر في القرن الرابع كما مر كذلك، وفي القرون المتأخرة أصبح السلاطين يؤيدون القبورية؛لأغراض سياسية فعمقوها وجذروها في الأمة،وأصبحت الجريمة ليست هي بناء المساجد والمشاهد على القبور، وإنما هدم وإزالة تلك الأبنية.(1/461)
وبالمناسبة أقول: إنه لدينا في اليمن تجري السلطة على نفس منهج السلاطين المتقدمين من مجاراة للقبورية ومداهنة لهم، ونتوهم أنهما بذلك يكسبونهم ويكسبون الأمة من ورائهم، وهذا وهم كاذب، فالصوفية لا تحب هذا النظام أوتنصح له، وأكبر دليل ما حصل منها أثناء حرب الانفصال وكل الناس يعرفون موقفها من ذلك، وعندما يقوم فرد أو مجموعة من الغيوريين بتنفيذ أمر سول الله ( فيسوون قبراً أو يهدمون مشهداً،تقوم عليهم الدنيا ولا تقعد ويساقون إلى السجون، وتشهر بهم الصحف المأجورة، ويتناولهم بأنواع السباب والشتائم من لا علم ولادين ولاخلق له، والعلة في ذلك حسب زعمهم هي: إثارة العوام، وإثارة القلاقل، والإخلال بالأمن، واحتمال وقوع الفتن والقتل، ونحو ذلك من العلل.
وأقول: إنه قد يحصل شيء من هذا،لكن أليس ما يقوم به القبورية اليوم على مرأى ومسمع من الجميع من بناء مشاهد جديدة وترميم وإصلاح المشاهد القديمة وبعث العادات والبدع القبورية الميتة، أليس هذا كله يستفز الأمة التي قد وعت وعرفت أن ذلك حرام ووسيلة من وسائل الشرك؟ وجميع المسؤولين والمهاجمين لمعارِض القبورية معترفون به، فإذن لِمَ تجوز الإثارة من قبلهم ولا تجوز من قبل معارضيهم؟ مع أنهم على باطل ومعارضوهم على حق باعتراف قيادات الأمن وقضاة المحاكم وأساطين الصحافة؟ هل لأن الدعاة لا يلجأون للإثارة وتهييج الجموع؟ والقبورية يتقنون ذلك؟ أم أن هناك إيحاءً بذلك من جهات لا نعرفها؟ يجب أن نسمع جواباً شافياً على هذا التساؤل وعدلاً وإنصافاً مع الأطراف المختلفة والتخلي عن محاباة طرف على حساب الآخر.(1/462)
ويجب أن يزول كذلك وهم أن الصوفية القبورية ومن على شاكلتهم قادرون على أن يحققوا لبعض الأحزاب أهدافها، فوالله ماهم بفاعلين؛ لأنهم إنما يسعون لمصلحة مبادئهم ومناهجهم لالمصلحة أحد سواهم، ولو فرض إرادتهم نفع هذا الحزب أو ذاك فلم يعودوا قادرين عليه؛لأن الأمة قد سحبت ثقتها منهم ولم يعد نفوذهم يسيّرها.
نماذج من تلك الجهود:
بعد هذه المقدمة التي أطلت فيها حيث لم أستطع تجاوز هذا الموضع بدونها أقول: (إن هناك نماذج مشرقة في مواجهة القبورية في اليمن مواجهة فعلية، وتقدم قريباً ما فعل علماء صنعاء عندما واتت الفرصة لهم، كما سبق في مبحث من مباحث هذا الباب، ما فعله القاضي العلامة عبدالله عوض بكير وزملاؤه أعضاء لجنة الشؤون الدينية حينما قامت اللجنة الشرعية وأعطي لها الصلاحيات من إزالة الكثير من مناكر الزيارات القبورية، وكذلك ما فعله بحكم منصبه القضائي من إغلاق لمشهد " علوية " بمدينة المكلا ومنع إقامة الحضرة فيه.
ولقد تساند بعض القضاة الصالحون مع بعض مسؤولي النواحي في -ما كان يعرف بالشطر الشمالي من اليمن- فقاموا بجهود مشكورة ومساندة للدعاة لإزالة بعض المشاهد وتسوية بعض القبور المعظمة وهاك مثالاً على ذلك وهو ما أخبرني به الأخ الشيخ محمد بن علي الغيلي من احتساب، قام به الشاب الغيور الداعية إلى الله في بلاد المحابشة من محافظة حجة الأستاذ الشهيد -إن شاء الله- " أحمد بن أحمد الأمين " مع مجموعة من إخوانه طلبة العلم والدعاة حيث قرروا إزالة هذه المشاهد وما يترتب عليها من مفاسد،وبدأوا بالتوعية والتهيأة لذلك،ثم اتصلوا بالعلماء فوجدوهم مجمعين على أن ذلك من البدع المنكرة، غير أنهم ما كان بمقدورهم الإفصاح عن ذلك، ثم اتصلوا بالمسؤولين "العامل والقاضي ومسؤول الأوقاف"، وقد وافقهم الجميع، ثم أخذوا أمراً من القاضي " محمد بن علي الخزان " حاكم القضاء، هذا نصه:(1/463)
(نأمر المذكورين المحررة أسماؤهم بالعزم بمعية الولدين محمد علي الغيلي، وأحمد الأمين لهدم مشهد "الصوفرة" ليزول الاعتقاد والفساد لدى العوام وفي ذلك عمل صالح تخدمون به الإسلام والعقيدة الحقة، اعتمدوا هذا.
11/شعبان سنة 1394هـ حاكم القضاء
محمد بن علي الخزان
وذكر أسماء المكلفين بذلك، وقد نفذت العملية صبيحة يوم الرابع عشر من شعبان عام (1394هـ) وذلك من قبل الشباب المذكورين، ومعهم عدد من الجنود المسلحين، ولم يحدث شيء يذكر من فتنة ولاغيرها ثم قضى على بقية المشاهد في المنطقة، والحمد لله رب العالمين.
هذا ملخص ما حكاه الشيخ محمد الغيلي حفظه الله، وصورة أمر القاضي موجودة لدي،(1/464)
وإليك مثالاً ثانياً على المواجهة العملية للقبورية في اليمن من محافظة شبوة حيث قام مجموعة من المهاجرين إلى الحجاز الذين جالسوا علماء مكة والمدينة وعرفوا منهم الحق في موضوع القبورية قاموا بعمل ملفت حيث اتفقوا مع الشيخ الجليل والداعية المعروف الشيخ محمد بن عبدالوهاب البناء المصري أحد أعضاء جماعة أنصار السنة المحمدية،والذي كان مقيماً في المدينة حيناً وفي مكة حيناً آخر، اتفقوا أن يصحبوه إلى بلادهم للدعوة إلى الله عزوجل ونشر السنة والتوحيد وإصلاح ما أفسدته القبورية، فارتحل معهم وذلك قبيل استقلال البلد عن الاستعمار البريطاني بقليل،حتى وصلوا إلى بلادهم والتي كانت تسمى"سلطنة الواحدي " ومكثوا مدة طويلة فيها، يدعو الشيخ ويعلم الناس، وتلك المجموعة تناصره وتحميه، وقد اتصل بالمسؤولين والعلماء وكبار الناس في المنطقة، وكان لدعوته أثر طيب،منه قيام أولئك النفر ومن تأثر بهم بهدم بعض القباب والمشاهد وتسوية بعض القبور المعظمة،ومنها القبر المزعوم والمنسوب إلى من قالوا أنه النبي (دانيال ابن هادون بن هود)،ولا أدري كيف أجازوا إضافة نبي لم يخبر به كتاب ولاسنة ولا أثر صحيح، المهم اكتُشف القبر ورسخ في عقول ونفوس الناس أنه قبر هذا النبي " المزعوم "، فصار مشهداً تقام له زيارة سنوية في رجب،وتحصل فيها اجتماعات وكرامات، هذا القبر الذي فتن الناس به،هدمه أولئك الرجال جزاهم الله خيراً 1254.
ومن العجب -وكل أمر القبورية عجب- أن بعض الإخوة الذين عاصروا هدم ذلك القبر أخبرني أنه عندما هدمت القبة، وأزيل ما على القبر لم يوجد به أي قبر وإنما وجدوا صفاة صماء لا حفر فيها ولا أي أثر يدل على أنه قد دفن فيه أحد.(1/465)
ومثال ثالث أخير على المواجهة العملية وهو من محافظة عدن، وهي الحادثة التي كان من نتائجها تسوية القبور المشرفة، وهدم القباب المرتفعة، وتحطيم التوابيت التي على قبور من يدعون أنهم أولياء، فيفتتن بهم عامة المسلمين، تلك الحادثة وقعت في عدن عقب انتهاء حرب الانفصال في عام (1415هـ) والتي قام بها مجموعة كبيرة من شباب الصحوة من سائر فصائل العمل الإسلامي، بعد أن رتبوا أو على الأقل أبلغوا الجهات الأمنية ولم تجد معارضة لفعلهم، غير أنه وبعد يومين من بداية الحملة انعكس توجه الحكومة ويبدو أن ذلك كان تحت ضغوط داخلية وخارجية كبيرة، وبدأوا يلاحقون الشباب الذين شاركوا في تلك الحملة، وزجوا بمجموعة كبيرة منهم في السجون، وقد ضخمت تلك الحادثة في وسائل الأعلام تضخيماً كبيراً، ووصف القائمون بذلك العمل بشتى الأوصاف القبيحة من إرهابيين ومجرمين وجبناء وغير ذلك، وكان من نتيجة ذلك هدم قبة الهاشمي وتسوية ما بداخلها من القبور المشرفة وكذلك قبة العثماني وكلاهما في الشيخ عثمان، وتحطيم تابوت العيدروس وما بجواره من القبور المشرفة، وعددها حوالي اثني عشر قبراً، ثم إخراج القبور من المساجد وهي قبر العراقي من مسجد حسين، وقبر مجاور للمسجد، وقبر المهدلي وقبر حسين الأهدل وقبر في مسجد العلوي بالقطيع وقبر الحامد من مسجد بالزعفران وتسوية قبر أو قبرين بـ (صيره).
وربما كان هناك أخطاء في تلك الحملة قبل البدء فيها حيث لم ينظر بدقة إلى عواقب الأمر، وما سيترتب على ذلك العمل من نتائج وفي ظل أجواء مشحونة بالتوتر ووجود فئات مهزومة،لم يبقَ لها إلا سلاح الدعاية والإشاعات الخبيثه،وتوجه إعلامي كامل نحو اليمن إثر الحرب التي انتهت قبل أيام.(1/466)
كما حصل أثناء الحملة بعض الأخطاء، مثل: الحفر عن بعض القبور، وإخراج جثث الموتى منها، ولا أدري في أي مكان دفنت بعد ذلك، فهذه بعض المفاسد وهي طفيفة،وأما المصالح فكانت كثيرة فمنها: امتثال أمر النبي ( الخاص بتسوية القبور المشرفة، ومنها: إزالة أماكن المنكر والفتنة التي يضل بها فئام من الناس كل حين، ومنها: إقامة البرهان على كذب الدعاوى العريضة التي كان سدنة تلك المشاهد يرددونها حول الكرامات الخارقة التي يزعمونها لأولئك الأولياء، ومنها: هذه الكرامة التي ينسبونها للعيدروس حيث يقولون: (إن القطب أبابكر العيدروس كان يمازح الولي الشهير سعد السويني، والعيدروس بعدن، والسويني بحضرموت، إذ ضجر السويني من ممازحة العيدروس، فرماه بمسواكه فأقبل المسواك " كالصاروخ سكود " فاكتشفه العيدروس وأمر طلابه بأن يخفضوا رؤوسهم حتى لايصيبهم، ولكن المسواك ارتفع عن المسجد ومن فيه ووقع في الجبل القريب منهم فأحدث فتحة كبيرة، لاتزال موجودة إلى اليوم)، هكذا يقولون للسذج من الناس ويصدقهم الكثير منهم، ويلغون عقولهم فلا يفكرون في إمكانية ذلك من عدم إمكانيته، فلما كسر التابوت وحطم أجزاء من المباني حوله بل وحفر القبر ورفع الرفات المتبقي من تلك الجثة، أيقن العقلاء أن ذلك هراء ودجل صريح، فهذه الفائدة كبيرة جداً، وإن كان بعض المخدوعين مازالوا يعتقدون بتصرف العيدروس في الكون حياً وميتاً، ولم يعدم السدنة والمضللون من القبورية حيلاً يبررون بها ما جرى، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ولعمري لقد أدى أولئك الشباب واجباً، وقاموا بفرض تخلى عنه الآخرون، فجزاهم الله خير الجزاء، وغفر لهم ما فيه من أخطاء.(1/467)
ولقد تباينت ردود الأفعال كثيراً حول تلك الحادثة، وقال كلٌّ بما أراد أن يقول، إما عن اجتهاد أو هوى، وقد صدرت على إثر ذلك الحادث بيانات وكتبت مقالات، كان الغالب عليها مراعاة الحالة السياسية والوضع الذي تمر به البلاد والتأثر بما قامت به وسائل الإعلام العالمية من هجوم ضد منفذي هذه العملية، ولم أر من تلك البيانات والمقالات أكثر تجرداً، ولا أوضح تناولاً، ولا أنصح من بيان العلماء الذي سبق نقله في المبحث الثالث من هذا الفصل؛لأن الموقعين عليه من العلماء العاملين والدعاة المخلصين والمتجردين من الضغوط والأهواء المختلفة، فهو بحق يمثل الموقف الشرعي الصحيح إزاء ذلك الحادث، ويعتمد على الأدلة الصحيحة والبراهين الناصعة، فجزى الله من أصدره خير الجزاء.
الحمد لله الذي أتم عليَّ نعمه، ووالى عليَّ مننه، وأعانني فأكملت هذا البحث بهذه الصورة التي أرجو أن أنال بها رضاه،وأن يكون البحث نافعاً محققاً للغرض منه،وقد توصلت من خلاله إلى عدة نتائج من أهمها:
1. أن بني آدم كانوا على التوحيد الكامل حتى طرأ عليهم الشرك وذلك بالغلو في الصالحين ولم يعرف شرك في البشرية قبل ذلك.
2. أن اليهود والنصارى واليونان كانوا قبورية متعلقين بالقبور معظمين لها معتقدين فيها عقائد باطلة وقد أخبر الرسول ( أن هذه الأمة ستتبعهم في ذلك.
3. أن العرب كانوا موحدين على ملة أبيهم إبراهيم، حتى حرفهم عمرو بن لحي الخزاعي وكان من أسباب انحرافهم الغلو في بعض البشر، كما حصل عندما أحبوا (اللات) وعظموا موضعه،ثم اتخذوه إلهاً، وبالغلو في آثار الأنبياء حتى عظموا الحرم وحملوا حجارته معهم تعظيماً له، ثم أنهم عبدوا تلك الأحجار بعد مدة.
4. أن الشرك بعد ذلك عمّ جزيرة العرب والعالم كله حتى مقتهم الله تعالى إلا بقايا من أهل الكتاب ومعهم عدد قليل من حنفاء العرب.(1/468)
5. أن رسول الله ( لم يمت إلا وقد طهر الجزيرة العربية من الشرك وعلم أمته طرق حماية التوحيد وحذرهم من الشرك ووسائله أبلغ تحذير.
6. أن القرون المفضلة كانت خالية من جميع مظاهر القبورية، وأن الصحابة والتابعين وأتباعهم من علماء وأمراء عملوا على إزالة أي مظهر من مظاهر القبورية المتمثلة في البناء على القبور، وتعظيمها بأي نوع من أنواع التعظيم حتى أن الخلفاء والأمراء كانوا يتولون ذلك بأنفسهم أو بوكلائهم، وأن ما يستدل به القبورية على وجود مبان وقبور مرتفعة في ذلك الوقت إنما هو مجرد شبه لا وزن لها
7. أن الشيعة كانوا يحاولون منذ زمن مبكر إنشاء مبان على قبر الحسين ( وإقامة مراسيم بدعية له، ولكن الخلفاء كانوا يمنعونهم من ذلك، ويشددون في المنع، ويزيلون ما يحدث في حين الغفلة، وأن ذلك كان بدافع الحرص على منع الابتداع في الدين وليس كما يقول الرافضة بسبب بغض الحسين وأهل بيته.
8. أن الشيعة الغالية من رافضة وإسماعيلية وباطنية هم الذين أنشأوا المظاهر القبورية في العالم الإسلامي ضمن بدع كثيرة ابتدعوها حينما حكموا بلاد المسلمين أواخر القرن الثالث وسائر القرن الرابع وبعض الخامس وأن تلك المظاهر قد ألفها المسلمون منذ ذلك الحين ولذلك فإن الدول السنية التي جاءت بعدهم قد قلدتهم في ذلك ونشرت تلك المظاهر في البلاد التي لم تصلها الدولة الشيعية.
9. أن الصوفية المتأخرة القائمة على الفلسفة هي نبته غريبة على الإسلام ولا علاقة لها بالزهد الذي حث الشرع عليه، وليس لها قدوة من صحابي أو تابعي أو إمام معتبر من أئمة المسلمين.(1/469)
10. لقد أخذت باطنية الشيعة جملة من العقائد عن الفلاسفة وغيرهم من الأمم الكافرة وطبقتها على أئمتها وصاغتها صياغة تناسب ملتها ثم نشرتها بين اتباعها وحملتهم عليها ثم إن المتأخرين من الصوفية أخذوا ذلك عنهم ودمجوه في منهجهم وعملوا به واعتقدوه ومن ذلك عقيدة القطبية والتصرف في الكون التي انبثقت عنها معظم العقائد الضالة في الأولياء والكرامات.
11. كما أخذت الباطنية الشيعية والصوفية بعلة الزيارة التي قررها الفلاسفة وأصبحوا يزورون القبور بمقتضاها لا بمقتضى العلة الشرعية التي علمها رسول الله ( لأمته وتلك العلة المأخوذة عن الفلاسفة هي الاستشفاع والاستمداد من أرواح الأموات المزورين واعتقاد أنها تمد من استمد منها
12. إن الصوفية الغالية الحريصة على إظهار الخوارق وعدها كرامات تدل على ولاية من جرت على يديه قد اخذوا بعدد من علوم السحر واستخدموها ونشروها في الأمة ومنهم من كان يعاني أنواعاً من الرياضات للوصول للكشف وخرق العادة على طريقة سحرة الهند وغيرهم.
13. ليس ما ذكرته عن الصوفية منطبقاً على كل من انتمى إليهم أو وصف بولاية منهم، بل ممن نسب إليهم مَن هو برئ مما نسب إليه، وهناك من اعتقد عقائدهم وعمل ببدعهم؛ تقليداً لهم وإحساناً للظن بهم، فهؤلاء أمرُهم إلى الله، وأما ما نسب إليهم من ذلك فهو باطل وانحراف وهو إدانة للمنهج الصوفي ودليل على بطلانه؛ لأن الصوفية هم الذين نسبوا ذلك إلى شيوخهم ونشروه مرتضين له، بل يعدونه من أعظم فضائلهم.(1/470)
14. أثبتت هذه الدراسة أن أهل اليمن كانوا على منهاج السلف الصالح في عقيدتهم وأحكامهم وأن مصادر علمهم هي كتب السنة قبل دخول الكتب الفقهية والمذاهب المختلفة وكتب الفرق المخالفة لذلك المنهج،وأن منهج السلف الصالح ظل قائما ًحتى بداية القرن الثامن في البلاد الشافعية وأنه ما كاد يغلب على تلك البلاد المذهب الأشعري حتى قام منهج السلف الصالح في البلاد الزيدية على يد الإمام محمد بن إبراهيم الوزير وأتباعه وهذا المنهج ما زال قائماً إلى اليوم والحمد لله.
15. كما عرفنا أن جميع المذاهب المخالفة لمذهب السلف الصالح إنما هي وافدة على اليمن وليست أصيلة فيه وأن الصوفية القبورية لم تعرف بفلسفتها المبتدعة في اليمن إلا منذ القرن السادس ولم تستقر ولم تنتشر إلا في القرن السابع.
16. أن جميع ما لدى صوفية العالم الإسلامي من عقائد ضالة وبدع باطلة ومخالفات ظاهرة أو خفية أو دعاوى وشطح كل ذلك قد قلدهم فيه صوفية اليمن في وقت ما أو مكان ما.
17. كما أظهرت الدراسة أن لسلاطين اليمن السنيين وأئمته الزيديين دوراً كبيراً في نشر القبورية وتعميقها في البلاد
18. كما أظهرت الدراسة أن لوجود القبورية وانتشارها آثاراً سيئة كثيرة منها:
أ) إفساد عقائد كثير من الناس بالشرك الأكبر والأصغر لتعلقهم بالأولياء وإيهامهم أنهم يمدون من استمد منهم، ويعطون من دعاهم، وينفعونهم ويضرونهم بما لا يقدر عليه إلا الله.
ب) نشر الخرافة في الأمة حتى أصبحت جزءاً من حياتها.(1/471)
ج ) نشر السحر واستخدامه باسم الكرامة والولاية، حتى أصبحت تقرأ عن أولياء يوصفون بأوصاف جليلة جداً، وتنسب إليهم كرامات عظيمة، وربما في نفس الترجمة يوصف بأنه يتقن علم أسرار الحروف والأوفاق والرمل وما أشبه ذلك،ويتصرف بها وهي من علوم السحر والكهانة مما يجعل الباحث في شك كبير من غالب أولئك الأولياء وتلك الكرامات لاختلاط الكرامة بالسحر والكهانة وعدم التقيد في صفة الأولياء بالضوابط الشرعية.
د ) كما أنه ترتب على ذلك نقص العلم الشرعي وتجهيل الأمة وحصر التعلم في فئات محدودة.
هـ) وترتب على ذلك أيضاً وجود تمايز طبقي وترفّع بعض الفئات على بعض مما كان له نتائج سيئة على المجتمع.
19. واجه علماء اليمن القبورية وتصدوا لها رغم ما كانت تقوم به من أساليب كثيرة لمواجهة هؤلاء العلماء، منها اللجوء إلى السلطان، وتسخير القبائل لضرب من ينازعها واستخدام الاختراق والاحتواء والتشويه للخصم، وقد يصل الأمر إلى التصفية الجسدية أو الضرب المبرح.
19.لعلماء اليمن مؤلفات قيمة نافعة في مواجهة القبورية كتبها علماء من سائر الجهات اليمنية.
020لقد كان لحركات التجديد السنية أثرها البالغ على القبورية في اليمن من حيث كبح جماحها،
وتبصير الناس بمعايبها، وصدهم عن متابعتها، والحركات التي كان لها بالغ الأثر هي مدرسة
التجديد والاجتهاد التي ابتدأها ابن الوزير وتبعه عليها ابن الأمير والشوكاني وغيرهم من علماء
اليمن ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد، ودعوة الإرشاد بإندونيسيا، وقد ترتب على
ظهور هذه الدعوات هدم الكثير من المشاهد والقباب المقامة على أضرحة الأئمة والأولياء في
فترات مختلفة.
هذه أهم النتائج التي خرجت بها، ولا شك أن هناك فوائد ونتائج أخرى سيلمسها القارئ من خلال مطالعته لهذه الرسالة، أسأل الله أن يجعلها خالصة لوجهه، سالمة من الأغراض والأهواء، نافعة لي ولإخواني المسلمين إنه سميع مجيب، والحمد لله أولاً وآخراً.(1/472)
1 التوبة ( 73 ) .
2 النحل ( 125 ).
3 الملل والنحل ( 1 / 127 ) .
4 انظر : مفاتيح الغيب للفخر الرازي ( 17 / 60 ) .
5 ولبيان جهود علماء المذاهب المختلفة في الرد على القبورية ألفت رسائل علمية في جهود كل مذهب على حده ، هي : "جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية" للدكتور : شمس الدين السلفي الأفغاني ، "وجهود أئمة الشافعية في تقرير توحيد العبادة" للدكتور عبدالله العنقري ، و"جهود أئمة المالكية" للشيخ : عبدالله العرفج ، أما علماء الحنابلة فجهودهم أكثر من أن تحصر في كتاب .
6 المائدة ( 14 ) .
7 تفسير ابن جرير ( 6 / 102 ) .
8 انظر شرح التصريح على التلويح للشيخ خالد الأزهري (2/336) طبع دار الفكر بيروت، وهمع الهوامع للسيوطي (2/197) طبع سنة 1327 هـ بعناية محمد بدر الدين النعساني.
9 مادة " قبر" في لسان العرب لابن منظور طبع دار الفكر الطبعة الأولى سنة(1410هـ - 1990م )، والقاموس المحيط للفيروز آبادي طبع مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية (1407هـ-1987م) .
10 انظر ترجمته ( ص )
11 تطهير الاعتقاد ص ( 37) ضمن مجموعة رسائل في التوحيد قام على طبعها القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني،طبع دار الفكر ببيروت الطبعة الأولى ( 1403هـ- 1983 م) ، وقد كرر هذا المصطلح في الصفحات ( 40 ، 42 ، 43 ، 44 ، 45 ، 47 ، 50 ، 51) كما أطلقه في كتابه " الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف" ص (47 ،57) حققه مجموعة من طلاب العلم بإشراف الشيخ حسن بن علي حسين عواجي الطبعة الأولى ( 1417 هـ - 1996م ) .
12 انظر ترجمته: ص ( )
13 معارج الألباب في مناهج الحق والصواب تحقيق محمد حامد الفقي وتخريج علي بن حسن بن عبدالحميد طبع دار المعرفة بالرياض الطبعة الرابعة ( 1407هـ-1987 م ) ص (140) وكرر مثل ذلك في ص (153، 218) .
