الغلو في التكفير
المظاهر ـ الأسباب ـ العلاج
أبوحسام الدين الطرفاوي
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)[آل عمران آية: (102)]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)[النساء آية: (1)]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)[الأحزاب آية: (70 ، 71)]
أما بعد : ـ
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ( وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
فإن الغلو والتوسع في باب التكفير أذاق الأمة الويلات ردحا من الزمان ، وقد أطل برأسه في هذه العصور المتأخرة لتعاد الكرة من جديد في ثوب جديد وتحت راية جديدة أخطر من سابقتها ؛ لأنها تلبث ثوب السنة والسلفية تارة ، وتارة تتوارى تحت عباءة علماء السلفية ، يلتقط الكلمات من بين السطور ويركب عليها لوازم تنصر منهجه الذي اختاره بهواه ليبرر أنه ما خرج عن علماء الأمة في شئ ، وتارة يبحث عن قول شارد لأحد الأئمة والعلماء من هنا أو هناك ينصر به عقيدته ، وهكذا ، ثم تأتي الأحكام المترتبة على حكم التكفير تباعا ، سواء القتل أو التفجير أو السطو أو أو أو ..(1/1)
وقد قال أحد طلبة العلم بارك الله فيه : إن سوء التفكير يؤدي إلى التكفير ، والتكفير يسوق إلى التفجير .
دماء تسفك ولا تعرف لماذا ، أعراض مسلمة تنتهك ولا تعرف لماذا ، أموال تسرق ويستولى عليها ولا يعرف أصحابها لماذا ، وأصبح المسلمون تتلاعب بهم عقول أهل الكفر والطغيان من الشرق والغرب سواء عن طريق مباشر أو غير مباشر تحت مسمى الإسلام ، الجهاد ، تحرير أرض المسلمين ، وووو 000
أصبح الحليم في هذا الزمان حيرانا من جراء ما يصدر من المسلمين من انحلال وتخلف في الفكر ، وحب للشهوات والملذات على حساب الآخرين
ونجد أن الآلة التي تهدم الأمة اليوم هي الغلو في التكفير والتسرع في إصدار أحكام التكفير .
من أجل كتبت هذا البحث لأنبه فيه على خطورة الأمر وعلى أن الإسلام برئ من كل ما يفعله هؤلاء أهل الغلو ، وأن الإسلام أعلى وأرقى من كل هذا .
ومما يؤسف له أن الكثير من الدعاة وطلبة العلم وقع تحت طيات الإرهاب الفكري من دعاة التكفير فمن لم يقول بقولهم فهو مرجئ حتى وإن كان هذا القول مختلف فيه بين الأمة ، ومنهم من وقع تحت خوف غضب الشيخ الفلاني في البلد الفلانية التي تساعده بمال فلا يقول إلا بقولهم . دعونا نجهر بقول الحق ولا تكتموا الأفواه بزعم المصلحة ، وبزعم عدم الطعن في فلان أو فلان . الأمر جد خطير ولا يمنع هذا الخطر إلا المواجهة بالحوار الصريح والعلم الصحيح
ومما يؤسف له أن الأعداء لا ينشرون بين الناس وأممهم ـ وهم يمتلكون وسائل الإعلام ـ إلا فكر هؤلاء ليقولوا لأممهم العمياء هذا هو الإسلام : تكفير وقتل وتفجير وترويع آمنين وهتك أعراض وسلب أموال ونشر فساد ، فيتصور هؤلاء أن الإسلام ما هو إلا دين الهمجية والتخلف ، لا دين الرقي والتحضر والأخلاق الحسنة والسلوك القويم ، دين العفة والطهارة ، دين العفو والسماحة ، دين العقيدة الصحيحة ، دين السعادة والاطمئنان .(1/2)
فأرجو من الله العلي القدير أن يجعله كله صالحا ويجعله لوجهه خالصا ولا يجعل لأحد فيه شيئا إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وسلم .
وكتبه
سيف النصر علي عيسى
أبو حسام الدين الطرفاوي
الفصل الأول
الغلو
المبحث الأول
معنى الغلو
أولا : معناه لغة :
الارتفاعُ ومُجاوَزة القَدْرِ في كلِّ شيء000
و غَلا في الدِّينِ والأَمْرِ يَغْلُو غُلُوّا ً: جاوَزَ حَدَّه .
وفي التنزيل : ( لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ )(النساء: من الآية171) ؛ 000
وقال بعضهم : غَلَوْت في الأَمر غُلوّاً وغَلانِيَةً وغَلانِياً إِذا جاوزْتَ فيه الحَدّ وأَفْرَطْت فيه 0000
والغُلُو ُّ: الإِعْداء .
وغَلاَ بالسَّهْمِ يَغْلُو غَلْواً وغُلُوَّاً وغالَى به غِلاء ً: رَفَعَ يدَه يريد به أَقْصَى الغاية وهو من التجاوزِ؛ ومنه قول الشاعر: كالسَّهْمِ أَرْسَلَه من كَفِّه الغالي
وقال الليث : رمى به ؛ وأَنشد للشماخ : كما سَطَعَ المِرِّيخُ شَمَّره الغالي .
والمُغالي بالسَّهْمِ : الرافِعُ يدَه يريدُ به أَقصَى الغايةِ..(1)
فمعنى الغلو في لغة العرب : هو كل ما تجاوز حده وارتفع عن قدره وأفرط في أمر ما ، سواء كان شخصا أو قضية أو جماعة .
ثانيا : معناه في الاصطلاح وضابطه :
قال الجصاص : هو مجاوزة حد الحق فيه .(2)
وقال الإمام أبو شامة :
فكل من فعل أمرا موهما أنه مشروع وليس كذلك فهو غال في دينه مبتدع فيه قائل على الله غير الحق بلسان مقاله أو لسان حاله . أ ـ هـ(3)
المبحث الثاني
من مظاهر الغلو
1 ـ تعظيم النصارى لنبي الله عيسى ( ورفعه إلى مرتبة الربوبية والألوهية ، أو جعلوه ابنا لله ، وكذلك تعظيم اليهود لعزير فجعلوه ابن الله .
والإسلام الصحيح هو ما كان عليه النبي ( وأصحابه . فمن خالف ذلك فهو من أهل التطرف والغلو
2 ـ تعظيم فرق الشيعة على بن أبي طالب وآل البيت ورفعهم فوق منزلتهم(1/3)
3 ـ تعظيم الصوفية للأولياء والصالحين ومن يظنوا فيه ذلك إلى مرتبة الربوبية والألوهية
4 ـ إفراط الخوارج في مسألة التكفير بالمعصية ، وجماعة التكفير في واقعنا المعاصر
5 ـ إفراط المعتزلة في خروج مرتكب الكبيرة من الإيمان والخروج على الحكام بالسيف
فكل من تعد الحق وتجاوز حده إلى غير الهدى فهو من أهل الغلو
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
والإسلام مبني على أصلين :
1 ـ أن لا نعبد إلا الله
2 ـ وأن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع .
فالنصارى خرجوا عن الأصلين ، وكذلك المبتدعون من هذه الأمة من الرافضة وغيرهم .
وأيضا فإن النصارى يزعمون أن الحواريين الذين اتبعوا المسيح أفضل من إبراهيم وموسى وغيرهما من الأنبياء والمرسلين ، ويزعمون أن الحواريين رسل شافههم الله بالخطاب ؛ لأنهم يقولون إن الله هو المسيح . ويقولون أيضا : إن المسيح ابن الله .
والرافضة تجعل الأئمة الإثنى عشر أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وغالبيتهم يقولون إنهم أفضل من الأنبياء ؛ لأنهم يعتقدون فيهم الإلهية كما اعتقدته النصارى في المسيح . والنصارى يقولون : إن الدين مسلم للأحبار والرهبان ، فالحلال ما حللوه والحرام ما حرموه والدين ما شرعوه .
والرافضة تزعم أن الدين مسلم إلى الأئمة فالحلال ما حللوه والدين ما شرعوه .
وأما من دخل في غلو الشيعة كالإسماعيلية الذين يقولون بإلهية الحاكم ونحوه من أئمتهم ، ويقولون إن محمد بن إسماعيل نسخ شريعة محمد بن عبد الله وغير ذلك من مقالات الغالية من الرافضة فهؤلاء شر من أكثر الكفار من اليهود والنصارى والمشركين ، وهم ينتسبون إلى الشيعة يتظاهرون بمذاهبهم .(1/4)
فإن قيل ما وصفت به الرافضة من الغلو والشرك والبدع موجود كثير منه في كثير من المنتسبين إلى السنة ؛ فإن في كثير منهم غلوا في مشايخهم وإشراكا بهم وابتداعا لعبادات غير مشروعة ، وكثير منهم يقصد قبر من يحسن الظن به إما ليسأله حاجاته وإما ليسأل الله تعالى به حاجة وإما لظنه أن الدعاء عند قبره أجوب منه في المساجد ، وفيهم من يفضل زيارة قبور شيوخهم على الحج ، ومنهم من يجد عند قبر من يعظمه من الرقة والخشوع ما لا يجده في المساجد والبيوت وغير ذلك مما يوجد في الشيعة
ويروون أحاديث مكذوبة من جنس أكاذيب الرافضة مثل قولهم : لو أحسن أحدكم ظنه بحجر نفعه الله به .
وقولهم : إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور .
وقولهم : قبر فلان هو الترياق المجرب .
ويروون عن بعض شيوخهم أنه قال لصاحبه : إن كان لك حاجة فتعال إلى قبري واستغث بي ونحو ذلك .
فإن في المشايخ من يفعل بعد مماته كما كان يفعل في حياته ، وقد يستغيث الشخص بواحد منهم فيتمثل له الشيطان في صورته إما حيا وإما ميتا ، وربما قضى حاجته أو قضى بعض حاجته كما يجري نحو ذلك للنصارى مع شيوخهم ولعباد الأصنام من العرب والهند والترك وغيرهم .
قيل هذا كله مما نهى الله عنه ورسوله وكل ما نهى الله عنه ورسوله فهو مذموم منهي عنه سواء كان فاعله منتسبا إلى السنة أو إلى التشييع ولكن الأمور المذمومة المخالفة للكتاب والسنة في هذا وغيره هي في الرافضة أكثر منها في أهل السنة ، فما يوجد في أهل السنة من الشر ففي الرافضة أكثر منه ، وما يوجد في الرافضة من الخبر ففي أهل السنة أكثر منه .
وهذا حال أهل الكتاب مع المسلمين ، فما يوجد في المسلمين شر إلا وفي أهل الكتاب أكثر منه ، ولا يوجد في أهل الكتاب خير إلا وفي المسلمين أعظم منه . أ ـ هـ (4)
6 ـ ومن مظاهر الغلو التشدد في الشرع
والتشدد له مظاهر شتى :
منها : تحريم ما أحله الله بدافع أخذ الحيطة والحذر دون مستند للشرع(1/5)
ومنها : التسرع في تكفير الناس بمجرد الوقوع في الكفر
ومنها : عدم العذر بالجهل في الدين
ومنها : تبديع الناس وتفسيقهم بمجرد الظن والهوى
ومنها : الإسراف في الوضوء والغسل بدافع الإنقاء
ومنها : ومنها الأخذ بالتشديد في مسألة وقع الخلاف فيها والإنكار على المخالف وتبديعه .
ومنها : رمي العالم أو الداعية بمجرد الزلة تقع منه فلا يسمع له ولا يقرأ له ولا يثنى عليه بما هو أهله
ومنها : محاسبة الناس على ترك النوافل والانتقاص منهم
المبحث الثالث
حكم الغلو
الغلو في الدين محرم في جميع الأديان
قال تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) (النساء:171)
قال الحافظ ابن كثير :
لا تغلوا في الحق : أي لا تجاوزا الحد في اتباع الحق ، ولا تطروا من أمرتهم بتعظيمه فتبالغوا فيه حتى تخرجوه عن حيز النبوة إلى مقام الإلهية ، كما صنعتم في المسيح وهو نبي من الأنبياء فجعلتموه إلها من دون الله ؛ وما ذاك إلا لإقتدائكم بشيوخكم شيوخ الضلال الذين هم سلفكم ممن ضل قديما وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل أي : وخرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال إلى طريق الغواية والضلال . أ ـ هـ(5)
والسنة :
1 ـ روى النسائي (3057) عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ : هَاتِ الْقُطْ لِي فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ .(1/6)
فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ
قَالَ : بِأَمْثَالِ هَؤُلاءِ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ .(6)
2 ـ وروى البخاري (3445) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : (ُ لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ )
3 ـ وروى البخارى (15881) عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : السَّيِّدُ اللَّهُ
فَقَالَ : أَنْتَ أَفْضَلُهَا فِيهَا قَوْلا وَأَعْظَمُهَا فِيهَا طَوْلا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِيَقُلْ أَحَدُكُمْ بِقَوْلِهِ وَلا يَسْتَجِرَّنَّهُ الشَّيْطَانُ أَوْ الشَّيَاطِينُ .
المبحث الرابع
أقسام الغلو
قسم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله الغلو إلى أربعة أقسام ونحن نزيده ثلاثة أقسام أخر :
قال الشيخ محمد صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ :
والغلو ينقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : الغلو في العقيدة
كغلو أهل الكلام في الصفات حتى أدى بهم إما إلى التمثيل ، أو التعطيل .
والوسط مذهب أهل السنة والجماعة بإثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، من الأسماء والصفات من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل .
القسم الثاني : الغلو في العبادات
كغلو الخوارج الذين يرون كفر فاعل الكبيرة ، وغلو المعتزلة حيث قالوا : إن فاعل الكبيرة بمنزلة بين المنزلتين وهذا التشدّد قابله تساهل المرجئة حيث قالوا : لا يضر مع الإيمان ذنب .(1/7)
والوسط مذهب أهل السنة والجماعة أن فاعل المعصية ناقص الإيمان بقدر المعصية .
وغلو الصوفية في التعبد بالرقص والغناء والشرك وشد الرحال للقبور والأضرحة ، ولبس الخرق المرقعة
القسم الثالث : الغلو في المعاملات
وهو التشدّد بتحريم كل شيء ، وقابل هذا التشدد تساهل من قال بحل كل شيء ينمي المال والاقتصاد حتى الربا والغش وغير ذلك .
والوسط أن يقال : تحل المعاملات المبنية على العدل وهي ما وافق ما جاءت به النصوص من الكتاب والسنة .
القسم الرابع : الغلو في العادات
وهو التشدد في التمسك بالعادات القديمة وعدم التحول إلى ما هو خير منها .
أما إن كانت العادات متساوية في المصالح فإن كون الإنسان يبقى على ما هو عليه خير من تلقي العادات الوافدة .(7)
القسم الخامس : الغلو في مناهج الاستدلال ومصادر التلقي
كغلو المعتزلة في العقل ، والصوفية في الذوق واتباع الأشخاص
القسم السادس : الغلو في النقد
كغلو كل مبتدع في نقده لأهل السنة وتبديعهم وتكفيرهم . وغلو العلمانيين في نقدهم لشرائع الإسلام
القسم السابع : الغلو في مظاهر المدنية الحديثة
كغلو العلمانيين ممن ينتسبون للإسلام في الغرب وانفتاح الغرب وحرية الغرب
المبحث الخامس
أسباب الغلو
نذكر أسباب الغلو على سبيل الإجمال لا التفصيل حتى لا يطول بنا المقام ثم نذكر بعد ذكر أسباب الغلو في التكفير تفصيليا إن شاء الله ( 8)
1 ـ الفراغ الديني في مناهج التعليم في المراحل المختلفة ، وفي البيت وفي الحياة الاجتماعية بوجه عام ، وفي وسائل الإعلام
2 ـ هدم التعليم بما يوافق مناهج الغرب العلماني
3 ـ الجهل بالدين خاصة العقيدة ومنهج السلف
4 ـ ضعف البصيرة بحقيقة الدين وفهمه وفق ما فهمه السلف الصالح .
5 ـ حظ النفس والنظرة القاصرة لحقيقة النفس والدنيا
6 ـ الحقد والحسد على الآخرين ممن فضلهم الله عزوجل بمنصب أو شهرة أو علم أو مال .
7 ـ أخذ العلم عن الأصاغر وترك العلماء(1/8)
8 ـ غياب دور العلماء من القضايا المهمة عند الشباب
9 ـ التنقص من العلماء والبحث عن أخطائهم مما جعل الشباب يفقد الثقة بهم
10 ـ اتباع المتشابهات وترك المحكمات
11 ـ تقليد الأشخاص في ما لا يجوز تقليده فيها
12 ـ العصبية للشيخ أو القبيلة أو البلد أو الجنس أو النوع
13 ـ الفساد والتحلل الأخلاقي الذي عم وطم خاصة في وسائل الإعلام ، فبرغم الصحوة الدينية عند الناس اليوم في مصر نجد أن وسائل الإعلام على العكس من ذلك ، مع العلم أن المفروض عليها أن تعكس صورة الشارع وتقوم الأخطاء عن طريق الرجوع إلى الدين . لكن الذي نجده حرب شعواء على الدين وأهله .
14 ـ تيسير الدولة لكل من يريد نشر العري والخلاعة والفجور والتعدي على حرمات الدين ، وتضييق الخناق على أهل الحق في نشر الأخلاق والعقيدة الصحيحة .
15 ـ تنحية شرع الله من القوانين ومن الحياة العامة
16 ـ الكذب والافتراء على كل من أطلق لحيته وقصر ثوبه ومن لبست الحجاب وتعففت ، في المسلسلات والأفلام والسخرية من الدين وأهله مما يثير حفيظة هؤلاء الشباب فيلجأ للعنف والتكفير والتفجير والقتل .
17 ـ مصادرة حرية الدعوة إلى الإسلام ، وإعطائها لأهل الفسق والفجور ممن يطعنون في الإسلام وأهله
18 ـ مشايخ السوء الذين لا هم لهم غير رضى أسيادهم عليهم فيحلل الحرام ويحرم الحلال على حسب ما يحتاجه أسياده .
19 ـ القمع والإرهاب للشباب مما يذكي عندهم الكراهية للنظام وأهله
20 ـ الجهل المطبق بالشرع وعدم التمييز بين المنهج الصحيح والمنهج الخطأ عند أجهزة الأمن ورجاله مما يجعلهم يعتقدون أن كل من اتجه للدين فهو إرهابي يجب إبادته ، وهؤلاء هم صورة عكسية للنظام مما يجعل إجماعا من الأمة علماء وطلبة علم وعوام وجهلة أن الدولة لا تريد الدين ولا أهله(1/9)
21 ـ الظروف الاقتصادية المتدهورة التي تمر بها البلاد ، وأن القاصي والداني أصبح يعرف أن البلاد صارت في يد فئة قليلة لا تبحث إلا عن مصالحها . مما يجعل الشعوب قنبلة موقوتة قابلة للانفجار فيصدر التكفير والسب والطعن والسخط واللعن كنوع من الترويح عن النفس .
22 ـ الهزائم السياسية والعسكرية والنفسية للحكومات الإسلامية أمام اليهود والنصارى وعباد البقر والحجر مع كبت الشعوب مما يزيد في الغلو .
23 ـ الخلط بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر
24 ـ الخلط بين أقوال الرجال وبين الأحكام الشرعية
25 ـ عدم فهم منهج التلقي الصحيح
26 ـ انتشار البطالة بين الشباب وعدم الحصول على فرص العمل
27 ـ قسوة الكثير من العلماء والدعاة علي صغار طلبة العلم والتعالي عليهم ، في حين رقتهم مع صاحب المنصب والجاه مما يثير حفيظة هؤلاء الشباب ، فيكون الغلو مصيرهم .
الفصل الثاني
الإيمان
المبحث الأول
معنى الإيمان
أولا : معناه لغة : التصديق
قال ابن كثير في تفسيره (1/41) :
أما الإيمان في اللغة : فيطلق على التصديق المحض
وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك كما قال تعالى : ( يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)(التوبة: من الآية61)
وكما قال أخوة يوسف لأبيهم : ( وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)
وكذلك إذا استعمل مقرونا مع الأعمال كقوله تعالى : (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )(الشعراء: من الآية227) . أ ـ هـ
ثانيا : شرعا
اختلفت عبارات الناس في تعريف الإيمان نذكرها علي سبيل الإيجاز
أ ـ عند السلف
والمقصود بهم : الصحابة رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم
فالإيمان عندهم : قول وعمل ، أو قول وعمل واعتقاد
فالقول : يشمل قول القلب : وهو التصديق الجازم بكل ما جاء به النبي ( من عند ربه
وقول اللسان وهو : النطق بالشهادتين(1/10)
والعمل يشمل : عمل القلب الواجب والمستحب مثل الخوف والرجاء والتوكل والمحبة والرغبة والرهبة والرضا وغيرها من أعمال القلوب
وعمل الظاهر : ويشمل الصلاة والزكاة والصيام والجهاد والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من أعمال الظاهر .
وعلى القول الثاني " قول وعمل واعتقاد " يشمل القول النطق بالشهادتين فقط ، والاعتقاد هو تصديق القلب ، والعمل كما ذكرنا .
ـ قال أبو عمر بن عبد البر :
أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل ، ولا عمل إلا بنية ، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، والطاعات كلها عندهم إيمان ، إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعات لا تسمى إيمانًا ، قالوا : إنما الإيمان التصديق والإقرار ، ومنهم من زاد والمعرفة . أ ـ هـ(9)
ب ـ الإيمان الفرق الضالة
1ـ الخوارج : قالوا : الإيمان قول وعمل واعتقاد
2 ـ المعتزلة : قالوا : الإيمان قول وعمل واعتقاد
3 ـ المرجئة : قالوا : الإيمان قول اللسان واعتقاد القلب فقط
4 ـ الجهمية : قالوا : الإيمان معرفة القلب فقط
5 ـ الكرامية : قالوا : الإيمان قول اللسان فقط
6 ـ الأشاعرة : قالوا : الإيمان هو تصديق القلب فقط
7 ـ مرجئة الفقهاء : قالوا : الإيمان قول واعتقاد
المبحث الثاني
الفرق بين السلف وبين الفرق الأخرى
1 ـ الإيمان عند السلف يزيد وينقص ، وعند الفرق الأخرى فإنه لا يزيد ولا ينقص عدا البعض مع وجود فوارق في ذلك .
