المقدمة
الحمد لله الذي خَلَقَ السمواتِ والأرضَ وجَعَلَ الظلماتِ والنُّورَ ثم الذين كفروا بربهم يَعْدِلُون.
والحمد لله الذي لا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمةٍ من نِعَمِهِ إلا بِنِعْمةٍ منه تُوجِبُ على مُؤَدِّي مَاضِي نِعَمِهِ بِأَدَائِها نعمةً حَادِثَةً يَجِبُ عليه شُكْرُه بها.
ولا يَبْلُغُ الواصفون كُنْهَ عَظَمَتِه الذي هو كما وَصَفَ نَفْسَهُ، وفوق ما يَصِفُهُ به خَلْقُه.
أحمده حمداً كما يَنبغي لكرمِ وَجْهِهِ وعِزِّ جَلاله.
وأستعينه استعانةَ من لا حَوْل له ولا قُوَّة إلا به.
وأستَهْديه بِهُدَاهُ الذي لا يَضِلُّ من أَنْعَمَ به عليه.
واستغفره لما أَزْلَفْتُ وأَخَّرْتُ استغفار من يُقِرُّ بعبوديَّته، ويعلم أنه لا يَغْفِرُ ذنبه ولا يُنَجِّيه منه إلا هو.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، المُصْطَفى لوَحْيه، المنْتَخَبُ لرسالته، المفضَّلُ على جميع خلقه بِفَتْحِ رحمتهِ، وخَتْمِ نبوَّته، وأعمُّ ما أُرسل به مُرْسَل قَبْلَه، المرفوعُ ذكرُهُ مع ذكره في الأُولى، والشَّافع المشفَّع في الأُخرى، أفضلُ خَلْقِه نفساً، وأجمعهم لكلِّ خُلُق رَضِيَهُ في دين ودُنيا، وخيرهم نسباً وداراً.
صلَّى الله على نبينا كلَّما ذكره الذاكرون، وغَفَلَ عن ذكره الغافلون، وصلَّى عليه في الأولين والآخِرين، أفضلَ وأكثرَ وأزكَى ما صلَّى على أحد من خلقه، وجزاه الله عنّا أفضلَ ما جَزَى مُرْسلاً عَنْ مَنْ أُرْسِلَ إليه، فإنه أنقذَنا به من الهَلَكَةِ، وجعلنا في خير أمة أُخرجت(المقدمة/1)
للناس، دَائِنينَ بدينه الذي ارْتَضَى واصْطَفَى به ملائكتَه ومَنْ أنْعَمَ عليه من خلقه، فلم تُمْسِ بنا نعمة ظَهَرَتْ ولا بَطَنَتْ نِلْنَا بها حظّاً في دينٍ ودُنْيَا، أو دُفِع بها عنّا مكروه فيهما وفي واحد منهما، إلا ومحمد - صلى الله عليه وسلم - سَبَبُها، القَائِدُ إلى خيرها، والهادي إلى رُشدها، فصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صلّى على إبراهيم وآل إبراهيم، إنه حميد مجيد (1) .
وكما أنه - صلى الله عليه وسلم - بلَّغ رسالة ربه أتمَّ بلاغ وأكْمَلَه إمتثالاً لأمر ربه له بذلك في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (2) ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - حرص على استمرار هذا البلاغ في أمته، فقال: ((بلِّغوا عني ولو آية، وحَدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حَرَج، ومن كذب علي متعمِّداً فَلْيَتَبَّوأْ مقعده من النار)) (3) .
ودعى - صلى الله عليه وسلم - لسامع السنة ومبلِّغها بالنَّضَارَةِ- وهي النِّعمةُ والبَهْجَةُ (4) -، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((نَضَّر الله امرءاً سمع مِنَّا حديثاً، فحفظه حتى يبلِّغَه غيرَه، فرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورُبَّ حامل فقه ليس بفقيه)) ، وفي لفظ: ((نَضَّر الله امرءاً سمع منا شيئاً، فبلَّغه كما سمعه، فرُبَّ مبلَّغ أَوْعَى من سامع)) (5) .
__________
(1) من مقدمة الإمام الشافعي لكتاب الرسالة (ص 7 - 17) بتصرُّف.
(2) الآية (67) من سورة المائدة.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه (6 / 496 رقم 3461) في أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل.
والترمذي في جامعه (7 / 431 - 432 رقم 2806) في العلم، باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل، ثم قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح) .
(4) كما فسره الخطابي في معالم السنن (5 / 253) ، وابن الأثير في جامع الأصول (8 / 18) .
(5) هو حديث متواتر صنَّف فيه الشيخ عبد المحسن العبّاد- أثابه الله- مصنّفاً بعنوان: (دراسة حديث، ((نضّر الله امرءاً سمع مقالتي)) رواية ودراية) ، وجمع فيه طرق هذا الحديث، فبلغت أربعة وعشرين طريقاً عن أربعة وعشرين صحابياً، ولحديث بعض =(المقدمة/2)
ومن هذا المنطلق حرص سلف الأمة على هذا الفضل العظيم، فتفرَّق الصحابة رضي الله عنهم في الأمصار يبلِّغون ما سمعوه، وينشرون العلم بين الناس، ((وكان الخلفاء يُمِدُّون البلاد الجديدة بالعلماء، وقد استوطن كثير من الصحابة رضوان الله عليهم تلك الأمصار، يرشدون أهلها، ويعلِّمون أبناءها، وقد دخل الناس في دين الله أفواجاً، والْتَفُّوا حول أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ينهلون من الينابيع التي أخذت عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وتخرَّج في حلقاتهم التابعون الذين حملوا لواء العلم بعدهم، وحفظوا السنَّة الشريفة. وهكذا أصبحت في الأقاليم والأمصار الإسلامية مراكز علمية عظيمة، تُشِعُّ منها أنوار الإسلام وعلومه، إلى جانب مراكز الإشعاع الأولى التي أمدَّت هذه الأقطار بالأساتذة الأُوَل)) (1) .
فمدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - هي موطن الخلافة الأولى، وكان فيها من الصحابة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم، فنشروا علماً غزيراً. وفي مدرسة المدينة النبوية هذه تخرَّج خلق من
__________
= الصحابة طرق عنه، وهو باللفظ الأول هنا من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه عند أبي داود في سننه (4 / 68 - 69 رقم 3660) في العلم، باب فضل نشر العلم، والترمذي في جامعه (7 / 415 - 417 رقم 2794) في العلم، باب في الحث على تبليغ السماع، والنسائي في سننه الكبرى (3 / 431 رقم 5847) في العلم، باب الحث على إبلاغ العلم.
وأما اللفظ الثاني فهو من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عند الترمذي في الموضع السابق (7 / 417 رقم 2795) ، وابن ماجه في سننه (1 / 85 رقم 232) في المقدمة، باب من بلّغ علماً.
قال الترمذي في الموضع الأول: (حديث زيد بن ثابت حديث حسن) ، وقال في الموضع الثاني: (هذا حديث حسن صحيح) .
(1) السنة قبل التدوين لمحمد عجّاج الخطيب (ص 164) .(المقدمة/3)
أفاضل التابعين، منهم: سعيد بن المسيّب، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وعبيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة، وسليمان بن يسار، وهؤلاء هم الفقهاء السبعة (1) .
وفي مكة كان حَبْر الأمّة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي تخرَّج على يديه خلق من سادات التابعين، منهم: مجاهد بن جَبْر، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وطاوُس.
ولما بويع عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عنه بالخلافة، رحل إلى الكوفة، فانتفع به خلق كثير هناك، وكانت الكوفة إحدى قواعد الفتح الإسلامي في عصر الخلفاء الراشدين، ونزلها جَمٌّ غفير من الصحابة. قال إبراهيم النخعي: ((هبط الكوفة ثلاثمائة من أصحاب الشجرة، وسبعون من أهل بدر)) (2) ، وعلى رأس هؤلاء البدريين: ابن أُمِّ عَبْد: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وكان عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه بعثه معلِّماً لأهل الكوفة، وكتب لهم كتاباً يقول فيه: ((يا أهل الكوفة، أنتم رأس العرب وجمجمتها وسهمي الذي أرمي به، إن أتاني شيء من هاهنا وهاهنا، قد بعثت إليكم بعبد الله، وخِرْتُ لكم، وآثرتكم به على نفسي)) (3) .
وكان لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه أثر كبير على أهل الكوفة، بحيث أصبحت مدرستها من أكبر مدارس الإسلام. قال إبراهيم التيمي: ((كان فينا- يعني أهل الكوفة- ستون شيخاً من أصحاب عبد الله)) (4) .
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح (ص 325) .
(2) طبقات ابن سعد (6 / 9) .
(3) المرجع السابق (6 / 7) .
(4) السابق أيضاً (6 / 10) .(المقدمة/4)
وعلى رأس هؤلاء الذين تخرّجوا من مدرسة ابن مسعود رضي الله عنه: عَبِيدَةُ السَّلْماني وعلقمة بن قيس والأسود بن يزيد ومسروق بن الأجْدَع والربيع بن خُثَيْم وشُريح القاضي وغيرهم خلق (1) .
وهكذا البصرة والشام ومصر وغيرها من بلاد الإسلام (2) .
وقد نشطت الحركة العلمية في عصر التابعين نشاطاً كان من آثاره بدء مرحلة التدوين الرَّسمي للسنة بأمر من الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، بسبب خوفه من ذهاب العلم بذهاب العلماء. يقول عبد الله بن دينار رحمه الله: ((كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلى أهل المدينة: أن انظروا حديث رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - فاكتبوه، فإني خِفْتُ دُرُوسَ (3) العلم وذهاب أهله)) (4) ، وفي رواية: ((كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلى أبي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، فاكتبه، فإن خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولْتُفْشُوا العلم، ولْتَجْلِسُوا حتى يُعَلَّمَ من لا يَعْلَمُ، فإن العلم لا يهلِك حتى يكون سرّاً)) (5) . ولم يكن أمرُه هذا مقصوراً على أهل المدينة فحسب، فقد روى أبو نعيم في تاريخ أصبهان هذه القصة بلفظ: ((كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلى الآفاق: انظروا حديث رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - فاجمعوه)) (6) .
__________
(1) السابق أيضاً (6 / 10) .
(2) انظر في ذلك وفيما سبق: السنة قبل التدوين لمحمد عجاج الخطيب (ص 164 - 175) .
(3) أي خاف عليه من أن تنمحي آثاره وتذهب. انظر لسان العرب (6 / 79) .
(4) أخرجه الدارمي في سننه (1 / 104 رقم 494) ، والخطيب البغدادي في تقييد العلم (ص 106) .
(5) أخرجه البخاري في صحيحه موصولاً إلى قوله: ((وذهاب العلماء)) ، وباقيه معلَّقاً. انظر صحيح البخاري (1 / 194) كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم.
(6) نقلاً عن فتح الباري (1 / 194 - 195) .(المقدمة/5)
وموقف عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- هذا شبيه بموقف عثمان- رضي الله عنه- في قصة جمعه للقرآن، فقد رحم الله الأمة بصنيع هذين الخليفتين.
وكان أول من قام بتدوين السنة بأمر من عمر بن عبد العزيز: محمد بن مسلم بن شهاب الزُّهْري. يقول عبد العزيز بن محمد الدَّرَاوَرْدي: (أول من دَوَّن العلم وكتبه ابن شهاب) (1) .
ويقول ابن شهاب الزُّهْري نفسه: (أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن، فكتبناها دفتراً دفتراً، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتراً) (2) . ويقول الحافظ ابن حجر: (وأول من دوَّن الحديث: ابن شهاب الزُّهْري على رأس المائة، بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين، ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد) (3) . ويقول السُّيوطي في منظومته (4) :
أَوَّلُ جامعِ الْحديثِ والأَثَرْ ... ابنُ شهابٍ آمراً له عُمَرْ
ثم أَعْقَبَ التدوينَ مرحلةُ التَّصنيف كما سبق نقله عن ابن حجر، فأوَّل من صنَّف على الأبواب: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (ت 150 هـ) بمكة، والإمام مالك بن أنس (ت 179 هـ) أو محمد بن إسحاق بن يَسَار (ت 151 هـ) بالمدينة، والرَّبيع بن صَبيح (ت 160 هـ) أو سعيد بن أبي عَرُوبة (ت 156 هـ أو 157 هـ) أو حماد بن سلمة (ت 167 هـ) بالبصرة، وسفيان بن سعيد الثوري
__________
(1) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1 / 88) .
(2) المرجع السابق (1 / 91 - 92) .
(3) فتح الباري (1 / 208) .
(4) ألفية السيوطي (ص 10) .(المقدمة/6)
(ت 161 هـ) بالكوفة، وعبد الرحمن بن عمرو الأَوْزاعي (ت 157 هـ) بالشام، وهُشَيم بن بشير الواسطي (ت 183 هـ) بواسط، ومعمر بن راشد (ت 153 هـ) باليمن، وجرير بن عبد الحميد (ت 188 هـ) بالرَّيّ، وعبد الله بن المبارك المَرْوَزي (ت 181 هـ) بِمَرْو وخراسان (1) . قال الحافظان: العراقي وابن حجر: (وكان هؤلاء في عصر واحد، فلا ندري أيُّهم أسبق) (2) . وقد قيل: إن ابن جريج هو أول من صنف الكتب (3) ، لكن ما ذكره العراقي وابن حجر أدقّ، ولذا يمكن أن يُقَيّد كلٌّ منهم بمصره، فيقال مثلاً: أول من صنف بالكوفة سفيان الثوري وهكذا. وكان معظم هذه المصنفات يضم أحاديث النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما ورد عن الصحابة والتابعين، إلى أن رأى بعض الأئمة أن تفرد أحاديث النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة، وذلك على رأس المائتين، فصنَّف أسد بن موسى (ت 212 هـ) مسنداً، وصنَّف عبيد الله بن موسى العَبْسي (ت 213 هـ) مسنداً، وصنَّف مُسَدَّد البصري (ت 228 هـ) مسنداً، وصنَّف نُعيم بن حماد الخُزَاعي (ت 228 هـ) مسنداً، ثم اقتفى الأئمة آثارهم، فقلَّ إمام من الحفاظ إلا وصنَّف حديثه على المسانيد، كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة وغيرهم (4) .
وامتداداً لمرحلة التصنيف على الأبواب نجد عبد الرزاق بن هَمَّام الصنعاني (ت 211 هـ) صنَّف كتابه العظيم: (المصنَّف) ، ومثله أبو بكر عبد الله بن محمد أبي شيبة (ت 235 هـ) صنف كتاب:
__________
(1) انظر المحدِّث الفاصل للرَّامَهُرْمُزِي (ص 611 - 618) ، وتدريب الراوي (1 / 89) .
(2) الموضع السابق من تدريب الراوي.
(3) تاريخ بغداد (10 / 400) .
(4) تدريب الراوي (1 / 89) نقلاً عن ابن حجر.(المقدمة/7)
(المصنَّف) ، وهذان الكتابان كما أنهما شبيهان في التسمية، فهما شبيهان أيضاً في المحتوى، فكلاهما مما صُنِّف على الأبواب (الموضوعات) ، ويشملان الأحاديث المرفوعة لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والموقوفة على الصحابة رضي الله عنهم، ومقاطيع التابعين فمن بعدهم رحمهم الله، وبين هذين المصنَّفَيْن نجد مصنَّفاً آخر شبيهاً بهما من حيث طريقةُ التصنيف والمحتوى في الجملة، وهو كتاب: (السنن) لسعيد بن منصور (ت 227 هـ) وشَبَهُهُ بمصنَّف ابن أبي شيبة أكثر منه بمصنَّف عبد الرزاق (1) ، وقد قال الرَّامَهُرْمزي: (وتفرَّد بالكوفة أبو بكر ابن أبي شيبة بتكثير الأبواب، وجودة الترتيب، وحسن التأليف) (2) .
ونجد كثيراً من المصنِّفين يروون كثيراً من الأحاديث والآثار من طريق هذه الكتب الثلاثة- مصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة، وسنن سعيد بن منصور-، أو يعزونها إليها (3) ، وهذا يعود لندرة محتواها، وعُلُوِّ أسانيدها، وغير ذلك من الاعتبارات.
وقد حُظِيَ مصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة بالنشر (4) - على ما فيهما من السقط والتصحيف والغلط-.
وأما سنن سعيد بن منصور، فنشر منها الجزء الثالث فقط في
__________
(1) كما سيأتي في التعريف بكتاب السنن.
(2) المحدِّث الفاصل (ص 614) .
(3) كما يتضح من مراجعة تخريج الأحاديث والآثار في القسم المحقق من السنن.
(4) أما مصنف عبد الرزاق فقام بتحقيقه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، ونشره المجلس العلمي في أحد عشر مجلداً، لكن الحادي عشر منها وبعض العاشر هما كتاب الجامع لمعمر، من رواية عبد الرزاق عنه. وأما مصنف ابن أبي شيبة، فقد حققه الأستاذ عبد الخالق الأفغاني، واهتم بطباعته ونشره صاحب الدار السلفية بالهند: مختار الندوي، ونشر الكتاب في خمسة عشر مجلداً، إلا أنه سقط من هذه الطبعة القسم الأول من الجزء الرابع، فطبع في دار أخرى، وهي إدارة القرآن والعلوم الإسلامية في كراتشي بباكستان.(المقدمة/8)
مجلدين تضمنا عدد (2978) من الأحاديث والآثار، في الفرائض والنكاح والجهاد، وما يلحق بالفرائض من الوصايا، وما يلحق بالنكاح من الطلاق والظهار ونحوهما.
وكانت هذه السنن حبيسة المكتبات نتيجة خطأ ورد على غلاف النسخة الخطيّة كما سيأتي بيانه في التعريف بالكتاب، إلى أن قام الدكتور محمد حميد الله بالعثور على هذه القطعة التي تشكل الجزء الثالث، ودفعها لمحمد ميان السملكي رحمه الله، الذي دفعها بدوره للشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، حيث قام بتحقيقها، ونشرت في هذين المجلدين المشار إليهما.
وفي المقدمة التي كتبها الدكتور محمد حميد الله للتعريف بالسنن لسعيد بن منصور وذكر حكاية اكتشافه لها قال: (ولا أعرف نسخة أخرى لسنن الإمام سعيد بن منصور هذه، فلم يذكرها بروكلمان ((مع سعة فهرس فهارسه للكتب العربية الذي نشره بالألمانية تحت الاسم المُضِلّ: تاريخ الآداب العربية)) ولا غيره فيما أعرف، فنحن إذن ننشر كتاباً ليس يعرف له إلا نسخة واحدة في العالم) (1) . اهـ.
ولم يشر الدكتور حميد الله إلى ما ذكره المباركفوري رحمه الله في مقدمة تحفة الأحوذي من وجود نسخة كاملة لسنن سعيد بن منصور، حيث قال: (ومنها: سنن سعيد بن منصور، وهو الحافظ سعيد بن منصور الخراساني المتوفى سنة 227 سبع وعشرين ومائتين، نسخة كاملة من هذا الكتاب موجودة في الخزانة الجرمنية، وهي مكتوبة بخط الإمام الشوكاني) (2) ، فإما أنه لم يطلع على هذا الكلام، وإما أنه ممن يستبعد صحته.
__________
(1) مقدمة القسم المطبوع من سنن سعيد بن منصور (ص 16) .
(2) مقدمة تحفة الأحوذي (1 / 336) .(المقدمة/9)
وحينما كنت أدرس في السنة الرابعة من كلية أصول الدين، وكنت أتذاكر مع بعض الإخوة في أمور الكتب، ذكر أحدهم أنه رأى- أو ذُكر له- نسخة خطية لسنن سعيد بن منصور في إحدى المكتبات الخاصة في بلدة (الرَّيْن) (1) ، فوقع كلامه في نفسي، وبعد مدة سألت شيخنا العلامة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجبرين (2) عمّا إذا كان يعرف مكتبة هناك- وذكرت له ما قاله الأخ المذكور-، فوعدني بالتحرِّي عن ذلك إذا ما قدِّر له الذهاب إلى بَلَدِهِ (القويعية) . وقد وفَّى بوعده- جزاه الله عني وعن المسلمين خير الجزاء-، وفوجئت به يستدعيني، ويبشِّرني بعثوره على نسخة خَطِّيَّةٍ أصليّة من سنن سعيد بن منصور في مكتبة الشيخ محمد بن سعود الصُّبَيْحي إمام جامع بَلْدَة (الرَّيْن) (3) ، لكنها نسخة غير كاملة. وأخبرني أنه طلب من صاحبها السماح لي بتصويرها، فأجاب، وزيادة على ذلك كتب الشيخ معي كتاباً إليه، وأرسل معي أحد أبناء عمومته ليدُلَّني، وهو الشيخ حمد بن عبد العزيز الجبرين، فذهب معي مشكوراً، وحملت آلة النسخ معي في السيارة، ولا أطيل في ذكر التفاصيل، فقد دفع الشيخ محمد بن سعود الصبيحي الكتاب إلي، فصوّرته، وأعدته إليه، وكنت إذْ ذاك مشغولاً بإعداد رسالتي لنيل درجة التخصص (الماجستير) ، فلما انتهيت منها، تقدمت إلى قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بالرياض بطلب الموافقة على إكمال دراستي لنيل درجة (الدكتوراة) في موضوع: (الإمام سعيد بن منصور وكتابه السنن) دراسةً وتحقيقاً،
__________
(1) وهي بلدة إلى الجنوب من بلدة القويعية المعروفة على طريق الذاهب من الرياض إلى مكة.
(2) والشيخ حفظه الله من أهل القويعية وإن كان يسكن الرياض.
(3) وهو رجل فاضل أثنى عليه الشيخ عبد الله الجبرين، ومن عائلة معروفة بالعلم ومكتبته هذه متوارثة عن أسلافه.(المقدمة/10)
على أن أبدأ من حيث انتهى المطبوع، وذلك ابتداء من كتاب (فضائل القرآن) ، ويليه (كتاب التفسير) ، بحيث أَنْتَهي إلى نهاية سورة المائدة من كتاب التفسير، فوافق القسم مشكوراً، وتُوِّج ذلك بموافقة مجلس الكلية. وقد دفعني إلى اختيار هذا الموضوع لإعداد درجة (الدكتوراة) عدة أسباب، من أهمها ما يأتي:
(1) مكانة المؤلف العلمية، ويتجلَّى ذلك في:
أ - كونه أحد الأئمة الحفاظ كما سيأتي في ترجمته.
ب - كونه أحد رجال الكتب الستة، ممن رضيه الجماعة وأخرجوه في كتبهم.
جـ - تتلمذ عدد من الأئمة عليه مثل مسلم وأبي داود، بل حتى الإمام أحمد، حدَّث عنه وهو حيّ.
وسيأتي التعريف به على وجه التفصيل.
(2) قيمة الكتاب العلمية، وتتجلَّى في:
أ - كونه من الكتب القليلة التي تعنى بتخريج الآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بالإضافة للأحاديث المرفوعة، ولا يخفى ما لتخريج الآثار من الأهمية، فإنها تعكس لنا ما كان عليه السلف من العمل في العقائد والأحكام وغير ذلك.
ب - ما يمتاز به الكتاب من علوّ الإسناد، مما حدى بالعلماء إلى التخريج من طريقه، ومنهم أصحاب الكتب الستة وغيرهم، وقد ساهم في ذلك ما منّ الله به على المؤلف من طول العمر، حتى إنه أدرك شيوخاً لم يدركهم بعض من اتفق معه في سنة الوفاة، أو قاربها.
جـ - كثرة العزو إليه عند الفقهاء والمحدثين والمفسرين وغيرهم.(المقدمة/11)
د - تفرُّد المصنِّف ببعض الآثار التي لا توجد عند غيره- بحسب بحثي-.
هـ - ذكره لبعض الآثار التي يشاركه فيها بعض أصحاب المؤلفات المفقودة، كعبد بن حميد وابن المنذر في تفسيريهما.
و تفرُّده ببعض الطرق التي تقوِّي طرقاً أخرى، أو تفيد في كشف عِلَّةٍ لبعض الطرق، أو ترجيح بعض ما قد يُعَلُّ منها.
(3) حاجة العلماء وطلبة العلم الماسّة لمزيد من مصادر السنة الأصلية التي تروي بالإسناد، وحاجتهم لهذا الكتاب بالأخص بسبب قيمته العلمية.
(4) ما اشتهر لدى الأوساط العلمية من فقدان الكتاب، سوى ما طبع منه.
لهذه الأسباب أقدمت مستعيناً بالله على اختيار هذا الموضوع مع اعترافي بالتقصير والضعف، وفيما يلي شرح لخطة البحث: -
فقد قسمت الكتاب إلى مقدمة وثلاثة أقسام وخاتمة وملحق تعقبه الفهارس.
أ - المقدمة: وفيها بيان أهمية الموضوع، وسبب اختياره، وشرح خطة البحث فيه.
ب - القسم الأول: دراسة عن المؤلف سعيد بن منصور وكتابه السنن، وفيه مبحثان:
o المبحث الأول: التعريف بالمؤلف سعيد بن منصور، ويشمل: دراسة عن بيئته وعصره، واسمه ونسبه وكنيته، ومولده ونشأته، وطلبه للعلم، ورحلته فيه، وشيوخه وتأثيرهم فيه، وتلاميذه وتأثيره فيهم، وجهوده في خدمة الحديث وعلومه، ومؤلفاته فيه، وثناء العلماء عليه، وما تُكُلِّم به فيه والجواب عنه، وعقيدته، ومن اتفق معه في الاسم واسم الأب، وأولاده، ووفاته.(المقدمة/12)
o المبحث الثاني: التعريف بكتاب السنن، ويشمل:
تسميته، وتوثيق نسبته للمؤلف مع ذكر سند الكتاب، وموضوعه، ومنهج المؤلف فيه ويتضمن: (ترتيب الكتاب، ومصادره، وطريقته في الرواية، وسياق الأسانيد والمتون، وتراجمه للأبواب، وأنواع المرويات عنده من أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة أو مقطوعة، ودرجة أحاديث الكتاب، ومقارنته بطريقة علماء عصره) ، والزيادات عليه ومميزاته، وبعض المآخذ عليه، والتعريف بنسخ الكتاب.
جـ- القسم الثاني: طريقة العمل في الكتاب، وتشمل:
1 - توثيق النص، وذلك بالرجوع إلى المصادر، ومحاولة بيان من نقل النص من العلماء عن سعيد مباشرة، أو بواسطة، وتخريج الأحاديث والآثار، مع ذكر الشواهد والمتابعات، ودراسة أسانيدها، والحكم عليها.
2 - تفسير غريب الحديث.
3 - توضيح النص، بالتعليق على كل ما يحتاج إلى توضيح.
د- القسم الثالث: النص محققاً ومعلقاً عليه طبقاً لخطة العمل السابقة.
هـ- الخاتمة: وفيها تقويم العمل على ضوء الدراسة والتحقيق، وذكر أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال عملي بإيجاز.
و ملحق: في تقويم العمل المطبوع من الكتاب مع مقارنته بالمخطوط.
ز- الفهارس: وتشتمل على:
1 - فهرس الآيات مرتبة حسب ترتيب المصحف.
2 - فهرس الأحاديث والآثار مرتبة على حروف المعجم.
3 - فهرس الأحاديث والآثار مرتبة على المسانيد.
4 - فهرس الأحاديث والآثار مرتبة على الأبواب.
5 - فهرس شيوخ المصنف.(المقدمة/13)
6 - فهرس رجال الأسانيد.
7 - فهرس الأعلام الواردين في النص.
8 - فهرس الرواة المترجمين في التعليق.
9 - فهرس الأبيات الشعرية.
10 - فهرس الأماكن والبلدان.
11 - فهرس الأنساب.
12 - فهرس غريب اللغة والحديث.
13 - فهرس المراجع.
14 - الفهرس العام.
وفي الختام أتوجه بالشكر لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي أتاحت لي الفرصة لإكمال دراستي، وأخص بذلك كلية أصول الدين ممثلة في عميدها ووكيليه وقسم السنة وعلومها، كما أشكر فضيلة الأستاذ الدكتور عبد المنعم السيد نجم على تفضله بقبول الإشراف على هذه الرسالة وقراءتها وإبداء الملاحظات عليها، كما لا يسعني أن أغفل الشكر الجزيل لفضيلة الشيخ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجبرين على ما بذله من جهد في الحصول على هذا المخطوط، ولفضيلة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم على توجيهاته لي في هذا البحث وغيره، والتي كان لها أطيب الأثر في نفسي، فأسأل الله تعالى أن يجزيهما عني أفضل الجزاء، كما أشكر الشيخ حمد بن عبد العزيز الجبرين على ما ساعدني به في سبيل الحصول على هذا المخطوط، والشيخ محمد بن سعود الصبيحي على تفضله بالسماح لي بتصوير المخطوط لهذا الكتاب، وأشكر كل من أسدى إلي معروفاً؛ من نصح، أو توجيه أو غير ذلك، وأسأل الله تعالى أن يجزيهم عني أفضل الجزاء، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حُمَيِّد(المقدمة/14)
القسم الأول
دراسة عن المؤلف سعيد بن منصور
وكتابه ((السنن))
وفيه مبحثان: المبحث الأول: التعريف بالمؤلف.
المبحث الثاني: التعريف بكتاب السنن.(المقدمة/15)
المبحث الأول
التعريف بالمؤلف (1)
__________
(1) مصادر ترجمته هي: الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد (5 / 502) ، ومعرفة الرجال لابن معين (رواية ابن محرز) (1 / 101 رقم 444) ، والتاريخ الكبير للبخاري (3 / 516 رقم 1722) ، والكنى لمسلم (ص 73) ، والمعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (انظر فهرسه والمواضع المحال عليها هنا) ، وتاريخ أبي زرعة الدمشقي (انظر فهرسه والمواضع المحال عليها هنا) ، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (4 / 68 رقم 284) ، والثقات لاين حبان (8 / 268 - 269) ، وتاريخ مولد العلماء ووفياتهم لابن زَبْر الرَّبَعي (2 / 499 و 501) ، ورجال صحيح البخاري المسمى: (الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد) للكَلابَاذِي (1 / 295 - 296 رقم 407) ، ورجال مسلم لابن مَنْجُوْيَهْ (1 / 249 رقم 536) ، و: (تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً) لأبي نعيم الأصبهاني (ص 26) ، والإرشاد للخليلي (1 / 231 رقم 60) ، والمتفق والمفترق للخطيب البغدادي (ل 109 - 110) ، والتعديل والجرح لأبي الوليد الباجي (3 / 1087 رقم 1276) ، والجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسراني (1 / 170) ، وترتيب المدارك للقاضي عياض (1 / 78، 168) و (3 / 200، 240) ، والمعجم المشتمل (ص 129 رقم 375) ، وتاريخ دمشق كلاهما لابن عساكر (7 / 354 - 357، مخطوط الظاهرية) ومختصره لابن منظور (10 / 12 - 13 رقم 8) وتهذيبه لابن بدران (6 / 177) ، والتقييد لابن نقطة (2 / 17 - 18) ، ومعجم البلدان لياقوت (1 / 420، 425) ، و (2 / 367) ، و (3 / 230) ، والعلم المشهور لابن دحية الكلبي (ص 161 و 162) ، وتهذيب الكمال للمزي (11 / 77 - 82 رقم 2361) ، وسير أعلام النبلاء (10 / 586 - 590) ، وتاريخ الإسلام (ص 184 - 186 / وفيات 221 - 230) ، وتذكرة الحفاظ (2 / 416) ، ودول الإسلام (1 / 137) ، والعبر (1 / 399) ، وميزان الاعتدال (2 / 159 رقم 3277) ، والكاشف (1 / 373 رقم 1982) ، وذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل (ص 169 رقم 128) جميعها للذهبي، والوافي بالوفيات للصَّفَدي (15/ 263 رقم 370) ، والبداية والنهاية لابن كثير (10 / 299) ، وإكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 98 / ب - 99 / ب) ، والعقد الثمين للفاسي (4 / 586 - 587) وتهذيب التهذيب (4 / 89 - 90 رقم 148) ، وتقريب التهذيب (ص 241 رقم 2399) كلاهما لابن حجر، وطبقات الحفاظ للسيوطي (ص 179، رقم 403) ، وبحر الدم =(المقدمة/17)
1 - بيئته وعصره: -
ولد سعيد بن منصور- كما سيأتي- قبل سنة سبع وثلاثين ومائة، أو بعدها بيسير، وتوفي في سنة سبع وعشرين ومائتين، فهو إذاً عاش في الفترة التي نشأت فيها الدولة العباسية إلى أن بلغت أوْجَ قوَّتها، وكان يقال: (لبني العباس فاتحة وواسطة وخاتمة. فالفاتحة السَّفَّاح، والواسطة المأمون، والخاتمة المُعْتَضِد) (1) .
فنشأة الدولة العباسية كانت في سنة اثنتين وثلاثين ومائة (132هـ) على أنقاض الدولة الأموية، وكان هذا قريباً من ولادة سعيد بن منصور الذي عاش بداية حياته في خراسان مُنْطَلَقِ الدعوة العباسية ومحطّ قوَّتها بقيادة أبي مسلم الخراساني الذي أَبْلَى مع العباسيين بلاءً كان عاقبته القتل من قبل ثاني خلفاء بني العباس: أبي جعفر المنصور؛ بعد أن أحسّ بخطر أبي مسلم الخراساني على دولتهم.
عاش سعيد هذه الحياة الطويلة التي تزيد على تسعين عاماً، وعايش فيها أحداثاً كثيرة، سأتناول الحديث عنها بإيجاز، مقسَّماً على
__________
= ليوسف بن عبد الهادي (ص 178 رقم 370) ، وخلاصة تذهيب الكمال للخزرجي (ص 143) ، وشذرات الذهب لابن العماد (2 / 62) ، والرسالة المستطرفة للكتّاني (ص 34) ، والفكر السامي للفاسي (2 / 73 رقم 268) ، ومعجم المؤلفين لعمر كحالة (4 / 232) .
(1) تاريخ الخلفاء (ص 490) .
والمعتضد هو الخليفة العباسي أبو العباس أحمد بن الموفق بالله طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد. ولد في سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وتولّى الخلافة سنة تسع وسبعين ومائتين، وتوفي سنة تسع وثمانين ومائتين، قال الذهبي في وصفه: (وكان ملكاً مهيباً شجاعاً كامل العقل ذا سياسة عظيمة، وفي دولته سكنت الفتن، وأسقط المَكْسَ، ونشر العدل، وقلل من الظلم، وكان يُسَمَّى السَّفّاح الثاني، أحيا رميم الخلافة التي ضعفت من مقتل المتوكل) اهـ بتصرف من سير أعلام النبلاء (13 / 463 -479) .
وأما السَّفَّاح والمأمون فسيأتي الحديث عنهما.(المقدمة/18)
عناوين ثلاثة: الحالة السياسية، والحالة الفكرية، والحالة العلمية.
أ - الحالة السياسية:
كانت الحالة السياسية في بداية حياة المؤلف (سعيد بن منصور) تشهد فتناً وقلاقل بسبب قيام الدولة العباسية التي وجدت مناهضين لها، شأنها في ذلك شأن أي دولة تنهض من مرحلة الضعف، فتكون عرضة لأطماع الطامعين، فإذا قُدِّر لها أن تقوى شوكتُها، ويصلب عودُها استطاعت أن ترسِّخ دعائم سلطانها، وتبسط نفوذها، وتبطش بأعدائها، وهذا ما حصل للدولة العباسية. فإنها قامت في سنة (132 هـ) على يد أبي العباس السَّفَّاح عبد الله ويقال: المرتضى، ويقال: القاسم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أوّل الخلفاء العباسيين الذي أخذ يطارد فُلُولَ الأمويين، إلى أن استقرّ له الأمر بعد مقتل آخر خلفاء بني أمية: مروان بن محمد. ثم أخذ أبو العباس يبسط نفوذه على البلاد والأقاليم، إلا أن كثيراً من الأقاليم كانت تنشقّ عنه بعد أن تكون أعطته البيعة، مثل قنسرين، ودمشق، وحمص، والجزيرة، وقرقيسيا، والرَّقَّة، وغيرها كثير (1) .
كما أن هناك من قام بالخروج عليه، والتحم معه في قتال، مثل بسام بن إبراهيم، والخوارج، وشريك المهري ببخارى، وزياد بن صالح من وراء نهر بَلْخ (2) .
ولم تدم الحياة طويلاً بالسفاح، فإنه ما لبث أن توفي في سنة ست وثلاثين ومائة (136 هـ) . ثم تولّى بعده أخوه أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد الذي استقبل تصدُّعاً في أجزاء دولته استطاع بدهائه رَأْبَه. فأول ذلك: حينما جاءه خبر وفاة أخيه أبي العباس، كان في الطريق
__________
(1) انظر تفاصيل ذلك في البداية والنهاية (10 / 52 - 57) .
(2) المرجع السابق.(المقدمة/19)
عائداً من الحج، فتعجل حتى أتى العراق، فأُخذت له البيعة من أهل العراق وخراسان وسائر البلاد، سوى الشام، فإنه خرج بها عمُّه عبد الله بن علي مدَّعياً أن السَّفَّاح كان عهد إليه بالخلافة، فأرسل إليه أبو جعفر أبا مسلم الخراساني الذي استطاع أن يوقع به الهزيمة بعد حروب يطول ذكرها، كان من نتيجتها أن هرب عبد الله بن علي إلى أخيه سليمان بن علي في البصرة، فاختفى عنده، فعلم به المنصور، فأخذه، ويقال إنه سجنه في بيت بَنَى أساسه على الملح، ثم أطلق عليه الماء، فذاب الملح، وسقط البيت على عبد الله بن علي، فمات.
ثم أحس أبو جعفر بعد ذلك باستفحال أمر أبي مسلم واستخفافه به واحتقاره له، فأوجس منه خيفة، فسعى في إهلاكه، فما زال به يستدرجه ويَعِدُهُ ويُمَنِّيه، إلى أن أقدمه عليه، فلما تمكَّن منه، أخذ يعاتبه على ما بدر منه، وأبو مسلم يعتذر، وكان أبو جعفر أمر بعض حرسه وقال لهم: كونوا من وراء الرُّواق، فإذا صَفَّقت بيدي، فاخرجوا عليه فاقتلوه، فخرجوا عليه فقتلوه، فيقال: إن المنصور أنشد عند ذلك:
فَأَلْقَتْ عَصَاها واسْتَقَرَّ بها النَّوَى ... كما قَرَّ عَيْناً بالإِيَابِ المسافِرُ
وشهد عصر المنصور بعد ذلك فتناً وقلاقل كثيرة، من أهمِّها:
خروج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب وأخيه إبراهيم بن عبد الله في المدينة والبصرة، وبعد معارك ضارية استطاع المنصور إخماد هذه الفتنة بعد مقتل محمد وأخيه إبراهيم.
وبدأت الأمور تستقرّ للمنصور، فشرع في تطوير مملكته، فبنى مدينة بغداد (1) ، وجعلها دار مملكته، وبنى مدناً أخرى، وهدأت الفتن والحروب، وتوجه للإصلاح الداخلي، ويعتبر أبو جعفر بحق الخليفة
__________
(1) انظر تفاصيل بنائها في البداية والنهاية (10 / 96 - 103) .(المقدمة/20)
الذي أرسى دعائم الدولة العباسية. وبعد هذه المدة التي عاشها في الحكم منذ سنة ست وثلاثين ومائة، أدركت أبا جعفر الوفاة في سنة ثمان وخمسين ومائة (158 هـ) بعد أن عهد بالخلافة لابنه محمد المهدي، ومن بعده لعيسى بن موسُى (1) ، إلا أن المهدي لما تولّى الخلافة، أَلَحَّ على عيسى أن يخلع نفسه ويتنازل عن الخلافة للهادي، فامتنع، ثم أجاب بعد ترغيب وترهيب ووعد ووعيد من المهدي له يطول ذكره (2) .
وكان المهدي أتى للخلافة والأمور مستقرّة، فكان عصره بداية عصر ازدهار الدولة العباسية، لذلك نجده أول من عمل البريد من الحجاز إلى العراق (3) ، وأمر بعمارة طريق مكة، فبنى بها القصور، وحَفَرَ الآبار، وعمل المصانع والبِرَكَ، حتى صارت طريق الحجاز من العراق من أرفق الطرقات وآمنها وأطيبها (4) . ونجده أول خليفة حمل له الثَّلْجُ إلى مكة (5) . وفي سنة سبع وستين ومائة أمر بالزيادة الكبرى في المسجد الحرام، وأدخل في ذلك دوراً كثيرة (6) .
وقد شهد عصره شيئاً من الاضطراب (7) ، لكنه لا يداني ما
__________
(1) هو عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ابن أخ أبي جعفر، وكان فارس بني العباس، وسَيْفَهم المسلول، جعله السَّفّاح ولي العهد بعد المنصور، فتحيَّل عليه المنصور بكل ممكن حتى أخّره وقدّم عليه المهدي، فيقال: بذل له بعد الرغبة والرهبة عشرة آلاف ألف درهم. انظر سير أعلام النبلاء (7 / 434 - 435) .
(2) انظر البداية والنهاية (10 / 130، 131) .
(3) تاريخ الخلفاء (ص 437) .
(4) انظر البداية والنهاية (10 / 133) ، وتاريخ الخلفاء (ص 436) .
(5) كما في البداية (10 / 132) ، ويقول الذهبي: (لم يتهيّأ ذلك لملك قط) كما في تاريخ الخلفاء (ص 436) .
(6) تاريخ الخلفاء (ص 436) .
(7) انظر البداية والنهاية (10 / 133، 135، 145) .(المقدمة/21)
حصل في عصر والده.
كما أن عصره كان عصر فتوحات في بلاد الروم وجهة جُرْجَان (1) .
وكان رحمه الله سَمْحَ الخلق، محبّاً للسنة، معظِّماً لحُرُمات الله، حسن الاعتقاد، مبغضاً للزنادقة.
كان يصلي بالناس الصلوات الخمس في المسجد الجامع بالبصرة لما قدمها، فأقيمت الصلاة يوماً، فقال أعرابي: لستُ على طُهْرٍ، وقد رغبت في الصلاة خلفك، فَأْمُرْ هولاء بانتظاري، فقال: انتظروه، ودخل المحراب، فوقف إلى أن قيل: قد جاء الرجل، فكبَّر، فعجب الناس من سماحة أخلاقه (2) . وأصدر أمره بترك المقاصير التي في جوامع الإسلام، وقصّر المنابر، وصيّرها على مقدار منبر رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - (3) .
وكان إذا عرضت قضيّة، واستُدِلَّ لها بحديث، وَثَبَ عند ذكر النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى يُلْصِقَ خَدَّهُ بالتراب ويقول: سمعت لما قال وأطعت (4) .
وهاجت ريح سوداء ذات مرّة حتى خافوا أن تكون القيامة قد قامت، فطلبه أحد حُجَّابه، فلم يجده في الإيوان، فإذا هو في بيت ساجد على التراب يقول: اللهم لا تُشْمت بنا أعداءنا من الأمم، ولا تفجع بنا نبيّنا، اللهم إن كنت أخذتَ العامة بذنبي، فهذه ناصيتي بيدك، فما أتمّ كلامه حتى انْجلتْ (5) .
__________
(1) انظر البداية والنهاية (10 / 146 - 150) .
(2) تاريخ الخلفاء (ص 442) .
(3) المرجع السابق (ص 436) .
(4) السابق أيضاً (ص 442) .
(5) سير أعلام النبلاء (7 / 402، 403) .(المقدمة/22)
ويقول الذهبي عنه: (كان غارقاً- كنحوه من الملوك- في بحر اللذات، واللهو والصيد، ولكنه خائف من الله، معادٍ لأولي الضلالة، حَنِقٌ عليهم) (1) .
وهذا الذي ذكره الذهبي من معاداة المهدي لأولي الضلالة وحَنَقِهِ عليهم، دليل على حسن اعتقاده الذي أشار إليه السيوطي بقوله: (كان المهدي جواداً ممدَّحاً، مليح الشكل، محبّباً إلى الرّعيّة، حسن الاعتقاد، تتبع الزنادقة، وأفنى منهم خلقاً كثيراً، وهو أول من أمر بتصنيف كتب الجدل في الرَّدّ على الزنادقة والملحدين) (2) .
ويصفه الذهبي بأنه كان قصّاباً في الزنادقة، باحثاً عنهم (3) .
والسبب في حرص المهدي على تتبع الزنادقة: أن الزندقة قد نشطت في ذلك العهد، مما اضطر المهدي في سنة ست وستين ومائة وفيما بعدها إلى أن يجدّ في تتبع الزنادقة وإبادتهم والبحث عنهم في الآفاق والقتل على التهمة (4) ، بل أنشأ ديواناً خاصاً للبحث عن الزنادقة، والتفتيش عنهم، ومحاكمتهم، وعهد به إلى رجل أطلق عليه اسم: (صاحب الزنادقة) ، كما أمر بوضع الكتب للرد عليهم ومناظرتهم، فإذا لم تُجْدِ هذه الوسائل كان يلجأ إلى العنف، فيسرف في قتل الملحدين (5) ، وتابعه على هذه السياسة ابنه الهادي الذي جَدّ
__________
(1) سير أعلام النبلاء (7 / 402، 403) .
(2) تاريخ الخلفاء (ص 434) .
(3) سير أعلام النبلاء (7 / 401) .
(4) تاريخ الخلفاء (ص 437) .
(5) وصفه السيوطي كما سبق بأنه كان يقتل على التهمة، وإليك هذه القصة التي تحكي تعامله مع من اتهم بالزندقة:-
رفع له ذات مرة صالح بن عبد القدوس البصري في الزندقة، فأراد قتله، فقال: =(المقدمة/23)
في القضاء عليهم (1) بعد وفاة أبيه في سنة تسع وستين ومائة (169 هـ) ، حيث تولى الخلافة بعده، وعمل بوصية أبيه الذي أوصاه بقتل الزنادقة، واقتدى به في ذلك، وشرع في تَطَلُّبهم من الآفاق، وَجَدَّ في ذلك، فقتل منهم خلقاً كثيراً (2) .
وكان موسى الهادي لما تولى الخلافة عزم على خلع أخيه هارون الرشيد من ولاية العهد بعده، والعهد بها لابنه جعفر كما صنع أبوه بعيسى بن موسى، فانقاد هارون لذلك ولم يظهر منازعة، واستدعى الهادي جماعة من الأمراء، فأجابوه لذلك، وأَبَتْ أُمُّهما الخيزران، وكانت تميل إلى ابنها هارون أكثر من موسى، فأَلَحَّ الهادي على أخيه هارون في الخلع، واستشار يحيى بن خالد بن بَرْمَك، فقال له: ماذا ترى فيما أريد من خلع هارون وتولية ابني جعفر؟ فقال: إني أخشى أن تهون الأيمان على الناس، ولكن المصلحة تقتضي أن تجعل جعفراً وليَّ العهد من بعد هارون، وأيضاً فإني أخشى أن لا يجيب أكثر الناس إلى البيعة لجعفر، لأنه دون البلوغ، فيتفاقم الأمر ويختلف الناس، فعدل الهادي عن رأيه، ولم يلبث إلا يسيراً حتى توفي في سنة سبعين ومائة (170 هـ) (3) ، وتولَّى الخلافة بعده أخوه هارون الرشيد،
__________
= أتوب إلى الله، وأنشده لنفسه:
ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسِهِ
والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يُوَارَى في ثرى رَمْسِهِ
فصرفه المهدي، فلما قرب من الخروج، ردَّه، فقال: ألم تقل: والشيخ لا يترك أخلاقه؟ قال: بلى قال: فكذلك أنت، لا تدع أخلاقك حتى تموت، ثم أمر بقتله.
انظر تاريخ الخلفاء (ص 438 - 439) .
(1) الشعوبية وأثرها الاجتماعي والسياسي في الحياة الإسلامية في العصر العباسي الأول (ص 132) .
(2) البداية والنهاية (10 / 157) ، وتاريخ الخلفاء (ص 446) .
(3) البداية والنهاية (10 / 158) .(المقدمة/24)
وكان عمره إذ ذاك ثنتين وعشرين سنة، فبعث إلى يحيى بن خالد بن بَرْمَك، وولاه الوزارة، وتمكَّن عنده (1) .
وكان هارون من أَمْيَزِ الخلفاء، وأَجَلِّ ملوك الدنيا، ذا شجاعة ورأي، كثير الغزو والحج والصلاة والصدقة، مُحِبّاً للعلم وأهله، معظِّماً لحُرُمات الإسلام، مبغضاً للمِرَاء والجَدَل في الدين، والكلامِ في معارضة النصّ، وكان يبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيّما إذا وُعِظَ (2) .
دخل عليه مرَّة ابن السَّمَّاك الواعظ، فبالغ في إجلاله، فقال ابن السَّمَّاك: تواضعك في شرفك أشرف من شرفك، ثم وعظه فأبكاه (3) .
ووعظه الفضيل بن عياض مرَّة حتى شهق في بكائه (4) .
وقال عبد الرزاق: كنت مع الفضيل بمكة، فمرّ هارون، فقال فضيل: الناس يكرهون هذا، وما في الأرض أعزّ عليّ منه، لو مات لرأيت أموراً عظاماً (5) .
وقال عمّار الواسطي: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ما من نفس تموت أشد عليّ موتاً من أمير المؤمنين هارون، ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره. قال: فكبُر ذلك علينا، فلما مات هارون، وظهرت الفتن، وكان من المأمون ما حمل الناس على خلق القرآن، قلنا: الشيخ كان أعلم بما تكلم (6) . ولما بلغه موت ابن المبارك، حزن عليه، وجلس للعزاء، فعزّاه الأكابر (7) .
__________
(1) البداية والنهاية (10 / 160) .
(2، 3، 4، 5) سير أعلام النبلاء (9 / 287 - 289) ، وتاريخ الخلفاء (ص 452 - 454) .
(6) سير أعلام النبلاء (9 / 289) .
(7) سير أعلام النبلاء (9 / 288) ، وتاريخ الخلفاء (ص 454، 455) .(المقدمة/25)
وقال أبو معاوية الضَّرير: صبّ على يدي بعد الأكل شخص لا أعرفه، فقال الرشيد: تدري من يصبّ عليك؟ قلت: لا، قال: أنا، إجلالاً للعلم (1) .
وقال القاضي الفاضل: ما أعلم أن لملك رحلة قطّ في طلب العلم، إلا للرشيد؛ فإنه رحل بولديه الأمين والمأمون لسماع الموطّأ على مالك رحمه الله، وكان أصل الموطّأ بسماع الرشيد في خزانة المصريين، قال: ثم رحل لسماعه السلطان صلاح الدين بن أيوب إلى الإسكندريّة، فسمعه على ابن طاهر بن عوف، ولا أعلم لهما ثالثاً (2) .
وحدث أبو معاوية الضرير الرشيدَ يوماً عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، أبي هريرة بحديث احتجاج آدم وموسى، فقال عمّ الرشيد: أين التقيا يا أبا معاوية؟ فغضب الرشيد من ذلك غضباً شديداً، وقال: أتعترض على الحديث؟ عليّ بالنّطع والسيف، زنديق يطعن في الحديث، فأحضر ذلك، فقام الناس إليه يشفعون فيه، وما زال أبو معاوية يُسَكِّنه ويقول: بَادِرَةٌ منه يا أمير المؤمنين، حتى سكن، ثم قال: هذه زندقة، فأمر بسجنه، وأقسم أن لا يخرج حتى يخبرني من ألقى إليه هذا، فأقسم عمّه بالأيمان المُغَلَّظَة ما قال هذا له أحد، وإنما كانت هذه الكلمة بَادِرَةٌ منه، وهو يستغفر الله ويتوب إليه منها، فأطلقه (3) .
ودخل بعضهم عليه وبين يديه رجل مضروب عنقه، والسياف يمسح سيفه في قفا الرجل المقتول، فقال الرشيد: قتلته لأنه قال: القرآن مخلوق، فقتلته على ذلك قربة إلى الله عز وجلّ (4) .
__________
(1) سير أعلام النبلاء (9 / 288) ، وتاريخ الخلفاء (ص 454، 455) .
(2) تاريخ الخلفاء (ص 468 - 469) .
(3) سير أعلام النبلاء (9 / 288) ، والبداية والنهاية (10 / 215) ، وتاريخ الخلفاء (ص 454) .
(4) الموضع السابق من البداية والنهاية.(المقدمة/26)
وبلغه عن بشر المِرِّيسي القول بخلق القرآن، فقال: بلغني أن بشر بن غياث المِرِّيسي يقول: القرآن مخلوق، فلله علي إن أظْفَرَني به لأقتلنّه. فكان متوارياً أيام الرشيد، فلما مات الرشيد ظهر، ودعا إلى الضلالة (1) .
وأَخَذَ مَرَّةً زنديقاً، فأمر بضرب عنقه، فقال له الزنديق: لم تضرب عنقي؟ قال له: أريح العباد منك. قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -، كلُّها ما فيها حرف نَطَقَ به؟ قال: فأين أنت يا عدوَّ الله من أبي إسحاق الفَزَاري وعبد الله بن المبارك يَنْخُلانها، فيخرجانها حرفاً حرفاً (2) ؟.
وكان عهد هارون الرشيد أطول عهود خلفاء بني العباس وأزهاها؛ فقد كثر فيه الغزو، واتَّسَعَت الفتوحات، ومن ذلك: أنه أرسل الفضل بن يحيى إلى خراسان، فأحسن السيرة فيها، وبنى الرُّبُطَ والمساجد، وغزا ما وراء النهر، واتخذ بها جنداً من العجم سَمَّاهم: العَبَّاسِيَّةَ، وفتح الفضل بلاداً كثيرة، منها كابل وما وراء النهر، وقَهَرَ مَلِكَ التُّرك وكان ممتنعاً، وأطلق أموالاً جزيلة، ثم قفل راجعاً إلى بغداد (3) .
وغزا الرشيد بنفسه بلاد الروم، فافتتح حصناً يقال له: الصَّفْصَاف (4) وغيره (5) ، حتى إن الروم كانوا يدفعون إليه الأموال تعبيراً عن خضوعهم له مقابل صلح عقدوه بينهم وبينه في عهد
__________
(1) سير أعلام النبلاء (11 / 236 - 237) ، وتاريخ الخلفاء (ص 453) .
(2) تاريخ الخلفاء (ص 466) .
(3) البداية والنهاية (10 / 172 - 173) .
(4) الصَّفْصَافُ- بالفتح والسكون- كُورَةٌ من ثغور المِصيِّصَة. معجم البلدان (3 / 413) .
(5) البداية والنهاية (10 / 177، 179) .(المقدمة/27)
ملكتهم (رَنَى) الملقَّبة: (أغسطة) ، إلى أن قام الروم بعزل هذه الملكة، ونقض الصلح الذي كان بينهم وبين المسلمين، وملّكوا عليهم رجلاً يقال له (نقفور) وكان شجاعاً، وخلعوا (رنى) ، وسملوا عينيها، وكتب (نقفور) إلى الرشيد كتاباً يذكر فيه ضعف الملكة التي كانت قبله ويقول: (حملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثاله إليها، وذلك من ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد إليّ ما حملته إليك من الأموال، وافتد نفسك به، وإلا فالسيف بيننا وبينك) . فلما قرأ هارون كتابه، أخذه الغضب الشديد، حتى لم يتمكن أحد أن ينظر إليه، ولا يستطيع مخاطبته، وأشفق عليه جلساؤه خوفاً منه، ثم استدعى بدواة وكتب على ظهر الكتاب: (بسم الله الرحمن الرحيم. من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام) .
ثم شخص من فوره وسار حتى نزل بباب هَرَقْلَةَ (1) ، ففتحها، واصطفى ابنة ملكها، وغنم من الأموال شيئاً كثيراً، وخرَّب وأحرق، فطلب منه (نقفور) الموادعة على خراج يؤديه إليه في كل سنة، فأجابه الرشيد إلى ذلك (2) . وبعد أن استمرّ في الخلافة مدة ثلاث وعشرين سنة أدركته الوفاة رحمه الله في سنة ثلاث وتسعين ومائة بعد أن عهد
__________
(1) قال ياقوت في معجم البلدان (5 / 398) : (هِرَقْلَةُ: بالكسر ثم الفتح: مدينة ببلاد الروم، سُمِّيَتْ بهرقْلة بنت الروم بن اليفز بن سام بن نوح عليه السلام، وكان الرشيد غزاها بنفسه، ثم افتتحها عنوة بعد حصار وحرب شديد ورمي بالنار والنفط حتى غلب أهلها، فلذلك قال المكّي الشاعر:
هَوَتْ هِرَقْلَةُ لمّا أنْ رَأتْ عَجَباً ... جَوَّ السَّماءِ تَرْتَمي بالنَّفْطِ والنّارِ
كأنّ نيرانَنا في جَنْبِ قَلْعَتِهم ... مُصَبَّغات على أرْسَانِ قَصَّارِ) اهـ
(2) البداية والنهاية (10 / 193 - 194، 199، 203) .(المقدمة/28)
بالخلافة لابنه محمد الأمين، ومن بعده لابنه عبد الله المأمون (1) . ولما عهد الرشيد لابنه محمد الأمين بولاية العهد من بعده وقدَّمه على عبد الله المأمون قال: (إني لأعرف في عبد الله حَزْمَ المنصور، ونُسُكَ المهدي، وعِزَّةَ الهادي، ولو أشاء أن أنسبه إلى الرابع- يعني نفسه- لنسبته، وقد قدَّمت محمداً عليه، وإني لأعلم أنه منقادٌ إلى هواه، مُبَذِّر لما حوته يده، يشاركه في رأيه الإماء والنساء، ولولا أمُّ جعفر (2) ، ومَيْلُ بني هاشم إليه، لقدَّمتُ عبد الله عليه) (3) .
وكان الأمين رحمه الله سُنِّياً، لكنه مسرف على نفسه، سيء التدبير.
يقول الإمام أحمد: (إني لأرجو أن يرحم الله الأمين بإنكاره على إسماعيل بن عُلَيَّة؛ فإنه أُدْخِلَ عليه، فقال له: يا ابن الفاعلة، أنت الذي تقول: كلام الله مخلوق؟!) (4) .
__________
(1) المرجع السابق (10 / 222، 223) وتاريخ الخلفاء (ص 474، 490) .
(2) هي زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور، وهي أم الأمين، وأما المأمون فأمه أم ولد اسمها: مراجل، وإنما قدم الرشيد ابنه الأمين لأن أمه نسيبة، ولذلك يقول المسعودي: (ما ولي الخلافة إلى وقتنا هذا هاشمي بن هاشمية سوى علي بن أبي طالب، وابنه الحسن، والأمين، فإن أمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور، واسمها: أمة العزيز، وزبيدة لقب لها) اهـ. من تاريخ الخلفاء (ص 484) ، وانظر (ص 489) منه أيضاً.
(3) المرجع السابق (ص 490) .
(4) المرجع السابق أيضاً (ص 483) . والقصة مطوَّلة في تاريخ بغداد (6 / 237 - 238) ، وخلاصتها: أن إسماعيل بن علية حدّث بالحديث الآتي في تخريج الحديث رقم [484] ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان- أو غيايتان، أو فرقان من طير صوافّ- تحاجّان عن صاحبهما)) . فقيل له: ألهما لسانان؟ قال: نعم، فكيف تكلما؟ فشنّعوا عليه وقالوا: إنه يقول القرآن مخلوق، وهو لم =(المقدمة/29)
وأما إسرافه على نفسه وسوء تدبيره فأشار إليه أبوه هارون كما سبق، وتجد جملة من أخباره في ذلك في البداية والنهاية (1) وتاريخ الخلفاء (2) ، وقد أعرضت عن ذكرها قصداً؛ لخروجها عن الغرض؛ ولأنها تحتاج إلى تمحيص.
ولما تولى الأمين الخلافة سعى في جعل البيعة من بعده لابنه موسى، فعزل أخاه القاسم عمّا كان الرشيد ولاّه، وأرسل إلى أخيه
__________
= يقله، وإنما غلط، فأحضر للأمين محمد بن هارون، فشتمه وقال: يا ابن كذا وكذا، أَيْشٍ قلت؟ فقال: أنا تائب إلى الله، لم أعلم، أخطات.
وذكر الفضل بن زياد أنه سأل الإمام أحمد عن إسماعيل بن إبراهيم بن علية، فقال: ما زال إسماعيل وضيعاً من الكلام الذي تكلم به إلى أن مات. قال الفضل: قلت: أليس قد رجع وتاب على روؤس الناس؟ فقال: بلى، ولكن ما زال مبغضاً لأهل الحديث بعد كلامه ذاك إلى أن مات، ولقد بلغني أنه أدخل على محمد بن هارون، فلما رآه زحف إليه، وجعل محمد يقول له: يا ابن ... ، يا ابن ... ، تتكلم في القرآن؟ قال: وجعل إسماعيل يقول له: جعله الله فداه، زلّة من عالم، جعله الله فداه، زلّة من عالم. قال الفضل: ثم قال لي أبو عبد الله: لعلّ الله أن يغفر له- أي للأمين- لإنكاره على إسماعيل، ثم قال بعدُ: هو ثبت- يعني إسماعيل-. اهـ وانظر التهذيب (1 / 278 - 279) .
وهذا من إنصاف الإمام أحمد رحمه الله، فإسماعيل رحمه الله ثقة حافظ كما سيأتي في ترجمته في الحديث [59] ، ولذا فإن الذهبي رحمه الله ذكر إسماعيل هذا في الميزان للدفاع عنه (1 / 216 - 220) ، ولما ذكر كلام الإمام أحمد فيه قال: (قلت: إمامة إسماعيل وثيقة لا نزاع فيها، وقد بدت منه هفوة، وتاب، فكان ماذا؟ إني أخاف الله لا يكون ذكرنا له من الغيبة) اهـ.
وأما ما يتعلق بمسألة القرآن، فإن قوله فيه موافق لقول أهل السنة، قال الخطيب البغدادي في تاريخه (6 / 239) : (وقد رُوي عن ابن علية في القرآن قول أهل الحق ... ) ثم ساق بإسناده عن عبد الصمد بن يزيد مردويه أنه قال: (سمعت إسماعيل ابن علية يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق) .
(1) ص 241 فما بعد من الجزء العاشر.
(2) ص 474 - 488.(المقدمة/30)
المأمون يطلب منه أن يقدِّم موسى على نفسه، فردّ المأمون ذلك وأباه، ووقعت الوحشة بينهما، فخلع الأمين أخاه المأمون من ولاية العهد، فلما تيقن المأمون ذلك، تسمَّى بإمام المؤمنين وكان في خراسان، فأرسل إليه الأمين جيشاً لقتاله، وأرسل المأمون جيشاً، فالتقيا، وتقاتلا، وكانت الغلبة لجيش المأمون، واستمرّ القتال بينهما في حروب يطول ذكرها، انتهت بقتل الأمين في أول سنة ثمان وتسعين ومائة، وتولِّي المأمون الخلافة بعده (1) .
وكان المأمون من أفضل رجال بني العباس حزماً وعزماً وحلماً وعلماً ورأياً ودهاء وهيبة وشجاعة وسؤدداً وسماحة، وله محاسن وسيرة طويلة، لولا ما أتاه من محنة الناس في القول بخلق القرآن، ومع ذلك كان معروفاً بالتشيع (2) ، وقد حمله ذلك على خلع أخيه المؤتمن في سنة إحدى ومائتين، وجعل ولي العهد من بعده علياً الرِّضا بن موسى الكَاظِم بن جعفر الصادق، حمله على ذلك إفراطه في التشيع، حتى قيل: إنه همّ أن يخلع نفسه ويفوِّض الأمر إليه، وهو الذي لقَّبه الرِّضا، وضرب الدراهم باسمه، وزوَّجه ابنته، وكتب إلى الآفاق بذلك، وأمر بترك لبس السواد شعار بني العباس ولبس الخضرة بدلاً منه، فاشتدّ ذلك على بني العباس جداً، وخرجوا عليه، وبايعوا إبراهيم
__________
(1) انظر البداية والنهاية (10 / 222 - 227، 236 - 244) ، وتاريخ الخلفاء (ص 474 - 489) .
(2) يقول عنه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (10 / 275) : (وقد كان فيه تشيع واعتزال وجهل بالسنة الصحيحة ... ، وكان على مذهب الاعتزال لأنه اجتمع بجماعة منهم: بشر بن غياث المِرِّيسي، فخدعوه، وأخذ عنهم هذا المذهب الباطل، وكان يحب العلم، ولم يكن له بصيرة نافذة فيه، فدخل عليه بسبب ذلك الداخل، وراج عنده الباطل، ودعا إليه، وحمل الناس عليه قهراً، وذلك في آخر أيامه وانقضاء دولته) . اهـ.(المقدمة/31)
ابن المهدي، ولُقَّب: (المبارك) ، فجهَّز المأمون لقتاله، وجرت أمور وحروب، وكان المأمون بخراسان، فسار نحو العراق، فلم يلبث علي الرِّضا أن مات في سنة ثلاث ومائتين، فكتب المأمون إلى أهل بغداد يعلمهم أنهم إنما نقموا عليه بيعته لعلي الرِّضا وقد مات، فردّوا جوابه أغلظ جواب، فسار إليهم، ثم بدأ الناس يتسللون من عهد إبراهيم بن المهدي، فعلم بذلك، فاختفى، ووصل المأمون إلى بغداد، فكلمه العباسيون في لبس السواد، فتوقف، ثم أجاب إلى ذلك (1) . وبلغ من تشيع المأمون: أنه في سنة إحدى عشرة ومائتين أمر بأن يُنَادَى: برئت الذِّمّة ممن ذكر معاوية بخير، وإن أفضل الخلق بعد رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -: علي بن أبي طالب (2) . وفي سنة اثنتي عشرة ومائتين أظهر القول بخلق القرآن مضافاً إلى تفضيل علي على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم من غير سبّ لهما (3) ، فاشمأزَّت النفوس منه، وكاد البلد
__________
(1، 2) تاريخ الخلفاء (ص 489 - 491، 492) .
(3) يقول ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (10 / 266 - 267) : (وفي ربيع الأول- يعني سنة ثنتي عشرة ومائتين- أظهر المأمون في الناس بدعتين فظيعتين، إحداهما أَطَمُّ من الأخرى، وهي: القول بخلق القرآن، والثانية: تفضيل علي بن أبي طالب على الناس بعد رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، وقد أخطأ في كل منهما خطأ كبيراً فاحشاً، وأثم إثماً عظيماً) ، ثم نقل (ص 276 - 277) عن ابن عساكر أنه روى من طريق النَّضْر بن شُمَيْل قال: دخلت على المأمون، فقال: كيف أصبحت يا نضر؟ قلت: بخير يا أمير المؤمنين، فقال: ما الإرجاء؟ فقلت: دين يوافق الملوك يصيبون به من دنياهم وينقصون به من دينهم. قال: صدقت. ثم قال: يا نضر، أتدري ما قلت صبيحة هذا اليوم؟ قلت: إني لمن علم الغيب لبعيد، فقال: قلت أبياتاً، وهي:
أصبح ديني الذي أدين به ... ولست منه الغداة معتذرا
حبّ علي بعد النبي ولا ... أشْتُم صِدِّيقاً ولا عُمرا
ثم ابن عفّان في الجنان مع الـ ... أبرار ذاك القتيل مُصْطبرا
ألا ولا أشتم الزبير ولا ... طلحة إن قال قائلٌ غَدَرَا(المقدمة/32)
يفتتن، فكفّ عن ذلك حتى سنة ثمان عشرة ومائتين حيث امتحن الناس بالقول بخلق القرآن (1) ، ولم يتمّ له ما أراد لوفاته في نفس العام، ثم تولى زمام الفتنة من بعده أخوه المعتصم كما سيأتي.
وما يدلّ على تميز المأمون بالحزم والدَّهاء والشجاعة وباقي الصفات المتقدم ذكرها: أن عصره شهد فتناً عظيمة وانصداعاً في رعيته، استطاع بدهائه وحزمه ورأيه أن يخمد الفتن ويسوس الناس، لولا خوضه فيما خاض فيه من أمور المعتقد (2) ، حتى إن هناك من يتهمه فيما أظهره من التشيع وحب آل البيت الذي أدّى به إلى أخذ البيعة لعلي الرِّضا بولاية العهد من بعده وتزويجه ابنته، ويرى أنه غير صادق في ذلك، وأنه إنما فعله سياسة لاكتساب ولاء الخراسانيين
__________
= وعائش الأُمّ لست أشْتُمها ... من يفتريها فنحن منه بَرَا
ثم قال ابن كثير بعد ذلك: (وهذا المذهب ثاني مراتب الشيعة، وفيه تفضيل علي على الصحابة، وقد قال جماعة من السلف والدارقطني: من فضّل علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار- يعني في اجتهادهم ثلاثة أيام، ثم اتفقوا على عثمان، وتقديمه على علي بعد مقتل عمر-، وبعد ذلك ست عشرة مرتبة في التشيع على ما ذكره صاحب كتاب البلاغ الأكبر والناموس الأعظم، وهو كتاب ينتهي به إلى أكفر الكفر) اهـ.
(1) تاريخ الخلفاء (ص 492، 493) .
(2) ولما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية (10 / 277) قصة النَّضْر ين شُميل- السابق ذكرها- مع المأمون التي تدل على تشيعه قال- أي ابن كثير-: (وقد أضاف المأمون إلى بدعته هذه التي أزرى بها على المهاجرين والأنصار البدعة الأخرى والطّامّة الكبرى، وهي القول بخلق القرآن، مع ما فيه من الانهماك على تعاطي المسكر وغير ذلك من الأفعال التي تعدد فيها المنكر، ولكن كان فيه شهامة عظيمة وقوّة جسيمة في القتال وحصار الأعداء ومصابرة الروم وحصرهم، وقتل رجالهم وسبي نسائهم، وكان يقول: لعمر بن عبد العزيز وعبد الملك حُجَّاب، وأنا بنفسي، وكان يتحرَّى العدل ويتولّى بنفسه الحكم بين الناس والفصل) . اهـ.(المقدمة/33)
الذين تشبعت نفوسهم بالعقائد الشيعية.
ويحتج أصحاب هذا الرأي بأن علياً الرِّضا لم يكن راغباً في ولاية العهد، وإنما قبلها تحت ضغط المأمون عليه وتهديده له بضرب عنقه إن لم يقبل، ومع ذلك كان موته بسبب أكله لعنب يقال إنه كان مسموماً دسّه له المأمون للتخلص منه بعد أن ظفر منه بما أراد (1) ، فالله أعلم.
وشهد عصر المأمون فتوحات كثيرة وبخاصة في بلاد الروم، وكان يخرج للغزو بنفسه (2) . ولما توفي خلفه من بعده أخوه أبو إسحاق محمد المعتصم بن هارون الرشيد، الذي كان عَرِيّاً من العلم كما يقول السيوطي (3) ، فإنه كان أُمِّياً لا يحسن الكتابة، وكان سبب ذلك: أنه كان يتردد معه إلى الكُتّاب غلام، فمات الغلام، فقال له أبوه الرشيد: ما فعل غلامك؟ قال: مات فاستراح من الكُتّاب، فقال الرشيد: وقد بلغ منك كراهة الكُتّاب إلى أن تجعل الموت راحة منه؟ والله يا بني لا تذهب بعد اليوم إلى الكُتّاب، فتركوه، فكان أُمِّيّاً، وقيل: بل كان يكتب كتابة ضعيفة (4) .
وكان المعتصم ذا شجاعة وقوة وهمّة، حتى إنه كان يجعل زَنْدَ الرجل بين إصبعيه فيكسره (5) .
وكتب إليه ملك الروم مرة كتاباً يتهدده فيه، فأمر بجوابه، فلما
__________
(1) انظر مروج الذهب للمسعودي (4 / 33) ، ومقاتل الطالبين (ص 562 - 565) ، والشعوبية وأثرها الاجتماعي والسياسي في الحياة الإسلامية في العصر العباسي الأول (ص 299 - 300) .
(2) انظر البداية والنهاية (10 / 269، 270، 271، 277) .
(3) تاريخ الخلفاء (ص 531) .
(4) سير أعلام النبلاء (10 / 291) ، والبداية والنهاية (10 / 295) .
(5) تاريخ الخلفاء (ص531، 532) .(المقدمة/34)
عُرِض عليه رماه، وقال للكاتب: اكتب: أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت خطابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار (1) .
وهو الذي استطاع القضاء على بَابِك الخُرَّمي الذي يقول عنه الذهبي: (كان أحد الأبطال، أخاف الإسلام وأهله، وهزم الجيوش عشرين سنة، وغلب على أَذِرْ بِيجَان وغيرها، وأراد أن يقيم الملّة المجوسية، وظهر في أيامه المازيار أيضاً بالمجوسية بطبرستان، وعظم البلاء، وكان المعتصم والمأمون قد انفقوا على حرب بابك قناطير مقنطرة من الذهب والفضة) (2) . ولما استنفر المعتصم الجيوش لحرب بابك، ضعفت جبهته مع الروم، وحينما أحيط ببابك الخُرَّمي، كتب الخبيث إلى ملك الروم يقول له: إن ملك العرب قد جهّز إليّ جمهور جيشه، ولم يبق في أطراف بلاده من يحفظها، فإن كنت تريد الغنيمة، فانهض سريعاً إلى ما حولك من بلاده، فخذها، فإنك لا تجد أحداً يمانعك عنها، فركب ملك الروم بعسكره حتى وصل إلى مَلَطْيَة (3) ، فقتلوا من أهلها خلقاً كثيراً، وأسروا نساءهم. فلما بلغ ذلك المعتصم انزعج جداً، وصرخ في قصره بالنفير، ثم نهض من فوره، وأمر بتعبئة الجيوش، وقال للأمراء: أي بلاد الروم أمنع؟ قالوا: عَمُّورِيَّة (4) ، لم يعرض لها أحد منذ كان الإسلام، وهي أشرف
__________
(1) سير أعلام النبلاء (10 / 291) ، والبداية والنهاية (10 / 296) .
(2) سير أعلام النبلاء (10 / 293 - 294) .
(3) مَلَطْيَةُ- بفتح أوّله وثانيه، وسكون الطاء، وتخفيف الياء-: بلدة من بلاد الروم مشهورة مذكورة تتاخم الشام، وهي للمسلمين. معجم البلدان (5 / 192 - 193) .
(4) عَمُّورية- بفتح أوّله وتشديد ثانيه-: بلد في بلاد الروم، سُمِّيَت بعمورية بنت الروم بن اليفز بن سام بن نوح، وهي التي افتتحها المعتصم في سنة ثلاث وعشرين ومائتين. المرجع السابق (4 / 158) .(المقدمة/35)
عندهم من القسطنطينية، فسار إليها حتى افتتحها بعد حروب وأمور يطول ذكرها (1) ، وهذا الفتح هو الذي قال فيه أبو تَمَّام قصيدته المشهورة:
السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءًَ من الكُتُبِ ... في حَدِّه الحَدُّ بين الجِدِّ واللعبِ
إلى آخرها (2) .
وبالجملة فللمعتصم محاسن ومناقب عديدة، إلا أنه شَانَها بفتنة الناس بالقول بخلق القرآن. يقول الذهبي رحمه الله: (كان المعتصم من أعظم الخلفاء وأهيبهم، لولا ما شَانَ سؤدده بامتحان العلماء بخلق القرآن) (3) .
ويقول السيوطي: (بويع له بالخلافة بعد المأمون في شهر رجب سنة ثمان عشرة ومائتين، فسلك ما كان المأمون عليه وختم به عمره، من امتحان الناس بخلق القرآن، فكتب إلى البلاد بذلك؛ وأمر المعلّمين أن يعلِّموا الصبيان ذلك، وقاسى الناس منه مشقّة في ذلك، وقَتَلَ عليه خلقاً من العلماء، وضرب الإمام أحمد بن حنبل، وكان ضربه في سنة عشرين- يعني ومائتين (4) -) . ثم ما لبث المعتصم أن توفي سنة سبع وعشرين ومائتين (5) ، وهي السنة التي توفي فيها المصنِّف سعيد بن منصور.
ب - الحالة الفكريّة:
تقدم عرض موجز عن الحالة السياسية للفترة التي عاشها
__________
(1) انظرها في سير أعلام النبلاء (10 / 297 - 298) ، والبداية والنهاية (10 / 285 - 288) .
(2) انظر الموضع السابق من السير.
(3) تاريخ الخلفاء (ص 531) .
(4) تاريخ الخلفاء (ص 533) .
(5) سير أعلام النبلاء (10 / 306) .(المقدمة/36)
المصنِّف سعيد بن منصور ابتداء من بداية الدولة العباسية- تقريباً- وانتهاءً بنهاية ولاية المعتصم. ومن خلال ذلك العرض نلمح بروز العنصر الفارسي في ذلك العصر، وصَاحَبَهُ ظهور الشُّعُوبِيَّة (1) ، وحركة الزندقة، والتَّشَيُّع، وفي آخر الأمر محنة خلق القرآن.
وجميع هذا موصول بنشأة الدولة العباسية التي ظهرت للوجود، وظهر لظهورها بعض المذاهب الفكرية الغريبة عن الحياة الإسلامية، مما تسبب في ظهور بعض الحركات الانفصالية، وانصداع المجتمع آنذاك، واتّساع الهُوَّة بين العلماء والفئة الحاكمة.
ولاشك في أن هناك عدّة أسباب أدّت إلى ظهور هذه المذاهب، من أهمها- في نظري- سببان:
أ - ترجمة الكتب الأعجمية واليونانيّة وغيرها إلى العربية.
ب - بروز العنصر الفارسي ونشاطه وارتباطه بالجهة الحاكمة.
أما ترجمة الكتب الأعجمية واليونانية وغيرها إلى العربية، فإنها أحدثت انفتاحاً آنذاك على ثقافات وعقائد تلك الأمم المترجمة كتبها، كالفارسية والهندية واليونانية، بالإضافة إلى انضمام بعض كُتَّابهم ومفكِّريهم إلى المجتمع الإسلامي، أمثال ابن المُقَفَّع، ومنهم من لبس لباس الإسلام وأبطن الكفر للطّعن في الإسلام من الداخل كما سيأتي في الكلام عن حركة الزنادقة، ومنهم من ليس كذلك، لكنه دخل في الإسلام متلوِّثاً بثقافته السابقة.
وكان لبعض خلفاء بني العباس أثر ذو فاعلية في نشاط حركة
__________
(1) الشُّعُوبِيَّةُ: فرقة تتعصّب على العرب وتحتقرها، ويربط ذلك بعضهم بتوجّه سياسي وأدبي. انظر: الشعوبية وأثرها الاجتماعي والسياسي في الحياة الإسلامية في العصر العباسي الأول (ص 20، 22 - 23) .(المقدمة/37)
الترجمة. فأبو جعفر المنصور أوّل خليفة قرَّب المنجِّمين وعمل بأحكام النجوم، وأوّل خليفة تُرجمت له الكتب السّريانية والأعجمية بالعربية، ككتاب كليلة ودمنة وإقليدس (1) .
وقال الذهبي: (كان المنصور يُصْغي إلى أقوال المنجِّمين وَيَنْفُقُون عليه، وهذا من هِنَاتِه مع فضيلته) (2) . وبلغت حركة ترجمة هذه الكتب ذِرْوَتَها في عصر المأمون الذي كان يُجِلُّ أهل الكلام ويتناظرون في مجلسه (3) ، فإنه استخرج كتب الفلاسفة واليونان من جزيرة قبرص (4) . ولذلك يعتبر هو أول من أدخل المنطق والفلسفة وسائر علوم اليونان في ملّة الإسلام (5) .
ولما ذكره الذهبي (6) قال: (قرأ العلم والأدب والأخبار والعقليّات وعلوم الأوائل، وأمر بتعريب كتبهم، وبالغ، وعمل الرَّصَدَ فوق جبل دمشق، ودعا إلى القول بخلق القرآن وبالغ، نسأل الله السلامة) .
وأما العنصر الفارسي، فإنه الذي قامت على أكتافه دولة بني العباس في عصرها الأول، ولذا عظم في ذلك العصر نفوذ الفرس، مما شجّع أصحاب الديانات الفارسية على القيام بحركة زندقية واسعة، وأتاح الفرصة للشعوبية في أن تسفر عن وجهها. فالموالي كان لهم الدور الأكبر في نشر الدعوة العباسية، وساهموا بالنصيب الأوفر في
__________
(1) انظر تاريخ الخلفاء (ص 430) .
(2) سير أعلام النبلاء (7 / 88) .
(3) سير أعلام النبلاء (10 / 285) .
(4) المرجع السابق (10 / 278 - 279) وتاريخ الخلفاء (ص 521) .
(5) الوسائل إلى معرفة الأوائل للسيوطي (ص 134) .
(6) في سير أعلام النبلاء (10 / 273) .(المقدمة/38)
اعتلاء بني العباس عرش الخلافة، وهذا الذي جعلهم في ذلك العصر أصحاب الحَظْوَةِ والنُّفوذ والبأس، فقرَّبهم الخلفاء إليهم، وولَّوْهُم أعلى المناصب في الدولة، وكان لأبي جعفر المنصور قَدَمُ السَّبْقِ في ذلك؛ فهو أول من استعمل مواليه على الأعمال، وقَدَّمهم على العرب، وكثُر ذلك بعده حتى زالت رئاسة العرب وقيادتها، بحيث أصبح العنصر الفارسي أكثر العناصر امتيازاً وتَفَوُّقاً. وفي هذا الجوّ المتسامح استطاع الأعاجم أن يجهروا بعدائهم للعرب، وأن يفخروا عليهم، ويُحَقِّروا من شأنهم (1) .
ولما ذكر الذهبي مصير الأمر إلى بني العباس قال: (فرحنا بمصير الأمر إليهم، ولكن- والله- ساءنا ما جرى- لَمَّا جرى- من سيول الدماء، والسبي والنهب، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فالدولة الظالمة مع الأمن وحقن الدماء، ولا دولة عادلة تنتهك دونها المحارم، وأنَّى لها العدل؟ بل أتت دولة أعجميّة خراسانية جبّارة، ما أشبه الليلة بالبارحة!) (2) .
وهذا ما دفع بعض المؤرخين للقول بأن دولة بني العباس دولة خراسانية شرقية (3) ، وفي هذا يقول المقريزي: (إن بني العباس أخذوا الخلافة بالغَلَبَةِ بأيدي عجم أهل خراسان، ونالوها بالقوة، حتى أزال عجم خراسان دولة بني أمية ... ، بل استحالت الخلافة كسرويَّة
__________
(1) مقتبس من كتاب (الشعوبية وأثرها الاجتماعي والسياسي في الحياة الإسلامية في العصر العباسي الأول) (ص 77، 85، 131) ، مع بعض التصرف والزيادة من تاريخ الخلفاء (ص 430) .
(2) سير أعلام النبلاء (6 / 58) .
(3) الآثار الباقية للبيروني (213) نقلاً عن كتاب (الشعوبية وأثرها الاجتماعي ... ) ص 79.(المقدمة/39)
قيصريَّة) (1) .
ومن أظهر الأدلّة على النزعة الأعجمية في الدولة العباسية: ما حصل للعرب وقتها من القتل الذي يقال إنه بإيعاز من آل العباس أنفسهم. فقد وقع في يد مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية جواب كتاب كتبه إبراهيم بن محمد إلى أبي مسلم الخراساني يأمره فيه بقتل كل من تكلم بالعربية في خراسان (2) . ولذلك يقول الذهبي: (كان أبو مسلم بلاء عظيماً على عرب خراسان، فإنه أبادهم بحدِّ السيف) (3) .
ويقول أيضاً: (وقد كان بعض الزنادقة والطُّغَام من التناسُخِيَّة اعتقدوا أن الباري سبحانه وتعالى حَلَّ في أبي مسلم الخراساني المقتول؛ عند ما رأوا من تجبُّره واستيلائه على الممالك وسفكه للدماء، فأخبار هذا الطاغية يطول شرحها) (4) .
وسئل عبد الله بن المبارك رحمه الله عن أبي مسلم: أهو خير أم الحجاج؟ فقال: لا أقول إن أبا مسلم كان خيراً من أحد، ولكن كان الحجاج شراً منه (5) . وقال علي بن عَثَّام: قال إبراهيم الصائغ: لما رأيت العرب وصنيعها، خِفْتُ ألا تكون لله فيهم حاجة، فلما سلّط الله عليهم أبا مسلم، رجوت أن تكون لله فيهم حاجة (6) .
__________
(1) النزاع والتخاصم للمقريزي (ص 66) نقلاً عن المرجع السابق.
(2) سير أعلام النبلاء (6 / 58 - 59) .
(3) المرجع السابق (6 / 53) .
(4) السابق أيضاً (6 / 67) .
(5) تاريخ دمشق لابن عساكر (10 / 196 مخطوط الظاهرية) ، والبداية والنهاية لابن كثير (10 / 71) .
(6) تاريخ دمشق (10 / 190 مخطوط الظاهرية) ، وسير أعلام النبلاء (6 / 53) .
ويعني إبراهيم الصائغ بكلامه هذا: أن العرب بَدَرَت منهم بعض الهفوات =(المقدمة/40)
وكان إبراهيم بن ميمون الصائغ قائل هذه المقالة أحد ضحايا أبي مسلم، فإنه كان من أصحابه وجلسائه في زمن الدعوة لبني العباس، وكان أبو مسلم يَعِدُهُ إذا ظهر أن يقيم الحدود. فلما تمكّن أبو مسلم، ألَحَّ عليه إبراهيم بن ميمون في القيام بما وعده به حتى أَحْرَجَهُ، فأمر بضرب عنقه، وقال له: لم لا كنت تنكر على نصر بن سيّار وهو يعمل أواني الخمر من الذهب، فيبعثها إلى بني أميّة؟ فقال له: إن أولئك لم يقرِّبوني من أنفسهم، ويعدوني منها ما وعدتني أنت. وقد رأى بعضهم لإبراهيم بن ميمون هذا منازل عالية في الجنة؛ بصبره على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه كان آمراً ناهياً قائماً في ذلك، فقتله أبو مسلم (1) .
ويقول أبو نعيم الأصبهاني: (قتله أبو مسلم مظلوماً شهيداً سنة إحدى وثلاثين ومائة) (2) .
فظهر مما تقدم أن الشعوبية أعلنت عداءها للعرب في العصر العباسي الأول، وبرز العنصر الفارسي مستغلاً نصرته لدولة العباسية، هذا مع أن الدعوة العباسية ظهرت وانتشرت في خراسان، وكانت خراسان مركزاً للديانات والعقائد الفارسية (3) . والدولة العباسية، وإن كانت في أصلها دولة عربية، إلا أنها قامت على أكتاف قائد فارسي
__________
= والمظالم التي جعلته يتخوّف عليهم من أن لا تكون لله فيهم حاجة، ولم يتصور أن العرب مع ما فيهم هم خير من غيرهم في الجملة، فلما رأى ولاية أبي مسلم وما صنع بالعرب من الظلم استدرك، فرجى أن تكون لله فيهم حاجة، فإن الظالم يسلط عليه من هو أظلم منه، ولذلك يقول علي بن عَثَّام بعد ذكره لهذا القول: (ما انتقم الله من قوم ((في الأصل: لقوم)) إلا بشرٍّ منهم) .
(1) البداية والنهاية (10 / 68) .
(2) تهذيب الكمال (2 / 224) .
(3) انظر كتاب: (الشعوبية وأثرها الاجتماعي ... ) (ص 68 - 70، 80) .(المقدمة/41)
الأصل، وهو أبو مسلم الخراساني (1) ، وكان مُعْظَمُ جيشه من أهل خراسان (2) ، وهذا الذي شجع أصحاب الديانات الفارسية على القيام بحركة زندقية واسعة (3) ، لأنها وجدت حافزاً لها في هذه البيئة المناسبة لدعوتها، وليس أدَلَّ على هذا من أن الذين قاموا يطالبون بالثأر لأبي مسلم الخراساني لما قتله أبو جعفر المنصور هم من المجوس، يقول الذهبي: (ولما قتل- يعني أبا مسلم- خرج بخراسان سنباذ للطلب بثأر أبي مسلم، وكان سنباذ مجوسياً، فغلب على نيسابور والرَّيّ، وظفر بخزائن أبي مسلم، واستفحل أمره، فجهز المنصور لحربه جمهور بن مَرَّار العجلي في عشرة آلاف فارس، وكان المصَافّ بين الرَّيّ وهمذان، فانهزم سنباذ، وقتل من عسكره نحو من ستين ألفاً، وعامتهم كانوا من أهل الجبال، فسبيت ذراريهم، ثم قتل سنباذ بأرض طبرستان) (4) .
وتقدم قريباً ما ذكره الذهبي من أن بعض الزنادقة والطُّغَام من التناسخية اعتقدوا أن الباري سبحانه وتعالى حلّ في أبي مسلم الخراساني المقتول، ولذا نجد هناك من اتهم أبا مسلم في إسلامه.
يقول ابن كثير: (قد اتهمه بعضهم على الإسلام، ورموه بالزندقة، ولم أر فيما ذكروه عن أبي مسلم ما يدلّ على ذلك، بل على أنه كان ممن يخاف الله من ذنوبه، وقد ادّعى التوبة فيما كان منه من سفك الدماء في إقامة الدولة العباسية، والله أعلم بأمره) (5) .
والزَّنْدَقَةُ: لفظة فارسية معَرَّبَة، والزنادقة: هم المبطنون للكفر،
__________
(1، 2، 3) انظر كتاب (الشعوبية وأثرها الاجتماعي ... ) (ص 68 - 70، 80) .
(4) سير أعلام النبلاء (6 / 71) .
(5) البداية والنهاية (10 / 71) .(المقدمة/42)
المظهرون الإسلام، أو الذين لا يتديّنون بدين، يفعلون ذلك استخفافاً بالدين (1) .
قال الدكتور عمر فلاتة (2) : ((وقد اندس الزنادقة بين صفوف المسلمين عند ما أكرهوا على الدخول في دين الله، فأظهر جماعة منهم الإسلام، ولم تنشرح صدورهم له، وقد كان بعض هؤلاء الزنادقة ذوي مكانة في مجتمعاتهم قبل الفتح الإسلامي لبلدانهم، وبسقوط إمبراطورياتهم ومملكاتهم أضحوا نسياً منسياً، فدفع بهم الحقد الدفين في نفوسهم إلى الكيد للإسلام والمسلمين، وقد أجهدوا أنفسهم للوصول إلى أغراضهم. ولما كان باب القرآن قد أُوصِد أمامهم، منذ جُمِع الناس على مصحف واحد، لجأوا إلى باب السنة، منه يدخلون، وعلى السذج من المسلمين يلفقون، فأذكوا نار الفتنة، ووسعوا دائرة الخلاف بين المسلمين، وأدرجوا في الشريعة السمحاء من معتقداتهم الباطلة، يعززونها بوضع الحديث عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -.
وقد تعددت طرقهم في كيفية بث سمومهم ونشر مفترياتهم، فمنهم من اتخذ التشيع له شعاراً ينشر منه مفترياته كما فعل ابن سبأ.
ومنهم من كان يدس الأباطيل والأكاذيب السخيفة عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -، قاصدين بذلك تشويه صورة الإسلام الناصعة، في عقائده وعباداته ومقاصده، فقد وضعوا أحاديث تتعلق بذات الله وصفاته تتناقض مع عقيدة الإسلام الصحيحة، وهي تَنُمُّ عما تنطوي عليه بواطنهم، بالإضافة إلى ما يقصدون من وراء ذلك من تنفير العامة عن الإسلام، وإظهاره بمظهر الدين المتناقض الذي يشتمل على كثير من الأمور
__________
(1) انظر لسان العرب (10 / 147) ، وفتح المغيث للسخاوي (1 / 239) ، والوضع في الحديث لعمر فلاتة (1 / 220) .
(2) في كتابه: الوضع في الحديث (1 / 220 - 223) .(المقدمة/43)
المتناقضة وغير المعقولة.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن هؤلاء الزنادقة كثيراً ما نراهم يُقِرُّون بالوضع، بل إن غالبهم كان يُقِرُّ بأنه وضع أحاديث كثيرة تركها تجول بأيدي العامة من الناس.
فهذا عبد الكريم بن أبي العوجاء، لما أراد محمد بن سليمان بن علي ضرب عنقه قال: والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرّم فيها الحلال، وأحل فيها الحرام، ولقد فطرّتكم في صومكم، وصوّمتكم في يوم فطركم.
وهذا المهدي يقول: أقرّ عندي رجل من الزنادقة أنه وضع أربعمائة حديث فهي تجول في أيدي الناس.
ثم قال الدكتور عمر فلاتة: ويرى بعض الباحثين أن إقرار الزنادقة بوضع الحديث، وإصرارهم على ذلك، إنما هو من تحدِّيهم للمسلمين وإصرارهم على زندقتهم.
وقد بدا لي والله أعلم أن إقرار بعضهم، واعترافهم بالوضع في الحديث بصور هائلة، وأرقام خيالية، هو جزء من مخططهم الرهيب، فقد أبت زندقتهم إلا تنفير الناس من معتقداتهم، والطعن عليهم في دينهم، وقد بذلوا جهدهم في ذلك حال تمتعهم بحرياتهم، فلما أُخذوا وأيقنوا بالهلاك، عملوا على تنفيذ مخططاتهم، بالتشكيك فيما في أيدي الناس من الأحاديث والروايات، وليس معنى هذا أنهم لم يكذبوا مطلقاً، بل إنهم كذبوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - بعض الأحاديث، وهم بذلك يُعَدُّون كذابين وضاعين، إلا أنه لا ينبغي أن يسلّم لهم وضع هذه الأعداد الهائلة، لا سيما وأن بعضهم حصرها في تحليل الحرام، أو تحريم الحلال. ولو تتبعنا الكتب التي عنيت بجمع الأحاديث الموضوعة، لم تبلغ هذا العدد، فضلاً عن أن تبلغ أحاديث الأحكام(المقدمة/44)
هذا الرقم. فالزنادقة كما أفسدوا حال حياتهم، أرادوا أن يفسدوا أيضاً بعد أخذهم وتقتيلهم، فألقوا القول رغبة في تشكيك الناس في سنة رسولهم - صلى الله عليه وسلم -، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وقد أحسن الخلفاء صنعاً حينما أخذوهم وقعدوا لهم كل مرصد، وأراحوا الأمة الإسلامية منهم؛ بإنزال أشد العقوبة بهم، وكَفَوا المسلمين شرّهم، فقد سنّ الوالي خالد بن عبد الله القسري سنة حسنة فيهم حينما ضحّى بالجعد بن درهم سنة 125 هـ ثم صار خلفاء بني العباس على سنته لما أحسوا بخطرهم على كيان الإسلام، فتعقبوهم قتلاً وتشريداً، وأشهر من أعمل في رقابهم التأديب: الخليفة المهدي الذي أنشأ ديواناً خاصاً للزنادقة يتتبع فيه أوكارهم ويقضي على رؤسائهم) اهـ بتصرف.
وهذا الذي أشار إليه الدكتور عمر فلاتة من أن المهدي أنشأ ديواناً خاصاً للزنادقة سبق الكلام عنه مع ذكر بعض من أوقع بهم العقوبة لاتهامهم بالزندقة (1) ، وسار ابناه الهادي والرشيد على طريقته، وسبق ذكر قصة الزنديق الذي أمر هارن الرشيد بضرب عنقه، فقال الزنديق: لم تضرب عنقي؟ قال له: أريح العباد منك. قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -، كلُّها ما فيها حرف نطَقَ به؟ قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفَزَاري وعبد الله بن المبارك يَنْخُلانها، فيخرجانها حرفاً حرفاً (2) ؟.
وأما التشيع فمتعلق بنشأة الدولة العباسية التي نشأت في خراسان تحت ستار الانتصار لأهل البيت، وخراسان هي مركز
__________
(1، 2) انظر (ص 23 - 24، 27) من هذه المقدمة.(المقدمة/45)
التشيع (1) ، وكانت الدعوة العباسية في بدايتها تسير مع التشيع جنباً إلى جنب، إلى أن جاء أبو جعفر المنصور، فنحَّى أولاد علي خوفاً على سلطان بني العباس، وهو أول من أوقع الفرقة بين ولد العباس وولد علي، وكان قبل ذلك أمرهم واحداً (2) .
ولما رأى العلويون أنهم قد نُحُّوا، قاموا بعدة ثورات، منها ثورة محمد وأخيه إبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب على أبي جعفر المنصور، وتقدّمت الإشارة إليها (3) .
وهناك ثورات أخرى من أهمها: ثورة الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب على الهادي في سنة تسع وستين ومائة (4) .
وفي سنة سبعين ومائة خرج بعض أهل البيت على هارون الرشيد (5) .
وفي سنة ست وسبعين ومائة خرج على الرشيد أيضاً يحيى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب (6) .
وفي سنة سبع ومائتين خرج على المأمون باليمن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (7) .
وفي سنة تسع عشرة ومائتين خرج على المعتصم محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالطّالقان من خراسان (8) .
__________
(1) انظر كتاب (الشعوبية وأثرها الاجتماعي ... ) (ص 68) .
(2) تاريخ الخلفاء (ص 430) .
(3) انظر (ص 20) من هذه المقدمة.
(4، 5، 6، 7، 8) انظر أخبار هذه الثورات في البداية والنهاية لابن كثير (10 / 157، 161، 167، 259، 260، 282) .(المقدمة/46)
وقد أطلّ التشيع برأسه في عهد المأمون الذي كان يتشيع ويظهر التشيع، واسْتَوْزَرَ الفضل بن سهل، وهو أول وزير للمأمون، وسمّاه المأمون: ذا الرئاستين؛ لأنه تولى رئاسة السيف ورئاسة القلم- أي رئاسة الجيوش ورئاسة الديوان-، وهو أول وزير لُقِّب، وأول وزير اجتمعت له الوزارة واللقب والتأمير (1) .
وكان الفضل متشيعاً، وله أثر كبير في نقل الخلافة من آل العباس إلى آل علي (2) حينما بايع المأمون عليّاً الرضا بولاية العهد من بعده على ما سبق بيانه (3) .
وتقدم أن المأمون في سنة إحدى عشرة ومائتين أمر بأن يُنَادى: برئت الذِّمَّة ممن ذكر معاوية بخير، وإن أفضل الخلق بعد رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -: علي بن أبي طالب، وقدَّمه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم (4) .
وكان المأمون أيضاً أول من أظهر القول بخلق القرآن، وكان قبل ذلك مُحَارَباً من خلفاء بني العباس، فهارون الرشيد توعَّد وقتل على هذه المسألة (5) .
وكذلك ابنه الأمين، وقصته مع إسماعيل بن إبراهيم بن عليّة معروفة، وسبق ذكرها (6) .
فلما جاء المأمون أظهر القول بخلق القرآن في سنة اثنتي عشرة ومائتين، فكاد البلد يفتتن، فكفَّ عن ذلك حتى سنة ثمان عشرة ومائتين حيث امتحن الناس بالقول بخلق القرآن (7) ، ودفعه إلى ذلك أمران:
__________
(1) انظر الوسائل إلى معرفة الأوائل للسيوطي (ص 85) ، وكتاب: (الشعوبية وأثرها ... ) (ص 293 - 303) .
(2) الشعوبية وأثرها الاجتماعي ... (ص 296) .
(3، 4، 5، 6) انظر (ص 26 - 32) من هذه المقدمة.
(7) انظر ما تقدم (ص 33) .(المقدمة/47)
1- تأثُّرُه بما أدخله في ملة الإسلام من المنطق والفلسفة وسائر علوم اليونان، التي يعتبر أول من أدخلها؛ حينما أحضرها من جزيرة قبرص (1) .
2- تأثُّرُه بالمعتزلة والجهمية الذين قرَّبهم وأدناهم ممن أخذوا بقول جهم بن صفوان، وجهم أخذه من الجعد بن درهم، والجعد أخذه من أبان بن سمعان، وأخذه أبان من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذه طالوت من خاله لبيد، وهو الذي سحر النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يقول بخلق التوراة (2) .
يقول الذهبي رحمه الله: (كان الناس أمة واحدة، ودينهم قائماً في خلافة أبي بكر وعمر، فلما استُشهد قُفْلُ باب الفتنة عمر رضي الله عنه، وانكسر الباب، قام رؤوس الشر على الشهيد عثمان حتى ذُبح صبراً. وتَفَرَّقَت الكلمة، وتَمَّت وقعة الجمل، ثم وقعة صِفِّين، فظهرت الخوارج، وكفَّرت سادةَ الصحابة، ثم ظهرت الروافض والنواصب.
وفي آخر زمن الصحابة ظهرت القدرية، ثم ظهرت المعتزلة بالبصرة، والجهمية والمجسِّمة بخراسان في أثناء عصر التابعين، مع ظهور السنة وأهلها، إلى ما بعد المائتين. فظهر المأمون الخليفة- وكان ذكياً متكلِّماً، له نظر في المعقول-، فاستجلب كتب الأوائل، وعَرَّبَ حكمة اليونان، وقام في ذلك وقعد، وخَبَّ (3) وَوَضَعَ (4) ، ورفعت الجهمية
__________
(1) انظر ما تقدم (ص 38) ، وكتاب الوسائل إلى معرفة الأوائل للسيوطي (ص 134) ، وما سيأتي.
(2) الوسائل للسيوطي (ص 131 - 132) .
(3) أي أسرع في عَدْوِهِ، (لسان العرب 1 / 341) .
(4) الوَضْعُ: ضرب من سير الإبل دون الشَّدَّ، وقيل: هو فوق الخَبَبَ. المرجع السابق (8 / 398) .(المقدمة/48)
والمعتزلة رؤوسها، بل والشيعة، فإنه كان كذلك. وآل به الحالُ إلى أن حمل الأمة على القول بخلق القرآن، وامتحن العلماء، فلم يُمْهَلْ، وهَلَكَ لعامه، وخَلَّى بعده شرّاً وبلاءً في الدين، فإن الأمة ما زالت على أن القرآن العظيم كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله، لا يعرفون غير ذلك، حتى نبغ لهم القول بأن كلام الله مخلوق مجعول، وأنه إنما يضاف إلى الله تعالى إضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله. فأنكر ذلك العلماء. ولم تكن الجهمية يظهرون في دولة المهدي والرشيد والأمين، فلما ولي المأمون، كان منهم، وأظهر المقالة) (1) .
وقال أبو الفرج ابن الجوزي: (خالطه- أي المأمون- قوم من المعتزلة، فحسنَّوا له القول بخلق القرآن، وكان يتردد ويراقب بقايا الشيوخ، ثم قوي عزمه وامتحن الناس) (2) .
وكانت بداية المحنة لمّا قوي عزم المأمون في سنة ثمان عشرة ومائتين، وكان مقامه آنذاك بطرسوس، فأرسل إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم كتاباً طويلاً لامتحان العلماء يقول فيه: (وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حَشَوَةِ الرَّعيَّة، وسَفَلة العامّة ممن لا نظر له ولا رويَّة، ولا استضاء بنور العلم وبرهانه، أهل جهالة بالله وعمىً عنه، وضلالة عن حقيقة دينه ... ) إلى أن قال: (فاجمع من بحضرتك من القضاة، فأقرأ عليهم كتابنا، وامتحنهم فيما يقولون، واكشفهم عما يعتقدون في خلقه وإحداثه ... ) إلخ الكتاب (3) .
ثم كتب المأمون إلى نائبه كتاباً آخر يأمره فيه أن يُشخص إليه
__________
(1) سير أعلام النبلاء (11 / 236) .
(2) سير أعلام النبلاء (11 / 237) .
(3) انظره في سير أعلام النبلاء (10 / 287 - 288) ، وتاريخ الخلفاء (ص 493 - 494) .(المقدمة/49)
سبعة من العلماء، وهم: محمد بن سعد كاتب الواقدي، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأبو مسلم المستملي عبد الرحمن بن يونس، وإسماعيل بن داود، وأحمد الدَّوْرَقي، وإسماعيل بن أبي مسعود، فامتُحنوا، فأجابوا.
قال يحيى بن معين: (جَبُنّا خوفاً من السيف) .
ثم كتب المأمون بعد ذلك كتاباً آخر يأمر فيه بإحضار من امتنع، وهم عدّة نفر، منهم: الإمام أحمد، ومحمد بن نوح، وعبيد الله بن عمر القواريري، والحسن بن حماد المعروف بـ: سجَّادة.
فأجابوا كلهم إلا هؤلاء الأربعة، فأمر بهم إسحاق فقُيِّدوا، ثم سألهم من الغد وهم في القيود، فأجاب سجّادة، ثم عاودهم ثالثاً، فأجاب القواريري، وصمَّم الإمام أحمد ومحمد بن نوح، فبعث بهما مقيَّدين إلى المأمون، فتوفي محمد بن نوح- رحمه الله- في الطريق، ودعا الله الإمامُ أحمد أن لا يريه وجه المأمون، فتلقّاهم خبر موت المأمون في الطريق.
ثم تولى الخلافة بعده المعتصم، فسلك ما كان المأمون ختم به عمره من امتحان الناس بخلق القرآن، فكتب إلى البلاد بذلك، وأمر المعلمين أن يعلموه الصبيان، وقاسى الناس منه مشقّة، وقَتَل عليه خلقاً من العلماء، وضُرب الإمام أحمد، وكان ضربه في سنة عشرين، وقيل: سنة تسع عشرة ومائتين، فصبر رحمه الله حتى أعيا المعتصم أمره، فكفّ عن ضربه، وفرّج الله عنه، واستمرّت هذه المحنة بقية ولاية المعتصم، ثم ابنه الواثق من بعده، حتى جاء المتوكِّل- رحمه الله- من بعدهما، فرفع المحنة عن الناس، وأظهر السنَّة (1) .
__________
(1) انظر فيما سبق ومزيد تفصيل عن هذه المحنة الكتب الآتية: ذكر محنة الإمام أحمد =(المقدمة/50)
قال الذهبي: (وامتحن- أي المعتصم- الناس بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الإمصار، وأخذ بذلك المؤذِّنين وفقهاء المكاتب، ودام ذلك حتى أزاله المتوكِّل بعد أربعة عشر عاماً) (1) .
ومن الواضح أن هذه المحنة إنما طالت من كان قريباً من محلّ إقامة الخليفة، وكان سعيد بن منصور آنذاك بمكة، ولم يُذكر أن أحداً من العلماء المقيمين بمكة امتُحن كما امتُحن هؤلاء المذكورون ومن كان معهم، إلا أن صدى الفتنة عمَّ أرجاء العالم الإسلامي، فساء ذلك علماء أهل السنة، فشرعوا في الردّ على أصحاب هذه المقالة، والتحذير من الخوض في علم الكلام ومجالسة أهل الأهواء، وأقوالهم في هذا كثيرة جداً (2) . وكان بعض هذه الردود والتحذيرات في مؤلفات مستقلة ككتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد، وبعضهم يسميه: (الرد على الجهمية) (3) ، ومعظم رواياته فيه عن أبيه، وبعض هذه الردود تأتي على صفة أبواب ضمن مؤلفات كما صنع سعيد بن منصور في سننه، فإنه عقد أبواباً تتعلق بأصول الاعتقاد؛ مثل الشفاعة، والقَدَر، والنهي عن مجالسة أهل الأهواء، والنهي عن الاستماع لأهل البدع، والنهي عن سب أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، وسيأتي مزيد تفصيل لهذا في الكلام عن معتقده.
__________
= لابن عمه حنبل بن إسحاق، وكتاب المحن لأبي العرب التميمي (ص 438 - 444) ، وسير أعلام النبلاء (10 / 287 -288، 292، 307) ، (11 / 232 فما بعد) ، والبداية والنهاية لابن كثير (10 / 330 - 340) ، وتاريخ الخلفاء (ص 493 - 499) .
(1) سير أعلام النبلاء (10 / 291) .
(2) انظر على سبيل المثال كتاب الإبانة لابن بطّة (1 / 390 فما بعد) .
(3) وقد طبع الكتاب عدة طبعات، منها طبعة جيدة بتحقيق الشيخ الدكتور محمد بن سعيد القحطاني، نشرته دار ابن القيم بالدمام عام 1406هـ، وقد ذكر في المقدمة (ص 57) أنه هناك من يسميه: (الرد على الجهمية) .(المقدمة/51)
جـ- الحالة العلمية:
إن هذه الفترة التي عاشها سعيد بن منصور هي الفترة الذهبية للحالة العلمية في تاريخ الأمة الإسلامية. فقد شهد هذا العصر كثيراً من الشخصيات العلمية البارزة التي كان لها أكبر الأثر على الأمة، ولا تزال آثارها باقية. وعلى رأس هؤلاء: الأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى. كما أن هناك كثيراً من فحول العلماء الذين لا يقلّون عن هؤلاء أهمّية؛ أمثال: ابن جريج والأوزاعي وشعبة وسفيان الثوري وحماد بن سلمة وحماد بن زيد والليث بن سعد وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير وعبد الله بن وهب وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان، وغيرهم كثير.
ويعتبر هذا العصر هو عصر التصنيف وتدوين السنة على الأبواب، وبدايته من سنة ثلاث وأربعين ومائة، وكانت السنّة قبل ذلك يتلقاها العلماء حفظاً، أو في صحف غير مرتّبة.
يقول الذهبي رحمه الله: (في سنة ثلاث وأربعين- يعني ومائة- شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير. فصنَّف ابن جريج بمكة، ومالك الموطأ بالمدينة، والأوزاعي بالشام، وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة، ومعمر باليمن، وسفيان الثوري بالكوفة، وصنَّف ابن إسحاق المغازي، وصنف أبو حنيفة رحمه الله الفقه والرأي، ثم بعد يسير صنف هشيم، والليث، وابن لهيعة، ثم ابن المبارك، وأبو يوسف، وابن وهب، وكثُر تدوين العلم وتبويبه ودوِّنت كتب العربية، واللغة، والتاريخ، وأيام الناس. وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم، أو يَرْوُونَ العلم من صحف صحيحة غير مرتَّبة) (1) .
__________
(1) تاريخ الخلفاء (ص 416 - 417) .(المقدمة/52)
وسبق أن بَيَّنْتُ (1) متى بدأ التدوين والتصنيف، وأن أوَّل من صنّف على الأبواب: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (ت 150 هـ) بمكة، والإمام مالك بن أنس (ت 179 هـ) أو محمد بن إسحاق بن يسار (ت 151 هـ) بالمدينة والربيع بن صَبيح (ت 160 هـ) أو سعيد بن أبي عروبة (ت 156 هـ أو 157 هـ) ، أو حماد بن سلمة (ت 167 هـ) بالبصرة، وسفيان الثوري (ت 161 هـ) بالكوفة، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت 157 هـ) بالشام، وهشيم بن بشير الواسطي (ت 183 هـ) بواسط، ومعمر بن راشد (ت 153 هـ) باليمن، وجرير بن عبد الحميد (ت 188 هـ) بالرَّيّ، وعبد الله بن المبارك المَرْوَزي (ت 181 هـ) بمَرْو وخراسان.
أما ابن جريج، فصنّف كتاب السنن، وكتاب الحج أو المناسك، وكتاب التفسير، وكتاب الجامع (2) .
وأما الإمام مالك، فصنّف كتاب الموطّأ (3) .
وأما محمد بن إسحاق، فصنّف كتاب المغازي (4) .
وأما سعيد بن أبي عروبة، فله مصنّفات كثيرة، منها: تفسير القرآن، والسنن، والمناسك، والنكاح، والطلاق (5) .
__________
(1) انظر ما تقدم (ص 5 / ق - 7 / ق) .
(2) انظر الفهرست للنديم (ص 282) والتهذيب (2 / 205) ، (4 / 244) ، ودراسات في الحديث النبوي للدكتور محمد مصطفى الأعظمي (ص 286 - 289) . وذكر النديم أن كتاب السنن يحتوي على مثل ما تحتوي عليه كتب السنن، مثل: الطهارة والصيام والصلاة والزكاة وغير ذلك.
(3) وهو كتاب مشهور طبع عدة طبعات، منها بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
(4) وهو مشهور أيضاً، يوجد منه قطعة نشرها الدكتور سهيل زكار، كما أن ابن هشام هذب سيرة ابن إسحاق وطبع كتابه هذا عدة طبعات.
(5) انظر الفهرست للنديم (ص 283) ، وفتح الباري (9 / 464) ، ودراسات في الحديث النبوي (ص 254 - 256) .(المقدمة/53)
وأما سفيان الثوري، فله كتب عدَّة، منها: الجامع الكبير، والجامع الصغير، والفرائض، والتفسير (1) .
وأما الأوزاعي، فالّف كتباً عديدة، إلا أنها احترقت ولم يبق منها شيء سوى اقتباسات في بعض الكتب، فمن كتبه: كتاب السنن في الفقه، وكتاب المسائل في الفقه (2) .
وأما هشيم بن بشير، فهو ممن كثرت عنايته بالآثار، وجمعه للأخبار، وحفظ، وصنَّف كتباً عديدة، منها: السنن في الفقه، والتفسير، والقراءات، والصلاة (3) .
وأما معمر بن راشد، فصنّف كتاب المغازي، وكتاب التفسير، وكتاب الجامع (4) .
وأما عبد الله بن المبارك، فصنّف كتباً عديدة، منها: المسند وكتاب الزهد، وكتاب الجهاد، وكتاب السنن في الفقه، وكتاب التفسير، وكتاب التاريخ، وكتاب البر والصلة (5) .
__________
(1) الفهرست للنديم (ص 281) ، ودراسات في الحديث النبوي (ص 256 - 261) .
(2) أيضاً الفهرست للنديم (ص 284) ، ودراسات في الحديث النبوي (ص 278 - 279) .
(3) الفهرست للنديم (ص 284) ، وذكر أخبار أصبهان (1 / 118) ، ودراسات في الحديث النبوي (ص 318) .
(4) الفهرست أيضاً (ص 106) ، ودراسات في الحديث النبوي (ص 312) .
وقد طبع كتاب الجامع لمعمر في آخر مصنف عبد الرزاق بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي.
(5) الفهرست للنديم (ص 284) .
وقد طبع كثير من هذه الكتب لابن المبارك، أما كتاب المسند فهناك قطعة منه قام بتحقيقها صبحي السامرائي، ونشرته دار المعارف بالرياض عام 1407 هـ، ثم قام بتحقيقه أيضاً الدكتور مصطفى عثمان وضمّ إليه كتاب البر والصلة، ونشرته دار الكتب العلمية ببيروت عام 1411 هـ. =(المقدمة/54)
وكان هؤلاء الأئمة في عصر واحد تقريباً، فلا ندري أيهم كان أسبق، وإن قال بعضهم: إن ابن جريج أول من صنف، إلا أن الأَوْلى أن يُقَيَّد كل منهم بمصره، فيقال: أول من صنف بالكوفة سفيان الثوري، وهكذا (1) .
وبعض هؤلاء الذين هم أول من صنف من شيوخ سعيد بن منصور، مثل الإمام مالك وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير وجرير بن عبد الحميد.
ولم يكن التصنيف في ذلك العصر مقصوراً على هؤلاء، بل هناك عدد كثير ممن صنَّف غيرهم، نذكر منهم:
1- إبراهيم بن طَهْمان (ت 163 هـ) :
كتب الكثير، ودوّن كتبه التي أثنى عليها ابن المبارك بقوله: (إبراهيم بن طهمان صحيح الكتب) (2) .
ومن كتبه: التفسير، والسنن في الفقه، والعيدين، والمناقب (3) .
2- الحسين بن واقد المَرْوَزي (ت 159 هـ) :
له كتاب التفسير، وكتاب الوجوه في القرآن (4) .
__________
= وأما كتاب الزهد فقام بتحقيقه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، ونشره محمد عفيف الزعبي.
وأما كتاب الجهاد، فقام بتحقيقه الدكتور نزيه حمّاد، ونشرته دار المطبوعات الحديثة بجدّة.
(1) كما تقدم ذكره عن الحافظين: العراقي وابن حجر (ص 7 / ق) من هذه المقدمة.
(2) الجرح والتعديل (2 / 108) .
(3) الفهرست للنديم (ص 284) ، ودراسات في الحديث النبوي (ص 224) .
وقد طبع جزء حديثي بعنوان: (مشيخة ابن طهمان) بتحقيق الدكتور محمد طاهر مالك الذي رجح في المقدمة (ص 6) أن هذا الكتاب هو كتاب السنن في الفقه لابن طهمان، وأن كلمة (سنن) تصحّفت إلى (مشيخة) .
(4) الفهرست للنديم (ص 284) ، ودراسات في الحديث النبوي (ص 242) .(المقدمة/55)
3- زائدة بن قدامة الثقفي (ت 160 هـ) :
له كتب، منها: السنن، والقراءات، والتفسير، والزهد، والمناقب (1) .
4- سفيان بن عيينة (198 هـ) :
له كتاب التفسير (2) .
5- مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي ذئب (ت 158 هـ) :
له كتاب السنن، ويحتوي على الفقه، مثل: الصلاة، والطهارة، والصيام، والزكاة، والمناسك، وغير ذلك.
وله كتاب الموطأ، وقد يكون هو نفس السنن، وقد بقي هذا الموطأ لعدة قرون (3) .
وتقدم (4) أن معظم هذه المصنفات كان يضم أحاديث النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما ورد عن الصحابة والتابعين، إلى أن رأى بعض الأئمة أن تفرد أحاديث النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة، وذلك على رأس المائتين، فصُنِّفَت المسانيد.
وقد كان لتلك الهجمة الشرسة من الزنادقة وأهل الكلام على العقيدة الإسلامية والسنة النبوية أثر إيجابي على الحركة العلمية آنذاك، حيث شعر العلماء بعظم المسئولية الملقاة على عاتقهم، فعنوا بنقد الأحاديث، والكشف عن أحوال الرواة، والرد على أهل الكلام والتحذير منهم.
__________
(1) الفهرست أيضاً (ص 282) ، ودراسات في الحديث النبوي (ص 250) .
(2) الفهرست (ص 282) ، ودراسات في الحديث النبوي (ص 261 - 262) .
(3) الفهرست (ص 281) ، ودراسات في الحديث النبوي (ص 306) .
(4) في (ص 7 / ق) .(المقدمة/56)
فجواب هارون الرشيد لذلك الزنديق الذي ادّعى أنه وضع ألف حديث يدلّ على أن علماء الحديث قد تصدّوا لنقد الأحاديث التي وضعها الزنادقة وغيرهم، وبيّنوا الزائف من غيره. وشبيه به ما ذكره عبدة بن سليمان قال: قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة، {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (1) .
وأما الكشف عن أحوال الرواة فَيَتَجَلَّى بالنظر إلى ذلك الكم الهائل المودع في كتب الرجال، من كلامهم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وتمييز الثقات من الضعفاء والمجاهيل، ومن كان ثقة ثم عرض له عارض يوجب ضعفه كالاختلاط، ومن هو ثقة ولا تقبل روايته إلا بشروط كالمدلِّسين، والعناية بتواريخ مواليد الرواة ووفياتهم وبلدانهم ... ، إلى غير ذلك مما يتوصل من خلاله إلى نقد الأسانيد.
وكان الكشف عن أحوال الرواة موجوداً منذ عهد النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لكن العلماء في هذا العصر تصدَّوا له بسبب ما تقدم ذكره من وجود الحاجة؛ للوقوف في وجه تلك التحديات المشار إليها.
يقول صالح جزرة: (أول من تكلم في الرجال شعبة بن الحجاج، ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم بعده أحمد بن حنبل ويحيى بن معين) (2) .
قال ابن الصلاح تعليقاً على هذا الكلام: (قلت: وهؤلاء يعني أنه أول من تصدَّى لذلك وعُني به، وإلا فالكلام فيه جرحاً وتعديلاً متقدم ثابت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -، ثم عن كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وجُوِّز ذلك صوناً للشريعة ونفياً للخطأ والكذب عنها) (3) .
__________
(1) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2 / 18) ، وفتح المغيث للسخاوي (1 / 241) .
(2، 3) مقدمة ابن الصلاح (ص 440) .(المقدمة/57)
وأما الرد على أهل الكلام والتحذير منهم، فتقدم الكلام عنه (1) .
2- اسمه، ونسبه، وكنيته:
هو أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة البَزَّازُ (2) ، الخُرَاساني (3) ، النَّيْسَابوري (4) ، الجُوزَجَاني (5) ،. . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
(1) انظر (ص 51 / ق) .
(2) البَزَّازُ- بفتح الباء المنقوطة بواحدة، والزاي المشدَّدة، وفي آخرها الزاي-: نسبة إلى من يبيع البَزَّ، وهو الثياب، كما في الأنساب للسمعاني (2 / 199) .
ولم أجد من نسب سعيد بن منصور إلى هذه النسبة سوى تلميذه مسلم في الكنى (ص 73) ، وعنه نقله ابن عساكر في تاريخ دمشق (7 / 355 مخطوط الظاهرية) .
(3) هذه النسبة إلى الإقليم الذي هو منه، وهو: خُرَاسَانُ، وهي بلاد واسعة، أوَّلُ حدودها مما يلي العراق: (أزَاذْوار) قَصَبَةُ جُوَيْن وبَيْهق، وآخر حدودها مما يلي الهند: (طَخَارِسْتَانُ) و: (غَزَنَةُ) و: (سِجِسْتَانُ) و: (كِرْمَانُ) ، وليس ذلك منها، إنما هو أطراف حدودها، وتشتمل خراسان على أُمَّهات من البلاد، منها: نيسابور، ومَرْو، وبَلْخ، وطالْقان، وجُوزجان. وقد فتحت أكثر هذه البلاد عُنْوَةً وصُلْحاً في سنة إحدى وثلاثين للهجرة في أيام عثمان رضي الله عنه، بإمارة عبد الله بن عامر بن كُرَيْزَ. اهـ من معجم البلدان (2 / 350 - 354) .
(4) هذه النسبة إلى مدينة (نَيْسَابُور) التي قد يكون سعيد بن منصور استوطنها مُدَّةً، وهي مدينة عظيمة من مدن خُراسان، ذات فضائل جسيمة، مَعْدِنُ الفُضَلاء، ومنبع العلماء، وكان المسلمون فتحوها في أيام عثمان رضي الله عنه كما في معجم البلدان (5 / 331) ، قال ياقوت: (لم أَرَ فيما طَوَّفْتُ من البلاد مدينة كانت مثلها) . ولم أجد من نسب سعيداً إلى نيسابور سوى أبي عبد الله الحاكم، فيما نقله عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (7 / 355) أنه قال: (سعيد بن منصور، أبو عثمان النَّيْسَابُوري، ويقال: الخُراساني، ويقال: الجُوزجاني، ويقال: البَلْخي، سكن مكة مجاوراً بها، فنسب إليها) اهـ.
(5) هذه النسبة إلى (جُوزَجَان) لأنه وُلد بها كما نصّ عليه أحمد بن محمد بن الحسين- لعلَّهُ الماسِرْجِسي- حيث قال: (سعيد بن منصور، أبو عثمان الخراساني، الجوزجاني، وُلد بها) اهـ. من الموضع السابق من تاريخ دمشق.
و: (جُوْزَجَانُ) : اسم كُورة واسعة من كور بَلْخ بخراسان، وهي بين مَرْو الرُّوذ =(المقدمة/58)
البَلْخِي (1) ، المَرْوَزِي (2) - ويقال: الطَّالْقَاني (3) -، المكِّي، المجاور (4) .
3- مولده ونشأته:-
تقدم معنا ما يدل على أن سعيد بن منصور تنقل بين مدن وبلدان خراسان، ما بين بلد ولد بها، وأخرى نشأ بها، وثالثة سكنها، وهكذا إلى أن استقر بمكة حتى الوفاة.
فولادته كانت بجُوزَجَان (5) قريباً من سنة سبع وثلاثين ومائة
__________
= وبَلْخ، فتحت عنوة سنة ثلاث وثلاثين للهجرة. اهـ. من معجم البلدان (2 / 182) .
(1) هذه النسبة إلى مدينة (بَلْخ) لأنه نشأ بها كما نصّ عليه أحمد بن محمد بن الحسين حيث قال: (سعيد بن منصور، أبو عثمان الخراساني، الجوزجاني، ولد بها، ونشأ ببلخ، سكن مكة سنين مجاوراً) اهـ. من الموضع السابق من تاريخ دمشق.
و: (بَلْخٌ) مدينة مشهورة بخراسان، من أَجَلِّ مدن خراسان وأذكَرها وأكثرها خيراً وأوسعها غَلَّة، فتحها الأحنف بن قيس من قِبَلِ عبد الله بن عامر أيام عثمان رضي الله عنه. اهـ. من معجم البلدان (1 / 479 - 480) .
(2) هذه النسبة إلى مدينة (مَرْو الشَّاهِجَان) لأنه من أهلها كما نصّ عليه أبو سعيد بن يونس، ونقله عنه ابن عساكر في الموضع السابق من تاريخه أنه قال: (سعيد بن منصور، الخراساني من أهل مَرْو) .
و: (مَرْو الشَّاهِجان) هذه هي مَرْو العظمى، أشهر مدن خراسان، والنسبة إليها: (مَرْوَزِيّ) ، وبينها وبين نيسابور سبعون فرسخاً، ومنها إلى بلخ مائة واثنان وعشرون فرسخاً. اهـ. من معجم البلدان (5 / 112 - 116) .
(3) هذه النسبة إلى: (الطَّالْقَان) ، وهي بلدة بخراسان، بين (مَرْو الرُّوذ) وبَلْخ، مما يلي الجبال، بينها وبين (مَرْو الرُّوذ) ثلاث مراحل. انظر الأنساب للسمعاني (9 / 8) ، ومعجم البلدان (4 / 6 - 8) .
ونسبة سعيد بن منصور إلى هذه البلدة في قول قيل كما في تهذيب الكمال المطبوع (11 / 77) ، وسير أعلام النبلاء (10 / 586) ، فإن صَحَّت النسبة، فقد يكون سكنها.
(4) نسبة إلى مكة لأنه سكنها سنين مجاوراً إلى أن توفي بها كما سيأتي، وكما سبق نقله عن أبي عبد الله الحاكم وأحمد بن محمد بن الحسين.
(5) كما سبق نقله عن أحمد بن محمد بن الحسين، وفي تاريخ دمشق (7 / 356) نقلاً عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب الأصمّ أنه قال: (بلغني أنه ولد بجوزجان، ونشأ بِبَلْخ) .(المقدمة/59)
إما قبلها أو بعدها بيسير؛ لأن وفاته كانت في سنة سبع وعشرين ومائتين، وتوفي وقد جاوز الثمانين أو التسعين. ولم أجد من حدد عمره حين توفي سوى الذهبي، واختلف قوله فيه، فمرة قال: ((قلت: كان من أبناء ثمانين سنة أو أزيد)) (1) ومرة ذكر أنه توفي في سنة سبع وعشرين ومائتين وهو في عشر التسعين (2) .
وانتقل إلى بَلْخ حيث نشأ بها (3) .
وليس هناك ما يسعفنا في معرفة سبب انتقال أسرته من جُوزجان إلى بَلْخ، ولا في معرفة حالة أسرته التي نشأ في كَنَفها.
وأما بَلْخ فكانت من أجلِّ مدن خراسان، وأَذْكَرِها، وأكثرها خيراً، وأوسعها غلَّةً، تُحمل غلَّتُها إلى جميع خُراسان وإلى خَوارِزِمْ كما قال ياقوت (4) .
وقال السمعاني: (خرج منها عالَم لا يُحصى من العلماء، والأئمة، والمحدِّثين، والصُّلَحَاء قديماً وحديثاً) (5) .
ومن أبرزهم ثلاثة ممن عاصرهم سعيد بن منصور:
أحدهم: أبو إسحاق إبراهيم بن أدْهَم بن منصور البَلْخي، الزاهد المشهور (6) .
__________
(1) سير أعلام النبلاء (10 / 587) .
(2) تذكرة الحفاظ (2 / 416) .
(3) كما سبق نقله عن أحمد بن محمد بن الحسين، وفي تاريخ دمشق (7 / 356) نقلاً عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب الأصمّ أنه قال: (بلغني أنه ولد بجوزجان، ونشأ بِبَلْخ) .
(4) معجم البلدان (1 / 479) .
(5) الأنساب للسمعاني (2 / 304) .
(6) قال عنه ابن معين: (عابد ثقة) ، ووثقه ابن نمير والعجلي، وقال النسائي: (ثقة مأمون، أحد الزُّهَّاد) ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: (أصله من بَلْخ، ثم انتقل بعد أن تاب وترك الإمارة إلى الشام طلباً للحلال، فأقام بها مرابطاً غازياً، يصبر على الجهد الجهيد والفقر الشديد والورع الدائم والسخاء الوافر، إلى أن مات في بلاد الروم سنة إحدى وستين ومائة) . اهـ من الثقات لابن حبان (6 / 24) ، والتهذيب (1 / 102 - 103) .(المقدمة/60)
والثاني: عصام بن يوسف بن ميمون البَلْخي، أبو عِصْمَةَ الزاهد (1) .
والثالث: مَكِّيُّ بن إبراهيم بن بشير الحَنْظَلي البَلْخي (2) .
4- طلبه للعلم ورحلته فيه:
إن هذا العصر الذي زَخَرَ بهؤلاء الأئمة السَّالِفِ ذكرهم، هو العصر الذي فيه عاش فيه سعيد بن منصور وتكونت فيه شخصيته العلمية، نتيجة نشاطه في طلب العلم، وعُلُوِّ هِمَّتِهِ، مع ما أنعم الله به عليه من يُسْرِ الحال وطول العمر.
ولم أجد فيما بين يدي من المراجع ما يُسْعِفُ في معرفة سِنِّه حال ابتداء الطلب، أو التاريخ الذي ابتدأ فيه بالطلب، ولذا فإن الضرورة تدعونا إلى التعرف على ذلك على وجه التقريب.
فولادته- كما تقدم- كانت قريباً من سنة ست وثلاثين ومائة، إما قبلها أو بعدها بيسير.
وهو يروي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي ذئب (3) والحارث بن نَبْهَان (4) ، وهما أقدم شيوخه وفاة.
__________
(1) وهو صدوق كما قال الخليلي، وقال ابن سعد: (كان عندهم ضعيفاً في الحديث) ، وقال ابن حبان: (كان صاحب حديث، ثبتاً في الرواية، ربما أخطأ ... ، ومات عصام سنة عشر ومائتين) ، وقال ابن عدي: (روى عصام هذا عن الثوري وعن غيره أحاديث لا يتابع عليها) . اهـ من الثقات لابن حبان (8 / 521) ، والكامل لابن عدي (5 / 2008) ، ولسان الميزان (4 / 168) .
(2) هو ثقة ثبت من شيوخ البخاري، وممن أخرج له الجماعة، وقد وثقه الإمام أحمد والعجلي ومسلمة، وقال ابن سعد: (كان ثقة ثبتاً في الحديث) ، وقال الدارقطني: (ثقة مأمون) ، وقال الخليلي: (ثقة متفق عليه) ، وكانت ولادته سنة ست وعشرين ومائة، ووفاته سنة خمس عشرة ومائتين. اهـ من التهذيب (10 / 293 - 295 رقم 511) ، والتقريب (ص 545 رقم 6877) .
(3) كما في تهذيب الكمال المطبوع (11 / 78) .
(4) كما في الحديث رقم (20) من هذه الرسالة.(المقدمة/61)
فابن أبي ذئب توفي سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة (1) .
والحارث بن نبهان ذكره البخاري في فصل من مات بين الخمسين إلى الستين ومائة (2) .
وقد قال سعيد بن منصور نفسه: (رأيت مالكاً يطوف وخلفه سفيان الثوري يتعلم منه كما يتعلم الصبي من معلِّمه، كلما فعل مالك شيئاً يفعله سفيان، يقتدي به) (3) .
وسفيان الثوري توفي سنة إحدى وستين ومائة (4) .
فنستفيد مما سبق: أن طلب سعيد بن منصور للعلم كان قبل سنة تسع وخمسين ومائة، فقد يكون عمره عشرين سنة أو أقل أو أكثر بقليل، وأنه رحل قبل سنة إحدى وستين ومائة. والذي يغلب على الظن أن الذي يبلغ به الشوق في طلب العلم إلى أن يرحل، إنما هو من أمضى مدَّةً في الطلب، وحصَّل ما عند شيوخ بلده، فرغب في المزيد. فالظاهر أن طلبه للعلم كان في حال الصِّغَر.