14 انظر ترجمته ص ( ) .(1/473)
5 نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للإمام الشوكاني (4/95) طبع مكتبة البابي الحلبي بالقاهرة بدون تاريخ .
16الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ص (63) طبع دار ابن خزيمة الطبعة الأولى عام (1414هـ) ، وقد كرر ذلك الوصف حوالى عشر مرات في ذلك الكتاب.
17 انظر ترجمته ص ( ) .
18 دعوة الخلف إلى طريقة السلف ،طبع مطابع النصر الحديثة بالرياض بدون تاريخ وكرر ذلك الوصف أيضاً (ص237) .
19 الشرك هو : أن يعتقد في غير الله أنه يضر أو ينفع ، أويقدر على ما لايقدر عليه إلا الله تعالى ودعاء غير الله في الأشياء التي تختص به ، أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه ، أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه . وانظر : الدر النضيد للشوكاني ص ( 70 ) .
20 النحل (36).
21 الأنبياء(25).
22 رواه أحمد في المسند( 7/121 - 122) رقم ( 5114- 5115 )، بتحقيق أحمد شاكر، طبع دار المعارف المعارف بمصر ، الطبعة الثانية عام (1391هـ- 1971م ) ،وصححه أحمد شاكر كما صححه الشيخ الألباني في الإرواء (5/109-110) ( رقم 1269) طبع المكتب الإسلامي ط الثانية (1405هـ - 1985م ) . .
23 الروم (42) .
24 هو شيخ المفسرين وعمدتهم الإمام العلم المجتهد محمد بن جرير بن يزيد الطبري صاحب التصانيف البديعة والمذهب الفقهي المستقل ، قال عنه الذهبي : ( كان من أفراد الدهر علماً وذكاءً وكثرة تصنيف قلّ أن ترى العيون مثله) ولد سنة (224هـ)و توفي سنة(310هـ) رحمه لله،انظر تهذيب الأسماء واللغات للإمام يحي بن شرف النووي (1/78) طبع دار ابن تيميه بالقاهرة (1410هـ- 1990م ) والسير للإمام شمس الدين الذهبي(14/267-282) طبع دار الرسالة بيروت ( الطبعة الأولى 1409هـ-1988م )
25 تفسير الطبري المسمى " جامع البيان في تأويل القرآن " ( 21/33 ) دار المعرفة بيروت (1406هـ -1986م ) 0(1/474)
26 الشيخ الإمام الحافظ المفسر أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد القرني التيمي البغدادي الحنبلي المعروف بابن الجوزي، الواعظ المشهور، والمؤلف المكثر من فنون متعددة ،حتى أنه وصف بكثرة الخطأ في مصنفاته ، قال الذهبي: ( له أوهام وألوان من ترك المراجعة وأخذ العلم من صحف ،وصنف شيئاً لو عاش عمراً ثانياً لم يلحق أن يحرره ويتقنه) ولد سنة ( 509 أو 510هـ) وتوفي سنة (597هـ) وانظر السير (21/365-384) والبداية والنهاية للإمام ابن كثير (13/28-30)طبع دار المعرفة بيروت الطبعة السادسة(1405هـ-1985م )
27 زاد المسير للإمام ابن الجوزي (6/154) المكتب الإسلامي الطبعة الثالثة سنة (1404هـ-1984م)، وانظر أسباب هلاك الأمم : ص (108-109) للشيخ محمد سعيد بابا سيلا وهو رسالة ماجستير مقدمة للجامعة الإسلامية ضمن إصدارت الحكمة (بريطانيا) الطبعة الأولى ( 1420هـ- 2000م).
28 هو في الأصل "القذر" كما في معجم مقاييس اللغة لابن فارس(ص1013) تحقيق شهاب الدين أبي عمروالطبعة الثانية دار الفكرسنة (1418هـ-1998م)، وإنما وُصفوا بذلك مبالغة في تحقيرهم ،قال الشوكاني-رحمه الله- : (والمشركون مبتدأ وخبره المصدر مبالغة في وصفهم بذلك حتىكأنهم عين النجاسة أو على تقدير مضاف أي ذوو نجس لأن معهم الشرك وهو بمنزلة النجس ) فتح القدير للشوكاني (2/349) طبع دار الفكر سنة (1403هـ-1983م) .
29 التوبة (28) .
30 هو العلامة المصلح محمد رشيد بن علي رضا البغدادي الأصل،شامي النشأة ، سكن مصر إلى آخر عمره ، من أشهر من دعا إلى السنة ونشر كتبها في مصر ،وله تفسيرومجلة المنار الشهيران، ولد بالقلمون من أعمال طرابلس الشام عام (1282هـ) وتوفي بمصر عام (1354هـ).انظر: الأعلام لخيرالدين الزركلي (6/126) طبع دار الملايين بيروت الطبعة الثانية عشرة ( 1997م)، وانظر الدراسة المستقلة بعنوان ( السبد محمد رشيد رضا إصلاحاته الإجتماعية والدينية للدكتور محمد أحمد درنيقه.(1/475)
31 تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا(10/275). طبع دار المعرفة بيروت الطبعة الثانية بدون تاريخ .
32 الداعية الشهير والمجاهد الكبير الذي بذل نفسه رخيصة لله تعالى بعد أن كوّن مدرسة في الدعوة لها ميزاتها، وسماتها البارزة، وصاحب تفسير (في ظلال القرآن ) أشهر التفاسير المعاصرة مع أخطاء يسيرة أخذها عليه بعض العلماء سيّما في باب العقيدة، غير أنها مغمورة في بحار حسنات ذلك التفسير وحسنات مؤلفه، غفر الله له وتقبله في الشهداء، قتل مظلوماً شهيداً -إن شاء الله- سنة(1387هـ)،وكان مولده سنة(1324هـ).انظر: الأعلام للزركلي(3/147-148) .
33 في ظلال القرآن سيد قطب (3/1618) طبع دار الشروق بيروت الطبعة الشرعية الثانية عشرة .( 1406هـ- 1986م )
34 الأنعام(88).
35 المفسر والمحدث والمؤرخ الشهير أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي الشافعي صاحب التفسير الذي قال فيه الشوكاني: (وهو من أحسن التفاسير إن لم يكن أحسنها).ولد سنة (701هـ) وتوفي سنة (774هـ)، انظر: البدر الطالع (1/153) طبع دار المعرفة -بيروت بدون تاريخ .
36 مختصرابن كثير للشيخ محمد نسيب الرفاعي (2/139) طبع مكتبة المعارف بالرياض طبعة جديدة ( 1410هـ-1989م )
37 الزمر(65).
38 مفتي بغداد في وقته وصاحب التفسير الشهير ( روح المعاني)، أبو الثناء شهاب الدين محمود بن عبدالله الألوسي البغدادي ، ولد عام (1227هـ) وتوفي عام (1270هـ)- رحمه الله -. انظر ترجمته في : جلاء العينين لابنه نعمان خير الدين الأ لوسي طبع مطبعة المدني بالقاهرة ودار المدني بجده بدون تاريخ ص (57-58) والأعلام للزركلي (7/127) 0
39 روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للشيخ محمود الألوسي طبع دار الفكر بيروت ( 1414هـ-1994م ) ( 13/37) قلت : وهذه الآية والتي قبلها ردٌ صارخ على القبورية الذين يثورون ويغضبون على من حذَّر من الشرك ؛ بزعم أنه لايمكن أن يحدث الشرك في هذه الأمة !.(1/476)
40 النساء آية (48) وآية (116) .
41 الظلال (2/678) .
42 الشفاعة : (السؤال في التجاوز عن الذنوب ممن وقع منه جناية ) انظر: التوقيف على مهمات التعاريف (ص432)للشيخ محمد عبد الرؤوف المناوي تحقيق د/ محمد رضوان الدايه طبع دار الفكر المعاصر بيروت ودار الفكر دمشق الطبعة الأولى(1410هـ-1990م ) و (الشافعون :جمع شافع وهو صاحب الشفاعة ).انظر: المعجم الوسيط(1/487) مجمع اللغة العربية (1410هـ-1990م) طبع المكتبة الإسلامية إستانبول .
43 البخاري مع الفتح (11/418) كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، مكتبة الرياض الحديثة مصورة عن طبعة المكتبة السلفية بدون تاريخ .
44 هوخاتمة الحفاظ شيخ الإسلام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ،مرجع المحدثين ممن جاء بعده، وصاحب الفضل عليهم في علم الحديث ،ومصطلحه، وعلم الرجال والجرح والتعديل ،وصاحب فتح الباري أشهر وأفضل شروح البخاري المطبوعة على الإطلاق ،ولد عام (773هـ) وتوفي عام (852هـ) بالقاهرة - رحمه الله -وانظر: الضوء اللامع (ج2/36 )للحافظ محمد عبد الرحمن السخاوي طبع دار الحياة بيروت بدون تاريخ والبدر الطالع (1/83-92).
45 فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ أحمد بن علي بن حجر (1/194) 0
46 العلامة الفقيه علي بن سلطان القارئ الحنفي ،من أفاضل علماء زمانه ،ولد بهراة وتوطن مكة ومات بها، وله مؤلفات كثيرة نافعة من أعظمها في الحديث مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح توفي عام (1014هـ). انظر: ا البدر الطالع (1/445) والأعلام (5/12, 13) 0
47 مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للشيخ مُلا علي القاري طبع دار الفكر بيروت(1414هـ- 1994م ) ( 9/525) 0
48 المائدة ( 72 ) 0
49 البقرة (255)0
50 الأنبياء(28)0
51 الزمر (7)0
52 تفسير المنار (6/483) 0(1/477)
53 العلامة الكبير ذو الفنون فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين القرشي البكري الطبرستاني، الأصولي المفسر كبير الأذكياء والحكماء والمصنفين ، ولد سنة(544هـ) ،وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم وسحر وانحرافات .
54 يونس(18)0
55 التفسير الكبير المسمى مفاتيح الغيب للإمام فخر الدين الرازي (17/59-60) طبع دار الكتب العلمية طهران الطبعة الثانية .
56 نوح (23) .
57 البخاري مع الفتح (8/667) كتاب التفسير ، باب ( وداً ولاسواعاً ولايغوث ويعوق ونسراً( .
58 الفتح (8/669)0
59 رواه مسلم في صحيحه مع شرح الإمام النووي طبع مؤسسة الكتب الثقافية بيروت بدون تاريخ ( 7/46) ، كتاب الجنائز باب زيارة في القبور والاستغفار لهم .
60 العلامة الكبير الشيخ محمد عبدالرؤوف بن تاج العارفين المناوي القاهري،له مشاركة في فنون عديدة وله مؤلفات كثيرة من أشهرها فيض القدير شرح الجامع الصغير ، ولد سنة (952هـ) وتوفي سنة ( 1031هـ) رحمه الله (انظر الأعلام 6/204) ومقدمة كتابه التوقيف على مهمات التعاريف0
61 القاضي العلامة علي بن عبدالكافي السبكي الشافعي، من كبار علماء عصره غير أنه ممن اصطدم بدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعته أمثال ابن القيم وابن كثير والذهبي والمزي وغيرهم ، وله ردود على شيخ الإسلام ابن تيمية أشهرها ( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ) الذي رد عليه الرد القويم المفحم العلامة ابن عبدالهادي تلميذ مدرسة ابن تيمية -رحمهم الله جميعاً- ،ورغم أنه مرجع كثير من القبوريين إلا أنه لم يبلغ مبلغهم في الانحراف بدليل كلامه السالف وهو من متعصبة الأشعرية - رحمه الله تعالى-. وانظر طبقات الشافعية لابنه تاج الدين عبدالوهاب ( 10/139- 338) طبع دار هجر ط 2 ( 1413هـ-1992م )، والدرر الكامنة لابن حجر (3/39-41) طبع دار الجيل - بيروت (1414هـ -1993هـ ) ، وجلاء العينين في محاكمة الأحمدين للألوسي ص ( 32 - 37 ) 0(1/478)
62 انظر فيض القدير شرح الجامع الصغيرللعلامة المناوي(5/55) دار الفكر بدون تاريخ 0
63 العلامة الكبير الشيخ محمد عبدالرؤوف بن تاج العارفين المناوي القاهري ، له مشاركة في فنون عديدة وله مؤلفات كثيرة من أشهرها فيض القدير شرح الجامع الصغير ، ولد سنة (952هـ) وتوفي سنة ( 1031هـ) رحمه الله انظر : (الأعلام 6/204) ومقدمة كتابه التوقيف على مهمات التعاريف0
64 المجموع المفيد في نقض القبورية ونصرة التوحيد ص (385-386)
65 الشيخ العلامة علي محفوظ المصري الشافعي تخرَّج بالأزهر ثم كان من أعضاء كبار العلماء وأستاذاً للوعظ والإرشاد بكلية أصول الدين توفي سنة (1361هـ) ، انظر الأعلام (4/323) .
66 الإبداع في مضار الابتداع للأستاذ الشيخ علي محفوظ ص(190)طبع دار المعرفة الطبعة الخامسة سنة(1375هـ-1956م).
66 رواه أبو داود في سننه مع شرحه عون المعبود في كتاب المناسك ، باب زيارة القبور ،(6/31) طبع المكتبة السلفية بالمدينة المنورة الطبعة الثانية ( 1388هـ-1968م ) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/383) ط مكتب التربية لدول الخليج العربي ط الأولى (1409هـ-1989م ).
68 بواسطة عون المعبود شرح سنن أبي داود لشمس الحق العظيم أبادي(6/32-33) .
69 الشيخ العلامة محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر أبو الطيب الصديقي العظيم أبادي، من محدثي الهند له عدة مصنفات في الحديث من أشهرها عون المعبود على سنن أبي داود توفي بعد سنة (1310هـ) رحمه الله ، انظر الأعلام (6/39) .
70 في الأصل " الراكعين له" ومعناه غير مستقيم ، وبما أن تلك الطبعة كثيرة الغلط فالظاهر أن الصواب ماأثبته والله أعلم 0
71 (السرادق كل ما أحاط بشئ من حائط أومِضْرَب) المعجم الوسيط (1/426) والمقصود هنا هو سرادق قبر النبي ( وهو الشبك النحاسي المحيط بالحجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام .
72(1/479)
73 الإمام المشهور صاحب شرح المشكاة الحسين بن محمد بن عبدالله الطيبي ،كان كريماً متواضعاً حسن المعتقد ،شديد الرد على الفلاسفة والمبتدعة، مظهراً فضائحهم مع استيلائهم على بلاد المسلمين حينئذ، توفي سنة (743هـ) رحمه الله تعالى، وانظر: الدرر الكامنة (2/68-69) ، والبدر الطالع(1/229- 230) 0
74 سيأتي تخريجه (ص 15) 0
75 سيأتي تخريجه(ص 15 ) 0
76 بواسطة مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للقاري (3/14) .
77رواه أبو يعلى في مسنده (2/297) طبع دار المأمون للتراث دمشق الطبعة الأولى (1404هـ-1984م ) تحقيق حسين سليم أسد ،وقال الهيثمي: رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد (3/64) كتاب الجنائز ، باب البناء على القبور والجلوس عليها وغير ذلك طبع مؤسسة المعارف -بيروت (1406-1986)،وقال الشيخ الألباني : إسناده صحيح (تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد) للشيخ محمد ناصر الدين الألباني طبع المكتب الإسلامي،بيروت الطبعة الثالثة 1398هـ ( ص22) .
78 رواه الطبراني في الكبير وغيره ، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني ، طبع مكتبة المعارف بالرياض الطبعة الأولى(1409هـ-1989م ) (3/13) رقم الحديث (1016)، وصححه الشيخ رحمه الله 0
79 رواه مسلم (2/668) رقم ( 97 ) تحقيق عبدالباقي طبع دار إحياء التراث العربي بيروت الطبعة الأولى ( 1375هـ -1955م ) .
80 الأُم للإمام محمد بن أدريس الشافعي (1/278) طبع دار المعرفة بيروت بدون تاريخ .
81 الشيخ الإمام أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري القرطبي المالكي أحد مشاهير المفسرين وكتابه الجامع لأحكام القرآن من أوسع كتب التفسير يميل فيه إلى تتبع الأحكام الفقهية توفي سنة (671هـ) وانظر ترجمته في كشف الظنون لحاجي خليفة( 1/534) والمفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات للشيخ محمد بن عبدالرحمن المغراوي (1/287) 0طبع دار طيبة الرياض ط الأولى(1405-1985).(1/480)
82 الجامع لأحكام القرآن المشهور بتفسير القرطبي(10/380) الطبعة ذات العشرين جزءٍ مصورة ليس عليها اسم دار النشر .
8383 قال الشيخ محمد بن عبدالرحمن المغراوي في تخريج كتابه فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر مع فتح المجيد في اختصار تخريج أحاديث التمهيد لنفس المؤلف طبع مجموعة التحف النفائس بالرياض، ط الأولى (1416هـ-1996م ) (1/280): (ابن سعد في "الطبقات (2/240-241) " من طريق مالك0 وعبدالرزاق (1/406/1587) 0وابن أبي شيبة(2/150/7544) كلهم عن زيد بن أسلم مرسلاً بسند صحيح 0 ووصله أحمد (2/246) والحميدي (1025) وأبونعيم في( الحلية) (6/283) (7/317) عن أبي هريرة بسند صحيح وصححه البزار0 انظر (النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد (ص115) .
84 الإمام العلامة حافظ المغرب شيخ الإسلام أبوعمر يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر بن عاصم النمري الأندلسي القرطبي المالكي ، صاحب التصانيف الفائقة . كان إماماً ديناً متقناً ، علامة ، متبحراً ، صاحب سنة واتباع وكان في ابتداء أمره أثرياً ظاهرياً فيما قيل ، ثم تحول مالكياً مع ميل بيِّن إلى فقه الشافعي في مسائل ، ولاينكرله ذلك ، فإنه ممن بلغ مرتبة الأئمة المجتهدين 0 ومن نظر في مصنفاته بان له منزلته من سعة العلم ، وقوة الفهم، وسيلان الذهن ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ( ، ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده لاينبغي لنا أن ننسى محاسنه ونغطي معارفه، بل نستغفر له ونعتذر عنه) ولد سنة (368هـ) ومات (463هـ)، الترجمة ملتقطة بحروفهامن السير للذهبي(18/153-163) وانظر المقدمتين الضافيتين لكتابيه التمهيد والاستذكار 0
85 التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد للإمام ابي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي الأندلسي (5/45) تحقيق سعيد أحمد أعراب ( 1396هـ- 1976م )(1/481)
86 العلامة الفقيه الشيخ أحمدبن محمد بن حجر الهيتمي السعدي الشافعي من أجل وأعظم علماء الشافعية في وقته ،وأحد الشيخين الذين تفردا بالاعتماد من شراح المنهاج ،والآخر هو شمس الدين محمدبن أحمد الرملي، واعتماد أهل الحجاز واليمن على مارجحه ابن حجر في تحفته ،وهو من جانب آخر أشعري محارب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيما يتعلق ببعض مسائل التوحيد والاتباع ،وخصوصاً شدّ الرحال لزيارة قبر النبي ( ،غير أنه مع ذلك ضد القبوريين في مسائل البناء على القبور، وتعظيمها وفي مسألة الاستغاثة بغير الله ،وانظر ترجمته في جلاء العينين ص (40) و النور السافر لعبد القادر بن شيخ العيدروس ص ( 258-263) طبع دار الكتب العلمية ببيروت الطبعة الأولى ( 1405هـ- 1985م ) 0
87 كذا قال 0 والحديث إنما هو بلفظ الدعاء لابلفظ النهي.
88 الزواجر عن اقتراف الكبائر للشيخ أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي المكي (1/148-149) طبع دار المعرفة ببيروت ( 1402هـ-1982م )0
89 المرقاة (2/458)0
90 البخاري مع الفتح (3/200) كتاب الجنائز ، باب مايكره من اتخاذ المساجدعلىالقبور ، ومسلم مع النووي (5/12) كتاب المساجد ومواضع الصلوات ، باب النهي عن بناء المسجدعلى القبور واتخاذ الصور فيها،طبع دار الكتب العلمية بيروت بدون تاريخ.
91البخاري مع الفتح (3/208) كتاب المساجد، باب بناء المسجد على القبر، ومسلم مع النووي (5/11)كتاب المساجد ومواضع الصلوات، باب النهي عن بناء المسجد على القبور واتخاذ الصور فيها .
92 (الخميصة كساء أسود مربع له علمان ) القاموس المحيط ص ( 797 ).
93 البخاري مع الفتح ( 6/494-495 ) كتاب أحاديث الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل ، ومسلم مع النووي(5/13) الكتاب والباب المتقدمين 0(1/482)
94 الإمام العلامة شيخ الشافعية وعمدتهم ، وأحد أئمة الحديث في زمانه ،محيي الدين يحيى بن شرف النووي صاحب التصانيف المفيدة المباركة ، التي لاقت القبول عند سائر علماء المسلمين ببركة إخلاصه ، ولد بنوى سنة (631هـ) وتوفي بها سنة(676هـ) ،وانظر البداية والنهاية (3/278-279) ،وطبقات الشافعية الكبرى للشيخ تاج الدين السبكي ( 8/395-400) .
95 مؤرخ المدينة النبوية وفقيهها في وقته، علي بن عبدالله بن أحمد السمهودي القاهري الشافعي، نزيل الحرمين، صاحب أضخم كتاب مطبوع في تاريخ المدينة وهو كتاب (وفاء الوفاء في أخبار دار المصطفى )،ولد سنة (844هـ) وتوفي سنة( 911 هـ) انظر الضوء اللامع للسخاوي ( 5/245-248 ) .
96 الفتح (1/532)0
97 النووي على مسلم (15/128) 0
98 الفتح (3/207).
99 الإمام المجتهد المحدث محمد بن علي بن وهب المصري الدار، والشافعي ثم المالكي المذهب، أحد من قيل إنهم من المجددين لهذا الدين، وصاحب المصنفات المستعذبة المفيدة ،ولد في البحر قرب ينبع سنة (625هـ) وتوفي سنة (702هـ) انظر البداية والنهاية (14/27) والدرر الكامنة في إعيان المائة الثامنة للحافظ أحمد بن علي بن حجر رحمة الله تعالى (4/91-96).
100 الإحكام للإمام ابن دقيق العيد مع حاشية الصنعاني (3/257-258) طبع المكتبة السلفية ( 1409هـ )0
5 المصدر السابق (3/258).
102 ستأتي ترجمته في الباب الثالث(ص ).
103 إصلاح المجتمع للشيخ محمد بن سالم البيحاني ص (130) طبع مؤسسة طيبة الخيرية (1419هـ- 1998م ) 0
104 النووي علىمسلم (5/13)كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المسجد على القبور0
105 النووي على مسلم (7/37) كتاب الجنائز باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه والجلوس عليه 0(1/483)
106 رواه أبوداود(2/235) كتاب الجنائز ،باب في البناء على القبر طبع دار الجنان ومؤسسة الكتب الثقافية بيروت دراسة وفهرسة كمال يوسف الحوت ط الأولى ( 1409هـ-1988م )، والنسائي في سننه (4/86- 88) كتاب الجنائز رقم (2027، 2028، 2029) طبع مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب عناية عبد الفتاح أبو غده الطبعة الأولى (1406هـ-1986م ) ، و ابن ماجه في سننه (1/498) كتاب الجنائز با ب ماجاء في النهي عن البناء على القبور وتجصيصها والكتابة عليها طبع دار إحياء الكتب العربية (1372-1952) تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، وصححه الشيخ الألباني ، ينظر صحيح أبي داود للشيخ الألباني (2/621) .
107 رواه أحمد (5/324) تحقيق أحمد محمد شاكر ، وابن خزيمة في صحيحه (2/7)كتاب الصلاة باب الزجر عن اتخاذ القبور مساجد تحقيق محمد مصطفى الأعظمي طبع المكتب الإسلامي الطبعة الأولى ( 1395هـ-1975م ) ، وقال أحمد شاكر في تعليقه على المسند (5/324): ) إسناده صحيح .وهو في "مجمع الزوائد " (2/27) وقال: "رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن " وهو فيه أيضاً (8/13) وقال :" رواه البزار بإسنادين في أحدهما عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح " ) 0
108 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/141) . طبع مكتبة المعارف الرباط بالمغرب بدون تاريخ .
109 النووي على مسلم (2/178) كتاب الإيمان باب ذهاب الإيمان في آخر الزمان0
110 ا لنووي على مسلم (5/12- 13)0(1/484)
111محيي السنة وقامع البدعة، الإمام العلامة أبو الطيب صديق بن حسن بن علي الحسيني البخاري القنوجي، أحد مجددي علوم السنة في الهند، وصاحب المصنفات الذائعة والمؤلفات النافعةالتي يجنح فيها إلى الاجتهاد وينفر عن التقليد تبعاً لشيخه وأستاذه الذي تتلمذ على كتبه، ونسج على منوالها شيخ الإسلام الشوكاني رحمه الله ، ولد سنة (1248هـ) وتوفي سنة ( 1307هـ).انظر كتاب :السيد صديق حسن خان آراؤه الاعتقادية وموقفه من عقيدة السلف للدكتور اختر جمال لقمان 0
112 كذا في الأصل ولم أتبين المراد به.
113 الشعراء (227) 0
114 السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج للشيخ صديق حسن خان إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قطر (3/82-83-384) .
115 الجامع لأحكام القرآن (10/381) 0
116البقرة (104) 0
117 تفسير القرطبي (2/58) .
118 (هي جزيرة من جزر البحر الأبيض المتوسط افتتحها معاوية ( ودانت بالإسلام زمناً ثم طرد منها المسلمون وعادت إلى النصرانية ) انظر معجم البدان لياقوت بن عبد الله الحموي (3/78) طبع دار صادر ،بيروت ط ثانية(1995م ).