2 ـ الإيمان عند السلف يتبعض ويتجزأ إذا ذهب بعضه لا يذهب كله ، وعند الفرق الأخرى الإيمان جزءً واحدًا إذا ذهب بعضه ذهب كله.
3 ـ الإيمان عند السلف يتفاضل أهله فيه ، وعند الفرق الأخرى لا يتفاضل أهله فيه فكل إيمان الناس سواء .
4 ـ السلف يقولون بالاستثناء في الإيمان ، والفرق تقول بتحريم الاستثناء فيه ومن استثنى كفر .(1/11)
5 ـ الإيمان عند السلف : أصل وفرع ، فأصل الإيمان : الإقرار والتصديق ، والفرع عمل القلب والظاهر
قال الإمام محمد بن نصر المروزي ـ رحمه الله ـ :
نقول للإيمان أصل وفرع وضد الإيمان الكفر في كل معنى
فأصل الإيمان : الإقرار والتصديق
وفرعه : إكمال العمل بالقلب والبدن
فضد الإقرار والتصديق الذي هو أصل الإيمان : الكفر بالله وبما قال وترك التصديق به وله
وضد الإيمان الذي هو عمل وليس هو إقرار : كفر ليس بكفر بالله ينقل عن الملة ولكن كفر يضيع العمل . أ ـ هـ(10)
قال الإمام البيهقي ـ رحمه الله ـ :
باب الدليل على أن التصديق بالقلب والإقرار باللسان أصل الإيمان
وأن كليهما شرط في النقل عن الكفر عند عدم العجز
قال الله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ)(البقرة: من الآية136)الآية . فأمر المؤمنين أن يقولوا آمنا بالله
وقال الله عز وجل : (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا)(الحجرات: من الآية14) فأخبر أن القول العاري عن الاعتقاد ليس بإيمان ، وأنه لو كان في قلوبهم إيمان لكانوا مؤمنين لجمعهم بين التصديق بالقلب والقول باللسان ودلت السنة على مثل ما دل عليه الكتاب . أ ـ هـ(11)
أما عند الفرق فهو أصل وليس له فرع فإذا ذهب بعضه ذهب كله
هذه الفروق من ناحية الإجمال أما من ناحية التفصيل :
1 ـ الخوارج : قالوا : إن الإيمان قول وعمل واعتقاد ؛ فجعلوا الأعمال شرطا في صحة الإيمان ، وكذلك المعتزلة جعلوها شرطًا في صحة الإيمان ، وأما السلف فجعلوا الأعمال شرطًا في كمال الإيمان وليس في صحته .
قال الحافظ ابن جحر :
فالسلف قالوا : هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان ، وأرادوا بذلك : أن الأعمال شرط في كماله ، ومن هنا نشا لهم القول بالزيادة والنقص كما سيأتي .
والمرجئة قالوا : هو اعتقاد ونطق فقط(1/12)
والكرامية قالوا : هو نطق فقط
والمعتزلة قالوا : هو العمل والنطق والاعتقاد .
والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته والسلف جعلوها شرطًا في كماله . أ ـ هـ(12)
والفرق بين المعتزلة والخوارج
أن الخوارج عندهم من عمل كبيرة أو صغيرة ( حسب فرقهم ) فهو كافر في الدنيا ومخلد في النار يوم القيامة إذا لم يتب .
والمعتزلة قالوا : إن مرتكب الكبيرة ليس بكافر ولا مؤمن في الدنيا ؛ بل هو في منزلة بين المنزلتين ، وفي الآخرة كافر مخلد في النار إذا لم يتب ولكن عذابه دون الكافر الأصلي .
والسلف قالوا : إن مرتكب الكبيرة في الدنيا مؤمن بإيمانه وفاسق بكبيرته ( مؤمن ناقص الإيمان ) وفي الآخرة إذا مات من غير توبة هو في مشيئة الله إن شاء عفا عنه ابتداء وأدخله الجنة وإن شاء عذبه ، وإن عذبه لا يخلده في النار بل يخرجه منها بشفاعة الشافعين أو بقبضته .
فترك العمل لا يوجب كفرا ؛ وإنما ينقص الإيمان .
قال الإمام ابن حزم :
ومن ضيع الأعمال كلها فهو مؤمن عاص ناقص الإيمان لا يكفر . أ ـ هـ(13)
وقال أيضا :
وإنما لم يكفر من ترك العمل وكفر من ترك القول ؛ لأن رسول الله ( حكم بالكفر على من أبى القول وإن كان عالما بصحة الإيمان بقلبه ، وحكم بالخروج من النار لمن آمن بقلبه وقال بلسانه وإن لم يعمل خيرا قط . أ ـ هـ(14)
2 ـ المرجئة : أخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان ، وقالوا : أن من أتى بتصديق القلب وقول اللسان فهو مؤمن كامل الإيمان ، ولو أتى بكل الكبائر وإيمانه كإيمان جبريل وأبي بكر وعمر لأن الإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص ، وقالوا إنه لا يضر مع الإيمان ذنب ولا ينفع مع الكفر طاعة .
المبحث الثالث
ما يثبت به عقد الإسلام الذي ينجي صاحبه من النار
مما سبق يتضح أن عقد الإسلام يختلف ثبوته من فرقة إلى فرقة :
أولا : عند السلف وأكثر المتكلمين :(1/13)
يثبت عقد الإسلام الذي لا يخلد صاحبه في النار إن دخلها هو من أتي بالتصديق والنطق لمن قدر على النطق .
روى مسلم (21) عن أَبَي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ)
وروى (27) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ( : (أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ )
ـ قال الإمام النووي :
واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادا جازما خاليا من الشكوك ونطق بالشهادتين ، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلا إلا إذا عجز عن النطق لخلل في لسانه أو لعدم التمكن منه لمعالجة المنية أو لغير ذلك فانه يكون مؤمنا . أ ـ هـ(15)
ـ وقال الشيخ الملا علي القارئ :
الإجماع منعقد على إيمان من صدق بقلبه وقصد الإقرار بلسانه ومنعه مانع من خرس ونحوه . أ ـ هـ(16)
ـ وقال أبو الحسن المالكي :
ما أحسن ما قال عياض : إن وجد الاعتقاد والنطق فمؤمن اتفاقا ؛ وإن عدم فكافر اتفاقا .
وإن وجد الاعتقاد ومنعه من النطق مانع فمؤمن على المشهور
وإن وجد النطق وحده فمنافق في الزمن الأول والآن زنديق . أ ـ هـ(17)
ـ وقال ابن أبي العز الحنفي :
وقد أجمعوا على أنه لو صدق بقلبه وأقر بلسانه وامتنع عن العمل بجوارحه أنه عاص لله ورسوله مستحق للوعيد . أ ـ هـ(18)
ـ وقال ابن حزم :
مسألة : ومن اعتقد الإيمان بقلبه ونطق بلسانه فقد وفق استدل أو لم يستدل فهو مؤمن عند الله وعند المسلمين(1/14)
مسألة : ومن ضيع الأعمال كلها فهو مؤمن عاص ناقص الإيمان لا يكفر . أ ـ هـ(19)
ثانيا : عند الفرق
1 ـ عند الخوارج لا يثبت إلا بالقول والعمل والاعتقاد ، فمن أخل بشيء من هذه الأركان الثلاثة فقد ذهب إيمانه وصار كافرا يعامل معاملة الكافر .
2 ـ عند المعتزلة يثبت بالقول والعمل والاعتقاد ، فمن أتي بكبيرة فقد خرج من الإسلام غير أنه لم يخل في الكفر ، فيعامل في الدنيا معاملة المنافق
3 ـ عند المرجئة يثبت عقد الإسلام كاملا ظاهرا وباطنا بالقول والتصديق ، وهو من الناجين من النار ابتداء
4 ـ وعند الجهمية يكفي معرفة القلب فقط ويصير كامل الإيمان ولا يشترط النطق بالشهادتين .
5 ـ عند الأشاعرة يكفي تصديق القلب فقط وإن لم ينطق بالشهادتين
الفصل الثالث
الكفر وأنواعه
بعد دراسة الإيمان عند السلف وعند الفرق الأخرى ، وبيان الفروق بين عقيدة السلف والعقائد المخالفة ؛ لابد من معرفة نواقض الإيمان عند السلف وعند باقي الفرق حتى يظهر جليا من الذي وقع في الغلو في التكفير وعدم التكفير ومن المعتدل .
المبحث الأول
معنى الكفر
أولا : معناه لغة :
وهو تغطية الشيء والتغطية تغطية تستهلكه أصل الكفر في اللغة من الستر.
وكل من ستر شيئاً فقد كفره وكفره .
والزارع : كافر لأنه يستر البذر بالتراب . قال تعالى : ( كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ)(الحديد: من الآية20)
أي : أعجب الزراع نباته .
ثانيا : وأما معناه في الشرع :
فهو ضد الإيمان سواء كان بالجحود أو بما يقوم مقامه من قول أو عمل أو اعتقاد .
أو هو أقوال أو أفعال أو اعتقادات من وقع فيها من غير عذر شرعي فقد وقع في الكفر وخرج من الإسلام .
ثالثا : معنى الكفر في القرآن :
قال ابن الجوزي :
"ذكر أهل التفسير أن الكفر في القرآن على خمسة أوجه :(1/15)
أحدها : الكفر بالتوحيد ، ومنه قوله تعالى في البقرة : (ِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُم)(البقرة: من الآية6
والثاني : كفران النعمة ، ومنه قوله تعالى في البقرة : ( وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ)(البقرة: من الآية152) .
والثالث : التبري ، ومنه قوله تعالى في العنكبوت : ( ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ )(العنكبوت: من الآية25)، أي يتبرأ بعضكم من بعض .
والرابع : الجحود ، ومنه قوله تعالى في البقرة : ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ )(البقرة: من الآية89).
والخامس : التغطية ومنه قوله تعالى في الحديد : ( أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُه)(الحديد: من الآية20)، يريد الزراع الذين يغطون الحَب أ ـ هـ(20) .
المبحث الثاني
أقسام الكفر
الكفر ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : الكفر الأكبر الذي يخرج صاحبة من ملة الإسلام .
القسم الثاني : الكفر الأصغر الذي لا يخرج صاحبه من الملة
القسم الأول : الكفر الأكبر
وهو في الجملة : كفر اعتقادي وكفر قولي وكفر عملي
ولا يكون إلا بالكتاب والسنة فقط لا بأقوال الرجال وآرائهم
1 ـ كفر الشك :
وهو التردد بين التصديق والتكذيب ، ولا يصلح إيمان العبد إلا بتصديق تام .
قال تعالى : ( إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (التوبة:45)
2 ـ كفر الجحود :
وهو الإنكار مع العلم . فهو تكذيب باللسان مع تصديق بالقلب .
قال تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام:33)
3 ـ كفر الإعراض عن دين الله تعالى :(1/16)
وهو لغة التولي . وهو التولي عن تعلم أصل الدين الذي يكون به مسلمًا ، أو يخرج به من عقيدة كفرية أو فعل كفر
قال تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) (السجدة:22)
4 ـ كفر الاستهزاء والسخرية بالله ، أو آياته ، أو رسول من رسله(21)
وهذا كفر بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين
قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) (التوبة:65 ، 66)
5 ـ كفر السب لله عز وجل ، أو رسول من رسله ، أو سب دين الله :
قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) (الأحزاب:57)
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(التوبة: من الآية61)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
وقال الإمام إسحاق بن راهوية أحد الأئمة الأعلام : أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبيا من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك وإن كان مقرًا بكل ما أنزل الله .
وقال الخطابي : لا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف في وجوب قتله وقال محمد بن سحنون : أجمع العلماء على أن شاتم النبي ( المتنقص له كافر ، والوعيد جار عليه بعذاب الله له ، وحكمه عند الأمة القتل ، ومن شك في كفره وعذابه كفر . أ ـ هـ (22)
6 ـ كفر الاستكبار على الله وشرعه :
وهو عدم الاعتراف بما جاء به الرسول من عند ربه كبرًا ، أو عدم الخضوع لطاعة الله كبرًا .(1/17)
قال تعالى : (وَإِذْ قُلنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة:34)
7 ـ كفر التكذيب : وهو تكذيب الرسل فيما جاءوا به من عند ربهم ، أو تكذيب شئ من شرع الله .
قال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (الأنعام:21)
8 ـ كفر العرافة والكهانة :
الكاهن هو : الذي يدعي المعرفة عن الكوائن في مستقبل الزمان ، ويدعي معرفة الأسرار ومطالعة علم الغيب فيصيب بعضها ويخطئ في أكثرها ، وذلك عن طريق الجن وغيره .
والعرَّاف هو : الذي يدعي علم ما مضي ، كمعرفة السارق ومكان السرقة ، واسم من يأتيه ومكانه ، وذلك من خلال اتصاله بالجن .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) . (23)
وروى مسلم في صحيحه (4137) :
عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)
9 ـ كفر السحر :(24)
معناه في اللغة : ما لطف وخفي سببه .
وأما حقيقته والمقصد منه هنا كما قال ابن مفلح في (المبدع 9/188) :
السحر : عقد ورقي وكلام يتكلم به ، أو يعمل شيئا ، يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له .
وله حقيقة في قول الأكثر ، فمنه ما يقتل ، ومنه ما يمرض ، ومنه ما يمنع الرجل من وطء امرأته ، ومنه ما يفرق بينهما . أ ـ هـ(1/18)
قال تعالى : (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (البقرة:102)
10 ـ كفر بغض الله ورسوله ، أو بغض شئ مما جاء به الرسول ( من عند ربه :
وهذا كفر باتفاق المسلمين ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 8 ـ 9 )
11 ـ كفر الاستحلال لما حرم الله ورسوله ، أو تحريم ما أحله الله ورسوله .
قال الشوكاني :
ومن استحل ما هو حرام كفر بالإجماع . أ ـ هـ (25)
12ـ الشرك بالله :
قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء:116)
13 ـ عدم تكفير المشركين الأصليين ، أو الشك في كفرهم ، أو تصحيح مذهبهم كفر :
وهم كل من دان بغير الإسلام ، من اليهود والنصارى والمجوس والوثنيين وغيرهم من ملل الكفر .(1/19)
وهذا كفر بإجماع المسلمين ، ومن لم يكفر الكافر فهو كافر. وذلك لأن الله تعالى حكم بكفر هؤلاء فقال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)
14 ـ كفر موالاة المشركين ، ونصرتهم على المسلمين :
وقال تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهمْ أَوْ أَبْنَاءَهمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22)
15 ـ كفر النفاق :
ومعناه : إظهار الإسلام وإبطان الكفر والشرك بالله .
قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (البقرة :8 ، 9 )
وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلاً) (النساء:142)
وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا) (النساء:145)
القسم الثاني : الكفر الأصغر
وهو ما يسمى بالكفر العملي عند كثير من أهل العلم وهو أنواع منها :
1 ـ الحلف بغير الله
روى أبوداود (3251) عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ : سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلا يَحْلِفُ لا وَالْكَعْبَةِ .(1/20)
فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : (ُ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ) وفي رواية الترمذي (فقد كفر) (26)
إلا أن يكون في الحلف تعظيما المحلوف به تعظيمه لله فيكون كفرا أكبر
2 ـ من قاتل مسلما
روى البخاري (38) عَنْ زُبَيْدٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنْ الْمُرْجِئَةِ فَقَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)
3 ـ الطعن في النسب والنياحة على الميت
روى مسلم (67) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ )
4 ـ الحكم بغير ما أنزل الله
قال تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: من الآية44)
وقد قال ابن عباس : 000 ليس بالكفر الذي يذهبون إليه .
قال طاووس : سئل ابن عباس عن هذه الآية فقال : هو به كفر وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله
قال أيضا : كفر لا ينقل عن الملة
وقال سفيان عن ابن جريح عن عطاء : كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق . أ ـ هـ(27)
وقال صاحب تيسير العزيز الحميد :
الشرك الأصغر :
كيسير الرياء ، والتصنع للمخلوق ، وعدم الإخلاص لله تعالى في العبادة ؛ بل يعمل لحظ نفسه تارة ، ولطلب الدنيا تارة ، ولطلب المنزلة والجاه عند الخلق تارة ، فلله من عمله نصيب ولغيره منه نصيب .
ويتبع هذا النوع : الشرك بالله في الألفاظ : كالحلف بغير الله ، وقول ما شاء الله وشئت ، ومالي إلا الله وأنت ، وأنا في حسب الله وحسبك ، ونحوه ، وقد يكون ذلك شركا أكبر بحسب حال قائله ومقصده .(1/21)
هذا حاصل كلام ابن القيم وغيره . أ ـ هـ(28)
المبحث الثالث
الفرق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر
قال الشيخ صالح الفوزان :
- أنَّ الكفر الأكبر يُخرجُ من الملة ، ويحبط الأعمال ، والكُفر الأصغر لا يخرج من الملة ولا يحبط الأعمال، لكن ينقصُها بحسبه ، ويعرِّضُ صاحبَها للوعيد .
2- أنَّ الكفرَ الأكبرَ يُخلد صاحبه في النار ، والكفر الأصغر إذا دخل صاحبه النار ، فإنه لا يخلد فيها ؛ وقد يتوب الله على صاحبه ، فلا يدخله النار أصلا .
3- أنَّ الكفرَ الأكبرَ يُبيح الدم والمال، والكفر الأصغر لا يُبيحُ الدم والمال .
4- أن الكفر الأكبر يُوجب العداوة الخالصة بين صاحبه وبين المؤمنين ، فلا يجوز للمؤمنين محبته وموالاته ولو كان أقرب قريب ، وأما الكفر الأصغر فإنهُ لا يمنع الموالاة مطلقًا، بل صاحبه يُحَبُّ ويُوالى بقدر ما فيه من الإيمان ، ويغض ويُعادى بقدر ما فيه من العصيان .(29)
وكذلك الشرك والفسق والظلم كل منهم ينقسم إلى قسمين أكبر وأصغر
الفصل الرابع
التكفير
المبحث الأول
التكفير حق الله ورسوله
ذكرنا في المبحث السابق الكفر وأنواعه ، وبينا أنواع الكفر في ضوء الكتاب والسنة لا بقول أحد ، ومن هذا فالحكم على أحد بكفر لا يكون إلا بما حكم الله ورسوله عليه بذلك ، فكل فعل أو قول أو اعتقاد لا يكون كفرًا إلا بنص من الكتاب أو السنة .
فمن قال : من فعل كذا فهو كافر أو كفر ! قلنا له : أين قول الله ورسوله في ذلك ؟ وإلا صار ممن ينازع الله في حقه والرسول في حقه ، أو اتهم النبي ( بأنه قصر في تبليغ الرسالة ! .
فالكافر من كفره الله ورسوله والأصل في المسلمين الإسلام ما لم تقم بينة أوضح من شمس النهار على كفره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(1/22)
والألفاظ التي تعارض بها النصوص هي من هذا الضرب ، كلفظ الجسم والحيز والجهة والجوهر والعرض ، فمن كانت معارضته بمثل هذه الألفاظ لم يجز له أن يكفر مخالفه إن لم يكن قوله مما يبين الشرع أنه كفر ؛ لأن الكفر حكم شرعي متلقي عن صاحب الشريعة ، والعقل قد يعلم به صواب القول وخطؤه ، وليس كل ما كان خطأ في العقل يكون كفرا في الشرع كما أنه ليس كل ما كان صوابا في العقل تجب في الشرع معرفته . أ ـ هـ(30)
وقال أيضا :
فلهذا كان أهل العلم و السنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم ؛ لأن الكفر حكم شرعي ، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله ؛ كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله ؛ لأن الكذب
والزنا حرام لحق الله تعالى ، وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله و رسوله . أ ـ هـ(31)
وقال ابن القيم في قصيدته (النونية) :
الكفر حق الله ثم رسوله بالشرع يثبت لا بقول فلان
من كان رب العالمين وعبده قد كفراه فذاك ذو الكفران
فهلم ويحكم نحاكمكم إلى النصين من وحي ومن قرآن
وهناك يعلم أي حزبينا على الكفران حقا أو على الإيمان
وقال الإمام القرافي :
كون أمر ما كفراً ، أي أمر كان ، ليس من الأمور العقلية بل هو من الأمور الشرعية ، فإذا قال الشارع في أمر ما هو كفر فهو كذلك ، سواءً كان ذلك لقول إنشاء أم إخباراً. أ ـ هـ(32)
ـ وقال الإمام الشهرستاني :
وللأصوليين خلاف في تكفير أهل الأهواء مع قطعهم بان المصيب واحد بعينه ؛ لان التكفير حكم شرعي ، والتصويب حكم عقلي ، فمن مبالغ متعصب لمذهبه كفر وضلل مخالفه ، ومن متساهل متآلف لم يكفر . أ ـ هـ(33)
ـ وقال الحافظ ابن حجر الهيتمي :
التكفير حكم شرعي سببه جحد ذلك أو قول أو فعل حكم الشارع بأنه كفر وإن لم يكن جحدا . أ ـ هـ(34)
المبحث الثاني
التسرع في التكفير ليس من عقيدة السلف
المطلب الأول
التحذير من التكفير(1/23)
اعلم أن التسرع في الحكم على مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله بالكفر والخروج من الإسلام لهو مزلة قدم لا ينزلق فيها إلا جاهل بأحكام الشريعة ، أو مغرور ، أو حاقد على الناس ، أو لديه غرض ما يسعى إليه من أغراض الدنيا كالحصول على المال أو السلطة أو الشهرة بين جاهلين مثله ، أو في حب المخالفة . لأن الله عز وجل لا يسأل عبده لما لم تكفر فلان ولا يحاسبه على ذلك ، ولكن قد يُسأل العبد على تكفير المسلمين بغير حق ؛ لأن النبي ( حق حذر من الإقدام على مثل ذلك العمل .