وقد جاب سعيد البلاد شرقاً وغرباً، وضرب في الأرض؛ طلباً للشيوخ والظَّفَر بعلوّ الإسناد.
يحكي الذهبي أنه سمع بخراسان والحجاز والعراق ومصر والشام والجزيرة وغير ذلك (5) .
ويقول المِزِّي: (ولد بجُوزَجَان، ونشأ بِبَلْخ، وطاف البلاد، وسكن مكة ومات بها) (6) .
__________
(1) كما في التقريب (ص 493 رقم 6082) .
(2) انظر ترجمته في الحديث رقم (20) .
(3) ترتيب المدارك (1 / 78، 168) .
(4) كما سيأتي في ترجمته في الحديث رقم (30) .
(5) سير أعلام النبلاء (10 / 586) .
(6) تهذيب الكمال للمزي (11 / 77) .(المقدمة/62)
وفيما يلي ذكر للمدن التي سمع بها أو روى عن شيوخ (1) من أهلها، وبعضها حدَّث بها:
خُرَاسَان: ذكر الذهبي كما سبق أنه سمع بها. وهي إقليم واسع ينسب إليه سعيد بن منصور لأنه وُلد ونشأ في بلاد منه (2) ، فمن بدهيّات الأمور أن يكون أول سماعه فيه. وهذا الإقليم يتبعه بلاد عدّة. منها مَرْو الشَّاهِجَان والرَّيّ.
وقد سمع سعيد بن منصور من عبد الله بن المبارك وهو من مرو، وسمع من جرير بن عبد الحميد، وكان قاضي الرَّيّ.
كِرْمان: وهي آخر حدود خراسان مما يلي الهند، وليست تابعة لها (3) .
وقد سمع سعيد من حَسَّان بن إبراهيم الكِرْماني
العراق: ذكر الذهبي كما سبق أنه سمع بالعراق.
وهي بلاد تشمل عدة مدن، منها: المدائن (4) ، والكوفة، والبصرة، وواسط، وبغداد.
فممن سمع منه سعيد بن منصور من أهل المدائن: سَلاَّم بن سُلَيم الطويل، وعبد ربه بن نافع.
ومن أهل الكوفة: أبو الأَحْوص سلاّم بن سُلَيْم الحنفي، وشريك بن عبد الله القاضي، وأبو معاوية الضَّرير محمد بن خازم، ومحمد بن فضيل، ويحيى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وحُدَيج بن معاوية، وغيرهم كثير.
ومن أهل البصرة خلق كثير أيضاً، منهم: إسماعيل بن إبراهيم بن
__________
(1) لم أذكر شيئاً عن هؤلاء الشيوخ هنا اكتفاءً بما سيأتي من ذكرهم مرتبين على حروف المعجم مع الإشارة إلى ما يدل على رواية سعيد بن منصور عنهم.
(2، 3) كما تقدم (ص 58 / ق) .
(4) انظر معجم البلدان (5 / 75) ، والحديث الآتي رقم (94) .(المقدمة/63)
عُلَيَّة، وحماد بن زيد، وعبد الوارث بن سعيد، ومعتمر بن سليمان، ومهدي بن ميمون، وجعفر بن سليمان الضُّبَعي، ونوح بن قيس، وغيرهم.
ومن أهل واسط: هشيم بن بشير، وخالد بن عبد الله الطحّان، ويزيد بن هارون، وأبو عوانة وضّاح بن عبد الله، وخلف بن خليفة.
ومن أهل بغداد: إبراهيم بن سليمان المؤدِّب.
الجزيرة (1) : ذكر الذهبي كما سبق أنه سمع بالجزيرة.
ومن أبرز شيوخه من أهل الجزيرة: عَتَّاب بن بشير الجَزَري.
الشام: ذكر الذهبي كما سبق أنه سمع بالشام.
وهي بلاد واسعة تضم العديد من أمهات المدن، منها: دمشق وحِمْص وعَسْقَلان والرَّمْلَة (2) ، وجميعها ممن سمع سعيد عن شيوخ من أهلها.
أما دمشق، فمن شيوخه بها: الوليد بن مسلم، ومروان بن معاوية، وصدقة بن خالد، وسويد بن عبد العزيز، وعمر بن عبد الواحد السلمي، ومدرك بن أبي سعد.
وأما حمص، فمن شيوخه بها: إسماعيل بن عيّاش وفرج بن فضالة.
ومن أهل عسقلان: حفص بن ميسرة ومصعب بن ماهان.
ومن الرَّمْلة: حجر بن الحارث الغسَّاني ومسكين بن ميمون.
مصر: ذكر الذهبي كما سبق أنه سمع بها.
__________
(1) وهي تطلق على عدة بلدان، والمقصود بها هنا: جزيرة أقُورَ، وهي التي بين دجلة والفرات، مجاورة للشام، سميت الجزيرة لأنها بين دجلة والفرات. انظر معجم البلدان (2 / 134) .
(2) انظر معجم البلدان (3 / 69، 312) ، (4 / 122) .(المقدمة/64)
وذكر أبو سعيد بن يونس أنه قدم مصر وكُتب عنه بها (1) .
ومما يدلّ على أنه حدَّث بمصر: ما رواه يعقوب بن سفيان (2) قال: وسمعت الحميدي يقول: كنت بمصر، وكان لسعيد بن منصور حلقة في مسجد مصر، ويجتمع إليه أهل خراسان وأهل العراق ... إلخ الحكاية، وسيأتي ذكرها بتمامها.
فمن شيوخه من أهل مصر: الليث بن سعد، وعبد الله بن وهب، ويعقوب بن عبد الرحمن وغيرهم، وهذا الأخير من أهل الإسكندرية.
الحجاز: ذكر الذهبي كما سبق أنه سمع بالحجاز.
وهو أقليم يضم العديد من المدن، من أهمها: مكة والمدينة حرسهما الله.
وقد سكن سعيد مكة وتوفي بها.
ومن شيوخه بها: سفيان بن عيينة- وكان راويته-، وفضيل بن عياض، وداود بن عبد الرحمن العطار، ومسلم بن خالد.
وأما المدينة فشيوخه فيها كثيرون، منهم: إمام دار الهجرة مالك بن أنس، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وعبد العزيز بن محمد الدَّرَاوَرْدي، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وفُلَيحْ بن سليمان، وغيرهم.
5- شيوخه وتاثيرهم فيه:
إن هذه الرِّحلة الواسعة في البلاد التي طافها سعيد بن منصور مكَّنته من السماع من عدد من الشيوخ على اختلافهم، فمنهم أئمة ثقات صالحون يُقتدى بهم، ومنهم أناس دونهم منزلة، ومنهم من هو مُضَعَّف، لكنه لا يبلغ درجة الترك عنده، بل هو ممن يكتب حديثه
__________
(1) تاريخ دمشق لابن عساكر (7 / 355 / مخطوط الظاهرية) .
(2) في المعرفة والتاريخ (2 / 179) .(المقدمة/65)
وإن كان لا يحتجّ به.
وتأثر الطالب بشيخه أمر لا يُنكر، حتى إنك لتجد بعضهم يقلِّد شيخه- ولو بغير قصد- في هيئته، ومشيته، وحركاته، وطريقته في الحديث، وبخاصة إذا اشتدّ إعجابه به، إما لعلمه، أو لصلاحه، أو ما إلى ذلك.
ومن أمثلة ذلك ما حكاه سعيد بن منصور- كما سبق- قال: (رأيت مالكاً يطوف وخلفه سفيان الثوري يتعلَّم منه كما يتعلم الصبي من معلِّمه، كلما فعل مالك شيئاً يفعله سفيان، يقتدي به) .
هذا مع أن سفيان يعتبر من أقران مالك- رحمهما الله تعالى-.
وقد تتلمذ سعيد بن منصور على عدد من أئمة أهل السنة، كالإمام مالك، وابن المبارك، وابن عيينة، وغيرهم، ولذا أصبح هو من أئمة أهل السنة كما سيأتي في الكلام عن معتقده. وأما ما سوى ذلك، فلا يحضرني هنا أمر يمكن تعيينه مما يظهر أن سعيداً تأثر فيه بأحد من شيوخه، سوى مسألتين: الأولى: مجاورته بمكة، والثانية: موقفه من أهل الرأي.
أما مجاورته بمكة فقد يكون تأثَّر بشيخه الفضيل بن عياض في ذلك، فكلاهما خراساني جاور بمكَّة حتى توفي بها، وكان سعيد معجباً بصلاح شيخه الفضيل، فإنه إذا حدَّث عنه أحياناً يقول: (الشيخ الصالح فضيل بن عياض) (1) .
وأما موقفه من أهل الرأي فقد يكون تأثر بشيخه عبد الله بن المبارك في ذلك.
ومن أمثلة ذلك: شدَّة عبد الله بن المبارك على القاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم، فإنه سأله رجل عن مسألة، فأفتاه فيها، فقال:
__________
(1) تاريخ دمشق لابن عساكر (14 / 260 / مخطوط الظاهرية) .(المقدمة/66)
قد سألت أبا يوسف فخالفك، فقال: إن كنت قد صلَّيت خلف أبي يوسف صلوات تحفظها فأعدها.
وقال ابن المبارك أيضاً: إني لأكره أن أجلس في مجلس يُذكر فيه يعقوب (1) .
وقيل له مرة: أي الرجلين أفقه: أبو يوسف أو محمد بن الحسن؟ فقال: لا تقل كان أيّهما.
ولما قيل له: قال أبو يوسف، قال: لا ولا كرامة، قل: يعقوب.
وواضح أن موقفه منه كان بسبب الرأي، فإنه مزَّق يوماً كتاباً فيه ذكر له، وذَكر أن بعضهم هوى جارية كان وطئها أبوه، فاستشار أبا يوسف، فقال له: لا تصدِّقها، وجعل ابن المبارك يقطِّع الكتاب (2) .
ونجد لسعيد بن منصور أيضاً موقفاً من أبي يوسف يدلّ على عدم رضاه عنه.
قال يعقوب بن سفيان (3) : سمعت سعيد بن منصور قال: قال
__________
(1) أخرجهما يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2 / 789) ، والعقيلي في الضعفاء (4 / 440، 441) .
(2) أخرج هذه الآثار العقيلي في الضعفاء (4 / 440، 443) .
وبكلّ حال فضرورة البحث ألجأتني إلى ذكر هذا الكلام عن أبي يوسف، وأعرضت عن أشياء لا داعي لذكرها، وأبو يوسف رحمه الله من أهل السنة في مسائل الاعتقاد وإن سلك مسلك أهل الرأي في الفقهيات، ويجلِّي ذلك كلام ابن حبان فيه، حينما ذكره في الثقات (7 / 645، 646) وقال: (كان شيخاً متقناً، لم يكن يسلك مسلك صاحبيه إلا في الفروع، وكان يباينهما في الإيمان والقرآن، ... ) إلى أن قال: (لسنا ممن يوهم الرعاع ما لا يستحلّه، ولا ممن يحيف بالقدح في إنسان وإن كان لنا مخالفاً، بل نعطي كل شيخ حظّه مما كان فيه، ونقول في كل إنسان ما كان يستحقه من العدالة والجرح. أدخلنا زُفَراً وأبا يوسف بين الثقات لما تبين عندنا من عدالتهما في الأخبار، وأدخلنا من لا يشبههما في الضعفاء بما صح عندنا مما لا يجوز الاحتجاج به) اهـ.
(3) في المعرفة والتاريخ (2 / 790) .(المقدمة/67)
رجل لأبي يوسف: رجل صلى مع الإمام في مسجد عرفة، ثم وقف حتى دفع بدفع الإمام، قال: ما له؟ قال: لا بأس به. قال: فقال: سبحان الله! قد قال ابن عباس: من أفاض من عُرَنَةَ فلا حجّ له؛ مسجد عرفة في بطن عُرَنَةَ. فقال: أنتم أعلم بالأعلام، ونحن بالفقه. قال: إذا لم تعرف الأصل فكيف تكون فقيهاً؟.
فهاتان المسألتان- مجاورته بمكة، وموقفه من أهل الرأي- قد يكون سعيد بن منصور تأثر فيهما بشيخيه المذكورين، وقد يكون ذلك عن اجتهاد منه ورأياً رآه، وقد يكون موقفه من أبي يوسف بسبب تلك الرؤيا التي رآها، وهي ما رواه أبو يحيى بن أبي مَسَرَّة ومحمد بن عبد الرحمن الشامي عن سعيد بن منصور أنه قال: رأيت النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النوم، فقلت: يا رسول الله، ألزم أبا يوسف أو هشيماً؟ قال: هشيماً (1) .
وفيما يلي ذكر لشيوخ المصنِّف سعيد بن منصور مرتبين على حروف المعجم (2) :
إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزُّهري (3) .
إبراهيم بن سليمان بن رَزِين المؤدِّب، نزيل بغداد (4) .
إبراهيم بن قدامة بن إبراهيم الجُمحي (5) .
__________
(1) تهذيب التهذيب (11 / 63) .
(2) وهم صنفان، فصنف أخرج لهم سعيد في هذا القسم المحقق، فهؤلاء أشير في الحاشية إلى رقم الحديث المترجم لذلك الشيخ فيه، وفي آخر الكتاب فهرس فيه ذكر للمواضع التي روى فيها سعيد عن هؤلاء الشيوخ يستفاد منه في معرفة عدد مرويات كل شيخ، وموضع روايته في هذا القسم المحقق.
والصنف الآخر من لم يخرج لهم سعيد في هذا القسم شيئاً، فهؤلاء أُشير في الحاشية إلى المرجع الذي فيه ما يدل على أن المصنِّف روى عن ذلك الشيخ.
(3) انظر المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (2 / 102 رقم 2217) .
(4) انظر الحديث رقم [53] .
(5) انظر المطبوع من سنن سعيد أيضاً (1 / 271 رقم 1128) .(المقدمة/68)
إبراهيم بن هراسة الشيباني الكوفي (1) .
أحمد بن عبد الله (2) .
إسماعيل بن إبراهيم بن مِقسَم الأسدي المعروف بابن عُلَيَّة، البصري (3) .
إسماعيل بن زكريا بن مُرَّةَ الخُلْقَاني، الكوفي (4) .
إسماعيل بن عَيّاش الحِمْصي (5) .
إسماعيل بن مسلم المكي (6) .
الجَرّاح بن مَلِيح الرُّؤَاسي، أبو وكيع الكوفي (7) .
جرير بن عبد الحميد الضَّبِّي، الكوفي، نزيل الرَّيّ (8) .
جعفر بن سليمان الضُّبَعي، البصري (9) .
الحارث بن عبيد أبو قُدَامة الإيَادي، البصري (10) .
الحارث بن نَبْهَان الجَرْمي، أبو محمد البصري (11) .
حِبَّان بن علي العَنَزي، أبو علي الكوفي (12) .
حجر بن حارث الغَسَّاني، الرَّمْلي (13) .
__________
(1) تهذيب الكمال للمزي (11 / 77 / المطبوع) .
(2) كذا جاء في تاريخ دمشق لابن عساكر (13 / 114 / الظاهرية) غير منسوب، ولم أستطع تمييزه.
(3) انظر الحديث رقم [59] .
(4) انظر الحديث رقم [81] .
(5) انظر الحديث رقم [9] .
(6) انظر المطبوع من سنن سعيد (2 / 23 رقم 1867) .
(7) انظر الحديث رقم [103] .
(8) انظر الحديث رقم [10] .
(9) انظر الحديث رقم [27] .
(10) انظر الحديث رقم [166] .
(11) انظر الحديث رقم [20] .
(12) انظر الحديث رقم [820] .
(13) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 78) .(المقدمة/69)
حُدَيْج بن معاوية بن حُدَيْج الكوفي (1) .
حَزْمُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ القُطَعي البصري (2) .
حسان بن إبراهيم الكِرْماني (3) .
الحسن بن يزيد الأصَمّ (4) .
حفص بن غياث بن طَلْق بن معاوية النَّخَعي، أبو عمر الكوفي (5) .
حفص بن ميسرة الصنعاني، نزيل عسقلان (6) .
الحكم بن ظُهير الفَزَاري، أبو محمد الكوفي (7) .
حماد بن زيد بن دِرْهم الأزْدي، الجَهْضَمي، أبو إسماعيل البصري (8) .
حماد بن شعيب الحِمّاني الكوفي (9) .
حماد بن يحيى الأبَحّ، البصري (10) .
خالد بن عبد الله الطَّحَّان الواسطي (11) .
خلف بن خليفة بن صاعد، أبو أحمد الكوفي نزيل واسط (12) .
داود بن عبد الرحمن العطّار، المكّي (13) .
__________
(1) انظر الحديث رقم [1] .
(2) انظر الحديث رقم [46] .
(3) الموضع السابق من تهذيب الكمال أيضاً.
(4) انظر الحديث رقم [186] .
(5) انظر المطبوع من سنن سعيد (1 / 269 رقم 1119) .
(6) الموضع السابق من تهذيب الكمال.
(7) انظر الحديث رقم [421] .
(8) انظر الحديث رقم [17] .
(9) انظر المطبوع من سنن سعيد بن منصور بتحقيق الأعظمي (1 / 52 رقم 177) ، ولسان الميزان (2 / 348 رقم 1413) .
(10) انظر الحديث رقم [41] .
(11) انظر الحديث رقم [18] .
(12) انظر الحديث رقم [76] .
(13) انظر الحديث رقم [396] .(المقدمة/70)
ذَوَّاد بن عُلبة الحارثي، أبو المنذر الكوفي (1) .
سعيد بن عبد الرحمن الجُمَحي، أبو عبد الله المدني، قاضي بغداد (2) .
سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي، أبو محمد المكّي (3) .
سويد بن عبد العزيز السُّلمي، الدمشقي (4) .
سَلاَّم بن سُليم أبو الأحوص الحنفي، الكوفي (5) .
سَلاَّم بن سُليم الطويل المدائني (6) .
شَريك بن عبد الله النّخعي، الكوفي (7) .
شملة بن هزال، أبو الحتروش البصري (8) .
شهاب بن خراش بن حوشب الشيباني، أبو الصلت الواسطي، نزيل الكوفة (9) .
صالح بن موسى بن إسحاق بن طلحة التَّيْمي الكوفي (10) .
صدقة بن خالد الدمشقي (11) .
__________
(1) تهذيب الكمال للمزي (11 / 78 / المطبوع) .
(2) انظر المطبوع من سنن سعيد بن منصور (1 / 73 رقم 272) ، وتقريب التهذيب (ص 238 رقم 2350) .
(3) انظر الحديث رقم [15] .
(4) انظر الحديث رقم [174] .
(5) انظر الحديث رقم [52] .
(6) انظر الحديث رقم [178] .
(7) انظر الحديث رقم [4] .
(8) انظر المطبوع من سنن المصنِّف سعيد بن منصور بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي (2 / 198 رقم 2477) ، والضعفاء للعقيلي (2 / 192 - 193) ، ولسان الميزان (3 / 153 - 154 رقم 550) .
وقد تصحَّف شملة هذا في موضع آخر من السنن (2 / 81 رقم 2127) إلى: (سلمة) .
(9) انظر الحديث رقم [206] .
(10) تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1 / 476) .
(11) انظر الحديث رقم [423] .(المقدمة/71)
طُعمة بن عمرو الجعفري الكوفي (1) .
عباد بن عباد المُهَلَّبي، أبو معاوية البصري (2) .
عبد الحميد بن سليمان الخزاعي، أبو عمر المدني (3) .
عبد ربه بن نافع، أبو شهاب الحنّاط (4) .
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّناد (5) .
عبد الرحمن بن زياد الرَّصَاصي (6) .
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (7) .
عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة (8) .
عبد السلام بن حرب بن مسلم النَّهْدي، أبو بكر الكوفي (9) .
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ (10) .
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّي (11) .
عبد العزيز بن محمد الدَّرَاوَرْدي (12) .
عبد الله بن جعفر بن نَجيح السَّعْدي، أبو جعفر المديني، ثم البصري (13) .
عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني، أبو صالح المصري،
__________
(1) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 78) .
(2) انظر الحديث رقم [319] .
(3) تهذيب التهذيب (6 / 116) .
(4) انظر الحديث رقم [7] .
(5) انظر الحديث رقم [67] .
(6) انظر الحديث رقم [6] .
(7) انظر المطبوع من سنن سعيد (2 / 169 رقم 2410) .
(8) سؤالات أبي عبد الرحمن السلمي للدارقطني (ل 8 / أ) .
(9) المطبوع من سنن سعيد (2 / 15 رقم 1830) .
(10) انظر الحديث رقم [790] .
(11) انظر الحديث رقم [113] .
(12) انظر الحديث رقم [69] .
(13) انظر الحديث رقم [168] .(المقدمة/72)
كاتب الليث (1) .
عبد الله بن عبد العزيز الليثي، أبو عبد العزيز المدني (2) .
عبد الله بن المبارك المروزي (3) .
عبد الله بن محمد، أبو علقمة الفَرْوي، المدني (4) .
عبد الله بن الوليد بن عبد الله بن معقل المزني، الكوفي (5) .
عبد الله بن وهب بن مسلم، أبو محمد المصري (6) .
عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقريء (7) .
عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري، أبو عبيدة البصري (8) .
عبيد الله بن إياد بن لَقِيط السدوسي، أبو السَّلِيل الكوفي (9) .
عبيدة بن حميد بن صهيب التيمي الحَذَّاء، أبو عبد الرحمن الكوفي (10) .
عبيدة بن ميمون التيمي الرَّقَاشي (11) .
عتاب بن بشير الجَزَري (12) .
عثمان بن مطر الشيباني (13) .
عطاف بن خالد المخزومي (14) .
__________
(1) تهذيب الكمال المطبوع (15 / 103) .
(2) المرجع السابق (11 / 78) .
(3) انظر الحديث رقم [98] .
(4) الموضع السابق من تهذيب الكمال.
(5) أخبار مكة للفاكهي (2 / 261) .
(6) انظر الحديث رقم [310] .
(7) المطبوع من سنن سعيد (1 / 404 رقم 1737) .
(8) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 78) .
(9) المرجع السابق.
(10) المطبوع من سنن سعيد (1 / 229 رقم 943) .
(11) تهذيب التهذيب (7 / 88) .
(12) انظر الحديث رقم [204] .
(13) المطبوع من سنن سعيد (2 / 311 رقم 2803) .
(14) الموضع السابق من تهذيب الكمال.(المقدمة/73)
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ السُّلَمِيُّ (1) .
عمرو بن ثابت الحدَّاد (2) .
عمرو بن خالد بن فَرُّوخ بن سعيد، أبو الحسن الحَرَّاني، نزيل مصر (3) .
عون بن موسى الليثي (4) .
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (5) .
فرج بن فضالة بن النعمان التَّنُوخي الشامي (6) .
فضيل بن عياض بن مسعود التميمي، أبو علي الزاهد المشهور (7) .
فليح بن سليمان بن أبي المغيرة الخزاعي، أبو يحيى المدني (8) .
الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي (9) .
مالك بن أنس الأصبحي الإمام (10) .
محمد بن أبان الجعفي (11) .
محمد بن بسيط البصري (12) .
محمد بن ثابت العبدي (13) .
محمد بن خازم، أبو معاوية الضرير (14) .
__________
(1) انظر الحديث رقم [281] .
(2) انظر الحديث رقم [200] .
(3) المطبوع من سنن سعيد (2 / 326 رقم 2839) .
(4) انظر الحديث رقم [484] .
(5) انظر الحديث رقم [249] .
(6) انظر الحديث رقم [19] .
(7) انظر الحديث رقم [85] .
(8) انظر الحديث رقم [816] .
(9) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 78) .
(10) المرجع السابق.
(11) المطبوع من سنن سعيد (2 / 215 رقم 2506) .
(12) المرجع السابق (2 / 52 رقم 1998) .
(13) انظر الحديث رقم [458] .
(14) انظر الحديث رقم [3] .(المقدمة/74)
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي ذئب (1) .
محمد بن عمار بن حفص بن عمر بن سعد المؤذن (2) .
مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنُ غَزْوَانَ (3) .
محمد بن يحيى الذهلي (4) .
مدرك بن أبي سعد الفزاري (5) .
مروان بن معاوية الفزاري (6) .
مسكين بن ميمون (7) .
مسلم بن خالد الزَّنْجي (8) .
مسلم بن عطاء، أبو عَتَّاب القرشي (9) .
مصعب بن ماهان المروزي نزيل عسقلان (10) .
معتمر بن سليمان التيمي (11) .
المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي (12) .
مهدي بن ميمون الأزْدي المِعْوَلي، أبو يحيى البصري (13) .
__________
(1) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 78) .
(2) تهذيب التهذيب (9 / 358) .
(3) انظر الحديث رقم [704] .
(4) سير أعلام النبلاء (12 / 275) .
(5) الموضع السابق من تهذيب الكمال.
(6) انظر الحديث رقم [128] .
(7) المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2 / 462) .
(8) انظر الحديث رقم [213] .
(9) المطبوع من سنن سعيد (1 / 94 رقم 359) .
(10) انظر الحديث رقم [145] .
(11) انظر الحديث رقم [242] .
(12) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 78) .
(13) انظر الحديث رقم [111] .(المقدمة/75)
نافع بن فضالة (1) .
نَجيح بن عبد الرحمن أبو معشر السِّنْدي، المدني (2) .
نوح بن قيس الأزْدي (3) .
هشيم بن بشير الواسطي (4) .
وائل بن داود التيمي (5) .
وَضَّاح بن عبد الله، أبو عَوَانة اليَشْكُري (6) .
الوليد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثور الهمداني (7) .
الوليد بن مسلم القرشي الدمشقي (8) .
وهب بن المبارك (9) .
يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زائدة (10) .
يزيد بن معاوية، أبو شيبة الكوفي (11) .
يزيد بن هارون بن زاذان السُّلَمي، مولاهم، أبو خالد الواسطي (12) .
__________
(1) كذا جاء في المطبوع من سنن سعيد (1 / 76 رقم 286) ، ولم أجد له ترجمة، ولم أجد الحديث الذي جاء فيه في المخطوط الذي عندي.
(2) انظر الحديث رقم [167] .
(3) انظر الحديث رقم [192] .
(4) انظر الحديث رقم [8] .
(5) انظر الحديث رقم [430] .
(6) انظر الحديث رقم [24] .
(7) انظر الحديث رقم [4] .
(8) انظر الحديث رقم [130] .
(9) كذا جاء في المطبوع من سنن سعيد (2 / 355 رقم 2916) ، وهو في المخطوط الذي عندي كذلك (ل 100 / ب) ، ولم أجد له ترجمة، وظني أن في الإسناد تصحيفاً.
(10) انظر الحديث رقم [288] .
(11) تهذيب التهذيب (11 / 360) .
(12) انظر الحديث رقم [43] .(المقدمة/76)
يعقوب بن عبد الرحمن القاريء، الإسكندراني (1) .
يوسف بن عطية بن ثابت الصَّفَّار، أبو سهل البصري (2) .
يونس بن أبي يعفور العبدي (3) .
أبو الحريش القَصَّار (4) .
هذا ما استطعت أن أظفر به من شيوخ سعيد بن منصور، وعدَّتهم: مائة وعشرة أنفس، أخرج سعيد في هذا القسم المحقق لاثنين وستين منهم، والباقي زدته من باقي المصادر، ومنها المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، وتهذيب الكمال للمِزّي، غير أن المزي لم يذكر من هؤلاء الشيوخ سوى سبعة وأربعين شيخاً، منهم ثلاثون شيخاً ممن أُخرج لهم في هذا القسم المحقق، فأصبح عدة من أُخرج لهم في هذا القسم ومن زادهم المِزِّي تسعة وسبعين شيخاً، والباقي وهم واحد وثلاثون شيخاً من باقي المصادر المشار إليها في الحواشي السابقة.
وقد اختلف عدد الأحاديث التي أخرجها سعيد عن كل شيخ من هؤلاء الشيوخ الذين أخرج لهم في هذا القسم، فمنهم من أكثر عنه، ومنهم من أقلّ عنه، وهذا- في نظري- يعود لأمرين:
1- تاخر وفاة الشيخ حتى تمكن سعيد من الإكثار عنه.
2- مكانة الشيخ، فحرصه على الرواية عن الأئمة الثقات كهشيم بن بشير، وسفيان بن عيينة، وخالد بن عبد الله الطحّان، وإسماعيل بن
__________
(1) انظر الحديث رقم [263] .
(2) المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2 / 121) .
(3) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 78) .
(4) المطبوع من سنن سعيد (2 / 165 رقم 2400) ، وذكره السمعاني في الأنساب (10 / 433) هكذا: (أبو الجريش القصار) بالجيم.(المقدمة/77)
إبراهيم بن عُلَيَّة، وعبد الله بن المبارك، وأبي معاوية محمد بن خازم، وغيرهم، ليس كحرصه على الرواية عن مثل الحارث بن نَبْهان، أو الحكم بن ظُهير، أو الوليد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثور وأمثالهم من الضعفاء الذين تلجئه الضرورة إلى الإخراج عنهم، إما لكونه لم يجد الحديث عند أحد غيره من مشايخه، أو لكونه لا يتحصَّل له الحديث بِعُلُوّ إلا من طريق شيخه الضعيف، ولو رواه عن شيخه الثقة لنزل فيه، والحديث معروف عند أهل العلم من غير طريق ذلك الضعيف.
وقد أكثر سعيد من الرواية عن بعض شيوخه إكثاراً بيِّناً، مما يَدُلُّ على شدة ملازمته لهم، وعلى رأس هؤلاء هُشيم بن بشير الواسطي، ثم سفيان بن عيينة.
أما هُشيم بن بشير، فإنه في هذا القسم المحقق روى عنه أكثر من ربع الكتاب؛ فإن عدد أحاديث هذا القسم: تسعة وستون وثمانمائة حديث، روى عن هُشيم منها: تسعة وثلاثين ومائتي حديث، فهو أكثر شيخ له عنه رواية، وهذا يعود- في ظني- إلى رؤيا رآها، وهي ما رواه أبو يحيى بن أبي مَسَرَّة ومحمد بن عبد الرحمن الشامي، عن سعيد بن منصور أنه قال: رأيت النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النوم، فقلت: يا رسول الله، ألزم أبا يوسف أو هُشيماً؟ قال: هُشيماً (1) .
وقد كان سعيد بصيراً برواية هشيم، فمعظم روايته عنه نجد هشيماً يصرِّح فيها بالسماع، مما يدلّ على أنه حريص على اجتناب تدليسه ما أمكن، كما أن بعض علماء عصره كان كذلك.
يقول سعيد بن منصور: جاء عبد الرحمن بن مهدي إلى هشيم، فسأله عن أحاديث، وجعل يتحفظ ألا يدلِّس، ويسمع ويتحفظ ولا
__________
(1) انظر ما تقدم (ص 68 / ق) .(المقدمة/78)
يكتب، ثم تنحَّى وجعل يكتب ما سأله باختيار (1) ، وكان فيما سأله: منصور بن زاذان عن الحسن، شيء في القوارير (2) .
قال: فكتب باختيار، فقلت له: يا أبا سعيد (3) ، هذا لم تسمعه من منصور، وليس عليك (4) . قال: فقال لي المدائني الأحول (5) : فعل الله بك وفعل، ألا تركت الحُصَيَّةَ تتهوَّر (6) .
وأما سفيان بن عيينة، فإنه لازمه في مكة، وهو راويته كما قال أبو عبد الله الحاكم (7) ، وأحد الحفاظ من أصحابه. يقول الدارقطني:
__________
(1) المعنى: أن عبد الرحمن بن مهدي لم يكتب ما سمعه من هشيم خشية أن ينشغل بالكتابة فيدلِّس عليه هشيم، فلا يتنبّه، فاكتفى بالسماع والحفظ لما يسمع، مع الحذر من تدليس هشيم، فلما فرغ، جلس في ناحية، وأخذ يكتب بعض ما سمعه من هشيم ويترك بعضه، وهذا هو الاختيار.
(2) أي: حديثاً عن الحسن البصري في ذكر القوارير.
(3) هي كنية عبد الرحمن بن مهدي.
(4) كأن المعنى- والله أعلم-: أن هذا الخلل في الإسناد ليس منك، وإنما هو من تدليس هشيم، فإنه إذا قال هشيم: منصور بن زاذان، لم يصرح بالسماع منه، فإذا كتبه عبد الرحمن كذلك، فكأن الرواية من عبد الرحمن، عن منصور، وهو لم يسمعه منه، فعبد الرحمن برغم حذره من تدليس هشيم لم يتنبّه لهذا حتى نبهه عليه سعيد بن منصور الخبير بتدليس شيخه.
(5) لم أهتد إليه. وقد ذكر الدكتور أكرم ضياء العمري في حاشيته على الموضع الآتي من المعرفة والتاريخ أنه عامر بن عبد الواحد الأحول البصري، وعندي في هذا نظر، لأنه لم يُذكر أنه مدائني، بل هو بصري، وهو أعلى من هشيم طبقة.
انظر التقريب (ص 288، 574 رقم 3103، 7312) .
(6) المعرفة والتاريخ ليعقوب سفيان (2 / 666) .
والحُصَيَّةُ: تصغير حصاة. وتَهَوَّر بمعنى تهدَّم وانصدع وسقط. وكل ما سقط من أعلى جُرُف، أو شفير رَكِيَّة في أسفلها فقد تَهَوَّر. والتهوُّر أيضاً: الوقوع في الشيء بقلّة مبالاة. انظر لسان العرب (5 / 268) .
فظهر من هذا أن المدائني لام سعيداً على تنبيهه عبد الرحمن، ويقول له: لِمَ لَمْ تتركه على خطئه حتى يعاب به، وتسقط مكانته، وهذا من حسد الأقران بعضهم لبعض نسأل الله السلامة.
(7) تاريخ دمشق لابن عساكر (7 / 355 / مخطوط الظاهرية) .(المقدمة/79)
(أصحاب ابن عيينة الحفاظ منهم: الحميدي، ومُسَدَّد، وسعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة) (1) .
ولم يكن سعيد أحفظ أصحاب ابن عيينة، بل كان الحميدي يفوقه باعترافه هو حيث يقول: (لا تسألوني عن حديث سفيان، فإن هذا الحميدي يجعلنا على طَبَق) (2) .
ويقول الحميدي (3) : كنت بمصر، وكان لسعيد بن منصور حلقة في مسجد مصر، ويجتمع إليه أهل خراسان وأهل العراق. فجلست إليهم، فذكروا شيخاً لسفيان، فقالوا: كم يكون حديثه؟ فقلت: كذا وكذا. قال: فَسَبَّحَ سعيد بن منصور، وأنكر ذلك، وأنكر ابن دسيم (4) ، وكان إنكار ابن دسيم أشدَّ عليّ. فأقبلت على سعيد، فقلت: كم تحفظ عن سفيان عنه؟ فذكر نحو النصف مما قلت، وأقبلت على ابن دسيم، فقلت: كم تحفظ عن سفيان عنه؟ فذكر زيادة على ما قال سعيد نحو الثلاثين مما قلت أنا، فقلت لسعيد: تحفظ ما كتبت عن سفيان عنه؟ قال: نعم، فقلت: فَعُدَّ، قال: فَعَدَّ، ثم قلت لابن دسيم: عُدَّ ما كتبت عن سفيان عنه، فإذا سعيد يغرب على ابن دسيم بأحاديث، وابن دسيم يغرب على سعيد بأحاديث كثيرة، فإذا قد ذهب عليهما أحاديث يسيرة. قال: فذكرت ما ذهب عليهما. قال: فرأيت الحياء والخجل في وجهيهما.
__________
(1) انظر حاشية المطبوع من تهذيب الكمال (11 / 82) .
(2) المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2 / 178 - 179)
(3) المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2 / 179) ، وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (7 / 356 / مخطوط الظاهرية) ، ومنه صوبت بعض العبارات.
(4) كذا في تاريخ دمشق (7 / 356) ، وفي المعرفة والتاريخ (2 / 179) : (ابن ديسم) ، ولم أهتد لأحد من الرواة بهذا الاسم أو ذاك.(المقدمة/80)
وقد بلغ عدد روايات سعيد عن شيخه سفيان بن عيينة في هذا القسم اثنين وستين ومائة حديث، فهو الذي يلي هشيم، ثم يتلوهما باقي الشيوخ على اختلاف عدد رواياتهم، مع الفرق الكبير بينهم وبين هذين الاثنين. فالذي يتلو سفيان- من حيث العدد- هو خالد بن عبد الله الطَّحَّان، وعدد رواياته هنا: تسعة وخمسون حديثاً، ثم أبو معاوية محمد بن خازم، وعدد رواياته هنا: ثلاثة وأربعون حديثاً، ثم أبو عوانة وضَّاح بن عبد الله، وعدد رواياته هنا: اثنان وثلاثون حديثاً، ثم أبو الأحْوَص سلاَّم بن سُلَيْم، وعدد رواياته هنا: تسعة وعشرون حديثاً، ثم جرير بن عبد الحميد، وعددرواياته هنا: سبعة وعشرون حديثاً، ثم إسماعيل بن إبراهيم بن عُلَيَّة، وعدد رواياته هنا: أربعة وعشرون حديثاً ... ، وهكذا بقية شيوخه. وفي هذا دلالة على أن الفرق بينهم فرق يسير، ليس كالفرق بينهم وبين هشيم وسفيان اللذَيْن أكثر عنهما إكثاراً ظاهراً، مما يدل على عظم مكانتهما عنده.
6- تلاميذه وتأثيره فيهم:
إن مكانة سعيد بن منصور العلمية جعلت أئمة الحديث يحرصون على التلقِّي عنه، فإمام أهل السنة أحمد بن حنبل- رحمه الله- ممن أخذ عنه، وحدَّث عنه وهو حي (1) . وكان إذا سُئل: من بمكة؟ قال: سعيد بن منصور (2) .
وقد صنَّف أبو نعيم الأصبهاني كتاباً بعنوان: (تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً) ذكر في مقدمته منهجه فيه، والسبب الباعث له على تأليفه، فقال: (ذكر من وقع لنا من أصحاب
__________
(1) تاريخ دمشق لابن عساكر (7 / 355 / مخطوط الظاهرية) .
(2) المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2 / 179) ، والمرجع السابق (ص 356) .(المقدمة/81)
سعيد بن منصور عالياً، ذكرت لكل واحد منهم حديثاً واحداً؛ لأقف على عَدَدهم وأسمائهم. وحملني على ذلك قِدَمُ وفاة سعيد بن منصور، وموضعُه من التوثق والفضل. وهو سعيد بن منصور، أبو عثمان الخراساني، نزيل مكة، ثبت، صدوق، حدَّث عنه الكبار من الحُفّاظ والمتقنين؛ مثل: هارون الحَمَّال، وأحمد بن محمد بن حنبل، وأبو يحيى محمد بن عبد الرحيم صاعقة، وغيرهم) (1) .
وقد أخرج أصحاب الكتب الستة لسعيد بن منصور (2) ، واحتجَّ به البخاري ومسلم في صحيحهما (3) ، وهو من شيوخهما، ومن شيوخ أبي داود السجستاني، إلا أن مسلماً أكثر من الإخراج عنه في الصحيح (4) أكثر من البخاري، فعدد الأحاديث التي رواها مسلم عنه في الصحيح ستون حديثاً (5) ، بخلاف البخاري الذي لم يخرج له سوى حديث واحد (6) . وهو أحد النَّفَر الأربعة الذين قيل إن مسلماً عَنَاهُم بقوله: (إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه) ، وهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور (7) .
__________
(1) تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً (ص 25 - 26) .
(2) كما تدل عليه رموز تهذيب التهذيب (4 / 89 رقم 148) ، وتقريب التهذيب (ص 241 رقم 2399) .
(3) قال أبو عبد الله الحاكم: (له مصنفات كثيرة، متفق على إخراجه في الصحيحين، فإن الإمامين محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج، قد رويا عنه، واحتجّا به في الصحيحين) اهـ. من تاريخ دمشق أيضاً (7 / 355) .
(4) كما في الجمع بين الصحيحين (1 / 171) .
(5) كما نقله مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال (ل 99 / أ) عن كتاب الزهرة.
(6) كما في الموضع السابق من الجمع بين الصحيحين.
(7) جاء في صحيح مسلم (1 / 304 رقم 63) ، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة: =(المقدمة/82)
وقد كان بين سعيد والحميدي ما يكون بين الأقران غالباً (1) ، ومكانة الحميدي لا تُنكر، فالبخاري إذا وجد الحديث عنده لا يعدوه إلى غيره (2) ، ومع ذلك نجد مسلماً يُعْنَى بتخريج حديث سعيد بن منصور في الصحيح، ولا يُعَرِّجُ على حديث الحميدي، فهو لم يرو له إلا في المقدمة (3) ، فلست أدري هل تعمَّد هذا الصنيع لأجل شيخه سعيد كما تعمَّد ترك حديث محمد بن يحيى الذهلي لأجل البخاري (4) ؟ أو أنه اكتفى بغيره عنه ولم يتركه لشيء؟ وأما البخاري، فإنه روى في الصحيح عن سعيد بن منصور بواسطة يحيى بن موسى البلخي (5) ، ولم يرو عنه مباشرة، ولذا لم يذكره المِزِّي في تهذيب
__________
= أن أبا بكر ابن أخت أبي النَّضْر سأل مسلماً عن حديث أبي هريرة: (وإذا قرأ- يعني الإمام- فانصتوا، فقال: هو عندي صحيح، فقال: لِمَ لَمْ تَضَعْه هاهنا؟ - يعني في الصحيح-، فقال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه.
واختلفوا في توجيه كلمة مسلم هذه. ومن جملة ما قيل في ذلك: ما حكاه السراج البلقيني في محاسن الاصطلاح (ص 91) حيث قال: (قيل: أراد مسلم بقوله: ما أجمعوا عليه أربعة: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور) اهـ. ولم يذكر البلقيني مرجعه في ذلك فالله أعلم.
(1) سيأتي الكلام عن ذلك.
(2) انظر التهذيب (5 / 215 - 216 رقم 272) ، والتقريب (ص 303 رقم 3320) .
(3) كما تدل عليه الرموز في المرجعين السابقين.
(4) انظر تفاصيل قصة مسلم والبخاري ومحمد بن يحيى الذهلي في سير أعلام النبلاء (12 / 453 فما بعد) .
(5) روى عنه في كتاب الأذان، باب سرعة انصراف النساء من الصبح، وقلَّة مقامهن في المسجد (2 / 351 رقم الحديث 872) ، فقال: حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا فُليح، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - كان يصلي الصبح بغَلَس، فينصرفن نساءُ المؤمنين لا يُعرفن من الغَلَس، أو لايعرف بعضهن بعضاً.(المقدمة/83)
الكمال (1) ، ولا الذهبي في سير أعلام النبلاء (2) ، ولا ابن حجر في تهذيب التهذيب (3) في شيوخ البخاري. وقد استوقفني هذا كثيراً وأدهشني! فهل فرّط البخاري في السماع من سعيد بن منصور، وهو الذي أفنى عمره في السماع من الشيوخ والرحلة إليهم؟ وما لبثت إلا يسيراً وإذا بدهشتي تزول بعد أن تيقَّنت أن سعيد بن منصور من شيوخ البخاري، وأن مارواه عنه في الصحيح بواسطة لم يتحصّل له منه مباشرة، وهذا يحصل كثيراً له ولغيره، وأن عدم ذكر المِزِّي والذهبي وابن حجر له في المواضع المشار إليها لا يعني استيفاءهم لشيوخ الراوي وتلاميذه، واستدللت على أن سعيداً من شيوخ البخاري بالآتي:
1- روايته عنه مباشرة في بعض كتبه، ومن ذلك: الأدب المفرد، والتاريخ الصغير.
قال في الأدب المفرد (4) : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حدثنا عبيد الله بن إياد، عن أبيه، قال: سمعت ليلى امرأة بشير تحدِّث عن بشير بن الخَصَاصَية، وكان اسمه زحم، فسمّاه النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشيراً.
وقال في التاريخ الصغير (5) : حدثنا سعيد بن منصور، ثنا حجر بن الحارث الغَسَّاني الرَّمْلي، عن عبد الله بن عوف الكناني عامل عمر بن عبد العزيز على الرَّمْلَة، أنه شهد عبد الملك بن مروان قال لابن عقربة الجُهَني يوم قتل عمرو بن سعيد بن العاص: يا أبا اليمان، إني احتجت
__________
(1) (11 / 79) .
(2) (10 / 587) .
(3) (4 / 89 - 90) .
(4) الأدب المفرد مع شرحه فضل الله الصمد (2 / 294 رقم 830) .
وهذا الحديث أخرجه أيضاً أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1 / 635) عن شيخه سعيد بن منصور، به نحو سياق البخاري.
(5) التاريخ الصغير (1 / 159) .(المقدمة/84)
اليوم إلى كلامك، قال: سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - يقول: ((من قام بخطبة لا يلتمس إلا رياء وسمعة، وقفه الله يوم القيامة موقف رياء وسمعة)) .
2- قال مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال (1) : (وفي كتاب الزهرة: روى عنه- أي عن سعيد بن منصور- البخاري، ثم روى عن يحيى بن موسى، عنه) .
3- قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2) في تعليقه على الحديث الذي أخرجه البخاري عن يحيى بن موسى، عن سعيد بن منصور (3) : (قوله: سعيد بن منصور، هو من شيوخ البخاري، وربما روى عنه بواسطة كما هنا) .
وأما تأثير سعيد بن منصور على تلاميذه، فلا يحضرني شيء مما يمكن أن يشار إلى أنه مما تأثر به تلاميذه فيه.
وفيما يلي ذكر لتلاميذه مرتبين على حروف المعجم، مع الإشارة في الحاشية إلى المرجع الذي فيه ما يدل على أن هذا الراوي ممن روى عن سعيد.
إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكَلْبي، أبو ثَوْر الفقيه، صاحب الشافعي (4) .
إبراهيم بن أبي داود سليمان بن داود الأسدي، أبو إسحاق البُرُلُّسي (5) .
إبراهيم بن فهد بن حكيم البصري (6) .
__________
(1) إكمال تهذيب الكمال (ل 99 / أ) .
(2) فتح الباري (2 / 351) .
(3) تقدم ذكر الحديث (ص 83 / ق) .
(4) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 79) .
(5) شرح معاني الآثار (1 / 344) ، وانظر تراجم شيوخ الطحاوي في مقدمة الشرح (ص 12) .
(6) تاريخ دمشق لابن عساكر (10 / 156 / مخطوط الظاهرية) ، وانظر لسان الميزان (1 / 91) .(المقدمة/85)
إبراهيم بن الهيثم البَلَدي (1) .
أحمد بن خُلَيْد الَحَلبي.
أحمد بن سهل بن أيوب الأهْوازي.
أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم، أبو بكر بن البَرْقي.
أحمد بن عبد الله الكندي.
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام (2) .
أحمد بن محمد بن الصلت البغدادي (3) .
أحمد بن محمد بن هانئ، أبو بكر الأثرم (4) .
أحمد بن منصور الرمادي (5) .
أحمد بن نَجْدَةَ بن العُريان الهَرَوي (6) .
إسماعيل بن عبد الله العَبْدي، سَمُّويَهْ الأصْبَهَانِي.
بشر بن موسى الأسدي.
بهلول بن إسحاق الأنْباري.
جعفر بن محمد بن الحجاج.
حرب بن إسماعيل الكِرْمَاني (7) .
حَسَّان بن مُخَلَّد البُشْتي (8) .
الحسن بن جرير بن عبد الرحمن الصُّوري (9) .
__________
(1) مستدرك الحاكم (1 / 85) ، وانظر لسان الميزان (1 / 123) .
(2) الأسماء الخمسة المتقدمة من الموضع السابق من تهذيب الكمال. وقد روى الإمام أحمد عن سعيد بن منصور في عدة مواضع من المسند، منها: (3 / 500) ، (4 / 212) ، (5 / 333، 415) .
(3) تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً (ص 95) .
(4) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 79) .
(5) الكنى والأسماء للدولابي (1 / 94) .
(6) هو أحد رواة كتاب السنن عن سعيد كما سيأتي.
(7) الأسماء الستة المتقدمة من تهذيب الكمال المطبوع (11 / 79) .
(8) معجم البلدان (1 / 425) .
(9) تاريخ دمشق لابن عساكر (4 / 419 / مخطوط الظاهرية) .(المقدمة/86)
الحسن بن علي بن زياد السُّرِّي (1) .
الحسن بن علي بن محمد الهُذَلي، أبو علي الخَلاَّل، الحُلْوَاني، نزيل مكة (2) .
الحسن بن محمد بن الصَّبَّاح الزَّعْفَراني (3) .
الحسين بن إسحاق التُّسْتُري (4) .
الحسين بن محمد بن جمعة (5) .
حنبل بن إسحاق (6) .
خلف بن عمرو العُكْبُري (7) .
سعيد بن مَسْعَدَةَ العطّار (8) .
سلمة بن شبيب المِسْمعِي النيسابوري، نزيل مكة (9) .
سلمة بن محمد الخزاندي (10) .
سليمان بن الأشْعَث بن إسحاق أبو داود السِّجِسْتَاني صاحب السنن (11) .
صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري.
العباس بن عبد الله السِّنْدي.
العباس بن الفضل الأسْفَاطي.
__________
(1) مستدرك الحاكم (1 / 85) .
(2) تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً لأبي نعيم (ص 55، 56) ، وانظر معه التقريب (ص 162 رقم 1262) .
(3، 4) الموضع السابق من تهذيب الكمال.
(5) تاريخ دمشق (5 / 118) ، (15 / 514) .
(6) المرجع السابق (6 / 637) .
(7) الموضع السابق من تهذيب الكمال.
(8، 9) سير أعلام النبلاء (10 / 587) .
(10) القند في ذكر علماء سمرقند (ص 104) ، وانظر اسم محمد بن أحمد الخزاندي الآتي.
(11) الموضع السابق من تهذيب الكمال.(المقدمة/87)
العباس بن محمد الدُّوري.
عبد الرحمن بن عمرو أبو زرعة الدمشقي (1) .
عبد الرحمن بن محمد بن سلاّم (2) .
عبد الله بن أحمد بن أبي مَسَرَّة (3) .
عبد الله بن الحسن بن أحمد أبو شعيب الحرَّاني (4) .
عبد الله بن أبي العاص (5) .
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارمي (6) .
عبد الله بن محمد البردي (7) ,
عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرّازي.
عثمان بن خُرَّزاذ الأنْطاكي.
علي بن عبد العزيز البَغَوي (8) .
عمر بن شَبَّة بن عُبيدة بن زيد النُّميري (9) .
عمرو بن منصور النسائي (10) .
عمير بن مرداس (11) .
محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن البُوشَنْجي (12) .
__________
(1) انظر في هؤلاء الخمسة المتقدمين تهذيب الكمال (11 / 79) .
(2) تهذيب الكمال المخطوط (2 / 815) .
(3) انظر تاريخ واسط (ص 138) وأخبار مكة للفاكهي (1 / 333) .
(4) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 79) .
(5) تاريخ دمشق لابن عساكر (13 / 690 / مخطوط الظاهرية) .
(6) الموضع السابق من تهذيب الكمال.
(7) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (1 / 232) .
(8) الأسماء الثلاثة السابقة من تهذيب الكمال المطبوع (11 / 79) .
(9) تاريخ دمشق أيضاً (11 / 630) .
(10) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 79) .
(11) سير أعلام النبلاء (10 / 587) .
(12) تهذيب التهذيب (9 / 8) .(المقدمة/88)
محمد بن إبراهيم، أبو الفضل الشاشي، المعروف بـ: ناقلة (1) .
محمد بن أحمد، أبو بكر الخَزَاندي (2) .
محمد بن إدريس بن عمر، أبو بكر ورَّاق الحميدي (3) .
محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أبو حاتم الرازي (4) .
محمد بن إسحاق الصاغاني (5) .
محمد بن أسلم الطُّوسي (6) .
محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح (7) .
محمد بن أيوب بن يحيى بن الضُّرَيس الرَّازي (8) .
محمد بن حَسَّان البُسْري الحَسَّاني، أبو عبيد الزاهد (9) .
محمد بن خليفة بن صدقة، أبو جعفر الدَّيْر عاقولي، يعرف بغُنْدر (10) .
محمد بن رزيق بن جامع أبو عبد الله المديني (11) .
محمد بن سعد بن منيع كاتب الواقدي، وصاحب الطبقات (12) .
محمد بن سعيد بن منصور (13) .
__________
(1) الإرشاد للخليلي (3 / 984) .
(2) معجم البلدان (2 / 367) . وتقدم في الرواة عن سعيد أيضاً: سلمة بن محمد الخزاندي، فلست أدري، أهما اثنان، أم هناك تصحيف؟.
(3) تاريخ واسط لبحشل (ص 135) ، وانظر الثقات لابن حبان (9 / 137 - 138) .
(4، 5) الموضع السابق من تهذيب الكمال.
(6) المنتظم لابن الجوزي (1 / 328) .
(7) انظر ما تقدم (ص 84 / ق) .
(8) الموضع السابق من تهذيب الكمال.
(9) معجم البلدان (1 / 420) .
(10) تهذيب التهذيب (9 / 150) ، وانظر معه التقريب (ص 477 رقم 5862) .
(11) هو أحد رواة السنن عن سعيد كما في سدّ الأرب لأبي عبد الله الأمير (ص 120) .
(12) روى عن سعيد بن منصور في مواضع كثيرة من الطبقات، منها على سبيل المثال (3 / 288، 313، 318) .
(13) روى محمد عن أبيه بعض النصوص، انظر مثلاً سير أعلام النبلاء (12 / 280) .(المقدمة/89)
محمد بن سليمان الواسطي (1) .
محمد بن صالح (2) .
محمد بن العباس الكابلي (3) .
محمد بن عبد الرحمن الشامي (4) .
محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البَزَّاز، المعروف بـ: صاعقة (5) .
محمد بن عبد الله بن عمار، أبو جعفر الموصلي (6) .
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ المكِّي (7) .
محمد بن علي بن داود، أبو بكر البغدادي المعروف بابن أخت غزال (8) .
محمد بن علي بن مروان (9) .
محمد بن علي بن ميمون العَطَّار الرَّقِّي (10) .
محمد بن عمران بن علي بن عمران، أبو عبد الله الجرجاني، الزاهد، المعروف بالمقابري (11) .
محمد بن عمرو بن المُوَجِّه، أبو المُوَجِّه المروزي (12) .
__________
(1) تاريخ دمشق لابن عساكر (13 / 133 / مخطوط الظاهرية) .
(2) أخبار مكة للفاكهي (1 / 415) .
(3) تاريخ دمشق أيضاً (14 / 333) .
(4) الثقات لابن حبان (8 / 268) ، وتهذيب التهذيب (11 / 63) .
(5) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 79) .
(6) تاريخ الموصل (ص 166) .
(7) الموضع السابق من تهذيب الكمال، وهذا هو راوي السنن عن سعيد بن منصور.
(8) مشكل الآثار للطحاوي (4 / 142) .
(9) جامع بيان العلم لابن عبد البر (1/ 233) .
(10) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 79) .
(11) تاريخ جرجان (ص 391) .
(12) تاريخ دمشق لابن عساكر (19 / 390 / مخطوط الظاهرية) ، وسير أعلام النبلاء (10 / 587) .(المقدمة/90)
محمد بن محمد بن أبي الورد (أو: ابن الورد) (1) .
محمد بن يحيى الذُّهْلي.
محمد بن يونس الكُدَيْمي.
مسعدة بن سعد العطّار المكِّي.
مسلم بن الحجاج القُشيري، النيسابوري صاحب الصحيح.
معاذ بن المثنى بن معاذ العنبري (2) .
هارون بن إسحاق الهمداني (3) .
هارون بن عبد الله الحَمّال.
يحيى بن محمد بن يحيى الذُّهْلي.
يحيى بن موسى بن عبد ربه الحدَّاني البَلْخي.
يحيى بن يونس الشيرازي.
يعقوب بن سفيان الفسوي (4) .
يوسف بن سعيد بن مسلم (5) .
يوسف بن يزيد أبو يزيد القراطيسي (6) .
أبو علي السَّكَاني غير مُسَمّىً ولا منسوب (7) .
7- جهوده في خدمة الحديث وعلومه، ومؤلفاته فيه:
إن هذه الرحلة الواسعة لتلك البلاد التي طافها سعيد بن منصور تعتبر مرحلة الجمع والتحصيل التي مكَّنته بعد ذلك من أن يقدم للأمة
__________
(1) الغنية للقاضي عياض (ص 144) .
(2) الأسماء الخمسة الماضية من تهذيب الكمال (11 / 79) .
(3) تاريخ دمشق أيضاً (13 / 142) .
(4) الأسماء الخمسة الماضية من تهذيب الكمال المطبوع (11 / 79) .
(5) التقييد لابن نقطة (2 / 17) .
(6) الموضع السابق من تهذيب الكمال.
(7) الأنساب للسمعاني (7 / 154) ، ومعجم البلدان (3 / 230) .(المقدمة/91)
الإسلامية هذه الثروة العلمية التي لن ينقطع عنه أجرها- بإذنه تعالى- إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (1) عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله، إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) .
وها قد مضى على وفاة سعيد بن منصور ما يقرب من ألف ومائتي عام، والمسلمون ينتفعون بهذا العلم الذي حصّله وقدّمه.
وسأتناول الحديث عن جهوده في خدمة الحديث وعلومه من خلال:
أ- مجالس العلم التي كان يعقدها.
ب- كلامه في الرواة جرحاً وتعديلاً.
جـ- مؤلفاته.
أ- أما مجالس العلم، فإنه كان يعقدها ليبثّ بين الناس ما جمعه وحصّله من علم، فأقبل عليه طلبة العلم ينهلون من هذا المعين، بعد أن عرفوا ما لسعيد بن منصور من مكانة، من خلال شهرته، وحث العلماء لهم على السماع منه.
يقول الفضل بن زياد: (سمعت أبا عبد الله- يعني أحمد بن حنبل- وقيل له: من بمكة؟ قال: سعيد بن منصور) (2) .
وقال حرب الكرماني: (كتبت عنه- أي عن سعيد بن منصور- سنة مائتين وتسع عشرة، وأملى علينا نحواً من عشرة آلاف حديث من حفظه، ثم صنف بعد ذلك الكتب، وكان موسعاً عليه) (3) .
__________
(1) صحيح مسلم (3 / 1255 رقم 14) ، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته.
(2) المعرفة والتاريخ (2 / 179) ، وتاريخ دمشق (7 / 356 / مخطوط الظاهرية) .
(3) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 81) ، وسير أعلام النبلاء (10 / 587) .(المقدمة/92)
وسيأتي- بإذنه تعالى- أثناء الكلام عن اعتقاد سعيد بن منصور ذكر قصة أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بَزَّة مع الحميدي، وفيها يقول أحمد: فدخلنا على سعيد بن منصور وهو يحدِّث، فلما افترق الناس، دنا منه- أي الحميدي-، فقال لي: حدِّث أبا عثمان حديث الجريجي ... إلخ القصة (1) .
ولم يكن عقد سعيد لمجالس الحديث بعد فراغه من الرحلة واستقراره بمكة، بل كان يأخذ ويعطي في آن واحد. ففي رحلته إلى مصر، كان يعقد المجالس في مسجد مصر. يقول الحميدي: (كنت بمصر، وكان لسعيد بن منصور حلقة في مسجد مصر، ويجتمع إليه أهل خراسان وأهل العراق ... ) إلخ القصة (2) .
ب- وأما الكلام في الرواة جرحاً وتعديلاً، فإن سعيد بن منصور قد انتدب نفسه لذلك في جملة علماء الحديث الذين قَبِل الناس قولهم في الجرح والتعديل، والذين قسمهم الذهبي- رحمه الله- إلى ثلاثة أقسام، حيث قال: (إعلم- هداك الله- أن الذين قَبِل الناس قولهم في الجرح والتعديل على ثلاثة أقسام:
1- قسم تكلّموا في أكثر الرواة؛ كابن معين، وأبي حاتم الرازي.
2- وقسم تكلّموا في كثير من الرواة، كمالك، وشعبة.
3- وقسم تكلّموا في الرجل بعد الرجل؛ كابن عيينة، والشافعي.
والكلُّ أيضاً على ثلاثة أقسام:
1- قسم منهم مُتَعَنِّتٌ في الجرح، مُتَثَبِّتٌ في التعديل، يغمز الراوي بالغَلْطَتَيْن والثلاث، ويُلَيِّنُ بذلك حديثه.
__________
(1) انظرها بتمامها في كتاب الرحلة للخطيب البغدادي (ص 181 - 185 رقم 81) .
(2) تقدم ذكر القصة بتمامها (ص 80 / ق) .(المقدمة/93)
فهذا إذا وثَّقَ شخصاً، فَعُضَّ على قوله بِنَاجِذَيْكَ، وتمسَّكْ بتوثيقه. وإذا ضَعَّفَ رجلاً فانظر هل وافقه غيرُه على تضعيفه، فإن وافقه، ولم يوثِّق ذاك أحدٌ من الحُذَّاق، فهو ضعيف. وإن وثّقه أحد، فهذا الذي قالوا فيه لا يقبل تجريحه إلا مفسَّراً، يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً: هو ضعيف، ولم يوضِّح سبب ضعفه، وغيره قد وثَّقه. فمثل هذا يُتَوقَّفُ في تصحيح حديثه، وهو إلى الحسن أقرب. وابن معين، وأبو حاتم، والجوزجاني: مُتَعَنِّتون.
2- وقسم في مقابلة هؤلاء؛ كأبي عيسى الترمذي، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي بكر البيهقي: متساهلون.
3- وقسم كالبخاري، وأحمد بن حنبل، وأبي زرعة، وابن عدي: معتدلون منصفون) (1) . اهـ.
وليس لسعيد بن منصور كثير كلام في الرواة نستطيع أن نصفه من خلاله بالتَّعَنُّت، أو التساهل، أو الاعتدال، بل هو من القسم الثالث الذين تكلَّموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي واعتمد أهل الحديث قوله في الجرح والتعديل.
قال الذهبي في مقدمة رسالته التي سماها: (ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) (2) : (فنشرع الآن بتسمية من كان إذا تكلَّم في الرجال قُبِل قولُه، ورُجع إلى نقده، ونسوق من يَسَّر الله تعالى منهم على الطبقات والأزمنة ... ) ، ثم شرع في ذكرهم، وجعلهم ثنتين وعشرين طبقة، وذكر سعيد بن منصور في الطبقة الثالثة (3) .
__________
(1) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي (ص 158 - 159) .
(2) المرجع السابق (ص 162) .
(3) السابق أيضاً (ص 167، 169) .(المقدمة/94)
وقال في مقدمة كتابه: (تذكرة الحفاظ) (1) : (هذه تذكرة بأسماء مُعَدِّلي حملة العلم النبوي، ومن يرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف، والتصحيح والتزييف ... ) ، ثم شرع في ذكرهم، وجعلهم إحدى وعشرين طبقة، ثم قال (2) : (الطبقة الثامنة من الكِتَاب من أكابر الحفاظ، وعدَّتهم مائة وعشرون نفساً ... ) ، ثم ذكر سعيد بن منصور فيهم (3) .
وقد سبق الذهبي إلى هذا الصنيع ابن عدي في كتاب (الكامل) ، فإنه قال في مقدمته (4) : (ذكر من استجاز تكذيب من تبين كذبه، من الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، ومن بعدهم، إلى يومنا هذا، رجلاً رجلاً ... ) ، ثم ابتدأ بمن تكلم في الرجال من الصحابة، ثم التابعين، ثم تابعي التابعين، ثم قال (5) : (طبقة بعد تابعي التابعين، منهم: وكيع بن الجراح ... ) ، ثم ذكر سعيد بن منصور في هذه الطبقة (6) ، وأورد من كلامه محاورته لابن معين في كاتب الليث، وسيأتي ذكرها.
وأسوق هنا بعض ما جاء عن سعيد بن منصور فيما عثرت عليه من كلامه في الرجال. فمن ذلك:
ما رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه، قال: (قلت لسعيد بن منصور: أكان مالك بن أنس يرى الكتاب عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ العزيز (7) ؟
__________
(1) تذكرة الحفاظ (1 /1) .
(2) المرجع السابق (2 / 413) .
(3) السابق أيضاً (2 / 416) .
(4) الكامل لابن عدي (1 / 61) .
(5) المرجع السابق (1 / 117) .
(6) السابق أيضاً (1 / 126) .
(7) عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر الليثي، المدني ضعيف، مجمع على ضعفه =(المقدمة/95)
قال: ما سألته، وكان ثقة) (1) .
وقال محمد بن يحيى السُّهْلي: (سألت عنه- أي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ العزيز الليثي- سعيد بن منصور، فقال: كان مالك يرضاه، وكان ثقة) (2) .
فهذان النَّصَّان تَضَمَّنَا توثيق سعيد لعبد الله بن عبد العزيز الليثي، لكن ظاهرهما التعارض فيما يتعلق بمعرفة رأي مالك فيه، فالظاهر أنه لما سئل في المرة الأولى لم يكن يعرف رأي مالك فيه، ثم عرفه بعد ذلك ممن سأل مالكاً، فأجاب بجوابه الثاني.
وقد يوصف سعيد من خلال هذا النصّ بالتساهل؛ لكون عبد الله بن عبد العزيز الليثي مجمعاً على ضعفه، لكن من الخطأ الحكم عليه بهذا؛ لأن نَصّاً واحداً لا يكفي في الحكم عليه بهذا، والله أعلم.
ومما جاء عنه من الكلام في الرجال: ما حكاه هو نفسه، قال: جاءني ابن معين بمصر، فقال لي: يا أبا عثمان، أحب أن تمسك عن كاتب الليث (3) . فقلت: لا أمسك عنه، وأنا أعلم الناس به، إنما كان كاتباً للضِّياع (4) .
فهذا النص يظهر منه أن سعيد بن منصور عرف حال أبي صالح،
__________
= سوى ما ذكره سعيد.
انظر التهذيب (5 / 301 - 302) ، والتقريب (ص 312 رقم 3444) .
(1) تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1 / 441 رقم 1091) .
(2) تهذيب الكمال (15 / 240) ، وتهذيب التهذيب (5 / 302) .
(3) هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجُهَني، أبو صالح المصري، كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، ثَبْتٌ في كتابه، وكانت فيه غفلة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين وله خمس وثمانون سنة. اهـ. من تقريب التهذيب (ص 308 رقم 3388) .
(4) الكامل لابن عدي (1 / 126) ، وتاريخ بغداد (9 / 480) ، والتقييد لابن نقطة (2 / 17 - 18) .(المقدمة/96)
وأنه لم يكتب كل ذلك الحديث الذي يرويه عن الليث بن سعد، وإنما كان كاتباً لضياع الليث، ولذلك كتب بكاتب الليث.
ويُجَلِّي ذلك ما ذكره سعيد بن منصور أيضاً قال: قلت لأبي صالح كاتب الليث: سمعت من الليث؟ قال: لم أسمع من الليث إلا كتاب يحيى بن سعيد (1) .
وقد كان لهذه الحكاية محلٌّ عند علماء الجرح والتعديل فيما يتعلق بسماع أبي صالح من الليث بن سعد.
قال أبو عثمان سعيد بن عمرو البَرْذِعيّ: قلت لأبي زرعة: أبو صالح كاتب الليث؟ فضحك وقال: ذاك رجل حسن الحديث. قلت: أحمد يحمل عليه في كتاب ابن أبي ذئب، وحكاية سعيد بن منصور قد عرفتَها؟ قال: نعم، وشيء آخر؛ سمعت عبد العزيز بن عمران يقول: قرأ علينا كتاب عُقَيْل، فإذا في أوّله مكتوب: حدثني أبي، عن جدي، عن عقيل، فإذا هو كتاب عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد. قلت: فأي شيء حاله في يحيى بن أيوب، ومعاوية بن صالح، والمشيخة؟ قال: كان يكتب لليث، فالله أعلم (2) .
ومن كلامه في الرجال أيضاً، ما نقله القاضي عياض في ترتيب المدارك (3) ، حيث قال: (قال سعيد بن منصور: إنا لنقول- أو إنه ليقال-: ما يطوف بهذا البيت أحد من خلق الله أفضل من القَعْنَبي) (4) .
__________
(1) أسئلة البرذعي لأبي زرعة الرازي (2 / 466) ، وتاريخ بغداد (9 / 480) ، وتهذيب الكمال المطبوع (15 / 103) .
(2) أسئلة البرذعي لأبي زرعة (2 / 492 - 494) ، وتاريخ بغداد (9 / 480) ، وتهذيب الكمال (15 / 103) .
(3) ترتيب المدارك (3 / 200) .
(4) هو عبد الله بن مسلم بن قَعْنَب، القَعْنَبي، الحارثي، ثقة عابد، كان ابن معين وابن =(المقدمة/97)
ومن ذلك أيضاً قوله: (حدثنا الشيخ الصالح فضيل بن عياض) (1) .
وفي حكايته المتقدمة (2) مع عبد الرحمن بن مهدي ما يدل على وصفه هشيماً بالتدليس.
وكلامه أيضاً عن القاضي أبي يوسف بما يدل على عدم رضاه عنه، وسبق نقله (3) .
وذكره حكاية اقتداء سفيان الثوري بالإمام مالك بما يدل على ثنائه على الإمام مالك، وسبق نقلها أيضاً (4) .
ومن ذلك ما حكاه عن سفيان بن عيينة رحمه الله أنه قال: (عليكم بسماع المتقدم الذي سمعتم مني) (5) .
وهذا النصّ يفيد في تقديم رواية من سمع من سفيان قديماً على سماع المتأخِّر، إذا كان هناك اختلاف عليه.
وقد يحكي سعيد حكاية مفادها الجرح في الراوي، بسبب غفلته وسلامته، ودفعه كتبه إلى من لا يعرف، أو بسبب النوم في مجالس الحديث.
فمن ذلك قوله عن رِشْدين بن سعد (6) : (كنت أخذت منه
__________
= المديني لا يُقَدِّمان عليه في الموطأ أحداً، مات سنة إحدى وعشرين ومائتين. اهـ من تقريب التهذيب (ص 323 رقم 3620) .
ومراد سعيد بهذا: تفضيل القعنبي في وقته، لا على الإطلاق.
(1) تاريخ دمشق لابن عساكر (14 / 260 / مخطوط الظاهرية) .
(2) ص 78 / ق- 79 / ق.
(3) ص 67 / ق- 68 / ق.
(4) ص 62 / ق.
(5) المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2 / 179) .
(6) هو رِشْدين- بكسر الراء وسكون المعجمة- ابن سعد بن مُفْلح المَهْرِي- بفتح الميم وسكون الهاء-، أبو الحجاج المصري، ضعيف، رجَّح أبو حاتم عليه ابن لهيعة، =(المقدمة/98)
بعض كتبه لأكتبه وأسمع منه، ثم كَسَلْتُ عن ذلك، فكان يجيء إلى القَيْسَارِيَّة، فيقول لأصحابنا: إنسان منكم أخذ لنا كتاباً، وليس يَرُدُّه علينا (كذا) ، وذكر عنه سعيد سلامةَ عَقْلٍ (1) .
ومن ذلك قوله: (كان عبد الله بن وهب (2) يسمع معنا عند المشايخ، فكان ينام في المجلس، ثم يأخذ الكتب من بعضنا، فيكتبها) (3) .
وقد يذكر سعيد حكاية فيها مدح للراوي؛ كقوله: (قدم وكيع (4) مكة- وكان سميناً-، فقال له الفضيل بن عياض: ما هذا السِّمَنُ وأنت راهب العراق؟ فقال له وكيع: هذا من فرحي بالإسلام، فَأَفْحَمَهُ) (5) .
ومن ذلك أيضاً ما رواه محمد بن سعيد بن منصور، قال: سمعت أبي يقول: قلت ليحيى بن معين: لِمَ لا تجمع حديث الزُّهْري؟ فقال: كفانا محمد بن يحيى (6) جَمْعَ حديث الزهري (7) .
__________
= وقال ابن يونس: كان صالحاً في دينه، فأدركته غفلة الصالحين، فخلّط في الحديث، مات سنة ثمان وثمانين ومائة، وله ثمان وسبعون سنة. اهـ من التقريب (ص 209 رقم 1942) .
(1) المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2 / 186) ، ووقع هناك: (سلامة وعقل) فصوّبتها، وقد تكون العبارة: ((سلامة وغفلة)) .
(2) هو من شيوخ المصنِّف في هذا الكتاب، ثقة حافظ عابد كما سيأتي في الحديث [310] .
(3) ترتيب المدارك للقاضي عياض (3 / 240) .
(4) هو ابن الجراح، ثقة حافظ عابد كما سيأتي في الحديث [47] .
(5) سير أعلام النبلاء (9 / 156) ، وتهذيب التهذيب (11 / 129) .
(6) هو محمد بن يحيى الذُّهْلي، من تلاميذ سعيد بن منصور، ويروي عنه سعيد أحياناً.
(7) سير أعلام النبلاء (12 / 280) ، وتهذيب التهذيب (9 / 514) .(المقدمة/99)
وقال محمد بن سعيد بن منصور: كان أبي يحدِّث عن محمد بن يحيى، فيقول: حدثني محمد بن يحيى الزُّهْري، يعني لشهرته بحديث الزُّهْري (1) .
وفي المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان عدة أحكام على بعض الرواة يتبادر إلى الذهن أنها صادرة من سعيد بن منصور، لكن الغالب على الظن أنها ليعقوب نفسه؛ يبين فيها أنه يروي عن ذلك الرجل المتكلم فيه بجرح أو تعديل من طريق شيخه سعيد بن منصور، ثم يحكم على الراوي، وهذا كقوله: (وحدثنا سعيد بن منصور، ثنا يوسف بن عطيّة، وهو ضعيف) (2) .
وكقوله: (حدثنا سعيد بن منصور، عن أبي معاوية، عن شيبة بن نعامة، وهو ضعيف) (3) .
وكقوله: (حدثنا سعيد، قال: ثنا سفيان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن علقمة، وهو مكّي ثقة كناني من أشرافهم) (4) .
وكقوله: (حدثنا سعيد، عن سفيان، عن سعيد بن سعيد، مكِّي لا بأس به) (5) .
ومما يقوِّي الظن أن الكلام ليعقوب بن سفيان: قوله مرة: (حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا مسكين بن ميمون مؤذِّن مسجد الرَّمْلَة، وهو لا بأس به، وقد سمعنا نحن من ابنه، وكان لا بأس
__________
(1) تهذيب التهذيب (9 / 515) .
(2) المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2 / 121) .
(3) المرجع السابق (3 / 59) ، وانظر شبيهاً به أيضاً في (3 / 141) .
(4) المعرفة والتاريخ (3 / 240) .
(5) المرجع السابق (3 / 53) .(المقدمة/100)
به (1) .
فقوله هنا: (وقد سمعنا نحن من ابنه، وكان لا بأس به) يظهر منه أن الكلام ليعقوب لا لسعيد، والله أعلم.
وشبيه بهذا ما سيأتي في الحديث رقم [40] ؛ حيث يقول سعيد: نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ إِدْرِيسَ- وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ-، قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ: إِنَّ لَنَا إِمَامًا يَلْحَنُ، قَالَ: أخِّروه.
فهذا الثناء على إدريس يحتمل أن يكون من سعيد أو من شيخه جرير، ولم أجد ما يقوِّي أحد الاحتمالين، وسواء كان من هذا أو ذاك، فكلاهما ممن يعتمد قوله في الجرح والتعديل (2) .
وقد ينقل سعيد الكلام في الراوي عن إمام آخر، كقوله: (قلت لابن إدريس (3) : رأيتَ سالم بن أبي حفصة؟ قال: نعم، رأيته طويل اللحية، أحْمَقَها، وهو يقول: لبَّيْك لبَّيْك قاتل نَعْثل، لبَّيْك لبَّيْك مُهْلِكَ بني أمية) (4) .
ولم يقتصر جهد سعيد بن منصور على الكلام في الرواة جرحاً وتعديلاً، بل له إسهام في ذكر وفيات الرواة التي يستفاد منها في معرفة اتّصال السند من عدمه، وتصويب ما تصحّف من الأسماء، والاهتمام
__________
(1) السابق أيضاً (2 / 462) .
(2) أما سعيد بن منصور فتقدم الكلام عنه، وأما جرير، فقد ذكره الذهبي في رسالته: (ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) (ص164) .
(3) هو عبد الله بن إدريس، من أئمة الجرح والتعديل كما في المرجع السابق (ص165) .
(4) تهذيب الكمال للمزِّي (10 / 136 / المطبوع) .
ومقصود ابن إدريس بهذا: بيان تشيًّع ابن أبي حفصة.
وأما قوله: (نَعْثَل) ، فقد أشار محقق ميزان الاعتدال في حاشية الميزان (2 / 110) إلى أن في هامش إحدى النسخ ما نصه: (أشار- والله أعلم- إلى عثمان؛ وذلك لأن الخوارج الذين ساروا إلى عثمان، كانوا يشبِّهونه بيهودي بالمدينة يقال له نعثل) .(المقدمة/101)
بمعرفة اسم من اشتهر بكنيته، والتعليق على بعض الأحاديث سنداً ومتناً.
أما كلامه عن تواريخ الوفيات فليس بكثير، فمنه ما ذكره البخاري في التاريخ الصغير (1) حيث قال: (قال سعيد بن منصور: مات فُلَيح بن سليمان سنة ثمان وستين) - يعني ومائة-.
وأما تصويب ما تصحَّف من الأسماء، فليس بكثير أيضاً، ومثاله: ما ذكره ابن حجر في ترجمة سعد بن عياض الثمالي من التهذيب قال: (وقال سعيد بن منصور: حدثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن سعيد بن عياض ... ، فذكر أثراً. قال سعيد بن منصور: كذا قال! وإنما هو: سعد- يعني بسكون العين-) (2) .
وأما معرفة اسم من اشتهر بكنيته، فليس بكثير أيضاً، ومثاله: ما جاء في تاريخ أبي زرعة الدمشقي: (وأبو عقيل السلمي ... ، قال أبو زرعة: فحدثنا سعيد بن منصور أنه سمع هشيماً يقول: هاشم بن بلال) (3) .
وأما تعليقه على بعض الأحاديث، فمنه ما يتعلق بالسند، ومنه ما يتعلق بالمتن.
أما السند، فمنه: تصويبه لأسماء بعض رجال الإسناد، وتقدم مثاله قبل قليل.
ومنه بيانه للمبهم في الإسناد، ومثاله: ما أخرجه من طريق شيخه عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصنابُحي، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سمّاه، قال: نهى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - عن الأغلوطات. قال الأوزاعي: يعني شرار المسائل.
__________
(1) التاريخ الصغير (2 / 176) .
(2) تهذيب التهذيب (3 / 479) .
(3) تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1 / 483) .(المقدمة/102)
ثم بين سعيد بعد ذلك من هو الصحابي المبهم فقال: (قال سعيد: هذا عن معاوية، ولكنه لم يُسَمِّه) (1) .
ومنه بيانه لنسب بعض الرواة، ومثاله: ما أخرجه من طريق شيخه أبي وكيع الجراح بن مليح، عن الهزهاز بن ميزن، أن عدي بن فرس خيَّر امرأته ثلاثاً ... ، الحديث.
ثم عقّب عليه سعيد بقوله: (قال سعيد: فَرَسُ: جَدُّ وكيع) (2) .
ومنه تعقيبه على بعض الأحاديث بتفرُّد بعض الرواة به، مثل قوله: (ليس هذا الحديث عند أحد إلا عند أبي معاوية) (3) .
وأما تعليقه على المتن، فمنه ما يتعلق بتوجيه بعض القراءات، مثل ما رواه عن عُبيد بن عُمير أنه قرأ: {يهدي بهُ الله} (4) ، ثم قال سعيد: لغة (5) .
ومنه ترجيح بعض الآراء الفقهية، ومثاله: ما رواه عن الحسن البصري: في الرجل يوصي للرجل بالوصية، فيموت الموصى له قبل الموصي، قال الحسن: (الوصية لولد الموصى له) ، ثم عقّب سعيد على ذلك بقوله: (قال سعيد: لم يصنع شيئاً) ، ثم روى بعده أثراً عن إبراهيم النخعي أنه قال في المسألة نفسها: (يرجع إلى ورثة الموصي) ، ثم عقّب سعيد على ذلك بقوله: (قال سعيد: أصاب) (6) .
وقد يذكر كنيته أحياناً بدل اسمه؛ فإنه رجَّح مرَّة قول مجاهد على
__________
(1) المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (1 / 282 رقم 1179) .
(2) المرجع السابق (1 / 386 رقم 1660) .
(3) السابق أيضاً (1 / 81 رقم 311) .
(4) الآية: (16) من سورة المائدة.
(5) وهو الحديث الآتي برقم [724] .
(6) المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (1 / 95 - 96 رقم 367، 368) .(المقدمة/103)
قول طاوس بقوله: (قال أبو عثمان: القول ما قال مجاهد) (1) .
وقد يكون في عبارته أحياناً شيء من القسوة، فإذا لم يعجبه القول عقَّب عليه بقوله: (بئس ما قال) (2) .
وهكذا في عدة أمثلة تدلّ بمجموعها على أن للمصنِّف سعيد بن منصور اختيارات فقهية (3) .
جـ- وأما مؤلفاته، فذكروا منها:
1- كتاب (السنن) ، وبعضهم يسمِّيه: (مصنف سعيد بن منصور) .
2- كتاب التفسير.
3- كتاب الزهد.
والواقع: أن كتاب التفسير، وكتاب الزهد من ضمن السنن كما سيأتي الحديث عنه مفصَّلاً في دراسة الكتاب- إن شاء الله-.
وقد قال أبو عبد الله الحاكم: (له مصنفات كثيرة) (4) ، ولم أجد ذكراً لشيء من هذه المصنفات سوى السنن، وما هو جزء منها كالتفسير والزهد، فإما أن يكون هناك مصنفات أخرى لا نعلم عنها شيئاً، أو يكون الحاكم قصد بعض الكتب التي هي من ضمن السنن، والله أعلم.
8- ثناء العلماء عليه:
إن أقوال العلماء في الثناء على سعيد بن منصور، وروايتهم عنه، واحتجاجهم بحديثه، جميع هذا يُجَلِّي لنا مكانته العلمية، ومحلَّه عند
__________
(1) المرجع السابق (1 / 247 رقم 1019) .
(2) السابق أيضاً (1 / 276 رقم 1151) .
(3) انظر بعض هذه الأمثلة في المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (1 / 251، 326، 349، 406 رقم 1037، 1380، 1489، 1749، 1750) ، (2 / 8، 48، 61، 76 رقم 1797، 1980، 2041، 2106) .
(4) تاريخ دمشق لابن عساكر (7 / 355 / مخطوط الظاهرية) .(المقدمة/104)
علماء الحديث.
فقد احتج به الجماعة أصحاب الكتب الستة في كتبهم، وعلى رأسهم البخاري ومسلم (1) ، وأخرج ابن خزيمة حديثه في صحيحه، وكذا أبو عوانة الاسفرائيني والدارمي. ولما أخرج الحاكم حديثه قال: (قد اتفقا جميعاً- يعني البخاري ومسلماً- على الاحتجاج بحديثه) (2) .
وروى عنه جمع من كبار أئمة الحديث؛ كالإمام أحمد، ومحمد بن يحيى الذُّهْلي، وابنه يحيى، والبخاري، ومسلم، وأبي داود السجستاني، والدارمي، وأبي حاتم الرازي، وأبي زرعة الرازي، وأبي زرعة الدمشقي، وابن سعد صاحب الطبقات، ويعقوب بن سفيان صاحب المعرفة والتاريخ، وأبي ثور الفقيه، وهارون بن عبد الله الحمَّال، ومحمد بن أسلم الطُّوسي، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة، وابن عمار الموصلي، وأبي بكر الأثرم، وحرب الكرماني، وابن الضُّريس، والحافظ سَمُّويَهْ، وبشر بن موسى الأسدي، وعباس الدُّوري، وغيرهم خلق (3) .
وكان الإمام أحمد- رحمه الله- كثير الامتداح له.
يقول حرب الكرماني: (سمعت أحمد بن حنبل يحسن الثناء على سعيد بن منصور) (4) .
وقال سلمة بن شبيب: (وذكرت له- أي للإمام أحمد- سعيد بن منصور، فأحسن الثناء عليه، وفخَّم أمره) (5) .
وقال حنبل بن إسحاق: (قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل:
__________
(1) كما سبق بيانه (ص 82 / ق) .
(2) إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 99 / أ) .
(3) انظر قائمة أسماء تلاميذه (ص 85 / ق - 91 / ق) .
(4) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (4 / 68 رقم 284) .
(5) المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2 / 178) .(المقدمة/105)
سعيد بن منصور؟ قال: من أهل الفضل والصدق) (1) .
وكان رحمه الله يحث طلبة الحديث على السماع منه.
قال الفضل بن زياد: (سمعت أبا عبد الله، وقيل له:من بمكة؟ قال: سعيد بن منصور) (2) .
ومن عظم مكانته عنده: أنه حدث عنه وهو حي.
قال عبد الله بن الإمام أحمد: (حدثنا أبي عنه وهو حي) (3) .
ولم يكن الثناء على سعيد بن منصور مقصوراً على الإمام أحمد، بل توالت عبارات علماء الحديث في الثناء عليه وتوثيقه.
فمحمد بن عبد الرحيم، المعروف بصاعقة كان إذا حدَّث عنه أثنى عليه وأطراه، وكان يقول: (حدثنا سعيد بن منصور، وكان ثبتاً) (4) .
وقال أبو زرعة الدمشقي: فحدثني أحمد بن صالح (5) وعبد الرحمن بن إبراهيم (6) ، أنهما حضرا يحيى بن حسَّان (7) مقدِّماً لسعيد بن منصور، يرى له، ويثبت حفظه، وكان حافظاً (8) .
وقال حرب بن إسماعيل الكرماني: (كتبت عنه سنة مائتين
__________
(1) المتفق والمفترق للخطيب البغدادي (ل 110 / أ) ، وتاريخ دمشق (7 / 356 / مخطوط الظاهرية) .
(2) المعرفة والتاريخ (2 / 179) ، وتاريخ دمشق (7 / 356) .
(3) مسند الإمام أحمد (3 / 500) ، وتاريخ دمشق أيضاً (7 / 355) .
(4) تسمية ما انتهى إلينا في الرواة عن سعيد بن منصور عالياً لأبي نعيم (ص 26) ، وتهذيب الكمال (11 / 80) ، وسير أعلام النبلاء (10 / 587) .
(5) أي المصري.
(6) المعروف بـ: دُحَيْم.
(7) أي ابن حَيَّان التِّنِّيسي.
(8) تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1 / 304 رقم 554) ، وتاريخ دمشق (7 / 356 / مخطوط الظاهرية) .(المقدمة/106)
وتسع عشرة، وأملى علينا نحواً من عشرة آلاف حديث من حفظه، ثم صنَّف بعد ذلك الكتب، وكان موسعاً عليه) (1) .
وقد وثّقه يحيى بن معين (2) وعبد الله بن نُمير، وابنه محمد (3) ، وأبو حاتم الرازي (4) ، وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش (5) ، ومسلمة بن القاسم (6) ، والخطيب البغدادي (7) .
وقال محمد بن سعد: (كان ثقة كثير الحديث) (8) .
وقال الخليلي: (سعيد بن منصور ثقة، متفق عليه) (9) .
وقال ابن قانع: (هو ثقة ثبت) (10) .
وقال أبو حاتم ابن حِبّان: (كان ممن جمع وصنَّف، وكان من
__________
(1) تهذيب الكمال أيضاً (11 / 81) ، وسير أعلام النبلاء (10 / 587، 590) .
(2) معرفة الرجال ليحيى بن معين (رواية ابن محرز) (1 / 101 رقم 444) .
(3) كما في تاريخ دمشق (7 / 356) ، وإكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 99 / أ) .
(4) كما في الجرح والتعديل (4 / 68) .
ونقل المزِّي في تهذيب الكمال (11 / 80 / المطبوع) ، والذهبي في سير أعلام النبلاء (10 / 587) عن أبي حاتم الرازي أنه قال: (هو ثقة، من المتقنين الأثبات، ممن جمع وصنَّف) .
والذي أطلق هذه العبارة على سعيد بن منصور هو أبو حاتم ابن حِبّان- كما سيأتي-، لا الرازي، وليس من عادة أبي حاتم الرازي إطلاق مثل هذه العبارات، والله أعلم.
(5) تاريخ دمشق (7 / 356) ، وتهذيب الكمال (11 / 80) .
(6) إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 99 / أ) .
(7) المتفق والمفترق للخطيب (ل 110 / أ) .
(8) انظر الطبقات الكبرى له (5 / 502) ، وتاريخ دمشق (7 / 357 / مخطوط الظاهرية) ، وتهذيب الكمال المطبوع (11 / 80) .
(9) الإرشاد للخليلي (1 / 231 رقم 60) .
(10) إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 99 / أ) ، وتهذيب التهذيب (4 / 90) .(المقدمة/107)
المتقنين الأثبات) (1) .
وقال الدارقطني: (أصحاب ابن عيينة الحُفَّاظُ منهم: الحميدي، ومُسَدَّدُ، وسعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة) (2) .
وقال أبو عبد الله الحاكم: (هو رواية سفيان بن عيينة، وأحد أئمة الحديث، وله مصنَّفات كثيرة، متفق على إخراجه في الصحيحين؛ فإن الإمامين محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج قد رويا عنه، واحتجّا به في الصحيحين) (3) .
ولما صنَّف أبو نعيم الأصبهاني كتابه: (تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً) ذكر السبب الحامل له على تصنيف هذا الكتاب، فقال: (وحملني على ذلك قِدَم وفاة سعيد بن منصور، وموضعه من التوثُّق والفضل. وهو سعيد بن منصور، أبو عثمان الخراساني، نزيل مكة، ثبت، صدوق، حدَّث عنه الكبار من الحفاظ والمتقنين) (4) .
وفي ترجمة محمد بن يحيى الذُّهْلي من تاريخ بغداد قال الخطيب البغدادي: (حدَّث عنه- أي عن الذُّهْلي- جماعة من الكُبَراء ... ) ، ثم ذكر فيهم سعيد بن منصور (5) .
ولما ذكر ابن دِحْيَةَ الكَلْبي حديثاً في كتابه (العَلَم المشهور) ، قال: (وأسنده الإمام المُجْمَعُ على عدالته، المتفق في الصحيحين على
__________
(1) الثقات لابن حبان (8 / 268 - 269) ، والمرجع السابق.
(2) انظر حاشية المطبوع من تهذيب الكمال (11 / 82) .
(3) تاريخ دمشق (7/ 355) .
(4) تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً (ص 26) .
(5) تاريخ بغداد (3 / 415) .(المقدمة/108)
إخراج حديثه وروايته: أبو عثمان سعيد بن منصور الخراساني) (1) .
وقال ابن القطّان الفاسي: (هو أحد الأثبات) (2) .
وقال الذهبي: (الحافظ، الإمام ... ، كان ثقة صادقاً، من أوعية العلم) (3) .
وقال أيضاً: (رَحَلَ وطَوَّفَ، وصار من الحفاظ المشهورين، والعلماء المتقنين) (4) .
وقال أيضاً: (من نظر سنن سعيد بن منصور، عرف حفظ الرجل وجلالته) (5) .
وقال أيضاً: (الحافظ الثقة، صاحب السنن) (6) .
وقال أيضاً: (الإمام الحجَّة) (7) .
9- ما تكلم به فيه والجواب عنه:
اتفقت كلمة أئمة الجرح والتعديل السابق ذكرهم على توثيق سعيد بن منصور والثناء عليه. ويعكِّر على ذلك بعض الأقوال التي قيلت فيه مما يمكن أن يُعَدَّ جرحاً، لكنها ليست بشيء إذا وُضعت في ميزان النقد الصحيح. فمن ذلك:
أ- أن سعيد بن منصور روى حديثاً عن شيخه إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا محمد بن إسحاق، أخبرني يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن
__________
(1) العالم المشهور لابن دحية (ص 161) .
(2) إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 99 / أ) .
(3) سير أعلام النبلاء (10 / 586 - 587) .
(4) تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 221 هـ - 230 هـ) (ص 184 - 185) .
(5) المرجع السابق (ص 186) .
(6) ميزان الاعتدال (2 / 159 رقم 3277) .
(7) تذكرة الحفاظ (2 / 416) .(المقدمة/109)
عبد الله اليَزَني، عن عبد الرحمن الصَّنَابُحي، قال: رأيت أبا بكر يمسح على الخمار.
روى هذا الحديث يعقوب بن سفيان الفسوي، عن شيخه سعيد بن منصور، ثم ذكر يعقوب أن سعيداً سمَّى الصنابحي: عبد الرحمن بن عثيلة، وأن غير سعيد يقول: ابن عسيلة، قال يعقوب: (وهو الصحيح) - يعني بالسين، ثم قال: (وكان سعيد بن منصور إذا رأى في كتابه خطأ لم يرجع عنه) (1) . اهـ.
ولأجل قول يعقوب هذا، ذكر الذهبي سعيد بن منصور في ميزان الاعتدال (2) ، وامتدحه بقوله: (الحافظ الثقة) ، ولم يلتفت إلى هذا القول فيه.
وأما الحافظ ابن حجر، فإنه رأى أن صنيع سعيد هذا لا يقتضي جرحه؛ لأنه لم يكن من باب المكابرة في التمسك بالخطأ، بل من شدة ثقته بضبطه؛ فإنه لما ذكر سعيد بن منصور في التقريب (3) ، قال: (ثقة مصنِّف، وكان لا يرجع عما في كتابه لشدّة وثوقه به) .
وعليه، فلا يقدح قول يعقوب هذا في شيخه طالما عُرف أنه كان واثقاً بكتابه؛ لشدَّة تحرِّيه أثناء سماع الحديث، وحفظه بعد ذلك لكتابه من أن يعبث به عابث. وسبق في بيان آرائه في الرجال أنه كان يَنْتَقِدُ شيخَه عبد الله بن وهب لأنه كان يسمع معهم عند المشايخ، وينام في المجلس، ثم يأخذ الكتب من بعضهم فيكتبها (4) .
__________
(1) المعرفة والتاريخ (2 / 222) .
(2) (2 / 159 رقم 3277) .
(3) (ص 241 رقم 2399) .
(4) تقدم ذكر الحكاية (ص 99 / ق) .(المقدمة/110)
ولم يحرص على الأخذ من رِشْدين بن سعد، لَمّا استبان له أنه يدفع كتابه لمن لم يعرف، وذكر عنه سلامةَ عَقْلٍ (1) .
ومع هذا الحرص والتحرِّي، قد يخطئ سعيد كغيره من الأئمة الذين لم يسلم منهم أحد من الخطأ، لكن أخطاءهم مغمورة في بحر صوابهم، والماء إذا بلغ القُلَّتين لم يحمل الخبث.
فهذا إمام الأئمة مالك بن أنس- رحمه الله- أخطأ في اسم الصُّنَابُحي هذا، خَطَّأه البخاري (2) ، فهل حَطَّ ذلك من قدره؟.
وهذا إمام الجرح والتعديل يحيى بن سعيد القطّان يقول عنه الإمام أحمد: (ما رأيت أقلّ خطأ من يحيى، ولقد أخطأ في أحاديث) ، ثم قال: (ومن يَعْرَى من الخطأ والتصحيف؟) (3) .
وكم للبخاري من أخطاء في الرواة في تاريخه الكبير، دفعت ابن أبي حاتم إلى أن يؤلِّف مؤلَّفاً في بيان أخطاء البخاري (4) ، فكان ماذا؟.
فسعيد بن منصور أخطأ كما أخطأ غيره، ولم يكثر منه الخطأ حتى يكون قادحاً، بل الأئمة معترفون بحفظه وجلالته، وتقدم قول حرب الكرماني: (أملى علينا نحواً من عشرة آلاف حديث من حفظه)
__________
(1) تقدم ذكر الحكاية أيضاً (ص 98 / ق - 99 / ق) .
(2) روى مالك حديثاً من طريق زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بن يسار، عن الصنابحي هذا، غير أنه سمّاه: (عبد الله الصنابحي) . قال الترمذي: (سألت محمد بن إسماعيل- يعني البخاري- عنه، فقال: وَهِمَ فيه مالك، وهو أبو عبد الله، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة) . اهـ من تهذيب التهذيب (6 / 90 - 91) .
(3) تهذيب التهذيب أيضاً (11 / 218) .
(4) واسم مؤلَّفه هذا: (كتاب بيان خطأ محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه) ، وهو مطبوع في آخر التاريخ الكبير، بعد كتاب الكنى، بتحقيق العلاّمة عبد الرحمن المعلِّمي رحمه الله.(المقدمة/111)
ووصفه بالحفظ يحيى بن حسّان وأبو زرعة الدمشقي، وقال ابن حبّان: (من المتقنين الأثبات) ، وسبق نقل قول الذهبي: (من نظر سنن سعيد بن منصور، عرف حفظ الرجل وجلالته) .
فإن قيل: ليس الكلام في كونه أخطأ من عدمه، وإنما في كونه لا يرجع عما في كتابه من الخطأ.
فالجواب: أن سعيداً لم يَسْتَجِزْ- والله أعلم- العدول عما هو موجود في كتاب رأى أنه قد ضبطه وجوّده. ولو أن الراوي عدل عن الوجه الذي تَلَقَّى عليه ذلك الحديث إلى الوجه الذي يراه صواباً، لاضطربت وجوه الترجيح بين الروايات التي فيها اختلاف، وازداد الإشكال في اختلاف الأحاديث.
ب- ومن جملة ما تُكُلِّم به في سعيد بن منصور: ما ذكره سلمة بن شبيب، قال: (وقد كنت أسمع سليمان بن حرب- وهو بمكة- ينكر عليه الشيء بعد الشيء، وكذلك كان الحميدي، لم يكن الذي بينه وبين الحميدي حسناً، فكان الحميدي يُخَطِّئه في الشيء بعد الشيء من رواية ما يروي عن سفيان) (1) .
وهذا الكلام لم يلتفت إليه أحد، ولذا لم يذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (2) ، والسبب أن سليمان بن حرب وعبد الله بن الزبير الحميدي قرينان لسعيد بن منصور، وثلاثتهم من سكان مكة، وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة من أبرز شيوخ سعيد كما تقدم، ويعتبر سليمان بن حرب راوية لحماد بن زيد، والحميدي راوية لسفيان بن عيينة، فلا عجب أن يكون بينهما وبين سعيد ما يكون بين الأقران غالباً،
__________
(1) المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (2 / 178) .
(2) انظر ميزان الاعتدال (2 / 159 رقم 3277) .(المقدمة/112)
وكلام الأقران بعضهم في بعض لا يلتفت إليه، بل يُطْوَى ولا يُرْوَى.
هذا مع أن ما بينهم لم يبلغ حدّ القدح والحطّ من أحدهم على الآخر، بل نلمس منهم اعتراف بعضهم بفضل الآخر، وهذه صفة أهل الإخلاص. فانظر إلى تواضع سعيد ولين جانبه ولُطْف عبارته حين يقول: (لا تسألوني عن حديث حماد بن زيد، فإن أبا أيوب (1) يجعلنا على طَبَق، ولا تسألوني عن حديث سفيان، فإن هذا الحميدي يجعلنا على طَبَق) (2) .
وفي نظري أن سلمة بن شبيب رحمه الله بالغ بقوله: (لم يكن الذي بينه وبين الحميدي حسناً) ، إذ لو كان ذلك كذلك، لما كان الحميدي يحضر في مجالس الحديث التي كان يعقدها سعيد بن منصور (3) ، ولم يكن إذا ظفر بشيء من غرائب العلم يحرص على إطلاع سعيد عليه (4) ، فمؤدَّى عبارة سلمة هذه: أن بينهما ما يمنع من هذا كله، وقد عرفتَ ما فيه.
ومع هذا فلا ننفي أن يكون دخل في النفوس شيء من جرَّاء ما يجري بينهما حال مذاكرة الحديث ورجحان وجهة نظر أحدهما على الآخر (5) ، إلا أن هذا لم يبلغ دينهما (6) ، بل هما كباقي العلماء الذين إذا جدّ الجِدّ رأيت منهم العجب.
__________
(1) هي كنية سليمان بن حرب، وفي تكنية سعيد بن منصور له هكذا ما يدل على ما له من مكانة عنده، فتنبَّه!.
(2) المعرفة والتاريخ (2 / 178) .
(3، 5) انظر القصة المتقدمة (ص 80 / ق) .
(4) انظر القصة الآتية (ص 121 / ق - 122 / ق) .
(6) ومما يحسن إيراده هنا: ما أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت (ص 353 رقم 248) بإسناد صحيح- كما قال محقق الكتاب- عن طارق بن شهاب رضي الله =(المقدمة/113)
فهذا وكيع بن الجراح رحمه الله كان بينه وبين قرينه سفيان بن عيينة تباعد، وفي سنة أربع أو خمس وثمانين ومائة جاء وكيع إلى مكة، وحدَّث عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عن عبد الله البَهِيّ، أن أبا بكر الصديق جاء إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم بعد وفاته، فأكبَّ عليه، فقبَّله، وقال: بأبي وأمي، ما أطيب حياتك وميتتك!.
ثم قال البَهِيُّ: وكان تُرك يوماً وليلة حتى رَبَا بطنه صلى الله عليه وسلم، وانْثَنَتْ خِنْصِرَاه.
فلما حدَّث وكيع بهذا، اجتمعت قريش، ورفع أمره إلى العثماني والي مكة، فأرسل إليه، وحبسه، وعزم على قتله وصَلْبه، وأمر بخشبة أن تنصب خارج الحرم. وبلغ وكيعاً ذلك وهو في الحبس، فقال للحارث بن الصديق: ما أرانا إلا قد اضطررنا إلى هذا الرجل واحتجنا إليه- يعني سفيان بن عيينة-، فقال له الحارث: يا أبا سفيان، دع هذا عنك، فإن لم يُدْرِكْكَ قُتِلْتَ. فأرسل إلى سفيان، ففزع إليه، ودخل على العثماني، فكلَّمه فيه، والعثماني يَأْبَى، وكان من جملة ما قال سفيان: الله الله، هذا فقيه أهل العراق وابن فقيهه، وهذا حديث معروف.
قال سفيان: ولم أكن سمعته، إلا أني أردت تخليص وكيع. ومن جملة ما قال سفيان أيضاً للعثماني: إني لك ناصح، إن هذا رجل من أهل العلم، وله عشيرة، فإن أنت أقدمت عليه، أقل ما يكون: أن تقوم عليك عشيرته وولده بباب أمير المؤمنين، فيشخصك لمناظرتهم. فَعَمِلَ فيه كلام سفيان، وأمر بإطلاقه من الحبس، فأُخرج وكيع من الحبس، وركب حماراً، وحُمِلَ متاعه عليه، وسافر متوجهاً إلى المدينة.
__________
= عنه قال: كان بين سعد- يعني ابن أبي وقاص- وخالد- يعني ابن الوليد- كلام، فذهب رجل يقع في خالد عند سعد، فقال- أي سعد-: مَهْ! إن ما بيننا لم يبلغ دينَنَا.(المقدمة/114)
قال سعيد بن منصور: كنا بالمدينة، فكتب أهل مكة إلى أهل المدينة بالذي كان من وكيع وابن عيينة والعثماني، وقالوا: إذا قدم عليكم، فلا تَتَّكلوا على الوالي، وارجموه بالحجارة حتى تقتلوه. فعزموا على ذلك، وبَلَغَنَا الذي هم عليه، فبعثنا بريداً إلى وكيع: أن لا يأتي إلى المدينة، ويمضي من طريق الرَّبَذَة (1) ، وكان قد جاوز مفرق الطريقين، فلما أتاه البريد، رجع راجعاً إلى الرَّبَذَة، ومضى إلى الكوفة (2) .
فهذه القصة مَثَلٌ من عدّة أمثلة تحكي مواقف السلف في مثل هذه الأحوال والخطوب، وموقف سعيد بن منصور فيها موقف العالم الناصح المشفق.
وأما ما يتعلق بالحديث ورواية وكيع له، فيقول الذهبي في ذلك: (فهذه زَلَّة عالم، فما لوكيع ولرواية هذا الخبر المنكر المنقطع الإسناد؟ كادت نفسه أن تذهب غلطاً ... ) ، ثم أخذ في الاعتذار عنه وتوجيه الرواية وجهة صحيحة، ثم قال: (وهذا بحث معترض في الاعتذار عن إمام من أئمة المسلمين، وقد قام في الدفع عنه مثل إمام الحجاز سفيان بن عيينة) (3) .
10- عقيدته:
شهدت الفترة التي عاشها سعيد بن منصور ظهور عدة اتجاهات مباينة لمعتقد أهل السنة والجماعة (4) ، فاستشعر أهل السنة خطر هذه
__________
(1) الرَّبَذَةُ: من قرى المدينة، على ثلاثة أيام منها، قريبة من ذات عرق، وبها قبر أبي ذر رضي الله عنه. معجم البلدان (3 / 24) .
(2) انظر القصة بكاملها في المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (1 / 175 - 176) ، وسير أعلام النبلاء (9 / 159 - 165) .
(3) سير أعلام النبلاء (9 / 160، 162) .
(4) انظر المبحث المتقدم (ص 36 - 51) في الكلام على الحالة الفكرية في عصر المؤلِّف.(المقدمة/115)
الاتجاهات، فوقفوا في وجهها بالردود العلمية المُدَعَّمَةِ بالكتاب والسنة، والتحذير من خطر البدعة والمبتدعين.
وقد كان لسعيد بن منصور رحمه الله إسهام في هذا الجانب يدلّ على أنه من أئمة أهل السنة، ولذا كان الإمام أحمد رحمه الله يثني عليه ويطريه، وهو لا يفعل ذلك إلا بأهل السنة المعلنين بها، وموقفه من الذين أجابوا في فتنة خلق القرآن مكرهين معروف (1) .
ويدلنا على معتقد سعيد بن منصور ما ذكره تلميذه حرب الكرماني في مسائله المشهورة (2) حيث قال: (هذه مذاهب أهل العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسِّكين بها، المقتدى بهم فيها، من لدن أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، إلى يومنا هذا. وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرها عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مخالف مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق.- قال:- وهو مذهب أحمد (3) ، وإسحاق بن إبراهيم (4) ، وعبد الله بن مخلد (5) ، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم، وكان من قولهم: أن الإيمان قول وعمل ونيَّة وتَمَسُّكٌ
__________
(1) فإنه هجرهم ولم ير الكتابة عنهم. انظر سير أعلام النبلاء (11 / 322) .
(2) وتسمَّى أيضاً: " السنَّة"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الاستقامة (1 / 70) : (وكذلك لفظ الحركة، أثبته طوائف من أهل السنة والحديث، وهو الذي ذكره حرب بن إسماعيل الكرماني في السنّة التي حكاها عن الشيوخ الذين أدركهم: كالحميدي، وأحمد بن حنبل، وسعيد بن منصور، وإسحاق بن إبراهيم) .
(3) يعني ابن حنبل.
(4) المعروف بابن راهُويَهْ.
(5) لعله يقصد عبد الله بن مَخْلَد بن خالد التميمي النيسابوري، النحوي المترجم في التهذيب (6 / 24) .(المقدمة/116)
بالسنة، والإيمان يزيد وينقص ... ) ، ثم أخذ في ذكر هذه العقيدة (1) .
ويزيد ذلك وضوحاً ما سأعرضه من بعض ما وقفت عليه من سننه في بعض مباحث العقيدة، فمن ذلك:
ـ عند قوله سبحانه: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أعلم ما لا تعلمون} ، أورد أثراً بإسناد صحيح عن مجاهد أنه قَالَ: عَلِمَ مِنْ إِبْلِيسَ الْمَعْصِيَةَ، وخلقه لها (2) . وهذا من معتقد أهل السنة في باب القدر.
ـ وعند قوله سبحانه: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التواب الرحيم} ، أورد أثراً من رواية أبي عون خصيف بن عبد الرحمن الجزري، عن مجاهد، وفيه: أن الله أمر إبراهيم الخليل عليه السلام أن يؤذِّن في الناس بالحج، وأن من أجاب إبراهيم من الخلق يومئذ فهو حاج، ثم قال مجاهد لخصيف: يَا أَبَا عَوْنٍ، القَدَريَّةُ لَا يصدِّقون بهذا (3) . وأوضحت في تعليقي على قول مجاهد هذا ما مراده به.
ـ وعند قوله سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فمن نفسك} ، أورد أثراً بإسناد صحيح عن أبي صالح ذَكْوان السَّمَّان- فِي قَوْلِهِ: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سيئة فمن نفسك} -، قَالَ: بِذَنْبِكَ، وإِنَّا قدَّرناها عَلَيْكَ (4) .
وهذا أيضاً من معتقد أهل السنة في باب القدر.
__________
(1) ساقها ابن القيم في حادي الأرواح (ص 326 - 331) ، ولولا طولها لسقتها بتمامها.
(2) الحديث رقم [184] من هذه الرسالة.
(3) الحديث رقم [220] من هذه الرسالة.
(4) الحديث رقم [662] من هذه الرسالة.(المقدمة/117)
وفي القسم المخطوط من السنن عقد سعيد بعض الأبواب التي هي من صلب مباحث العقيدة، فمن ذلك أنه:
ـ عَقَد باباً في ما جاء في لزوم الجماعة (1) .
ـ وعقَد باباً في الأئمة المضلِّين (2) .
ـ وعقَد باباً في ما جاء في خيار الأئمة (3) .
ـ وعقَد باباً في النهي عن سبِّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - واللعنة على من سبَّهم (4) .
ـ وعقَد باباً في فضل عثمان بن عفان (5) .
ـ وعقَد باباً في ما جاء في فضيلة الحسن والحسين ابني علي (6) .
ـ وعقَد باباً في المِرَاء (7) .
ـ وعقَد باباً في ما جاء بمن وُكِلَت الفتنة (8) .
ـ وعقَد باباً في كراهية الاختلاف (9) .
ـ وعقَد باباً في النهي عن مجالسة أهل الأهواء (10) .
ـ وعقَد باباً في النهي عن الاستماع إلى أهل البدع (11) .
__________
(1) سنن سعيد بن منصور (ل 198 / أ) .
(2) المرجع السابق (ل 198 / ب) .
(3) المرجع السابق أيضاً (ل 224 / ب - 225 / ب) .
(4) السابق أيضاً (ل 223 / أ - 223 / ب) .
(5) السابق أيضاً (ل 213 / أ) .
(6) السابق أيضاً (ل 229 / أ) .
(7) السابق أيضاً (ل 202 / أ) .
(8) السابق أيضاً (ل 202 / ب) .
(9) السابق أيضاً (ل 205 / ب) .
(10) السابق أيضاً (ل 218 / ب - 219 / أ) .
(11) السابق أيضاً (220 / ب) .(المقدمة/118)
ـ وعقَد باباً طويلاً في ما جاء في الشفاعة (1) .
ـ وعقَد باباً طويلاً في ما جاء في القَدَر (2) .
وهناك بعض النقول التي أتت في بعض الكتب مما يمكن أن يضاف لما سبق. فمن ذلك: ما رواه الخطيب البغدادي قال:
أخبرنا الحسن بن أبي بكر، أنبأ أحمد بن محمد بن عبد الله القطان، ثنا عبد الكريم بن الهيثم، ثنا أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بَزَّة، ثنا أبو العباس الوليد بن عبد العزيز بن عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيْج، قال: حدثتني أمي، عن جدي عبد الملك، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عن أبي الدرداء قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - من فَلْقِ فيه إلى أذني هذه- ورآني أمشي بين يدي أبي بكر وعمر- فقال: ((يا أبا الدرداء، أتمشي بين يدي من هو خير منك؟)) (3) . فقلت: ومن هو يا رسول الله؟. فقال: ((أبو بكر وعمر، ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين خير من أبي بكر)) .
قال (4) : فحدَّثت الحميدي (5) ، فقال لي: اذهب بنا إليه حتى أسمعه منه، فقلت له: منزله بالثقبة، والثقبة على رأس ثلاثة أميال من مكة.
__________
(1) السابق أيضاً (216 / أ - 217 / أ) .
(2) السابق أيضاً (217 / أ - 218 / ب) .
(3) الحديث المرفوع ضعيف بهذا الإسناد؛ لأنه من رواية عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو مدلِّس، ولم يصرِّح بالسماع من عطاء، انظر ترجمة ابن جريج في الحديث الآتي برقم [9] من هذه الرسالة.
(4) أي أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بَزَّة كما يتضح من سياق القصة.
(5) هو عبد الله بن الزبير الحميدي شريك سعيد بن منصور في الرواية عن سفيان بن عيينة. وهذه القصة تدل على حسن علاقته بسعيد بن منصور، وأنه لم يكن بينهما هجر ولا قطيعة كما قد يفهم من قول سلمة بن شبيب الذي سبق نقله (ص 114 - 115) .(المقدمة/119)
فلما كان ذات يوم دفنا رجلاً من قريش باكراً، ثم قال لي الحميدي: هل لك بنا في الرجل؟ قلت: نعم، فخرجنا نريده. فلما كنا بقصر داود بن عيسى لقينا ابن عم له فقال: يا أبا بكر أين تريد؟ قال: أردنا أبا العباس، فقال: يرحم الله أبا العباس، مات أمس.
فقال الحميدي: هذه حَسْرة. ثم قال: أنا أسمعه منك. فدخلنا على سعيد بن منصور وهو يحدِّث، فلما افترق الناس، دنا منه، فقال لي: حدث أبا عثمان حديث الجُرَيْجي، فحدثته.
فقال سعيد: قطع هذا كلَّ عِلَّة.
فقلت للحميدي: ما قطع كل علة؟.
فقال لي: إن أناساً زعموا أن علياً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - وأنه لا يقاس به أحد من الناس، فلما أن قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - ما قال، علمنا أن علياً ليس بنبي ولا مرسل، فقطع كل علة (1) .
ومن ذلك أيضاً: ما رواه ابن عساكر في تاريخه من طريق سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: نا أبو معاوية، نا عمر بن ذر، قال: خرجت وافداً إلى عمر بن عبد العزيز بن في نفر من أهل الكوفة، وكان معنا صاحب لنا يتكلم في القَدَر، فسألنا عمر بن عبد العزيز عن حوائجنا، ثم ذكرنا له القَدَر، فقال: لو أراد الله أن لا يُعصى ما خلق إبليس، ثم قال: قد بيّن الله ذلك في كتابه: {فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم} ، فرجع صاحبنا ذلك عن القَدَر (2) .
11- من اتفق معه في الاسم واسم الأب:
أورد الخطيب البغدادي في كتابه: (المتفق والمفترق) (3) خمسة ممن
__________
(1) الرحلة للخطيب البغدادي (ص 181 - 185) .
(2) تاريخ دمشق لابن عساكر (13 / 205 / مخطوط الظاهرية) .
(3) (ل 109، 110) .(المقدمة/120)
يُسَمَّون سعيد بن منصور، أحدهم صاحب السنن.
وأذكر الأربعة الآخرين لتمييزهم عن المترجم له.
أما الأول، فهو: سعيد بن منصور بن محرز بن مالك بن أحمد الجُذَامي، الشامي، أرسل عن جدّ أبيه مالك بن أحمد، وحدَّث عنه الوليد بن مسلم الدمشقي، وهذا أعلى طبقة من صاحب السنن، لأن الوليد بن مسلم من شيوخ صاحب السنن.
وأما الثاني، فهو: سعيد بن منصور الرَّقِّي (1) ، يروي عن عثمان بن عطاء الخراساني، روى عنه عمر بن شَبَّةَ، وهذا يقارب طبقة صاحب السنن؛ لأن عمر بن شبة روى عنهما كليهما.
وأما الثالث، فهو: سعيد بن منصور المشرقي الكوفي (2) ، يروي عن زيد بن علي بن الحسين، وعبد الله بن علي بن حسين، روى عنه إسماعيل وحصين ابنا عبد الرحمن الجعفي، وهذا أيضاً أعلى طبقة من صاحب السنن، لأنه يروي عن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المقتول سنة اثنتين وعشرين ومائة (3) .
وأما الرابع، فهو: سعيد بن منصور بن حنش، أبو حنش السبائي، وهو أعلى من المصنف طبقة، لأن الخطيب ذكر أنه توفي سنة أربع وثمانين ومائة.
12- أولاده:-
لم أجد في ما وقفت عليه من المراجع ما يسعف في معرفة شيء
__________
(1) انظر أيضاً إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ل 99 / ب) .
(2) انظر أيضاً ترجمة حصين بن عبد الرحمن الجعفي في المتفق والمفترق (ل 70) .
(3) كما في التقريب (ص 224 رقم 2149) .(المقدمة/121)
عن عائلة سعيد بن منصور، سوى أن له من الأولاد: أحمد (1) ومحمداً (2) ، وهذان لم أجد من ترجم لهما، مع أن محمداً روى شيئاً عن والده كما سبق.
وهناك بعض الرواة الذين يشتبه في أنهم من سلالة سعيد بن منصور.
منهم: الشيخ الإمام المحدِّث الواعظ القدوة، شيخ الإسلام، الأستاذ أبو عثمان سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور النيسابوري، الحِيري. ولد سنة ثلاث ومائتين، وتوفي سنة ثمان وتسعين ومائتين (3) .
ولم أجد أدنى إشارة تدلّ على أن أبا عثمان هذا حفيد لسعيد بن منصور صاحب السنن، إلا أن كنيته وطبقته تُقَوِّي الاحتمال بأنه حفيده، وقد يكون من أحفاد من اتفق مع سعيد في الاسم والنسب ممن تقدم ذكرهم (4) ، أو غيرهم، فالعلم عند الله.
ولسعيد بن إسماعيل هذا ابن يقال له: أحمد، نقل عنه الذهبي، فقال: (قال أبو الحسين أحمد بن أبي عثمان: توفي أبي لعشر بقين من ربيع الآخر، سنة ثمان وتسعين ومائتين، وصلى عليه الأمير أبو صالح) (5) .
وله أيضاً ابن يقال له محمد.
__________
(1) ذكر ذلك أحمد بن محمد بن الحسين- لعلّه الماسِرْجِسي-، ونقله عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (13 / 355 / مخطوط الظاهرية) . وقال الكلاباذي في رجال صحيح البخاري (1 / 296) : (وهو والد أحمد) .
(2) روى محمد عن أبيه أشياء يسيرة، انظر ما تقدم (ص 99، 100) .
(3) سير أعلام النبلاء (14 / 62 - 66) .
(4) في المبحث المتقدم بعنوان: من اتفق معه في الاسم واسم الأب.
(5) سير أعلام النبلاء (14 / 66) .(المقدمة/122)
قال الذهبي: (الإمام الحافظ المجَوِّد القدوة الزاهد الأديب، أبو بكر، محمد بن الإمام الزاهد أبي عثمان سعيد بن إسماعيل، النيسابوري، الحِيْرِيّ. سمع عليّ بن الحسن الهلالي ومحمد بن عبد الوهاب الفرَّاء وتَمْتَاماً وإسماعيل القاضي وبكر بن سهل، وكان واسع الرِّحْلة عالماً. روى عنه: أبو علي الحافظ وولده أبو سعيد وأبو أحمد الحاكم. وكان من كبار الغزاة في سبيل الله، ويرابط بطرسوس. توفي في المحرم سنة خمس وعشرين وثلاثمائة) (1) .
ولمحمد هذا ابن يقال له: أحمد.
قال الخطيب البغدادي: (أحمد بن محمد بن سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور، أبو سعيد النيسابوري، المعروف بابن أبي عثمان، الغازي. وجَدُّه سعيد هو المُكَنَّى: أبو عثمان، وكان واعظ أهل نيسابور وشيخ الصُّوفية. فأما أبو سعيد، فكان من عباد الله الصالحين، وقدم بغداد حاجاً دفعات عدَّة، آخرها في سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، ... بلغني أن ابن أبي عثمان خرج غازياً إلى طرسوس، فمات بها) (2) .
وقال الحاكم أبو عبد الله: (أحمد بن محمد بن سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور، الواعظ، الحافظ، أبو سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان رضي الله عنهم وكان قد جمع الحديث الكثير، وصنَّف في الأبواب والشيوخ، ثم أدركته الشهادة بطرسوس،.... صنَّف التفسير الكبير، وخرَّج على المسند الصحيح لمسلم بن الحجاج، وكان من محبّته للحديث يكتب بخطه ويسمع إلى أن استشهد رحمه
__________
(1) المرجع السابق (15 / 258) .
(2) تاريخ بغداد (5 / 23) .(المقدمة/123)
الله....، وتوفي بطرسوس للنصف من شعبان سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة) (1) .
فهل يا تُرى هذه الذرية الطيبة من سلالة هذا الإمام سعيد بن منصور صاحب السنن؟.
13- وفاته وبيان الراجح في تاريخها:-
وهكذا بعد حياة حافلة بطلب العلم وتعليمه والتصنيف فيه، أدرك سعيداً الأمر الذي لابد منه، وهو الموت الذي كتبه الله على العباد. وقد اختلِفَ في تاريخ وفاته على أربعة أقوال: فمنهم من قال: توفي سنة ست وعشرين ومائتين، ومنهم من قال: سنة سبع وعشرين ومائتين، ومنهم من قال: سنة ثمان وعشرين ومائتين، ومنهم من قال: سنة تسع وعشرين ومائتين.
واختُلف أيضاً في الشهر الذي توفي فيه، فمنهم من قال: توفي في رجب، ومنهم من قال: في رمضان.
أ- أما الذي قال: إنه توفي سنة ست وعشرين ومائتين، فهو تلميذه أبو زرعة الدمشقي، حيث قال في تاريخه: (ومات سعيد بن منصور سنة ست وعشرين ومائتين) (2) .
ب- أما الذي قال: إنه توفي سنة سبع وعشرين ومائتين فهم كثير، منهم: محمد بن سعد، وأبو داود، ومحمد بن عبد الله الحضرمي مُطَيَّن، وحاتم بن الليث الجوهري، وعبد الله بن محمد البغوي، وأبو سعيد ابن يونس، وابن حبان، وكذا جاء عن البخاري في بعض الروايات.
__________
(1) تاريخ دمشق لابن عساكر (2 / 173 - 174 / مخطوط الظاهرية) ، وانظر أيضاً سير أعلام النبلاء (16 / 29) .
(2) تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1 / 304 رقم 554) ، وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (7 / 357) .(المقدمة/124)
أما ابن سعد فقال: (سعيد بن منصور، ويُكّنَّى أبا عثمان، توفي بمكة سنة سبع وعشرين ومائتين) (1) .
وأما أبو داود، فقال أحمد بن محمد بن الحسين: (وذكر أبو داود أنه مات سنة سبع وعشرين ومائتين) (2) .
وأما محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي مُطَيَّن فقال: (وفيها- يعني سنة سبع وعشرين ومائتين- مات سعيد بن منصور الخراساني) (3) .
وأما حاتم بن الليث الجوهري فقال: (مات سعيد بن منصور بمكة- ويكنى أبا عثمان- سنة سبع وعشرين ومائتين) (4) .
وأما عبد الله بن محمد البغوي فقال: (ومات سعيد بن منصور بمكة وبها مات، في شهر رجب سنة سبع وعشرين ومائتين) (5) .
وأما أبو سعيد ابن يونس الصَّدَفي فقال: (سعيد بن منصور الخراساني، من أهل مرو، قدم مصر، وكُتب عنه بها، وكان قد قطن بمكة وبها مات، في رمضان، سنة سبع وعشرين ومائتين) (6) .
وأما ابن حبان فقال في كتاب الثقات: (مات بمكة سنة سبع وعشرين ومائتين) (7) .
وأما البخاري، فسيأتي ذكر كلامه في حكاية القول الرابع.
__________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد (5 / 502) ، وعنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (7 / 357 / مخطوط الظاهرية) .
(2) تاريخ دمشق أيضاً (7 / 355) .
(3) تاريخ دمشق أيضاً (7 / 357) .
(4) تسمية ما انتهى إلينا في الرواة عن سعيد بن منصور عالياً (ص 26) .
(5) تاريخ وفاة الشيوخ الذين أدركهم البغوي (ص 47 رقم 9) .
(6) تاريخ دمشق لابن عساكر (7 / 355 / مخطوط الظاهرية) .
(7) الثقات لابن حبان (8 / 268 - 269) .(المقدمة/125)
جـ- وأما الذي قال: إنه توفي سنة ثمان وعشرين فلم أجده، ولكن حكاه المزِّي عن غير معيَّن.
قال المِزِّي في تهذيب الكمال: (وقال أبو زرعة الدمشقي: مات سنة ست وعشرين ومائتين. وقال غيره: مات سنة ثمان وعشرين ومائتين) (1) .
د- وأما الذي قال: إنه توفي سنة تسع وعشرين ومائتين، فهو موسى بن هارون الحمّال أحد تلامذة سعيد (2) .
وأما البخاري، فاختُلف عنه.
ففي التاريخ الكبير قال: (سعيد بن منصور، مات بمكة سنة تسع وعشرين ومائتين أو نحوها) (3) .
وفي التاريخ الأوسط قال: (مات سعيد بن منصور بمكة- أبو عثمان الخراساني، سكن مكة- يعني سنة سبع وعشرين ومائتين) (4) .
وهذا الاختلاف على البخاري يرجع- فيما يظهر- إلى تقارب رسم (سبع) و (تسع) ، فتصحفت (تسع) إلى: (سبع) في الأوسط، والصواب عن البخاري ما جاء في التاريخ الكبير، وقد أطال مغلطاي في بيان خطأ من رواه (سبع) عن البخاري، وذلك في كتابه إكمال تهذيب الكمال (5) .
والراجح من هذه الأقوال قول من قال: إنه توفي سنة سبع وعشرين ومائتين لكثرتهم، وهذا الذي رجحه كل من جاء بعدهم،
__________
(1) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 82) .
(2) كما في الموضع السابق من تهذيب الكمال، وسير أعلام النبلاء (10 / 590) .
(3) التاريخ الكبير (3 / 516) .
(4) التاريخ الأوسط المطبوع باسم التاريخ الصغير (2 / 358) .
(5) (ل 99 / أ) .(المقدمة/126)
فقد اختاره أبو نعيم (1) ، وابن خير الإِشبيلي (2) ، وابن نقطة (3) ، وغيرهم.
ولما ذكر المزِّي هذه الأقوال، قال: (والصحيح الأول والله أعلم) (4) - يعني قول من قال: سنة سبع وعشرين ومائتين-.
وقال الذهبي: (قال ابن سعد، وأبو داود، وحاتم بن الليث، وجماعة: مات بمكة سنة سبع وعشرين. زاد ابن يونس، فقال: في رمضان. وقال أبو زرعة الدمشقي: سنة ست، والأول الصحيح. وصحَّف موسى بن هارون، فقال في سنة تسع وعشرين ومائتين) (5) .
وقال أيضاً: (وقال ابن سعد، وأبو داود، ومُطّيَّن، وحاتم بن الليث: مات سنة سبع وعشرين. قال ابن يونس: مات بمكة في رمضان سنة سبع. وقال بعضهم: سنة ست، وهو غَلَط. وقال بعضهم: سنة تسع، وهو غلط أيضاً) (6) .
وأما الشهر الذي توفي فيه، فاختلف فيه قول ابن يونس والبغوي كما سبق. فابن يونس يرى أنه توفي في شهر رمضان، والبغوي يرى أنه توفي في شهر رجب.
ويصعب الترجيح بين القولين بلا مُرَجِّح، والذي ذكره المزِّي والذهبي أنه توفي في شهر رمضان بناءً على قول ابن يونس، والذي يظهر أنهما لم يطلعا على قول البغوي، والله أعلم.
وهكذا بعد حياة دامت ما يقرب من تسعين عاماً قضاها سعيد
__________
(1) في تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً (ص 26) .
(2) في فهرسة ما رواه عن شيوخه (ص 135) .
(3) في التقييد (2 / 18) .
(4) تهذيب الكمال المطبوع (11 / 82) .
(5) سير أعلام النبلاء (10 / 590) .
(6) تاريخ الإسلام- وفيات 221 - 230 (ص 186) .(المقدمة/127)
ابن منصور في جمع ميراث النبوة- العلم-، وتبليغه، وَافَتْهُ مَنِيَّتُهُ والأمر الذي لا مَفَرّ منه.
نسأله تعالى أن يرفع درجته في عليين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، آمين.
* * *(المقدمة/128)
المبحث الثاني
التعريف بكتاب السنن
1- تسميته: -
تكاد تجمع المصادر التي تذكر هذا الكتاب على تسميته بالسنن، والاستدلال على ذلك يطول، وقد جاء في آخر النسخة الخطية التي عثرتُ عليها ما نصه: (آخر كتاب السنن) ، وسيأتي مزيد استدلال في المبحث الآتي (1) .
وسمّاه بعضهم: (المصنَّف) ، أو: (مصنَّف سعيد بن منصور) ، بمعنى مؤلَّف سعيد بن منصور.
2- توثيق نسبته للمؤلِّف: -
إن صِحَّةَ نسبة كتاب السنن لمؤلفه سعيد بن منصور أمر مقطوع به؛ لشهرة هذه السنن، والأدلة متوافرة على ذلك.
فهناك جَمٌّ غفير كلهم يعزو هذا الكتاب لسعيد بن منصور.
وهناك من ينقل بعض الأحاديث مَعْزُوَّةً لهذا الكتاب ومصنِّفه.
وهناك من يروي أحاديث من هذا الكتاب بسنده عن سعيد بواسطة أو بغير واسطة.
وهناك من يروي هذا الكتاب بسنده إلى مصنِّفه سعيد.
هذا بالإضافة لصحَّة سند الكتاب إلى مؤلفه.
وهذا إجمال، وفيما يلي تفصيله مع الأمثلة: -
أ- من ذكر الكتاب ونسبه إلى سعيد، أو نقل منه أحاديث وعزاها إليه:
1- ابن حزم الأندلسي (ت 456 هـ) : قال وهو يذكر مصنَّفات بَقِيّ
__________
(1) انظر المبحث الآتي بعنوان: توثيق نسبته للمؤلِّف.(المقدمة/129)
ابن مَخْلَد: (ومنها: مصنَّفه في فتاوى الصحابة والتابعين ومن دونهم، الذي أرْبَى فيه على مصنَّف أبي بكر بن أبي شيبة، ومصنَّف عبد الرزاق، ومصنَّف سعيد بن منصور، وغيرها، وانتظم علماً عظيماً لم يقع في شيء من هذه) (1) .
2- البيهقي (ت 458 هـ) : ذكر في كتاب القراءة خلف الإمام (2) حديثاً، ثم قال: ((كذا قاله سعيد بن منصور في تفسيره)) .
والتفسير من كتب السنن كما سيأتي.
3- الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) : ذَكَر في كتاب الجامع أحق الكتب بالتقديم، ثم قال: (ثم الكتب المصنَّفة في الأحكام الجامعة للمسانيد وغير المسانيد، مثل كتب ابن جريج، وسعيد بن أبي عروبة، وعبد الله بن المبارك، وسفيان بن عيينة، وهشيم بن بشير، وعبد الله بن وهب، والوليد بن مسلم، ووكيع بن الجرَّاح، وعبد الوهاب بن عطاء، وعبد الرزاق بن همّام، وسعيد بن منصور، وغيرهم) (3) .
وقال في ترجمة سعيد بن منصور في المتفق والمفترق: (وله كتاب في السنن والأحكام كبير، وحديثه كثير مشهور) (4) .
وقد جمع محمد بن أحمد المالكي الأندلسي جزءاً (5) بعنوان: ((جزء فيه تسمية ما ورد به الشيخ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي دمشق، من الكتب من روايته من الأجزاء المسموعة والكبار المصنفة، وما جرى مجراها، سوى الفوائد والأمالي والمنثور،
__________
(1) نفح الطيب (2 / 519) ، (3 / 168 - 169) ، وسير أعلام النبلاء (3 / 291) .