119 مسلم كتاب الجنائز باب الأمر بتسوية القبر (7/35-36 ) مع النووي .
120 المصدر السابق (7/36).
121 تحذير الساجد من اتخاد القبور مساجد ص (88) للعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني .
122 رواه أبوبكر بن أبي شيبة في المصنف ، كتاب الجنائز باب في تسوية القبر وما جاء فيه (3/341) طبع الدار السلفية بالهند بومبي الطبعة الثانية ( 1399هـ-1979م ) ، وأبو زرعة في تاريخه بسند صحيح إلى عبدالله وانظر تحذير الساجد( 88).
123رواه ابن سعد في الطبقات ( 6/108 ) دار بيروت للطباعة والنشر ( 1377 هـ - 1957م )وصحح إسناده الشيخ الألباني وانظر : تحذير الساجد ص (98) .
124 الفصل الثاني من الباب الأول0
125 الأم (1/277) 0(1/485)
126 الفتاوى الكبرى للإمام العلامة أحمد بن محمد الهيثمي المكي (2/17)طبع دار الفكر ببيروت ( 1403هـ-1983م ) .
127 المرجع السابق (2/25) .
128 ستأتي ترجمته في الباب الأول (ص 102 ).
129 الإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى ، من كبار أئمة الزيدية ومن عليهم المعوَّل في الفقه بل إن كتابه (الأزهار) هو عمدتهم بلا منازع .بلغ درجة الاجتهاد وهي شرط من شروط الإمامة عند الزيدية فبويع له بالإمامة سنة (793هـ) ولم يتم له الأمر ،له عدد كبير من المصنفات من أشهرها:
- الأزهار وشرحه الغيث المدرار.
- البحر الزخار الجامع لمذهب علماء الأمصار .
- المنية والأمل في الملل والنحل .=
=وغيرها كثير ، توفي - رحمه الله - سنة(840هـ).انظر البدر الطالع (1/122-126)،بلوغ المرام في شرح مسك لختام للقاضي حسين بن أحمد العرشي ص (410) ، طبع دار إحياء التراث العربي ببيروت عني بطبعة الأب أنستاس ماري الكرملي .
130 في المطبوع المقبورين وهو خطأ.
131 نيل الأوطار (4/95) .
132 الروضة الندية شرح الدر البهية للسيد صديق حسن خان (175-176) طبع دار الندوة الجديدة ببيروت ( 1404هـ-1984م ) .
133 سنن الترمذي (4/475) طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر ، ط الأولى (1382هـ - 1962م)تحقيق وتعليق إبراهيم عطوه عوض ، وقال الشيخ الألباني في صحيحه (2/235) : ( صحيح ) ، طبع مكتب التربية العربي لدول الخليج ، ط الأولى ( 1408هـ -1988م ) 0
134 الأعراف ( 138 ).
135 الإمام العلامة محمد بن الوليد بن محمد الفهري المعروف بالطرطوشي، ولد بطرطوشه ببلاد الأندلس، ثم رحل إلى أهل بلده في طلب العلم ثم إلى المشرق العربي، واستقر به المقام بالإسكندرية حتى توفي بها رحمه الله ، ولد سنة (451هـ) وتوفي سنة (520هـ) انظر الأعلام (7/133-134) ومقدمة كتابه الحوادث والبدع تحقيق عبدالمجيد تركي،طبع دار الغرب الإسلامي ط الأولى (1410هـ-1990م ) .(1/486)
136 الحوادث والبدع للإمام محمد بن الوليد الطرطوشي (ص105) 0
137الإمام الحافظ المجتهد شهاب الدين أبو القاسم عبدالرحمن بن إسماعيل الدمشقي الشافعي المعروف بأبي شامة ، قال عنه السخاوي (كان عالماً راسخاً في العلم ،مقرئاً محدثاً نحوياً ، يكتب الخط المليح المتقن مع التواضع والانطراح والتصانيف العدة ) ولد سنة (599هـ) وتوفي - رحمه الله - سنة ( 665هـ) . انظر : البداية والنهاية (13/250-251)، والإعلان بالتوبيخ (ص60) طبع دار الكتاب العربي طبعة مصورة عن نسختي الأستاذ المحقق أحمد باشا تيمور (1403 هـ- 01983م ).
138 التخليق: أي طليها بالخلوق (والخلوق : طيب معروف يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ،وتغلب عليه الحمرة والصفرة ) لسان العرب(10/91) ، و( العُمُد :جمع عمود ) وانظر المعجم الوسيط (2/626).
139 الباعث على إنكار البدع والحوادث للشيخ عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة الدمشقي ص ( 101 ) 0طبع دار الراية للنشر والتوزيع الرياض الطبعة الأولى ( 1410هـ- 1990م )
140 العلامة المحقق الأصولي الفقيه النحوي شمس الدين أبوعبدالله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي المعروف بابن قيم الجوزية ، صحب الإمام ابن تيمية ووافقه في كثير من آرائه دون تقليد وأُوذي وحبس معه حتى مات شيخه فأفرج عنه ، تعتبر كتبه شجىً في حلوق المبتدعة وقرة عين لأهل السنة ، لاسيما زاد المعاد الذي لاتكاد تخلو منه مكتبة عالم موافق له أو مخالف رحمه الله ، ولد سنة (691هـ) وتوفي سنة ( 751هـ ) . انظر ترجمته : في البداية والنهاية (14/234-235) والدرر الكامنة (3/400-403) 0
141 الإمام الشيخ محمد بن عبدالله بن أحمد الأزرقي المكي صاحب أول تاريخ موجود لمكة المكرمة ، مات سنة (250هـ) انظر :مقدمة كتابه أخبار مكة طبع مطابع دار الثقافة بمكة تحقيق رشدي الصالح ملحس الطبعة الثامنة ( 1416هـ -1996 م )، الأعلام (6/222).
142 البقرة ( 125 ).(1/487)
143 أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار لأبي الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي (2/ 29-30) 0
144 إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان للإمام محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (1/212) طبع دار المعرفة ببيروت بتحقيق محمد حامد الفقي 0
145 بضم الموحدة وبعد الألف نون وقيل بفتح الباء : هضبة من وراء ينبع 0 انظر : عون المعبود ( 9/140 )
146 رواه أبوداود (9/140) مع عون المعبود وقال الشيخ عبدالقادر الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول :( وإسناده صحيح) (11/140) جامع الأصول في أحاديث الرسول ( طبع دار الفكر بيروت ط الثانية ( 1403 هـ - 1983 م ) ، وكذلك صححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (2/636) 0(1/488)
147 شيخ الإسلام وعلم الأعلام ومجدد القرن الثامن أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني ثم الدمشقي، لايفي بالتعريف به أسطر قليلة ،كيف وقد أفردت لترجمته مؤلفات جليلة ، كان رحمه الله أمة في عصره وبعد عصره ، جمع الله له من أبواب الخير مالم يجمعه لسواه منذ القرون الأولى للإسلام ؛ جاهد في الله حق جهاده بسنانه ولسانه وبنانه حتى أتاه اليقين ، وهو مجدد منهج السلف الصالح وليس مبتدعا فيه كما ير يد أن يلبسه ذلك أعداء السنة الذين يحاربونها بالطعن في ذاته الشريفة ،ورافع لواء التوحيد وليس مخترعاً سبيله ، توفي رحمه الله مسجوناً في ذات الله من أجل إعلان كلمة الحق في زمن يضيق بها أهله، وتصغر عن فهمها عقولهم، وتتضرر به مصالحهم فنشر بذلك ذكره وعلا قدره ومات واندرس ذكرُ وقدرُ مناوئيه فلايكاد يذكرهم أحد بخير 0ولد سنة (661هـ) وتوفي رحمه الله سنة(728هـ) انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ للإمام للذهبي ( 4/1496 - 1497 ) طبع دار الكتب العلمية بيروت بدون تاريخ ، والبداية والنهاية ( 14/135 - 140 ) ، والتذكرة والإعتبار والانتصار للأبرار في الثناء على شيخ الإسلام والوصاية به لعماد الدين الواسطي طبع دار العاصمة بالرياض ط الثانية ( 1415هـ -1994 م ) تحقيق د. عبد الرحمن الفريوائي ، والأعلام العلية في مناقب ابن تيمية لعمر بن علي البزّار طبع المكتب الإسلامي بيروت ط الثانية ( 1396هـ ) تحقيق زهير الشاويش ، والجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون لمحمد عزيز شمس وعلي العمران طبع دار عالم الفوائد مكة ط الأولى (1420هـ) .
1 اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية تحقيق الدكتور ناصر العقل (1/440- 443) ط الأولى ( 1404 هـ ) ليس عليه اسم الدار ، مع شيء من الاختصار .
149 المرقاة (6/609) 0(1/489)
150 لما رواه ابن ماجه من حديث عقبة بن عامر ( قال: قال رسول الله ( : ( لأن أمشي على جمرة أوسيف أو أخصف نعلي برجلي ، أحب إليَّ من ان أمشي على قبر مسلم ، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق ) ،كتاب الجنائز باب ما جاء في النهي عن المشي على القبور والجلوس عليها (1/499) ،وصححه الشيخ الألباني في صحيحه (1/261) ، طبع مكتب التربية العربي لدول الخليج ط الثالثة ( 1408هـ -1988 م ).
151 للحديث السابق .
152 لحديث أبي هريرة ( قال : قال رسول الله ( : (( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه ، فتخلص إلى جلده ، خير له من أن يجلس على قبر مسلم )) .رواه مسلم كتاب الجنائز باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه والجلوس عليه (7/37- 38) مع النووي.
153 لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول ( قال : (( إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً )) رواه أحمد(6/58) وأبو داود في كتاب الجنائز باب في الحفار يجد العظم هل يتنكب ذلك المكان؟ (2/231) ، وابن ماجه كتاب الجنائز باب في النهي عن كسر عظم الميت (1/516)،وصححه شيخنا الألباني في صحيح أبي داود ( 2/618).
154 انظر المجموع للإمام النووي تحقيق الشيخ محمد نجيب المطيعي (5/246، 266- 277 ) طبع مكتبة الإرشاد جده بدون تاريخ.
155155 لحديث بشر مولى رسول الله ( وفيه:( أن رسول الله ( رأى رجلاً يمشي بين القبور عليه نعلان فقال: (( ياصاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك)). فنظر فلما عرف رسول الله ( خلعهما فرمى بهما ) رواه أبو داود في كتاب الجنائز = = باب المشي في النعل بين القبور( 2/236) وحسنه الشيخ الألباني في صحيحه ( 2/622 ) ، وكذا روى نحوه ابن ماجه في كتاب الجنائز باب ماجاء في خلع النعلين في المقابر ( 1/499) وحسنه الشيخ الألباني في صحيحه (1/261) .
155 ورد ذلك من حديث ابن عباس وأبي مرثد الغنوي وقد سبقا مع تخريجهما ص ( 13 ) .(1/490)
4 صح بذلك الأحاديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم انظر طائفة منها ص ( 16 - 17).
5كما في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما وقد سبق (ص19)
6 صح ذلك من حديث فضالة بن عبيد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وقد سبقا مع تخريجهما ص (23) 0
7 الكشف المبين عن حقيقة القبوريين زيارة هود وما فيها من ضلالات ومنكرات للباحث ص ( 39-40 ) ط الأولى ( 1420هـ - 1999 م ) 0
161من ذلك حديثان عن عائشة وحديث عنها وعن ابن عباس رضي الله عنهما انظر فيما تقدم ص (16-17) وحديث جندب بن عبدالله وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما (ص19) 0
162 كما في حديث جندب السابق في الهامش 1 0
163كما في حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما السابقين في الهامش 1 0
164 مسلم مع النووي(7/34)كتاب الجنائز باب جعل القطيفة في القبر 0
165 البخاري مع الفتح (3/255) كتاب الجنائز باب ماجاء في قبر النبي( وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما 0
166 المرجع السابق (3/257) 0
167 رواه أبوداود (2/234) كتاب الجنائز باب تسوية القبور ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (4/3) كتاب الجنائز باب تسوية القبور وتسطيحها طبع دار المعرفة بيروت بدون تاريخ،ورواه الحاكم أيضاً (1/700- 701 )طبع دار المعرفة بيروت ط الأولى ( 1418 هـ -1998 م )، وقال الأرناؤوط في نخريج جامع الأصول(11/82) " إسناده حسن " 0
168 الفتح (3/255) كتاب الجنائز باب ماجاء في قبر النبي ( وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
169 البخاري مع الفتح (3/256)كتاب الجنائز باب ماجاء في قبر النبي ( وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
170 انظر وفاء الوفاء (2/544)طبع دار إحياء التراث العربي بيروت ط الرابعة ( 1404هـ -1984 م ) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد 0(1/491)
171أي حائط بيت عائشة رضي الله عنها وذلك عندما أراد عمر بن عبدالعزيز رفع الحائط حول الحجرة الشريفة حيث رأى بعض الناس يصلون إلى القبر فلما حفر حول الحائط القديم انهدم فبدت تلك القدم ،انظر الفتح (3/257) 0
172 البخاري مع الفتح( 3/255) كتاب الجنائز باب ماجاء في قبر النبي ( وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما0
173 رواه أحمد في المسند (2/367)،وأبو داودفي كتاب المناسك باب زيارة القبور(1/622)برقم ( 2042)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (1/361) رقم (469)، وقال المحقق عبدالقادر الأرناؤوط في تخريج كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب طبع دار السلام الرياض 1413هـ (ص 90): وهوحديث صحيح بشواهده وطرقه حسنة 0
174 يقال إنه أحد أنبياء بني إسرائيل الذين أسرهم بختنصر وسار بهم إلى بابل وأنه مات ببلد السوس، انظر البداية والنهاية (2/ 325) وانظر خبره (2/ 40-42) 0
175 تَستُر :هي أعظم مدينة بخوزستان من بلاد العجم.انظر معجم البلدان لياقوت الحموي ( 2/29 ).
176 البداية والنهاية (2/40) 0
177البخاري مع الفتح (6/477-478) كتاب الأنبياء باب قول الله: ( واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها ( ولفظه : (أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبينه نبي ) من حديث أبي هريرة (.
178 البداية والنهاية (2/ 40- 41) 0
179 ولي الخلافة سنة (86 هـ) وتوفي سنة (96هـ) 0
180 الشامل في تاريخ المدينة (1/396) للدكتور عبد الباسط بدر الطبعة الأولى ( 1414هـ -1993 م ) .
181 انظر لهذه المبررات كلها المرجع السابق ( 1/395- 396 ) .(1/492)
5 وهم : سعيد بن المسيب (ت93هـ) وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود (ت94هـ) وعروة بن الزبيربن العوام (ت94هـ)، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (ت106هـ)، وأبوبكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي (ت94هـ)، وسليمان بن يسار مولى ميمونة رضي الله عنها (ت100هـ)، وخارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري (ت100هـ). هؤلاء هم الفقهاء السبعة يجمعهم هذان البيتان :=
إذا قيل من في العلم سبعة أبحرٍ روايتهم ليست عن العلم خارجة
فقل هم عبيدالله عروة قاسم سعيد أبوبكر سليمان خارجة
ولعل تكملة العشرة هم:سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب (ت106هـ)، وأبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف (ت104هـ) ، وأبان بن عثمان (ت105هـ) .وانظر:سير أعلام النبلاء (4/354)، و الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي (1/291-294).للشيخ محمد الحسين الحجوي الثعلبي الفاسي طبع المكتبة العلمية بالمدينة المنورة ( 1397هـ- 1997 م )0
183 البداية والنهاية (9/74) 0
5 المرجع السابق (9/75) 0
185 وفاء الوفاء (2/548) .
186 الصحيح أن ذلك في عهد كبار التابعين أما الصحابة فلم يبق بالمدينة أحد منهم آنذاك إلا على قول في كل من السائب ابن يزيد وسهل بن سعد ولكن ابن عبدالهادي جزم أنه لم يوجد حينذاك أحد بها من الصحابة . انظر: الصارم المنكي في الرد على السبكي للشيخ محمد أحمد بن عبد الهادي تحقيق الشيخ عقيل بن محمد المقطري طبع مؤسسة الرياض بيروت الطبعة الأولى (1414هـ- 1992م ) ص ( 303 ) ، وفتح المغيث شرح ألفية الحديث ( 3/116) للشيخ محمد بن عبد الرحمن السخاوي تخريج وتعليق الشيخ صلاح محمد عويضة طبع دار الكتب العلمية ببيروت الطبعة الأولى ( 1414هـ- 1993 م ) .
187 تقدّم تخريجة ص ( 17 )
188 شرح مسلم (5/12-13) .(1/493)
189 انظر ذلك وأضف إليه ما سبق نقله عن النووي وابن حجر من شرحهما لحديث موسى عليه السلام حيث صرحا بأنه قصد إخفاء قبره خشية الفتنة على قومه، ثم انظر إلى معاكسة القبورية لذلك حيث يقول أحد مؤلفيهم المعاصرين : (... ومع ذلك فإن النبي( في حادثة الإسراء والمعراج قد عرفهم ووصف لهم قبر موسى ( وقال : ((لو كنت هناك لأريتكم إياه )).هو بنفسة عليه الصلاة والسلام يتولى تعريفهم بهذا الموطن المبارك من أجل ماذا ؟!! من أجل إقامة الصلات والروابط بين المؤمنين وأنبيائهم وصلحائهم وأوليائهم بالتأدب معهم وسلوك طريقتهم وزيارتهم في حياتهم وبعد مماتهم ، وهومقصد سامي سعت إليه شريعتنا له أثر بيِّن على القلوب ، فالمرء يوم القيامة مع من أحب ، ولاينبغي أن يصرف ولاؤنا إلى غير هؤلاء القوم الذين اصطفاهم بارئهم ، ومن بين خلقه اجتباهم ) .انظر الدر المنضود في أخبار قبر وزيارة النبي هود، لفهمي بن علي بن عبيدون التريمي الحضرمي، دار الفقيه للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 1419هـ .
190رواه مسلم في كتاب الجنائز باب استئذان النبي ( ربه في زيارة قبر أمه من حديث أبي هريرة وانظرلشرح النووي (7/46).
191 انظر تخريجها في المرجع السابق (7/46) .
192رواه الترمذي في كتاب الجنائز باب ماجاء في الرخصة في زيارة القبور من حديث بريدة وقال :وفي الباب عن أبي سعيد وابن مسعود وأنس وأبي هريرة وأم سلمة (3/361) ، وصححه الشيخ الألباني في صحيحه (1/ 307-308) ،والنسائي في كتاب الضحايا باب الإذن في أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام من حديث بريدة واللفظ له(7/234)وصححه الشيخ الألباني في صحيحه ( 3/923 ) طبع مكتب التربية العربي لدول الخليج الرياض ط الأولى (1409-1988)،ورواه ابن ماجه كتاب الجنائز باب ماجاء في زيارة القبور من حديث أبي هريرة (1/500) ، وصححه الشيخ الألباني في صحيحه (1/262).(1/494)
193 رواه أحمد (3/38)من حديث أبي سعيد الخدري وقال الأرناؤوط في تحقيقه للمسند ( 17/429 ) : حديث صحيح ، طبع مؤسسة الرسالة بيروت ط الأولى ( 1419هـ -1998 م ).
194 رواه أحمد من حديث أنس (3/237،250)،وصححه بطرقه وشواهده الأرناؤوط في تحقيقه (21/223)، وكذا روى نحوه الحاكم (1/376) والبيهقي في السنن (4/77).
195 مسلم مع النووي (7/40-41) كتاب الجنائز باب مايقال عند زيارة القبور والدعاء لأهلها .
196 المصدر السابق (7/44) .
197سبل السلام شرح بلوغ المرام للإمام محمد بن اسماعيل الأمير الصنعاني (2/230-231) طبع دار الكتاب العربي ط الثانية (1406هـ -1986) .
198 تقدم تخريجه(ص13).
199 انظر كلامه رحمه الله (ص13).
200 رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري وانظر الفتح(3/70) كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة باب مسجد بيت المقدس واللفظ له، ومسلم نحوه في كتاب الحج باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (9/104-106) مع النووي .
201رواه مالك في الموطأ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي طبع دار إحياء التراث العربي بدون تاريخ (1/108-109) في كتاب الجمعة باب ماجاء في الساعة التي في يوم الجمعة، وأحمد في المسند (6/7) وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل في سياق تخريجه لحديث أبي هريرة برقم (970) وانظر (4/141-143)من الإرواء وأبو بصرة هو حُمَيْل (مثل حُمَيْدلكن آخره لام وقيل بالجيم ) بن بصرة ابن وقاص الغفاري، صحابي سكن مصر ومات بها.
202البخاري مع الفتح (3/63) كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ،ومسلم كتاب الحج باب فضل المساجد الثلاثة (9/167- 168) مع النووي .(1/495)
203رواه أحمد في المسند( 3/93)وقال الإرناؤوط في تحقيقه :صحيح وقدرواه أحمد من غير طريق شهر مما يدل على أن شهر حفظ هذا الحديث وانظر (17/91) من تحقيق المسند(وشهر هو بن حوشب الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن = = السكن) قال عنه الحافظ في تقريب التهذيب تحقيق أبي الأشبال ص ( 441 ) : صدوق ، كثير الإرسال والأوهام، من الثالثة (ت112هـ)طبع دار العاصمة بالرياض ط الأولى (1416هـ ) .
1 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه( 2/374-375) في كتاب الصلوات باب في الصلاة في بيت المقدس ومسجد الكوفة، وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص (226) طبع المكتب الإسلامي بيروت ط الرابعة (1406هـ-1986م) وقال : رواه ابن أبي شيبة والأزرقي في أخبار مكة ص (304) ،وقزعة هو ابن يحيى البصري قال عنه الحافظ في التقريب :ص (801) ثقة من الثالثة.
205 صحيح مسلم (9/105-106) .
206 اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/665-666).
207 الفتح (3/64) .
208 السراج الوهاج (5/116).
209 البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب قول النبي ( لتتبعن سنن من كان قبلكم الفتح( 13/ 300 ) .
210 المصدر السابق ( 13/ 300 ) .
211 تفسير الطبري ( 29 /62 ) .
212 الروم ( (30 ) .
213 تفسير ابن كثير ، طبعة دار الشعب ( 6 / 320 ) .
214 أي مقطوعة الأنف أو الأذن أو الشفة القاموس المحيط ص ( 914 ) 0
215 البخاري كتاب الجنائز باب ما قيل في أولاد المشركين الفتح ( 3/245-246 ) ، ومسلم كتاب القدر باب معنى كل مولود يولد على الفطرة ( 4/2047 ) .0
216 الروم (30 ) 0
217 سيأتي تخريجه في الصفحة القادمة0
218 فتح الباري ( 3/248 ) .
219 الأعراف (16-18 )0
220 سورة ص (82-85)0
221 فاطر ( 6 ) .
222 يس ( 60-62 ) .
223 نحلته أعطيته النووي على مسلم ( 17/197 ) .
224 اجتالتهم ( أي استخفوهم فذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه وجالوا معهم في الباطن ) نفس المصدر ( 17/197 )(1/496)
225 مسلم مع الشرح ،كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار)( 17/197 )
226 نوح ( 23 ) .
227 البخاري والفتح (2/667)0
228 الفتح ( 8/669 ) .
229 انظر: تفسير الطبري ( 29/62 ) للإمام الطبري، معالم التنزيل ( 8/ 232-233 ) للإمام الحسين بن مسعود البغوي تحقيق وتخريج محمد عبد الله النمر وعثمان جمعة ضميرية وسليمان مسلم الحرش طبع دار طيبة بالرياض الطبعة الرابعة ( 1417هـ-1997م ) ، زاد المسير ( 8/373 ) لأبي الفرج ابن الجوزي طبع المكتب الإسلامي بيروت الطبعة الثالثة (1404هـ-1984م) والكشاف ( 4/414 ) للشيخ محمود بن عمر الزمخشري طبع دار الكتاب العربي ببيروت ( 1407هـ- 1987م ) ،والمحرر الوجيز ( 15/122 ) لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي تحقيق الرحالي الفاروق وآخرين ، الطبعة الأولى قطر سنة ( 1401هـ-1981م ) . وتفسير القرطبي ( 18/307-310 ) وتفسير القرآن العظيم ( 8/262 ) لابن كثير . الدر المنثور ( 8/293-295 ) لعبد الرحمن بن أبى بكر السيوطي ( دار الفكر - بيروت ط الأولى سنه 1403هـ- 1983م ) . وفتح القدير ( 5/300 ) للشوكاني 0
230 الجامع لأحكام القرآن ( 18/ 308 ) ، والحديث تقدم تخريجه(ص 18 ).
231 سورة النجم آية ( 19 ).
232 سيأتي تخريج الأثرين لاحقاً .
233 سيأتي تخريجه (ص 64 ) .
234 هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
235 إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ( 1/184 ) لابن القيم .
236 أخرجه البخاري ( 1/532 ) مع الفتح كتاب الصلاة باب " حدثنا أبو اليمان " ، ومسلم (5/12) مع النووي كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور0
237 تقدم تخريجه (ص 17 )0
3 الأعراف ( 138-140 )0
239 طه من ( 83 - 91 ) .
240 التوبة ( 31 ) .
241 المائدة ( 76 ) .
242 المائدة ( 77 ) .
243 تقدم تخريجه ( 18 ).
244 تقدم تخريجه ( 18 ) .(1/497)
245 ويقال البطارقة جمع بطريق وهو رئيس رؤساء الأساقفة انظر : المعجم الوسيط ( 1/61 ) .