1 ـ روى مسلم (60) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا)
وفي رواية في مسند أحمد بسند صحيح (4731) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَيُّمَا رَجُلٍ كَفَّرَ رَجُلا فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلا فَقَدْ بَاءَ بِالْكُفْرِ)
وروى البخاري (6075) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلا بِالْفُسُوقِ وَلا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ)
وقال ابن عساكر :
فهذه الأخبار تمنع من تكفير المسلمين ، فمن اقدم على التكفير فقد عصى سيد المرسلين . أ ـ هـ(35)
وقال ابن عبد البر :
والمعنى فيه عند أهل الفقه والأثر أهل السنة والجماعة : النهي عن أن يكفر المسلم أخاه المسلم بذنب أو بتأويل لا يخرجه من الإسلام عند الجميع ، فورد النهي عن تكفير المسلم . أ ـ هـ(36)
ـ وقال الإمام الذهبي :(1/24)
فما ينبغي لك يا فقيه أن تبادر إلى تكفير لمسلم إلا ببرهان قطعي ، كما لا يسوغ لك أن تعتقد العرفان والولاية فيمن قد تبرهن زغله وانهتك باطنه وزندقته ، فلا هذا ولا هذا ؛ بل العدل أن من رآه المسلمون صالحا محسنا فهو كذلك ؛ لأنهم شهداء الله في أرضه ؛ إذ الأمة لا تجتمع على ضلالة ؛ وأن من رآه المسلمون فاجرا أو منافقا أو مبطلا فهو كذلك . أ ـ هـ(37)
المطلب الثاني
ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه
أولا : شرح القاعدة
بمعنى قد يكون القول أو الفعل كفرًا بنص الكتاب والسنة ؛ ولكن من فعل هذا الفعل أو قال هذا القول لا يطبق عليه الكفر لعذر قام به فمنع ذلك .
وعند العلماء ما يسمى بالتفريق بين الحكم والمعين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
والتحقيق في هذا : أن القول قد يكون كفرا كمقالات الجهمية الذين قالوا إن الله لا يتكلم ولا يرى في الآخرة ، ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر ، فيطلق القول بتكفير القائل كما قال السلف : من قال القرآن مخلوق فهو كافر ، ومن قال إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر ، ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم كمن جحد وجوب الصلاة والزكاة واستحل الخمر والزنا وتأول ، فإن ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه ، فإذا كان المتأول المخطئ في تلك لا يحكم بكفره إلا بعد البيان له واستتابته كما فعل الصحابة في الطائفة الذين استحلوا الخمر، ففي غير ذلك أولى وأحرى ، وعلى هذا يخرج الحديث الصحيح في الذي قال : إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني في اليم فوالله لئن قدر الله على ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين .(38)
وقد غفر الله لهذا مع ما حصل له من الشك في قدرة الله وإعادته إذا حرقوه ، وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع . أ ـ هـ(39)
وقال أيضا :(1/25)
وحقيقة الأمر في ذلك أن القول قد يكون كفرا فيطلق القول بتكفير صاحبه ويقال من قال كذا فهو كافر لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها وهذا كما في نصوص الوعيد فان الله سبحانه وتعالى يقول : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (النساء:10)
فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق ؛ لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد ، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو ثبوت مانع ، فقد لا يكون التحريم بلغه ، وقد يتوب من فعل المحرم ، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم ، وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه ، وقد يشفع فيه شفيع مطاع ، وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق ، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده ، أو لم يتمكن من فهمها ، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها ، فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان سواء كان في المسائل النظرية أو العملية هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام . أ ـ هـ(40)
ثانيا : إقامة الحجة وشروط تكفير المعين
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
الكفر حكم شرعي مرده إلى الله ورسوله فما دل الكتاب والسنة على أنه كفر فهو كفر ، وما دل الكتاب والسنة على أنه ليس بكفر فليس بكفر ، فليس على أحد بل ولا له أن يكفر أحداً حتى يقوم الدليل من الكتاب والسنة على كفره.
وإذا كان من المعلوم أنه لا يملك أحد أن يحلل ما حرم الله، أو يحرم ما أحل الله، أو يوجب ما لم يوجبه الله تعالى إما في الكتاب أو السنة ، فلا يملك أحد أن يكفر من لم يكفره الله إما في الكتاب وإما في السنة
ولا بد في التكفير من شروط أربعة :(1/26)
الأول : ثبوت أن هذا القول ، أو الفعل ، أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب أو السنة .
الثاني : ثبوت قيامه بالمكلف.
الثالث : بلوغ الحجة.
الرابع : انتفاء مانع التكفير في حقه.
فإذا لم يثبت أن هذا القول، أو الفعل، أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، فإنه لا يحل لأحد أن يحكم بأنه كفر، لأن ذلك من القول على الله بلا علم وقد قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33)
وقال: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء :36)
وإذا لم يثبت قيامه بالمكلف فإنه لا يحل أن يرمى به بمجرد الظن لقوله تعالى : (ولا تقف ما ليس لك به علم(. الآية ولأنه يؤدي إلى استحلال دم المعصوم بلا حق .
وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "أيما امرئ قال لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما ؛ إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه" ، هذا لفظ مسلم. وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه ـ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول : "لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه ، إن لم يكن صاحبه كذلك". أخرجه البخاري ولمسلم معناه.
وإذا لم تبلغه الحجة فإنه لا يحكم بكفره لقوله تعالى: ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )(الأنعام: من الآية19). وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص:59)(1/27)
وقوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ـ إلى قوله ـ : رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:164 ،165)
( . وقوله تعالى: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الاسراء: من الآية15) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ـ يعني أمة الدعوة ـ يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
لكن إن كان مَن لم تبلغه الحجة لا يدين بدين الإسلام، فإنه لا يعامل في الدنيا معاملة المسلم، وأما في الآخرة فأصح الأقوال فيه أن أمره إلى الله تعالى.
وإذا تمت هذه الشروط الثلاثة أعني ثبوت أن هذا القول، أو الفعل أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، وأنه قام بالمكلف، وأن المكلف قد بلغته الحجة ولكن وجد مانع التكفير في حقه فإنه لا يكفر لوجود المانع.أ ـ هـ(41)
ومما سبق من كلام العلماء نخلص إلى المسلم الذي قال قول الكفر أو عمل عمل الكفر أنه لا يقع الكفر عليه إلا بعد إقامة الحجة (وهو وصول الحكم الشرعي لمن وقع في الكفر ) بشروط منها :
1 ـ أن ينشرح صدره للكفر ويطمئن قلبه به وتسكن نفسه إليه
قال تعالى : ( وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً )(النحل: من الآية106)
2 ـ أن يكون النص قد بلغه ؛ لأنه لا تكليف إلا بعد وصول الخطاب كما قال تعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الإسراء: من الآية15) فلا تكليف بمجهول
3 ـ أن يكون قد فهم النص وإلا اعتبر أن الخطاب لم يصل إليه .
4 ـ أن لا يكون هناك شبهات عرضت عليه ، مثل حال أهل التأويل والاجتهاد .(1/28)
5 ـ من يقيم الحجة يكون أهلا لها ، ولا يكن هناك عداء بين صاحب القول أو الفعل وبين من يقيم الحجة
6 ـ أن لا يكون هناك عارض مثل الجهل أو الإكراه ونحوهما
المطلب الثالث
الأعذار التي تمنع تكفير المعين
هناك أعذار تمنع تكفير معين وقع في الكفر نختار منها عذرين للكلام عليهما
الأول : العذر بالجهل
1ـ كلام الناس في العذر بالجهل
وهذا العارض وضعه بعض أهل العلم من العوارض المكتسبة وهذا من الخطأ البين ؛ لأنه يبين أن الإنسان ولد عالما وهذا معارض للقرآن ، قال تعالى : (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78)
فالأصل أن الإنسان يولد جاهلا ويكتسب العلم في مراحل عمره منذ أن يميز . وهذا لا يختلف فيه عاقل
وهذه مسألة خطيرة خاض فيها الكثيرون في العصر الحاضر ، وكانت إثارتها من قبل جماعة التكفير ثم انتقلت إلى كثير من السلفيين وانقسموا شيعًا وأحزابًا ، وعقدت عليها ألوية الولاء والبراء ، وأطلقت ألسنة التبديع ، وقد اختلفوا فيها على أقسام :
قسم لا يرى العذر بالجهل في عموم الدين .
وقسم لا يرى العذر بالجهل في مسائل التوحيد والعقيدة فقط .
وقسم لا يرى العذر بالجهل في المعلوم من الدين بالضرورة فقط
وقسم لا يرى العذر بالجهل في دار الإسلام ويراه في دار الحرب
وقسم يرى العذر بالجهل في كل الدين
2 ـ القول الصحيح وأدلته
هذا مجمل ما وقع فيه الخلاف والقول الأخير هو الصحيح من وجوه :
الوجه الأول : أن الأصل في الإنسان الجهل والعلم شئ مكتسب
فكل من يجهل شئ لا يلزم بحكمه . قال تعالى : (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78)
قال الإمام ابن جرير الطبري :(1/29)
يقول تعالى ذكره : والله تعالى أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من بعد ما (أخرجكم من بطون أمهاتكم) لا تعقلون شيئا ولا تعلمون ، فخلق لكم عقولا تفقهون بها وتميزون بها الخير من الشر ، وبصركم بها ما لم تكونوا تبصرون ، (وجعل لكم السمع) الذي تسمعون به الأصوات فيفقه بعضكم عن بعض 000 ، (والأبصار) التي تبصرون بها الأشخاص 000 وتميزون بها بعضا من بعض ، (والأفئدة ) ، يقول : والقلوب التي تعرفون بها الأشياء بانهدامه ، وتفكرون ، وأبوابا بها ، (لعلكم تشكرون) يقول : فعلنا ذلك بكم فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم من ذلك دون الآلهة والأنداد ، فجعلتم له شركاء في الشكر ، ولم يكن له فيما أنعم به عليكم من نعمه شريك
وقوله : (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ) كلام متناه ثم ابتدىء الخبر فقيل ، وجعل الله والأبصار والأفئدة
وإنما قلنا ذلك كذلك ؛ لأن الله تعالى ذكره جعل العبادة والسمع والأبصار والأفئدة قبل أن يخرجهم من بطون أمهاتهم وإنما أعطاهم العلم والعقل بعدما أخرجهم من بطون أمهاتهم . أ ـ هـ (42)
وقال ابن القيم :
فهو في أصل الخلقة خلق خاليا ساذجا لا علم له بشيء من المعقولات ولا المحسوسات البتة . أ ـ هـ(43)
وقال أيضا :
فهذه الحال التي أخرجنا عليها هي حالنا الأصلية ، والعلم والعقل والمعرفة والقوة طارىء علينا حادث فينا بعد أن لم يكن ولم نكن نعلم قبل ذلك شيئا البتة إذ لم يكن لنا وجود نعلم ونعقل به .أ ـ هـ(44)
فإذا كان الجهل أصل في الإنسان خلقه الله عليه ؛ فكيف يحاسبه على شئ لا دخل له فيه ؟!!
الوجه الثاني : أنه إذا كان الجهل هو الأصل الذي خلق عليه الإنسان ؛ فهو عذر قائم به ، فمن ادعى عدم العذر فعليه بالدليل من الكتاب والسنة ودونه خرط القتاد .
الوجه الثالث : أن الحكم الشرعي لا يثبت في حق المكلف إلا بعد الخطاب
أي بعد أن يعلمه المكلف ، وإلا فلا تكليف بمجهول(1/30)
قال تعالى : (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء:15)
فبعد أن ذكر الله الهداية والضلال أخبر أنه سبحانه لا يعذب أحدًا من عباده إلا بعد وصول الرسول إليه ؛ ومعناه : وصول رسالة الرسول إليه على وجه يفهمه ويفهم ما ينص عليه من تكليف شرعي .
فلا يثبت الخطاب في حق المكلف إلا بعد وصول الحكم الشرعي إليه .
قال الإمام ابن جرير في تفسيره :
وقوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )
يقول تعالى ذكره : وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله : (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) إن الله تبارك وتعالى ليس يعذب أحدا حتى يسبق إليه من الله خبرا ويأتيه من الله بينة وليس معذبا أحدا إلا بذنبه . أ ـ هـ(45)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
اختلف العلماء فيمن أسلم بدار الحرب ولم يعلم أن الصلاة واجبة ، ثم علم هل يجب عليه قضاء ما تركه في حال الجهل ؟
على قولين في مذهب الإمام أحمد وغيره :
أحدهما : لا يجب عليه القضاء ، وهو مذهب أبي حنيفة
والثاني : يجب عليه القضاء ، وهو المشهور عند أصحاب الشافعي ، بل النزاع بين العلماء : في كل من ترك واجبا قبل بلوغ الحجة ، مثل ترك الصلاة عند عدم الماء يحسب أن الصلاة لا تصح بتيمم ، أو من أكل حتى تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، ويحسب أن ذلك هو المراد بالآية كما جرى ذلك لبعض الصحابة ، أو مس ذكره ، أو أكل لحم الإبل ولم يتوضأ ثم تبين له وجوب ذلك .
وأمثال هذه المسائل . هل يجب عليه القضاء ؟
على قولين في مذهب احمد وغيره
وأصل ذلك هل يثبت حكم الخطاب في حق المكلف قبل التمكن من سماعه ؟
على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره :(1/31)
قيل : يثبت مطلقا
وقيل : لا يثبت مطلقا
وقيل : يفرق بين الخطاب الناسخ والخطاب المبتدأ كأهل القبلة .
والصحيح الذي تدل عليه الأدلة الشرعية : أن الخطاب لا يثبت في حق أحد قبل التمكن من سماعه .
فان القضاء لا يجب عليه في الصور المذكورة ونظائرها مع اتفاقهم على انتفاء الإثم ؛ لأن الله عفا لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان ، فإذا كان هذا في التأثيم فكيف في التكفير !!
وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات ، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة ، فلا يعلم كثيرا مما يبعث الله به رسوله ، ولا يكون هناك من يبلغه ذلك .
ومثل هذا لا يكفر ، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان ، وكان حديث العهد بالإسلام فأنكر شيئا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة ؛ فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول ( . أ ـ هـ(46)
الوجه الرابع : أن كل الأدلة التي وردت في هذا الباب تدل دلالة صريحة في العذر بالجهل :
منها :
1 ـ روى أحمد (2139) والترمذي (2180) بسند صحيح عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ : أَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ قَالَ : وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، قَالَ : فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ قَالَ : فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ! اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ(1/32)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : ( اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون)(الأعراف: من الآية138) ، إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّةً . )
فترى هنا أن النبي ( أخبرهم أن هذا العمل هو عمل الكفار ، وأن هذه المقولة قد سبقهم إليها بنوا إسرائيل ، فأخبرهم موسى بجهلهم لحقيقة التوحيد . فلم يكفرهم موسى بالمقولة ؛ وإنما وصفهم بالجهل ، والنبي ( لم يكفر من قال ذلك من الصحابة لعلمه أنهم يجهلون أن هذا شرك بالله .
2 ـ روى البخاري (7506) ومسلم (2756) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ : فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ ؛ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ.
فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ : لِمَ فَعَلْتَ ؟!
قَالَ : مِنْ خَشْيَتِكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ . فَغَفَرَ لَهُ ) وفي رواية مسلم (لم يعمل حسنة قط)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
فهذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله تعالى على إعادة ابن آدم بعد ما أحرق وذرى ، وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك وهذان أصلان عظيمان :
أحدهما : متعلق بالله تعالى وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير والثاني : متعلق باليوم الآخر ؛ وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت ويجزيه على أعماله .(1/33)
ومع هذا فلما كان مؤمنا بالله في الجملة ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت ، وقد عمل عملا صالحا وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح . أ ـ هـ(47)
قال ابن القيم رحمه الله :
وكفر الجحود نوعان :
كفر مطلق عام .
وكفر مقيد خاص .
فالمطلق : أن يجحد جملة ما أنزله الله وإرساله الرسول .
والخاص المقيد : أن يجحد فرضا من فروض الإسلام ، أو تحريم محرم من محرماته ، أو صفة وصف الله بها نفسه ، أو خبرا أخبر الله به عمدا ، أو تقديما لقول من خالفه عليه لغرض من الأغراض ، وأما جحد ذلك جهلا ، أو تأويلا يعذر فيه صاحبه فلا يكفر صاحبه به كحديث الذي جحد قدرة الله عليه وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح ، ومع هذا فقد غفر الله له ورحمه لجهله ؛ إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه ولم يجحد قدرة الله على إعادته عنادا أو تكذيبا . أ ـ هـ (48)
3 ـ روى البخاري (757) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ وَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ .
فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ـ ثَلاثًا ـ
فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي(1/34)
فَقَالَ : إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا ، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا .)
والشاهد من الحديث أن النبي ( لم يأمره بإعادة ما صلاه قبل معرفة كيفية الصلاة الصحية ، ولم يحكم عليها بالبطلان ، وإنما فيه إشارة إلى تعذيره بالجهل فيما مضى ؛ أما في الوقت الذي أمره بإعادة صلاته فقد هناك متسعًا من الوقت لكي يعيد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
وما ترك لجهله بالواجب ! مثل من كان يصلي بلا طمأنينة ولا يعلم أنها واجبة ؛ فهذا قد اختلفوا فيه ؛ هل عليه الإعادة بعد خروج الوقت أو لا ؟
على قولين معروفين وهما : قولان في مذهب أحمد وغيره والصحيح : أن مثل هذا لا إعادة عليه ؛ فإن النبي قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته : اذهب فصل فإنك لم تصل ـ مرتين أو ثلاثا ـ فقال : والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني ما يجزيني في صلاتي ، فعلمه النبي الصلاة بالطمأنينة ، ولم يأمره بإعادة ما مضى قبل ذلك الوقت مع قوله : والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا ؛ ولكن أمره أن يعيد تلك الصلاة ؛ لأن وقتها باق فهو مأمور بها أن يصليها في وقتها ، وأما ما خرج وقته من الصلاة فلم يأمره بإعادته مع كونه قد ترك بعض واجباته ؛ لأنه لم يكن يعرف وجوب ذلك عليه .
وكذلك لم يأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقضي ما تركه من الصلاة لأجل الجنابة ؛ لأنه لم يكن يعرف أنه يجوز الصلاة بالتيمم
وكذلك المستحاضة قالت له : إني أستحاض حيضة شديدة منكرة تمنعني الصوم والصلاة فأمرها أن تتوضأ لكل صلاة ولم يأمرها بقضاء ما تركته(1/35)
وكذلك الذين أكلوا في رمضان حتى تبين لأحدهم الحبال البيض من الحبال السود ، أكلوا بعد طلوع الفجر ولم يأمرهم بالإعادة.
فهؤلاء كانوا جهالا بالوجوب فلم يأمرهم بقضاء ما تركوه في حال الجهل كما لا يؤمر الكافر بقضاء ما تركه في حال كفره وجاهليته ، بخلاف من كان قد علم الوجوب وترك الواجب نسيانا فهذا أمره به إذا ذكره . أ ـ هـ(49)
والأقوال في هذا الحديث كثيرة ذكرنا كلام شيخ الإسلام فقط ، وفي موضع واحد فقط ؛ حتى لا يطول بنا البحث .
4 ـ روى أحمد (15866) عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَصَمُّ لا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ ، فَأَمَّا الأَصَمُّ فَيَقُولُ : رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا .
وَأَمَّا الأَحْمَقُ فَيَقُولُ : رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ : رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الإِسْلامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا .
وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ : رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ .
فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ .
قَالَ : فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلامًا ) وفي رواية أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ هَذَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلامًا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا .(50)(1/36)
والشاهد من هذا الحديث إذا كان الله تبارك وتعالى لم يحكم على هؤلاء ـ وهم لم يدخلوا في الإسلام ـ بالدخول في النار إلا بعد إقامة حجته عليهم ؛ لأنهم لم يعرفوا الإسلام ؛ فكيف بمن شهد شهادة الحق ولكنه جهل بعض الأحكام فوقع في ما ينقض إيمانه !!
فلا شك أن هذا أولى من ذلك ، وكلمة التوحيد لها شأن عند الله تعالى
ـ ولكن هنا أمر يتفطن إليه : وهو أن هؤلاء الذين لم تبلغهم دعوة الإسلام أو بلغتهم بطريق مشوش لا يفهم به حقيقة الإسلام وكانوا على دين كفر كالنصرانية أو اليهودية أو الوثنية فهؤلاء لهم حكمان :
الأول : حكمهم في الدنيا الظاهر لنا أنهم كفار ، فيعاملوا معاملة الكفار .
والثاني : حكمهم في الآخرة : فهم يمتحنون كما أخبر النبي ( عن ذلك .
وهؤلاء منهم من يدخل النار لعلم الله فيه ، ومنهم من يدخل الجنة لعلم الله فيه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
فلابد من عبادة الله وحده ، وهذا واجب على كل أحد فلا يسقط عن أحد البتة ، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله دينا غيره ؛ ولكن لا يعذب الله أحدا حتى يبعث إليه رسولا ، وكما أنه لا يعذبه فلا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة ، ولا يدخلها مشرك ولا مستكبر عن عبادة ربه .