(2) (ص 111) .
(3) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2 / 186) .
(4) المتفق والمفترق (ل 110 / أ) .
(5) وهذا الجزء من محفوظات المكتبة الظاهرية، الرسالة السادسة من مجموع رقم (18) ، وقد أورد هذا الجزء بكامله الدكتور محمود الطحان في كتابه ((الحافظ الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث)) (ص 282 - 301) .(المقدمة/130)
وتسمية بعض من صنفها)) ، وذكر فيه: ((تفسير سعيد بن منصور)) (1) ، و ((كتاب الجهاد)) و ((كتاب النكاح)) ، و ((منتخب كتبه في الأحكام)) (2) .
3- ابن خير الإشبيلي (ت 575 هـ) : قال في فهرسه: (مصنَّف سعيد بن منصور البلخي، نزيل مكة، وتوفي بها سنة 227، حدثني به أبو بكر ... ) (3) ، ثم أخذ في ذكر أسانيده إلى هذا الكتاب كما سيأتي.
4- ابن نُقْطَةَ محمد بن عبد الغني (ت 629 هـ) : قال في ترجمة سعيد بن منصور: (وصنَّف كتاب السنن، وجمع فيها من أقوال الصحابة والتابعين وفتاويهم ما لم يجمعه غيره ... ، وحدَّث عنه بكتاب السنن: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، ووقع لنا حديثه عالياً) (4) .
قلت: وهو يروي نفس السنن بنفس إسناد هذه النسخة الخطية كما سيأتي.
وفي ترجمة كل راو من الرواة لكتاب السنن كان ابن نقطة يذكر روايته لها (5) .
5- ابن دِحْيَة الكَلْبي (ت 633 هـ) : قال: (وهذا المصنَّف الذي صنَّفه سعيد بن منصور هو أربعة وعشرون جزءاً ... ) (6) .
6- شمس الدين الذهبي (ت 748 هـ) : قال في السير: (سعيد بن منصور بن شعبة، الحافظ، الإمام، شيخ الحرم ... مؤلف كتاب السنن) (7) .
__________
(1) المرجع السابق (ص 283 رقم 24) .
(2) المرجع السابق أيضاً (ص 288 رقم 150، 151، 152) .
(3) فهرسة ما رواه عن شيوخه لابن خير الإشبيلي (ص 135) .
(4) التقييد (2 / 17) .
(5) انظر تراجم رجال سند الكتاب الآتية.
(6) العَلَم المشهور (ص 162) .
(7) سير أعلام النبلاء (10 / 586) .(المقدمة/131)
وفي الميزان قال: (سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني، الحافظ الثقة، صاحب السنن) (1) .
وفي تاريخ الإسلام قال: (من نظر سنن سعيد بن منصور عرف حفظ الرجل وجلالته) (2) .
وفي ترجمة أبي طاهر أحمد بن الحسن الكَرَجي من السير قال: (سمع من أبي علي ابن شاذان كتاب السنن لسعيد بن منصور) (3) .
7- ابن كثير الدمشقي (ت 774 هـ) : قال في البداية والنهاية: (وسعيد بن منصور صاحب السنن المشهورة التي لا يشاركه فيها إلا القليل) (4) .
8- ابن النَّحَاس (ت 814 هـ) : قال في مقدمة كتابه مشارع الأشواق: (وألَّفْتُ هذا الكتاب من الأصول المشهورة، وانتقيته من هذه الدواوين المذكورة، وهي: كتاب الجهاد للإمام عبد الله بن المبارك، وهو أول مؤلَّف أُلِّف في هذا الشأن فيما أعلم. ومصنف الإمام عبد الرزاق بن همام الصنعاني. وكتاب السنن للإمام سعيد بن منصور الخراساني ... ) (5) إلخ.
9- تقي الدين الفاسي (ت 832 هـ) : قال في ترجمة سعيد بن منصور: (أحد الأعلام، مؤلِّف السنن ... ، وروى عنه أيضاً محمد بن علي الصائغ المكي كتاب السنن له) (6) .
__________
(1) ميزان الاعتدال (2 / 159) .
(2) تاريخ الإسلام (ص 186 / وفيات سنة 221 - 230) .
(3) سير أعلام النبلاء (19 / 144) .
(4) البداية والنهاية (10 / 299) .
(5) مشارع الأشواق إلى مصارع العُشَّاق (1 / 72) .
(6) العقد الثمين (4 / 586 - 587) .(المقدمة/132)
وقال في ترجمة إبراهيم بن أحمد بن علي بن فراس: (كانت عنده سنن سعيد بن منصور، عن محمد بن علي الصائغ الصغير) (1) .
10- ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) : ذكر سنن سعيد بن منصور في مواضع عديدة من فتح الباري (2) ، وفي تهذيب التهذيب (3) ، وتغليق التعليق (4) ، وغيرها من كتبه.
وسيأتي ذكر سنده لكتاب السنن.
11- برهان الدين البقاعي (ت 885 هـ) : قال في كتابه مصاعد النظر: (وروى النسائي في السنن ... وسعيد بن منصور في سننه....) (5) ، ثم ذكر حديثاً.
12- جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) : قال في تدريب الراوي: (من مظان المعضل والمنقطع والمرسل: كتاب السنن لسعيد بن منصور، ومؤلفات ابن أبي الدنيا) (6) .
وأما عزوه للسنن في كتبه فكثير جداً، فمن ذلك مثلاً: قال في الدر المنثور: (وأخرج سعيد بن منصور في سننه) (7) ، وكذا قال في تحذير الخواص من أكاذيب القُصَّاص (8) ،. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
(1) المرجع السابق (3 / 200) .
(2) انظر هذه المواضع في كتاب: (معجم المصنفات الواردة في فتح الباري) (ص 216) .
(3) انظر مثلاً: (1 / 302، 512) ، (2 / 114، 280) ، (3 / 274، 286، 479) ، (4 / 154) .
(4) انظر مثلاً: (3 / 44، 46، 48، 50، 51، 52، 53، 61، 72، 74، 77) .
(5) مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور (2 / 246) .
(6) تدريب الراوي (1 / 214) .
(7) قال ذلك في (1 / 14، 20، 40) ، وانظر نماذج من هذا كثيرة جداً في تخريج أحاديث هذه الرسالة.
(8) تحذير الخواص (ص 255) .(المقدمة/133)
وفي شرح الصدور (1) .
ب- من روى أحاديث من هذا الكتاب بسنده عن سعيد بواسطة أو بغير واسطة: وهم عدد كثير يصعب حصره، فمنهم: محمد بن سعد كاتب الواقدي في كتاب الطبقات (2) ، ومنهم الإمام أحمد في المسند (3) ، ومنهم البخاري (4) ، ومسلم (5) ، وأبو داود (6) ، ويعقوب بن سفيان (7) ، وأبو زرعة الدمشقي (8) ، وحرب بن إسماعيل الكرماني (9) .
فهؤلاء من تلاميذه يروون عنه بلا واسطة.
وأما من روى عنه بواسطة فهم كثيرون، ولذا سأقتصر على من روى أحاديث من هذا القسم المحقق من طريق المصنف، وسيكون العزو
__________
(1) انظر مثلاً: (ص 19، 21، 28، 41، 48، 55، 67، 83، 93، 107، 132، 134، 143، 144، 146، 148، 211، 263، 264، 307، 312، 314، 401) .
(2) روى عنه في مواضع كثيرة من كتاب الطبقات، منها مثلاً: (3 / 170، 288، 313، 318، 368، 370، 416) .
(3) روى عنه في مواضع من المسند، منها مثلاً: (3 / 500) ، (4 / 212) ، (5 / 333، 415) .
(4) روى عنه في الأدب المفرد (2 / 294 رقم 830 / فضل الله الصمد) ، وفي التاريخ الصغير (1 / 159) ، وروى عنه في الصحيح (2 / 351 رقم 872) في الأذان، باب سرعة انصراف النساء من الصبح، وقلَّة مقامهن في المسجد، لكن بواسطة يحيى بن موسى، عنه.
(5) روى عنه في مواضع من صحيحه، منها: (4 / 2097، 2148، 2149، 2268، 2283) .
(6) روى عنه في مواضع من سننه، منها مثلاً: (3 / 26، 28، 29، 39، 40، 73، 79، 95، 97، 99، 122، 124، 136، 152، 153، 461، 530، 637) .
(7) روى عنه في مواضع من كتابه المعرفة والتاريخ، منها مثلاً: (1 / 214، 222، 227، 346، 358، 440، 469، 493، 518، 533، 540، 556، 564، 676) .
(8) روى عنه في مواضع من تاريخه، منها مثلاً: (1 / 152، 153، 182، 245، 407، 476، 483، 615، 635، 651) ، (2 / 677، 682) .
(9) نقل ابن القيم في زاد المعاد (5 / 828) عن مسائل حرب الكرماني رواية لحرب عن سعيد بن منصور.(المقدمة/134)
لرقم الحديث في هذا القسم. فمنهم:
1- ابن المنذر، روى في تفسيره الأحاديث الآتية من طريق سعيد: الحديث رقم [533، 535، 546، 547، 561، 564، 580، 593، 614، 716] .
2- ابن أبي داود، روى في كتاب المصاحف من طريق سعيد الحديثين الآتيين: رقم [169، 710] .
3- ابن أبي حاتم، روى في تفسيره حديثاً واحداً من طريق سعيد، وهو: رقم [220] .
4- الخَطَّابي، روى في غريب الحديث الأحاديث الآتية من طريق سعيد: رقم [19، 40، 408، 428، 736، 745] .
5- ابن مردويه، روى في تفسيره حديثاً واحداً من طريق سعيد، وهو: رقم [762] ، نقله عنه ابن كثير في تفسيره.
6- أبو القاسم الطبراني، روى في معجمه الكبير والأوسط من طريق سعيد الأحاديث الآتية: رقم [45، 67، 166، 417، 426، 482، 519، 638، 659، 676، 686، 687، 740، 772، 773] .
7- أبو الحسن الدارقطني، روى في سننه الحديث الآتي من طريق سعيد، وهو: رقم [686] .
8- أبو عبد الله الحاكم، روى في مستدركه الحديثين الآتيين من طريق سعيد، وهما: رقم [681، 686] .
9- ابن حزم، روى في المحلَّى الأحاديث الآتية من طريق سعيد: رقم [104، 109، 295، 832، 856، 857] .
10- البيهقي، روى من طريق سعيد هذه الأحاديث في كتبه الآتية:
في الأسماء والصفات، رقم: [425، 427، 434، 442، 443] ...(المقدمة/135)
وفي المدخل إلى السنن، رقم: [39] .
وفي شعب الإيمان، رقم: [1، 8، 9، 23، 27، 29، 34، 37، 40، 41، 42، 45، 50، 60، 68، 70، 75، 76، 77، 80، 81، 83، 84، 89، 90، 95، 97، 98، 99، 135، 138، 146، 149، 154، 164، 166، 178، 229، 368، 406، 483، 485، 560، 597، 659، 698] .
وفي السنن الكبرى، رقم: [48، 67، 104، 113، 115، 117، 119، 121، 124، 141، 142، 143، 145، 146، 247، 248، 250، 251، 253، 254، 258، 259، 260، 263، 279، 280، 281، 312، 328، 345، 370، 382، 387، 388، 389، 390، 391، 428، 455، 457، 463، 466، 506، 516، 534، 571، 572، 576، 585، 591، 600، 608، 612، 614، 615، 617، 618، 619، 621، 628، 629، 630، 632، 641، 657، 675، 685، 686، 702، 703، 716، 741، 742، 745، 748، 773، 782، 883، 788، 799، 803، 804، 805، 806، 816، 832، 835، 836، 851، 856، 857] .
11- الخطيب البغدادي، روى في كتابيه الفقيه والمتفقه والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع الأحاديث الآتية:
في الفقيه رقم [601] ، وفي الجامع رقم [32، 42، 67] .
12- الواحدي، روى في أسباب النزول حديثاً واحداً من طريق سعيد، وهو: رقم [289] .
13- الهروي، روى في ذم الكلام الأحاديث الآتية من طريق سعيد: رقم [35، 36، 41، 166، 492، 656، 660، 721، 723، 805] .
14- الثعلبي، روى في تفسيره حديثاً واحداً عن سعيد، وهو: رقم [431] .
جـ- وأما من يروي كتاب السنن بسنده إلى مصنِّفه سعيد بن منصور....(المقدمة/136)
فهم كثير أيضاً، ولذا فإني سأقتصر على ذكر من صَرَّح بأنه يروي كتاب السنن بالإسناد الذي ذكره.
1- الثعلبي في تفسيره المسمَّى: الكشف والبيان. قال في مقدمته: (وهذا ثبت الكتب التي عليها مباني كتابنا هذا، جمعتها هاهنا لئلا نحتاج إلى تكرار الأسانيد ... ) (1) ، ثم شرع في ذكر أسانيده إلى هذه الكتب، إلى أن قال: (تفسير سعيد بن منصور: أخبرنا عبد الله بن حامد، قال: نا أحمد بن عبد الله المزني، قال: نا أحمد بن نجدة بن العريان، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ) (2) .
وتفسير سعيد جزء من سننه كما سيأتي.
2- السَّمعاني. قال في ترجمة أبي القاسم الفضل بن يحيى بن صاعد بن سيار: (سمعت منه كتاب الزهد لأبي عثمان سعيد بن منصور البَلْخي نزيل مكة، يرويه عن جده أبي العلاء صاعد بن سيار القاضي، عن أبي سعيد بن أبي محمد الفامي، عن أبي الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه الكرابيسي، عن أبي الفضل أحمد بن نجدة بن العُريان الهروي، عن سعيد بن منصور المكي) .
وفي ترجمة أبي الفتح نصر بن سيار بن صاعد بن سيار قال: (ومن جملة ما سمعت منه: كتاب الترمذي ... ، وكتاب الزهد لسعيد بن منصور المكي، بروايته عن جده) (3) .
قلت: وجده هو أبو العلاء صاعد بن سيار المذكور في الإسناد المتقدم.
__________
(1) الكشف والبيان للثعلبي (1 / ل 3 / ب) .
(2) المرجع السابق (1/ ل 9) .
(3) التحبير في المعجم الكبير للسمعاني (2 / 21 - 22، 344 - 345) ...(المقدمة/137)
وكتاب الزهد لسعيد بن منصور جزء من السنن كما سيأتي.
3- ابن خير الإِشبيلي. قال في فهرسة ما رواه عن شيوخه: (مصنف سعيد بن منصور البلخي، نزيل مكة وتوفي بها سنة 227؛ حدثني به أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر وأبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز رحمهما الله، قالا: نا به أبو علي حسين بن محمد الغساني، قَالَ: نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرج، قال: نا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن فراس، قال: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. ما خلا كتابي الجهاد فإن ابن مفرج رواهما عن أبي يحيى محمد بن عبد الرحمن المقري عن مسعدة بن سعد بن مسعدة عن سعيد بن منصور؛ وانتهى سماع ابن مفرج من ابن فراس في الجزء الثالث من المناسك إلى باب الرخصة للرعاء في ترك يوم ورمي يوم، وفي الجزء الرابع إلى باب المحصر بعمرة؛ وسمع ابن مفرج بقية الجزءين من أبي يحيى بن المقري عن مسعدة بن سعد عن سعيد بن منصور، قال أبو علي: وأخبرني أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد ابن عبد البر بكتاب الوضوء والصلاة والجنائز والزكاة وصلاة العيدين وصدقة الفطر والصيام والاعتكاف والمناسك والجهاد والفرائض والأشربة واللقطة والصيد والذبائح والضحايا والعقيقة، وبعض كتاب الحدود من باب إقامة الحد في المسجد إلى آخر الجزء، والأدب والجامع من مصنف سعيد بن منصور هذا، عن أبي محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أسد الجهني عن أبي إسحاق بن فراس عن محمد بن علي عن سعيد بن منصور؛ هذا ما وجدت لأبي محمد ابن أسد مسموعاً أبي إسحاق ابن فراس من جملة المصنف، وكان سماع أبي محمد بن أسد وسماع أبي عبد الله بن مفرج في هذه الكتب واحداً؛ وكذلك روى ابن أسد كتاب الجهاد عن أبي يحيى بن المقري عن مسعدة بن سعد عن سعيد..(المقدمة/138)
ابن منصور، غير أن ابن أسد فاته من الجزء الثاني شيء فأخبرني أبو عمر النمري بالجزء كله عن أبي محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد المؤمن عن أبي يحيى بن المقري عن مسعدة بن سعد عن سعيد بن منصور؛ وكذلك حدثني أبو عمر بكتاب الفرائض عن أبي محمد ابن عبد المؤمن وأبي محمد بن أسد، جميعاً عن أبي إسحاق إبراهيم بن فراس عن محمد بن علي عن سعيد بن منصور؛ وهذا المصنف من رفيع الكتب وهو اثنان وعشرون جزءاً؛ قال أبو علي: وأخبرني به الشيخ الأجل أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون البغدادي، عن أبي عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إبراهيم بن شاذان عن أبي مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دعلج عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ عن سعيد بن منصور؛ وحدثني به أيضاً الشيخ أبو الحكم عبد الرحمن بن عبد الملك بن غشليان الأنصاري رحمه الله، إجازة، قال: حدثني به أبو الفضل بن الحسن بن خيرون البغدادي المذكور، إجازة منه لي بالسند المتقدم؛ وحدثني به أيضاً الشيخ أبو محمد بن عتاب رحمه الله، إجازة عن أبوي عمر أحمد بن محمد بن الحذاء ويوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، إجازة منهما له أيضاً بالإسنادين المتقدمين) (1) .
وقال أيضاً:
(كتاب الزهد لسعيد بن منصور، حدثني به الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن موهب رحمه الله، قال: نا به أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري وأبو الوليد سليمان بن خلف الباجي، قالا: نا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي، قال: نا محمد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خميرويه، قال: نا أحمد بن نجدة، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ،
__________
(1) فهرسة ما رواه عن شيوخه (ص 135 - 136) ...(المقدمة/139)
رحمه الله) (1) .
4- ابن نقطة. صنَّف كتاب التقييد، لمعرفة رواة السنن والمسانيد التي نصّ عليها في مقدمة كتابه بقوله: (معرفة أكثر السنن والمسانيد التي يشتمل هذا الكتاب على معرفة رواتها: كتاب الموطأ- رواية أبي مصعب-، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وكتاب السنن لأبي داود، والسنن لسعيد بن منصور ... ) (2) ، ثم ذكر باقي الكتب.
وفي ترجمة سعيد بن منصور قال: (حدَّث عنه بكتاب السنن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ ووقع لنا حديثه عالياً) (3) .
وفي ترجمة مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ قال: (حدَّث بالسنن عن سعيد بن منصور الخراساني، حدث بها عنه أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجْزي) (4) ، ثم ذكر سنده إلى الصائغ فقال: (أنبأنا عبد العزيز بن محمود بن الأخضر، قال: أنبأ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ المبارك الأنماطي في كتابه، أنبأ أبو طاهر الباقلاني، أنبأ أبو علي ابن شاذان، أنبأ دعلج بن أحمد السِّجْزي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ في ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين ومائتين، وفيها مات) (5) .
وكان يشير في ترجمة كل راو من رواة الكتاب إلى أنه روى سنن سعيد بن منصور.
5- ابن دِحْيَةَ الكَلْبي. ذكر في كتابه العَلَم المشهور حديثاً من سنن سعيد بن منصور، ثم قال: (وهذا المصنَّف الذي صنَّفه سعيد بن منصور
__________
(1) المرجع السابق (ص 271) .
(2) التقييد (1 / 2 - 3) .
(3) المرجع السابق (2 / 17) .
(4، 5) السابق أيضاً (1 / 81، 83) ...(المقدمة/140)
هو أربعة وعشرون جزءاً على الفقه والاختلاف، أجازه لنا الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين بمنزله بمدينة فاس سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة- وفيها مات-، أنبأنا الفقيه أبو عبد الله أحمد بن محمد الخَوْلاني سنة إحدى وخمسمائة، أنبأنا الحافظ أبو عمر أحمد بن محمد، ثنا القاضي المصنِّف أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن مفرج، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن فراس، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، ثنا الإمام أبو عثمان سعيد بن منصور سماعاً عليه بمكة شرَّفها الله، أيام مجاورته بها) (1) .
6- ابن حجر العسقلاني. قال في خاتمة كتابه تغليق التعليق: (الفصل الثاني: في سياق أسانيدي في الكتب الكبار التي خرّجت منها الأحاديث التي لم أسق أسانيدها في هذا الكتاب اكتفاءً بما هنا ... ) (2) ، ثم أخذ في ذكرها إلى أن قال: (سنن سعيد بن منصور: أنبأنا بها أبو محمد عمر بن محمد بن أحمد البالسي- شِفَاهاً-، عن محمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم، عن جدِّه، عن مسعود بن النَّادِر بن الصَّفَّار، قال: أنا عبد الوهاب بن الأنْماطي الحافظ، أنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خَيْرون، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بن شاذان، أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، ثنا سعيد بن منصور) (3) .
وفي كتابه: تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة، المسمَّى بالمعجم المفهرس قال: ((السنن لسعيد بن منصور. أنبأنا به عمر بن محمد بن أحمد بن سليمان البالسي، محمد بن أبي بكر بن أحمد
__________
(1) العلم المشهور (ص 162) .
(2) تغليق التعليق (5 / 442) .
(3) تغليق التعليق (5 / 454 - 455) ...(المقدمة/141)
ابن عبد الدائم، عن جده، عن مسعود بن النادر الصفار، أنا أبو محمد عبد الوهاب بن المبارك الأنْماطي، أنا أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون، أنا أبو علي ابن شاذان، أنا دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، ثنا سعيد بن منصور به) (1) .
ومن طريق ابن حجر يرويه الرُّوداني في صلة الخلف (2) ، وسعيد بن سنبل كما في الأوائل السنبلية (3) . ومن طريق ابن سنبل يرويه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي (4) .
7- أبو عبد الله محمد الأمير. قال في كتابه سدّ الأرب: (وأما سنن سعيد بن منصور، فمن طريق السِّلَفي، عن أبي الحسن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق، عن أبي الغنائم محمد بن محمد البصري المقرئ ببيت المقدس، عن أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن، عن أبي محمد الحسن بن رشيق العسكري المعدّل بمصر، عن أبي عبد الله محمد بن رزيق (5) بن جامع المديني، عن سعيد بن منصور) (6) .
د- سند الكتاب إلى مؤلفه:
من أقوى دلائل توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلِّفه سعيد بن منصور: صحة سند الكتاب.
وهذا يتضح بعد سياق الإسناد الوارد على النسخة، والترجمة
__________
(1) المعجم المفهرس (ل 15 / ب) .
(2) (ص 262) .
(3) انظر الأوائل السنبلية (ص 15 - 16) وملحقها (ص 47) .
(4) انظر مقدمة سنن سعيد بن منصور للشيخ حبيب الرحمن الأعظمي (ص هـ - و) ، فإنه ذكر سنده إلى سعيد بن منصور من طريق الأوائل السنبلية.
(5) في الأصل: (رزين) ، والتصويب من سير أعلام النبلاء (16 / 280) .
(6) سدّ الأرب لأبي عبد الله الأمير (ص 120 - 121) ...(المقدمة/142)
لرجاله. جاء في بداية كتاب فضائل القرآن ما نصه:
أخبرنا الْحَافِظُ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ، وَأَبُو غَالِبٍ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ القَزَّاز، قَالَا: أنا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَاقِلَانِيُّ الكَرَجي، قَالَ: نا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَاذَانَ، قَالَ: نا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ السِّجِسْتَاني قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ فِي سَنَةِ 291 (1) ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ (2) .
وهذا إسناد صحيح.
فالراوي له عن مؤلِّفه سعيد بن منصور هو: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، أبو عبد الله المكِّي (3) .
حدَّث بالسنن عن سعيد بن منصور، حدَّث بها عنه أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ السِّجْزي (4) .
وحدَّث أيضاً عن أبي نعيم، والقَعْنَبي، ويحيى بن معين، ومحمد بن بشر التِّنِّيسي، وإبراهيم بن المنذر، وغيرهم.
وحدَّث عنه أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، وجعفر بن محمد الفريابي، وموسى بن هارون الحمّال، وأبو محمد الفاكهي،
__________
(1) كذا جاء تاريخ السماع في النسخة رقماً.
(2) انظر بداية الكتاب (ص 5) الآتية.
(3) انظر ترجمته في الثقات لابن حبان (9 / 152) ، وسؤالات حمزة السّهْمي للدارقطني (ص 73 رقم 5) ، والأنساب للسمعاني (8 / 269 -270) ، والتقييد لابن نقطة (1 / 81 - 83 رقم 88) ، وسير أعلام النبلاء (13 / 428 - 429) ، وتذكرة الحفاظ (2 / 659) ، والعبر (2 / 96) ، والعقد الثمين للفاسي (2 / 154 - 155) ، وشذرات الذهب (2 / 209) .
(4) التقييد لابن نقطة (1 / 81) ...(المقدمة/143)
وأبو علي حامد بن محمد الرَّفَّاء الهَرَوي، وغيرهم.
ذكره ابن حبان في الثقات (1) .
وقال الدارقطني: (ثقة) (2) .
ولما ذكره الذهبي قال: (المحدِّث، الإمام، الثقة. سمع القَعْنبي. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وعدَّةً، مع الصدق، والفهم، وسعة الرواية) (3) .
أرَّخ أبو يعلى الخليلي وفاته سنة سبع وثمانين ومائتين (4) ، وهو وهم. والصواب ما ذكره الدارقطني حيث قال: (كتبت من كتاب الطحاوي بخط يده: توفي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ علي بن زيد الصائغ المكي في النصف الأول من ذي القعدة سنة إحدى وتسعين ومائتين) (5) .
وهذا الذي رجّحه الذهبي (6) ، وذكر أن وفاته بمكة، وكان في عشر المائة (7) . وكان سماع دعلج لسنن سعيد بن منصور منه قبل موته بنحو ثمانية أشهر (8) .
والراوي عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ هو: دَعْلَج بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَج بن عبد الرحمن، أبو محمد السِّجِسْتَاني، ويقال: السِّجْزي،
__________
(1) (9 / 152) .
(2) سؤالات حمزة السهمي للدارقطني (ص 73 رقم 5) .
(3) سير أعلام النبلاء (13 / 428) .
(4) كما في السير (13 / 429) .
(5) التقييد لابن نقطة (1 / 83) .
(6) في الموضع السابق من السير.
(7) كما في العبر للذهبي (2 / 96) .
(8) يدلّ عليه أن دعلَج بن أحمد ذكر في سند السنن أن محمد بن علي الصائغ حدثهم سنة إحدى وتسعين ومائتين، وأوضحه إسناد ابن نقطة، وفيه يقول دعلج: (ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ في ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين ومائتين، وفيها مات) - يعني في تلك السنة-. انظر التقييد لابن نقطة (1 / 83) ...(المقدمة/144)
المعدَّل، البغدادي، التاجر، ذو الأموال العظيمة (1) .
ولد سنة تسع وخمسين ومائتين- أو قبلها بقليل-، وسمع بعد الثمانين ما لا يوصف كثرة، بالحرمين، والعراق، وخراسان، والنواحي؛ حال جولانه في التجارة.
ومن ذلك سماعه لسنن سعيد بن منصور بمكة من مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ سنة إحدى وتسعين ومائتين (2) .
وسمع من علي بن عبد العزيز البغوي، ومحمد بن غالب تَمْتَام، وبشر بن موسى، وعبد الله بن الإمام أحمد، والعباس بن الفضل الأسْفَاطي، وعثمان بن سعيد الدارمي، وابن خزيمة وغيرهم.
حدَّث عنه الدارقطني، وابن جُمَيْع الغسَّاني، وأبو عبد الله الحاكم، وأبو القاسم ابن بشران، وأبو علي بن شاذان، وأبو إسحاق الاسفراييني، وغيرهم.
قال أبو سعيد ابن يونس: (كان ثقة) (3) .
وقال حمزة السَّهمي: (سمعت أبا الحسن- يعني الدارقطني-
__________
(1) انظر ترجمته في سؤالات حمزة السهمي للدارقطني (ص 214 رقم 290) ، وسؤالات أبي عبد الرحمن السُّلَمي للدارقطني (ل 5 / أ) ، وتكملة تاريخ الطبري لمحمد بن عبد الملك الهمذاني (ص 394 - 395) ، وتاريخ بغداد (8 / 387 - 392 رقم 4495) ، والمنتظم (7 / 10 - 14) ، وتاريخ دمشق (6 / 85 - 89 / مخطوط الظاهرية) ، والتقييد لابن نقطة (1 / 322 - 323 رقم 325) ، ووفيات الأعيان (2 / 271 - 272 رقم 228) ، وسير أعلام النبلاء (16 / 30 - 35) ، وتذكرة الحفاظ (3 / 881 - 882 رقم 850) ، والعبر (2 / 297) ، والوافي بالوفيات (14 / 17) ، وطبقات الشافعية (3 / 291 - 293) ، والبداية والنهاية (11 / 241 - 242) ، وطبقات الحفاظ (ص360 رقم 821) ، وشذرات الذهب (3 / 8) .
(2) كما هو مثبت في إسناد الكتاب، وانظر التقييد لابن نقطة (1 / 322) .
(3) تاريخ دمشق (6 / 86 / مخطوط الظاهرية) ...(المقدمة/145)
سئل عن دَعْلَج بن أحمد، فقال: كان ثقة مأموناً، وذكر له قصة في أمانته وفضله ونُبْله) (1) .
وقال أبو عبد الرحمن السُّلَمي: (وسألته- يعني الدارقطني- عن دعلج بن أحمد، فقال: الثقة المأمون، ملازماً لأصوله وكتبه) (2) .
وقال الدارقطني أيضاً: (صنَّفْت لِدَعْلَج المسند الكبير، فكان إذا شك في حديث ضرب عليه، ولم أر في مشايخنا أثبت منه) (3) .
وقال أبو عبد الله الحاكم: (دعلَج بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دعلَج، الفقيه، أبو محمد السِّجْزي، شيخ أهل الحديث في عصره، له صدقات جارية على أهل الحديث بمكة وبغداد وسِجِسْتَان. وكان أول رحلة له إلى نيسابور، ثم انصرف مرة أخرى بعد دخوله العراق إلى نيسابور، فسمع المصنَّفات من أبي بكر ابن خزيمة، وكان يفتي على مذهبه، سمعته يقول ذلك. ثم إنه سكن مكة، وجاور بها، ثم انتقل إلى بغداد) (4) .
وقال عمر بن جعفر البصري: (ما رأيت ببغداد ممن انتخبت عليهم أصحّ كتباً، ولا أحسن سماعاً من دعلج بن أحمد) (5) .
وقال الخطيب البغدادي: (كان من ذوي اليسار والأحوال، وأحد المشهورين بالبر والإفضال، وله صدقات جارية، ووقوف محبَّسة على أهل الحديث ببغداد ومكة وسجستان. وكان جاور بمكة زماناً، ثم سكن بغداد واستوطنها وحدّث بها ... ، وكان ثقة ثبتاً، قَبِلَ الحُكَّام
__________
(1) سؤالات حمزة السهمي للدارقطني (ص 214 رقم 290) .
(2) سؤالات السلمي للدارقطني (ل 5 / أ) .
(3) تاريخ بغداد (8 / 388) .
(4) تاريخ دمشق (6 / 86) .
(5) تاريخ بغداد (8 / 388) ...(المقدمة/146)
شهادته، وأثبتوا عدالته) (1) .
وله رحمه الله حكايات كثيرة في الصدقة والبرّ والإفضال (2) .
ولما ذكره الذهبي في السير قال: (المحدِّث الحجَّة، الفقيه الإمام) (3) .
ولما ذكره في تذكرة الحفاظ قال: (الإمام الفقيه، محدِّث بغداد) (4) .
وكانت وفاته رحمه الله يوم الجمعة، لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة، سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة.
والراوي عن دعلج هو: الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بن الحسن بن محمد بن شاذان بن حرب بن مهران، أبو علي البغدادي، البَزَّاز، الأصولي (5) .
ولد ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة.
وبكَّر به والده، فأسمعه وله خمس سنين أو نحوها، وسمع
__________
(1) المرجع السابق (8 / 387 - 388) .
(2) انظرها في تاريخ بغداد (8 / 389 - 392) ، وتاريخ دمشق (6 / 87 - 89 / مخطوط الظاهرية) .
(3) سير أعلام النبلاء (16 / 30) .
(4) تذكرة الحفاظ (3 / 881) .
(5) انظر ترجمته في تاريخ بغداد (7 / 279 - 280 رقم 3772) ، وتبيين كذب المفتري (ص 245 - 246) ، والمنتظم (8 / 86 - 87) ، والتقييد لابن نقطة (1 / 273 - 274 رقم 273) ، وسير أعلام النبلاء (17 / 415 - 418) ، والعبر (3 / 157) ، وتذكرة الحفاظ (3 / 1075) ، والبداية والنهاية (12 / 39) ، والجواهر المضيَّة (2 / 38 - 39) ، والنجوم الزاهرة (4 / 280) ، والطبقات السنيّة (3 / 36 - 37 رقم 647) ، وشذرات الذهب (3 / 228 - 229) ...(المقدمة/147)
من دعلج بن أحمد، وجعفر الخُلْدي، وأحمد بن كامل القاضي، وأبي بكر الشافعي، وابن قانع، وأبو علي بن الصَّوَّاف، وغيرهم.
روى عنه البيهقي، والخطيب البغدادي، وأبو الفضل ابن خيرون، والمبارك بن عبد الجبار بن الطُّيُوري، وأبو إسحاق الشيرازي، وغيرهم.
قال الخطيب البغدادي: (كتبنا عنه، وكان صدوقاً، صحيح الكتاب، وكان يفهم الكلام على مذهب الأشعري، وكان مشتهراً بشرب النبيذ، إلى أن تركه بأَخَرَةٍ، وكتب عنه جماعة من شيوخنا ...
سمعت أبا الحسن بن رزقويه يقول: أبو علي ابن شاذان ثقة.
وسمعت الأزهري يقول: أبو علي ابن شاذان من أوثق من بَرَأَ الله في الحديث، وسماعي منه أحبّ إليّ من السماع إلى غيره- أو كما قال-.
حدثني محمد بن يحيى الكرماني قال: كنا يوماً بحضرة أبي علي ابن شاذان، فدخل علينا رجل شاب لا يعرفه منا أحد، فسَلَّم، ثم قال: أيُّكم أبو علي ابن شاذان؟ فأشرنا له أليه، فقال له: أيها الشيخ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - في المنام، فقال لي: سَلْ عن أبي علي ابن شاذان، فإذا لقيته، فَأَقْرِئْهُ مني السلام، ثم انصرف الشاب، فبكى أبو علي، وقال: ما أعرف لي عملاً أستحقّ به هذا، اللهم إلا أن يكون صبري على قراءة الحديث عليّ، وتكرير الصلاة عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - كلما جاء ذكره. قال الكرماني: ولم يلبث أبو علي بعد ذلك إلا شهرين أو ثلاثة، حتى مات) (1) .
وقال ابن الجوزي: (كان ثقة صدوقاً) (2) .
__________
(1) تاريخ بغداد (7 / 279 - 280) .
(2) المنتظم (8 / 86) ...(المقدمة/148)
وقال ابن نقطة: (حدَّث بكتاب السنن لسعيد بن منصور عن دعلج بن أحمد السِّجْزي) (1) .
وقال الذهبي: (الإمام الفاضل الصدوق، مسند العراق) (2) .
وقال ابن كثير: (أحد مشايخ الحديث، سمع الكثير وكان ثقة صدوقاً) (3) .
وكانت وفاته في ليلة السبت مُسْتَهَلّ المحرم، من سنة ست وعشرين وأربعمائة، بعد صلاة العتمة، ودفن من الغد في مقبرة باب الدِّير.
والراوي عن ابن شاذان هو: أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن محمد بن خُدَاداد أبو طاهر الكَرَجي،- بفتح الكاف والراء، آخرها جيم- الباقِلاَّني، البغدادي (4) .
ولد في سنة ست عشرة وأربعمائة.
وسمع من أبي علي ابن شَاذَان كتاب السنن لسعيد بن منصور، وسمع من أبي القاسم ابن بِشْران، وأبي بكر البَرْقاني وغيرهم كتباً مطوَّلة ينفرد بها.
وهو ابن خال الحافظ أبو الفضل ابن خيرون، ورفيقه في الطلب.
__________
(1) التقييد (1 / 273) .
(2) السير (17 / 415) .
(3) البداية والنهاية (12 / 39) .
(4) انظر ترجمته في المنتظم لابن الجوزي (9 / 98) ، والأنساب للسمعاني (11 / 66 - 67) ، والتقييد لابن نقطة (1 / 142 - 143) ، وسير أعلام النبلاء (19 / 144 - 145) ، والعبر (3 / 324) ، وتذكرة الحفاظ (4 / 1227) ، والوافي بالوفيات (6 / 306) ، وشذرات الذهب (3 / 392) ...(المقدمة/149)
روى عنه عبد الوهاب الأنْماطي، وأبو علي الصَّدَفي، وابن ناصر، وآخرون، وأجاز للحافظ السِّلْفي.
قال ابن الجوزي: (كان ثقة ضابطاً، وكان جميل الخصال، مقبلاً على ما يعنيه، زاهداً في الدنيا، حدث عنه عبد الوهاب الأنماطي وغيره من أشياخنا. قال شيخنا عبد الوهاب: كان يتشاغل يوم الجمعة بالتعبد، ويقول: لأصحاب الحديث من السبت إلى الخميس، ويوم الجمعة أنا بحكم نفسي؛ للتبكير إلى الصلاة وقراءة القرآن، وما قرئ عليه في الجامع حديث قط. قال (1) : ولما قَدِمَ نظام المُلْك إلى بغداد، أراد أن يسمع من شيوخها، فكتبوا له أسماء الشيوخ، وكتبوا في جماعتهم اسم أبي طاهر، وسألوه أن يحضر داره، فامتنع، فأَلَحُّوا، فلم يجب، قال (2) : أبو الفضل ابن خَيْرون قرابتي، وما أنفرد أنا بشيء عنه، ما سمعته قد سمعه، وهو [في الأصل: وأنا] في خزانة الخليفة، فما يمتنع عليكم، فأما أنا، فلا أحضر) (3) .
وقال السمعاني: (كان شيخاً عفيفاً زاهداً منقطعاً إلى الله، ثقة فهماً، لا يظهر إلا يوم الجمعة. سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان أبو طاهر الباقلاني أكثر معرفة من أبي الفضل ابن خَيْرون، وكان زاهداً، حَسَنَ الطريقة، ما حدَّث في الجامع، وكان يقول لنا: أنا بِحُكْمِكُم إلا يوم الجمعة، فإنه للتبكير والتلاوة. وكتبوا أسماء شيوخ بغداد لنظام المُلْك، وألَحُّوا على أبي طاهر، فما أجاب إلى المجيء إليه) (4) .
__________
(1) أي عبد الوهاب الأنماطي.
(2) أي أبو طاهر الكَرَجي.
(3) المنتظم (9 / 98) .
(4) سير أعلام النبلاء (19 / 144) ...(المقدمة/150)
وقال ابن نقطة: (حدَّث عن أبي علي ابن شاذان بسنن سعيد بن منصور، سمعه منه، وحدَّث به عنه عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي ... ) ، ثم نقل عن شجاع الذهلي أنه قال: (هو شيخ صالح، جميل الأمر، سمعنا منه شيئاً صالحاً من حديثه، وكان ثقة) (1) .
ولما ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء قال: (الشيخ الإمام، المحدِّث الحجَّة) (2) .
وفي تذكرة الحفاظ وصفه بقوله: (المحدِّث المسنِد) (3) .
وقال في العبر: (تفرَّد بسنن سعيد بن منصور عن أبي علي ابن شاذان، وكان صالحاً زاهداً، منقبضاً عن الناس، ثقة حجَّة، حسن السيرة) (4) .
وقال الصَّفَدي: (سمع كتباً كباراً وانفرد بها، منها سعيد بن منصور، تفرَّد به عن ابن شاذان ... ، وعمل تأريخاً بدأ فيه من الهجرة، نقل منه ابن النجار كثيراً) (5) .
وكانت وفاة أبي طاهر ليلة الاثنين، الرابع من ربيع الآخر، سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ودفن بمقبرة باب حرب.
والراوي عن أبي طاهر الباقِلاني اثنان، أحدهما: عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ أحمد بن الحسن بن بُنْدار، أبو البركات، الأنْمَاطي، البغدادي، الحافظ (6) .
__________
(1) التقييد (1 / 142) .
(2) سير أعلام النبلاء أيضاً (19 / 144) .
(3) تذكرة الحفاظ (4 / 1227) .
(4) العبر في خبر من غبر (3 / 324) .
(5) الوافي بالوفيات (6 / 306) .
(6) انظر ترجمته في مشيخة ابن الجوزي (ص 85 - 86) ، والمنتظم (10 / 108 - 109) ، =..(المقدمة/151)
ولد في يوم الجمعة الثاني من رجب سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
وسمع من أبي محمد الصَّرِيفيني، وأبي الحسين ابن النَّقُّور، وأبي القاسم ابن البُسْري، وأبي نصر الزينبي، وغيرهم.
حدَّث عنه أبو الفرج ابن الجوزي، والسِّلَفي، وابن ناصر، وابن عساكر، والسمعاني، وأبو موسى المديني، وغيرهم.
قال ابن الجوزي: (كان ذا دين وورع، وكان قد نصب نفسه للحديث طول النهار، وسمع الكثير من خلق كثير، وكتب بيده الكثير، وكان صحيح السماع، ثقة ثبتاً، وكنت أقرأ عليه الحديث وهو يبكي، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته، وكان على طريقة السلف، وانتفعت به ما لم أنتفع بغيره. ودخلت عليه وقد بلي وذهب لحمه، فقال لي: إن الله لا يتهم في قضائه) .
وقال أيضاً: (وما عرفنا من مشايخنا أكثر سماعاً منه، ولا أكثر كتابة للحديث، ولا أصبر على الإقراء، ولا أحسن بشراً ولقاءً، ولا أسرع دمعة، ولا أكثر بكاء.
ولقد كنت أقرأ عليه الحديث في زمان الصِّبا، ولم أذُق بعدُ طعم العلم، فكان يبكي بكاء متصلاً وكان ذلك البكاء يعمل في قلبي، وأقول: ما يَبْكي هذا هكذا إلا لأمر عظيم. فاستفدت ببكائه ما لم استفد بروايته.
__________
= وصفة الصفوة (2 / 498 - 499) ، ومناقب الإمام أحمد (ص 638) جميعها لابن الجوزي، وذيل تاريخ بغداد (1 / 380 - 384) ، والتقييد لابن نقطة (2 / 140 - 141) ، وسير أعلام النبلاء (20 / 134 - 137) ، وتذكرة الحفاظ (4 / 1282 - 1284) ...(المقدمة/152)
وكان مجلسه منزَّهاً عن غيبة الناس، وكان رضي الله عنه على طريقة السلف، وكنا ننتظره يوم الجمعة ليأتي من داره بنهر القلائين إلى جامع المنصور، فلا يأتي على قنطرة باب البصرة، وإنما يمرُّ على القنطرة العتيقة، فسألته عن سبب هذا، فقال: كانت تلك دار ابن معروف القاضي، فلما قُبض عليه، بنيت قنطرة) (1) .
وقال أيضاً: (وكانت فيه خلة أخرى عجيبة: لا يغتاب أحداً، ولا يُغْتابُ عنده. وكان صبوراً على القراءة عليه، يقعد طول النهار لمن يطلب العلم. وكان سهلاً في إعارة الأجزاء لا يتوقف. ولم يكن يأخذ أجراً على العلم، ويعيب من يفعل ذلك، ويقول: عَلِّم مجاناً كما عُلِّمتَ مجاناً) (2) .
وقال ابن النجار: (سمع وقرأ وكتب الكثير، وحصّل العالي والنازل، ولم يزل يُسمع ويُفيد الناس إلى آخر عمره. وحدَّث بأكثر مروياته، وكتب عنه الكبار، ورووا عنه. وكان موصوفاً بالحفظ والمعرفة، وحسن الطريقة والديانة، والعفّة والنزاهة، والثقة والصدق والأمانة) (3) .
وقال ابن ناصر: (كان عبد الوهاب الأنماطي بقيَّة الشيوخ، سمع الكثير، وحدَّث، وكان يفهم، وكان صحيح السماع بعد، مضى مستوراً ولم يتزوج) (4) .
وقال أبو سعد ابن السمعاني: (عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي
__________
(1) صفة الصفوة (2 / 498 - 499) .
(2) ذيل طبقات الحنابلة (1 / 203) .
(3) ذيل تاريخ بغداد (1 / 380) .
(4) المرجع السابق (1 / 383 - 384) ...(المقدمة/153)
حافظ متقن، كثير السماع، واسع الرواية، دائم البشر، سريع الدمعة عند الذكر، حسن المعاشرة، مليح المحاورة، جمع الفوائد، وخرَّج التخاريج، صاحب أصول حسنة، ما بقي من العالي والنازل جزء إلا قرأه، وحصَّل نسخته، إما بخطِّه، أو خطِّ غيره، ونسخ الكتب الكبار بخطه، مثل الطبقات، وتاريخ الخطيب، وكان متفرغاً، مستعدّاً للتحديث، إما أن يُقرأ عليه، أو ينسخ شيئاً، وكان لا يجوز الإجازة على الإجازة، وجمع فيه شيئاً، قرأت عليه الكثير) (1) .
وقال السِّلَفي: (كان عبد الوهاب رفيقاً حافظاً ثقة، لديه معرفة جيدة) (2) .
وقال أبو موسى المديني في معجمه: (هو حافظ عصره ببغداد) (3) .
وقال ابن نقطة: (حدَّث بكتاب السنن لسعيد بن منصور عن أبي طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَاقِلَانِيُّ) (4) .
ولما ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء قال: (الشيخ الإمام، الحافظ المفيد، الثقة المسنِد، بقيَّة السلف) (5) .
وفي تذكرة الحفاظ قال: (الحافظ العالم، محدِّث بغداد ... ، وكتب الكتب، وسمع العالي والنازل حتى انزف على ابن الطيوري جميع ما عنده) (6) .
وكانت وفاة عبد الوهاب يوم الخميس الثاني والعشرين من
__________
(1) المرجع السابق أيضاً (1 / 383 - 384) .
(2، 3) ذيل طبقات الحنابلة (1 / 202) .
(4) التقييد لابن نقطة (2 / 140 - 141) .
(5) سير أعلام النبلاء (20 / 134) .
(6) تذكرة الحفاظ (4 / 1282) .(المقدمة/154)
المحرم سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، ودفن من الغد في مقابر الشونيزي.
والراوي الآخر عن أبي طاهر الباقِلاَّني هو: الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ محمد بن منصور، أبو غالب القَزَّاز.
ولم أجد راوياً بهذا الاسم، ولا يضرّ ذلك؛ لأنه متابع لعبد الوهاب الأنماطي، فالعمدة على رواية عبد الوهاب.
وقد يكون في اسم هذا الراوي تصحيف، فيكون إما: أبا غالب محمد بن عبد الواحد بن الحسن بن مَنَازِل الشيباني، القَزَّاز، المعروف بابن زُرَيق (1) .
قال ابن الجوزي: (كان ثقة، توفي ليلة الخميس خامس شوال) - يعني من سنة سبع وخمسمائة-.
وقال السمعاني: (محدِّث مشهور) .
أو يكون ابنه: أبا منصور عبد الرحمن بن أبي غالب محمد بن عبد الواحد بن الحسن بن مَنَازِل الشيباني، القَزَّاز، البغدادي، راوي تاريخ بغداد للخطيب (2) .
قال ابن الجوزي: (كان من أولاد المحدِّثين، سمَّعه أبوه وعمُّه الكثير، وكان صحيح السماع ... ، وكان ساكناً قليل الكلام، خَيِّراً سليماً صبوراً على العزلة، حسن الأخلاق) (3) .
وقال السمعاني: (شيخ ثقة صالح) (4) .
__________
(1) المترجم في المنتظم (9 / 179 رقم 294) ، والأنساب للسمعاني (10 / 407) .
(2) المترجم في المنتظم (10 / 90 رقم119) ، والأنساب (6 / 293) ، (10 / 407) ، وسير أعلام النبلاء (20 / 69 - 70) .
(3) المنتظم (10 / 90) .
(4) الأنساب (10 / 407) .(المقدمة/155)
وقال الذهبي: (الشيخ الجليل الثقة، أبو منصور عبد الرحمن بن المحدِّث أبي غالب ... ، كان شيخاً صالحاً متودِّداً، سليم القلب، حسن الأخلاق، صبوراً، مشتغلاً بما يعنيه) (1) .
وكانت وفاته في رابع عشر شوال، سنة خمس وثلاثين وخمسمائة.
ومع صحة إسناد الكتاب، فإنه يزداد توثيقاً بكثرة من رواه.
ومن خلال ما تقدم في ذكر من روى الكتاب بسنده عن مؤلِّفه سعيد بن منصور، يتضح أن الكتاب روي عنه من أربعة طرق:
طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، وطريق أبي الفضل أحمد بن نجدة بن العريان، وطريق مسعدة بن سعد بن مسعدة، وطريق أبي عبد الله محمد بن رزيق بن جامع المديني.
1- أما مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، فيرويه عنه اثنان هما:
دعلج بن أحمد السِّجْزي، إبراهيم بن أحمد بن فراس.
أ- أما دعلج، فالراوي عنه هو أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بن إبراهيم بن شاذان. ويرويه عن ابن شاذان اثنان هما:
أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الباقِلاّني الكَرَجي، وأبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون.
وأبو طاهر الكَرَجي هو الذي رويت من طريقه هذه النسخة الخطيَّة، رواها عنه: أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ المبارك الأنماطي، وأبو غَالِبٍ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ القَزَّاز، وعنهما يروي صاحب النسخة.
ومن طريق عبد الوهاب الأنماطي تُرْوَى النسخة التي اعتمدها
__________
(1) سير أعلام النبلاء (20 / 69) .(المقدمة/156)
الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في الجزء الذي أخرجه من السنن (1) ، وهو نفس الطريق الذي يروي ابن نقطة به السنن كما تقدم.
فهذا بالنسبة لطريق أبي طاهر الكَرَجي، عن ابن شاذان.
وأما طريق أبي الفضل ابن خيرون عن ابن شاذان، فلها عن أبي الفضل ابن خيرون ثلاث طرق:
طريق أبي الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الأنماطي، وطريق أبي علي حسين بن محمد الغَسَّاني، وطريق أبي الحكم عبد الرحمن بن عبد الملك بن غشليان الأنصاري.
أما طريق أبي الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ الأنماطي، فهي التي يروي السنن من طريقها الحافظ ابن حجر كما تقدم.
ومن طريق ابن حجر يرويها الرُّوداني في صلة الخلف، وسعيد بن سنبل في الأوائل السنبلية كما تقدم.
وأما طريق أبي علي الغسَّاني، فيروي السنن من طريقها ابن خير الإِشبيلي في فهرسة ما رواه عن شيوخه كما تقدم.
وكذا أيضاً طريق أبي الحكم الأنصاري، لكن بالإجازة.
وليست رواية السنن عن دعلج مقصورة على ابن شاذان، بل هناك من يروي أحاديث من السنن من غير طريقه.
فالبيهقي يروي كثيراً من طريق شيخه أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، أنبأ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، ثنا سعيد بن منصور (2) .
__________
(1) ويبتدئ هذا الجزء بكتاب الفرائض، وينتهي بنهاية كتاب الجهاد، وإسناده هو نفس إسناد النسخة الخطية التي عثرت عليها لهذا الجزء، ليس فيه ذكر لأبي غالب القَزَّاز.
(2) انظر سنن البيهقي (5 / 87) .(المقدمة/157)
والخطيب البغدادي يروي من طريق شيخيه: ابن الفضل ومحمد بن الحسين القطان، كلاهما عن دعلج، عن الصائغ، عن سعيد بن منصور (1) .
ب- وأما إبراهيم بن أحمد بن فراس، فيروي السنن عنه ثلاثة، وهم: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن مفرج، وأبي محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد المؤمن، وأبو محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أسد الجهني.
أما ابن مفرج فهو الذي يروي السنن من طريقه ابن خير الإِشبيلي في فهرسه، وابن دحية الكلبي في العَلَم المشهور كما تقدم.
وأما ابن عبد المؤمن وابن أسد، فيروي السنن عنهما الحافظ أبو عمر ابن عبد البر، ومن طريق ابن عبد البر يرويها ابن خير الإِشبيلي أيضاً.
وليست رواية السنن عن الصائغ مقصورة على دعلج وابن فراس، بل هناك من يروي السنن من غير طريقهما؛ كالخَطَّابي، فإنه كثيراً ما يروي أحاديث من السنن من طريق محمد بن المكّي، عن مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، عن سعيد بن منصور (2) .
فهذا بالنسبة لرواية الصائغ للسنن عن سعيد بن منصور.
2- وأما أبو الفضل أحمد بن نجدة بن العريان، فيروي السنن عنه اثنان هما: أحمد بن عبد الله المزني، وأبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه.
أ- أما المزني، فهو الذي روى السنن من طريقه الثعلبي في الكشف
__________
(1) انظر الفقيه والمتفقه (2 / 201) ، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2 / 194، 196) .
(2) انظر غريب الحديث للخطابي (1 / 79) .(المقدمة/158)
والبيان كما تقدم.
ب- وأما ابن خميرويه، فيروي السنن عنه اثنان هما:
أبو ذرّ عبد بن أحمد الهروي، وأبو سعيد بن أبي محمد الفامي.
ويروي السنن من طريق أبي ذر ابن خير الإِشبيلي في فهرسه كما سبق.
ويروي أبو طاهر السِّلَفي أحاديث من السنن لسعيد من طريق أبي ذر بهذا الإسناد في كتابه الوجيز في ذكر المُجَاز والمُجِيز (1) .
وأما أبو سعيد الفامي، فهو الذي يروي السنن من طريقه السمعاني في التحبير كما تقدم.
وليست رواية السنن عن أحمد بن نجدة مقصورة على المزني وابن خميرويه، فالبيهقي يروي كثيراً جداً أحاديث من السنن من طريق أبي منصور النَّضْروي، عن أحمد بن نجدة (2) .
والواحدي يروي أحاديث من السنن من طريق العباس بن الفضل بن زكريا، عن أحمد بن نجدة (3) .
3- وأما مَسْعَدَةُ بن سعد بن مسعدة، فيروي السنن من طريقه ابن خير الإِشبيلي في فهرسه كما تقدم.
4- وأما أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ رزيق بن جامع المديني، فهو الذي يروي
__________
(1) انظر الوجيز (ص 126 - 127) .
(2) انظر سنن البيهقي (10 / 139) .
(3) انظر أسباب النزول للواحدي (ص 54) .(المقدمة/159)
السنن من طريقه أبو عبد الله محمد الأمير في كتابه سدّ الأرب كما تقدم.
وتتضح هذه الطرق بتمامها بالرسم الآتي لشجرة الأسانيد:(المقدمة/160)
(شجرة إسناد الطريق الأولى لرواة السنن عن سعيد بن منصور)
__________
- سعيد بن منصور -> مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ -> [أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن فراس، دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ السِّجْزي]
ـ[أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن فراس]ـ
1- أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن يحيى بن مفرج ->
• أبو عمر أحمد بن محمد -> أبو عبد الله أحمد بن محمد الخولاني -> أبو الحسن علي بن الحسين -> ابن دحية الكلبي في العلم المشهور (ص 162)
• أبو علي حسين ابن الغساني ->
•• أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر
•• [أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر، أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز]-> ابن خير الإشبيلي في فهرسه (ص 135- 136)
2- أبو محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد المؤمن -> أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر
3- أبو محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أسد الجهني -> أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر
ـ[دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ السِّجْزي -> أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بن شاذان]ـ
1- أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الباقلاني الكرجي -> [أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ المبارك الأنماطي، أبو غَالِبٍ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ القزاز]->
• عبد العزيز بن محمود بن الأخضر -> ابن نقطة في التقييد (1 / 83)
• سند المخطوطة التي اعتمدها الشيخ الأعظمي في الجزء الذي أخرجه من السنن (1/1)
• سند المخطوطة
2- أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون ->
• أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ المبارك الأنماطي -> مسعود بن عبد الله بن النادر -> أحمد بن عبد الدائم (جدّه) -> محمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم -> أبو محمد عمر بن محمد البالسي -> الحافظ ابن حجر في المعجم (ل 14 / ب) وفي تغليق التعليق (5 / 454 - 455) .
• أبو علي حسين بن محمد الغساني -> [أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر، أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز]-> ابن خير الإشبيلي في فهرسه (ص 136)
• أبو الحكم عبد الرحمن الأنصاري (إجازة) -> ابن خير الإشبيلي في فهرسه (ص 136) إجازة(المقدمة/161)
(شجرة إسناد الطريق الثانية لرواة السنن عن سعيد بن منصور) .
__________
- سعيد بن منصور -> أبو الفضل أحمد بن نجدة بن العُريان الهروي ->
1- أحمد بن عبد الله المزني -> عبد الله بن حامد -> الثعلبي في تفسيره المسمَّى: الكشف والبيان (1/ ل 9)
2- أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه ->
• أبو سعيد بن أبي محمد الفامي -> أبو العلاء صاعد بن سيار القاضي (جدُّهما) ->
[أبو القاسم الفضل بن يحيى بن صاعد بن سيار، أبو الفتح نصر بن سيار بن صاعد بن سيار]-> السمعاني في التحبير (2/ 21-22، 343- 345) .
• أبو ذرّ عبد بن أحمد الهروي -> [أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري، أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي]-> أبو الحسن علي بن عبد الله بن موهب -> ابن خير الإِشبيلي في فهرسة ما رواه عن شيوخه (ص 271) .(المقدمة/162)
(شجرة إسناد الطريق الثالثة لرواة السنن عن سعيد بن منصور) .
__________
• سعيد بن منصور ->
• مسعدة بن سعد بن مسعدة ->
• أبو يحيى محمد بن عبد الرحمن المقرئ ->
• [أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن يحيى بن مفرج، (أبو محمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد المؤمن ->
أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر) ]->
• أبو علي حسين بن محمد الغَسَّاني ->
• [أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر، أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز]->
ابن خير الإشبيلي في فهرسة ما رواه عن شيوخه (ص 135 - 136)(المقدمة/163)
(شجرة إسناد الطريق الرابعة لرواة السنن عن سعيد بن منصور) .
__________
• سعيد بن منصور ->
• أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ رزيق بن جامع المديني ->
• الحسن بن رشيق العسكري المعدّل ->
• أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن ->
• أبو الغنائم محمد بن محمد البصري المقرئ ->
• أبو الحسن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق ->
• أبو طاهر السِّلَفي ->
• ومن طريق السلفي يرويه أبو عبد الله الأمير في كتابه سدّ الأرب (ص 120 - 121)(المقدمة/164)
3- موضوع الكتاب: -
صنَّف سعيد بن منصور كتابه هذا ليشمل معظم أبواب الدين، مع الاهتمام بما يتعلق بالفقه والأحكام والاختلاف فيها، وإبراز هذا الاختلاف، وهذا الذي دعاه للاهتمام بأقوال الصحابة والتابعين وفتاويهم. وإليك أقوال العلماء التي يتحدد من خلالها موضوع الكتاب:
يقول أبو محمد ابن حزم رحمه الله- وهو يذكر مصنَّفات بَقِيّ بن مَخْلَد-: ((ومنها مصنَّفه في فتاوى الصحابة والتابعين ومن دونهم، الذي أربى فيه على مصنَّف أبي بكر بن أبي شيبة، ومصنَّف عبد الرزاق، ومصنَّف سعيد بن منصور، وغيرها، وانتظم علماً عظيماً لم يقع في شيء من هذه)) (1) .
ويقول الخطيب البغدادي في ترجمة سعيد بن منصور: ((وله كتاب في السنن والأحكام كبير، وحديثه كثير مشهور)) (2) .
ومن الكتب التي وَرَدَ بها الخطيب البغدادي دمشق مما له حق روايته: منتخب كتب سعيد بن منصور في الأحكام (3) .
__________
(1) نفح الطيب (2 / 519) ، (2 / 168 - 169) ، وسير أعلام النبلاء (3 / 291) .
(2) المتفق والمفترق (ل 110 / أ) .
(3) جزء فيه تسمية ما ورد به الخطيب البغدادي دمشق من الكتب من روايته، أورد هذا =(المقدمة/165)
ولما ذكر الخطيب في كتابه الجامع أحق الكتب بالتقديم، قال: ((ثم الكتب المصنَّفة في الأحكام، الجامعة للمسانيد وغير المسانيد، مثل كتب ابن جريج، وسعيد بن أبي عروبة ... ، وسعيد بن منصور)) (1) .
ويقول ابن نقطة في ترجمة سعيد: ((صنَّف كتاب السنن، وجمع فيها من أقوال الصحابة والتابعين وفتاويهم ما لم يجمعه غيره)) (2) .
ويقول ابن دحية الكلبي: ((هذا المصنَّف الذي صنَّفه سعيد بن منصور، هو أربعة وعشرون جزءاً على الفقه والاختلاف)) (3) .
4- منهج المؤلِّف في كتاب السنن:-
سيكون الكلام على منهج المؤلِّف في كتاب السنن شاملاً للمباحث الآتية: ترتيب الكتاب، ومصادره، وطريقته في الرواية، وسياق الأسانيد والمتون، وتراجمه للأبواب، ودلالتها على فقهه واستنباطه، وأنواع المرويات عنده، ودرجة أحاديث الكتاب، ومقارنته بطريقة علماء عصره.
أ- ترتيب الكتاب:-
إن الحديث عن ترتيب سعيد بن منصور لكتابه السنن سيكون قاصراً بسبب فقد النصف الأول من الكتاب- وهو المهم؛ لأنه يشمل معظم الأحكام-. ولذا سيكون عمدتنا في الكلام عن ترتيب الكتاب ما نجده من أقوال لبعض العلماء، مضافاً لما لدينا من الموجود من كتاب السنن.
__________
= الجزء الدكتور محمود الطحان في كتابه: ((الحافظ الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث)) (ص 282 - 301) .
(1) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2 / 186) .
(2) التقييد لابن نقطة (2 / 17) .
(3) العلم المشهور (ص 162) .(المقدمة/166)
والكتاب مقسَّم إلى أجزاء، إلا أنه اختلف في هذه التجزئة.
فابن خير الإشبيلي يقول: ((وهذا المصنَّف من رفيع الكتب، وهو اثنان وعشرون جزءاً)) (1) .
وابن دحية الكلبي يقول: ((وهذا المصنَّف الذي صنَّفه سعيد بن منصور هو أربعة وعشرون جزءاً)) (2) .
وهذا الاختلاف في التجزئة- في نظري- يحتمل ثلاثة أمور:
1- فإما أن تكون رواية ابن خير للسنن ناقصة، ورواية ابن دحية أتمّ منها، وقد أشار ابن خير قبل هذا إلى نقص بعض الروايات التي أكملها بروايات أخرى (3) ، ولذا فهذا الاحتمال ضعيف.
2- أو تكون تجزئة نسخة ابن خير تختلف عن تجزئة نسخة ابن دحية.
3- أو يكون ابن خير قصد جميع السنن، ما عدا كتاب الزهد، فإنه اعتبره كتاباً مستقلاً، بينما أدخله ابن دحية ضمن السنن.
وهذا أقوى الاحتمالات عندي؛ بدليل أن ابن خير ذكر في موضع أنه يروي مصنَّف سعيد بأسانيد ذكرها، ثم ذكر في موضع آخر أنه يروي كتاب الزهد لسعيد بن منصور بإسناد آخر (4) .
وأول ما ابتدأ به المصنِّف سننه (5) : باب الأذان، وأول حديث فيه قوله: حدثنا هشيم بن بشير، قَالَ نا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرحمن، قال: أخبرنا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - اهتمّ للصلاة ... ، ثم ذكر الحديث في رؤيا عبد الله بن زيد للأذان.
__________
(1) فهرسة ما رواه عن شيوخه لابن خير الإشبيلي (ص 136) .
(2) العلم المشهور لابن دحية الكلبي (ص 162) .
(3، 4) انظر ما تقدم (ص 141 - 141) .
(5) كما في الأوائل السنبلية (ص 15) ، والأربعين العجلونية (ص 352 / الفضل المبين) .(المقدمة/167)
ثم يتلو ذلك عدة كتب، منها كتاب الوضوء، والصلاة، والجنائز، والزكاة، وصلاة العيدين، وصدقة الفطر، والصيام، والاعتكاف، والمناسك، والجهاد، والفرائض، والأشربة، واللقطة، والصيد، والذبائح، والضحايا، والعقيقة، والحدود، والأدب، والجامع.
ذكر هذه الكتب بهذا الترتيب ابن خير الإشبيلي (1) . وفي ظني أن ترتيبه للكتب من كتاب الوضوء إلى كتاب المناسك يتفق مع ترتيب الكتاب، وأما ما بعد ذلك فلا؛ لأنه قدم كتاب الجهاد على كتاب الفرائض، والعكس هو الصحيح، فكتاب الفرائض يتقدم كتاب الجهاد، بل بينهما كتاب الوصايا، وكتاب النكاح، وكتاب الطلاق (2) ، ومع ذلك فكتاب الجهاد وكتاب الفرائض متأخران عن كتاب الأشربة واللقطة وما بعدهما من الكتب التي ذكرها ابن خير (3) .
وكتاب المناسك يقع في الجزء الثالث والرابع.
ومن أبواب كتاب المناسك الواقعة في الجزء الثالث: باب الرخصة للرعاء في ترك يوم ورمي يوم.
ومن أبوابه الواقعة في الجزء الرابع: باب المحصر بعمرة.
ومن أبواب كتاب الحدود: باب إقامة الحد في المسجد (4) .
وجميع هذه الكتب المذكورة تقع في الجزء المفقود من السنن عدا كتاب الجهاد وكتاب الفرائض، فإنهما من ضمن المطبوع من السنن بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، وهو يبدأ بكتاب
__________
(1) كما سبق نقله عنه (ص 140 - 141) .
(2) انظر المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (1 / 1، 84، 121، 256) ، (2 / 124) .
(3) لأن كتاب الأشربة واللقطة وما بعدهما ضمن القسم الأول الذي لا يزال مفقوداً.
(4) ذكر هذه الأبواب ابن خير أيضاً كما سبق نقله عنه (ص 140 - 141) .(المقدمة/168)
الفرائض، ثم الوصايا، ثم النكاح، ثم الطلاق، ثم الجهاد، وهو آخر المطبوع. ويليه هذا القسم المحقق الذي يبدأ بكتاب فضائل القرآن، ثم كتاب التفسير مرتباً حسب ترتيب السور والآيات أيضاً، عدا مواضع يسيرة من الآيات فقط نبّهت عليها في مواضعها (1) ، وهكذا حتى نهاية كتاب التفسير، إلا أن الذي حققت منه ينتهي إلى نهاية سورة المائدة، والباقي لا يزال مخطوطاً.
ثم يلي كتاب التفسير كتاب الزهد، وهو آخر كتب السنن.
ويلاحظ أن اسم الكتاب قد لا يرد إلا في نهايته، وبدايته تكون ببعض أبوابه.
فسعيد بن منصور ابتدأ كتابه بقوله: ((باب الأذان)) (2) ، ولم يقل: كتاب الأذان، أو كتاب الصلاة، باب الأذان.
والمطبوع بتحقيق الأعظمي يبدأ بكتاب الفرائض، إلا أن تسميته بكتاب الفرائض لم ترد إلا في نهايته حيث قال: ((آخر كتاب الفرائض)) (3) ، وأما بدايته فهي: (( ... أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصائغ، قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: باب الحث على تعليم الفرائض)) (4) .
وكذا كتاب النكاح لم ترد تسميته إلا في آخره (5) ، وأما أوله فهو: (( ... أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ علي بن زيد الصائغ، أن سعيد
__________
(1) انظر الصفحات الآتية من الرسالة رقم: 772، 1063، 1065، 1066، 1073، 1074 - 1075، 1076، 1084 - 1085، 1088، 1089، 1268، 1270، 1285، 1371، 1401، 1660.
(2) انظر ما تقدم (ص 169) .
(3) المطبوع من سنن سعيد بن منصور بتحقيق الأعظمي (1 / 84) .
(4) المرجع السابق (1 / 1) .
(5) السابق أيضاً (1 / 255) .(المقدمة/169)
ابن منصور حدثهم قال: باب الترغيب في النكاح)) (1) .
وكذا كتاب التفسير وكتاب الزهد.
أما التفسير، فجاءت تسميته في آخره هكذا: ((آخر كتاب التفسير)) (2) ، وأما أوّله فجاء فيه: ((باب تفسير فاتحة الكتاب)) (3) ، وقبله: ((فضائل القرآن)) (4) ، ولم يقل: كتاب، أو: باب، فلست أدري، هل هو تابع للتفسير، أو كتاب مستقلّ؟.
وأما الزهد فجاء بعد كتاب التفسير ما نصّه: ((بسم الله الرحمن الرحيم. باب مداراة الرجل نفسه لما بعد الموت)) (5) ، وفي آخره ما نصه: ((آخر كتاب السنن)) (6) ، ولم يُسَمِّه، إلا أن مباحثه تدل بوضوح على أنه كتاب الزهد، فأول باب فيه: باب مداراة الرجل نفسه لما بعد الموت، ثم: باب ترك ما يشغل عن الآخرة، ثم: باب التواضع والنهي عن الفرح بالدنيا (7) ، ثم: باب محاسبة الرجل نفسه، ثم: باب ما يستحب من قلّة الطعام والرغبة ... ، وهكذا إلى أن ختم الكتاب بباب: ما جاء في زهرة الدنيا (8) .
وفي هذا دلالة قوية على أن التفسير والزهد من السنن، وليسا كتابين مستقلين.
ويؤيد هذا ما سيأتي نقله في تخريج الحديثين رقم [347، 492] عن الحافظين ابن كثير وابن حجر أنهما عزوا أحاديث من التفسير للسنن.
__________
(1) المرجع السابق أيضاً (1 / 121) .
(2) النسخة الخَطِّيَّة للسنن (ل 191 / أ) .
(3) انظر (ص 505) من هذه الرسالة.
(4) انظر (ص 7) من هذه الرسالة.
(5) النسخة الخطية للسنن أيضاً (ل 191 / أ) .
(6) المرجع السابق (ل 236 / أ) .
(7) في الأصل هكذا: ((باب التواضع والنهي عن ترك الفرح بالدنيا)) .
(8) المرجع السابق (ل 233 / أ) .(المقدمة/170)
وفي كنز العمال (1) عزا حديثاً من كتاب الزهد للسنن، وهو حديث بشر بن عقربة الجهني الآتي ذكره (2) .
وقد يُسَمي الكتاب في أوّله كما في كتاب الوصايا (3) ، وكتاب الطلاق (4) ، وكتاب الجهاد (5) .
وجرت عادة المصنف أن يقسم الكتاب إلى أبواب، عدا كتاب فضائل القرآن، فإنه سرد جميع مباحثه سرداً بلا تبويب.
ب- مصادر المؤلِّف في كتاب السنن:-
روى المصنِّف سعيد بن منصور في كتابه: ((السنن)) ، من طريق بعض المصنِّفين أحاديث نجدها في مصنَّفاتهم التي يمكن أن تعتبر من مصادره في كتابه هذا. فمن ذلك:
o تفسير مجاهد: وهو من رواية عبد الله بن أبي نجيح عنه، وسيأتي الكلام عن هذه الرواية في الحديث رقم [184] .
وقد طبع هذا التفسير بتحقيق عبد الرحمن السورتي (6) .
وقد روى المصنِّف كثيراً من أحاديث هذا التفسير وبيّنت مواضعها في التخريج، منها: الحديث رقم [184، 211، 218، 243، 244، 282، 286، 291، 332، 336، 382، 462، 567، 707] .
o تفسير سفيان الثوري: وهو من رواية أبي حذيفة النهدي عنه.
وقد طبع هذا التفسير (7) .
وقد روى المصنف بعض الأحاديث من هذا التفسير بينت مواضعها
__________
(1) (3 / 483 رقم 7532) .
(2) انظر (ص 219 / ق) .
(3) المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (1 / 84) .
(4) المرجع السابق (1 / 256) .
(5) السابق أيضاً (2 / 124) .
(6، 7) انظر قائمة المراجع في آخر هذه الرسالة.(المقدمة/171)
في التخريج، منها: الحديث رقم [456] .
o تفسير مسلم بن خالد الزَّنْجي: جمعه أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي، الرَّمْلي، الشافعي، الزاهد.
وقد طبع هذا التفسير مع تفاسير أخرى بتحقيق الدكتور حكمت بشير ياسين (1) .
وقد روى المصنف الحديث الآتي برقم [510] من أحاديث هذا التفسير.
o الزهد لعبد الله بن المبارك: وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي (2) .
وروى المصنف من طريقه الحديث الآتي برقم [230] .
o الجهاد لعبد الله بن المبارك: وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق الدكتور نزيه حماد (3) .
وروى المصنِّف من طريقه الحديث الآتي برقم [414] .
o تفسير سفيان بن عيينة: وهو في عداد المفقود الآن، وقد قام أحمد بن صالح محايري بجمع روايات سفيان بن عيينة من كتب التفسير في كتاب سمّاه: تفسير سفيان بن عيينة (4) .
وسفيان بن عيينة من شيوخ المصنِّف الذين أكثر عنهم جداً كما سبق بيانه (5) ، ونجده يروي في سننه أحاديث من طريقه عزاها بعض العلماء لتفسير سفيان بن عيينة، منها: الحديث رقم [179، 181، 184، 218، 227، 243، 244، 260، 285، 300، 336، 338، 339، 347، 348، 349، 350، 382، 466] .
__________
(1، 2، 3) وانظر قائمة المراجع في آخر هذه الرسالة.
(4) وقد طبع الكتاب بالمكتب الإسلامي ببيروت عام 1403هـ.
(5) (ص 79 / ق - 81 / ق) .(المقدمة/172)
o مصنَّفات سعيد بن أبي عروبة: يروي المصنِّف أحاديث أحياناً من طريق سعيد بن أبي عروبة الذي هو من أوَّل من صنَّف بالبصرة، وله مصنفات كثيرة، منها: تفسير القرآن، والسنن، وغير ذلك (1) .
فمن هذه الأحاديث التي يرويها سعيد بن منصور من طريق سعيد بن أبي عروبة: الحديث رقم [810، 811، 813] .
o مصنَّفات هُشيم بن بشير: تقدم أن هشيم بن بشير أكثر الشيوخ الذين أخرج عنهم المصنِّف سعيد بن منصور، وهو أول من صنّف بواسط، وله مصنفات كثيرة، منها: السنن في الفقه، والتفسير، وغير ذلك (2) .
ومن الواضح أن هذه الأحاديث الكثيرة التي يرويها سعيد بن منصور عن شيخه هشيم سيكون- على الأقل- جزء منها من مصنفات شيخه، وبخاصة إذا اتَّحَدَ الموضوع كالتفسير.
وتقدم (3) أن عدد الأحاديث التي رواها سعيد عن شيخه هشيم بلغ تسعة وثلاثين ومائتي حديث، ويمكن مراجعة المواضع التي أخرج عنه فيها بواسطة فهرس شيوخ المصنِّف آخر هذه الرسالة.
جـ- طريقة المصنِّف في الرواية وسياق الأسانيد والمتون:-
ليس لسعيد بن منصور طريقة تميّزه عن غيره من المصنفين في عصره، فهو يسوق الإسناد، ثم يتبعه بالمتن، عدا ما يفعله أحياناً بدافع الاختصار مما يأتي بيانه مع أشياء أخرى تتعلق بالإسناد أو المتن.
فهو يعنى بصيغ التحمل والأداء التي تظهر فائدتها في المواطن التي يخاف فيها من التدليس.
ومن أمثلة ذلك: ما أخرجه البخاري في صحيحه (4) ، عن شيخه
__________
(1) انظر ما تقدم (ص 53 / ق) .
(2) انظر ما تقدم (ص 54 / ق) .
(3) (ص 78 / ق) .
(4) في كتاب الأذان، باب إتمام التكبير في السجود (2 / 271 رقم 787) .(المقدمة/173)
عمرو بن عون، قال: حدثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عكرمة، قال: رأيت رجلاً عند المقام يكبِّر في كل خفض ورفع، وإذا قام، وإذا وضع، فأخبرت ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: أوَليس تلك صلاة رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - لا أُمَّ لك؟.
فهذا الحديث في سنده هشيم، وهو مدلِّس، ولم يصرِّح بالسماع من شيخه أبي بشر، لكن قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1) : ((قوله: عن أبي بشر، صرَّح سعيد بن منصور عن هشيم بأن أبا بشر حدَّثه)) .
ونجده أحياناً يقرن روايات بعض شيوخه في سياق واحد، فيقول مثلاً نَا هُشَيْمٌ (2) ، وَخَالِدٌ (3) ، وَإِسْمَاعِيلُ (4) ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ (5) ، قَالَ (6) : إِذَا دُعِيَ لِيَشْهَدَ، وَإِذَا دعي ليقيمها، فكلاهما (7) .
ويقول أيضاً: نا سُفْيَانُ (8) وَأَبُو مُعَاوِيَةَ (9) ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: أُتي عَبْدُ اللَّهِ (10) بِمُصْحَفٍ قَدْ زُيِّن، فَقَالَ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا زُيِّن به المصحف تلاوته بالحق (11) .
وقد لا يقرن شيوخه بل يفصل رواياتهم، مثل قوله:
__________
(1) (2 / 271) .
(2) أي ابن بشير.
(3) أي ابن عبد الله الطحّان.
(4) أي ابن إبراهيم بن عليَّة.
(5) أي البصري.
(6) يعني في قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذا ما دعوا} .
(7) انظر الحديث الآتي برقم [463] .
(8) أي ابن عيينة.
(9) هو محمد بن خازم.
(10) أي ابن مسعود رضي الله عنه.
(11) الحديث رقم [164] .(المقدمة/174)
نا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبيد المُكْتِب، عَنْ مُجَاهِدٍ- فِي قوله: {وتقطعت بهم الأسباب} - قَالَ: الأوْصال الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ في الدنيا (1) .
نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عُبيد المُكْتب، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الوصْل الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ في الدنيا (2) .
وليس السبب في قرنه بعض الروايات وفصله لبعضها الآخر اتحاد اللفظ واختلافه؛ لأننا نجده يفصل بعض الروايات مع اتّحاد اللفظ، مثل قوله:
نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الجَنَفُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِضْرَارُ فِيهَا مِنَ الكبائر (3) .
نا خَالِدٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْجَنَفُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِضْرَارُ فِيهَا من الكبائر (4) .
نا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الجَنَف- أَوِ: الحَيْف- فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِضْرَارُ فِيهَا من الكبائر (5) .
بل إنك لتجده يصرِّح باتفاق اللفظ بقوله: ((مثله)) ، كالحديث الذي أخرجه من طريق شيخه هُشَيْمٌ، قَالَ: نا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اشتر المصاحف، ولا تبعها (6) .
ثم بعد ذلك قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عن ليث، عن مجاهد،
__________
(1) الحديث رقم [240] .
(2) الحديث رقم [241] .
(3) الحديث رقم [258] .
(4) الحديث رقم [259] .
(5) الحديث رقم [260] .
(6) الحديث رقم [119] .(المقدمة/175)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه مثله (1) .
وإذا قرن شيخين في رواية، وكان في لفظ أحدهما زيادة بَيَّنَ ذلك، كقوله: نَا أَبُو عَوَانَةَ وَهُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: مَنْ لَمْ يَصُمِ الثَّلَاثَةَ أَيَّامٍ الَّتِي فِي الْحَجِّ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ.
قَالَ أَبُو بِشْرٍ: فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ.
وَزَادَ هُشَيْمٌ: ويشتري شاة بثلاثة دراهم (2) .
وقد يذكر كلاماً في بعض رجال الإسناد أثناء الرواية، مثل قوله: نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ إِدْرِيسَ- وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ- قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ (3) : إِنَّ لَنَا إِمَامًا يَلْحَنُ، قَالَ: أخِّروه (4) .
وقد يسوق بعض الروايات التي يُجَلِّي بعضها علَّة الأخرى؛ كالرواية التي ساقها عن شيخه سفيان بن عيينة، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَصْحَابِهِ وهم يقرأون القرآن، فقال: ((اقرأوا فكلٌّ كِتَابُ اللَّهِ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ يقوِّمونه كَمَا يُقَامُ القِدْح، يَتَعَجَّلُونَهُ وَلَا يتأجَّلونه)) (5) .
ثم أخرجه بعد ذلك من طريق شيخه خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَفِينَا الْأَعْجَمِيُّ والأعرابي، فقال: ((اقرأوا وَكُلٌّ حَسَنٌ، وَسَيَأْتِي قَوْمٌ يقوِّمونه كما يقوَّم القِدْح، يتعجّلونه
__________
(1) الحديث رقم [120] .
(2) الحديث رقم [321] .
(3) أي البصري.
(4) الحديث رقم [40] .
(5) الحديث رقم [30] .(المقدمة/176)
ولا يتأجّلونه)) (1) .
فرواية سفيان بن عيينة المرسلة أعلَّت رواية حميد الأعرج الموصولة، لأن سفيان أوثق، والصواب في الحديث أنه مرسل من هذا الوجه كما بيّنته في التخريج والحكم على الحديث.
وشبيه به: ما أخرجه من طريق شيخه هشيم بن بشير، قَالَ: نا خَالِدٌ (2) ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ (3) ، أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ ثَمَانٍ، وَأَنَّ تَمِيمًا الدَّاريّ كَانَ يختم في كل سبع (4) .
فهذا الحديث لم يسمعه أبو قلابة من أبي بن كعب، بل بينهما واسطة، وهو ابن المُهَلَّب كما في الرواية الأخرى التي ساقها المؤلف من طريق شيخه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي المُهَلَّب، عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ ثَمَانٍ (5) .
والمصنِّف شديد التَّوَقِّي في الرواية، فإن شك في شيء أو كان في الرواية شك من غيره بيَّن، كقوله: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: نا أَبُو عِمْرَانَ الجُوني، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو، أَوْ عُمَر- شَكَّ سَعِيدٌ- قَالَ: هجَّرت إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - يوماً ... ، الحديث (6) .
فهو هنا بيَّن أن الشك منه بقوله: ((شك سعيد)) .
__________
(1) الحديث رقم [31] .
(2) هو ابن مهران الحذَّاء.
(3) هو عبد الله بن زيد الجَرْمي.
(4) الحديث رقم [154] .
(5) الحديث رقم [155] .
(6) الحديث رقم [36] ، والصواب أنه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.(المقدمة/177)
وقد يكون الشك من غيره فيبيِّن، كقوله: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ غَيْرِهِ- شَكَّ دَاوُدُ-، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى عَلَى الْأَمَةِ حَدًّا حَتَّى تزوَّج زوجاً حرّاً (1) .
ونجده أحياناً أخرى لا يبين ممن الشك، لكن يغلب على الظن أنه منه، كقوله: ((عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَوْ غيره)) (2) ، وقوله: ((أرَاهُ قَالَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ)) (3) .
وقد يعقب على بعض الأحاديث تعقيباً يزيل الإشكال الوارد في سند الحديث، كبيان مبهم في الإسناد، أو بيان نسب بعض الرواة.
فمن أمثلة بيانه للمبهم في الإسناد: ما أخرجه من طريق شيخه عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصنابُحي، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سمَّاه، قال: نهى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - عن الأغلوطات.
قال الأوزاعي: يعني شرار المسائل.
ثم عقّب سعيد على الحديث ببيان ذلك الصحابي المبهم، فقال: ((قال سعيد: هذا عن معاوية، ولكنه لم يسمِّه)) (4) .
ومن أمثلة بيان نسب بعض الرواة: ما أخرجه من طريق شيخه أبي وكيع الجراح ين مليح، عن الهزهاز بن ميزان، أن عدي بن فرس خيَّر امرأته ثلاثاً ... الحديث.
ثم عقب عليه سعيد بقوله: ((قال سعيد: فَرَسُ: جَدُّ وكيع)) (5) .
__________
(1) الحديث رقم [613] .
(2) الحديث رقم [286] .
(3) الحديث رقم [558] .
(4) المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (1 / 282 رقم 1179) .
(5) المرجع السابق (1 / 386 رقم 1660) .(المقدمة/178)
وقد يكون تعقيبه لبيان تفرُّد بعض الرواة بالحديث؛ مثل قوله: ((ليس هذا الحديث عند أحد إلا عند أبي معاوية)) (1) .
وهذا كله فيما يتعلق بالإسناد.
وأما المتن فإنه يحرص على عدم تكراره ما أمكن.
فنجده أحياناً يورد الحديث بتمامه في موضع، ويختصره في موضع آخر فلا يوردُ منه إلا موضع الشاهد، كالحديثين رقم [426، 427] ، فإنه أورد منهما ما يتعلق بفضل آية الكرسي فقط، بينهما أوردهما بتمامهما في تفسير سورة النحل كما بيّنته في تخريج الحديثين المشار إليهما.
ونجده كثيراً ما يحيل اللفظ على لفظ سابق قائلاً: ((مثله)) (2) ، أو: ((مثل ذلك)) (3) ، أو: ((قال ذلك)) (4) ، أو: ((مثل قول. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
(1) المرجع السابق أيضاً (1 / 81 رقم 311) .
(2) ومثاله الحديث رقم [119] أخرجه من طريق شيخه هشيم، نا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اشْتَرِ الْمَصَاحِفَ ولا تبعها.
ثم أخرجه برقم [120] فقال: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنِ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلَهُ.
وانظر أمثلة أخرى في المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (2 / 8، 48، 62) ، والحديث الآتي برقم (513) .
(3) ومثاله الحديث رقم [332] أخرجه من طريق شيخيه أبي عَوَانَةَ وَهُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الحجة [يعني قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ] ، ثم أخرجه بعده برقم [333] ، فقال: نا هُشَيْمٌ، نَا يُونُسُ، عَنِ الحسن، مثل ذلك.
وانظر أمثلة أخرى في المطبوع من السنن (1 / 185، 251) ، (2 / 8، 48، 76، 79) ، والأحاديث الآتية برقم [118، 280، 372، 446، 632] .
(4) ومثاله ما أخرجه عن عطاء برقم [340] أَنَّهُ قَالَ: الرَّفَثُ: الْجِمَاعُ، وَالْفُسُوقُ: =(المقدمة/179)
فلان)) (1) ... ، وهكذا.
ويظهر من طريقته الدِّقَّةُ في بيان فروق الألفاظ، فإنه أخرج حديثاً من طريق شيخه سفيان بن عيينة، نا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَأَيُّوبُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ لَهُ، والقَمْلُ يَتَهَافَتُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هوامُّك؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: احْلِقْ رَأْسَكَ، وانسُكْ نَسِيكَةً، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ فَرَقاً بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ.
ثم قَالَ: وَقَالَ سُفْيَانُ: قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: اذْبَحْ شَاةً، وَقَالَ أيوب: انسك نسيكة (2) .
وإذا كان أكثر لفظ الحديث مثل لفظ الحديث السابق، واختلف بعض لفظه، عطف المماثل على مثله، وبيَّن اللفظ المختلف؛ كالحديث الذي أخرجه من طريق شيخه حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبيدة السَّلْماني، قَالَ: أَتَى عَلِيًّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، وَمَعَهُمَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ حَكَماً مِنْ أَهْلِهَا وحَكَماً من أهله،
__________
= الْمَعَاصِي، وَالْجِدَالُ: الْمِرَاءُ فِي الْحَجِّ حتى يغضبوا، ثم أخرجه بعده برقم [341] من طريق شيخه هُشَيْمٌ، أنا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ ذلك.
وانظر المطبوع من السنن (2 / 80) .
(1) ومثاله ما جاء في المطبوع من السنن (2 / 7) في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها، فظن له عليها رجعة، فواقعها، فساق بسنده عن حماد بن أبي سليمان أنه قال: عليه مهر ونصف، ثم قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: أنا يُونُسُ وَمَنْصُورٌ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قال: صداق واحد.
نا هشيم، عن محمد بن سالم، عن الشعبي، مثل قول الحسن.
(2) الحديث رقم [291] .(المقدمة/180)
ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ: أَتَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا؟ إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تفرِّقا، فَرَّقْتما، وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا، جَمَعْتُمَا. فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: رَضِيتُ بِكَلِمَاتِ الله لي وعليَّ، قال الزَّوْجُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَلَّا وَاللَّهِ، حَتَّى تقرَّ بِمِثْلِ مَا أقرَّت به (1) .
ثم أخرجه بعده من طريق آخر، فقال: نا هُشَيْمٌ، نا مَنْصُورٌ وَهِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، بِمِثْلِهِ. فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: رَضِيتُ وسلَّمت، فَقَالَ الزَّوْجُ: أَمَّا الفُرْقَة فَلَا، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَ ذَاكَ لَكَ، لستَ ببارِحٍ حَتَّى تَرْضَى بِمِثْلِ مَا رَضِيَتْ به (2) .
ومثله إذا زاد أحد الرواة لفظاً ليس عند الآخر؛ كقوله: نَا أَبُو عَوَانَةَ وَهُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَنْ لَمْ يَصُمِ الثَّلَاثَةَ أَيَّامٍ الَّتِي فِي الْحَجِّ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ.
قَالَ أَبُو بِشْرٍ: فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ.
وَزَادَ هُشَيْمٌ: ويشتري شاة بثلاثة دراهم (3) .
ومن منهج المصنِّف في الرواية: اهتمامه بالفقهيات حتى في التفسير، فتجده يعرض للمسائل المختلف فيها، فيسوق أقوالهم في هذه المسائل بإسناده إليهم، مثل مسألة بيع المصاحف وشرائها والإجارة على نسخها والأجرة على تعليم القرآن، فإنه أورد فيها أربعة وعشرين حديثاً وأثراً من رقم [102] حتى رقم [125] من هذه الرسالة.
ومثله الصلاة الوسطى والخلاف فيها، هل هي صلاة العصر أو
__________
(1) الحديث رقم [628] .
(2) الحديث رقم [629] .
(3) الحديث رقم [321] .(المقدمة/181)
الصبح؟ فأورد فيها من الأحاديث والآثار من رقم [392] حتى رقم [403] من هذه الرسالة.
وأمثال ذلك كثير.
ومن منهجه في الرواية أيضاً: إيراده الحديث الواحد بأسانيد متعددة، مثل حديث ابن مسعود حينما قال لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -: ((اقرأ علي)) ، قال: يا رسول اللَّهِ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: ((إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ من غيري ... )) الحديث.
أورد سعيد هذا الحديث من أربع طرق وهي الآتية برقم [51، 52، 53، 56] .
وكذا حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه في فدية الأذى أورده من سبع طرق، وهي الآتية برقم [289، 290، 291، 292، 293، 296، 297] .
ومن منهجه في الرواية أيضاً: تعقيبه على بعض الأحاديث أحياناً ببيان ما يحتاج إلى بيان، فإنه ذكر أن عبيد بن عمير قرأ: {يهدي بهُ الله} (1) بين أن هذه القراءة لغة (2) .
وقد يكون التعقيب لنقد رأي فقهي، أو ترجيح رأي آخر، كقوله: ((بئس ما قال)) (3) إذا أورد بعض الآراء، أو كقوله: ((القول ما قال مجاهد)) (4) .
د - تراجمه للأبواب:
ليس في هذا القسم المحقق أبواب يترجم لها بخلاصة ما فيها من
__________
(1) الآية (16) من سورة المائدة.
(2) انظر الحديث الآتي برقم [724] .
(3) السابق أيضاً (1 / 276 رقم 1151) .
(4) المرجع السابق أيضاً (1 / 247 رقم 1019) .(المقدمة/182)
مباحث، وإنما بوب للسُّوَر التي تطرق لتفسيرها، كقوله: ((باب تفسير فاتحة الكتاب)) (1) ، و: ((باب تفسير سورة البقرة)) (2) ، وهكذا.
وكان بالإمكان الإتيان ببعض التراجم في هذا القسم في فضائل القرآن، فإنه اشتمل على الكثير من المباحث، كالحث على قراءة القرآن، والحث على تعاهده والتحذير من نسيانه، والحث على تعلمه وتعليمه، وما جاء في ختم القرآن والدعاء عند ختمه، وهكذا في مباحث عدة أهملها المصنِّف ولم يبوِّب لها في الكتاب بشيء، وإنما قال: ((فضائل القرآن)) (3) ، وسرد الأحاديث والآثار سرداً بلا تبويب.
ولكن بالرجوع إلى المطبوع من السنن بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي والقسم الذي لا يزال مخطوطاً نجد أن المصنف يترجم للأبواب بخلاصة ما تضمنته من مباحث فقهية بترجمة مُطْلَقَة تدلّ على فقهه واستنباطه، ثم يورد تحتها من الأحاديث والآثار ما يندرج في تلك الترجمة ويقيِّد ما فيها من إطلاق؛ كقوله في كتاب الفرائض: باب الرجل إذا لم يكن له وارث يضع ماله حيث شاء (4) ، ثم أورد في هذا الباب أربعة أحاديث موقوفة على ابن مسعود، يذكر فيها أن الرجل يضع ماله حيث شاء إذا لم يُعْلَمْ له عصبة، ثم أورد بعده أثرين عن عَبيدة السلماني، وأثرين عن مسروق بنفس المعنى.
وهكذا يصنع في كل باب؛ كقوله في كتاب النكاح: باب ما جاء في النهي عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه (5) ، وباب ما
__________
(1) انظر (ص 505) من هذه الرسالة.
(2) انظر (ص 544) من هذه الرسالة.
(3) انظر (ص 5 - 7) من هذه الرسالة.
(4) المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (1 / 60) .
(5) المرجع السابق (1 / 165) .(المقدمة/183)
جاء في الرجل لا ينكح على عمّتها وخالتها (1) ، وكقوله في كتاب الطلاق: باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة أو أختان (2) ، وكقوله في كتاب الجهاد: باب ما جاء في فضل الجهاد في سبيل الله (3) ، وكقوله في كتاب الزهد: باب مداراة الرجل نفسه لما بعد الموت (4) ، وباب التواضع وقلّة الشيء (5) .
وجميع هذه التراجم وأمثالها تدل على فقه سعيد واستنباطه، لكنه يورد الحديث في أجمع المواضع لمضمون الحديث، ولا يكرره إلا نادراً، كالحديث الآتي برقم [354] ، وهو قول سعيد بن جبير الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَالْأَيَّامُ المعدودات أيام التشريق.
أورد سعيد هذا الأثر في تفسير قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أيام معدودات} (6) ، ثم أعاده في تفسير سورة لحج، عند قوله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} (7) .
وعند تفسير قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حقاً على المتقين} (8) ، أورد قول الحسن البصري رحمه الله: مَنْ أَوْصَى لِغَيْرِ ذِي قَرَابَتِهِ، فَلِلَّذِينَ أَوْصَى لَهُمُ ثُلُثُ الثُّلُثِ، ولقرابته ثلثا الثلث (9) .
__________
(1) السابق أيضاً (1 / 166) .
(2) المرجع السابق (2 / 22) .
(3) المرجع السابق (2 / 124) .
(4) المخطوط من السنن (ل 191 / أ) .
(5) المخطوط من السنن (ل 193 / ب) .
(6) الآية (203) من سورة البقرة.
(7) الآية (28) من سورة الحج.
(8) الآية (180) من سورة البقرة.
(9) وهو الحديث الآتي برقم [254] .(المقدمة/184)
وهذا القول كان قد أخرجه في كتاب الوصايا، باب هل يوصي الرجل من ماله بأكثر من الثلث (1) .
لكن هذا التكرار عند سعيد ليس بكثير، وإذا كرره، ففي موضعين تقريباً، لا كما يصنع بعض من يُعْنَى بكثرة الاستنباط من الحديث، فيعيده في مواضع متعددة، تحت تراجم مختلفة، كالبخاري.
فحديث أبي هريرة- مثلاً- عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - أنه قال: ((والذي نفسي بيده، لولا أن أشقّ على المؤمنين، ما قعدت عن سرية تغزو في سبيل الله أبداً، ولكن لا أجد سعة، ولا يجدون قوّة فيتبعوني، ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي)) .
هذا الحديث أخرجه سعيد في كتاب الجهاد، باب ما جاء في فضل الجهاد فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (2) ، وأخرجه البخاري في موضع مشابه؛ في كتاب الجهاد، باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله (3) ، ولكنه- أي البخاري- لم يقتصر على هذا الموضع، بل أخرجه أيضاً في الإيمان، باب الجهاد من الإيمان (4) ، وفي الجهاد أيضاً، باب تمني الشهادة (5) ، وباب الجعائل والحملان في سبيل الله (6) ، وفي كتاب الخمس، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: أحلت لكم الغنائم (7) ، وفي التمني، باب ما جاء في التمني ومن تمنى الشهادة (8) ، وفي التوحيد، باب
__________
(1) المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (1 / 93 رقم 355) .
(2) المرجع السابق (2 / 124 رقم 2300) .
(3) صحيح البخاري (6 / 6) .
(4) المرجع السابق (1 / 92) .
(5) المرجع السابق أيضاً (6 / 16) .
(6) المرجع السابق أيضاً (6 / 124) .
(7) المرجع السابق أيضاً (6 / 220) .
(8) المرجع السابق أيضاً (13 / 217) .(المقدمة/185)
باب قوله تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} (1) ، وباب قوله تعالى: {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي} (2) .
وقد تكون الترجمة عند سعيد بلفظ الاستفهام، وهذا كثير؛ كقوله في كتاب الوصايا، باب هل يقضي الحي النذر عن الميت (3) ؟ وفي كتاب النكاح قال: باب ما جاء في الرجل يتزوج المرأة، فتموت قبل أن يدخل بها أو يطلقها، هل يصلح له أن يتزوج أمها (4) ؟ وفي كتاب الطلاق قال: باب الرجل يفجر بالمرأة، أله أن يتزوج بها، أو يتزوج أمها (5) ؟.
وهكذا يصنع البخاري في بعض التراجم، وذلك حيث لا يتجه له الجزم بأحد الاحتمالين، وغرضه بيان هل يثبت ذلك الحكم أو لم يثبت، فيترجم على الحكم، ومراده ما يتفسر بعد؛ من إثباته أو نفيه، أو أنه محتمل لهما، وربما كان أحد المحتملين أظهر، وغرضه: أن يبقى للنظر مجالاً، وينبّه على أن هناك احتمالاً، أو تعارضاً يوجب التوقف، حيث يعتقد أن فيه إجمالاً، أو يكون المدرك مختلفاً في الاستدلال به، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر (6) .
ولا يظهر أن سعيد بن منصور يريد ذلك، فإنه قد يترجم بلفظ الاستفهام، ويرجح أحد القولين، كقوله: باب المتوفى عنها زوجها، أين تعتد؟ وذكر حديث فاطمة بنت قيس أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - أمرها أن تعتد
__________
(1) المرجع السابق أيضاً (13 / 441) .
(2) المرجع السابق أيضاً (13 / 444) .
(3) المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (1 / 105) .
(4) المرجع السابق (1 / 227) .
(5) المرجع السابق (1 / 398) .
(6) في هدي الساري (ص 14) .(المقدمة/186)
في غير بيت زوجها، وإنكار عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه لذلك بقوله: ما كنا نجيز في ديننا شهادة امرأة لا ندري لعلها نسيت أو شُبِّه لها، ثم أورد سعيد أثراً عن الشعبي أنه قال: امرأة من قريش ذات عقل ورأي، أتنسى قضاء قضي عليها؟ ثم عقب سعيد على ذلك بقوله: ((قال سعيد: وقول عمر أحبّ إلينا من هذا)) (*) .
وقد تكون الترجمة عنده طويلة؛ كقوله في كتاب الطلاق: باب الرجل له أربع نسوة، فنهى واحدة عن الخروج، فوجد امرأة من نسائه قد خرجت، فقال: فلانة أنت طالق، أَيَّتُهُنَّ تطلق منه؟ (1) .
وقد تتكرر عنده بعض التراجم؛ كقوله في كتاب الزهد: باب الزهد (2) ، ثم بعده بثلاثة أبواب قال: باب الحلم والتواضع والزهد (3) ، ثم بعده بثلاثة أبواب قال: باب الزهد في الدنيا (4) ، ثم بعده بباب واحد قال: باب الزهد والتواضع وما يكره من عجب الرجل بعمله (5) .
ومثله ما جاء في كتاب الزهد أيضاً: باب ما جاء في دعاء النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (6) ، ثم بعده بخمسة أبواب قال: باب ما جاء في دعاء النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيضاً (7) ، ثم بعده بخمسة أبواب أيضاً قال: باب ماجاء في
__________
(*) المطبوع من سنن سعيد بن منصور بتحقيق الأعظمي (1 / 316، 321) .
(1) السابق أيضاً (1 / 282) .
(2) المخطوط من السنن (ل 203 / ب) .
(3) المرجع السابق (ل 205 / ب) .
(4) المرجع السابق (ل 206 / أ) .
(5) المرجع السابق (ل 207 / ب) .
(6) المرجع السابق (ل 221 / أ) .
(7) المرجع السابق (ل 221 / ب) .(المقدمة/187)
دعاء النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (1) .
وكان بإمكان المصنف أن يضمّ هذه الأبواب وأمثالها بعضها إلى بعض وينسِّق بينها.
كما أننا نجده أحياناً يبوِّب بباب جامع، ويورد فيه أحاديث بإمكانه أن يترجم لها، كقوله في كتاب الزهد: باب ما جاء في جامع (2) ، وأورد فيه حديثه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَا كان من حزن في القلب أو في العين فإنما هو رحمة، وما كان باللسان أو باليد فإنما هو من الشيطان)) ، وحديثه - صلى الله عليه وسلم -: ((إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فحسنوا أسماءكم)) ، وقول الشعبي: ترِّبوا الكتاب، فإنه أعظم للبركة، وأنجح للحاجة، وقول الضحاك: رخّص رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - للحامل والمرضع أن تفطرا وتقضيا (3) صياماً ... ، وعدة آثار في مواضيع متعددة، يمكن أن يلحق كل منها بموضوعه، فما كان بالأدب يلحق بكتاب الأدب، وما كان يتعلق بالصيام أُلحق بكتاب الصيام، وهكذا.
ومثله أيضاً الأبواب التي لم يترجم لها، كقوله في كتاب الزهد أيضاً: بَابٌ (4) ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن عمير، عن عمرو بن حريث، عن سعيد بن زيد، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - قال: ((الكَمْأَةُ من المنّ ... )) الحديث، ثم أورد بعده أثراً وحديثاً في فضل أهل المغرب، وأثراً في زهد عمر.
وفي كتاب الزهد أيضاً قال: بَابٌ (5) ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ
__________
(1) المرجع السابق (ل 222 / ب) .
(2) المرجع السابق (ل 232 / أ) .
(3) في الأصل: ((يفطران ويقضيان)) .
(4) المخطوط من السنن (ل 227 / ب) .
(5) المرجع السابق (ل 228 / أ) .(المقدمة/188)
ابن عمير، عن الربيع بن عميلة، قال: سمعت من عبد الله كلمة ما سمعت يعني بعدَ آيةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وجل، ولا حديثِ رسولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - شيئاً أحبّ إليّ ولا أعجب إليّ منها؛ سمعته يقول: ((بحسب امريء إذا رأى منكراً لم يُسَمعْ له، غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره)) .
ثم أورد هذا الأثر من طريقين آخرين، وأثراً آخر بمعناه عن ابن مسعود أيضاً، وأثراً آخر عنه أيضاً في الفتن.
هـ - أنواع المرويات عنده:
سبق الحديث عن موضوع السنن لسعيد بن منصور (1) ، وبيّنت هناك أنه من الكتب التي صُنِّفت لتضمّ الأحاديث المسندة وغير المسندة، وهو شبيه بمصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة الذين يضمّان العديد من الأحاديث والآثار، ففيها المرفوع- سواء كان موصولاً أو مرسلاً-، وفيها الموقوف، وفيها المقطوع.
وهكذا سنن سعيد بن منصور.
فهذا القسم الذي قمت بتحقيقه يضم تسعة وستين وثمانمائة من الأحاديث والآثار، منها واحد وخمسون ومائة حديث مرفوع، وهي قسمان: موصولة ومرسلة. فالموصول منها: اثنان وثمانون حديثاً، والمرسل: تسعة وستون حديثاً.
وأما الموقوفة فعددها خمسة وعشرون وثلاثمائة حديث.
وأما المقطوعة فعددها ستة وثلاثون وأربعمائة حديث، أكثرها عن التابعين، وبعضها- وهو قليل- عن أتباع التابعين؛ كقوله: نا
__________
(1) (ص 167) .(المقدمة/189)
سُفْيَانُ- وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وإسماعيل ربنا تقبل منا} - قَالَ: سَأَلَا الْقَبُولَ، وَتَخَوَّفَا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يُتَقَبَّلُ منهما (1) .
وكقوله أيضاً: سَمِعْتُ فُضَيْلًا (2) يَقُولُ- فِي قَوْلِهِ: {فاذكروني أذكركم} - قَالَ: اذْكُرُونِي بِطَاعَتِي، أَذْكُرْكُمْ بِمَغْفِرَتِي (3) .
وفيما يلي ذكر لأرقام الأحاديث موزّعة على انواع المرويات عنده، علماً بأن الرقم قد يرد في نوعين- وهو قليل- لاشتماله عليهما.
أولاً: المرفوع:
o الموصول منه:
9، 14، 16، 18، 20، 21، 23، 26، 31، 32، 35، 36، 45، 51، 56، 58، 69، 72، 109، 128، 129، 131، 132، 156، 166، 167، 168، 169، 178، 187، 215، 222، 223، 224، 277، 289، 290، 291، 292، 293، 352، 368، 369، 392، 393، 408، 417، 424، 450، 451، 475، 476، 478، 492، 501، 503، 539، 540، 544، 552، 587، 594، 597، 663، 666، 677، 681، 686، 694، 695، 696، 697، 699، 706، 748، 762، 768، 816، 821، 822، 841، 857.
o المرسل منه:
5، 25، 30، 33، 46، 52، 53، 55، 57، 68، 75، 77، 78، 130، 160، 179، 193، 210، 230، 234، 239، 253، 275،
__________
(1) الحديث رقم [219] .
(2) يعني ابن عياض.
(3) الحديث رقم [229] .(المقدمة/190)
283، 246، 347، 407، 428، 429، 474، 479، 480، 483، 500، 502، 506، 507، 515، 518، 524، 538، 543، 552، 554، 572، 584، 586، 623، 624، 648، 660، 661، 682، 685، 688، 692، 693، 695، 696، 697، 700، 701، 702، 713، 751، 771، 798، 808، 811.
ثانياً: الموقوف:
1، 2، 3، 4، 6، 7، 8، 13، 16، 17، 24، 27، 29، 34، 37، 39، 42، 43، 48، 49، 50، 54، 58، 59، 60، 62، 63، 67، 70، 71، 74، 80، 81، 89، 91، 94، 95، 97، 104، 108، 119، 120، 124، 126، 127، 133، 134، 136، 139، 140، 141، 142، 143، 146، 147، 148، 149، 150، 153، 154، 155، 156، 157، 158، 159، 161، 162، 163، 164، 165، 169، 170، 171، 172، 174، 175، 176، 177، 180، 181، 188، 189، 191، 195، 201، 203، 206، 207، 208، 215، 225، 226، 231، 232، 233، 245، 246، 248، 250، 251، 252، 258، 259، 260، 267، 269، 270، 273، 279، 281، 284، 285، 287، 289، 292، 293، 296، 297، 298، 299، 300، 301، 302، 310، 311، 312، 313، 314، 315، 316، 317، 318، 319، 328، 429، 331، 334، 338، 339، 341، 344، 345، 350، 351، 353، 355، 360، 365، 366، 367، 370، 375، 376، 383، 394، 398، 401، 402، 403، 416، 418، 419، 421، 423، 426، 427، 431، 432، 435، 437، 438، 440، 443، 444، 454، 455، 466، 467، 468، 473، 477، 481، 482، 485، 486، 487، 489، 493، 496، 508، 512، 513، 519، 520، 521، 522، 523، 526، 528، 531، 535، 541، 545، 547، 549، 558، 570، 571، 588، 589، 590، 591، 592، 593، 595، 600، 601، 605، 611، 613،(المقدمة/191)
614، 615، 616، 620، 625، 628، 629، 638، 639، 640، 641، 644، 645، 646، 647، 649، 650، 651، 652، 657، 658، 659، 666، 667، 668، 669، 670، 671، 673، 675، 676، 677، 681، 683، 687، 708، 709، 710، 715، 716، 718، 726، 741، 742، 745، 749، 750، 752، 757، 758، 763، 765، 769، 772، 773، 774، 780، 781، 782، 783، 785، 786، 787، 788،789، 790، 791، 795، 799، 805، 806، 807، 809، 812، 814، 815، 817، 818، 819، 820، 823، 824، 825، 832، 833، 834، 835، 836، 837، 838، 839، 840، 842، 843، 844، 846، 847، 848، 849، 850، 860، 863، 864، 865، 868.
ثالثاً: المقطوع:
10، 11، 12، 15، 19، 22، 28، 38، 40، 41، 44، 47، 61، 64، 66، 73، 76، 78، 79، 82، 83، 84، 85، 86، 87، 88، 89، 90، 92، 93، 96، 98، 99، 100، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 107، 110، 111، 112، 113، 118، 121، 122، 123، 125، 135، 137، 138، 144، 145، 151، 152، 158، 163، 172، 173، 182، 183، 184، 185، 186، 190، 192، 194، 196، 197، 198، 199، 200، 202، 204، 205، 209، 211، 212، 213، 214، 216، 217، 218، 219، 220، 221، 227، 228، 229، 234، 235، 236، 237، 238، 239، 240، 241، 242، 243، 244، 247، 249، 253، 254، 255، 256، 257، 261، 262، 263، 264، 265، 266، 268، 271، 272، 274، 275، 276، 278، 280، 282، 283، 287، 288، 294، 295، 303، 304، 305، 306، 307، 308، 309، 310، 320، 321، 322، 323، 324، 325، 326، 327، 330، 332، 333، 335، 336، 337، 340، 342، 343، 346، 347، 348، 349، 354، 356، 357، 358،(المقدمة/192)
359، 361، 362، 363، 364، 371، 372، 373، 374، 377، 378، 379، 380، 381، 382، 384، 385، 386، 387، 388، 389، 390، 391، 400، 404، 405، 406، 409، 410، 411، 412، 413، 414، 415، 420، 422، 425، 528، 429، 430، 433، 434، 436، 439، 441، 442، 445، 446، 447، 448، 449، 452، 453، 456، 457، 458، 459، 460، 461، 462، 463، 464، 465، 469، 470، 471، 472، 479، 484، 485، 488، 490، 491، 494، 495، 497، 498، 499، 502، 504، 505، 509، 510، 511، 514، 516، 517، 524، 525، 527، 529، 530، 531، 532، 533، 534، 536، 537، 542، 546، 548، 550، 551، 553، 554، 555، 556، 557، 558، 559، 560، 561، 562، 563، 564، 565، 566، 567، 568، 569، 573، 574، 575، 576، 577، 578، 579، 580، 581، 582، 583، 584، 585، 596، 598، 599، 602، 603، 604، 606، 607، 608، 609، 610، 612، 617، 618، 619، 621، 622، 626، 630، 631، 632، 633، 634، 635، 636، 637، 640، 642، 643، 644، 653، 657، 658، 662، 664، 672، 674، 675، 678، 679، 680، 681، 684، 687، 689، 690، 691، 698، 703، 704، 705، 707، 711، 712، 713، 714، 717، 719، 720، 721، 722، 723، 724، 725، 727، 729، 730، 731، 732، 733، 734، 735، 736، 737، 738، 739، 740، 743، 744، 746، 747، 751، 753، 754، 755، 756، 759، 760، 761، 764، 766، 767، 770، 775، 776، 777، 778، 779، 784، 789، 792، 793، 794، 796، 797، 798، 800، 801، 802، 803، 804، 805، 806، 808، 810، 813، 826، 827، 828، 829، 830، 831، 839، 845، 851، 852، 853، 854، 855، 856، 858، 859، 861، 862، 866، 867، 869.(المقدمة/193)
و - درجة أحاديث الكتاب:
جرت عادة أكثر المصنِّفين في العصر الذي عاش فيه سعيد بن منصور أن أحدهم إذا صنَّف أخرج في كتابه الصحيح والحسن والضعيف. وكانوا يتجنَّبون الموضوع، وكذا المنكر وما اشتدّ ضعفه في الغالب.
فالإمام أحمد كان يحتجّ بعمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، إذا لم يكن في الباب غيره (1) .
ولما سئل عن عمرو بن شعيب قال: ربما احتجبنا بحديثه، وربما وجس في القلب منه (2) .
وقال مرَّةً لابنه: ((لو أردت أن أقتصر على ما صحّ عندي، لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث: أني لا أخالف ما يضعف، إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه)) (3) .
وكان يقول: ((لا تكاد ترى أحداً ينظر في الرأي، إلا وفي قلبه دَغَل، والحديث الضعيف أحبّ إليّ من الرأي)) (4) .
وكذا كان تلميذه أبو داود صاحب السنن، فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها؛ مثل ابن لهيعة، وصالح مولى التَّوْأَمَة، وعبد اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، وموسى بن وردان، وسلمة بن الفضل، ودلهم بن صالح، وغيرهم (5) .
__________
(1) نقله الحافظ ابن حجر في النكت على كتاب ابن الصلاح (1 / 436) عن ابن المنذر.
(2) ذكره الأثرم عن الإمام أحمد كما في الميزان (3 / 265) .
(3، 4) النكت على كتاب ابن الصلاح (1 / 437) .
(5) المرجع السابق (1 / 438) .(المقدمة/194)
بل قد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير، كإسحاق بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فروة وغيره من المتروكين (1) .
ويوجد في كتابه عدد من الأسانيد المنقطعة، وأحاديث المدلِّسين التي لم يصرِّحوا فيها بالسماع، وأسانيد فيها من أُبهمت أسماؤهم (2) .
وكذلك النسائي، كان من مذهبه: أنه يخرج عن كل من لم يتفق المحدِّثون على تركه (3) .
ولذا يقول السيوطي في ألفيَّته (4) :
يروي أبو داود أقوى ما وَجَدْ ... ثم الضعيفَ حيثُ غَيْرَهُ فَقَدْ
والنَّسَائِي: من لم يكونوا اتفقوا ... تركاً له. . . . . . . . . . .
وكتاب سعيد بن منصور شبيه بهذه الكتب وأمثالها في ذلك؛ فإنه تضمَّن جملة كبيرة من الأحاديث الصحاح والحسان، وفيه الضعيف الذي لم يشتدَّ ضعفه، وفيه عدد يسير من الأحاديث الشديدة الضعف التي قد تختلف وجهات النظر في الحكم عليها بشدة الضعف من عدمه.
وقد بلغ عدد الأحاديث والآثار في هذا القسم المحقق تسعة وستين وثمانمائة حديث، منها ستة أحاديث توقفت في الحكم عليها لبعض الإشكال فيها، وهي رقم: [32، 310، 405، 526، 679، 865] ، وحديث آخر بعضه صحيح، وبعضه توقفت في الحكم
__________
(1) السابق أيضاً (1 / 439 - 440) .
(2) المرجع السابق أيضاً (1 / 440 فما بعد) .
(3) منهج ذوي النظر (ص 42) .
(4) (ص 17) .(المقدمة/195)
عليه لبعض الإشكال في سنده، وهو رقم: [452] ، وقد أدرجته في عداد الصحيح؛ لما صحّ منه، فأصبح عدد الأحاديث المحكوم عليها ثلاثة وستون وثمانمائة حديث، بعضها صحيح لذاته، وبعضها حسن لذاته وارتقى للصحيح، وبعضها حسن لذاته ولم يرتق، وبعضها ضعيف ارتقى للصحيح، وبعضها ضعيف ارتقى للحسن، وبعضها ضعيف ولم يرتق، وبعضها ضعيف جداً صحّ متنه من وجه آخر، وبعضها ضعيف جداً ولم يصح متنه، وهذا الجدول يوضح عدد الأحاديث والنسبة المئوية لكل قسم، علماً بأن هناك بعض الأحاديث تضمنَّت حكمين، فجاءت مكررة في موضعين، وعددها واحد وثلاثون حديثاً:-
* * *(المقدمة/196)
جدول
______________________________________________________________________
البيان........................................................................ العدد................ النسبة المئوية
______________________________________________________________________
• عدد الأحاديث الكُلِّي....................................................... 869
• عدد الأحاديث المحكوم عليها............................................... 863
• عدد الأحاديث المتوقف في الحكم عليها..................................... 6
• عدد الأحاديث التي تضمنت حكمين فجاءت مكررة في موضعين............ 31
• مجموع عدد الأحاديث المحكوم عليها بالمكرر.............................. 894
______________________________________________________________________
• عدد الصحيح لذاته........................................................ 356............... 39 % تقريباً
• عدد الحسن لذاته.......................................................... 23................. 2. 5 %
• عدد الضعيف............................................................. 227................ 25 %
• عدد الضعيف جداً......................................................... 41................. 4. 5 %
______________________________________________________________________
• عدد الحسن الذي ارتقى للصحيح (صحيح لغيره) .......................... 37.................. 4 %
• عدد الضعيف الذي ارتقى للصحيح (صحيح لغيره) ........................ 170................ 19 %
• عدد الضعيف الذي ارتقى للحسن (حسن لغيره) ............................ 36................. 4 %
• عدد الضعيف جداً وصحّ من وجه آخر...................................... 4.................. 0. 4 %
______________________________________________________________________
• عدد الأحاديث الصحيحة (صحيح لذاته، وصحيح لغيره) ................... 563............... 63 % تقريباً
• عدد الأحاديث الحسنة (حسن لذاته، وحسن لغيره) .......................... 59................ 6. 6 % تقريباً
______________________________________________________________________
• عدد الأحاديث المقبولة (صحيح لذاته، وصحيح لغيره، وحسن
لذاته، وحسن لغيره، وضعيف جداً صحّ من وجه آخر) ..................... 626................ 70 %
• عدد الأحاديث المردودة (ضعيف، وضعيف جداً) ......................... 268................. 30 %
______________________________________________________________________(المقدمة/197)
وفيما يلي ذكر لأرقام الأحاديث موزعة على التقسيم السابق:
أولاً: الصحيح لذاته:
3، 10، 15، 16، 17، 34، 36، 38، 44، 53، 61، 86، 91، 95، 99، 100، 104، 106، 110، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 117، 121، 122، 123، 125، 128، 129، 131، 132، 136، 137، 138، 140، 141، 144، 146، 151، 152، 156، 164، 172، 173، 177، 182، 184، 185، 186، 187، 188، 190، 192، 194، 198، 202، 203، 207، 209، 214، 215، 217، 218، 219، 222، 223، 227، 229، 231، 236، 237، 238، 240، 241، 242، 243، 244، 246، 247، 248، 249، 252، 253، 254، 257، 258، 259، 260، 265، 266، 274، 277، 278، 280، 282، 284، 285، 286، 287، 288، 289، 290، 291، 295، 298، 299، 300، 302، 303، 305، 306، 308، 313، 314، 315، 318، 319، 321، 322، 324، 325، 326، 333، 335، 336، 338، 340، 342، 348، 349، 350، 352، 356، 357، 364، 366، 367، 371، 372، 374، 375، 377، 378، 382، 386، 387، 388، 389، 393، 394، 395، 397، 399، 404، 408، 409، 410، 411، 416، 420، 422، 426، 429، 430، 434، 435، 437، 439، 447، 450، 451، 452، 453، 455، 457، 460، 462، 463، 464، 465، 469، 470، 471، 475، 476، 477، 484، 490، 491، 498، 499، 501، 503، 504، 508، 509، 512، 513، 516، 519، 521، 523، 525، 527، 530، 531، 532، 535، 536، 537، 539، 545، 551، 556، 557، 558، 561، 562، 563، 565، 566، 567، 569، 570، 571، 573، 574، 576، 577، 579، 580، 585، 588، 589، 593، 594، 599، 600، 602، 603، 604، 605،(المقدمة/198)
606، 607، 608، 609، 613، 614، 615، 616، 617، 618، 619، 624، 626، 627، 628، 629، 630، 631، 634، 635، 640، 641، 643، 651، 652، 654، 655، 657، 662، 666، 674، 676، 677، 684، 686، 694، 698، 703، 706، 710، 712، 715، 717، 718، 719، 720، 721، 722، 723، 724، 725، 726، 727، 728، 735، 736، 737، 741، 743، 744، 747، 748، 752، 755، 760، 765، 766، 767، 770، 772، 773، 776، 778، 780، 784، 785، 786، 787، 789، 791، 794، 796، 797، 800، 801، 804، 806، 809، 813، 814، 824، 825، 828، 829، 830، 833، 837، 840، 845، 847، 851، 852، 853، 855، 856، 857، 858، 860، 862، 864، 866.
ثانياً: الحسن لذاته الذي ارتقى للصحيح:
6، 14، 21، 22، 27، 35، 89، 90، 118، 135، 143، 161، 176، 206، 276، 311، 383، 384، 392، 398، 403، 427، 443، 446، 456، 486، 511، 514، 549، 633، 681، 705، 761، 781، 790، 819، 859.
ثالثاً: الحسن لذاته:
67، 98، 106، 183، 199، 204، 228، 267، 272، 433، 472، 542، 610، 646، 647، 649، 667، 678، 690، 691، 704، 756، 846.
رابعاً: الضعيف الذي ارتقى للصحيح:
1، 2، 4، 7، 20، 24، 26، 28، 33، 42، 43، 48، 51، 52، 54، 56، 57، 58، 59، 62، 63، 74، 76، 82، 84، 88، 94، 96، 97، 119،(المقدمة/199)
120، 124، 139، 142، 145، 147، 148، 153، 158، 159، 166، 167، 168، 174، 179، 189، 211، 213، 224، 225، 232، 245، 253، 268، 270، 275، 283، 292، 293، 294، 304، 312، 316، 317، 323، 329، 331، 337، 343، 344، 346، 347، 351، 353، 354، 355، 359، 361، 368، 369، 380، 385، 390، 391، 396، 401، 402، 414، 418، 423، 428، 429، 436، 444، 445، 448، 479، 480، 492، 500، 510، 544، 550، 552، 564، 572، 575، 584، 587، 590، 596، 597، 598، 601، 622، 638، 639، 644، 653، 656، 657، 658، 660، 661، 680، 682، 695، 696، 697، 699، 700، 701، 702، 709، 713، 730، 733، 734، 740، 749، 757، 758، 759، 768، 771، 774، 775، 777، 779، 788، 792، 793، 802، 803، 805، 806، 808، 810، 811، 812، 815، 816، 821، 822، 823، 831، 835، 836، 838، 841، 868.
خامساً: الضعيف الذي ارتقى للحسن:
30، 31، 39، 45، 47، 58، 60، 103، 108، 109، 165، 169، 170، 172، 180، 181، 261، 323، 345، 376، 459، 467، 468، 510، 522، 540، 552، 659، 672، 673، 707، 733، 734، 763، 817، 818.
سادساً: الضعيف:
5، 8، 9، 11، 12، 13، 19، 23، 29، 37، 40، 41، 46، 49، 50، 55، 64، 65، 66، 69، 70، 71، 73، 77، 78، 79، 80، 81، 83، 85، 87، 89، 92، 101، 102، 105، 107، 126، 130، 133، 134، 149، 150، 154، 155، 157، 160، 162، 163، 169، 171، 172، 175، 193، 195، 196، 197، 201، 205، 208، 212، 216، 220، 226،(المقدمة/200)
233، 234، 235، 239، 250، 251، 255، 262، 263،264، 271، 279، 281، 296، 297، 301، 309، 320، 328، 330، 332، 334، 339، 341، 358، 360، 362، 363، 370، 373، 400، 406، 413، 418، 419، 424، 425، 431، 432، 438، 440، 441، 449، 454، 458، 461، 466، 472، 473، 478، 485، 488، 489، 493، 494، 495، 496، 497، 502، 505، 506، 507، 517، 518، 520، 529، 531، 533، 534، 536، 538، 541، 542، 543، 546، 547، 548، 553، 554، 555، 559، 560، 568، 572، 578، 580، 581، 583، 586، 591، 592، 595، 611، 612، 620، 621، 636، 637، 642، 645، 648، 649، 650، 656، 663، 664، 665، 668، 669، 670، 671، 675، 680، 683، 685، 687، 688، 689، 692، 693، 711، 714، 716، 729، 731، 738، 739، 745، 746، 750، 751، 753، 754، 759، 762، 764، 769، 775، 782، 783، 793، 795، 796، 798، 799، 803، 807، 820، 826، 827، 832، 834، 839، 842، 843، 848، 849، 850، 851، 854، 861، 863، 867، 869.
سابعاً: الضعيف جداً:
18، 25، 68، 72، 75، 93، 127، 169، 178، 191، 200، 210، 221، 230، 256، 269، 273، 307، 327، 365، 379، 381، 412، 415، 421، 442، 474، 481، 483، 515، 524، 528، 582، 621، 623، 632، 665، 708، 732، 742، 844.
ثامناً: الضعيف جداً الذي صح من وجه آخر:
407، 417، 482، 487.
وهذه الأحاديث التي حكمت عليها بشدة الضعف- على قلّتها-(المقدمة/201)
ثلاثة أقسام:
1- فقسم محل اجتهاد، وهي الأحاديث التي تتعدد أسباب الضعف فيها، فهذه بعضهم لا يلحقها بالضعيف الذي اشتد ضعفه.
2- والقسم الثاني: الأحاديث المُعْضَلَةُ، وهي قليلة العدد؛ لا تتجاوز سبعة أحاديث في هذا القسم.
3- والقسم الثالث: الأحاديث التي في سندها رواة اشتدّ ضعفهم، وهم من قيل فيه: ((متروك)) أو ((ضعيف جداً)) ، أو نحو ذلك. فهؤلاء قسمان:
أ- فقسم- وهم الأكثر- من شيوخه الذين لقيهم، وعرف أحوالهم، واطلع على أحاديثهم، فميّز جَيَّدَها من رديئها. ولا شك أن المرء أشد معرفة بحديث شيوخه، وبصحيح حديثهم من ضعيفه ممن تقدم عصرهم.
وبهذا اعتُذر عن البخاري فيما أخرجه في صحيحه من طريق بعض الرواة المُضَعَّفِين (1) .
ب- وقسم ضعَّفهم العلماء جداً، لكنهم تساهلوا فيما يروونه مما ليس بمرفوع؛ كجويبر بن سعيد. فكثير من الأحاديث التي حكمت عليها بشدّة الضعف من روايته للتفسير عن الضحاك بن مزاحم، وهذه الرواية تساهل فيها العلماء. قال يحيى بن سعيد القطان: ((تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثقونهم في الحديث)) ، ثم ذكر الضحاك وجويبراً ومحمد بن السائب، وقال: ((هؤلاء لا يحمل حديثهم، ويكتب التفسير عنهم)) ، وقال أحمد بن سيار المروزي: ((جويبر بن سعيد كان من أهل بلْخ، وهو صاحب الضحاك، وله رواية ومعرفة بأيام الناس، وحاله حسن في التفسير، وهو ليِّن في الرواية)) ، وقال الإمام أحمد لما سئل
__________
(1) كما في النكت على كتاب ابن الصلاح (1 / 288) .(المقدمة/202)
عنه: ((ما كان عن الضحاك فهو أيسر، وماكان يسند عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - فهو منكر)) (1) .
وقد يكون سعيد أخرج الحديث من طريق ذلك الراوي الذي اشتد ضعفه لكونه يرى أنه ضعيف فقط، فهو إمام ناقد، وله بعض الاجتهادات في أحوال الرجال؛ كتوثيقه عبد الله بن عبد العزيز الليثي وهو مُضَعَّف (2) .
وبهذه الإحصائية يتضح خطأ ما قاله السيوطي في تدريب الراوي (3) حين قال: ((من مظان المعضل والمنقطع والمرسل: كتاب السنن لسعيد بن منصور، ومؤلفات ابن أبي الدنيا)) . وتابعه على قوله هذا: الكتّاني في الرسالة المستطرفة (4) .
ووجه تخطئة السيوطي في كلامه هذا: تخصيصه سنن سعيد بن منصور دون سواها بوجود هذه الأنواع (المعضل والمنقطع والمرسل) بما يفيد كثرتها فيها، وهذا ليس بصحيح؛ فهذا القسم المحقق عدد أحاديثه تسعة وستون وثمانمائة حديث، ولم أجد فيه من المعضل سوى سبعة أحاديث، وهي رقم [72، 75، 191، 230، 415، 483، 515] . وأكثر هذه الأنواع- التي ذكرها- وجوداً في السنن هو المرسل، وعدد الموجود منه في هذا القسم: تسعة وستون حديثاً (5) ، وهذا إنما يشكل نسبة ثمانية في المائة فقط تقريباً (8%) .
وليس وجود المرسل خاصاً بسنن سعيد بن منصور، لأن هناك
__________
(1) تهذيب التهذيب (2 / 123 - 124) .
(2) انظر (ص 95 - 96) من هذه المقدمة.
(3) (1 / 214) .
(4) (ص 34) .
(5) كما تقدم (ص 191) .(المقدمة/203)
من يشاركه في إخراج كثير من هذه الأحاديث المرسلة، ولم يجعل السيوطي كتابه من مظنَّة المرسل؛ كابن أبي شيبة، فإنه شارك سعيداً في إخراج كثير من هذه الأحاديث المرسلة، كالحديث رقم [30، 33، 53، 55، 57] وغيرها.
هذا مع أن سعيد بن منصور لم يرد أن يجعل كتابه مقصوراً على الأحاديث المرفوعة المسندة، بل أدخل فيه المسند وغير المسند؛ كالموقوف والمرسل والمقطوع، وسبيل هذه واحد عند كل من صنف بناء على ذلك؛ لأنهم يحتجّون بالمرسل والموقوف؛ كالإمام مالك في الموطأ وغيره (1) .
ز- مقارنته بطريقة علماء عصره:
لما ابتدأت مرحلة التصنيف في عام ثلاثة وأربعين ومائة (2) ، كان معظم المصنفات التي صُنِّفت تضمّ أحاديث النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما ورد عن الصحابة والتابعين مرتبة على الأبواب، إلى أن رأى بعض الأئمة أن تفرد أحاديث النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة، وذلك في حدود عام مائتين (3) ، فصُنِّفت المسانيد التي أفردت أحاديث كل صحابي على حِدَةٍ غير مرتبة؛ فقد تجد حديثاً في النكاح يتلوه حديث في الصلاة، وهكذا، إلى أن جاءت طبقة بعدهم رتَّبت هذه الأحاديث المرفوعة على الأبواب الفقهية لا يخالطها شيء من الآثار عن الصحابة والتابعين في الغالب، كما في صحيحي البخاري (4) ومسلم، وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه،
__________
(1) انظر النكت على كتاب ابن الصلاح (1 / 277 - 279) .
(2) انظر ما تقدم (ص 52 / ق) .
(3) انظر ما تقدم (ص 7 / ق) .
(4) ولا يعني هذا خلوّ صحيح البخاري من الموقوف والمقطوع، فهي موجودة فيه، لكنه أخرجها عن موضوع الكتاب، فساقها في تراجم الأبواب محذوفة الأسانيد عمداً، =(المقدمة/204)
وجامع الترمذي.
ولا يعني هذا انقطاع التصنيف الذي يضم المرفوع والموقوف والمقطوع، بل استمرّ كما في مصنف عبد الرزاق (ت 211 هـ) ، وسنن سعيد بن منصور (ت 227 هـ) ، ومصنف ابن أبي شيبة (ت 235 هـ) ، وسنن الدارمي (ت 255 هـ) ، ومصنَّف بقيّ بن مخلد (ت 276 هـ) ، فإنها جميعها من الكتب التي صنِّفت على الأبواب، وتضمّ أحاديث النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفتاوى الصحابة والتابعين.