246 جمع أسقف وهو رئيس من رؤساء النصارى فوق القسيس ودون المطران ، المصدر السابق ( 1/ 436 ) .
247 جمع قس وهو رئيس من رؤساء النصارى بين الأسقف والشماس ، المصدر السابق ( 2/734 ) .
248 جمع شماس من يقوم بالخدمة الكنيسة ومرتبته دون القسيس ، المصدر السابق ( 1/ 494 ) .
249 جمع راهب المتعبد في صومعة من النصارى يتخلى عن أشغال الدنيا وملاذها زاهداً فيها معتزلاً أهلها. ، المصدر السابق ( 1/ 376 ) .
250 جمع صومعة و صومع وهو بيت العبادة عند النصارى ، المصدر السابق (1/ 523 ) .
251 جمع دير وهو دار الرهبان ، المعجم الوسيط ( 1/ 307 ) .
252 القلايات جمع قلاية وهي الصومعة . المصدر السابق ( 2/757 )
253 أي الفرقة التي سميت الملائكة .
254 الجدي نجم قريب من القطب تعرف به القبلة ، المصدر السابق ( 1/ 112 ) .
255 البداية والنهاية ( 2/101 ) .
256 وهي التي يطلق عليها الناس اليوم كنيسة القيامة 0
257 المصدر السابق ( 2/ 101 ) .
258 انظر : الفكر الإغريقي تأليف محمد الخطيب ( دمشق ، الطبعة الأولى عام ( 1999م ) ، دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة ص ( 28 - 52 ) .
259 المصدر السابق ص( 35-36 ) .
260 المصدر السابق ص ( 35-36 ) .
261 المصدر السابق ص ( 36 ) 0
262 المطالب العالية ( 7-228 ) بواسطة جهود الحنفية في إبطال عقائد القبورية ( 1-416 ) للدكتور شمس الدين السلفي الأفغاني ، دار الصميعي الرياض ، الطبعة الأولى ( 1416هـ - 1996 م ) .
263 انظر الاستغاثة في الرد على البكر ي (2/410-411 ) لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ، تحقيق عبد الله بن دجين السهيلي ، دار الوطن ، الطبعة الأولى ( 1417 هـ - 1997م )
264 ا لأعراف ( 138 ) .
265 الترمذي في الفتن باب ماجاء لتركبن سنن من كان قبلكم ( 4/475 ) . وأحمد ( 5/218 ) .(1/498)
266 تقدم تخريجه ص ( 47 )
267 تقدم تخريجه ص ( 47 ).
268 الاستغاثة (2/411-412 ) .
2انظر ص ( 324 )
270 شفاء الفؤاد بزيارة خير العباد (124)السيد محمد بن السيد علوي بن السيد عباس المالكي الحسني،ط الأولى(1411 هـ-1991م ).
271 المصدر السابق ( 117 ) .
272 النحل ( 120 - 123 ) .
273 الممتحنة ( 4 ) .
274 الحج ( 78 ) .
275 الحاكم في المستدرك ( 4/605 ) وقال :حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، طبع دار المعرفةبيروت بإشراف د. يوسف المرعشلي .
276 انظر: السلسة الصحيحة للشيخ الألباني ( 4/ 242-244 ) .
277 النجم (19)0
278 البخاري كتاب التفسير باب ( أفرأيتم اللات والعزى ) ( 8/611 ) مع الفتح .
279 الفتح ( 8/ 612 ) .
280 سيرة ابن هشام ( 1/77 )طبع مؤسسة علوم القرآن بدون تاريخ تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبدالحفيظ شلبي
281 جمع شعيرة مناسك العبادة ومعالمها انظر القاموس المحيط ص ( 535 ) .
282 جمع مشعر موطن العبادة . المصدر السابق ص ( 535 )
283 جمع طقس وهو نظام الخدمة الدينية عند النصارى .انظر : المعجم الوسيط ( 2/ 561 ) .
284 قال ابن جرير(6/49 ) : ( وأن تستقسموا بالأزلام " وأن تطلبوا علم ما قسم لكم أو لم يقسم بالأزلام وهو استفعلت من القسم ، قسم الرزق والحاجات وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا أراد سفراً أو غزواً أو نحو ذلك أجال القداح وهي الأزلام وكانت قداحاً مكتوباً على بعضها "نهاني ربي" وعلى بعضها "أمرني ربي" فإن خرج القدح الذي هو مكتوب عليه أمرني ربي مضى لذلك لما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك وإن خرج الذي عليه "نهاني ربي" كف عن المعنى لذلك وأمسك ،وأما الأزلام فإن واحدها زلم ويقال زلم وهي القداح التي وصفنا أمرها ) .
285 الحج ( 26 ) .
286 البخاري كتاب التفسير سورة الإسراء باب ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) ( 8 / 400 ) من حديث ابن مسعود ( .(1/499)
287 الأصنام لابن الكلبي ص ( 27 ) .
288 انظر : الأصنام ص( 13 ) و( 16 ) و( 18 ) الدار القومية بالقاهرة نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب سنة(1343هـ-1924م) .
289 المصدر السابق ص ( 33 ) .
290 االمصدر السابق ص ( 33 ) .
291 أصله في البخاري كتاب التفسير سورة نوح باب " ود اً ولا سواعاً ولايغوث ويعوق " وانظر : ابن هشام ( 1/78-80 ).
292 سورة ص ( 5- 7 ) .
293 لأن الهداية التامة لا تكون إلا بالوحي لا غير .
294 ابن هشام ( 1/225 ) عن ابن إسحاق قال حدثني : هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء ، وهذا حديث حسن لمكان ابن إسحاق وأما بقية أصحاب السند فمن أصح الأسانيد .
295 السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ( دراسة وتحليل ) ص ( 72 ) للدكتور مهدي رزق الله أحمد الأستاذ المشارك بكلية التربية جامعة الملك سعود الطبعة الأولى ، ( 1412هـ - 1992م ) نشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الرياض .
296 نفس المصدر ( 77 ) .
297 انظر خبره في البخاري كتاب بدء الوحي ( 1/ 22 ) مع الفتح .
298 صحيح مسلم ( 4/2197) ،كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها،باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة و أهل النار.
299 النحل ( 36) .
300المسند ( 3/ 492 ، 4/341 ) ، و الطبراني في الكبير ( 4582 ) من طريق عبدالرحمن بن أبي الزناد ،وله شاهد من طريق طارق ابن عبدالله المحاربي أخرجه ا بن حبان ( 6562 )كتاب التاريخ ، باب كتب النبي ( ذكر مقاساة المصطفى ( ما كان يقاسي من قومه في إظهار الإسلام صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان طبع مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الثانية (1314هـ-1993م) بتحقيق شعيب الأرناؤوط .وصححه الحاكم( 2/612 )كتاب التاريخ، ذكر أخبار سيد المرسلين ( ، ووافقه الذهبي .
2 سورة ص ( 4 - 7 ) .
302 الأنفال ( 39 )
303 تقدَّم تخريجه في الباب التمهيدي ص ( 4 ).
304 سورة النصر .
305 التوبة (1-3).(1/500)
306 البخاري مع الفتح (8/317-318)، كتاب التفسير، باب (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) ، وباب (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله).
307 المائدة ( 3 ) .
308 صحيح مسلم (4/2166) ،كتاب صفة المنافقين وأحكامهم ، باب تحريش الشيطان وبعثه السرايا لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قريناً.
309 رواه البخاري مع الفتح (3/209) ،في الجنائز باب الصلاة على الشهيد ، ومسلم (4/1795)في الفضائل ،باب إثبات حوض النبي ( ، تحقيق عبد الباقي .
310 مسلم (3/1523)،كتاب الإمارة ، باب قوله ( :( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم).
311 انظر: الموافقات ( 4/299 ) للإمام إبراهيم بن موسى الشاطبي ، طبع دار المعرفة بيروت بدون تاريخ ، والاعتبار في الناسخ و المنسوخ من الآثار (54) للإمام أبي بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني، تحقيق الدكتور عبد لمعطي قلعجي ،نشر جامعة الدراسات الإسلامية بكراتشي، الطبعة الأولى (1403هـ-1982م).
312 أبو داود (2/499 ) كتاب الفتن ودلائلها ، باب ما ذكر الفتن ودلائلها، وابن ماجه ( 2 /1304 )، كتاب الفتن، باب ما يكون من الفتن. وصححه شيخنا الألباني في صحيح ابن ماجه ( 2/352) .
313 البخاري مع الفتح( 13/76)،كتاب الفتن، باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان ،ومسلم مع النووي( 18/32 )، كتاب الفتن .
314 الصف ( 9 ) .
315 مسلم مع النووي ( 18/ 33 ) كتاب الفتن و أشراط الساعة .
316 تقدم تخريجه ص ( 72 ) .
317 وقد أورد ابن كثير أخبار الردة وقتال المرتدين بإسهاب في تاريخه ( 6/311-332 ) .
318 هو القاضي عياض بن موسى اليحصبي توفي سنة (544هـ) انظر ترجمته في السير (20/212) والبداية والنهاية (12/225)0
319 الفتح ( 12/276 ) .
320 تاريخ حضرموت ( ص146 ) لصالح بن علي الحامد ، طبع مكتب الإرشاد بجدة بدون تاريخ .
321 البخاري مع الفتح ( 12/267 ) .(2/1)
322 ، 2 الفَعَلَة : جمعُ فاعلٍ ،أي عامل 0 والمرور: جمعُ مَرٍّ وهو " المسحاة " القاموس المحيط ص ( 610 ) 0
324 الفتح ( 12/270 ) .
325 انظر : شبهة الغلو عند الشيعة ( 56-60 ) للدكتور عبدالرسول الغفار ، الطبعة الأولى (.1415هـ - 1995 م ) دار المحجة البيضاء ، بيروت لبنان .
326 مرآة الجنان وعبرة اليقظان ( 2/272 ) لأبي محمد عبدالله بن أسعد اليافعي ، الطبعة الثانية ( 1413 هـ- 1993 م ) دار الكتاب الإسلامي القاهرة .
327 تفسير الرازي ( 26/96 ) .
328 يس ( 60 ) .
329 مريم ( 44 ) .
330 أضواء البيان تفسير القرآن بالقرآن ( 4/ 83 ) محمد الأمين الشنقيطي طبع عالم الكتب بيروت بدون تاريخ .
331 مجموع الفتاوى ( 27 / 465- 467 ) .
332 السير (16/250-252 ) .
333 البداية والنهاية ( 11 / 233 ) .
334 وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ( 3 / 906 ) لنور الدين محمد السمهودي توفي (911هـ) 0
335 المصدر السابق ( 3 / 916 ) .
336 الأم ( 11 / 277 )للإمام محمد بن إدريس الشافعي .
337 محمد بن أبي بكر الشلي باعلوي من كبار صوفية حضرموت عاش بمكة وله عدد من المؤلفات أشهرها "المشرع الروي" يعد من أكثر كتب التراجم سخافة وخرافة شحنه بما لا يقبله عقل ولا يقره نقل ومع ذلك فهو عمدة من عمد تاريخ حضرموت قال علوي ابن طاهر الحداد في جني الشماريخ ص (31) : ( ولا يحتاج الآخذ من المشرع أن يتطلب حجة في كل شي ء رآه فيه 0 فإن صاحب المشرع من العلم والاطلاع والاستقراء بالمحل العالي وقد شهد له الحبيب الإمام القطب الحداد بالثقة والصدق كما جاء في مجموع كلامه ولا يحضرني الآن نقله بالحرف وناهيك بذلك ناهيك ) توفي سنة(1093هـ) انظر ترجمته :في المشرع وقد ترجم لنفسه (2/17)0
338 المشرع ( 1/147) 0(2/2)
339 تجد هذه الشبهات في رسالة( الجواب المشكور ) ، وهي عبارة عن فتوى أجاب فيها المفتي عن أسئلة تتعلق بالقبور والبناء عليها ووقع عليها عدد من علماء الهند وأرسلت إلى الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود فقام هو بإحالتها إلى دار الإفتاء التي أجابت عليها بكتاب شفاء الصدور في الرد على الجواب المشكور انظر مقدمة شفاء الصدور (ص5-6) وقد طبع في دار العصمة بالرياض (1409هـ)تحقيق عبد السلام آل عبد الكريم 0 ورسالة (إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور ) لأحمد عبد الله الصديق الغماري الطبعة الثانية ، نشر مكتبة القاهرة بمصر .
340 آل عمران ( 7 ) .
341 الاستيعاب في أسماء الأصحاب ( 4/21-23) ، للحافظ ابن عبد البر ،بهامش الإصابة لابن حجر طبع ( دار الكتاب العربي)، بدون تاريخ .
342 إحياء المقبور من أدلة جواز بناء المساجد على القبور ( 38 ) 0
343 عبد الرزاق في مصنفه ( 5/ 337- 342 ) 0
344 الاستيعاب ( 4/22-23 ) .
345 دلائل النبوة ( 4/172-175 ) ، للإمام البيهقي ،تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي ، طبع دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى سنة ( 1405هـ - 1985 م )
346 تحذير الساجد ص ( 118 )
347 فتح الباري ( 5/351 )
348 هو حديث جندب بن عبدالله ( تقدم تخريجه ص ( 19 )0
349 هو حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما وكلا الحديثين تقدم تخريجهما ( 17 ) .
350 ،2، 3والثلاثة الآثار رواها ابن سعد في الطبقات الكبرى ( 8/112-113) ، طبع دار صادر بيروت، وطريق موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث وهو التميمي رواه الحاكم في المستدرك ( 4/24 ) ، كتاب معرفة الصحابة (ذكر زينب بنت جحش ) .
353 رواه ابن سعد في الطبقات ( 8/113 ) من طريق محمد بن عمر الواقدي وهو متهم بالكذب .
354 ابن أبي شيبة في المصنف كتاب الجنائز (في الفسطاط يضرب على قبر ) ( 3/335-336 ) 0(2/3)
355 الحاكم في المستدرك(4/702 )، كتاب معرفة الصحابة ( ذكر وفاة عبدالله بن عباس ( ).
356 موضع أوهام الجمع والتفريق ( 2/332 ) ، للخطيب البغدادي، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي ،طبعة دار المعرفة بيروت الطبعة الأولى سنة ( 1407هـ - 1987م ).
357 تقريب التهذيب( 751 )،للحافظ ابن حجر 0
358 البخاري مع الفتح ( 3/200) .
359 المصدر السابق ( 3 / 200 )
360 المصدر السابق (3 / 200 ).
361 إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ( 2 / 430 ) ، لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني ، دار إحياء التراث بيروت بدون تاريخ .
362 صحيح البخاري كتاب الجنائز باب ( الجريدة على القبر ) (2 / 457 ) .
363 في الصحيح كتاب الجنائز ( الجريدة على القبر ) (2/465).
364 هو العلامة المحدث المحقق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، رحل في طلب العلم والمعاش ، فمكث مدة في الهند ثم استقر في مكة المكرمة أمينا لمكتبة الحرم المكي ، حقق عدداً كثيراً من كتب الحديث والرجال ، وألف في الرد على أهل البدع والباطل من أشهر كتبه " التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل "وله كتاب بعنوان " البناء على القبور " لم يكمله، وفي الموجود منه ما يدل على تحقيق بالغ وعلم غزير كما أن له كتابا بعنوان " القائد إلى تصحيح العقائد " توفي رحمه الله بمكة سنة(1386هـ) انظر ترجمته بقلم عبد الله ابن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المعلمي في مقدمة التنكيل ص(9)طبع ونشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء = = والدعوة والإرشاد بالرياض ( 1403 هـ -1983 م ) وهجر العلم (3/1266) طبع دار الفكر المعاصر بيروت ، ودار الفكر سورية الطبعة الأولى ( 1416هـ - 1996 م ) .(2/4)
365 البناء على القبور ص ( 33-34 ) ، للعلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي ، تحقيق حاكم بن عبيسان المطيري ، الطبعة الأولى ( 1417هـ -1996 م ) ، دار أطلس الرياض ،وقد رد في هذا الكتاب وبأسلوب قوي وحجج رصينة ساطعة شبهة اتخاذ المسجد على أصحاب الكهف فليرجع إليها من أراد معرفة الحقيقة .
366 انظر : ص ( 24 ) .
367 انظر :ص ( 24 ).
368 الباب التمهيدي ص ( 24 ).
369 انظر : ص ( 37-38 )
370 انظر : ص ( 87 )
371 انظر : ص (87 ) .
372 رواه عبد الرزاق ( 3/ 418 ) كتاب الجنائز باب لا يتبع بالجمرة ، وابن أبي شيبة في كتاب الجنائز : في الفسطاط يضرب على القبر ( 2/335 ) ، وزاد الشيخ الألباني -رحمه الله -عزوه إلى الربعي في وصايا العلماء (2/141) ، وابن سعد ( 4/338 ) قال : وإسناده صحيح تحذير الساجد ص ( 143 ).
373 ابن أبي شيبة في نفس الباب السابق (2/335 - 336 )، وعمر بن شبَّه في أخبار المدينة الطبعة التي علّق عليها الشيخ عبدالله الدويش (ص96 - 97 ) دار العليان بريدة الطبعة الأولى(1411هـ-1990م) ،وعزاه الشيخ الألباني إلى ابن عساكر ( 7 /96 ) وقال : إسناده ضعيف ، لكن له طرق أخرى عند ابن عساكر فهو بها صحيح . انظر : تحذير الساجد ص ( 143 ) . وقال الشيخ الدويّش معلقاً على سند ابن شبَّه : رجاله رجال الصحيح إلا عبد الرحمن بن الرجال قال في التقريب : ( صدوق ربما أخطأ ) . قلت : ومن كان هذا حاله فحديثه حسن عند ابن حجر -رحمه الله - .
374 رواه ابن سعد في الطبقات ( 5/142) .
375 ابن أبي شيبة في مصنفه ( 3 /336 ) ، قال الشيخ الألباني في تحذير الساجد ص ( 143 ) : ورجاله ثقات غير ثعلبة وهو ابن الفرات ، قال أبو حاتم وأبو زرعة : ( لا أعرفه ) كما في " الجرح والتعديل " ( 2/464 - 465 ) طبع دار الفكر طبعة مصورة من طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الهند سنة (1371هـ-1952م) .
376 الجدث : القبر، انظر : القاموس المحيط ص ( 213 ) .(2/5)
377 رواه ابن سعد ( 6 / 108 ) وصحح إسناده الشيخ الألباني في تحذير الساجد ( ص 134 ) .
378 هو عبدالله بن سبأ الهمداني وقيل الحميري، اليماني النسب والدار، اليهودي الديانة، أسلم زمن عثمان وهاجر إلى الحجاز ثم إلى الشام ومصر، وهناك تحرك في تحريض الثوار على عثمان ( حتى قتلوه ،ثم عاد فاندس في أصحاب علي ( وغرس فيهم العقيدة الضالة عقيدة ألوهية علي( ، فما كان من علي( إلا أن زجرهم عن ذلك فلما لم ينزجروا أحرقهم بالنار0وهل أُحرق معهم ؟ ربما الأصح أنه هرب ولم يحرق، ثم كوَّن فرقة هي من أخبث فرق الشيعة وتسمى السبئية، أخرجها جمهور السنة والشيعة من فرق المسلمين، وقد أثبت وجود هذه الشخصية الخبيثة مؤرخو السنة والشيعة على السواء ، غير أن بعض المعاصرين من آيات الشيعة وجد أن ترقيع ذلك الثوب المهلهل لا يجدي ،فقرر عدم وجود شخص اسمه عبدالله بن سبأ ،واتهم سيف بن عمر الضبي الإخباري المشهور باختراع هذه الشخصية، غير أن باحثي أهل السنة فندوا تلك الدعوى ، ورد على ذلك المؤلف الشيعي عدد من باحثي أهل السنة في مواضع مختلفة ومناسبات مختلفة ، وأجمَعُ ذلك -حسب علمي- هي رسالة الشيخ سليمان بن حمد العودة التي تقدم بها لنيل درجة الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قسم التاريخ بكلية العلوم الاجتماعية بالرياض عام ( 1402 هـ ) بعنوان ( عبدالله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام ) ، ونشرتها دار طيبة للنشر والتوزيع بالرياض ، فليرجِع إليها من أراد الوقوف على حقيقة هذا الرجل .
379 تاريخ كربلاء ( حائر الحسين ( )،للدكتور عبد الجواد الكليدار ، طبع مدبولي الصغير بالقاهرة بدون تاريخ ص ( 151 ) .(2/6)
380 هو كذاب ثقيف المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي ، أظهر التشيع أيام معاوية فنفي إلى الطائف ، فلما قام عبدالله بن الزبير وفد إليه فأرسله إلى العراق ، وهناك اتصل بالشيعة وزين لهم أمر إمامة محمد بن الحنفية بدون أمره ، وأظهر المخاريق وزعم أن جبريل بأتيه بالوحي ، وتتبع قتلة الحسين ثم قامت الحرب بينه وبين مصعب بن الزبير أمير العراق من قبل أخيه عبدالله وبعد جولات هزمه مصعب وقتله وقتل جمعاً من أصحابه، وفيه تقول أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها للحجاج: سمعت رسول الله ( يقول : ( إن في ثقيف كذاباً ومبيراً ) أما الكذاب فرأيناه - تعني المختار - وأما المبير فما أخالك إلا إياه ) رواه مسلم .
وفيه يقول سراقة البارقي :
كفرت بوحيكم وجعلت نذراً عليَّ جهادكم حتى الممات
أُرِي عينيَّ ما لم تَرَياه كلانا عالم بالترهات
ترجمه الذهبي في السير ( 3/538 ) وما بعدها ، وابن كثير في البداية والنهاية ( 8/289 ) وما بعدها .
381 المخافر : جمع مخفر وهو مكان الخفارة والحراسة ، والمسالح : جمع مسلحة وهم القوم ذوو السلاح . القاموس ص ( 287 ) ، والمعجم الوسيط ( 1/246 ) .
382 تاريخ كربلاء ص ( 183-184 ) .
383 المصدر السابق ص ( 184 ) .
384 الحائر : موضع قبر الحسين ( ، وكرَبَه : أثاره للزرع . انظر : القاموس ص ( 166 )
385 المصدر السابق ( ص186 )
386 المصدر السابق ص ( 186 ) .
387 تاريخ الخلفاء ( 356 ) لجلال الدين السيوطي ، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ، مطبعة دار السعادة مصر ، الطبعة الأولى ( 1371 هـ 1952م )
388 ذكر ذلك الطبري في حوادث سنة ( 248هـ ) . وعنه ابن كثير في البداية والنهاية نفس السنة ( 10/ 354 ) ونص كلام ابن كثير في ترجمة المنتصر ابن المتوكل: ( وهو أول خليفة من بني العباس أبرز قبره بإشارة من أمّه حبشية الرومية ) ،قلت: اسمها حبشية وأصلها رومية فهي نصرانية قبورية .(2/7)
389 مساجد مصر وأوليائها الصالحون ( 1/46 )للدكتورة سعادة ماهر محمد طبع وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية مصر بدون تاريخ، وموسوعة العتبات المقدسة ( 12 / 229 )لجعفر الخليلي الطبعة الثانية (1407هـ-1987م) مؤسسة الأعلمي بيروت ، ومعالم الحضارة العربية الإسلامية ص ( 34 ) للدكتور قصي الحسين الطبعة الأولى (1414هـ-1993م) المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت، والعمارة الإسلامية ص ( 43 ) للدكتور كامل حيدر دار الفكر اللبناني بيروت.
390 البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب قول النبي ( لتتبعن سنن من كان قبلكم الفتح( 13/ 300 ) .
391 المصدر السابق ( 13/ 300 ) .
392 تفسير الطبري ( 29 /62 ) .
393 الروم ( (30 ) .
394 تفسير ابن كثير ، طبعة دار الشعب ( 6 / 320 ) .
395 أي مقطوعة الأنف أو الأذن أو الشفة القاموس المحيط ص ( 914 ) 0
396 البخاري كتاب الجنائز باب ما قيل في أولاد المشركين الفتح ( 3/245-246 ) ، ومسلم كتاب القدر باب معنى كل مولود يولد على الفطرة ( 4/2047 ) .0
397 الروم (30 ) 0
398 سيأتي تخريجه في الصفحة القادمة0
399 فتح الباري ( 3/248 ) .
400 الأعراف (16-18 )0
401 سورة ص (82-85)0
402 فاطر ( 6 ) .
403 يس ( 60-62 ) .
404 نحلته أعطيته النووي على مسلم ( 17/197 ) .
405 اجتالتهم ( أي استخفوهم فذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه وجالوا معهم في الباطن ) نفس المصدر ( 17/197 )
406 مسلم مع الشرح ،كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار)( 17/197 )
407 نوح ( 23 ) .
408 البخاري والفتح (2/667)0
409 الفتح ( 8/669 ) .(2/8)
410 انظر: تفسير الطبري ( 29/62 ) للإمام الطبري، معالم التنزيل ( 8/ 232-233 ) للإمام الحسين بن مسعود البغوي تحقيق وتخريج محمد عبد الله النمر وعثمان جمعة ضميرية وسليمان مسلم الحرش طبع دار طيبة بالرياض الطبعة الرابعة ( 1417هـ-1997م ) ، زاد المسير ( 8/373 ) لأبي الفرج ابن الجوزي طبع المكتب الإسلامي بيروت الطبعة الثالثة (1404هـ-1984م) والكشاف ( 4/414 ) للشيخ محمود بن عمر الزمخشري طبع دار الكتاب العربي ببيروت ( 1407هـ- 1987م ) ،والمحرر الوجيز ( 15/122 ) لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي تحقيق الرحالي الفاروق وآخرين ، الطبعة الأولى قطر سنة ( 1401هـ-1981م ) . وتفسير القرطبي ( 18/307-310 ) وتفسير القرآن العظيم ( 8/262 ) لابن كثير . الدر المنثور ( 8/293-295 ) لعبد الرحمن بن أبى بكر السيوطي ( دار الفكر - بيروت ط الأولى سنه 1403هـ- 1983م ) . وفتح القدير ( 5/300 ) للشوكاني 0
411 الجامع لأحكام القرآن ( 18/ 308 ) ، والحديث تقدم تخريجه(ص 18 ).