فمن لم تبلغه الدعوة في الدنيا امتحن في الآخرة ، ولا يدخل النار إلا من اتبع الشيطان ، فمن لا ذنب له لا يدخل النار ، ولا يعذب الله بالنار أحدا إلا بعد أن يبعث إليه رسولا ، فمن لم تبلغه دعوة رسول إليه كالصغير والمجنون والميت في الفترة المحضة فهذا يمتحن في الآخرة كما جاءت بذلك الآثار . أ ـ هـ (51)
وقد تكلم في هذا الباب ابن قيم الجوزية رحمه الله فأطال النفس فيه جدًا ، ورد كل من رد الحديث أو مضمونه بما لا تجده عند عالم آخر ، ولا يسعنا المقام هنا أن نذكر قوله كله ؛ ولكن لنأخذ ما يقتضيه البحث فقال رحمه الله :(1/37)
الوجه الثامن عشر: قوله : ولا يخلو من مات في الفترة من أن يكون كافرا أو غير كافر فإن كان كافرا فإن الله حرم الجنة على الكافرين وإن كان معذورا بأنه لم يأته رسول فكيف يؤمر باقتحام النار ؟!!(52)
جوابه من وجوه :
أحدها : أن يقال هؤلاء لا يحكم لهم بكفر ولا إيمان ، فإن الكفر هو جحود ما جاء به الرسول ، فشرط تحققه بلوغ الرسالة ، والإيمان هو تصديق الرسول فيما أخبر وطاعته فيما أمر ، وهذا أيضا مشروط ببلوغ الرسالة ، ولا يلزم من انتفاء أحدهما وجود الآخر إلا بعد قيام سببه ، فلما لم يكن هؤلاء في الدنيا كفارا ولا مؤمنين كان لهم في الآخرة حكم آخر غير حكم الفريقين .
فإن قيل : فأنتم تحكمون لهم بأحكام الكفار في الدنيا من التوارث والولاية والمناكحة !!
قيل : إنما نحكم لهم بذلك في أحكام الدنيا لا في الثواب والعقاب كما تقدم بيانه .
الوجه الثاني : سلمنا أنهم كفار لكن انتفاء العذاب عنهم لانتفاء شرطه ؛ وهو قيام الحجة عليهم ، فإن الله تعالى لا يعذب إلا من قامت عليه حجته
الوجه الثالث : قوله : "وإن كان معذورا كيف يؤمر أن يقتحم النار وهي أشد العذاب"
فالذي قال هذا يوهم أن هذا الأمر عقوبة لهم ؛ وهذا غلط وإنما هو تكليف واختبار ، فإن بادروا إلى الامتثال لم تضرهم النار شيئا . أ ـ هـ (53)
هذه بعض النصوص وأقوال أهل العلم فيها وأما أقوال العلماء المجردة في العذر بالجهل فنكتفي بقول الإمام الكبير محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله :
عن يونس بن عبد الأعلى قال : سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول وقد سئل عن صفات الله وما يؤمن به فقال :(1/38)
لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته لا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها ؛ لأن القرآن نزل بها وصح عن رسول الله القول بها فيما روى عنه العدول ، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر ، أما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل ؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية والفكر ، ولا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها ، وتثبت هذه الصفات وينفي عنها التشبيه ، فما نفى التشبيه عن نفسه فقال ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . أ ـ هـ(54)
العذر الثاني : العذر بالخطأ
أولا : تعريفه
1 ـ لغة : ضد الصواب
2 ـ اصطلاحا : هو الزلل عن إصابة الحق(55)
ثانيا : أقسامه
ينقسم الخطأ إلى قسمين :
القسم الأول : الخطأ المتعمد
وهو ترك إصابة الحق عن تعمد قلب
وهذا يؤخذ بجريرته وليس هو موضع البحث
القسم الثاني : خطأ غير متعمد
وهو الخطأ في إصابة الحق عن غير قصد
وينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : بحسب علم المخطئ
وهو نوعان :
الأول : جاهل لم تتوفر فيه أداة النظر إلى الأحكام الشرعية
فهذا يأثم
الثاني : تتوفر فيه أداة النظر والاستدلال ، فهذا معذور غير مأزور .
والقسم الثاني : بحسب نوعية الخطأ
وهو نوعان : النوع الأول :
الخطأ في المسائل العملية : وصاحبه له أجر على احتهاده
روى البخاري (7352) عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ )
قال صاحب تحفة الأحوزي :(1/39)
قال الخطابي : إنما يؤجر المخطئ على اجتهاده في طلب الحق لأن اجتهاده عبادة ، ولا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم ، وهذا فيمن كان جامعا لآلة الاجتهاد , عارفا بالأصول , عالما بوجوه القياس . فأما من لم يكن محلا للاجتهاد فهو متكلف ولا يعذر بالخطأ بل يخاف عليه الوزر . ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار " وهذا إنما هو في الفروع المحتملة للوجوه . أ ـ هـ
النوع الثاني : الخطأ في المسائل العلمية (الاعتقادية)
وهذا صاحبه إن مجتهدا في طلب الحق وأخفق فإنه معذور مغفور له خطأه ، ولا يكون كافرا بخطأه وإن كان القول قول كفر
قال تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(الأحزاب: من الآية5)
وقوله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )(البقرة: من الآية286) ، وقد ورد في الحديث أن الله قال : قد فعلت .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
وعلى هذا فالمتأول الذي أخطأ في تأويله في المسائل الخبرية ، والأمرية ، وإن كان في قوله بدعة يخالف بها نصا ، أو إجماعا قديما ، وهو لا يعلم أنه يخالف ذلك ؛ بل قد أخطأ فيه كما يخطئ المفتي والقاضي في كثير من مسائل الفتيا والقضاء باجتهاده يكون أيضا مثابا من جهة اجتهاده الموافق لطاعة الله تعالى ، غير مثاب من جهة ما أخطأ فيه ، وإن كان معفوا عنه ، ثم قد يحصل فيه تفريط في الواجب ، أو اتباع الهوى يكون ذنبا منه ، وقد يقوى فيكون كبيرة ، وقد تقوم عليه الحجة التي بعث الله عز وجل بهما رسله ويعاندها مشاقا للرسول من بعد ما تبين له الهدى ، متبعا غير سبيل المؤمنين ، فيكون مرتدا منافقا ، أو مرتدا ردة ظاهرة .(1/40)
فالكلام في الأشخاص لا بد فيه من هذا التفصيل ، وأما الكلام في أنواع الأقوال والأعمال باطنا وظاهرا من الاعتقاد والإرادات وغير ذلك ؛ فالواجب فيما تتوزع فيه ذلك أن يرد إلى الله والرسول ، فما وافق الكتاب والسنة فهو حق ، وما خالفهما فهو باطل ، وما وافقهما من وجه دون وجه فهو ما اشتمل على حق وباطل فهذا هو . أ ـ هـ(56)
وقال أيضا :
وأما أهل العلم والإيمان فهم يجعلون كلام الله وكلام رسوله هو الأصل الذي يعتمد عليه ، وإليه يرد ما تنازع الناس فيه ، فما وافقه كان حقا ، وما خالفه كان باطلا ، ومن كان قصده متابعته من المؤمنين وأخطأ بعد اجتهاده الذي استفرغ به وسعه غفر الله له خطأه ، سواء كان خطؤه في المسائل العلمية الخبرية ، أو المسائل العملية ، فإنه ليس كل ما كان معلوما متيقنا لبعض الناس يجب أن يكون معلوما متيقنا لغيره ، وليس كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه كل الناس ويفهمونه ؛ بل كثير منهم لم يسمع كثيرا منه ، وكثير منهم قد يشتبه عليه ما أراده وإن كان كلامه في نفسه محكما مقرونا بما يبين مراده . أ ـ هـ(57)
وقال أيضا :
ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة ، وإن كان ذلك في المسائل العملية ، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة ، وإذا كان الله تعالى يغفر لمن جهل وجوب الصلاة وتحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل مع كونه لم يطلب العلم ؛ فالفاضل المجتهد في طلب العمل بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول بحسب إمكانه هو أحق بأن يتقبل الله حسناته ، ويثيبه على اجتهاداته ، ولا يؤاخذه بما أخطأه تحقيقا لقوله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )(البقرة: من الآية286) . أ ـ هـ(58)
المبحث الرابع
تكفير أهل البدع
تكفير أهل البدع على قسمين :
القسم الأول : الحكم العام(1/41)
وهو الحكم على المقالة أو على الفرقة بالكفر ، فيقال : فرقة كذا كافرة ، ومن قال كذا فهو كافر .
هذا الأمر لابد وأن يكون مضبوطا بالكتاب والسنة ؛ لأن الكفر كما قدمنا حكم شرعي لا يكون إلا من الكتاب والسنة . وقد حكم العلماء على مقالات أنها كفر وعلى فرق أنها فرق كفر .
أولا : المقالات
والأمثلة على ذلك كثيرة منها :
1 ـ من قال القرآن مخلوق فهو كافر
قال البخاري : وقال الثوري من قال القرآن مخلوق فهو كافر .000
وقال بن مقاتل سمعت بن المبارك يقول من قال : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا)(طه: من الآية14) مخلوق فهو كافر لا ينبغي لمخلوق أن يقول ذلك
ثانيا : الفرق
1ـ الجهمية :
قد ورد عن كثير من السلف القول بتكفير الجهمية لما أحدثوه من أقوال في حقيقتها كفر محض .
ذكر ابن القيم عن خارجة بن مصعب أنه كان يقول : الجهمية كفار أبلغ نساءهم أنهن طوالق لا يحللن لهم ، لا تعودوا مرضاهم ، ولا تشهدوا جنائزهم ثم تلا طه إلى قوله تعالى : (الرحمن على العرش استوى) . أ ـ هـ(59)
وقال شارح نونية ابن القيم :
وقد كان سلف الأمة وسادات الأئمة يرون كفر الجهمية أعظم من كفر اليهود كما قال عبد الله بن المبارك والبخاري وغيرهما . أ ـ هـ(60)
ثالثا : الحكم على معين في هذه الفرق
برغم أن العلماء قد حكموا على الجهمية بالكفر وعلى من قال مقالتهم بالكفر ؛لكن لم يحكموا على معين بالكفر
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
والعلماء قد تنازعوا في تكفير أهل البدع والأهواء وتخليدهم في النار وما من الأئمة إلا من حكى عنه في ذلك قولان . كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم ، وصار بعض أتباعهم يحكى هذا النزاع في جميع أهل البدع وفى تخليدهم ، حتى التزم تخليدهم كل من يعتقد أنه مبتدع بعينه .
وفى هذا من الخطأ ما لا يحصى ، وقابله بعضهم فصار يظن أنه لا يطلق كفر أحد من أهل الأهواء وإن كانوا قد أتوا من الإلحاد وأقوال أهل التعطيل والاتحاد .(1/42)
والتحقيق في هذا أن القول قد يكون كفرا كمقالات الجهمية الذين قالوا : إن الله لا يتكلم ، ولا يرى في الآخرة .
ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر فيطلق القول بتكفير القائل ؛ كما قال السلف : من قال القرآن مخلوق فهو كافر ، ومن قال إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر ، ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم ؛ كمن جحد وجوب الصلاة والزكاة واستحل الخمر والزنا وتأول ، فإن ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه ، فإذا كان المتأول المخطئ في تلك لا يحكم بكفره إلا بعد البيان له واستتابته كما فعل الصحابة في الطائفة الذين استحلوا الخمر ففي غير ذلك أولى وأحرى . أ ـ هـ (61)
وقال أيضا :
فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم ، بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدكم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل ؛ وان كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر
وهكذا الكلام في تكفير جميع المعينين ، مع أن بعض هذه البدعة أشد من بعض ، وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض ، فليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن اخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحبة ، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك ؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة . أ ـ هـ(62)
وقال أيضا :
فطائفة تحكى عن أحمد في تكفير أهل البدع روايتين مطلقا ، حتى تجعل الخلاف في تكفير المرجئة والشيعة المفضلة لعلى ، وربما رجحت التكفير والتخليد في النار . وليس هذا مذهب أحمد ولا غيره من أئمة الإسلام ؛ بل لا يختلف قوله أنه لا يكفر المرجئة الذين يقولون : الإيمان قول بلا عمل .(1/43)
ولا يكفر من يفضل عليا على عثمان ؛ بل نصوصه صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم ، وإنما كان يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته ؛ لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول ظاهرة بينة ، ولأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق ، وكان قد ابتلى بهم حتى عرف حقيقة أمرهم ، وأنه يدور على التعطيل . وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة ؛ لكن ما كان يكفر أعيانهم ، فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به ، والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط ، والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقبه ، ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية إن القرآن مخلوق ، وأن الله لا يرى في الآخرة وغير ذلك ، ويدعون الناس إلى ذلك ، ويمتحنونهم ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم ، ويكفرون من لم يجبهم حتى أنهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لم يطلقوه حتى يقر بقول الجهمية أن القرآن مخلوق وغير ذلك ، ولا يولون متوليا ، ولا يعطون رزقا من بيت المال إلا لمن يقول ذلك ، ومع هذا فالإمام أحمد رحمه الله تعالى ترحم عليهم واستغفر لهم لعلمه بأنهم لمن يبين لهم أنهم مكذبون للرسول ولا جاحدون لما جاء به ؛ ولكن تأولوا فأخطأوا ، وقلدوا من قال لهم ذلك .
وكذلك الشافعي لما قال لحفص الفرد حين قال القرآن مخلوق : كفرت بالله العظيم ، بين له أن هذا القول كفر ، ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك ؛ لأنه لم يتبين له الحجة التي يكفر بها ، ولو اعتقد أنه مرتد لسعى في قتله ، وقد صرح في كتبه بقبول شهادة أهل الأهواء والصلاة خلفهم ، وكذلك قال مالك رحمه الله والشافعي وأحمد في القدري إن جحد علم الله كفر . أ ـ هـ(63)
الفصل الخامس
جذور التكفير في الماضي
المبحث الأول
التكفير عند الخوارج
أولاً : التعريف بهم
قال الحافظ في الفتح :
أما الخوارج : فهم جمع خارجة ؛ أي طائفة ، وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لخروجهم عن الدين وخروجهم على خيار المسلمين أ ـ هـ(1/44)
. وقاتلوا علي ابن أبي طالب وكفروه وسائر الصحابة .
ثانيا : ملخص عقائد الخوارج وغلوهم في التكفير وغيره .
1 ـ " يعتبر الخوارج أنفسهم الممثلين الحقيقيين للأمة الإسلامية ، فهم " أهل العدل " ومنهاجهم "منهاج أهل العدل " ، وأئمتهم "أئمة العدل " خلفاء رسول الله ( في تطبيق قواعد الإسلام ومبادئه ." (64)
2 ـ اعتماد الخوارج على القرآن وترك السنة ، وفهم القرآن على حسب أهوائهم وعقولهم ولذلك قال عنهم النبي ( : (يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ) .
أي أنهم لم يفهموه كما فهمه النبي ( وأصحابه .
3 ـ حد الإسلام عند الخوارج هو القول والعمل والاعتقاد ، فمن أخل بشيء من ذلك فهو الكافر .
4 ـ أجمعوا على تكفير أمير المؤمنين على ين أبي طالب رضي الله عنه .
5 ـ أجمعوا على تكفير مرتكب الكبيرة إلا النجدات فإنهم قالوا : هو كافر كفر نعمة لا كفر دين .
6 ـ أجمعوا على كفر أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه
7 ـ أجمعوا على عذاب أصحاب الكبائر عذاب دائم
8 ـ ومنهم من كفر صاحب الصغيرة ومنهم من كفر تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
9 ـ من لم يعتنق مذهبهم فهو كافر
قال الشوكاني :
ثم اجتمعوا على أن من لا يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله . أ ـ هـ(65)
10 ـ القول بالقياس في العقائد
" ومن أمثلة ذلك عندهم : أن إبليس ـ لعنه الله ـ كان عارفا بالله ، ولما عصى صار كافرا . فكذلك الإنسان إذا عرف الله وعصاه يصير كافرا . لا فاسقا كما يقول المعتزلة ، ولا مؤمنا عاصيا كما يقول أهل السنة ـ .(1/45)
ومن أمثلة ذلك أيضا : أن الله تعالى حكم على بعض اليهود بالكفر لعملهم ببعض الكتاب وعدم عملهم بالبعض . وجعل جزاءهم الخلود في جهنم في أشد العذاب ، وحيث قال للمسلمين : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (يونس:13 ، 14)
وهذا القول يعني أن ما جرى على الأمم السابقة يجري عليهم . فإن الأمة الإسلامية إذا عملت ببعض الشريعة وتركت البعض الآخر يجري لها ما جرى على اليهود . قال تعالى : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة:85 ،86) " (66)
12 ـ استحلوا دماء المسلمين وأموالهم وسبي نساءهم ، وهذا ما حدث مع ابن خباب بن الأرت وجاريته حين قتلوه وبقروا بطنها .
ثالثا : أسباب الغلو في التكفير عند الخوارج
منها :
1 ـ الجهل بأحكام الشريعة
2 ـ اتباع المتشابه وترك المحكم والقول بالتأويل الفاسد
3 ـ حب الدنيا والطمع في الرياسة
4 ـ الغلو وهو التشدد والتنطع في الأحكام الشرعية
5 ـ اتباع الرؤساء الجهال وترك أهل العلم من الصحابة
6 ـ القول بلازم القول ، وفعلوا ذلك مع على بن أبي طالب حيث قالوا : محا عن نفسه أمير المؤمنين فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين .
7 ـ حداثة السن والتسرع في إصدار الأحكام ، وتغليب الهوى على الشرع(1/46)
8 ـ الخلل في فهم نصوص الوعد ونصوص الوعيد
9 ـ الخلل في عقيدة الولاء والبراء
رابعا : ماذا فعل الخوارج بالمسلمين
لاشك أن الخوارج بجهلهم وسفاهاتهم قد سفكوا الكثير من دماء المسلمين ، وخرجوا على حكام المسلمين كلما قويت لهم شوكة ومن ذلك :
1 ـ استعرضوا الناس فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين ، ومر بهم عبد الله بن خباب بن الأرت ، وكان واليا لعلي على بعض تلك البلاد ومعه سرية وهي حامل ، فقتلوه وبقروا بطن سريته عن ولد . أ ـ هـ
2 ـ الخروج على الحكام بين الحين والحين مما يسفر ذلك عن مزيد من إراقة الدماء وإضعاف قوة الإسلام أمام الأعداء وكسر شوكتهم .(67)
3 ـ في مسألة العقيدة " كانت الخوارج في أول أمرها لم تتجاوز أصولها مسائل معدودات ، تدور حول تكفير مرتكب الكبيرة وإنكار الشفاعة ، وتكفير بعض الصحابة وغيرهم : كأهل التحكيم ، ومن رضي به ، واستحلال الدماء ، ونحو ذلك .
ولم يكن لهم كثير كلام في الصفات ، والقدر والسمعيات ، والمسائل الكلامية .
لكن مع الزمن تجارت بهم الأهواء ، وتفرقت بهم السبل ، حتى أصبحت الخوارج من الفرق الكلامية ، فقالت في القرآن والرؤية بقول الجهمية ، وفي الصفات بقول المعتزلة ،كما زعمت المعتزلة ومتأخروا الأشاعرة والماتريدية . وتكلم الخوارج في دقائق المسائل الكلامية كما فعل أهل الكلام " (68) وهذه نتيجة طبيعية لكل صاحب هوى ينساق وراء أهوائه خوف التناقض والتعارض مع نصوص الشريعة .
المبحث الثاني
التكفير عند الشيعة
أولا : التعريف بهم
الشيعة من الفرق الإسلامية الكبيرة ، وهي الفرقة الوحيدة التي كثرت فيها الفرق المارقة من الدين ، أمثال النصيرية ، والفاطمية العبيدية ، واليزيدية ، والدروز ، وأخيرا الروافض أو الإمامية الإثنى عشرية .
وسيكون الكلام على الروافض كفرقة كبيرة معاصرة تنصب العداء لأهل السنة :
ثانيا : جوانب التكفير عند الشيعة(1/47)
بعد عرض جانبا لتاريخ الشيعة الإمامية وأهم عقائدها تبين أنهم على دين خلاف لدين المسلمين الذي كان عليه النبي ( وأصحابه ، ومن أجل ذلك قاموا بتكفير كل من خالفهم في عقائدهم ، وكل من يكون قوله ضدا لعقيدتهم من الصحابة والتابعين . ومن ذلك كان تكفيرهم :
1 ـ للصحابة رضي الله عنهم وعلى رأسهم أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب :
" وقال علامتهم الشيعي نعمة الله الجزائري في كتابه "الأنوار النعمانية ج1/ب1/ص53 ما نصه :
إن أبا بكر كان يصلي خلف رسول الله ( والصنم معلق في عنقه وسجوده له " (69)
وبوب علامتهم وخاتمة المجتهدين عند الشيعة محمد باقر المجلسي بابا سماه "باب كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح عمالهم وقبائح وآثار ، وفضل التبرئ منهم ولعنهم " في بحار الأنوار ج30 ص79 ط . ذوي القربى .
والمقصود بالثلاثة هم أبوبكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين
وقال المجلسي في ج30 ص230 من بحار الأنوار " والأخبار الدالة على كفر أبي بكر وعمر وأضرابهما وثواب لعنهما والبراءة منهم وما يتضمن بدعهم أكثر من أن يذكر في هذا المجلد ، أو مجلدات شتى ." (70)
ويرى الإمامية كفر جميع الصحابة عدا القليل
ويذكر العلامة الشيعي محمد باقر المجلسي صحح في كتابه "مرآة العقول " ج26ص213 رواية ارتداد الصحابة على زعم الشيعة ، فلقد روى الكليني في الروضة من الكافي رواية رقم 341 عن أبي جعفر عليه السلام " قال : كان الناس أهل ردة بعد النبي ( إلا ثلاثة .