وشبه سنن سعيد- في الجملة- بمصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة ظاهر.
وتقدم ذكر قول ابن حزم (1) - وهو يذكر مصنفات بقي بن مخلد-: ((ومنها: مصنَّفه في فتاوى الصحابة والتابعين ومن دونهم، الذي أربى فيه على مصنف أبي بكر بن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق، ومصنف سعيد بن منصور، وغيرها، وانتظم علماً عظيماً لم يقع في شيء من هذه)) .
ويظهر هذا الشبه من خلال الكتب التي تضمنَّتها هذه المصنفات الثلاثة.
فكتاب الوضوء (2) ، والصلاة، والجنائز، والمناسك، والجهاد، والفرائض، والأشربة، والعقيقة، والنكاح، والوصايا، وفضائل القرآن، جميعها من الكتب التي تضمنتها هذه المصنفات الثلاثة، إلا أن عبد الرزاق سمى كتاب الوضوء: كتاب الطهارة، وسماه ابن أبي شيبة:
__________
= يصنع ذلك تنبيهاً واستشهاداً واستئناساً وتفسيراً لبعض الآيات.
انظر النكت على كتاب ابن الصلاح (1 / 278) .
(1) انظر (ص 131 - 132) من هذه المقدمة.
(2) تقدم ذكر ما عثرت عليه من الكتب التي تضمنتها سنن سعيد بن منصور (ص 140) .(المقدمة/205)
كتاب الطهارات (1) ، وسمى ابن أبي شيبة كتاب الصلاة: كتاب الصلوات، وكتاب المناسك: كتاب الحج.
وكذا كتاب الزكاة، وصلاة العيدين، والصيام، والاعتكاف، واللقطة، والطلاق، جميعها جاءت عند عبد الرزاق أيضاً بهذا الاسم، وأما ابن أبي شيبة فإنه ذكر الأبواب المتعلقة بها، إلا أنه لم يرد عنده اسم الكتاب.
وكتاب الأذان جاء عند ابن أبي شيبة هكذا، وأما عبد الرزاق فإنه أدخله ضمن كتاب الصلاة.
وأما الصيد والحدود والأدب والزهد، فلم ترد عند عبد الرزاق، وهي موجودة عند ابن أبي شيبة.
وأما كتاب صدقة الفطر، فجاء عند عبد الرزاق ضمن كتاب صلاة العيدين وعند ابن أبي شيبة ضمن أبواب الزكاة.
وأما كتاب التفسير، فإن سعيد بن منصور أدخله ضمن السنن، وأفرده كل من عبد الرزاق (2) وابن أبي شيبة بتصنيف مستقلّ.
وأما كتاب الجامع فلم يرد عند ابن أبي شيبة، وأما عبد الرزاق فجاء في آخر المطبوع من مصنفه (3) : كتاب الجامع، لكن مجرد الاطلاع عليه يدلّ على أنه الجامع لمعمر بن راشد، من رواية
__________
(1) هذا إذا كانت التسمية منهما، فإن محققي الكتابين وضعا التسمية بين قوسين، فقد يكون ذلك من إضافتهما.
(2) أما تفسير عبد الرزاق فإنه طبع في ثلاثة أجزاء بتحقيق الدكتور مصطفى مسلم، ونشرته مكتبة الرشد بالرياض عام 1410هـ.
وأما تفسير ابن أبي شيبة فلا نعلم عنه شيئاً، وقد وصفه الذهبي في سير أعلام النبلاء (11 / 122) بأنه كبير.
(3) (10 / 379) .(المقدمة/206)
عبد الرزاق عنه.
وثَمَّةَ كتب جاءت عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة، ولم ترد فيما ذكر من كتب السنن، منها عند عبد الرزاق: كتاب الحيض، والجمعة، والمغازي، وأهل الكتاب، والبيوع، والشهادات، والمكاتب، والأيمان والنذور، والولاء، والمواهب، والصدقة، والمدبَّر، والعقول.
وعند ابن أبي شيبة: كتاب الجمعة، والأيمان والنذور، والديات، وأقضية النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والدعاء، والأمراء، والفضائل، والتاريخ، والجنة، وذكر النار، وذكر رحمة الله، والأوائل، والرد على أبي حنيفة، والمغازي، والفتن، والجمل.
هذا عدا الأبواب التي لم يعنون لها ابن أبي شيبة بكتاب، كالبيوع وما يتعلق بها؛ كالرهن، والسلم، والسلف، وغير ذلك كثير.
ولا يعني هذا الجزم بأن هذه الكتب ليست من محتويات السنن؛ لأن الذي ذكر ابن خير الإشبيلي إنما هو بعض كتب السنن، وعليه اعتمدت في معرفة بعض المفقود من كتب السنن كما سبق (1) .
هذا بالإضافة إلى أن بعض هذه الكتب التي عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة قد تكون ضمن كتب أخرى، فكتاب الحيض مثلاً عند عبد الرزاق، قد يكون سعيد أدخله في كتاب الوضوء، وكتاب الجمعة عندهما قد يكون سعيد أدخله ضمن كتاب الصلاة، وهكذا.
وأكثر الكتابين شبهاً بسنن سعيد- من حيث محتوى كل كتاب- هو مصنف ابن أبي شيبة؛ يدل على ذلك موافقته له في إخراج كثير من الأحاديث والآثار في الكتب التي يتفقان عليها، بل إنه يتابعه
__________
(1) انظر ما تقدم (ص 140) .(المقدمة/207)
متابعة تامة في كثير من الأحاديث والآثار، لكونهما يتفقان في كثير من الشيوخ.
وقد قمت بعمل مقارنة في كتاب اشترك هؤلاء الثلاثة- عبد الرزاق وسعيد وابن أبي شيبة- في إخراجه، وهو فضائل القرآن.
فقد بلغ عدد أحاديث هذا الكتاب عند سعيد بن منصور: سبعة وستين ومائة حديث (1) ، أخرج عبد الرزاق منها: اثنين وأربعين حديثاً، بينما أخرج ابن أبي شيبة منها: اثنين وثمانين حديثاً، أي قريباً من ضعف ما أخرج عبد الرزاق، ونصف ما أخرج سعيد.
وفيما يلي ذكر أرقام الأحاديث التي أخرجها كل من عبد الرزاق وابن أبي شيبة مما أخرجه سعيد:-
1- ما أخرجه عبد الرزاق:
رقم [4، 7، 9، 14، 16، 17، 18، 21، 30، 47، 62، 77، 81، 83، 84، 89، 90، 97، 100، 101، 110، 113، 117، 118، 119، 120، 124، 131، 134، 135، 139، 142، 143، 146، 147، 149، 151، 155، 158، 161، 162، 164] .
2- ما أخرجه ابن أبي شيبة:
رقم [1، 3، 4، 6، 7، 8، 10، 12، 14، 15، 16، 18، 21، 22، 24، 27، 28، 29، 30، 32، 33، 34، 35، 37، 39، 43، 44، 45، 47، 48، 51، 53، 54، 55، 56، 57، 58، 62، 63، 71، 80، 81، 82، 83، 84، 85، 87، 89، 91، 92، 97، 104، 110، 111، 116، 117، 118، 119، 120، 121، 122، 123، 124، 125، 128، 131، 134، 137،
__________
(1) بداية هذا الكتاب (ص 7) ، ونهايته (ص 503) من هذا القسم المحقق.(المقدمة/208)
140، 142، 143، 146، 147، 149، 151، 152، 155، 156، 157، 158، 164، 166] .
وبرغم اتفاق سعيد وابن أبي شيبة على إخراج هذه الكمية من الأحاديث والآثار في هذا الكتاب، فإن ابن أبي شيبة رتبها وغيرها على أبواب، بينما سردها سعيد بلا تبويب.
وفيما يلي ذكر لتراجم الأبواب التي ذكرها ابن أبي شيبة لهذه الأحاديث والآثار التي اتفق هو وسعيد على إخراجها، وفيه دلالة على أنه كان بإمكان سعيد أن يترجم بها، أو بما يشبهها من التراجم.
فمن تلك الأبواب التي ذكرها ابن أبي شيبة في كتاب فضائل القرآن:
باب ما جاء في إعراب القرآن، وباب ثواب من قرأ حروف القرآن، وباب في حسن الصوت بالقرآن، وباب في فضل من قرأ القرآن، وباب ما فسر بالشعر من القرآن، وباب في تعاهد القرآن، وباب في نسيان القرآن، وباب من كره أن يتأكَّل بالقرآن، وباب في التمسك بالقرآن، وباب التنطع بالقراءة، وباب في الماهر بالقرآن، وباب في الرجل إذا ختم ما يصنع، وباب من قال: يشفع القرآن لصاحبه يوم القيامة، وباب من قال لصاحب القرآن: اقرأ وارقه، وباب فيمن تعلم القرآن وعلّمه، وباب في الوصية بالقرآن وقراءته، وباب من قرأ مائة آية أو أكثر، وباب من كره أن يقول: قرأت القرآن كله، وباب من كره أن يفسر القرآن، وباب من كره أن يتناول القرآن عند الأمر بعرض من أمر الدنيا، وباب القرآن على كم حرف نزل، وباب في القراءة يسرع فيها، وباب من نهى عن التماري في القرآن، وباب في القرآن متى نزل، وباب في رفع القرآن والإسراء به، وباب من قال: عظِّموا القرآن، وباب في المصحف يُحَلَّى، وباب التعشير في(المقدمة/209)
المصحف، وباب من قال: جرِّدوا القرآن، وباب من كره أن يقرأ بعض الآية ويترك بعضها، وباب في القرآن يختلف على الياء والتاء، وباب في درس القرآن وعرضه، وباب في قراءة النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على غيره.
5- الزيادات عليه:-
جرت عادة بعض رواة كتب بعض الأئمة أن يقوم الراوي بزيادة أحاديث من مروياته في الكتاب الذي يرويه، كزيادات عبد الله بن الإمام أحمد على المسند والزهد وفضائل الصحابة لأبيه، وزيادات القطيعي الراوي عن عبد الله أيضاً، وزيادة بعض رواة سنن أبي داود، وغيرها.
وهكذا محمد بن علي الصائغ الراوي للسنن عن سعيد بن منصور، له بعض الزيادات اليسيرة، والذي عثرت عليه منها- على عَجَلٍ- حديثان في القسم الذي حققه الشيخ الأعظمي.
الحديث الأول جاء هكذا: حدثنا محمد، ثنا محمد بن معاوية، قال: نا ابن لهيعة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن نوفل، عن عروة بن الزبير قال: قالت لنا أسماء بنت أبي بكر: يا بَنِيَّ وبَني بَنِيَّ، إن هذا النكاح رِقّ، فلينظر أحدكم عند من يُرِقّ كريمته (1) .
والحديث الثاني جاء هكذا: حدثني محمد، قال: حدثني أبو عمرو سهل بن زنجلة الرازي، قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عن الأوزاعي، قال: سألت الزهري: أيّ أزواج رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - التي استعاذت منه؟ فقال: حدثني عروة، عن عائشة، أن ابنة الجون الكلابية، لما دخلت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -، فذهب يدنو منها، فقالت: عائذاً بالله، فقال: ((عذت بعظيم، ضُمِّي ثيابك، والحقي بأهلك)) (2) .
__________
(1) المطبوع من سنن سعيد بتحقيق الأعظمي (1 / 149 رقم 591) ، وهو في المخطوط الذي عندي كذلك (ل 21 / أ) .
(2) المطبوع من السنن أيضاً (1 / 206 رقم 832) ، والمخطوط (ل 28 / ب) .(المقدمة/210)
6- مميزاته:
لقد حرص العلماء على الظفر بسنن سعيد بن منصور وروايتها، ولذا تعددت طرقها عن المصنِّف وتلاميذه فمن بعدهم (1) .
ويعود هذا الحرص والاهتمام بالكتاب إلى ما له من مميزات سأوجزها فيما يلي:
1- مكانة المؤلف العلمية، فهو أحد الأئمة الحفاظ المتقنين الذين أخرج لهم الجماعة أصحاب الكتب الستة، وممن تتلمذ عليه كبار الأئمة الحفاظ؛ كالإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، وأبي حاتم، وأبي زرعة، وغيرهم ممن تقدم ذكرهم (2) .
ولذلك لما صنَّف أبو نعيم كتابه ((تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً)) ، ذكر السبب الباعث له على تصنيف كتابه هذا فقال (3) : ((وحملني على ذلك: قِدَمُ وفاة سعيد بن منصور، وموضعه من التوثُّق والفضل، وهو سعيد بن منصور، أبو عثمان الخراساني، نزيل مكة، ثبت صدوق، حدَّث عنه الكبار من الحفاظ والمتقنين)) .
ويقول الذهبي: ((من نظر سنن سعيد بن منصور عرف حفظ الرجل وجلالته)) (4) .
2- قيمة الكتاب العلمية، وتتجلَّى في:
أ- كونه من الكتب القليلة التي تعنى بتخريج الآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بالإضافة للأحاديث المرفوعة. ولا يخفى ما
__________
(1) كما تقدم (ص 139 - 144) .
(2) (ص 85 / ق - 91 / ق) .
(3) (ص 25 - 26) .
(4) تاريخ الإسلام (ص 186 / وفيات 221 - 230) .(المقدمة/211)
لتخريج الآثار من الأهمية، فإنها تعكس لنا ما كان عليه السلف من العمل في العقائد والأحكام وغير ذلك.
ب- ما يمتاز به الكتاب من علو الإسناد؛ لما منّ الله به على المؤلف من طول العمر، حتى إنه أدرك شيوخاً لم يدركهم بعض من اتفق معه في سنة الوفاة أو قاربها. وقد بلغ من حرص العلماء على الظفر بعلو الإسناد: أن الكثير منهم كان يرحل المسافات الطويلة لأجل ذلك.
ومن أمثلة العلوّ في هذ السنن: الأحاديث الثلاثية من طريق بعض الصحابة، كأبي هريرة، والبراء بن عازب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعائشة رضي الله عنهم أجمعين.
فالحديث الآتي برقم [167] رواه المصنف عن شيخه أبي مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سعيد المَقْبُرِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
والحديث رقم [223] رواه المصنف عن شيخه أبي الأحوص، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -.
ومثله الحديث رقم [224] رواه من طريق شيخه حُدَيْجُ بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إسحاق السبيعي، عن البراء، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -.
والحديث الآتي رقم [366] أخرجه المصنف عن شيخه أبي عَوَانَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عن جابر رضي الله عنه في سبب نزول قَوْلُهُ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (1) .
وانظر أيضاً الحديثين رقم [645، 809] .
والحديث الآتي رقم [683] أخرجه المصنف عن شيخه سفيان بن عيينة، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ رَأَى ابن أم مكتوم
__________
(1) الآية (223) من سورة البقرة.(المقدمة/212)
فِي بَعْضِ مَوَاطِنِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَهُ لواء المسلمين.
وانظر أيضاً الحديثين رقم [27، 718] .
والحديث الآتي رقم [492] أخرجه المصنِّف عن شيخه حَمَّادُ بْنُ يَحْيَى الْأَبَحُّ، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -.
جـ- تفرُّد المصنِّف ببعض الآثار التي لا توجد عند غيره- حسب بحثي-، ولذلك يقول ابن نقطة في ترجمة سعيد بن منصور-: ((وصنَّف كتاب السنن، وجمع فيها من أقوال الصحابة والتابعين وفتاويهم ما لم يجمعه غيره)) (1) .
ومن أمثلة ذلك: الحديث رقم [203] أخرجه المصنِّف بسند صحيح من طريق شيخه سفيان بن عيينة، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: كَيْفَ نَقْرَأُ: {واتَّبِعُوا} (2) ، أَوِ: {اتَّبَعُوا} ؟ قَالَ: هُمَا سَوَاءٌ، اقْرَأْ قِرَاءَتَكَ الأولى.
فهذا الحديث برغم صحة سنده، وبرغم أنه يتعلق بقراءةٍ من القراءات التي لم ترد- حسب علمي- عن غيره، لم أجد من رواه أو ذكره.
وانظر أمثلة كثيرة فيما يظهر أن المصنف تفرَّد به في الأحاديث رقم: [49، 59، 75، 78، 96، 107، 163، 182، 196، 197، 202، 216، 217، 228، 271، 272، 310، 360، 423، 470، 471، 472، 477، 541، 548، 553، 569، 573، 583، 586، 627، 635، 671، 714، 752، 847] .
__________
(1) التقييد (2 / 17) .
(2) الآية (102) من سورة البقرة.(المقدمة/213)
د- إخراج المصنف بعض الآثار التي يشاركه فيها بعض أصحاب المصنفات المفقودة، كعبد بن حميد وابن المنذر في تفسيريهما.
ومن أمثلة ذلك الحديثان الآتيان برقم [529، 530] .
هـ- تفرد المصنِّف ببعض الطرق التي تقوِّي طرقاً أخرى، أو تفيد في كشف علّة لبعض الطرق، أو ترجِّح بض الطرق حال وجود اختلاف في بعض الأحاديث.
ومن أمثلة ذلك: ما أخرجه البخاري في صحيحه (1) عن شيخه عمرو بن عون، قال: حدثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عكرمة قال: رأيت رجلاً عند المقام يكبِّر في كل خفض ورفع، وإذا قام، وإذا وضع، فأخبرت ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: أَوَليس تلك صلاة النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا أُمَّ لك؟.
فهذا الحديث في سنده هشيم وهو مدلس، ولم يصرح بالسماع من شيخه أبي بشر، لكن قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2) : ((قوله: عن أبي بشر، صرَّح سعيد بن منصور عن هشيم بأن أبا بشر حدَّثه)) .
ومن ذلك أيضاً: ما أخرجه الإمام أحمد وغيره (3) عن زيد بن الحباب، عن إسماعيل بن مسلم، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ردد آية حتى أصبح.
فهذا الحديث من نظر إليه بهذا السياق حكم عليه بالصحة، أو بالحُسْن على الأقل، لثقة رجاله، عدا زيد بن الحباب فمختلف فيه (4) .
__________
(1) في كتاب الأذان، باب إتمام التكبير في السجود (2 / 271 رقم 787) .
(2) (2 / 271) .
(3) انظر تخريجه في الحديث الآتي رقم [160] .
(4) انظر ترجمته في الحديث [160] أيضاً.(المقدمة/214)
لكن للحديث علَّة كشفتها رواية سعيد بن منصور للحديث؛ فإنه أخرجه برقم [160] من طريق شيخه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إسماعيل بن مسلم، عن أبي المتوكل الناجي، مرسلاً.
وهذا أصوب؛ لأن عبد الله بن المبارك أوثق من زيد بن الحباب.
ومن ذلك أيضاً: ما أخرجه الإمام أحمد في المسند والترمذي وابن جرير وغيرهم (1) من طريق عبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان ووكيع وأبي نعيم، جميعهم عن سفيان الثوري، عن أبيه سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضحى، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ وَلِيِّي مِنْهُمْ: أَبِي وَخَلِيلُ رَبِّي)) ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه وهذا النبي} (2) .
والحديث بهذه الصفة يكون ضعيفاً للانقطاع بين أبي الضحى وابن مسعود، والواقع أنه صحيح؛ لأنه رواه عن سفيان الثوري كل من أبي أحمد الزبيري، ومحمد بن عبيد الطنافسي، والواقدي، وروح بن عبادة، فقالوا: عن سفيان، عن أبيه، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عن ابن مسعود.
فدلّ هذا على أن هناك اختلافاً على سفيان في وصله وقطعه، والاختلاف من سفيان نفسه كما أوضحه الشيخ أحمد شاكر (3) ، والصواب وصله؛ فإن سفيان قد توبع على وصله.
فأخرجه سعيد بن منصور- كما سيأتي- برقم [501] عن شيخه أبي الأحوص سلاّم بن سليم، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أبي الضُّحى،
__________
(1) انظر تخريجه في الحديث الآتي برقم [501] .
(2) الآية (68) من سورة آل عمران.
(3) انظر تفصيل ذلك كله في الحديث رقم [501] .(المقدمة/215)
عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، به.
وهذا إسناد صحيح كما هو مبين في تخريج الحديث والحكم عليه.
و كبر الكتاب، وكثرة حديثه، وشهرته، وندرته، وأهمية موضوعه.
قال الخطيب البغدادي في ترجمة سعيد: ((وله كتاب في السنن والأحكام كبير، وحديثه كثير مشهور)) (1) .
وقال ابن كثير: ((سعيد بن منصور صاحب السنن المشهورة التي لا يشاركه فيها إلاالقليل)) (2) .
ويدل على هذه الأهمية للكتاب: حرص أصحاب الكتب على رواية حديثه، ومن أمثلة ذلك: الحديث الآتي برقم [681] ، وهو حديث طويل أخرجه سعيد من طريق شيخه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، في سبب نزول قوله تعالى: {غير أولي الضرر} (3) .
فهذا الحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات، وأبو داود في سننه، والحاكم في المستدرك، ثلاثتهم من طريق المصنِّف سعيد بن منصور (4) به.
ومثله الحديث رقم [686] ، وهو حديث طويل أيضاً أخرجه المصنِّف من طريق شيخه جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عن أبي عياش الزُّرَقي، في صفة صلاة النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصلاة الخوف بعسفان.
فهذا الحديث أخرجه أبو داود في سننه، والطبراني في المعجم
__________
(1) المتفق والمفترق (ل 110 / أ) .
(2) البداية والنهاية (10 / 299) .
(3) الآية (95) من سورة النساء.
(4) كما هو مبين في تخريج الحديث رقم [681] .(المقدمة/216)
الكبير، والدارقطني في سننه، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في سننه، جميعهم من طريق المصنِّف، به (1) .
ومثله الحديث الذي أخرجه المصنِّف في كتاب الزهد (2) فقال: نا حجر بن الحارث الغساني- من أهل الرَّملة-، عن عبد الله بن عوف الطائي- وكان عاملاً لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه على الرملة-، أنه شهد عبد الملك بن مروان قال لبشر بن عقربة الجهني يوم قتل عمرو بن سعيد: يا أبا اليمان، إني قد احتجت اليوم إلى كلامك، فَتَكَلَّمْ، فقال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - يقول: ((من قام بخطبة لا يلتمس فيها إلا رياء وسمعة، وقفه الله عز وجل موقف رياء وسمعة)) .
فهذا الحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات (3) ، والإمام أحمد في المسند (4) ، والبخاري في التاريخ الصغير (5) ، والدولابي في الكنى (6) ، والطبراني في المعجم الكبير (7) ، وأبو نعيم في تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً (8) ، وابن عساكر في تاريخه (9) ، جميعهم من طريق سعيد بن منصور، به.
ز- ما يمتاز به الكتاب من جودة الأسانيد، وتقدم (10) ذكر إحصائية
__________
(1) كما هو مبين في تخريج الحديث رقم [686] .
(2) (ل 204 / أ) .
(3) الطبقات لابن سعد (7 / 429) .
(4) مسند الإمام أحمد (3 / 500) .
(5) التاريخ الصغير للبخاري (1 / 159) .
(6) الكنى والأسماء للدولابي (1 / 94) .
(7) المعجم الكبير للطبراني (2 / 29 رقم 1227) .
(8) تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عالياً لأبي نعيم (ص 46) .
(9) تاريخ دمشق لابن عساكر (3 / 376) .
(10) (ص 199) من هذه المقدمة.(المقدمة/217)
لعدد الأحاديث الصحيحة والحسنة، وبينت أن الأحاديث المقبولة بلغت نسبة سبعين في المائة (70%) ، نسبة الصحيح منها (لذاته ولغيره) بلغت ثلاثة وستين في المائة تقريباً (63% تقريباً) منها أحاديث على شرط الشيخين أو أحدهما، ومنها أحاديث مروية بأصحّ الأسانيد.
فالحديث رقم [34] مثلاً على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
والحديث رقم [16] على شرطهما وأخرجاه.
والحديث رقم [215] على شرطهما وأخرجه البخاري.
والحديث رقم [187] على شرطهما وأخرجه مسلم.
وأما أصح الأسانيد، فمنها على سبيل المثال: الحديث رقم [131] مروي بأصح الأسانيد إلى عائشة رضي الله عنها: سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة عنها رضي الله عنها (1) .
والحديث رقم [809] مروي بأصح أسانيد المكيين: سفيان بن عيينة، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جابر رضي الله عنه (2) .
والحديث رقم [840] مروي بأصح الأسانيد إلى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ بن أبي حازم، عنه رضي الله عنه (3) .
وهكذا في جملة كبيرة.
حـ- الاستفادة من تعقيبات سعيد بن منصور على الأحاديث، وهي تعقيبات لها قيمتها لكونها صادرة من إمام، وسبق ذكر نماذج منها (4) .
ط- قلة روايته للإسرائيليات في تفسيره.
__________
(1، 2، 3) انظر كتاب النكت على كتاب ابن الصلاح (1 / 256 - 258) .
(4) انظر (ص 102 - 104) من هذه المقدمة.(المقدمة/218)
7- بعض المآخذ عليه:
ومع ما تقدم من ذكر ما للكتاب من المميزات، فهناك بعض المآخذ عليه، ومنها:
أ- فيما يتعلق بالتبويب، يؤخذ عليه ما تقدم ذكره (1) من أنه يخلي بعض الكتب من سننه أحياناً من التبويب كما صنع في فضائل القرآن.
وتتكرر عنده أحياناً بعض تراجم الأبواب التي كان بإمكانه ضَمُّ بعضها إلى بعض.
ويخلي بعض الأبواب أحياناً من الترجمة.
ب- إخلاله أحياناً بترتيب بعض الأحاديث التي تتعلق بتفسير الآيات التي يتطرق لتفسيرها في كتاب التفسير، مما ألجأني إلى ترتيب تلك الأحاديث ترتيباً يتفق مع ترتيب الآيات (2) .
جـ- ومما يؤخذ على الكتاب أيضاً: ما يقع للمصنف من الأوهام في بعض الأحيان، والشكّ في أحيان أخرى.
فمن أمثلة وهمه: الحديث الآتي برقم [695] ، فإنه رواه عن شيخه سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ الثقفي في تفسير قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (2) .
فهذا الحديث وهم فيه سعيد بن منصور كما قال الدارقطني (3) ،
__________
(1) (ص 189 - 190) من هذه المقدمة.
(2) وهي مواضع ليست كثيرة، فانظر ما سيأتي (ص 772، 1063، 1065، 1066، 1073، 1074، 1075، 1076، 1084 - 1085، 1088، 1089، 1268، 1270، 1285، 1371، 1401، 1660) .
(2) الآية (123) من سورة النساء.
(3) انظر كلامه بتمامه في التعليق على الحديث رقم [695] .(المقدمة/219)
وصوابه: عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زهير بدل: ابن عمارة بن رويبة.
ومن أمثلة شكِّه: الحديث الآتي برقم [36] ، فإن المصنِّف شكّ فيه في الصحابي، هل هو عبد الله بن عمر أو عبد الله بن عمرو، وصوابه: ابن عمرو كما مبين في تخريج الحديث.
ومثل هذا الوهم والشك لم يكثر من المصنِّف حتى يقدح فيه، بل هو مما يقع مثله له ولغيره من الحفاظ، وتقدم الكلام عن ذلك (1) .
د- عدم ذكره للآيات التي يتطرق لتفسيرها، وقد قمت باستدراك ذلك.
هـ- إخراجه بعض الأحاديث من طريق بعض الرواة الذين اشتدّ ضعفهم؛ كالحكم بن ظهير وعمرو بن ثابت الحدّاد وأضرابهما إلا أنه يمكن أن يجاب عن ذلك بما سبق أن بيّنته من أن بعض هؤلاء الرواة من شيوخ المصنِّف الذين عرفهم واطلع على أحاديثهم فميَّز جيِّدها من رديئها، وبعضهم محل نظر من حيث الحكم عليهم بشدة الضعف من عدمه.
6- التعريف بنسخ الكتاب:
يوجد للكتاب- حسب علمي- ثلاث نسخ:
النسخة الأولى: نسخة كاملة موجودة في الخزانة الألمانية، مكتوبة بخط الشوكاني رحمه الله، ذكر ذلك المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي (2) . وعمدة المباركفوري في ما ذكره: ما جاء في فهرسٍ كَتَبَهُ رجل هندي ذكر أنه زار هذه المكتبة، وانتخب من موجوداتها بعض العناوين، ومنها سنن سعيد بن منصور، وذكر أنها بخط الشوكاني،
__________
(1) (ص 113) من هذه المقدمة.
(2) انظر ما تقدم (ص 9 / ق) .(المقدمة/220)
إلا أننا لا نعلم شيئاً عن هذه النسخة حتى الآن، وسمعت بعض المهتمّين بالمخطوطات يكذب ما جاء في هذا الفهرس، فالله أعلم.
النسخة الثانية: هي النسخة التي اعتمدها الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في ما نشره من هذه السنن، وهي نسخة مكتبة كوبريلي التي اكتشفها الدكتور محمد حميد الله. وذلك أنه كان يدرس بإستنابول عام 1380 هـ، وأثناء اشتغاله ببعض أموره العلمية في مكتبة محمد باشا كوبريلي، طلبت منه إدارة المكتبة مساعدتها في ترتيب بعض المخطوطات، ومنها المجلدات من رقم 438 إلى رقم 444 التي جاء في فهرس المكتبة المذكورة أنها نسخة أخرى لكتاب مشكاة المصابيح.
فلما تصفّح الدكتور حميد الله هذه المجلدات، وجد مكتوباً على ناصية المجلد رقم 438 ما نصه: ((مصنف ابن أبي شيبة)) ، وعلى رقم 439 ما نصه: ((المجلد الرابع. غلط. صح: المجلد الثالث)) ، وعلى المجلدات من 440 إلى 444 أيضاً: ((مصنف ابن أبي شيبة)) ، وبعد أن بذل جهداً في المقابلة بين نسخ مصنف ابن أبي شيبة، تبين له أن رقم 439 ليس من مصنف ابن أبي شيبة، وإنما هو سنن سعيد بن منصور (1) ، فأخذه ودفعه لمحمد ميان السملكي، الذي دفعها بدوره للشيخ حبيب الرحمن الأعظمي. لكن هذه النسخة ناقصة، وتشكل فقط المجلد الثالث الذي يبدأ بكتاب الفرائض، وينتهي بنهاية كتاب الجهاد.
النسخة الثالثة: هي النسخة التي اعتمدت عليها في تحقيق هذا
__________
(1) انظر تفاصيل اكتشافه في مقدمة المطبوع من سنن سعيد بن منصور بتحقيق الأعظمي (1 / 2 - 7) .(المقدمة/221)
القسم، وقد عثرت عليها في مكتبة الشيخ محمد بن سعود الصبيحي كما أسلفت (1) .
وهي نسخة ناقصة تشكِّل- فيما يظهر- نصف السنن، وتقع في مجلد كبير عدد صفحاته سبعون وأربعمائة صفحة (235 ورقة) ، يبدأ بكتاب الفرائض، وينتهي بنهاية السنن، فهو يضمّ القسم المطبوع الذي حققه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي بأكمله وزيادة. وهذه الزيادة تبدأ بفضائل القرآن، ثم كتاب التفسير، ثم كتاب الزهد، وهو آخر السنن.
وهذه النسخة مكتوبة بخط رقعة جيد، ناسخها هو: مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن الهواري (2) سنة أربع وثمانين وسبعمائة للهجرة.
تضم الصفحة الواحدة من هذه النسخة خمسة وعشرين سطراً، وفي السطر الواحد ثلاث وعشرون كلمة تقريباً.
وقد تعرّضت الورقتان الأولى والأخيرة من هذه النسخة للتلف، إلا أن صاحب النسخة- الشيخ الصبيحي- أخبرني أنه استدرك ذلك، فنسخها قبل تلفها.
والورقة الأولى ضمن المطبوع، وأما الأخيرة، فقد طلبت من صاحب النسخة- مؤخراً- تصويرها لي مع ما فيها من تلف، فأجاب مشكوراً.
والناسخ لهذه النسخة من العلماء المشهورين- كما سيأتي في ترجمته-، ولذا فإن التصحيف في النسخة قليل جداً، لكن يبقى ما
__________
(1) انظر (ص 10 / ق) من هذه المقدمة.
(2) ستأتي ترجمته.(المقدمة/222)
لا يسلم منه عالم ولا غيره، وهو السقط، الذي لا يمكن التحرُّز منه إلا بالمقابلة، وهذا هو عيب هذه النسخة، فإنها مع كونها قليلة التصحيف، فإنها كثيرة السقط؛ لكونها لم تقابل- فيما يظهر-. وكم بذلت من الجهد في استدراك ما سقط، فوفِّقتُ بحمد الله في كثير منه كما سيأتي في طريقة العمل في الكتاب، وبقي منه مواضع قليلة لم أستطع تداركها، فعسى أن يتيسر ذلك.
ولا يعني هذا أنه ليس في النسخة استدراكات وتصويبات، بل هناك أشياء استدركت وصوِّبت في الهامش، إلا أن الذي لم يصوب كثير، فانظر مثلاً الأحاديث رقم [26، 36، 37، 40، 41، 45، 62، 73، 76، 121، 122، 124، 137، 138، 150، 157، 368، 376، 377، 405، 438، 465، 706] وغيرها.
وجاء في أول هذه النسخة ما نصه: ((بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى. رب يسر، وأعن، وتمم، واختم لنا بخير يا كريم. أخبرنا الشيخ الْحَافِظُ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بن المبارك ... )) ، وساق إسناد النسخة (1) .
وفي آخر كتاب الجهاد الذي هو آخر المطبوع بتحقيق الشيخ الأعظمي جاء في هذه النسخة (2) ما نصه: ((آخر كتاب الجهاد، يتلوه إن شاء الله تعالى فضائل القرآن)) .
وهذه العبارة: ((يتلوه إن شاء الله تعالى فضائل القرآن)) لم ترد في النسخة التي اعتمدها الشيخ الأعظمي (3) .
__________
(1) وهو نفس الإسناد الذي على النسخة التي اعتمدها الشيخ الأعظمي فيما طبعه من السنن (1 / 1) .
(2) (ل 104 / أ) .
(3) انظر المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (2 / 377) .(المقدمة/223)
وفي آخر هذا المجلد ما نصه: ((آخر كتاب السنن. الحمد لله رب العالمين حمداً يوافي نعمه، ويكافيء مزيده، على كل حال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي، وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته، وأهل بيته، وعلى إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد. وافق الفراغ من تعليق هذه النسخة المباركة من أولها إلى آخرها 4 (1) شهر الله الحرام، عام 784 (2) ، على يد فقير رحمة ربه وراجيها، وشفاعة مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن الهواري، الصخاوي، غريب الديار، بقرية. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (3) من المرج القبلي بدمشق، حامداً مصلياً مسلماً)) .
وليس على هذه النسخة سماعات. ويظهر أنها والنسخة التي اعتمدها الشيخ الأعظمي فيما طبعه من السنن نسختا عن أصل واحد، بدليل أن سندهما واحد (4) ، وتاريخ نسخهما متقارب (5) ومكانهما واحد (6) ، ونجد كثيراً من الأخطاء التي ترد في إحداهما موجوداً في الأخرى كذلك (7) .
وفيما يلي ترجمة للناسخ لهذه النسخة، يتلوه نماذج من المخطوط:
__________
(1، 2) كتابة الأربعة عند الناسخ تشبه العين هكذا: ((عـ)) .
(3) الناسخ يسكن قرية عقربا كما سيأتي في ترجمته، لكن المكتوب لا يشبه رسم هذه الكلمة، وقد تعسّر عليّ قراءة الكلمة موضع النقط.
(4) انظر ما تقدم (ص 163) .
(5) فهذه النسخة كتبت سنة أربع وثمانين وسبعمائة كما تقدم، بينما كتبت الأخرى سنة خمس وعشرين وسبعمائة.
انظر المطبوع من السنن بتحقيق الأعظمي (2 / 377) .
(6) فكلاهما نسخ في مرج دمشق كما تقدم وكما في الموضع السابق من المطبوع من السنن.
(7) انظر ما سيأتي من مقارنة المخطوط بما طبع بتحقيق الأعظمي في آخر الرسالة.(المقدمة/224)
ترجمة ناسخ المخطوطة
هو مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن الهواري، السخاوي، سعد الدين الشافعي، المصري، نزيل دمشق (1) .
ولد سنة بضع وثلاثين وسبعمائة.
قال الحافظ ابن حجر: ((وطلب بعد كبره، فقرأ على صلاح الدين العلائي، وولي الدين المنفلوطي، وبهاء الدين بن عقيل، والأسنوي، وغيرهم.
ومهر في الفرائض والميقات، وكتب بخطِّه الكثير لنفسه ولغيره، ثم سكن دمشق، وانقطع بقرية عقربا، وكان الرؤساء يزورونه وهو لا يدخل البلد، مع أنه لا يقصده أحد إلا أضافه وتواضع معه. وكان ديِّناً متقشِّفاً، سليم الباطن، حسن الملبس، يستحضر الكثير من الفوائد وتراجم الشيوخ الذين لقيهم، دميم الشكل جداً رحمه الله. وله كتاب في الأذكار سمّاه: بدر الفلاح في أذكار المساء والصباح. ومات بقرية عقربا شهيداً بالطاعون سنة تسع عشرة- يعني وثمانمائة-)) (2) .
وذكره ابن فهد في من توفي بدمشق في سنة تسع عشرة وثمانمائة، فقال: ((والزاهد المحدِّث سعد الدين مساعد بن شاري (3) بن مسعود الهواري)) (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في إنباء الغمر بأبناء العمر لابن حجر (7 / 248 - 249) ، ولحظ الألحاظ لابن فهد (ص 267 - 268) ، والضوء اللامع للسخاوي (10 / 155) ، وشذرات الذهب لابن العماد (7 / 143) .
(2) إنباء الغمر (7 / 248 - 249) .
(3) كذا جاء في لحظ الألحاظ بالشين المعجمة، وفي باقي المصادر بالسين المهملة.
(4) لحظ الألحاظ (ص 267 - 268) .(المقدمة/225)
وقال السخاوي: ((ذكره شيخنا- يعني ابن حجر- في أنبائه، وتبعه المقريزي في عقوده، وهو ممن أجاز لشيخنا الزَّمْزَمي في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة)) (1) .
* * *
__________
(1) الضوء اللامع (10 / 155) .(المقدمة/226)
أول صفحة من المخطوط وهي بخط صاحب النسخة الشيخ محمد بن سعود الصبيحي
وهي أول المطبوع بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي(المقدمة/227)
آخر صفحة من القسم الذي طبع بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي(المقدمة/228)
بداية القسم المحقق(المقدمة/229)
الورقة الأخيرة من المخطوطة وهي آخر السنن(المقدمة/230)
القسم الثاني
طريقة العمل في الكتاب(المقدمة/231)
طريقة العمل في الكتاب
1- قمت بنسخ المخطوط ومقابلته.
2- ضبطت النص وفق قواعد الإملاء الحديثة؛ لأن الناسخ أخلّ بهذه القواعد في بعض المواضع، فتجده يكتب ((إسحاق)) هكذا ((إسحق)) ، و ((معاوية)) هكذا ((معوية)) ، و ((أبو الضحى)) هكذا ((أبو الضحا)) ، و ((يخشى)) هكذا: ((يخشا)) ، ولا يكتب الهمزة، وإذا كان أصلها ياء أرجعها إلى أصلها، فيكتب ((عجائبه)) هكذا: ((عجايبه)) ، ويكتب العدد رقماً، فتجده يكتب ((ستة مساكين)) هكذا: ((6 مساكين)) .
3- صوبت ما أخطأ فيه الناسخ من الآيات، كالحديث الآتي برقم [283] ، فإنه كتب قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تأتوا البيوت} هكذا: {ليس البر ... } ، وفي الحديث رقم [292] كتب قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً} هكذا: {ومن كان منكم مريضاً} .
4- نظراً لكون النسخة وحيدة، ولم يقم ناسخها بمقابلتها بعد نسخها- كما سبق بيانه-، فقد تعدد فيها السقط، بالإضافة إلى ما لا تكاد تخلو منه نسخة خَطِّيَّة من تصحيف أو تحريف أو خطأ لغوي، فلا يخفى على بصير بهذا العلم أن المعاناة مع النسخة الوحيدة التي هذا شأنها تكون صعبة. ولقد بذلت قُصَارى جُهدي في محاولة توثيق النص وضبطه؛ وذلك بالتوسع في التخريج ما أمكنني، ومحاولة معرفة ما إذا كان المصنِّف قد أخرج الحديث في مكان آخر من السنن، أو ما إذا كان هناك من أخرج الحديث من طريقه، أو نقله عنه. وقد وُفِّقتُ في هذا كثيراً- بحمد الله-، مع أن هناك بعض المواضع- وهي قليلة- لا يزال الغموض يَكْتَنِفُها.(المقدمة/233)
وميّزت ما قمت بتصويبه أو استدراكه؛ بجعله بين قوسين، مع الإشارة في الحاشية إلى ما هو موجود في الأصل الذي اعتمدته، والمرجع الذي صوّبت أو استدركت منه.
5- وضعت خطّاً مائلاً هكذا (/) للدلالة على موضع ابتداء الصفحة في المخطوط، وأضع بحذائه في الهامش رقم اللوحة والوجه منها. فمثلاً: [ل 123 / ب] يعني الوجه الثاني (الأيسر) من اللوحة (الورقة) الثالثة والعشرين بعد المائة، وهكذا.
6- قمت بترقيم الأحاديث ترقيماً متسلسلاً، من بداية القسم الذي قمت بتحقيقه، وهو يبتديء بفضائل القرآن، وينتهي بنهاية تفسير سورة المائدة، فبلغ عدد الأحاديث [869] حديثاً.
وقد اعتبرت الإسناد في الترقيم، مع غضّ الطرف عن المتن؛ لأن المتن الواحد قد يرد بأسانيد متعددة، فأعتبره بعدّة تلك الأسانيد.
7- دراسة الإسناد: قمت بالترجمة لرجال الإسناد؛ فأضع رقماً فوق اسم الراوي الذي لم أترجم له سابقاً، ثم أترجم له في الهامش، فأذكر اسمه كاملاً، ونسبه، ولقبه، وكنيته، وبلده- بحسب ما أجده من ذلك-، ثم أذكر عدداً من أشهر شيوخه وتلاميذه، مع الحرص على أن يكون المذكور في الإسناد منهم، ثم أذكر خلاصة الحكم عليه، وأتبعه بالبيان؛ وذلك بذكر أهم أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه، ثم أذكر سنة وفاته وولادته إن وجدتا، أو إحداهما، وإلا ذكرت طبقته التي ذكرها الحافظ ابن حجر في التقريب، إن كان الراوي من المذكورين فيه. وإن كان روى له الجماعة أصحاب الكتب الستة بيَّنت؛ لأنه مما يزيد الراوي توثيقاً، وإلا أهملته. ثم أذكر المصادر التي استقيت منها ترجمة ذلك الراوي.
وإذا كان الراوي من المُخْتَلَفِ فيهم، واستطعتُ الترجيح والمناقشة(المقدمة/234)
فعلتُ.
وفي معظم الأحيان أختار خلاصة الحكم على الراوي مما ذهب إليه الحافظ ابن حجر في التقريب إن كان الراوي من رجال الكتب الستة ووجدت حكم الحافظ عليه مناسباً لأقوال النقاد فيه، وإلا اجتهدت في ذكر خلاصة الحكم عليه مع التعليل ما أمكن ومحاولة الاعتماد على غير ابن حجر- إن أمكن، وكان ذلك مناسباً-؛ كالحافظ الذهبي في الكاشف أو غيره.
وإن كان الراوي مدلِّساً أو مختلطاً بيَّنت حكم روايته من حيث القبول أو الردّ، وإن كان فيها تفصيل بيَّنته، مع الاعتماد على تقسيم الحافظ ابن حجر للمدلِّسين في كتابه ((طبقات المدلسين)) ، إلا أن يكون الراوي ممن يحتاج إلى تفصيل في روايته أكثر مما ذكره ابن حجر في الطبقات كالأعمش، فإني لا أعتمد حينذاك على حكمه عليه في الكتاب المذكور.
8- قمت بالتعليق على ما يحتاج إلى تعليق- حسب اجتهادي-، وذلك بوضع رقم على موضعه في المتن، والتعليق في الحاشية. وقد أجعل التعليق تذييلاً بعد الانتهاء من تخريج الحديث والحكم عليه؛ معنوناً له بـ: ((تنبيه)) ، أو: ((فائدة)) .
9- بعد ذلك أضع رقم الحديث- الذي في الأصل- في الحاشية، ثم أصدِّر الكلام عليه بالحكم عليه حسب قواعد أهل الاصطلاح، وحسب ما أدى إليه نظري، متجشِّماً الصعاب، فأسأله سبحانه إقالة العثرة ومغفرة الزلَّة.
والحكم الذي أذكره- باديء ذي بدء- إنما هو على إسناد المصنِّف، فإن كان صحيحاً اكتفيت بذلك، وإن كان دون الصحيح وله شواهد أو متابعات يرتقي بها، بيَّنت ذلك عقب حكمي على إسناد(المقدمة/235)
المصنِّف، ثم أذكر الحكم أيضاً عقب الفراغ من ذكر المتابعات والشواهد- إن وجدت-.
10- بعد ذلك أبدأ بتخريج الحديث، فأبدأ بمن عزا الحديث للمصنِّف كالسيوطي مثلاً في الدر المنثور، أو من نقله عنه كابن كثير في التفسير، ثم أذكر المتابعات التَّامَّة ثم القاصرة، فأبدأ بمن أخرج الحديث من طريق المصنِّف كالبيهقي، ثم من تابع المصنف على إخراجه عن شيخه، فشيخ شيخه، وهكذا ولو في الصحابي.
ولربما كان المصنف قد أخرج الحديث في موضع آخر من السنن، فأذكره قبل البدء بتخريج المتابعات.
وقد استفدت فائدة عظمى في تقويم النَّصّ من ذكر المصنِّف للحديث في موضع آخر من السنن، أو مِنْ نَقْلِ الحديث عنه، أو إخراجه من طريقه.
11- في أثناء التخريج عنيت بالإسناد والمتن، ولم أكتف بمجرّد الإحالة على من أخرج أصل الحديث، بل أذكر من الرواة مَنْ بذكره تتضح المتابعة، ثم أنبِّه على المتن، فإن كان بمثل سياق المصنِّف قلت: ((بمثله)) ، وإن كان قريباً منه قلت: ((بنحوه)) ، وإن كان اللفظ مختلفاً والمعنى واحداً قلت: ((بمعناه)) ، وإن كان فيه زيادة أو نقص بيَّنت ذلك، وقد أحتاج إلى ذكر اللفظ فأذكره.
12- لقد أكثر المصنِّف من ذكر القراءات مسندة إلى أصحابها من الصحابة والتابعين- في الأغلب-. وهنا أقوم بالرجوع إلى ما أستطعته من كتب القراءات والتفاسير، وأخرِّج تلك القراءة منها، مع ما يتبع ذلك من توجيه للقراءة ونحوه.
13- لقد سرد المصنِّف الأحاديث والآثار سرداً في تفسير كل سورة، ولم يذكر الآية التي يتعلق ذلك الحديث بتفسيرها، لذا قمت بوضع(المقدمة/236)
الآيات من نفسي، بين معكوفتين هكذا: [] وجعلت تحتها الأحاديث التي تتعلق بتفسيرها كما صنع ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما من المفسرين.
14- قمت بوضع فواصل بين كل سورة وما قبلها، ومكتوب في الفاصل اسم السورة الآتي تفسيرها.
15- التزم المصنف ترتيب الأحاديث والآثار حسب ترتيب الآيات، وهذا في الأعمّ الأغلب، لكنه أخل بهذا الترتيب في بعض المواضع، فقمت بترتيبها حسب ترتيب الآيات- وإن كان فيه إخلال بترتيب المصنف-، مع الإشارة في هامش الأحاديث- التي يبتديء الترتيب من عندها وينتهي- إلى ما صنعته من تقديم وتأخير.
وهذا إنما حصل بالنسبة لترتيب الآيات.
أما الموضوعات التي تندرج تحت تفسير الآية، فإن المصنف لم يلتزم ترتيبها حسب مجيئها في الآية، فقد يقدِّم مبحثاً على آخر، فوجدت أني سأخل بترتيب أكثر الكتاب إذا ما حاولت ترتيبها ترتيباً يتناسب مع مباحث الآية، فلذلك أهملته، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* * *(المقدمة/237)
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحَيمِ
رب يسر، وتمم، وأعن، واختم بخير يا كريم [ل105/أ]
أخبرنا الْحَافِظُ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ، وَأَبُو غَالِبٍ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، قَالَا: أنا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَاقِلَانِيُّ الكَرَجي، قَالَ: نا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَاذَانَ، قَالَ: نا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ السِّجِسْتَانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: نا سعيد بن منصور قال:(1/5)
فَضَائِلُ الْقُرْآنِ
1- حَدَّثنَا حُدَيْج بنُ مُعَاوِيَةَ (1) ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ (2) ، عَنْ مُرَّة (3) ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: ((مَنْ أَرَادَ الْعِلمَ فَعَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ فِيهِ (خبر) (4) الأولين والآخرين)) .
__________
(1) هو أبو معاوية حُدَيْج بن معاوية بن حُدَيْج - مصغّرًا -، الجعفي، الكوفي، أخو زهير، يروي عن أبي إسحاق السبيعي وأبي الزبير وليث بن أبي سليم وغيرهم، وعنه أبو داود الطيالسي وعمرو بن عون وسعيد بن منصور وغيرهم، وكانت وفاته قبل وفاة أخيه زهير بستين، وكانت وفاة زهير سنة اثنتين وسبعين ومائة، وقيل: ثلاث وسبعين، وحديج هذا صدوق يخطئ قال البخاري: ((يتكلمون في بعض حديثه)) ، وقال أبو حاتم: ((محله الصدق، وليس مثل أخيه؛ في بعض حديثه ضعف؛ يكتب حديثه)) ، وضعفه النسائي.
انظر: "الجرح والتعديل" (3 / 310 - 311 رقم 1382) ، و"الكامل" لابن عدي (3 / 837 - 838) ، و"التهذيب" (2 / 217 - 218 رقم 401) ، و (3 / 352) ، و"التقريب" (ص 154 رقم1152) .
(2) هو عمرو بن عبد الله بن عبيد الهَمْداني، أبو إسحاق السَّبيعي - بفتح المهملة وكسر الموحّدة - الكوفي، مشهور بكنيته، ثقة مكثر عابد، روى عن زيد بن أرقم والبراء بن عازب وجابر بن سمرة والأسود وعبد الرحمن ابني يزيد وسعيد بن جبير ومسروق بن الأجدع ومُرَّة بن شراحيل وهبيرة بن يريم وغيرهم، وروى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ والمغيرة بن شعبة، وقد رآهما، وقيل: لم يسمع منهما، روى عنه ابنه يونس وابن ابنه إسرائيل بن يونس والأعمش وشعبة ومسعر وسفيان الثوري وشريك وغيرهم، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وتوفي سنة ست وعشرين ومائة، وقيل: سنة سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وعشرون ومائة،(1/7)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وقد وثّقه الإمام أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، والعجلي، وروى له الجماعة، وهو مدلّس من الطبقة الثالثة، وصفه بالتدليس شعبة، ومعن، وابن حبان، والكرابيسي، والطبري، لكن رواية شعبة عنه مأمونة الجانب من تدليسه؛ قال شعبة: ((كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبي إسحاق، وقتادة)) ، قال الحافظ ابن حجر: ((فهذه قاعدة جيّدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة أنها جاءت من طريق شعبة دلّت على السماع، ولو كانت معنعنة)) وقد اختلط أبو إسحاق بآخره، لكن رواية شعبة، وسفيان الثوري، وقتادة وشريك بن عبد الله عنه قبل الاختلاط.
انظر: "الجرح والتعديل" (6 / 242 - 243 رقم 1347) ، و"التهذيب" (8 / 63 - 67 رقم 100) ، و"التقريب" (ص423 رقم 5065) ، و""طبقات المدلسين"" (ص101، 151) ، و"الكواكب النيرات مع حاشيته" (ص341 - 357 رقم 41) .
(3) هو مُرَّةُ بن شَراحيل البَكِيْلّي الهَمْداني - بسكون الميم -، أبو إسماعيل الكوفي، ثقة عابد، روى عن علي وأبي ذر وحذيفة وابن مسعود وأبي موسى وغيرهم، وروى عن أبي بكر وعمر وقيل لم يسمع منهما، روى عنه الشعبي وعطاء بن السائب وحصين بن عبد الرحمن وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهم، وكانت وفاته سنة ست وسبعين للهجرة، وقد وثقه ابن معين والعجلي، وروى له الجماعة، ويقال له: مرة الطيب، ومرة الخير؛ لُقِّب بذلك لعبادته.
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 336 رقم 1668) ، و"التهذيب" (10 / 88 - 89 رقم 158) ، و"التقريب" (ص525 رقم6562) .
(4) في الأصل: ((خير)) ، والتصويب من الموضع الآتي من "شعب الإيمان" للبيهقي؛ فإنه روى الحديث من طريق المصنِّف.
[1] سنده ضعيف لما تقدم عن حال حُدَيج وأبي إسحاق، وهو صحيح لغيره كما سيأتي.
وقد أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (4 / 513 رقم 1808) من طريق المصنف هنا بمثله.
وتقدم أن رواية شعبة، عن أبي إسحاق مأمونة الجانب من تدليسه، وهي قبل الاختلاط، وقد روى الحديث من طريق شعبة وغيره، عنه. =(1/8)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= فأخرجه مسدد في "مسنده" كما في "المطالب العالية المسندة" (ل108/ب) ، وانظر المطبوعة (3 / 133 رقم 3079) .
وعبد الله بن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" (ص229 رقم 854) .
والطبراني في "الكبير" (9 / 146 رقم 8666) .
ثلاثتهم من طريق شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْ أَرَادَ الْعِلمَ فليثور القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين.
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين؛ شعبة بن الحجاج بن الورد العَتَكي، مولاهم، أبو بسطام الواسطي، ثم البصري ثقة حافظ متقن، كان الثوري يقول: ((هو أمير المؤمنين في الحديث)) ، وهو أول من فتّش بالعراق عن الرجال، وذبّ عن السنة، وكان عابدًا، روى له الجماعة، روى عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ وأيوب السختياني وثابت البناني وأبي بشر جعفر بن أبي وحشية وحصين بن عبد الرحمن والحكم بن عتيبة والأعمش وقتادة وأبي إسحاق السبيعي وغيرهم، روى عنه يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع وعبد الله بن إدريس وعبد الله بن المبارك وأبو داود الطيالسي ومحمد بن جعفر غندر وغيرهم؛ وكانت ولادته سنة اثنتين وثمانين للهجرة، ووفاته سنة ستين ومائة.
انظر: "الجرح والتعديل" (1 / 126 - 129) و (4 / 369 - 371 رقم 1609) ، و"التهذيب" (4 / 338 - 346 رقم 580) ، و"التقريب" (ص266 رقم 2790) .
وشيخ مسدد في هذا الحديث والراوي عن شعبة هو: يحيى بن سعيد بن فَرُّوخ - بفتح الفاء، وتشديد الراء المضمومة، وسكون الواو، ثم معجمة -، التميمي، أبو سعيد القطّان، البصري، وهو ثقة متقن حافظ إمام قدوة، روى له الجماعة، كان الإمام أحمد يقول: ((إليه المنتهى في التثبيت بالبصرة، ما رأت عيناي مثله)) . روى عن سليمان التيمي وحميد الطويل وإسماعيل بن أبي خالد ويحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة وعكرمة بن عمار والأعمش وابن جريج والأوزاعي والإمام مالك وشعبة والثوري وغيرهم، روى عنه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه =(1/9)
2- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا حُدَيْج بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ (1) ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: ((لَا يَضُرُّ الرَّجُلَ أَنْ لَا يُسْأَلَ عَنْ نَفْسِهِ، إِلَّا الْقُرْآنَ، فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ - صَلَّى الله عليه وسلم -)) .
__________
= وعلي بن المديني ويحيى بن معين والفلَّاس ومسدد وابن أبي شيبة وغيرهم، وكانت ولادته سنة عشرين ومائة، ووفاته سنة ثمان وتسعين ومائة.
انظر: "الجرح والتعديل" (9 / 150 - 151 رقم 624) ، و"التهذيب" (11 / 216 - 220 رقم 358) ، و"التقريب" (ص591 رقم 7557) .
والحديث أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (ص280 رقم 814) .
ومن طريقه الفريابي في فضائل القرآن (ص197 رقم 78) .
وأخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص36 رقم 80) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 485 رقم 10067) .
ومن طريق النحاس في "القطع والائتناف" (ص84) .
وأخرجه أبو الليث السمرقندي في "تفسيره" (1 / 202 - 204) .
جميعهم من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، به بنحو لفظ المصنف واللفظ السابق.
وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا (14 / 94 رقم 17688) من طريق زهير، عن أبي إسحاق، به نحو لفظ المصنف واللفظ السابق أيضًا.
وأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل كما في "مختصره" (ص158) .
قال الهيثمي في "المجمع" (7 / 165) : ((رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها رجال الصحيح)) .
(1) هو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قيس بن عبد الله النَّخَعي، أبو بكر الكوفي، ثقة، =(1/10)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وثقه ابن سعد وابن معين والعجلي وغيرهم، وروى له الجماعة. روى عن أخيه الأسود وعمِّه علقمة، وعن حذيفة وعثمان وابن مسعود وأبي موسى وعائشة رضي الله عنهم، روى عنه إبراهيم النخعي وعمارة بن عمير وأبو إسحاق السبيعي ومنصور بن المعتمر وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين للهجرة.
انظر: "طبقات ابن سعد" (6 / 121 - 122) ، و"الجرح والتعديل" (5 / 299 رقم 1416) ، و"التهذيب" (6 / 299 رقم 580) ، و"التقريب" (ص253 رقم 4043) .
[2] إسناد هذا الحديث كسابقه، فيه حُدَيْج بن معاوية وهو ضعيف الحديث لكنه قد توبع، وأبو إسحاق السبيعي مدلس ولم يصرح بالسماع، واختلط بآخره، لكن هذا الحديث من صحيح حديثه.
فتقدم أن رواية شعبة عنه صحيحة، ورواية سفيان الثوري عنه قبل الاختلاط، وقد رويا عنه هذا الحديث.
فأخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 142 رقم 8657) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4 / 581 - 582 رقم 1861) .
كلاهما من طريق شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ عبد الله قال: ((من أحب أن يعلم أنه يحب الله ورسوله فلينظر، فإن كان يحب القرآن، فهو يحب الله وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) .
وأخرجه الفريابي في "الفضائل" (114 - 117 رقم 6 و 7) .
والطبراني في "الكبير" (9 / 141 - 142 رقم 8656) .
كلاهما من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق به، ولفظ الفريابي نحو لفظ المصنف، ولفظ الطبراني: ((من كان يحب القرآن ويعجبه فهو بخير)) .
قال في "المجمع" (7 / 165) بعد أن عزاه للطبراني: ((رجاله ثقات)) .
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص6 رقم 10) .
وعلي بن الجعد في "مسنده" (2 / 774 رقم 2040) .
كلاهما من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق به نحوه.
وأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل كما في المختصر منه (ص159) بنحوه.(1/11)
3- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا أَبُو مُعَاوِيَةَ (1) ، عَنِ الْأَعْمَشِ (2) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ (3) ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ((مَنْ أَحَبَّ القرآن فليبشر)) .
__________
(1) هو محمد بن خازم - بمعجمتين - التميمي، السعدي، مولاهم، أبو معاوية الضرير، الكوفي، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره، رمي بالإرجاء، وروى له الجماعة كما في "التقريب" (ص475 رقم 5841) ؛ روى عن الأعمش وعاصم الأحول وأبي مالك الأشجعي وداود بن أبي هند وهشام بن عروة وهشام بن حسان وغيرهم، روى عنه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة وسعيد بن منصور وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وتسعين ومائة، وقيل: أربع، وقيل: خمس وتسعين وله اثنتان وثمانون سنة، وقد وثقه ابن سعد، والعجلي، ويعقوب بن شيبة، والنسائي وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ((كان حافظًا متقنًا، ولكنه كان مرجئًا)) ، وقال ابن خراش: ((صدوق، وهو في الأعمش ثقة، وفي غيره فيه اضطراب)) ، وكان شعبة ممن روى عن الأعمش، ومع ذلك يعظم أبا معاوية ويسأله عن حديث الأعمش، وقال شبابة بن سوار: كنا عند شعبة، فجاء أبو معاوية، فقال شعبة: هذا صاحب الأعمش، فاعرفوه. وقال وكيع: ((ما أدركنا أحداً كان أعلم بأحاديث الأعمش من أبي معاوية)) ، وقال الإمام أحمد: ((أبو معاوية الضرير في غير حديث الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظًا جيدًا)) . وقال أبو حاتم: ((أثبت الناس في الأعمش: الثوري، ثم أبو معاوية الضرير، ثم حفص بن غياث)) . أ. هـ.
من "الثقات" لابن حبان (7 / 441 - 442) ، و"الجرح والتعديل" (7 / 246 - 248 رقم 1360) ، و"التهذيب" (9 / 137 - 139 رقم 191) .
(2) هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي، مولاهم، أبو محمد الكوفي، الأعمش، ثقة حافظ عارف بالقراءات ورع روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص254 رقم 2615) ؛ وروى هو عن زيد بن وهب وأبي وائل شقيق بن سلمة وإبراهيم النخعي، وأبي صالح ذكوان السّمان وأبي عمرو الشيباني وعامر الشعبي وعمارة بن عمير، ومجاهد وأبي الضحى وغيرهم، وروى عنه شعبة والسفيانان وجرير(1/12)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ابن حازم وابن المبارك وهشيم بن بشير وأبو معاوية وغيرهم، وكانت ولادته سنة إحدى وستين، وقيل: تسع وخمسين للهجرة، وكانت وفاته سنة سبع أو ثمان وأربعين ومائة، كان شعبة يقول: ((ما شفاني أحد في الحديث ما شفاني الأعمش)) ، وكان إذا ذكره قال: ((المصحف المصحف)) ، وقال عمرو بن علي الفلاس: ((كان الأعمش يسمى: المصحف؛ لصدقه)) ، وقال يحيى بن سعيد القطان: ((كان من النساك، وهو علامة الإسلام)) ، ووثقه ابن معين، وقال: ((فقير صبور مجانب للسلطان، ورع عالم بالقرآن)) وقال أبو حاتم: ((ثقة يحتج بحديثه)) ، وقال أبو زرعة: ((إمام)) ، وقال النسائي: ((ثقة ثبت)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (4 / 146 - 147 رقم 630) ، و"التهذيب" (4 / 222 - 226 رقم 376) .
وقد وصف الأعمش بالتدليس جمع من الأئمة، منهم الثوري، وشعبة، وأبو معاوية، وهشيم، وابن معين، وابن حبان، ,وغيرهم. بل قال ابن المبارك: ((إنما أفسد حديث أهل الكوفة: أبو إسحاق، والأعمش)) . وقال مغيرة: ((أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق وأُعَيْمشكم هذا)) . قال الذهبي في معنى كلام مغيرة هذا وردِّه: ((كأنه عنى الرواية عمن جاء، وإلا فالأعمش عدل صادق ثبت، صاحب سنة وقرآن، يحسن الظن بمن يحدثه ويروي عنه، ولا يمكننا أن نقطع عليه بأنه عَلِمَ ضعف ذلك الذي يدلّسه، فإن هذا حرام)) .
قلت: الأعمش آية في الضبط والإتقان لاشك في ذلك، وإنما تُكُلِّم فيه بسبب التدليس، قال الذهبي: ((أحد الأئمة الثقات، عداده في صغار التابعين، ما نقموا عليه إلا التدليس)) .
أقول: وهو كوفي: وكان الغالب على أهل الكوفة في ذلك الزمان: التدليس؛ قال يزيد بن هارون: ((قدمت الكوفة، فما رأيت بها أحدًا لا يدلس إلا شريكًا ومسعر بن كدام)) . اهـ. من "جامع التحصيل" (ص114) .
وقد اختلف في قبول عنعنة الأعمش وردها.
فالعلائي في "جامع التحصيل" (ص130) ، والحافظ ابن حجر في "طبقات المدلسين" =(1/13)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= (ص67 رقم 55) ذكراه في الطبقة الثانية من "طبقات المدلسين"، وهم من احتمل الأئمة تدليسهم، وخرجوا لهم في الصحيح، وإن لم يصرحوا بالسماع؛ وذلك إما لإمامتهم، أو لقلة تدليسهم في جنب ما رووا، أو لأنهم لا يدلسون إلا عن ثقة.
والذي يظهر أن ابن حجر متردد في الأعمش، فكما أنه في "طبقات المدلسين" ذكره في الطبقة الثانية، فإنه في النكت على كتاب ابن الصلاح (2 /640) ذكره في الطبقة الثالثة وهم من أكثروا من التدليس وعرفوا به.
وذهب بعض أهل العلم إلى رد عنعنة الأعمش مطلقًا كما يظهر من عبارات بعضهم السابقة.
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (1 / 30) : ((قالوا: لا يقبل تدليس الأعمش؛ لأنه إذا وقف أحال على غير مليء، يعنون: على غير ثقة؛ إذا سألته: عمّن هذا؟ قال: عن موسى بن طريف، وعباية بن ربعي، والحسن بن ذكوان)) .
وساق ابن عبد البر أيضًا بإسناده (ص33) عن أبي معاوية، قال: ((كنت أحدّث الأعمش، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مجاهد، فيجيء أصحاب الحديث بالعشي، فيقولون: حدثنا الأعمش، عن مجاهد، بتلك الأحاديث، فأقول: أنا حدثته عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مجاهد)) .
وذكر العلائي في "جامع التحصيل" (ص115) هذه الحكاية عن أبي معاوية، ثم قال: ((والأعمش قد سمع من مجاهد، ثم (نراه) يدلس عن ثلاثة عنه، وأحدهم متروك، وهو الحسن بن عمارة)) . وقال أيضًا (ص116) : ((وهذا الأعمش من التابعين، وتراه دلس عن الحسن بن عمارة، وهو يعرف ضعفه)) . اهـ.
قلت: أما أن يكون دلّس عن الضعفاء، فنعم، وأما أن يكون قد عرف ضعفهم، فتقدم ردّ الذهبي على من ادعى ذلك.
وبالجملة فالتوقف عن قبول عنعنته هو الأحوط لما سبق، إلا في ثلاثة مواضع:
(أ) ما كان في رواياته بالعنعنة في الصحيحين، فهذا محمول على السماع(1/14)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= كما نص عليه النووي في "التقريب" (1 / 230) ، وفيه خلاف، لكن هذا الذي تطمئن إليه النفس. ففي أسئلة تقي الدين السبكي للحافظ أبي الحجاج المزي، قال: وسألته عن ما وقع في الصحيحين من حديث المدلس معنعنًا، هل نقول: إنهما اطلعا على اتصالها؟
فقال: ((كذا يقولون، وما فيه إلا تحسين الظن بهما. وإلا ففيهما أحاديث من رواية المدلسين، ما توجد من غير تلك الطريق التي في الصحيح)) . اهـ. من "النكت على كتاب ابن الصلاح" (2 / 636) .
(ب) ما كان من روايته عن شيوخه الذين أكثر عنهم ... قال الذهبي في "الميزان" (2 / 224) : ((هو يدلس، وربما دلّس عن ضعيف، ولا يدري به. فمتى قال: (حدثنا) ، فلا كلام. ومتى قال: (عن) ، تطرّق إليه احتمال التدليس، إلا في شيوخ له أكثر عنهم، كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمّان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال)) . اهـ.
(جـ) ما كان من رواية شعبة عنه، ففي "طبقات المدلسين" للحافظ ابن حجر (ص151) نقل الحافظ عن البيهقي قوله: ((وروينا عن شعبة أنه قال: كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبي إسحاق، وقتادة)) . قال ابن حجر عقب إيراده لهذا القول: ((فهذه قاعة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلّت على السماع ولو كانت معنعنة)) . اهـ.
وأما روايته عن مجاهد فالأغلب فيها التدليس كما يظهر من الحكاية التي سبق ذكرها عن أبي معاوية، وفي "العلل" لابن أبي حاتم (2 / 210 رقم 2119) سأل عبد الرحمن أباه أبا حاتم عن حديث رفعه فطر والحسن بن عمرو ولم يرفعه الأعمش، فقال أبو حاتم: ((الأعمش أحفظهم، والحديث يحتمل أن يكون مرفوعًا، وأنا أخشى أن لا يكون سمع الأعمش من مجاهد؛ إن الأعمش قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يروي عن مجاهد مدلَّس)) . اهـ.
(3) هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن ذهل النخعي، =(1/15)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أبو عمران الكوفي، الفقيه، ثقة روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص95 رقم 270) . روى عن خاليه الأسود وعبد الرحمن ابني يزيد، وعن مسروق وعلقمة وشريح القاضي وغيرهم، روى عنه الأعمش ومنصور بن المعتمر وعبد الله بن عون ومغيرة بن مقسم وغيرهم، وكانت وفاته سنة ست وتسعين للهجرة وهو ابن تسع وأربعين سنة، وقيل: ابن ثمان وخمسين.
قال الشعبي: ((ما ترك أحدًا أعلم منه)) . وقال الأعمش: ((كان إبراهيم خيّرًا في الحديث)) . وقال العجلي: ((كان مفتي أهل الكوفة، وكان رجلاً صالحًا فقيهًا متوقيًّا قليل التكلف)) . وقال أبو زرعة: ((إبراهيم النخعي علم من أعلام أهل الإسلام، وفقيه من فقهائهم)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (2 / 144 - 145 رقم 473) ، و"التهذيب" (1 / 177 - 179 رقم 325) .
قلت: وذكر الحافظ ابن حجر أن الحاكم وصف إبراهيم بالتدليس، وبناء على قوله هذا ذكره في "طبقات المدلسين" (ص50 رقم 35) ، لكنه عدّه في الطبقة الثانية، وهم من احتمل الأئمة تدليسه، ولم أجد من ذكر هذا عنه سوى الحاكم، ولعلّه عنى الإرسال، فإن إبراهيم وصف بكثرة الإرسال، ففي الموضع السابق من "التهذيب" نقل ابن حجر عن العلائي قوله: ((هو مكثر من الإرسال، وجماعة من الأئمة صححوا مراسيله، وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود)) .
قلت: وحجته في ذلك ما رواه ابن عبد البر في "التمهيد" (1 / 37 - 38) عن الأعمش قال: قلت لإبراهيم: إذا حدثتني حديثًا فأسنده، فقال: ((إذا قلت: عن عبد الله - يعني: ابن مسعود - فاعلم أنه عن غير واحد، وإذا سمّيت لك أحدًا، فهو الذي سمّيت)) . اهـ.
قال العلائي في "جامع التحصيل" (ص88) : ((وأما ما ذكروه عن إبراهيم النخعي فهو صحيح، رواه شعبة، عن الأعمش، عنه. وكذلك قال أحمد بن حنبل: مرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها. وأشار البيهقي إلى أن هذا إنما يجيء فيما جزم به إبراهيم النخعي عن ابن مسعود، وأرسله عنه؛ لأنه قيّد فعله ذاك. =(1/16)
4- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ الهَمْداني (1) ، عَنْ أَبِي حَصين (2) ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ (3) ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: ((تَعلَّمُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، لَا أَقُولُ: الم ولكن: ألف، ولام، وميم)) .
__________
= فأما غيرها، فإنا نجده يروي عن قوم مجهولين لا يروي عنهم غيره، مثل هني بن نويرة، وجذامة الطائي، وقرثع الضبي، ويزيد بن أوس، وغيرهم)) . اهـ.
[3] الحديث رجاله ثقات، وفيه عنعنة الأعمش، وإرسال إبراهيم له عن ابن مسعود. أما عنعنة الأعمش فإن روايته هنا عن إبراهيم، وهي محمولة على الاتصال كما سبق بيانه. وأما إرسال إبراهيم له، فتقدم أن مراسيله عن ابن مسعود صحيحة، على أنه قد وصله.
فالحديث أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 560 رقم 10129) من طريق محمد بن عبيد.
وأخرجه الدارمي في "سننه" (2 / 311 رقم 3326 و 3327) من طريق أبي عوانة ويعلى.
ثلاثتهم عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ عبد الله، به، مثله، إلا أن لفظ ابن أبي شيبة فيه: ((من قرأ)) بدلاً من قوله: ((من أحب)) . فهؤلاء ثلاثة من الرواة خالفوا أبا معاوية فرووه عن الأعمش موصولاً. وعبد الرحمن بن يزيد تقدم في الحديث السابق أنه ثقة، وعليه فيكون الحديث صحيحًا، والله أعلم.
(1) هو الوليد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثور المُرْهِبي الهَمْداني، الكوفي، وقد ينسب إلى جده، ضعيف كما "التقريب" (ص582 رقم 7431) ؛ يروي عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ وسماك بن حرب ومحمد بن سوقة وغيرهم، وعنه محمد بن الصباح وعباد بن يعقوب وسعيد بن منصور وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وسبعين ومائة، ولم أجد من نص على أنه روى عن أبي حَصين، وسماعه منه محتمل كما يتضح من تاريخ وفاتيهما، وكلاهما كوفي، قال ابن معين: ((ليس بشيء)) ، =(1/17)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وقال أبو حاتم: ((يكتب حديثه، ولا يحتج به)) ، وقال أبو زرعة: ((منكر الحديث، يَهِم كثيرًا، في حديثه وهاء)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (9 / 2 - 3 رقم 6) ، والكامل لابن عدي (7 / 2538 - 2539) ، و"التهذيب" (11 / 137 - 138 رقم 229) .
(2) هو عثمان بن عاصم بن حُصَين الأسيد، أبو حَصِين - بفتح المهملة - الكوفي، ثقة ثبت سُنّي، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص384 رقم 4484) ؛ روى عن جابر بن سمرة وابن الزبير وابن عباس وأنس وأبي وائل وسعيد بن جبير وعامر الشعبي ومجاهد وغيرهم، روى عنه شعبة والثوري ومسعر وإسرائيل وزائدة وغيرهم، وكانت وفاته سنة سبع أو ثمان وعشرين ومائة، وقيل غير ذلك. قال عبد الرحمن بن مهدي: ((حفاظ الكوفة أربعة)) ، وذكر منهم أبا حصين، وقال سفيان الثوري: ((ثقة ثقة)) ، ووثقه ابن معين، وأبو حاتم، والعجلي، ويعقوب بن شيبة، والنسائي، وابن خراش، بل قال ابن عبد البر: ((أجمعوا على أنه ثقة حافظ)) . انظر: "الجرح والتعديل" (6 / 160 - 161 رقم 883) ، و"التهذيب" (7 / 126 - 128 رقم 269) .
(3) هو عوف بن مالك بن نَضْلة - بفتح النون، وسكون المعجمة-، الجُشَمي - بضم الجيم، وفتح المعجمة-، أبو الأحوص الكوفي، مشهور بكنيته، ثقة من الثالثة، قتل في ولاية الحجاج على العراق. كما في "التقريب" (ص433 رقم 5218) ؛ وروى هو عن أبيه وله صحبه، وعن ابن مسعود وأبي موسى وأبي هريرة وغيرهم، روى عنه أبو إسحاق السبيعي وعبد الملك بن عمير وعبد الله بن مرة وأبو الزعراء وعطاء بن السائب وأبو حصين عثمان بن عاصم وغيرهم، وقد وثقه ابن سعد، وابن معين، والنسائي، وذكره ابن حبان في ثقاته.
انظر: "الجرح والتعديل" (7 / 14 رقم 62) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (2 / 1065) ، و"التهذيب" (8 / 169 رقم 305) .
[4] الحديث بإسناد المصنف فيه الوليد بن أبي ثور وهو ضعيف، لكنه لم ينفرد =(1/18)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= به، فالحديث صحيح لغيره بمجموع طرقه.
فقد روي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه من سبعة طرق.
الطريق الأول: طريق أبي الأحوص، وله عنه سبعة طرق.
1- طريق أبي حصين الذي أخرجه المصنف هنا.
وأخرجه ابن منده في كتاب الرد على من يقول (آلم) حرف برقم (13) من طريق إبراهيم بن إسحاق الصيني، أخبرنا عبيدة، عن أبي حصين، به نحوه.
وسنده ضعيف جدًّا، فإبراهيم بن إسحاق الصيني هذا متروك كما قال الدارقطني. وهو يروي عن الإمام مالك وقيس بن الربيع، ويروي عنه موسى ابن إسحاق ومطيِّن ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة.
انظر: "الجرح والتعديل" (2 / 85 - 86 رقم 203) ، و"الضعفاء والمتروكين" للدارقطني (ص112 رقم 31) ، و"سؤالات البرقاني" (ص15 رقم 19) ، و"ديوان الضعفاء والمتروكين" للذهبي (ص8 رقم 150) .
وذكره ابن حبان في "الثقات" (8 / 78) ، وقال: ((ربما خالف وأخطأ)) . وذكره الخطيب في الرواة عن مالك، وساق له حديثًا، ثم قال: ((كذا رواه إبراهيم، ووهم فيه، وصوابه: عن مالك، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - مرسلاً)) .
وقال الحافظ ابن حجر: ((وجدت له خيرًا منكرًا جدًّا ... )) .
انظر: "اللسان" (1 / 30 رقم 51) .
2- طريق عطاء بن السائب، وهو الآتي برقم [6] ، وهو صحيح بمجموع طرقه.
3- طريق إبراهيم الهجري، وهو الآتي برقم [7] ، وهو صحيح بمجموع طرقه.
4- طريق أبي إسحاق السبيعي، واختلف عليه.
فرواه مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عنه مرفوعًا. =(1/19)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وخالفه الباقون، فرووه عنه موقوفًا.
أما رواية مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، فأخرجها:
ابن منده في الرد على من يقول (الم) حرف رقم (11) ، فقال: أخبرنا أبي رحمه الله، أخبرنا عبد الواحد بن أبي الخصيب، حدثنا أحمد بن عبيد بن زياد الإيادي، حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا محمد بن خالد الوَهْبي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ علقمة، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((إن هذه القرآن مأدبة الله عز وجل، فتعلموا من مأدبته ما استطعتم. إن هذا القرآن هو حبل الله تبارك وتعالى، هو النور الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تمسّك به، ونجاة من تبعه، لا يَعْوَجُّ فيُقَوَّمُ، وَلَا يَزِيغُ فيُستَعتَبُ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَخْلَقُ عن كثرة الرد، فاتلوه، فإن الله تعالى يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلَاوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أقول: (آلم) ، ولكن في الألف عشر، وفي اللام عشر، وفي الميم عشر)) .
ومحمد بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وقّاص الليثي المدني يروي عن أبيه وأبي سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن إبراهيم التيمي وغيرهم، ويروي عنه شعبة والسفيانان وحماد بن سلمة ويحيى القطان وغيرهم، وكانت وفاته سنة أربع أو خمس وأربعين ومائة، وهو مختلف فيه، قال علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد - يعني القطان - عنه، فقال: تريد العفو، أو تُشَدَِّد؟ قلت: بل أشدِّد، قال: فليس هو ممن تريد. ووثقه ابن معين في رواية، وفي رواية قال: كانوا يتقون حديثه، وقال ابن المبارك: ((لم يكن به بأس)) ، وقال أبو حاتم: ((صالح الحديث)) ، وقال النسائي: ((ليس به بأس)) ، وقال ابن عدي: ((أرجو أنه لا بأس به)) .
"الجرح والتعديل" (8 / 30 - 31 رقم 138) ، و"الكامل" لابن عدي (6 / 2229 - 2230) ، والتهذيب (9 / 375 - 377 رقم 617) .(1/20)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قلت: الراجح من حاله أنه صدوق كما هو اختيار الذهبي في ((من تكلم فيه وهو موثق)) (ص165 - 166 رقم 307) ، وابن حجر في "هدي الساري" (ص441) .
وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (6 / 136) : ((حديثه في عداد الحسن)) ، وقال في "الميزان" (3 / 673) : ((شيخ مشهور حسن الحديث)) .
وفي سند الحديث عند ابن منده عبد الواحد بن أبي الخصيب، وأحمد بن عبيد بن زياد الإيادي، ولم أجد لهما ترجمة، إلا أن الإيادي ذكره المزي في "تهذيب الكمال" (2 / 871) في الرواة عن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، وسماه: (أحمد بن عبد الله بن زياد بن زكريا بن إسماعيل الإيادي الأعرج، أبا علي) ، ولم أجد له ترجمة بهذا الاسم أيضًا.
ومع ذلك فلم أجد من ذكر محمد بن عمرو فيمن روى عن أبي إسحاق السبيعي، وقد يكون أبو إسحاق هذا هو إبراهيم الهجري الآتي حديثه برقم [7] ، لكن لم أجد أيضًا من ذكر محمد بن عمرو في الرواة عنه، فالله أعلم.
وأما الذين رووا الحديث عن أبي إسحاق موقوفًا، فهم:
أ- شريك بن عبد الله النخعي القاضي عند ابن المبارك في "الزهد" (ص279 رقم 808) ، ولفظه نحو لفظ المصنف هنا.
وسنده ضعيف؛ شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق، إلا أنه يخطئ كثيرًا؛ تغيّر حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، مع كونه عادلاً فاضلاً عابدًا شديدًا على أهل البدع كما في "التقريب" (ص266 رقم 2787) . يروي عن أبي إسحاق السبيعي وعبد الملك بن عمير وإسماعيل بن أبي خالد وعاصم الأحول والأعمش وغيرهم، ويروي عنه ابن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع وهشيم وغيرهم، وكانت ولادته سنة تسعين للهجرة، ووفاته سنة سبع وسبعين ومائة، قال ابن معين: ((شريك ثقة، إلا أنه لا يتقن ويغلط)) .
وروى معاوية بن صالح عن ابن معين أنه قال مرة: ((شريك صدوق ثقة، =(1/21)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= إلا أنه إذا خالف فغيره أحب إلينا منه)) . قال معاوية: وسمعت أحمد بن حنبل يقول شبيهًا بذلك. وقال يعقوب بن شيبة: ((شريك صدوق ثقة، سيء الحفظ جدًّا)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (4 / 365 - 367 رقم 1602) ، و"الكامل" (4 / 1321 - 1338) ، و"التهذيب" (4 / 333 - 337 رقم 577) .
ب- عمر بن عبيد الطنافسي عند أبي عبيد في "الفضائل" (ص12 رقم 23) ، ولفظه نحو لفظ المصنف هنا أيضًا.
وعمر بن عبيد بن أبي أمية الطَّنافِسي - بفتح الطاء والنون، وبعد الألف فاء مكسورة، ثم مهملة -، الكوفي، صدوق روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص415 رقم 4945) ، ونحوه اختيار الذهبي في "الكاشف" (2 / 318 رقم 4154) . يروي عن أبي إسحاق السبيعي وعبد الملك بن عمير والأعمش ومنصور وغيرهم، ويوري عنه أخوه يعلى والإمام أحمد وأبو عبيد وإسحاق بن راهويه وغيرهم، وكانت ولادته سنة أربع ومائة، ووفاته سنة خمس وثمانين ومائة، وقيل: سبع وقيل: ثمان وثمانين ومائة، وقد وثقه ابن سعد وابن معين والإمام أحمد والدارقطني. وأشار إلى معين إلى أنه دون أخويه يعلى ومحمد، وفي رواية قال عنه: ((صالح)) . وقال أبو حاتم: ((محله الصدق)) .
وقال العجلي: ((عمر أخو يعلى ومحمد، وهو أسن منهما، وهو دونهما في الحديث، وكان صدوقًا)) . وذكره ابن حبان في "الثقات".
"الجرح والتعديل" (6 / 123 رقم 668) ، و"طبقات ابن سعد" (6 / 387) ، و"التهذيب" (7 / 480 - 481 رقم 896) .
جـ- معمر بن راشد عند عبد الرزاق في "المصنف" (3 / 368 - 369 رقم 5998) ، ولفظه: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ، فمن استطاع أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ شَيْئًا فَلْيَفْعَلْ، فإن أصفر البيوت من الخير الذي ليس فيه من كتاب الله تعالى شيء، وإن البيت الذي فيه كتاب الله شيء خرب كخراب =(1/22)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= البيت الذي لا عامر له. وإن الشيطان يخرج من البيت يسمع سورة البقرة تقرأ فيه)) .
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 138 رقم 8642) .
ومن طريق الطبراني أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1 / 130 - 131) .
قال الهيثمي في "المجمع" (7 / 164) : ((رجال هذه الطريق رجال الصحيح)) .
قلت: معمر بن راشد الأزدي، مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن، روى له الجماعة، ويروي عن ثابت البناني وقتادة والزهري وعاصم الأحول وأيوب السختياني وهشام بن عروة وعاصم بن أبي النجود، ويروي عنه ابن المبارك وابن عيينة وابن عليّة وعبد الرزاق وهشام بن يوسف وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتين أو ثلاث وخمسين ومائة، وقيل: سنة أربع وخمسين ومائة وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وهو ثقة ثبت فاضل، إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئًا، وكذا فيما حدث به بالبصرة كما في "التقريب" (ص541 رقم 6809) وكذا حديثه عن أهل الكوفة وعاصم بن أبي النجود، فقد وثقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة، وقال النسائي: ((ثقة مأمون)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: ((كان فقيهًا حافظًا متقنًا ورعًا)) . وأما روايته عن ثابت وعاصم والأعمش وهشام بن عروة، وأهل العراق، فقد قال ابن معين لابن أبي خيثمة: ((إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه، إلا عن الزهري وابن طاووس، فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا، وما عمل في حديث الأعمش شيئًا)) . قال: ((وحديث معمر عن ثابت وعاصم بن أبي النجود وهشام بن عروة وهذا الضرب مضطرب كثير الأوهام)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 255 - 257 رقم 1165) ، و"الميزان" (4 / 154 رقم 8682) ، و"التهذيب" (10 / 243 - 246 رقم 439) ، و"هدي الساري" (ص444) . =(1/23)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وقال الذهبي في "السير" (7 / 12) : ((ومع كون معمر ثقة ثبتا، فله أوهام، لاسيّما لما قدم البصرة لزيارة أمه، فإنه لم يكن معه كتبه، فحدَّث من حفظه، فوقع للبصريين عنه أغاليط. وحديث هشام وعبد الرزاق عنه أصح؛ لأنهم أخذوا عنه من كتبه)) . اهـ. والله أعلم.
د- أبو سنان سعيد بن سنان البرجُمي عند الدارمي (2 / 308 رقم 3310) ، ولفظه نحو لفظ حديث معمر السابق، إلا أنه لم يذكر قوله: ((وإن الشيطان يخرج من البيت يسمع سورة البقرة تقرأ فيه)) .
هـ- القاسم بن معن عند أبي نعيم في "أخبار أصبهان" (2 / 272) ، ولفظه نحو لفظ أول حديث معمر السابق، إلا أن أبا نعيم لم يتم سياقه، بل اختصره بقوله: ((الحديث)) .
قلت: يتضح مما سبق أن رواية من رواه عن أبي إسحاق موقوفًا أرجح ممن رواه عنه مرفوعًا؛ لأنهم أوثق وأكثر عددًا، والله أعلم.
5- طريق قتادة:
أخرج ابن الضريس في فضائل القرآن (ص46 رقم 60) ، من طريق معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ الله، به موقوفًا عليه، بنحو لفظ المصنف هنا.
6- طريق عاصم بن أبي النجود:
وله عن عاصم أربعة طرق:
أ- طريق أبي يوسف في كتاب "الآثار" (ص44 رقم 222) ، عنه، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مسعود - رضي الله عنه - قال: ((أما إن لكل حرف تلاه تالٍ من القرآن عَشْرَ حَسَنَاتٍ. أَمَا إِنِّي لَا أقول: (الم) ، ولكن الألف واللام والميم ثلاثون حسنة)) .
ب- طريق أبي حنيفة:
أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في كتاب الآثار (ص55 رقم 272) ، =(1/24)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= عنه، عاصم، به موقوفًا نحو لفظ أبي يوسف.
جـ- طريق عطاء بن أبي رباح:
أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص12 رقم 24) ، فقال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، أن عاصم بن بهدلة، فذكره موقوفًا بنحو لفظ أبي يوسف.
ومن طريق أبي عبيد أخرجه ابن منده في الرد على من يقول (الم) حرف رقم (12) .
د- طريق عمرو بن أبي قيس:
ويرويه عنه عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الدشتكي، واختلف عليه.
فرواه حامد بن محمود بن حرب، عنه، عن عمرو، عن عاصم، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ الله قال: ((إن أصفر البيوت بيت ليس فيه من كتاب الله شيء فاقرؤوا القرآن، فإنكم تؤجرون عليه بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إني لا أقول (الم) ، ولكني أقول: ألف، ولام، وميم)) .
أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1 / 566) .
ومن طريقه البيهقي في "الشعب" (4 / 550 - 551 رقم 1 / 1833) .
ورواه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدشتكي هذا عن أبيه، به نحوه، إلا أنه رفعه.
أخرجه الحاكم في الموضع السابق.
ومن طريقه البيهقي أيضًا.
وأشار الحاكم لهذا الاختلاف، ثم قال: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ، وسكت عنه الذهبي.
وحامد بن محمود بن حرب النيسابوري، أبو علي المقرئ، وعبد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عبد الله بن سعد الدشتكي كلاهما مجهول الحال، لكن المقرئ أحسن حالاً من الدشتكي، وروايته أرجح، وهي موافقة لباقي الروايات. وقد تصحّف اسم حامد المقرئ في "المستدرك" المطبوع هكذا: (حامد =(1/25)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ابن محمود بن حبيب) ، والصواب ما تقدم؛ فإن البيهقي روى الحديث من طريق الحاكم في "الشعب" على الصواب، وكذا جاء في ترجمته في "غاية النهاية" (1 / 202 رقم 929) ، ووصفه ابن الجزري بقوله: ((مقدم القراء بنيسابور)) ، وذكر أنه توفي سنة ست وستين ومائتين. وقد ذكر ابن حبان حامدًا هذا في كتاب "الثقات" (8 / 219) .
أما عبد الله الدشتكي، فقد روى عنه أبو داود في كتاب "الناسخ والمنسوخ"، وعند الحاكم روى عنه أحمد بن يعقوب الثقفي، روى هو عن أبيه، وذكر الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" المخطوط (2 / 703) أنه لم يجد له ذكرًا في غير الحديث الذي رواه عنه أبو داود، وفي "التقريب" (ص311 رقم 3432) ، قال عنه: ((مقبول)) وأنه من الطبقة العاشرة، وانظر "التهذيب" (5 / 294 رقم 500) .
7- طريق سعيد بن جبير:
أخرجه ابن منده في الرد على من يقول (آلم) حرف برقم (10) ، من طريق أبان، عن مسلم بن أبي عمران، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ أبي الأحوص، به نحو لفظ المصنف، إلا أنه رفعه.
وسنده ضعيف جدًّا، آفته أبان وهو ابن أبي عيَّاش: فيروز، البصري، أبو إسماعيل العبدي، يروي عن أنس بن مالك وسعيد بن جبير وخليد بن عبد الله العصري وغيرهم، يروي عنه أبو إسحاق الفزاري وعمران القطان ويزيد بن هارون ومعمر وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان وثلاثين ومائة، وهو متروك الحديث، قاله الفلاس والإمام أحمد وابن معين والنسائي وأبو حاتم والدارقطني، وغيرهم، وكان رجلاً صالحًا، ولكنه بلي بسوء الحفظ كما قال أبو حاتم:
انظر: "الجرح والتعديل" (2 / 295 - 296 رقم 1087) ، و"الكامل" لابن عدي (1 / 372 - 378) ، و"التهذيب" (1 / 97 - 101 رقم 174) ، و"التقريب" (ص87 رقم 142) . =(1/26)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= الطريق الثاني: طريق أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن مسعود، وله عنه طريقان:
1- طريق عبد الكريم الجزري:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3 / 367 رقم 5993) ، عن معمر، عن عبد الكريم، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، به موقوفًا نحو لفظ أبي يوسف السابق في روايته للحديث عن عاصم.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 139 رقم 8647) . ومن طريق الطبراني أخرجه ابن منده في الرد على من يقول: (آلم) حرف برقم (16) .
2- طريق قيس بن السكن:
أخرجه الفريابي في "فضائل القرآن" (ص168 - 169 رقم 62) من طريق الأعمش، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ قيس بن السكن، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، قال: ((ما من مسلم يقرأ حرفًا من القرآن إلا كتب له عشر حسنات)) . والحديث ضعيف من هذا الطريق؛ مداره على أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن مسعود، يرويه عن أبيه، ولم يسمع منه كما نص عليه أبو حاتم وغيره.
انظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص256 - 257) ، و"التهذيب" (5 / 75 - 76 رقم 121) .
وقد أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 461 رقم 9981) هذا الحديث من طريق مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الملك بن أبجر، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ قيس بن السكن، قال: قال عبد الله ... ، فذكره موقوفًا بنحو لفظ المصنف، ولم يذكر أبا عبيدة في سنده.
ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه النحاس في "القطع والائتناف" (ص80) إلا أنه سقط منه ذكر ابن مسعود، فجعله من قول قيس بن السكن، مع أن السيوطي ذكره في "الدر المنثور" (1 / 56) من رواية النحاس عن قيس، عن ابن مسعود. =(1/27)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
=وعزاه السيوطي أيضًا لأبي نصر السجزي في الإبانة.
وتابع مروان بن معاوية عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر عند ابن منده في الرد على من يقول: (الم) حرف برقم (15) ، بنحو سياق ابن أبي شيبة.
الطريق الثالث: طريق علقمة أو الأسود:
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 462 رقم 9984) من طريق شيخه محمد بن بشر، عن مسعر، عن سليمان الضبي، عن إبراهيم، عن علقمة أو الأسود، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ((مَنْ قرأ القرآن يبتغي به وجه الله كان له بكل حرف عشر حسنات، ومَحْوُ عشر سيئات)) .
وسنده ضعيف؛ سليمان الضبي هذا هو سليمان بن قَرْم - بفتح القاف، وسكون الراء - ابن معاذ، التميمي، الضَّبِّي، أبو داود النحوي، ومنهم من ينسبه إلى جده معاذ، يروي عن أبي إسحاق السبيعي والأعمش وعطاء بن السائب وغيرهم، وعنه سفيان الثوري وهو من أقرأنه، وأبو الأحوص وأبو داود الطيالسي وأبو بكر بن عياش وغيرهم، وهو سيء الحفظ يتشيّع من الطبقة السابعة كما في "التقريب" (ص253 رقم 2600) .
فقد وثقه الإمام أحمد، وقال: ((يفرط في التشيع)) . وقال ابن عدي: ((ولسليمان بن قرم أحاديث حسان ... ويدل صورة سليمان هذا على أنه مفرط في التشيع)) . وضعفه ابن معين والنسائي، وقال أبو زرعة: ((ليس بذاك)) . وقال أبو حاتم: ((ليس بالمتين)) ، وقال الحاكم: ((غمزوه بالغلو في التشيع وسوء الحفظ جميعًا)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (4 / 136 - 137 رقم 597) ، و"الكامل" (3 / 1105 - 1108) ، و"التهذيب" (4 / 213 - 214 رقم 367) ، و"فتح الباري" (8 / 687) .
الطريق الرابع: طريق محمد بن كعب القرظي:
أخرجه البخاري في "تاريخه الكبير" (1 / 216) .
والترمذي في "سننه" (8 / 226 رقم 3075) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (4 / 548 رقم 1831) . =(1/28)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وابن منده في الرد على من يقول: (الم) حرف رقم (14) .
جميعهم من طريق الضحاك بن عثمان، عن أيوب بن موسى قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ القرظي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مسعود يقول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن: ألف حرف، وميم حرف)) .
هذا سياق الترمذي، ونحوه سياق الباقين إلا أن البخاري اختصر متنه، والبيهقي وابن منده زادا: ((ولام حرف)) ، وليس في رواية ابن منده تصريح محمد بن كعب بسماع الحديث من ابن مسعود.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1 / 55) وعزاه أيضًا لابن الضريس، ومحمد بن نصر، وابن الأنباري في "المصاحف"، والحاكم، وابن مردويه، وأبي ذر الهروي في "الفضائل".
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. سمعت قتيبة بن سعيد يقول: بلغني أن محمد بن كعب القرظي وُلِدَ في حياة النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) .
قلت: وهذا وهم من قتيبة رحمه الله، وإنما الذي ولد في حياة النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو كعب والد محمد هذا كما قال الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (9 / 422) ، و"الإصابة" (6 / 346) ، ويدل عليه ما حكاه البخاري في الموضع السابق من أن كعبًا والد محمد هذا كان ممن لم يُنبت يوم قريظة، فتُرك، والراجح أن محمدًا إنما ولد في آخر خلافة علي - رضي الله عنه - كما في "التهذيب" (9 / 412) نقلاً عن يعقوب بن شيبة، ويوافقه قول ابن حبان في "الثقات" (5 / 351) : ((مات بها [يعني المدينة] سنة ثمان عشرة ومائة، وكنيته أبو حمزة، وقد قيل: إنه مات سنة سبع عشرة ومائة ... ، وكان له يوم توفي ثمانون سنة)) . اهـ.
وأما عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فإن وفاته كانت سنة اثنتين وثلاثين، وقيل ثلاث وثلاثين كما في "التهذيب" (6 / 28) ، وعليه فالحديث منقطع بين محمد =(1/29)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ابن كعب وابن مسعود، فقول الترمذي عنه: ((حسن صحيح غريب)) ليس بصحيح، ولذا فإن البخاري رحمه الله حينما أورد الحديث في ترجمة محمد بن كعب، وفيه يقول محمد بن كعب: ((سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ)) ، قال البخاري عقبه: ((لا أدري، حفظه أم لا؟)) كأنه عنى به أحد الرواة، ولعله الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد الأسدي، الحِزَامي - بكسر أوله، وبالزاي-، يروي عن نافع مولى ابن عمر وأيوب بن موسى وزيد بن أسلم وسعيد المقبري، وغيرهم، يروي عنه ابنه عثمان والثوري وابن المبارك ووكيع ويحيى القطان وغيرهم، وكانت وفاته بالمدينة سنة ثلاث وخمسين ومائة، فقد وثقه أحمد وابن معين ومصعب الزبيري وابن بكير وابن المديني وأبو داود، وقال ابن سعد: ((كان ثبتًا ثقة كثير الحديث)) . وقال ابن نمير: ((لا بأس به، جائز الحديث)) . وقال يعقوب بن شيبة: ((صدوق في حديثه ضعف)) . وليّنه يحيى القطان مع أنه روى عنه. وقال أبو زرعة: ((ليس بقوي)) . وقال أبو حاتم: ((يكتب حديثه، ولا يحتج به)) . وقال ابن عبد البر: ((كان كثير الخطأ، ليس بحجة)) . اهـ.
من "الجرح والتعديل" (4 / 460 رقم 2029) ، و"طبقات ابن سعد" (ص397 - 398 / القسم المتمم) ، و"الميزان" (2 / 324 - 325 رقم 3938) ، و"التهذيب" (4 / 446 - 447 رقم 777) .
أقول: والراجح من حال الضحاك هذا أنه صدوق كما هو اختيار الذهبي في الموضع السابق من "الميزان"، وفي ((من تكلم فيه وهو موثق)) (ص102 رقم 165) . وقد روي الحديث من طريق محمد بن كعب، عن ابن مسعود موقوفًا عليه.
أخرجه ابن منده في الرد على من يقول: (الم) حرف برقم (25 و 26) من طريق أبي عمر، وأبي رافع، كلاهما عن محمد بن كعب، عن ابن مسعود، ولفظ أبي عمر: ((ما من مؤمن يقرأ حرفًا من القرآن، ولو شئت لقلت: اسمًا تامًّا، ولكن حرفًا، إلا كتب الله تبارك وتعالى له عشر حسنات)) .
ولفظ أبي رافع: ((من قرأ شيئًا من القرآن كُتب له بكل حرف عشر حسنات، =(1/30)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أما إن الحرف ليس بالآية والكلمة، ولكن: (الم) ثلاثون حسنة)) .
الطريق الخامس: طريق القاسم بن عبد الرحمن:
أخرجه ابن منده في الموضع السابق برقم (17) من طريق علي بن زيد بن جدعان، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قال: ((أما إني لست ممن يزعم أن بكل آية عشر حسنات، ولكن أزعم أن بكل حرف من حروف المعجم عشر حسنات)) .
وسنده ضعيف؛ علي بن زيد بن عبد الله بن جُدْعان التيمي، البصري ضعيف كما في "التقريب" (ص401 رقم 4734) ، روى عن أنس - رضي الله عنه -، وعن سعيد بن المسيب والحسن البصري ومحمد بن المنكدر وغيرهم، يروي عنه الحمادان: ابن زيد وابن سلمة والسفيانان وهشيم وابن عليّة، وغيرهم، وكانت وفاته سنة إحدى وثلاثين ومائة، وقيل: تسع وعشرين ومائة، وقد ضعفه الإمام أحمد وابن معين والجوزجاني والنسائي وغيرهم.
انظر: "الجرح والتعديل" (6 / 186 - 187 رقم 1021) ، و"الكامل" لابن عدي (5 / 1840 - 1845) ، و"التهذيب" (7 / 322 - 324 رقم 544) .
الطريق السادس: طريق أُسَيْر، ويقال: يسير بن عمرو، وقيل: ابن جابر. أخرجه ابن منده أيضًا برقم (18) من طريق السّريّ بن عاصم، عن علي بن إسحاق، عن محمد بن مروان، عن حميد بن هلال، عن أسير، عن ابن مسعود موقوفًا بنحو لفظ المصنف هنا.
والحديث موضوع بهذا الإسناد، آفته السَّرِيّ بن عاصم، ومحمد بن مروان.
أما السري بن عاصم بن سهل، أبو عاصم الهمداني، فقد كذبه ابن خراش، ورماه النقاش بالوضع. وقال ابن حبان وابن عدي: ((يسرق الحديث)) .
انظر: "المجروحين" (1 / 335 - 356) ، و"الكامل" (3 / 1298) ، و"لسان الميزان" (3 / 12 رقم 41) .
وأما محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل السُّدِّي - بضم المهملة والتشديد-، =(1/31)
5- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ؛ قَالَ: نا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الرَّقَاشِيِّ (1) ، عَنِ الْحَسَنِ (2) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَهُوَ غِنًى لَا فَقْرَ بَعْدَهُ وَالْأَمَانَةُ غِنًى)) .
__________
= وهو الأصغر، فهو متهم بالكذب من الطبقة الثامنة كما في "التقريب" (ص506 رقم 6284) ، ويروي عن الأعمش ويحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن السائب الكلبي صاحب التفسير وغيرهم، يروي عنه ابنه علي والأصمعي والحسن بن عرفة وغيرهم، وقد كذبه جرير بن عبد الحميد وابن نمير، وقال صالح بن محمد: ((كان ضعيفًا، وكان يضع)) ، وقال أبو حاتم: ((ذاهب الحديث، متروك الحديث، لا يكتب حديثه البتّة)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 86 رقم 364) ، و"الكامل" (6 / 2266 - 2267) ، و"التهذيب" (9 / 436 - 437 رقم 719) .
الطريق السابع: طريق أبي البختري:
أخرجه الآجّري في "أخلاق أهل القرآن" (ص54 رقم 12) ، من طريق حماد بن سلمة، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أبي الأحوص، وأبي البختري، أن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ((تَعلَّمُوا الْقُرْآنَ واتلوه فإنكم تؤجرون به، إن بكل اسم منه عشرًا، أما إني لا أقول بـ: (آلم) عشر، ولكن بالألف عشر، وباللام عشر، وبالميم عشر)) . وسنده ضعيف لإرساله.
أبو البختري اسمه سعيد بن فيروز الطائي مولاهم، وروايته عن ابن مسعود مرسلة كما في "جامع التحصيل" (ص222) ، و"التهذيب" (4 / 72) .
(1) هو يزيد بن أَبَان الرَّقَاشي - بتخفيف القاف، ثم معجمة- أبو عمرو البصري، القاصّ - بتشديد المهملة - زاهد ضعيف، روى عن أبيه وأنس بن مالك والحسن البصري وغيرهم، روى عنه قتادة والأعمش ومحمد بن المنكدر وهم من أقرانه، والربيع بن صبيح وحسين بن واقد ومعتمر بن سليمان وغيرهم، وذكره البخاري =(1/32)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= في "تاريخه الأوسط" في فصل من مات في عشر ومائة إلى عشرين ومائة، وقد ضعفه ابن سعد، وابن معين وغيرهما، بل قال شعبة: ((لأن أزني أحب إلي من أن أحدث عن يزيد الرقاشي)) ، وقال ابن حبان: ((كان من خيار عباد الله، من البكّائين بالليل في الخلوات والقائمين بالحقائق في السبرات، ممن غفل عن صناعة الحديث وحفظها، واشتغل بالعبادة وأسبابها، حتى كان يقلب كلام الحسن، فيجعله عن أنس، عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو لا يعلم، فلما كثر في روايته ما ليس من حديث أنس وغيره من الثقات، بطل الاحتجاج به، فلا تحل الرواية عنه إلا على سبيل التعجب، وكان قاصًّا يقص بالبصرة ويبكّي الناس، وكان شعبة يتكلم فيه بالعظائم)) . اهـ. من "المجروحين" لابن حبان (3 / 98) ، و"الكامل" لابن عدي (7 / 2712) ، و"التهذيب" (11 / 309 - 311 رقم 597) ، و"التقريب" (ص599 رقم 7683) .
(2) هو الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه - يسار- بالتحتانية والمهملة-، الأنصاري، مولاهم. ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرًا ويدلس، روى له الجماعة، وروى عن أبي هريرة وسمرة وعمران بن حصين وابن عمر وأنس رضي الله عنهم، وخلق كثير من الصحابة والتابعين، روى عنه حميد الطويل وقتادة وأيوب السختياني وعوف الأعرابي وأبو الأشهب وخالد الحذّاء ويونس بن عبيد وغيرهم، وكانت ولادته لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه، وكانت وفاته سنة عشر ومائة، كان أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: ((سلوا الحسن؛ فإنه حفظ ونسينا)) ، وقال قتادة: ((ما جالست فقيهًا قط إلا رأيت فضل الحسن عليه)) . وقال أيوب: ((ما رأت عيناي رجلاً قط كان أفقه من الحسن)) . وقال ابن سعد: ((كان الحسن جامعًا عالمًا رفيعًا فقيهًا ثقة مأمونًا عابدًا ناسكًا كثير العلم فصيحًا جميلاً وسيمًا، وكان ما أسند من حديثه وروى عمّن سمع منه فهو حجة، وما أرسل فليس بحجة)) ، وقال العجلي: ((تابعي ثقة، رجل صالح صاحب سُنّة)) . وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ((كان يدلس، وكان من أفصح أهل البصرة =(1/33)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأجملهم وأعبدهم وأفقههم)) ، وقال البزار: ((كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم، فيتجوّز، ويقول: حدثنا، وخطبنا - يعني قومه الذين حُدِّثوا وخُطبوا بالبصرة-)) .
انظر: "طبقات ابن سعد" (7 / 156 - 178) ، و"الجرح والتعديل" (3 / 40 - 42 رقم 177) ، و"الثقات" لابن حبان (4 / 122 - 123) ، و"التهذيب" (2 / 263 - 270 رقم 488) ، و"التقريب" (ص160 رقم 1227) .
وقد ذكر العلائي الحسن البصري في "جامع التحصيل" (ص130) في الطبقة الثالثة من "طبقات المدلسين"، وهم: من توقّف فيهم جماعة، فلم يحتجّوا بهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، وقبلهم آخرون مطلقًا.
وأما الحافظ ابن حجر فذكره في الطبقة الثانية من "طبقات المدلسين" (ص56 رقم 40) ، وهم: من احتمل الأئمة تدليسهم، وأخرجوا لهم في الصحيح؛ لإمامتهم وقلّة تدليسهم في جنب ما رووا، أو كانوا لا يدلسون إلا عن ثقة، فلعلّه ترجح للحافظ أن تدليس الحسن من هذا القبيل، غير أن الاحتياط في الرواية مطلوب، ولذا فالأحوط ما ذهب إليه العلائي، والله أعلم.
[5] الحديث سنده ضعيف لضعف يزيد بن أَبَان الرقاشي وإرساله.
وقد أخرجه محمد بن نصر المروزي في قيام الليل كما في "المختصر" (ص159) .
وأبو يعلى في "مسنده" (5 / 159 - 160 رقم 2773) .
ومن طريقه الشجري في "أماليه" (1 / 82) .
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (1 / 228 رقم 738) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 550 رقم 2376) .
جميعهم من طريق محمد بن عباد المكي، عن حاتم بن إسماعيل، عن شريك، عن الأعمش، عن يزيد بن أبان الرقاشي، عن الحسن، عن أنس، أنَّ النَّبِيَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - قال: ((القرآن غنى، لا فقر بعده، ولا غنى دونه)) .
وأخرجه الثعلبي في مقدمة "تفسيره" (1 / 14 / أ) من طريق إسحاق الأزرق، عن =(1/34)
6- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ؛ قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ (1) ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ (2) ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْأَحْوَصِ، يَقُولُ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: ((تَعلَّمُوا الْقُرْآنَ، وَاتْلُوهُ تُؤْجَروا بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ: الم، ولكن ألف، ولام، وميم)) .
__________
= شريك عن الأعمش، عن يزيد بن أبان، عن أنس مرفوعًا مثل سابقه.
فشريك هنا رواه عن الأعمش، ووصله، وخالفه أبو معاوية عند المصنف فأرسله. والصواب إرساله؛ فأبو معاوية أحفظ الناس لحديث الأعمش كما في ترجمته في الحديث رقم [3] .
وأما شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، فهو صدوق، إلا أنه يخطئ كثيرًا؛ تغيّر حفظه منذ وُلّي القضاء بالكوفة، مع كونه عادلاً فاضلاً عابدًا شديدًا على أهل البدع كما في الحديث السابق رقم [4] .
ومع ضعف شريك من قبل حفظه، فقد اختلف عليه كما سبق، فحاتم بن إسماعيل رواه عنه بإثبات الحسن البصري في سنده، وإسحاق الأزرق رواه عنه بإسقاطه، على أن ابن عدي أخرج الحديث في "الكامل" (4 / 1332) من طريق محمد بن عباد المكي، عن حاتم بن إسماعيل، عن شريك، به بإسقاط الحسن من سنده كما عند الثعلبي.
ومما يزيد الحديث ضعفًا إلى ضعفه أنه روي عن يزيد الرقاشي أيضًا، فجعله من مسند أبي هريرة؛ أخرجه الطبراني كما في "مجمع الزوائد" (7 / 158) ، وقال الهيثمي: ((فيه يزيد الرقاشي، وهو ضعيف)) .
وقال البيهقي في الموضع السابق من "الشعب": ((وروي هذا الحديث من وجه آخر ضعيف عن الحسن، عن أبي هريرة، وهذا أشبه)) . اهـ. والله أعلم.
(1) هو عبد الرحمن بن زياد الرَّصَاصِي، أبو عبد الله، من أهل العراق، وسكن مصر، يروي عن شعبة والمسعودي ومبارك بن فضالة وابن لهيعة، روى عنه الحميدي ودُحيم والربيع بن سليمان وغيرهم، وروى عنه كثيرًا سيعد بن منصور في "سننه"، وهو صدوق؛ =(1/35)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قاله أبو حاتم. وقال أبو زرعة: ((لا بأس به)) - كما في "الجرح والتعديل" (5 / 235 رقم 1112) وذكره ابن حبان في "الثقات" (8 / 374) ، وقال: ((ربما أخطأ)) ، وهذا من تشدده في الجرح رحمه الله، ولم يفسر سبب جرحه له، وهو معارض بتوثيق أبي حاتم وأبي زرعة له. وقد ترجم الحافظ عبد الغني المقدسي لعبد الرحمن هذا في كتاب "الكمال"، لكن لم يرو له أحد من أصحاب الكتب الستة كما قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (3 / 416 رقم 1630) .
(2) هو عطاء بن السائب الثقفي، أبو محمد، ويقال: أبو السائب، الكوفي، يروي عن أبيه وعن أنس، وربما أدخل بينهما يزيد بن أبان، وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وسيعد بن جبير ومجاهد وأبي الأحوص عوف بن مالك وغيرهم، وهو ثقة؛ وثقه شعبة وأيوب وأحمد بن حنبل وابن سعد والنسائي والطبراني، لكنه اختلط في آخر عمره. قال الإمام أحمد: ((من سمع قديمًا فسماعه صحيح، ومن سمع منه حديثًا فسماعه ليس بشيء)) . ونص على اختلاطه ابن معين والقطان والعقيلي والعجلي وأبو حاتم والنسائي، وغيرهم. وهناك من سمع منه قبل الاختلاط، وهم: شعبة وسفيان الثوري وابن عيينة وحماد بن زيد وهشام الدستوائي وأيوب وزهير وزائدة بن قدامة والأعمش. وأما حماد بن سلمة فاختلف فيه، فالجمهور على أنه سمع منه قبل الاختلاط، منهم: ابن معين وأبو داود ويعقوب بن سفيان وابن الجارود والطحاوي وغيرهم. ورأى العقيلي وابن القطان أنه سمع منه في الصحة والاختلاط، وكان لا يميز هذا وهذا. قال الحافظ ابن حجر: ((يحصل لنا من مجموع كلامهم: أن سفيان الثوري وشعبة وزهيراً وزائدة وحماد بن زيد وأيوب عنه صحيح، ومن عداهم يتوقف فيه، إلا حماد بن سلمة، فاختلف قولهم، والظاهر أنه سمع منه مرتين مرة مع أيوب ... ، ومرة بعد ذلك لما دخل عليهم البصرة)) ، واختُلف في سنة وفاة عطاء، فقيل: سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وقيل: أربع، وقيل: ست، وقيل: سبع وثلاثين ومائة.
انظر في ذلك: "الجرح والتعديل" (6 / 332 - 334 رقم 1848) ، و"الكامل" =(1/36)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= لابن عدي (5 / 1999 - 2002) ، و"التهذيب" (7 / 203 - 207 رقم 385) ، و"الكواكب النيرات وحاشيته" (ص319 - 335) .
[6] الحديث سنده حسن لذاته؛ لحال عبد الرحمن بن زياد، وقد توبع كما سيأتي. وأما عطاء بن السائب، فإنه وإن كان قد اختلط، إلا أنه هنا من وراية شعبة عنه، وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط كما سبق، وروى هذا الحديث عنه أيضًا سفيان الثوري وحماد بن زيد كما سيأتي، وهما ممن سمع منه قبل الاختلاط أيضًا، فالحديث صحيح لغيره بهذه المتابعات، وتقدم في الحديث رقم [4] ذكر جميع طرقه، وانظر الحديث الآتي برقم [7] .
وأما هذا الطريق، فإن مداره على عطاء بن السائب، وله عنه ثمانية طرق:
1- طريق شعبة:
أخرجه المصنف هنا من رواية عبد الرحمن بن زياد، عنه.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص12 رقم 25) من طريق حجاج.
والطبراني في "الكبير" (9 / 140 رقم 8649) من طريق علي بن الجعد.
كلاهما عن شعبة، عن عطاء، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ الله، به نحو لفظ المصنف.
2- طريق أبي الأحوص سلّام بن سليم.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 462 رقم 9983) .
والفريابي في "فضائل القرآن" (ص169 رقم 63) .
كلاهما من طريق أبي الأحوص هذا، عن عطاء، به نحوه أيضًا.
3- طريق حماد بن سلمة:
أخرجه الآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص54 رقم 12) من طريقه عن عطاء، به، وتقدم ذكر لفظه في الطريق السابع في الحديث المتقدم برقم [4] . =(1/37)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= 4- طريق مسعر بن كدام.
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (4 / 551 رقم 1834) من طريق عبيد الله بن موسى، عن مسعر، عن عطاء، به نحو لفظ المصنف.
5- طريق جعفر بن سليمان الضبعي.
أخرجه ابن الضريس في "الفضائل" (ص46 رقم 59) من طريقه، عن عطاء، به نحو لفظ المصنف، وزاد: ((بكل حرف عشر حسنات)) .
6- طريق سفيان الثوري، واختلف عليه.
فرواه قبيصة أبو عامر، وعبد الرزاق، كلاهما عنه، عن عطاء، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مسعود موقوفًا عليه كما في الروايات السابقة.
وخالفهما أبو عاصم النبيل في رواية ابن الجنيد عنه، فرواه عن سفيان، به مرفوعًا.
أما رواية قبيصة فأخرجها الدارمي في "سننه" (2 / 308 رقم 3311) بنحو لفظ الطريق السابق.
وأما رواية عبد الرزاق فأخرجها ابن منده في الرد على من يقول: (الم) حرف عقب ذكره للحديث رقم [6] ، من طريق الطبراني، عن الدَّبَري، عن عبد الرزاق، بلفظ: ((اقرؤا القرآن، فإنكم تؤجرون عليه، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ: (الم) حرف، ولكن: ألف عشرًا، ولام عشرًا، وميم عشرًا، فلذلك ثلاثون حسنة)) .
وأما رواية أبي عاصم النبيل، فأخرجها:
أبو جعفر النحاس في "القطع والائتناف" (ص80) .
والخطيب في "تاريخه" (1 / 285 - 286) .
وفي "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1 / 107 رقم 78) .
وابن منده في الموضع السابق.
ثلاثتهم من طريق محمد بن أحمد بن الجنيد، عن أبي عاصم، عن سفيان، =(1/38)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= به مرفوعًا، ولفظ ابن منده هو نفس اللفظ السابق ولفظ الخطيب والنحاس نحوه.
وقد أخرج ابن منده هذا الحديث من طريق الطبراني، ونقل عنه قوله عقبه: ((رفعه أبو عاصم، ووقفه عبد الرزاق والناس)) .
قلت: ووقفه هو الصواب؛ لأمرين:
أ- جميع الطرق السابقة وغيرها تدل على أن الصواب وقفه.
ب- كل من قبيصة وعبد الرزاق قد تابع الآخر على وقفه، فروايتهما أرجح من رواية أبي عاصم وقد يكون هناك من تابعهما أيضًا كما يظهر من كلام الطبراني السابق، ولا يعني هذا الحكم بالوهم على أبي عاصم، فقد يكون الوهم ممن دونه، وهو محمد بن أحمد بن الجنيد.
7- طريق حماد بن زيد، واختلف عليه أيضًا.
فرواه عارم أبو النعمان عنه، عن عطاء، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مسعود، موقوفاً عليه كما في الروايات السابقة.
وخالفه معلّى بن منصور، فرواه عنه مرفوعاً.
أما رواية عارم، فأخرجها الطبراني في "الكبير" (9 / 140 رقم 8648) ، بلفظ: ((تعلموا القرآن واتلوه، فإنكم تؤجرون به بكل حرف منه حسنة، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ: (الم) حسنة، ولكن: ألف، ولام، وميم، ثلاثون حسنة؛ ذلك بأن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] )) .
وأما رواية معلّى بن منصور، فأخرجها ابن منده في الموضع السابق برقم (4) ، بلفظ: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله تعالى كتب الله له عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أقول: (الم) حرف، ولكن: ألف ولام وميم ثلاثون حسنة)) .
والصواب والأرجح رواية عارم؛ لأمرين:
أ- لكونها موافقة لجميع الروايات السابقة.
ب- عارم أوثق من معلى، وبخاصة في حماد بن زيد. =(1/39)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وعارم لقبه، واسمه محمد بن الفضل السدوسي، أبو النعمان البصري، يروي عن جرير بن حازم ومهدي بن ميمون ووُهيب بن خالد والحمَّادَيْن بن زيد وابن سلمة وغيرهم، وهو ثقة ثبت، روى له الجماعة، لكنه تغيّر في آخر عمره كما في "التقريب" (ص502 رقم 6226) .
قال ابن وارة: ((حدثنا عارم الصدوق الأمين)) . ووثقه أبو حاتم، وقال: ((إذا حدثك عارم فاختم عليه، وعارم لا يتأخر عن عفان، وكان سليمان بن حرب يقدم عارمًا على نفسه، إذا خالفه عارم في شيء رجع إلى ما يقول عارم، وهو أثبت أصحاب حماد بن زيد بعد عبد الرحمن بن مهدي)) . وقال أيضًا: ((اختلط عارم في آخر عمره، وزال عقله، فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح، وكتبت عنه قبل الاختلاط سنة أربع عشرة، ولم أسمع منه بعد ما اختلط، فمن كتب عنه قبل سنة عشرين ومائتين، فسماعه جيد، وأبو زرعة لقيه سنة اثنتين وعشرين)) وكانت وفاته سنة أربع وعشرين ومائتين، وقيل: سنة ثلاث وعشرين. اهـ. من "الجرح والتعديل" (8 / 58 - 59 رقم 267) ، وانظر: "الميزان" (4 / 7 - 9 رقم 8057) ، و"التهذيب" (9 / 402 - 405 رقم 657) .
قلت: وسمع منه قبل الاختلاط أيضًا: الإمام أحمد، وعبد الله بن محمد المسندي، ومحمد بن أحمد الذريقي، والجوزجاني، والكديمي، والذهلي، والبخاري، وجدّ العقيلي: محمد بن حماد بن صاعد.
والراوي لهذا الحديث عن عارم هو شيخ الطبراني علي بن عبد العزيز البغوي، وقد اختلف في سماعه هو وشعيب بن عثمان الأهوازي من عارم؛ لأنهما سمعا منه سنة سبع عشرة ومائتين، فعلى قول أبي حاتم يكون سماعهما قبل الاختلاط.
وخالفه أبو داود، فقال: اختلط سنة ست عشرة، ويؤيده قول جد العقيلي حيث قال: ((حججت سنة خمس عشرة، ورجعت إلى البصرة وقد تغيّر =(1/40)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= عارم، فلم أسمع منه بعدُ شيئًا حتى مات)) .
انظر: "الضعفاء" للعقيلي (4 / 121 - 123) ، و"الكواكب النيرات وحاشيته" (ص382- 394) .
قلت: ما ذكره أبو داود وجدّ العقيلي لا يؤثر - إن شاء الله - على حديث عارم، فقد قال الدارقطني: ((تغير بأخَرَةٍ، وما ظهر منه بعد اختلاطه حديث منكر، وهو ثقة)) .
وأما قول ابن حبان: ((اختلط في آخر عمره وتغيّر حتى كان لا يدري ما يحدِّث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة، فيجب التنكّب عن حديثه فيما رواه المتأخرون، فإذا لم يعلم هذا من هذا، تُرك الكلّ، ولا يحتجّ بشيء منها)) . اهـ.
فقول ابن حبان هذا ردّه الذهبي بقوله عقب ذكره لكلام الدارقطني آنفًا: ((فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأت بعد النسائي مثله، فأين هذا القول من قول ابن حبان الخسّاف المتهوّر في عارم ... )) ، ثم ذكر قول ابن حبان السابق، وأردفه بقوله: ((ولم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثًا منكرًا، فأين ما زعم؟)) .
انظر: الموضعين السابقين من "الميزان" و"التهذيب"، و"سير أعلام النبلاء" (10 / 267) .
وأما معلّى بن منصور الرازي، أبو يعلى، نزيل بغداد، فإنه ثقة سنّي فقيه روى له الجماعة، طُلب للقضاء فامتنع، وأخطأء من زعم أن أحمد رماه بالكذب كما في "التقريب" (ص541 رقم 6806) . وهو يروي عن الإمام مالك وهشيم وحماد بن زيد وعبد الوارث بن سعيد وغيرهم، روى عنه ابنه يحيى وأبو خيثمة وأبو بكر بن أبي شيبة ويعقوب بن شيبة والبخاري وغيرهم، وكانت وفاته سنة إحدى عشرة أو اثنتي عشرة ومائتين، وقد وثقه ابن معين. وقال العجلي: ((ثقة صاحب سنّة، وكان نبيلاً، طلبوه للقضاء =(1/41)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= غير مرّة، فأبى)) . وقال يعقوب بن شيبة: ((ثقة فيما تفرّد به وشورك فيه، متقن صدوق فقيه مأمون)) . ونقل عبد الحق في الأحكام عن الإمام أحمد أنه رماه بالكذب، والذي جاء عنه في حقه هو ما نقله ابن أبي حاتم عن أبيه، قال: ((قيل لأحمد بن حنبل: كيف لم تكتب عن المعلى بن منصور الرازي؟ فقال: كان يكتب الشروط، ومن كتبها لم يخلُ من أن يكذب)) .
وقد عقّب أبو زرعة على هذا الموقف من الإمام أحمد بقوله: ((رحم الله أحمد بن حنبل، بلغني أنه كان في قلبه غصص من أحاديث ظهرت عن المعلى بن منصور، كان يحتاج إليها. وكان المعلى طلاّبة للعلم، رحل، وعنى، وهو صدوق)) . هذا مع أنه جاء عن الإمام أحمد أنه قال: ((معلى ابن منصور من كبار أصحاب أبي يوسف ومحمد، ومن ثقاتهم في النقل والرواية)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 334 رقم 1541) ، و"الكامل" لابن عدي (6 / 2372) ، و"الميزان" (4 / 150- 151 رقم 8676) ، و"التهذيب" (10 / 238 - 240 رقم 436) .
8- طريق همّام بن يحيى.
أخرجه ابن منده في الموضع السابق برقم (5) ، فقال: أخبرنا سهل بن محمد بن الحسن، أخبرنا جدي، أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي يحيى الزهري، حدثنا إسماعيل بن يزيد القطان، حدثنا أبو داود، حدثنا همَّام بن يحيى، عن عطاء ابن السائب، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ الله بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -: ((اقرؤا القرآن، فإنكم تؤجرون بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، لا أقول: (آلم) ، ولكن: الألف عشرًا، واللام عشرًا، والميم عشرًا)) .
ومع مخالفة هذا الطريق للطرق السابقة، حيث روي هنا مرفوعًا، والصواب وقفه، فإنه لا يثبت عن همام.
محمد بن أحمد بن أبي يحيى هو محمد بن أحمد بن يزيد الزهري شيخ للطبراني وأبي الشيخ. قال عنه أبو الشيخ: ((لم يكن بالقوي في الحديث)) ، وقال =(1/42)
7- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا أَبُو شِهَابٍ (1) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الهَجَري (2) ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ شَيْئًا فَلْيَفْعَلْ؛ فَإِنَّهُ حَبْلُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجَاةٌ لِمَنِ اتَّبعَهُ، وَلَا يَعْوَجُّ فيُقَوَّم، وَلَا يَزِيغُ فيُستَعتَبُ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلَاوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ: (( (الم)) ) .
__________
= أبو نعيم: ((كان كثير الخطأ والمصنفات)) ، كذا في "لسان الميزان" (5 / 41 رقم 141) ، والذي في "أخبار أصبهان" لأبي نعيم (2 / 250) : ((كثير الحديث والمصنفات)) .
قال ابن حجر في الموضع السابق: ((يحتمل أن يكون هو شيخ ابن عدي المذكور قبله)) .
قلت: إن كان هو فقد اتهمه ابن عدي بسرقة الحديث كما في "الكامل" (6 / 2297) .
وفيما تقدم من الطرق الصحيحة غُنْية عن هذا الطريق، والله أعلم.
(1) هو عبد ربه بن نافع الكناني، الحنّاط - بمهملة ونون-، نزيل المدائن، أبو شهاب، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري والأعمش وإسماعيل بن أبي خالد وشعبة وإبراهيم الهَجَري وغيرهم، روى عنه يحيى بن آدم ومسدد وأبو الربيع الزهراني وسعيد بن منصور وغيرهم، وكانت وفاته سنة إحدى وسبعين ومائة، وهو صدوق روى له الشيخان كما في "الكاشف" (2 / 154 رقم 3166) ، فقد وثقه ابن معين والبزار والعجلي وابن سعد وزاد: ((كثير الحديث)) ، وقال ابن نمير: ((ثقة صدوق)) . وقال الإمام أحمد: ((ما بحديثه بأس)) . وقال ابن خراش والخطيب: ((صدوق)) . وقال يعقوب بن شيبة: ((كان ثقة، وكان كثير الحديث، =(1/43)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وكان رجلاً صالحًا لم يكن بالمتين، وقد تكلموا في حفظه)) . ولم يرض يحيى القطان أمره، وقال: ((لم يكن بالحافظ)) . ولما ذكر للإمام أحمد قول يحيى هذا لم يرضَ به، ولم يقرّه. وقال النسائي: ((ليس بالقوي)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (6 / 42 رقم 217) ، و"تاريخ بغداد" (1 / 36) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (2 / 771) ، و"التهذيب" (6 / 128 - 130 رقم 269) .
أقول: أبو شهاب هذا مختلف فيه، والراجح من حاله أنه صدوق كما سبق، وهو قول ابن خراش واختاره الخطيب في "تاريخه"، ويقرب منه قول الإمام أحمد: ((ما بحديثه بأس)) ، وهو الذي رجحه الذهبي في "الكاشف"، ويقرب منه قوله في "الميزان" (2 / 544 رقم 4800) : ((صدوق في حفظه شيء)) ، وكذا قال في ((من تكلم فيه وهو موثق)) (ص116 رقم 201) ، بمعنى أنه حسن الحديث عنده؛ فقد قال في المقدمة (ص27) عن الرواة المذكورين في هذا الكتاب: ((فهؤلاء حديثهم إن لم يكن في أعلى مراتب الصحيح، فلا ينزل عن رتبة الحسن، اللهم إلا أن يكون للرجل منهم أحاديث تستنكر عليه، وهي التي تُكُلِّم فيه من أجلها، فينبغي التوقف في هذه الأحاديث)) . اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (ص417) عن أبي شهاب هذا: ((احتج الجماعة به سوى الترمذي، والظاهر أن تضعيف من ضعّفه إنما هو بالنسبة إلى غيره من أقرانه كأبي عوانة وأنظاره)) . اهـ.
(2) هو إبراهيم بن مسلم العبدي أبو إسحاق الهجري - بفتح الهاء والجيم -، يروي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أوفى وأبي الأحوص عوف بن مالك وأبي عياض، وعنه شعبة وابن عيينة ومحمد بن فضيل بن غزوان، وأبو شهاب عبد ربه بن نافع وغيرهم، وهو من الطبقة الخامسة، ليّن الحديث؛ رفع موقوفات كما في "التقريب" (ص94 رقم 252) . قال ابن معين: ((ليس حديثه بشيء)) . وقال البخاري والنسائي: ((منكر الحديث)) . وقال الإمام أحمد: ((كان الهجري رفّاعًا)) ، وضعَّفه. وقال الفسوي: ((كان رفاعًا، لا بأس به)) ، وقال الأزدي: ((هو صدوق، ولكنه رفّاع =(1/44)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= كثير الوهم)) ، وقال سفيان بن عيينة: ((أتيت إبراهيم الهجري، فدفع إليَّ عامة كتبه، فرحمت الشيخ، وأصلحت له كتابه، قلت: هذا عن عبد الله وهذا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، وهذا عن عمر)) . قال الحافظ ابن حجر: ((القصة المتقدمة عن ابن عيينة تقتضي أن حديثه عنه صحيح؛ لأنه إنما عيب عليه رفعه أحاديث موقوفة، وابن عيينة ذكر أنه ميّز حديث عبد الله من حديث النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (2 / 131 - 132 رقم 417) ، و"الكامل" (1 / 214 - 216) ، و"التهذيب" (1 / 164 - 166 رقم 296) .