412 سورة النجم آية ( 19 ).
413 سيأتي تخريج الأثرين لاحقاً .
414 سيأتي تخريجه (ص 64 ) .
415 هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
416 إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ( 1/184 ) لابن القيم .
417 أخرجه البخاري ( 1/532 ) مع الفتح كتاب الصلاة باب " حدثنا أبو اليمان " ، ومسلم (5/12) مع النووي كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور0
418 تقدم تخريجه (ص 17 )0
3 الأعراف ( 138-140 )0
420 طه من ( 83 - 91 ) .
421 التوبة ( 31 ) .
422 المائدة ( 76 ) .
423 المائدة ( 77 ) .
424 تقدم تخريجه ( 18 ).
425 تقدم تخريجه ( 18 ) .
426 ويقال البطارقة جمع بطريق وهو رئيس رؤساء الأساقفة انظر : المعجم الوسيط ( 1/61 ) .
427 جمع أسقف وهو رئيس من رؤساء النصارى فوق القسيس ودون المطران ، المصدر السابق ( 1/ 436 ) .(2/9)
428 جمع قس وهو رئيس من رؤساء النصارى بين الأسقف والشماس ، المصدر السابق ( 2/734 ) .
429 جمع شماس من يقوم بالخدمة الكنيسة ومرتبته دون القسيس ، المصدر السابق ( 1/ 494 ) .
430 جمع راهب المتعبد في صومعة من النصارى يتخلى عن أشغال الدنيا وملاذها زاهداً فيها معتزلاً أهلها. ، المصدر السابق ( 1/ 376 ) .
431 جمع صومعة و صومع وهو بيت العبادة عند النصارى ، المصدر السابق (1/ 523 ) .
432 جمع دير وهو دار الرهبان ، المعجم الوسيط ( 1/ 307 ) .
433 القلايات جمع قلاية وهي الصومعة . المصدر السابق ( 2/757 )
434 أي الفرقة التي سميت الملائكة .
435 الجدي نجم قريب من القطب تعرف به القبلة ، المصدر السابق ( 1/ 112 ) .
436 البداية والنهاية ( 2/101 ) .
437 وهي التي يطلق عليها الناس اليوم كنيسة القيامة 0
438 المصدر السابق ( 2/ 101 ) .
439 انظر : الفكر الإغريقي تأليف محمد الخطيب ( دمشق ، الطبعة الأولى عام ( 1999م ) ، دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة ص ( 28 - 52 ) .
440 المصدر السابق ص( 35-36 ) .
441 المصدر السابق ص ( 35-36 ) .
442 المصدر السابق ص ( 36 ) 0
443 المطالب العالية ( 7-228 ) بواسطة جهود الحنفية في إبطال عقائد القبورية ( 1-416 ) للدكتور شمس الدين السلفي الأفغاني ، دار الصميعي الرياض ، الطبعة الأولى ( 1416هـ - 1996 م ) .
444 انظر الاستغاثة في الرد على البكر ي (2/410-411 ) لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ، تحقيق عبد الله بن دجين السهيلي ، دار الوطن ، الطبعة الأولى ( 1417 هـ - 1997م )
445 ا لأعراف ( 138 ) .
446 الترمذي في الفتن باب ماجاء لتركبن سنن من كان قبلكم ( 4/475 ) . وأحمد ( 5/218 ) .
447 تقدم تخريجه ص ( 47 )
448 تقدم تخريجه ص ( 47 ).
449 الاستغاثة (2/411-412 ) .
2انظر ص ( 324 )(2/10)
451 شفاء الفؤاد بزيارة خير العباد (124)السيد محمد بن السيد علوي بن السيد عباس المالكي الحسني،ط الأولى(1411 هـ-1991م ).
452 المصدر السابق ( 117 ) .
453 النحل ( 120 - 123 ) .
454 الممتحنة ( 4 ) .
455 الحج ( 78 ) .
456 الحاكم في المستدرك ( 4/605 ) وقال :حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، طبع دار المعرفةبيروت بإشراف د. يوسف المرعشلي .
457 انظر: السلسة الصحيحة للشيخ الألباني ( 4/ 242-244 ) .
458 النجم (19)0
459 البخاري كتاب التفسير باب ( أفرأيتم اللات والعزى ) ( 8/611 ) مع الفتح .
460 الفتح ( 8/ 612 ) .
461 سيرة ابن هشام ( 1/77 )طبع مؤسسة علوم القرآن بدون تاريخ تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبدالحفيظ شلبي
462 جمع شعيرة مناسك العبادة ومعالمها انظر القاموس المحيط ص ( 535 ) .
463 جمع مشعر موطن العبادة . المصدر السابق ص ( 535 )
464 جمع طقس وهو نظام الخدمة الدينية عند النصارى .انظر : المعجم الوسيط ( 2/ 561 ) .
465 قال ابن جرير(6/49 ) : ( وأن تستقسموا بالأزلام " وأن تطلبوا علم ما قسم لكم أو لم يقسم بالأزلام وهو استفعلت من القسم ، قسم الرزق والحاجات وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا أراد سفراً أو غزواً أو نحو ذلك أجال القداح وهي الأزلام وكانت قداحاً مكتوباً على بعضها "نهاني ربي" وعلى بعضها "أمرني ربي" فإن خرج القدح الذي هو مكتوب عليه أمرني ربي مضى لذلك لما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك وإن خرج الذي عليه "نهاني ربي" كف عن المعنى لذلك وأمسك ،وأما الأزلام فإن واحدها زلم ويقال زلم وهي القداح التي وصفنا أمرها ) .
466 الحج ( 26 ) .
467 البخاري كتاب التفسير سورة الإسراء باب ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) ( 8 / 400 ) من حديث ابن مسعود ( .
468 الأصنام لابن الكلبي ص ( 27 ) .(2/11)
469 انظر : الأصنام ص( 13 ) و( 16 ) و( 18 ) الدار القومية بالقاهرة نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب سنة(1343هـ-1924م) .
470 المصدر السابق ص ( 33 ) .
471 االمصدر السابق ص ( 33 ) .
472 أصله في البخاري كتاب التفسير سورة نوح باب " ود اً ولا سواعاً ولايغوث ويعوق " وانظر : ابن هشام ( 1/78-80 ).
473 سورة ص ( 5- 7 ) .
474 لأن الهداية التامة لا تكون إلا بالوحي لا غير .
475 ابن هشام ( 1/225 ) عن ابن إسحاق قال حدثني : هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء ، وهذا حديث حسن لمكان ابن إسحاق وأما بقية أصحاب السند فمن أصح الأسانيد .
476 السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ( دراسة وتحليل ) ص ( 72 ) للدكتور مهدي رزق الله أحمد الأستاذ المشارك بكلية التربية جامعة الملك سعود الطبعة الأولى ، ( 1412هـ - 1992م ) نشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الرياض .
477 نفس المصدر ( 77 ) .
478 انظر خبره في البخاري كتاب بدء الوحي ( 1/ 22 ) مع الفتح .
479 منها حديث عقبة بن عمرو أبي مسعود الأنصاري ( قال : ( أشار رسول الله ( بيده نحو اليمن فقال : ( الإيمان يمان هاهنا ، ألا إن القسوة وغلو القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرن الشيطان في ربيعة ومضر ) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق ، باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ، ومسلم في كتاب الإيمان ،باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه . وحديث أبي هريرة ( عن النبي ( قال : ( أتاكم أهل اليمن أضعف قلوباً وأرق أفئدة الفقه يمان والحكمة يمانية ) رواه البخاري في كتاب المغازي ، باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن . ومسلم في كتاب الإيمان ، باب فضائل أهل اليمن ، وغيرها كثير .
480 الحديث والمحدثون في اليمن في عصر الصحابة ( 3/1751 ) تأليف الدكتور عبدالله الحميري ، طبع مكتبة الرشد الرياض ، الطبعة الأولى ( 1421 هـ - 2000 م )
481 المصدر السابق ( 3/1752 )(2/12)
482 المصدر السابق ( 3/1753 )
483 المصدر السابق ( 3/1754 )
484 المصدر السابق ( 3/1754 )
485 المصدر السابق ( 3/1756 )
486 المصدر السابق (3/1768-1771 ) .
487 المصدر السابق (3/1763 ) .
488 فتح الباري (8/61).
489 الحديث والمحدثون ( 1/385-386 ) .
490 البخاري (6/96 - 97) كتاب التوحيد باب ما جاء في دعوة النبي ( أمته إلى توحيد الله،ومسلم ( 1/196- 197 ) مع شرح النووي باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام.
491 البخاري (3/1104 ) كتاب الجهاد باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه ، ومسلم ( 3/1359 ) كتاب الجهاد والسير باب الأمر بالتيسير وترك التنفير .
492 الحديث والمحدثون (3/1724) .
493 المصدر السابق ( 3/ 1722) .
494 ا المصدر السابق (3/1729).
495 المصدر السابق( 3/1729 )495
496 المصدر السابق( 3/1729 )
497 المصدر السابق ( 3/1735 )
498 المصدر السابق ( 3/1733 )
499تاريخ حضرموت للحامد ( 1/135 )
500 الحديث والمحدثون ( 3/1732 )
501 وذلك في قوله ( : (( وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )) رواه أبو داود ( 2/611 ) ،و الترمذي ( 5/44 ) ،وابن ماجه ( 1/15 ) وقال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي ( 2/241 ).
2 الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن ص ( 17 ) .
503 بسر بن أرطأة ( ت 86 ) ، انظر ترجمته : تاريخ بغداد ( 1/210 ) ، والسير ( 3/409 ) .
504 الصليحيون في اليمن ص ( 18 ) .
1 كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة ص ( 81 ) ، وقرة العيون في أخبار اليمن الميمون،لابن الديبع الشيباني تحقيق القاضي الأكوع الطبعة الثانية ( 1409 هـ ).(2/13)
506 انظر: لترجمة علي بن الفضل وتفصيل فتنته: كشف أسرار الباطنية ( 81-82و94- 114 ) ، وقرة العيون ص ( 131-151) ، وقد تحدث عن هذه الفتنة كل مؤرخي اليمن الذين أرّخوا لهذه الفترة .
507 أبو القاسم الحسن بن حوشب،المشهور بمنصور اليمن توفي سنة(302هـ)انظر أخباره:افتتاح الدعوة ص (16-37 ) للقاضي النعمان بن محمد بن حيون المغربي دار الأضواء بيروت الطبعة الأولى (1416هـ -1996 م ) ، العسجد المسبوك فيمن ولي اليمن من الملوك ص ( 37 ) تأليف شمس الدين علي بن الحسين الخزرجي الأنصاري دار الفكر دمشق ط الثانية مصورة (1401هـ -1981م ).
508 الصليحيون في اليمن ص ( 48) .
509 الصليحيون ص ( 43 ) .
510 المصدر السابق ص ( 47 ).
511 المصدر السابق ص (49- 58 ) .
512 انظر ص ( 101 ).
513 سيرة الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ( ، وقيام الدولة الزيدية في اليمن ص ( 58 ) د. حسن خضيري أحمد ، طبع مكتبة مدبولي بالقاهرة الطبعة الأولى ( 1996 م).
514 انظر: الإمامة وخطرها على وحدة اليمن ( 16 - 23 )، للأستاذ . محمد محمود الزبيري -رحمه الله - طبع دار الكلمة صنعاء بدون تاريخ ، وتيارات معتزلة اليمن في القرن السادس الهجري ( 168-172 )، للدكتور علي محمد زيد ،طبع المركز الفرنسي للدراسات اليمنية صنعاء ، الطبعة الأولى ( 1997م ).
515والأمثلة في ذلك كثيرة وفي نواحي متعددة وانظر : مؤلفات الإمام عبدالله حمزة ستجد منها ما يؤكد ما نقول ، وانظر: كذلك هجر العلم للأكوع (2/1075-1078 ) .(2/14)
516 أشهر مؤرخي اليمن في العصر الحاضر ،ألّف وحقق الكثير من كتب التاريخ وغيرها من نفائس علوم اليمنيين، كان من جملة الثوار الذي زَجّ بهم الإمام في سجن قاهرة حجة ،وبعد الثورة تقلب في عدد من الوظائف الوزارية وغيرها ، وقد عرفته و استفدت منه و أجازني إجازة أعتز بها ،حثَّ فيها على التمسك بالسنة قولاً وعملاً ،والاعتماد على الدليل ونبذ التقليد مما يبين استقامة منهجه رحمه الله رحمة واسعة وقد توفي عام( 1419 هـ ) انظر: ترجمته: في موسوعة ( هجر العلم ) لأخيه القاضي إسماعيل ( 2/870-83 )و كتاب " القاضي محمد بن علي الأكوع الحوالي" مؤرخ اليمن الذي صدر بعد وفاته مباشرة وطبع في مؤسسة الثورة للطباعة والنشر عام (2000).
517 اليمن الخضراء مهد الحضارة ص ( 106 ) للقاضي محمد بن علي الأكوع ، طبع مطبعة السعادة بالقاهرة الطبعة الأولى ( 1391 هـ 1971 م )
518 هو عبدالله بن إباض المقاعسي التميمي ، عاصر معاوية بن أبي سفيان وعاش إلى خلافة عبدالملك بن مروان ، وهو رأس الفرقة الإباضية من الخوارج . انظر : الملل والنحل ( 1/98 ) ، و الأعلام ( 4/61-62 )
519 انظر: لتفاصيل أقوالهم :الملل والنحل للشهرستاني ( 1/98-99 ) ، والفرق بين الفِرق ص ) 103 -109 ) .
520 العسجد المسبوك ص ( 22 ) .
521 عبدالله بن يحيى بن عمر الكندي الحضرمي ، الملقب بطالب الحق ، مؤسس الدولة الإباضية في حضرموت ، توفي سنة ( 130 هـ ) انظر ترجمته : في تاريخ حضرموت للحامد ص ( 262 ) ، وصفحات من التاريخ الحضرمي لسعيد عوض باوزير ، طبع مكتبة الثقافة عدن بدون تاريخ .
522 تاريخ حضرموت للحامد ص ( 207 )
523 تاريخ حضرموت ص( 209 ) ، وصفحات من التاريخ الحضرمي ص ( 50 ) .(2/15)
524 انظر: لأخبار الخوارج وقيام دولتهم وانتهائها كلاً من: تاريخ حضرموت ( 1/206 - 213 ) لصالح بن علي الحامد ، و صفحات من التاريخ الحضرمي ص ( 47-55 ) ، و تاريخ حضرموت السياسي ( 1/64/72 ) لصلاح عبد القادر البكري، طبع دار الآفاق العربية بالقاهرة ، الطبعة الأولى ( 1421 هـ - 2001 م ) ، و أدوار التاريخ الحضرمي ص ( 127-140 ) ، وانظر خبر دولتهم الأخيرة في : صفحات من التاريخ الحضرمي ص ( 66-79 ) .
525 اليمن الخضراء ص ( 106 ) .
526 عمر بن علي بن سمرة الجعدي ، رائد مؤرخي علماء الشافعية باليمن ، صاحب طبقات فقهاء اليمن الذي خصصه لعلماء الشافعية ، ثم صار من بعده من المؤرخين يبنون على ما أسس ويفرعون على ما أصل ، لم تذكر سنة وفاته . انظر : ترجمته لنفسه في مطلع الطبقات ص ( 13 ) وما بعدها .
527 طبقات فقهاء اليمن ص ( 34 ) تأليف عمر بن علي بن سمرة الجعدي تحقيق فؤاد سيد نشر دار القلم بيروت بدون تاريخ.(2/16)
528 هو إمام أهل السنة في زمانه ، بل مجدد الإسلام في اليمن في القرن الثامن محمد بن إبراهيم الوزير مولده سنة ( 775 هـ ) وقد نشأ على طريقة قومه الزيدية المعتزلة ، ثم رغب عنها وتحول إلى الطريقة السلفية ،فبرع في علوم الكتاب والسنة ، واستكمل أدوات الاجتهاد ، واضطهد لذلك ، فصبر ، وصابر ، وألف ، وناظر ، ولو لم يكن له إلا كتابه العظيم العواصم و القواصم لكفى ، كيف وله مؤلفات فائقة كثيرة سواه ، وهو رأس المدرسة السلفية التي مازالت - والحمد لله - قائمة إلى اليوم ، لا يكاد مؤرخ من مؤرخي اليمن إلا وهو يشيد بفضله ، وقد ترجم له من يصعب حصرهم ، وأثنى عليه حتى من يخالفه من الزيدية وغيرهم ، وألفت رسالة علمية بعنوان " ابن الوزير وآراؤه الاعتقادية وجهوده في الدفاع عن السنة النبوية " ، قدمت لجامعة أم القرى بمكة للشيخ علي بن علي جابر الحربي توزيع عالم الكتب ط الأولى (1417). وانظر ترجمته كذلك : البدر الطالع (1/81-93) ، وهجر العلم للقاضي إسماعيل الأكوع (3/1367-1376) ، والبحث الضافي الذي بعنوان الإمام محمد بن إبراهيم الوزير وكتابه العواصم و القواصم في مقدمة العواصم والقواصم (1/7-100) ، طبع مؤسسة الرسالة بيروت (1418هـ-1992م ) للقاضي إسماعيل الأكوع .
529 صالح بن مهدي بن علي المقبلي ، أحد أعلام علماء اليمن والمجتهدين فيه ، تجرد عن التقليد والتزم الأخذ بالكتاب والسنة ، وله مواقف عظيمة مع مقلدي وقته ، اشتد عليه بسببها الأذى فهاجر إلى مكة ،وهناك ألف بعض مؤلفاته ومنها العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشائخ ، وذيله الأرواح النوافح توفي سنة ( 1108هـ ) . انظر : البدر الطالع ( 1/288 ) ، ومقدمة العلم الشامخ للقاضي عبدالرحمن الإرياني (ص أ - د ) طبع مكتبة دار البيان دمشق بدون تاريخ.(2/17)
530 الحسن بن أحمد الجلال من الأئمة المجتهدين في اليمن ، كبير القدر كثير الإنتاج العلمي ، أثنى عليه الشوكاني -رحمه الله - ثناءً كثيراً وهو في الفقه من الأئمة ، وإن كان لم يتخلص مما كان عليه مجتمعه في الجوانب الأخرى من منهجه ، توفي سنة ( 1084 هـ ) . انظر :البدر الطالع 0( 1/191 ) ، وهجر العلم ( 1/342 ) .
531 هو عبدالله بن سعيد بن كُلّاب القطان البصري رأس المتكلمين بالبصرة في زمانه وإمام الطائفة المعروفة بالكلابية ، توفي سنة ( 245 ) . انظر : السير (11/174 ) ، وطبقات الشافعية ( 2/245 ) ، ولسان الميزان (3/360)لابن حجر طبع دار الفكر بيروت ط الأولى (1407هـ - 1987م ) .
2 هو أبو منصور محمد بن محمد بن محمود السمرقندي ، يلقب بإمام الهدى وإمام المتكلمين ، توفي سنة ( 333 هـ ) ، وهو مؤسس المدرسة المشهورة بالماتريدية نسبة إليه ، وله عند أتباعه منزلة عظيمة . انظر : مقدمة كتاب الماتريدية ص ( 93 - 99 ) للشيخ أحمد بن عوض الله بن داخل اللهيبي الحربي ، طبع دار العاصمة بالرياض ، والأعلام ( 7/19 ).
3 انظر لتحقيق تلك الأقوال والترجيح فيها : كتاب موقف ابن تيميه من الأشاعرة ، للدكتور عبدالرحمن بن صالح ابن المحمود ، طبع مكتبة الرشد بالرياض ، الطبعة الأولى ( 1415هـ-1995هـ )
532 انظر : منهج الأشاعرة في العقيدة ص (15 -17)، للدكتورسفر بن عبد الرحمن الحوالي ،طبع مكتبة العلم بالقاهرة ( 1415هـ-1995م ).
533 المُطَرِّفِيَّة :هي فرقة من فرق الزيدية منسوبة إلى مطرف بن شهاب من أعلام أواخر المائة الرابعة وأوائل المائة الخامسة ، وكانوا على جانب عظيم من الإقبال على العلم والاشتغال به والإخلاص في الطاعة والعبادة ، حصل بينهم وبين الإمام عبدالله بن حمزة شقاق فقضى عليهم قضاء مبرماً .انظر : الزيدية للأكوع ص ( 76 - 77 ) وتيارات معتزلة اليمن ص ( 187 ، 192 ) .(2/18)
534 هو زيد بن علي بن الحسن البيهقي المعتزلي ، حج سنة ( 540 هـ ) فاستدعاه الإمام أحمد بن سليمان إلى اليمن فوصل صعدة سنة ( 541 هـ ) ومكث يدرس كيب الاعتزال في مسجد الهادي بصعدة سنتين ونصف ثم رحل إلى بلاده فمات في تهامة . انظر : تيارات معتزلة اليمن ص ( 132 - 134 ) .
535 ملخص من تيارات معتزلة اليمن ص ( 132-135 ) .
536 انظر الصلة بين الزيدية والمعتزلة ص ( 71 ) ، للدكتور أحمد عبدالله عارف ، طبع المكتبة اليمنية صنعاء ودار أزال بيروت ، الطبعة الأولى ( 1407هـ -1987 م ).
537 سورة الحجر آية ( 9 ) .
538 تقدم تخريجه ص ( 73 )
539 آل عمران(7) .
540 طبقات الزيدية مخطوطة ، بواسطة مقدمة السلوك في طبقات العلماء والملوك ص ( 34 ) للقاضي بهاء الدين الجندي ، الطبعة الثانية (1416هـ -1995م ) مكتبة الإرشاد صنعاء ، والمقدمة للقاضي الأكوع.
541 انظر : ص ( 183 )
542 المصدر السابق (1/ 33 ) .
543 البدر الطالع ( 2/83 ) .
544 طبقات فقهاء اليمن ص ( 83 ) .
545 انظر: السلوك ( 1/232 ) .
546 المصدر السابق (1 /251 ) .
547 زيد بن عبدالله اليفاعي ، من فقهاء الجند السائرين على منهج السلف الصالح في الأسماء والصفات ، صاحب مدرسة متميزة في الفقه وله أتباع وتلاميذ كثيرون توفي ( 514هـ)،طبقات فقهاء اليمن ص ( 119) ، هجر العلم ( 4/2377 ) .
548 انظر: طبقات الفقهاء ص ( 120 ) ، والسلوك (1/263 ) .
549 هو زيد بن الحسن الفايشي ، من فقهاء الشافعية المنتمين لمذهب السلف الصالح في الأسماء والصفات ، كبير القدر عظيم الأثر في منطقة الجعامي بإب توفي سنة ( 528 هـ ) انظر ترجمته : طبقات فقهاء اليمن ص ( 155 )،وهجر العلم ( 1/389 ).
550 انظر: السلوك ( 1/285 - 287 ) وهجر العلم ( 1/391 - 392 ) .(2/19)
551 هو يحيى بن أبي الخير العمراني ، إمام شهير من أئمة علماء اليمن ، إمام في الفقه وهو صاحب كتاب " البيان" الشهيرالذي اعتنى بطبعه قاسم محمد النوري وطبع الطبعة الأولى بدار المنهاج بيروت سنة (1421هـ -2000م ) ، وإمام في السنة على منهج السلف الصالح ، رأس علماء الحنابلة في اليمن وصاحب كتاب" الإنتصار في الرد على القدرية الأشرار " الذي حققه سعود بن عبد العزيز الخلف وطبع بدار أضواء السلف بالرياض الطبعة الأولى سنة (1419هـ -1999م ) .
552 انظر: طبقات الفقهاء ص ( 175 - 177 ) .
553 الأنعام(91).
554 طبقات الفقهاء ص ( 181 ) وقد أخرج كتاب الانتصار وطبع بعد أن حقق وقدم رسالة جامعية للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
555 انظر ترجمته : طبقات الفقهاء ص ( 91 ) والسلوك ( 1/230 )
556 طبقات الفقهاء ص ( 177 ) .
557 مسعود بن علي العنسي أحد كبار أصحاب الإمام يحيى بن أبي الخير والسائرين على منهاجه منهاج أهل السنة ، وله في ذلك مواقف مشهورة ومؤلفات في الرد على من خالف مذهب السلف الصالح في الأسماء والصفات ، توفي سنة ( 604 هـ ) .انظر ترجمته : طبقات فقهاء اليمن ص ( 216 ) ، وهجر العلم ( 2/731 ) .
558 السلوك ( 1/322 ) .
559 انظر ترجمته : طبقات فقهاء اليمن ص (190 ) والسلوك ( 1/318 ).
560 انظر:ترجمة صاحبه وتلميذه محمد بن مضمون بن عمر بن أبي عمران في هجر العلم ( 3/2134 )،وقد توفي سنة ( 663 )
561 انظر: قرة العيون ص ( 265 ) .
562 تقدم تخريجه ص ( 73 ) .