فقلت : ومن الثلاثة ؟
فقال : المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم "
وقال السيد مرتضي محمد الحسيني النجفي في كتابه "السبعة من السلف " ص7 ما نصه :
إن الرسول ابتلي بأصحاب قد ارتدوا من بعد عن الدين إلا القليل "(71)
المبحث الثالث
التكفير عند المعتزلة
أولاً : نشأة المعتزلة
أسس المعتزلة واصل بن عطاء الغزال ( المتوفى 131 هـ ) وعمرو بن عبيد البصري (المتوفى 145 هـ )(1/48)
وسبب التسمية بالمعتزلة " انه دخل واحد على الحسن البصري فقال : يا إمام الدين لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة وهم وعيديه الخوارج وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من الإيمان ولا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وهم مرجئة الأمة فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادا فتفكر الحسن في ذلك ، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ولا كافر مطلقا بل هو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر ثم قام واعتزل إلى اسطوانة من اسطوانات المسجد يقرر ما أجاب على جماعة من أصحاب الحسن فقال الحسن اعتزل عنا واصل فسمى هو وأصحابه معتزلة ؛ بل هو في منزلة بين المنزلتين ، لا مؤمن ولا كافر ، ثم قام واعتزل إلى اسطوانة من اسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن . فقال الحسن : اعتزلنا واصل ، فسمي وهو وأصحابه المعتزلة ) .(72)
ثانيا : الأسباب التي أدت إلى ظهور المعتزلة
1 ـ الخلاف الكبير الذي وقع في حكم مرتكب الكبيرة . بين السلف والخوارج والمرجئة ، بسبب الفتن التي حلت بالمسلمين منذ مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وتوالت الأحداث وشاع القتل بين المسلمين واستحلال الدماء والأموال والأعراض فكفرت الخوارج مرتكب الكبيرة ، وجعلت له المرجئة كمال الإيمان ، والسلف قالوا عنه مؤمن عاص ناقص الإيمان لا يكفر ، فظهرت المعتزلة بمقولة أن مرتكب الكبيرة لا مؤمن لأنه فعل فعلا كفريا ـ في زعمهم ـ ولا هو كافر ؛ لأنه يشهد الشهادتين ولم يرتد عن دين الله ، فهو في منزلة بين المنزلتين . 2 ـ وجود الدينات الأخرى كاليهودية والنصرانية والمجوسية ، والدفاع عن ديانتهم بطرق عقلية مختلفة مما أدى إلى تأثر كثير من هذه الفرق بهذه الطرق واستعمالها للدفاع عن الإسلام .(1/49)
3 ـ مناصرة بعض حكام بني العباس لهم بعد اعتناقهم لمذهب المعتزلة ، وبلغ أوجه في عهد المأمون والمعتصم والواثق . حيث فُتح لهم المجال لنشر معتقدهم وآرائهم . ومسألة خلق القرآن التي اُمتحن بسببها خلق كثير شاهد على ذلك منهم إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله .
4 ـ الدفاع عن الإسلام ! ضد الفرق والحركات المناوئة للإسلام كالراوندية . ولهم في ذلك مناظرات ورسائل كثيرة . باستخدام علم المنطق والفلسفة اليونانية مما جعلهم يؤصلون أصولا في الاستلال لمنهجهم
5ـ دراسة الفلسفة والاطلاع على كتب الفلاسفة الأقدمين ، مما جعل المأمون يشجع على ترجمة كثير من كتب اليونان ، فخلط رجال المعتزلة كلامهم بكلام الفلاسفة اليونان ، فكانوا أقدم المتكلمين في الإسلام ، وافتتن بطريقتهم كثير من الناس ، فراجت بضاعتهم على عوام الناس بله على بعض العلماء وظنوا أن هذا هو المذهب الحق .(73)
المبحث الرابع
التكفير عند المرجئة
إذا كانت الخوارج قد شطحت فأكفرت مرتكب الكبيرة وخلدته في النار ، والمعتزلة أخرجته من الإيمان وحكمت عليه بالخلود في النار أيضا ، والشيعة أكفرت كل أهل السنة وعلى رأسهم صحابة رسول الله ( ، فإن المرجئة شطحت فجعلت كل من أتى كبيرة أو كل كبائر الدنيا إيمانه لا يضره شيئا ما دام معه الإقرار والتصديق ، ثم هي من ناحية أخرى كفرت كل أهل السنة ومن يخالفهم في المعتقد .
فكما قدمنا في مبحث الإيمان عند الفرق أن المرجئة جعلوا الإيمان قطعة واحدة لا يقبل التجزء ولا التبعض فما هو إلا التصديق والنطق باللسان ، والناس صنفان مؤمن كامل الإيمان ، وكافر مخلد في النيران ولا ثالث ، فأنكروا أن يدخل أحد من عصاة المؤمنين النار ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين ، وردوا أحاديث الشفاعة . كما فعلت الخوارج والمعتزلة .
ثم أن كثيرا من فرق المرجئة يرى شهر السلاح في الحكام الظلمة وفق ما قالت الخوارج والمعتزلة .(1/50)
أهل السنة يرون الاستثناء في الإيمان ، وهو يرون الاستثناء كفر ، ومن أجل ذلك أطلقوا على أهل السنة أنهم شكاكا ؛ أي يشكون في إيمانهم .
الفصل السادس
جذور التكفير في العصر الحاضر
المبحث الأول
أبو الأعلى المودودي ودوره في الغلو في التكفير
أولاً : نشأته
يقول الأستاذ مصطفى محمد الطحان : (74)
ولد الإمام المودودي في 25 أيلول (سبتمبر) عام 1903 في (أورنك آباد) بمدينة حيدر آباد (الدكن) في الهند، وهو ينتمي إلى أسرة تمتد جذورها إلى شبه جزيرة العرب، فقد هاجرت أسرته منذ أكثر من ألف عام إلى جشت بالقرب من مدينة هرات، ثم رحل جده الأكبر (ضواجه مودود) إلى الهند في أواخر القرن التاسع الهجري.
وكان أبوه سيد أحمد حسن مودود الذي ولد في دلهي بالهند سنة (1266هـ - 1850م) واحداً من طلاب جامعة عليكرة، وقد عمل مدرساً، ثم عمل بالمحاماة، وفي (3 من رجب 1321هـ - 25 من سبتمبر 1903م) رزق بابنه (أبو الأعلى المودودي)، وبعد ذلك بنحو عام اعتزل الأب الناس ، ومال إلى الزهد ، فنشأ أبو الأعلى في ذلك الجو الصوفي ، وتفتحت عيناه على تلك الحياة التي تفيض بالزهد والورع والتقوى.
ثانيا : عقيدة أبي الأعلى المودودي
من خلال إطلاله على نشأة المودودي والظروف التي أحاطت يتبن أن الرجل أراد أن يقوم بالمسلمين قومة كبيرة ، ولا يكون هذا إلا من خلال تأسيس منهج عملي على أساس عقائدي ، فألف كتابه الشهير "المصطلحات الأربعة في القرآن"
ـ حول كتاب المصطلحات الأربعة :
لقد كتب الشيخ أبى الأعلى رحمه الله كتابات شتى أصل فيها لمنهج العقيدة عنده على حسب ما فهم من الأصول الشرعية وتأثر بالأحوال السياسية المحيطة به فصاغ بعض مسائل العقيدة .
من هذه الكتب كتاب "المصطلحات الأربعة " ، وفي هذا الكتب يشرح مصطلح : الإله ، والرب ، والعبادة ، والدين .
وهذه الرسالة هي المنهج الذي قامت عليه الجماعة الإسلامية في الهند وباكستان
2 ـ بعض محاور الكتاب(1/51)
ـ يحاول في هذا الكتاب أن يقرر أن الدين والرب والإله والعبادة تدور في فلك السلطة والحكم والتشريع ، لذلك نجد في الكتاب تكرار لمصطلحات سياسية منها :
ـ كلمة السلطة مكررة 37 مرة
ـ وكلمة الحاكمية مكررة 8 مرات
ـ وكلمة الحكم مكررة 18 مرة
ـ وكلمة السياسة وسياسة مكررة 19 مرة
ـ وكلمة القانون وتوابعها مكررة 29 مرة
ـ وكلمة النظام وتوابعها مكررة 42 مرة
هذه ألفاظ في كتاب يتكلم صاحبه فيه عن أهم قضايا الاعتقاد وهي الربوبية والألوهية والعبادة والدين ، وهذا مؤشر على أن الإسلام كله نظام سياسي وسلطة وحكم ، حتى علاقة الإنسان بربه في هذه المصطلحات لابد وأن تكون تحت شعار الحاكمية ، وهذا نفس المنطلق الذي انطلقت منه الخوارج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه . ولكن مع فارق الغلو عند الخوارج ، وإن كان نفس الطريق الذي سلكه أبو الأعلى رحمه الله أدى في النهاية إلى فكر جديد للخوارج يتمثل في جماعات التكفير والتوقف والتبين ، والشوقيون ، والقطبيون ، وجماعات أخرى سوف نتحدث عنها
ثالثا : تفصيل الكلام في المصطلحات الأربعة
1 ـ الكلام في المصطلح الأول : الرب
معنى الرب في اللغة : هو السيد والملك والمربي والمنشئ والبر والقيم والمنعم (75)
ولا يذكر مطلقا إلا على الله ، ويطلق على غير الله مضافا : فيقال : رب الدابة ، ورب البيت ، وهكذا .
فليس في كلام العرب ولا في لغة القرآن أن الرب بمعنى الحاكم .
ـ ومعنى الرب في الشرع : هو إفراد الله عز وجل بالخلق والرزق والنفع والضر وتدبير أمر العبادة ، أي توحيد الله بأفعاله .
فلم يرد عن السلف أن الرب بمعنى الحاكم ، ولم يقل أحد من السلف أن توحيد الربوبية هو إفراد الله بالحاكمية ، بل هو من تفسير الخوارج . بل إن الحاكمية عند السلف من مقتضيات توحيد الربوبية ، وليست معنى حقيقي له .
قال أبو الأعلى المودودي :(1/52)
مادة كلمة (الرب) : الراء والباء المضعَّفة ، ومعناها الأصلي الأساسي : التربية ، ثم تتشعب عنه معاني التصرف والتعهد والاستصلاح والإتمام والتكميل ، ومن ذلك كله تنشأ في الكلمة معاني العلو والرئاسة والتملك والسيادة . أ ـ هـ(76)
وقال :
أن كلمة (الرب) مشتملة على جميع ما يأتي بيانه من المعاني
1 ـ المربي الكفيل بقضاء الحاجات، والقائم بأمر التربية والتنشئة.
2 ـ الكفيل والرقيب، والمتكفل بالتعهد وإصلاح الحال.
3 ـ السيد الرئيس الذي يكون في قومه كالقطب يجتمعون حوله.
4 ـ السيد المطاع، والرئيس وصاحب السلطة النافذ الحكم، والمعترف له بالعلاء والسيادة، والمالك لصلاحيات التصرف.
5 ـ الملك والسيد ."(77)
2ـ الكلام في مصطلح "الإله"
فسر أبو الأعلى المودودي (الإله ) بنفس تفسيره (للرب) وسار على نفس المنهج ، فبعد أن ذكر المعنى اللغوي وأخذ يفسر معناها الاصطلاحي ، ثم جمع كل معاني الألوهية في السلطة فقال :
فخلاصة القول أن أصل الألوهية وجوهرها هو السلطة . أ ـ هـ
3 ـ الكلام في مصطلح " العبادة "
سار أبو الأعلى على نفس النهج في العبادة فجعلها الحاكمية المطلقة
فقال :
المراد بعبادة الطاغوت في كل من هذه الآيات الثلاث هو العبودية للطاغوت وإطاعته. ومعنى الطاغوت في اصطلاح القرآن - كما سبقت الإشارة إليه - كل دولة أو سلطة وكل إمامة أو قيادة تبغي على الله وتتمرد، ثم تنفذ حكمها في أرضه وتحمل عباده على طاعتها بالإكراه أو بالإغراء أو بالتعليم الفاسد . أ ـ هـ(78)
فهذا التفسير الخاطئ لعبادة الطاغوت غير في العصر الحالي الأحداث والأفكار عند الإسلاميين . في حين أن تفسير السلف لهذه الآيات غير ما ذكر
4 ـ الكلام في مصطلح "الدين "
لم يكن تفسير لفظ بأقل من الألفاظ السابقة في التحريف والتغيير فقد وضح ما يريده أتم وضوح فقال :
أن كلمة (الدين) في القرآن تقوم مقام نظام بأكلمه ، يتركب من أجزاء أربعة هي :
1- الحاكمية والسلطة العليا.(1/53)
2- الإطاعة والإذعان لتلك الحاكمية والسلطة.
3- لنظام الفكري والعملي المتكون تحت سلطان تلك الحاكمية.
4- المكافأة التي تكافئها السلطة العليا على اتباع ذلك النظام والإخلاص له أو على التمرد عليه والعصيان له .أ ـ هـ(79)
رابعا : خلاصة القول في منهج أبي الأعلى
1 ـ بنى أبو الأعلى تصورا ما حول فكرة النظام الإسلامي من خلال الأحداث التي مر بها
2 ـ بدأ يبحث عن الأصول التي أصلها لفكرته في كتب اللغة
3 ـ نظر في القرآن ما يؤيد فكرته من خلال سياق الآيات ، ووضع آيات في غير موضعها كما بينا .
4ـ لم يراع أبو الأعلى فهم السلف لما أصل له ، ولم يلتفت لذلك
5 ـ هذا المنهج في الاستدلال هو منهج أهل البدع ، أن يعتقد الشيء أولا ثم يبحث عما يخدم اعتقاده من الأدلة الشرعية .
وبهذا المنهج تأثر سيد قطب رحمه الله ونقل الكثير منه في كتابه " الظلال " ، وزاد فيه وأطلق عبارات ومصطلحات كانت وبالا على الأمة بعد ذلك في إنشاء فرق جديدة على منوال الرفق الأولى .
لكن بقيت كلمة : وهي إذا كان فكر المودودي هذا أنشأ جيلا جديدا على الغلو في التكفير فهذا لا يعني أن الرجل كان يقول بذلك ، لأنه تبرأ من ذلك ؛ لكن المنهج الخاطئ مثل ذلك المنهج لا شك أنه يقود اتباعه إلى هذه الهوة .
المبحث الثاني
سيد قطب ودوره في الغلو في التكفير
أولا : نشأته
ولد - رحمه الله- في قرية من قرى الصعيد اسمها (موشه) سنة ( 1906م ) ، وهي تتبع محافظة أسيوط لأبوين متوسطي الحال ، يحملان سمت أهل الصعيد المصري من سمرة في البشرة
ثانيا : عقيدة سيد قطب(1/54)
لقد نشأ سيد قطب على الأدب والقراءة في كتب الأدب الغربي خاصة ، وتأثر بها حتى صار ذو مكانة وسط القوم . وعندما اتجه إلى الإسلام لم يكن مؤصلا في دراسة العقيدة ومصادر التلقي ؛ وإنما الأمر عنده مجرد قراءة دون دراسة ، واعتمد على ذلك ، فكان من الطبيعي أن يقرأ كل ما تصل إليه يده من كتب العقائد ، ومن هنا لابد وأن تختلط عنده المفاهيم العقائدية ، وهذا ما حدث عند سيد قطب وغيره ممن لم يتأصل في دراسة العقيدة السلفية ، ولم يتحدد عنده مصدر تلقي العقيدة . وقد تأثر أيضا بكتابات أبي الأعلى المودودي تأثيرا بالغا ، ونقل كثيرا من كلامه في كتبه خاصة الظلال . فكانت عند سيد قطب جمل عقائدية مخالفة لعقيدة السلف لن نذكر إلا ما ورد في كتبه بعد التزامه بالدين والدفاع عنه ، وكان سببا لنشوء جماعة جديدة على غرار الخوارج في السابق وهي جماعة التكفير وما كان قبل ذلك فلن نعول عليه كثيرا رغم أهميته وخطورته منها :
1 ـ تفسيره شهادة لا إله إلا الله
من المعلوم عند السلف أن معنى كلمة التوحيد : لا إله إلا الله هي : لا معبود بحق إلا الله ، وأن معناها : إفراد الله تعالى بالعبادة ، ونفي المعبودات الباطلة .
والعبادة تشمل أعمال وأقوال الظاهر والباطن التي كلف الله بها عباده وتشمل فعل الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات .
فقد خالف سيد قطب السلف في هذا المعنى فجعل معنى الشهادتين هي الحاكمية . ففسر الأصل بالمقتضي ، فإن من مقتضيات لا إله إلا الله ، الحكم بما أنزل الله .
والحاكمية جزء من توحيد الألوهية وليست هي الألوهية .
قال سيد قطب :
"لا اله إلا الله" كما كان يدركها العربي العارف بمدلولات لغته : لا حاكمية إلا لله ، ولا شريعة إلا من الله ، ولا سلطان لأحد على أحد ، لأن السلطان كله لله . أ ـ هـ(80)(1/55)
وهذا افتراء على العرب ولغة العرب ، ولو كان الأمر كما قال فقد عرضوا على النبي ( أن يكون حاكمهم بل ملكهم ، فلا يقطعون أمرا بدونه ، وكذلك العربي فهم من قول لا إله إلا الله ، هو عبادة إله واحد فقال تعالى على لسانهم : (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (صّ:5)
فقد وقع الشيخ في افتراء على العربي أولا ، وثانيا : ناقض القرآن . وهذا يدل على أن الشيخ لم تنضبط عنده هذه المصطلحات ؛ إنما هي فكرة نشأت في رأسه ثم أخذ يدلل عليها من القرآن .
وهي نفس الفكرة التي أصل لها أبو الأعلى المودودي وتأثر بها سيد قطب . ولكن سيد قطب طور في الفكرة أكثر وقال بالنتائج التي توصلنا لها في مناقشة كلام أبي الأعلى كما سيأتي إن شاء الله
وقال :
وشهادة أن لا إله إلا الله ليس لها مدلول إلا أن تكون الحاكمية العليا لله في حياة البشر ، كما أن له الحاكمية في نظام الكون سواء . أ ـ هـ(81)
2 ـ الحاكمية أخص خصائص الألوهية عند سيد قطب
قال سيد قطب :
فرد الأمر كله إلى إفراد الله - سبحانه - بالألوهية . ومن ثم إفراده بالحاكمية . فهي أخص خصائص الألوهية . وداخل هذا النطاق يبقى المسلم مسلما ويبقى المؤمن مؤمنا . ويطمع أن يغفر له ذنوبه ومنها كبائره . . أما خارج هذا النطاق فهو الشرك الذي لا يغفره الله أبدا . . إذ هو شرط الإيمان وحد الإسلام . أ ـ هـ(82)
ويقول :
إن أخص خصائص الألوهية - كما أسلفنا - هي الحاكمية . . والذي يشرع لمجموعة من الناس يأخذ فيهم مكان الألوهية ويستخدم خصائصها . فهم عبيده لا عبيد الله ، وهم في دينه لا في دين الله . أ ـ هـ(83)
3 ـ تفسير الدين عند سيد قطب هو الحاكمية :
يقول سيد قطب :
إن وجود هذا الدين هو وجود حاكمية الله . فإذا انتفى هذا الأصل انتفى وجود هذا الدين . أ ـ هـ(84)
4 ـ معنى الإسلام عند سيد قطب هو الحاكمية
قال سيد قطب :(1/56)
يكفي لإثبات "الإسلام" أن يتحاكم الناس إلى شريعة الله وحكم رسوله . أ ـ هـ(85)
5 ـ الإيمان عند سيد قطب لا يقبل ليس فيه كمال ولا نقص بل هو أصل واحد
قال سيد قطب
ثم وصف اللّه المؤمنين فقال : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم فأدوا فرائضه . وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً يقول:زادتهم تصديقاً ، وعلى ربهم يتوكلون يقول:لا يرجون غيره"
وسنرى من طبيعة هذه الصفات أنه لا يمكن أن يقوم بدونها الإيمان أصلاً ؛ وأن الأمر فيها ليس أمر كمال الإيمان أو نقصه ؛ إنما هو أمر وجود الإيمان أو عدمه . أ ـ هـ(86)
وهذا بعينه كما قدمنا كلام الخوارج والمعتزلة .