[7] الحديث سنده ضعيف لأجل إبراهيم الهجري، وما تقدم ذكره من أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه يتضح جليًّا في هذا الحديث؛ فإنهم قالوا عنه إنه رفع موقوفات، وهذا الحديث موقوف، وقد رواه عنه عدد من الرواة مرفوعًا، والصواب وقفه كما في الحديثين المتقدمين برقم [4، 6] ، وهكذا رواه عنه سفيان بن عيينة ومن وافقه، وتقدم أن رواية ابن عيينة عنه صحيحة لأنه ميّز حديثه، على أن للحديث متابعات تقدم ذكرها في الحديثين المشار إليهما، ومنها متابعة أبي إسحاق السبيعي بتمام لفظه بنحو ما هنا.
وللحديث طرق كثير عن إبراهيم الهجري، وجدت منها أربعة عشر طريقًا، منها أربعة طرق موقوفة، وعشرة طرق مرفوعة.
أما الموقوفة، فهي:
1- طريق أبي شهاب عبد ربه بن نافع.
أخرجه المصنف هنا عنه.
وأخرجه الشيعي يحيى بن الحسين الشجري في "أماليه" (1 / 88) بنحوه، لكن تصحّفت كنية عبد ربه هذا عنده إلى: (أبي سهل) ، بسبب تقارب الرسم.
وأشار لهذا الطريق ابن منده في الرد على من يقول: (آلم) حرف، عقب روايته للحديث رقم (8) . =(1/45)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
2- طريق سفيان بن عيينة:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3 / 375 - 376 رقم 6017) عنه، به نحوه.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 139 رقم 6017) .
ومن طريق الطبراني أخرجه:
أبو نعيم في "الحلية" (1 / 130 - 131) .
وابن منده في الموضع السابق برقم (9) .
وسند هذا الطريق صحيح؛ لأنه من رواية سفيان بن عيينة عن الهجري، وتقدم الكلام عنها.
وسفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، مولاهم أبو محمد الكوفي، ثم المكي، يروي عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ وأبي إسحاق السبيعي وإسماعيل بن أبي خالد وأيوب السختياني وابن أبي نجيح وعمرو بن دينار وغيرهم، روى عنه الشافعي ويحيى القطان وابن مهدي وعبد الرزاق وأحمد بن حنبل وابن معين وابن المديني وابنا أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان وتسعين ومائة، وهو ثقة حافظ فقيه إمام حجّة، روى له الجماعة، وكان ربما دلّس، لكن عن الثقات.
قال الشافعي رحمه الله: ((لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز)) . وقال ابن سعد: ((كان ثقة ثبتًا كثير الحديث، حجّة)) . وقال الإمام أحمد: ((ما رأيت أحدًا من الفقهاء أعلم بالقرآن والسنن منه)) . وقال أبو حاتم: ((ثقة إمام)) .
وقال ابن خراش: ((ثقة مأمون ثبت)) . وقال ابن حبان: ((كان من الحفاظ المتقنين وأهل الورع والدين)) . وقال اللالكائي: ((هو مستغن عن التزكية لتثبته وإتقانه، وأجمع الحفاظ أنه أثبت الناس في عمرو بن دينار)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (4 / 225 - 227 رقم 973) ، و"التهذيب" (4 / 117 - 122رقم 205) ، و"التقريب" (ص245 رقم 2451) . =(1/46)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= 3- طريق جعفر بن عون.
أخرجه الدارمي في "سننه" (2 / 310 رقم 3318) ، والبهيقي في "شعب الإيمان" (4 / 594 رقم 1832) ، ولفظهما نحو لفظ المصنف هنا.
4- طريق إبراهيم بن طهمان:
أخرجه البيهقي مقرونًا بالرواية السابقة.
هذا بالنسبة لمن رواه عن الهجري موقوفًا.
وأما الطرق المرفوعة، فهي:
5- طريق أبي معاوية.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 482 - 483 رقم 10057) .
وابن نصر في قيام الليل كما في "المختصر" (ص155) .
والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1 / 107 رقم 79) . ثلاثتهم من طريق أبي معاوية، عن الهجري، به مرفوعًا نحوه، إلا أن ابن أبي شيبة والخطيب لم يذكرا قوله: ((فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْجُرُكُمْ ... )) إلخ.
6- طريق أبي اليقظان عمار بن محمد الثوري.
أخرجه أبو عبيد في "فضائله" (ص5 رقم 7) بنحو لفظ المصنف هنا.
7- طريق محمد بن فضيل.
أخرجه ابن حبان في "المجروحين" (1 / 100) .
ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل" (1 / 101 - 102 رقم 145) .
وأخرجه ابن منده في الموضع السابق برقم (7) .
أما ابن حبان فبنحو لفظ المصنف، وأما ابن منده فلفظه: ((اتلوا القرآن، فإن الله تعالى يأجركم على تلاوته كل حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لا أقول: (الم) حرف، ولكن: ألف عشر، ولام عشر، والميم عشر)) .
8- طريق عبد الله بن الأجلح:
أخرجه ابن حبان مقرونًا برواية محمد بن فضيل السابقة. =(1/47)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ومن طريقه ابن الجوزي في الموضع السابق.
9- طريق علي بن مسهر.
أخرجه ابن منده مقرونًا برواية محمد بن فضيل السابقة.
10- طريق محمد بن عجلان.
أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2 / 278) .
والثعلبي في الكشف والبيان (1 / 14 / ب - 15 / أ) و (2 / ل 87أ - 87 / ب) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (4 / 493 - 494 رقم 1786) .
ولفظ البيهقي والثعلبي نحوه، وأما لفظ أبي نعيم فمختصر.
11- طريق جرير بن عبد الحميد.
أخرجه ابن الضريس في "فضائله" (ص46 رقم 58) ، ولفظه نحو لفظ ابن منده في طريق محمد بن فضيل رقم (7) .
12- طريق صالح بن عمر.
أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1 / 555) بنحو لفظ المصنف، ثم قال: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بصالح بن عمر)) ، فتعقبه الذهبي بقوله: ((صالح ثقة خرج له مسلم، لكن إبراهيم بن مسلم ضعيف)) .
13- طريق يحيى بن عثمان الحنفي.
أشار له البيهقي في "الشعب" (4 / 494) ، ثم أخرجه (4 / 550) بنحو لفظ المصنف، لكن تصحف في الموضع الثاني اسم يحيى بن عثمان إلى: ((يحيى بن عمر)) ، وأظنه من المحقق.
وأشار ابن منده لهذه الرواية في الموضع السابق عقب الحديث رقم (8) .
14- طريق سليمان بن عبد العزيز.
أخرجه ابن منده في الموضع السابق برقم (8) بنحو لفظه في طريق محمد بن فضيل رقم (7) .
وبالجملة فالحديث صحيح لغيره موقوفًا على ابن مسعود، والله أعلم.(1/48)
8- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ؛ قَالَ: نا هُشَيْمٌ (1) ، قَالَ: نا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ (2) ، عَنْ أَبِي إِيَاسٍ (3) ، عَنْ أَبِي كِنَانَةَ (4) ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ كَائِنٌ لَكُمْ أَجْرًا، وَكَائِنٌ لَكُمْ ذِكْرًا، وَكَائِنٌ عَلَيْكُمْ وِزْرًا، فَاتَّبِعُوا الْقُرْآنَ، وَلَا يَتَّبِعُكُمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعِ الْقُرْآنَ يَهْبطُ بِهِ رِيَاضَ الْجَنَّةِ، وَمَنْ يُتَّبع بِهِ الْقُرْآنُ يَزُخُّ (5) فِي قَفَاهُ حَتَّى يَقْذِفَهُ فِي جَهَنَّمَ)) .
__________
(1) هو هُشَيْم - بالتصغير - ابن بشير بن القاسم بن دينار السُّلَمي، أبو معاوية الواسطي، روى عن يعلى بن عطاء وسليمان التيمي وإسماعيل بن أبي خالد وعمرو بن دينار وحصين بن عبد الرحمن وسيار أبي الحكم وخالد الحذّاء، وعبد الملك بن أبي سليمان ومغيرة بن مقسم وغيرهم، روى عنه ابنه سعيد وابن المبارك ووكيع ويزيد بن هارون وعلي بن المديني وابنا أبي شيبة وأحمد بن حنبل وسعيد بن منصور وغيرهم، وكانت ولادته في سنة أربع ومائة، وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائة، وهو ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي وروى له الجماعة كما في "التقريب" (ص574 رقم 7312) . قال أبو عبيدة الحدّاد: قدم علينا هشيم البصرة، فذكرناه لشعبة، فقال: ((إن حدثكم عن ابن عباس وابن عمر فصدّقوه)) . وقال علي بن معبد الرقي: جاء رجل من أهل العراق، فذاكر مالكًا بحديث، فقال: ((وهل بالعراق أحد يحسن الحديث إلا ذاك الواسطي)) - يعني هشيمًا -. وقال عبد الرحمن بن مهدي: ((كان هشيم أحفظ للحديث من سفيان الثوري)) . ووثقه ابن سعد والعجلي وأبو حاتم. ووصفه بالتدليس العجلي وابن سعد وابن حبان وأحمد والنسائي. ولما قال له ابن المبارك: ((لِمَ تدلس وأنت كثير الحديث؟)) قال: ((كبيراك قد دلّسا: الأعمش وسفيان)) . وعدّه ابن حجر في الطبقة الثالثة من "طبقات المدلسين"، وهم: مَنْ أكثر من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع. انظر: "الجرح والتعديل" (9 / 115 رقم 486) ، و"التهذيب" (11 / 59 - 64 رقم 100) ، و"طبقات المدلسين" (ص115 - 116 رقم 111) .(1/49)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= (2) زياد بن مِخْراق - بكسر الميم وسكون المعجمة - المزني، مولاهم، أبو الحارث البصري، يروي عن معاوية بن قُرَّة وأبي نعامة قيس بن عباية وغيرهم، روى عنه شعبة ومالك وحماد بن سلمة وابن عليَّة وابن عيينة، وغيرهم، وهو ثقة؛ من الطبقة الخامسة، وثقه ابن معين والنسائي، وقال ابن خراش: ((صدوق)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "الجرح والتعديل" (3 / 545 رقم 2461) ، و"التهذيب" (3 / 383 رقم 700) ، و"التقريب" (ص220 رقم 2098) .
(3) وهو معاوية بن قُرّة بن إياس بن هلال المزني، أبو إياس البصري، روى عن أبيه ومعقل بن يسار وأبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن مغفل وغيرهم، روى عنه ابنه إياس وثابت البناني ومنصور بن زاذان وقتادة وشعبة وآخرون، وكانت وفاته سنة ثلاث عشرة ومائة وهو ابن ست وسبعين، وهو ثقة؛ وثّقه ابن سعد وابن معين والعجلي والنسائي وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في "ثقاته"، وروى له الجماعة.
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 378 - 379 رقم 1734) ، و"التهذيب" (10 / 216 - 217 رقم 399) ، و"التقريب" (ص538 رقم 6769) .
(4) هو أبو كنانة القرشي، ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9 / 430 رقم 2135) وبيّض له، وقال الحافظ في "التقريب" (ص669 رقم 8327) : ((مجهول)) ، والراجح من حاله أنه مجهول الحال كما قال ابن القطان؛ فقد روى عنه زياد بن مخراق، وأبو إياس معاوية بن قرة، وغيرهما، ويروي هو عن أبي موسى الأشعري، وهو من الطبقة الثالثة، فلعل الحافظ لم يطلع على رواية أبي إياس عنه.
انظر: "التهذيب" (12 / 213 رقم 988) ، و"الميزان" (4 / 565 رقم 10543) .
(5) أي: يدفع. "النهاية في غريب الحديث" (2 / 298) .
[8] الحديث سنده ضعيف لجهالة حال أبي كنانة.
وقد أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (4 / 585 رقم 1866) من طريق المصنف، ولفظه: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ كَائِنٌ لَكُمْ أجرًا، وكائن لكم ذخرًا، وكائن =(1/50)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= لكم وزرًا، فاتبعوا القرآن، ولا يتبعنكم القرآن، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعِ الْقُرْآنَ يَهْبطُ به على رياض الجنة، ومن يتبعه القرآن يزج فِي قَفَاهُ حَتَّى يَقْذِفَهُ فِي نار جهنم)) .
والحديث أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص25 رقم 54، 55) ، وفي "غريب الحديث" (4 / 172 - 173) ، من طريق هشيم وإسماعيل بن عليّة، عن زياد بن مخراق، به نحوه.
ومن طريق أبي عبيد أخرجه البيهقي في الموضع السابق.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 484 رقم 10063) و (13 / 386 - 387 رقم 16671) ، والدارمي في "سننه" (2 / 313 رقم 3331) .
كلاهما من طريق شعبة، عن زياد بن مخراق به نحوه.
وأخرجه مسدد في "مسنده" كما في "المطالب العالية المسندة" (ل 135 / أ - ب) ، وهو في المطبوعة (3 / 297 رقم 3517) .
والفريابي في "الفضائل" (ص128 - 129 رقم 22) .
ومن طريقه الشجري الشيعي في "أماليه" (1 / 83) .
وأخرجه الآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص40 رقم 3) .
وأبو نعيم في "الحلية" (1 / 257)
جمعيهم من طريق إسماعيل بن علية، عن زياد بن مخراق، به نحوه.
وأخرجه ابن الضريس في "الفضائل" (ص48 رقم 67) من طريق عوف، عن زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ، عَنْ أَبِي كنانة عن أبي موسى، به نحوه هكذا بإسقاط أبي إياس من سنده.
وأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل كما في "المختصر" (ص158 - 159) .
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" أيضًا (ص25 رقم 56) من طريق هشيم، قال: أخبرنا محمد مولى قريش، قال: سمعت أبا كنانة يحدث عن أبي موسى بمثل ذلك، أي: بمثل لفظ أبي عبيد السابق.(1/51)
9- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ (1) ، عَنْ لَيْثٍ (2) ، عَنْ مُجَاهِدٍ (3) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ تَلَا آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - كَانَتْ لَهُ نُورًا يَومَ الْقِيَامَةِ، وَمَنِ اسْتَمَعَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَةً مضاعفة)) .
__________
(1) هو إسماعيل بن عيّاش بن سُلَيْم العَنْسي - بالنون-، أبو عتبة الحمصي، روى عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُليم وصفوان بن عمرو وعبد الرحمن بن جبير بن نفير والأوزاعي وشرحبيل بن مسلم وبحير بن سعد وزيد بن أسلم ومحمد بن عمرو وموسى بن عقبة وهشام بن عروة وخلق من أهل الشام والحجاز والعراق وغيرهم، روى عنه ابن المبارك وأبو داود الطيالسي وابن معين وأبو عبيد وعثمان بن أبي شيبة والحسن بن عرفة وسعيد بن منصور وغيرهم، وكان مولده سنة اثنتين ومائة، وقيل: خمس، وقيل: ست ومائة، وتوفي سنة إحدى وثمانين ومائة، وقيل: سنة اثنتين وثمانين، وهو صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلّط في غيرهم كما في "التقريب" (ص109 رقم 473) ، وهو مدلس من الطبقة الثالثة، وصفه بالتدليس ابن معين وابن حبان كما في "طبقات المدلسين" (ص82 رقم 68) ، قال يعقوب بن سفيان: ((تكلم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة عدل، أعلم الناس بحديث الشام، وأكثر ما قالوا: يغرب عن ثقات المدنيين والمكيين)) .
وقال يزيد بن هارون: ((ما رأيت أحفظ من إسماعيل بن عياش، ما أدري ما سفيان الثوري)) .
وقال ابن معين: ((ثقة فيما يروي عن الشاميين. وأما روايته عن أهل الحجاز، فإن كتابه ضاع، فخلط في حفظه عنهم)) . وفي رواية عنه قال: ((إذا حدث عن الشاميين وذكر الخبر، فحديثه مستقيم. وإذا حدث عن الحجازيين والعراقيين خلط ما شئت)) .
وذكر أبو بكر المرّوذي أنه سأل الإمام أحمد عنه، فحسّن روايته عن الشاميين، =(1/52)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وقال: ((هو فيهم أحسن حالاً مما روى عن المدنيين وغيرهم)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (2 / 191 - 192 رقم 650) ، و"الكامل" (1 / 288 - 296) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (3 / 164) ، و"التهذيب" (1 / 321 - 326 رقم 584) .
(2) هو ليث بن أبي سُلَيم بن زُنَيْم - بالزاي والنون مصغر- القرشي، مولاهم، أبو بكر الكوفي، يروي عن طاوس ومجاهد وعطاء وعكرمة ونافع وأبي إسحاق السبيعي وأبي الزبير المكي وغيرهم، روى عنه الثوري وشعبة وجرير بن عبد الحميد وعبد الواحد بن زياد وزائدة وشريك ومحمد بن فضيل وغيرهم، ومات بعد الأربعين ومائة، قيل: سنة إحدى أو اثنتين، وقيل ثلاث، وقيل: ثمان وأربعين ومائة، وهو صدوق اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه، فتُرك كما في "التقريب" (ص464 رقم 5685) قال الإمام أحمد: ((مضطرب الحديث، ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأيًا منه في ليث بن أبي سليم وأبي إسحاق وهمام، لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم)) .
وقال ابن معين: ((كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه)) . وقال وكيع: ((كان سفيان لا يسمي ليثًا)) . وقال عيسى بن يونس: ((كان قد اختلط، وكان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذن)) . وقال أبو حاتم وأبو زرعة: ((ليث لا يشتغل به؛ هو مضطرب الحديث)) . وقال ابن حبان: ((اختلط في آخر عمره، فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم. تركه يحيى القطان، وابن مهدي، وابن معين، وأحمد)) . وقال يعقوب بن شيبة: ((هو صدوق ضعيف الحديث)) . وقال ابن شاهين في "الثقات": قال عثمان بن أبي شيبة: ((ليث صدوق، ولكن ليس بحجة)) . وقال الساجي: ((صدوق فيه ضعف، كان سيء الحفظ، كثير الغلط، كان يحيى القطان بآخرةٍ لا يحدث عنه)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (7 / 177 - 179 رقم 1014) ، و"الكامل" لابن عدي (6 / 2105 - 2108) ، و"التهذيب" (8 / 465 - 468 رقم 833) .
(3) هو مجاهد بن جَبْر - بفتح الجيم، وسكون الموحدة-، أبو الحجاج المخزومي، =(1/53)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= مولاهم، المكي، روى عن العبادلة الأربعة وعائشة وأم سلمة وجابر وسراقة بن مالك وغيرهم، وروى عن علي وسعد بن أبي وقاص ورافع بن خديج وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة، وقيل: لم يسمع منهم، روى عنه أيوب السختياني وعطاء وعكرمة وعمرو بن دينار والأعمش ومنصور بن المعتمر وغيرهم، وكان مولده سنة إحدى وعشرين للهجرة في خلافة عمر رضي الله عنه، وتوفي سنة مائة، وقيل: إحدى، وقيل: اثنتين، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع ومائة، وهو ثقة إمام في التفسير وفي العلم، وروى له الجماعة كما في "التقريب" (ص520 رقم 6481) ، فقد وثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة. وقال ابن سعد: ((كان ثقة فقيهًا عالمًا كثير الحديث)) . وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ((كان فقيهًا ورعًا عابدًا متقنًا)) .
وقال الذهبي: ((أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 319 رقم 1469) ، و"التهذيب" (10 / 42 - 44 رقم 68) .
[9] سنده ضعيف جدًّا لضعف ليث وإسماعيل في غير أهل بلده؛ فإن روايته هنا عن ليث وهو كوفي، ومع ذلك فإسماعيل مدلس ولم يصرح هنا بالسماع، وأيضًا ففي رواية مجاهد عن أبي هريرة شك، هل سمع منه أوْ لا كما سبق؟
وقد اختلف في الحديث على إسماعيل كما سيأتي، ولعل هذا من خلطه.
فالحديث روي عن أبي هريرة رضي الله عنه من طريقين:
1- طريق مجاهد، ويرويه عنه ليث بن أبي سليم، واختلف على ليث، فرواه إسماعيل بن عياش، عنه، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعًا.
ورواه عبد الوراث بن سعيد، عنه، عن رجل يقال له الحسن من قوله.
أما رواية إسماعيل فهي التي أخرجها المصنف هنا عنه.
ومن طريق المصنف أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (4 / 546 رقم 1828) بمثله، إلا أنه قال: ((ومن استمع لآية)) ، وحسن السيوطي إسناده =(1/54)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= في "الدر المنثور" (3 / 638) .
وأما رواية عبد الوارث، فأخرجها ابن الضريس في "الفضائل" (ص45 رقم 56) ، عن الحسن هذا قال: ((من استمع إلى آية في كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن قرأها كَانَتْ لَهُ نُورًا يَومَ الْقِيَامَةِ)) .
فلست أدري، هل الخلط من ليث، أو من إسماعيل، أو منهما كليهما؟
2- طريق الحسن البصري، عن أبي هريرة:
وله عن الحسن ثلاث طرق:
أ- طريق عباد بن ميسرة.
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2 / 341) من طريق شيخه أبي سعيد مولى بني هاشم، عن عباد هذا، عن الحسن، عن أبي هريرة مرفوعًا، به نحو لفظ المصنف.
قال المنذري في "الترغيب" (2 / 206) : ((رواه أحمد عن عباد بن ميسرة، واختلف في توثيقه، عن الحسن، عن أبي هريرة، والجمهور على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة)) .
وقال الهيثمي في "المجمع" (7 / 162) : ((فيه عباد بن ميسرة ضعفه أحمد وغيره، وضعفه ابن معين في رواية، وضعفه (كذا!) في أخرى، ووثقه ابن حبان)) .
وقد أخرج الحديث من هذا الطريق أيضًا ابن مردويه كما في تخريج أحاديث "إحياء علوم الدين" (2 / 703 - 704) .
والحديث ضعيف من هذا الطريق؛ له علتان:
1- الإنقطاع بين الحسن البصري وأبي هريرة.
فالجمهور على أنه لم يسمع من أبي هريرة، منهم: أيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وعلي بن زيد، وبهز بن أسد، وابن المديني، والإمام أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبزار.
انظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص31 - 46) ، و"جامع التحصيل" (ص196- 197) ، و"التهذيب" (2 / 263- 270) . =(1/55)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وقد أنكر بعضهم أن يكون الحسن رأي أبا هريرة كيونس بن عبيد، وأبي زرعة، والراجح أنه رآه وسمع منه حديثًا واحدًا، قال الحافظ ابن حجر في الموضع السابق من "التهذيب": ((وقع في "سنن النسائي" من طريق أيوب، عن الحسن، عن أبي هريرة في المختلعات، قال الحسن: لم أسمع من أبي هريرة غير هذا الحديث، أخرجه عن إسحاق بن راهويه، عن المغيرة بن سلمة، عن وهيب، عن أيوب، وهذا إسناد لا مطعن في أحد من رواته، وهو يؤيد أنه سمع من أبي هريرة في الجملة، وقصته في هذا شبيهة بقصته في سمرة سواء)) . اهـ.
2- عباد بن ميسر المِنْقَري، البصري ليّن الحديث عابد من الطبقة السابعة كما في "التقريب" (ص291 رقم 3149) . وهو يروي عن الحسن البصري ومحمد بن المنكدر وعلي بن زيد بن جدعان، ويروي عنه أبو الوليد الطيالسي ووكيع وهشيم وغيرهم، وقد ضعفه الإمام أحمد وابن معين، وقال ابن معين في رواية: ((إن حديثه ليس بالقوي، ولكنه يكتب)) ، وفي رواية قال: ((ليس به بأس)) . وقال أبو داود: ((ليس بالقوي)) ، وقال ابن عدي: ((هو ممن يكتب حديثه)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ((كان من العباد)) .
انظر: "الكامل" لابن عدي (4 / 1647 - 1648) ، و"التهذيب" (5 / 107 - 108 رقم 179) .
ب- طريق صالح بن مقسم.
أخرجه ابن منده في الرد على من يقول: (آلم) حرف برقم (24) من طريق إسماعيل بن عياش، عن صالح بن مقسم، عن الحسن، عن أبي هريرة، مرفوعًا، به نحو لفظ المصنف.
وسنده ضعيف أيضًا، للانقطاع بين الحسن وأبي هريرة.
وصالح بن مقسم مجهول، ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4 / 414 رقم 1821) ، وبيض له، ولم يذكر أنه روى عنه سوى إسماعيل بن عياش. =(1/56)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وإسماعيل بن عياش روايته عن غير الشاميين ضعيفة، وصالح بن مقسم لم يذكر بلده في ترجمته، وقد يكون إسماعيل خلط في الحديث، فمرة يرويه عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أبي هريرة، ومرة عن صالح بن مقسم، عن الحسن، عن أبي هريرة، فالله أعلم بالصواب.
جـ- طريق أبان بن أبي عياش:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3 / 373 رقم 6013) عن معمر، عن أبان، عن أنس، أو عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكره بنحوه هكذا على الشك.
وسنده ضعيف جدًّا.
أبان بن أبي عياش تقدم في الحديث رقم [4] أنه متروك الحديث.
وقد روي بعضه من حديث ابن عباس موقوفًا.
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3 / 373 رقم 6012) ، فقال: أخبرنا ابن جريج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: ((من اسْتَمَعَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَومَ الْقِيَامَةِ)) .
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الدارمي في "سننه" (2 / 319 رقم 3370) ، والفريابي في "الفضائل" (ص170 رقم 64) .
وأخرج أبو عبيد في "الفضائل" (ص13 رقم 27) من طريق حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس ... ، فذكره بنحو لفظ عبد الرزاق هكذا بإسقاط عطاء في سنده.
والحديث بهذا الإسناد مداره على ابن جريج، وهو:
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي، مولاهم، المكي، يروي عن أبيه عبد العزيز، وعن عطاء بن أبي رباح وزيد بن أسلم والزهري وطاوس وابن أبي مليكة وعطاء الخراساني وعمرو بن دينار وأبي الزبير ومحمد بن المنكدر ونافع مولى ابن عمر وغيرهم، روى عنه ابناه عبد العزيز ومحمد =(1/57)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وحماد بن زيد وعبد الوهاب الثقفي وابن عليّة وابن عيينة وابن المبارك وعبد الله بن إدريس ووكيع وعبد الرزاق وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمسين ومائة وهو ابن سبعين سنة، وهو ثقة فقيه فاضل، روى له الجماعة، إلا أنه يدلّس ويرسل كما في "التقريب" (ص363 رقم 4193) ، وقد عدّه الحافظ ابن حجر في الطبقة الثالثة من "طبقات المدلسين" (ص95 رقم 83) ، وهم: من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع. قال يحيى بن سعيد: ((لم يكن أحد أثبت في نافع من ابن جريج فيما كتب، وهو أثبت من مالك في نافع)) . وقال أيضًا: ((كان ابن جريج صدوقًا، فإذا قال: حدثني فهو سماع، وإذا قال: أخبرني فهو قراءة، وإذا قال: قال فهو شبه الريح)) . وقال الإمام أحمد: ((ابن جريج أثبت الناس في عطاء)) ، وقال أيضًا: ((ابن جريج ثبت صحيح الحديث، لم يحدث بشيء إلا أتقنه)) . وقال مرة: ((إذا قال ابن جريج: قال فلان، وقال فلان، وأُخبرت، جاء بمناكير. وإذا قال: أخبرني، وسمعت، فحسبك به)) ، ووثقه ابن معين. وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث)) . وقال الذهلي: ((ابن جريج إذا قال: حدثني وسمعت فهو محتج بحديثه)) . وسئل عنه أبو زرعة، قال: ((بخ، من الأئمة)) . وقال ابن حبان: ((كان من فقهاء أهل الحجاز وقرائهم ومتقنيهم، وكان يدلس)) . وقال الدارقطني: ((تجنب تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 356 - 358 رقم 1687) ، و"التهذيب" (6 / 402 - 406 رقم 855) .
قلت: ولم يصرح ابن جريج بالسماع في هذا الحديث، فيكون ضعيفًا لأجله.(1/58)
10- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا جَرِيرٌ (1) ، عَنْ مَنْصُورٍ (2) ، عَنْ أَبِي الضُّحى (3) ، قَالَ: قَالَ الضحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ (4) : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ: عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَهَالِيَكُمُ الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - (لَهُ مِنْ) (5) مُسْلِمٍ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا قِيلَ لَهُ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى علمه من القرآن)) .
__________
(1) هو جرير بن عبد الحميد بن قُرْط الضبي، أبو عبد الله الرازي، يروي عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ وأبي إسحاق الشيباني ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش ومنصور بن المعتمر ومغيرة بن مقسم وغيرهم، روى عنه إسحاق بن راهويه وابنا أبي شيبة وابن المديني، وابن معين وسعيد بن منصور وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان وثمانين ومائة، وولادته سنة سبع ومائة، وقيل: عشر ومائة، وهو ثقة صحيح الكتاب، وروى له الجماعة. قال اللالكائي: ((أجمعوا على ثقته)) ، وكذا قال الخليلي. وقال أبو خيثمة: ((لم يكن يدلس)) . وقال ابن سعد: ((كان ثقة يرحل إليه)) . ووثقه العجلي والنسائي وأبو حاتم، وقال: ((يحتج بحديثه)) . وقال الإمام أحمد: ((لم يكن بالذكي)) .
وقال البيهقي: ((نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ)) . اهـ. من "هدي الساري" (ص395) ، وانظر: "الجرح والتعديل" (2 / 505 - 507 رقم 2080) ، و"الميزان" (1 / 394 رقم 1466) ، و"التهذيب" (2 / 75 - 77 رقم 116) ، و"التقريب" (ص139 رقم 916) ، و"الكواكب النيرات وحاشيته" (ص120 - 122) .
أقول: جرير ثقة صاحب كتاب كما يتضح من "الميزان" (1 / 395) ، وقول الإمام أحمد عنه: ((لم يكن بالذكي)) يوضح باقي كلامه حيث قال: ((اختلط عليه حديث أشعث وعاصم الأحول حتى قدم عليه بهز فعرّفه)) . اهـ. فهذا مقصور على حديث هذين المذكورين، وقد زال. =(1/59)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأما قول البيهقي إنه: ((نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ)) ، فقد قال الحافظ ابن حجر في الموضع السابق من "هدي الساري": ((ولم أر ذلك لغيره - أي البيهقي- بل احتج به جماعة)) . اهـ.
أقول: وقد يكون التبس على البيهقي بجرير بن حازم كما حصل لصاحب الحافل أبي العباس النباتي؛ حيث ذكر عن أبي حاتم أن جريرًا تغير قبل موته بسنة فحجبه أولاده، وهذا إنما وقع لجرير بن حازم، فكأنه اشتبه على صاحب الحافل كما نص على ذلك الذهبي في "الميزان"، وابن حجر في "التهذيب"، والله أعلم.
(2) هو منصور بن المعتمر بن عبد الله السُّلَمي، أبو عتّاب - بمثنّاة ثقيلة، ثم موحدة -، الكوفي، يروي عن أبي وائل شقيق بن سلمة وإبراهيم النخعي والحسن البصري وسعيد بن جبير وطلحة بن مُصَرِّف ومجاهد وأبي الضحى مسلم بن صبيح وغيرهم، روى عنه أيوب السختياني وحصين بن عبد الرحمن والأعمش وغيرهم من أقرانه، وسفيان الثوري وابن عيينة وشعبة ومسعر وجرير بن عبد الحميد وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وهو ثقة ثبت، وكان لا يدلّس وروى له الجماعة. قال سفيان الثوري: ((ما بالكوفة آمن على الحديث من منصور)) . وقال ابن مهدي: ((لم يكن بالكوفة أحفظ من منصور)) . وقال أبو زرعة عن إبراهيم بن موسى: ((أثبت أهل الكوفة: منصور، ثم مسعر)) .
وقال أبو حاتم: ((ثقة)) ، وسئل عنه وعن الأعمش، فقال: ((الأعمش حافظ، يخلط ويدلس، ومنصور أتقن، لا يخلط ولا يدلس)) . وقال العجلي: ((ثقة ثبت في الحديث، كان أثبت أهل الكوفة، وكأن حديثه القدح، لا يختلف فيه أحد، متعبّد رجل صالح)) . وقال ابن معين: ((منصور من أثبت الناس)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 177 - 179 رقم 778) ، و"التهذيب" (10 / 312 - 315 رقم 546) ، و"التقريب" (ص547 رقم 6908) .
(3) هو مسلم بن صُبَيْح - بالتصغير -، الهَمْداني، أبو الضُّحى الكوفي، العطّار، مشهور بكنيته، يروي عن النعمان بن بشير وابن عباس وابن عمر وشتير =(1/60)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ابن شكل ومسروق وعلقمة وغيرهم، روى عنه الأعمش ومنصور وسعيد بن مسروق وعطاء بن السائب ومغيرة وحصين بن عبد الرحمن وغيرهم، وكانت وفاته في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة مائة، وهو ثقة فاضل روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص530 رقم 6632) ؛ فقد وثقه ابن سعد وابن معين وأبو زرعة والنسائي والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 186 رقم 815) ، و"التهذيب" (10 / 132 - 133 رقم 235) .
(4) الضحّاك بن قيس لم ينسب هنا، والمترجم لهم في هذه الطبقة ثلاثة، والراوي عنه هنا هو أبو الضحى مسلم بن صبيح، ولم يذكر المزي في ترجمته في "تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1326) أنه روى عن أحد ممن اسمه الضحاك، ولم أجد في تراجم هؤلاء الثلاثة أن أبا الضحى روى عن أحد منهم.
أما أحد هؤلاء الثلاثة، فهو: الضحاك بن قيس بن خالد بن وهب بن ثعلبة الفهري، القرشي، أبو أنيس أخو فاطمة بنت قيس، أمير مشهور، وصحابي صغير.
انظر: "التاريخ الكبير" (4 / 332 رقم 3018) ، و"الإصابة" (3 / 478 - 480) ، و"التهذيب" (4 / 448 - 449 رقم 781) ، و"التقريب" (ص279 رقم 2976) .
وأما الآخر، فهو: الضحاك بن قيس، روى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، ولم يذكر سماعًا. فرّق ابن معين بينه وبين الفهري، وتبعه الخطيب في "المتفق والمفترق". اهـ. من "التهذيب" (4 / 449 رقم 782) .
وأما الثالث فهو: الضحاك بن قيس الكندي، السكوني. يروي عن ابن عمر. قال عنه الإمام أحمد: ((ثقة صالح صاحب سنة)) . وذكره ابن حبان في "ثقاته".
انظر: "التاريخ الكبير" (4 / 332 رقم 3019) ، و"الجرح والتعديل" (4 / 485 رقم 2023) ، و"الثقات" (4 / 387) .
(5) في الأصل: (ما من) ، وما أثبته من "مصنف ابن أبي شيبة" وسيأتي تمام لفظه. =(1/61)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= [10] الحديث سنده صحيح إلى قائله الضحاك، وقد صح معناه مرفوعًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - كما سيأتي.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 449 رقم 10108) و (13 / 375 رقم 16642) متابعًا لسعيد، فقال: حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضحى، قال: كان الضحاك بن قيس يقول: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَهَالِيَكُمُ الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ مَنْ كُتِبَ له من مسلم يدخله الله الجنة أتاه ملكان، فاكتنفاه، فقالا لَهُ: اقْرَأْ وَارْتَقِ فِي دَرَجِ الجنة، حتى ينزلا به حيث انتهى علمه من القرآن)) .
وفي الموضع الثاني: ((فإنه من كتب الله له من مسلم أن يدخله الجنة)) .
والحديث ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (8 / 315) وعزاه لابن أبي شيبة فقط.
وله شاهد من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العاص وأبي هريرة، وأبي سعيد - رضي الله عنهم-.
أما حديث عبد الله بن عمرو، فيرويه عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - قَالَ: ((يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وارْقَ ورتِّل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)) .
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2 / 192) واللفظ له.
وابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 498 رقم 10105) .
وأبو داود في "سننه" (2 / 153 رقم 1464) في الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة.
والترمذي في "سننه" (8 / 232 رقم 3081 و 3082) ، في فضائل القرآن، باب منه.
والنسائي في "فضائل القرآن" (ص97 رقم 81) .
وابن حبان في "صحيحه" (3 / 43 رقم 766 / الإحسان) .
والحاكم في "المستدرك" (1 / 552 - 553) .
جميعهم من طريق سفيان الثوري، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدلة، عَنْ زرّ، عن عبد الله بن عمرو، به. =(1/62)
11- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ (1) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ (2) ، قَالَ: يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وارْقَ، وَرَتِّلْ، فَيَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي به القرآن)) .
__________
= قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح)) ، وصححه ابن حبان كما سبق، ونقل الذهبي تصحيح الحاكم له وأقرَّه، وسقط كلام الحاكم من "المستدرك" المطبوع.
وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه ابن أبي شيبة في الموضع السابق برقم (10104) .
والإمام أحمد في "المسند" (2 / 471) .
كلاهما عن شيخهما وكيع، قال: حدثنا الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أبي سعيد، أو: عن أبي هريرة - شكّ الأعمش -، قال: يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارْقَهْ، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7 / 162) : ((رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح)) .
قلت: والشك من الأعمش لا يضر، فأبو سعيد وأبو هريرة صحابيان.
وقد أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (3 / 40) .
وابن ماجه في "سننه" (2 / 1242 رقم 3780) في الأدب، باب: ثواب القرآن.
كلاهما من طريق شيبان، عن فراس، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري، قال: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((يقال لصاحب القرآن يوم القيامة إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه)) .
قال البوصيري في "الزوائد" (3 / 187) : ((هذا إسناد فيه عطية العَوْفي، وهو ضعيف)) .
وعليه فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق، والله أعلم.
(1) هو العوّام بن حَوشْب بن يزيد الشيباني، أبو عيسى الواسطي، يروي عن المسيب بن رافع وأبي إسحاق السبيعي ومجاهد وسلمة بن كهيل وعمرو بن مرّة وأبي إسحاق الشيباني وإبراهيم التيمي وغيرهم، روى عنه شعبة وهشيم ويزيد بن هارون =(1/63)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ومحمد بن عبيد الطنافسي وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان وأربعين ومائة، وهو ثقة ثبت فاضل روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص433 رقم 5211) ؛ قال الإمام أحمد: ((ثقة ثقة)) ، ووثقة ابن معين وأبو زرعة والعجلي وابن سعد والحاكم.
انظر: "طبقات ابن سعد" (7 / 311) ، و"الجرح والتعديل" (7 / 22 رقم 117) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (2 / 1064) ، و (3 / 1331) ، و"التهذيب" (8 / 163 - 164 رقم 297) .
(2) هو إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي الكوفي العابد. يروي عن أبيه وأنس والحارث بن سويد وعمرو بن ميمون وغيرهم، روى عنه بيان بن بشر والحكم بن عتيبة ويونس بن عبيد وغيرهم وهو ثقة روى له الجماعة، وكان يرسل؛ فقد وثقه ابن معين وأبو زرعة. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ((كان عابدًا صابرًا على الجوع الدائم)) . انظر: "الجرح والتعديل" (2 / 145 رقم 474) ، و"الثقات" لابن حبان (4 / 7 - 8) ، و"التهذيب" (1 / 176 - 177 رقم 124) ، و"التقريب" (ص95 رقم 269) .
قلت: ذكر الحافظ في الموضع السابق من "التقريب" أنه كان يدلس، اعتمادًا منه على عبارة الكرابيسي حيث قال: ((حدث عن زيد بن وهب قليلاً أكثرها مدلسة)) كما في الموضع السابق من "التهذيب"، مع أن الحافظ لم يذكره في "طبقات المدلسين"، ولم أجد من ذكره ممن ألف في المدلسين، وإنما ذكره العلائي فيمن يرسل كما في "جامع التحصيل" (ص167) . وزيد بن وهب لا أدري، سمع منه التيمي أم لا؟ فلم يذكره المزي فيمن سمع منه، انظر: "تهذيب الكمال" المطبوع (2 / 232) ، وسماعه منه محتمل، فكلاهما كوفي، وقد تعاصرا فالتيمي توفي على الراجح سنة (93هـ) ، وزيد بن وهب قيل: بعد الثمانين، وقيل: سنة (96هـ) كما في "التقريب" (ص225 رقم 2159) . وبالجملة فكلام الكرابيسي يفتقر إلى الدليل، هذا إن سلم من الوهم.
[11] سنده ضعيف؛ هشيم مدلس من الثالثة كما في الحديث المتقدم برقم [8] ، ولم يصرح بالسماع هنا.(1/64)
12- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنِ المسيِّب بْنِ رَافِعٍ (1) ، قَالَ: يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَافِعٌ مُطَاعٌ، ومَاحِلٌ (2) مُصَدَّق، فيَشْفَعُ لِصَاحِبِهِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اجْزِهِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ بِي، وَيَسْهَرُ بِي، وَيَنْصَبُ بِي، فَاجْزِهِ، فَيُقَالُ: ((حُلَّة الْكَرَامَةِ)) ، فَيَقُولُ: يَا رب اجزه [ل105/ب] ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ بِي، وَيَسْهَرُ بِي، وَيَنْصَبُ بِي، فَاجْزِهِ، فَيُقَالُ: ((تَاجُ الْكَرَامَةِ)) ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اجْزِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ بِي، وَيَسْهَرُ بِي، وَيَنْصَبُ بِي، قَالَ: فَيُقَالُ: ((رِضْوَانِي لَا سَخَطَ بَعْدَهُ)) . قَالَ: فَإِلَى ذَلِكَ تَنْتَهِي شَفَاعَةُ القرآن.
__________
(1) هو المسيب بن رافع الأسدي الكاهلي، أبو العلاء الكوفي، الأعمى، يروي عن البراء بن عازب وحارثة بن وهب وأبي صالح ذكوان السمّان وغيرهم، يروي عنه العوام بن حوشب وأبو إسحاق السبيعي والأعمش ومنصور بن المعتمر وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمس ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص532 رقم 6675) ، فقد وثقه ابن معين والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 293 رقم 1348) ، و"الثقات" (5 / 437) ، و"التهذيب" (10 / 153 رقم 291) .
(2) أي: خصم مجادل. / النهاية في غريب الحديث (4 / 303) .
[12] سنده ضعيف كسابقه، وقد صحّ معناه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - كما سيأتي.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 495 - 496 رقم 10097) من طريق محمد بن فضيل، عن الحسن بن عبيد الله، عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أبي صالح، قال: يشفع القرآن لصاحبه يوم القيامة، فيكسى حلة الكرامة، فيقول: أي رب زده، فإنه ... ، قال: فيكسى تاج الكرامة، قال: فيقول: أي رب زده، فإنه ... ، فيقول: رضائي. =(1/65)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن الضريس في "الفضائل" (ص62 رقم 102) ، وأخرجه الدارمي في "سننه" (2 / 309 - 310 رقم 3316) ، من طريق موسى بن خالد، حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري، عن الحسن بن عبيد الله، به نحو سياق ابن أبي شيبة.
وأبو صالح هذا هو ذكوان السمّان الزيات المدني، يروري عن أبي هريرة وأبي الدرداء وأبي سعيد الخدري وجابر وابن عمر وابن عباس وغيرهم، روى عنه أولاده سهيل وصالح وعبد الله وعطاء بن أبي رباح وزيد بن أسلم والأعمش وغيرهم، شهد الدار زمن عثمان - رضي الله عنه - ومات سنة إحدى ومائة، وهو ثقة ثبت روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص203 رقم 1841) . قال الإمام أحمد: ثقة ثقة، من أجل الناس وأوثقهم، ووثّقه ابن معين والعجلي. وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث)) . وقال أبو حاتم: ((ثقة صالح الحديث يحتجّ بحديثه)) . وقال أبو زرعة: ((ثقة مستقيم الحديث)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (3 / 450 - 451 رقم 2039) ، و"التهذيب" (3 / 219 - 220 رقم 417) ، والمسيب بن رافع تقدم أنه ثقة.
والحسن بن عبيد الله بن عروة النخعي، أبو عروة الكوفي يروي عن إبراهيم النخعي وإبراهيم التيمي وزيد بن وهب وأبي وائل شقيق بن سلمة وعامر الشعبي وأبي الضحى مسلم بن صبيح وغيرهم، روى عن شعبة والسفيانان، وزائدة وأبو إسحاق الفزاري ومحمد بن فضيل وغيرهم، ولم أجد من نصّ على أنه روى عن المسيب بن رافع، وسماعه منه محتمل؛ فإن المسيب توفي سنة خمس ومائة كما سبق، وأما الحسن بن عبيد الله فكانت وفاته سنة تسع وثلاثين ومائة، وقيل: سنة اثنتين وأربعين ومائة، وكلاهما كوفي. والحسن هذا ثقة فاضل كما في "التقريب" (ص162 رقم 1254) . وثقه ابن معين والعجلي وأبو حاتم والنسائي، وقال الساجي: ((صدوق)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال المديني: قلت ليحيى بن سعيد: أيما أعجب إليك، الحسن بن عبيد الله، أو الحسن بن عمرو؟ =(1/66)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قال: ((الحسن بن عمرو أثبتهما، وهما جميعًا ثقتان صدوقان)) . وقال البخاري: ((لم أخرج حديث الحسن بن عبيد الله؛ لأن عامة حديثه مضطرب)) ، وضعفه الدارقطني بالنسبة للأعمش، فقال في "العلل" بعد أن ذكر حديثًا للحسن هذا خالفه فيه الأعمش: ((الحسن ليس بالقوي، ولا يقاس بالأعمش)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (3 / 23 رقم 96) ، و"التهذيب" (2 / 292 رقم 521) .
قلت: أما قول البخاري ففيه مجازفة - إن صح عنه-، وأين كان أولئك الأئمة الذين وثقوه من أحاديثه التي عامتها مضطربة؟!
وأما قول الدارقطني السابق فليس على إطلاقه، وإنما هو بالنسبة إلى الأعمش، وأين الحسن من الأعمش؟ فإذا اختلف هو وإياه في حديث، قُدِّم الأعمش، مع كون الحسن ثقة.
ولم يذكر الذهبي الحسن هذا في "الميزان" وحينما ترجم له في "السير" (6 / 144 - 145) لم يذكر قول أحد ممن جرحه، وفي "الكاشف" (1 / 223 رقم 1048) ، قال: ((ثقة)) ، واستدركه الحافظ العراقي على الذهبي في "ذيل الميزان" (ص186 - 187 رقم 284) ، وذكر جرح الدارقطني، ولم يذكر كلام البخاري، فالله أعلم.
ورواه عن الحسن هذا اثنان:
أحدهما: شيخ ابن أبي شيبة: مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنُ غَزْوان الضَبِّي، مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي، يروي عن أبيه وإساعيل بن أبي خالد وعاصم الأحول وأبي إسحاق الشيباني وهشام بن عروة والأعمش وغيرهم، روى عنه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة وعمرو بن الفلَّاس وغيرهم، وكانت وفاته سنة أربع وتسعين ومائة، وقيل: خمس وتسعين، وهو ثقة شيعي روى له الجماعة كما في "الكاشف" للذهبي (3 / 89 رقم 5194) . فقد وثقه ابن معين، وكذا العجلي ويعقوب بن سفيان، ووصفاه بالتشيع. وذكره ابن شاهين في "الثقات" وقال: ((قال علي بن المديني: كان محمد بن فضيل ثقة ثبتًا في =(1/67)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= الحديث، وما أقل سقط حديثه)) . وقال ابن سعد: ((كان ثقة صدوقًا كثير الحديث، متشيعًا، وبعضهم لا يحتج به)) .
وقال الإمام أحمد: ((كان يتشيع، وكان حسن الحديث)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ((كان يغلو في التشيع)) ، وقال الدارقطني: ((كان ثبتًا في الحديث، إلا أنه كان منحرفًا عن عثمان)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (8 / 57 - 58 رقم 263) ، و"الثقات" لابن شاهين (ص208 رقم 1256) ، و"التهذيب" (9 / 405 - 406 رقم 658) .
والآخر: إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء الفَزَاري، الإمام، أبو إسحاق، يروي عن حميد الطويل وأبي إسحاق السبيعي والأعمش ومالك وشعبة والثوري وغيرهم، يروي عنه ابن المبارك وأبو أسامة حماد بن أسامة ومحمد بن كثير المصِّيصي والمسيب بن واضح وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمس وثمانين ومائة، وقيل: ست وثمانين، وقيل: ثمان وثمانين ومائة، وهو ثقة حافظ له تصانيف، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص92 رقم 230) .
قال ابن عيينة: ((كان أبو إسحاق الفزاري إمامًا)) . وقال عبد الرحمن بن مهدي: ((كان الأوزاعي والفزاري إمامين في السنة)) . وقال ابن معين: ((ثقة ثقة)) . وقال أبو حاتم: ((الثقة المأمون الإمام)) . وقال النسائي: ((ثقة مأمون أحد الأئمة)) . وقال العجلي: ((كان ثقة رجلاً صالحًا، صاحب سنّة، وهو الذي أدّب أهل الثغر، وعلمهم السنّة، وكان يأمر وينهى، وإذا دخل الثغر دخل مبتدع أخرجه، وكان كثير الحديث، وكان له فقه)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (1 / 281 - 286) ، و"التهذيب" (1 / 151 - 153 رقم 271) .
والراوي للحديث عن أبي إسحاق الفزاري هذا هو: شيخ الدارمي: موسى بن خالد الشامي، أبو الوليد الحلبي، خَتَن أبي إسحاق الفزاري، يروي عن أبي إسحاق الفزاري وعيسى بن يونس ومعتمر بن سليمان وابن عيينة، روى عنه الدارمي =(1/68)
13- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ؛ قَالَ: نا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُعَير (1) ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، يَقُولُ: لَأَنْ أَكُونَ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ قُمْتُ بِهِ سَنَةً، كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، وَذَلِكَ: أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: ((اقْرَأْ، وارْقَ، وَرَتِّلْ، فَيُرْجَى إِذَا كَانَ جَمَعَ الْقُرْآنَ أن يكون من المقربين)) .
__________
= ومحمد بن سهل وغيرهما، وهو مقبول من الطبقة العاشرة كما في "التقريب" (ص550 رقم 6957) ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (9 / 161) ، وروى له مسلم حديثًا له طرق أخرى في الصحيح كما في "التهذيب" (10 / 341 رقم 601) .
ومن خلال ما سبق يتضح أن سند الحديث صحيح إلى أبي صالح، وسيأتي معناه عن مجاهد برقم [22] وهو صحيح عنه.
وقد صح من رواية أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -.
فأخرجه الترمذي في "سننه" (8 / 227 - 228 رقم 3076) في فضائل القرآن، باب: ما جاء في من قرأ حرفًا من القرآن، ما له من الأجر؟
والحاكم في "المستدرك" (1 / 552) .
كلاهما من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن شعبة، عن عاصم، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - قال: ((يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول القرآن: يا ربِّ حَلِّهِ، فيُلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زدْه فيلبس حُلَّة الكرامة، ثم يقول: يا ربِّ ارْضَ عنه، فيقال له: اقرأ وارقَ ويزاد بكل آية حسنة)) .
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح)) .
وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي.
قلت: لكن أخرجه الترمذي عقبة برقم (3077) من طريق محمد بن جعفر غندر عن شعبة، فوقفه على أبي هريرة، ثم قال الترمذي: ((وهذا أصح عندنا من حديث عبد الصمد، عن شعبة)) . اهـ
(1) هناك نقطة فوق الراء في الأصل الخطي بحيث يخيل للقارئ أن الكلمة: ((صفين)) . ولم أجد من ترجم لعقبة هذا بما يشفي، وإنما ذكره ابن ماكولا في "الإكمال" (5 / 183) فقال: ((وعقبة بن صعير، سمع أبا صالح، روى عنه العوام بن حوشب)) ، وذكره ابن حجر =(1/69)
14- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ؛ قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ (1) ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ (أَوْفى) (2) ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ الْأَنْصَارِيِّ (3) ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ لَهُ حَافِظٌ مَثَلُ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ (4) ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَؤُهُ وَلَيْسَ بِحَافِظٍ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، وهو يتعاهده فله أجران)) .
__________
= في "تبصير المنتبه" (3 / 836) فقال: ((وعقبة بن صُعَير شيخ للعوام بن حوشب)) . اهـ.
قلت: وحيث لم يرو عنه سوى العوام، ولم يوثق من إمام معتبر، فهو مجهول، والله أعلم.
[13] الحديث سنده ضعيف لجهالة عقبة بن صعير، وهشيم تقدم أنه مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع هنا.
(1) هو قتادة بن دِعَامة بن قتادة السَّدوسي، أبو الخطّاب البصري، ثقة ثبت روى له الجماعة وروى هو عن أنس بن مالك وعبد الله بن سَرْجس، وقيل: لم يسمع منه، وروى أيضًا عن زرارة بن أوفى وعكرمة وعطاء بن أبي رباح وغيرهم، روى عنه أيوب السختياني وشعبة وجرير بن حازم وسعيد بن أبي عروبة ومعمر وغيرهم، وكانت ولادته سنة إحدى وستين للهجرة ووفاته سنة سبع عشرة ومائة، وقيل: ثمان عشرة ومائة.
وقال الحاكم: ((لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس)) ، وذكر ابن أبي حاتم عن الإمام أحمد مثل ذلك، وزاد: قيل له: فابن سرجس؟ فكأنه لم يره سماعًا، وذكر الإمام أحمد أيضًا أنه لم يسمع من سعيد بن جبير، وقال ابن معين: ((لم يلق سعيد بن جبير ولا مجاهداً ولا سليمان بن يسار)) ، وهو مدلس من الطبقة الثالثة كما في "طبقات المدلسين" (ص102 رقم 92) ، إلا أن رواية شعبة عنه محمولة على السماع، وإن كانت بالعنعنة كما في ترجمة أبي إسحاق السبيعي في الحديث رقم [1] .(1/70)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قال سعيد بن المسيب لما رأى حفظ قتادة: ((ما كنت أظن أن الله خلق مثلك)) . وقال ابن سيرين: ((قتادة هو أحفظ الناس)) . وقال أبو حاتم: ((سمعت أحمد بن حنبل، وذكر قتادة، فأطنب في ذكره، فجعل ينشر من علمه وفقهه ومعرفته بالاختلاف والتفسير، ووصفه بالحفظ والفقه، وقال: قلّما تجد من يتقدمه، أما المثل، فلعلّ)) . ووثقه ابن معين، وقال ابن سعد: ((كان ثقة مأمونًا حجة في الحديث، وكان يقول بشيء من القدر)) . وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ((كان من علماء الناس بالقرآن والفقه، ومن حفاظ أهل زمانه ... ، وكان مدلّسًا، على قَدَرٍ فيه)) . وقال الشعبي: ((قتادة حاطب ليل)) - يعني: أنه يأخذ عن كل أحد-. وقال شعبة: ((كان قتادة إذا جاء ما سمع قال: ((حَدَّثنا، وإذا جاء ما لم يسمع قال: قال فلان)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (7 / 133 - 135 رقم 756) ، و"التهذيب" (8 / 351 - 356 رقم 635) ، و"التقريب" (ص453 رقم 5518) .
قلت: ومن أحسن من بيّن حال قتادة: الذهبي - رحمه الله - في "سير أعلام النبلاء" (5 / 269 - 271) حيث قال: ((حافظ العصر، قدوة المفسرين والمحدّثين ... ، كان من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل في قوّة الحفظ ... ، وهو حجّة بالإجماع إذا بيّن السماع؛ فإنه مدلّس معروف بذلك، وكان يرى القَدَر، نسأل الله العفو. ومع هذا فما توقّف أحد في صدقه وعدالته وحفظه. ولعلّ الله يعذر أمثاله ممن تلبّس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبَذَل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يُسئل عما يفعل. ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعُلِمَ تحرّيه للحق، واتّسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعُرف صلاحه وورعه واتّباعه، يغفر له زلله، ولا نضلّله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك)) . اهـ.
(2) في الأصل: (أبي أوفى) ، وما أثبته من مصادر التخريج، ومصادر ترجمته.
وهو زُرارة - بضم أوله - بن أوفى العارمي، الحَرَشي - بمهملة وراء مفتوحتين، =(1/71)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= - ثم معجمة -، أبو حاجب البصري، قاضيها، يروي عن المغيرة بن شعبة وأنس وأسير بن جابر ومسروق وسعد بن هشام وغيرهم، يروي عنه قتادة وداود بن أبي هند وعوف الأعرابي وأيوب السختياني وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وتسعين، وهو ثقة عابد روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص215 رقم 2009) ، فقد وثقه ابن سعد وابن معين والنسائي والعجلي، وزاد: ((رجل صالح)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ((كان من العباد)) .
انظر: "طبقات ابن سعد" (7 / 150) ، و"الجرح والتعديل" (3 / 603 رقم 2727) ، و"الثقات" لابن حبان (4 / 266) ، و"التهذيب" (3 / 322 - 323 رقم 598) .
(3) هو سعد بن هشام بن عامر الأنصاري المدني، يروي عن أبيه وعائشة وابن عباس وأبي هريرة وأنس وغيرهم، وعنه حميد بن هلال وزرارة بن أوفى والحسن البصري وغيرهم وهو ثقة من الطبقة الثالثة، استشهد بأرض الهند، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص232 رقم 2258) . فقد ابن سعد والنسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "طبقات ابن سعد" (7 / 209) ، و"الثقات" لابن حبان (4 / 294) ، و"التهذيب" (3 / 483 رقم 900) .
(4) السَّفَرةُ: هم الملائكة، جمع سافر، والسافر في الأصل: الكاتب، سُمِّي به لأنه يُبيّن الشيء ويوضّحه، ومنه قوله تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 15 - 16] .
انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2 / 371) .
[14] الحديث سنده حسن لذاته؛ عبد الرحمن بن زياد تقدم في الحديث [6] أنه صدوق. وبقية رجال الإسناد ثقات، والحديث صحيح من غير هذا الطريق، فإن له طرقًا بعضها في الصحيحين.
فمدار الحديث على قتادة، يرويه عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سعد بن هشام، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وله عن قتادة سبعة طرق: =(1/72)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= 1- طريق شعبة.
أخرجه المصنف هنا من طريق عبد الرحمن بن زياد عنه.
وأخرجه الطيالسي في "مسنده" (ص210 رقم 1499) .
ومن طريق الطيالسي أخرجه الترمذي في "سننه" (8 / 215 - 216 رقم 3068) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (4 / 537 رقم 1822) .
وأخرجه علي بن الجعد في "مسنده" (1 / 505 رقم 991) .
ومن طريقه النحاس في "القطع والائتناف" (ص79) .
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص5 و 30 رقم 6 و 66) .
والإمام أحمد في "المسند" (6 / 110) .
والبخاري في "صحيحه" (8 / 691 رقم 4937) ، وفي "خلق أفعال العباد" (ص94 رقم 295) .
وابن الضريس في "الفضائل" (ص39 رقم 30) .
والنسائي في "التفسير" (2 / 492 رقم 666) ، وانظر "تحفة الأشراف" (11 / 406) .
وتمام في "فوائده" (ص669 رقم 1189) .
والبيهقي في "سننه" (2 / 395) .
2- طريق هشام.
أخرجه الطيالسي في "مسنده" (ص210 رقم 1499) .
ومن طريق الترمذي (8 / 215 - 216 رقم 3068) .
والبيهقي في "الشعب" (4 / 537 رقم 1822) .
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 490 رقم 10085) .
والإمام أحمد في "المسند" (6 / 48 و 192 و 239) .
والدارمي في "سننه" (2 / 319 رقم 3371) . =(1/73)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ومسلم في "صحيحه" (1 / 550 رقم 798) .
وأبو داود في "سننه" (2 / 148 رقم 1454) .
والنسائي في "فضائل القرآن" (ص92 رقم 72) .
والفريابي في "فضائل القرآن" (ص113 - 114 رقم 5) .
وابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص39 و 40 رقم 29 و 33) .
وابن حبان في "صحيحه" (2 / 71 - 72 رقم 764 / الإحسان) .
3- طريق سعيد بن أبي عروبة.
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (6 / 98 و 170 و 266) .
ومسلم في "صحيحه" (1 / 550 رقم 798) .
وابن ماجه في "سننه" (2 / 1242 رقم 3779) .
والنسائي في "الفضائل" (ص92 رقم 70 و 71) .
وتمام في "فوائده" (ص669 رقم 1190) .
4- طريق همّام.
أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص4 و 30 رقم 5 و 65) .
والإمام أحمد في "مسنده" (6 / 94) .
وأبو داود في "سننه" (2 / 148 رقم 1454) .
والدارمي (2 / 319 رقم 3371) .
5- طريق معمر.
أخرجه عبد الزراق في "المصنف" (2 / 491 رقم 4194) ، و (3 / 375 رقم 6016) ، عنه، عن قتادة، به نحوه، إلا أنه لم يذكر سعد بن هشام في سنده.
6- طريق أبي عوانة.
أخرجه مسلم في "صحيحه" (1 / 549 - 550 رقم 798) .
وابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص40 رقم 35) . =(1/74)
15- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ (1) ، عَنْ عَطَاءٍ (2) ، قَالَ: ((الَّذِي تَهُونُ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ يُكْتَبُ مِنَ السَّفَرَةِ، وَالَّذِي تَشُقُّ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهُ، وَتَثْقُلُ عليه فله أجران)) .
__________
= والفريابي في "فضائل القرآن" (ص111 - 112 رقم 3) .
والنسائي في "فضائل القرآن" (ص91 - 92 رقم 70) .
والبيهقي في "سننه" (2 / 395) .
7 - طريق روح بن القاسم.
أخرجه تمام في فوائده (ص670 رقم 1191) .
(1) هو عمرو بن دينار المكي، أبو محمد الأَثْرم، الجُمَحي، مولاهم، ثقة ثبت، روى له الجماعة، وروى عن جابر وابن عباس وابن الزبير وابن عمر وعبد الله بن عمرو وسعيد بن جبير وطاوس وعروة بن الزبير وعكرمة، وهو رواية عطاء بن أبي رباح، روى عنه سفيان بن عيينة والثوري وشعبة ومالك وهشيم وأبو عوانة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وغيرهم، ومات سنة خمس أو ست وعشرين ومائة.
قال شعبة: ((ما رأيت في الحديث أثبت من عمرو بن دينار)) . وقال ابن عيينة: ((عمرو ثقة ثقة ثقة)) . ومرض عمرو مرة، فعاده الزهري، فلما قام الزهري قال: ((ما رأيت شيخًا أنصّ للحديث الجيّد من هذا الشيخ)) . وقال يحيى القطان وأحمد بن حنبل: ((عمرو أثبت من قتادة)) ، وقال أحمد أيضًا: ((هو أُثبت الناس في عطاء)) - يعني: ابن أبي رباح -. وقال النسائي: ((ثقة ثبت)) ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم. اهـ..
من "الجرح والتعديل" (6 / 231 رقم 1280) ، و"سير أعلام النبلاء" (5 / 300 - 307) ، و"التهذيب" (8 / 28 - 30 رقم 45) ، و"التقريب" (ص421 رقم 5024) .
(2) هو عطاء بن أبي رَباح - بفتح الراء والموحّدة -، واسم أبي رباح: أسلم، القُرشي، مولاهم، المكّي، ثقة فقيه فاضل، لكنه كثير الإرسال، روى له =(1/75)
16- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ (1) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ لَهُوَ أَسْرَعُ تَفَصِّيًا (2) مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعم مِنْ عُقُله (3) ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((بِئْسما لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وكَيْتَ، بل هو نُسِّي)) .
__________
= الجماعة، وروى عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وابن عمرو وجابر وغيرهم، روى عنه عمرو بن دينار وأبو إسحاق السبيعي ومجاهد والزهري، والأعمش ويونس بن عبيد وغيرهم، وكانت ولادته سنة سبع وعشرين، ووفاته سنة أربع عشرة ومائة. قال ابن عباس: ((تجتمعون إليَّ يا أهل مكة وعندكم عطاء؟!)) . ووثقه ابن معين وأبو زرعة، وقال ابن سعد: ((كان ثقة فقيهًا عالمًا كثير الحديث)) .
وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: ((كان من سادات التابعين فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلاً)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (6 / 330 - 331 رقم 1839) ، و"التهذيب" (7 / 199 - 203 رقم 384) .
وقد قيل أن عطاءً تغير بأخَرة. قال ابن المديني: ((كان عطاء بأَخَرة قد تركه ابن جريج، وقيس بن سعد)) . وأجاب عن هذا الذهبي في "السير" (5 / 87) ، فقال: ((لم يَعْنِ علي بقوله: تركه هذان الترك العرفي، ولكنه كبر وضعفت حواسّه، وكانا قد تكفّيا منه وتفقّها وأكثرا عنه، فبطّلا، فهذا مراده بقوله: تركاه)) . وفي "الميزان" (3 / 70) أجاب بقوله: ((لم يَعْنِ الترك الاصطلاحي، بل عنى أنهما بطّلا الكتابة عنه، وإلا فعطاء ثبت رضّي)) ، وكان قد قال عنه: ((سيّد التابعين علمًا وعملاً وإتقانًا في زمانه بمكة ... ، وكان حجّة إمامًا كبير الشأن)) . اهـ.
[15] الحديث سنده صحيح.
وقد أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 490 رقم 10086) من طريق شيخه سفيان بن عيينة، به نحوه.
ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص40 رقم 31) .
(1) هو شقيق بن سَلَمة الأَسدي، أبو وَائِل الكوفي، مشهور بكنيته، ثقة مخضرم، =(1/76)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= روى له الجماعة، وروى عن الخلفاء الأربعة وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وحذيفة وأبي هريرة وغيرهم، روى عنه الأعمش ومنصور بن المعتمر وحصين بن عبد الرحمن وعاصم بن بَهْدلة، ولد في عهد النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنة إحدى من الهجرة، وتوفي سنة اثنتين وثمانين. وثقه وكيع، وقال ابن معين: ((ثقة، لا يُسئل عن مثله)) . وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث)) . وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: ((سكن الكوفة، وكان من عبادها، وليست له صحبة)) . وقال ابن عبد البر: ((أجمعوا على أنه ثقة حجّة)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (4 / 371 رقم 1613) ، و"الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى" لابن عبد البر (2 / 986 رقم 1208) ، و"التهذيب" (4 / 361 - 363 رقم 609) ، و"التقريب" (ص268 رقم 2816) .
(2) قوله: ((أسرع تفصِّيًا)) أي: أسرع خروجًا. يقال: تَفَصَّيْتُ من الأمر تفصِّيًا: إذا خرجت منه وتخلَّصْت.
انظر: "النهاية في غريب الحديث" (3 / 452) .
(3) قوله: ((عُقُله)) جمع عِقَال، وهو: الحبل الذي يُعقل به البعير.
انظر: "النهاية" (3 / 280) .
[16] الحديث سنده صحيح، وهو مخرّج في الصحيحين كما سيأتي.
فالحديث له عن ابن مسعود رضي الله عنه ستة طرق:
الطريق الأول: طريق أبي وائل شقيق بن سلمة، وله عنه أربعة طرق.
1- طريق منصور بن المعتمر، وله عنه سبعة طرق.
أ- طريق سفيان بن عيينة.
أخرجه المصنف هنا عنه.
وأخرجه الحميدي في "مسنده" (1 / 50 - 51 رقم 91) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 478 رقم 10043) .
والفريابي في "فضائل القرآن" (ص234 رقم 160) . =(1/77)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أما الحميدي وابن أبي شيبة فبنحو ساق المصنف، وأما الفريابي فقرنه برواية أبي الأحوص الآتية ولفظه جميعه مرفوع.
ب- طريق سفيان الثوري.
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3 / 359 رقم 5967) .
ومن طريقه وطريق آخر أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1 / 423 و 429) .
وأخرجه البخاري في "صحيحه" (9 / 85 رقم 5039) في "فضائل القرآن"، باب: نسيان القرآن، وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا؟
والنسائي في "عمل اليوم وا لليلة" (ص440 رقم 727) .
وفي "فضائل القرآن" (ص89 رقم 67) .
أما عبد الرزاق فرواه عنه بنحوه بتمامه مرفوعًا، وأما الباقون فشطره الثاني: ((بئسما ... )) ، مرفوعًا ولم يذكروا أوّله.
جـ- طريق شعبة:
أخرجه الطيالسي في "مسنده" (ص34 - 35 رقم 261) .
ومن طريقه الإمام أحمد في "المسند" (1 / 417) .
والترمذ ي في "سننه" (8 / 262 رقم 4012) ، في القراءات.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص135 رقم 336) .
والإمام أحمد في "المسند" أيضًا (1 / 429 و 438 - 839) .
والدارمي في "سننه" (2 / 217 و 316 رقم 2748 و 3350) .
والبخاري في "صحيحه" (9 / 79 رقم 5032) في فضائل القرآن، باب: استذكار القرآن وتعاهده.
ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (4 / 494 - 495 رقم 1222) .
وأخرجه محمد بن نصر في "قيام الليل" كما في المختصر (ص161) .
والنسائي في "سننه" (2 / 154 - 155 رقم 943) .
وفي "عمل اليوم والليلة" (ص440 رقم 726) . =(1/78)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وفي "فضائل القرآن" (ص88 رقم 64) .
والفريابي في "فضائل القرآن" (ص234 رقم 161) .
والإسماعيلي في "مستخرجه" كما في "فتح الباري" (9 / 82) .
جميعهم رووه بنحوه بتمامه مرفوعًا، عدا الإمام أحمد في الموضع الأول، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"، فإنما أخرجا شطره الثاني فقط، وإلا الفريابي فرواه موقوفًا بنحوه بتمامه.
د- طريق جرير:
أخرجه البخاري في الموضع السابق من "صحيحه" (9 / 79 رقم 5032) ، ومسلم (1 / 544 رقم 228) في صلاة المسافرين، في باب: فضائل القرآن وما يتعلق به.
والنسائي في "الفضائل" (ص89 رقم 65) .
وأبو يعلى في "مسنده" (9 / 69 رقم 5136) .
والإسماعيلي في "مستخرجه" كما في "فتح الباري" (9 / 82) .
والبيهقي في "سننه" (2 / 395) ، وفي "شعب الإيمان" (4 / 518 - 519 رقم 1812) .
جميعهم رووه بنحوه بتمامه مرفوعًا، إلا أن ظاهر سياق النسائي أنه موقوف، وفي آخره ما يشعر برفعه.
هـ- طريق أبي الأحوص سلَّام بن سُلَيْم:
أخرجه الفريابي في "الفضائل" (ص234 رقم 160) بنحوه جميعه مرفوعًا.
و طريق عمر بن عبد الرحمن أبي حفص الأبّار:
أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص134 رقم 335) ، وفي "غريب الحديث" (3 / 148) بنحوه بتمامه مرفوعًا.
ز- طريق حماد بن زيد، وهو الآتي في الحديث رقم [17] . =(1/79)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= 2- طريق عبدة بن أبي لبابة، عن شقيق، وله عن عبدة طريقان:
أ- طريق ابن جريج.
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3 / 359 رقم 5969) .
ومن طريقه أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1 / 449) .
والطبراني في "الكبير" (10 / 239 رقم 10436) .
وأخرجه مسلم في الموضع السابق من "صحيحه" (1 / 544 - 545 رقم 790) .
ب- طريق محمد بن جحادة:
أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص439 رقم 724) .
وأبو عوانة في "مسنده" كما في "فتح الباري" (9 / 82) .
3- طريق الأعمش، عن شقيق، وله عن الأعمش خمسة طرق.
أ- طريق أبو معاوية:
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 477 رقم 10042) .
ومسلم في "صحيحه" (1 / 544 رقم 790) ، الموضع السابق.
والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص439 رقم 725) .
وأخرجه الإسماعيلي من طريق الأعمش كما في "فتح الباري" (9 / 82) .
ب- طريق عبد الله بن نمير:
أخرجه مسلم في الموضع السابق من "صحيحه".
والهيثم بن كليب في "مسنده" (ل 56 / أ) .
والبيهقي في "سننه" (2 / 395) .
جـ- طريق شيبان:
أخرجه الهيثم في الموضع السابق من "مسنده".
د- طريق سعيد بن أبي عروبة.
أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (2 / 69 - 70 رقم 759 و 760 / الإحسان) . =(1/80)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والطبراني في "الكبير" (10 / 244 رقم 10449) .
هـ- طريق شريك:
أخرجه الطبراني في "الكبير" (10 / 233 - 234 رقم 10418) .
4- طريق عاصم، عن شقيق، وهو الآتي في الحديث رقم [17] .
الطريق الثاني: طريق زِرّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
أخرجه الهيثم في "مسنده" (ل 72 / أ) .
والطبراني في "الكبير" (10 / 168 - 169 رقم 10231) .
والحاكم في "المستدرك" (1 / 553) .
ثلاثتهم من طريق زهير بن معاوية، عن شعيب بن خالد، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عن زرّ، عن ابن مسعود، به.
الطريق الثالث: طريق عبيدة السلماني، عن ابن مسعود.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (10 / 207 رقم 10347) ، وفي "الصغير" (1 / 110) .
في كلا الموضعين من طريق ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عن عبيدة، به.
الطريق الرابع: طريق أبي الأحوص عوف بن مالك، عن ابن مسعود.
أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (2 / 69 رقم 758) من طريق سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مرفوعًا، لكن شطر الحديث الثاني فقط.
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص135 رقم 337) عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ الله، به نحو لفظ سعيد بن منصور، إلا أنه وقفه على ابن مسعود.
ومن طريق أبي بكر ابن عياش أخرجه ابن أبي داود في كتاب الشريعة كما في "فتح الباري" (9 / 82) ، لكن قال: ((عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عن عبد الله)) . مرفوعًا، وهذا فيه مخالفة لأبي عبيد في روايته للحديث عن أبي بكر بن عياش على الوجه السابق، والخلاف إما أن يكون من الراوي للحديث عن أبي بكر، أو مَنْ دونه عند ابن أبي داود، أو من أبي بكر بن عياش نفسه، فإنه مع كونه ثقة عابدًا، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وأما كتابه فصحيح، وليس =(1/81)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= في هذه الرواية ما يدل على أنها من كتابه، وقد روى عن عاصم بن بهدلة وأبي إسحاق السبيعي وحصين بن عبد الرحمن ومحمد بن عمرو وغيرهم، روى عنه الثوري وابن المبارك وابن مهدي وأحمد بن حنبل وابن معين وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وتسعين ومائة، قال الإمام أحمد: ((ثقة، وربما غلط)) ، وقال أبو نعيم: ((لم يكن في شيوخنا أكثر غلطًا منه)) ، وسُئل أبو حاتم عنه وعن شريك، فقال: ((هما في الحفظ سواء، غير أن أبا بكر أصح كتابًا)) ، وذكره ابن عدي في "الكامل" وقال: ((لم أجد له حديثًا منكرًا من رواية الثقات عنه)) ، وقال ابن حبان: ((كان يحيى القطان وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه، وذلك أنه لما كبر ساء حفظه، فكان يهم)) ، وقال ابن سعد: ((كان ثقة صدوقاً عالمًا بالحديث، إلا أنه كثير الغلط)) ، وقال العجلي: ((كان ثقة صاحب سنة، وكان يخطئ بعض الخطأ)) ، وقال يعقوب بن شيبة: ((كان له فقه وعلم ورواية، وفي حديثه اضطراب)) . اهـ. من "هدي الساري" (ص455) ، وانظر: "الجرح والتعديل" (9 / 348 - 350 رقم 1565) ، و"التهذيب" (12 / 34 - 37 رقم 151) ، و"التقريب" (ص624 رقم 7985) .
الطريق الخامس: طريق المسيب بن رافع، عن ابن مسعود.
أخرجه أبو عبيد أيضًا في الموضع نفسه برقم (338) من طريق شيبان، عن عاصم، عن المسيب، عن ابن مسعود، به موقوفًا مثل سابقه.
الطريق السادس: طريق مرة، عن ابن مسعود.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 151 رقم 8688) من طريق زبيد، عنه، عن ابن مسعود موقوفًا بشطر الحديث الأول فقط.
تنبيه: اعلم أن للحديث لفظين:
1- ((تعاهدوا - وفي لفظ: استذكروا - الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ لَهُوَ أَسْرَعُ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَم من عقله)) .
2- ((بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّي)) . وقد =(1/82)
17- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ (1) ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَة (2) ، وَمَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ((بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ - أَوْ قَالَ: لِأَحَدِهِمْ - أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ، وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّي، اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ، فَلَهُوَ أَسْرَعُ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلها)) ، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا (3) : ((مِنْ عُقُله)) .
__________
= اختلف الرواة في هذين اللفظين، فمنهم من رفعهما لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومنهم من وقفهما على ابن مسعود، ومنهم من وقف الأول ورفع الثاني، ومنهم من روى الأول فقط ورفعه، ومنهم من روى الثاني فقط ورفعه. وسعيد بن منصور هنا روى الأول موقوفًا، والثاني مرفوعًا، وتابعه على ذلك الحميدي، وابن أبي شيبة، ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة.
وفي الحديث الآتي برقم [17] رواه من طريق حماد بن زيد موقوفًا على ابن مسعود. والصواب أن كلا اللفظين مرفوعان؛ لاتفاق أكثر الرواة على ذلك، وهذا الذي اختاره البخاري ومسلم، وأخرجاه في صحيحهما، وانظر تفصيل ذلك في "فتح الباري" (9 / 82) ، وانظر الحديث الآتي.
(1) هو حماد بن زيد بن دِرْهم الأزدي الجَهْضَمِي، أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت فقيه روى له الجماعة، وروى عن عاصم بن بهدلة ومنصور بن المعتمر وثابت البناني وعمرو بن دينار وغيرهم، روى عنه المصنِّف سعيد بن منصور ومسدّد وعفّان وآخرون، منهم الثوري وهو أكبر منه، وكانت ولادته سنة ثمان وتسعين للهجرة، وتوفي سنة تسع وسبعين ومائة، قال عبد الرحمن بن مهدي: ((أئمة الناس في زمانهم أربعة: سفيان الثوري بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام، وحماد بن زيد بالبصرة)) . وقال ابن سعد: ((كان ثقة ثبتًا حجّة كثير الحديث)) . وقال ابن معين: ((حماد بن زيد أثبت من عبد الوارث، وابن علية، والثقفي، وابن عيينة)) . وقال أيضًا: ((ليس أحد أثبت في أيوب منه)) . وقال =(1/83)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= مرة: ((من خالفه من الناس جميعًا، فالقول قوله في أيوب)) . وقال الإمام أحمد: ((حماد بن زيد أحب إلينا من عبد الوارث، حماد من أئمة المسلمين من أهل الدين والإسلام، وهو أحب إلي من حماد بن سلمة)) . وقال أبو زرعة: ((حماد بن زيد أثبت من حماد بن سلمة بكثير، وأصح حديثًا وأتقن)) . وقال الخليلي: ((ثقة متفق عليه رضيه الأئمة)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (1 / 176 - 183) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (7 / 241 - 242) ، و"التهذيب" (3 / 9 - 11 رقم 13) ، و"التقريب" (ص178 رقم 1498) .
(2) هو عاصم بن بَهْدَلَة بن أبي النَّجود الأسدي، مولاهم الكوفي، أبو بكر المقرئ ثبت حجة في القراءة، وأما في الحديث فمختلف فيه، وقد روى عن أبي وائل وأبي صالح السمّان والمسيب بن رافع وزرّ بن حبيش وأبي عبد الرحمن السلمي وغيرهم، روى عنه الأعمش ومنصور وشعبة والسفيانان والحمادان وغيرهم، وكانت وفاته سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: ثمان وعشرين، ووثقه الإمام أحمد وأبو زرعة والعجلي، وقال ابن معين: ((لا بأس به)) ، وقال ابن سعد: ((كان ثقة، إلا أنه كان كثير الخطأ في حديثه)) . وقال النسائي: ((ليس به بأس)) . وقال مرة: ((ليس بحافظ)) . وقال أبو حاتم: ((محله الصدق)) . وقال الدارقطني: ((في حفظ عاصم شيء)) . وقال ابن خراش: ((في حديثه نُكرة)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (6 / 340 - 341 رقم 1887) ، و"التهذيب" (5 / 38 - 40 رقم 67) .
قلت: والراجح من حال عاصم أنه صدوق حسن الحديث، كما هو اختيار الذهبي في: ((من تكلم فيه وهو موثق)) (ص104 رقم 171) ، وكذا في "سير أعلام النبلاء" (5 / 260) حيث قال: ((قلت: كان عاصم ثبتًا في القراءة، صدوقًا في الحديث، وقد وثقه أبو زرعة وجماعة، وقال أبو حاتم: محلّه الصدق، وقال الدارقطني: في حفظه شيء، يعني للحديث، لا للحروف، وما زال في كل وقت يكون العالم إمامًا في فنّ، مقصِّرًا في فنون)) . اهـ. وفي "الميزان" (2 / 357) قال: ((ثبت في القراءة، =(1/84)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وهو في الحديث دون الثبت، صدوق يهم ... ، حسن الحديث ... ، خرَّج له الشيخان، لكن مقرونًا بغيره، لا أصلاً وانفرادًا)) . اهـ.
(3) قوله: (أحدهما) أي: إما عاصم، أو منصور، فيكون الشك من حماد.
[17] الحديث صحيح من غير هذا الطريق كما في الحديث السابق رقم [16] ، وأما هذا الطريق فظاهر سنده الصحّة، إلا أنه معلول.
فحماد بن زيد رواه هنا عن عاصم ومنصور، كلاهما عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ الله موقوفًا.
وقد خولف حماد.
فرواه سفيان بن عيينة، والثوري، وشعبة، وجرير، وأبو الأحوص سلَّام بن سُلَيم، وعمر بن عبد الرحمن، جميعهم عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، به مرفوعًا إلا أن ابن عيينة وقف قوله: ((اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَلَهُوَ أَسْرَعُ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ من عقلها)) ، ورفع الباقي، والصواب أن جميعه مرفوع لاتفاق باقي الرواة على ذلك، وكذا أخرجه الشيخان في صحيحيهما كما في الحديث السابق.
وقد أشار الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9 / 82) إلى هذا الاختلاف عند إيراد البخاري لمتابعة عَبْدَة لمنصور، فقال ابن حجر: ((كأن البخاري أراد بإيراد هذه المتابعة دفع تعليل من أعلّ الخبر برواية حماد بن زيد وأبي الأحوص له عن منصور موقوفة على ابن مسعود. قال الإسماعيلي: روى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ مَنْصُورٍ وعاصم الحديثين معًا موقوفين، وكذا رواهما أبو الأحوص عن منصور. وأما ابن عيينة فأسند الأول، ووقف الثاني. قال: ورفعهما جميعًا إبراهيم بن طهمان، وعَبيدة بن حُميد، عن منصور، وهو ظاهر سياق سفيان الثوري)) . اهـ.
قلت: كلام الإسماعيلي وابن حجر المتقدم يدل على أن رواية أبي الأحوص للحديث عن منصور موقوفة مثل رواية حماد بن زيد، والذي وقفت عليه من رواية أبي الأحوص للحديث عن منصور أنها مرفوعة كما في الحديث السابق، =(1/85)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= فإما أن يكون هناك اختلاف على أبي الأحوص أيضًا، أو يكون اشتبه عليهما بأبي الأحوص عوف بن مالك وهو ممن روى الحديث عن ابن مسعود، وروي عنه مرة موقوفًا كما سبق بيانه، فالله أعلم.
والحديث هنا يرويه المصنف عن حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ وعاصم، به موقوفًا.
ووافقه قتيبة بن سعيد عند النسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص440 رقم 728) فرواه عن حماد، عن منصور وعاصم، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مسعود، موقوفًا عليه بمثل لفظ المصنف، إلا أنه قال: ((بئسما لأحدهما)) ، ولم يذكر باقي الحديث من قوله: ((استذكروا ... )) إلخ.
وخالفهما عفان بن مسلم، فرواه عن حماد بلفظ قريب من لفظ المصنف، إلا أنه رفعه إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -.
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1 / 463) عن عفان.
والصواب أنه موقوف من رواية حماد، لاتفاق المصنف وقتيبة على ذلك.
وأما رواية عاصم للحديث عن أبي وائل، فإن حماد بن زيد رواه هنا عن عاصم، به موقوفًا على عبد الله.
وخالف حمادًا كل من معمر، وأبان بن زيد العطّار، وشريك بن عبد الله، فرووه عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عن عبد الله مرفوعًا.
أما رواية معمر، فأخرجها عبد الرزاق في "المصنف" (3 / 359 رقم 5968) عنه، به نحوه، إلا أن الرواية جاءت على الشك في كون الحديث عن أبي وائل، أو عن أبي الضحى، والصواب عن أبي وائل كما هو ظاهر.
وأما رواية أبان وشريك، فأخرجهما الطبراني في "الكبير" (10 / 233 - 234 رقم 10415 و 14018) ، ولفظهما نحو لفظ المصنف هنا، إلا أن شريكًا لم يذكر بقية الحديث: ((استذكروا ... )) إلخ.(1/86)
18- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (1) ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ (2) ، عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ (3) ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَا مَرَّتَيْنِ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إِلَّا يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولًا (4) ، لَا يفُكُّه مِنْ غلِّه إِلَّا الْعَدْلُ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ نَسِيَهُ، لَقِيَ اللَّهَ عز وجل (أَجْذَم) (5)) ) .
__________
(1) هو خالد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن يزيد الطحّان، الواسطي، المزني، مولاهم، ثقة ثبت، روى له الجماعة، وروى هو عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وإسماعيل بن أبي خالد وبيان بن بشر وخالد الحذّاء، وغيرهم، روى عنه المصنِّف سعيد بن منصور وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان ووكيع وغيرهم، وكانت ولادته سنة خمس عشرة ومائة، ووفاته سنة تسع وسبعين ومائة، وقيل سنة اثنتين وثمانين ومائة، وقد وثقه ابن سعد وأبو زرعة والنسائي وأبو حاتم، وزاد: ((صحيح الحديث)) ، وقال الإمام أحمد: ((كان خالد الطحان ثقة صالحًا في دينه، وهو أحب إلينا من هشيم)) ، وقال الترمذي: ((ثقة حافظ)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (3 / 340 - 341 رقم 1536) ، و"تهذيب الكمال" (8 / 101 / المطبوع) ، و"التهذيب" (3 / 100 - 101 رقم 187) ، و"التقريب" (ص189 رقم 1647) .
(2) هو يزيد بن أبي زياد الهاشمي، مولاهم، الكوفي، ضعيف كبر فتغيّر وصار يتلقّن، وكان شيعيًا، وروى عن مولاه عبد الله بن الحارث وإبراهيم النخعي وأبي صالح السمّان وعكرمة وعيسى بن فائد وغيرهم، روى عنه خالد الطحّان وشعبة وزائدة وهشيم وأبو عوانة والسفيانان وغيرهم، ولد سنة سبع وأربعين للهجرة، وتوفي سنة ست وثلاثين ومائة، وقيل: سبع وثلاثين، قال ابن سعد: ((كان ثقة في نفسه، إلا أنه اختلط في آخر عمره، فجاء بالعجائب)) . وقال ابن معين والبرديجي والنسائي وأبو حاتم وأبو أحمد الحاكم: ((ليس بالقوي)) . وقال العجلي: ((جائز =(1/87)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= الحديث وكان بآخره يلقن)) . وقال ابن حبان: ((كان صدوقًا، إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغيّر، وكان يلقّن ما لُقِّن، فوقعت المناكير في حديثه، فسماع من سمع منه من قبل التغيُّر صحيح)) . وقال ابن فضيل: ((كان من أئمة الشيعة الكبار)) . وقال ابن عدي: ((هو من شيعة الكوفة، ومع ضعفه يكتب حديثه)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (9 / 265 رقم 1114) ، و"الكامل" (7 / 2729 - 2730) ، و"التهذيب" (11 / 329 - 331 رقم 630) ، و"التقريب" (ص601 رقم 7717) .
(3) هو عيسى بن فائد - بالفاء -، أمير الرَّقّة، مجهول، وروايته عن الصحابة مرسلة، وإنما يروي عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عبادة، وقيل: عن سعد بلا واسطة، وقيل: عن عبادة بن الصامت ولا يصح، قال ابن عبد البر: ((عيسى بن فائد لم يسمع من سعد بن عبادة ولا أدركه)) ، وذكر ابن المديني أنه لم يرو عنه سوى يزيد بن أبي زياد، وقال - أي: ابن المديني -: ((مجهول)) . وقال الذهبي: ((لا يُدرى من هو)) .
انظر: "الميزان" (3 / 319 رقم 6594) ، و"التهذيب" (8 / 227 رقم 420) ، و"التقريب" (ص440 رقم 5319) .
(4) قوله: (مغلولاً) أي: جُعل في يده وعنقه الغُلُّ، وهو القيد المختصّ بهما. "النهاية" (3 / 381) .
(5) في الأصل: (أجذما) ، وما أثبته من "شعب الإيمان" للبيهقي كما سيأتي؛ حيث روى الحديث من طريق المصنف، وهو الأصوب لأنه ممنوع من الصرف.
ومعنى قوله: ((أَجْذَم) أي: مقطوع اليد، من الجَذْم وهو القطع. "النهاية" (1 / 251) .
[18] سنده ضعيف جدًّا؛ فيه أربع علل:
1- الراوي للحديث عن سعد بن عبادة رجل مبهم.
2- جهالة عيسى بن فائد.
3- ضعف يزيد بن أبي زياد. =(1/88)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= 4- اضطراب يزيد في الحديث، فرواه مرة عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، ورواه مرة فأسقط الراوي المبهم، وفي أخرى أعضله فأسقط المبهم والصحابي، ورواه مرة فجعله من مسند عبادة بن الصامت وأسقط المبهم، وذلك أن الحديث روي عن يزيد من طرق:
1- طريق خالد بن عبد الله الطحّان.
أخرجه المصنف هنا عنه.
ومن طريق المصنف أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (4 / 528 رقم 1818) به مثله، إلا أنه قال: (لا يفكه إلا العدل) ، و: (لقي الله يوم القيامة أجذم) .
وأخرجه الإمام أحمد في "المسند" (5 / 285) .
وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" (2 / 428) .
والطبراني في "الكبير" (6 / 27 و 28 رقم 5389 و 5392) .
ثلاثتهم بنحوه، إلا أن الحربي إنما ذكر شطره الثاني فقط: ((من قرأ ... )) ، وأما الطبراني فرواه مفرّقًا، فذكر شطره الأول في الموضع الأول، والثاني في الثاني.
2- طريق جرير بن عبد الحميد.
أخرجه أبو عبيد في الفضائل (ص133 رقم 332) من طريقه، عن يزيد، عن عيسى بن فائد، عمّن سمع سعد بن عبادة ... ، فذكر شطره الثاني فقط بنحوه.
3- طريق شعبة.
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (5 / 284) .
وعبد بن حميد في "مسنده" (ص127) رقم (306 / المنتخب) .
والدارمي في "سننه" (2 / 314 - 315 رقم 3343) .
ثلاثتهم من طريق شعبة، عن يزيد، عن عيسى ولم ينسبه، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عبادة، به نحوه. =(1/89)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وكذا أخرجه محمد بن نصر في "قيام الليل" كما في المختصر (ص162) ، ولكن ذكر شطره الثاني فقط.
وأخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث" (3 / 48) وذكر شطره الثاني فقط بنحوه، وفيه قال: ( ... عيسى بن فائد، قال: حدثني من سمع سعد بن عبادة ... ) . وأخرجه الطبراني في "الكبير" (6 / 26 - 27 رقم 5387 و 5390) مفرّقًا بنحوه، وفي كلا الموضعين قال: (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عن عيسى بن لقيط) .
وأخرجه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1 / 110 رقم 86) . والبيهقي في "الشعب" (4 / 527 - 528 رقم 1817) .
كلاهما من طريق شعبة، عن يزيد، عن عيسى بن لقيط، أو إياد بن لقيط، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عبادة ... ، به نحوه، إلا أن الخطيب لم يذكر شطره الأول.
وأخرجه البزار كما في "كشف الأستار" (2 / 254 رقم 1642) ، بنحوه، وفيه يقول شعبة: (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عن عيسى بن فائد أو لقيط) هكذا على الشك، وقد عدّوا هذا من أوهام شعبة - رحمه الله-، فقال المزِّي في "تحفة الأشراف" (3 / 274) : ((رواه شعبة ومحمد بن فضيل وجرير بن عبد الحميد وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عن سعد بن عبادة، إلا أن شعبة، قال: عن سعيد بن إياد، وقال مرة: عن عيسى بن لقيط بدل عيسى بن فائد، وذلك معدود في أوهامه)) . اهـ.
وتَعَقَّبَ الحافظ ابن حجر المزي في "النكت الظراف" بأن ابن أبي داود أخرجه من طريق محمد بن فضيل ... ، فذكره مثل شعبة.
قلت: وطريق محمد بن فضيل هو الآتي، ولم يذكر أحد عنه مثل رواية شعبة، فقد يكون وهمًا من الراوي له عن ابن فضيل، أو مَنْ دونه عند ابن أبي داود، والصواب ما ذكره المزي - رحمه الله-.
4- طريق محمد بن فضيل.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 478 رقم 10044) و (12 / 219 رقم 12599) . =(1/90)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ومن طريق ابن أبي شيبة وغيره أخرجه الطبراني في "الكبير" (6 / 27و 28 رقم 5338 و 52391) .
وأخرجه البزار كما في "كشف الأستار" (2 / 254 رقم 1642) .
أما ابن أبي شيبة والطبراني ففرّقاه في الموضعين بنحوه، وأما البزار فأخرجه بتمامه بنحوه.
(5) و (6) : طريقا سفيان بن عيينة، وابن إدريس.
أما طريق سفيان فأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3 / 365 رقم 5989) .
وأما طريق بن إدريس فأخرجه أبو داومد في "سننه" (2 / 158 رقم 1474) .
ومن طريق أبي داود أخرجه الخطيب في "الجامع" (1 / 110 رقم 85) .
كلاً من سفيان وابن إدريس، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ، عَنْ سعد بن عبادة، به بذكر شطره الثاني فقط بنحوه، وبإسقاط الرجل المبهم.
7- طريق وكيع، عن أصحابه.
ذكره المزي في الموضع السابق من "التحفة" فقال: ((رواه وكيع، عن أصحابه، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلاً)) . اهـ.
وتعقبه ابن حجر في "النكت" بقوله: ((الأولى أن يقول: معضلاً؛ فإنه سقط منه الرجل المبهم والصحابي)) .
8 و 9 و 10- طريق عبد العزيز بن مسلم، وأبي عوانة، وأبي بكر بن عياش.
أما طريق عبد العزيز بن مسلم فأخرجه الإمام أحمد في "المسند" (5 / 323) .
وأما طريق أبي عوانة فأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في "زوائده على المسند" (5 / 327 - 328) .
وأما طريق أبي بكر بن عياش، فذكره المزي في الموضع السابق، ولم يعزه لأحد.
ثلاثتهم قالوا: (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ، عَنْ عبادة بن الصامت، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -) . =(1/91)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ولفظ عبد العزيز بن مسلم، وأبي عوانة نحو لفظ المصنف هنا، وذكر أبو عوانة في روايته أن عيسى كان أميرًاعلى الرَّقّة.
قال المزي في الموضع السابق: ((رواه أبو بكر بن عياش، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ فَائِدٍ، عَنْ عبادة بن الصامت، ولم يتابع على ذلك)) . اهـ.
وتعقبه ابن حجر في "النكت" بقوله: ((قلت: وافقه عبد العزيز بن مسلم؛ أخرجه أحمد في "مسنده" من طريقه، ووافقهما أبو عوانة؛ أخرجه عبد الله بن أحمد من طريقه)) . اهـ.
قلت: وتابعهم أيضًا عبد الله (غير منسوب) ، عن يزيد، به نحوه.
أخرجه ابن اللمش في "تاريخ دنيسر" (ص53 - 54) .
فتبين بهذا أن الاضطراب من يزيد بن أبي زياد نفسه، عدا ما ذُكر عن شعبة.
ولشطر الحديث الأول شاهد من حديث أبي أمامة وأبي هريرة وبريدة وابن عباس وأبي الدرداء وثوبان وحصين وعمرو بن مرة الجهني وكعب بن عجرة وزيد - رضي الله عنهم -.
1- أما حديث أبي أمامة، فأخرجه الإمام أحمد في "المسند" (5 / 267) .
والطبراني في "الكبير" (8 / 204 رقم 7724) .
كلاهما من طريق أبي اليمان الحكم بن نافع، عن إسماعيل بن عياش، عن يزيد بن (أبي) مالك (وعند الطبراني: يزيد بن أيهم) ، عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أبي أمامة، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - قال: ((ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك، إلا أتى الله عز وجل مغلولاً يوم القيامة يده إلى عنقه، فكّه برّه، أو أَوْبَقه إثمه، أوّلها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخراه خزي يوم القيامة)) .
هذا لفظ الإمام أحمد، ونحوه لفظ الطبراني، وكذا قال أبو اليمان، وخالفه سليمان بن عبد الرحمن، وحَيْوَة بن شريح، فروياه عن إسماعيل بن عياش، عن يزيد بن أبي مالك، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة، به نحوه سابقه. أخرجه الطبراني (8 / 202 رقم 7720) . =(1/92)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قال المنذري في "الترغيب" (3 / 132 - 133) : ((رواه أحمد، ورواته ثقات، إلا يزيد بن أبي مالك)) . وقال (4 / 294) : ((يزيد بن أبي مالك الدمشقي ثقة، وقال بعضهم: ليّن)) .
وقال الهيثمي في "المجمع" (5 / 204 - 205) : ((رواه أحمد والطبراني، وفيه يزيد بن أبي مالك وثقه ابن حبّان وغيره، وبقية رجاله ثقات)) .
وذكر الشيخ الألباني هذا الحديث في "السلسلة الصحيحة" الحديث رقم (349) ، وقال: ((هذا إسناد شامي جيّد)) .
والحديث ذكره المتّقي الهندي في "كنز العمال" (6 / 32 رقم 14720) ، وعزاه لأبي سعيد النقاش في القضاة.
2- وأما حديث أبي هريرة، فله عنه خمسة طرق:
أ- طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، واختلف عليه.
فرواه حماد بن سلمة، عنه، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة.
ورواه عبيد بن عمرو القيسي، عنه عن سعيد (ولم ينسبه) عن أبي هريرة.
ورواه علي بن مسهر، عنه، عن سعيد بن يسار عن ابن عمر، عن أبي هريرة.
أما طريق حماد بن سلمة، فأخرجه:
الدارمي (2 / 157 رقم 2518) .
والبزار كما في "كشف الأستار" (2 / 253 رقم 1639) .
ولفظ هذا الطريق: ((مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إِلَّا يؤتى به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه، أطلقه الحق، أو أوبقه)) .
وأما طريق عبيد بن عمرو، فأخرجه:
البزار في الموضع السابق برقم (1638) بنحو سابقه.
وأما طريق علي بن مسهر، فأخرجه:
ابن أبي شيبة في "المصنف" (12 / 220 رقم 12602) بنحو سابقه. =(1/93)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قال البزار بعد أن روى طريق عبيد بن عمرو: ((هكذا رواه عبيد، والثقات يروونه عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، وهو الصواب)) .
ب، جـ- طريق محمد بن عجلان، عن أبيه وعن سعيد، عن أبي هريرة.
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2 / 431) .
والبزار في الموضع السابق برقم (1640) .
كلاهما من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن محمد بن عجلان، عن أبيه، وعن سعيد، كلاهما عن أبي هريرة، به نحو سابقه.
قال البزار: ((لا نعلم أحدًا جمع ابن عجلان عن سعيد، وابن عجلان عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، إلا يحيى)) .
قلت: وقد رواه أبو خالد الأحمر، وأبو عاصم، وعبد الله بن محمد بن عجلان، ثلاثتهم عن محمد بن عجلان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ولم يذكروا سعيدًا.
أما رواية أبي خالد الأحمر، فأخرجها:
ابن أبي شيبة في "المصنف" (12 / 219 رقم 12600) .
وأما رواية أبي عاصم، فأخرجها:
البيهقي في "سننه" (3 / 129) ، و (10 / 95) .
وأما رواية عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عجلان، فأخرجها:
البيهقي أيضًا (10 / 96) .
ثلاثتهم بنحو اللفظ السابق، إلا أن لفظ أبي خالد قال فيه: ((ما من أمير ثلاثة ... )) إلخ.
وسند هذا الطريق حسن لذاته.
عجلان المدني والد محمد بن عجلان مولى فاطمة بنت عتبة لا بأس به، =(1/94)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وهو من الطبقة الرابعة، روى عن مولاته فاطمة وعن أبي هريرة وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم -، روى عنه ابنه محمد وبكير بن عبد الله وإسماعيل بن أبي حبيبة إن كان محفوظًا؛ قال أبو داود: ((لم يرو عنه غير ابنه محمد)) ، وقال النسائي: ((لا بأس به)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات". اهـ. من "الثقات" لابن حبان (5 / 277 - 278) ، و"التهذيب" (7 / 162 رقم 324) ، و"التقريب" (ص387 رقم 4534) .
وابنه محمد بن عجلان المدني يروي عن أبيه وأنس بن مالك والأعرج وأبي الزناد وعكرمة وزيد بن أسلم ونافع مولى ابن عمر وأبي إسحاق السبيعي، وغيرهم، روى عنه الإمام مالك ومنصور بن المعتمر وشعبة والسفيانان والليث بن سعد ويحيى القطان وأبو خالد الأحمر وأبو عاصم النبيل وغيرهم، وكانت وفاته بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة، وقيل: تسع وأربعين، وقد وثقه ابن عيينة والإمام أحمد وابن معين والعجلي وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي، وقال يعقوب بن شيبة: ((صدوق وسط)) ، وقال الساجي: ((هو من أهل الصدق، لم يحدث عنه مالك إلا يسيرًا)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 49 - 50 رقم 228) ، و"الميزان" (3 / 644 - 647 رقم 7938) ، و"التهذيب" (9 / 341 - 342 رقم 564) .
ونقل بن حبان في كتاب "الثقات" (7 / 386) عن يحيى القطان قال: سمعت محمد بن عجلان يقول: ((كان سعيد المقبري يحدث عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وعن أبي هريرة، فاختلط علي، فجعلتها كلها عن أبي هريرة)) .
قلت: محمد بن عجلان صدوق كما هو اختيار الذهبي في "الميزان" (3 / 644) ، وفي ((من تكلم فيه وهو موثق)) (ص165 رقم 306) ، وكذا ابن حجر في "التقريب" (ص496 رقم 6136) ، وفي "هدي الساري" (ص458) ، حيث قال: ((صدوق مشهور فيه مقال من قِبَل حفظه)) ، وفي "التقريب" قال: ((صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة)) . اهـ. =(1/95)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قلت: فالكلام فيه إنما ينحصر في روايته لأحاديث أبي هريرة من طريق سعيد المقبري، وردها جميعها فيها إجحاف به، فإن النظر إنما يتجه فيما رواه عن سعيد عن أبي هريرة، وأما ما رواه عن سعيد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فلا، كما نص على ذلك ابن حبان عقب نقله لكلام يحيى القطان السابق حيث قال: ((قد سمع سعيد المقبري من أبي هريرة، وسمع من أبيه عن أبي هريرة. فلما اختلط على ابن عجلان صحيفته ولم يميز بينهما، اختلط فيهما، وجعلها كلها عن أبي هريرة، وليس هذا مما يوهِّى الإنسان به، لأن الصحيفة كلها في نفسها صحيحة، فما قال ابن عجلان، عن سعيد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فذاك مما حمل عنه قديمًا قبل اختلاط صحيفته عليه، وما قال: عن سعيد، عن أبي هريرة، فبعضها متصل صحيح وبعضها منقطع، لأنه أسقط أباه منها فلا يجب الاحتجاج عند الاحتياط إلا بما يروي الثقات المتقنون عنه، عن سعيد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ)) . اهـ.
وقال الذهبي في "السير" (6 / 320) عن ابن عجلان هذا: ((هو حسن الحديث)) ، وقال (ص322) : ((فحديثه إن لم يبلغ رتبة الصحيح، فلا ينحطّ عن رتبة الحسن)) . اهـ. والله أعلم.
ويحيى بن سعيد القطان تقدم في الحديث رقم [1] أنه ثقة متقن حافظ إمام قدوة.
والحديث ذكره المنذري في "الترغيب" (3 / 139) من رواية الإمام أحمد، وقال: ((رواه أحمد بإسناد جيد رجاله رجال الصحيح)) .
وذكره في الموضع نفسه من رواية البزار، وقال: ((رجال البزار رجال الصحيح)) .
د- طريق عبد الله بن نافع، عن أبي هريرة.
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1 / 194 - 195 رقم 274) من طريق شيخه أحمد بن رشدين، عن روح بن صلاح، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عن زيد =(1/96)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ابن أبي العتّاب، عن عبد الله بن نافع، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -: ((ما من أمير عشرة فصاعدًا إلا وهو يأتي مغلول يوم القيامة، عافاه الله بما شاء، أو عاقبه بما شاء)) .
وسنده ضعيف.
شيخ الطبراني أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد، أبو جعفر المصري كذَّبه أحمد بن صالح المصري، وقال مسلمة في الصلة: ((كان ثقة عالمًا بالحديث)) ، وقال ابن يونس: ((كان من حفاظ الحديث وأهل الصنعة)) . انظر: "اللسان" (1 / 257 - 258 رقم 804) .
والأرجح من حال أحمد هذا أنه ضعيف كما هو رأي ابن عدي فيه؛ فإنه ساق له بعض الأحاديث التي انتقدت عليه، ثم قال: ((وابن رشدين هذا صاحب حديث كثير، حدّث عنه الحفّاظ بحديث مصر، وأنكرت عليه أشياء مما رواه، وهو ممن يكتب حديثه مع ضعفه)) . اهـ. "الكامل" (1 / 201) .
هـ- طريق بشر بن سعيد، عن أبي هريرة.
أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4 / 89) من طريق مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن بشر بن سعيد، عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -: ((ما من أحد يؤمّر على عشرة فصاعدًا لا يقسط فيهم، إلا جاء يوم القيامة في الأصفاد والأغلال)) .
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ولسنا بمعذورين في ترك أحاديث مخرمة بن بكير أصلاً)) . ووافقه الذهبي.
3- وأما حديث بريدة.
فأخرجه البزار كما في "كشف الأستار" (2 / 254 رقم 1641) من طريق عطية العوفي، عن عبد الله بن بريدة، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لا يستعمل رجل على عشرة فما فوقهم، إلا جيء به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه. فإن كان محسنًا فُكّ غُلُّه، وغن كان مسيئًا زيد غُلاً إلى غله)) . =(1/97)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5 / 206 - 207) ، وقال: ((رواه الطبراني في "الأوسط" بإسنادين، وكلاهما فيه ضعف (كذا! والصواب: ضعيف) ولم يوثق)) .
4- وأما حديث ابن عباس، فله عن طريقان.
أ- طريق سعدان بن الوليد، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - قال: ((من ولي على عشرة فحكم بينهم بما أحبوا أو كرهوا، جيء به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه، فإن حكم بما أنزل الله، ولم يرتش في حكمه، ولم يحف، فكَّ الله عنه يوم القيامة يوم لا غلّ إلا غلّه. وإن حكم بغير ما أنزل الله تعالى، وارتشى في حكمه وحابى، شُدَّت يساره إلى يمينه، ورمي به في جهنم، فلم يبلغ قعرها خمس مائة عام)) .
أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4 / 103) ، ثم قال: ((سعدان بن الوليد البجلي كوفي قليل الحديث، ولم يخرجا عنه)) .
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5 / 206) وقال: ((رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه سعدان بن الوليد، ولم أعرفه)) .
ب- طريق الأعمش، عن طريف بن ميمون، عن ابن عباس يرفعه: ((ما من رجل ولي عشرة إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه حتى يقضى بينه وبينهم)) .
أخرجه الطبراني في "الكبير" (12 / 135 رقم 12689) .
وفي "الأوسط" (1 / 200 - 201 رقم 288) .
قال الهيثمي في "المجمع" (5 / 206) : ((رجاله ثقات)) .
5- وأما حديث أبي الدرداء.
فأخرجه الطبراني في "الأوسط" (1 / 381 - 382 رقم 663) من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، عن سعيد بن عبد العزيز، عن عدي بن عدي الكندي، عن أبي الدرداء قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - يقول: =(1/98)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ((ما من والي ثلاثة إلا لقي الله مغلولة يمينه، فكّه عدله، أو غلّه جَوْرُه)) . وذكره في "كنز العمال" (6 / 34 رقم 14730) وعزاه أيضًا لابن عساكر.
قال الهيثمي في "المجمع" (5 / 206) : ((فيه إبراهيم بن هشام بن يحيى الغسّاني وثقه ابن حبان وغيره، وكذّبه أبو حاتم وأبو زرعة، وبقية رجاله ثقات)) .
وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (7 / 28 رقم 4508 / الإحسان) بمثله، وفي أوّله قصة، إلا أنه زاد في سنده: ((عمرو بن قيس السكوني) بين سعيد بن عبد العزيز، وعدي بن عدي.
6- وأما حديث ثوبان.
فأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (6 / 118) من طريق بقيّة، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ راشد، عن ثوبان مرفوعًا بنحو اللفظ السابق، إلا أنه قال: ((ما من والي عشرة ... )) .
وذكره الهيثمي في "المجمع" (5 / 207) بمعناه موقوفًا على ثوبان، وقال: ((رواه الطبراني في "الأوسط" عن شيخه مسلمة بن رجاء ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات)) .
7- وأما حديث حصين (غير منسوب) .
فأخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1 / 183 / أ) من طريق عطاء الخرساني عن الوليد بن بحير، عن الحارث بن يُمجد، عن حصين سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - يقول: ((ما من والي عشرة إلا جيء به يوم القيامة مغلولاً معذبًا، أو مغفورًا له)) .
وأخرجه أيضًا ابن منده كما في "كنز العمال" (6 / 33 رقم 14728) ، و"الإصابة" (2 / 94) ، حيث قال الحافظ ابن حجر: ((ذكره ابن منده بسند منقطع ... )) .
8 و 9 و 10- وأما أحاديث زيد، وعمرو بن مرة، وكعب بن عجرة =(1/99)
19- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا فَرَجُ بنُ فَضَالة (1) ، عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ (2) ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ جَبَلَةَ الْفَزَارِيِّ (3) ، قَالَ (4) : سَمِعْتُهُ (5) يَقُولُ: ((مَا أُبالي، تَعَلَّمْتُ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ تَرَكْتُهَا، أَوْ مَشِيتُ فِي الناس مقطوعة يدي)) .
__________
= فذكرها صاحب "كنز العمال" (6 / 33 و 39 و 40 رقم 14723 و 14757 و 14761) ، بعضها بنحو اللفظ السابق، وبعضها بمعناه، وعزا حديث عمرو لابن عساكر، وحديث كعب للحاكم في "الكنى"، وأما حديث زيد، فأشار إلى أن النسائي أخرجه من حديث عبد الله بن زيد، عن أبيه، ولم أجده عند النسائي، ولا في مظنّته من "تحفة الأشراف".
وبالجملة فشطر الحديث الأول بمجموع هذه الطرق صحيح لغيره، وأما شطره الثاني في الوعيد لمن نسي القرآن فلم أجد ما يشهد له، فيبقى على شدة ضعفه، والله أعلم.
(1) هو فرج بن فَضَالة بن النعمان التَّنُوخي الشامي يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة ولقمان بن عامر وغيرهم، روى عنه وكيع وأبو معاوية ويزيد بن هارون وعلي بن الجعد وقتيبة بن سعيد وسعيد بن منصور وغيرهم، وكان مولده في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة ثمان وثمانين، ووفاته سنة سبع وسبعين ومائة، وهو ضعيف، فقد ضعفه ابن معين وابن المديني والنسائي والدارقطني والساجي وتركه ابن مهدي، وقال البخاري ومسلم: ((منكر الحديث)) ، وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم، وفي رواية عن ابن معين، قال: ((ليس به بأس)) ، وقال ابن المديني في رواية: ((هو وسط، وليس بالقوي)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (7 / 85 - 86 رقم 483) ، و"الكامل" (6 / 2054 - 2055) ، و"التهذيب" (8 / 260 - 262 رقم 485) ، و"التقريب" (ص444 رقم 5383) . =(1/100)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= (2) هو لقمان بن عامر الوُصَابي - بتخفيف المهملة- أبو عامر الحمصي، أرسل عن أبي الدرداء، وروى عن أبي هريرة وأبي أمامة وسويد بن جبلة وغيرهم، روى عنه محمد بن الوليد الزَّبيدي وعقيل بن مدرك وفرج بن فضالة وغيرهم، وهو صدوق، من الطبقة الثالثة، وثقه العجلي كما في "تاريخ الثقات" له (ص399 رقم 1429) ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (5 / 345) ، وقال أبو حاتم: ((يكتب حديثه)) كما في "الجرح والتعديل" (7 / 182 رقم 1034) ، وانظر "تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1152) ، و"ميزان الاعتدال" (3 / 419 رقم 6986) ، و"تقريب التهذيب" (ص464 رقم 5679) ، و"التهذيب" (8 / 455 - 456 رقم 827) .
(3) هو سُوَيْد بن جَبَلة الفَزَاري السُّلمي. ذكره ابن حبان في "الثقات" (4 / 325) ، ولم أجد من وثّقه سواه. وسكت عنه البخاري في "تاريخه" (4 / 146 - 147 رقم 2273) . وبيّض له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4 / 2363 رقم 1010) ، وذكره يعقوب بن سفيان الفسوي في الطبقة العليا من تابعي أهل الشام في "تاريخه" (2 / 348 - 349) ، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وزعم أبو زرعة الدمشقي أن له صحبة، فأدخله في "مسند الشاميين"، ونفى ذلك أبو حاتم فقال كما في الموضع السابق من "الجرح والتعديل": ((ليست له صحبة)) . وقال الدارقطني وابن منده: ((لا يصح له صحبة، وحديثه مرسل)) .
انظر: "الإصابة" (3 / 304 - 305) .
(4) أي: لقمان بن عامر.
(5) أي: سويد بن جبلة.
[19] سنده ضعيف لضعف فرج بن فضالة.
وهذا الأثر أخرجه الخطابي في "غريب الحديث" (1 / 310) من طريق المصنف هنا بمثله، إلا أنه لم يذكر قوله: ((الفزاري)) .(1/101)
20- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهان (1) ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدلة، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ (2) ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إِنَّ خَيْرَكُمْ مَنْ تَعلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) ، وَأَخَذَ بِيَدِي فَأَجْلَسَنِي مَجْلِسِي هذا، فأقرأني.
__________
(1) هو الحارث بن نَبْهان الجَرْمي - بفتح الجيم-، أبو محمد البصري، يروي عن أبي إسحاق السبيعي، وعاصم بن بهدلة والأعمش وغيرهم، روى عنه جعفر بن سيلمان الضُّبَعي وعبد الله بن وهب وغيرهما، وروى عنه هنا سعيد بن منصور، وذكره البخاري في "التاريخ الأوسط" في فصل من مات بين الخمسين، إلى الستين ومائة، وهو متروك؛ قال ابن المديني: ((كان ضعيفًا ضعيفًا)) ، وقال الإمام أحمد: ((رجل صالح، لم يكن يعرف الحديث ولا يحفظ، منكر الحديث)) ، وقال ابن معين: ((ليس بشيء، لا يكتب حديثه)) ، وقال النسائي: ((ليس بثقة)) ، وقال مرة: ((متروك الحديث)) ، وكذا قال أبو حاتم، وزاد: ((ضعيف الحديث، منكر الحديث)) ، وقال البخاري: ((منكر الحديث، لا يبالي ما حدّث)) ، وضعّفه جدًّا، وقال يعقوب بن سفيان: ((منكر الحديث)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (3 / 91 - 92 رقم 426) ، و"الكامل" (2 / 609 - 610) ، و"التهذيب" (2 / 158 - 159 رقم 276) ، و"التقريب" (ص148 رقم 1051) .
(2) هو مصعب بن سعد بن أبي وقّاص الزهري، أبو زُرَارة المدني، روى عن أبيه وعثمان وعلي وطلحة وغيرهم، روى عنه عاصم بن بَهْدلة والحكم بن عتيبة وعمرو بن مُرّة وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص533 رقم 6688) ؛ قال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث)) ، ووثقه العجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "طبقات ابن سعد" (5 / 169) ، و"تاريخ الثقات" للعجلي (ص429 رقم 1578) ، و"ثقات" ابن حبان (5 / 411) ، و"التهذيب" (10 / 160 رقم 304) . =(1/102)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= [20] الحديث سنده ضعيف جدًّا لشدّة ضعف الحارث بن نبهان، وهو صحيح من حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كما في الحديث الآتي.
وأما هذا الحديث فقد أخرجه تمّام في "فوائده" (ص116 - 117 رقم 213) من طريق المصنف هنا، ثنا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سعد، عن سعد، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -: ((خياركم مَنْ تَعلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) ، وَأَخَذَ بيدي، فأجلسني في مكاني هذا.
وأخرجه الدارمي في "سننه" (2 / 314 رقم 3342) .
والدَّوْرَقي في "مسند سعد بن أبي وقاص" (ص104 رقم 50) .
وابن ماجه (1 / 77 رقم 213) في المقدمة، باب: فضل من تعلم القرآن وعلمه.
وابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص77 رقم 134) .
والبزار في "مسنده" (3 / 356 رقم 1157) .
وأبو يعلى في "مسنده" (2 / 136 رقم 814) .
ومن طريقه ابن عدي في "الكامل" (2 / 610) .
وأخرجه العقيلي في "الضعفاء" (1 / 218) .
وابن أبي حاتم في "العلل" (2 / 65 رقم 1684) .
والهيثم بن كليب في "مسنده" (ل 13 / أ) .
والآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص66 رقم 17) .
والدارقطني في "الأفراد" كما في "الأطراف" (ل 57 / أ) ، وانظر "العلل" له (4 / 326 - 327) .
جميعهم من طريق الحارث بن نبهان، به نحوه، إلا أن ابن الضريس والبزار، وابن أبي حاتم، والدارقطني لم يذكروا قوله: ((وأخذ بيدي ... )) إلخ، وعند الباقين: ((أقريء)) بدل قوله: ((فأقرأني)) .
وذكر ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عن هذا الحديث، فقال: ((هذا خطأ، إنما هو عاصم، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، مرسل)) . اهـ.
وقال الدارقطني: ((غريب من حديث عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ مصعب، تفرد =(1/103)
21- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَد (1) ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدة (2) يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ (3) ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((إِنَّ خَيْرَكُمْ مَنْ تعَلَّم الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ذَلِكَ أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا.
__________
= به الحارث بن نبهان)) . اهـ.
وأما البزار فإنه بعد أن أخرج الحديث قال:
((وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن عاصم، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أبيه إلا الحارث بن نبهان، وقد خالف الحارث بن نبهان في إسناده هذا الحديث شريك، فرواه شريك، عن عاصم، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، والحارث فغير حافظ، وشريك يتقدمه عند أهل الحديث، وإن كان غيرحافظ أيضًا)) . اهـ.
قلت: ورواية شريك هذه أخرجها ابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص77 رقم 137) .
(1) هو علقمة بن مَرْثَد - بفتح الميم وسكون الراء، بعدها مثلّثة-، الحضرمي، أبو الحارث الكوفي، يروي عن سعد بن عبيدة وزِرِّ بن حبيش وطارق بن شهاب وغيرهم، روى عنه شعبة والثوري ومسعر وغيرهم، وهو ثقة من الطبقة السادسة وروى له الجماعة كما في "التقريب" (ص397 رقم 4682) ، فقد وثقه الشعبي والإمام أحمد والنسائي والعجلي ويعقوب بن سفيان، وزاد أحمد: ((ثبت في الحديث)) .
انظر: "تاريخ الثقات" للعجلي (ص341 رقم 1162) ، و"الجرح والتعديل" (6 / 406 رقم 2269) ، و"التهذيب" (7 / 278 - 279 رقم 485) .
(2) هو سعد بن عُبَيْدة السلمي، أبو حمزة الكوفي، روى عن المغيرة بن شعبة وابن عمر والبراء بن عازب وأبي عبد الرحمن السُّلَمي، وكان خَتَنَهُ على ابنته، روى =(1/104)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= عنه الأعمش ومنصور بن المعتمر وعمرو بن مُرَّة وعلقمة بن مرثد وغيرهم، وهو ثقة روى له الجماعة، من الطبقة الثالثة، مات في ولاية عمر بن هُبيرة على العراق كما في "التقريب" (ص232 رقم 2249) ، فقد وثقه ابن معين والنسائي والعجلي، وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(4) هو عبَد الله بن حبيب بن رُبَيِّعة - بفتح الموحدة وتشديد الياء -، أبو عبد الرحمن السلمي، الكوفي، المقرئ، مشهور بكنيته، ولأبيه صحبة، روى عن عمر وعثمان وعلي وسعد وابن مسعود وحذيفة وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه إبراهيم النخعي وعلقمة بن مرثد وسعد بن عبيدة وأبو إسحاق السبيعي وسعيد بن جبير وغيرهم، قيل: كانت وفاته سنة سبعين، وقيل: اثنتين وسبعين للهجرة، وقيل غير ذلك، وله من العمر تسعون عامًا، وهو ثقة ثبت روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص299 رقم 3271) ، فقد وثقه العجلي والنسائي، وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث)) ، وقال ابن عبد البر: ((هو عند جميعهم ثقة)) .
انظر: "طبقات ابن سعد" (6 / 172 - 175) ، و"الاستغناء" لابن عبد البر (2 / 793 رقم 927) ، و"التهذيب" (5 / 183 - 184 رقم 317) .
[21] الحديث سنده حسن؛ عبد الرحمن بن زياد الرصاصي تقدم في الحديث [6] أنه صدوق، ولكنه لم ينفرد به، فالحديث أخرجه البخاري وغيره من غير طريقه كما سيأتي.
فقد روي الحديث عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ من خمسة طرق.
الطريق الأول: طريق علقمة بن مرثد.
وله عنه عشرة طرق:
1- طريق شعبة.
أخرجه المصنف هنا من طريق عبد الرحمن بن زياد عنه.
وأخرجه الطيالسي في "مسنده" (ص13 رقم 73) عنه. =(1/105)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ومن طريق الطيالسي أخرجه:
الترمذي في "سننه" (8 / 222 - 223 رقم 3071) في "فضائل القرآن"، باب: ما جاء في تعليم القرآن.
والفسوي في "المعرفة" (2 / 590) .
وأخرجه علي بن الجعد في "مسنده" (1 / 385 - 386 رقم 489) عن شعبة.
ومن طريق ابن الجعد أخرجه:
النحاس في "القطع والائتناف" (ص78) .
والآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص61 رقم 15) .
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص2 رقم 1) .
وابن سعد في "الطبقات" (6 / 172) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 502 رقم 10120) .
والإمام أحمد في "المسند" (1 / 58 و 69) .
وفي "الزهد" (ص506 - 507 رقم 2140) .
والدارمي في "سننه" (2 / 314 رقم 3341) .
والبخاري في "صحيحه" (9 / 74 رقم 5027) في "فضائل القرآن"، باب: ((خَيْرَكُمْ مَنْ تَعلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) .
وأبو داود في "سننه" (2 / 147 رقم 1452) في الصلاة، باب: في ثواب قراءة القرآن.
وابن ماجه (1 / 76 رقم 211) في المقدمة، باب: فضل من تعلَّم القرآن وعلَّمه.
والفسوي في "المعرفة" (2 / 590) .
والترمذي (8 / 224 رقم 3073) في الموضع السابق.
وابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص76 و 77 و 78 رقم 132 و 133 و 140) .
والفريابي في "فضائل القرآن" (ص120 - 123 رقم 11 و 12 و 13) .
والنسائي في "فضائل القرآن" (ص87 - 88 رقم 61 و 62) .
وابن حبان في "صحيحه" (1 / 165 رقم 118 / الإحسان) .
وابن عدي في "الكامل" (6 / 2068 - 2069) . =(1/106)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأبو نعيم في "الحلية" (4 / 193 - 194) و (8 / 384) .
والقضاعي في "مسند الشهاب" (2 / 226 - 227 رقم 1240) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (4 / 490 رقم 1785) و (5 / 164 - 165 رقم 2016 و 2017) .
والخطيب في "تاريخه" (4 / 109 و 302) .
جميعيهم من طريق شُعْبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عن سعد بن عبيدة، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عن عثمان، به.
2 و 3 و 4- طرق أبي حنيفة ومسعر وقيس بن الربيع.
أخرجها الخطيب في "تاريخه" (4 / 109) مقرونة بطريق شعبة السابق، ثلاثتهم، عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عن عثمان، به، فوافقوا شعبة في إسناده.
وأخرجه الخطيب أيضًا (11 / 35) من طريق آخر عن قيس، به مثل سابقه.
وأخرجه تمام في "فوائده" (ص116 رقم 211) من طريق محمد بن بشير، عن مسعر، به، إلا أنه لم يذكر سعد بن عبيدة في إسناده.
وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (6 / 2068 - 2069) من طريق قيس، عن علقمة، عن سعد، به.
5- طريق سفيان الثوري.
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1 / 69) .
وابن ماجه (1 / 76 رقم 211) .
والترمذي (8 / 224 رقم 3073) .
وابن الضريس في "الفضائل" (ص78 رقم 140) .
والفريابي في "الفضائل" (ص122 - 123 رقم 13) .
والنسائي في "الفضائل" (ص87 - 88 رقم 62) .
والقضاعي في "مسند الشهاب" (2 / 226 - 227 رقم 1240) . =(1/107)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والبيهقي في "الشعب" (5 / 164 رقم 2016) .
والخطيب في "تاريخه" (4 / 302) .
جميعهم من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، عن علقمة، عن سعد بن عبيدة، به، فوافق فيه شعبة.
وكذا رواه كادح بن رحمة وسعيد بن سالم القدّاح عن سفيان.
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (3 / 1233) عن القدّاح، والخطيب في تاريخه (4 / 109) عن كادح.
وخالف يحيى القطان وسعيد بن سالم القداح وكادح بن رحمة الباقون، فرووه عن سفيان، عن علقمة، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، به، ليس فيه ذكر لسعد بن عبيدة، وكذا أيضًا رواه الباقون عن علقمة بن مرثد كما سيأتي.
فالحديث أخرجه وكيع في "الزهد" (3 / 839 رقم 521) .
ومن طريق وكيع أخرجه:
الإمام أحمد في "المسند" (1 / 57) .
وابن ماجه (1 / 77 رقم 212) .
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3 / 367 - 368 رقم 5995) .
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه:
البيهقي في "الشعب" (4 / 489 رقم 1783) .
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص2 رقم 2) .
والإمام أحمد في "المسند" (1 / 57) .
كلاهما من طريق عبد الرحمن بن مهدي.
وأخرجه البخاري في "صحيحه" (9 / 74 رقم 5028) .
والبيهقي في الموضع السابق.
كلاهما من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين.
وأخرجه الترمذي (8 / 223 رقم 3072) من طريق بشر بن السري. =(1/108)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وابن الضريس في "الفضائل" (ص77 رقم 135) من طريق محمد بن كثير العبدي.
والنسائي في "الفضائل" (ص88 رقم 63) من طريق عبد الله بن المبارك. جميع هؤلاء: وكيع، وعبد الرزاق، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نعيم، وبشر بن السري، ومحمد بن كثير، وعبد الله بن المبارك رووه عن سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، به، ليس فيه ذكر لسعد بن عبيدة.
6- طريق الجّراح الكندي.
أخرجه ابن الضريس في "الفضائل" (ص78 رقم 138) .
والفريابي في "الفضائل" (ص123 - 124 رقم 14 و 15 و 16) .
وتمام في "فوائده" (ص975 رقم 1741) .
والبيهقي في "الشعب" (5 / 166 رقم 2019) ، وفي "الأسماء والصفات" (1 / 371 و 372) ، وفي "الاعتقاد" (ص101) .
واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (2 / 338 رقم 556) .
وابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد" (1 / 16) .
7- طريق عبد الله بن عيسى بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى.
أخرجه الفريابي في "الفضائل" (ص119 - 120 رقم 10) .
8- طريق موسى الفرّاء.
أخرجه الخطيب في "تاريخه" (5 / 129) .
9- طريق يحيى بن سعيد الأنصاري.
أخرجه تمام في "فوائده" (ص115 رقم 209) .
والخليلي في "الإرشاد" (2 / 629) ، ونقل عن الحافظ أبي حفص عمر بن سهل أنه خطّأ من قال: ((يحيى بن سعيد)) ، وإنما هو: ((يحيى بن شعيب أبو اليسع)) . وجميع هؤلاء: الجراح بن الضحّاك الكندي، وعبد الله بن عيسى، وموسى الفرّاء، ويحيى بن سعيد، عن علقمة، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، به، =(1/109)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ليس فيه ذكر لسعد بن عبيدة، كما في رواية الأكثرين عن سفيان الثوري، وفي لفظ الجراح زيادة، ورواية عبد الله بن عيسى موقوفة على عثمان، وسيأتي الكلام عنها.
10- طريق عمرو بن قيس، واختلف فيه.
فأخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2 / 33 - 34) من طريق عمرو بن عثمان البرّي، ثنا سعدان بن نصر، ثنا شجاع بن الوليد، عن عمرو بن قيس الملائي، يحدّث عن علقمة بن مرثد، عن أبي عبد الرحمن، به هكذا ليس فيه ذكر لسعد بن عبيدة.
وأخرجه البيهقي في "الشعب" (4 / 490 رقم 1784) من طريق ابن بشران، عن محمد بن عمرو الرزاز وإسماعيل الصفار، كلاهما عن سعدان بن نصر، به وزاد في سنده سعد بن عبيدة بين علقمة وأبي عبد الرحمن.
تنبيه: اعلم أن هذا الحديث من طريق علقمة بن مرثد قد اختلف فيه سندًا ومتنًا.
1- أما سندًا؛ فإن من الرواة من يدخل سعد بن عبيدة بين علقمة بن مرثد، وأبي عبد الرحمن السلمي، ومنهم من يسقطه.
ومنهم من وقفه على عثمان - رضي الله عنه -، ومنهم من رفعه.
2- وأما متنًا؛ فإن الخلاف إنما هو في رواية الجراح بن الضحاك الكندي، فإنه زاد في روايته قوله: ((وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه، وذلك أنه منه)) .
فهذه الزيادة، منهم من رفعها، ومنهم من جعلها من قول أبي عبد الرحمن السلمي.
وقد تطرق لهذا الاختلاف الدارقطني في كتابيه: "العلل" (3 / 53 - 59) ، و"التتبع" (ص355 - 357) ، فذكره، وذكر اختلافًا آخر في سنده، ورجح في "العلل" رواية شعبة ومن وافقه، فقال: ((وأصحّها حديث علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عثمان، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -)) .
وأما الترمذي في "سننه" (8 / 224) فرجّح رواية الأكثرين عن الثوري بإسقاط سعد =(1/110)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ابن عبيدة، فنقل عن محمد بن بشّار قوله: ((أصحاب سفيان لا يذكرون فيه عن سفيان، عن سعد بن عبيدة. قال محمد بن بشّار: وهو أصح. قال أبو عيسى: وقد زاد شعبة في إسناد هذا الحديث سعد بن عبيدة، وكأن حديث سيفان أشبه)) .
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (9 / 74 - 75) في كلامه عن حديث عثمان هذا: ((وقد أطنب الحافظ أبو العلاء العطار في كتابه "الهادي في القرآن" في تخريج طرقه. فذكر ممن تابع شعبة ومن تابع سفيان جمعًا كثيراً، وأخرجه أبو بكر بن أبي داود في أول الشريعة له، وأكثر من تخريج طرقه أيضًا. ورجح الحافظ رواية الثوري، وعدوا رواية شعبة من المزيد في متصل الأسانيد. وقال الترمذي: كأن رواية سفيان أصح من رواية شعبة. وأما البخاري، فأخرج الطريقين، فكأنه ترجح عنده أنهما جميعًا محفوظان، فيحمل على أن علقمة سمعه أولاً من سعد، ثم لقي أبا عبد الرحمن، فحدثه به، أو سمعه مع سعد من أبي عبد الرحمن، فثبته فيه سعد ... ، وقد شذّت رواية عن الثوري بذكر سعد بن عبيدة فيه ... ، وهكذا حكم علي بن المديني على يحيى القطان فيه بالوهم. وقال ابن عدي: جمع يحيى القطان بين شعبة وسفيان، فالثوري لا يذكر في إسناده سعد بن عبيدة، وهذا مما عُدّ في خطأ يحيى القطّان على الثوري)) . اهـ.