563 الإسماعيلية لإحسان الهي ظهير ص ( 735-736 ) .(2/20)
564 الفرقة الباطنية الإسماعيلية ( رؤية من الداخل ) قراءة جديدة وحقائق معاصرة وهذا الكتاب مصفوف بالكمبيوتر ولم يطبع بعد ،وفيه حقائق عظيمة جديرة بالاطلاع و الاعتبار بما فيها قبل أن تفوت الفرصة ويقع الفأس في الرأس ، ومؤلفه يبدو أنه انتحل اسماً مستعاراً هو ( علوي طه الجبل ) ويحق له ذلك ؛ لما يخشى عليه من شر وكيد تلك الطائفة ، وكان من المفيد أن يعجل بنشره بين الناس .
565 الصليحيون ص ( 49- 58 )
566 المفيد من أخبار صنعاء وزبيد ص ( 95- 100) تأليف عمارة بن علي اليمني ،طبع دار السعادة بالقاهرة ،الطبعة الثانية ( 1396هـ - 1976م ) .
567 الصليحيون ص ( 95- 98 ) .
568 المصدر السابق ص ( 99 ) .
569 المفيد من أخبار صنعاء وزبيد ص ( 126-127 ) .
570 المصدر السابق ص ( 128 ) ، وانظر : التعليق رقم ( 1 ) على نفس الصفحة
571 المصدر السابق ص (134) .
572االصليحيون ص (134) . وانظر: الأضرحة في اليمن من القرن الرابع الهجري " العاشر الميلادي "وحتى نهاية القرن العاشر العاشر الهجري "السادس عشر الميلادي " "دراسة أثرية معمارية "ص (39) ، وهي رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراة في الآثار الإسلامية من قسم الآثار كلية الآداب جامعة صنعاء د.علي سعيد سيف ، كتاب مصفوف بالكمبيوتر (1419 هـ -1998 م ) .
573 المفيد ص (133)
574 السلوك ( 1/263 ) ، ملاحظة : على العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله الاعتبار بهذه الحادثة و الانتباه لمكائد الخصوم الذين يعملون على تفريق الكلمة وتشتيت صف أهل العلم والدعوة إلى الله .
575 كشف أسرار الباطنية ( 63 ) .
576 فصلت الآية(35) .
577 كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة ص ( 63-70 )
578 مقدمة كشف أسرار الباطنية ص ( 45-46 ) .
579 طبع في القاهرة سنة (1387هـ ) .
580 الخطط المقريزية ( 2 /133 ) .
581 الإسماعيلية تاريخ وعقائد من ص ( 499 - 522 )، وأصول الإسماعيلية ( 2/ 649-662 ) .(2/21)
582 تاريخ الإسماعيلية ص ( 42 ) .
583 فضائح الباطنية ص (30) لأبي حامد الغزالي طبع دار البشير عمان ط الأولى (1413هـ -1993م ).
584 السلوك ( 1/173 )
585 العسجد المسبوك فيمن ولي اليمن من الملوك - مخطوط مصور صورته وزارة الإعلام والثقافة ضمن مشروع الكتاب 6/1 (70 ) الفضل المزيد على بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد ص ( 39 ) تحقيق الدكتور يوسف شلحد ، طبع مركز الدراسات والبحوث اليمني سنة ( 1983م ).وفي قرة العيون مصدر سابق ( 70 ) .
586 عبدالرحمن بن علي الشيباني المعروف بابن الديبع عالم محدث مؤرخ ، من علماء زبيد ، و إليه ينسب المولد المشهور بمولد " الديبعي " ، لديه تناقض كبير ، فبينما هو من أهل الحديث والفقه إذ به يأتي في ذلك المولد بالطامات ، وهذا شأن من سلم لأهل التصوف ، فإنه لا يكاد ينفعه ما لديه من العلم ، وخير مثال على ما أقول هذا الرجل والشرجي الزبيدي صاحب التجريد الصريح في الحديث وطبقات الخواص المليء بالدجل والخرافة . توفي ( 944 هـ ) . انظر ترجمته : النور السافر ص ( 191 ) ، والبدر الطالع ( 1/335 ) .
587 بلوغ المرام ص .( 9 )
588 تاريخ صنعاء للطبري المذكور ص ( 25 ) تحقيق عبدالله الحبشي ، وطبع مكتبة السنحاني بصنعاء بدون تاريخ.
589 تاريخ مدينة صنعاء للرازي ص ( 85 ) تحقيق حسين عبدالله العمري ، طبع مكتبة الفكر المعاصر ببيروت ، ودار الفكر دمشق ، الطبعة الثالثة ( 1409هـ -1989 هـ ).
590 الأضرحة في اليمن ص ( 28 ) .
591 السلوك ( 1/212 )
592 المصدر السابق الموضع نفسه.
593 فرة العيون ص ( 150 ) .
594 المفيد ص ( 85-86 ) .
595 الفضل المزيد ص ( 55 ) .
596 المسجد المسبوك ص ( 104 ) .
597 المفيد ص ( 134 ) .(2/22)
598 الصليحيون ص ( 134 ) وفي الهامش يقول: ( نقل صاحب العيون " 7/116 " ومشهد الصليحي اليوم قد عفى المتغلبون الظالمون آثاره ،وهدموا مناره ، فإن عنايتهم في ذلك كثيرة ، وفي هدم القبور أفعال نكيرة ، وذلك شيء يتحاماه الكفار والمسلمون ويأنفون عنه وهؤلاء يقدمون ) ، قلت : وهذه هي حجج القبورية في كل زمان ومكان ، يتباكون على هدم المشاهد وتسوية القبور المشرفة التي أمر النبي ( بتسويتها . انظر للمزيد عن مشهد الصليحي بصنعاء : الأضرحة في اليمن ( 39 ) .
599 الصليحيون ص ( 207-208 ) وانظر : الأضرحة ص ( 240 ) وما بعدها .
600 الصليحيون ص (208)،وهذا القاضي هو من الإسماعيلية فلا غرابة أن يقبل قبر الملكة ، و أن يستف ترابه فهذه ديانتهم .
601 الأضرحة ص ( 49) .
602 المصدر السابق نفس الموضع .
603 المصدر السابق ص ( 49 - 58 ) .
604 المصدر السابق ص ( 51 ) .
605 الصليحيون ص( 268 ) .
606 المصدر السابق ص (298) .
607 قال زبارة في نشر العرف لنبلاء اليمن بعد الألف طبع مركز الدراسات والبحوث اليمني صنعاء ط الثانية (1405هـ-1985م ) (3/312):( قال صاحب مطلع الأقمار , ونقلت من خطه أن القبر الذي غربي الصومعة الشرقية بجامع صنعاء هو قبر الحسن بن عبدالله بن الحسن بن جعفر بن محمد بن عبدالله بن العباس بن عبدالله بن العباس بن علي بن أبى طالب انتهى ) . قلت : فلعلهم يزورون هذا القبر المزعوم .
608 انظر هجر العلم (2/796-797)
609 الخطط المقريزية ( 3/480 ).
610 انظر ص (163) .
611 انظر المفيد في أخبار صنعاء وزبيد ص ( 86 ) .
612 السلوك ( 2/485 )
613 الفرائد في قيد الأوابد للعلامة المؤرخ عبد الله بن حسن بلفقية ، مخطوط بمكتبة الأحقاف بتريم ، لديَّ صورة منه .
614 العسجد المسبوك ص ( 74 ) .(2/23)
615 تاريخ اليمن المسمى فرجة الهموم والحزن في حوادث وتاريخ اليمن تأليف العلامة عبد الواسع بن يحيى الواسعي ،طبع مكتبة اليمن الكبرى صنعاء الطبعة الثانية سنة (1990م) ص ( 197).
616 سبق الحديث عن مساهمة الأيوبيين في نشر القبورية في الفصل الثالث .
617 انظر تراجم سلاطينهم في اليمن في الفضل المزيد من تاريخ زبيد وغيره من تواريخ اليمن، وفيها يذكرون كيف يُقْبر سلاطين الأيوبيين.
618 الإمامة وخطرها على وحدة اليمن ص (13-14) للأستاذ محمد محمود الزبيري طبع دار الكلمة صنعاء بدون تاريخ .
619 هجر العلم (1/223-225)
620 المصدر السابق (1/224).
621 المصدر السابق (1/255).
4 انظر : الدر النضيد ص(48)0
623 البدر الطالع (2/ 332-332 )
624 البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار تأليف الإمام أحمد بن يحيى المرتضى (2/132)، طبع دار الحكمة اليمانية صنعاء تصوير عام (1409هـ-1988م) عن الطبعة الأولى (1366هـ-1947م)(2/132)0
625 الأزهار في فقه الأئمة الأطهار(1/361) للإمام المهدي صاحب البحر الزخار مع شرحه السيل الجرار تحقيق محمد إبراهيم زايد طبع دار الكتب العلمية ببيروت الطبعة الأولى الكاملة (1405هـ-1985م) .
626 الباب الثالث(ص 547 ).
627 انظر ذكريات الشوكاني ص (113- إلى آخر الكتاب ) تحقيق د.صالح رمضان محمود طبع دار العودة (1983م) وحوليات يمانية ص (22-23) تحقيق عبدالله محمد الحبشي لم يسم المؤلف طبع دار الحكمة اليمانية صنعاء ط الأولى (1411هـ-1991م )
628 هجر العلم (1/222-223).
629 نفس المصدر نفس الموضع.
630 انظر البدر الطابع ( 2/332-333 ).
631 وهو مؤسس الدولة الزيدية باليمن توفي سنة (298هـ) ولكن المشهد لم يعمر إلا مابين سنة (733) و(750هـ) وهي فترة حكم الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد الذي كان أول من بنى مشاهد مقبرة صعدة على قبور الإمام الهادي وبنيه ، انظر : الأضرحة ص (161)(2/24)
ا632 نظر ترجمته في العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية(1/51) تأليف علي بن الحسن الخزرجي تحقيق محمد بن علي الأكوع طبع مركز الدراسات والبحوث اليمني الطبعة الثانية (1403هـ-1983م) وقرة العيون ص(299) .
2العقود اللؤلؤية (1/82 ).
634 انظر ترجمته في: العقود اللؤلؤية (1/239) وقرة العيون ص(337).
635 المفضل المزيد ص ( 94 )
636 انظر ترجمته في: العقود اللؤلؤية (2/13) وقرة العيون ص (349) .
637637 الفضل المزيد ص (96 ).
7
640 انظر ترجمته في : العقود اللؤلؤية(2/111) وقرة العيون ص (368). .
641 الفضل المزيد ص(102).
642 انظر ترجمته في العقود اللؤلؤية (2/141) وقرة العيون ص(376).
643 الفضل المزيد ص (104).
644 المصدر السابق ص(104) .
645 المصدر السابق ص (108).
646 المصدر السابق ص (108).
647 المصدر السابق ص (109).
648 الفضل المزيد ص(109)0
2 المصدر السابق ص(113)0
650 المصدر السابق ص (113-114)0
651 المصدر السابق ص (115)0
652 المصدر السابق ص (111).
653 السلوك ( 2/ 117 ) .
654 الأضرحة ص ( 123 ) وما بعدها .
655 أدوار التاريخ الحضرمي ص( 162- 163 ) .
656 طبقات الخواص ص( 150-151 ) .
657 الصوفية والفقهاء في اليمن ص( 12 ) تأليف عبدالله بن محمد الحبشي توزيع مكتبة الجيل الجديد صنعاء (1396-1976).
658 طبقات الخواص ص ( 64-69 ) .
659 المصدر السابق .
660 قال القاضي إسماعيل الأكوع في كتابه المدارس الإسلامية في اليمن طبع مؤسسة الرسالة بيروت مكتبة الجيل الجديد صنعاء ط الثانية (1406هـ-1986م ) ص( 83- 84 ): ( لم نعرف اسم المقدسي كاملاً ولا تاريخ قدومه إلى اليمن ولا تاريخ ولادته ووفاته ومكانهما فيما بين أيدينا من المراجع ، ولعل ذلك الإهمال كان مقصوداً من المؤرخين نكاية به وتجاهلاً لعلمه ومعرفته لعلم المنطق ) ،قلت: ليس علمه علم منطق ولكنه الفلسفة الإلحادية .
661 السلوك ( 2/111- 113 ) .(2/25)
662 كشف الغطاء عن حقائق التوحيد وعقائد الموحدين وذكر الأئمة الأشعريين ومن خالفهم من المبتدعة وبيان حال ابن عربي وأتباعه المارقين ص(217) للعلامة الحسين بن عبدالرحمن الأهدل طبع تونس .( 1964م ) .
663 أنكر العلامة الأهدل أن يكون هذا الكتاب للشيخ أبي الغيث وذلك لأنه أمي ، ولكن السيد عبدالله الحبشي رد عليه في ذلك وأثبت أن الكتاب تأليف ابن جميل. انظر : الصوفية والفقهاء ( ص71 - 72 ) .
664 الصوفية والفقهاء ص( 72 ).
665 طبقات الخواص ص ( 409 _ 410 ) .
666 الصوفية والفقهاء ص (73)
667 طبقات الخواص ص ( 72 - 74 ) .
668 الطبقات الخواص ص ( 380 - 381 ) .(2/26)
669 انظر : قصة إرسال أبي مدين إلى حضرموت في( الجوهر الشفاف في ذكر فضائل ومناقب وكرامات السادة الأشراف) تأليف عبد الرحمن الخطيب الأنصاري وهو مخطوط ، ولدي نسخة مصورة منه ( 1/81- 82 ) في الحكاية السابعة والعشرين وفي المشرع الروي ( 2/ 4-5 ) ،وحتى لا يظن أحدٌ أنني بالغت في تعبيري أو طعنت في ( عبد الله الصالح المغربي - ومرسله أبي مدين - أو في الفقيه المقدم ) ، أسوق قصتهم بحروفها من الجوهر الشفاف لعبدالرحمن الخطيب حيث قال : ( الحكاية السابعة والعشرون: روى المشايخ ( أنه قيل لشيخ شيوخنا الشيخ الفقيه محمد بن علي ( :إنه لا يفك قفل قلبك إلا الشيخ عبدالرحمن المقعد ،وكان الشيخ عبدالرحمن المقعد ( إذ ذاك بمكة -حرسها الله تعالى- فسار الفقيه شيخ شيوخنا = = قاصداً نحوه ، فلما بلغ أثناء الطريق أخبر بوفاته فرجع إلى بلده ،وكان الشيخ عبدالرحمن المذكور ( من كبار تلامذة الشيخ الكبير خاص الخواص أبي مدين ( ، وكان شيخه أبو مدين ( قد أمره بالسفر إلى حضرموت ، وقال له: إن لنا فيها أصحاب سر إليهم وخذ عليهم عقد الحكم ولبس الخرقة أو كما قال ، و قال له : ولكنك لاتصل إليهم بل تموت في أثناء الطريق ونرسل إليهم من يأخذ عليهم ذاك ، فسار الشيخ عبدالرحمن طالباً حضرموت ، فلما بلغ في أثناء الطريق حضرته الوفاة فأحضر تلميذه الشيخ الكبير العارف بالله تعالى عبدالله الصالح المغربي - و كان من أولاد ملوك المغرب فآثر سلوك هذه الطريقة ففتح له وكان من كبار تلامذته ولهما الكرامات الخارقة والإشارات المفيدة الفائقة - وأمره بالمسير إلى حضرموت وقال له ما قال له الشيخ أبو مدين ( ، وفي رواية أنه قال له أيضاً : اذهب إلى حضرموت تجد فيها الفقيه محمد بن علي أبو علوي عند الفقيه علي بن أحمد أبي مروان يستقي يعني يأخذ منه العلم ، طارح سلاحه فوق رجليه ، فاغمزْه من عند الفقيه وحكّمْه، واذهبْ إلى قيدون تجدْ فيها الشيخ سعيد بن عيسى فحكّمْه ،(2/27)
قال الشيخ عبدالله : فلما وصلت إلى تريم وجدت الفقيه محمد بن علي كما قال الشيخ عبدالرحمن فغمزته وحكّمته - و ما شاور أبا مروان - فلما رجع إليه وفي رأسه الخرقة اغتاظ عليه وقال له : رجوناك إماماً مثل ابن فورك فتركت صحبتنا ورجعت إلى زي الصوفية أو كما قال ، فقال له الفقيه محمد بن علي ( : : = الفقر خير 0وهجره أبو مروان إلى أن توفي وستأتي حكايتهما في ذلك إن شاء الله تعالى ، فسار الشيخ عبدالله فلما وصل إلى حضرموت اجتمع بشيخ شيوخنا الفقيه محمد بن علي ( وقال له الشيخ عبدالله : أي لؤلؤة عجماء لو ثقبت ، فقال الشيخ محمد ، وما الثقب قال :التحكيم ، فانخلع الشيخ محمد عما هو عليه من زي الفقهاء وترك صحبتهم ،وتحكم للشيخ عبدالله ولبس منه الخرقة ، وأقبل على الله تعالى في السر والعلانية ورغب في صحبة الصوفية ، قالوا ودعا لذريته عند ذلك بثلاث دعوات ( الأولى ) بذل النفوس ولا يعودون إلى العمومية أي لا يزالون على زي الفقراء ( الثانية ) أن لا يسلط الله تعالى عليهم ظالماً يؤذيهم ( الثالثة ) أن لا يموت أحد منهم إلا وهو مستور في دنياه - أي لا تكون به حاجة تضر بدينه - قالوا : فقبلهن الله تعالى ، فما يموت أحد منهم إلا وهو بتلك الصفة ، ولم يسلط الله تعالى عليهم بعد ذلك ظالماً أبداً ببركة دعوة الشيخ لهم ( ) . الجوهر الشفاف (1/81-83 ).(2/28)
وكذلك قال الشلي في المشرع : ( فلما رآه شيخه علي بامروان تغير عما كان قال له: أذهبْتَ نورك وقد رجونا أن تكون كابن فورك واخترتَ طريق التصوف والفقر وقد كنت على المقدار والقدر ، فقال الأستاذ : الفقر فخري وبه أفتخر ، وبه على النفس والشيطان أنتصر ، ولا أتباعد عنكم إعراضاً ، ولا تبدلت بكم معتاضاً 0 وهجره الفقيه وظن أن يفيد فيه الهجر ، ورأى أنه أعظم من الزجر ، واستمر مهاجراً له إلى أن مات0 ) المشرع الروي ( 1 /2- 5 ) ، وفي هجر الإمام بامروان للفقيه المقدم دليل على أن أهل حضرموت كانوا على منهج الكتاب والسنة ، وأنهم لم يعرفوا ذلك الانحراف الصوفي إلى أن قدم ذلك المغربي بالتصوف وأخذه عنه الفقيه المقدم ، ولكن منذ ذلك التاريخ استفحل الشر وانحرف الأكثر بتأثير ذلك الفقيه وأتباعه من أبنائه وفقرائه واللائذين بهم ممن ينسبون إلى الفقه والعلم ، بعد أن ضعف الفقه وقل العلم ، ومازال التصوف يفشو والعلم ينقص حتى أظلم الكون ، وعم الانحراف ، وظهرت الدعاوى والرسوم ، وزالت الحقائق ، وأصبح من النادر وجود فقيه متضلع مدرك للأدلة ومذاهب العلماء قادر على الترجيح والاختيار ، أما علم التفسير والحديث فلم يبق لهما أثر ، وسيأتي في الباب الثاني مزيد بيان لهذه القضية .
670 طبقات الخواص ص ( 245 ) والصوفية والفقهاء ص ( 36 ) 0
671 انظر الصوفية والفقهاء ص ( 35 )
672 انظر الجزء اللطيف ص ( 23 ) ضمن المجموعة العيدروسية .
673 طبقات الخواص ص( 195 - 198 ) .
674 مقدمة كتاب الفتوح للشيخ أحمد بن علوان تحقيق عبد العزيز سلطان طاهر المنصوب طبع دار الفكر المعاصر ط الأولى (1416هـ - 1995م ) بيروت لبنان .
675 الصوفية والفقهاء ص (32) .
676 طبقات الخواص ص( 147 ) .
677 التوقيف على مهمات التعاريف ص ( 429 _ 430 )
678 انظر (ص 222 ).
679 انظر بعضاً من شطحه في : الجوهر الشفاف ( 1/ 35 ) وما بعدها والغرر ص ( 147 ) والمشرع (2/9 ) .(2/29)
680 مرآة الجنان (4/ 349 - 350 ) .
681 انظر ترجمته في طبقات الخواص ص ( 267 ) .
682 انظر ترجمته في المصدر السابق ص ( 264 ) .
683 انظر ترجمته في المصدر السابق ص ( 195 ) .
684 انظر ترجمته في المصدر السابق ص ( 406 ) .
685 انظر ترجمته في المصدر السابق ص ( 75 ) ، ومرآة الجنان ( 4/395 ) .
686 انظر ترجمته في المصدر السابق ص ( 249 ) ، و ومرآة الجنان ( 4/458 )
687 انظر ترجمته في المصدر السابق ص (69 ) ، ومرآة الجنان ( 4/357 )
688 انظر ترجمته في المصدر السابق ص (146 ) ، ومرآة الجنان ( 4/348 ) .
689 انظر ترجمته في المصدر السابق ص ( 72 ) ، ومرآة الجنان ( 4/371 ) .
690 انظر ترجمته في المصدر السابق ص ( 120 ) ومرآة الجنان ( 4/347 ) .
691 إدام القوت أو معجم بلدان حضرموت للسيد عبدا لرحمن بن عبيد الله السقاف منشور في مجلة العرب العدد (15) .
692 القول المختار فيما لآل العمودي من الأخبار جمعَه عبدالله أحمد الناخبي مخطوط مصور لديَّ .
693 الغرر ص ( 145 ) وما بعدها والمشرع ( 2/2 ) وما بعدها .
694 انظر العقود اللؤلؤية ( 1/ 52 ) .
695 الصوفية والفقهاء ص ( 47 ) .
696 المصدر السابق من ص ( 85 ) إلى آخر الكتاب .
697 انظر الفصل الرابع عشر من كتاب " التصوف في تهامة " ص ( 117 ) وما بعدها تأليف محمد بن أحمد العقيلي ، الطبعة الثانية بدون تاريخ ولا دار طبع .
698 مقدمة الكتاب ص ( ل ) .
699 انظر الجزء الأول الصفحات ( 356 ) و ( 392 و 393 ) و ( 423 ) و ( 455 ) و ( 462 ) ، والجزء الثاني ( 60 و 61 ) و ( 62 ) , ( 65 ) و ( 82 ) و ( 117 ) , ( 182 ) و ( 183 ) و ( 188 ) و ( 230 ) و ( 234 ) و ( 242 ) و ( 261 ) و ( 447 ) و ( 457 ) و ( 458 ) .
700 انظر : أمثلة ممن أقيم عليه مشهد أو فيه تابوت أو بني على قبره مسجد أو دفن في مسجد في الجزء الثاني ص (263 ) و ( 426 ) و ( 485 ) .(2/30)
701 السلوك (2/263) و الرغائب : هي الصلاة المبتدعة التي تُصلى في ليلة أول خميس من شهر رجب ، وقوله" خلق ناشر " أي كثير.
702 انظر : تاريخ حضرموت (1/69) 0
703 انظر ص ( 237 ).
704 مرآة الجنان ( 4/ 352-354 ) .
705 انظر : الفرائد في قيد الأوابد للعلامة عبد الله بن حسن بلفقيه ص ( 25 ) .
706 التعريفات ص ( 177 - 178 ) .
707 هو المؤرخ المشهور وواضع علم الاجتماع عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي الاشبيلي توفي سنة ( 808هـ ) اشتهر بالتاريخ الذي سماه العبر وديوان المبتدئ والخبر ومقدمته التي تعد من أصول علم الاجتماع ، ترجم نفسه في آخر التاريخ وترجمه الكثير من الباحثين ، انظر ترجمته في أخر كتاب التاريخ ( 7/365 ) وما بعده ، والضوء اللامع للسخاوي ( 4/145 ) ، الأعلام للزركلي ( 3/330 ) ،انظر : مقدمة التاريخ طبعه دار إحياء التراث العربي .
708 عبد الله بن أسعد اليافعي توفي سنة ( 786هـ ) أحد أقطاب صوفية اليمن فقيه مؤرخ صاحب كتاب روض الرياحين في ذكر حكايات الأولياء والصالحين ومرآة الجنان في التاريخ،انظر : طبقات الخواص ص ( 162 ) ، البدر الطالع ( 1/378 ) .
709 روض الرياحين في حكايات الصالحين ص ( 16 ) تأليف عبد لله بن أسعد اليافعي ، وبذيله عمدة التحقيق في بشائر الصديق للشيخ إبراهيم العبيدي المالكي ، نسخة مصورة بدون تاريخ .
710 النفائس العلوية في المسائل الصوفية ص (148)لعبدالله بن علوي الحداد طبع دار الحاوي الطبعة الأولى(1414 هـ -1993 م ).
711 طبقات الخواص ص ( 266 ) .
712 مواهب القدوس في مناقب العيدروس ضمن المجموعة العيدروسية ص ( 14 ) .
713 توفي سنة (651هـ ) انظر هِجَر العلم ( 1/219 ) ، السلوك ( 1/184 ) .
714 الجوهر الشفاف (1/81-82) .
715 نقيب العلويين في زمانه وأحد أشهر أقطاب حضرموت توفي سنة( 833هـ ) انظر الغرر ص ( 192 ) ، المشرع ( 2/241 ) .
716هي قوائم الدابة انظر القاموس مادة كرع ص( 980 ) .(2/31)
717 ما بين القوسين من الحاشية معلم عليه أنه ساقط من الأصل .
718 الجوهر الشفاف ( 2/80 ) .
719 تذكير الناس ص( 216 )
720 أنظر مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية ( 2/ 619 ).