6 ـ سيد قطب وتكفير المجتمعات واعتزال المساجد
يقول الدكتور يوسف القرضاوي :
"في هذه المرحلة ظهرت كتب الشهيد سيد قطب، التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره، والتي تنضح بتكفير المجتمع، وتأجيل الدعوة إلى النظام الإسلامي بفكرة تجديد الفقه وتطويره، وإحياء الاجتهاد، وتدعو إلى العزلة الشعورية عن المجتمع، وقطع العلاقة مع الآخرين، وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة، والإزراء بدعاة التسامح والمرونة، ورميهم بالسذاجة والهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية، ويتجلى ذلك أوضح ما يكون في تفسير "في ظلال القرآن" في طبعته الثانية، وفي "معالم في الطريق"، ومعظمه مقتبس من الضلال، وفي "الإسلام ومشكلات الحضارة"، وغيرها، وهذه الكتب كان لها فضلها وتأثيرها الإيجابي الكبير؛ كما كان لها تأثيرها السلبي". (87)
ثالثا : خلاصة عقيدة سيد قطب
1 ـ ضياع منهج التلقي عنده مما أدى به إلى تفسير المصطلحات الإسلامية حسب ما فهم من كلام أبي الأعلى
2 ـ حصر معنى كلمة الدين والإسلام والشهادتين والألوهية في الحاكمية
3 ـ القول بتكفير المجتمعات الإسلامية
4 ـ اعتزال المساجد على أساس أنها معابد الجاهلية
5 ـ الإيمان عنده هو التصديق والعمل والنطق لا ينفك أحدهم عن الآخر(1/57)
6 ـ تفسير الألوهية بمعنى الربوبية
7 ـ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن المسلمين في حالة ضعف
المبحث الثالث
جماعة التكفير والهجرة
أولا : توطئة
عرفنا فيما سبق كيف بدأ الغلو في التكفير في العصر الحاضر من خلال كتابات وأفكار أبي الأعلى المودودي عندما فسر المصطلحات الأربعة بتفسير يخالف ما كان عليه السلف الكرام مع التشدد في إصدار الأحكام الشديدة ، ثم تأثر سيد قطب بها إيما تأثير في ظل أوضاع طاغوت كان يستأصل شأفة المسلمين بلا هوادة ، مع ما فيها من تعذيب وقتل وتشريد الخ الخ . فانطلق سيد قطب بعباراته الشديدة القوية يصف المجتمع بالجاهلية والخروج عن الإسلام ، ثم بدأ يصدر أحكاما ، يضع خططا لبناء مجتمع مسلم كما يتخيله الأديب لا كما يعرفه العالم . فكانت عباراته فتح باب شر جديد على الأمة في ظاهرة الغلو في التكفير . فنشأت جماعات للغلو في التكفير منها : جماعة التكفير والهجرة ، جماعة التوقف والتبين ، جماعة الشوقيون ، الجماعة القطبية ، الفرماوية ، ومن أخذ منهم بعض معتقداتهم ، مثل جماعة الجهاد ، والجماعة الإسلامية في مصر قبل التخلي عن فكرهم ، ومثل أصحاب التكفير بجنس العمل وغيرهم كثير
ثانيا : نشأة جماعة التكفير
1 ـ التعريف بها
" جماعة المسلمين كما سمت نفسها ، أو جماعة التكفير والهجرة كما أطلق عليها إعلامياً ، هي جماعة إسلامية غالية نهجت نهج الخوارج في التكفير بالمعصية ، نشأت داخل السجون المصرية في بادئ الأمر ، وبعد إطلاق سراح أفرادها ، تبلورت أفكارها ، وكثر أتباعها في صعيد مصر ن وبين طلبة الجامعات خاصة .
2 ـ التأسيس وأبرز الشخصيات :
ـ تبلورت أفكار ومبادئ جماعة المسلمين التي عرفت بجماعة التكفير والهجرة في السجون المصرية وخاصة بعد اعتقال سنة 1965م التي أعدم إثرها سيد قطب وإخوانه بأوامر من جمال عبد الناصر - حاكم مصر آنذاك .(1/58)
ـ لقد رأى المتدينون المسلمون داخل السجون من ألوان العذاب ما تقشعر من ذكره الأبدان ، وسقط الكثير منهم أمامهم شهداء بسبب التعذيب ، دون أن يعبأ بهم القساة الجبارون . في هذا الجو الرهيب ولد الغلو ونبتت فكرة التكفير ووجدت الاستجابة لها .
ـ في سنة 1967م طلب رجال الأمن من جميع الدعاة المعتقلين تأييد رئيس الدولة جمال عبد الناصر فانقسم المعتقلون إلى فئات :
ـ فئة سارعت إلى تأييد الرئيس ونظامه بغية الإفراج عنهم والعودة إلى وظائفهم وزعموا أنهم يتكلمون باسم جميع الدعاة ، وهؤلاء كان منهم العملاء وثبت أنهم طابور خامس داخل الحركة الإسلامية ، وثمة نوع آخر ليسوا عملاء بالمعنى وإنما هم رجال سياسة التحقوا بالدعوة بغية الحصول على مغانم كبيرة .
ـ أما جمهور الدعاة المعتقلين فقد لجأوا إلى الصمت ولم يعارضوا أو يؤيدوا باعتبار أنهم في حالة إكراه .
ـ بينما رفضت فئة قليلة من الشباب موقف السلطة وأعلنت كفر رئيس الدولة ونظامه ، بل اعتبروا الذين أيدوا السلطة من إخوانهم مرتدين عن الإسلام ومن لم يكفرهم فهو كافر ، والمجتمع بأفراده كفار لأنهم موالون للحكام وبالتالي لا ينفعهم صوم ولا صلاة . وكان إمام هذه الفئة ومهندس أفكارهم الشيخ علي إسماعيل ثم رجع عن منهجه وتاب منه لكن أخذ هذا المنهج وأصل له وقعد هو شكري مصطفى .
ثالثا : مختصر لمعتقدات الجماعة
1 ـ أن التكفير عنصر أساسي في أفكار ومعتقدات هذه الجماعة .(1/59)
2 ـ فهم يكفرون كل من أرتكب كبيرة وأصر عليها ولم يتب منها ، وكذلك يكفرون الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله بإطلاق ودون تفصيل ، ويكفرون المحكومين لأنهم رضوا بذلك وتابعوهم أيضاً بإطلاق ودون تفصيل ، أما العلماء فيكفرونهم لأنهم لم يكفروا هؤلاء ولا أولئك ، كما يكفرون كل من عرضوا عليه فكرهم فلم يقبله أو قبله ولم ينضم إلى جماعتهم ويبايع إمامهم . أما من انضم إلى جماعتهم ثم تركها فهو مرتد حلال الدم ، وعلى ذلك فالجماعات الإسلامية إذا بلغتها دعوتهم ولم تبايع إمامهم فهي كافرة مارقة من الدين .
3 ـ وكل من أخذ بأقوال الأئمة بالإجماع حتى ولو كان إجماع الصحابة أو بالقياس أو بالمصلحة المرسلة أو بالاستحسان ونحوها فهو في نظرهم مشرك كافر .
4 ـ والعصور الإسلامية بعد القرن الرابع الهجري كلها عصور كفر وجاهلية لتقديسها لصنم التقليد المعبود من دون الله تعالى فعلى المسلم أن يعرف الأحكام بأدلتها ولا يجوز لديهم التقليد في أي أمر من أمور الدين .
5 ـ قول الصحابي وفعله ليس بحجة ولو كان من الخلفاء الراشدين
6 ـ والهجرة هي العنصر الثاني في فكر الجماعة ، ويقصد بها العزلة عن المجتمع الجاهلي ، وعندهم أن كل المجتمعات الحالية مجتمعات جاهلية . والعزلة المعنية عندهم عزلة مكانية وعزلة شعورية ، بحيث تعيش الجماعة في بيئة تتحقق فيها الحياة الإسلامية الحقيقة - برأيهم - كما عاش الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في الفترة المكية .
7 ـ يجب على المسلمين في هذه المرحلة الحالية من عهد الاستضعاف الإسلامي أن يمارسوا المفاضلة الشعورية لتقوية ولائهم للإسلام من خلال جماعة المسلمين - التكفير والهجرة - وفي الوقت ذاته عليهم أن يكفوا عن الجهاد حتى تكتسب القوة الكافية .
8 ـ لا قيمة عندهم للتاريخ الإسلامي لأن التاريخ هو أحسن القصص الوارد في القرآن الكريم فقط .(1/60)
9 ـ لا قيمة أيضاَ لأقوال العلماء المحققين وأمهات كتب التفسير والعقائد لأن كبار علماء الأمة في القديم والحديث - بزعمهم - مرتدون عن الإسلام .
10 ـ قالوا بحجية الكتاب والسنة فقط ولكن كغيرهم من أصحاب البدع الذي اعتقدوا رأياً ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه فما وافق أقوالهم من السنة قبلوه وما خالفها تحايلوا في رده أو رد دلالته .
11 ـ دعوا إلى الأمية لتأويلهم الخاطئ لحديث ( نحن أمة أمية ...) فدعوا إلى ترك الكليات ومنع الانتساب للجامعات والمعاهد إسلامية أو غير إسلامية لأنها مؤسسات الطاغوت وتدخل ضمن مساجد الضرار
12 ـ أطلقوا أن الدعوة لمحو الأمية دعوة يهودية لشغل الناس بعلوم الكفر عن تعلم الإسلام ، فما العلم إلا ما يتلقونه في حلقاتهم الخاصة .
13 ـ قالوا بترك صلاة الجمعة والجماعة بالمساجد لأن المساجد كلها ضرار وأئمتها كفار إلا أربعة مساجد : المسجد الحرام والمسجد النبوي وقباء والمسجد الأقصى ولا يصلون فيها أيضاً إلا إذا كان الإمام منهم .
14 ـ يزعمون أن أميرهم شكري مصطفى هو مهدي هذه الأمة المنتظر وأن الله تعالى سيحقق على يد جماعته ما لم يحقق عل يد محمد صلى الله عليه وسلم من ظهور الإسلام على جميع الأديان .
15 ـ وعليه فإن دور الجماعة يبدأ بعد تدمر الأرض بمن عليها بحرب كونية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي تنقرض بسببها الأسلحة الحديثة كالصواريخ والطائرات وغيرها ويعود القتال كما كان في السابق رجل لرجل بالسلاح القديم من سيوف ورماح وحراب . ..
16 ـ ادعى زعماء الجماعة أنهم بلغوا درجة الإمامة ، والاجتهاد المطلق ، وأن لهم أن يخالفوا الأمة كلها وما أجمعت عليه سلفاً وخلفاً
الفصل السابع
أسباب التكفير في العصر الحاضر(1/61)
عرض الدكتور نعمان السامرائي الأسباب التي أوقعت الشباب في ظاهرة الغلو في التكفير في العصر الحاضر في كتابه "التكفير ـ جذوره ، أسبابه ، مبرراته " ونحن نذكر ما قاله مع الاختصار والتوضيح حسب ما ورد في كتاب "الحكم وقضية تكفير المسلم " لسالم البهنساوي :
السبب الأول : الاضطهاد السياسي
لا شك أن الحقبة التي مرت بها جماعة الإخوان المسلمين من عام 1954 وحتى موت جمال عبد الناصر عام 1970 ، من أصعب الفترات التي مرت ، وكان فيها شتى أنواع التعذيب ، والقتل والتشريد ، وما كتبه دعاة الإخوان عن هذه الفترة وما حدث فيها شيب لها الولدان ، مثل كتاب " أيام من حياتي " لزينب الغزالي فإن ما كتبته ، يجعل كل من إنسان إلا من رحم ربك يحكم بالكفر والخلود في على هؤلاء الناس الذين فعلوا ذلك .
يقول سالم البهنساوي :
إن الوسائل الوحشية التي اتبعتها السلطات المصرية آنذاك تجاه أصحاب الفكر الإسلامي كانت من أهم عوامل ظهور هذا الفكر ، حيث لمس الشباب التطبيق العملي لهذه السياسة من خلال ما لا قوة في السجون والمعتقلات بالنسبة للفئات الأخرى ، وأمام هذا الاضطهاد من جانب ، واستشراء اللادينية في أنظمة الدولة وقطاعاتها من جانب ، حيث انتشرت المذاهب الإلحادية ، أمام هذا كله اختمرت أفكار المسلمين ، ومن ثم بدأوا معا يجسدون ما ورد في كتابات الأستاذ سيد ، عن الجاهلية والمجتمع المعاصر ، وكيف أنه أصبح جاهليا ، حتى استخلصوا منها فهما خاصا هو أن المجتمع المسلم قد ارتد كافرا .
وفي البداية وقفوا عند هذا المفهوم العام دون أن يدخلوا في التفاصيل ، ومن ثم لم يعتزلوا المجتمع ، ولم يستحلوا حرماته .(1/62)
بيد أنه عندما فوجئ المعتقلون بأبي زعبل وطره والمحكوم عليهم في السجن الحربي ، برجال السلطة ، يطلبون من الجميع تأييد رئيس الدولة بالروح والدم تأييدا مطلقا مقرين بأنه الخليفة العادل ، واقترن هذا الطلب من قبل السلطة السرية بتهديد معتقلي أبي زعبل وطره بالترحيل إلى السجن الحربي ، وتهديد من هم بهذا السجن بمضاعفة العذاب والإبادة .
هنالك استفحل الفهم بارتداد المجتمع عن الإسلام وظهرت بوادر اعتزاله واستحلال حرماته على ما سيرد تفصيله فيما يلي .أ ـ هـ(88)
ويقول نعمان السامرائي :
من عجائب النظم العربية أن بعضها ـ كما يبدو ـ قد عاهد جهات معينة على تنظيف الأرض من الإسلاميين ، لذلك فإن بعض الدول أعلنت إعدام كل منتسب لهذه الجماعات وبدون محاكمة ، وتم ذلك في أكثر من بلد ـ مما يدل على أن الشيطان الموحي واحد ـ لكن من تاب وأناب قبلت توبته .
وبالفعل فقد أعلن ناس توبتهم ، إما لأنهم اتهموا كذبا أو بسبب التعذيب ، ولكنهم رغم التوبة جمع هؤلاء كلهم في مكان واحد ، وأطلقت عليهم النيران فماتوا ، ولو كانوا قططا أو حتى من الكلاب لثارت جمعيات الرفق بالحيوان لهم ولسقط النظام ، ولكن شيئا لم يحصل ، لأن هؤلاء مع توبتهم غير مرغوب فيهم . ولما تحدثت بعض الصحف عن ذلك صرح "النظام" بأن السجن احترق هكذا ـ كما احترق المسجد الأقصى ـ وإن الذين ذهبوا جراء ذلك في حدود (800) ثمانمئة فقط .
وفي بلد عربي آخر كتبت قوائم منذ عام 1954 ، وفي كل مناسبة يعتقل هؤلاء ، فعلوا شيئا أم لم يفعلوا ، تابوا أم كفروا ، حضروا أم غابوا .
ثم قال : لكل ذلك راح الشباب "الممتحن " يتساءل : لمصلحة من يفعل الحكام ذلك ؟ ولماذا يصرون على حرب الإبادة ، بما يفعلوا ولو عُشْرَهُ تجاه أعداء الأمة .
لماذا كان التعذيب المستديم والاعتقال المتكرر من نصيب المسلمين اللمتزمين وحدهم ؟ ولماذا تُتَبَنَّى هذه السياسة من أكثرية الدول العربية ؟؟!!(1/63)
لماذا هذا الصمت المطبق حيال جرائم الإعدام المعلنة والخفية ، بينما إذا أعدم يهودي أو بهائي ، أو فرضت أحكام عسكرية في بلد تقوم قيامة العالم ؟؟ 0000 ثم راح الشباب يناقشون : هل هؤلاء كفار أم مسلمون ؟؟ أ ـ هـ(89)
السبب الثاني : فقدان الثقة بالعلماء
وهذا من أخطر مخططات أعداء الإسلام في كل زمان ومكان ، أن يعزلوا علماء الأمة عن الناس ؛ لأن الناس لن يعرفوا دينهم الحق إلا عن طريق العلماء ، فهم ورثة الأنبياء ، وهم مصابيح الأمة ، فلو انعزل العالم عن الناس أو هجره الناس لوقعوا في ظلمات وظلمات ، وتفرقت كلمتهم ، وشتت جمعهم ، وتنوعت أهدافهم . وهذا ما حدث حين قام حفنة من هؤلاء عديمي الأحاسيس والشعور والمروءة يحاورون الشباب وهم تحت المقصلة ، يبررون موقف الظلمة ويلقون باللوم على هؤلاء المعذبين .
وعندما يتطلع الشباب إلى تاريخ علمائنا في الماضي يجدون أنهم كانوا ملوكا على الملوك ، الناس يهابون الملوك والسلاطين ، وهؤلاء يهابون العلماء . فكان الملوك يطلبون العلماء لتقريبهم من مجالسهم ، وكسب ود الشعب بهم . فكانوا أذلاء بين يدي العلماء , وإليك بعضا من هذه الصور المشرقة .
ـ حين قدم سليمان بن عبد الملك المدينة وهو يريد مكة, أرسل الى عالمها الجليل أبي حازم فلما دخل عليه قال سليمان: يا أبا حازم, ما لنا نكره الموت؟.
فقال: لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم, فكرهتم أن تنقلوا من العمران إلى الخراب.
فقال سليمان: كيف القدوم على الله؟.
قال: يا أمير المؤمنين, أما المحسن كالغائب يقدم على أهله, وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه.
فبكى سليمان وقال: ليت شعري, ما لي عند الله؟.
قال أبو حازم: اعرض نفسك على كتاب الله حيث قال: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (الانفطار:13 ،14)
قال سليمان : فأين رحمة الله ؟.
قال : قريب من المحسنين .
قال : يا أبا حازم أي عباد الله أكرم ؟.(1/64)
فقال : أهل البر والتقوى.
قال : فأي الأعمال أفضل؟.
فقال : أداء الفرائض مع اجتناب المحارم.
قال : أي الكلام أسمع؟.
فقال : قول الحق عند من تخاف وترجو.
قال : فأي المؤمنين أخسر؟.
فقال : رجل خطأ في هوى أخيه وهو ظالم, فباع آخرته بدنياه.
قال سليمان : ما تقول فيما نحن فيه؟.
فقال : أو تعفيني؟.
قال : لا بد, فإنها نصيحة تلقيها إلى.
فقال : إن آباءك قهروا الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك عنوة من غير مشورة المسلمين ولا رضا منهم, حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة وقد ارتحلوا فلا شعرت بما قالوا وما قيل لهم.
فقال رجل من جلسائه: بئسما قلت.
قال أبو حازم : إن الله قد أخذ الميثاق على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه.
فقال سليمان : يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح للناس؟.
قال : تدع الصلف وتستمسك بالعروة وتقسم بالسويّة.
قال : كيف المأخذ به؟.
قال : أن تأخذ المال في حقه وتضعه في أهله.
قال : يا أبا حازم ارفع إلى حوائجك؟.
قال : تنجيني من النار وتدخلني الجنة؟.
قال : ليس ذلك إلى.
قال : فلا حاجة لي غيرها.
ثم قام فأرسل إليه بمائة دينار فردها إليه ولم يقبلها.(90)
ـ جلس التابعي الجليل مكحول عالم أهل الشام في مجلسه يلقي درسه كعادته وحوله طلاب العلم يأخذون عنه, إذ أقبل الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك في زينته وتبختره وجاء إلى حلقة مكحول, فأراد الطلاب أن يوسعوا له.
فقال مكحول : دعوه يتعلم التواضع.(91)
ـ جاء الخليفة سليمان بن عبد الملك يوما إلي طاووس فلم ينظر إليه فقيل له في ذلك.
فقال : أردت أن يعلم أن لله رجالا يزهدون فيما لديه.(92)(1/65)
ـ دخل على أبي جعفر المنصور, العالم الجليل سفيان الثوري, وسأله أن يرفع إليه حاجته فأجابه : اتق اله فقد ملأت الأرض ظلما وجورا, فطأطأ المنصور رأسه ثم أعاد السؤال عليه, فأجابه: إنما نزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار , وأبناؤهم يموتون جوعا, فاتق الله وأوصل إليهم حقوقهم, فطأطأ المنصور شاكرا ثم كرّر السؤال , ولكن سفيان تركه وانصرف.(93)
هذا غيض من فيض مكتوب في التاريخ ، فالبون شاسع بين علماء الأمس وعلماء اليوم إلا من رحم ربك وقليل ما هم .
يقول الدكتور نعمان السامرائي :
إذا كانت هذه مواقف علماء الأمة من خلفاء بني أمية وبني العباس ، مع ما كان للقوم من بطولة في نشر الإسلام والدفاع عن كرامة الأمة ، والالتزام بالإسلام إلى حد بعيد ؛ فالذي حدث أن بعض العلماء في العصور المتأخرة أصابتهم الأمراض "الاجتماعية " التي تصيب غيرهم ، فراحوا يداهنون الحكام ، وأي حكام ؟! عجزة فسقة فجرة جبناء ، أسود على الأمة وثعالب جبانة مع عدوها ، لا يعرفون الحق ولا ينصرون مظلوما ، كعبتهم كراسيهم ، وجنتهم دنياهم ، غرقوا في الشهوات ونسوا حق الله وعباده 0000
هؤلاء الحكام وجدوا من بعض العلماء أو أنصاف العلماء ، من يلوذ بهم ويبرر جميع تصرفاتهم وظلمهم ، لذا فقد جمهور الأمة الثقة بهم ، وخصوصا الشباب 0000
إلى أن قال :
لذا فقد كان من البديهي أن يتجه الشباب إلى كسب العلم بأنفسهم ، ومن القرآن والسنة ، باعتبارهما المصدرين الأساسيين للإسلام . أ ـ هـ(94)(1/66)
بل وصل الأمر إلى صدور مجلة "عدد خاص " بعنوان " رأي الدين في إخوان الشياطين " بفتاوى من هؤلاء العلماء . وهكذا كلما ظهرت هذه الطائفة وتصدرت للحكم على أفكار ومعتقدات الشباب من غير تحر إرضاء للسلطان كلما ظهر الغلو في التكفير والتفجير ، كلما حاول السلطان أن يقيد العالم به ويقربه ويعطيه رغبة في فتوى منه يستحل بها دماء أو أعراض أو أموال ؛ كلما زاد الغلو والتنطع والتشدد ، وكلما قهر الشباب بالحديد والنار ومصادرة الأفكار ؛ كلما ظهر الغلو وازداد .
إننا نرى اليوم على ساحات الدعوة يخرج علينا من هنا وهناك على الفضائيات وفي المحافل العامة من يدعي العلم ، ثم هو يعرض نصوصا صحيحة في الكتاب والسنة رغبة فيما عند أعوان السلطان .
ومن المصائب المضحكة في هذا الأمر أن مثل هؤلاء إذا وقف أمام شاب غض لم يقطع شوطا في العلم بعد ؛ تجده يهتز ويهرف بما لا يعرف ، ويصبه الحرج من جهله وحماقته .
فماذا يفعل الشباب عندما يرون مثل هذا يتصدر الكلام ، والحكام يخافون من العلماء الفضلاء أن يتكلموا لئلا يقولوا كلمة الحق ، في حين أن خونة الدين والبلاد من العلمانيين والشيوعيين وأصحاب الدنيا ، يفضحونهم في كل مكان وهم يسكتون عليهم .؟؟!!