هذا بالنسبة لمن زاد في الإسناد سعد بن عبيدة ومن لم يزده.
أما الخلاف في رفع الحديث ووقفه، فإن جميع الرواة على وقفه، عدا عبد الله بن عيسى بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، فقد اختلف عليه في رفعه ووقفه، ورجح الدارقطني في "العلل" (3 / 57) أن الصواب في رواية عبد الله بن عيسى الوقف على عثمان.
وأما الزيادة التي رواها الجراح في متن الحديث، والخلاف في كونها مرفوعة، أو من قول أبي عبد الرحمن السلمي، فالصواب أن ذلك من قول أبي عبد الرحمن كما نص عليه الدارقطني في الموضع السابق، والله أعلم. =(1/111)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= الطريق الثاني: طريق سلمة بن كهيل، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ.
أخرجه الفريابي في "الفضائل" (ص124 - 125 رقم 17 و 18) .
والخطيب في "تاريخه" (5 / 363) ، وفي "الموضح" (2 / 269) .
والذهبي في "تذكرة الحفاظ" (2 / 514) .
الطريق الثالث: طريق عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عبد الرحمن السلمي.
أخرجه الخطيب في "تاريخه" (9 / 243) من طيرق سفيان الثوري، عن عطاء، به، ثم قال الخطيب: ((هذا غريب جدًّا من حديث الثوري، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أبي عبد الرحمن، لا أعلمه، يروى إلا من هذا الوجه)) .
الطريق الرابع: طريق عبد الكريم الجزري، عن أبي عبد الرحمن.
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (4 / 1568) .
وتمام في "فوائده" (ص114 رقم 208) .
الطريق الخامس: طريق عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي عبد الرحمن.
أخرجه تمام أيضًا (ص115 رقم 210) من طريق إسحاق بن عبد الله البوقي، عن شريك، عن عاصم.
وأشار الدارقطني في "العلل" (3 / 58 و 59) إلى أنه رواه أيضًا حفص بن سليمان، عن عاصم، وخالد بن عمرو، عن شريك، عن عاصم، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عثمان.
وأشار الدارقطني في الموضع السابق إلى أنه رواه محمد بن بكير الحضرمي، عن شريك، عن عاصم، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ ابن مسعود.
ورواه يحيى الحماني، عن شريك، عن عاصم، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مرسلاً.
ولم يرجِّح الدارقطني شيئًا من هذه الروايات.(1/112)
22- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ؛ قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة (1) ، قَالَ: سَمِعْتُ (مُجَاهِدًا) (2) يَقُولُ: ((الْقُرْآنُ يَشْفَعُ لِصَاحِبِهِ يَوَمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ جَعَلْتَنِي فِي جَوْفِهِ، فأَسْهَرْتُ ليْلَهُ، ومنعتُه كَثِيرًا مِنْ شَهْوَتِهِ، وَلِكُلِّ عَامِلٍ عَمَالة، فَيَقُولُ: ابْسُطْ يَدَكَ، أَوْ قَالَ: يَمِينَكَ، فَيَمْلَأُهَا مِنْ رِضْوَانِهِ فَلَا يَسْخَطُ عَلَيْهِ بَعْدَهَا، ثُمَّ يُقَالُ: اقْرَهْ، وارْقَهْ، فَيُرْفَعُ لَهُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً، وبكل آية حسنة)) .
__________
(1) هو عمرو بن مُرّة بن عبد الله بن طارق الجَمَلي - بفتح الجيم والميم -، المرادي، أبو عبد الله الكوفي، الأعمى، روى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أوفى، وأبي وائل شقيق بن سلمة ومرّة الطيِّب وإبراهيم النخعي وجماعة، وروى هنا عن مجاهد، روى عنه ابنه عبد الله والأعمش ومنصور وحصين بن عبد الرحمن وشعبة وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان عشرة ومائة، وقيل: ست عشرة ومائة، وهو ثقة عابد، كان لا يدلّس، ورمي بالإرجاء، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص426 رقم 5112) ، فقد وثقه ابن معين وابن نمير ويعقوب بن سفيان، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال العجلي: ((كوفي ثبت، كان يرى الإرجاء)) . وقال أبو حاتم: ((صدوق ثقة كان يرى الإرجاء)) . وقال شعبة: ((ما رأيت أحدًا من أصحاب الحديث لا يدلّس، إلا ابن عون وعمرو بن مرّة)) . اهـ.
من "تاريخ الثقات" للعجلي (ص370 رقم 1286) ، و"الجرح والتعديل" (6 / 257 - 258 رقم 1421) ، و"التهذيب" (8 / 102 - 103 رقم 163) .
(2) في الاصل: (مجاهد) .
[22] الحديث سنده حسن عن مجاهد؛ عبد الرحمن بن زياد تقدم في الحديث [6] أنه صدوق، لكنه قد توبع، فالحديث صحيح لغيره، عن مجاهد، ولم يذكر مجاهد عمن أخذ هذا الخبر. =(1/113)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وقد روي عنه من ثلاثة طرق.
1- طريق عمرو بن مرّة.
أخرجه المصنف هنا من طريق عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ شعبة، عنه.
وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" (ص278 رقم 806) ، فقال: أنا شعبة ... ، فذكره بنحوه.
وأخرجه ابن أبي شيبة (10 / 496 و 499 رقم 10098 و 10107) ، فقال: حدثنا غندر، عن شعبة ... ، فذكره بنحوه، إلا أنه في الموضع الثاني إنما ذكر من قوله: ((اقرأ وارقه ... )) إلخ.
ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن الضريس في "الفضائل" (ص62 / رقم 102 / أ) .
2- طريق منصور، قال: حُدِّثت عن مجاهد.
أخرجه ابن شيبة (10 / 496 - 497 رقم 10099) ، فقال: حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، قال: قال منصور: حُدِّثت عن مجاهد ... ، فذكره بمعناه، إلا أنه لم يذكر قوله: ((اقرأ وارقه ... )) إلخ.
وسنده ضعيف لإبهام شيخ منصور، وقد يكون منصور رواه عن عمرو بن مرة، أو عن عاصم بن بهدلة راوي الطريق الآتي، فإنه قد روى عنهما كما في "تهذيب الكمال" (3 / 1376) .
ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن الضريس برقم (103) .
3- طريق عاصم بن بهدلة، واختلف عليه.
فرواه سفيان الثوري، عنه، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ موقوفًا.
ورواه حماد بن زيد، عنه، عن مجاهد من قوله.
أما رواية سفيان الثوري، فأخرجها الدارمي في "سننه" (2 / 309 رقم 3315) ، فقال: حدثنا موسى بن خالد، ثنا إبراهيم بن محمد الفزاري، عن سفيان ... ، فذكره عن ابن عمر بنحوه، إلا أنه لم يذكر قوله: ((فلا يسخط عليه بعدها ... )) إلخ، وزاد: ((ويكسى كسوة الكرامة ويُحلّى حلية الكرامة، ويلبس تاج الكرامة)) . =(1/114)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأما رواية حماد بن زيد، فأخرجها ابن الضريس (ص57 رقم 94) ، فقال: أخبرنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد ... ، فذكره عن مجاهد بمعناه.
وعاصم في حفظه كلام كما في ترجمته في الحديث رقم [17] ، والراجح أنه صدوق حسن الحديث، فإن لم يكن الاختلاف من قبله، فالراجح رواية حماد بن زيد، عنه عن مجاهد من قوله، كماك في رواية عمرو بن مرة، ومنصور، وتكون وراية سفيان الثوري مرجوحة؛ لأنها من رواية شيخ الدارمي موسى بن خالد، عن الفزاري، عن سفيان.
وشيخ الدارمي موسى بن خالد تقدم في الحديث [12] أنه مقبول.
وأما حماد بن زيد فتقدم في الحديث [17] أنه ثقة ثبت فقيه.
والراوي للحديث عنه هو شيخ ابن الضريس أبو الربيع الزهراني، واسمه: سليمان بن داود العَتَكي، البصري، نزيل بغداد، يروي عن حماد بن زيد وجرير بن حازم وجرير بن عبد الحميد وابن المبارك وغيرهم، روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم، وكانت وفاته سنة أربع وثلاثين ومائتين، وهو ثقة لم يتكلم فيه أحد بحجّة، وروى له الشيخان كما في "التقريب" (ص251 رقم 2556) . فقد وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم ومسلمة بن القاسم وابن قانع، وزاد: ((صدوق)) . وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن خراش: ((تكلم الناس فيه، وهو صدوق)) ، فتعقبه ابن حجر بقوله: ((لا أعلم أحدًا تكلم فيه، بخلاف ما زعم ابن خراش)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (4 / 113 رقم 493) ، و"التهذيب" (4 / 190 - 191 رقم 322) .
وعليه فالحديث صحيح عن مجاهد من قوله، وتقدم معناه في الحديث رقم [12] عن أبي صالح، وهو صحيح عنه، والله أعلم.(1/115)
23- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ الذِّمَاري (1) ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2) ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَتَمِيمٍ الدَّاريِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ:
__________
(1) هو يحيى بن الحارث الذِّمَاري - بكسرالمعجمة، وتخفيف الميم-، أبو عمرو الشامي، القارئ، يروي عن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - وقرأ عليه، وعن سعيد بن المسيب وعبد الله بن عامر وسالم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ والقاسم أبي عبد الرحمن وغيرهم، روى عنه ابنه عمرو والأوزاعي وصدقة بن خالد والوليد بن مسلم وإسماعيل بن عياش وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمس وأربعين ومائة، وهو ثقة كما في "التقريب" (ص89 رقم 7522) . فقد وثقه ابن معين ودحيم وأبو داود وأبو حاتم، وزاد: ((كان عالمًا بالقراءة)) . وقال يعقوب ابن سفيان وابن معين في رواية وأبو داود في رواية: ((ليس به بأس)) . وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "الجرح والتعديل" (9 / 135 - 136 رقم 575) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1492) ، و"التهذيب" (11 / 193 - 194 رقم 326) .
(2) هو القاسم بن عبد الرحمن، أبو عبد الرحمن الدمشقي يروي عن علي وابن مسعود وتميم الداري وفضالة بن عبيد وغيرهم، روى عنه علي بن يزيد الأَلْهاني وعبد الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ويحيى بن الحارث الذَّمَاري وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتي عشرة ومائة، وقيل: سنة ثمان عشرة ومائة، وهو صدوق يغرب كثيرًا كما في "التقريب" (ص450 رقم 5470) . فقد وثقه ابن المديني وابن معين ويعقوب بن شيبة ويعقوب بن سفيان والترمذي وابن شاهين والعجلي، وزاد: ((يكتب حديثه، وليس بالقوي)) . وقال يعقوب بن شيبة في موضع آخر: ((قد اختلف الناس فيه، فمنهم من يضعف روايته، ومنهم من يوثقه)) . وقال ابن حبان: ((كان يروي عن الصحابة المعضلات)) .
قلت: وكان الإمام أحمد يحمل على القاسم هذا كثيرًا، ويقول: ((في حديث القاسم مناكير مما يرويها الثقات، يقولون من قبل القاسم)) ، وقال: ((ما أرى البلاء إلا من القاسم)) . اهـ. =(1/116)
((مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأَ خَمْسِينَ آيَةً كُتِبَ مِنَ الْحَافِظِينَ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَرَأَ ثَلَاثَمِائَةِ آيَةٍ يَقُولُ الْجَبَّارُ: قَدْ نصِبَ (3) عَبْدِي فيَّ، وَمَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطار، وَالْقِنْطَارُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَأَكْثَرُ، مَا شَاءَ مِنَ الْأَجْرِ، [ل106/أ] فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُولُ رَبُّكَ لِلْعَبْدِ: اقْرَأْ وارقَ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى آخِرِ آيَةٍ مَعَهُ، يَقُولُ رَبُّكَ لِلْعَبْدِ: اقْبِضْ، يَقُولُ الْعَبْدُ بِيَدِهِ: يَا رَبِّ أَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ: يَقُولُ: بِهَذِهِ الْخُلْدُ، وَبِهَذِهِ النَّعِيمُ)) .
__________
= والأرجح أن هذه الأحاديث التي انتقدت على القاسم ليس البلاء منه، وإنما من الرواة عنه. قال ابن معين: ((الثقات يروون عنه هذه الأحاديث ولا يرفعونها)) .
وقال أيضًا: ((يجيء من المشايخ الضعفاء ما يدل حديثهم على ضعفهم)) . وقال في موضع آخر: ((إذا روى عنه الثقات أرسلوا ما رفع هؤلاء)) . وقال البخاري: ((روى عنه العلاء بن الحارث، وكثير بن الحارث، وسليمان بن عبد الرحمن، ويحيى بن الحارث أحاديث متقاربة، وأما من يُتَكلَّم فيه، مثل جعفر بن الزبير، وعلي بن يزيد، وبشر بن نمير، ونحوهم، ففي حديثهم عنه مناكير واضطراب)) .
وقال أبو حاتم: ((حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به، وإنما يُنكِر عنه الضعفاء)) .
انظر: "تاريخ ابن معين" (2 / 481) ، و"سؤالات ابن أبي شيبة" لعلي بن المديني (ص153 رقم 210) ، و"التاريخ الكبير" للبخاري (7 / 159 رقم 712) ، و"الصغير" له أيضًا (1 / 220) ، و"تاريخ الثقات" للعجلي (ص388 رقم 1375) ، و"تاريخ أسماء الثقات" لابن شاهين (ص189 رقم 1150) ، و"تهذيب الكمال" (2 / 1111 - 1112) ، =(1/117)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= و"التهذيب" (8 / 322 - 324 رقم 581) .
(3) أي: تعب.
"النهاية في غريب الحديث" (5 / 62) .
[23] سنده ضعيف، فإسماعيل بن عياش الشّامّي تقدم في الحديث [9] أنه صدوق في روايته عن أهل بلده مخلّط في غيرهم، وهذا الحديث من روايته عن أهل بلده، فشيخه يحيى بن الحارث شامي، لكن إسماعيل هذا مدلِّس ولم يصرِّح هنا بالسماع، ومع ذلك فقد خولف في سند الحديث والصواب وقفه، فقد روى الحديث من ثلاثة طرق:
1- طريق يحيى بن الحارث، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن فضالة وتميم.
وله عن يحيى ثلاثة طرق:
أ- طريق إسماعيل بن عياش.
أخرجه المصنف هنا عنه.
ومن طريق المصنف أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 153 - 154 رقم 2006) ، إلا أنه لم يذكر تميمًا الداري في سنده، ولفظه: ((مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأَ خَمْسِينَ آيَةً كُتِبَ مِنَ الْحَافِظِينَ حتى يصبح، ومن قرأ بثلاث مائة آية يقول الجبار: قد أنصب عبدي فيّ، ومن قرأ بألف آية كتب له قناطير، وَالْقِنْطَارُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فيها؛ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُولُ ربك عز وجل: ((اقرأ وارق، كل آيَةٍ دَرَجَةً، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى آخر آية معه)) .
أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" (1 / 151 رقم 422) .
والطبراني في "الكبير" (2 / 38 رقم 1253) ، وفي "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (2 / 267) .
والبيهقي في "الشعب" (5 / 154 - 155 رقم 2007) .
أما ابن أبي حاتم فمن طريق محمد بن الخليل، وأما الطبراني والبيهقي =(1/118)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= فمن طريق محمد بن بكير، كلاهما عن إسماعيل بن عياش، به مرفوعًا.
وذكر ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عن هذا الحديث، فقال: ((هذا حديث خطأ، إنما هو موقوف عن تميم وفضالة)) .
وقال الهيثمي في الموضع السابق: ((فيه إسماعيل بن عياش، ولكنه من روايته عن الشاميين، وهي مقبولة)) .
والحديث أخرجه محمد بن نصر في "قيام الليل" كما في المختصر (ص147) .
بطوله بنحوه.
ب- طريق يحيى بن حمزة.
أخرجه الدارمي (2 / 332 و 333 و 335 رقم 3445 و 3446 و 3450 و 3455 و 3465) ، من طريق يحيى بن بسطام، عن يحيى بن حمزة، عن يحيى بن الحارث، عن القاسم، عن فضالة وتميم موقوفًا عليهما، والموضع الأول أخرجه عن تميم فقط، ورواه مفرقًا ببعض ألفاظه في هذه المواضع، ولم يذكر قوله: ((ومن قرأ ثلاث مائة آيَةٍ يَقُولُ الْجَبَّارُ: قَدْ نَصَبَ عبدي فيّ)) ، ولا قوله: ((فإذا كان يوم القيامة ... )) إلخ الحديث، وزاد قوله: ((ومن قرأ بمائة آية في ليلة كتب من القاتنين)) .
وتقدم أن أبا حاتم رجح رواية من وقف الحديث.
ويحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي أبو عبد الرحمن الدمشقي القاضي يروي عن الأوزاعي وعبد الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ ومحمد بن الوليد الزبيدي ويحيى بن الحارث الذَّماري وغيرهم، روى عنه عبد الرحمن بن مهدي والوليد بن مسلم وأبو مسهر وغيرهم، وكانت ولادته سنة ثلاث ومائة ووفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة، وهو ثقة رمي بالقدر، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص589 رقم 7536) . فقد وثقه ابن معين ودحيم والغلابي والعجلي ويعقوب بن شيبة وأبو داود والنسائي وغيرهم. ورماه بالقدر ابن معين والغلابي وأبو داود. =(1/119)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= انظر: "ثقات" العجلي (ص470 رقم 1801) ، و"التهذيب" (11 / 200 - 201 رقم 339) .
وشيخ الدارمي هو يحيى بن بسطام بن حريث الزهراني، أبو محمد المصفّر، البصري يروي عن ابن لهيعة وبكر بن مضر ويحيى بن حمزة وغيرهم، وهو صدوق حسن الحديث، ورمي بالقدر؛ فقد ذكره البخاري والعقيلي في الضعفاء؛ وابن حبان في "المجروحين"، أما البخاري فقال: ((يذكر بالقدر)) . وأما العقيلي فذكر عبارة البخاري هذه، وذكر حديثًا مما أنكر عليه، وأما ابن حبان فقال: ((كان قدريًّا داعية إلى القدر، لا تحلّ الرواية عنه لهذه العلّة، ولما في روايته من المناكير التي تخالف رواية المشاهير)) ، ولم يذكر شيئًا من هذه المناكير. وقال أبو داود: ((تركوا حديثه؛ قال له معتمر بن سليمان: أنت قدري؟ قال: نعم)) .
انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري (8 / 264 رقم 2938) ، و"الضعفاء الصغير" له أيضًا (ص119 رقم 394) ، و"الضعفاء" للعقيلي (4 / 394) ، و"المجروحين" لابن حبان (3 / 119) .
قلت: أما الأحاديث التي أنكرت على يحيى فلم يذكروا منها إلا الحديث الذي رواه العقيلي في ترجمته، والحمل فيه ليس على يحيى بن بسطام؛ لأنه من رواية شيخ العقيلي محمد بن زكريا الغلَّابي، وقد قال عنه الدارقطني: ((يضع الحديث)) . كما في "الضعفاء والمتروكين" له (ص350 رقم 483) ، وانظر "اللسان" (5 / 168 - 169) ، وعليه فيكون الجرح في يحيى هذا بسبب رميه بالقدر، وكونه داعية إليه كما قال ابن حبان، وقد ذكر ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9 / 132 رقم 556) يحيى هذا وقال: ((سألت أبي عنه فقال: شيخ صدوق ما بحديثه بأس، قدري أدخله البخاري في كتاب الضعفاء، فسمعت أبي يقول: يحوّل من هناك)) . اهـ. =(1/120)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وعليه فسند هذا الطريق حسن لذاته.
جـ- طريق الهيثم بن حميد.
ذكر البيهقي في الموضع السابق من "الشعب" هذا الحديث من رواية إسماعيل بن عياش مرفوعًا، ثم قال: ((ورواه الهيثم بن حميد، عن يحيى بن الحارث موقوفًا، عن تميم وفضالة بن عبيد)) .
قلت: ولم أجد من أسند الحديث من طريقه.
2- طريق العباس بن ميمون، عن تميم الداري.
أخرجه الدارمي (2 / 332 رقم 3445) فقال: (حدثني عثمان بن مسلم، عن العباس بن ميمون، عن تميم الداري، قَالَ: ((مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ في ليلة لم يكتب من الغافلين)) ) كذا جاء في "سنن الدارمي" المطبوع، وقد تصحّف اسم شيخ الدارمي، وصوابه: (عفّان بن مسلم) ، وأما العباس بن ميمون فلم أجد له ذكرًا فيما لدي من كتب التراجم، ولا آمن أن يكون في الإسناد تصحيف أيضًا، والله أعلم.
3- طريق كثير بن مرّة، عن تميم الداري.
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (4 / 103) .
والدارمي (2 / 333 رقم 3453) .
وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص183 رقم 673) .
والطبراني في "الكبير" (2 / 38 رقم 1252) .
أما الإمام أحمد وابن السني والطبراني فمن طريق الهيثم بن حميد، وأما الدارمي فمن طريق يحيى بن حمزة، كلاهما عن زيد بن واقد، عن سليمان بن موسى، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ تميم الدارمي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((مَنْ قَرَأَ بمائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة)) .
قال الهيثمي في "المجمع" (2 / 267) : ((فيه سليمان بن موسى الشامي وثقه ابن معين وأبو حاتم، وقال البخاري: عنده مناكير، وهذا لا يقدح)) . =(1/121)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قلت: سليمان هذا هو ابن موسى الأموي مولاهم، الدمشقي، المعروف بالأَشْدق، روى عن واثلة بن الأسقع وأبي أمامة وطاوس والزهري وغيرهم، روى عنه ابن جريج وسعيد بن عبد العزيز والأوزاعي وزيد بن واقد وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمس عشرة ومائة، وقيل: تسع عشرة ومائة، وهو صدوق كما قال الذهبي في ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق (ص94 رقم 148) قال عطاء بن أبي رباح: ((سيد شباب أهل الشام سليمان بن موسى)) . وقال سعيد بن عبد العزيز: ((كان أعلم أهل الشام بعد مكحول)) . وقال الزهري: ((سليمان بن موسى أحفظ من مكحول)) . ووثقه دحيم وابن سعد، وقال ابن معين: ((ثقة، وحديثه صحيح عندنا)) . وقال الدارقطني: ((من الثقات، أثنى عليه عطاء والزهري)) . وذكر ابن المديني أن سليمان هذا قد خولط قبل موته بيسير. وقال أبو حاتم: ((محله الصدق، وفي حديثه بعض الاضطراب، ولا أعلم أحدًا من أصحاب مكحول أفقه منه، ولا أثبت منه)) . وقال البخاري: ((عنده مناكير)) . وقال النسائي: ((أحد الفقهاء، وليس بالقوي في الحديث)) . وقال ابن عدي: ((هو فقيه راو حدّث عنه الثقات من الناس، وهو أحد علماء أهل الشام، وقد روى أحاديث ينفرد بها لا يرويها غيره، وهو عندي ثبت صدوق)) . قال الذهبي: ((هذه الغرائب التي تستنكر له يجوز أن يكون حفظها)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (4 / 141 - 142رقم 615) ، و"الكامل" لابن عدي (3 / 113 - 119) ، و"الميزان" (2 / 225 - 226 رقم 3518) ، و"التهذيب" (4 / 226 - 227 رقم 377) . ولهذا الإسناد علّة، وهي الانقطاع بين سليمان بن موسى هذا وكثير بن مرّة. قال الذهبي في "السير" (5 / 434) : ((ويروي عن كثير بن مرة، فلعله أدركه)) . اهـ.
قلت: قد نصّ ابن معين، وأبو مُسهر، والغلابي على أنه لم يدرك كثير بن مرة.
انظر: "الكامل" لابن عدي (3 / 113) ، و"السير" (5 / 435) ، و"جامع التحصيل" (ص230 - 231) .
وقد خفيت هذه العلة على الشيخ ناصر الدين الألباني، فصحح الحديث من هذا الطريق. =(1/122)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= انظر: "السلسلة الصحيحة" (2 / 248 - 249 رقم 644) .
ولبعض ألفاظ الحديث شواهد، عن أبي أمامة، وأبي سعيد الخدري، وعبد اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم -.
1- أما حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، فقال الدارمي في "سننه" (2 / 335 رقم 3464) : أخبرنا الحكم بن نافع، أنا حَريز، عن حبيب بن عبيد، قال: سمعت أبا أمامة يقول: من قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قنطار من الأجر. والقيراط من ذلك القنطار لا يفي به ديناكم- أو قال: لا يعدله دنياكم -. وهذا إسناد صحيح.
حبيب بن عبيد الرَّحَبي - بالمهملة المفتوحة، ثم الموحدة -، أبو حفص الحمصي روى عن العرباض بن سارية والمقدام بن معدي كَرب وأبي أمامة وغيرهم، روى عنه حريز بن عثمان ومعاوية بن صالح وشريح بن عبيد وغيرهم، وهو ثقة من الطبقة الثالثة كما في "التقريب" (ص151 رقم 1101) . وثقه النسائي والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "تاريخ الثقات" للعجلي (ص106 رقم 249) ، و"الثقات" لابن حبان (4 / 138) ، و"التهذيب" (2 / 187 - 188 رقم 344) .
وحَرِيز- بفتح أوله، وكسر الراء وآخره زاي - ابن عثمان الرَّحَبي، الحمصي، روى عن عبد الله بن بسر المازني الصحابي وحبيب بن عبيد وخالد بن معدان وعبد الرحمن بن جبير بن نفير وغيرهم، روى عنه الوليد بن مسلم وإسماعيل بن عياش وبقية بن الوليد وعيسى بن يونس، ويحيى بن سعيد القطان ويزيد بن هارون وأبو اليمان الحكم بن نافع وغيرهم، وكانت ولادته سنة ثمانين للهجرة، ووفاته سنة ثلاث وستين ومائة، وهو ثقة ثبت رُمي بالنصب كما في "التقريب" (ص156 رقم 1184) . قال ابن المديني: ((لم يزل من أدركناه من أصحابنا يوثقونه)) . وقال الإمام أحمد: ((ثقة ثقة)) . وقال أيضًا: ((ليس بالشام أثبت من حريز إلا أن يكون بحير)) . ووثقه =(1/123)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ابن معين ودحيم والعجلي، وزاد: ((يحمل على علي)) .
وقال عمرو بن علي الفلَّاس: ((كان ينتقّص عليًّا، وينال منه، وكان حافظًا لحديثه)) . وقال أبو حاتم: ((حسن الحديث، لم يصحّ عندي ما يقال في رأيه، ولا أعلم بالشام أثبت منه، وهو ثقة متقن)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (3 / 289 رقم 1288) ، و"التهذيب" (2 / 237 - 241 رقم 436) .
والحكم بن نافع البَهْراني - بفتح الموحدة -، أبو اليمان الحمصي مشهور بكنيته، روى عن شعيب بن أبي حمزة وحريز بن عثمان وصفوان بن عمرو وغيرهم، روى عنه الإمام أحمد وابن معين والبخاري والدارمي وأبو حاتم الرازي وغيرهم، وكانت وفاته سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائتين وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، وهو ثقة ثبت، يقال إن أكثر حديثه عن شعيب مناولة، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص176 رقم 1464) . سئل عنه الإمام أحمد فقال: ((أما حديثه عن صفوان وحريز فصحيح)) . ووثقه ابن معين وابن عمار. وقال العجلي: ((لا بأس به)) . وقال أبو حاتم: ((نبيل صدوق ثقة)) . وقال أبو زرعة: ((لم يسمع أبو اليمان من شعيب إلا حديثًا واحدًا، والباقي إجازة)) . اهـ. "من سؤالات ابن الجنيد لابن معين" (ص397 رقم 523) ، و"الجرح والتعديل" (3 / 129 رقم 586) ، و"التهذيب" (2 / 441 - 443 رقم 768) .
2- وأما حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، فقال الدارمي أيضًا (2 / 334 رقم 3461) : حدثنا أبو النعمان، ثنا حماد بن زيد، عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيْري، عَنْ أَبِي نَضْرة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ عَشْرَ آيات كتب من الذاكرين، ومن قرأ بمائة آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قرأ بخمسمائة آية إلى الألف أصبح وله قنطار من الأجر. قيل: وما القنطار؟ قال: ملء مَسْك الثور ذهبًا.
وهذا إسناد صحيح أيضًا. =(1/124)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أبو نَضْرة اسمه المنذر بن مالك بن قُطَعة - بضم القاف، وفتح المهملة- العَبْدي، العَوَفي - بفتح المهملة والواو، ثم قاف-، البصري، مشهور بكنيته روى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وأبي موسى الأشعري وأبي ذر وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وابن عباس وابن الزبير وابن عمر وأنس وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه سليمان التيمي وحميد الطويل وعاصم الأحول وقتادة وسعيد الجُريري وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان أو تسع ومائة، وهو ثقة كما في "التقريب" (ص546 رقم 6890) ، فقد وثقه الإمام أحمد وابن معين والعجلي وأبو زرعة والنسائي وابن شاهين. وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث، وليس كل أحد يحتج به)) . وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ((كان من فصحاء الناس ... ، وكان ممن يخطئ)) .
انظر: "تاريخ الثقات" للعجلي (ص439 رقم 1633) ، و"الجرح والتعديل" (8 / 241 رقم 1088) ، و"الثقات" لابن حبان (5 / 420) ، و"تاريخ أسماء الثقات" لابن شاهين (ص235 رقم 1442) ، و"التهذيب" (10 / 302 - 303 رقم 527) .
أقول: وابن حبان متشدد في الجرح، والمعوّل عليه كلام الأئمة الذين وثقوه، والله أعلم.
وسعيد بن إياس الجُرَيري - بضم الجيم -، أبو مسعود البصري يروي عن أبي الطفيل وأبي عثمان النَّهْدي وعبد الله بن بريدة وأبي نضرة وغيرهم وكانت وفاته سنة أربع وأربعين ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة، إلا أنه اختلط قبل موته بثلاث سنين. لكن الراوي عنه هنا حماد بن زيد وقد سمع منه قبل الاختلاط، وسمع منه كذلك قبل الاختلاط: شعبة والسفيانان وحماد بن سلمة وإسماعيل بن علية ومعمر وعبد الوارث بن سعيد ويزيد بن زريع ووهيب بن خالد وعبد الوهاب الثقفي وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وبشر بن المفضل. =(1/125)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأما من سمع منه بعد الاختلاط، فمنهم: محمد بن أبي عدي وإسحاق الأزرق ويحيى القطان ويزيد بن هارون وعيسى بن يونس وابن المبارك.
وسعيد هذا وثقه ابن معين والنسائي وزاد: ((أُنكر أيام الطاعون)) . وقال ابن سعد: ((كان ثقة إن شاء الله، إلا أنه اختلط في آخر عمره)) . وقال العجلي: ((بصري ثقة، واختلط بآخره، روى عنه في الاختلاط يزيد بن هارون وابن المبارك وابن أبي عدي، وكلما روى عنه مثل هؤلاء فهو مختلط، إنما الصحيح عنه حماد بن سلمة، وإسماعيل بن علية، وعبد الأعلى من أصحهم سماعًا؛ سمع منه قبل أن يختلط بثمان سنين وسفيان الثوري وشعبة صحيح)) . وقال أبو حاتم: ((تغير حفظه قبل موته، فمن كتب عنه قديمًا فهو صالح، وهو حسن الحديث)) . وقال ابن حبان: ((كان قد اختلط قبل أن يموت بثلاث سنين)) . وقال ابن عدي: ((مستقيم الحديث، وحديثه حجة، من سمع منه قبل الاختلاط)) .
انظر: "تاريخ الثقات" للعجلي (ص181 رقم 531) ، و"الجرح والتعديل" (4 / 1 - 2 رقم 1) ، و"الكامل" لابن عدي (3 / 1228 - 1229) ، و"التهذيب" (4 / 5 - 7 رقم 8) ، و"التقريب" (ص233 رقم 2273) ، و"الكواكب النيرات وحاشيته" (ص178 - 189) .
وتقدمت ترجمة حماد بن زيد في الحديث رقم [17] ، وأبي النعمان محمد بن الفضل السدوسي الملقب بعارم في الحديث رقم [6] ، وهما ثقتان ثبتان.
3- وأما حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العاص - رضي الله عنهما-، فيرويه عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - قال: ((من قام بعشر آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، ومن قام بمائة آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قام بألف آية كتب من المقنطرين)) .
أخرجه أبو داود في "سننه" (2 / 118رقم 1398) .
وابن خزيمة في "صحيحه" (2 / 181 رقم 1144) . =(1/126)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وابن حبان في "صحيحه" كما في الإحسان (4 / 120 رقم 2563) .
وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص189 رقم 703) .
جميعهم من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عمرو بن الحارث، أن أبا سَويّة حدثه أنه سمع ابن حُجَيْرة يخبر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ... ، فذكره، غير أن ابن السني سمّى أبا سَويّة (أبا الأسود) ، وأما ابن حبان فسمّاه: (أبا سويد) ، ثم قال: ((أبو سويد اسمه حميد بن سويد من أهل مصر، وقد وهم من قال: أبو سَويّة)) . وصوّب المزّي في "تحفة الأشراف" (6 / 357) قول من قال: أبو سَويّة.
وذكر الحافظ ابن حجر في "النكت الظِّراف" قول ابن حبان السابق، ثم قال: ((والظاهر أنه هو الواهم ... )) .
وقال ابن خزيمة قبل سياقه للحديث: ((باب فضل قراءة ألف آية في ليلة إن صح الخبر، فإني لا أعرف أبا سَويّة بعدالة ولا جرح ... )) ، ثم ذكر الحديث.
قلت: أبو سَويّة اسمه عبيد بن سَويّة - بفتح المهملة وكسر الواو وتشديد التحتانية-، الأنصاري روى عن عبد الرحمن بن حُجَيرة، وأرسل عن سُبَيْعة الأسلميّة، روى عنه حَيْوة بن شُريح وعمرو بن الحارث وابن لهيعة وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمس وثلاثين ومائة، وهو صدوق كما في "التقريب" (ص377 رقم 4378) . قال ابن حبان: ((ثقة)) . وأخرجه في الصحيح. وقال ابن يونس: ((كان رجلاً صالحًا، وكان يفسر القرآن)) . وقال ابن ماكولا وأبو عمير الكندي: ((كان فاضلاً)) .
انظر: "الثقات" لابن حبان (6 / 193) ، و"التهذيب" (7 / 67 - 68 رقم 140) .
والحديث ذكره القرطبي في مقدمة "تفسيره" (1 / 9) وعزاه لأبي داود الطياليسي في "مسنده"، ولم أجده في المطبوع منه. =(1/127)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وذكره الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2 / 244 رقم 642) ، وقال عن إسناده: ((جيّد)) ، وكذا قال في تعليقه على "صحيح ابن خزيمة".
4- وأما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، فأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص188 - 189 رقم 702) .
والحاكم في "المستدرك" (1 / 555) .
كلاهما من طريق محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري، عن مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن سهيل بن أبي صالح، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -: ((مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ)) .
قال الحاكم: ((صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي.
ووقع في "المستدرك" المطبوع: (موسى بن إسماعيل) ، والصواب: (مؤمل بن إسماعيل) كما عند ابن السني، وهو مُؤَمَّل - بوزن محمد، بهمزة - ابن إسماعيل، أبو عبد الرحمن البصري نزيل مكة، صدوق، إلا أنه سيء الحفظ كما في "التقريب" (ص555 رقم 7029) . فقد وثقه ابن معين وإسحاق بن راهويه وابن سعد وزاد: ((كثير الغلط)) ، والدارقطني وزاد: ((كثير الخطأ)) . وقال الساجي: ((صدوق كثير الخطأ، وله أوهام يطول ذكرها)) . وقال أبو حاتم: ((صدوق شديد في السنة، كثير الخطأ)) . وقال البخاري: ((منكر الحديث)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (8 / 374 رقم 1709) ، و"التهذيب" (10 / 380 - 381 رقم 682) .
وعليه فسند الحديث ضعيف لضعف مؤمل من قبل حفظه.
5- وأما حديث عبد الله بن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عنهما-، فهو الآتي، وهو ضعيف.
وبالجملة فالحديث حسن بمجموع طرقه، وبعض لفظه صحيح لغيره بشواهده المتقدمة, وله حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي، والله أعلم.(1/128)
24- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا أَبُو عَوَانَةَ (1) ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ (2) ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ((مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ)) .
__________
(1) هو وضّاح - بتشديد المعجمة، ثم مهملة -، ابن عبد الله اليشكُري - بالمعجمة -، الواسطي، أبو عوانة البزَّاز، مشهور بكنيته، يروي عن الأسود بن قيس وقتادة وأبي بشر جعفر بن إياس وحصين بن عبد الرحمن وبيان بن بشر وأبي إسحاق الشيباني وأبي إسحاق السبيعي وغيرهم، روى عنه ابن عليّة وأبو داود وأبو الوليد الطيالسيَّان وعبد الرحمن بن مهدي وعفان بن مسلم ومسدَّد وقتيبة بن سعيد وسعيد بن منصور وغيرهم، وكانت وفاته سنة ست وسبعين ومائة، وقيل: خمس وسبعين ومائة، وهو ثقة ثبت روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص580 رقم 7407) . قال ابن مهدي: ((كتاب أبي عوانة أثبت من حفظ هشيم)) . وقال مسدد: ((سمعت يحيى القطان يقول: ما أشبه حديثه بحديثهما - يعني أبا عوانة وشعبة وسفيان-)) . وقال عفان: ((كان أبو عوانة صحيح الكتاب، كثير العجم، والنقط، وكان ثبتًا، وأبو عوانة في جميع حاله أصح حديثًا عندنا من هشيم)) . وقال الإمام أحمد: ((إذا حدث أبو عوانة من كتابه فهو أثبت، وإذا حدث من غير كتابه ربما وهم)) . وقال ابن عبد البر: ((أجمعوا على أنه ثقة ثبت حجة فيما حدث به من كتابه، وكان إذا حدث من حفظه ربما غلط)) . وقال الذهبي: ((مجمع على ثقته، وكتابه متقن بالمرّة)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (9 / 40 - 41 رقم 173) ، و"الاستغناء" لابن عبد البر (2 / 851 - 852 رقم 997) ، و"الميزان" (4 / 334 رقم 9350) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (2 / 1039 - 1040) ، و"التهذيب" (11 / 116 - 120 رقم 204) .
(2) هو السَّبيعي، واسمه عمرو بن عبد الله.
[24] سنده ضعيف لأجل الرجل المبهم شيخ أبي إسحاق، ومتنه صحيح لغيره كما سبق بيانه في الحديث السابق. =(1/129)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والحديث له عن ابن عمر طريقان:
1- طريق أبي إسحاق، واختلف عليه.
فرواه أبو عوانة وشعبة، عنه، عن راوٍ مبهم، عن ابن عمر.
ورواه وكيع عنه، عن ابن عمر بلا واسطة.
ورواه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، عنه، عن المغيرة بن عبد الله الجدلي، عن ابن عمر.
أما رواية أبي عوانة، فهي التي أخرجها المصنف هنا.
وأما رواية شعبة، فأخرجها ابن الضريس في "الفضائل" (ص84 رقم 63) ، من طريق عمرو بن مرزوق، أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، عمّن سمع ابن عمر يقول ... ، فذكره بمثله وزاد: ((ومن قرأ مائة آية كتب من القاتنتين)) . وأما رواية وكيع، فأخرجها ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 508 رقم 10137) ، فقال: حدثنا وَكِيعٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ ابن عمر ... ، فذكره بنحوه.
وأما رواية إسرائيل، فأخرجها الدارمي في "سننه" (2 / 332 و 334 رقم 3448 و 3460) ، من طريق شيخه أبي غسان مالك بن إسماعيل، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن المغيرة بن عبد الله الجدلي، عن ابن عمر ... ، فذكره بمثله، وزاد في الموضع الثاني قوله: ((ومن قرأ في ليلة بمائة آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قرأ بمائتي آية كتب من الفائزين)) .
والمغيرة بن عبد الله الجدلي هذا لم أجد من ذكره بهذه النسبة، وقال الشيخ ناصر الدين الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2 / 244 - 245) عن سند هذا الحديث: ((رجاله ثقات غير المغيرة بن عبد الله الجدلي، فلم أعرفه، وفي طبقته المغيرة بن عبد الله اليَشْكُري الكوفي، روى عن جماعة، منهم: أبو إسحاق السبيعي، فلعله هذا)) .
قلت: إن كان هو فهو ثقة من الطبقة الرابعة كما في "التقريب" (ص543 =(1/130)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= رقم 6842) ؛ فقد روى له مسلم في "صحيحه"، ووثقه العجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وهو يروي عن أبيه عبد الله بن أبي عقيل اليَشْكُري وعن المغيرة بن شعبة وبلال بن الحارث وغيرهم، ولم أجد من نصّ على أنه روى عن ابن عمر، روى عنه جامع بن شدّاد وعلقمة بن مرثد وأبو إسحاق السبيعي وأبو إسحاق الشيباني وغيرهم.
انظر: "تاريخ الثقات" للعجلي (ص438 رقم 1624) ، و"ثقات" ابن حبان (5 / 410) ، و"التهذيب" (10 / 263 رقم 473) .
والراجح رواية أبي عوانة وشعبة، عن أبي إسحاق، عن الراوي المبهم، عن ابن عمر، فأبو إسحاق السبيعي تقدم في الحديث رقم [1] أنه اختلط بأخرة، وأن رواية شعبة عنه قبل الاختلاط، وقد وافق شعبة أبو عوانة.
2- طريق محمد بن كعب القرظي، عن ابن عمر.
واختلف على محمد بن كعب.
فأخرجه الدارمي في "سننه" (2 / 332 و 333 رقم 3447 و 3452) ، فقال: حدثنا إسماعيل بن أبان، ثنا أبو أويس، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ محمد بن كعب القرظي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ((مَنْ قرأ في ليلة بعشر آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ)) هذا لفظه في الموضع الأول، وفي الثاني بنفس الإسناد، قَالَ: ((مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ بمائة آية كتب من القانتين)) .
كذا رواه موسى بن عقبة، عن محمد بن كعب.
وخالفه عبد الله بن زياد، فرواه عن محمد بن كعب، عن ابن عمر، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -.
أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1 / 555 - 556) بنحو لفظي الدارمي، وسكت عنه، وقال الذهبي في "التلخيص": ((إسناده واهٍ)) .
قلت: وآفته عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي يروي عن الزهري ومجاهد وزيد بن أسلم وابن المنكدر وسعيد المقبري وغيرهم، روى =(1/131)
25- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ (1) ، قَالَ: نا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا أنَّ النَّبِيَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ((مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَأَعْرَبَ بِقِرَاءَتِهِ، فَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ، كَانَ كَالشَّهِيدِ المُتَخَبِّطِ فِي دَمِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)) .
__________
= عنه عبد الرزاق وعبد الله بن وهب وبقيّة بن الوليد ومحمد بن فضيل وغيرهم، وهو كذاب، رماه بالكذب عدة، منهم الإمام مالك وهشام بن عروة وإبراهيم بن سعد وابن معين وأبو داود والجوزجاني، وغيرهم.
انظر: "الجرح والتعديل" (5 / 60 - 62 رقم 279) ، و"الكامل" لابن عدي (4 / 1444 - 1446) ، و"التهذيب" (5 / 219 - 221 رقم 378) .
وعليه فالراجح رواية موسى بن عقبة للحديث عن محمد بن كعب، عن ابن عمر موقوفًا، وهي ضعيفة.
فأبو أويس هو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، المدني، قريب الإمام مالك وصهره، روى عن الزهري، وابن المنكدر وهشام بن عروة وغيرهم، روى عنه ابناه أبو بكر وإسماعيل، وروى عنه يعقوب بن إبراهيم ومعلى بن منصور وغيرهم، وكانت وفاته سنة تسع وستين ومائة، وهو صدوق يهم كما في "التقريب" (ص309 رقم 3412) . قال عنه الإمام أحمد: ((لا بأس به)) ، وفي رواية قال: ((صالح)) ، وكذا قال ابن معين وزاد: ((ولكن حديثه ليس بذاك الجائز)) ، وقال مرة: ((صدوق، وليس بحجّة)) ، وضعفه ابن المديني وابن معين في رواية. وقال عمرو بن علي الفلاس: ((فيه ضعف، وهو عندهم من أهل الصدق)) . وقال يعقوب بن شيبة: ((صدوق صالح الحديث، وإلى الضعف ما هو)) . وقال أبو زرعة: ((صالح صدوق كأنه ليّن)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 92 رقم 423) ، و"الكامل" لابن عدي (4 / 1499 - 1500) ، و"التهذيب" (5 / 280 - 282 رقم 477) .
(1) هو أبو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي مريم الغسّاني الشامي، وقد ينسب إلى جده، قيل: =(1/132)
26- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ (بَحِير بْنِ سَعْدٍ) (1) ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدان (2) ، (عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرّة) (3) ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَني، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ، والمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كالمسِرِّ بِالصَّدَقَةِ)) .
__________
= اسمه: بُكير، وقيل: عبد السلام، روى عن أبيه وابن عمه الوليد بن سفيان بن أبي مريم وراشد بن سعد وخالد بن معدان وغيرهم، روى عنه عبد الله بن المبارك وعيسى بن يونس والوليد بن مسلم وإسماعيل بن عياش وغيرهم، وكانت وفاته سنة ست وخمسين ومائة، وهو ضعيف؛ كان قد سُرق بيته، فاختلط كما في "التقريب" (ص623 رقم 7974) . فقد ضعفه ابن سعد وأحمد وابن معين وأبو زرعة والنسائي والدارقطني وأبو حاتم وزاد: ((طرقه لصوص، فأخذوا متاعه، فاختلط)) . وقال أبو داود: ((سرق له حلي، فأنكر عقله)) . اهـ.
من "الجرح والتعديل" (2 / 404 - 405 رقم 1590) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1583 - 1584) ، و"التهذيب" (12 / 28 - 29 رقم 139) .
[25] سنده ضعيف جدًّا؛ لضعف أبي بكر بن أبي مريم، وإبهام مَنْ حدّثه، ومع ذلك فهو من طبقة أتباع التابعين كما يتضح من مصادر ترجمته، فيكون في الإسناد انقطاع بين أشياخه والنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإسماعيل بن عيّاش مدلِّس ولم يصرِّح بالسماع.
(1) تصحّفت العبارة في الأصل إلى: (يحيى بن سعيد) بسبب تقارب الرسم، والصواب ما هو مثبت كما في بقية مصادر التخريج.
وهو بَحِير - بكسر المهملة - ابن سعد السَّحولي - بمهملتين -، أبو خالد الحمصي، روى عن خالد بن مَعْدان ومكحول، روى عنه إسماعيل بن عياش وبقيّة بن الوليد ومعاوية بن صالح وغيرهم، وهو ثقة ثبت من الطبقة السادسة كما في "التقريب" (ص120 رقم 640) ، قال الإمام أحمد: ((ليس بالشام أثبت =(1/133)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= من حريز، إلا أن يكون بحير)) . ووثقه دحيم وابن سعد والعجلي والنسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "الجرح والتعديل" (2 / 412 رقم 1625) ، و"ثقات" العجلي (ص77 رقم 135) ، و"التهذيب" (1 / 421 رقم 777) .
(2) هو خالد بن مَعْدان الكَلَاعي، أبو عبد الله الحِمْصي روى عن ثوبان وابن عمر وابن عمرو ومعاوية بن أبي سفيان والمقدام بن معدي كَرِب وأبي أمامة وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنهم بحير بن سعد ومحمد بن إبراهيم التيمي وحريز بن عثمان وحسان بن عطية وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث ومائة، وقيل: سنة أربع، وقيل: خمس، وقيل: ثمان ومائة، وهو ثقة عابد يرسل كثيرًا روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص190 رقم 1678) ؛ فقد وثقه ابن سعد والعجلي ويعقوب بن شيبة وابن خراش والنسائي، وكان الأوزاعي يعظّمه، وكان إذا كبرت حلقته قام مخافة الشهرة. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: ((كان من خيار عباد الله)) .
انظر: "طبقات ابن سعد" (7 / 455) ، و"تاريخ الثقات" للعجلي (ص142 رقم 370) ، و"الثقات" لابن حبان (4 / 196) ، و"التهذيب" (3 / 118 - 120 رقم 222) .
(3) ما بين القوسين ليس في الأصل، وهو مثبت في جميع طرق الحديث كما سيأتي. وهو كثير بن مُرّة الحضرمي الرَّهَاوي، أبو شَجَرة، ويقال: أبو القاسم، الحِمْصي، روى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - مرسلاً، وعن معاذ بن جبل وعمر بن الخطاب وعبادة بن الصامت وأبي الدَّرْداء وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه خالد بن مَعْدان ومكحول وعبد الرحمن بن جُبير بن نُفير وشريح بن عبيد وغيرهم، وذكره البخاري في "التاريخ الأوسط" في فصل من مات بين السبعين والثمانين للهجرة، وهو ثقة، ووهم من عدّه في الصحابة كما في "التقريب" (ص460 رقم 563) ؛ فقد وثقه ابن سعد والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال النسائي: ((لا بأس به)) . وقال ابن خراش: ((صدوق)) . وقال =(1/134)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= العسكري: ((أخرجه ابن أبي خيثمة في الصحابة الذين يعرفون بكناهم، وهو وهم)) .
انظر: "طبقات ابن سعد" (7 / 448) ، و"تاريخ الثقات" للعجلي (ص397 رقم 1410) ، و"التهذيب" (8 / 428 - 429 رقم 766) .
[26] الحديث سنده ضعيف؛ فإسماعيل بن عياش تقدم في الحديث رقم [9] أنه صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلّط في غيرهم ومدلِّس، وهذا الحديث من روايته عن أهل بلده، لكنه لم يصرِّح فيه بالسماع. وقد توبع إسماعيل عليه كما سيأتي، فالحديث صحيح لغيره بمجموع طرقه؛ ومداره على كثير بن مرّة، وله عنه طريقان:
1- طريق بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بن معدان، عنه.
وله عن بحير ثلاثة طرق.
أ- طريق إسماعيل بن عياش.
أخرجه المصنف عنه هنا.
وأخرجه الحسن بن عرفة في جزئه (ص90 رقم 84) متابعًا لسعيد بن منصور، فقال: حدثنا إسماعيل بن عياش ... ، فذكره بمثله.
وأخرجه الترمذي في "سننه" (8 / 237 رقم 3086) ، في فضائل القرآن.
والبيهقي في "سننه" (3 / 13) ، وفي "شعب الإيمان" (5 / 545 - 546 رقم 2372) .
وشيخ الإسلام ابن تيمية في "الأربعين" - برواية الذهبي - (ص102 - 103 رقم 13) .
وفي الأحاديث العوالي من جزء ابن عرفة - انتقاء الذهبي - (ص21 رقم 2) .
وأخرجه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (1 / 255) .
جميعهم من طريق الحسن بن عرفة، به مثله. =(1/135)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
=وأخرجه أبو داود في "سننه" (2 / 83 - 84 رقم 1333) .
والطبراني في "الكبير" (1 / 334 رقم 924) .
أما أبو داود فمن طريق عثمان بن أبي شيبة، وأما الطبراني فمن طريق عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، كلاهما عن إسماعيل بن عياش، به، ولفظ أبي داود مثله، ولفظ الطبراني نحوه.
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن غريب)) .
ب- طريق معاوية بن صالح، عن بحير بن سعد.
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (4 / 151 و 158) .
والبخاري في "خلق أفعال العباد" (ص181 رقم 567) .
ومحمد بن نصر في "قيام الليل" كما في المختصر (ص117) .
والنسائي في "سننه" (5 / 80 رقم 2561) .
وأبو يعلى في "مسنده" (3 / 278 - 279 رقم 1737) .
وابن حبان في "صحيحه" (2 / 58 رقم 731) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 546 رقم 2373) .
وشيخ الإسلام ابن تيمية في "الأربعين" (ص101 - 102) .
جميعهم من طريق معاوية بن صالح، عن بحير بن سعد، به مثله، عدا لفظ الطبراني والبيهقي فنحوه.
جـ- طريق يحيى بن أيوب، عن بحير بن سعد.
أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1 / 554 - 555) بمثله، إلا أنه جعله من مسند معاذ بن جبل، ثم قال الحاكم: ((صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي.
ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في "الشعب" (5 / 93 رقم 1947) ، ثم قال: ((كذا وجدته، عن معاذ بن جبل، ورواه إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ بَحِيرِ بن سعد، =(1/136)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وقال عن عقبة بن عامر. قال: وكذلك روى سليمان بن موسى، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عقبة بن عامر)) . اهـ.
قلت: والصواب رواية إسماعيل بن عياش؛ لأنه قد وافقه معاوية بن صالح. ويحيى بن أيوب هذا هو الغافقي أبو العباس المصري، يروي عن حميد الطويل ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريج ومحمد بن عجلان والإمام مالك وغيرهم، روى عنه سعيد بن أبي مريم وجرير بن حازم وابن وهب وابن المبارك وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان وستين ومائة، وهو صدوق ربما أخطأ كما في "التقريب" (ص588 رقم 7511) ، فقد وثقه ابن معين وإبراهيم الحربي والبخاري، وقال يعقوب بن سفيان: ((كان ثقة حافظًا)) . وقال ابن عدي: ((صدوق لا بأس به)) . وقال أحمد: ((سيء الحفظ)) . وقال الساجي: ((صدوق يهم، كان أحمد يقول: يحيى بن أيوب يخطئ خطأً كثيرًا)) . وقال ابن سعد: ((منكر الحديث)) . وقال أبو حاتم: ((محل يحيى الصدق، يكتب حديثه ولا يحتج به)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (9 / 127 - 128 رقم 542) ، و"الكامل" لابن عدي (7 / 2671 - 2673) ، و"التهذيب" (11 / 186 - 188 رقم 315) .
ولم أجد من نصّ على أن يحيى بن أيوب هذا روى عن بحير بن سعد. وشيخ الحاكم هو عبيد الله بن محمد البَلْخي التاجر، ولم أجد من ترجم له، وكذا قال محقق "شعب الإيمان" للبيهقي.
وعليه فالحديث بهذا الإسناد منكر؛ لما فيه من الضعف والمخالفة لرواية الثقات.
2- طريق زيد بن واقد، واختلف عليه.
فرواه الهيثم بن حميد عنه، عن سليمان بن موسى، عن كثير، عن عقبة، به نحوه.
ورواه محمد بن عيسى بن سميع عنه، عن كثير بلا واسطة، به بنحوه أيضًا. =(1/137)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أما رواية الهيثم ففي "مسند أحمد" (4 / 201) ، وهي مما وجده عبد الله بن أحمد في كتاب أبيه بخط يده.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (17 / 334 رقم 925) .
والهَيْثم بن حُميد الغَسَّاني، مولاهم، أبو أحمد، ويقال: أبو الحارث الدمشقي، روى عن زيد بن واقد ويحيى بن الحارث والأوزاعي وثور بن يزيد وداود بن أبي هند وغيرهم، روى عنه الوليد بن مسلم ومُعَلّى بن منصور وأبو مسهر وعبد الله بن يوسف وغيرهم، وهو صدوق من الطبقة السابعة ورُمي بالقدر كما في "التقريب" (ص577 رقم 7362) . فقد وثقه ابن معين وأبو داود، وقال النسائي: ((ليس به بأس)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وضعفه أبو مسهر، ورماه هو وأبو داود بالقدر.
انظر: "الجرح والتعديل" (9 / 82 رقم 334) ، و"الثقات" لابن حبان (9 / 235) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1455) ، و"التهذيب" (11 / 92 - 93 رقم 154) .
وأما رواية محمد بن عيسى بن سميع، فأخرجها النسائي في "سننه" (3 / 225 رقم 1663) ، ووقع في النسخة المطبوعة من "سنن النسائي": (يزيد) ، والصواب: (زيد) كما في "تحفة الأشراف" (7 / 315) .
ومحمد بن عيسى بن القاسم بن سُمَيْع - بالتصغير -، الدمشقي الأموي، مولاهم، يروي عن زيد بن واقد وحميد الطويل وهشام بن عروة والأوزاعي وابن أبي ذئب وغيرهم، روى عنه العباس بن الوليد الخلّال والهيثم بن مروان وهشام بن عمار وغيرهم، وكانت ولادته سنة أربع عشرة ومائة، ووفاته سنة أربع ومائتين، وقيل: ست ومائتين، وقد رمي بالقدر، وهو صدوق كما هو اختيار الذهبي في "ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق" (ص166 رقم 309) ، إنما عيب عليه التدليس، فقد عدّه الحافظ ابن حجر في الطبقة الرابعة من "طبقات المدلسين" (ص134 رقم 126) ، وهم من اتُّفق على =(1/138)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل.
قال هشام بن عمار: ((حدثنا محمد بن عيسى الثقة المأمون)) . ووثقه ابن شاهين. وقال أبو داود: ((ليس به بأس، إلا أنه كان يتهم بالقدر)) . وقال الدارقطني: ((ليس به بأس)) . وقال أبو حاتم: ((يكتب حديثه ولا يحتج به)) .
قلت: كلام أبي حاتم هذا يحمل على أنه بسبب حديث رواه فدلّسه؛ قال صالح بن محمد: ثنا هشام بن عمار، ثنا محمد بن عيسى بن القاسم، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري ... ، حديث مقتل عثمان. قال: ((فجهدت به كل الجهد أن يقول: حدثنا ابن أبي ذئب، فأبى. قال صالح: قال لي محمود بن بنت محمد بن عيسى: هو في كتاب جدي عن إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله، عن ابن أبي ذئب. قال صالح: وإسماعيل بن يحيى هذا يضع الحديث)) . اهـ.
قال ابن حبان في "الثقات": ((مستقيم الحديث إذا بين السماع في خبره، فأما خبره الذي روى عن ابن أبي ذئب، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب في مقتل عثمان، لم يسمعه من ابن أبي ذئب، سمعه من إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التَّيمي، عن ابن أبي ذئب، فدلَّس عنه، وإسماعيل واهٍ)) .
وقال ابن عدي: ((هو حسن الحديث، والذي أنكر عليه حديث مقتل عثمان أنه لم يسمعه من ابن أبي ذئب)) .
وقال أبو أحمد الحاكم: ((مستقيم الحديث، إلا أنه روى عن ابن أبي ذئب حديثًا منكرًا، وهو حديث مقتل عثمان، ويقال: كان في كتابه عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي ذئب، فأسقطه، وإسماعيل ذاهب الحديث)) .
انظر: "ثقات" ابن حبان (9 / 43) ، و"الكامل" لابن عدي (6 / 2250) ، و"التهذيب" (9 / 390 - 392 رقم 638) .
قلت: وقد صرّح محمد بن عيسى بالتحديث في هذا الحديث عند النسائي، لكن خالفه الهيثم بن حميد، وهو أوثق منه. =(1/139)
27- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعي (1) ، عَنْ ثَابِتٍ البُنَاني (2) ، عَنْ أَنَسٍ: ((أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ فدعا)) .
__________
= وأشار المزي في "تحفة الأشراف" (7 / 315) إلى أن الحديث رواه ثابت ابن ثوبان، عن مكحول، عن عقبة بن عامر، لكن لم أجد من أخرجه.
والحديث ذكره الشيخ الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (3 / 10 رقم 3098) ، وقال عنه: ((صحيح)) .
تنبيه: قال الترمذي في الموضع السابق من "سننه": ((ومعنى هذا الحديث: أن الذي يُسرُّ بقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر بقراءة القرآن؛ لأن صدقة السرّ أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية. وإنما معنى هذا عند أهل العلم: لكي يأمن الرجل من العُجْب؛ لأن الذي يسر بالعمل لا يُخاف عليه بالعجب ما يُخاف عليه في العلانية)) . اهـ. والله أعلم.
(1) هو جعفر بن سيلمان الضُّبَعي - بضم المعجمة، وفتح الموحدة - أبو سليمان البصري، روى عن ثابت البُنَاني وسعيد الجُرَيْري وحميد بن قيس الأعرج وابن جريج وعوف الأعرابي وغيرهم، روى عنه هنا سعيد بن منصور، وروى عنه أيضًا عبد الله بن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان وسبعين ومائة، وهو صدوق زاهد، لكنه كان يتشيع كما في "التقريب" (ص140 رقم 942) . فقد وثقه ابن المديني وابن معين، وقال أحمد: ((لا بأس به)) . وكان يحيى بن سعيد القطان لا يكتب حديثه، وقال البخاري في "الضعفاء": ((يخالف في بعض حديثه)) . قال البزار: ((لم نسمع أحدًا يطعن عليه في الحديث، ولا في خطأ فيه، إنما ذكرت عنه شيعيته، وأما حديثه فمستقيم)) . وقال ابن حبان في "الثقات": ((كان جعفر بن سليمان من الثقات المتقنين في الروايات، غير أنه كان ينتحل الميل إلى أهل البيت، ولم يكن بداعية إلى مذهبه، وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة، ولم يكن يدعو إليها أن =(1/140)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= الاحتجاج بخبره جائز، فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بخبره)) . وقال ابن عدي: ((هو حسن الحديث، وهو معروف في التشيع ... ، وأرجو أنه لا بأس به ... ، وهو عندي ممن يجب أن يقبل حديثه)) . وقال ابن شاهين في "المختلف" فيهم: ((وهذا الخلاف في جعفر من ابن عمار في ضعفه، ومن يحيى بن سعيد تركه، لِعِلِّةِ المذهب ... ، وما رأيت من طعن في حديثه إلا محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (2 / 581 رقم 1957) ، و"الثقات" لابن حبان (6 / 140 - 141) ، و"الكامل" لابن عدي (2 / 567 - 572) ، و"المختلف" فيهم لابن شاهين الملحق "بتاريخ جرجان" للسهمي (ص553 - 554) ، و"التهذيب" (2 / 95 - 98 رقم 145) .
(2) هو ثابت بن أسلم البُناني - بضم الموحَّدة، ونونين-، أبو محمد البصري، روى عن أنس بن مالك وابن الزبير وابن عمر وعبد الله بن مغفَّل وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه حميد الطويل وشعبة وجرير بن حازم وجعفر بن سليمان وغيرهم، وكانت وفاته سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: ثلاث وعشرين ومائة، وهو ثقة عابد روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص132 رقم 810) . قال الإمام أحمد: ((ثابت ثبت في الحديث، من الثقات المأمونين، صحيح الحديث، وكان يقصّ)) . ووثقه ابن معين والنسائي والعجلي وزاد: ((رجل صالح)) . وقال ابن سعد: ((كان ثقة مأمونًا)) . وقال أبو حاتم: ((ثقة صدوق)) . وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ((كان من أعبد أهل البصرة)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (2 / 449 رقم 1805) ، و"التهذيب" (2 / 2 - 4 رقم 2) .
[27] سنده حسن من هذا الطريق، وصحيح من طرق أخرى حيث لم ينفرد جعفر به كما سيأتي.
فالحديث له عن أنس - رضي الله عنه - طريقان:
1- طريق ثابت، وله عنه ثلاثة طرق:
أ- طريق جعفر بن سليمان الضبعي.
أخرجه المصنف هنا عنه. =(1/141)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ومن طريق المصنف أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 33 رقم 1907) بمثله، إلا أنه لم يذكر قوله: (فدعا) .
وأخرجه الدارمي في "سننه" (2 / 336 رقم 3477) من طريق عفان.
والفريابي في "فضائل القرآن" (ص187 رقم 83) من طريق قتيبة بن سعيد.
والطبراني في "الكبير" (1 / 213 رقم 674) من طريق خالد بن خداش. ثلاثتهم عن جعفر بن سليمان، به نحوه.
ب- طريق همّام.
أخرجه الفريابي في "الفضائل" (ص189 رقم 84) من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ همام، عن ثابت، به نحوه، ولم يذكر أنه دعا.
جـ- طريق صالح بن بشير المُرِّي.
أخرجه الدارمي (2 / 336 رقم 3476) من طريق سليمان بن حرب. وابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص51 رقم 78) من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس.
كلاهما عن صالح بن بشير المري، عن ثابت البناني، قال: كان أنس بن مالك إذا أشفى على ختم القرآن بالليل، بقّي منه شيئًا حتى يصبح، فيجمع أهله، فيختمه معهم.
هذا لفظ الدارمي، ولفظ ابن الضريس نحوه.
وسند هذا الطريق ضعيف.
صالح بن بشير بن وادع المُرِّي - بضم الميم وتشديد الراء -، أبو بشر البصري، القاصّ الزاهد يروي عن الحسن البصري وابن سيرين وقتادة وهشام بن حسّان وثابت البُناني وغيرهم، روى عنه عفّان بن مسلم وهاشم بن القاسم وإبراهيم ابن الحجّاج السّامي وغيرهم، وكانت وفاته اثنتين وسبعين ومائة، وقيل: ست وسبعين ومائة، وهو ضعيف كما في "التقريب" (ص271 رقم 2845) .
فقد ضعفه ابن المديني وابن معين والفلَّاس والنسائي والدارقطني. =(1/142)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= انظر: "الجرح والتعديل" (4 / 395 - 396 رقم 1730) ، و"الكامل" (4 / 1378 - 1381) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (13 / 16 - 17) ، و"التهذيب" (4 / 382 - 383 رقم 641) .
2- طريق قتادة، عن أنس.
وله عن قتادة طريقان:
أ- طريق همّام بن يحيى.
أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص47 رقم 108) من طريق ابن المبارك، عنه، عن قتادة، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كان يجمع أهله عند الختم.
ب- طريق مسعر.
أخرجه عنه ابن المبارك في "الزهد" (ص279 رقم 809) بمثل اللفظ السابق.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 490 رقم 10087) .
ومن طريقه ابن الضريس في "الفضائل" (ص53 رقم 84) .
وأخرجه الفريابي في "الفضائل" (ص189 رقم 85 و 86) .
وأبو بكر الأنباري في الردّ على من خالف مصحف عثمان كما في مقدمة "تفسير القرطبي" (1 / 30 - 31) .
ثلاثتهم من طريق وكيع، عن مسعر، عن قتادة، عن أنس، بنحو سابقه. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (7 / 260) .
والبيهقي في "الشعب" (5 / 34 رقم 1908) .
كلاهما من طريق محمد بن موسى الدولابي، عن أبي نعيم، عن مسعر، عن قتادة، عن أنس قال: كان النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا ختم جمع أهله ودعا.
قال البيهقي: ((رفعه وهم، وفي إسناده مجاهيل، والصحيح رواية ابن المبارك، عن مسعر، موقوفًا على أنس بن مالك)) .
وكان البيهقي قبل أن يروي الحديث من هذا الطريق قد رواه من طريق سعيد بن منصور كما سبق، ثم قال عقبه: ((هذا هو الصحيح موقوف، وقد =(1/143)
28- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي أميَّة (1) ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ((مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ أُعْطِيَ دعوة لا تُردّ)) .
__________
= روى من وجه آخر عن قتادة، عن أنس مرفوعًا، وليس بشيء)) .
(1) هو عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي المُخَارِق - بضم الميم، وبالخاء المعجمة -، أبو أمية المعلِّم، البصري، نزيل مكة، واسم أبيه قيس، وقيل: طارق، يروي عن أنس بن مالك وطاوس ونافع مولى ابن عمر ومجاهد وغيرهم، روى عنه ابن جريج والإمام مالك وحماد بن سلمة وحماد بن زيد والسفيانان: الثوري وابن عيينة وغيرهم، وكانت وفاته سنة سبع وعشرين ومائة، وهو ضعيف كما في "التقريب" (ص361 رقم 4156) ، فقد ضعفه ابن معين وأبو حاتم. وقال أيوب السختياني والسعدي: ((كان غير ثقة)) . وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه. وقال النسائي والدارقطني: ((متروك)) . وقال ابن عبد البر: ((مجمع على ضعفه)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (6 / 59 - 60 رقم 311) ، و"الكامل" (5 / 1976 - 1978) ، و"التهذيب" (6 / 376 - 379 رقم 716) .
[28] سنده ضعيف لضعف أبي أمية عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ.
وقد صحّ الحديث بغير هذا اللفظ من طريق الحكم بن عتيبة، عن مجاهد. وله عن الحكم طريقان.
1- طريق شعبة.
أخرجه الدارمي في "سننه" (2 / 337 رقم 3485) .
وابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص44 رقم 49) .
والفريابي في "فضائل القرآن" (ص190 - 191 رقم 90 و 91 و 92) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 35 رقم 1909) .
أما الدارمي فمن طريق سعيد بن الربيع، وأما ابن الضريس فمن طريق عمرو بن مرزوق، وأما الفريابي فمن طريق معاذ بن معاذ وبقيّة بن الوليد ومحمد بن جعفر غندر، وأما البيهقي فمن طريق علي بن الجعد، جميعهم عن شعبة، عن الحكم قال: بعث إليّ مجاهد وعبدة بن أبي لبابة، فقالوا: =(1/144)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= إنا نريد أن نختم القرآن، وإنه كان يقال: إن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن.
هذا لفظ عمرو بن مرزوق، ولفظ الآخرين نحوه.
وسند هذا الطريق صحيح.
شعبة هو أمير المؤمنين في الحديث، تقدمت ترجمته في الحديث رقم [1] . والحكم بن عُتَيبة - بالمثناة، ثم الموحّدة مصغرًا-، أبو محمد الكندي، الكوفي، روى عن أبي جُحَيفة وعبد الله بن أبي أوفى وشريح القاضي وعطاء وطاوس ومجاهد وغيرهم، روى عنه الأعمش ومنصور بن المعتمر وأبو إسحاق السبيعي والأوزاعي وشعبة وغيرهم، وكانت ولادته سنة خمسين للهجرة، ووفاته سنة ثلاث عشرة ومائة، وقيل: أربع عشرة ومائة، وقيل: خمس عشرة ومائة، وهو ثقة ثبت فقيه، روى له الجماعة، إلا أنه ربما دلّس، لكن عدّه الحافظ ابن حجر في الطبقة الثانية من "طبقات المدلسين"، وهم: من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في "الصحيح"؛ لإمامته وقلّة تدليسه في جنب ما روى، أو لكونه لا يدلّس إلا عن ثقة.
قال ابن مهدي: ((الحكم بن عتيبة ثقة ثبت ولكن يختلف معنى حديثه)) . ووثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي، وزاد: ((ثبت)) ، وكذا قال العجلي، وزاد: (وكان من فقهاء أصحاب إبراهيم، وكان صاحب سنة واتباع، وكان فيه تشيّع، إلا أن ذلك لم يظهر منه)) . وقال ابن سعد: ((كان ثقة ثقة، فقيهًا عالمًا رفيعًا، كثير الحديث)) ، وقال يعقوب بن سفيان: ((كان فقيهًا ثقة)) . ووصفه بالتدليس النسائي وابن حبان والدارقطني.
انظر: "الجرح والتعديل" (3/123 - 125 رقم 567) ، و"التهذيب" (2 / 432 - 434 رقم 756) ، و"التقريب" (ص175 رقم 1453) ، و"طبقات المدلسين" (ص58 رقم 43) .
2- طريق منصور.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 491 رقم 10089) . =(1/145)
29- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ (1) ، قَالَ أَنَا شَيْخٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ((أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ، وَسَيَكُونُ بَعدَكُمْ أَقْوَامٌ يَثْقُفُونَه (2) وَلَيْسُوا بِخِيَارِكُمْ)) .
__________
= ومن طريقه ابن الضريس (ص53 رقم 86) .
وأخرجه الفريابي (ص190 رقم 89) .
وأبو بكر الأنباري في الرد على من خالف مصحف عثمان كما في مقدمة "تفسير القرطبي" (1 / 31) .
ثلاثتهم من طريق جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ قال: كان مجاهد وعبدة بن أبي لبابة وناس يعرضون المصاحف، فلما كان اليوم الذي أرادوا أن يختموا، أرسلوا إليّ وإلى سلمة بن كهيل، فقالوا: إنا كنا نعرض المصاحف، فأردنا أن نختم اليوم، فأحببنا أن تشهدونا؛ إنه كان يقال: إذ خُتم القرآن نزلت الرحمة عند خاتمته - أو حضرت الرحمة عند خاتمته -.
هذا لفظ ابن أبي شيبة، ولفظ الفريابي والأنباري مختصر.
وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا (10 / 491 رقم 10091) .
والفريابي (ص189 رقم 87) .
كلاهما من طريق وكيع، عن سفيان، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مجاهد قال: الرحمة تنزل عند ختم القرآن.
وأخرجه ابن الضريس (ص52 رقم 81) من طريق أبي إسرائيل، أو غيره.
والفريابي (ص189 رقم 88) من طريق الفضيل بن عياض.
كلاهما عن منصور، عن الحكم، به نحو لفظ جرير السابق.
(1) هو إسماعيل بن أبي خالد، واسم أبي خالد: سعد، الأحْمسي، مولاهم، البَجَلي، روى عن أبيه وأبي جُحَيَفة وعبد الله بن أبي أَوْفى وعمرو بن حُرَيْث وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه شعبة والسفيانان وهشيم وابن المبارك ويحيى القطان =(1/146)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ويزيد بن هارون وغيرهم، وكانت وفاته سنة ست وأربعين ومائة، وهو ثقة ثبت روى له الجماعة في "التقريب" (ص107 رقم 438) . فقد وثقه ابن مهدي وابن معين والنسائي والعجلي وأبو حاتم. وقال سفيان الثوري: ((حفاظ الناس ثلاثة: إسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن أبي سليمان، ويحيى بن سعيد الأنصاري)) . وقال يعقوب بن شيبة: ((كان ثقة ثبتًا)) . وقال يعقوب بن سفيان: ((كان أُمّيًّا حافظًا ثقة)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (2 / 174 - 176 رقم 589) ، و"التهذيب" (1 / 291 - 292 رقم 543) .
(2) ثقف تأتي على عدة معاني، منها: الحَذَق، يقال: ثَقِفَ الشيء، أي حَذَقَه. ومنها: الأخذ والظَّفَر، قال تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحَرْبِ} ، وكلا المعنيين متّجه لما في النص هنا، وانظر: "لسان العرب" (9 / 19 - 20) .
[29] سنده ضعيف لإبهام شيخ إسماعيل بن أبي خالد.
وقد روي الحديث عن ابن مسعود من ثلاثة طرق.
1- طريق إسماعيل بن أبي خالد، واختلف عليه.
فرواه هشيم عنه، عن شيخ مبهم، عن ابن مسعود.
ورواه سفيان الثوري عنه، واختلف على سفيان.
فرواه قبيصة، عنه، عن إسماعيل، عن يسار أبي حمزة، عن ابن مسعود.
ورواه محمد بن يوسف الفريابي، عن سفيان، عن إسماعيل، عن سيار أبي الحكم، عن ابن مسعود.
أما رواية هشيم، فهي التي أخرجها عنه المصنف هنا.
ومن طريق المصنف أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 243 رقم 2100) بمثله.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص143 رقم 361) من طريق حجاج، عن هشيم، عن إسماعيل، عمّن حدثه، عن ابن مسعود، بنحوه. =(1/147)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأما رواية سفيان الثوري فأخرجها:
البيهقي في الموضع السابق من طريق قبيصة عنه، عن إسماعيل، عن سيار أبي حمزة، عن ابن مسعود، به نحوه.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 150 رقم 8686) من طريق شيخه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سعيد بن أبي مريم، ثنا محمد بن يوسف الفريابي، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خالد، عن سيار أبي الحكم، عن ابن مسعود، به نحوه.
قال الهيثمي في "المجمع" (7 / 165) عن شيخ الطبراني هذا: ((شيخه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سعيد بن أبي مريم ضعيف)) .
قلت: عبد الله هذا ضعيف جدًّا؛ ذكره ابن عدي في "الكامل" (4 / 1568) ، وقال: ((مصري يحدث عن الفريابي وغيره بالبواطيل)) ، وقال أيضًا: ((إما أن يكون مغفلاً لا يدري ما يخرج من رأسه، أو متعمدًا، فإني رأيت له غير حديث مما لم أذكره أيضًا هاهنا غير محفوظ)) .
وسيار أبو الحكم وأبو حمزة كلاهما يروي عنهما إسماعيل بن أبي خالد، ويشتبه كل منهما بالآخر، وهما لا يرويان عن أحد من الصحابة سوى طارق بن شهاب وهو من صغار الصحابة ممن رأى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يسمع منه، فروايتهما عن ابن مسعود منقطعة، فالحديث ضعيف إن ثبت أن الراوي المبهم هو أحدهما.
انظر: "التهذيب" (4 / 291 - 292 و 293 رقم 501 و 502) ، و"التقريب" (ص281 رقم 3000) .
2- طريق أبي العلاء يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّير، عن ابن مسعود.
أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص318 رقم 744) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (140 / 457 رقم 9966) .
كلاهما من طريق سفيان، عن عقبة الأسدي، عن أبي العلاء قال: قال عبد اللَّهُ: أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ. =(1/148)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وسنده ضعيف، عقبة الأسدي هذا مجهول، ذكره البخاري في "تاريخه" (6 / 440 رقم 2921) وسكت عنه، وبيّض له ابن أبي حاتم (6 / 319 رقم 1780) ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (7 / 245 - 246) ، ولم يذكروا أنه روى عنه سوى سفيان الثوري.
3- طريق علقمة.
ويرويه لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنِ طلحة بن مصرّف، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن ابن مسعود.
وله عن ليث طريقان:
أ- طريق زائدة.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 150 رقم 8685) ، ولفظه: أعربوا القرآن.
ب- طريق محمد بن فضيل، واختلف عليه.
فرواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 456 رقم 9962) عنه، عن ليث، به مثل لفظ زائدة السابق.
وأخرجه الطبراني في الموضع السابق برقم (8684) من طريق شيخه إبراهيم بن أحمد الوكيعي، عن أبيه، عن محمد بن فضيل، عن ليث، عن طلحة بن مصرف، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عبد الله يرفعه لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((أعربوا القرآن، فإنه عربي)) .
وذكر الشيخ ناصر الدين الألباني أن الحديث رواه أيضًا أبو علي الصواف في الفوائد، وأبو علي الهروي في الأول والثاني من الفوائد، كلاهما من طريق الليث، به مرفوعًا بلفظ: ((أعربوا القرآن)) ، ولم يذكر الذي روياه من طريقه عن الليث.
انظر: "السلسلة الضعيفة" (3 / 521) .
وسواء كان مرفوعًا أو موقوفًا، فمداره على الليث بن أبي سليم، وتقدم في الحديث [9] أنه ممن اختلط جدًّا، فلم يتميز حديثه، فتُرك، فالحديث ضعيف من هذا الطريق لأجله، ولا ينجبر ضعفه بشيء من الطرق السابقة، والله أعلم.(1/149)
30- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ (1) يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يقرأون القرآن، فقال: ((اقرؤا فَكُلٌّ كتابُ اللَّهِ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ يقوِّمونه كَمَا يُقَامُ القِدْحُ (2) ، يَتَعَجَّلُونَهُ وَلَا يَتَأَجَّلُونَهُ)) .
__________
(1) هو محمد بن المُنْكَدِر بن عبد الله بن الهُدَير - بالتصغير - التيمي، المدني، يروي عن أنس وجابر وابن الزبير وابن عباس وابن عمر وغيرهم، روى عنه أيوب السختياني ويونس بن عبيد وموسى بن عقبة وهشام بن عروة وشعبة والثوري وابن عيينة وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاثين أو إحدى وثلاثين ومائة، وله من العمر ست وسبعون سنة، وهو ثقة فاضل روى له الجماعة كما في التقريب (ص508 رقم 6327) . قال ابن عيينة: ((محمد بن المنكدر، من معادن الصدق، يجتمع إليه الصالحون)) . وقال الحميدي: ((حافظ)) . ووثقه ابن معين والعجلي وأبو حاتم. وقال يعقوب بن شيبة: ((صحيح الحديث جدًّا)) . وقال إبراهيم بن المنذر: ((غاية في الحفظ والإتقان والزهد، حجة)) . اهـ من الجرح والتعديل (8 / 97 - 98 رقم 421) ، ,التهذيب (9 / 473 - 475 رقم 767) .
(2) القِدْحُ: هو السهم الذي كانوا يَسْتَقْسمون به، أو الذي يُرمى به عن القوس. يقال للسهم أوّل ما يقطع: قِطْعٌ، ثم يُنْحت ويُبْرى، فيسمّى: بريًّا، ثم يُقَوّم، فيُسمى: قِدْحًا، ثم يُراش ويُركّب نَصْله فيسمى: سهمًا.
انظر: النهاية في غريب الحديث (4 / 20) .
[30] سنده ضعيف لإرساله، وهو صحيح إلى مرسله، وحسن لغيره بمجموع طرقه، ويرويه هكذا مرسلاً عن ابن المنكدر السفيانان: ابن عيينة والثوري.
وخالفهما حميد الأعرج وأسامة بن زيد الليثي، فروياه عن ابن المنكدر، عن جابر مرفوعًا. أما رواية ابن عيينة فهي التي أخرجها المصنف هنا عنه. =(1/150)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وتابع المصنف عبد الرزاق فأخرجه في "مصنفه" (3 / 283 رقم 6034) عن ابن عيينة، به نحوه.
وأما رواية سفيان الثوري، فأخرجها:
ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 480 رقم 10053) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 575 رقم 2398) .
أما ابن أبي شيبة فمن طريق وكيع، وأما البيهقي فمن طريق محمد بن يوسف الفريابي، كلاهما عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ المنكدر مرسلاً بنحوه.
وأما روايتا حميد الأعرج وأسامة بن زيد فهما الآتيتان في الحديث بعده.
والراجح رواية السفيانين للحديث عن ابن المنكدر مرسلاً؛ لأنهما أوثق من حميد وأسامة.
فسفيان بن عيينة تقدم في الحديث رقم [7] أنه ثقة حافظ فقيه إمام حجة.
وسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، يروي عن أبيه وأبي إسحاق الشيباني وأبي إسحاق السبيعي وعبد الملك بن عمير وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش ومحمد بن المنكدر وغيرهم، روى عنه عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وعبد الله بن المبارك وحفص بن غياث وعبد الرزاق وعبيد الله الأشجعي ويزيد بن هارون ووكيع ومحمد بن يوسف الفريابي وغيرهم، وكانت ولادته سنة سبع وتسعين للهجرة، ووفاته سنة إحدى وستين ومائة، وهو ثقة حافظ فقيه عابد، إمام حجة، روى له الجماعة. قال شعبة وابن عيينة وأبو عاصم وابن معين وغير واحد من العلماء: ((سفيان أمير المؤمنين في الحديث)) .
وقال الخطيب: ((كان إمامًا من أئمة المسلمين، وعلمًا من أعلام الدين، مجمعًا على إمامته، بحيث يستغنى عن تزكيته، مع الاتقان، والحفظ والمعرفة والضبط والورع والزهد)) .
انظر: ترجمته في "تاريخ بغداد" (9 / 151 - 174 رقم 4763) ، و"سير أعلام النبلاء" (7 / 229 - 279) ، و"التهذيب" (4 / 111 - 115 رقم 199) ، و"التقريب" (ص244 رقم 2445) .
وأما حميد الأعرج وأسامة بن زيد فستأتي ترجمتهما في الحديث الآتي. =(1/151)
31- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَفِينَا الْأَعْجَمِيُّ وَالْأَعْرَابِيُّ، فَقَالَ: ((اقْرَءُوا وَكُلٌّ حَسَنٌ، وَسَيَأْتِي قَوْمٌ يقوِّمونه كَمَا يُقَوَّم القِدْحُ، يتعجّلونه ولا يتأجّلونه)) .
__________
= وعليه فاتفاق هذين الإمامين: الثوري وابن عيينة على رواية الحديث مرسلاً مقدّم على مخالفة من خالفهما ممن لا يبلغ مرتبتهما ولا يدانيها، فالصواب في الحديث أنه ضعيف من طريق ابن المنكدر لإرساله، وهو حسن لغيره بمجموع طرقه الآتي ذكرها في الحديث بعده.
(1) هو حميد بن قيس الأعرج المكي، أبو صفوان القارئ الأسدي، مولاهم، روى عن مجاهد ومحمد بن إبراهيم التيمي والزهري ومحمد بن المنكدر وغيرهم، روى عنه السفيانان الثوري وابن عيينة ومالك ومعمر وخالد بن عبد الله الطحّان وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاثين ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة؛ وثقه أحمد وابن معين والبخاري والعجلي وأبو داود ويعقوب بن سفيان وأبو زرعة الرازي وأبو زرعة الدمشقي وابن خراش وزاد: ((صدوق)) . وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث، وكان قارئ أهل مكة)) . وقال النسائي: ((ليس به بأس)) ، وكذا قال أبو حاتم وزاد: ((وابن أبي نجيح أحب إليَّ منه)) .
وقال عنه الإمام أحمد في رواية: ((ليس هو بالقوي في الحديث)) . وذكر ابن عدي هذه العبارة، وذكر بعض الأحاديث التي انتقدت عليه، ثم قال: ((حميد بن قيس هذا له أحاديث غير ما ذكرت صالحة، وهو عندي لا بأس بحديثه، وإنما يؤتي ما يقع في حديثه من الإنكار من جهة من يروي عنه، وقد روى عنه مالك، وناهيك به صدقًا إذا روى عنه مثل مالك، فإن أحمد ويحيى قالا: لا نبالي أن لا نسأل عمّن روى عنه مالك)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (3 / 227 - 228 رقم 1001) ، =(1/152)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= و"الكامل" لابن عدي (2 / 686 - 687) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (7 / 384 - 389) ، و"التهذيب" (3 / 46 - 47 رقم 80) .
[31] سنده ظاهره الصحة، لكنه معلول، فالصواب أنه عن ابن المنكدر مرسلاً كما سبق بيانه في الحديث قبل هذا، وهو حسن لغيره بشواهده.
والحديث أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (3 / 397) .
وأبو داود في "سننه" (1 / 520 رقم 830) .
والفريابي في "فضائل القرآن" (ص244 رقم 174) .
والآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص92 - 93 رقم 28) .
ومن طريقه ابن النجار في "تاريخه" (1 / 129) .
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 575 - 576 رقم 2399) .
جميعهم من طريق خالد بن عبد الله الطّحان، به نحوه.
وتابع حميدًا أسامة بن زيد الليثي.
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (3 / 357) .
وأبو يعلى في "مسنده" (4 / 140 رقم 2197) .
والبيهقي في "الشعب " (5 / 576 - 577 رقم 2400 و 2401) .
أما الإمام أحمد فمن طريق عبد الوهاب بن عطاء، وأما أبو يعلى فمن طريق سفيان بن وكيع عن أبيه، وأما البيهقي فمن طريق سليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، جميعهم عن أسامة بن زيد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جابر، به نحوه.
وأسامة بن زيد الليثي، مولاهم، أبو زيد المدني يروي عن الزهري ونافع مولى بن عمر وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن المنكدر وغيرهم، روى عنه يحيى القطان وابن المبارك والثوري وابن وهب والأوزاعي ووكيع والدَّرَاوَرْدي وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وخمسين ومائة وله بعض وسبعون سنة، وهو صدوق يهم كما في "التقريب" (ص98 رقم 317) . فقد وثقه ابن معين =(1/153)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والعجلي، وقال أبو حاتم: ((يكتب حديثه ولا يحتج به)) . وتركه يحيى القطان. وقال أحمد: ((ليس بشيء ... ، روى عن نافع أحاديث مناكير)) . وقال النسائي: ((ليس بالقوي)) . وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: ((يخطئ، كان يحيى القطان يسكت عنه)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (2 / 284 - 285 رقم 1031) ، و"الثقات" لابن حبان (6 / 74) ، و"التهذيب" (1 / 201 - 208 رقم 392) .
وللحديث شاهدان، الأول من حديث سهل بن سعد، والثاني موقوف على حذيفة.
أما حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - فله عنه طريقان:
1- طريق بكر بن سوادة، عن وفاء بن شريح، عن سهل، وله عن بكر طريقان:
أ- طريق عمرو بن الحارث.
أخرجه أبو داود في "سننه" (1 / 520 رقم 831) .
ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 579 رقم 2404) .
وأخرجه ابن حبان في كتاب "الثقات" (5 / 498) ، وفي "صحيحه" (2 / 69 رقم 757 / الإحسان) و (8 / 256 رقم 6690 / الإحسان بتحقيق الحوت) . والطبراني في "الكبير" (6 / 254 رقم 6024) .
ثلاثتهم من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عمرو بن الحارث، عن بكر بن سَوَادة، عن وَفَاء بن شُريح، عن سهل بن سعد الساعدي، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا ونحن نقترئ، فقال: ((الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر، وفيكم الأبيض، وفيكم الأسود، اقرؤوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوّم السهم يتعجل أجره ولا يتأجَّله)) .
وسنده ضعيف؛ وَفَاء بن شُريح الصَّدَفي الحضرمي المصري يروي عن سهل بن سعد ورويفع بن ثابت والمستورد بن شدّاد - رضي الله عنهم -، وهو مقبول من الطبقة الرابعة كما في "التقريب" (ص581 رقم 7410) ، فقد ذكره ابن حبان في "الثقات" (5 / 497 - 498) ، وروى عنه بكر بن سوادة وزياد بن نعيم. =(1/154)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= انظر: "الجرح والتعديل" (9 / 49 رقم 210) ، و"التهذيب" (11 / 121 رقم 207) .
ب- طريق ابن لهيعة، واختلف عليه.
فأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص138 رقم 345) .
وأبو داود في الموضع السابق مقرونًا برواية عمرو بن الحارث.
ومن طريقه البيهقي في الموضع السابق من "الشعب".
أما أبو عبيد فمن طريق حجاج، وأما أبو داود فمن طريق عبد الله بن وهب، كلاهما عن ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن وفاء بن شريح، عن سهل بن سعد باللفظ السابق.
وأخرجه الإمام أحمد في "المسند" (5 / 338) من طريق الحسن بن موسى الأشيب، عن ابن لهيعة، وهذا موافق لرواية عمرو بن الحارث، عن بكر، ورواية حجاج وابن وهب عن ابن لهيعة.
وأخرجه الإمام أحمد في "المسند" (3 / 146 و 155) ، و (5 / 338) .
والفريابي في "فضائل القرآن" (ص244 - 245 رقم 175) .
أما الإمام أحمد فمن طريق حسن بن موسى الأشيب ويحيى بن إسحاق، وأما الفريابي فمن طريق قتيبة بن سعيد، ثلاثتهم عن ابن لهيعة، به نحو اللفظ السابق، إلا أنه جعله من مسند أنس بن مالك.
والظاهر أن ابن لهيعة يرويه من حديث سهل وأنس كليهما، فإن أبا عبيد رواه في الموضع السابق من طريق حجاج عنه إلى سهل، ثم أتبعه برقم (346) بروايته عن حجاج، عن ابن لهيعة أيضًا إلى أنس، وكذا الإمام أحمد، رواه عن الحسن بن موسى الأشيب، عن ابن لهيعة، به عن سهل وعن أنس، فهاتان قرينتان قوّيتان تدلان على أن ابن لهيعة رواه مرة هكذا ومرة هكذا، والله أعلم.
تنبيه: الراوي للحديث عن سهل كما تقدم هو وفاء بن شريح، وفي رواية الإمام أحمد الحديث عن الحسن بن موسى الأشيب عن ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة سمّاه: ((وفاء الخَوْلاني)) . =(1/155)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وفي رواية الباقين ذكروا كنيته فقط هكذا: ((أبو حمزة الخولاني)) .
وهذا يحتمل أن يكون اختلافًا آخر على ابن لهيعة، ويحتمل أن يكون اسمًا وكنية لراوٍ واحد، وذكر هذا الاختلاف الشيخ ناصر الدين الألباني في "السلسلة الصحيحة"، في تخريج الحديث رقم (259) ، وقال: ((الظاهر أنهما واحد إذا صحّت رواية ابن لهيعة)) . اهـ.
قلت: ويشكل عليه أن هذا نُسب خولانيًا، ووفاء بن شريح نسب صدفيًّا، وفرق بينهما كما في "الأنساب" للسمعاني (5 / 234) و (8 / 286) ، فالخولاني نسبة إلى خولان بن عمرو بن مالك بن الحارث بن مرة بن أُدَد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ.
وانظر: "اللباب" (1 / 472) .
وأما الصَّدَفي فنسبة إلى الصّدِف - بكسر الدال -، وهو الصدف بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ.
2- طريق عبد الله بن عبيدة، عن سهل بن سعد.
أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (ص280 رقم 813) .
ومن طريقه الآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص94 - 95 رقم 29) .
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص138 رقم 344) .
وابن أبي شيبة في "مسنده" كما في "المطالب العالية " المسندة (ل 133 / ب - 134 / أ) ، وانظر المطبوعة (3 / 285 رقم 3492) .
وأخرجه عبد بن حميد في "مسنده" (ص171 رقم 466) .
والفريابي في "الفضائل" (ص245 - 246 رقم 176) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 578 رقم 2403) .
جميعهم من طريق موسى بن عبيدة، عن أخيه عبد الله بن عبيدة، عن سهل بن سعد، به نحو اللفظ السابق، وفيه زيادة: ((لا يجاوز تراقيهم)) .
وسنده ضعيف. =(1/156)
32-حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ (عُبَيْدِ اللَّهِ) (1) بْنِ أَبِي يَزِيدَ (2) ، عَنْ أَبِيهِ (3) ، عَنْ أُمِّ أَيُّوبَ، عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ((نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَبِأَيِّ حَرْفٍ قرأت أصبت (4)) ) .
__________
= موسى بن عُبيدة بن نَشيط الرَّبذَي، أبو عبد العزيز المدني روى عن أخويه عبد الله ومحمد وعبد الله بن دينار وعلقمة بن مرثد ومحمد بن كعب القُرظي وغيرهم، روى عنه سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وعيسى بن يونس والدَّرَاوَرْدي، ووكيع وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وخمسين ومائة، وقيل: ثلاث وخمسين ومائة، وهو ضعيف، لاسيّما في عبد الله بن دينار، وكان عابدًا كما في "التقريب" (ص552 رقم 6989) ، فقد ضعفه ابن المديني وابن معين والنسائي وابن حبّان وغيرهم. وقال الإمام أحمد: ((منكر الحديث)) ، وفي وراية: ((لا تحلّ الرواية عنه)) ، وفي رواية: ((ليس بالكذوب، ولكنه روى عن عبد الله بن دينار أحاديث مناكير)) . وقال البزار: ((موسى بن عبيدة رجل مفيد، وليس بالحافظ، وأحسب إنما قصّر به عن حفظ الحديث شغله بالعبادة)) . اهـ. من "الكامل" (6 / 2333 - 2336) ، و"التهذيب" (10 / 356 - 360 رقم 636) .
وأما حديث حذيفة، فهو الآتي برقم [60] ، وهو موقوف عليه، ولفظه: ((لَيَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ أَقْوَامٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَامُ الْقَدَحُ، لَا يَدَعُونَ مِنْهُ أَلِفًا وَلَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ)) .
وهذا وإن كان موقوفًا على حذيفة، فله حكم الرفع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي، وسنده إلى حذيفة رجال ثقات، لكنه ضعيف لأن الأعمش مدلَّس ولم يصِّرح بالسماع وعليه فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن لغيره، والله أعلم.
(1) في الأصل: (عبيد) ، وما أثبته من الموضع الآتي من "الجامع لأخلاق الراوي =(1/157)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= للخطيب البغدادي، حيث روى الحديث من طريق المصنف وانظر ترجمته الآتية.
(2) هو عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ المكي مولى آل قَارِظ بن شَيْبة، يروي عن أبيه وعن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وغيرهم، روى عنه ابنه محمد وابن جريج وَوَرْقاء بن عمر وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وغيرهم، وكانت وفاته سنة ست وعشرين ومائة، وله ست وثمانون سنة، وهو ثقة كثير الحديث روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص375 رقم 4353) . فقد وثقه ابن المديني وابن معين والعجلي وأبو زرعة والنسائي وابن سعد وزاد: ((كثير الحديث)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر "الجرح والتعديل" (5 / 337 - 338 رقم 1594) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (2 / 891) ، و"التهذيب" (7 / 56 رقم 109) .
(3) هو أبو يزيد المكي حليف بني زُهرة مولى آل قَارِظ بن شيبة، يقال له صُحْبة، يروي عن عمر بن الخطاب وسباع بن ثابت وأم أيوب الأنصارية - رضي الله عنهم -، روى عنه ابنه عبيد الله، وهو من الطبقة الثانية، ذكره ابن حبان في "الثقات" (5 / 578) في التابعين، وذكره في أتباع التابعين (7 / 657) ، وانظر: "التهذيب" (12 / 280 - 281 رقم 1284) ، و"التقريب" (ص685 رقم 8453) .
(4) انظر التعليق على الحديث الآتي برقم [55] .
[32] الحكم على سنده متوقف على معرفة حال أبي يزيد، فإن كان صحابيًا فالسند صحيح، وقد ذكر ابن كثير هذا الحديث في "فضائل القرآن" (ص19) من رواية الإمام أحمد الآتية، وقال: ((هذا إسناد صحيح، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة)) .
والحديث أخرجه الخطيب في "الجامع" (2 / 196 رقم 1595) من طريق المصنف بمثله سواء.
وأخرجه الحميدي في "مسنده" (1 / 163 رقم 340) . =(1/158)
33- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ؛ قَالَ: نا سُفْيَانُ (1) ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلُّها شافٍ كافٍ (2)) ) .
__________
= ومن طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (2 / 372 / ب) .
وأخرجه ابن أبي شيبة (10 / 515 - 516 رقم 10166) .
والإمام أحمد في "المسند" (6 / 433 و 462 - 463) .
والطبري في "تفسيره" (1 / 30 و 31 رقم 20 و 23) .
والطحاوي في "مشكل الآثار" (4 / 183) .
وأبو الحسن بن حَيَّوَيْه في "من وافقت كنيته كنية زوجه من الصحابة" (ص39 - 40) .
جميعهم من طريق سفيان، به نحوه.
وأخرجه الطبري أيضًا (1 / 32 رقم 24) من طريق أبي الربيع السمّان، عن عبيد الله، به نحوه.
والحديث ذكره صاحب "كنز العمال" (2 / 54 رقم 3095) وعزاه للطبراني وأبي نصر السجزي في "الإبانة".
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7 / 154) وعزاه للطبراني فقط، وقال: ((رجاله ثقات)) . ولم يرد هذا الحديث في ترجمة أم أيوب في معجم الطبراني "الكبير" المطبوع (25 / 136) ، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ)) مروي في "الصحيحين" وغيرهما، وسيأيت ذكر ذلك في الحديث الآتي برقم [55] .
(1) من أول الإسناد إلى هنا مكرر في الأصل.
(2) انظر التعليق على الحديث الآتي برقم [55] .
[33] سنده ضعيف لإرساله، وهو صحيح إلى مرسله عمرو بن دينار.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1 / 516 رقم 10167) .
والطبري في "تفسيره" (1 / 44 - 45 رقم 42) .
كلاهما عن سفيان، به مثله.
ومتنه صحيح كما سيأتي في الحديث رقم [55] .(1/159)
34- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ((إِنِّي قَدِ اسْتَمَعْتُ إِلَى الْقِرَاءَةِ فَلَمْ أَسْمَعْهُمْ إلا متقاربين، فاقرؤا عَلَى مَا عُلِّمتم، وَإِيَّاكُمْ والتنطُّع وَالِاخْتِلَافَ، فَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِكُمْ: أقبل، وهَلُمَّ، وتعال (1)) ) .
__________
(1) قال ابن الأثير في "النهاية" (5 / 74) في معنى الحديث: ((أراد النهي عن الملاحاة في القراءات المختلفة، وأن مرجعها كلِّها إلى وجه واحد من الصواب، كما أن هَلُمَّ بمعنى: تعال)) . اهـ.
[34] سنده صحيح، الأعمش وإن كان مدلّسًا ولم يصرح بالسماع، إلا أن روايته هنا عن شيخه أبي وائل شقيق بن سلمة، وتقدم في الحديث رقم [3] أن رواية الأعمش عن مثل أبي وائل محمولة على الاتصال.
والحديث أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 218 رقم 2072) من طريق المصنف، به مثله، إلا أنه قال: (إني سمعت) و: (في الاختلاف) ، و: (إنما هو) .
وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (2 / 320) من طريق سفيان الثوري، عن الأعمش، به نحوه، وفيه زيادة.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبري في "تفسيره" (16 / 30 رقم 18998) .
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص316 و 334 رقم 740 و 784) .
وفي "غريب الحديث" (3 / 160) .
في كلا الموضعين من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، به نحوه.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 488 رقم 10077) من طريق أبي معاوية وحفص، كلاهما عن الأعمش، به نحوه.
وأخرجه الطبري في "تفسيره" (1 / 50 رقم 48) من طريق شعبة وأبي معاوية كلاهما عن الأعمش، به نحوه.
وأخرجه عمر بن شبّة في "تاريخ المدينة" (3 / 1007) .
والطبراني في "الكبير" (9 / 149 رقم 8680) ، كلاهما من طريق زائدة، عن الأعمش، به نحوه. =(1/160)
35- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرة (1) ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّزّال بْنَ سَبْرَة (2) يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعتُ رَجُلًا قَرَأَ آيَةً سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، خِلافَها، فأخذتُه فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَعَرِفْتُ فِي وَجْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَرَاهِيَةَ، فَقَالَ: ((كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ، لا تختلفوا)) .
__________
=وأخرجه البيهقي في "السنن" (2 / 385) من طريق عمرو بن مرزوق، عن شعبة، عن الأعمش، به نحوه.
وأخرجه الخطيب في "تاريخه" (5 / 125 - 126) من طريق عبد الرحمن بن مغراء، عن الأعمش، به نحوه.
(1) هو عبد الملك بن مَيْسَرةَ الهلالي، أبو زيد العامري الكوفي، الزَّرَّاد، يروي عن ابن عمر وأبي الطفيل وزيد بن وهب وطاوس وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم، روى عنه شعبة ومنصور بن المعتمر وسليمان بن بلال وغيرهم، وذكره البخاري في "التاريخ الأوسط" في فصل من مات في العشر الثاني من المائة الثانية، وهو ثقة روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص365 رقم 4221) ، فقد وثقه ابن معين وابن نمير وابن خراش والعجلي والنسائي وابن سعد وزاد: ((كثير الحديث)) ، وأبو حاتم وزاد: ((صدوق)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 365 - 366 رقم 1717) ، و"التهذيب" (6 / 426 رقم 886) .
(2) هو النَّزّال بن سبْرةَ - بفتح المهملة وسكون الموحدة -، الهلالي، الكوفي روى عن عثمان وعلي وابن مسعود وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه عبد الملك =(1/161)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ابن ميسرة وعامر الشعبي والضحّاك بن مزاحم وغيرهم، وهو ثقة من الطبقة الثانية، وقيل أن له صحبة كما في "التقريب" (ص560 رقم 7105) ، فقد وثقه ابن سعد والعجلي وابن معين وزاد: ((من يسئل عنه)) ، وقال أبو حاتم: ((لا بأس به)) ، وقال ابن عبد البر: ((ذكروه فيمن رأى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا أعلم له رواية إلا عن علي وابن مسعود، وهو معدود في كبار التابعين)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (8 / 498 رقم 2279) ، و"التهذيب" (10 / 423 - 424 رقم 463) .
[35] سنده حسن، عبد الرحمن بن زياد الرصاصي، تقدم في الحديث رقم [6] أنه صدوق، لكن قد رواه البخاري وغيره من غير طريقه كما سيأتي، فالحديث روي عن ابن مسعود من طريقين:
1- طريق النزال بن سبرة.
أخرجه المصنف هنا من طريق عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ ميسرة، عنه، به.
ومن طريق المصنف أخرجه الهروي في "ذم الكلام" (1 / ل 10 / ب) .
وأخرجه الطيالسي في "مسنده" (1 / 382 رقم 478) .
وأبو عبيد في "الفضائل" (ص322 رقم 755) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 529 رقم 10219) .
والإمام أحمد في "المسند" (1 / 393 و 411 و 456) .
والبخاري في "صحيحه" (5 / 70 رقم 2410) ، و (6 / 513 - 514 رقم 3476) ، و (9 / 101 رقم 5062) .
والنسائي في "فضائل القرآن" (ص120 رقم 119) .
وأبو يعلى في "مسنده" (9 / 171 و 234 رقم 5262 و 5341) =(1/162)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والهيثم بن كليب في "مسنده" (ل 85) .
وأبو عمرو الداني في "الأحرف السبعة للقرآن" (ص53 و 54 رقم 60 و 61) .
جميعهم من طريق شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ ميسرة، عن النزال بن سبرة، عن ابن مسعود، به نحوه، وزاد بعضهم: (قال شعبة: أظنه قال: ((لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)) .
2- طريق زر بن حبيش.
أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص323 رقم 757) .
والإمام أحمد في "المسند" (1 / 401 و 419) .
والطبري في "تفسيره" (1 / 23 - 24 رقم 12 - 13) .
وابن حبان في "صحيحه" (2 / 63 - 64 رقم 743 و 744 الإحسان) .
والآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص141 و 142 رقم 67 و 68) .
والهيثم في "مسنده" (ل 71 / أ) .
والحاكم في "المستدرك" (2 / 223 - 224) .
وأبو عمرو الداني في "الأحرف السبعة" (ص55 رقم 62) .
جميعهم من طريق عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجود، عَنْ زِرّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قال: أقرأني رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - سورة من الثلاثين من آل حم - قال: يعني الأحقاف - قال: وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت الثلاثين. قال: فرحت إلى المسجد، فإذا رجل يقرؤها على غير ما أقرأني، فقلت: من أقرأك؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -. قال: فقلت لآخر: اقرأها، فقرأها على غير قراءتي وقراءة صاحبي، فانطلقت بهما إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إن هذين يخالفاني في القراءة، قال: فغضب وتمعّر وجهه، وقال: ((إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف)) . قال: قال زر: وعنده رجل، قال: فقال الرجل: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما أقرئ، =(1/163)
36- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: نا أَبُو عِمْرَانَ الجَوْني (1) ، (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَباح) (2) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو، أَوْ عُمَر - شَكَّ سَعِيدٌ (3) - قَالَ: هجَّرت (4) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَوْمًا، فَسَمِعَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ وَقَدْ عُرف الغضبُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: ((أَلَا إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ في الكتاب)) .
__________
= فإنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف. قال: قال عبد الله: فلا أدري شيئًا أسَّره إليه رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -؟ أَوْ علم ما في نفس رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -: قال: والرجل هو: علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.
هذا لفظ حديث الإمام أحمد في "المسند" (1/419) ، ولفظ الباقين نحوه، إلا أنه بعضهم لم يذكر اسم السورة، وبعضهم ذكر أنها سورة الرحمن، وبعضهم ذكر أن الذي خالف ابن مسعود في القراءة واحد.
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة)) ، وأقرّه الذهبي.
(1) هو عبد الملك بن حبيب الأزدي، أو الكندي، أبو عِمْران الجَوْني، مشهور بكنيته، البصري، روى عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ البَجَلي وأنس بن مالك وعبد الله بن رباح الأنصاري وغيرهم، روى عنه سليمان التَّيْمي وعبد الله بن عون وشعبة والحمّادان: ابن سلمة وابن زيد وغيرهم، قيل: كانت وفاته سنة ثلاث، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وعشرين ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص362 رقم 4172) . فقد وثقه ابن معين وابن سعد، وزاد: ((وله أحاديث)) . وقال أبو حاتم: ((صالح)) . وقال النسائي: ((ليس به بأس)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات". اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 346 رقم 1636) ، و"التهذيب" (6 / 389 رقم 734) . =(1/164)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ما بين القوسين سقط من الأصل، فأثبته في الموضع الآتي من "ذم الكلام" للهروي؛ لأنه روى الحديث من طريق المصنِّف.
وهو عبد الله بن رَباح الأنصاري، أبو خالد المدني، سكن البصرة، وروى عن أُبَيّ بن كعب وعمار بن ياسر وعمران بن حصين وأبي هريرة وعبد اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وغيرهم، روى عنه ثابت البُناني وعاصم الأحول وقتادة وخالد الحذّاء وأبو عمران الجَوْني وغيرهم، وكانت وفاته في حدود سنة تسعين للهجرة كما قال الذهبي، وهو ثقة روى له الجماعة عدا البخاري، ووثقه ابن سعد والعجلي والنسائي. اهـ. من "تاريخ الثقات" للعجلي (ص255 رقم 804) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (4 / 487 - 488) ، و"تهذيب التهذيب" (5 / 206 - 207 رقم 357) ، و"التقريب" (ص302 رقم 3307) .
(3) والصواب أنه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، كما سيأتي.
(4) أي: بَكَّرْتُ.
انظر: "النهاية في غريب الحديث" (5 / 246) .
[36] سنده صحيح، وشكَّ المصنِّف لا يقدح في صحة الحديث؛ لأن كلاً من عبد الله بن عُمر وعبد الله بن عَمرو صحابي، والصواب أنه ابن عمرو كما سيأتي.
فالحديث أخرجه الهروي في "ذم الكلام" (1 / ل 14 / أ) من طريق المصنف وغيره، عن حماد بن زيد، به نحوه، على أنه من حديث ابن عمرو، وأوضح الهروي أن سعيد بن منصور قال: ((أو عبد الله بن عُمر)) .
وأخرجه مسلم في "صحيحه" (4 / 2053 رقم 2) في العلم، باب: النهي عن اتباع متشابه القرآن.
والنسائي في "فضائل القرآن" (ص121 رقم 120) .
أما مسلم فمن طريق أبي كامل فُضيل بن حسين الجَحْدَريّ، وأما النسائي فمن طريق داود بن معاذ، كلاهما عن حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن رباح الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو، به نحوه.(1/165)
37- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ (1) ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَار (2) ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ (عَنْهُ) (3) -، عَلَى قَوْمٍ يقرأون الْقُرْآنَ، وَيَتَراجَعُونَ فِيهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ (فَقَالُوا) (4) : نَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَنَتَرَاجَعُ فِيهِ، فَقَالَ: ((تَرَاجَعُوا، وَلَا تَلْحَنُوا)) .
__________
(1) هو يزيد بن حازم بن زيد الأزدي البصري، أو بكر، أخو جرير بن حازم، يروي عن سليمان بن يسار وعكرمة وعبد الله بن أبي سلمة وغيرهم، روى عنه أخوه جرير وحماد بن زيد وأخوه سعيد بن زيد وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان وأربعين ومائة، وهو ثقة كما في "التقريب" (ص600 رقم 7700) ، فقد وثقه أحمد وابن معين والعجلي، وقال ابن سعد: ((كان ثقة إن شاء الله)) ، وقال النسائي: ((ليس به بأس)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات". اهـ. من "الجرح والتعديل" (9 / 257 رقم 1085) ، و"التهذيب" (1 / 317 - 318 رقم 613) .
(2) هو سليمان بن يسار الهلالي أبو أيوب المدني، يروي عن ميمونة وأم سلمة وعائشة وفاطمة بنت قيس وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر وجابر وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه عمرو بن دينار وعبد الله بن دينار وأبو الزَّناد ومكحول ونافع مولى ابن عمر ويحيى بن سعيد الأنصاري ويزيد بن حازم وغيرهم، قيل: كانت ولادته سنة أربع وعشرين، وقيل: سبع وعشرين للهجرة، واخُتلف في وفاته، فقيل: سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة مائة، وقيل: ثلاث ومائة، وقيل: أربع ومائة، وقيل: تسع ومائة، وقيل: عشر ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وهو ثقة فاضل، أحد الفقهاء السبعة، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص255 رقم 2619) . ذكر أبو الزناد وغيره أنه أحد الفقهاء السبعة، وقال ابن سعد: ((كان ثقة عالمًا رفيعًا فقيهًا كثير الحديث)) . وقال العجلي: ((مدني تابعي ثقة مأمون فاضل عابد)) . وقال أبو زرعة: ((ثقة مأمون فاضل عابد)) . وقال النسائي: ((أحد الأئمة)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (4 / 149 رقم 643) ، و"التهذيب" (4 / 228 - 230 رقم 381) . =(1/166)
38- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتيق (1) ، قَالَ سَأَلْتُ الْحَسَنَ، عَنِ الرَّجُلِ يَتَعَلَّمُ الْعَرَبِيَّةَ ليُقيم بِهَا كلامَه، وَيُقِيمَ بِهَا الْقُرْآنَ، فَقَالَ: ((لَا بَأْسَ بِهِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ [106/ب] يَقْرَأُ الْآيَةَ فَيَعْيَا (2) بِوَجْهِهَا فَيَهْلَكُ)) .
__________
= وسليمان بن يسار هنا يروي عن عمر بن الخطاب، وهو لم يسمع منه كما نص عليه أبو زرعة، وكما يتضح من سنة ولادته.
انظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص82) ، و"جامع التحصيل" (ص231 - 232) .
(3) ما بين القوسين ليس في الأصل، وهي زيادة يتقضيها السياق.
(4) في الأصل: (فقال) ، وما أثبته من الموضع الآتي من "شعب الإيمان" للبيهقي حيث روى الحديث من طريق المصنف.
[37] سنده ضعيف لإرساله، وهو صحيح إلى مرسله سليمان بن يسار.
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 242 رقم 2099) ، من طريق المصنف، به مثله، إلا أنه لم يذكر قوله: ((ابن الخطاب - رضي الله عنه -)) ، ولم يذكر قوله: ((فيه)) بعد قوله: ((ونتراجع)) .
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 459 رقم 9973) من طريق يحيى بن آدم، عن حماد بن زيد، به نحوه.
وذكره صاحب "كنز العمال" (2 / 333 رقم 2168) وعزاه لسعيد بن منصور، وابن الأنباري في "الإيضاح"، والبيهقي في "الشعب".
(1) هو يحيى بن عَتيق الطُّفاوي - بضم المهملة، وتخفيف الفاء -، البصري، روى عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين ومجاهد، روى عنه الحمّادان: ابن زيد وابن سلمة وإسماعيل بن عليّة وغيرهم، وهو ثقة من الطبقة السادسة، وروى له الجماعة كما في "التقريب" (ص594 رقم 7603) ، فقد وثقه ابن سعد والإمام أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: ((كان متقنًا ورعًا)) . =(1/167)
39- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ (1) ، عَنِ أَبِي مُلَيْكَةَ (2) ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، قَالَ: أَيّة أَرْضٍ تُقِلُّني (3) ، أَوْ أيَة سَمَاءٍ تُظِلُّني، أَوْ أَيْنَ أَذْهَبُ، وَكَيْفَ أَصْنَعُ إِذَا أَنَا قُلْتُ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا أراد الله بها؟
__________
= انظر: "الجرح والتعديل" (9 / 176 رقم 730) ، و"الثقات" لابن حبان (7 / 594) ، و"التهذيب" (11 / 255 رقم 411) .
(2) عَيِىَ تأتي بمعنى: جهَل، وعَجَز، ولعلّ المعنى هنا: ((يعجز عنها ويشكل عليه أمرها)) .
انظر: "النهاية في غريب الحديث" (3 / 334) .
[38] سنده صحيح.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص320 رقم 751) ، فقال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، وحجاج، كلاهما عن حماد بن زيد ... ، فذكره بنحوه.
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (4 / 321 رقم 1568) من طريق علي بن المديني، عن حماد بن زيد، به نحوه.
(1) هو أيوب بن أبي تَمِيمَة كَيْسان السَّخْتياني، أبو بكر البصري، روى عن عمرو بن سلمة وحُميد بن هلال وعطاء وعكرمة وعمرو بن دينار وأبي رجاء العُطاردي وأبي عثمان النَّهدي وعبد الله بن أبي مُليكة وغيرهم، روى عنه حماد بن زيد وحماد بن سلمة والسفيانان: الثوري وابن عيينة وشعبة ومالك وغيرهم، قيل: إنه ولد سنة ست وستين للهجرة، وقيل: سنة ثمان وستين، وتوفي سنة إحدى وثلاثين ومائة، وهو ثقة ثبت حجة في كبار الفقهاء العباد، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص117 رقم 605) . قال الحسن البصري: ((أيوب سيد شباب أهل البصرة)) . وقال شعبة: ((كان سيد الفقهاء)) . ووثقه ابن معين. وقال ابن سعد: ((كان ثقة ثبتًا في الحديث، جامعًا كثير العلم حجة عدلاً)) . وقال =(1/168)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أبو حاتم: ((ثقة لا يسأل عن مثله)) . وقال النسائي: ((ثقة ثبت)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (2 / 255 - 256 رقم 915) ، و"التهذيب" (1 / 397 - 399 رقم 733) .
(2) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكة - بالتصغير - ابن عبد الله بن جدعان، التيمي أدرك ثلاثين من الصحابة، فروى عن العبادلة الأربعة والمسور بن مخرمة وأسماء وعائشة وأم سلمة وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه حميد الطويل وعمرو بن دينار وجرير بن حازم وابن جريج وأيوب السختياني وغيرهم، وكانت وفاته سنة سبع عشرة ومائة، وهو ثقة فقيه روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص312 رقم 3454) .
فقد وثقه أبو زرعة وأبو حاتم والعجلي وابن سعد وزاد: ((كثير الحديث)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (5 / 99 - 100 رقم 461) ، و"التهذيب" (5 / 306 - 307 رقم 523) .
وفي "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص113) نصّ على أن روايته عن عمر وعثمان مرسلة، فمن باب أولى روايته عن أبي بكر، وقد نصّ على هذا البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 228) حيث ذكر هذا الحديث من طريق آخر، ثم قال: ((رواه ابن أبي مليكة عن أبي بكر كذلك مرسلاً)) . اهـ.
(3) أي: تحملني، يقال: أقلَّ الشيءَ يُقِلُّه واستقلَّه يستقلُّه: إذا رفعه وحمله.
انظر: "لسان العرب" (11 / 565) .
[39] سنده ضعيف لإرساله، وهو صحيح إلى مرسله ابن أبي مليكة، وله متابعات يرتقي بها إلى درجة الحسن لغيره، فإنه روي عن أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من أربعة طرق:
1- طريق ابن أبي مليكة.
أخرجه المصنف هنا، وأشار إليه البيهقي في "الشعب" (5 / 228) ، ثم أخرجه في كتاب "المدخل" (ص430 رقم 792) من طريق المصنِّف، به مثله، إلا أنه قال: ((وأية سماء)) ، و: ((أو كيف أصنع)) .
2- طريق إبراهيم التيمي.
أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص352 رقم 824) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 513 رقم 10156) .
أما أبو عبيد فمن طريق شيخه محمد بن يزيد، وأما ابن أبي شيبة فمن =(1/169)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= طريق شيخه محمد بن عبيد الطنافسي، كلاهما عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ إبراهيم التيمي، أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} ، فقال: أي سماء تظلني، أو أي أرض تقلّني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.
وهذا مرسل صحيح أيضًا.
إبراهيم التيمي تقدم في الحديث [11] أنه ثقة عابد.
والعَوَّام بن حوشب تقدم في الحديث [11] أيضًا أنه ثقة ثبت فاضل.
وشيخ ابن أبي شيبة محمد بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي الكوفي الأحدب، روى عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ والأعمش وهشام بن عروة والعوام بن حَوْشب وغيرهم، روى عنه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وابنا أبي شيبة وغيرهم، وكان مولده سنة أربع وعشرين ومائة، ووفاته سنة أربع ومائتين، وقيل: ثلاث، وقيل: خمس ومائتين، وهو ثقة يحفظ، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص495 رقم 6114) ، فقد وثقه أحمد وابن معين والنسائي والدارقطني وابن سعد وزاد: ((كثير الحديث)) ، والعجلي وزاد: ((كان عثمانيًا)) ، وقال ابن عمار: ((ثبت)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 10 - 11 رقم 40) ، و"التهذيب" (9 / 327 - 329 رقم 539) .
والحديث ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمته في "أصول التفسير" (ص108) ، من رواية أبي عبيد، ثم قال: ((منقطع)) .
وذكره الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (1 / 5) و (4 / 473) وأعلّه بالانقطاع بين التيمي وأبي بكر - رضي الله عنه -.
وذكره الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13 / 271) ، وعزاه لعبد بن حميد في "تفسيره"، وأعله بالانقطاع أيضًا.
3- طريق أبي معمر عبد الله بن سَخْبَرَةَ الأزدي.
أخرجه مسدد كما في "المطالب العالية" المسندة (ل 135 / ب) ، =(1/170)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والمطبوعة (3 / 300 رقم 3527) ، من طريق عبد الله بن مرّة.
وأخرجه الطبري في "تفسيره" (1 / 78 رقم 78 و 79) من طريق إبراهيم النخعي وعبد الله بن مرة، كلاهما عن أبي معمر، به نحو لفظ المصنف.
وذكره الحافظ ابن حجر في "الفتح" (13 / 271) وعزاه لعبد بن حميد، لكن من طريق إبراهيم النخعي، عن أبي بكر، ولم يذكر أبا معمر في سنده.
قال ابن حجر: ((وهذا منقطع بين النخعي والصديق)) .
قلت: وعبد الله بن سُخْبرة الأزدي، أبو معمر الكوفي يروي عن عمر وعلي والمقداد وابن مسعود وأبي موسى وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه مجاهد وعمارة بن عمير وإبراهيم النخعي، وغيرهم، وهو ثقة من الطبقة الثانية، وروى له الجماعة، ولكن روايته عن أبي بكر مرسلة. فقد وثقه ابن سعد وابن معين والعجلي،، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "تاريخ الثقات" للعجلي (ص256 رقم 810) ، و"التهذيب" (5 / 230 - 231 رقم 397) ، و"التقريب" (ص305 رقم 3341) .
4- طريق الشعبي.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 512 رقم 10152) .
والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2 / 193 رقم 1585) .
كلاهما من طريق الحسن بن عمر، ويقال: ابن عمرو، عن الشعبي، به نحوه.
وعامر بن شراحيل الشعبي ثقة مشهور فقيه فاضل، روى له الجماعة، وروى عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وزيد بن ثابت وعبادة بن الصامت وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة والعبادلة الأربعة وغيرهم، وروى عن علي شيئًا يسيرًا، قال الدارقطني: ((لم يسمع الشعبي من علي إلا حرفًا واحدًا، ما سمع غيره)) ، قال الحافظ ابن حجر: ((كأنه - أي الدارقطني - عَنَى ما أخرجه البخاري =(1/171)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= في الرجم عنه - أي الشعبي-، عن علي حين رجم المرأة، قال: رجمتها بسنّة النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) ، وممن روى عن الشعبي: أبو إسحاق السبيعي وإسماعيل بن أبي خالد وبيان بن بشر وحصين بن عبد الرحمن وداود بن أبي هند ومنصور بن المعتمر ومغيرة بن مِقْسم وغيرهم، وقد أرسل عن عمر وطلحة وابن مسعود - رضي الله عنهم -، فمن باب أولى أن تكون روايته عن أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرسلة، وذلك أن مولده كان سنة تسع عشرة للهجرة، وقيل بعد ذلك، وأما وفاته فاختُلف فيها، فقيل: سنة ثلاث، وقيل: أربع، وقيل: خمس، وقيل: ست، وقيل: سبع، وقيل: تسع، وقيل: سنة عشر ومائة. قال الحسن البصري في ثنائه على الشعبي: ((كان والله كثير العلم، عظيم الحلم، قديم السلم، من الإسلام بمكان)) . وقال مكحول: ((ما رأيت أفقه من الشعبي)) . ووثقه ابن معين وأبو زرعة وغير واحد.
انظر: "الجرح والتعديل" (6 / 322 - 324 رقم 1802) ، و"التهذيب" (5 / 65 - 69 رقم 110) ، و"التقريب" (ص287 رقم 3092) .
5- طريق القاسم بن محمد.
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 228 رقم 2082) من طريق علي بن زيد بن جدعان، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال ... ) فذكره بنحوه.
وعلي بن زيد بن جدعان تقدم في الحديث رقم [4] أنه ضعيف.
والقاسم بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصديق التيمي ثقة، أحد الفقهاء بالمدينة، روى له الجماعة، روى عن أبيه وعمّته عائشة، وعن العبادلة الأربعة وأبي هريرة وغيرهم، روى عنه ابنه عبد الرحمن والشعبي وسالم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ والزهري ونافع مولى ابن عمر ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن أبي مُليكة وعلي بن زيد بن جدعان وغيرهم، وكانت وفاته سنة ست ومائة وهو ابن سبعين سنة، فتكون ولادته قريبًا من سنة ست وثلاثين للهجرة، =(1/172)
40- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا (جَرِيرٌ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ) (1) ، عَنْ إِدْرِيسَ (2) - وَكَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ -، قَالَ: قِيلَ لِلْحَسَنِ: ((إِنَّ لَنَا إِمَامًا يلحن، قال: أخِّروه)) .
__________
= قال أيوب السختياني: ((ما رأيت أفضل منه)) . وقال أبو الزناد: ((ما رأيت أحدًا أعلم بالسنة منه، ولا أحدّ ذهنًا)) . وقال يحيى بن سعيد: ((ما أدركنا بالمدينة أحدًا بفضله على القاسم)) .
وقال الإمام مالك: ((كان القاسم من فقهاء هذه الأمة)) . وقال ابن حبان: ((كان من سادات التابعين، من أفضل أهل زمانه علمًا, وأدبًا وفقهًا، وكان صموتًا)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (7 / 118 رقم 765) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (2 / 967) ، و"التهذيب" (8 / 333 - 335 رقم 601) ، و"التقريب" (ص451 رقم 5489) .
أقول: وروايته عن جده أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرسلة، وذلك واضح من تاريخ ولادته كما سبق، وقد قال العلائي في "جامع التحصيل" (ص310) : ((أرسل عن جده - رضي الله عنه -، وذلك واضح؛ لأن أباه محمدًا ولد في حجة الوداع، فكان عمره حين توفي أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نحو ثلاث سنين)) . اهـ.
قلت: فالحديث بمجموع هذه الطرق لا ينزل عن رتبة الحسن، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الموضع السابق من "فتح الباري" الأثرين عن التيمي والنخعي، وأعلهما بالانقطاع، ثم قال: ((لكن أحدهما يقوي الآخر)) . اهـ. والله أعلم.
(1) في الأصل: (جرير عن عبد الحميد) ، والصواب ما هو مثبت حيث أخرجه الخطابي من طريق المصنف هكذا كما سيأتي.
(2) هو إدريس بن جويرية الأعمى، البصري، ذكره البخاري في "تاريخه" (2 / 37 رقم 1606) ، وسكت عنه، وبيّض له ابن أبي حاتم (2 / 264 رقم 951) ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (6 / 78) ، وأثنى عليه جرير بن عبد الحميد هنا بقوله: ((وكان من خيار الناس)) وروى عنه هو ويحيى بن حسان، فهو مجهول الحال، ويحتمل =(1/173)
41- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ (يَحْيَى) (1) الأبَحّ (2) ، عَنْ مَرْوَانَ الأصْفَر (3) ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ جَالِسًا، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ لَهُ (الرَّجُلُ) (4) : قُلْ فِيهَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ بِرَأْيِكَ، فَقَالَ: ((أَقُولُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي؟! فَرَدَّدَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ولم يجبه بشيء)) .
__________
= أن الذي أثنى على إدريس هو المصِّنف سعيد بن منصور.
[40] سنده ضعيف لجهالة حال إدريس بن جويرية.
وأخرجه الخطابي في "غريب الحديث" (1 / 61) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 245 رقم 2104) .
كلاهما من طريق المصنف، به مثله سواء.
وأخرجه البخاري في "تاريخه" (2 / 37) من طريق محمد بن سلام، عن جرير، به مثله، إلا أنه لم يذكر ثناء جرير على إدريس.
وأخرجه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2 / 264) من طريق يحيى بن حسان، عن إدريس، به مثل رواية البخاري.
(1) في الأصل: ((زيد)) ، وما أثبته من مصادر التخريج الآتية التي أخرجت الحديث من طريق المصنف، وانظر ترجمته الآتية.
(2) هو حماد بن يحيى الأبَحّ - بالموحّدة المفتوحة، بعدها مهملة -، أبو بكر السلمي البصري، روى عن ثابت البُناني وسليمان التَّيْمي وأبي إسحاق السبيعي وابن أبي مُليكة ومكحول والزهري، وروى عن مروان الأصفر هنا، وصرّح عنه بالتحديث في رواية البيهقي الآتية، روى عنه أبو داود الطيالسي وأبو نُعيم وقتيبة ابن سعيد وسعيد بن منصور وغيرهم، وهو صدوق يخطئ، من الطبقة الثامنة كما في "التقريب" (ص179 رقم 1509) . قال الإمام أحمد: ((صالح الحديث، ما أرى به بأسًا)) . وقال أبو حاتم: ((لا بأس به)) . وقال ابن معين: ((ثقة)) . وقال البخاري: ((يهم في الشيء بعد الشيء)) . وقال أبو داود: ((يخطئ كما يخطئ الناس)) . وقال أبو زرعة: ((ليس بقوي)) . وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: =(1/174)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ((يخطئ ويهم)) . وذكر له ابن عدي بعض الأحاديث التي انتقدت عليه، ثم قال: ((ولحماد بن يحيى غير ما ذكرت أحاديث حسان، وبعض ما ذكرت مما لا يتابع عليه، وهو ممن يكتب حديثه)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (3 / 151 - 152 رقم 659) ، و"الكامل" لابن عدي (3 / 663 - 665) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (7 / 292 - 293) ، و"التهذيب" (3 / 21 - 23 رقم 24) .
(3) هو مروان الأصفر أبو خلف البصري، قيل اسم أبيه: خاقان، وقيل: سالم، روى عن ابن عمر وأبي هريرة وأنس وأبي وائل وشقيق بن سلمة ومسروق بن الأجدع والشعبي وغيرهم، روى عنه خالد الحذّاء وعوف الأعرابي وشعبة وغيرهم، وهو ثقة من الطبقة الرابعة؛ وثقه أبو داود، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وأخرجه له الشيخان.
انظر: "الكنى" لمسلم (1 / 284 رقم 1001) ، و"الثقات" لابن حبان (5 / 424) ، و"التهذيب" (10 / 98 - 99 رقم 178) ، و"التقريب" (ص526 رقم 6576) .
ووقعت كنيته في "التقريب": (أبو خليفة) ، والصواب ما ذكر كما في بقية مصادر ترجمته.
(4) في الأصل: ((رجل)) ، وما أثبته من الموضع الآتي من "شعب الإيمان" للبيهقي.
[41] سنده ضعيف لضعف حماد بن يحيى من قبل حفظه.
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 231 رقم 2088) من طريق المصنف، ثنا حماد بن يحيى، ثنا مروان الأصفر ... فذكره بمثله، إلا أنه لم يذكر قوله: (عز وجل) ، وعنده: (فقال سعيد) .
ومن طريق المصنِّف أيضًا أخرجه الهروي في "ذم الكلام" (1 / 67 / أ) بمثله، إلا أنه قال: ((من كتاب الله، فقال: الله أعلم، فقال: قل فيها)) ، ولم يذكر قوله: ((فردده)) . ومن طريق الهروي أخرجه ابن عبد الهادي في "هداية الإنسان إلى الاستغناء بالقرآن" (1 / ل 85 / ب - 86 / أ) .(1/175)
42- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيم، قَالَ: نا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشب، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمي، قَالَ خَلَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ذَاتَ يَومٍ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ، فأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: كَيْفَ تَخْتَلِفُ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَنبِيُّهَا وَاحِدٌ، وَكِتَابُهَا وَاحِدٌ، وَقِبْلَتُهَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْقُرْآنُ، فَقَرَأْنَاهُ، وَعَلِمْنَا فِيمَ أُنزل، وَإِنَّهُ سيكون بعدنا أقوام يقرأون الْقُرْآنَ، وَلَا يَعْرِفُونَ فِيمَ نُزِّلَ، فَيَكُونُ لِكُلِّ قَوْمٍ فِيهِ رَأْيٌ، فَإِذَا كَانَ لِكُلِّ قَوْمٍ فِيهِ رَأْيٌ اخْتَلَفُوا، فَإِذَا اخْتَلَفُوا اقْتَتَلُوا، فَزَبَرَهُ (1) عُمَرُ وانتَهَرَهُ (2) ، فَانْصَرَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ دَعَاهُ بَعْدُ، فَعَرَفَ الَّذِي قَالَ، ثُمَّ قَالَ: (إيهٍ) (3) أعِد عليّ)) .