721علي بن محمد الحبشي العلوي الحضرمي صاحب سيؤن ومنشئ رباط العلم بها المسمى باسمه "رباط الحبشي " من أشهر علماء زمانه ومربي جيله تتلمذ عليه الكثير من الطلاب الذين نبغوا وأصبحوا من العلماء والأدباء غير أنه مع علمه قد نقل عنه من الخرافات والهذيان مالا مزيد عليه وذلك ما حواه كتاب كنوز السعادة الأبدية في الأنفاس العلية الحبشية كتبه من إملائه تلميذه محسن بن عبد الله السقاف وهو أيضاً صاحب زيارة الحول المشهورة بحضرموت توفي رحمة الله سنة ( 1312هـ ) انظر تاريخ الشعراء الحضرميين ( 4/128 ) تأليف المؤرخ عبدالله بن محمد السقاف الناشر مكتبة المعارف الطبعة الثالثة سنة (1418هـ) الطائف ، ولوامع النور( 1/197 ) .
722 كنوز السعادة الأبدية ص ( 179 ) الذي قام بطبعه علي بن عيسى الحداد .
723صاحب غرر البهاء الضوي توفي سنة ( 760هـ ) انظر ترجمته في الغرر ص ( 3-11 ) ، وتاريخ الشعراء الحضرميين ( 1/142 ) .
724المشرع الروي ( 2 / 6 - 7 ) ، وقال بعد أبيات ( قوله : وقيس صوابه حيوة ).
725 شرح العينية ص ( 161 ) نظم عبدالله بن علوي الحداد تأليف العلامة أحمد بن زين الحبشي باعلوي طبع مطبعة كرجاي المحدودة سنغافورة ، الطبعة الأولى ( 1407هـ - 1987 م ).
726 الأنموذج اللطيف في مناقب الغوث للأستاذ الأعظم الفقيه محمد بن علوي باعلوي دفين تربة تريم ص ( 213 ) مع البرقة المشيقة للسيد علي بن أبي بكر السكران طبع في مصر سنة (1347هـ) .
727 الغرر ص ( 398 ).
728 مرآة الجنان لليافعي ( 4/ 352-354 ) .
729من قصيدة شهيرة للشيخ المذكور ما زالت متداولة إلى اليوم ينشدها الصوفية في موالدهم وحضراتهم وضمن مولد الديبعي ص ( 93 - 95 ).(2/32)
730 الحكايتان في مجموع كلام الحبيب أحمد بن حسن العطاس رواية محمد بن عوض بافضل ص ( 25 ) وهو مخطوط مصور عند بعض الأصدقاء .
731 جد آل السقاف انظر ترجمته في المشرع الروي ص (2/ 141 )
3 الغرر ص ( 96 )
733 نظر الحكايتين في : تذكير الناس ص ( 206 - 207 ) .
734 المشرع ( 2/ 211 ) وقد اعتمد القوم هذه المنقبة له حتى قال صاحب النور السافر عنه ص ( 281 ) : ( يقول للشيء كن فيكون بإذن الله ) ، وانظر الغرر ص ( 372).
735 هذه الكلمة غير مفهومة في الأصل وأظنها فيها .
736 الجوهر الشفاف ( 1 / 146 - 147 ) .
737 آل عمران ( 156 ) .
738 التوبة ( 116 ) .
739 يونس ( 56 ).
740 البقرة ( 258 ).
741 النازعات ( 24 ).
742 القصص ( 38 ).
743 الجن ( 27 ) .
744 الأنعام ( 59 ).
6 رواه البخاري من حديث ابن عمر كتاب التفسير باب قوله ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام ) ( 4/ 1733 )
746 انظر :فتح القدير للشوكاني ( 2/ 123 ).
2 انظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 3/282).
3 المشرع ( 2/33 ) .
4 المصدر السابق ( 2/ 89)
750 المصدر السابق ( 2/ 116 ) .
751 الشورى الآية ( 49-50 ) .
752 تذكير الناس ص( 321 ) .
753 المصدر السابق ص ( 322 - 323 ) .
754 النفحة الشذية إلى الديار الحضرمية ، وتليه رحلته تلبية الصوت من الحجاز وحضرموت ص ( 175 -176)، تأليف العالم نسخة السلف وقدوة الخلف الحبيب عمر بن أحمد بن سميط ، طبع على نفقة أحد المحبين من المحسنين ( 1397 هـ ) .
755 الشعراء آية ( 80 ) .
756 البخاري في صحيحه (5/2158) ، كتاب الطب باب الجذام، ومسلم في صحيحه (4/1743) ، كتاب السلام باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول ولا يورد ممرض على مصح.
757 مسلم في صحيحه (4/743) في الكتاب والباب السابقين ، كلاهما من حديث أبي هريرة .
758 انظر: (10/160-162) من الفتح .
759 طبقات الخواص ص( 103 ) .
760 المشرع ( 2/ 242- 243 ) .(2/33)
761 الواقعة الآية ( 68-69 ) .
762 لقمان الآية ( 34 ).
763 البخاري في صحيحه (1/290) كتاب صفة الصلاة باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم ، ومسلم (2/59-60) مع النووي كتاب الإيمان باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء .
764 طبقات الخواص ص ( 77 ) .
765 المصدر السابق ص ( 75 ) .
766 المصدر السابق ص ( 75 ) .
767 تذكير الناس ص ( 187 ) .
768 القهاول مقدار من الكيل يساوي ثلاثة أصواع تقريباً .
769 الرَّعَّاض جمع راعض وهو الذي يعدِّل السيل في الحقول .
770 المصدر السابق ص ( 188 ) .
771 شرح العينية ص ( ب ) من المقدمة .
772 انظر : شرح هذا البيت في العينية ص(17-18) .
773 شرح العينية ص(174 ) وانظر أيضاً : المشرع الروي ( 2/212 ).
774 العَجُز : بفتح العين وضم الجيم قرية شرق تريم تبعد منها مسافة .
775 شرح العينية ص (188 ).
776 تاج الأعراس ص (1/ 94) .
777 المشرع الروي ص ( 1 / 184 ) .
778 تاج الأعراس ( 1/ 104 ) .
779 هذه الكلمة باللهجة الحضرمية معناها ( لا تبقى ) أي لا تبقى في القبة غافلاً عنا .
780 الكلام ما زال لصاحب تاج الأعراس .
781 تاج الأعراس ( 1/ 207-209 ) .
782 مقدمة ديوان العيدروس المسمى (محجة السالك وحجة الناسك) ص ( 242 ) , تأليف الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن باوزير ضمن المجموعة العيدروسية.
783 أي جراح .
784 المصدر السابق ص( 247 ) .
785 الحجر (9) .
786 تقدم تخريجه ص ( ) .
787 رواه أبو داود (2/512 ) كتاب الملاحم باب ما يذكر في قرن المائة ، والحاكم ( 4/542-543 ) كتاب الفتن والملاحم ..وانظر : تصحيح شيخنا الألباني - رحمه الله - للحديث في سلسلته الصحيحة ( 11/150-151) .
788 طبقات فقهاء اليمن ص( 75-76 )(2/34)
2 ابن جرير هو : إسحاق بن يحيى بن جرير الطبري الصنعاني ، توفي سنة ( 450 هـ ) صاحب تاريخ صنعاء ، وقد قال الأكوع في تعليقه على السلوك ( 1/210 ) : أنه لم يعثر على هذه الرسالة فيما لديه من تاريخ ابن جرير ، وأنا كذلك لم أعثر عليها في النسخة المطبوعة غير أن ابن جرير كان لا يذكر ابن الفضل إلا وقال ( لعنه الله ) .
3 السلوك ( 1/210 ) .
4 العسجد ص( 39 ) .
5 قرة العيون ص ( 142 ) .
6 نشوان بن سعيد الحميري ، توفي سنة ( 573 هـ ) .انظر :الأعلام ( 8/20 ) ، ومقدمة الحور العين لنشوان الحميري ص( 16- 25 ) تحقيق كمال مصطفى طبع دار آزال بيروت ، والمكتبة اليمنية صنعاء الطبعة الثانية( 1985م ) والسلوك ( 1/92 9 ) .
789 قرة العيون تعليقاً ص( 122-123 ) .
790 الحور العين ص ( 253-254) .
791 بلوغ المرام ص( 21-22 ) .
792 المصدر السابق ص(4) .
793 الصليحيون ص( 297-298 )
794 مصادر الفكر العربي والإسلامي في اليمن تأليف عبد الله محمد الحبشي الصفحات (95) و (100) و (102) و (106) و (111) و (112) و (11) و (121) و (123) و (125) و (126) طبع مركز الدراسات اليمنية صنعاء .
795 ابن أبي القبائل هذا الذي ذكره الأكوع في تحقيقه لكتابه كشف أسرار الباطنية ، وذكره فؤاد سيد في تحقيقه لكتاب طبقات فقهاء اليمن لابن سمرة الجعدي ص( 78 ) ، ومنهم من ذكره بابن أبي الفضائل والله تعالى أعلم .
796 كشف أسرار الباطنية ص(45 ) .
797 السلوك (1/201 ) .
798 البقرة (43 ) .
799 الأنعام ( 120 ) .
800 الأعراف ( 33 ) .
801 هود ( 40 ).
802 سورة ص ( 24 ) .
803 سبأ ( 13 ) .
804 كشف اسرار الباطنية وأسرار القرامطة ص( 63 - 65 ) .
805. المصدر السابق ص( 69 ).
806 الزخرف ( 19 ) .
807 المصدر السابق ص( 70 ) .
808 المصدر السابق ص(70 - 71 )
809 الإسماعيلية تاريخ وعقائد ص( 473 - 538 )
810 المصدر السابق ص( 546 - 592 )
811 البدر الطالع (2/331 )(2/35)
812 المصدر السابق ( 2/332 )
813 المصدر السابق ( 2/332 ) .
814 أعلام المؤلفين الزيدية ص( 1124 ).
815 هجر العلم (1/502 ) .
816 انظر ترجمته في البدر الطالع (2/331 - 333 ) ، وهجر العلم ص( 501 - 506 ) ، وأعلام المؤلفين الزيدية ص( 1124 - 1131).
817 هجر العلم للأكوع (2/882) ، ومصادر الفكر للحبشي ص( 107 ) .
818 هجر العلم (3/1306) ، ومصادر الفكر ص(112 ) .
819 مصادر الفكر ص( 122 ) .
820 هجر العلم (4/1854) .
821 البدر الطالع ( 2/133 ) .
822 المصدر السابق (2/ 113-136 ) .
823 الديوان وانظر مقدمةهذه القصيدة ص ( 171-173 ) .
824 الدر النضيدص ( 102 ).
825 الديوان ص( 167 )
826 الديوان ص( 244-247 ) .
827 نشر العرف ( 3/41)
828 البدر الطالع (2/137 ) .
829 هجر العلم ( 4/1857 )
830 مقدمة الديوان ص ( 47 ) بقلم حفيده الأستاذ عبدالرحمن علي الأمير ..
831 هجر العلم ( 4/1855 ) .
832 تطهير الاعتقاد ضمن مجموعة رسائل في علم التوحيد ص ( 27 - 28 ) .
833 الإنصاف للصنعاني ص ( 2 ) .
834 المصدر السابق ص (3) .
835 رسالة شريفة للإمام الصنعاني ص (18 ) .
836 المصدر السابق ص (22 ) .
837 كتبت هذه السطور بعد وفاة الشيخ بأربعة أيام ، حيث وافاه الأجل المحتوم آخر يوم السبت أول يوم من شهر جمادى الأولى عام 1422هـ تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته وأخلف على المسلمين خيراً ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
838 مسألة في الذبائح على القبور وغيرها ص ( 44 ) ، طبع مكتبة دار القدس صنعاء ودار ابن حزم بيروت ، الطبعة الأولى ( 1413هـ - 1992م) .
839 البدر الطالع ( 1/478-480 ) .
840 انظر ترجمته لنفسه : في البدر الطالع (1/ 214-225 ) .
841 انظر : مقدمة شرح الصدور من مجموعة رسائل في علم التوحيد ص ( 65-69 ) .
842 انظر الدر النضيد ص( 102- 116 ) .(2/36)
843 الديوان ص ( 163 ) ، قال المعلق على كلمة (كنود ) : الكنود الكفور . قلت : وكذلك هو في القاموس ص ( 403 ).
844 الدر النضيد ص ( 28 ) .
845 الدر النضيدص ( 48 ).
846 الشوكاني حياته وفكره ص( 238-266 )للدكتور عبد الغني قاسم غالب الشرجبي ،طبع مؤسسة الرسالة، بيروت ، ومكتبة الجيل الجديد صنعاء، ط الأولى1408هـ -1988م ، وقد قال عقب أن سردهم : ( وقد اكتفى الباحث بهذا القدر من تلاميذ الشوكاني، وعددهم اثنان وتسعون تلميذاً " وإلا فهم مئات بل ألوف " ،وتلاميذ الشوكاني أكثر من أن يحصوا ).
847 أئمة العلم المجتهدون في اليمن ، للقاضي إسماعيل بن علي الأكوع، مصفوف بالكمبيوتر ( تحت الطبع ) .
848 شرح الصدور من مجموعة رسائل في التوحيد ص ( 70 ) .
849 المصدر السابق ص ( 63-64 ) .
850 انظر: الصفحة السابقة من رسالتنا رقم ( )
851 قطر الولي على حديث الولي ص ( 37 ) تحقيق وتقديم إبراهيم هلال طبع دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
852 هجر العلم (3/1407 ) .
853 السابق ( 4/2093 ) .
854 السابق ( 4/2093 ) .
855 هجر العلم ( 1 / 87 ) .
856 مجموعة رسائل في علم التوحيد ص(127 )
857 المصدر السابق ( 124) .
858 السيف الباتر لأعناق عباد المقابر ضمن مجموعة رسائل في علم التوحيد ( 219 ).
859 السيف الباتر ص( 231 ) .
860 المصدر السابق ص(275-276).
861 انظر : مقدمة هداية المريد إلى سبيل الحق والتوحيد لتلميذه العلامة محمد بن سالم البيحاني ص( 3 - 5 ).
862 المصدر السابق .
863 هداية المريد ص(5) .
864 المصدر السابق ص(6-7 )
865 المصدر السابق ص(7-8 ) .
866 المصدر السابق ص( 23-25 )..
867 المصدر السابق ص( 23-25 ) .
868 المصدر السابق ص(26-31 ) .
869 هداية المريد ص( 32-36) .
870 المصدر السابق ص(40-44 ) .
871 المصدر السابق ص(47-56 ) .
872 المصدر السابق ص( 56 ) إلى آخر المنظومة .(2/37)
873 هداية المريد إلى سبيل الحق و التوحيد بتعليق الشيخ البيحاني ص( 50 ) .
874 التعليق على هدية المريد ص( 35 ) .
875 انظر ترجمته في أنباء الزمان فيمن رحل من علماء بيحان ص( 81 - 92 ) خلال قرنين من الزمان تأليف عبدالله عبدالقادر العليمي باوزير الطبعة الأولى 1419هـ - 1998م . .
876 مجموعة رسائل في علم التوحيدص( 275 - 276 ) .
877 انظر : دعاوى المناوئين ص( 56) لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب . تأليف : عبدالله محمد بن عبداللطيف ، طبع دار الوطن، الرياض الطبعة الأولى ( 1412 هـ )
878 الشرجي المذكورهو أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الشرجي الزبيدي ، ولد سنة (812هـ) بزبيد، ومات بها سنة ( 893هـ ) ، وهو من أشهر محدثي زبيد وله "التجريد الصريح مختصر صحيح البخاري " وغيره من الكتب ، كما له في المقابل "طبقات الخواص" الذي تحدثت عنه في الأصل ، وهذا من التناقض العجيب ،كما ذكر له كتاب آخر بعنوان "الفوائد في الصلات والعوائد" قال الحبشي في مقدمته للطبقات : (وهو مجموع من الأحاديث والأدعية المأثورة ، إلا أنه شابَهُ بكثير من الطلاسم والأوفاق المدسوسة ، قال : وقد طبع بالقاهرة سنة (1344هـ) ، وأعادت طبعه عدة مرات مكتبة الحلبي بالقاهرة ) الطبقات ص(6)،هذا هو الشرجي رحمه الله ، لم ينفعه علم الحديث حين تأثر بأفكار وعقائد الصوفية .
879 مقدمة معارج الألباب في منهج الحق والصواب للنعمي ص(17) ، تحقيق محمد حامد الفقي تخريج علي حسن عبد الحميد ، طبع مكتبة المعارف الرياض ، الطبعة الرابعة 1407هـ - 1987م .و كل ما في ترجمتي له مأخوذة عنه حيث لم أعثرله على ترجمة في موضع آخر والجزء الأول من نشر العرف ليس متوفراً هذه الأيام .
880 معارج الألباب في مناهج الحق والصواب ص( 18 ) .
881 المصدر السابق ص(18).
882 المصدر السابق ص(18).
883 المصدر السابق ص( 18 ) .
884 معرج الألباب ص (14 ) .
885 معارج الألباب ص( 26 - 27 ) .(2/38)
886 المصدر السابق ص( 29 ) .
887 معارج الألباب ص( 39 - 49 ) .
888 المصدرالسابق ص( 45 - 101 ) .
889 المصدر السابق ص ( 101 - 118 ) .
890 المصدر السابق ص( 120 - 156 ).
891 انظر إدام القوت ص( 225-226 ) .
892 رجال وكتب للشيخ علي سالم بكيّر باغيثان طبع دار حضرموت للدراسات والنشر ص(109 ) .
893 الشامل (1/ 135 ) وانظر إدام القوت ص( 110 ) .
894 الشامل ( 1 / 135 ) .
895 إدام القوت ( 110 ) .
896 إدام القوت (111 )
897 إدام القوت ص(110-111 ) .
898 المهمات الدينية ص(6) .
899 إدام القوت ص( 111-112 ) وانظر لمزيد الفائدة تعليق ابن عبيدالله بذكر مادار بين الشيخ علي وبعض السادة حول الرسالة المذكورة وفيه كلمة للمحضار لفظها ( وبعض الناس قوله وبوله سواء ) وهي تدل على مبلغ العنجهيةلدى هؤلاء الناس .
900 ذكرها ابن عبيد الله في نفس الموضع السابق .
901 صحيح الجامع الصغير طبع المكتب الإسلامي( 1/ 14- 15 ) الطبعة الثانية ( 1406هـ - 1986 م ).
902 المهمات ص( 3 ) .
903 هما جهتان معروفتان من جهات حضرموت .
904 المهمات ص ( 8 )
905 الكهف ( 51 ) .
906 المهمات ص( 9 ) .
907 الفتاوى النافعة ص( 249 )
908 تقدم تخريجه في الباب التمهيدي ص( 29 ) .
909 قال في القاموس و ( العقيرة ما عقر من صيد أو غيره ) ص( 569 ) وفي العرف هي جمل أو ثور يسوقه الزوار عند زيارتهم للولي : إما إرضاءاً له لما قد يظنون أنه ساخط عليهم أو تقرباً لطلب حاجة منه .
910 الزامل في العرف هو نوع من الرجز يؤتى به عند المناسبات كالأفراح ونحوها وكذا في الزيارات .
911 المهمات ص( 9-10 ) .
912 زيارات وعادات " زيارة نبي الله هود "ص ( 40- 41 ) تأليف عبد القادر محمد الصبان ، طبع المعهد الإمريكي للدراسات اليمنية .
913 المهمات ص(10 ) .
914 المهمات ص( 16 ) .
915 المهمات ص( 16 )
916 المهمات ص ( 16 ) .
917 دعوة الخلف إلى طريقة السلف التقديم ص( ج - د ).(2/39)
918 دعوة الخلف ،المقدمة ص(5-6)
919 دعوة الخلف المقدمة ص( 5 - 6 ) .
920 القضاء في حضرموت في ثلث قرن لابن المترجم العلامة عبدالرحمن عبدالله بكير النسخة الخطية ص( 14 ) .
921 المصدر السابق ص( 26 - 28 ) .
922 القضاء في حضرموت ص( 28 - 29 ) .
923 المصدر السابق ص( 31 - 32 ) .
924 المصدر السابق ص( 32 - 33 ) .
925 القضاء في حضرموت ص( 183 ) .
926 المصدر السابق ص ( 183 ) .
927 كذا في الأصل.
928 القضاء في حضرموت ص( 183 - 184 ) .
929 الفكر والثقافة في التاريخ الحضرمي ص( 181-183 ) تأليف سعيد عوض باوزير 1381هـ -1961م.
930 رفع الخمار ص(25- 26 ) .
931 المصدر السابق في نفس الموضع .
932 المصدرالسابق ص( 32 ) .
933 تطهير الفؤاد من سيء الاعتقاد مخطوط ص( 4 ).
934 المصدر السابق ص( 6 ) .
935 المصدر السابق ص( 7 ).
936 المصدر السابق ص( 8 ) .
937 المصدر السابق ص( 8 ) .
938 المصدر السابق ص( 9 ).
939 المصدر السابق ص( 9 ).
940 المصدر السابق ص( 16 ).
941 المصدر السابق ص( 18 ) .
942 المصدر السابق ص( 21 ) .
943 المصدر السابق ص( 22 ) .
944 تطهير الفؤاد ص( 23 ) .
945 تطهير الفؤاد ص( 25 ) .
946 المصدر السابق ص( 29 ).
947 المصدر السابق ص( 32 )
948 السلوك ( 2/183 ) ، وطبقات الخواص ص( 212 ) .
949 مرآة الجنان ( 4/ 354 ) .
950 في الأصل. المتقدمون وهو خطأ .
951 السلوك ( 2/ 615 ) .
952 كذا في الأصل والمعروف زياد بن لبيد .
953 كذا في الأصل.
954 كذا في الأصل.
955 هود ( 105 ) .
956 زنادقتنا هنا ليس على أصلها المعروف عند العلماء ولكن المقصود الظرفاء والمهرّجون .
957 في الأصل "قمار".
958 المشرع ( 1/146 - 148).
959 المشرع(1/148).
960 طبقات الخواص ص ( 45 ) .
961 كذا في الأصل ولست أدري من يعني .
962 المشرع (1/148)وقد اختلفت بعض الأسماء ولا أراه يضر إذ المقصود إثبات العقائد الضالة في ذلك وليس تعيين الأسماء .(2/40)
963 المشرع ص( 1/ 148 ) .
964 الطبقات ص ( 418 ).
965 المصدر السابق ص ( 195 ) .
966 المصدر السابق ص ( 106 ) .
967 المصدر السابق ص ( 71 ) .
968 الطبقات ص (138 ).
969 السلوك (2/263 ) وانظر : طبقات الخواص ( 302 ) .
970 السلوك ( 1/356-357 ) .
971 الطبقات ص ( 319 ) .
972 المصدر السابق ص ( 365 ) .
973 المصدر السابق ص ( 213 ) .
974 المشرع ( 2/193 ) .
975 الطبقات ص ( 283 ) .
976 المصدر السابق ص ( 419 ) .
977 المصدر السابق ص ( 121 ) .
978 ما جاد به الزمان من أخبار مدينة حبان تأليف السيد محمد بن عبد الله بن محمد الحوت المحضار بدون تاريخ ولا سنةطبع .
979 المصدر السابق ص ( 25 - 26 )
980 المصدر السابق ص( 35 )
981 المصدر السابق ص( 34 ) .
982 المشرع ( 2/ 177 ) .
983 المصدر السابق ( 2/29 ).
984 المصدر السابق ( 2 / 115 ) .
985 المصدر السابق (2/10-11).
986 الطبقات ص ( 278 ) .
987 هجر العلم ( 2/743 ) .
988 البدر الطالع ( 2/333) .
989 المصدر السابق ( 2/333 ).
990 الطبقات ص ( 84 ) .
991 المصدر السابق ص ( 213 ) .
992 المشرع ( 1/202 ).
993 المصدر السابق ( 2/47-48 ) .
994 المصدر السابق (2 / 73 ).
995 المصدر السابق ( 2/201 ).
996 المصدر السابق ( 2/205 )
997 المصدر السابق ( 1/149 ) .
998 الطبقات ص (319) .
999 المصدر السابق ص ( 339 ) .
1000 المصدر السابق ص ( 138 ).
1001 المصدر السابق ص( 269).
1002 المشرع ( 1/186 ).
1003 الطبقات ص ( 208 ) .
1004 المصدر السابق ص ( 209) .
1005 المصدر السابق ص ( 378 ) .
1006 المشرع ( 1/149 ) .
1007 انظر: تاج الأعراس ( 1/209 ).
1008 الجن (6) .
1009 الطبقات ص( 251 ).
1010 المصدر السابق ص ( 410 ).
1011 المصدر السابق ص ( 63 ) .
1012 المصدر السابق ص( 71 ).
1013 المصدر السابق ص( 149 ) .
1014 المصدر السابق ص ( 283 ) .
1015 المشرع ( 2/139-140 ).
1016 المصدر السابق ( 2/29 ) .(2/41)
1017 تاج الأعراس ( 1/208-209) .
1018 انظر : ص ( 239-241 ).
1019 انظر : ص ( 243 ).
1020 انظر : ص ( 244 ).
1021 السلوك ( 1/462 ) .
1022 في الأصل (كما نما).
1023 تذكير الناس ص ( 220 ) .
1024 النور السافر ص( 427 ) .
1025 شرح العينية ص(195 ) ، والغرر ص ( 198 ) .
1026 قال بامخرمه في تاريخ ثغر عدن : ( وأظنه أبان بن عثمان بن عفان ) ص(33) طبع دار الجيل بيروت - ودار عمار الأردن، تحقيق علي بن حسن عبد الحميد .
1027 هذه البلدة تحتوي على عدد كبير من الأضرحة أشهرها سبعة ولها قداسة ومكانة عظيمة عند قبورية حضرموت ) .
1028 التعريفات ص ( 177 - 178 ) .