ولكن نقول ليس هذا عذرا في الغلو في التكفير والخروج عن الكتاب والسنة ، فإن الغلو دائما يحدث ممن حم عاطفته وهواه في الدين ، وليست ممن حكم الدين في عاطفته وهواه
السبب الثالث : انحراف الشباب عن منهج التلقي(1/67)
بعد أن فقد الشباب الثقة في العلماء بدأ يبحث عن مخرج مما هو فيه من هذا القهر والظلم ، فبدأ في تغيير منهج التلقي نتيجة الجهل الذي يعيش فيه ، فكانت المحاولة فهم الآيات والأحاديث وفق ما يرى هو من غير رجوع إلى علماء الأمة ، ثم اهتدوا إلى فكرة تفسير القرآن باللغة ، فبدءوا يعتقدون أولا ثم يأتوا من القرآن ما يوافقهم ، وكل الأدلة التي تفسد عليهم استلالهم طوعوها على حسب ما اعتقدوا ، وكل ذاك هو ما قام كل من أبي الأعلى المودودي ، وسيد قطب ، فقالوا بكفر مرتكب الكبيرة ، واستدلوا بقوله تعالى : (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:81)
فقالوا من فعل كبيرة ولم يتب منها وأصر عليها فقد أحاطت به خطيئته فلم يستطع الفكاك منها فصار مرتدا بذلك .
قال الدكتور السامرائي :(1/68)
إذا أخذنا النص القرآني هكذا مقطوعا مبتوتا عن غيره فيمكن أن يكون الاستنتاج سليما ؛ ولكن متى عدنا للآية في موضعها نجدها تتحدث عن بني إسرائيل وتحريفهم للتوراة ، وإسناد ما حرف وكتب باليد لله تعالى . عند ذلك توعدهم الله على هذا الفعل الشنيع ، وقولهم إن هم دخلوا النار فلن يلبثوا إلا أياما معدودة ، فرد الله ذلك عليهم وقال بأنهم قد كسبوا سيئة كبيرة ، وقد أحاطت بهم ، وسيدخلون النار ليس لأيام كما يدعون بل خالدين فيها . ولنقرأ الآية كلها : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ * وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة :78 ـ 81 )
وقد جاءت الكتابة باليد مرتين من غير لبس ولا غموض ، ولا شك أن التحريف لكتب الله صاحبه الخلود في النار . بل ذهب فقهاؤنا إلى أن من زاد حرفا أو حذفه من القرآن فهو محرف كافر .
أما المسلم الذي يرتكب خطيئة ليست من هذا النوع فتكفيه التوبة قبل حضور الوفاة ، هذا في حقوق الله ، وأما في حقوق العباد فيلزمه الصفح والسماح من صاحبها ولا تكفي مجرد التوبة .(1/69)
وقياس المعاصي على التحريف غير جائز . فالغيبة معصية ، والنميمة معصية ، والحسد معصية ، والهمز واللمز والتنابز بالألقاب وأمثالها كثير . فهل من يفعل ذلك يكفر ؟! إذا قلنا بهذا فلا يبقى مسلم على وجه الأرض ، حتى ولا من هؤلاء الشباب ولا من غيرهم . أ ـ هـ(95)
وهذا ما يسميه الشاطبي رحمه الله " باتباع الهوى " فقال :
ولذلك سمي أهل البدع أهل الأهواء ، لأنهم اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها ، والتعويل عليها ، حتى يصدروا عنها ، بل قدموا أهواءهم ، واعتمدوا على آرائهم ، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظورًا فيها من وراء ذلك .(96)
السبب الرابع : الخلط بين ألفاظ القرآن والسنة المتشبهة
قد تأتي لفظة في القرآن في أكثر من موضع ، وكل موضع يختلف في معناه عن الآخر ، فقام هؤلاء الشباب باختيار أكثر المعني تشددا وحملوا كل المعاني الأخرى عليها .
منها :
1 ـ الخلط بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر
فلم يفرق الشباب بينهما وجعلوا الكفر كفرا واحدا وهو المخرج من الملة ، وكما بينا سابقا أن الكفر منه ما هو أكبر يخرج من الملة ، ومنه ما هو أصغر لا يخرج من الملة .
2 ـ الخلط بين الخطيئة التي هي كفر وبين الخطيئة التي معصية ، وبين الفسق والظلم والشرك والسيئة والخطيئة المخرج من الملة منها وغير المخرج وجعلوها شيئا واحدا .
السبب الخامس : التعلق بكلام المودودي وسيد قطب
وهذا لأن كلامهما له وقع على قلوب الشباب في هذه الفترة كالبلسم على قروح متعفنة فهدأ من ألمها ، لكنهم لم يدروا أنه السم القاتل فبدلا من أن يداوي قتل .
فقالوا بالعزلة ، والتكفير ، وترك المساجد ، وترك منهج السلف ، وغير ذلك مما قالوه .
السبب السادس : وهو الجهل بأصول الشريعة ومنهج الاستدلال .(1/70)
وهذا هو أول المرض وآخره ، وهو المرض العضال الذي ذل العزيز بوجوده ، ويرفع الذليل بعدمه ، ويجعل صاحبه أشبه ببهيمة لا خطام لها ، وفرس لا لجام له ، يخبط صاحبه يمنة ويسرا ولا يدري أن يصل به المسير ، وربما ظن في نفسه معرفة وهو لا يدري أنه لا يدري .
قال الشاطبي :
وهو الجهل بمقاصد الشريعة ، والتخرص على معانيها بالظن من غير تثبت ، أو الأخذ فيها بالنظر الأول ، ولا يكون ذلك من راسخ في العلم . أ ـ هـ (97)
السبب السابع : اتباع رؤساء جهالا .
وهذا ما ذكره النبي ( عند فقد العلماء فقد روى مسلم (2673) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولا : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ النَّاسِ ؛ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا ؛ اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا )
وقد فقد الشباب في السجن العالم الذي يأخذ بأيديهم إلى طريق النجاة قبل الوقوع في هذه الفتنة العظيمة ، وينهجون نهج الخوارج السابقين . فسيطرة عليهم العاطفة ، وتكلم في الدين من ليس أهلا للكلام ووافق ما نفوسهم من حقد وغضب على نظام الظلم والطغيان ، نظام لا يعرف رحمة ، ولا شفقة ، ولم يفرق بين شيخ عجوز وشاب وامرأة ، الكل أوقعهم تحت مقصلته . فكانت النتيجة فتنة التكفير والغلو فيه
ولقد أضاف الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله أسباب أخرى :
السبب الثامن : لظهور الفتن فهو الجهل(1/71)
والجهل بالدين أو الجهل بقواعد الشرع، أو الجهل بالحقوق، هذا يؤدي إلى حدوث الفتن؛ لأن من كان عنده جرأة وغيرة باطلة غير منضبطة، فإنه سيتجرأ بجهله على أن يخوض الفتنة، وقد بدأت منذ ذلك الرجل الذي قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما فرّق بعض المال قال: اعدل يا محمد. فنظر إله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مغضبا وقال "ويحك من يعدل إذا لم أعدل؟"، ثم قال "يخرج من ضئضئ هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم" هم أهل تعبد وأهل صلاة وأهل صيام، "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة"، فعلا خرج أولئك.
الجهل بحق لنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الجهل بالعلم الجهل بالدين قاتل، ولذلك ما خرج أحد إلى الفت إلا وأداه خروجه إلى أن يكون جاهلا بل كان سبب ذلك هو جهله ولقد أحسن العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في قوله والجهل
والجهلُ داء قاتلٌ وشفاؤه أمران في التركيب متفقانِ
نص من القرآن أو من سنة وطبيب ذاك العالم الرباني
فإذا كان الكتاب والسنة دواء، فإن صرفَه وفهمه يكون من العالم الرباني لا من فهْم آحاد الناس.
السبب التاسع :
لظهور الفتن وظهور الفاتنين والمارقين اتَّباع المتشابه وترك المحكم، الله جل وعلا ابتلى الناس بأن جعل في كتابه محكما ومتشابه.
المحكم : هو ما هو بين واضح يُدرك معناه.
والمتشابه : ما يشتبه معناه فيدركه أهل العلم وأهل الرسوخ في ذلك، ولا يدرك معناه كل أحد.
قال جل وعلا في فاتحة سورة آل عمران ?هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ?[آل عمران:7]، فيه آيات محكمات واضحة بينة، وفيه آيات متشابهة، قال ?فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ?[آل عمران:7].
وأقف هنا وقفتين :(1/72)
أما الأولى هو انقسام القرآن إلى محكم ومتشابه ، فالمتشابه موجود ، فمعنى ذلك أن يكون المسلم من أن يستدل بالقرآن استدلالا خاطئا ، وكما قال بعض أئمة الإسلام : ليس الشأن في أن تستدل-ليس الشأن أن تقول قل الله قال رسوله-، وإنما الشأن أن يكون استدلالك صحيحا موافقا لفهم السلف. الشأن ليس في الدليل، الدليل منه محكم ومنه متشابه؛ لكن الشأن في أن يكون استدلالك صحيحا.
كل أحد اليوم يقول الكتاب والسنة، ما فيه أحد يأتي، حتى أهل المروق وحتى أهل الضلال الذين أوبقوا وعملوا ما علموا من تفجيرات وفتن وقتل للمسلم ومن للمعاهد ومن فتن وعمِل، كل أحد يستدل هل الشأن في وجود الدليل ؟ ليس الشأن كذلك، الشأن أن يكون:
أولا: الدليل محكما.
الثاني: أن يكون الاستدلال صحيحا؛ موافقا لفهم سلف الأمة من هذا الدليل .
وكذلك السنة ، إذا القرآن فيه محكم ومتشابه، فالسنة كلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه محكم وفيه متشابه، كيف نعرف المتشابه؟ كيف يعرف أهل العلم المتشابه ؟ يردون المتشابه إلى المحكم فيفهمونه.
الوقفة الثانية في الآية : والحظها في قوله (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ) فأثبت وجود الزيغ في القلوب ، أولا قال (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ) يعني أن وجود المتشابه ليس هو سبب الزيغ ؛ لكن هم قد وجد الزيغ في أنفسهم فاتبعوا المتشابه ، وهذا كثير في أن المرء الذي عنده هوى وعنده ضلال يبحث عما يستدل به لمقررات سابقة عنده، وقد ذكر ابن حزم في أول كتابه الإحكام في أصول الأحكام ذكر أن من أسباب الانحراف أن يكون عند الإنسان مقررات سابقة ، فهوم ، أحكام ، اتجاه فيبحث عن الدليل ليؤيد اتجاهه، وهذا سبب رئيس لحدوث الفتن والاختلاف والضلالات.(1/73)
فاحذر أن يكون عندك هوى في شيء، ثم بعد ذلك تبحث في الأدلة تبحث في الكتب عما يساند ما قررته سلفا ، وما اتجهت إليه سابقا ، أو اتجهت إليه مجموعتك أو اتجهت إليه جماعتك أو نحو ذلك هنا نحذر.
في السنة أيضا محكم ومتشابه.
كذلك كلام العلماء ، هل أقوال العلماء من الصحابة أو أقوال العلماء وأفعال العلماء كلها محكمة ؟ ليست كذلك، منها ما هو محكم ومنها ما هو متشابه.
فإذا أتى أحد وقال في بعض كلامه الإمام الشافعي قال كذا وكذا ، الإمام ابن تيمية قل كذا وكذا ، الإمام ملك قال كذا وكذا ، هل المسألة انتهت في أن يكون قوله صوابا ، ليس كذلك ، لابد أن يكون أقوال أهل العلم :
أولا : محكمة .
ثانيا : إذا كانت متشابهة فترد إلى المحكم.
إذا لم يستبن الأمر فيها فالرجوع في فهم كلام أهل العلم إلى كتب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
السبب العاشر : التأويل
وهل أفسد الدنيا إلا التأويل ، يتأول الأمور فيحرف الأمور عن وجهها حتى يصل إلى ما يريده ، والتأويل مما أضر بالناس سواء أكان التأويل في العقائد أم كان التأويل في مسائل العمليات التي اتجهت إليها الفرق كالخوارج والمعتزلة وغير ذلك .
من الأسباب [السبب الحادي عشر] : حب الدنيا والرياسة
ابن تيمية رحمه الله تعالى لما ذكر الخوارج قال : إن سبب ظهورهم.
هم ظهروا في أي زمن ؟ ظهروا في زمن عثمان رضي الله عنه ، هل هناك أنقى في زمن عثمان رضي الله عنه من عثمان ؟ هل هناك أنقى من دولة عثمان ؟ لكنهم نقموا عليه وخرجوا عليه وقتلوه في بيته وهو ناشر المصحف يقرأ فيه وكان صائما رضي الله عنه وأرضاه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إن من خرج من الخوارج وغيرهم على ولي الأمر ، فإنما أخرجه لذلك شهوة باطنة لحب الدنيا والرياسة ، جعل لها سبيلا من بعض مسائل الدين أو الغيرة على الشريعة ، فجعل ذلك سُلَّما لشهوة باطنة عنده . وهذا كلاما ظاهر وصحيح لمن تأمله.
السبب الثاني عشر : الغلو(1/74)
هو مجاوزة الحد، الله جل وعلا نهى هذه الأمة عن الغلو كما نهى أهل الكتاب قال ?يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ?[النساء:171]، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو" الغلو مجاوزة الحد عن المأذون به، فمن جاوز الحد عن السنة المرضية فقد غلا، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما خُيِّر بين أمرين إلا واختار أيسرهما، كان عف الكلام عف اللسان رحيما برا قويا في موضع القوة لينا في موضع اللين .
بعض الناس يظن أن الشدة دائما هي الحق ، هذا غلط على الشريعة ، قد يكون في مواضع كثيرة وكثيرة اللين واليسر والأناة والرفق هو المطلوب ، لهذا ثبت في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله فمن كان رفيقا في أمره كله" فقد ابتعد عن الفتن وسلم من الغلو وكان محبوبا لله جل وعلا.
السبب الذي بعده [الثالث عشر] مخالفة العلماء وعدم الرجوع إليهم :
الخوارج ما رجعوا إلى الصحابة استقلوا بفهومهم ، الذين خرجوا اليوم من هذه الجماعات الضالة جماعات الفتن الذين لا يفرقون بين مؤمن وغير مؤمن ؛ بل يقتلون كما يشاءون ولا يرعون لذي عهد عهده، هؤلاء لم يرجعوا إلى فهم العلماء.
فكان من أسباب من ظهور الفتن والوقوع في الفتنة أن المرء يستق في نفسه في الفهم ولا يرجع إلى أهل العلم الراسخين فيه، العلم إذا رجعت ليس كل من قرأ صار عالما، وليس كل من بحث صار باحثا وعالما. (98)
الفصل الثامن
علاج ظاهرة الغلو في التكفير
قد عرضنا من خلال الدراسة في هذا البحث كثير من الطرق لعلاج الغلو في التكفير ، ونحاول هنا أن نضع أيدينا على أهم الطرق للخروج من مأذق التكفير .
أولا : العلم النافع الصحيح
فإذا عرفنا أن سبق الوقوع في الضلال ، والتفريق بين الأمة الإسلامية بقول أو فعل ، هو الجهل بأحكام الشرع الحنيف ، والقول على الله بغير علم .(1/75)
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
كيف نعالج مشكلة التطرف ؟
فأجاب : بالتعليم والتوجيه من العلماء ، إذا عرفوا عن إنسان أنه يزيد ويبتدع بينوا له ، مثل الذي يكفر العصاة ، وهذا دين الخوارج ، الخوارج هم الذين يكفرون بالمعاصي ، ولكن يعلم أن عليه التوسط ، العاصي له حكمه ، والمشرك له حكمه ، والمبتدع له حكمه ، فيعلم ويوجه إلى الخير حتى يهتدي ، وحتى يعرف أحكام الشرع وينزل كل شيء منزلته ، فلا يجعل العاصي في منزلة الكافر ولا يجعل الكافر في منزلة العاصي ، فالعصاة الذين ذنوبهم دون الشرك كالزاني والسارق وصاحب الغيبة والنميمة وآكل الربا ، هؤلاء لهم حكم ، وهم تحت المشيئة إذا ماتوا على ذلك ، والمشرك الذي يعبد أصحاب القبور ويستغيث بالأموات من دون الله له حكم ، وهو : الكفر بالله عز وجل ، والذي يسب الدين أو يستهزئ بالدين له حكم وهو : الكفر بالله . فالناس طبقات وأقسام ليسوا على حد سواء ، لابد أن ينزلوا منازلهم ، ولابد أن يعطوا أحكامهم بالبصيرة والبينة لا بالهوى والجهل ، بل بالأدلة الشرعية ، وهذا على العلماء .
فعلى العلماء أن يوجهوا الناس ، وأن يرشدوا الشباب الذين قد يخشى منهم التطرف أو الجفاء والتقصير ، فيعلمون ويوجهون ؛ لأن علمهم قليل ، فيجب أن يوجهوا إلى الحق . أ ـ هـ(99)
ثانيا : تصحيح منهج التلقي
فلا يقبل قول يبنى عليه اعتقاد إلا بدليل من الكتاب أو السنة وفق فهم سلف الأمة ، لأن منهج التلقي هو العصمة من الوقوع في المخالفات الشرعية . ومن الخطر الداهم هو الاعتماد على قول الرجال في تقليدهم في الأحكام الشرعية ، وجرح الآخرين وتعديلهم من غير مستند علمي
ثالثا : فتح باب الحوار والمناقشة العلمية .(1/76)
فالحوار هو الوسيلة التي تقبح جماح أي فكر منحرف عن المنهج الحق ، وغلق باب الحوار أمام الأفكار الجديدة يؤدي إلى سريانها في جسد الأمة مثل المرض الخبيث الذي لا يقف أمامه شئ ، وهذا لأن المرض لم يتعامل معه منذ مولده . فكل فكر جديد ينشأ عبارة عن شبهة في رأس من ابتدعها ، فإذا ما أزيلت هذه الشبهة ؛ كان الشيطان لها يغذيها وينميها في رأس صاحبها وعقله حتى يظن نفسه أنه عرف شيئا لم يعرفه السابقون .
هذا والحوار جانب من جوانب الدعوة التي ذكرها الله عزوجل في القرآن في أكثر من موضع منها :
ـ قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:258)
فهذا النمرود قد حاوره إبراهيم عليه السلام ، ليس المقصود الأساسي أن يظهر الخصم ضعفه ويستسلم ؛ بل المقصود الأساسي هو كشف زيفه أمام غيره ، وإلزامه الحجة .
ـ وقال تعالى في حوار موسى مع فرعون :(1/77)
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ المُرْسَلِينَ * وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي المَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الغَالِبِينَ * فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ(1/78)
المُقَرَّبِينَ * قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لاَ ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ المُؤْمِنِينَ ( الشعراء : 17 ـ 51)
وهذه هي النتيجة المشرفة التي توصل إليها من خلال الحوار أن آمن منن كان يعتمد عليهم فرعون في إفحام موسى . وبالطبع هناك الكثير من الناس الآخرين من آمن بموسى ، وبالطبع أيضا أن هناك فئة إما جاهلة أو لها هدف في من اتباع فرعون فهؤلاء بقوا على كفرهم مع فرعون .
وكذلك لم يترك النبي ( هذا الجانب فكانت دعوته كلها حوارات مع أهل الكفر والإلحاد ، حتى أنه غلب أهل مكة في إقناع الناس بدين الله ، ولم يكن لأهل مكة حيلة يصرفون بها الناس إلا الغمز واللمز في النبي ( وإلقاء التهم عليه . وهذا دأب كل مبتدع ضال وكل كافر ملحد مع أهل الحق . ليس أمامه غير التجريح واختراع تهم باطلة لصرف الناس .
ومما يؤسف له اليوم أن الكثير من طلبة العلم والدعاة والعلماء منهم من يهمل هذا الجانب ومنهم من يسلك مسلك أهل البدع عندما يضعف في مواجهة أي منهج أو فكر جديد . حتى صار هؤلاء بمعزل عن الناس . يدعون التواضع وهم إما هاربون وإما ينظرون من برج عاجي .(1/79)
فليعلم هؤلاء وغيرهم أن الفكرة لا يقتلها القمع والإرهاب كما يفعل الظالمون وكثير من الدعاة وطلبة العلم والعلماء . وإنما الفكرة لا تقتلها إلا فكرة أقوى منها ، والتاريخ خير شاهد على ذلك .
رابعا : البعد عن سب الحكام ونقض أوضاعهم الفاسدة من على المنابر أو في المحاضرات العامة أو الاجتماعات العامة .
لأن هذا وسيلة إلى إيغار الصدور وازدياد الحقد والغل عليهم ، وهذا يؤدي إلى التماس مجال للتنفيس فيه عن هذا البركان الذي في صدره ، فإما يلجأ إلى التكفير والغلو فيه من غير ضوابط شرعية ، وإما أن يلجأ إلى التفجير والقتل .
بل من الواجب على القدوة أن يهدأ من بركان الغاضبين من خلال الترهيب والتخويف من عقاب الله تعالى من قتل النفس ونشر الفساد في الأرض وربما يظن أنه يحسن صنعا ويكون من : (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (الكهف:104) .
وليحرص أهل العلم على ضبط عبارات التكفير ولا يطلقوها ؛ لأن هناك من يحمل كلام العالم ما لم يحتمل ولا يقصده العالم .
كلام العلامة الألباني في الخروج على الحاكم الكافر
وما أفضل ما قاله شيخنا الألباني في هذا الباب من عدم الخروج على الحكام .