__________
(1) أي: انتهره وأغلظ له في القول والردّ.
انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2 / 293) .
(2) أي: زجره واستقبله بكلام يزجره عن خبر.
انظر: "لسان العرب" (5 / 239) .
(3) في الأصل: ((إيهى)) ، وفي الموضعين الآتيين من "شعب الإيمان" و"كنز العمال": (إيها) ، وما أثبته من الموضع الآتي من "الجامع" للخطيب حيث روى الحديث من طريق المصنف، وهو الأليق بالسياق، فقوله: ((إيهِ)) : كلمة يراد بها الاستزادة، وهي مبنيّة على الكسر، فإذا وصَلْتَ نوَّنْتَ، فقلتَ: ((إيهٍ حدِّثنا)) وإذا قلت: ((إيهًا)) بالنصب فإنما تأمره بالسكوت، وقد ترد منصوبة بمعنى التصديق والرضى بالشيء، كما في حديث ابن الزبير لما قيل له: يا ابن ذات النِّطاقين، فقال: ((إيهًا والإله)) أي: صدقتَ ورضيتُ بذلك، ويروى: ((إيهِ)) بالكسر، أي: زدني من هذه المنقبة. اهـ. من "النهاية" (1 / 87) .
[42] الحديث صحيح لغيره كما سيأتي، وأما هذا الإسناد فرجاله ثقات، إلا أنه ضعيف للانقطاع بين التيمي وعمر بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فإن التيمي =(1/176)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= لم يدرك زمن عمر، بل لم يدرك من تأخرت وفاته كثيرًا عن عمر، فقد قال الدارقطني: ((لم يسمع من حفصة، ولا من عائشة، ولا أدرك زمانهما)) .
انظر: "التهذيب" (1 / 176 - 177) .
قلت: ومقصد الدارقطني بالإدراك: إدراك السماع، وإلا فإن ولادته كانت قبل وفاة عائشة - رضي الله عنها -، فإنها توفيت سنة ثمان وخمسين كما في "التهذيب" (12 / 435 - 436) ، وأما إبراهيم التيمي فإن الحجاج قتله سنة اثنتين وقيل أربع وتسعين، قال أبو داود: ولم يبلغ أربعين سنة كما في ترجمته في الموضع السابق من "التهذيب".
والحديث ذكره صاحب "كنز العمال" (2 / 333 رقم 4167) وعزاه لسعيد بن منصور، والبيهقي في "الشعب"، والخطيب في "الجامع".
وقد أخرجه البيهقي في "الشعب" (5 / 230 - 231 رقم 2086) .
والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2 / 194 رقم 1587) .
كلاهما من طريق المصنف، به، ولفظ الخطيب: (خلا عمر بن الخطاب ذات يوم، فجعل يُحَدِّثُ نَفْسَهُ، فأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ عباس، قال: كيف تختلف هذه الأمة، وكتابها واحد، ونبيها واحد، وقبلتها واحدة؟ قال ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إنما أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْقُرْآنُ، فَقَرَأْنَاهُ، وَعَلِمْنَا فيمَ نزل، وإنه يكون بعدنا أقوام ... ) ، ثم ذكر الباقي مثل لفظ المصنّف سواء، ونحوه لفظ البيهقي، إلا أنه قال: ((ابن عياش)) ، بدل ((ابن عباس)) .
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص42 رقم 95) عن هشيم، به نحوه.
وله طريق آخر.
فأخرجه عبد الرزاق في جامع معمر الملحق بالمصنّف (11 / 217 - 218 رقم 20368) .
ومن طريقه الهروي في ذم الكلام (1 / ب 47 / ب - 48 / أ) .
وأخرجه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (1 / 516 - 517) . =(1/177)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= كلاهما من طريق معمر، عن علي بن بَذيمة الجَزَري أنه حدثه عن يزيد بن الأصَمّ، عن ابن عباس قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين، قرأ منهم القرآن كذا وكذا، فقال ابن عباس: والله ما أحب أن يسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة. قال: فزَبَرني عمر، ثم قال: مَهْ. قال: فانطلقت إلى منزلي مكتئبًا حزينًا، فقلت: قد كنت نزلت من هذا الرجل بمنزلة، ما أرى إلا أني قد سقطت من نفسه. قال: فرجعت إلى منزلي، فاضطجعت على فراشي حتى عادني نسوة أهلي، وما بي من وجع، وما هو إلا الذي نقلني (كذا!) به عمر. قا: فبينا أنا كذلك إذ أتاني رجل فقال: أجب أمير المؤمنين. قال: فخرجت، فإذا هو قائم قريبًا ينتظرني، فأخذ بيدي، ثم خلا بي، فقال: ما كرهت مما قال الرجل؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إن كنتُ أسأت فاستغفر الله - عز وجل - وأتوب إليه، نوة أهلي، أحببتَ. قال: لتحدثنّي ما الذي كرهت مما قال الرجل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إنهم متى يسارعوا هذه المسارعة تحنفوا (كذا!) ، ومتى تحنفوا اختلفوا، ومتى اختلفوا يفشلوا. قال: لله أبوك! والله لقد كنت أكاتمها الناس، حتى جئت بها. اهـ. واللفظ للفسوي، ونحوه لفظ عبد الرزاق.
وسنده صحيح.
يزيد بن الأصم عمرو بن عبيد بن معاوية البَكَّائي - بفتح الموحدة والتشديد -، أبو عوف الكوفي نزيل الرَّقّة، ابن أخت ميمونة أم المؤمنين، يقال له رؤية ولا يثبت، روى عن خالته ميمونة وابن خالته عبد الله بن عباس، وعن سعد بن أبي وقّاص وأبي هريرة وعائشة وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه ابنا أخيه عبد الله وعبيد الله ابنا عبد الله بن الأصمّ، والأَجْلَح الكندي والزهري وميمون بن مهران وأبو إسحاق الشيباني وعلي بن بَذِيمة الجزري وغيرهم، قيل: كانت وفاته سنة إحدى ومائة، وقيل: سنة ثلاث أو أربع ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وهو ثقة كما في "التقريب" (ص599 رقم 7686) ، فقد وثقه ابن سعد والعجلي وأبو زرعة والنسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات". =(1/178)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= انظر: "الجرح والتعديل" (9 / 252 رقم 1055) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1529) ، و"التهذيب" (11 / 313 - 314 رقم 600) .
وعلي بن بَذِيمة - بفتح الموحدة وكسر المعجمة الخفيفة، بعدها تحتانية ساكنة -، الجَزَري روى عن الشعبي وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة ويزيد بن الأصمّ وغيرهم، روى عنه الأعمش وشعبة والثوري وشريك ومعمر وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وقيل: سنة ست وثلاثين ومائة، وهو ثقة رمي بالتشيع كما في "التقريب" (ص398 رقم 4692) ، فقد وثقه ابن سعد وابن معين والعجلي وأبو زرعة والنسائي، وقال الإمام أحمد: ((صالح الحديث، كان رأسًا في التشيع)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (6 / 175- 176 رقم 962) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (2 / 956) ، و"التهذيب" (7 / 285 - 286 رقم 495) .
ومعمر بن راشد تقدم في الحديث [4] أنه ثقة ثبت فاضل روى له الجماعة، إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة وعاصم بن أبي النجود وأهل الكوفة والبصرة شيئًا، وليس هذا من روايته عنهم.
والفسوي روى الحديث عن شيخه علي بن الحسن بن شقيق، عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ معمر، به.
وعبد الله بن المبارك المروزي مولى بني حنظلة يروي عن سليمان التيمي وحميد الطويل وإسماعيل بن أبي خالد ويحيى بن سعيد الأنصاري وعاصم الأحول وعبد الله بن عون ومحمد بن عجلان وموسى بن عقبة والأعمش وهشام بن عروة والثوري وشعبة والأوزاعي وابن جريج ومالك والليث بن سعد وبان أبي ذئب ومعمر بن راشد وغيرهم، روى عنه أبو أسامة حماد بن أسامة وابن مهدي والقطّان وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة وسعيد بن منصور وعلي بن الحسن بن شقيق وغيرهم، وكانت ولادته سنة ثمان عشرة =(1/179)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ومائة، ووفاته سنة إحدى وثمانين ومائة، وهو ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جُمعت فيه خصال الخير، وروى له الجماعة. قال ابن مهدي: ((الأئمة أربعة: الثوري، ومالك، وحماد بن زيد، وابن المبارك)) ، وقال سفيان بن عيينة: ((نظرت في أمر الصحابة فما رأيت لهم فضلاً على ابن المبارك إلا بصحبتهم النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغزوهم معه)) ، وقال أيضًا: ((كان فقيهًا عالمًا عابدًا زاهدًا شيخًا شجاعًا شاعرًا)) ، وقال الإمام أحمد: ((لم يكن في زمانه أطلب للعلم منه، جمع أمرًا عظيمًا، ما كان أحد أقل سقطًا منه، كان رجلاً صاحب حديث، حافظ، وكان يحدث من كتاب)) . وفضائله - رحمه الله - كثيرة.
انظر: "الجرح والتعديل" (1 / 262 - 281) و (5 / 179 - 181 رقم 838) ، و"التهذيب" (5 / 382 - 387 رقم 657) ، و"التقريب" (ص320 رقم 3570) .
وعلي بن الحسن بن شقيق، أبو عبد الرحمن المروزي روى عن ابن المبارك والحسين بن واقد وخارجة بن مصعب وعبد الوارث بن سعيد وإبراهيم بن طهمان وغيرهم، روى عنه الإمام أحمد وابن معين وأبو بكر بن أبي شيبة والبخاري وغيرهم، وروى عنه هنا يعقوب بن سفيان الفسوي، وكانت ولادته سنة سبع وثلاثين ومائة، ووفاته سنة خمس عشرة ومائتين، وقيل غير ذلك، وهو ثقة حافظ روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص399 رقم 4706) . قال الإمام أحمد: ((لم يكن به بأس، إلا أنهم تكلموا فيه للإرجاء، وقد رجع عنه)) ، وقال ابن معين: ((لا أعلم قدم علينا من خراسان أفضل منه، وكان عالمًا بابن المبارك)) ، وقال العباس بن مصعب: ((كان علي بن الحسن بن شقيق جامعًا، وكان في الزمان الأول يُعدّ من أحفظهم لكتب ابن المبارك، وقد شارك ابن المبارك في كثير من رجاله)) . اهـ. من "تاريخ بغداد" (11 / 370 - 372 رقم 6222) ، و"التهذيب" (7 / 298 - 299 رقم 510) .(1/180)
43- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ (1) ، عَنْ حُميد الطَّوِيل (2) ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ: (( {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} (3) ، فَقَالَ: هَذِهِ الْفَاكِهَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْأَبُّ (4) ؟ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ: لَعَمْرُكَ، إِنَّ هَذَا لهو التكلُّف يا عمر)) .
__________
(1) هو يزيد بن هارون بن زاذان السُّلَمي، مولاهم، أبو خالد الواسطي، روى عن سليمان التيمي وحميد الطويل وعاصم الأحول وإسماعيل بن أبي خالد وأبي مالك الأشجعي ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم، روى عنه هنا سعيد بن منصور وروى عنه الإمام أحمد وإسحاق ابن راهويه ويحيى بن معين وعلي بن المديني وابنا أبي شيبة وغيرهم، وكانت وفاته سنة ست ومائتين، وهو ثقة متقن عابد، روى له الجماعة. وثقه ابن معين، ويعقوب بن شيبة وقال: ((كان يُعدّ من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر)) . وقال ابن المديني: ((هو من الثقات، ما رأيت أحفظ منه)) . وقال الإمام أحمد: ((صاحب صلاة، حافظ متقن للحديث، صوانه، وحسن مذهب)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (9 / 295 رقم 1257) ، و"التهذيب" (11 / 366 - 369 رقم 711) ، و"التقريب" (ص606 رقم 7789) .
(2) هو حميد بن أبي حميد الطويل، أبو عبيدة البصري، اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال، روى عن أنس بن مالك وثابت البُناني والحسن البصري وابن أبي مليكة وعبد الله بن شقيق وغيرهم، روى عنه حماد بن سلمة ويحيى بن سعيد الأنصاري وحماد بن زيد والسفيانان وشعبة ومالك ويحيى القطان ويزيد بن هارون وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وأربعين ومائة، وقيل: ثلاث وأربعين ومائة، وله من العمر خمس وسبعون سنة، وهو ثقة روى له الجماعة، إلا أنه كثير التدليس عن أنس، حتى قيل: إن معظم حديثه عنه بواسطة ثابت وقتادة. فقد وثقه ابن معين والعجلي والنسائي وابن سعد وزاد: ((كثير الحديث، إلا أنه ربما دلّس عن أنس)) . وقال أبو حاتم: ((ثقة لا بأس به)) . وقال ابن خراش: =(1/181)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ((ثقة صدوق)) . وقال مرة: ((في حديثه شيء، يقال: إن عامة حديثه عن أنس إنما سمعه من ثابت)) . وقال البرديجي: ((وأما حديث حميد، فلا يحتج منه إلا بما قال: حدثنا أنس)) . وقال العلائي: ((فعلى تقدير أن يكون أحاديث حميد مدلسة، فقد تبين الواسطة فيها، وهو ثقة صحيح)) .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر حميدًا في الطبقة الثالثة من "طبقات المدلسين"، وهم من أكثر من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرّحوا فيه بالسماع.
انظر: "الجرح والتعديل" (3 / 219 رقم 961) ، و"التهذيب" (3 / 38 - 40 رقم 65) ، و"التقريب" (ص181 رقم 1544) ، و"طبقات المدلسين" (ص86 رقم 71) .
قلت: وأما ما ذكره العلائي من أن الواسطة في أحاديث حميد المدلسة قد تبيّن وهو ثقة صحيح، فهذا القول ليس على إطلاقه، فإن الواسطة بينه وبين أنس ليس هو ثابتاً البناني على الدوام، بل قد تكون الواسطة قتادة، وهو مدلس من الطبقة الثالثة أيضًا كما في ترجمته في الحديث رقم [14] ، وقد يكون غيره، فقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة "الفتح" (ص399) : ((كان يدلس حديث أنس، وكان سمع أكثره من ثابت وغيره من أصحابه عنه)) . اهـ. ولذا فإن البخاري لم يخرج لحميد في "صحيحه" إلا بما صرح فيه بالسماع، قال الحافظ في الموضع السابق: ((قد اعتنى البخاري في تخريجه لأحاديث حميد بالطرق التي فيها تصريحه بالسماع)) . اهـ. وفي "الفتح" أيضًا (10 / 490) ذكر الحافظ إعراض البخاري عن بعض الطرق لبعض الأحاديث، ثم أوضح السبب فقال: ((حميد مدلس، والبخاري يخرج له ما صرّح فيه بالتحديث)) . اهـ.
(3) الآية: (31) من سورة عبس.
(4) الأَبُّ: هو المَرْعى المُتَهَيِّئُ للرَّعي والقطع، وقيل: الأَبُّ من المرعى للدواب كالفاكهة للإنسان.
انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1 / 13) . =(1/182)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= [43] سنده رجال ثقات، إلا أنه ضعيف من هذا الطريق لكون حميد لم يصرح بالسماع من أنس، وهو صحيح لغيره بما سيأتي من طرق، فإن حميدًا قد توبع.
فالحديث مداره على أنس بن مالك، يرويه عن عمر - رضي الله عنهما -.
وله عن أنس ستة طرق:
1- طريق حميد.
أخرجه المصنف هنا من طريق يزيد بن هارون، عنه.
وعزاه صاحب "كنز العمال" (2 / 328 رقم 4154) ، والشوكاني في "فتح القدير" (5 / 387) للمصنف.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص352 رقم 825) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 512 - 513 رقم 10154) .
والحاكم في "المستدرك" (2 / 514) .
ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 229 - 230 رقم 2084) .
ثلاثتهم من طريق يزيد بن هارون، به مثله، عدا لفظ الحاكم فنحوه.
وأخرجه الطبري في "تفسيره" (30 / 59 / طبعة الحلبي) من طريق بشر بن المفضل، ومحمد بن إبراهيم بن أبي عدي، كلاهما عن حميد، به نحوه.
قال ابن كثير في "التفسير" (4 / 473) عن طريق ابن أبي عدي: ((إسناده صحيح)) .
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (2 / 290) من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حميد، به بلفظ: قرأ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عنه -: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} ، فقال بعضهم هكذا، وقال بعضهم هكذا، فقال عمر: دعونا من هذا، آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ ربنا.
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الهروي في "ذم الكلام" (1 / ل 107 / أ) من طريق حماد بن سلمة، =(1/183)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= عن حميد، به نحو لفظ المصنِّف.
2- طريق ثابت، عن أنس.
أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (3 / 327) .
والبخاري في "صحيحه" (13 / 264 - 265 رقم 7293) .
وعبد بن حميد في "تفسيره" كما في مقدمة "أصول التفسير" لابن تيمية (ص109) ، و"فتح الباري" (13 / 271) .
وأبو نعيم في "المستخرج" كما في الموضع السابق من "فتح الباري".
جميعهم من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس، به نحوه، عدا البخاري، فأخرجه مختصرًا بلفظ: كنا عند عمر، فقال: نهينا عن التَكَلُّف.
وأخرجه عبد بن حميد أيضًا من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، ففي الموضع السابق من "الفتح" بعد أن ذكر الحافظ رواية عبد بن حميد للحديث من طريق حماد بن زيد، قال: ((وأخرجه (يعني عبد بن حميد) أيضًا عن سليمان بن حرب، عن حماد بن سلمة بدل حماد بن زيد، وقال بعد قوله: فما الأبّ؟ ثم قال: يا ابن أم عمر، إن هذا لهو التكُّلف، وما عليك أن لا تدري ما الأَبّ؟ وسليمان بن حرب سمع من الحمادين، لكنه اختص بحماد بن زيد، فإذا أطلق قوله: حدثنا حماد، فهو ابن زيد، وإذا روى عن حماد بن سلمة نسبه)) . اهـ.
وأخرجه الإسماعيلي أيضًا كما في الموضع السابق من "الفتح" من طريق هشام ابن ثابت ويونس بن عبيد، كلاهما عن ثابت، به، ولفظ هشام نحوه، وأما لفظ يونس فقال: إن رجلاً سأل عمر بن الخطاب عن قوله: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} : ما الأََبّ؟ فقال عمر: نهينا عن التَّعَمُّق والتَّكَلُّف.
3- طريق الزهري، عن أنس.
أخرجه عبد بن حميد في "تفسيره" كما في الموضع السابق من "الفتح". =(1/184)
44- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ عَوْن (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرين (2) ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ (3) ، عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: ((عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، والسَّدَاد (4) ، فَقَدْ ذَهَبَ الَّذِينَ كَانُوا يعلمون فِيمَ أُنزل القرآن)) .
__________
= والحاكم في "المستدرك" (2 / 514) .
ومن طريقه البيهقي في الموضع السابق من "الشعب".
كلاهما من طريق صالح بن كيسان، عن الزهري، عن أنس، به نحوه، وزاد: اتبعوا ما بُيِّن لكم من هذا الكتاب.
قال الحاكم: ((صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)) ووافقه الذهبي.
وأخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (30 / 60 - 61 / طبعة الحلبي) ، من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ يونس بن يزيد الأَيْلي، وعمرو بن الحارث، كلاهما عن الزهري، به نحو سابقه.
وأخرجه الهروي في ذم الكلام (1 / ل 107 / أ) من طريق شعيب، عن الزهري، به نحو سابقه.
(4) و (5) و (6) - طريق قتادة، ومعاوية بن قرة، وموسى بن أنس، ثلاثتهم عن أنس، به نحو لفظ المصنف، عدا لفظ معاوية فمختصر.
أخرج هذه الطرق ابن جرير الطبري في "تفسيره" (30 / 59) .
(1) هو عبد الله بن عَوْن بن أَرْطبان، أبو عون البصري، روى عن محمد بن سيرين وأنس بن سيرين وإبراهيم النخعي والحسن البصري وعامر الشعبي، وغيرهم، روى عنه الثوري وشعبة والقطان وابن المبارك ووكيع وهشيم وابن عليّة ويزيد بن هارون وغيرهم، وكانت ولادته سنة ست وستين للهجرة، ووفاته سنة إحدى وخمسين ومائة، وهو ثقة ثبت فاضل روى له الجماعة. قال ابن المبارك: ((ما رأيت أحدًا ذكر لي قبل أن ألقاه ثم لقيته إلا وهو على دون ما ذكر لي، إلا ابن عون وحيوة - أو سفيان -. فأما ابن عون، فلوددت أني لزمته حتى أموت أو يموت)) . وقال ابن مهدي: ((ما كان بالعراق أحد أعلم بالسنة منه)) . وقال =(1/185)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ابن معين: ((ثبت)) . ووثقه يعقوب بن شيبة والعجلي وأبو حاتم وابن سعد وزاد: ((وكان عثمانيًا، وكان كثير الحديث، وَرِعًا)) . وقال النسائي: ((ثقة مأمون)) ، وقال في موضع آخر: ((ثقة ثبت)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 130 - 131 رقم 605) ، و"التهذيب" (5 / 346 - 349 رقم 600) ، و"التقريب" (ص317 رقم 3519) .
(2) هو محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر البصري، روى عن مولاه أنس بن مالك وعن زيد بن ثابت ورافع بن خديج وسمرة بن جندب وأبي هريرة وعمران بن حصين وعبد الله بن عمر وغيرهم، روى عنه الشعبي وثابت البُناني وخالد الحذّاء وداود بن أبي هند وهشام بن حسان ويونس بن عبيد وعبد الله بن عون وغيرهم، وكانت وفاته سنة عشر ومائة وهو ابن سبع وسبعين، وهو ثقة ثبت عابد كبير القدر، روى له الجماعة. وثقه أحمد وابن معين والعجلي وأبو زرعة، وقال ابن سعد: ((كان ثقة مأمونًا عاليًا رفيعًا فقيهًا إمامًا كثير العلم ورعًا، وكان به صمم)) . وقال ابن حبان: ((كان محمد بن سيرين من أورع أهل البصرة، وكان فقيهًا فاضلاً حافظًا متقنًا يُعبِّر الرؤيا)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (7 / 280 - 281 رقم 1518) ، و"التهذيب" (9 / 214 - 217 رقم 336) ، و"التقريب" (ص483 رقم 5947) .
(3) هو عَبيدة بن عمرو السَّلْماني - بسكون اللام، ويقال بفتحها -، المُرادي، أبو عمرو الكوفي، روى عن علي وابن مسعود وابن الزبير، روى عنه الشعبي وابن سيرين وأبو إسحاق السبيعي وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وسبعين للهجرة، وقيل غير ذلك، وهو تابعي كبير مخضرم فقيه ثبت، روى له الجماعة.
كان شريح القاضي إذا أشكل عليه شيء كتب إليه. وقال ابن معين: ((ثقة لا يُسئل عن مثله)) . وقال العجلي: ((كوفي تابعي ثقة جاهلي، أسلم قبل وفاة النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسنتين، ولم يره)) . وقال ابن المديني والفلَّاس: ((أصلح الأسانيد: محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (6 / 91 رقم 466) ، و"التهذيب" (7 / 84 - 85 رقم 185) ، و"التقريب" (ص379 رقم 4412) .
(4) السَّدَاد هو: القصد في الأمر والعدل فيه، فلا يغلو ولا يسرف.
انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2 / 352) . =(1/186)
45- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا جَرِيرٌ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ الْأَنْصَارِيِّ الْبَصْرِيِّ (1) ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَطُوفُ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ يُوسُفَ، وَيَجْتَمِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَإِذَا فَرَغَ سَأَلَ، فَقَالَ الْحَسَنُ: كُنْتُ مَعَ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، فَمَرَّ بِهَذَا السَّائِلِ، فَقَامَ، فَاسْتَمَعَ لِقِرَاءَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ سَأَلَ، فَقَالَ (عِمْرَانُ) (2) : إِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اذْهَبْ بِنَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَقُولُ: ((مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ -، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ قَوْمٌ يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ بِهِ النَّاسَ)) .
__________
= [44] سنده صحيح على شرط الشيخين.
والحديث مداره علي ابن سيرين، وله عنه أربعة طرق:
1- طريق ابن عون.
أخرجه المصنف هنا من طريق يزيد بن هارون عنه.
وتابعه ابن أبي شيبة فأخرجه في "المصنف" (10 / 511 رقم 10148) عن يزيد، به مثله.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص353 رقم 830) .
والطبري في "تفسيره" (1 / 86 رقم 97) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 230 رقم 2085) .
أما أبو عبيد فمن طريق محمد بن أبي عدي، وأما الطبري فمن طريق ابن علية، وأما البيهقي فمن طريق أبي أسامة، ثلاثتهم عن ابن عون، به نحوه.
2- طريق سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ سيرين.
أخرجه أبو عبيد مقرونًا بالرواية السابقة.
3 و 4- طريقا هشام وأيوب، عن ابن سيرين.
أخرجهما الطبري في "تفسيره" (1 / 86 رقم 96 و 97) بنحوه.
(1) هو خيثمة بن أبي خيثمة، واسم أبي خيثمة: عبد الرحمن، الأنصاري، أبو نصر =(1/187)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= البصري، روى عن أنس والحسن البصري، روى عنه الأعمش ومنصور بن المعتمر وجابر الجُعْفي وغيرهم، وهو ليِّن الحديث من الطبقة الرابعة كما في "التقريب" (ص197 رقم 1772) . قال ابن معين: ((ليس بشيء)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "الجرح والتعديل" (3 / 394 رقم 1809) ، و"الثقات" لابن حبان (4 / 214) ، و"التهذيب" (3 / 178 رقم 337) .
(2) في الأصل: (عمر) ، وما أثبته هو الذي يقتضيه السياق، وكذا هو عند الطبراني والبيهقي في "الشعب" كما سيأتي، حيث رويا الحديث من طريق المصنف.
[45] سنده ضعيف لما تقدم عن حال خيثمة، وهو حسن لغيره كما سيأتي.
ومدار الحديث على خيثمة هذا، وله عنه طريقان:
1- طريق منصور بن المعتمر.
أخرجه المصنف هنا من طريق جرير عنه.
ومن طريق المصنف أخرجه الطبراني في "الكبير" (18 / 166 رقم 371) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 564 رقم 2388) .
ولفظ الطبراني مختصر هكذا: ( ... سعيد بن منصور، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ منصور، عن حثمة بن أبي حثمة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: ((مَنْ قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيأتي أقوام يقرأون القرآن ويسألون الناس به)) ) .
وأما لفظ البيهقي فمثل لفظ المصنف، إلا أنه وقع عنده: (يطوف ويقرأ) ، و: (فيجتمع) ، و: (كنت مع عمران بن حصين) ، و: (فمّر به السائل) ، و: (فيسألون) .
وأخرجه الإمام أحمد في "المسند" (4 / 436 - 437) .
والآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص108 رقم 42) .
والطبراني في "الكبير" (18 / 167 رقم 372) . =(1/188)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ثلاثتهم من طريق يزيد بن هارون، عن شريك، عن منصور، عن خيثمة، به نحوه، إلا أن رواية الطبراني مثل روايته السابقة، وفيه: (حثمة بن أبي حثمة) .
وأخرجه الطبراني أيضًا (18 / 167 رقم 373) من طريق إدريس الكوفي، عن منصور، عن رجل، عن الحسن، عن عمران، به نحو روايته السابقة. وأخرجه أيضًا (18 / 166 رقم 370) من طريق سهيل بن عثمان، عن زياد بن عبد الله وعبيدة بن حميد، كلاهما عن منصور، عن حثمة بن أبي حثمة، عن الحسن، به نحو لفظ المصنف.
2- طريق الأعمش، عن خيثمة.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 480 رقم 10051) .
وأحمد في "المسند" (4 / 439) .
والترمذي في "سننه" (8 / 234 - 235 رقم 3084) .
والبيهقي في "الشعب" (5 / 563 - 564 رقم 2387) .
جميعهم من طريق أبي أحمد الزبيري، عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن خيثمة، به نحوه.
وخالفه عبد الرزاق، ومؤمل.
أما عبد الرزاق فأخرجه الإمام أحمد (4 / 432) من طريقه، عن سفيان، عن الأعمش، عن خيثمة، أو عن رجل، عن عمران بن حصين، قال: مر برجل ... فذكره بنحوه.
وأما مؤمل، فأخرجه الإمام أحمد أيضًا (4 / 445) من طريقه، عن سفيان، عن الأعمش، عن خيثمة، ليس فيه عن الحسن البصري، قال: مرّ عمران بن حصين برجل ... ، فذكره بنحو سابقه.
والصواب رواية أبي أحمد الزبيري، فإنه قد وافقه محمد بن يوسف الفريابي، وقبيصة بن عقبة.
أخرجه الطبراني (18 / 167 رقم 374) من طريقهما، به نحوه، إلا أنه وقع =(1/189)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= عنده (حثمة بن أبي حثمة) ، وهذه التسمية وردت في جميع الروايات السابقة في "معجم الطبراني الكبير" المطبوع، ولا شك أنها خطأ، لأمرين:
1- جميع المراجع التي أخرجت الحديث ليست فيها هذه التسمية، وإنما هي بالخاء بعدها ياء.
2- لم أجد فيما لدي من كتب التراجم من اسمه هكذا: (حثمة بن أبي حثمة) ، بل الذي يطلع على مصادر ترجمة خيثمة السابقة يجزم بأنه هو، فهو الذي يروي عن الحسن البصري، وعنه منصور والأعمش.
وأخرجه الآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص106 - 107 رقم 41) .
والبيهقي في "الشعب" (5 / 562 - 563 رقم 2386) .
أما الآجري فمن طريق سعد بن الصلت، وأما البيهقي فمن طريق الحسن بن عمارة، كلاهما عن الأعمش، عن خيثمة، عن الحسن، فذكره بنحوه هكذا، فوافقا رواية أبي أحمد الزبيري ومن وافقه للحديث عن سفيان، عن الأعمش.
والحديث أخرجه محمد بن نصر في "قيام الليل" من طريقين كما في مختصره (ص163 - 164) ، ولم يذكر المختصر سند هاتين الروايتين.
وله شاهد من حديث أبي سيعد الخدري - رضي الله عنه -.
أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص137 رقم 343) .
ومحمد بن نصر في "قيام الليل" كما في "المختصر" (ص163) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 564 - 565 رقم 2389) .
ثلاثتهم من طريق ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، قال: ((تعلموا القرآن، واسألوا الله به قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة نفر: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرأه لله عز وجل)) .
هذا لفظ أبي عبيد، لفظ الآخرين نحوه.
وسنده ضعيف. =(1/190)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= عبد الله بن لهيعة - بفتح اللام وكسر الهاء - ابن عقبة الحضرمي، أبو عبد الرحمن المصري القاضي يروي عن الأعرج وأبي الزبير ويزيد بن أبي حبيب وعطاء بن أبي رباح وموسى بن وَرْدان وغيرهم، روى عنه ابن المبارك وابن وهب وعبد الله بن يزيد المقرئ والوليد بن مسلم وسعيد بن أبي مريم وقتيبة بن سعيد وغيرهم، وكانت ولادته سنة ست وتسعين للهجرة، ووفاته سنة أربع وسبعين ومائة، وهو ممن كثر الكلام فيه. قال قتيبة بن سعيد: حضرت موت ابن لهيعة، فسمعت الليث يقول: ((ما خلَّف مثله)) . وقال الإمام أحمد: ((من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه)) .
وكان يحيى بن سيعد لا يراه شيئًا. وقال ابن مهدي: ((لا أحمل عنه قليلاً ولا كثيرًا)) .
قلت: ومن جرحه قد فسّر الجرح، فابن مهدي لما ذكر كلامه السابق، قال: ((كتب إليّ ابن لهيعة كتابًا فيه: حدثنا عمرو بن شعيب. قال عبد الرحمن بن مهدي: فقرأته على ابن المبارك فأخرجه إليّ ابن المبارك من كتابه عن ابن لهيعة، قال: حدثني إسحاق بن أبي فروة، عن عمرو بن شعيب)) . اهـ.
وأما ثناء من أثنى عليه من الأئمة، فلأجل صلاحه، كان قد احترقت كتبه سنة تسع وستين ومائة، فما كان من روايته قبل احتراق كتبه فهو أحسن حالاً مها بعد اختلاطه بسبب احتراقها، ولذا قالوا: إن من سمع منه في أول أمره أحسن حالاً في روايته ممن سمع منه بآخرة، وذلك كابن المبارك، وابن وهب، ونحوهما، وبعضهم ألحق روايتهم عنه بالصحيح، وردّها بعضهم. قال ابن أبي حاتم: ((قلت لأبي: إذا كان من يروي عن ابن لهيعة مثل ابن المبارك، فابن لهيعة يحتج به؟ قال: لا)) . اهـ.
وأما وصف الإمام أحمد ابن لهيعة بالضبط والإتقان كما في عبارته السابقة، =(1/191)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= فلعله عنى به في أول أمره، فقد روى عنه حنبل قال: ((ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيرًا مما أكتب أعتبر به، وهو يَقوي بعضُه ببعض)) . اهـ.
والكلام في ابن لهيعة يطول، وأحسن من فصل في حاله - فيما أرى-: ابن حبان؛ حيث قال: ((كان شيخًا صالحًا، ولكنه كان يدلّس عن الضعفاء قبل احتراق كتبه، ثم احترقت كتبه في سنة سبعين ومائة قبل موته بأربع سنين، وكان أصحابنا يقولون: إن سماع من سمع منه قبل احتراق كتبه مثل العبادلة، فسماعهم صحيح، ومن سمع منه بعد احتراق كتبه فسماعه ليس بشيء، وكان ابن لهيعة من الكتّابين للحديث، والجمّاعين للعلم، والرحّالين فيه ... قال أبو حاتم [أي ابن حبان] : قد سبرت أخبار ابن لهيعة من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه، فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه موجودًا، وما لا أصل له من رواية المتقدّمين كثيرًا، فرجعت إلى الاعتبار، فرأيته كان يدلس عن أقوام ضعفى عن أقوام رآهم ابن لهيعة ثقات، فالتزقت تلك الموضوعات به ... ، وأما رواية المتأخرين عنه بعد احتراق كتبه، ففيها مناكير كثيرة، وذاك أنه كان لا يبالي ما دفع إليه قراءة، سواء كان ذلك من حديثه أو غير حديثه. فوجب التنكُّب عن رواية المتقدمين عنه قبل احتراق كتبه؛ لما فيها من الأخبار المدلّسة عن الضعفاء والمتروكين، ووجب ترك الاحتجاج برواية المتأخرين عنه بعد احتراق كتبه؛ لما فيه مما ليس من حديثه)) . اهـ.
من "المجروحين" (2 / 11 - 14) ، وانظر: "الجرح والتعديل" (5 / 145 - 148 رقم 682) ، و"الكامل" لابن عدي (4 / 1462 - 1472) ، و"التهذيب" (5 / 373 - 379 رقم 648) ، و"طبقات المدلسين" (ص142 رقم 140) .
وعليه فالحديث بمجموع حديثي عمران وأبي سعيد حسن لغيره، وقد حسّنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1 / 2 / 117 رقم 257) .(1/192)
46- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا حَزْمُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ (1) ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ((مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ مِائَةَ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ، وَمَنْ قَرَأَ مِائَتَيْ آيَةٍ لَمْ يُحَاجِّهِ الْقُرْآنُ، وَمَنْ قَرَأَ خَمْسَمِائَةِ آيَةٍ أَصْبَحَ لَهُ قِنْطَارٌ (مِنَ) (2) الْأَجْرِ، وَالْقِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا (3)) ) .
__________
(1) هو حَزْم - بسكون الزاي - ابن أبي حزم القُطَعي - بضم القاف، وفتح الطاء -، أبو عبد الله البصري، روى عن الحسن البصري وعاصم الأحول وسليمان التيمي وغيرهم، روى عنه هنا سعيد بن منصور وروى عنه أيضًا ابن المبارك ومعتمر بن سليمان ومسدّد وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمس وسبعين ومائة، وهو ثقة روى له البخاري كما في "الكاشف" للذهبي (1 / 215 رقم 1000) ، ووثقه أحمد وابن معين والدراقطني. وقال أبو حاتم: ((صدوق لا بأس به، هو من ثقات من بقي من أصحاب الحسن)) . وقال النسائي: ((لا بأس به)) . وذكره ابن شاهين في "الثقات".
وأما ابن حبان فشذّ، فذكره في "الثقات"، وقال: ((يخطئ)) ، واعتمد ابن حجر على عبارته هذه، فقال في "التقريب": ((صدوق يهم)) . وجرح ابن حبان له غير مفسّر، وهو معارض بتوثيق هؤلاء الأئمة فلا يلتفت إليه.
انظر: "الجرح والتعديل" (3 / 294 رقم 1209) ، و"سؤالات البرقاني" للدارقطني (ص26 رقم 116) ، و"تاريخ أسماء الثقات" لابن شاهين (ص74 رقم 306) ، و"التهذيب" (2 / 242 - 243 رقم 442) ، و"التقريب" (ص157 رقم 1190) .
(2) في الأصل: ((في)) ، وما أثبته من الموضع الآتي من "سنن الدارمي"، و"قيام الليل" لمحمد بن نصر.
(3) في الأصل: ((12 ألفًا)) .
[46] سنده ضعيف لإرساله، وهو صحيح إلى مرسله الحسن البصري.
وأخرجه الدارمي في "سننه" (2 / 334 - 335 رقم 3462) من طريق يونس، عن الحسن، به بلفظ: ((مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ مِائَةَ آية لم يحاجّه القرآن تلك الليلة، =(1/193)
47- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْبَصْرِيِّ (1) ، عَنْ طَاوُسٍ (2) أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ قِرَاءَةً مِنْ طَلْق بْنِ حَبِيبٍ (3) ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ، وَسُئِلَ مَنْ أَقْرَأُ النَّاسِ؟ قَالَ: ((مَنْ إِذَا سَمِعْتَ قِرَاءَتَهُ رَأَيْتَ أَنَّهُ يَخْشَى اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ -)) .
__________
= ومن قرأ في ليلة مائتي آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ، ومن قرأ في ليلة خمسمائة آية إلى الألف أصبح وله قنطار من الأجر)) ، قالوا: وما القنطار؟ قال: ((اثنا عشر ألفًا)) .
وأخرجه مسدد في "مسنده" كما في "المطالب العالية" (3 / 299 رقم 3525) .
ومحمد بن نصر في "قيام الليل" كما في "المختصر" (ص147 - 148) .
وابن الضريس كما في "كنز العمال" (7 / 799 رقم 21463) .
جميعهم بنحو لفظ الدارمي وزيادة قوله: ((وإن أصفر البيوت من الخير: بيت لا يقرأ فيه القرآن)) ، وفي "كنز العمال": ((أصبح له قنطار في الجنة)) ، وليس فيه، ولا عند ابن نصر قوله: ((اثنا عشر ألفًا)) ، وإنما قال: ((دية أحدكم)) ، وفي "المطالب": ((دية أحدكم اثنا عشر ألفًا)) .
(1) هو ابن أبي المُخَارق، ضعيف تقدمت ترجمته في الحديث رقم [28] .
(2) هو طاوس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن الحميري، مولاهم، الفارسي، يقال اسمه: ذكوان، وطاوس لقب، روى عن العبادلة الأربعة وأبي هريرة وعائشة وغيرهم، روى عنه ابنه عبد الله وسليمان التيمي والزهري وعبد الكريم الجَزَري وعبد الكريم بن أبي المخارق وغيرهم، ومات سنة إحدى، وقيل: ست ومائة، وقيل غير ذلك، وهو ثقة فقيه فاضل، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص281 رقم 3009) . قال ابن عباس: ((إني لأظن طاووسًا من أهل الجنة)) .
ووثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة. وقال ابن حبان: ((كان من عباد أهل اليمن، ومن سادات التابعين، وكان قد حجّ أربعين حجة، وكان مستجاب الدعوة)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (4 / 500 - 501 رقم 2203) ، و"تاريخ الثقات" للعجلي (ص234 رقم 720) ، و"التهذيب" (5 / 8 -10 رقم 14) . =(1/194)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= (3) هو طَلْق - بسكون اللام - ابن حبيب العَنَزي - بفتح المهملة والنون -، البصري، روى عن ابن عباس وابن الزبير وعبد اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وجابر وأنس وغيرهم، روى عنه طاوس والأعمش ومنصور وابن المعتمر وسليمان التيمي وغيرهم، ذكره البخاري في "التاريخ الأوسط" في فصل من مات بعد التسعين إلى المائة من الهجرة، وهو ثقة عابد مرجئ. قال حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوبَ، قال لي سعيد بن جبير: ((لا تجالسه)) . قال حماد: ((وكان يرى الإرجاء)) . وقال ابن سعد: ((كان مرجئًا، ثقة - إن شاء الله تعالى -)) . وقال العجلي: ((بصري ثقة)) . وقال أبو زرعة: ((ثقة، لكن كان يرى الإرجاء)) . وقال أبو حاتم: ((صدوق في الحديث، وكان يرى الإرجاء)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (4 / 490 - 491 رقم 2157) ، و"تاريخ الثقات" للعجلي (ص237 رقم 729) ، و"التهذيب" (5 / 31 - 32 رقم 49) .
[47] سنده ضعيف لضعف عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ واضطرابه في الحديث، وهو حسن لغيره كما سيأتي.
فالحديث له عن طاوس سبعة طرق:
1- طريق عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ، وله عنه ثلاثة طرق:
أ- طريق سفيان بن عيينة، عنه، عن طاوس من قوله.
أخرجه المصنف هنا عن سفيان.
ب- طرق ابن جريج.
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2 / 488 رقم 4185) عنه، عن عبد الكريم، عن طاوس، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - ... ، فذكره مرفوعًا بنحوه، إلا أنه نص على أن القائل: ((ما سمعت قراءة أطيب من قراءة طلق ابن حبيب)) هو طاوس.
تنبيه: وقع في المصنف: ( ... من قراءة حبيب) ، وعلق المحقق عليه بقوله: ((لعل الصواب: ابن حبيب، وهو عبد الله بن حبيب، أبو عبد الرحمن =(1/195)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= السلمي المقرئ المعروف)) . اهـ.
قلت: والصواب كما في هذا الحديث أنه طلق بن حبيب.
جـ- طريق مسعر، واختلف عليه.
فأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 464 - 465 رقم 9694) من طريق أبي أسامة، عنه، عن عبد الكريم، عن طاوس، سئل: مَنْ أَقْرَأُ النَّاسِ؟ قَالَ: مَنْ إذا قرأ رأيته يخشى الله. قال: وكان طلق من أولئك.
هكذا أخرجه ابن أبي شيبة، إلا أن المحقق بعد قوله: (سئل) زاد: [النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] . وذكر أن هذه الزيادة من "سنن الدارمي"، مع أن الدارمي أخرجه من غير طريق أبي أسامة كما سيأتي.
وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا (2 / 522) .
ومحمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" كما في تخريج أحاديث "إحياء علوم الدين" (2 / 709) .
كلاهما من طريق وكيع، عن مسعر، عن عبد الكريم، عن طاوس، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - مرسلاً، ولم يذكر قوله: ((عن طلق بن حبيب)) .
وكذا أخرجه الدارمي في "سننه" (2 / 338 رقم 3492) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 110 - 111 رقم 1959) .
كلاهما من طريق جعفر بن عون، عن مسعر، به نحو سابقه.
وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (2 / 693) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4 / 19) ، وفي "أخبار أصبهان" (2 / 90) .
والبيهقي في "الشعب" (5 / 109 - 110 رقم 1958) .
ثلاثتهم من طريق إسماعيل بن عمرو البجلي، عن مسعر، عن عبد الكريم، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مرفوعًا بنحو سابقه.
وأخرجه البزار في "مسنده" (3 / 98 رقم 2336 /"كشف الأستار") .
وابن أبي داود في كتاب "الشريعة" كما في "تخريج أحاديث الإحياء" (2 / 709) . =(1/196)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين" (ل 181 / أ) .
وابن عدي في "الكامل" (2 / 693) .
وتمام في "فوائده" (ص817 رقم 1449) .
والخطيب في "تاريخه" (3 / 208) .
جميعهم من طريق حميد بن حماد بن خُوار، عن مسعر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر مرفوعاً، بنحو سابقه.
قال البزار عقبة: ((لم يتابع حميد على روايته هذه، إنما يرويه مسعر، عن عبد الكريم، عن مجاهد مرسلاً ومسعر لم يحدّث عن عبد الله بن دينار بشيء، ولم نسمع هذا إلا من محمد بن معمر، أخرجه إلينا من كتابه)) .
وقال ابن عدي: ((وهذا عن مسعر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، لم يروه إلا حُميد بن حماد هذا، وقد روي هذا الحديث عن مسعر لون آخر (كذا) ، عن عبد الكريم المعلِّم، عن طاوس، سئل النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - - مرسل....)) ، ثم أخرجه من طريق إسماعيل بن عمرو، عن مسعر كما سبق، ثم قال: ((والروايتان جميعًا غير محفوظتين، والصحيح مرسل عن طاوس، قال: سئل النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رواه أبو أسامة ومحمد بن بشر وشعيب بن إسحاق وغيرهم، عن مسعر مرسلاً)) . اهـ.
وقال الخطيب: ((تفرد بروايته ابن خُوار، وخالفه إسماعيل بن عمرو، عن مسعر، عن عبد الكريم، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -)) .
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7 / 170) : ((فيه حميد بن حماد بن خوار (في الأصل: حوار) وثقه ابن حبان وقال: ربما أخطأ، وبقية رجال البزار رجال الصحيح)) .
قلت: من خلال النظر في طرق الحديث عن مسعر يتضح أنه روي عنه على أربعة أوجه: فأبو أسامة رواه عنه على أنه من قول طاوس كما عند المصنف هنا. ووكيع وجعفر بن عون روياه عنه، به إلى طاوس مرسلاً. =(1/197)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وإسماعيل بن عمرو البجلي رواه عنه، به إلى طاوس، عن ابن عباس مرفوعًا.
وحميد بن حماد رواه عنه، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر مرفوعًا.
أما روايتا إسماعيل وحميد فلا يلتفت إليهما، لضعفهما ومخالفتهما لمن هو أوثق منهما.
فإسماعيل بن عمرو بن نجيح البجلي، الكوفي، ثم الأصبهاني يروي عن سفيان الثوري والأعمش ومسعر وغيرهم، روى عنه عبيد بن الحسن الغزال والفضل بن أحمد وعبد السلام بن حرب، وكانت وفاته سنة سبع وعشرين ومائتين، وهو ضعيف؛ ضعفه أبو حاتم والدارقطني وابن عدي، وزاد: ((له عن مسعر غير حديث منكر لا يتابع عليه)) . وقال الأزدي: ((منكر الحديث)) .
وقال العقيلي: ((في حديثه مناكير، ويحيل على من لا يحتمل)) . وقال أبو الشيخ: ((غرائب حديثه تكثر)) . وقال الخطيب: ((صاحب غرائب ومناكير عن الثوري وغيره)) . وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ((يغرب كثيرًا)) . وذكره إبراهيم بن أَوَرْمَة فأحسن الثناء عليه.
انظر: "الضعفاء والمتروكين" للعقيلي (1 / 86) ، والثقات لابن حبان (8 / 100) ، و"الكامل" لابن عدي (1 / 316 - 317) ، و"الميزان" (1 / 239 رقم 922) ، و"اللسان" (1 / 425 - 426 رقم 1323) .
وحُميد بن حمّاد بن خُوار - بضمّ المعجمة وتخفيف الواو -، ويقال: ابن أبي الخوار، التميمي، أبو الجَهْم، يروي عن الأعمش وسماك بن حرب والثوري ومسعر وغيرهم، روى عنه أبو كريب ومحمود بن غيلان وزيد بن الحباب وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمس عشرة ومائتين، وهو ليّن الحديث كما في "التقريب" (ص181 رقم 1543) . فقد ضعفه أبو داود وابن قانع. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: ((ربما أخطأ)) . وقال ابن عدي: ((يحدث عن الثقات بالمناكير)) ، وفي موضع آخر قال: ((قليل الحديث، وبعض حديثه على قلّته لا يتابع عليه)) ، وقال الدارقطني: ((يعتبر به)) .
انظر: "الثقات" لابن حبان (8 / 196 - 197) ، و"الكامل" لابن عدي (2 / 693 - 694) ، و"التهذيب" (3 / 37 - 38 رقم 64) . =(1/198)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وعليه فيبقى الخلاف بين رواية أبي أسامة، وبين رواية وكيع وجعفر بن عون، وهو خلاف يسير، والراجح رواية وكيع وجعفر، كلاهما عن مِسْعَر، عن عبد الكريم، عن طاوس مرسلاً، فكل من وكيع وجعفر قد تابع الآخر، ووكيع بمفرده أوثق من أبي أسامة، وثلاثتهم ثقات.
أما أبو أسامة، فاسمه حماد بن أسامة القرشي مولاهم، الكوفي، المشهور بكنيته، روى عن هشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش وسفيان الثوري وشعبة ومِسْعَر بن كِدَام وغيرهم، روى عنه الإمامان الشافعي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه وابنا أبي شيبة وغيرهم، وكانت وفاته سنة إحدى ومائتين وهو ابن ثمانين سنة، وهو ثقة ثبت، متفق على الاحتجاج به، إلا أنه ربما دلّس، لكنه يبيّن تدليسه، وقد أورده الحافظ ابن حجر في الطبقة الثانية من "طبقات المدلسين"، وهم من احتمل الأئمة تدليسه. وقد وثقه ابن معين والعجلي، وقال ابن سعد: ((كان ثقة مأمونًا كثير الحديث، يدلّس ويبيّن تدليسه، وكان صاحب سنة وجماعة)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (3 / 132 - 133 رقم 600) ، و"التهذيب" (3 / 2 - 3 رقم 1) ، و"التقريب" (ص177 رقم 1487) ، و"طبقات المدلسين" (ص59 رقم 44) .
وقد قيل: إن سفيان الثوري قال: ((إني لأعجب، كيف جاز حديث أبي أسامة! كان أمره بيِّنًا، كان من أسرق الناس لحديث جيّد)) .
وأورد الذهبي أبا أسامة هذا في "ميزان الاعتدال" (1 / 588 رقم 2235) ، وذكر هذا القول المرويّ عن سفيان، وذكر أنه روي بدون إسناد، ثم قال: ((قلت: أبو أسامة لم أورده لشيء فيه، ولكن ليعرف أن هذا القول باطل. وقد روى عنه أحمد وعلي وابن معين وابن راهويه. وقال أحمد: ثقة من أعلم الناس بأمور الناس وأخبارهم بالكوفة، وما كان أرواه عن هشام، وما كان أثبته! لا يكاد يخطئ)) . اهـ. =(1/199)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ووكيع بن الجّراح بن مَليح الرُّؤاسي- بضم الراء، وهمزة، ثم مهملة -، أبو سفيان، الكوفي، روى عن أبيه وإسماعيل بن أبي خالد وهشام بن عروة والأعمش وسفيان الثوري وشعبة ومسعر بن كدام وغيرهم، روى عنه عبد الرحمن بن مهدي والإمام أحمد وعلي بن المديني ويحيى بن معين وإسحاق بن راهويه وابنا أبي شيبة وغيرهم، وكانت ولادته سنة ثمان وعشرين ومائة، ووفاته سنة ست وتسعين ومائة، وهو ثقة حافظ عابد روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص581 رقم 7414) . قال الإمام أحمد: ((ما رأيت أوعى للعلم من وكيع، ولا أحفظ منه)) . وقال أيضًا: ((كان مطبوع الحفظ. وكان وكيع حافظًا حافظًا، وكان أحفظ من عبد الرحمن بن مهدي كثيرًا كثيرًا)) .
وقال ابن معين: ((والله ما رأيت أحدًا يحدّث لله تعالى غير وكيع، وما رأيت أحفظ منه، ووكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه)) . وقال ابن سعد: ((كان ثقة مأمونًا عاليًا، رفيع القدر، كثير الحديث، حجّة)) . وقال العجلي: ((كوفي ثقة عابد صالح أديب، من حفّاظ الحديث، وكان يفتي)) . وقال يعقوب بن شيبة: ((كان خيرًا، فاضلاً، حافظًا)) . وقال ابن حبان: ((كان حافظًا متقنًا)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (1 / 219 - 232) ، (9 / 37 - 39 رقم 168) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1463 - 1464) ، و"تهذيب التهذيب" (11 / 123 - 131 رقم 211) .
وأما جعفر بن عون بن عمرو بن حُريث المخزومي، فإنه يروي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ والأعمش وهشام بن عروة ومسعر بن كدام وغيرهم، وروى عنه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وعبد بن حميد وابنا أبي شيبة والحسن بن علي الحلواني وغيرهم، وكانت وفاته سنة ست ومائتين، وقيل: سبع ومائتين وهو ابن سبع وثمانين سنة، وقيل: سبع وتسعين سنة، وهو ثقة روى له الجماعة كما في "الكاشف" (1 / 185 رقم 805) . فقد وثقه ابن معين وابن قانع، وذكره ابن حبان وابن شاهين في "الثقات". وقال الإمام أحمد: ((ليس به بأس، كان رجلاً صالحًا)) . وقال أبو حاتم: ((صدوق)) . =(1/200)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= انظر: "الجرح والتعديل" (2 / 485 رقم 1981) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (5 / 71) ، و"التهذيب" (2 / 101 رقم 153) .
2 و 3- طريقا ابن طاوس، والحسن بن مسلم، كلاهما عن طاوس.
أخرجهما أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص98 رقم 230) ، من طريق سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ابن طاوس، عن أبيه، وعن الحسن بن مسلم، عن طاوس، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - ... ، فذكره بنحوه، ولم يذكر قوله عن طلق. وسند هذا الطريق ضعيف.
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج تقدم في الحديث رقم [9] أنه مدلس، وقد عنعن هنا. ومع ذلك فهو مرسل.
4- طريق رجل مبهم، عن طاوس.
أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (ص37 رقم 113) من طريق عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن رجل، عن طاوس قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لَا يَسْمَعُ القرآن من رجل أشهى منه ممن يخشى الله عز وجل)) .
وهذا سند ضعيف لإبهام الراوي عن طاوس، وإرساله.
5- طريق اللَّيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ طاوس.
أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص98 رقم 231) .
وفي "غريب الحديث" (2 / 141) .
في كلا الموضعين من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عليّة، عن ليث، عن طاوس، قال: ((أحسن الناس صوتًا بالقرآن: أخشاهم لله تعالى)) .
وسنده ضعيف.
ليث بن أبي سليم تقدم في الحديث رقم [9] أنه اختلط، فتُرك حديثه.
6- طريق عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (11 / 7 رقم 10852) من طريق ابن لهيعة، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طاوس، عن ابن عباس، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - قال: =(1/201)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ((إن أحسن الناس قراءة: من إذا قرأ يتحزن)) .
ومن طريق الطبراني أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (4 / 19) .
قال الهيثمي في "المجمع" (7 / 170) : ((فيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث، وفيه ضعف)) .
قلت: ابن لهيعة تقدم في الحديث رقم [45] أنه ضعيف ومدلس، وقد عنعن هنا، فالحديث ضعيف بهذا الإسناد لأجله.
وقد خالف الطبراني ابن إشكيب، فإن الطبراني روى هذا الحديث عن شيخه يحيى بن عثمان بن صالح المصري، عن أبيه، عن ابن لهيعة هكذا.
وأخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2 / 58) من طريق ابن إشكيب، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري، ثنا أبي، ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن يزيد، عن ابن شهاب عن عروة، عن عائشة مرفوعًا: ((إن أحسن الناس قراءة: الذي قرأ رُئيت أنه يخشى الله)) .
والأرجح رواية الطبراني، فإنه إمام مشهور.
وأما سعيد بن إشكيب بن كوفي بن رُسْته، فله ترجمة في "أخبار أصبهان" (1 / 328) ، ولم يذكر فيه أبو نعيم جرحًا ولا تعديلاً.
والراوي عنه سعيد بن يعقوب بن سعيد أبو عثمان القرشي السّراج، ذكره أبو نعيم أيضًا في الموضع السابق (1 / 330) ، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.
7- طريق سليمان الأحول، عن طاوس.
أخرجه عبد بن حميد في "مسنده" (2 / 35 رقم 800 / المنتخب) .
ومحمد بن نصر في "قيام الليل" (ص122 / المختصر) .
وابن أبي داود في كاب "الشريعة" كما في "تخريج الإحياء" (2 / 709) .
ثلاثتهم من طريق مرزوق أبي بكر، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - قيل له: أي الناس أحسن =(1/202)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قراءة؟ قال: ((الذي إِذَا سَمِعْتَ قِرَاءَتَهُ رَأَيْتَ أَنَّهُ يخشى الله عز وجل)) .
قلت: وكون الراوي عن طاوس هنا هو سليمان الأحول فيه نظر؛ فإن رواية ابن نصر ليس فيها التصريح بأنه سليمان، وإنما جاءت هكذا: (عن الأحول) ، ورواية ابن أبي داود لم تذكر بتمامها في المرجع السابق، والتصريح بأنه سيلمان إنما هو في رواية عبد بن حميد، والذي يدعو للتوقف أن مرزوقًا الباهلي أبا بكر إنما يروي عن عاصم الأحول كما في "تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1315) ، و"تهذيب التهذيب" (10 / 86 رقم 151) .
وسواء كان سليمان، أو عاصمًا، فهما ثقتان بحمد الله، وهذا الطريق هو أحسن طرق الحديث.
أما سليمان فهو ابن أبي مسلم المكي الأحول، يروي عن طارق بن شهاب وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وأبي سلمة بن عبد الرحمن وطاوس وغيرهم، روى عنه ابن جريج وشعبة وسفيان بن عيينة وغيرهم، وهو ثقة ثقة، قاله أحمد. ووثقه ابن عيينة وابن معين وأبو حاتم وأبو داود والنسائي والعجلي وابن وضاح، وذكره ابن حبان وابن شاهين في "الثقات"، وروى له الجماعة.
انظر: "الجرح والتعديل" (4 / 143 رقم 620) ، و"التهذيب" (4 / 218 رقم 368) ، و"التقريب" (ص254 رقم 2608) .
وأما عاصم فهو ابن سليمان الأحول، أبو عبد الرحمن البصري، روى عن أنس وعبد الله بن سَرْجِس وأبي مجلز لاحق بن حميد والحسن البصري وغيرهم، روى عنه سليمان التيمي وداود بن أبي هند ومعمر وشعبة والسفيانان وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وأربعين ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة، لم يتكلم فيه سوى يحيى القطان، فكأنه بسبب دخوله في الولاية. فقد وثقه أحمد وابن معين وابن المديني وأبو زرعة والعجلي وابن عمار والبزار. وكان يحيى القطان يضعفه ويقول: ((لم يكن بالحافظ)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (6 / 343 - 344 رقم 1900) ، و"تهذيب الكمال" =(1/203)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= المطبوع (13 / 486) ، و"تهذيب التهذيب" (5 / 42 - 43 رقم 73) ، و"التقريب" (ص285 رقم 360) .
وأما مرزوق الباهلي، أبو بكر البصري مولى طلحة، فإنه يروي عن عاصم الأحول وزيد بن أسلم وقتادة ومحمد بن المنكدر وأبي الزبير وغيرهم، روى عنه جعفر بن سليمان ومعتمر بن سليمان وأبو داود الطيالسي وأبو نعيم وغيرهم، وهو صدوق من الطبقة السابعة كما في "التقريب" (ص525 رقم 6555) . قال أبو زرعة: ((ثقة)) . وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: ((يخطئ)) . وقال ابن خزيمة: ((أنا بريء من عهدته)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 264 رقم 1204) ، و"الثقات" لابن حبان (7 / 487) ، و"التهذيب" (10 / 86 - 87 رقم 151) .
وللحديث شاهد من حديث ابن عباس، وجابر، ومن حديث الزهري مرسلاً.
1- أما حديث ابن عباس فأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (3 / 317) من طريق أحمد بن عمر الوكيعي، ثنا قبيصة، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سئل النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي الناس أحسن قراءة؟ قال: ((إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله)) .
قال أبو نعيم: ((هذا حديث غريب من حديث الثوري، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، انفرد به أحمد بن عمر، عن قبيصة)) .
قلت: وعلى فرض ثبوته عن الثوري، فإنه ضعيف لأن ابن جريج مدلِّس ولم يصرح بالسماع، مع أن في ثبوته عن الثوري نظر، فالراوي عن الوكيعي هو العباس بن أحمد بن الحسن بن يزيد، أبو الفضل الوشّاء، يعرف بالمحب، قال عنه إسماعيل بن علي الخطبي: ((كان من الدارسين للقرآن)) ، وقال الخطيب: ((كان أحد الشيوخ الصالحين)) ، وكانت وفاته سنة ثمان وتسعين ومائتين.
انظر: "تاريخ بغداد" (12 / 151 رقم 6613) . =(1/204)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= فهذا الراوي لم يوثق، ومجرد وصفه بالصلاح ودراسة القرآن لا يفيد الضبط، وإنما يفيد العدالة، والصالحون تلتبس عليهم الأحاديث لانشغالهم بالعبادة عن حفظها، وهذا الحديث مما يناسب حال هذا الراوي، وأخشى أن يكون غلط فيه، وصوابه: (قبيصة، عن سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ابن طاوس، عن أبيه، وعن الحسن بن مسلم، عن طاوس، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - ... ) الحديث، هكذا رواه أبو عبيد في "فضائله" عن قبيصة، وتقدم ذكر الحديث من هذا الطريق في الطريقين رقم (2 و 3) .
2- وأما حديث جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -: ((إن من أحسن الناس صوتًا بالقرآن: الذي إذا سمعتموه يقرأ، حسبتموه يخشى الله)) .
فأخرجه ابن ماجه في "سننه" (1 / 425 رقم 1339) . واللفظ له.
والآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص161 رقم 83) .
وابن أبي داود في "الشريعة" كما في "تخريج أحاديث الإحياء" (2 / 708) .
جميعهم من طريق عبد الله بن جعفر المديني، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مُجمِّع، عن أبي الزبير، عن جابر، به.
قال البوصيري، في "الزوائد" (1 / 435 - 436) : ((هذا إسناد ضعيف لضعف إبراهيم بن إسماعيل بن مُجَمِّع، وعبد الله بن جعفر)) .
3- وأما مرسل الزهري، فأخرجه ابن المبارك في "الزهد" (ص37 - 38 رقم 114) ، فقال: أخبرنا يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قال: بلغنا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - قال: ((إن من أحسن الناس صوتًا بالقرآن: الذي إذا سمعته يقرأ أُريت أَنَّهُ يَخْشَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ)) .
ومن طريق ابن المبارك أخرجه الآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص163 رقم 84) .
ويونس بن يزيد هو ابن أبي النَّجاد الأَيْلي - بفتح الهمزة، وسكون التحتانية، بعدها لام -، أبو يزيد مولى آل أبي سفيان، يروي عن =(1/205)
48- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي السَّفَر (1) ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: ((إِنَّا قَوْمٌ أُوتِينَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نُؤْتَى الْقُرْآنَ، وَإِنَّكُمْ قَوْمٌ أُوتِيتُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تؤتوا الإيمان)) .
__________
= الزهري ونافع مولى ابن عمر وهشام بن عروة وعكرمة وغيرهم، روى عنه عبد الله بن المبارك والليث بن سعد والأوزاعي وغيرهم، وكانت وفاته بصعيد مصر سنة تسع وخمسين ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة، إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلاً، وفي غير الزهري خطأ. فقد وثقه أحمد مطلقًا وابن معين والعجلي والنسائي ويعقوب بن شيبة والجمهور، واحتج به الجماعة. وقال وكيع: ((سيء الحفظ)) . قوال الميموني سئل أحمد: من أثبت في الزهري؟ قال: معمر، قيل: فيونس؟ قال: روى أحاديث منكرة، وقال ابن سعد: ((كان كثير الحديث، وليس بحجة، وربما جاء بالشيء المنكر)) . وقال الحافظ ابن حجر عنه: ((ثقة حافظ)) . وقال أيضًا: ((وثقه الجمهور مطلقًا، وإنما ضعفوا بعض روايته حيث يخالف أقرأنه، أو يحدث من حفظه، فإذا حدث من كتابه فهو حجّة)) . وعدّ الذهبي جرح وكيع وابن سعد شذوذًا، وقال عنه: ((ثقة حجة)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (9 / 247 - 249 رقم 1042) ، و"الميزان" (4 / 484 رقم 9924) ، و"هدي الساري" (ص455) ، و"فتح الباري" (3 / 551) ، و"التهذيب" (11 / 450 - 452 رقم 769) ، و"التقريب" (ص614 رقم 7919) .
وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق يصل لدرجة الحسن لغيره - إن شاء الله -، والله أعلم.
(1) هو سعيد بن يُحْمِد - بضم الياء التحتانية، وكسر الميم -، أبو السَّفَر - بفتح المهملة والفاء-، الهَمْداني، الثوري، الكوفي، روى عن ابن عباس وعبد الله بن عُمر وعبد الله بن عَمرو والبراء بن عازب وغيرهم، روى عنه ابنه عبد الله =(1/206)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وإسماعيل بن أبي خالد ومُطَرِّف بن طريق والأعمش وشعبة وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص242 رقم 2413) . فقد وثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان، وقال أبو حاتم: ((صدوق)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن عبد البر: ((أجمعوا على أنه ثقة فيما روى وحمل)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (4 / 73 رقم 307) ، و"التهذيب" (4 / 96 - 97 رقم 162) .
وأبو السفر يروي الحديث هنا عن حذيفة بن اليمان، ولم أجد له عنه رواية في غير هذا الموضع، ولا من نصّ على أنه سمع منه، ولا أظنه سمع منه، فالفرق بين وفاتيهما يقرب من سبع وسبعين سنة، وفي الموضع السابق من "التهذيب" النص على أن روايته عن أبي الدرداء مرسلة، ونقل الحافظ ابن حجر في نهاية ترجمته عن الترمذي قوله: ((لا أعرف له سماعًا من أبي الدرداء)) ، ثم عقّب ابن حجر على قول الترمذي بقوله: ((ما أظنه أدركه، فإن أبا الدرداء قديم الموت)) . اهـ.
قلت: ووفاة حذيفة قريبة من وفاة أبي الدرداء، أما حذيفة فوفاته كانت ست وثلاثين للهجرة، وأما أبو الدرداء، فقيل سنة أربع، وقيل ثلاث، وقيل اثنتين وثلاثين.
انظر: "التهذيب" (2 / 220) و (8 / 176) .
[48] الحديث سنده رجاله ثقات، إلا أنه ضعيف للانقطاع بين أبي السفر وحذيفة، لكنه حسن لغيره بالمتابعة الآتية، وصحيح لغيره بما سيأتي له من شواهد.
وقد أخرجه البيهقي في "سننه" (3 / 120) في الصلاة، باب: البيان أنه إنما قيل: يؤمّهم أقرؤهم، أخرجه من طريق المصنّف به مثله سواء.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (15 / 19 رقم 18985) ، فقال: حدثنا عبد الله بن نمير، قال: حدثنا الصلت بن بهرام، قال: أخبرنا المنذر بن هوذة، عن خرشة، أن حذيفة دخل المسجد، فمر على قوم يقرئ بعضهم بعضًا، فقال: إن تكونوا على الطريقة، لقد سبقتم سبقًا بعيدًا، وإن تدعوه فقد ضللتم. قال: =(1/207)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ثم جلس إلى حلقة، إنا كنا قومًا آمنا قبل أن نقرأ، وإن قومًا سيقرأون قبل أن يؤمنوا. فقال رجل من القوم: تلك الفتنة، قال: أجل، قد أتتكم من أمامكم حيث تسوء وجوهكم، ثم لتأتينكم ديمًا ديمًا، إن الرجل ليرجع، فيأتمر الأمرين: أحدهما عجز، والآخر فجور. قال خرشة: فما برحت إلا قليلاً حتى رأيت الرجل يخرج بسيفه يستعرض الناس.
وسنده ضعيف لجهالة منذر بن هوذة، فإنه لم يرو عنه سوى الصلت بن بهرام، وقد ذكره البخاري في "تاريخه" (7 / 357 رقم 1543) وسكت عنه، وبيض له ابن أبي حاتم (8 / 242 رقم 1096) ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (7 / 480) .
ومن طريق الصلت أخرجه الهروي في "ذم الكلام" (2 / ل 68 / ب - 269 / أ) ، مختصرًا.
وقد ورد نحو هذا من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا، وموقوفًا على عبد الله بن عمر وجندب بن عبد الله - رضي الله عنهم -.
1- أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2 / 172) وتمام في "فوائده كما في الروض البسام" (1 / 92 رقم 22) .
كلاهما من طريق ابن لهيعة، عن حُيَيّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عب الرحمن الحُبُلي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله إني أقرأ القرآن، فلا أجد قلبي يعقل عليه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((إن قلبك حشي الإيمان، وإن الإيمان يعطى العبد قبل القرآن)) .
هذا سياق الإمام أحمد، ونحوه سياق تمام، إلا أنه ليس في سنده ذكر لأبي عبد الرحمن الحبلي.
والحديث من هذا الطريق لضعف ابن لهيعة كما في ترجمته في الحديث رقم [45] .
2- أما حديث عبد الله بن عمر، فيرويه: القاسم بن عوف البكري، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عمر يقول: لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان =(1/208)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قبل القرآن، وتنزل السورة على مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها، كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن، ولقد رأيت اليوم رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، وينثره نثر الدقل. اهـ.
أخرجه النّحاس في "القطع والائتناف" (ص87) .
وابن منده في "الإيمان" (2 / 369 - 370 رقم 207) .
والحاكم في "المستدرك" (1 / 35) .
والهروي في "ذم الكلام" (2 / ل 269 / أ) .
والبيهقي في "سننه" (3 / 120) في الصلاة، باب البيان أنه إنما قيل: يؤمّهم أقرؤهم.
جميعهم من طريق عبد الله بن عمرو الرَّقِّي، عن زيد بن أبي أنسية، عن القاسم، به، واللفظ للنحاس، ونحوه لفظ الباقين، إلا أن الهروي لم يذكر قوله: ((وتنزل السورة ... )) إلخ.
قال ابن منده: ((هذا إسناد صحيح على رسم مسلم والجماعة، إلا البخاري)) .
وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علّة، ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي.
3- وأما حديث جندب بن عبد الله، فلفظه: ((كنا غلمانًا حزاورة مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -، فيُعلِّمنا الإيمان قبل القرآن، ثم يعلمنا القرآن، فازددنا به إيمانًا، وإنكم اليوم تعلّمون القرآن قبل الإيمان)) .
أخرجه الإمام أحمد في "الإيمان" (ل 142 / أ) .
وابن ماجه في "سننه" (1 / 23 رقم 61) في المقدمة، باب: في الإيمان.
وابن منده في "الإيمان" (2 / 370 رقم 208) .
والبيهقي في الموضع السابق من "سننه".
جميعهم من طريق وكيع، عن حماد بن نجيح، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْني، عَنْ =(1/209)
49- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَر (1) ، عَنْ مَعْن (2) ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ((مَا خَيَّب اللَّهُ بَيْتًا أَوَى إِلَيْهِ امْرؤٌ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، أَوْ آلِ عِمْرَانَ، أو بعض صواحبهن)) .
__________
= جندب، به، واللفظ البيهقي، ولفظ الباقين نحوه، إلا أنهم لم يذكروا قوله: ((وإنكم اليوم تعلمون القرآن قبل الإيمان)) .
وأخرجه ابن منده أيضًا من طريق أبي عامر العَقَدي، عن حماد، به مقرونًا بالرواية السابقة، وذكر أن عبد الصمد وغيروه رووه أيضًا عن حماد، ثم قال ابن منده: ((البخاري استشهد بحمّاد هذا وهو صالح)) .
وذكر ابن ماجه في سياقه أن حمادًا هذا ثقة.
وقال البوصيري في "الزوائد" (1 / 55) : ((هذا إسناد صحيح رجاله ثقات)) .
وعليه فالحديث صحيح لغيره بمجموع طرقه السابقة، عدا حديث عبد الله بن عمرو المرفوع فلا يصح، والله أعلم.
(1) هو مسعر بن كِدَام - بكسر أوله، وتخفيف ثانيه - ابن ظَهير الهلالي، أبو سلمة الكوفي، روى عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، وأبي إسحاق السبيعي والأعمش ومنصور بن المعتمر ومعن بن عبد الرحمن وغيرهم، روى عنه ابن المبارك ووكيع ويحيى القطان وأبو نعيم وسفيان بن عيينة وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث أو خمس وخمسين ومائة، وهو ثقة ثبت فاضل روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص528 رقم 6605) . قال يحيى بن سعيد القطان: ((ما رأيت مثل مسعر، كان مسعر من أثبت الناس)) . وقال شعبة: ((كنا نسمى مسعرًا المصحف)) . وقال أحمد: ((كان ثقة خياراً، حديثه حديث أهل الصدق)) . وقال ابن عمار: ((حجة، ومن كان بالكوفة مثله؟)) . وقال العجلي: ((كوفي ثقة ثبت في الحديث)) . ووثقه ابن معين وأبو زرعة.
"الجرح والتعديل" (8 / 368 - 369 رقم 1685) ، و"التهذيب" (10 / 113 - 115 رقم 209) . =(1/210)
50- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: أَتَى عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَوْصِنِي، فَقَالَ: ((إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {يَا أَيُّهَا الذين آمنوا} ، فَأَصْغِ لَهَا سَمْعَكَ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ تُؤْمَرُ بِهِ، أَوْ شَرٌّ تُصْرَفُ عنه)) .
__________
= هو مَعْن بن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود الهُذلي، المسعودي، الكوفي، أبو القاسم القاضي، روى عن أبيه وأخيه القاسم وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وغيرهم، روى عنه الليث بن أبي سُليم وعبد الرحمن بن عبد الله روى له الشيخان كما في "التقريب" (ص542 رقم 6819) . فقد وثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان وابن سعد، وزاد: ((قليل الحديث)) . وقال أبو حاتم: ((صالح)) .
وقال العجلي: ((كان على قضاء الكوفة، وكان صارمًا، عفيفًا، مسلمًا، جامعًا للعلم)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 277 رقم 1270) ، و"التهذيب" (10 / 252 رقم 451) .
قلت: ورواية معن، عن جده عبد الله بن مسعود منقطعة، فإنه لم يدركه، بل إن أباه عبد الرحمن في سماعه من أبيه عبد الله بن مسعود خلاف؛ لأنه توفي ولعبد الرحمن من العمر نحو ست سنين.
انظر: "جامع التحصيل" (ص272) ، و"التهذيب" (6 / 215 - 216) .
[49] سنده ضعيف للانقطاع بين معن وجده عبد الله بن مسعود.
[50] سنده ضعيف لانقطاعه، فمسعر بن كدام لم يسمع من أحد من الصحابة، وإنما هو من طبقة أتباع التابعين، ذكره ابن حبان في "ثقاته" (7 / 507) منهم، وقد خالف ابنُ المبارك سفيانَ كما سيأتي، فرواه عن مسعر، عن عون ومعن، أو أحدهما.
والحديث أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 10 رقم 1886) من طريق المصنف: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سمعت مسعر بن كدام يقول: قال رجل لعبد الله بن مسعود: أَوْصِنِي، قَالَ: إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ عز وجل =(1/211)
51-[ل107/أ] حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ (1) ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (2) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ لَهُ: ((اقْرَأْ عَلَيَّ)) ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! فَقَالَ: ((إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعُهُ مِنْ غَيْرِي)) ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} (3) ، فَاسْتَعبَرَ (4) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمسَكَ عَبْدُ اللَّهِ.
__________
= يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، فأصغ إليها سمعك، فإنه خير توصى به، أو سوء تصرف عنه.
وأخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (ص12 - 13 رقم 36) فقال: أخبرنا مسعر، قال: حدثني عون ومعن، أو أحدهما، أن رجلاً أتى عبد الله بن مسعود، فقال: اعهد إليّ، فقال ... ، فذكره بنحوه.
ومن طريق ابن المبارك أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" (2 / 2) .
والصواب في الحديث أنه عن مسعر، عن معن، عن ابن مسعود، هكذا أخرجه الإمام أحمد في "الزهد" (ص231 رقم 864) عن وكيع، عن مسعر، فوافق فيه ابن المبارك، وأزال الشك في كونه عن معن، أو عون.
والحديث منقطع أيضًا من هذا الطريق، فمعن تقدم في الحديث السابق أنه لم يدرك جده عبد الله بن مسعود.
وقد أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1 / 130) من طريق الإمام أحمد، به.
والحديث سيعيده المصنف في تفسير سورة المائدة، برقم [848] من نفس الطريق.
(1) هو عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بن عتبة بن عبد الله بن مسعود، الكوفي، المسعودي، روى عن أبي إسحاق السبيعي وأبي إسحاق الشيباني وعلقمة بن مرثد =(1/212)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والقاسم بن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود وغيرهم، روى عنه السفيانان وشعبة وهم من أقرانه وجعفر بن عون وأبو داود الطيالسي وأبو نعيم ووكيع وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمس وستين ومائة، هو ثقة اختلط قبل موته، وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، وروايته عن القاسم ومعن وعون وشيوخه الكبار أعدل من روايته عن غيرهم، وقد أطلق القول بتوثيقه عدد من الأئمة منهم: ابن معين، وأحمد، وابن نمير، وابن سعد، ويعقوب بن شيبة، والعجلي، وابن خراش، وجميعهم وصفه بأنه اختلط بآخرة، ونص أحمد على أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، ومن سمع منه بالبصرة والكوفة فقبل الاختلاط. وممن سمع منه بعد الاختلاط: يزيد بن هارون، وحجاج بن محمد الأعور، وعاصم بن علي، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو داود الطيالسي، وعلي بن الجعد.
وممن سمع منه قبل الاختلاط: وكيع، وأبو نعيم، ويحيى بن سعيد القطان، وأمية بن خالد، وبشر بن المفضل، وجعفر بن عون، وخالد بن الحارث، وسفيان ابن حبيب، وسفيان الثوري، أبو قتيبة سَلْم بن قتيبة وطلق بن غنام، وعبد الله بن رجاء، وعثمان بن عمر بن فارس، وعمرو بن مرزوق، وعمرو بن الهيثم، والقاسم بن معن بن عبد الرحمن، ومعاذ بن معاذ العنبري، والنضر بن شميل، ويزيد بن زريع.
قلت: وهذا ما وجدت ممن نُصّ على أنه سمع منه قبل الاختلاط، وينبغي أن يلحق بهم سفيان بن عيينة الراوي عنه هنا، فإنه من أقرانه، وقد قال محمد بن عبد الله بن نمير: ((ما روى عنه الشيوخ مستقيم)) . وقال ابن سعد: ((رواية المتقدمين عنه صحيحة)) . وروايته هنا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وهي مما أثنى عليه العلماء؛ قال ابن المديني: ((كان ثقة، إلا أنه كان يغلط فيما روى عن ابن بهدلة وسلمة، وما روى عن القاسم ومعن صحيح)) . وقال ابن معين: ((كان يغلط ويخطئ فيما يروي عن شيوخه الصغار، كعاصم، وسلمة، والأعمش، بخلاف ما يروي عن الكبار)) . =(1/213)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وقال أيضًا: ((أحاديثه عن الأعمش مقلوبة، وأحاديثه عن القاسم، وعن عون صحيحة)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (5 / 250 - 252 رقم 1197) ، و"الميزان" (2 / 574 - 575 رقم 4907) ، و"التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح" للعراقي (ص452 - 454) ، و"التهذيب" (6 / 210 - 212 رقم 427) ، و"الكواكب النيرات وحاشيته" (ص282 - 298) .
(2) هو القاسم بن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود المسعودي، أبو عبد الرحمن الكوفي، روى عن أبيه وعن ابن عمر وجابر بن سمرة ومسروق بن الأجدع وغيرهم، روى عنه أخوه معن وعبد الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة وأخوه أبو العُميس عتبة بن عبد الله بن عتبة وأبو إسحاق السبيعي وأبو إسحاق الشيباني ومسعر بن كدام وغيرهم، وكانت وفاته سنة عشرين ومائة، وقيل: سنة ست عشرة ومائة، وهو ثقة عابد كما في "التقريب" (ص450 رقم 5469) . قال ابن عيينة: قلت لمسعر: من أثبت من أدركت؟ قال: ((القاسم بن عبد الرحمن وعمرو بن دينار)) . ووثقه ابن معين، وابن خراش، وابن سعد، وزاد: ((كثير الحديث)) .
وقال العجلي: ((كان ثقة رجلاً صالحًا)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (7 / 112 رقم 647) ، و"التهذيب" (8 / 321 - 322 رقم 579) .
قلت: وفي الموضع السابق من "التهذيب" النص على أن روايته عن جده عبد الله بن مسعود مرسلة، وهذه منها.
(3) الآية: (41) من سورة النساء.
(4) من العَبْرة وهي تَحلُّب الدمع.
"النهاية" (3 / 171) .
[51] الحديث ضعيف بهذا الإسناد للانقطاع بين القاسم بن عبد الرحمن وجده عبد الله بن مسعود، وهو صحيح لغيره بما يأتي من الطرق.
فالحديث له عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ثمانية طرق: =(1/214)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= 1- طريق القاسم بن عبد الرحمن الذي أخرجه المصنف هنا.
وتابع المصنف عليه الحميدي، فأخرجه في "مسنده" (1 / 55 رقم 101) عن سفيان بنحوه.
2- طريق أبي الضحى، وهو الآتي برقم [52] .
3- طريق عبيدة السلماني، وهو الآتي برقم [53] ، وهو مخرج في الصحيحين.
4- طريق أبي حيان الأشجعي، وهو الآتي برقم [56] .
5- طريق علقمة، وسيأتي ذكره في تخريج الحديث رقم [53] .
6- طريق أبي زرين مسعود بن مالك.
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1 / 374) .
وأبو يعلى في "مسنده" (9 / 254 - 255 رقم 5375) .
والطبراني في "الكبير" (9 / 80 رقم 8466) .
أما الإمام أحمد والطبراني فمن طريق هشيم، وأما أبو يعلى فمن طريق جرير، كلاهما عن مغيرة، عن أبي رزين، به نحوه.
7- طريق زر.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 564 رقم 10354) .
والنسائي في "الفضائل" (ص109 رقم 102) .
والطبراني في "الكبير" (9 / 78 رقم 8459) .
ثلاثتهم من طريق حسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود، به نحوه.
8- طريق عبد الأعلى القاصّ، عمن أخبره، عن ابن مسعود.
أخرجه أبو يوسف في كتاب "الآثار" (ص46 رقم 234) من طريق أبي حنيفة، عن عبد الأعلى، به نحوه، إلا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - طلب من ابن مسعود قراءتها ثلاث مرات، وفي جميعها يبكي، حين يصل إلى هذه الآية.(1/215)
52- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا (أَبُو) (1) الأحْوَص (2) ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ (3) ، عَنْ أَبِي الضُّحى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِعَبْدِ اللَّهِ: ((اقْرَأْ)) ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَقْرَأُ عَلَيَكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قَالَ: ((إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعُهُ مِنْ غَيْرِي)) وَافْتَتَحَ عَبْدُ اللَّهِ سُورَةَ النِّسَاءِ، وقرأ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} ، ذَرَفَت عيناه (4) ، وقال: ((حسبك)) .
__________
(1) ما بين القوسين سقط من الأصل، فاستدركته من بعض مصادر التخريج الآتية.
(2) هو سلام بن سليم الحنفي، مولاهم، أبو الأحوص الكوفي، روى عن أبي إسحاق السبيعي وعاصم بن سليمان وسماك بن حرب وبيان بن بشر والأعمش ومنصور بن المعتمر وسعيد بن مسروق وغيرهم، روى عنه يحيى بن آدم ووكيع وابن مهدي وأبو نعيم وابنا أبي شيبة وهنّاد بن السَّري ومسدّد وسعيد بن منصور وغيرهم، وكانت وفاته سنة تسعة وسبعين ومائة، وهو ثقة متقن صاحب حديث، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص261 رقم 2703) . قال ابن معين: ((ثقة متقن)) . ووثقه ابن نمير، وأبو زرعة، والنسائي، والعجلي، وزاد: ((صاحب سنة واتباع)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (4 / 259 - 260 رقم 1121) ، و"التهذيب" (4 / 282 - 283 رقم 486) .
(3) سعيد بن مسروق الثوري، والد سفيان، روى عن إبراهيم التيمي وسلمة بن كهيل وأبي وائل شقيق بن سلمة والشعبي وأبي الضحى وغيرهم، روى عنه أولاده سفيان وعُمر ومبارك وشعبة بن الحجّاج وأبو الأحوص وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين ومائة، وقيل: سنة ست، وقيل: سبع وعشرين ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص241 رقم 2393) ؛ وثقه ابن المديني وابن معين وأبو حاتم والعجلي والنسائي. =(1/216)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= انظر "الجرح والتعديل" (4 / 66 رقم 278) ، و"التهذيب" (4 / 82 رقم 142) .
(4) أي جرى دَمْعُها.
انظر: "النهاية" (2 / 159) .
[52] الحديث سنده ضعيف للانقطاع بين أبي الضحى مسلم بن صبيح وبين ابن مسعود، ففي "جامع التحصيل" (ص344) ، و"التهذيب" (10 / 132) النص على أن رواية أبي الضحى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مرسلة، وابن مسعود كانت وفاته سنة اثنتين، وقيل: ثلاث وثلاثين كما في "التهذيب" (6 / 28) ، أي قبل وفاة علي رضي الله عنه بنحو سبع سنين، ولذا قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9 / 99) عن هذا الحديث: ((رواية أبي الضحى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ منقطعة، ووقع في رواية أبي الْأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عن أبي الضحى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - قال لعبد الله بن مسعود ... ، فذكره، وهذا أشد انقطاعًا، أخرجه سعيد بن منصور)) . اهـ. وقصد ابن حجر بقول: ((أشد انقطاعًا)) ؛ لأن رواية المصنف هنا ظاهرها الإرسال، لكن ابن سعد أخرج الحديث في "الطبقات" (2 / 342) متابعًا للمصنف، عن أبي الْأَحْوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عن أبي الضحى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - ... ، فذكره.
وأخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1 / 380) .
والبخاري في "صحيحه" (9 / 98 رقم 5055) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 16 - 17 رقم 1892) .
ثلاثتهم من طريق سفيان الثوري، عن أبيه سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضحى، عن ابن مسعود، به، لكنه مقرون برواية سفيان للحديث عن الأعمش، الآتية في الحديث رقم [53] .(1/217)
53- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ مؤدِّب أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (1) ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبيدة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِعَبْدِ اللَّهِ: ((اقْرَأْ عَلَيَّ)) ، قَالَ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ فَقَالَ: ((إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعُهُ مِنْ غَيْرِي)) ، فَقَرَأَ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} ، قَالَ: فَغَمَزَنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا دُمُوعُهُ تَنْحَدِر.
__________
= (1) هو إبراهيم بن سليمان بن رَزِين، الأُرْدُنِّي، أبو إسماعيل المؤدب، مشهور بكنيته، روى عن الأعمش وعاصم الأحول وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهم، روى عنه ابنه إسماعيل، وابنا أبي شيبة ويحيى بن يحيى النيسابوري وغيرهم، وروى عنه هنا سعيد بن منصور، وهو ثقة من الطبقة التاسعة، فقد وثقه ابن معين والعجلي وأبو داود والدارقطني. وقال الإمام أحمد، والنسائي: ((ليس به بأس)) . وقال ابن خراش: ((كان صدوقًا)) .
"الجرح والتعديل" (2 / 102 - 103 رقم 286) ، و"التهذيب" (1 / 125 - 126 رقم 220) ، و"التقريب" (ص90 رقم 181) .
قلت: النقل عن ابن معين بأنه وثقه جاء في "سؤالات الدارمي له" (ص158 رقم 557) ، و"سؤالات ابن الجنيد" (ص380 رقم 435) ، وسؤالات ابن الهيثم (ص88 رقم 279) ، وكذا نقل عنه جعفر بن أبي عثمان الطيالسي كما في "تاريخ بغداد" (6 / 87) ، وأبو داود كما "تهذيب الكمال" للمزي (2 / 100 / المطبوع) ، ونحوه ما في الموضع السابق من "الجرح والتعديل" نقلاً عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي؛ حيث قال: ((سألت يحيى بن معين عن أبي إسماعيل المؤدب، فقا: ليس به بأس)) . اهـ.
وأما معاوية بن صالح بن أبي عبيد الله الأشعري، فقد روى عنه محمد بن أحمد أبو بشر الدولابي ما نقله عن ابن معين، غير أنه اختلف على الدولابي في هذا النقل. =(1/218)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أما العقيلي في "الضعفاء" (1 / 50) ، وابن عدي في "الكامل" (1 / 249) ، فرويا عنه، عن معاوية بن صالح، قال: سمعت يحيى بن معين قال: ((أبو إسماعيل المؤدب ضعيف)) .
وأما أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس، فروى عنه، عن معاوية بن صالح، قال: ((إبراهيم بن سليمان مؤدب بني أبي عبد الله، قال يحيى بن معين: ثقة صحيح الكتاب، كتبت عنه)) أخرج هذا النقل الخطيب البغدادي في "تاريخه" (6 / 87) ، فقال: أخبرنا يوسف بن رباح البصري، أخبرانا أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس بمصر ... ، فذكره.
وأحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس هذا ذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (16 / 462 رقم 334) ، وقال: ((محدِّث مصر ... ، انتقى عليه الحفاظ، وكان ثقةً خيِّرًا تقيًّا)) .
وشيخ الخطيب يوسف بن رباح بن علي بن موسى، أبو محمد الشاهد البصري قال الخطيب في "تاريخ بغداد" (14 / 328 رقم 7654) : ((كتبنا عنه، وكان سماعه صحيحًا)) .
وعليه فالذي يظهر - والله أعلم - أن الاختلاف من الدولابي نفسه، فإنه متكلم فيه كما يظهر من ترجمته في "لسان الميزان" (5 / 41 - 42 رقم 142) ، وعليه فالصحيح عن ابن معين توثيقه لأبي إسماعيل المؤدب، ولو سلمنا بصحة ما نقل عنه من تضعيفه له، فيحمل على رواية بعينها مما ذُكر أنه يغرب فيه؛ فإن ابن عدي - رحمه الله - لما نقل تضعيف ابن معين له، قال: ((وأبو إسماعيل المؤدِّب لم أجد من ضعفه إلا ما حكاه معاوية بن صالح عن يحيى، وهو عندي حسن الحديث، ليس كما رواه معاوية عن يحيى، وله أحاديث كثيرة غرائب حسانًا (كذا) ، تدلّ على أن أبا إسماعيل من أهل الصدق، وهو ممن يكتب حديثه)) . اهـ. والله أعلم.
[53] الحديث سنده صحيح، وإن كان ظاهره الإرسال، إلا أنه جاء في بقية الروايات التصريح برواية عبيدة له عن ابن مسعود، وبعضها في الصحيحين.
فالحديث مداره على إبراهيم النخعي، وله عنه أربعة طرق: =(1/219)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= 1- طريق الأعمش، وله عنه ستة طرق.
أ- طريق أبي إسماعيل المؤدب إبراهيم بن سليمان، وهو الذي أخرجه المصنف هنا.
ب- طريق حفص بن غياث.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 563 رقم 10352) .
ومن طريق ابن أبي شيبة وغيره أخرجه مسلم في "صحيحه" (1 / 551 رقم 247) .
وأخرجه البخاري في "صحيحه" (9 / 93 رقم 5049) .
وأبو داود في "سننه" (4 / 74 رقم 3668) .
والنسائي في "فضائل القرآن" (ص108 رقم 100) .
ومحمد بن نصر في "قيام الليل" كما في المختصر (ص125) .
والهيثم بن كليب في "مسنده" (ل 88 / ب) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 3 - 14 رقم 1890) و (3 / 62 - 63) .
جميعهم من طريق حفص بن غياث، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - ... فذكره بنحوه.
جـ- طريق عبد الواحد بن زياد.
أخرجه البخاري في "صحيحه" (9 / 98 رقم 5056) بنحوه إلى قوله: ((إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعُهُ مِنْ غيري)) .
ومن طريق البخاري أخرجه البغوي في "شرح السنة" (4 / 490 رقم 1220) .
دـ- طريق علي بن مسهر.
أخرجه مسلم في "صحيحه" (1 / 551 رقم 247) .
وأبو يعلى في "مسنده" (9 / 5 رقم 5069) .
والطبراني في "الكبير" (9 / 78 رقم 8461) . =(1/220)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ثلاثتهم بنحوه.
هـ- طريق سفيان الثوري.
أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (ص36 رقم 110) .
ومن طريق ابن المبارك أخرجه:
الترمذي في "سننه" (8 / 380 رقم 5015) .
والنسائي في "الفضائل" (ص109 - 110 رقم 103) .
والآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص118 - 119 رقم 48) .
وأخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1 / 380 و 432 - 433) .
والبخاري في "صحيحه" (8 / 250 رقم 4582) و (9 / 94 - 98 رقم 5050 و 5055) .
والترمذي في "سننه" أيضًا (8 / 379 رقم 5014) .
وفي "الشمائل" (ص255 رقم 306) .
وأبو يعلى في "مسنده" (9 / 147 رقم 5228) .
والهيثم بن كليب في "مسنده" (ل 88 / ب) .
والبيهقي في "سننه" (10 / 231) ، وفي "دلائل النبوة" (1 / 356) .
وفي "شعب الإيمان" (5 / 16 - 17 رقم 1892) و (3 / 61 - 62 رقم 755) .
جميعهم من طريق سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عن عبيدة، عن عبد الله، به نحوه.
قال الترمذي: ((هذا أصح من حديث أبي الأحوص)) .
قلت: حديث أبي الأحوص فيه مخالفة لجميع هؤلاء كما سيأتي بيانه في الحديث الآتي:
(و) طريق أبي الأحوص. =(1/221)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أخرجه الترمذي قبل الحديث السابق (8 / 378 رقم 5013) .
والنسائي في "الفضائل" (ص109 رقم 101) .
وابن ماجه في "سننه" (2 / 1043 رقم 4194) .
والطبراني في "الكبير" (9 / 80 رقم 8467) .
جميعهم من طريق هناد بن السري، عن أبي الأحوص، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أمرني رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - أن أقرأ عليه وهو على المنبر ... ، الحديث بنحوه، إلا أن ابن ماجه لم يذكر المنبر.
قال الترمذي: ((هكذا روى أبو الأحوص، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ علقمة، عن عبد الله، وإنما هو: إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد الله)) .
قلت: قد روى أيضًا من غير طريق أبي الأحوص، والأعمش.
فقد أخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 79 رقم 8463) من طريق البزار، عن أحمد بن مالك التستري، عن المفضل بن محمد النحوي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ الأعمش ومغيرة، كلاهما عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عبد الله، به نحوه.
هكذا رواه المفضل عن إبراهيم بن مهاجر.
ورواه شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر أيضًا، واختلف على شعبة.
فرواه سليمان بن حرب عنه، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إبراهيم النخعي، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، ليس فيه ذكر للأعمش.
أخرجه الطبراني (9 / 80 رقم 8465) .
ورواه وهب بن جرير، وحجاج بن منهال، كلاهما عن شعبة، عن إبراهيم =(1/222)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ابن مهاجر، عن إبراهيم النخعي، عن عبد الله، ليس فيه ذكر للأعمش ولا لعلقمة.
أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2 / 342) من طريق وهب.
وأخرجه الهيثم بن كليب في "مسنده" (ل 107 / أ) من طريق حجاج.
ورواه عمرو بن مرزوق، عن شعبة، واختلف على عمرو.
فرواه أبو مسلم الكشي، ويوسف القاضي، كلاهما عنه، عن شعبة، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إبراهيم النخعي، عن ابن مسعود.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 79 رقم 8464) عنهما كليهما.
وأخرجه الهيثم في "مسنده" (ل 106 / ب) عن أبي مسلم فقط.
ورواه محمد بن زكريا، عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة، عن إبرهيم بن مهاجر، عن النخعي، عن علقمة، عن ابن مسعود.
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (7 / 203) ، ثم قال: ((رواه غندر والناس (عن) شعبة، فلم يذكروا علقمة، وما كتبته متصلاً من حديث شعبة إلا هكذا)) .
قلت: محمد بن زكريا هذا هو الغلابي، وتقدم في الحديث [23] أنه يضع الحديث، فلا يلتفت إلى روايته هذه، وبه يتبين أن الصواب في هذا الطريق: شعبة، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إبراهيم النخعي، عن ابن مسعود، وهكذا رواه عمرو بن مرة، عن النخعي، وهو الطريق الثاني الآتي:
2- طريق عمرو بن مرّة عن إبراهيم النخعي.
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1 / 380) .
والبخاري في "صحيحه" (8 / 250 رقم 4582) ، (9 / 98 رقم 5055) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 16 - 17 رقم 1892) . =(1/223)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ثلاثتهم من طريق سفيان الثوري، عن الأعمش، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إبراهيم النخعي، عن ابن مسعود، به مقرونًا برواية سفيان الثوري السابقة للحديث عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عبيدة، عن ابن مسعود.
وأخرجه مسلم في "صحيحه" (1 / 551 رقم 248) .
وأبو يعلى في "مسنده" (8 / 435 رقم 5019) .
كلاهما من طريق مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عن إبراهيم، قال: قال النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الله بن مسعود ... ، فذكره بنحوه.
قلت: وهذا الإسناد منقطع بين إبراهيم النخعي وابن مسعود، كما في "فتح الباري" (8 / 251) ، وهو عند مسلم وأبي يعلى أشد انقطاعًا.
فإن قيل: كيف أخرجه الشيخان من هذا الطريق وهو منقطع؟!
فالجواب: إن البخاري إنما أخرجه مقرونًا برواية أخرى موصولة، ومسلم أخرجه متابعًا، ومع ذلك فمراسيل إبراهيم النخعي عن ابن مسعود صحيحة كما سبق بيانه في الحديث [3] .
3- طريق فضيل بن عمرو، عن إبراهيم النخعي، عن عبيدة، عن ابن مسعود. أخرجه الطبراني في "الصغير" (1 / 75) بنحوه، ثم قال: ((لم يروه عن فضيل ابن عمرو إلا أبان بن تغلب، ولا عن أبان بن تغلب إلا القاسم بن معن، ولا عن القاسم إلا بشر، تفرد به ابن الأصفر، وبشر الذي روى هذا الحديث هو بشر بن آدم الأكبر، مات قبل العشرين ومائتين، وبشر بن آدم الأصغر هو ابن بنت أزهر بن سعد السمان، وهما بصريان)) .
4- طريق إبراهيم بن مهاجر، عن النخعي:
أخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 78 - 79 رقم 8462) من طريق أبي كامل الجحدري، عن المفضل بن محمد الكوفي، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إبراهيم النخعي، عن عبيدة، عن عبد الله به نحوه، وزاد في آخره قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)) . =(1/224)
54- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ (1) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَرَأَ عَلْقَمَةُ (2) عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ((رَتِّلْ فِدَاكَ أَبِي، وَأُمِّي، فإنه زين القرآن)) .
__________
= قلت: وسبق في الطريق السادس عن الأعمش ذكر الاختلاف في رواية إبراهيم بن مهاجر للحديث عن الأعمش، فلست أدري، أهذا اختلاف آخر، أم أن إبراهيم حفظ الحديث من هذا الطريق؟
وحديث ابن مسعود هذا ذكره السيوطي في "الدرر المنثور" (2 / 541) وعزاه أيضًا لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(1) هو مغيرة بن مِقْسَم - بكسر الميم -، الضبّي، مولاهم، أبو هشام الكوفي الأعمى، روى عن إبراهيم النخعي وأبي وائل شقيق بن سلمة وعامر الشعبي ومجاهد وغيرهم، روى عنه سليمان التيمي وشعبة والثوري وأبو عوانة وخالد بن عبد الله الطحّان وهشيم وغيرهم، واختلف في سنة وفاته، فقيل توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وقيل: سنة ثلاث، وقيل: أربع، وقيل: ست وثلاثين ومائة، وهو ثقة متقن روى له الجماعة، إلا أنه كان يدلّس، ولا سيّما عن إبراهيم النخعي، وهذا الحديث من روايته عنه بالعنعنة. قال شعبة: ((كان مغيرة أحفظ من الحكم)) ، وفي رواية: ((أحفظ من حماد)) . وقال ابن معين: ((ثقة مأمون)) . وثقه أبو حاتم، والنسائي، وابن سعد، وزاد: ((كثير الحديث)) . وقال العجلي: ((كوفي ثقة، وكان من فقهاء أصحاب إبراهيم وكان عثمانيًا ... ، وكان مغيرة يكنى: أبا هشام، مولى لِضَبَّةَ، فقيه الحديث، إلا أنه كان يرسل الحديث عن إبراهيم، وإذا أوقف أخبره ممن سمعه، وكان يحمل على علي بعض الحمل)) .
وقال الإمام أحمد: ((حديث مغيرة مدخول، عامة ما روى عن إبراهيم إنما سمعه من حماد، ومن يزيد بن الوليد، والحارث العكلي، وعبيدة وغيرهم)) ، وجعل يضعّف حديث مغيرة عن إبراهيم وحده. وقال ابن فضيل: ((كان يدلس، وكنا لا نكتب عنه إلا ما قال: حدثنا إبراهيم)) . وذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة من "طبقات المدلسين"، وهم: من أكثر من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم =(1/225)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= إلا بما صرحوا فيه بالسماع.
انظر "تاريخ الثقات" للعجلي (ص347 رقم 1622) ، و"الجرح والتعديل" (8 / 228 - 229 رقم 1030) ، و"التهذيب" (10 / 269 - 271 رقم 482) ، و"التقريب" (ص543 رقم 6851) ، و"طبقات المدلسين" (ص112 رقم 107) .
(2) هو علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي، أبو شبل الكوفي، ولد في حياة النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وروى عن عمر وعثمان وعلي وسعد وحذيفة وأبي الدرداء وأبي موسى وعائشة وابن مسعود وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه ابن أخيه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قيس وابن أخته إبراهيم بن يزيد النخعي، وعامر الشعبي وأبو وائل شقيق بن سلمة وغيرهم، واختلف في وفاته، فقيل: توفي سنة اثنتين وستين للهجرة، وقيل: سنة ثلاث، وقيل: خمس وستين، وقيل: سنة اثنتين وسبعين، وقيل: ثلاث وسبعين وله تسعون سنة، وهو ثقة ثبت فقيه عابد، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص397 رقم 4681) . قال أحمد: ((ثقة من أهل الخير)) . ووثقه ابن معين، وعثمان بن سعيد الدارمي، وابن سعد، وزاد: ((كثير الحديث)) . وقال مرة الهمداني: ((كان علقمة من الربانيين)) وقال إبراهيم النخعي: ((كان عبد الله يشبه بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هديه ودلّه وسَمْته، وكان علقمة يشبه بعبد الله)) . وفضائله رحمه الله كثيرة، ولا أدلّ على ذلك من قول ابن مسعود له في هذا الحديث: ((فداك أبي وأمي)) .
انظر "طبقات ابن سعد" (6 / 86) ، و"تاريخ الثقات" للعجلي (ص340 - 341 رقم 1161) ، و"الجرح والتعديل" (6 / 404 - 405 رقم 2258) ، و" تاريخ بغداد" (12 / 296 - 300) ، و"التهذيب" (7 / 276 - 278 رقم 484) .
[54] الحديث سنده ضعيف لأن هشيمًا ومغيرة مدلِّسان ولم يصرِّحا بالسماع، وهو صحيح لغيره كما سيأتي، وقد يكون ظاهر الحديث هنا الإرسال، لكن في الروايات الآتية ما يدل على وصله، فإنه روي عن إبراهيم النخعي من أربعة طرق: =(1/226)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= 1- طريق مغيرة:
أخرجه المصنف هنا من طريق هشيم عنه.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص89 رقم 211) .
وابن سعد في "الطبقات" (6 / 86) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (2 / 520) و (10 / 524 رقم 10201) .
والبيهقي في "سننه" (2 / 54) ، وفي "شعب الإيمان" (5 / 124 رقم 1973) .
أما أبو عبيد فمن طريق جرير، وأما ابن سعد وابن أبي شيبة فمن طريق أبي الأحوص، وأما البيهقي فمن طريق علي بن عاصم، ثلاثتهم عن مغيرة، به نحوه، إلا أن ابن سعد وابن أبي شيبة لم يذكر قوله: ((وكان حسن الصوت)) .
2- طريق الأعمش:
أخرجه ابن سعد (6 / 90) .
والبخاري في "خلق أفعال العباد" (ص85 رقم 260) .
والعجلي في "تاريخ الثقات" (ص340) .
والطبراني في "الكبير" (9 / 152 رقم 8695) .
أما ابن سعد والبخاري فمن طريق أبي شهاب، وأما العجلي فمن طريق سفيان الثوري، وأما الطبراني فمن طريق زائدة، ثلاثتهم عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ علقمة، قال: قال لي عبد الله: اقرأ - وكان علقمة حسن الصوت -، فقرأ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَتِّلْ فِدَاكَ أبي وأمي.
هذا لفظ ابن سعد والبخاري، ونحوه لفظ العجلي، إلا أنه لم يذكر قوله: ((وكان علقمة حسن الصوت، ووقع عنده: ((فقرأت)) ، ولفظ الطبراني قريب من لفظ العجلي.
وسنده صحيح، والراوي له عن أبي شهاب هو شيخ ابن سعد أحمد بن عبد الله بن يونس، وعن سفيان الثوري هو شيخ العجلي محمد بن يوسف الفريابي.
أما شيخ ابن سعد فهو أحمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله بن قيس =(1/227)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= التميمي، اليربوعي، الكوفي، يروي عن الثوري وابن عيينة وأبي شهاب عبد ربه بن نافع وغيرهم، روى عنه البخاري ومسلم وأبو بكر بن أبي شيبة، وروى عنه هنا محمد بن سعد وغيرهم، وكانت ولادته سنة ثلاث أو أربع وثلاثين ومائة، ووفاته سنة سبع وعشرين ومائتين، وهو ثقة حافظ روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص81 رقم 63) ، قال الإمام أحمد لرجل: ((أخرج إلى أحمد بن يونس؛ فإنه شيخ الإسلام)) . وقال أبو حاتم: ((كان ثقة متقنًا)) ، ووثقه النسائي والعجلي، وزاد: ((صاحب سنة)) ، وقال ابن سعد: ((كان ثقة صدوقًا صاحب سنة وجماعة)) .
وقال ابن قانع: ((كان ثقة مأمونًا ثبتًا)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (2 / 57 رقم 79) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (1 / 375 - 378) ، و"تهذيب التهذيب" (1 / 50 - 51 رقم 87) .
وشيخ العجلي هو: محمد بن يوسف بن واقد بن عثمان الضَّبِّي، مولاهم، الفِرْيابي، روى عن الثوري ولازمه، وعن الأوزاعي وجرير بن حازم وغيرهم، وروى عنه الإمام أحمد والبخاري وابن وارة وغيرهم، وروى عنه هنا العجلي، وكانت ولادته سنة عشرين ومائة، ووفاته سنة اثنتي عشرة ومائتين، وهو ثقة فاضل عابد، روى له الجماعة، ووثقه ابن معين، والعجلي، والنسائي، وأبو حاتم، وزاد: ((صدوق)) . وقال الإمام أحمد: ((كان رجلاً صالحًا)) . وقال البخاري: ((كان من أفضل أهل زمانه)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 119 - 120 رقم 533) ، و"التهذيب" (9 / 535 - 537 رقم 878) ، و"التقريب" (ص515 رقم 6415) .
قلت: وقد روى الفريابي عن ابن عيينة، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مجاهد قال: ((الشعر في الأنف أمان من الجذام)) . وأنكر ابن معين عليه ذلك وقال: ((هذا حديث باطل)) . وأجاب عنه الذهبي في "الميزان" (4 / 71) فقال: ((إنما الباطل أن يجعله من قول النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أما أن يكون مجاهد قاله، فهذا صحيح عنه، =(1/228)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= رواه عباس الخلال وغيره، عن محمد، وهو ثقة فاضل عابد، من جملة أصحاب الثوري، حديثه في كتب الإسلام، وقد ارتحل إليه أحمد بالقصد، فبلغه موته، فعدل إلى حمص)) .
وذكر ابن عدي الفريابي هذا في كتابه "الكامل" (6 / 2236 - 2237) ، وقال: ((له عن الثوري إفرادات)) . وذكر الذهبي في الموضع السابق من "الميزان" قول ابن عدي هذا، وقال: ((قلت: لأنه لازمه مدة، فلا ينكر له أن ينفرد عن ذاك البحر)) . اهـ.
3- طريق منصور.
أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (6 / 89) .
وأبو نعيم في "الحلية" (2 / 99) .
أما ابن سعد فمن طريق إسرائيل، وأما أبو نعيم فمن طريق هشيم، كلاهما عن منصور، عن إبراهيم، أن علقمة قرأ على عبد الله ... ، فذكره بنحوه.
والحديث أخرجه ابن نصر في "قيام الليل" كما في "المختصر" (ص116) .
4- طريق حماد بن أبي سليمان، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كنت رجلاً قد أعطاني الله عز وجل حسن الصوت بالقرآن، وكان ابن مسعود يرسل إليّ، فأقرأ عليه، فإذا فرغت من قراءتي قال: زدنا فداك أبي وأمي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: ((إِنَّ حسن الصوت زينة القرآن)) .
أخرجه علي بن الجعد في "مسنده" (2 / 1187 رقم 3582) ، فقال: أنا أبو معاوية، عن حماد، عن إبراهيم ... ، فذكره باللفظ المتقدم.
وأبو معاوية هذا قال ابن منيع البغوي الراوي للمسند عن ابن الجعد: ((هو عندي سعيد بن زربي؛ لأن هذه الأحاديث حدث بها سعيد)) .
ومن طريق علي بن الجعد أخرجه ابن عدي في "الكامل" (3 / 1202) .
والحديث أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (6 / 90) .
والبزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار" (3 / 96 - 97رقم 2331) . =(1/229)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والهيثم بن كليب في "مسنده" (ل 40 / ب) .
وابن أبي داود في كتاب "الشريعة" كما في "تخرج أحاديث الإحياء" (2 / 702) .
وابن عدي في "الكامل" (3 / 1202 - 1203) .
جميعهم من طريق مسلم بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زربي، عن حماد، به نحو اللفظ السابق.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (10 / 101 رقم 10023) من طريق عبد الغفار بن داود أبي صالح الحراني، ثنا سعيد بن زربي ... ، فذكره بنحو سابقه.
ومن طريق الطبراني أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (2 / 99) .
وأخرجه ابن أبي داود في "الشريعة"، وأبو نعيم في "المستخرج" كما في الموضع السابق من "تخريج أحاديث الإحياء".
كلاهما من طريق أبي ربيعة زيد بن عوف، عن سعيد بن زربي، به.
قال البزار: ((تفرد به سعيد، وليس بالقوي)) .
قلت: سعيد بن زَرْبي - بفتح الزاي - وسكون الراء، بعدها موحدة مكسورة -، الخزاعي، البصري، العَبَّاداني، أبو عبيدة، أو أبو معاوية يروي عن حماد بن أبي سليمان والحسن البصري ومحمد بن سيرين وغيرهم، روى عنه علي بن الجعد ومسلم بن إبراهيم ويزيد بن هارون وغيرهم، ذكره البخاري في "التاريخ الأوسط" في فصل من مات بين الستين إلى السبعين ومائة، وهو منكر الحديث كما في "التقريب" (ص235 رقم 2304) . قال ابن معين: ((ليس حديثه بشيء)) . وقال البخاري ومسلم: ((عنده عجائب)) . وقال أبو حاتم: ((ضعيف الحديث، منكر الحديث، عنده عجائب من المناكير)) .
وضعفه أبو داود، وقال النسائي: ((ليس بثقة)) . وقال أبو أحمد الحاكم: ((منكر الحديث جدًّا)) .
"الجرح والتعديل" (4 / 23 - 24 رقم 95) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (10 / 431) ، و"التهذيب" (4 / 28 - 29 رقم 42) . =(1/230)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وعليه فالحديث بهذا الإسناد ضعيف جدًّا، لضعف سعيد بن زربي، ومخالفته للرواة الآخرين، فإنهم رووه موقوفًا على ابن مسعود، وأما هو فرفعه، ولذا فقد ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته سعيد في "الميزان" (2 / 136) ، وعدّه من مناكيره.
وقد تابعه قيس بن الربيع عند ابن عدي في "الكامل" (6 / 2068) ، فرواه عن حماد بن أبي سليمان، به نحو رواية سعيد بن زربي، إلا أن هذا الطريق لا يفرح به؛ فقيس بن الربيع هذا هو الأسدي، أبو محمد الكوفي، يروي عن حماد بن أبي سليمان وأبي إسحاق السبيعي والأعمش وهشام بن عروة وغيرهم، روى عنه عبد الله بن نمير وأبو معاوية ووكيع وعبد الرزاق وغيرهم، واختلف في سنة وفاته، فقيل: مات سنة خمس وستين ومائة، وقيل: سنة ست، وقيل: سبع، وقيل: ثمان وستين، وهو صدوق، إلا أنه تغيّر لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه، فحدّث به كما في "التقريب" (ص457 رقم 5573) . فد وثقه سفيان الثوري، وشعبة، وأبو الوليد الطيالسي.
وكان يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي لا يحدثان عنه. وكان وكيع يضعفه، وأحمد بن حنبل يليّنه. وقال ابن معين: ((ليس حديثه بشيء)) . وقال النسائي: ((ليس بثقة)) . وقال في موضع آخر: ((متروك)) . وضعفه علي بن المديني جدًّا، وقال: ((إنما أهلكه ابن له قلب عليه أشياء من حديثه)) . وقال جعفر بن أبان: سألت ابن نمير عن قيس بن الربيع، فقال: ((كان له ابن هو آفته؛ نظر أصحاب الحديث في كتبه، فأنكروا حديثه، وظنوا أن ابنه قد غيّرها)) . وقال أبو داود الطيالسي: ((إنما أتي قيس من قبل ابنه، كان ابنه يأخذ حديث الناس، فيدخلها في فُرَج كتاب قيس، ولا يَعرف الشيخ ذلك)) . وقال ابن حبان: ((تتبعت حديثه، فرأيته صادقًا، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، فيدخل عليه ابنه، فيحدث منه ثقة به، فوقعت المناكير في روايته، فاستحق المجانبة)) . =(1/231)
55- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمِيكَائِيلَ، نَزَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُ مِيكَائِيلُ: ((اقْرَأْ عَلَى حَرْفٍ، وَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: اسْتَزِدْهُ فَاسْتَزَادَهُ، فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَقَالَ لَهُ: اسْتَزِدْهُ، فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ، فَاسْتَزَادَهُ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، فَقَالَ: اقْرَأْ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - وسكت)) .
__________
= انظر: "الجرح والتعديل" (7 / 96 - 98 رقم 553) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (2 / 1133) ، و"التهذيب" (8 / 391 - 395 رقم 696) .
وعليه فالصحيح أن الحديث موقوف على ابن مسعود، وأما المرفوع فضعيف جدًّا، والله أعلم.
(1) هو هشام بن حسّان الأزدي القُرْدُسي - بالقاف، وضم الدال -، أبو عبد الله البصري، روى عن محمد وأنس وحفصة بني سيرين وعن الحسن البصري وعكرمة وهشام وبن عروة وغيرهم، روى عنه شعبة والسفيانان: الثوري وابن عيينة، والحمادان: ابن زيد وابن سلمة وحفص بن غياث وغيرهم، وكانت وفاته سنة ست أو سبع أو ثمان وأربعين ومائة، وهو ثقة، من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال؛ لأنه قيل: كان يرسل عنهما، وقد روى له الجماعة.
كان ابن سيرين يقول: ((هشام منا أهل البيت)) . وقال سعيد بن أبي عروبة: ((ما رأيت أحفظ عن محمد بن سيرين من هشام)) . ووثقه ابن معين، وعثمان بن أبي شيبة، والعجلي، وزاد: ((حسن الحديث، يقال إن عنده ألف حديث حسن ليست عند غيره)) . وقال ابن سعد: ((كان ثقة - إن شاء الله تعالى -، كثير الحديث)) . وقال علي بن المديني: ((أما حديث هشام عن محمد فصحاح، وحديثه عن الحسن عامتها يدور على حوشب، وهشام أثبت من خالد الحذاء =(1/232)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= في ابن سيرين وهشام ثبت.
وقال أبو داود: ((إنما تكلموا في حديثه عن الحسن وعطاء؛ لأنه كان يرسل، وكانوا يرون أنه أخذ كتب حوشب)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (9 / 54 - 55 رقم 229) ، و "التهذيب" (11 / 34 - 37 رقم 75) ، و "التقريب" (ص572 رقم 7289) .
[55] الحديث سنده ضعيف لإرساله، وفي متنه مخالفة للأحاديث الصحيحة في كون القائل: ((اقرأ)) هو ميكائيل، بينما الصحيح أن القائل ذلك هو جبريل كما سيأتي.
وقد أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (1 / 53 - 54 رقم 55) من طريق ابن عليّة، عن أيوب عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: نُبِّئت أن جبرائيل وميكائيل أتيا النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له جبرائيل: اقرأ القرآن على حرفين، فقال له ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ القرآن على ثلاثة أحرف، فقال له ميكائيل: استزده، قال: حتى بلغ سبعة أحرف.
قال محمد: لا تختلف في حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي، هو كقولك: تعال: وهَلُمّ، وأقبل. قال: وفي قراءتنا: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [سورة يس، الآية: 29] في قراءة ابن مسعود: (إن كانت إلا زقية واحدة) .
هكذا رواه ابن جرير من طريق ابن علية عن أيوب، وهو مخالف لرواية سعيد هنا عن حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ في كون القائل: ((اقرأ)) هو ميكائيل، وموافق للروايات الصحيحة الآتية في كون القائل ذلك هو جبريل.
فالحديث أخرجه أبو عبيد في "الفضائل " (ص303 رقم 714) فقال: حدثنا يزيد ويحيى بن سعيد، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بن مالك، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: ما حكّ في صدري شيء منذ أسلمت، إلا أني قرأت آية، وقرأها آخر غير قراءتي، فقلت: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -، وقال: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -، فأتينا النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، =(1/233)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= فقلت: يا رسول الله، أقرأتني كذا وكذا؟ قال: ((نعم)) . وقال الآخر: ألم تقرئني كذا وكذا؟ قال: ((نعم)) . فقال: ((إن جبريل وميكائيل أتياني، فقعد جبريل عن يميني، وقعد ميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، كل حرف شافٍ كافٍ)) .
وسنده رجاله ثقات تقدموا، إلا أن حميد الطويل مدلس، ولم يصرح بالسماع، لكن قد روي الحديث من غير طريقه كما سيأتي.
وقد أخرج الحديث من هذا الطريق ابن شيبة في المصنف (10 / 517 رقم 10172) .
والإمام أحمد في "المسند" (5 / 114 و 122) ، وابنه عبد الله في "زوائده على المسند" (5 / 122) .
والنسائي في "سننه" (2 / 154 رقم 941) ، وفي "فضائل القرآن" (ص54 - 55 رقم 11) .
والطحاوي في "مشكل الآثار" (4 / 188 - 189) .
وابن أبي حاتم في "العلل" (2 / 84) .
أما ابن أبي شيبة والنسائي في "الفضائل" فمن طريق يزيد بن هارون، وأما الإمام أحمد والنسائي في "سننه" فمن طريق يحيى بن سعيد القطان، وأما عبد الله بن أحمد فمن طريق بشر بن المفضل والمعتمر، وأما الطحاوي فمن طريق عبد الله بن أبي بكر السهمي، وأما ابن أبي حاتم فمن طريق زهير، جمعيهم عن حميد، به، نحوه، لا أن لفظ ابن أبي شيبة مختصر.
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص304 رقم 717) .
والإمام أحمد في "المسند" (5 / 127 - 128) .
ومسلم في "صحيحه" (1 / 562 - 563 رقم 274) .
وأبو داود في "سننه" (2 / 160 - 161 رقم 1478) .
والنسائي في "سننه" (2 / 152 - 153 رقم 939) . =(1/234)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والطحاوي في "مشكل الآثار" (4 / 191) .
جميعهم من طريق شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى، عن أبيّ بن كعب أنَّ النَّبِيَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - كان عند أضاة بني غفار، قال: فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال: إن الله يأمرك أن تَقرأَ أمتُك القرآنَ على حرف. فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك» . ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين فقال: «أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك» . ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. فقال «أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك» . ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيُّما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا. واللفظ لمسلم.
وأخرجه البخاري في "صحيحه" (9 / 23 رقم 4991) .
ومسلم (1 / 561 رقم 272) .
كلاهما من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - قال: ((أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني، حتى انتهى إلى سبع أحرف)) .
تنبيه: قد يشكل على بعض الأفهام معنى هذا الحديث، وليس بمشكل؛ إذ المعنى: أن الله سبحانه بعث الرسل بألسنة قومهم كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [سورة إبراهيم؛ الآية: 4] ، ومنهم رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه، فإنه بعث بلسان قومه وهم قريش، لا ما سواها من العرب، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [سورة الزخرف، الآية: 44] ، وقال تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الحَقُّ} [سورة الأنعام، الآية: 66] ، وكان - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُرسل إلى العرب وغيرهم من الأمم كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سورة سبأ، الآية: 28] ، فكان فيمن اتبعه بعض أهل الألسنة العربية التي تخالف لسان قومه، وبعضٌ من العجم كسلمان الفارسي، =(1/235)
56- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نا حُصَين (1) ، عن
__________
= فمثل هؤلاء لا يتهيأ لأحدهم أن يقرأ بلسان قريش إلا بالرياضة الشديدة الغليظة، وهم في حاجة لحفظ القرآن لقراءته في صلواتهم، والتقرب إلى الله بكثرة التلاوة، والتعلم من معانيه، فوسع الله عليهم في ذلك أن يتلوه بمعانيه وإن خالفت ألفاظهم التي يتلونه بها ألفاظ نبيهم - صلى الله عليه وسلم -.
انظر: "مشكل الآثار" للطحاوي (4 / 185 - 186) .
وليس المعنى أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، بل المعنى كما قال أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص307) : ((ليس معنى تلك السبعة أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه، وهذا شيء غير موجود، ولكنه عندنا: أنه نزل على سبع لغات متفرقة في جميع القرآن من لغات العرب. فيكون الحرف منها بلغة قبيلة، والثاني بلغة أخرى سوى الأولى، والثالث بلغة أخرى سواهما، كذلك إلى السبعة وبعض الأحياء أسعد بها وأكثر حظًا فيها من بعض)) . اهـ. فإن قيل: هي القراءة بهذه الأحرف السبعة جائزة الآن؟
فالجواب ما ذكره الطحاوي في "مشكل الآثار" (4 / 190 - 191) حيث قال: ((فكانت هذه السبعة للناس في هذه الحروف لعجزهم عن أخذ القرآن على غيرها مما لا يقدرون عليه ... ، فكانوا على ذلك حتى كثر من يكتب منهم، وحتى عادت لغاتهم إلى لسان رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، فقرأوا بذلك على تحفظ القرآن بالألفاظ التي نزل بها، فلم يسعهم حينئذٍ أن يقرأوا بخلافها، وبان بما ذكرنا أن تلك السبعة الأحرف إنما كانت في وقت خاص؛ لضرورة دعت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلك الضرورة، فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد)) . اهـ. والله أعلم.
(1) هو حصين بن عبد الرحمن السُّلمي، أبو الهذيل الكوفي، روى عن جابر بن سمرة وعمارة بن رويبة - رضي الله عنهما -، وعن زيد بن وهب وأبي وائل شقيق بن سلمة والشعبي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وهلال بن يساف وغيرهم، روى عنه شعبة والثوري وهشيم وأبو عوانة وخالد بن عبد الله الطحّان الواسطي =(1/236)
هِلَالِ بْنِ يِسَاف (2) ، عَنْ أَبِي حَيّان الأَشْجعي (3) ، قَالَ: لَقِيَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ عَلَيَّ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ لِي: ((اقْرَأْ عَلَيَّ)) ، (فَقُلْتُ) (4) : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ مِنْكَ تَعلَّمْتُهُ؟ فَقَالَ: ((بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعُهُ مِنْ غَيْرِي)) .
__________
= وغيرهم، وكانت وفاته سنة ست وثلاثين ومائة، وهو ثقة إلا أنه تغير حفظه في الآخر، وقد روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص170 رقم 1369) . فقد وثقه ابن معين، وقال الإمام أحمد: ((حصين بن عبد الرحمن الثقة المأمون، من كبار أصحاب الحديث)) . وقال العجلي: ((ثقة ثبت في الحديث، والواسطيون أروى الناس عنه)) . وقال ابن أبي حاتم: ((سألت أبا زرعة عنه، فقال: ثقة، قلت: يحتجّ بحديثه؟ قال: إي والله)) . وقال أبو حاتم: ((صدوق، ثقة في الحديث، وفي آخر عمره ساء حفظه)) . وقال النسائي: ((تغيّر)) . اهـ. من "الميزان" (1 / 551 - 552 رقم 2075) ، و "التهذيب" (2 / 381 - 383 رقم 659) .
قلت: والراوي عن حصين هنا هو خالد بن عبد الله الواسطي، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط كما في "هدي الساري" (ص398) .
(2) هو هلال بن يساف - بكسر التحتانية، ثم المهملة، ثم فاء -، ويقال: ابن إساف، الأشجعي، مولاهم، الكوفي، روى عن الحسن بن علي وأبي الدرداء وسمرة بن جندب وعمران بن حصين وعائشة وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه أبو إسحاق السبيعي والأعمش ومنصور بن المعتمر وحصين بن عبد الرحمن وغيرهم، وهو ثقة من الطبقة الثالثة كما في "التقريب" (ص576 رقم 7352) ، فقد وثقه ابن معين، والعجلي، وابن سعد، وزاد: ((كثير الحديث)) وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "الجرح والتعديل" (9 / 72 رقم 278) ، و "التهذيب" (11 / 86 - 87 رقم 144) .(1/237)
57- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا مَنْصُورُ بْنُ زَاذَان (1) ، عن
__________
(3) اسمه منذر الأشجعي، أبو حيّان، من أصحاب ابن مسعود، وهو مجهول، لم يذكروا أنه روى عنه سوى ختنه هلال بن يساف، وقد سكت عنه البخاري، وبيّض له ابن أبي حاتم، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "التاريخ الكبير" (7 / 357 رقم 1539) ، و "الكنى" لمسلم (1 / 269 رقم 926) ، و "المعرفة والتاريخ" للفسوي (2 / 147) و (3 / 70) ، و "الكنى" للدولابي (1 / 161) ، و "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (8 / 241 - 242 رقم 1092) ، و "الثقات" لابن حبان (5 / 420) ، و "المقتنى" للذهبي الترجمة رقم (1846) .
(4) في الأصل: ((فقال)) والتصويب من مصادر التخريج، وهو الذي يقتضيه السياق.
[56] سنده ضعيف لجهالة أبي حيّان الأشجعي، وهو صحيح لغيره بالطرق المتقدمة برقم [51 و 52 و 53] .
والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 563 رقم 10353) .
والإمام أحمد في "المسند" (1 / 374) .
وأبو يعلى في "مسنده" (9 / 84 رقم 5150) .
أما ابن أبي شيبة فمن طريق ابن إدريس، وأما الإمام أحمد فمن طريق هشيم، وأما أبو يعلى فمن طريق جرير، ثلاثتهم عن حصين، به نحوه، إلا أن أول لفظ الحديث عند الإمام أحمد قال فيه: عن أبي حيان الأشجعي، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ لي: اقرأ علي من القرآن، قال: فقلت له: أليس منك تعلمّته، وأنت تقرئنا؟! ... ، فذكره بنحوه.
ولم يرد صدر الحديث عند ابن أبي شيبة، وأبي يعلى.
(1) هو منصور بن زاذان - بزاي وذال معجمة -، الواسطي، أبو المغيرة الثقفي، روى عن أبي العالية وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومحمد بن سيرين وغيرهم، روى عنه جرير بن حازم وخلف بن خليفة وأبو عوانة وهشيم وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين ومائة، وقيل: سنة تسع وعشرين ومائة، =(1/238)
ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كَانُ جِبْرِيلُ، يُعَارِضُ (2) النَّبِيَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِي كُلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، عَارَضَهُ مَرَّتَيْنِ.
قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: ((فَيُرْجَى أَنْ تَكُونَ قراءتُنا هذه على العَرْضة الأخيرة)) .
__________
= وقيل: سنة إحدى ثلاثين ومائة، وهو ثقة ثبت عابد، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص546 رقم 6898) . وثقه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، وقال العجلي: ((رجل صالح متعبد، كان ثقة ثبتًا)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (8 / 172 رقم 759) ، و "التهذيب" (10 / 306 - 307 رقم 535) .
(2) أي: كان يدارسه جميع ما نزل من القرآن؛ من المعارضة، وهي: المقابلة، ومنه عارضت الكتاب بالكتاب، أي: قابلته به.
"النهاية في غريب الحديث" (3 / 212) .
[57] سنده رجاله ثقات، لكنه ضعيف لإرساله، وهو صحيح لغيره كما سيأتي في الحديث بعده.
والحديث أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2 / 195) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 560 رقم 10341) .
أما ابن سعد فمن طريق ابن عون، وأما ابن أبي شيبة فمن طريق هشام، كلاهما عن ابن سيرين، به نحوه، إلا أن ابن أبي شيبة لم يذكر قوله: فيرجى ... إلخ.
وأخرج ابن شبّة في "تاريخ المدينة" (3 / 993 - 994) من طريق هشام عن ابن سيرين قصة جمع عثمان للمصحف، وفيه يقول ابن سيرين: ظننت أنهم كانوا إذا اختلفوا في الشيء أخّروه حتى ينظروا آخرهم عهدًا بالعرضة الأخيرة، فكتبوه على قوله.
قال محمد بن سيرين: فأرجو أن تكون قراءتنا هذه آخرتها عهدًا بالعرضة الأخيرة.(1/239)
58- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَان (1) ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لِي (2) : أيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَعُدُّونَ أَوَّلًا؟ قُلْنَا: قِرَاءَتَنَا، فَقَالَ: لَا بَلْ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، عَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، فَشَهِدَ ابنُ مَسْعُودٍ مَا نُسخ منه وما بُدِّل)) .
__________
(1) هو حصين بن جندب بن الحارث الجَنْبي - بفتح الجيم، وسكون النون، ثم موحدة - أبو ظَبْيان - بفتح المعجمة وسكون الموحدة -، الكوفي، روى عن عُمر وعلي وابن مسعود وسلمان، وقيل: لم يسمع منهم، وروى عن حذيفة وأبي موسى وابن عباس وابن عمر وعائشة وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه ابنه قابوس وأبو إسحاق السبيعي وحصين بن عبد الرحمن وعطاء بن السائب والأعمش وغيرهم، وكانت وفاته سنة تسع وثمانين للهجرة، وقيل: سنة تسعين، وهو ثقة روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص169 رقم 1366) . فقد وثقه ابن سعد، وابن معين، والعجلي، وأبو زرعة، والنسائي، والدارقطني.