1029 هو المؤرخ المشهور وواضع علم الاجتماع عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي الاشبيلي توفي سنة ( 808هـ ) اشتهر بالتاريخ الذي سماه العبر وديوان المبتدئ والخبر ومقدمته التي تعد من أصول علم الاجتماع ، ترجم نفسه في آخر التاريخ وترجمه الكثير من الباحثين ، انظر ترجمته في أخر كتاب التاريخ ( 7/365 ) وما بعده ، والضوء اللامع للسخاوي ( 4/145 ) ، الأعلام للزركلي ( 3/330 ) ،انظر : مقدمة التاريخ طبعه دار إحياء التراث العربي .
1030 عبد الله بن أسعد اليافعي توفي سنة ( 786هـ ) أحد أقطاب صوفية اليمن فقيه مؤرخ صاحب كتاب روض الرياحين في ذكر حكايات الأولياء والصالحين ومرآة الجنان في التاريخ،انظر : طبقات الخواص ص ( 162 ) ، البدر الطالع ( 1/378 ) .
1031 روض الرياحين في حكايات الصالحين ص ( 16 ) تأليف عبد لله بن أسعد اليافعي ، وبذيله عمدة التحقيق في بشائر الصديق للشيخ إبراهيم العبيدي المالكي ، نسخة مصورة بدون تاريخ .
1032 النفائس العلوية في المسائل الصوفية ص (148)لعبدالله بن علوي الحداد طبع دار الحاوي الطبعة الأولى(1414 هـ -1993 م ).
1033 طبقات الخواص ص ( 266 ) .
1034 مواهب القدوس في مناقب العيدروس ضمن المجموعة العيدروسية ص ( 14 ) .(2/42)
1035 توفي سنة (651هـ ) انظر هِجَر العلم ( 1/219 ) ، السلوك ( 1/184 ) .
1036 الجوهر الشفاف (1/81-82) .
1037 نقيب العلويين في زمانه وأحد أشهر أقطاب حضرموت توفي سنة( 833هـ ) انظر الغرر ص ( 192 ) ، المشرع ( 2/241 ) .
1038هي قوائم الدابة انظر القاموس مادة كرع ص( 980 ) .
1039 ما بين القوسين من الحاشية معلم عليه أنه ساقط من الأصل .
1040 الجوهر الشفاف ( 2/80 ) .
1041 تذكير الناس ص( 216 )
1042 أنظر مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية ( 2/ 619 ).
1043علي بن محمد الحبشي العلوي الحضرمي صاحب سيؤن ومنشئ رباط العلم بها المسمى باسمه "رباط الحبشي " من أشهر علماء زمانه ومربي جيله تتلمذ عليه الكثير من الطلاب الذين نبغوا وأصبحوا من العلماء والأدباء غير أنه مع علمه قد نقل عنه من الخرافات والهذيان مالا مزيد عليه وذلك ما حواه كتاب كنوز السعادة الأبدية في الأنفاس العلية الحبشية كتبه من إملائه تلميذه محسن بن عبد الله السقاف وهو أيضاً صاحب زيارة الحول المشهورة بحضرموت توفي رحمة الله سنة ( 1312هـ ) انظر تاريخ الشعراء الحضرميين ( 4/128 ) تأليف المؤرخ عبدالله بن محمد السقاف الناشر مكتبة المعارف الطبعة الثالثة سنة (1418هـ) الطائف ، ولوامع النور( 1/197 ) .
1044 كنوز السعادة الأبدية ص ( 179 ) الذي قام بطبعه علي بن عيسى الحداد .
1045صاحب غرر البهاء الضوي توفي سنة ( 760هـ ) انظر ترجمته في الغرر ص ( 3-11 ) ، وتاريخ الشعراء الحضرميين ( 1/142 ) .
1046المشرع الروي ( 2 / 6 - 7 ) ، وقال بعد أبيات ( قوله : وقيس صوابه حيوة ).
1047 شرح العينية ص ( 161 ) نظم عبدالله بن علوي الحداد تأليف العلامة أحمد بن زين الحبشي باعلوي طبع مطبعة كرجاي المحدودة سنغافورة ، الطبعة الأولى ( 1407هـ - 1987 م ).(2/43)
1048 الأنموذج اللطيف في مناقب الغوث للأستاذ الأعظم الفقيه محمد بن علوي باعلوي دفين تربة تريم ص ( 213 ) مع البرقة المشيقة للسيد علي بن أبي بكر السكران طبع في مصر سنة (1347هـ) .
1049 الغرر ص ( 398 ).
1050 مرآة الجنان لليافعي ( 4/ 352-354 ) .
1051من قصيدة شهيرة للشيخ المذكور ما زالت متداولة إلى اليوم ينشدها الصوفية في موالدهم وحضراتهم وضمن مولد الديبعي ص ( 93 - 95 ).
1052 الحكايتان في مجموع كلام الحبيب أحمد بن حسن العطاس رواية محمد بن عوض بافضل ص ( 25 ) وهو مخطوط مصور عند بعض الأصدقاء .
1053 جد آل السقاف انظر ترجمته في المشرع الروي ص (2/ 141 )
3 الغرر ص ( 96 )
1055 نظر الحكايتين في : تذكير الناس ص ( 206 - 207 ) .
1056 المشرع ( 2/ 211 ) وقد اعتمد القوم هذه المنقبة له حتى قال صاحب النور السافر عنه ص ( 281 ) : ( يقول للشيء كن فيكون بإذن الله ) ، وانظر الغرر ص ( 372).
1057 هذه الكلمة غير مفهومة في الأصل وأظنها فيها .
1058 الجوهر الشفاف ( 1 / 146 - 147 ) .
1059 آل عمران ( 156 ) .
1060 التوبة ( 116 ) .
1061 يونس ( 56 ).
1062 البقرة ( 258 ).
1063 النازعات ( 24 ).
1064 القصص ( 38 ).
1065 الجن ( 27 ) .
1066 الأنعام ( 59 ).
6 رواه البخاري من حديث ابن عمر كتاب التفسير باب قوله ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام ) ( 4/ 1733 )
1068 انظر :فتح القدير للشوكاني ( 2/ 123 ).
2 انظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( 3/282).
3 المشرع ( 2/33 ) .
4 المصدر السابق ( 2/ 89)
1072 المصدر السابق ( 2/ 116 ) .
1073 الشورى الآية ( 49-50 ) .
1074 تذكير الناس ص( 321 ) .
1075 المصدر السابق ص ( 322 - 323 ) .(2/44)
1076 النفحة الشذية إلى الديار الحضرمية ، وتليه رحلته تلبية الصوت من الحجاز وحضرموت ص ( 175 -176)، تأليف العالم نسخة السلف وقدوة الخلف الحبيب عمر بن أحمد بن سميط ، طبع على نفقة أحد المحبين من المحسنين ( 1397 هـ ) .
1077 الشعراء آية ( 80 ) .
1078 البخاري في صحيحه (5/2158) ، كتاب الطب باب الجذام، ومسلم في صحيحه (4/1743) ، كتاب السلام باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول ولا يورد ممرض على مصح.
1079 مسلم في صحيحه (4/743) في الكتاب والباب السابقين ، كلاهما من حديث أبي هريرة .
1080 انظر: (10/160-162) من الفتح .
1081 طبقات الخواص ص( 103 ) .
1082 المشرع ( 2/ 242- 243 ) .
1083 الواقعة الآية ( 68-69 ) .
1084 لقمان الآية ( 34 ).
1085 البخاري في صحيحه (1/290) كتاب صفة الصلاة باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم ، ومسلم (2/59-60) مع النووي كتاب الإيمان باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء .
1086 طبقات الخواص ص ( 77 ) .
1087 المصدر السابق ص ( 75 ) .
1088 المصدر السابق ص ( 75 ) .
1089 تذكير الناس ص ( 187 ) .
1090 القهاول مقدار من الكيل يساوي ثلاثة أصواع تقريباً .
1091 الرَّعَّاض جمع راعض وهو الذي يعدِّل السيل في الحقول .
1092 المصدر السابق ص ( 188 ) .
1093 شرح العينية ص ( ب ) من المقدمة .
1094 انظر : شرح هذا البيت في العينية ص(17-18) .
1095 شرح العينية ص(174 ) وانظر أيضاً : المشرع الروي ( 2/212 ).
1096 العَجُز : بفتح العين وضم الجيم قرية شرق تريم تبعد منها مسافة .
1097 شرح العينية ص (188 ).
1098 تاج الأعراس ص (1/ 94) .
1099 المشرع الروي ص ( 1 / 184 ) .
1100 تاج الأعراس ( 1/ 104 ) .
1101 هذه الكلمة باللهجة الحضرمية معناها ( لا تبقى ) أي لا تبقى في القبة غافلاً عنا .
1102 الكلام ما زال لصاحب تاج الأعراس .
1103 تاج الأعراس ( 1/ 207-209 ) .(2/45)
1104 مقدمة ديوان العيدروس المسمى (محجة السالك وحجة الناسك) ص ( 242 ) , تأليف الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن باوزير ضمن المجموعة العيدروسية.
1105 أي جراح .
1106 المصدر السابق ص( 247 ) .
1107 العسجد المسبوك ص (56) ، وانظر : قرة العيون ص (173-174).
1108 النور السافر ص( 59 ).
1109 بئر في مسجد الجند يسمى بذلك .
1110 المفضل والي الصليحين على الجند .
1111 ابن المصوع أحد فقهاء أهل السنة ثار في جماعة على أخي المفضل أحد أمراء الصليحين فقتلوه واستولوا مدة على قصره ثم أمسك بهم .
1112 السلوك ( 1/263 ) .
1113 تاريخ الإرشاد في إندونيسيا ص( 22- 23 ) تأليف صلاح عبد القادر البكري ، الإدارة المركزية لجمعية الإرشاد الإسلامي، جاكرتا - إندونوسيا ط الأولى ( 1992 م ) .
1114 كنوز السعادة ص( 374 - 375 ) .
1115 كذا في الأصل.
1116 سورة الحجر ( 2 ) .
1117 المشرع ( 1/167 ) .
1118 الطبقات ص(390 ) .
1119 تذكير الناس ص( 125 ).
1120 الدر المنظوم لذوي العقول والفهوم لعبدالله بن علوي الحداد ص(41 )،طبع مطبعة المدني بالقاهرة سنة (1388هـ - 1968 م)
1121 تقدم تعريف الخرافة في الباب الثاني ص ( 364 )
1122الشعوذة : خفة في اليد وأخذ كالسحر ، يرى الشيء بغير ما عليه أصله في رأي العين ، وهو مُشعْوِذ ، ومشعوَذ . انظر:القاموس المحيط ص(427 ) .
1123 المشرع (1/200-201 ) .
1124 المصدر السابق (2/242).
1125 المصدر السابق ( 2/242-243 ) .
1126 انظر : ص ( 235 ) .
1127 وانظر أيضاً : طبقات الخواص ص(73 ) .
1128 تذكير الناس ص( 129-130 ) . و انظر: تاج الأعراس ( 1/ 342-343 ) .
1129 المشرع ( 1/200) .
1130 انظر ما تقدم ص ( 351 ) .
1131 في الأصل ( الأنذال ) وهو غلط واضح وقد صححه كذلك عبدالله الحبشي عند نقله في الصوفية والفقهاء ( 74 ) .
1132 كذا هو يتبع ، وهو محتمل ، ومحتمل أن يكون ( ينفع ) هو الصحيح
1133 كشف الغطاء ص( 218 ) .(2/46)
1134 آخر ملوك الأيوبيين في اليمن .
1135 العسجد ص( 192 ) .
1136 التصوف في تهامة ص (119) ، الصوفية والفقهاء ص (45-46).
1137 الطبقات ص(47 -48).
1138 البدر الطالع ( 1/139 ) وسيأتي كلام الشوكاني كاملاً في هذا المطلب .
1139 تاريخ الدولة الكثيرية ص( 36 ) .
1140 موقع بالقرب بضة بوادي دوعن .
1141 الشامل ص( 163 ) .
1142 المصدر السابق ص( 165 - 166 ) .
1143 المصدر السابق ص( 166 ) .
1144 العقود اللؤلؤية (1/302 ) .
1145 البدر الطالع (1/139 - 140 ) وقد ذكر طرفاً من قصة صالح المصري الخزرجي في العقود اللؤلؤية ( 2/225 ) في حوادث سنة ( 797هـ ) ، وعبد الله الحبشي في الصوفية والفقهاء ص( 118 ) .
1146 تاريخ الإرشاد ص( 79 ) .
1147 المصدر السابق ص( 81 ) .
1148 المصدر السابق ص( 84 ) .
1149 تاريخ الإرشاد ص(121).
1150 المصدر السابق ص(82-83) .
1151 قد يقول قائل : وأنت فعلت نفس الشيء ، فذكرت ما صدر عن العلويين ، ولم تذكر ما صدر عن الإرشاديين . قلت : لا سواء ، فالكاف مؤرخ لحضرموت ومن المفترض أن يكون عادلاً منصفاً لكل أهل حضرموت ، وأما أنا فقد حددت منهجي وهو الكلام عن الصوفية فقط ناقداً وكاشفاً عن حقيقتها ، ولست مجرد مؤرخ ناقل للأحداث .
1152 تاريخ الدولة الكثيرية ص( 115-116 ) . وانظر : جواهر تاريخ الأحقاف (ج2/218-219)..تأليف العلامة محمد بن علي بن عوض باحنان,طبع مكتبة الفجالة الجديدة ، القاهرة (1382هـ-1963م).
1153 انظر: ( 1/ 174 ) و ( 1/ 230 - 231 ) و ( 1/ 234 )
1154 تاج الأعراس ص(233-234).
1155 المصدر السابق (1/ 234 ) .
1156 البدر الطالع (2/5) .
1157 إدام القوت ص(122-123) الحلقة (40) المنشور في مجلة العرب .(2/47)
1158 مولى الكثيب هو أبو بكر بن سالم صاحب عينات سمي مولى الكثيب لأنه عندما قربت وفاته حاول بعضهم أن يستخلفه فأبى وقال : ( إذا ما لحقنا حد متأهل با نطرحه في كثيب عينات ) فاشتهر الكثيب منذ ذلك الوقت وقالوا عنه أنه ترياق مجرب ودواء ناجع للأمراض المستحكمة المعدية ) ... الخ، انظر:الجواهر في مناقب الشيخ أبي بكر تاج الأكابر ص ( 117 ) .
1159 قوله : "قدهم حقه" أي إنما هم حقه أي ملكه وهذه العبارة كثيراً ما يطلقها السادة على أتباعهم والمتعلقين بهم أنهم حقهم أو فقراؤهم أو عسكرهم وهكذا .
1160 تاريخ الإرشاد ص( 118 - 119 ) .
1161 انظر : هذه العبارة وقارنها بكلام دعاتهم اليوم الذين يقولون إنهم موافقون لخصومهم بأن من أعتقد الضر والنفع لغير الله فهو مشرك فأي نفع أعظم من هذه الضمانة باستمرار السلوك على سبيل النبي ( .
1162 تاريخ الإرشاد ص( 119 - 120 ) .
1163 المصدر السابق ( 120 ) .
1164 تقدم في هذا المبحث .
1165 تاريخ الإرشاد ص( 135 ) .
1166 إدام القوت ص(122).الحلقة (40) من مجلة العرب .
1167 أدب الطلب ص ( 32-33 )للإمام محمد بن علي الشوكاني ، تحقيق مركز الدراسات والأبحاث اليمنية صنعاء .
1168 النحل ( 103 ) .
1169 من مقال محمد بن إبراهيم الوزير وكتابه العواصم و القواصم للقاضي إسماعيل الأكوع( 1/21-22 ) .
1170 هجر العلم ( 1/271 ) .
1171 ديوان الأمير الصنعاني ص( 167 ) طبع منشورات المدينة الطبعة الثانية ( 1407هـ - 1986 م ).
1172 الأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية في حضرموت ص ( 152 ) .
1173 تاريخ الإرشاد ص ( 120 ) .
1174 المصدر السابق ص ( 82 ) .
1175 تقدم تخريجه ص ( ) .
1176 مقدمة السلوك للجندي ( 1/ 27-28 )
1177 هجر العلم (1/222-223 ) .
1178 انظر : ص ( ) .
1179 تقدم تخريج الحديث ص ( ) .
1180 هجر العلم (1/225 ) .
1181 المصدر السابق ( 2/750 ) .
1182 هجر العلم ( 2/751 ) .(2/48)
1183 تاريخ حضرموت السياسي ( 119-121 ) .
1184 الصحيح " تعلق في " والمعنى أنها تأكل .
1185 الفكر والمجتمع ( 228-230 ) .
1186 ص ( ) .
1187 في الأصل للجافل .
1188 ديوان ابن شهاب ( 193 - 196 ) طبع مكتبة التراث الإسلامي صعدة ، ودار التراث اليمني صنعاء ، الطبعة الثانية سنة ( 1417هـ - 11996م ).
1189
ديوان ابن شهاب ص : ( 237 - 238 ) .
1190 ديوان ابن عبيد الله (258-259).
1191 ديوان ابن عبيد الله (238-239).
1192 مجلة الإكليل (39 ) مقال لعبدالله البردوني .
1193 هجر العلم ( 2/750 - 751 ) .
1194 مجلة الإكليل مقال البردوني (39 )
1195 في الأصل تقديم المسواك والصواب ماذكر .
1196 همام أو في بلاد الأحقاف لعلي أحمد باكثير ص (47) منشورات الصبان وشركاه ، الطبعة الثانية (1385-1965) .
1197 العتق : القدم .
1198 تطلق حدرى على ما سفل من حضرموت كشبام وسيئون وتريم ، وعلوى على ما علا منها كدوعن وعمد ووادي العين.
1199 الدفر : الدفع في الصدر .
1200 همام ( 48-52) .
1201 السيد عبدالله بن محفوظ الحداد وهو ممن عاصرته مدة وعملت معه في بعض الدورات الشرعية التي أقامتها وزارة الأوقاف والإرشاد بحضرموت ، والرجل درس في رباط تريم ثم سافر مبتعثاً إلى السودان وتخرج من هناك وعاد ليتولىرئاسة محكمة الاستئناف بالمكلا ثم رئاسة القضاء بحضرموت واستمر فيه إلى عام 1970م ثم استقال منه .(2/49)
وهو قد استفاد من تفرغه أيام الحزب الاشتراكي في أول عهده وعهد الجبهة القومية فقرأ كثيراً ومما قرأ فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولكنه مع ذلك ظل متمسكاً بالأشعرية على طريقة الغزالي ، وكان يكره الخوض في مجال البدعة بل إن له كتاباً أيد فيه أصل الابتداع في الأمور العملية ورد على صاحب كتاب "السنن والمبتدعات "وكان يغضب عندما يسأل عن حكم القباب التي على القبور ، ثم بعد اشتداد موجة التصوف تعاطف مع المتصوفة أكثر وكان يقول إن علي بن حسن السقاف - صاحب الأردن الذي ألف رسائل في تأييد بعض البدع ورد على الشيخ الألباني وابن تيمية وغيرهما - يقول عنه أنه مجدد هذا القرن .ومع ذلك كان يفتي هذه الفتاوى في أن الاستغاثه بغير الله شرك إلى آخر حياته - رحمه الله - .
1202 حرف الكاف رمز للشيخ العلامة محمد بن سليمان الكردي مفتي الشافعية في زمانه معزو إلى فتاواه .
1203 هذه الفتوى صدرت بخطه وتوقيعه وختمه ثم طبعت في ورقة أخرى ووزعت في حياته ولازالت النسختان محفوظتين .
1204 وهذه الفتوى حررت يوم الاثنين 12 صفر 1416هـ وهي كذلك محفوظة بخظ المفتي وتوقيعه .
1205 ذخيرة العباد شرح راتب الحداد ( 124-125 ) بواسطة طريقة الساده العلويين نقلاً عن كتبهم ( 7-8 ) كتبها مجموعة من الشباب كنوا عن أنفسهم بـ ( مخلصون ) وقدم لها السيد عبدالله بن محفوظ الحداد وهي مخطوطة لدى.
1206 إن هذا القول إنما هو تنصل من الحقيقة وإلا فهو قول العامة وكثير من الخاصة ولئن كان العامي تربى على ذلك واعتقده تقليداً، فإن بعض من يحسب من الخاصة من يقوله ويدافع عنه ويقيم الحجج بزعمه على صحته ، ثم عند المناظرة يراوغ ويقول إنما هذا فعل العامة ومن اعتقد الضر والنفع في غير الله فقد أشرك ، فله مذهبان مذهب عند الأتباع هو تأصيل ذلك وتأييده ومذهب عند الخصوم هو المراوغة والتقية وإسكات الخصم بما يوافقه وإن كان خلاف مايعتقده ذلك المناظر .(2/50)
1207 الدر النضيد ص ( 110 ) .
1208 عقود الألماس بمناقب الإمام العارف بالله الحبيب أحمد بن حسن العطاس (1/47)
1209 يعني أن هذه المسألة فتاوى عبدالله بن الحسين بن عبدالله بافقيه كما في مقدمة العينية (2 ).
1210 ( الذيم ) يظهر أنه اصطلاح خاص بالقوم ولم يفسره المصنف ولعله مانع من موانع حصول الصيد بسبب معين .
1211 سورة الرعد ( 38 ) .
1212 بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين تأليف عبدالرحمن بن محمد باعلوي طبعة دار الفكر بدون تاريخ ص ( 255-256 ) .
1213 مذكرة طريقة السادة العلويين كتبها مجموعة من الشباب كنوا عن أنفسهم بـ ( مخلصون ) وقدم لها السيد عبدالله بن محفوظ الحداد وهي مخطوطة لدى ص ( 10 ) عن رسالتي ( المساواة والملكية ) للسيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف .
1214 البقرة ( 224 )
1215 المجموع لعبدالله بن حسين بن طاهر ص ( 237 ) بواسطة طريقة السادة العلويين ص ( 8- 9 ) .
1216 الفتاوى النافعة ص ( 249 ) .
1217 الأمل يشبه نذر المكافأة كأن يقول إن شفي مريضي فللولي الفلاني كذا كذا .
1218 المصدر السابق ص (248-249).
1219 أي أن هذا النقل عن الشيخ عبدالله بن عمر بن أبي بكر بن يحيى كما في المقدمة (2) .
1220 بغية المسترشدين ص ( 298 - 299 ) .
1221 انظر الطبقات الكبرى (1/ 108 ) .
1222 عقود الألماس ( 1/104 ) .
1223 الحجر ( 42 ) .
1224 النفائس العلوية في المسائل الصوفية ص ( 127 - 128 ) لعبدالله بن علوي الحداد طبع دار الحاوي الطبعة الأولى ( 1414هـ - 1993م ) .
1225 لدي صورة طبق الأصل من هذه الفتوى وقد وردت ضمن كتيب بعنوان" الفتاوى اليمنية في تحريم رفع القبور والزيارات البدعية والشركية "وهو من سلسلة باسم ( السلسلة الدعوية ) رقم (9) ويوزع مجاناً بدون تاريخ .
1226 الأضواء البهية على بعض العادات الحضرمية تأليف أحمد بن علي برعود ص ( 37 ).، الطبعة الأولى: ( 1421 - 2001 ) .(2/51)
1227 االصحيح أن لحديث من رواية أبي رقية تميم بن أوس الداري
1228 عنوان المجد في تاريخ نجد ص( 11 ) تأليف عثمان بن بشر - طبع مكتبة الرياض الحديثة - بدون تاريخ.
1229 الديوان ص( 172 ) .
1230 البدر الطالع - ترجمة الشريف حمود بن محمد صاحب أبي عريش ( 1/ 240-241 ) .
1231 فرجة الهموم والحزن للواسعي ص( 234 ) و الشوكاني حياته وفكره ص( 55 ) .
1232 حوليات يمانية ص( 22-23 ) .
1233 البدر الطالع (1/262-263 ) .
1234 تاريخ حضرموت المسمى بـ ( العدة المفيدة ) ( 1/321 ) للشيخ العلامة سالم بن محمد بن سالم بن حميد الكندي . تحقيق عبدالله محمد الحبشي . مكتبة الإرشاد . صنعاء ( الطبعة الأولى ، 1411 هـ - 1991 م ) ، وتاج الأعراس ( 1/ 174 ) .
1235 انظر إدام القوت لابن عبيدالله ص(227 ) .
1236 كذا قال والصواب ناجي بن قملا .
1237 إدام القوت الحلقة (40 ) في مجلة العري التي تصدر في الرياض .
1238 إدام القوت ص(123 ) .
1239 إدام القوت ص( 43 ) .
1240 عنوان المجد (ص 191 - 214 ) .
1241 المصدر السابق ص( 157 ) .
1242 انظر تاج الأعراس ( 1/230-237 )
1243 تذكير الناس ص( 219 ) .
1244 تذكير الناس ص( 220 ) .
1245 تاريخ الإرشاد ص(6) .
1246 الدر النضيد ص( 126 - 127 ) .
1247 البدر الطالع ( 1/262-263 ) .
1248 حوليات يمانية ص ( 22-23 ) .
1249 هنا في التعليق على الكتاب ص( 22 ) رقم ( 7 ) قلت : وفي هذه المناسبة ألف العلامة محمد بن علي الشوكاني رسالة ( شرح الصدور في تحريم رفع القبور ) .
1250 هجر العلم (1/ 223 ) .
1251 المصدر السابق ( 1/ 225 ) .
1252 المصدر السابق ( 1/225 ) .
1253 انظر الباب التمهيدي ( ) .
1254 انظر ما جاد به الزمان من أخبار مدينة حبان تأليف السيد / محمد بن عبدالله بن محمد بن أبي بكر الحوت المحضار لم تذكر له دار نشر وتاريخ ص( 33 ) .
??
??
??
??
7(2/52)