سئل رحمه الله : هل يجوز الخروج على الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله ؟(100)
فأجاب رحمه الله :
أي حاكم اليوم مسلم لم يعلن الكفر البواح الصريح ؛ لا يجوز لطائفة المسلمين أن يخرجوا عليه ، وذلك أنه وقع في التاريخ الإسلامي أن كثيرا من البغاة بغوا على الحكام المبايعين ، ثم لما استقر لهم الحكم مع بغيهم وعدوانهم ، لم يجز علماء المسلمين الخروج عليهم ، وذلك كله من باب المحافظة على دماء المسلمين أن تسفك ـ هكذا ـ هدرا .
بل أنا أقول اليوم : حتى لو كان هناك حاكم مسلم ـ ولو جغرافيا أو في شهادة النفوس ـ فرأي الشخصي : أنه لا يجوز الخروج عليه إلا بشروط كثيرة جدا :(1/80)
أولها وأهمها : أن يكون المسلمون قد أعدوا أنفسهم للخروج عليه وهذا له بحث مفصل ، وأظن أنه مذكور في بعض الأشرطة تحقيق ما نكني عنه بكلمتين موجزتين : التصفية والتربية ، أي حينما يجتمع المسلمون في بلد ما في إقليم ما على التصفية والتربية . ومن التربية العمل بكل النصوص التي أمروا بها ، كتابا وسنة ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)(الأنفال: من الآية60) . فحينما نجد مثل هذه الجماعة التي قامت على تطبيق الإسلام المصفى ، وربيت على هذا الإسلام المصفى ، وقامت بإعداد العدة المعنوية والمادية ، حينئذ نقول : يجوز الخروج على هذا الحاكم المعلن بالكفر الصراح ، ولكن أيضا على شرط وهو : إنذاره ، وعدم الغدر به ؛ بطريقة ما يسمى بثورات أو بانقلابات عسكرية أو ما شابه ذلك ، هذا أيضا في اعتقادي وفي ما أفهم من كتاب الله ومن سنة رسول الله ( لا نجيزه إلا بهذا الشرط .
وأنا اعتقد : أن فيما وقع من ثورات من بعض الجماعات الإسلامية في بعض البلاد الإسلامية ، بدءا من جماعة الجهيمان في الحرم المكي ، وجماعة التكفير والهجرة في مصر ، وجماعة مروان حديد في سوريا ، ثم الآن في الجزائر أيضا ، نقول نحن : إن هذا لا يجوز ؛ لأنهم كما قال تعالى : (َوْلو أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً )(التوبة: من الآية46) 000
إذاً نهاية السؤال :
نحن لا نجيز الخروج إطلاقا في هذا الزمان ، لما يترتب من ورائه من سفك دماء المسلمين دون أي فائدة تذكر ، بل بأضرار تنشر ويظهر آثارها في المجتمعات الإسلامية .
وقال رحمه الله :
وليس طريق الخلاص ما يتوهم بعض الناس ، وهو الثورة بالسلاح على الحكام بواسطة الانقلابات العسكرية ، فإنها مع كونها من بدع العصر الحاضر فهي مخالفة لنصوص الشريعة .
وسئل رحمه الله :(1/81)
يحتج البعض بما وقع في التاريخ الإسلامي ، كما في فتنة ابن الأشعث وخروج كثير من القراء وعلى رأسهم سعيد بن جبير ومن كان معهم ، وأيضا ما وقع من عائشة رضي الله والزبير وطلحة مع علي رضي الله عنهم أجمعين ، وأن هذا قد وقع ، وأن هذا يعد خروجا ؛ ولكن حقق لهم الهدف المطلوب ، لكن هذا الخروج مما يجوز ، فهل هذا الاستدلال بتلك القصص التي وقعت في العهد الأول ؟ وما الجواب ؟ لأن هذا يثار كثيرا من أجل تبرير قضية الخروج .
الجواب :
الخروج لا يجوز ، وهذه الأدلة هي على من يحتج بها وليست لصالحه إطلاقا . هناك حكمة تروى عن عيسى عليه السلام ـ ولا يهمنا صحتها بقدر ما يهمنا صحة معناها ـ أنه وعظ الحواريين يوما ؛ وأخبرهم بأن هناك نبيا يكون خاتما الأنبياء ، وأنه سيكون بين يديه أنبياء كذبة ، فقالوا له : كيف نميز الصادق من الكاذب ؟
فأجاب بالحكمة المشار إليها وهي قوله : (من ثمارهم تعرفهم ) .
فهذا الخروج وذلك الخروج ـ ومنه خروج عائشة رضي الله عنها ـنحن نحكم على الخروج بالثمرة ، فهل الثمرة كانت مرة أم حلوة ؟
لا شك أن التاريخ الإسلامي الذي حدثنا بهذا الخروج وبذلك : ينبئ بأنه كان شرا ؛ فقد سفكت دماء المسلمين ، وذهبت هدرا بدون فائدة ؛ وبخاصة ما يتعلق بخروج السيدة عائشة رضي الله عنها ، فالسيدة عائشة قد ندمت على خروجها وكانت تبكي بكاءا مرا حتى يبتل خمارها ، وتتمنى أن لا تكون قد خرجت ذلك الخروج .
إن الاحتجاج بمثل هذا الخروج :
أولا : هذا حجة عليهم ؛ لأنه لم يكن منه فائدة .
ثانيا : لماذا نتمسك بخروج سعيد بن جبير ولا نتمسك بعدم خروج كبار الصحابة الذين كانوا في عصره ؛ كابن عمر ، وغيره ثم تتابع علماء السلف كلهم بعدم الخروج على الحاكم .
فإذا هناك خروجان :
ـ خروج فكري ، وهذا هو الأخطر .
ـ خروج عملي ، وهذا ثمرة للأول .
فلا يجوز مثل هذا الخروج ، والأدلة التي ذكرتها آنفا فهي ـ طبعا ـ عليهم وليست لهم . أ ـ هـ(1/82)
وقد آثرنا أن نأتي هنا بكلام الشيخ الألباني حتى لا يدع منافق أنه كان قريبا من الحكام وله مكانة في دولة فهو يداهن ، كما ذكروا ذلك على الشيخ ابن باز رحمه الله . فهذا قول الألباني وكان مضطهدا من كل الحكومات العربية . ولم يكن له منصب في مكان ما .
وإليك أخي المسلم بعض أقوال أهل العلم في هذا الأمر
يقول الإمام أبو عثمان الصابوني ( ت 499 هـ ) في كتابه
"عقيدة السلف أصحاب الحديث " ص106 ما نصه :
( ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم برا كان أو فاجرا ويرون الدعاء لهم بالتوفيق والصلاح ولا يرون الخروج عليهم وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف )
ويقول الإمام الطحاوي في " شرح العقيدة الطحاوية " ( 2/ 540) :
( ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله - عز وجل - فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعو لهم بالصلاح والمعافاة .. ) .
وقال الإمام النووي في شرح مسلم ( 12/ 229 ) :
( وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة
ظالمين ) .
ونقله ابن حجر في فتح الباري ( 13/ 7 ) الإجماع عن ابن بطال فقال : ( وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب الجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء تسكين الدهماء .. ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح .. ) .
فهرس الكتاب
المقدمة 00000000000000000000000000000000000
الفصل الأول : الغلو000000000000000000000000
المبحث الأول : معنى الغلو 000000000000000000000000
أولا : معناه لغة 000000000000000000000000000000
ثانيا : معناه في الاصطلاح وضابطه 000000 0000000000000
المبحث الثاني : مظاهر الغلو 000000 00000000000000000
المبحث الثالث : حكم الغلو 00000000000000000000000(1/83)
المبحث الرابع : أقسام الغلو 00000000000000000000000
المبحث الخامس : أسباب الغلو 000000000000000000000
الفصل الثاني : الإيمان 00000000000000000000000
المبحث الأول : معنى الإيمان 00000000000000000000000
أولا : معناه لغة 00000000 000000000000000000000
ثانيا : معناه شرعا 000000 0000000000000000000000
المبحث الثاني : الفرق بين السلف والفرق الأخرى 00000 00000
المبحث الثالث : ما يثبت به عقد الإسلام 00000 0000000000
أولا عند السلف 00000000000000000000000000000
ثانيا : عند الفرق 00000000000000000000000000000
الفصل الثالث : الكفر وأنواعه 000000000000000000
المبحث الأول : معنى الكفر 00000000000000000000000
أولا : معناه لغة 00000 000000000000000000000000
ثانيا : معناه شرعا 00000 00000000000000000000000
ثالثا : معنى الكفر في القرآن 00000000000000000000000
المبحث الثاني : أقسام الكفر 00000000000000000000000
القسم الأول : الكفر الأكبر 00000000000000000000000
القسم الثاني : الكفر الأصغر 00000 00000000000000000
المبحث الثالث : الفرق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر 0000000
الفصل الرابع : التكفير 0000000000000000000000
المبحث الأول : التكفير حق لله ورسوله 0000000000000000
المبحث الثاني : التسرع في التكفير ليس من عقيدة السلف 0000
المطلب الأول : التحذير من التكفير 000 000000000000000
المطلب الثاني : ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه 000 00
أولا : شرح القاعدة 000 00000000000000000000000
ثانيا : إقامة الحجة وشروط التكفير 000 000000000000000
المطلب الثالث : الأعذار التي تمنع تكفير المعين 000 000000000
الأول : العذر بالجهل 000 000 0000000000000000000
1 ـ كلام الناس في العذر بالجهل 000 000000000000000
2 ـ القول الصحيح وأدلته 0000000000000000000000
العذر الثاني : العذر بالخطأ(1/84)
أولا : تعريفه 0000000000000000000000000000000
ثانيا : أقسامه 0000000000000000000000000000000
المبحث الرابع : تكفير أهل البدع 00000000000000000000
القسم الأول : الحكم العام 000 00000000000000000000
أولا : المقالات 000000000000000000000000000000
ثانيا : الفرق 00000 00000000000000000000000000
ثالثا : الحكم على معين من هذه الفرق 0000 000000000000
الفصل الخامس : جذور التكفير في الماضي 00000 000000000
المبحث الأول : التكفير عند الخوارج 00000 000000000000
أولا : التعريف بهم 00000 0000000000000000000000
ثانيا : ملخص عقائد الخوارج 00000 0000000000000000
ثالثا : أسباب الغلو عند الخوارج 00000000 000000000000
رابعا : ماذا فعل الخوارج بالمسلمين 0000000
المبحث الثاني : التكفير عند الشيعة 0000000000000000000
أولا : التعرف بهم 0000000000000000000000000000
ثانيا : جوانب التكفير عند الشيعة 0000000000000000000
المبحث الثالث : التكفير عند المعتزلة 000000000000000000
أولا : نشأة المعتزلة 000000000000000000000000000
ثانيا : الأسباب التي أدت إلى ظهور المعتزلة 00000000000000
المبحث الرابع : التكفير عند المرجئة 000000000000000000
الفصل السادس : جذور التكفير في العصر الحاضر 0000000000
المبحث الأول : أبو الأعلى المودودي ودوره في الغلو في التكفير 000
أولا : نشأته 0000000000000000000000000000000
ثانيا : عقيدة أبي الأعلى 0000000000000000000000000
حول كتاب المصطلحات الأربعة 00000000000000000000
بعض محاور الكتاب 000000000000000000000000000
ثالثا : تفصيل الكلام في المصطلحات 000000000000000000
1 ـ مصطلح الرب 000000000000000000000000000
2 ـ مصطلح الإله 0000000
3ـ مصطلح العبادة 000000000000000000000000000
4 ـ مصطلح الدين 000000000000000000000000000
رابعا : خلاصة القول في عقيدة أبي الأعلى 000000000000000(1/85)
المبحث الثاني : سيد قطب ودوره في الغول في التكفير 0000
أولا : نشأته 0000000 000000000000000000000000
ثانيا : عقيدته 0000000000000000000000000000000
1 ـ تفسير ه للشهادتين 00000000000 000000000000
2 ـ الحاكمية أخص خصائص الألوهية
3 ـ تفسير الدين بالحاكمية 00000000000 00000000000
4 ـ معنى الإسلام عند سيد قطب بالحاكمية 0000000000000
5 ـ الإيمان عند سيد قطب 000000000000000000000
ثالثا : خلاصة عقد سيد قطب 00000000000000000000
المبحث الثالث : جماعة التكفير والهجرة 000000000000000
أولا : توطئة 00000000000000000000000000000
ثانيا : نشأة الجماعة 00000000000000000000000000
1 ـ التعريف بهم 000000000000000000000000000
2 ـ التأسيس وأبرز الشخصيات 0000000000000000000
ثالثا : مختصر عقيدة الجماعة 0000000000000000000000
الفصل السابع : أسباب التكفير في العصر الحاضر 0000000
السبب الأول : الاضطهاد السياسي 0000 0000000000000
السبب الثاني : فقدان الثقة بالعلماء 0000 0000 000000000
السبب الثالث : انحراف الشباب عن مصدر التلقي 0000 00000
السبب الرابع : الخلط في ألفاظ القرآن والسنة 000000000000
السبب الخامس : التعلق بكلام المودودي وسيد قطب 00000000 0
السبب السادس : الجهل أصول الشريعة 000000000000000 0
السبب السابع : اتباع رؤساء جهالا 00000000000000000 0
السبب الثامن : الجهل بالدين 000000000000000000000
السبب التاسع : التعلق بالمتشابه 00000000000000000000
السبب العاشر : التأويل الفاسد 00000000000000000000
السبب الحادي عشر : حب الدنيا والرياسة 0000000000000
السبب الثاني عشر : الغلو 0000000000000000000000
السبب الثالث عشر : مخالفة العلماء
الفصل الثامن : علاج ظاهرة الغلو في التكفير 00 000000000
أولا : العلم النافع الصحيح 000000000000000000000
ثانيا : تصحيح منهج التلقي 00000000000000(1/86)
ثالثا : فتح باب الحوار والمناقشة العلمية
رابعا : البعد عن سب الحكام وذكر عيوبهم 000000000000
كلام للعلامة الألباني في الخروج على الحاكم الكافر0000000
الفهرس 000000000000000000000000000000009
1) ) لسان العرب لابن منظور (15/132) بتصرف
(2) أحكام القرآن للجصاص (3/281) ط . دار إحياء التراث العربي ـ بيروت
(3) الباعث على إنكار البدع والحوادث( ص20، 21) ط .دار الهدي ـ القاهرة
(4) دقائق التفسير (2/152، 253 )
(5) تفسير القرآن العظيم للحافظ إسماعيل بن كثير الدمشقي (2/83) ط . دار الفكر ـ عمان
(2) إسناده صحيح وقد أخرجه أحمد(1854) ، (3238) وابن ماجة (3029) من حديث أبي العالية عن ابن عباس به
(7) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (7/18) رسالة شرح الأصول الثلاثة
8) ) أنظر كتاب الغلو للشيخ مصطفى عبدالرحمن ص(196ـ200) وكتاب الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف للشيخ يوسف القرضاوي ، وكتاب التكفير للدكتور نعمان السامرائي
(1) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (9/238)
(10)(تعظيم قدر الصلاة :2/519 )
(2) (شعب الإيمان : 1/38)
)1) فتح الباري (1/46) والحافظ بن حجر هنا إنما ينقل عن السلف لا يقرر عقيدة كما فهما البعض ممن له عقيدة تخالف ذلك ، والمقصود هو شرط في الكمال الواجب لا المستحب ، والعمل يشمل عمل القلب وعمل الجوارح
13) ) المحلى لابن حزم (1/45)
(2 ( الدرة فيما يجب اعتقاده لابن حزم ص 337 ، ويراجع في هذه المسألة كتاب " فيض الرحمن ببيان الأعمال وعلاقتها بالإيمان " للمؤلف ففيه ما يغن من النقول
(1) (شرح مسلم( 1 /146)
(2) ( شرح الفقه الأكبر ص 126)
(3) ( كفاية الطالب : 1/59)
(4) ( شرح الطحاوية : ص 375)
(2) (المحلى : 1/45)
20) ) نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه و النظائر " ص516، 517(1/87)
(21) من أراد مزيد تفصيل في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب (الاستهزاء بالدين وأهله ) لمحمد بن سعيد القحطاني فقد أجاد حفظه الله
(1) ( الصارم المسلول ص 15)
(3) [ وأخرجه أبوداود في سننه (3405) ، والترمذي في سننه (125) ، وابن ماجة (631) وصححه الألباني ]
(24) أنظر في هذا الأمر كتاب (عالم السحر والشعوذة ) لعمر سليمان الأشقر فإنه فريد في بابه
25) ) (نيل الأوطار 9/72)
26) ) وأخرجه أحمد (6037) والترمذي (1535) وصححه الألباني
27) ) الصلاة وحكم تاركها لابن القيم ص69
28) ) تيسير العزيز الحميد : ص 29
29) ) كتاب التوحيد للفوزان ص61
30) ) درء تعارض العقل والنقل : (1/ 241،242)
31) ) (الرد على البكري : 2/492)
32) ) ( تهذيب الفروق :4/158-159)
(2) الملل والنحل ص 203
(2) الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة ص 132
35) ) تبيين كذب المفتري ص405
36) ) التمهيد لابن عبد البر ( 17/14)
37 )) سير أعلام النبلاء للذهبي (14/342 ،343)
38) ) الحديث أخرجه البخاري (3478)
(2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (7/619 )
40) ) مجموع الفتاوى (23/345، 346)
41) ) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (2/187)
(42) تفسير الطبري (14/152)
(1) (الصواعق المرسلة 3/957)
(2) (الروح 179)
(45) تفسير ابن جرير (15/54)
(46) مجموع الفتاوى (11/407) وأنظر أيضًا نفس المرجع (21/161) ، (22/41) ، (22/121)
(47) مجموع الفتاوى (12/492) مع العلم أن الخوف كان منه حين أدركته المنية لا قبل ذلك وإلا كان هذا الخوف قد حجزه عن محارم الله فتنبه
)2) مدارج السالكين (1/338،337)
(49) مجموع الفتاوى (21/429 ـ 431)
)2) والحديث صححه جمع من العلماء منهم ابن تيمية وابن القيم وصححه والألباني في السلسلة الصحيحة (1434) .
(51) مجموع الفتاوى (14/477)
)2) وهو قول الإمام أبي عمر ابن عبد البر رحمه الله في كتابه الماتع "الاستذكار"
(53) أحكام أهل الذمة (2/1156، 1157)(1/88)
(54) اجتماع الجيوش الإسلامية في غزو الجهمية والمعطلة لابن قيم الجوزية ص94
(55 ) أنظر التعاريف ص317
56 )) العقيدة الأصفهانية ص183
(2) درأ تعارض العقل والنقل(1/ 276 ،277)
58) ) درء تعارض العقل والنقل (2/315)
59 )) اجتماع الجيوش الإسلامية ص144
(2) شرح قصيدة ابن القيم (1/147)
61 )) مجموع الفتاوى (7/618 ، 619)
(2) المصدر السابق (12/500)
63 )) المصدر السابق (23/348 ،349)
(2) التاريخ الإسلامي وفكر القرن العشرين للدكتور فاروق عمر . ط مكتبة النهضة ـ بغداد
65) ) نيل الأوطار (7/304)
66) ) الخوارج الحروريون : للدكتور أحمد حجازي السقا . ط مكتبة الكليات الأزهرية ـ القاهرة
67 )) أنظر في ذلك كتاب الخوارج لناصر بن عبدالله السعوي ، فقد ذكر أمثلة على ذلك
68) ) أنظر كتاب : مقدمات في الأهواء والافتراق والبدع . للدكتور ناصر عبد الكريم العقل ص134
69) ) عن كتاب " حتى لا ننخدع " عبد الله الموصلي ص91
(2) المصدر السابق ص93
71) ) المصدر السابق ص90 ،91
72) ) الملل والنحل ص48
73) ) مختصر من كتاب " المعتزلة وأصولهم الخمسة " : ص 30-50 للدكتور عواد عبدالله المعتق . تحت عنوان : عوامل ظهور المعتزلة وانتشار أفكارهم
(74 ) في مقال له على موقع مركز الدرسات الإسلامية على الشبكة العنكبوتية ،16/9/2004 ، وكذلك على موقع الإخوان المسلمين في سوريا والأستاذ مصطفى ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في سوريا
75) ) أنظر في ذلك كتاب "مختار الصحاح " ص96 ، وكتاب "النهاية في غريب الحديث " لابن الأثير (2/179) ، وكتاب "لسان العرب " لابن منظور (1/399)
76 )) المصطلحات الأربعة ص34
77) ) المصطلحات الأربعة ص37
78 )) المصطلحات الأربعة ص107
79 )) المصطلحات الأربعة ص126 ، 127
80 )) الظلال : الأنعام 1 ـ3
(81 ) نفس المصدر ص 1255 ،1256
(82 ) نفس المصدر ص 688
(83 ) نفس المصدر ص 890
(84 ) نفس المصدر ص1217
(1) نفس المصدر ص 697(1/89)
(2) نفس المصدر : ص 1474 ، 1475
87) ) كتاب "أولويات الحركة الإسلامية " للدكتور يوسف القرضاوي ص110
(88 ) كتاب "الحكم وقضية تكفير المسلم " لسالم البهنساوى
(89 ) التكفير ص 46 ـ 48
(90 ) (وفيات الأعيان 2\423).
(91 ) (سير أعلام النبلاء 5\150).
(92 ) (وفيات الأعيان 2\424).
(2) (إحياء علوم الدين للغزالي 5/ 120).
(94 ) كتاب "التكفير " ص52 ـ 55 باختصار
95 )) التكفير للسامرائي ص58 ، 59
(2) الاعتصام للشاطبي( 1/172)
(97) الاعتصام (2/182)
98) ) محاضرة بعنوان "فتنة الخوارج " شريط مفرغ
99 )) فتاوى ابن باز (8/194)
100) ) انظر كتاب "فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة " ص 115 ـ 118
??
??
??
??
( 20)(1/90)