انظر: "الجرح والتعديل" (3 / 190 رقم 824) ، و "التهذيب" (2 / 379 - 380 رقم 654) .
(2) أي: قال ابن عباس لأبي ظبيان.
[58] سنده رجاله ثقات، لكنه ضعيف؛ فالأعمش تقدم في الحديث [3] أنه مدلِّس، ولم يصرِّح هنا بالسماع، وهو حسن لغيره بهذا السياق بالطريق الثاني الآتي عن ابن عباس، وَذِكْرُ عَرْضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القرآن الصحيح لغيره ببقية الطرق الآتي ذكرها.
فالحديث له عن ابن عباس ثلاث طرق.
1- طريق أبي ظبيان، يرويه عنه الأعمش.
أخرجه المصنف هنا من طريق أبي معاوية عن الأعمش. =(1/240)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2 / 342) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 559 رقم 10337) .
والبخاري في "خلق أفعال العباد" (ص122 رقم 382) .
والطحاوي في "مشكل الآثار" (4 / 196) .
وابن عساكر في "تاريخه" (39 / 91) .
جميعهم من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، به، ولفظ ابن سعد: قال: أي القراءتين تعدون أولى؟ قلنا: قراءة عبد الله، فقال: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - كان يعرضُ عليه القرآن ... ، الحديث بنحوه.
ولفظ البخاري والطحاوي، وابن عساكر بنحو لفظ ابن سعد.
وأما ابن أبي شيبة فذكر الحديث من قوله: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - كان يعرض ... ، الحديث بنحوه.
وأخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1 / 362) من طريقي محمد ويعلى ابني عبيد الطنافسي، كلاهما عن الأعمش، به نحو لفظ ابن سعد المتقدم.
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" (4 / 435 رقم 2562) من طريق جرير، عن الأعمش، به نحو لفظ ابن سعد.
وأخرجه الطحاوي في الموضع السابق من طريقي شريك ووكيع كلاهما عن الأعمش، به، ولفظه هو نفس اللفظ السابق؛ حيث قرن روايتهما برواية أبي معاوية.
وأخرجه في "شرح معاني الآثار" (1 / 356) من طريق شريك فقط.
وأخرجه النسائي في "فضائل القرآن" (ص62 رقم 19) ، وفي "فضائل الصحابة" (ص147 - 148 رقم 154) في كلا الموضعين من طريق سليمان بن طَرْخان التَّيْمي، عن الأعمش، به بلفظ: أي القراءتين تقرؤون؟ قلنا: قراءة عبد الله، قال: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - كان يَعرِض القرآن ... ، الحديث بنحوه.
2- طريق مجاهد، عن ابن عباس. =(1/241)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1 / 275 و 325) .
والبزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار" (3 / 251 رقم 2683) .
والطحاوي في "مشكل الآثار" (4 / 196) .
والحاكم في "المستدرك" (2 / 230) .
جميعهم من طريق إسرائيل بن يونس، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أي القراءتين كانت أخيرًا، قراءة عبد الله، أو قراءة زيد؟ قال: قلنا: قراءة زيد، قال: لا، ألا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - كان يعرض القرآن على جبرائيل كل عام مرة، فلما كان في العام الذي قبض فيه، عرضه عليه مرتين، وكانت آخر القراءة: قراءة عبد الله. اهـ.
هذه لفظ الإمام أحمد في الموضع الأول، ولفظ الباقين نحوه.
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة)) ، وأقره الذهبي في "التلخيص".
وعزاه الهيثمي في "المجمع" (9 / 288) لأحمد والبزار، وقال: ((رجال أحمد رجال الصحيح)) .
قلت: في سنده إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي، أبو إسحاق الكوفي، روى عن طارق بن شهاب وله رؤية، وعن الشعبي وإبراهيم النخعي وأبي الأحْوص عوف بن مالك ومجاهد وغيرهم، روى عنه شعبة والثوري ومِسْعر وأبو عونة وإسرائيل بن يونس وغيرهم، وهو صدوق، إلا أنه ليِّن الحفظ، من الطبقة الخامسة كما في "التقريب" (ص94 رقم 254) . فقد وثقه ابن سعد، وقال الثوري وأحمد: لا بأس به، وضعفه ابن معين بحضرة عبد الرحمن بن مهدي، فغضب عبد الرحمن، وكره ما قال. وقال يحيى القطان: ((لم يكن بقوي)) . وسأل الحكم الدارقطني عنه، فقال: ((ضعفوه)) . فقال الحاكم: بحجة؟ فقال: ((بلى؛ حدث بأحاديث لا يتابع عليها، وقد غمزه شعبة أيضًا)) . اهـ. من "طبقات ابن سعد" (6 / 331) ، و "الجرح والتعديل" (2 / 132 - 133 رقم 421) ، و "تهذيب الكمال" (2 / 211 - 214) ، و "التهذيب" =(1/242)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= (1 / 167 - 168 رقم 300) .
وعليه فالحديث بهذا الإسناد ضعيف لضعف إبراهيم من قبل حفظه.
3- طريق عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس.
أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2 / 195) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 559 - 560 رقم 10338) .
والإمام أحمد في "المسند" (1 / 230 - 231 و 326) .
جميعهم من طريق يعلى بن عبيد، عدا الإمام أحمد في الموضع الثاني فمن طريق محمد بن عبيد، كلاهما عن محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب الزهري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله بن عتبة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - يعرض الكتاب على جبريل في كل رمضان، فإذا أصبح النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ليلته التي يعرض فيها ما يعرض أصبح وهو أجود من الريح المرسلة، لا يسأل شيئًا إلا أعطاه، فلما كان الشهر الذي هلك بعده، عرضه عليه عرضتين. اهـ.
هذا لفظ ابن سعد، ونحوه لفظ الإمام أحمد، وأما لفظ ابن أبي شيبة فمختصر.
وفي سنده محمد بن إسحاق بن يسار المطَّلبي، مولاهم، المدني، نزيل العراق، روى عن محمد بن إبراهيم التيمي والقاسم بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وعاصم بن عمر بن قتادة وابن المنكدر ومكحول والزهري وغيرهم، روى عنه شعبة والسفيانان والحمّادان: ابن سلمة وابن زيد وهشيم وأبو عوانة وجرير بن عبد الحميد ومحمد ويعلى ابنا عبيد وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمسين ومائة وقيل: إحدى، وقيل: اثنتين، وقيل: ثلاث وخمسين ومائة، وهو إمام في المغازي صدوق، إلا أنه مدلّس من الطبقة الرابعة، وهم: من اتُّفق على أنه لا يُحتجُّ بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل.
قال شعبة: ((ابن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث لحفظه)) . وكان الزهري =(1/243)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= يثني عليه كثيرًا، ووثقه العجلي، وقال البخاري: رأيت علي بن عبد الله - يعني ابن المديني - يحتج بحديث ابن إسحاق. قال: وقال علي: ما رأيت أحدًا يتهم ابن إسحاق.
وقال ابن سعد: ((كان ثقة، ومن الناس من يتكلم فيه)) .
قلت: تكلم فيه بعضهم لأحاديث أخطأ فيها، وهذا لا يقدح في مثله؛ لكثرة حديثه، وكل مكثر يخطئ، فوثقه ابن معين في بعض الروايات، وضعفه في بعضها، وقال الإمام أحمد مرّةً: ((هو حسن الحديث)) ، وسأله مرة أيوب بن إسحاق بن سامري، فقال: ((إذا انفرد ابن إسحاق بحديث تقبله؟)) قال: ((لا والله؛ إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث، ولا يفصل الكلام ذا من ذا)) .
قلت: الرجل مدلس لا شك في ذلك؛ فقد وصفه بالتدليس الإمام أحمد والدارقطني وغيرهما. وأما ما ذكره الإمام أحمد من أنه يحدث بالحديث عن جماعة ولا يفصل حديث بعضهم عن بعض، فمبلغ هذا القول الاحتياط فيما يرويه ابن إسحاق من الحديث عن بعض الرواة مقرونًا بعضهم ببعض، وأما إطّراح سائر حديثه لهذه العلة، ففيه تعسُّف.
قال ابن عدي رحمه الله: ((فتّشت أحاديثه الكثيرة، فلم أجد فيها ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ، أو يهم في الشيء بعد الشيء كما يخطئ غيره، وهو لا بأس به)) .
والكلام في ابن إسحاق والخلاف فيه طويل، وما ذكرته هو خلاصة القول فيه، وهو الذي ذهب إليه الذهبي وابن حجر.
انظر: "الجرح والتعديل" (7 / 191 - 194 رقم 1087) ، و "الثقات" لابن حبان (7 / 380 - 385) ، و "الكامل" لابن عدي (6 / 2116 - 2125) ، و "تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1167) ، و "سير أعلام النبلاء" (7 / 33 - 55) ، و "الميزان" (3 / 468 - 475 رقم 7197) ، و: ((من تكلم فيه وهو موثق)) للذهبي =(1/244)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= (ص159 رقم 293) ، و "التهذيب" (9 / 38 - 46 رقم 51) ، و "التقريب" (ص467 رقم 5725) ، و"طبقات المدلسين" (ص132 رقم 125) قال ابن حبان في الموضع السابق من "الثقات": ((من أحسن الناس سياقًا للأخبار، وأحسنهم حفظًا لمتونها، وإنما أتى ما أتى لأنه كان يدلس على الضعفاء، فوقع المناكير في روايته من قبل أولئك. فأما إذا بيّن السماع فيما يرويه، فهو ثبت يحتج بروايته)) .
قلت: وقد استثنى الذهبي من حديث ابن إسحاق ما شذّ فيه، فقال في الموضع السابق من "السير": ((له ارتفاع بحسبه، ولاسيّما في السِّيَر، وأما في أحاديث الأحكام، فَيَنْحَطُّ حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن، إلا ما شذّ فيه، فإن يُعدّ منكرًا، هذا الذي عندي في حاله، والله أعلم)) .
وقال في الموضع السابق من "الميزان": ((فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث، صالح الحال، صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة، فإن في حفظه شيئًا، وقد احتجّ به أئمة، والله أعلم)) .
قلت: أما كلام هشام بن عروة والإمام مالك في ابن إسحاق مما يخرجه عن حدّ العدالة فلا يلتفت له؛ لأنهم أولاً: أقران، وكلام الأقران بعضهم في بعضهم معلوم موقف العلماء منه وعدم قبوله. وثانيًا: بالنسبة لكلام هشام بن عروة فيه إنما هو بسبب روايته عن زوجته فاطمة بنت المنذر، وهشام يزعم أن ابن إسحاق لم يرها قط، ورد العلماء ذلك بأنه قد يكون سمع منها من وراء الحجاب دون أن يعلم هشام. وأما الإمام مالك فإنه قد رجع عن قوله فيه كما نص عليه ابن حجر في الموضع السابق من "التهذيب".
وبالجملة فالحديث ضعيف من هذا الطريق لعدم تصريح ابن إسحاق بالسماع فقط، وهو حسن لغيره بمجموع طرقه السابقة، وأصل الحديث في الصحيحين من غير طريق ابن إسحاق، وليس فيه قوله: ((فلما كان الشهر الذي هلك بعده عرضه عليه عرضتين)) . =(1/245)
59- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (1) ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نُبِّئْت أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: ((لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا تَبْلُغْنِيهِ الْإِبِلُ أَحْدَث عَهْدًا بالعَرْضة الْآخِرَةِ مِنِّي لَأَتَيْتُهُ أَوْ: لتكلّفت أن آتيه)) .
__________
= فالحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" (1 / 30 رقم 6) ، و (4 / 116 رقم 1902) ، و (6 / 305 و 565 رقم 3220 و 3554) ، و (9 / 43 رقم 4997) .
ومسلم (4 / 1803 و 1804 رقم 50) .
كلاهما من طريق يونس، ومعمر، وإبراهيم بن سعد، ثلاثتهم عن ابن شهاب الزهري، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله بن عتبة، عن ابن عباس، به نحو سياق ابن إسحاق، دون الزيادة المشار إليها.
وله شاهد من حديث أبي هريرة وفاطمة - رضي الله عنهما -.
أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري في "صحيحه" (9 / 43 رقم 4998) ، من طريق ذكوان، عنه، قال: كان يُعرض عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - القرآن كل عام مرة، فعُرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه.
وأما حديث فاطمة - رضي الله عنها -، فأخرجه البخاري أيضًا (6 / 627 و 628 رقم 3623 و 3624) ، من طريق مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عنها -، في حديث وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وفيها أنها سألت فاطمة - رضي الله عنها - عن الذي أسرّ إليها النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - به، فقالت: أسرّ إلي: إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني هذا العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي.
وأخرجه مسلم (4 / 1904 - 1905 رقم 98) عنها بنحو سياق البخاري.
وعليه فالحديث صحيح لغيره بمجموع هذه الطرق والله أعلم.
(1) هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، مولاهم، أبو بشر البصري، المعروف بابن عُلَيَّة، روى عن سليمان التيمي وحميد الطويل وعاصم الأحول وعبد الله بن عون وعوف الأعرابي ويونس بن عبيد وأيوب السختياني وغيرهم، =(1/246)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= روى عنه عبد الله بن وهب والإمامان: الشافعي وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وابنا أبي شيبة وغيرهم، وروى عنه سعيد بن منصور وأكثر عنه في "سننه"، وكانت وفاته سنة أربع وتسعين ومائة، وهو ثقة حافظ روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص105 رقم 416) . قال ابن المديني: ((ما أقول إن أحدًا أثبت في الحديث من ابن علية)) . وقال ابن سعد: ((كان ثقة، ثبتًا في الحديث، حجّة)) . وقال ابن معين: ((كان ثقة، مأمونًا، صدوقًا، مسلمًا، ورعًا تقيًا)) . وقال الإمام أحمد: ((إليه المنتهى في التثبت بالبصرة)) . وقال أبو حاتم: ((ثقة متثبت في الرجال)) . وقال النسائي: ((ثقة ثبت)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (2 / 153 - 155 رقم 513) ، و "التهذيب" (1 / 275 - 279 رقم 513) .
[59] الحديث سنده رجاله ثقات، إلا أنه ضعيف لإبهام شيخ محمد بن سيرين، وهو صحيح لغيره عن ابن مسعود، روي عنه من ثلاثة طرق:
1- طريق ابن سيرين، عن راوٍ مبهم، عن ابن مسعود.
أخرجه المصنف هنا، ولم أجد من أخرجه سواه.
2- طريق مسروق عنه.
أخرجه البخاري في "صحيحه" (9 / 47 رقم 5002) في "فضائل القرآن"، باب القُرَّاء مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -.
ومسلم (4 / 1913 رقم 115) في فضائل ابن مسعود من كتاب "فضائل الصحابة" - رضي الله عنهم -.
وابن سعد في "الطبقات" (2 / 342) .
وابن جرير الطبري في "مقدمة تفسيره" (1 / 80 رقم 83) .
وابن أبي داود في كتاب "المصاحف" (ص23 - 24) .
والخطيب في "الرحلة في طلب الحديث" (ص94 - 95 رقم 25 و 26) .
ومن طريق الخطيب وابن أبي داود وطرق أخرى أخرجه ابن عساكر في =(1/247)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= "تاريخه" (39 / 81 و 84 و 85) .
جميع هؤلاء من طريق الأعمش، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: قال عبد الله - رضي الله عنه -: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا أنزلت سورة من كتاب الله، إلا أنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه. اهـ.
هذا لفظ البخاري ولفظ الباقين نحوه.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص21) ، من طريق مغيرة، عن أبي الضحى، به نحو سابقه، وفي أوله زيادة.
ومن طريق ابن أبي داود أخرجه ابن عساكر (39 / 85) .
3- طريق شقيق، عن ابن مسعود.
أخرجه البخاري (9 / 46 - 47 رقم 5000) .
ومسلم (4 / 1912 رقم 114) .
وابن سعد (2 / 343 -344) .
وابن شبّة في "تاريخ المدينة" (3 / 1007) .
والنسائي في "فضائل القرآن" (ص65 رقم 22) .
وابن أبي داود في "المصاحف" (ص22 - 23) .
ومن طريقه وطرق أخرى أخرجه ابن عساكر (39 / 86 و 87) .
جميعهم من طريق الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ الله أنه قال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ} [سورة آل عمران، الآية: 161] ، ثم قال: على قراءة من تأمروني أن أقرأ؟ فلقد قرأت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - بضعًا وسبعين سورة، ولقد علم أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - أني أعلمهم بكتاب الله، ولو أعلم أن أحدًا أعلم مني لرحلت إليه. اهـ.
هذا لفظ مسلم ولفظ الباقين نحوه، وبعضهم اختصره.(1/248)
60- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ (1) ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: ((لَيَقْرَأَنَّ الْقُرْآنَ أَقْوَامٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَامُ القِدْح، لَا يَدَعُونَ مِنْهُ أَلِفًا، ولا يجاوز [ل107/ب] إيمانُهم حناجِرَهم)) .
__________
(1) هو عَرِيب - بفتح أوله، وكسر الراء، بعدها تحتانية، ثم موحدة -، ابن حُميد، أبو عمّار الهمداني، الدُّهني - بالضم، وسكون الهاء، ونون -، روى عن علي وحذيفة وعمار وغيرهم - رضي الله عنهم -، روى عنه أبو إسحاق وطلحة بن مصرِّف والأعمش وغيرهم، وهو كوفي ثقة من الطبقة الثالثة؛ وثقه يحيى بن معين، والإمام أحمد، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر: "الجرح والتعديل" (7 / 32 رقم 173) ، و "التهذيب" (7 /191 رقم 363) ، و "التقريب" (ص390 رقم 4573) .
[60] الحديث سنده رجاله ثقات، لكنه ضعيف؛ لأن الأعمش مدلِّس كما في الحديث [3] ، ولم يصرِّح هنا بالسماع.
والحديث جاء مرفوعًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - من غير طريق حذيفة بنحو لفظه، وهو حسن لغيره كما سبق بيانه في الحديث رقم [31] .
وللحديث عن حذيفة طريقان:
1- طريق أبي عمار عَريب بن حميد الذي أخرجه المصنف هنا.
ومن طريق المصنف أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 580 رقم 2405) ، ولفظ الحديث عنده: ((يقرأ القرآن أقوام يقومونه كَمَا يُقَامُ الْقَدَحُ، لَا يَدَعُونَ منه ألفًا ولا واوًا، ولا يجاوز إيمانهم حناجرهم)) .
وأخرجه الإمام أحمد في "الإيمان" (ل 126 أو ب) عن أبي معاوية، به نحوه.
2- طريق شيخ يكنى: أبا محمد، عن حذيفة.
أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص99 رقم 232) . =(1/249)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (2 / 480) .
ومن طريقه البيهقي في الموضع السابق من "الشعب" برقم (2406) .
وأخرجه محمد بن نصر في "قيام الليل" (ص119) .
والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (3 / 104 / ب / النسخة المسندة) .
والطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين" (ل 180 / ب) .
وابن عدي في "الكامل" (2 / 510 - 511) .
ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل" (1 / 111 رقم 160) .
جميعهم من طريق بقية بن الوليد، عن حصين بن مالك الفزاري، عن هذا الشيخ الذي يكنى أبا محمد، عن حذيفة بن اليمان قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -: ((اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجيء قوم من بعدي يرجّعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم، وقلوب الذين يعجبهم شأنهم)) .
هذا لفظ أبي عبيد، ولفظ الباقين نحوه.
فلت: وسنده ضعيف جدًّا، وقد حكم عليه الذهبي بالنكارة.
فحصين بن مالك الفزاري شيخ بقية في هذا الحديث ذكره الذهبي في "الميزان" (1 / 553 رقم 2089) ، وذكر هذا الحديث في ترجمته، ثم قال: ((تفرد عنه بقيّة، ليس بمعتمد، والخبرُ منكر)) .
وشيخ حصين هذا كنيته أبو محمد، ولم أجد له ترجمة، والذهبي في ترجمة حصين السابقة أبهمه، فقال: ((حصين بن مالك الفزاري، عن رجل، عن حذيفة)) ، ويظهر من سياق الحديث أن حصين بن مالك نفسه لم يعرفه، حيث يقول: ((سمعت شيخًا يكنى أبا محمد، يحدث عن حذيفة)) .
وقد صرح ابن الجوزي بجهالته، فقال في الموضع السابق من "العلل":
((هذا حديث لا يصح، وأبو محمد مجهول، وبقيّة يروي عن الضعفاء ويدلّسهم)) . =(1/250)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قلت: ((وبقيّة هذا هو ابن الوليد بن صائد بن كعب الكَلاعي، أبو يُحْمِد - بضم التحتانية، وسكون المهملة، , وكسر الميم -، الحمصي، يروي عن محمد بن زياد الأَلْهاني وصفوان بن عمرو الأوزاعي وحَريز بن عثمان وغيرهم، روى عنه يزيد بن هارون ووكيع وإسماعيل بن عياش وغيرهم، وهو صدوق، إلا أنه كثير التدليس عن الضعفاء، وهو ممن عدّه الحافظ ابن حجر في الطبقة الرابعة من "طبقات المدلسين"، وهو من اتُّفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرّحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهليل، ومع ذلك فبقيّة هذا يدلّس تدليس التسوية، وقد عنعن بينه وبين شيخه، ومن فوقه. قال ابن المبارك: ((كان صدوقًا، ولكنه كان يكتب عمّن أقبل وأدبر)) . وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سئل أبي عن بقية وإسماعيل - يعني: ابن عياش -، فقال: ((بقية أحب إلي، وإذا حدّث عن قوم ليسوا بمعروفين فلا تقبلوه)) . وسئل عن ابن معين، فقال: ((إذا حدث عن الثقات مثل صفوان بن عمرو، وغيره، فاقبلوه، وأما إذا حدث عن أولئك المجهولين فلا. وإذا كنّى الرجل، ولم يُسمِّه، فليس يساوي شيئًا)) . وقال يعقوب بن شيبة: ((بقيّة ثقة حسن الحديث إذا حدّث عن المعروفين. ويحدّث عن قوم متروكي الحديث، وعن الضعفاء، ويحيد عن أسمائهم إلى كناهم، وعن كناهم إلى أسمائهم)) . وقال النسائي: ((إذا قال: حدثنا، وأخبرنا، فهو ثقة، وإذا قال: عن فلان، فلا يؤخذ عنه؛ لأنه لا يُدرى عمّن أخذه)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (2 / 434 - 436 رقم 1728) ، و "التهذيب" (1 / 473 - 478 رقم 878) ، و "التقريب" (ص126 رقم 734) ، و "طبقات المدلسين" (ص121 رقم 117) .
قلت: في كتاب "العلل" لابن أبي حاتم (2 / 154 - 155) فائدة نقلها عن أبيه، بيّن فيها أن بقية يدلّس تدليس التسوية، وخلاصتها: أن بقيّة روى حديثًا عن عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن أبي فروة، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، =(1/251)
61- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسرة (1) ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ((كُنْتُ أَتَحدَّى النَّاسَ بِالْحِفْظِ، فَصَلَّيتُ خلْفَ مَسْلَمة بْنِ مُخْلَّد (2) ، فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَمَا ترك ألفًا، ولا واوًا)) .
__________
= مرفوعًا، فعمد بقية إلى إسحاق بن أبي فروة لكونه متروكًا، فأسقطه من الإسناد، ثم كنى شيخه عبيد الله بن عمرو ونسبه، فقال: حدثني أبو وهب الأسدي، وذلك لكيلا يفطن له، فرحم الله أبا حاتم الذي كشف مثل هذا التدليس، وانظر: "جامع التحصيل" للعلائي (ص117 - 118) .
وخلاصة ما سبق أن الحديث من الطريق الأول عن حذيفة، مع ما سبق في الحديث [31] حسن لغيره، وأما الطريق الثاني عن حذيفة، فلا يثبت، ولا يصلح للاستشهاد؛ لشدة ضعفه، والله أعلم.
(1) هو إبراهيم بن ميسرة الطائفي، نزيل مكة، روى عن أنس ووهب بن عبد الله بن قارب - وله صحبه -، وعن طاوس وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم، روى عنه أيوب السختياني وشعبة والسفيانان وابن جريج وغيرهم، مات قريبًا من سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وهو ثبت حافظ، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص94 رقم 260) . قال الحميدي، عن سفيان بن عيينة: ((أخبرني إبراهيم بن ميسرة من لم تر عيناك والله مثله)) . ووثقه أحمد، وابن معين، والعجلي، والنسائي، وابن سعد، وزاد: ((كثير الحديث)) .
انظر: "الجرح والتعديل" (2 / 133 - 134 رقم 423) ، و "التهذيب" (1 / 172 رقم 313) .
(2) هو مسلمة بن مُخَلَّد - بتشديد اللام - الأنصاري، الزرقي، صحابي صغير، سكن مصر، ووليها مرّة، روى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، روى عنه أسلم أبو عمران وعلي بن رباح ومجاهد وغيرهم، توفي النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو ابن عشر سنين، وقيل: وهو ابن أربع عشرة سنة، وكانت وفاته سنة اثنتين وستين للهجرة.
انظر: "سير أعلام النبلاء" (3 / 424 - 426) ، و "التهذيب" (10 / 148 رقم 282) ، و "التقريب" (ص532 رقم 666) .(1/252)
62- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ (1) ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدة (2) ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْقُرْآنُ ذَكَرّ (3) ، فَذَكِّرُوهُ.
__________
[61] سنده صحيح.
وأخرجه أبو عمر بن يوسف الكندي في "تاريخ مصر وولاتها" (ص39) .
والحاكم في "المستدرك" (3 / 495) .
وابن عساكر في "تاريخه" (16 / 458) .
أما الكندي فمن طريق ابن أبي عمر، وأما الحاكم فمن طريق الحميدي، وأما ابن عساكر فمن طريق عمرو بن عثمان وعبد الله بن محمد الزهري، جميعهم عن سفيان بن عيينة به، ولفظ ابن عساكر مثل لفظ المصنف هنا، ولفظ الكندي والحاكم ونحوه.
والحديث ذكره ابن الأثير في "أسد الغابة" (4 / 399) ، والذهبي في "السير" (3 / 425) ، ولم يعزواه لأحد.
(1) هذا الحديث مكرور سندًا ومتنًا في النسخة.
(2) هو يحيى بن جَعْدة بن هُبَيْرة بن أبي وَهْب المخزومي، روى عن جدته أم هانئ وعن أبي هريرة وزيد بن أرقم وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه حبيب بن أبي ثابت ومجاهد وأبو الزبير وعمرو بن دينار وغيرهم، وهو ثقة من الطبقة الثالثة، وأرسل عن ابن مسعود ونحوه كما في "التقريب" (ص588 رقم 7520) .
فقد وثقه أبو حاتم والنسائي، وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الحربي في "العلل": ((لم يدرك ابن مسعود)) . وقال أبو حاتم: ((لم يلقه)) ، وقال ابن المديني: ((لم يسمع من أبي الدرداء)) .
انظر "الجرح والتعليل" (9 / 133 رقم 562) ، و "التهذيب" (11 / 192 - 193 رقم 324) .
(3) أي: أنه جليل خطير فأجلُّوه. انظر "النهاية في غريب الحديث" (2 / 163) .
[62] سنده رجاله ثقات، لكنه ضعيف للانقطاع بين يحيى بن جعدة وابن مسعود، وهو صحيح لغيره بمجموع طرقه، فإنه روى عن ابن مسعود من ثلاث طرق:
(1) طريق يحيى بن جعدة الذي أخرجه المصنف هنا.
وتابعه ابن أبي شيبة، فرواه في المصنف (10 / 556 رقم 10327) عن سفيان به مثله. =(2/253)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= (2) طريق الشعبي، وهو الآتي برقم [63] ، والصواب أنه من طريق علقمة عن ابن مسعود كما رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح كما سيأتي.
(3) طريق زرّ.
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (10 / 556 رقم 10326) .
والطبراني في "الكبير" (9 / 152 رقم 8697) .
كلاهما من طريق معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود قال: إذا تماريتم في القرآن، في ياء أو تاء، فاجعلوها يَاءٍ، وَذَكِّرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ مُذَكّر. اهـ. واللفظ لابن أبي شيبة.
وسند هذا الطريق حسن، رجاله ثقات، عدا عاصم، فصدوق.
أما زِرّ - بكسر أوله وتشديد الراء -، ابن حُبَيْش - بمهملة وموحدة ومعجمة، مصغّر -، ابن حُبَاشة - بضم المهملة، بعدها موحدة، ثم معجمة -، الأسدي الكوفي، أبو مريم، روى عن عُمر وعثمان وعلي وأبي ذر وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه إبراهيم النخعي والشعبي وأبو إسحاق الشيباني وعاصم بن بَهْدَلة وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين للهجرة، وقيل: إحدى، وقيل: اثنتين وثمانين وهو ابن سبع وعشرين ومائة سنة وهو ثقة جليل مخضرم، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص215 رقم 2008) . فقد وثقه ابن معين، والعجلي، وابن سعد، وزاد: ((كثير الحديث)) . وقال أبو جعفر البغدادي: قلت لأحمد: فَزرٌّ، وعلقمة، والأسود؟ قال: ((هؤلاء أصحاب ابن مسعود، وهم الثبت فيه)) . وقال ابن عبد البر: ((كان عالمًا بالقرآن، قارئًا فاضلاً)) .
انظر "الجرح والتعديل" (3 / 622 - 623 رقم 2817) ، و"التهذيب" (3 / 321 - 322 رقم 597) .
وأما عاصم فتقدم في الحديث [17] أنه صدوق حسن الحديث.
وأما زائدة بن قُدامة الثَّقَفي، أبو الصَّلْت الكوفي، فهو يروي عن أبي إسحاق =(2/254)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= السبيعي وسليمان التيمي وإسماعيل بن أبي خالد وهشام بن عروة وأبي إسحاق الشيباني والأعمش وعاصم بن بَهْدَلة بن أبي النَّجود وغيرهم، روى عنه ابن المبارك وابن مهدي وابن عيينة وأبو نعيم ومعاوية بن عمرو وغيرهم، وكانت وفاته في أرض الروم غازيًا سنة ستين، أو إحدى وستين ومائة، وهو ثقة ثبت صاحب سنة، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص213 رقم 1982) . قال أبو أسامة: ((حدثنا زائدة، وكان من أصدق الناس وأبّره)) .
وقال الإمام أحمد: ((المثبتون في الحديث أربعة: سفيان وشعبة وزهير وزائدة)) . ووثقه ابن معين والنسائي. وقال ابن سعد: ((كان ثقة مأمونًا صاحب سنة)) . وقال أبو حاتم والعجلي: ((ثقة صاحب سنة)) . وقال ابن حبان: ((كان من الحفاظ المتقنين)) .
انظر "الجرح والتعديل" (3 / 613 رقم 2777) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (9 / 274) ، و"التهذيب" (3 / 306 - 307 رقم 571) .
وأما معاوية بن عمرو بن المهلَّب بن عمرو الأزدي، المَعْنِيُّ - بفتح الميم، وسكون المهملة، وكسر النون-، أبو عمرو البغدادي، ويعرف بابن الكِرْمَاني، فهو يروي عن زائدة بن قدامة وجرير بن حازم وإسرائيل بن يونس وفضيل بن مرزوق وغيرهم، روى عنه يحيى بن معين وابنا أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وغيرهم، وكانت ولادته سنة ثمان عشرة ومائة، ووفاته سنة أربع عشرة ومائتين، وقيل: ثلاث عشرة ومائتين، وهو ثقة روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص538 رقم 6768) . قال الإمام أحمد: ((صدوق ثقة)) ، ووثقه أبو حاتم، وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر "الجرح والتعديل" (8 /386 رقم 1762) ، و"التهذيب" (10 / 215 - 216 رقم 395) .
وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (3 / 362 رقم 5979) من طريق سفيان الثوري، عن عاصم، به، بلفظ: أديموا النظر في المصحف، وإذا اختلفتم في =(2/255)
63- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: نا دَاوُدُ (1) ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْقُرْآنُ ذِكْرٌ، فَذَكِّرُوهُ، وَإِنِ اخْتَلَفْتُمْ فِي الْيَاءِ وَالتَّاءِ، فَاجْعَلُوهَا ياء.
__________
= ياء وتاء فاجعلوها ياء، ذكروا القرآن.
هذا لفظ الطبراني في "الكبير" (9 / 152 رقم 8696) حيث روى الحديث من طريق عبد الرزاق، وأما المصنَّف المطبوع فعبارته لا تستقيم.
وعليه فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح لغيره، والله أعلم.
(1) هو داود بن أبي هند القُشيري مولاهم، أبو بكر، أو أبو محمد البصري، أحد الأعلام، كان حافظًا، صوامًا دهره، قانتًا لله. روى عن الشعبي وعكرمة وسعيد بن المسيب ومكحول الشامي وغيرهم، روى عنه شعبة والثوري وابن جريج والحمّادان ويزيد بن هارون وإسماعيل بن إبراهيم بن عليّة وغيرهم، وكانت وفاته سنة تسع وثلاثين ومائة، وقيل: أربعين، وقيل: إحدى وأربعين ومائة، قال الثوري: ((هو من حفاظ البصريين)) ، وقال الإمام أحمد: ((ثقة ثقة)) ، وسئل عنه مرة أخرى، فقال: ((مثل داود يُسئل عنه؟!!)) . ووثقه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، وابن خراش، وابن سعد، وزاد: ((كثير الحديث)) . وقال يعقوب بن شيبة: ((ثقة ثبت)) ، وقال العجلي: ((بصري ثقة، جيد الإسناد، رفيع، وكان صالحًا)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (3 / 411 - 412 رقم 1881) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (8 / 463) ، و"الكاشف" (1 / 292 رقم 1479) ، و"التهذيب" (3 / 204 - 205 رقم 388) .
قلت: وفي "التقريب" (ص200 رقم 1817) قال الحافظ ابن حجر عن داود هذا: ((ثقة متقن، كان يَهِم بأَخَرةٍ)) . اهـ.
ولم أجد من وصف داود هذا بأنه كان يهم في أخر عمره، ولم يذكره سبط ابن العجمي في "الاغتباط"، ولا ابن الكيال في "الكواكب النيرات"، ولا الذهبي في "الميزان"، والظاهر أن ابن حجر اعتمد على قولٍ لابن حبان، ونقل عن الإمام أحمد. =(2/256)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أما الإمام أحمد، ففي الموضع السابق من "التهذيب" قال الحافظ: ((قال الأثرم عن أحمد: كان كثير الاضطراب والخلاف)) ، وهذا إن صح عن الإمام أحمد معارض بما تقدم عنه من حسن الثناء على داود هذا وشدة التوثيق.
وأما ابن حبان، فإنه ذكر داود هذا في كتابه "الثقات" (6 / 278 - 279) ، وقال: ((كان داود من خيار أهل البصرة من المتقنين في الروايات، إلا أنه كان يهم إذا حدث من حفظه، ولا يستحق الإنسان الترك بالخطأ اليسير يخطئ، والوهم القليل يهم، حتى يفحش ذلك منه؛ لأن هذا مما لا ينفكّ منه البشر)) . اهـ.
فكلام ابن حبان هذا يفيد أن وهم داود وخطأه لم يكن بالكثير، ومع ذلك فابن حبان متشدد في الجرح، وكلامه هذا معارض بثناء الأئمة المتقدم ذكرهم.
[603] الحديث سنده رجاله ثقات، لكنه ضعيف للانقطاع بين الشعبي وابن مسعود، فقد نص أبو حاتم والدارقطني والحاكم على أنه لم يسمع منه كما في "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص160) ، و"جامع التحصيل" (ص248) ، و"التهذيب" (5 / 68) .
لكن ابن أبي شيبة أخرجه الحديث في مصنفه (10 / 555 - 556 رقم 10324) من طريق شيخه علي بن مسهر، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ علقمة، عن عبد الله، به نحوه.
وهذا إسناد صحيح، وقد زاد علي بن مسهر في الإسناد علقمة، وعلي حافظ فقيه محدث ثقة، فزيادته مقبولة، وهو علي بن مُسْهِر - بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء -، القرشي، أبو الحسن الكوفي، قاضي الموصل، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش وداود بن أبي هند وغيرهم، روى عنه أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة وهنّاد بن السّري وعلي بن حجر وغيرهم، وكانت وفاته سنة تسع وثمانين ومائة، وقد وثقه ابن معين، وقال: ((هو أثبت من ابن نمير)) ، ووثقه النسائي وابن سعد، وزاد: ((كثير الحديث)) ، وقال العجلي: ((صاحب سنة، ثقة في الحديث، ثبت فيه، صالح الكتاب، كثير الرواية عن الكوفيين)) ، وقال =(2/257)
64- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ عطيَّة بْنَ قَيْسٍ (1) وأشياخَنَا يَقُولُونَ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ في قراءة ياء، وتاء، فاقرؤا عَلَى يَاءٍ، وذكِّروا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ مُذَكَّر.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَسَمِعْتُ أَشْيَاخَنَا يَقُولُونَ: الْيَاءُ عَامَّةٌ، وَالتَّاءُ خاصة.
__________
= أبو زرعة: ((صدوق ثقة)) .
انظر "الجرح والتعديل" (6 / 204 رقم 1119) ، و"الكاشف" (2 / 295 رقم 4026) ، و"التهذيب" (7 / 383 - 384 رقم 623) .
وللحديث طرق أخرى تقدم ذكرها في الحديث السابق، فهو صحيح عن ابن مسعود، والله أعلم.
(1) هو عطية بن قيس الكلابي، أبو يحيى الشامي، روى عن أُبَيّ بن كعب ومعاوية والنعمان بن بشير وأبي الدرداء وابن عُمر وابن عَمرو وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه أبو بكر بن أبي مريم وسعيد بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن يزيد وغيرهم، وكان مولده سنة سبع عشرة للهجرة، ووفاته سنة إحدى وعشرين ومائة، وقيل: إنه ولد في حياة النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنة سبع وتوفي سنة عشر ومائة، وهو ثقة مقرئ كما في "التقريب" (ص393 رقم 4622) . قال ابن سعد: ((كان معروفًا وله أحاديث)) ، وقال عبد الواحد بن قيس: ((كان الناس يصلحون مصاحفهم على قراءة عطية بن قيس)) ، وقال دحيم: ((كان أسنَّهم - يعني أسنّ أقرانه -، وكان غزا مع أبي أيوب الأنصاري، وكان هو وإسماعيل بن عبيد الله قارئ الجند)) ، وقال أبو حاتم: ((صالح الحديث)) ، وقال أبو مسهر، ((كان مولده في حياة رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - في سنة (7) ، وغزا في خلافة معاوية، وتوفي في سنة عشر ومائة)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ((كان مولده سنة (17)) ) ، وكذا قال أبو حاتم أيضًا. =(2/258)
65- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الكَلَاعي (1) ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ مَعْدان، يَقُولُ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي قِرَاءَةِ يَاءٍ، وَتَاءٍ، فاقرؤوا عَلَى يَاءٍ، وَذَكِّرُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ مُذَكَّر.
66- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ دِينَارٍ (2) ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ سُنّة، يَأْخُذُهَا الْآخِرُ عَنِ الْأَوَّلِ.
__________
= انظر "الجرح والتعديل" (6 / 383 - 384 رقم 2131) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (2 / 940) ، والتهذيب (7 / 228 رقم 418) .
[64] الحديث سنده ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي مريم كما في الحديث المتقدم برقم [25] ، ولأن إسماعيل بن عياش لم يصرِّح بالسماع، وهو مدلس كما في ترجمته في الحديث [9] ، وأما معنى الحديث فصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه كما في الحديثين السابقين.
(1) لم أجد راويًا بهذا الاسم، والظاهر أن في الإسناد تصحيفًا وأن الصواب: ((عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْكَلَاعِيِّ)) ، فإنه هو الذي يروي عن إسماعيل بن عياش، فإن كان هو فهو ثقة كما سيأتي في ترجمته في الحديث [70] .
[65] الحكم على سند الحديث متوقف على معرفة حال مالك الكلاعي، ومع ذلك فإسماعيل بن عياش مدلِّس كما في ترجمته في الحديث [9] ، ولم يصرِّح هنا بالسماع.
وقد صح الحديث عن ابن مسعود كما تقدم برقم [62 و 63] .
(2) هو شعيب بن أبي حمزة دينار الأموي، مولاهم، أبو بشر الحمصي، روى عن الزهري ومحمد بن المنكدر ونافع مولى ابن عمر وهشام بن عروة وغيرهم، روى عنه ابنه بشر وبقيّة بن الوليد والوليد بن مسلم وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتين أو ثلاث وستين ومائة وقد جاوز السبعين، وهو ثقة عابد من أثبت =(2/259)
67- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَاد (1) ، عَنْ أَبِيهِ (2) ، عَنْ خَارِجَة بْنِ زَيْدٍ (3) ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: القراءة سُنَّة.
__________
= الناس في الزهري، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص267 رقم 2798) ، فقد وثقه يعقوب بن شيبة، وأبو حاتم، والنسائي، وابن معين، وزاد: ((من أثبت الناس في الزهري، كان كاتبًا له)) ، وقال العجلي: ((ثقة ثبت)) وقال الخليلي: ((ثقة متفق عليه، حافظ، أثنى عليه الأئمة)) .
انظر "الجرح والتعديل" (4 / 344 - 345 رقم 1508) ، و"التهذيب" (4 / 351 - 352 رقم 588) .
[66] الحديث سنده ضعيف لتدليس إسماعيل بن عياش، فإنه مدلس من الثالثة كما في ترجمته في الحديث رقم [9] ، وقد دلّس هذا الحديث، فأسقط شيخه الليث ابن أبي سليم.
فالحديث أخرجه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2 / 196 رقم 1597) من طريق خلف بن هشام، عن إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ لَيْثٍ عن شعيب بن دينار ... ، فذكره بلفظه.
وليث بن أبي سليم اختلط فتُرك حديثه كما في الحديث رقم [9] ، فالحديث ضعيف بهذا الإسناد لأجله، والله أعلم.
(1) هو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عبد الله بن ذكوان المدني، مولى قريش، روى عن أبيه وموسى بن عقبة وهشام بن عروة والأوزاعي وغيرهم، روى عنه المصنِّف سعيد بن منصور في مواضع من سننه، وروى عنه أبو داود الطيالسي وهناد بن السَّريّ وعلي بن حجر وغيرهم، وكانت ولادته سنة مائة، ووفاته سنة أربعين وسبعين ومائة، وهو صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهًا، ولي خراج المدينة فحُمد كما في "التقريب" (ص340 رقم 3861) . فقد وثقه العجلي، وصحح الترمذي عدة من أحاديثه وقال: ((ثقة حافظ)) ، وقال ابن معين: ((أثبت الناس في هشام بن عروة: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ)) . وحكى الساجي عن ابن معين أيضًا أنه قال: ((عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عن أبيه، عن الأعرج، =(2/260)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= عن أبي هريرة حجّة)) ، وجاء في روايات أُخر عن ابن معين أنه ضعفه، وضعفه كذلك النسائي، وقال الإمام أحمد: ((مضطرب الحديث)) ، وقال يعقوب بن شيبة: ((ثقة صدوق، وفي حديثه ضعف)) ، وقال ابن المديني: ((حديثه بالمدينة مقارب، وما حدث به بالعراق فهو مضطرب، وقد نظرت فيما روى عنه سليمان بن داود الهاشمي فرأيتها مقاربة)) ، وقال أيضًا: ((ما حدث به عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ بالمدينة فهو صحيح، وما حدث به ببغداد أفسده البغداديون)) ، وقال الفلاس: ((عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ فيه ضعف، وما حدث بالمدينة أصح مما حدث ببغداد)) .
انظر "الجرح والتعديل" (5 / 252 رقم 1201) ، و"تاريخ بغداد" (10 / 228 - 230) ، و"التهذيب" (6 / 170 - 173 رقم 353) .
(2) هو عبد الله بن ذكوان القرشي، أبو عبد الرحمن المدني، المعروف بأبي الزناد، روى عن أنس وعائشة بنت سعد وأبي أمامة بن سهل بن حُنيف وسعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد والأعرج وهو راويته، روى عنه ابناه عبد الرحمن وأبو القاسم والأعمش ومحمد بن عجلان وهشام بن عروة وموسى بن عقبة والسفيانان وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاثين ومائة، وقيل: إحدى، وقيل: اثنتين وثلاثين ومائة وهو ابن ست وستين سنة، وهو ثقة فقيه، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص302 رقم 3302) ، فقد وثقه أحمد والعجلي والنسائي والساجي والطبري وابن سعد، وزاد: ((كثير الحديث فصيحًا بصيرًا بالعربية)) . وكان سفيان يسميه: أمير المؤمنين، وقال ابن معين: ((ثقة حجة)) ، وقال أبو حاتم: ((ثقة فقيه، صالح الحديث، صاحب سنة، وهو ممن تقوم به الحجة إذا روى عن الثقات)) .
"الجرح والتعديل" (5 / 49 - 50 رقم 227) ، و"التهذيب" (5 / 203 - 205 رقم 351) .
(3) هو خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الأنصاري، أبو زيد المدني، روى عن أبيه وعمه =(2/261)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= يزيد وأسامة بن زيد وسهل بن سعد وغيرهم، روى عنه ابنه سليمان والزهري والمطلب بن عبد الله بن حنطب وأبو الزناد وغيرهم، وكانت وفاته سنة تسع وتسعين أو مائة، وهو ثقة فقيه، أحد الفقهاء السبعة، روى له الجماعة، وثقه العجلي وابن سعد وزاد: ((كثير الحديث)) ، وقال ابن خراش: ((خارجة بن زيد أجلّ من كل من اسمه خارجة)) ، وقال أبو الزناد: ((كان أحد الفقهاء السبعة)) ، وقال مصعب الزبيري: ((كان خارجة وطلحة بن عبد الله بن عوف يقسمان المواريث، ويكتبان الوثائق، وينتهي الناس إلى قولهما)) .
انظر "سير أعلام النبلاء" (4 / 437 - 441) ، و"التهذيب" (3 / 74 - 75 رقم 143) ، و"التقريب" (ص186 رقم 1609) .
[67] الحديث في سنده عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، وتقدم الكلام عنه، لكن الذي يظهر أن هذا مما حفظه عبد الرحمن، فإنه قد رواه عنه سليمان بن داود الهاشمي كما سيأتي، وروايته عنه أثنى عليها ابن المديني كما سبق، فأقل أحوال الحديث أنه حسن لذاته، وقد صححه الحاكم كما سيأتي ووافقه الذهبي.
وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (5 / 145 - 146 رقم 4855) .
والبيهقي في "سننه" (2 / 385) في الصلاة، باب وجوب القراءة على ما نزل من الأحرف السبعة.
والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2 / 196 رقم 1596) .
ثلاثتهم من طريق المصنِّف، به مثله، إلا أن الخطيب قال في روايته: ((عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ كان يقول)) .
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (2 / 224) من طريق سليمان بن داود الهاشمي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزناد، لكن تحرّف في المطبوع قوله: ((سنة)) إلى: ((سبعة)) ، وتصحف اسم عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ إلى: ((عبد الله بن أبي الزناد)) .
وقد أخرجه البيهقي في "الشعب" (5 / 600 رقم 2425) من طريق الحاكم على الصواب. =(2/262)
68- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ تَمَامِ بْنِ نَجيح (1) ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَخَذَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَعَمِلَ بِهِ، فَقَدْ أَخَذَ أَمْرَ ثُلُثِ النُّبُوَّةِ، وَمَنْ أَخَذَ نِصْفَ الْقُرْآنِ، فَقَدْ أَخَذَ أَمْرَ نِصْفِ النُّبُوَّةِ، وَمَنْ أَخَذَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، فَعَمِلَ بِهِ، فَقَدْ أَخَذَ النُّبُوَّةَ كلها)) .
__________
= قال سلميان بن داود عقب روايته للحديث: ((يعني أن لا تخالف الناس برأيك في الاتباع)) .
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص334 رقم 786) ، من طريق حجاج بن محمد المصيِّصي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزناد، به مثله.
وأخرجه الطبراني من طريق سعيد بن أبي مريم وعيسى بن ميناء، كلاهما عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزناد، به مقرونًا بالرواية السابقة، وزاد ابن أبي مريم: ((لا تخالف الناس برأيك)) .
وكان أبو عبيد قد قال قبل إخراجه (ص333) : ((وإنما نرى القراء عرضوا القراءة الأخيرة على أهل المعرفة بها، ثم تمسكوا بما علموا منها مخافة أن يزيغوا عن ما بين اللوحين بزيادة أو نقصان، ولهذا تركوا سائر القراءات التي تخالف الكتاب، ولم يلتفتوا إلى مذاهب العربية فيها إذا خالف ذلك خطّ المصحف، وإن كانت العربية فيها أظهر بيانًا من الخط، ورأوا تتبع حروف المصاحف وحفظها عندهم كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها، وقد وجدنا هذا المعنى في حديث مرفوع وغير مرفوع ... )) ، ثم ذكر الحديث السابق برقم [35] ، وذكر أثر زيد بن ثابت هذا، ثم قال: ((فقول زيد هنا يبين لك ما قلنا؛ لأنه الذي ولي نسخ المصاحف التي أجمع عليها المهاجرون والأنصار، فرأى اتباعها سنة واجبة)) . اهـ. والله أعلم.
(1) هو تمّام بن نَجيح الأسدي الدمشقي، نزيل حلب، روى عن الحسن البصري =(2/263)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، روى عنه إسماعيل بن عياش وبقية بن الوليد ومبشّر بن إسماعيل وغيرهم، وهو ضعيف من الطبقة السابعة كما في "التقريب" (ص130 رقم 898) ؛ فقد وثقه ابن معين، وقال أبو توبة: ثنا إسماعيل بن عياش، ثنا تمام وهو ثقة، وقال البزار: ((صالح الحديث)) ، وقال مرة: ((ليس بقوي)) .
وقال البخاري: ((فيه نظر)) ، وقال أبو زرعة: ((ضعيف)) ، وقال أبو حاتم: ((منكر الحديث ذاهب)) .
وقال ابن حبان: ((روى أشياء موضوعة عن الثقات، كأنه المتعمد لها)) ، وقال ابن عدي: ((عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات، وهو غير ثقة)) .
انظر "الجرح والتعديل" (2 / 445 رقم 1788) ، و"التهذيب" (1 / 510 - 511 رقم 949) .
[68] الحديث سنده ضعيف جدًّا لإرساله وضعف تمّام بن نجيح، ولأن إسماعيل بن عياش مدلِّس كما في ترجمته في الحديث [9] ، ولم يصرِّح بالسماع هنا.
وقد أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 532 رقم 2354) من طريق المصنف بمثله، إلا أنه لم يذكر قوله: ((أمر)) في الموضعين.
وذكره السيوطي في "اللآلئ" (1 / 243) من رواية المصنف، فقال: ((قال سعيد بن منصور في سننه ... )) ، فذكره مثل لفظ البيهقي.
والحديث ذكره صاحب "كنز العمال" (1 / 524 رقم 2346) ، وعزاه لابن الأنباري في "المصاحف".
وابن الأنباري أخرجه من طريق إدريس بن خلف، عن إسماعيل بن عياش، به بمثله، إلا أنه لم يذكر قوله: ((فعمل به)) ، نقله عنه القرطبي في "مقدمة تفسيره" (1 / 8 - 9) .
وله شاهدان لا يثبت الحديث بشيء منهما، أحدهما من حديث أبي أمامة، والآخر من حديث ابن عمر.
أما حديث أبي أمامة، فلفظه نحو لفظ المصنف هنا، وفيه زيادة. =(2/264)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أخرجه ابن حبان في "المجروحين" (1 / 187 - 188) .
وابن عدي في "الكامل" (2 / 440 - 441) .
وابن الأنباري في "المصاحف" كما في "مقدمة تفسير القرطبي" (1 / 8) ، و"اللآلئ" (1 / 243) ، و"الجامع الكبير" للسيوطي (1 / 819) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (4 / 557 - 558) و (5 / 530) .
وابن الجوزي في "الموضوعات" (1 / 252 - 253) .
جميعهم من طريق بشر بن نمير، عن القاسم مولى خالد بن يزيد، عن أبي أمامة مرفوعًا، به.
قال ابن الجوزي: ((هذا حديث لا يصح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -؛ قال أحمد: ترك الناس حديث بشر، وقال مَرَّةً: يحيى بن العلاء كذابٍ يضع الحديث، وبشر بن نمير أسوأ حالاً منه. وقال يحيى بن سعيد: كان ركنًا من أركان الكذب. وقال أبو حاتم الرازي: متروك. وقال ابن حبان: والقاسم يروي عن أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - المعضلات)) . اهـ.
وقال السيوطي في "الجامع": ((أورده ابن الجوزي في الموضوعات، فلم يصب)) ، وتعقبه في "اللآلئ" بذكر هذه الشواهد.
وفي ترجمة بشر في "الميزان" (1 / 326) أورد الذهبي هذا الحديث، ثم قال: ((ولبشر عن القاسم نسخة كبيرة ساقطة)) .
قلت: تعقب السيوطي لابن الجوزي في غير موضعه؛ لأن الشواهد التي أوردها بعضها لا يصلح للاستشهاد، وبعضها يشهد لجزء من الحديث.
فحديث أبي أمامة هذا موضوع لما تقدم عن حال بشر بن نمير.
وأما حديث ابن عمر، فأخرجه الخطيب في "تاريخه" (12 / 446) من طريق قاسم بن إبراهيم الملطي، حدثنا لوين، حدثنا مالك بن أنس، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، به مرفوعًا بلفظ: ((من قرأ ثلث القرآن أعطي ثلث النبوة، ومن قرأ ثلثي القرآن أعطي ثلثي النبوة، ومن قرأ القرآن كله أعطي النبوة كلها ... )) الحديث، وفيه زيادة. قال الخطيب في الموضع السابق عن إبراهيم الملطلي: ((كان كذابًا أفّاكًا يضع الحديث، روى عنه =(2/265)
69- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ (1) ، قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو (2) ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ هِنْدٍ (3) ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (4) ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ الطُّوَّل مِنَ القرآن، فهو خير)) .
__________
= الغرباء، عن أبي أمية المبارك بن عبد الله، وعن لوين، عن مالك عجائب من الأباطيل)) . اهـ.
وقد ذكر الذهبي القاسم هذا في "الميزان" (3 / 367 - 368) ، ونقل عن الدارقطني أنه قال عنه: ((كذاب)) ، ثم قال الذهبي: ((قلت: أتى بطامّات لا تطاق ... )) ، ثم ذكر حديثًا وقال بعده: ((وأطمّ منه ما روى عن لوين ... )) ، ثم ذكر هذا الحديث، وقال: ((وهذا باطل وضلال كالذي قبله)) . اهـ.
وبهذا يتضح أن تعقب السيوطي لابن الجوزي ليس في موضعه، لأن هذين الحديثين موضعان لا يساويان مداد تسويدهما.
(1) هو عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدَّراوَرْدي، أبو محمد الجهني، مولاهم، المدني، روى عن زيد بن أسلم ويحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة وحميد الطويل وعمرو بن أبي عمرو وغيرهم، روى عنه الإمام الشافعي وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن وهب ووكيع والحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم، واختُلف في سنة وفاته، فقيل: سنة سبع وثمانين ومائة، وقيل: تسع وثمانين ومائة، وقيل: ست وثمانين ومائة، وهو صدوق حسن الحديث، عدا روايته عن عبيد الله بن عمر العمري فمنكرة، وقد روى له الجماعة، لكن رواية البخاري عنه مقرونة. فقد وثقه مالك، وقال ابن معين: ((ثقة حجة)) ، وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث يغلط)) ، وقال الإمام أحمد: ((كان معروفًا بالطلب، وإذا حدث من كتابه فهو صحيح، وإذا حدث من كتب الناس وهم، وكان يقرأ من كتبهم فيخطئ، وربما قلب حديث عبد الله بن عمر يرويها =(2/266)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= عن عبيد الله بن عمر)) ، وقال النسائي: ((ليس به بأس، وحديثه عن عبيد الله بن عمر منكر)) ، وقال أبو حاتم: ((محدِّث)) ، وقال أبو زرعة: ((سيء الحفظ، فربما حدث من حفظه الشيء فيخطئ)) .
انظر "الجرح والتعديل" (5 / 395 - 396 رقم 1833) ، و"التهذيب" (6 / 353 - 355 رقم 677) .
وقد خرج الذهبي - رحمه الله - في كتابيه: ((الميزان)) و ((السير)) ، بأن الدراوردي صدوق حسن الحديث، فقال في "الميزان" (2 / 633 رقم 5125) : ((عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق من علماء المدينة، غيره أقوى منه)) . وقال في "سير أعلام النبلاء" (8 / 368) : ((قلت: حديثه في دواوين الإسلام الستة، لكن البخاري روى له مقرونًا بشيخ آخر، وبكل حال فحديثه وحديث ابن أبي حازم لا ينحطّ عن مرتبة الحسن)) . اهـ.
(2) هو عمرو بن أبي عمرو ميسرة مولى المطلب، أبو عثمان المدني، روى عن أنس بن مالك ومولاه المُطَّلبِ وعكرمة وسعيد بن جبير وحبيب بن هند وغيرهم، روى عنه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ويزيد بن الهاد والإمام مالك والدَّرَاوَرْدي وغيرهم وكانت وفاته سنة أربع وأربعين ومائة، وهو ثقة ربما وهم، حسن الحديث، روى له الجماعة، وهو مختلف فيه، وانتقدت عليه بعض الروايات، فوثقه أبو زرعة والعجلي وزاد: ((ينكر عليه حديث البهيمة)) ، وقال الإمام أحمد: ((ليس به بأس)) ، وقال أبو حاتم: ((لا بأس به)) ، وكذا قال ابن عدي وزاد: ((لأن مالكًا يروي عنه، ولا يروي مالك إلا عن صدوق ثقة)) وقال الساجي: ((صدوق، إلا أنه يهم)) . وضعفه ابن معين، وقال أبو داود: ((ليس هو بذاك)) ، وقال النسائي: ((ليس بالقوي)) .
قلت: والراجح من حاله أنه حسن الحديث، قال الذهبي: ((صدوق، حديثه مُخرّج في الصحيحين في الأصول ... ، حديثه صالح حسن منحطّ عن الدرجة العليا من الصحيح)) ، ولما قال ابن القطان: ((الرجل مستضعف، وأحاديثه تدلّ على =(2/267)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= حاله)) ، ردّ عليه الذهبي بقوله: ((ما هو بمستضعف ولا بضعيف، نعم ولا هو في الثقة كالزهري وذويه)) .
انظر "الجرح والتعديل" (6 / 252 - 253 رقم 1398) ، و"الكامل" لابن عدي (5 / 1768 - 1769) ، و"الميزان" (3 / 281 - 282 رقم 6414) ، و"التهذيب" (8 / 82 - 84 رقم 122) ، و"التقريب" (ص425 رقم 5083) .
(3) هو حبيب بن هند بن أسماء بن هند بن حارثة الأسلمي، مجهول الحال، روى عن أبيه وعروة بن الزبير، وعنه عبد الله بن أبي بكر وعمرو بن أبي عمرو، ذكره البخاري في "تاريخه" (2 / 327 رقم 2639) ، وسكت عنه، وبيّض له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3 / 110 رقم 505) ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (4 / 141 - 142) و (6 / 177) ، وانظر "تعجيل المنفعة" (ص59 - 60 رقم 178) .
(4) عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدني، روى عن أبيه وأخيه عبد الله وأمه أسماء بنت أبي بكر وخالته عائشة وعلي بن أبي طالب وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه أولاده عبد الله وعثمان وهشام ومحمد ويحيى، وروى عنه أيضًا سليمان بن يسار وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ والزهري وأبو الزناد وابن أبي مليكة وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار ومحمد بن المنكدر وحبيب بن هند وغيرهم، واختُلف في سنة وفاته، فقيل: توفي سنة اثنتين وتسعين للهجرة، وقيل: سنة أربع، وقيل: خمس، وقيل: تسع وتسعين، أو مائة، أو إحدى ومائة، ومات وهو ابن سبع وستين سنة، وهو ثقة فقيه مشهور روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص389 رقم 4561) . قال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث فقيهًا عالمًا ثبتًا مأمونًا)) ، وقال العجلي: ((مدني تابعي ثقة، وكان رجلاً صالحًا لم يدخل في شيء من الفتن)) .
انظر "طبقات ابن سعد" (5 / 178 - 182) ، و"التهذيب" (7 / 180 - 185 رقم 351) .
[69] الحديث سنده ضعيف لجهالة حبيب بن هند، وقد ذكره الحافظ ابن كثير في =(2/268)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= "التفسير" (1 / 35) من رواية أبي عبيد الآتية، ثم قال: ((غريب، وحبيب بن هند بن أسماء بن هند بن حارثة الأسلمي، وروى عنه عمرو بن عمرو [كذا!] ، وعبد الله بن أبي بكر، وذكره أبو حاتم الرازي، ولم يذكر فيه جرحًا، فالله أعلم)) .
وقد صحح الحاكم هذا الحديث كما سيأتي ووافقه الذهبي.
والحديث أخرجه البزار في "مسنده" (3 / 95 رقم 2327 / كشف) .
والفريابي في "فضائل القرآن" (ص171 - 172 رقم 65) .
والطحاوي في "مشكل الآثار" (2 / 153 - 154) .
والبغوي في "شرح السنة" (4 / 468 رقم 1203) .
جميعهم من طريق عبد العزيز بن محمد، به نحوه.
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص157 رقم 404) .
والإمام أحمد في "المسند" (6 / 72 - 73) .
ومحمد بن نصر في "قيام الليل" (ص153) .
والطحاوي في الموضع السابق (ص154) .
والحاكم في "المستدرك" (1 / 564) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 353 رقم 2191) .
والبغوي في الموضع السابق.
جميعهم من طريق إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن أبي عمرو، به.
وأخرجه الإمام أحمد (6 / 82) .
والواحدي في "الوسيط" (2 / 123 / ب) .
والخطيب في "تاريخه" (10 / 108) .
ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل" (1 / 103 - 104 رقم 149) .
جميعهم من طريق سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو، به.
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي.
والحديث ذكره الألباني في "صحيح الجامع" (5 / 232 رقم 5855) ، وقال عنه: =(2/269)
70- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الكَلاعي (1) ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (يَقُولُ) (2) : أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ عَرَبِيٌّ، وَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّة، وَأَحْسِنُوا عِبَارَةَ الرُّؤْيَا، وَإِذَا قَصَّ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ خَيْرًا فَلَنَا، وَإِنْ كَانَ شرًّا فعلى عدونا.
__________
= ((حسن)) ، وعزا تخريجه للسلسلة الصحيحة رقم (2305) ، ولم يطبع بعد.
تنبيه: السبع الطوال من القرآن هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس.
وسميت طوالاً؛ لطولها.
انظر "شعب الإيمان" للبيهقي (5 / 356 - 357) ، و"القطع والائتناف" للنحاس (ص82) .
(1) هو عبيد الله بن عبيد، أبو وهب الكَلاَعي - بفتح الكاف -، روى عن مكحول وبلال بن سعد وحسّان بن عطيّة وغيرهم، روى عنه الأوزاعي وسويد بن عبد العزيز والهيثم بن حميد وإسماعيل بن عيّاش وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وهو ثقة، وثقه دُحيم، وقال ابن معين: ((ليس به بأس)) .
انظر "تاريخ ابن عساكر" (10 / 702 - 704) ، و"التهذيب" (7 / 35 رقم 65) .
وروايته هنا عن عمر بن الخطاب، وهو لم يدركه؛ لأن الفرق بين وفاته ووفاة عمر رضي الله عنه ما يقرب من ثمان سنين ومائة، بل لم يذكروا في ترجمته أنه روى عن أحد من الصحابة، وإنما يروي عن التابعين، وعليه فهو من أتباع التابعين، وبذا صرح ابن عساكر في الموضع السابق حيث قال: ((كلاعي من تابعي التابعين)) . أما الحافظ ابن حجر فذكر في "الإصابة" (7 / 461) أنه تابعي، وذلك في معرض التفريق بينه وبين أبي وهب الجُشَمي الصحابي، وليست أدري على أي شيء اعتمد في وصفه بأنه تابعي؟!
(2) ما بين القوسين سقط من الأصل، وما أثبته من الموضعين الآتيين من "شعب الإيمان" و"كنز العمال".(2/270)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
[70] الحديث سنده ضعيف للانقطاع بين عبيد الله الكلاعي وعمر رضي الله عنه، ولأن إسماعيل بن عياش مدلِّس كما في ترجمته في الحديث [9] ، ولم يصرِّح بالسماع هنا.
وقد ذكره صاحب "كنز العمال" (15 / 517 رقم 42014) وعزاه لسعيد بن منصور.
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 242 رقم 2098) من طريق سعيد بن منصور، به مثله، إلا أنه قال: ((فإذا قص)) .
والحديث له عن عمر رضي الله عنه ثلاثة طرق:
(1) طريق عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْكَلَاعِيِّ الذي أخرجه المصنف هنا.
(2) طريق الحسن البصري، وهو الآتي برقم [89] ، وهو ضعيف.
(3) طريق عمرو بن دينار:
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (10 / 456 - 457 رقم 9963) ، فقال: حدثنا عيسى بن يونس، عن ثور، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: كتب عمر إلى أبي موسى: أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي، وتمعددوا فإنكم مَعْديّون.
هكذا أخرجه ابن أبي شيبة في هذا الموضع، وكان قد أخرجه قبل ذلك (8 / 603 رقم 5703) من نفس الطريق السابق مختصرًا، إلا أنه قال: (عمر بن زيد) بدل: (عمرو بن دينار) .
وسنده ضعيف أيضًا للانقطاع بين عمرو بن دينار وعمر بن الخطاب.
فعمرو بن دينار إنما يروي عن صغار الصحابة، والانقطاع بينه وبين عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عنه - ظاهر، فولادته كانت بعد سنة خمس وأربعين بيقين، فإنه توفي وقد جاوز السبعين كما قال ابن حبان، ووفاته كانت سنة خمس أو ست وعشرين ومائة كما قال الإمام أحمد. انظر "التهذيب" (8 / 30) .
وعليه فالحديث لا ينجبر ضعفه بهذه الطرق، وانظر الحديث الآتي برقم [89] .(2/271)
71- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ.
72- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (1) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ آمِرًا، وَزَاجِرًا، وَسُنَّةً خَالِيَةً، وَمَثَلًا مَضْرُوبًا، (فِيهِ) (2) نَبَؤُكُمْ، وَنَبَأُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ خَاصَمَ بِهِ فَلَجَ (3) ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، لَا يُخْلِقُه طولُ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ)) .
__________
[71] الحديث سنده ضعيف، فليث بن أبي سليم تقدم في الحديث [9] أنه صدوق اختلط جدًّا فلم يتميز حديثه، فتُرك.
وقد أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (10 / 457 رقم 9965) من طريق معتمر، عن ليث، به مثله.
(1) هو عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بن حمزة بن صهيب بن سنان الحمصي، روى عن نافع مولى ابن عمر ومحمد بن المنكدر ومجاهد وغيرهم، لم يرو عنه سوى إسماعيل بن عياش، وهو متروك كما قال الدارقطني، وقال ابن معين: ((ضعيف الحديث، لم يحدِّث عنه غير إسماعيل)) ، وقال أبو زرعة: ((مضطرب الحديث، واهي الحديث)) ، وقال أبو حاتم: ((هو عندي عجيب ضعيف الحديث منكر الحديث، يكتب حديثه؛ يروي أحاديث مناكير، ويروي أحاديث حسانًا)) . وقال أبو داود: ((ليس بشيء)) ، وقال النسائي: ((ليس بثقة، ولا يكتب حديثه)) . اهـ.
من "الجرح والتعديل" (5 / 387 - 388 رقم 1085) ، و"التهذيب" (6 / 348 - 349 رقم 668) .
وقال الذهبي في "الكاشف" (2 / 201 رقم 3446) : ((واهٍ)) .
قلت: وهو من أتباع التابعين، يروي عن التابعين مثل نافع ومحمد بن المنكدر(2/272)
73- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: نا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلةَ، عَنِ المُسَيَّب بْنِ رَافِعٍ أَوْ غَيْرِهِ - شَكَّ حَمَّادٌ - قَالَ: مَنْ قَرَأَ: {إِذَا زُلْزِلَتِ} فَكَأَنَّمَا قَرَأَ نِصْفَ الْقُرْآنِ، وَمَنْ قَرَأَ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} ، وَمَنْ قَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ.
__________
= وغيرهما، فروايته هنا معضلة.
(2) في الأصل: ((فيها)) .
(3) أي: غَلَبَ.
انظر "النهاية في غريب الحديث" (3 / 468) .
[72] سنده ضعيف جدًّا لإعضاله وشدّة ضعف عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ.
(1) هكذا في الأصل لم يذكر شيئًا من فضلها، وفي رواية ابن الضريس الآتية وغيرها ذكر أنها ربع القرآن.
[73] الحديث سنده رجاله ثقات، عدا عاصم فصدوق، لكنه ضعيف؛ لأن حماد بن زيد لم يضبط هذا الحديث. فهو هنا يرويه عن عاصم، عن المسيب، أو غيره - على الشك -.
وأخرجه ابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص127 رقم 300) من طريق شيخه أبي الربيع الزهراني، عن حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ قال: كان يقال: {قل هو الله أحد} ثلث القرآن، و {إذا زلزلت} نصف القرآن، و {قل يا أيها الكافرون} ربع القرآن.
وقد ورد الحديث مرفوعًا من حديث ابن عباس وأنس وأبي هريرة رضي الله عنهم.
أما حديث ابن عباس، فأخرجه الترمذي (8 / 205 - 206 رقم 3059) في فضائل القرآن، باب ما جاء في سورة الإخلاص وإذا زلزلت.
وابن الضريس (ص126 رقم 298) .
وابن عدي في "الكامل" (7 / 2638) . =(2/273)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والحاكم في "المستدرك" (1 / 566) .
ومن طريقه البيهقي في "الشعب" (5 / 452 - 453 رقم 2284) .
جميعهم من طريق يزيد بن هارون، عن يمان بن المغيرة، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -: (( {إذا زلزلت} تعدل نصف القرآن، و {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن، و {قل يا أيها الكافرون} تعدل ربع القرآن)) .
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (8 / 591) وعزاه أيضًا لمحمد بن نصر، وأشار إليه المقريزي في "مختصر قيام الليل" لمحمد بن نصر (ص144) .
قال الترمذي: ((هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يمان بن مغيرة)) .
وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ، فتعقبه الذهبي بقوله: ((بل يمان ضعفوه)) .
وذكره الحافظ في "الفتح" (9 / 61 - 62) وعزاه أيضًا لأبي الشيخ، وقال: ((صحح الحاكم حديث ابن عباس، وفي سنده يمان بن المغيرة، وهو ضعيف عندهم)) .
والحديث ذكره الألباني في "السلسلة الضعيفة" (3 / 518) ، وقال عنه: ((منكر)) ، وأعله بيمان بن المغيرة.
وأما أحاديث أنس، فله عنه طريقان:
(1) طريق ثابت عنه:
أخرجه الترمذي (8 / 203 - 204 رقم 3057) .
والعقيلي في "الضعفاء" (1 / 243) . والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 454 - 455 رقم 2886) .
ثلاثتهم من طريق محمد بن موسى الحَرشي، عن الحسن بن سَلْم العجلي، عن ثابت، عن أنس قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ قَرَأَ {إذا زلزلت} عدلت له بنصف الْقُرْآنِ، وَمَنْ قَرَأَ: {قُلْ يَا أيها الكافرون} عدلت بربع القرآن، وَمَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد} عدلت له بثلث القرآن)) . =(2/274)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قال الترمذي: ((هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هذا الشيخ الحسن بن سلم)) .
وقال العقيلي: ((الحسن بن مسلم (كذا!) بن صالح العجلي، بصري، عن ثابت، مجهول في النقل، وحديثه غير محفوظ)) . اهـ. ثم ذكر هذا الحديث، وقال: ((وقد روي في: {قل هو الله أحد} أحاديث صالحة الأسانيد من حديث ثابت، وأما في {إذا زلزلت} و {قل يا أيها الكافرون} ، أسانيدها مقارب هذا الإسناد)) .
وقال البيهقي: ((هذا العجلي مجهول)) .
وذكر الذهبي في "الميزان" (1 / 493) الحسن بن سَلْم هذا، وذكر حديثه هذا، ثم قال: ((هذا منكر، والحسن لا يعرف، ولا روى عنه سوى محمد بن موسى الحَرَشي)) .
(2) طريق يزيد الرقاشي عن أنس:
أخرجه محمد بن نصر في "قيام الليل" كما في المختصر (ص144) من طريق عمر بن رياح، سمعت يزيد الرقاشي، عن أنس رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - قال..، فذكره بنحو سابقه، إلا أنه زاد فيه: ((من قرأ {إنا أنزلناه في ليلة القدر} عدلت بربع القرآن)) .
وسنده هذا الحديث ضعيف جدًّا، فيه يزيد بن أبان، وعمر بن رياح.
أما يزيد بن أبان الرَّقَاشي - بتخفيف القاف، ثم معجمة -، أبو عمرو البصري، القاصّ - بتشديد المهملة -، فهو زاهد ضعيف كما في "التقريب" (ص599 رقم 7683) ، وهو يروي عن أبيه وأنس بن مالك والحسن البصري وغيرهم، روى عنه قتادة وابن المنكدر والأعمش وغيرهم، وذكره البخاري في "التاريخ الأوسط" في فصل من مات بين العشر ومائة إلى عشرين ومائة، وقد ضعَّف يزيد هذا: ابن سعد وابن معين والدارقطني والبرقاني وغيرهم، وقال ابن حبان: ((كان من خيار عباد الله من البكّائين بالليل، لكنه غفل عن حفظ الحديث شغلاً بالعبادة حتى كان يقلب كلام الحسن فيجعله =(2/275)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= عن أنس، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، فلا تحل الرواية عنه إلا على جهة التعجب)) . اهـ.
من "الجرح والتعديل" (9 / 251 - 252 رقم 1053) ، و"التهذيب" (11 /309 - 311 رقم 597) .
وأما عمر بن رِياح - بكسر أوّله، وتحتانيّةٍ-، العبدي، البصري، الضرير، فهو يروي عن مولاه عبد الله بن طاوس وعن عمرو بن شعيب وثابت البُناني وهشام بن عروة، وغيرهم، روى عنه يحيى بن حسّان ومعلّى بن أسد وأحمد بن عبدة وغيرهم، وهو متروك، وكذبّه بعضهم، من الطبقة الثامنة كما في "التقريب" (ص412 رقم 4896) . قال عمرو بن علي الفلاّس: ((هو دجال)) ، وقال النسائي والدارقطني: ((متروك)) ، وقال أبو أحمد الحاكم: ((ذاهب الحديث)) ، وقال ابن حبان: ((كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب)) . اهـ. من "المجروحين" لابن حبان (2 / 86) ، و"التهذيب" (7 / 447 - 448 رقم 738) .
وأما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص185 رقم 686) .
وأبو أمية الطرسوسي في مسند أبي هريرة (195 / 2) كما في "السلسلة الضعيفة" للألباني (3 / 519) .
كلاهما من طريق عيسى بن ميمون، عن يحيى بن ميمون، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هريرة مرفوعًا به نحوه.
قال الشيخ ناصر الدين الألباني: (لكنه إسناد ضعيف جدًّا؛ عيسى بن ميمون الظاهر أنه المدني المعروف بالواسطي، ضعفه جماعة، وقال أبو حاتم وغيره: ((متروك الحديث)) . وأبو أمية نفسه صدوق يهم كما قال الحافظ، فلا يصلح شاهدًا) . اهـ.
قلت: أما أبو أمية الطرسوسي فلم يتفرّد بالحديث، فإن ابن السني أخرجه من طريق آخر.
وأما عيسى بن ميمون فالشيخ رجح أنه الواسطي ولم يذكر مستنده في =(2/276)
74- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ (مَسْرُوقٍ) (1) ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ (2) ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيم (3) ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: مَنْ قَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ، كَانَتْ لَهُ عدل ثلث القرآن.
__________
= الترجيح، ولم يتكلم عن يحيى بن ميمون بشيء، والظاهر أنه جاء مهملاً في إسناد الطرسوسي فظن الشيخ أنه يحيى بن عبد العزيز الأردنّي الذي يروي عن يحيى بن أبي كثير، والذي يظهر أن عيسى بن ميمون ويحيى بن ميمون مجهولان وهما أو أحدهما آفة الحديث؛ فإني لم أجد من ترجم لهما.
وعليه فالحديث لا يتقوى بشيء من هذه الطرق، عدا ما ذكر من فضل {قل هو الله أحد} وأنها تعدل ثلث القرآن، فهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما، وسيأتي تخريجه في الحديث الآتي بعده، والله أعلم.
(1) في الأصل: (منصور) والصواب ما أثبته، فسعيد بن مسروق الثوري هو الذي يروي عن منذر الثوري، وعنه أبو الأحوص كما في "التهذيب" (4 / 82) ، وهكذا ورد على الصواب في رواية ابن الضريس في "الفضائل"، ورواية النسائي في "عمل اليوم والليلة" كما سيأتي، وانظر "تحفة الأشراف" (3 / 109) ، وانظر ترجمة سعيد بن مسروق في الحديث رقم [52] .
(2) هو المنذر بن يعلى الثوري، أبو يعلى الكوفي، يروي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه -، وعن الربيع بن خثيم وسعيد بن جبير وغيرهم، روى عنه الأعمش وفطر بن خليفة وسعيد بن مسروق وغيرهم، وهو ثقة من الطبقة السادسة وروى له الجماعة كما في "التقريب" (ص546 رقم 6894) ، وثقه ابن سعد، وابن معين، والعجلي، وابن خراش.
انظر "الجرح والتعديل" (8 / 242 رقم 1093) ، و"التهذيب" (10 / 304 - 305 رقم 531) .(2/277)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
(3) هو الربيع بن خُثَيْم - بضم المعجمة، وفتح المثلثة -، ابن عائذ بن عبد الله الثوري، أبو يزيد الكوفي، يروي عن ابن مسعود وأبي أيوب رضي الله عنهما، وعن عمرو بن ميمون وعبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم، روى عنه ابنه عبد الله ومنذر الثوري والشعبي وإبراهيم النخعي وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وستين للهجرة، وهو ثقة عابد مخضرم روى له الشيخان كما في "التقريب" (ص206 رقم 1888) ، قال الشعبي: ((كان من معادن الصدق)) ، وقيل لأبي وائل: أيما أكبر، أنت، أو الربيع؟ قال: ((أنا أكبر منه سنًا، وهو أكبر مني عقلاً)) ، وقال ابن معين: ((ثقة لا يُسأل عنه)) ، وقال العجلي: ((تابعي ثقة، وكا خيارًا)) ، وكان ابن مسعود يقول له: ((والله لو رآك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - لأحبك)) .
انظر "الجرح والتعديل" (3 / 459 رقم 2068) ، و"التهذيب" (3 / 242 رقم 467) .
[74] الحديث سنده ظاهر الصِّحَّة، لكنه معلول من هذا الطريق، وصوابه: أنه عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثيم، عَنْ عمرو بن ميمون، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى، عن امرأة من الأنصار رضي الله عنها، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحيح من هذا الطريق كما سيأتي.
والحديث أخرجه ابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص114 رقم 259) .
والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص423 رقم 678) .
كلاهما من طريق أبي الْأَحْوَصِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، به نحوه.
وقد اختُلف في إسناد هذا الحديث اختلافًا شديدًا. فمنهم من رواه عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أبي أيوب كما هنا، ومنهم من رواه عن الربيع، عن امرأة من الأنصار، عن أبي أيوب مرفوعًا، ومنهم من رواه عن الربيع، عن عمرو بن ميمون، عن امرأة، عن أبي أيوب مرفوعًا، ومنهم من رواه عن الربيع، عن عمرو بن ميمون، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى، عن امرأة، عن أبي أيوب مرفوعًا، إلى غير ذلك من الاختلاف الذي يطول ذكره، وتجده في "التاريخ الكبير" للبخاري (3 / 137) ، وفي "العلل" لابن أبي حاتم (2 / 70 و 80 رقم 1702 و 1735) ، =(2/278)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأطال فيه وفي تخريج طرقه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص423 - 427) ، وذكره الدارقطني في "العلل" (2 / ل 50 أو ب) ، ورجح بعض الروايات، وخلاصة ما رجحه الدارقطني - رحمه الله - قال: ((رواه زائدة بن قدامة فضبط إسناده؛ رواه عن منصور، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ الربيع بن خثيم، عن عمرو بن ميمون، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى، عن امرأة من الأنصار، عن أبي أيوب)) . اهـ.
ثم ذكر بعض الاختلاف، وقال: ((والقول قول زائدة بن قدامة)) ، وقال أيضًا: ((والحديث حديث زائدة، عن منصور، وهو أقام إسناده وحفظه)) . اهـ.
وهذا الذي رجحه الدارقطني هو الذي رجحه الترمذي واختاره، فإنه أخرج الحديث في "جامعه" (8 / 206 - 209 رقم 3060) .
وأخرجه كذلك الإمام أحمد في "المسند" (5 / 418 - 419) .
وعبد بن حميد في "مسنده" (ص103 رقم 222) .
وابن الضريس في "الفضائل" (ص112 رقم 254) .
والنسائي في "السنن" (2 / 172) ، وفي "عمل اليوم والليلة" (ص424 رقم 681) .
والطبراني في "الكبير" (4 / 199 رقم 4026) .
والبيهقي في "الشعب" (5 / 486 - 487 رقم 2313) .
أما الترمذي والإمام أحمد والنسائي فمن طريق عبد الرحمن بن مهدي، وأما عبد بن حميد وابن الضريس والبيهقي فمن طريق حسين بن علي، وأما الطبراني فمن طريق معاوية بن عمرو، ثلاثتهم عن زائدة، عن منصور، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ ربيع بن خثيم، عن عمرو بن ميمون، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى، عن امرأة أبي أيوب، عن أبي أيوب، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -: ((أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ من قرأ: الله الواحد الصمد، فقد قرأ ثلث القرآن)) .
هذا لفظ الترمذي، ولفظ الباقين نحوه، إلا أن ابن الضريس، والنسائي لم يذكرا السؤال: ((أيعجز أحدكم ... )) ، ولم يصرح أحد منهم بأن المرأة هي امرأة أبي أيوب سوى الترمذي. =(2/279)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قال النسائي: ((لا أعرف في الحديث الصحيح إسنادًا أطول من هذا)) .
وقال الترمذي: ((هذا حديث حسن، ولا نعرف أحدًا روى هذا الحديث أحسن من رواية زائدة، وتابعه على روايته إسرائيل، والفضيل بن عياض. وقد روى شعبة وغير واحد من الثقات هذا الحديث عن منصور، واضطربوا فيه)) . اهـ.
قلت: أما الفضيل بن عياض فإنه قد تابع زائدة على الحديث، وذكر إسناده بكامله، لكنه قدّم فيه وأخّر؛ حيث جعل الربيع شيخًا لعمرو بن ميمون، وعمرًا يروي الحديث عن الربيع، قال الدارقطني في الموضع السابق: ((رواه فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ، فقدم في إسناده وأخر؛ جعله عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ عمرو بن ميمون، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ ابن أبي ليلى، عن امرأة، عن أبي أيوب)) . اهـ.
وأما إسرائيل فقد تابع زائدة كما ذكر الترمذي، وروايته أخرجها الدارمي (2 / 331 رقم 3440) .
والنسائي والترمذي كلاهما قد أخرجا الحديث عن شيخهما بندار محمد بن بشار، ولكن لم يذكر النسائي، ما ذكر الترمذي من أن المرأة هي زوجة أبي أيوب، فإن كان الترمذي حفظه، فسند الحديث صحيح رجاله ثقات تقدم بعضهم، والباقون تراجمهم كما يأتي:
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الأنصاري المدني، ثم الكوفي، يروي عن أبيه، وعن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وحذيفة وابن مسعود وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه عمرو بن ميمون وهو أكبر منه، والشعبي وثابت البُناني ومجاهد وغيرهم، وكانت ولادته لست سنين بقيت من خلافة عمر رضي الله عنه، وتوفي سنة اثتنين وثمانين للهجرة، وهو ثقة روى له الجماعة.
قال عبد الملك بن عمير: ((لقد رأيت عبد الرحمن في حلقة فيها نفر من الصحابة فيهم البراء يسمعون لحديثه وينصتون له)) ، وقال عبد الله بن الحارث بن نوفل: ((ما ظننت أن النساء يلدن مثله)) ، ووثقه ابن معين والعجلي. اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 301 رقم 1424) ، و"التهذيب" (6 / 260 - 262 رقم 515) ، و"التقريب" (ص349 رقم 3993) . =(2/280)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وعمرو بن ميمون الأَوْدي يروي عن عمر وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وعائشة وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم، وروى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى والربيع بن خثيم وهما أصغر منه، روى عنه سعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم التيمي وهلال بن يساف والربيع بن خثيم وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمس وسبعين للهجرة، وهو مخضرم مشهور، ثقة عابد روى له الجماعة. قال أبو إسحاق السبيعي: ((كان عمرو بن ميمون إذا دخل المسجد فرؤي، ذُكر الله)) ، ووثقه ابن معين والعجلي والنسائي، وقال ابن عبد البر: ((أدرك النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وصدّق إليه، وكان مسلمًا في حياته)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (6 / 258 رقم 1422) ، و"التهذيب" (8 / 109 - 110 رقم 180) ، و"التقريب" (ص427 رقم 5122) .
وشيخ الإمام أحمد في هذا الحديث هو الذي روى الترمذي والنسائي الحديث من طريقه، وهو: عبد الرحمن بن مهدي بن حسّان العَنْبري، مولاهم، أبو سعيد البصري روى عن جرير بن حازم ومهدي بن ميمون والإمام مالك وشعبة والسفيانين والحمّادَيْن وزائدة بن قدامة وغيرهم، روى عنه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ويحيى بن معين وابنا أبي شيبة ومحمد بن بشار بندار وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان وتسعين ومائة وهو ابن ثلاث وستين سنة، وهو ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث، روى له الجماعة. قال الشافعي: ((لا أعرف له نظيرًا في الدنيا)) ، وقال ابن المديني: ((كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس)) - قالها مرارًا -، وقال مرة: ((لو حُلِّفت بين الركن والمقام لحلفت بالله أني لم أر أحدًا قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي)) ، وقيل للإمام أحمد: كان عبد الرحمن حافظًا؟ فقال: ((حافظ، وكان يتوقّى كثيرًا، كان يحب أن يحدث باللفظ)) ، وقال صدقة بن الفضل: سألت يحيى بن سعيد عن حديث، فقال: ((الزم عبد الرحمن بن مهدي)) ، وقال أبو حاتم: ((هو أثبت أصحاب حماد بن زيد، وهو إمام ثقة، أثبت من يحيى بن سعيد، وأتقن من وكيع)) ، وقال ابن حبان: ((كان من الحفاظ المتقنين وأهل الورع في الدين، ممن حفظ وجمع وتفقه =(2/281)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وصنَّف، وحدّث، وأبى الرواية إلا عن الثقات)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (1 / 251 - 262) ، و (5 / 288 - 290 رقم 1382) ، و"التهذيب" (6 / 279 - 281 رقم 549) ، و"التقريب" (ص351 رقم 4018) .
والذي يظهر - والله أعلم - أن المرأة هي زوجة أبي أيوب، ففي رواية الدارمي للحديث عن إسرائيل عن منصور ما يشعر بأنها هي، وإن لم تكن هي فهي صحابية، ففي هذه الرواية تذكر المرأة أن أبا أيوب أتاها، فقال: ألا ترين إلى ما جاء به رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -؟ قالت: رُبّ خير قد أتانا به رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، فما هو؟ قال: قال لنا: ((أيعجز ... )) الحديث.
فهذا ظاهر في أن المرأة تلقت الحديث عن أبي أيوب في حياته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ دليل على صحبتها، ولذا فإن النسائي - رحمه الله - قد صحح الحديث قال: ((لا أعرف في الحديث الصحيح إسنادًا أطول من هذا)) ، على أن الحديث مروي في الصحيحين من غير طريق أبي أيوب.
فقد أخرجه البخاري في "صحيحه" (9 / 58 - 59 رقم 5013 و 5014 و 5015) و (11 / 535 رقم 6643) و (13 / 347 رقم 7374) ، أخرجه من حديث أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه: ((أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟)) فشقّ ذلك عليهم وقالوا: أيُّنا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: ((الله الواحد الصمد ثلث القرآن)) .
وأخرجه مسلم في "صحيحه" (1 / 556 رقم 259 و 260) من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - قال: ((أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟)) قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن)) .
وفي رواية: ((إن الله جزّأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل {قل هو الله أحد} جزءًا من أجزاء القرآن)) .(2/282)
75- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أُسِيد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخَثْعَمي (1) ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ (2) ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ قَرَأَ: {يس} ، فَكَأَنَّمَا قَرَأَ القرآن عشر مرات)) .
__________
(1) أسيد - بفتح الهمزة - ابن عبد الرحمن الخَثْعمي الرَّمْلي، روى عن مكحول وخالد بن دُريك وفروة بن مجاهد وغيرهم، روى عنه الأوزاعي وإسماعيل بن عياش والمغيرة بن المغيرة وغيرهم، وكانت وفاته سنة أربع وأربعين ومائة، وهو ثقة، وثقه يعقوب بن سفيان، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وكذا ابن شاهين في "ثقاته" وقال: ((قال أحمد بن صالح - في رواية ابن رشدين عنه -: ((أَسيد من وجوه أهل خثعم، من أهل الرملة، من ثقات أهل الشام)) . اهـ. من "ثقات" ابن شاهين (ص43 رقم 104) ، و"التهذيب" (1 / 346 رقم 630) ، و"التقريب" (ص112 رقم 514) .
(2) حسّان بن عطيّة المحاربي مولاهم، أبو بكر الدمشقي، روى عن خالد بن مَعْدان وسعيد بن المسيب ومحمد بن المنكدر ونافع مولى ابن عمر وغيرهم، روى عنه الأوزاعي والوليد بن مسلم وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وغيرهم، وذكره البخاري في "التاريخ الأوسط" في فصل من مات بين العشرين إلى الثلاثين ومائة، وهو ثقة فقيه عابد روى له الجماعة. قال الأوزاعي: ((ما أدركت أحدًا أشد اجتهادًا ولا أعمل منه)) . وقال: ((كان حسان يتنحّى إذا صلى العصر في ناحية المسجد، فيذكر الله حتى تغيب الشمس)) ، ووثقه أحمد وابن معين والعجلي، وقال البخاري: ((كان من أفاضل أهل زمانه)) . اهـ. من "سؤالات الدارمي ليحيى بن معين" (ص89 رقم 225) ، و"تهذيب التهذيب" (2 / 251 رقم 460) ، و"التقريب" (ص158 رقم 1204) . وحسان هنا يروي الحديث عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، ولم يذكروا أنه سمع من أحد مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - سوى أبي أمامة صدي بن عجلان، وقيل: لم يسمع منه، ولذا ذكره ابن حبان في "ثقاته" في أتابع التابعين (6 / 223) ، وانظر" جامع التحصيل" (ص194 رقم 132) .(2/283)
76- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ (1) ، قَالَ: نا أَبُو سِنَان (2) ، عَنِ (ابْنِ) (3) أَبِي الهُذَيْل (4) قَالَ: إِذَا قَرَأَ أَحَدُكُمُ الْآيَةَ، فلا يقطعها حتى يُتِمَّها.
__________
[75] الحديث سنده ضعيف جدًّا لإعضاله، ولأن إسماعيل بن عياش مدلِّس كما في ترجمته في الحديث [9] ، ولم يصرح بالسماع هنا.
وقد أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 397 رقم 2232) من طريق المصنف، به مثله، ثم قال: ((هذا مرسل)) .
(1) هو خلف بن خليفة بن صاعد الأَشْجَعي، مولاهم، أبو أحمد الكوفي، نزل واسط، ثم بغداد، روى عن أبيه وإسماعيل بن أبي خالد والإمام مالك وغيرهم، روى عنه سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة والحسن بن عرفة وغيرهم، وكانت وفاته سنة إحدى وثمانين ومائة، وقيل: تسع وسبعين ومائة أو ثمانين ومائة، وهو صدوق، إلا أنه اختلط في آخر عمره. قال ابن معين والنسائي: ((ليس به بأس)) ، وكذا ابن عمار، وزاد: ((لم يكن صاحب حديث)) ، وقال ابن معين أيضًا وأبو حاتم: ((صدوق)) ، ووثقه العجلي وابن سعد، وقال: ((أصابه الفالج قبل موته حتى ضعف وتغير واختلط)) . ووثقه مسلمة وقال: ((من سمع منه قبل التغير فروايته صحيحة)) ، وقال الإمام أحمد: ((رأيته مفلوجًا سنة سبع وسبعين ومائة، وكان لا يفهم، فمن كتب عنه قديمًا فسماعه صحيح)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (3 / 369 رقم 1681) ، و"التهذيب" (3 / 150 - 152 رقم 289) ، و"التقريب" (ص194 رقم 1731) ، و"الكواكب النيرات" (ص155 - 161 رقم 20) .
قلت: وفي "تهذيب الكمال" (8 / 286) ذكر أن الحسن بن عرفة العبدي آخر من حدَّث عن خلف، وفي الموضع السابق من "تهذيب التهذيب" قال الحافظ ابن حجر: ((قد حدث عنه هشيم ووكيع من القدماء)) .
وقد ادعى خلف أنه رأى الصحابي عمرو بن حريث، فأنكر ذلك عليه ابن عيينة والإمام أحمد، فقد سئل الإمام أحمد فقيل له: هل رأى خلف بن خليفة عمرو =(2/284)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ابن حريث؟ قال: ((لا، ولكنه عندي شُبِّه عليه، هذا ابن عيينة وشعبة والحجاج لم يروا عمرو بن حريث، ويراه خلف؟!!)) .
وأما ابن عيينة فقال: ((لعله رأى جعفر بن عمرو بن حريث)) .
انظر الموضع السابق من "التهذيب".
وقد حكى خلف عن نفسه أن عمر بن عبد العزيز فرض له وهو ابن ثمان سنين، فاستُدِلَّ بذلك على خطئه فيما زعم من رؤية عمرو بن حريث، فقد ذكر الذهبي قوله هذا في "السير" (8 / 342) ، وقال: ((قلت: هذا ينفي رؤيته عمرو بن حريث)) .
وذكر ابن حجر قول خلف السابق، ثم قال: ((يكون مولده على هذا سنة (91) أو اثنتين، لأن ولاية عمر كانت سنة (99) ... ، وعلى هذا فيبعد إدراكه لعمرو بن حريث بعدًا بيِّنًا)) .
قلت: لأن عمرو بن حريث توفي سنة خمس وثمانين كما في "التهذيب" (8 / 18) .
(2) هو ضرار بن مُرَّة الكوفي، أبو سنان الشيباني الأكبر، روى عن أبي صالح السَّمَّان وسعيد بن جبير وعبد الله بن أبي الهُذيل وغيرهم، روى عنه شعبة وشريك والسفيانان وهشيم وجرير بن عبد الحميد وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وهو ثقة ثبت، وثقه غير واحد من الأئمة، منهم يحيى القطان، والنسائي، وقال الإمام أحمد: «كوفي ثبت» ، وقال العجلي: «ثقة ثبت في الحديث» ، بل قال ابن عبد البر: «أجمعوا على أنه ثقة ثبت» .
انظر "الجرح والتعديل" (4 / 465 رقم 2044) ، و"التهذيب" (4 / 457 رقم 789) ، و"التقريب" (ص 280 رقم 2983) .
(3) ما بين القوسين سقط من الأصل، واستدركته من الموضع الآتي من "شعب الإيمان" حيث روى البيهقي الحديث من طريق المصنف، وهو الصواب كما يتضح من ترجمة أبي سنان في الموضع السابق من "التهذيب"، وغيره من كتب التراجم، وكما يأتي في ترجمة ابن أبي الهذيل، وانظر سند الحديث رقم [141] .
(4) هو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الهُذيل العَنَزي، أبو المغيرة الكوفي، روى عن عمر وعلي =(2/285)
77- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيد (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ (2) ، أَوْ غَيْرِهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا شَابًّا، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا فِيهِ، وَقَدْ كَانَ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَقَالَ: ((إِنَّمَا مَثَلُ القرآن مثل جِراب (3) مُلئ [ل108/أ] مِسْكًا، إِنْ فَتَحْتَهُ فَتَحْتَهُ طَيِّبًا، وإن أوعيته (4) أوعيته طيبًا)) .
__________
= وعمار بن ياسر وابن مسعود وغيرهم، روى عنه إسماعيل بن رجاء وواصل الأحدب وأبو سنان ضرار بن مُرَّة وغيرهم، وهو ثقة من الطبقة الثانية؛ وثقه النسائي، والعجلي وزاد: «كان عثمانيًّا» ، وذكره ابن حبان في "الثقات". اهـ. من "تاريخ الثقات" للعجلي (ص 282 - 283 رقم 904) ، و"التهذيب" (6 / 62 رقم 121) ، و"التقريب" (ص 327 رقم 3679) .
[76] الحديث سنده فيه خلف بن خليفة وتقدم أنه اختلط، لكنه لم ينفرد به، فقد تابعه أبو الأحوص كما سيأتي في الحديث رقم [137] ، وعليه فالحديث صحيح الإسناد.
وقد أخرجه البيهقي في "الشعب" (5 / 528 رقم 2350) من طريق المصنف، بمثله سواء.
(1) هو عبد الله بن أبي لَبيد - بفتح اللام - أبو المغيرة المدني، روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن والمطّلب بن عبد الله بن حنطب وعبد الله بن سليمان بن يسار وغيرهم، روى عنه محمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو بن علقمة والسفيانان وغيرهم، وهو ثقة رمي بالقدر، من الطبقة السادسة، روى له الشيخان، ووثقه ابن معين والعجلي، وقال أبو حاتم: «صدوق في الحديث» ، وقال الإمام أحمد: «ما أعلم بحديثه بأسًا» ، وقال النسائي: «ليس به بأس» ، وقال الساجي: «كان صدوقًا، غير أنه اتهم بالقدر» ، وقال ابن عيينة: «كان من عباد أهل المدينة» ، وقال ابن سعد: «كان من العباد المنقطعين، وكان يقول بالقدر، وكان قليل الحديث» . اهـ من "الجرح والتعديل" (5 / 148 رقم 684) ، و"التهذيب" (5 / 372 رقم 645) ، و"التقريب" (ص 319 رقم 3560) .(2/286)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
(2) محمد بن كعب بن سليم بن أسد، أبو حمزة القرظي المدني، روى عن فضالة بن عبيد والمغيرة بن شعبة وأبي هريرة وغيرهم، روى عنه الحكم بن عتيبة ومحمد بن عجلان ومحمد بن المنكدر وغيرهم، وكانت وفاته سنة سبع عشرة ومائة، وقيل: تسع عشرة، وقيل: عشرين ومائة، وهو ثقة عالم روى له الجماعة. وثقه علي بن المديني وأبو زرعة والعجلي وزاد: ((رجل صالح عالم بالقرآن)) ، وقال ابن سعد: ((كان ثقة عالمًا كثير الحديث ورعًا)) ، وقال ابن حبان: ((كان من أفاضل أهل المدينة علمًا وفقهًا)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (8 / 67 رقم 303) ، و"التهذيب" (9 / 420 - 422 رقم 689) ، و"التقريب" (ص504 رقم 6257) .
وتقدم في الحديث رقم [4] أن محمد بن كعب هذا ولد في آخر خلافة علي - رضي الله عنه -.
(3) الجِرابُ: وعاء من إهاب الشاء لا يوعى فيه إلا يابس.
"لسان العرب" (1 / 261) .
(4) أَوْعَيْتُ الشيء في الوعاء: إذا أدخلته فيه.
"النهاية" (5 / 207) .
[77] الحديث سنده رجاله ثقات، لكنه ضعيف لإرساله، والصواب أنه عن سليمان بن يسار بدل محمد بن كعب كما سيأتي.
وقد أخرجه البيهقي في "الشعب" (5 / 614 - 615 رقم 2439) من طريق المصنف، به مثله، إلا أنه جاء عنده: ((وكأنهم قالوا فيه، وكان قد قرأ القرآن)) ، و: ((أودعته)) بدلاً من: ((أوعيته)) .
قال البيهقي: ((هذا مرسل)) . اهـ.
ورواية سعيد هنا جاءت على الشك في كون الحديث عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَوْ غيره، والظاهر أن الشك من سعيد نفسه؛ فإن عبد الرزاق قد أخرج الحديث في "مصنفه" (3 / 376 رقم 6018) عن سفيان بن عيينة، حدثني ابن أبي لبيد، عن سليمان بن يسار، به مرسلاً. =(2/287)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وقد روى الحديث موصولاً من طريق أبي هريرة وعثمان بن عفان رضي الله عنهما.
أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فمداره على سعيد المقبري، واختُلف عليه.
فرواه عبد الحميد بن جعفر، عنه، عن عطاء مولى أبي أحمد، عن أبي هريرة مرفوعًا.
ورواه الليث بن سعد، عن سعيد، عن عطاء مولى أبي أحمد، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - مرسلاً.
ورواه عمر بن طلحة الليثي وإبراهيم بن طهمان كلاهما عن سعيد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعًا.
أما رواية عبد الحميد بن جعفر، فأخرجها: الترمذي في "جامعه" (8 / 186 - 187 رقم 3041) .
وابن ماجه في "سننه" (1 / 78 رقم 217) .
ومحمد بن نصر في "قيام الليل" (ص11 - 12) .
والنسائي في السير من "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" (10 / 280 رقم 14242) .
وابن خزيمة في "صحيحه" (3 / 5 رقم 1509) .
ومن طريقه ابن حبان في "صحيحه" (3 / 284 - 285 رقم 2123) .
وأخرجه أبو الشيخ في "الأمثال" (ص226 رقم 334) .
والحاكم في "المستدرك" (1 / 443) .
والمزي في "تهذيب الكمال" (2 / 938) .
جميعهم من طريق عبد الحميد بن جعفر، عن سعيد المقبري، عن عطاء مولى أبي أحمد، عن أبي هريرة قال: بعث رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - بعثًا وهم ذوو عدد، فاستقرأهم، فاستقرأ كل رجل منهم - يعني ما معه من القرآن -، فأتى على رجل من أحدثهم سنًّا، فقال: ((ما معك يا فلان؟)) قال: معي كذا وكذا، وسورة البقرة، فقال: ((أمعك سورة البقرة؟)) قال: ((اذهب فأنت أميرهم)) ، فقال رجل =(2/288)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= من أشرافهم: والله ما منعني أن أتعلّم البقرة إلا خشيةُ أن لا أقوم بها، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((تعلموا القرآن واقرأوه، فإن مثل القرآن لمن تعلّمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشوٍّ مسكًا يفوح ريحه في كل مكان. ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكي على مسك)) .
هذا لفظ الترمذي، ولفظ الباقين نحوه، إلا أن ابن ماجه وأبا الشيخ والمزِّي إنما ذكروا المرفوع منه، ولم يذكروا القصة، ولفظ النسائي لم أقف عليه، والحاكم ذكر القصة ولم يذكر المرفوع منه.
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن)) ، وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)) ووافقه الذهبي.
وأما رواية الليث بن سعد، فأخرجها أبو عبيد في "الفضائل" (ص362 رقم 856) .
والترمذي في "جامعه" (8 / 188 رقم 3042) في فضائل القرآن، باب ما جاء في سورة البقرة وآية الكرسي.
كلاهما من طريق الليث، عن سعيد المقبري، عن عطاء مولى أبي أحمد، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - مرسلاً.
وأخرجه البخاري في "تاريخه" (6 / 462 رقم 2995) .
وأما روايتا عمر بن طلحة وإبراهيم بن طهمان، فأخرجهما البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 615 - 617 رقم 2440 و 2441) .
قال البيهقي عقب رواية ابن طهمان: ((كذا قال! ورواه عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري، عن عطاء مولى أبي أحمد، عن أبي هريرة. ورواه الليث بن سعد، عن سعيد المقبري، عن عطاء مولى أبي أحمد، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - مرسلاً، أخبرناه ... )) ، ثم ساق بإسناده إلى البخاري أنه ذكر رواية عطاء هذا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، وساق سنده - أي: البخاري - إلى عطاء، فقال: ((قال لنا عبد الله بن يوسف، عن الليث، عن سعيد المقبري، عن عطاء. وقال عمر =(2/289)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ابن طلحة: عن المقبري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -)) . اهـ.
وهذا النص عن البخاري في "تاريخ الكبير" (6 / 462) بنحوه، وزاد: ((والأول أصح)) - يعنين رواية الليث بن سعد -، وهذا الذي رجحه الدارقطني، ففي "العلل" له (3 / ل 186 / أ) أنه سئل عن هذا الحديث، فقال:
((اختلف فيه على المقبري، فرواه عن عمر بن طلحة بن عمرو بن علقمة ابن أخي مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عن المقبري، عن أبي هريرة. وخالفه عبد الحميد بن جعفر، فرواه عن المقبري، عن عطاء مولى أبي أحمد، عن أبي هريرة. ورواه الليث بن سعد، عن المقبري، عن عطاء مولى أبي أحمد مرسلاً، ولم يذكر أبا هريرة، وقول الليث أشبه بالصواب)) . اهـ. ثم استشهد الدارقطني على صحة ما ذهب إليه بما أسنده عن يحيى بن معين قال: ((أثبت الناس في سعيد: الليث بن سعد)) .
قلت: قد اتفق هذان الجهبذان - البخاري والدارقطني - على أن رواية الليث، عن سعيد، عن عطاء مرسلاً هي الأصح، وعندهما أن رواية عمر بن طلحة عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، والذي في "شعب الإيمان" للبيهقي: عن سعيد المقبري، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فالله أعلم بالصواب.
وحيث ترجح أن رواية الليث أصوب، فيكون الحديث ضعيفًا جدًّا لإرساله؛ ولجهالة عطاء مولى أبي أحمد، أو: ابن أبي أحمد بن جحش، فإنه لم يرو عنه سوى سعيد المقبري، وسكت عنه البخاري في "تاريخه" (6 / 462 رقم 2995) ، وبيّض له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (6 / 338 رقم 1870) ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (5 / 205) ، وذكره الذهبي في "الميزان" (3 / 77 رقم 5658) ، وقال: ((لا يُعرف)) ، وانظر "التهذيب" (7 / 219 رقم 401) .
وأما حديث عثمان بن عفان، فأخرجه الرامهرمزي في "الأمثال" (ص134 رقم 48) .
والطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين" (ل / 180 / أ) .
والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (3 / 101 / ب) . =(2/290)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ثلاثتهم من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عن عثمان، قال: بعث النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفدًا إلى اليمن، فأمّر عليهم أميرًا منهم وهو أصغرهم، فمكث أيامًا لم يسر، فلقي النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلاً منهم، فقال: ((يا فلان، مالك؟ أما انطلقت؟)) قال: يا رسول الله، أميرنا يشتكي رجله، فأتاه النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونفث عليه: ((بسم الله، وبالله، أعوذ بالله وقدرته من شر ما فيها)) - سبع مرات -، فبرأ الرجل، فقال له شيخ: يا رسول الله، أتؤمره علينا وهو أصغرنا؟ فذكر النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قراءته القرآن، فقال الشيخ: يا رسول الله، لولا أني أخاف أن أتوسّد فلا أقوم به لتعلمته، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((فتعلمه، فإنما مثل القرآن كجراب ملأته مسكًا ثم ربطت على فيه، فإن فتحت فاح إليك ريح المسك، وإن تركته كان مسكًا موضوعًا، كذلك مثل القرآن إذا قرأته، أو كان في صدرك)) .
هذا لفظ الطبراني، ونحوه لفظ الرامهرمزي والحكيم، إلا أن الرامهرمزي إنما ذكر المرفوع فقط، ولم يذكر القصة.
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7 / 161) : ((فيه يحيى بن سلمة بن كهيل ضعفه الجمهور، ووثقه ابن حبان، وقال: في أحاديث ابنه عنه مناكير. قلت: ليس هذا من رواية ابنه عنه)) . اهـ.
قلت: يحيى بن سلمة بن كُهَيْل - بالتصغير - الحضرمي، أبو جعفر الكوفي يروي عن أبيه وإسماعيل بن أبي خالد وبيان بن بشر وعاصم بن بَهْدَلة وغيرهم، روى عنه ابنه إسماعيل وعبد الله بن نمير ويحيى بن عبد الحميد الحمّاني وغيرهم، وكانت وفاته سنة تسع وسبعين ومائة، وقيل: سنة اثنتين وسبعين ومائة، وهو متروك، وكان شيعيًّا كما في "التقريب" (ص591 رقم 7561) . قال ابن معين: ((ليس بشيء)) ، وقال البخاري: ((منكر الحديث)) وقال النسائي: ((متروك الحديث)) ، وقال الدارقطني: ((متروك)) ، وقال ابن سعد: ((كان ضعيفًا جدًّا)) . اهـ. من "الكامل" لابن عدي (7 / 2652 - 2655) ، و"التهذيب" (11 / 224 - 225 رقم 362) .
وأما ابن حبان فإنه قد تناقض في يحيى هذا، فذكره في "الثقات" (7 / 595) وذكر =(2/291)
78- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ (1) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ (2) - فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (3) ، قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً عَلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَجِيءُ بَعْدُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلم.
__________
= العبارة التي نقلها عنه الهيثمي، وذكره في "المجروحين" (3 / 112) ، وقال: ((منكر الحديث جدًّا، يروي عن أبيه أشياء لا تشبه حديث الثقات، كأنه ليس من حديث أبيه، فلما أكثر عن أبيه مما خالف الأثبات بطل الاحتجاج به فيما وافق الثقات)) . اهـ.
وعليه فالحديث ضعيف جدًّا من هذا الطريق، ولا ينجبر ضعفه بشيء من هذه الطرق، والله أعلم.
(1) هو أبو هاشم الرُّمَّاني - بضم الراء وتشديد الميم -، الواسطي، اسمه يحيى بن دينار، وقيل: ابن الأسود، وقيل: ابن نافع، يروي عن إبراهيم النخعي وأبي وائل شقيق بن سلمة وأبي العالية والحسن البصري وعكرمة وغيرهم، روى عنه شعبة والثوري والحمّادان وهشيم وخلف بن خليفة وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وعشرين ومائة، وقيل: سنة خمس وأربعين ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص680 رقم 8425) .
وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة والنسائي، وقال ابن عبد البر: ((لم يختلفوا في أن اسمه يحيى، وأجمعوا على أنه ثقة)) .
انظر "الجرح والتعديل" (9 / 140 رقم 595) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1654) ، و"التهذيب" (12 / 261 - 262 رقم 1208) .
(2) هو ابن يزيد النخعي، تقدم.
(3) الآية (3) من سورة الدخان.
[78] الحديث سنده ضعيف لاختلاط خلف بن خليفة كما في ترجمته في الحديث [76] . =(2/292)
79- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُصين، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ (1) ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: نُزل الْقُرْآنُ جُمْلَةً مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا، إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثم نزل مفصّلاً (2) .
__________
= وقد أعاده المصنف في أول تفسير سورة الدخان (ل 173 / أ) سندًا ومتنًا، إلا أنه قال: ((نزل القرآن..)) .
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (7 / 339) وعزاه لسعيد بن منصور فقط.
(1) هو حكيم بن جبير الأسدي الكوفي يروي عن أبي جُحَيْفة وأبي الطُّفيل وعلقمة وأبي وائل وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وغيرهم، روى عنه الأعمش والسفيانان وزائدة وشعبة وغيرهم، ولم أجد من نصّ على أن حُصين بن عبد الرحمن قد سمع منه، وسماعه منه محتمل؛ لأن حُصين بن عبد الرحمن في طبقة الذين يروون عنه، وكلاهما كوفي، وحكيم هذا ضعيف رمي بالتشيع، من الطبقة الخامسة كما في "التقريب" (ص176 رقم 1468) . فقد تركه شعبة، وقال الإمام أحمد: ((ضعيف الحديث، مضطرب)) ، وقال ابن معين وأبو داود: ((ليس بشيء)) ، وقال يعقوب بن شيبة وأبو حاتم: ((ضعيف الحديث)) ، زاد أبو حاتم: ((منكر الحديث، له رأي غير محمود، نسأل الله السلامة)) ، وسأله ابنه عبد الرحمن فقال: حكيم بن جبير أحب إليك أو ثوير؟ قال: ((ما فيهما إلا ضعيف غال في التشيع، وهما متقاربان)) ، قال عبد الرحمن: سألت أبا زرعة عن حكيم بن جبير، فقال: في رأيه شيء، قلت: ما محله؟ قال: محله الصدق إن شاء الله. اهـ. من "الجرح والتعديل" (3 / 201 - 202 رقم 873) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (7 / 166 - 167) ، و"التهذيب" (2 / 445 - 446 رقم 773) .
(2) الفَصْلُ: إبانة أحد الشيئين من الآخر حتى يكون بينهما فرجة، والمعنى: أنه نزل مفرّقًا.
انظر "لسان العرب" (11 / 524) ، و"المفردات في غريب القرآن" للراغب الأصفهاني (ص381) .(2/293)
80- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شَدَّاد الهُنَائي (1) ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ (2) بْنِ سُلَيْمَانَ (3) ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو حُكَيْمة الْعَبْدِيُّ (4) ، قَالَ: أَتَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنَا أَكْتُبُ مُصْحَفًا -، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى كِتَابِي، فَقَالَ: أجِلَّ (5) ، قَلَمَكَ فَقَضَمْتُ (6) مِنْ قَلَمِي قَضْمَة، ثُمَّ جَعَلْتُ أَكْتُبُ، فَنَظَرَ إليَّ، فَقَالَ: نَعَمْ، نوِّرْه (7) كَمَا نوَّرَه اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
__________
[79] الحديث سنده ضعيف لضعف حكيم بن جبير.
وقد أعاده المصنف في أول تفسير سورة الدخان (ل 173 / أ) سندًا ومتنًا، إلا أنه قال: ((ثم نزل بعد مفصلاً)) .
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (7 / 399) وعزاه لسعيد بن منصور فقط، ولفظه عنده: (نزل القرآن مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا إِلَى السَّمَاءِ الدنيا جميعًا في ليلة القدر، ثم فُصِّل بعد ذلك في تلك السنين) .
(1) هو عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شَدَّادٍ الهُنائي، الأزدي، الجُدَيْدي، مجهول الحال، روى عن الحسن البصري وعبيد الله بن سليمان، روى عنه هشيم، ووكيع وعفان، وغيرهم، وذكره البخاري في "تاريخه" (5 / 419 رقم 1360) ، وسكت عنه، وبيّض له ابن أبي حاتم (5 / 353 رقم 1671) ، وذكره ابن ماكولا في "الإكمال" (2 / 53 و 494) ، وابن الأثير في "اللباب" (1 / 264) ، والذهبي في "المشتبه" (1 / 145) ، ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلاً. وقد قيل في نسبته: (الأَوْدي) - بالواو -، و: (الحُدَيْدي) - بالحاء المهملة -، والصواب ما أثبته؛ لأن الهُنائي، والجُديدي من الأزد، وبه يمكن الجمع بين هذه النسب الثلاث، وانظر "اللباب" (3 / 393) ، والتعليق الآتي.
(2) كذا كان يسميه هشيم، وخالفه غيره فقال: (عبيد الله) وهو الصواب؛ قال ابن ماكولا في "الإكمال" (2 / 494) : ((أبو حُكَيْمة: مرّبي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنَا أَكْتُبُ مُصْحَفًا -. روى حديثه عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شَدَّادٍ الْهُنَائِيُّ =(2/294)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= - وقيل: الأودي -، واختُلف عليه فيه، فرواه عنه هشيم فقال: عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وخالفه عفان بن مسلم عن عبد الملك، فرواه عنه، عن عبيد الله بن سليمان، وتابعه وكيع، فرواه عن عبد الملك بن شداد الأودي، عن عبيد الله بن سليمان - قاله أبو بكر بن أبي شيبة -. وقال محمد بن إسماعيل الأحمسي عن وكيع كذلك، إلا أنه قال: الأزدي بدلاً من الأودي. ورواه أبو نعيم الفضل بن دكين، عن عبد الملك بن شداد، فقال: حدثني عبد الله بن أبي سليمان. ورواه محمد بن عبد الملك أبو جابر، عن عبد الملك بن شداد الجُدَيدي، عن عبد الله بن سليمان، وسمّاه البخاري في تاريخه: عبيد الله بن سليمان)) . اهـ.
قلت: وسماه الدارقطني في "المؤتلف والمختلف" (2 / 566) : (عبد العزيز) .
وأما محقق "شعب الإيمان" للبيهقي فإنه وجد البيهقي قد أخرج الحديث من طريق سعيد بن منصور، وفيه: (عبد العزيز) ، فجعله: (عبيد الله) ، وذكر أن في الأصلين الذين اعتمد عليهما: (عبد العزيز) مصحّفًا، كذا قال! ولو اطلع على الاختلاف في ذلك لعلم أنه ليس بتصحيف.
انظر "شعب الإيمان" (5 / 593) .
(3) هو عبيد الله بن سليمان العَبْدي، يروي عن سعيد بن المسيب وأبي حكيمة العبدي، روى عنه صباح بن عبد الله العبدي وعبد الملك بن شدّاد، وهو ثقة من الطبقة السابعة، فقد وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في "الثقات".
انظر "الجرح والتعديل" (5 / 316 رقم 1503) ، و"التهذيب" (7 / 18 رقم 36) ، و"التقريب" (ص371 رقم 4300) .
وقد وقع في "التقريب" هكذا: (عبيد الله بن سلمان) ، والصواب ما سبق كما في بقية المصادر.
(4) أبو حُكَيْمة العَبْدي ذكره الدولابي في "الكنى" (1 / 155 - 156) ، والدارقطني في "المؤتلف والمختلف" (2 / 566) ، وابن ماكولا في "الإكمال" (2 / 494) ، وابن حجر في "تبصير المنتبه" (1 / 449) بهذه الكنية، ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وقد =(2/295)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= روى عنه عبيد الله بن سليمان، وعلي بن مبارك عند ابن أبي شيبة وغيره كما سيأتي، وأبو الضحاك، على ما رجحه ابن ماكولا، فهو مجهول الحال وقد أخطأ محقق ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي)) (1 / 260) حيث زعم أن أبا حكيمة هذا هو عصمة الذي ذكره البخاري في "التاريخ الكبير"، ولو رجع إلى المراجع السابقة لعلم أنه ليس الذي أراد، والله أعلم.
(5) أي غَلِّظْهُ، وعظِّمْه، وكَبِّرْه.
انظر "لسان العرب" (11 / 116 - 123) .
(6) القَضْمُ: الأكل بأطراف الأسنان. ,
المرجع السابق (12 / 487) .
(7) نوِّرْه بمعنى: أوْضِحْهُ وبيِّنْهُ.
المرجع السابق (5 / 240) .
[80] الحديث سنده ضعيف لجهالة حال أبي حكيمة العبدي، وأما عبد الملك بن شداد، فإنه قد توبع كما سيأتي.
فالحديث أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 593 رقم 2417) من طريق المصنف، به، ولفظه: أتى عليَّ عليٌّ وأنا كاتبٌ مُصْحَفًا، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى كِتَابِي، فقال: أجلّ قلمك، فقططت من قلمي، ثم جعلت أكتب، فَقَالَ: نَعَمْ: نوِّرْه كَمَا نَّوَره الله.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص57 و 375 رقم 132 و 891) من طريق حجاج.
وابن أبي شيبة في "المصنف" (2 / 498) و (10 / 543 - 544 رقم 10275) .
وابن أبي داود في "المصاحف" (ص145) .
كلاهما من طريق وكيع.
ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1 / 260 رقم 535) . =(2/296)
81- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا (1) ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ (2) ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ: يَكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ الْمُصْحَفُ فِي الشَّيْءِ الصَّغِيرِ.
__________
= وأخرجه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (3 / 104 / ب - 105 / أ) من طريق عبد الله بن المبارك.
وابن أبي داود في "المصاحف" (ص145) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين.
وأخرجه هو أيضًا (ص145 - 146) .
والدولابي في "الكنى" (1 / 155 - 156) .
كلاهما من طريق أبي جابر محمد بن عبد الملك.
وجميع هؤلاء، عن عبد الملك بن شداد، عن عبيد الله بن سليمان العبدي، عن أبي حكيمة، به نحوه.
وله طريق آخر عن أبي حكيمة.
فأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2 / 98) و (10 / 554 رقم 10276) .
وابن أبي داود في "المصاحف" (ص145) .
والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (3 / 105 / أ) .
ثلاثتهم من طريق علي بن مبارك، عن أبي حكيمة، به نحوه.
(1) إسماعيل بن زكريّا بن مُرَّة الخُلقاني - بضم المعجمة وسكون اللام بعدها قاف -، أبو زياد الكوفي، لقبه: شَقُوصًا - بفتح المعجمة وضم القاف الخفيفة، وبالمهملة -، روى عن الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد وأبي إسحاق الشيباني وعاصم الأحول وغيرهم، روى عنه سعيد بن منصور وأبو الربيع الزهراني ومحمد بن الصباح الدولابي وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وسبعين ومائة، وهو صدوق روى له الجماعة كما في "الكاشف" (1 / 123 رقم 378) ، و"الميزان" (1 / 228 رقم 878) .
فقد اختلف فيه قول ابن معين، فوثقه مرة، وضعفه أخرى، ومرة قال: ((ليس به بأس)) ، ووثقه الإمام أحمد مرة، وضعفه أخرى، ومرة قال: ((ما كان به بأس)) ، ومرة قال: ((أما الأحاديث المشهورة التي يرويها، فهو فيها مقارب الحديث صالح، ولكن ليس ينشرح الصدر له، ليس يعرف)) - يريد بالطلب -.
وقال ابن خراش: ((صدوق)) ، ووثقه أبو داود، وضعفه العجلي، وقال ابن عدي: =(2/297)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ((وهو حسن الحديث، يكتب حديثه)) . اهـ. من "الكامل" (1 / 311 - 312) ، و"التهذيب" (1 / 297 - 298 رقم 551) .
(2) هو النخعي، تقدم في الحديث [3] أنه توفي سنة ست وتسعين للهجرة وهو ابن تسع وأربعين سنة، وقيل: ابن ثمان وخمسين، وعليه فتكون ولادته قريبًا من سنة سبع وأربعين أو ثمان وثلاثين للهجرة، وقد نصّ ابن حبان على أنه ولد سنة خمسين كما في "التهذيب" (1 / 178) ، فعلى جميع الأقوال لا يمكن أن يكون سمع من علي، ولذا قال أبو زرعة: ((النخعي عن علي مرسل)) كما في الموضع السابق من "التهذيب".
[81] سنده ضعيف للانقطاع بين إبراهيم النخعي وعلي رضي الله عنه.
وقد أخرجه البيهقي في "الشعب" (5 / 594 رقم 2417) من طريق المصنف، به مثله، إلا أنه لم يذكر قوله: ((رضي الله عنه)) .
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4 / 323 رقم 7945) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (2 / 498) و (10 / 543 رقم 10274) .
وابن أبي داود في "المصاحف" (ص152) .
ثلاثتهم من طريق سفيان الثوري، عن الأعمش، به نحوه.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص58 و 375 رقم 133 و 892) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (2 / 449) و (10 / 543 رقم 10273) .
وابن أبي داود في "المصاحف" (ص152) .
ثلاثتهم من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، به نحوه.
وأخرجه أبو عبيد في الموضعين السابقين من طريق علي بن هاشم مقرونًا برواية أبي معاوية.
وأخرجه ابن أبي داود في الموضع السابق من طريق محمد بن عبيد مقرونًا برواية أبي معاوية.
وأخرجه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (ل 105 / أ) من طريق ابن شقيق، عن الأعمش بمعناه.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص151 و 152) من طريق أبي بكر بن عياش وسعد بن الصلت، كلاهما عن الأعمش، به، ولفظ أبي بكر نحو لفظ المصنف، وأما سعد بن الصلت، فرواه عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لا تُكتب المصاحف صغارًا.(2/298)
82- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: جَرِّدُوا (1) الْقُرْآنَ، وَلَا تَخْلِطُوا عَلَيْهِ مَا لَيْسَ منه.
__________
(1) أي لا تقرنوا به شيئًا، أراد: جرِّدوه من النقط والإعراب وما أشبههما.
انظر "النهاية في غريب الحديث" (1 / 256) .
[82] سنده رجاله ثقات، لكنه ضعيف، فمغيرة تقدم في الحديث [54] أنه ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس، لاسيّما عن إبراهيم النخعي، وهذا من روايته عنه بالعنعنة، لكنه لم ينفرد به كما سيأتي.
فالحديث أخرجه البيهقي في "الشعب" (5 / 598 رقم 2424) من طريق المصنف، به مثله، إلا أنه قال: ((عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ يُقَالُ)) و: ((لا تخلطوا به)) .
وأخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث" (4 / 47) .
وفي "فضائل القرآن" (ص369 رقم 872) في كلا الموضعين من طريق هشيم، به نحوه، وفيه زيادة قوله: ((كان يكره نقط المصاحف)) .
ومن طريق أبي عبيد أخرجه أبو عمرو الداني في "المحكم" (ص10 - 11) .
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2 / 498) و (10 / 550 رقم 10303) من طريق وكيع، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قال: كان يقال: جرّدوا القرآن.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص156) من طريق هشيم، به نحو لفظ المصنف هنا.
وأخرجه أيضًا من طريق وكيع مثل ابن أبي شيبة.
وللحديث طريقان آخران عن إبراهيم، الأول: طريق الأعمش عنه، والثاني: طريق أبي جمرة.
أما طريق الأعمش، فأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص153) فقال: حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع، حدثنا أبو الجَوَّاب، حدثنا عمار، عن الأعمش، قال: سألت إبراهيم عن التعشير في المصحف، ويكتب: سورة كذا وكذا، فكرهه، وكان يقول: جرِّدوا القرآن. =(2/299)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وسنده حسن.
الأعمش تقدم في الحديث [3] أنه ثقة حافظ.
وعمار هو ابن رُزَيق - بتقديم الراء، مصغّر -، الضبّي، أو التميمي، أبو الأحوص الكوفي، روى عن أبي إسحاق السبيعي والأعمش ومنصور بن المعتمر وغيرهم، روى عنه أبو الجوّاب وأبو الأحوص سلَّام بن سُليم وأبو أحمد الزُّبيري وغيرهم، وكانت وفاته سنة تسع وخمسين ومائة، وهو ثقة؛ وثقه ابن المديني وابن معين وأبو زرعة، وقال الإمام أحمد: ((كان من الأثبات)) ، وقال أبو حاتم: ((لا بأس به)) ، وقال النسائي والبزار: ((ليس به بأس)) ، وذكره ابن حبان وابن شاهين في الثقات.
انظر "الجرح والتعديل" (6 / 392 رقم 2182) ، و"تاريخ أسماء الثقات" لابن شاهين (ص156 رقم 880) ، و"التهذيب" (7 / 400 - 401 رقم 647) .
وأبو الجَوَّاب هو الأحوص بن جَوَّاب - بفتح الجيم وتشديد الواو -، الضبّي، الكوفي روى عن سفيان الثوري وعمّار بن رُزيق وسُعير بن الخِمْس وغيرهم، روى عنه محمد بن عبد الله بن نمير وعلي بن المديني وابن أبي شيبة ومحمد بن حاتم بن بزيع وغيرهم، وكانت وفاته سنة إحدى عشرة ومائتين، وهو صدوق كما قال أبو حاتم، واختاره الذهبي في "الكاشف" (1 / 100 رقم 237) ، وفي "الميزان" (1 / 167 رقم 674) قال: ((صدوق مشهور)) ، وقد اختلف فيه قول ابن معين، فوثقه مرةٍ، ومرة قال: ((ليس بذاك القوي)) ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ((كان متقنًا وربما وهم)) .
انظر "الثقات" لابن حبان (6 / 89 - 90) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (2 / 288 - 289) ، و"التهذيب" (1 / 191 - 192 رقم 357) .
ومحمد بن حاتم بن بَزِيع - بفتح الموحدة وكسر الزاي - أبو بكر البصري، نزيل بغداد، روى عن أسود بن عامر وعبد الوهاب بن عطاء وعلي بن الحسن بن شقيق وأبي الجّواب وغيرهم، روى عنه البخاري وأبو داود وابن ماجه وابن أبي الدنيا وابن أبي داود وغيرهم، وكانت وفاته سنة تسع وأربعين ومائتين، وهو ثقة؛ روى له الشيخان، ووثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات. =(2/300)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= انظر "تاريخ بغداد" (2 / 268 - 269 رقم 738) ، و"التهذيب" (9 / 100 - 101 رقم 133) ، و"التقريب" (ص472 رقم 5791) .
وأما طريق أبي جمرة، فأخرجه بن أبي داود أيضًا (ص154) ، فقال: حدثنا إسحاق بن وهب، حدثنا يزيد، قال: أخبرنا حماد، عن أبي جمرة قال: أتيت إبراهيم بمصحف لي مكتوب فيه: سورة كذا، وكذا آية، فقال إبراهيم: إمح هذا، فإن ابن مسعود كان يكره هذا ويقول: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه.
أما يزيد فهو ابن هارون، تقدم في الحديث [43] أنه ثقة متقن عابد.
وأما أبو جَمْرة - بالجيم -، فهو: نصر بن عمران بن عصام الضُّبَعي - بضم المعجمة، وفتح الموحّدة، بعدها مهملة -، البصري، نزيل خراسان، مشهور بكنيته، وهو يروي عن أبيه وعن ابن عباس وابن عمر وأنس بن مالك وغيرهم، روى عنه ابنه علقمة وشعبة وأبو عوانة والحمّادان وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين ومائة، وهو هنا يروي عن إبراهيم النخعي، ولم أجد من نصّ على سماعه منه، وسماعه محتمل، فإن إبراهيم توفي سنة ست وتسعين كما في ترجمته في الحديث [3] ، وأبو جمرة هذا ثقة ثبت روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص561 رقم 7122) ، وثقه الإمام أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة، وقال ابن سعد: ((كان ثقة مأمونًا)) ، وقال ابن عبد البر: ((أجمعوا على أنه ثقة)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (8 / 465 رقم 2130) ، و"التهذيب" (10 / 431 - 432 رقم 783) .
وأما شيخ ابن أبي داود فهو إسحاق بن وهب بن زياد العلاَّف، أبو يعقوب الواسطي، روى عن يزيد بن هارون وعمر بن يونس اليمامي ويعقوب بن محمد الزهري وغيرهم، روى عنه البخاري وابن ماجه وأبو زرعة وأبو حاتم وابن أبي داود وغيرهم، وهو صدوق من الطبقة الحادية عشرة، مات سنة بضع وخمسين ومائتين كما في "التقريب" (ص103 رقم 389) . قال أبو حاتم: ((صدوق)) ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ((كان هو والمدائني جميعًا علافين صدوقين)) . اهـ. من =(2/301)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= "الجرح والتعديل" (2 / 236 رقم 834) ، و"التهذيب" (1 / 253 - 254 رقم 478) .
وأما حماد فهو ابن سلمة؛ فإن أبا عمرو الداني قد أخرج هذا الحديث في "المحكم" (ص16) من طريق يحيى بن سلام، قال: حدثني حماد بن سلمة، عن أبي جمرة [في الأصل: حمزة] ... ، فذكره.
وحماد بن سلمة بن دينار، أبو سلمة البصري روى عن ثابت البُناني وقتادة وخاله حُميد الطويل وأيوب السختياني وخالد الحذّاء وأبي جمرة نصر بن عمران وغيرهم، روى عنه ابن المبارك وعفّان بن مسلم وابن مهدي ويحيى القطان ويزيد بن هارون وغيرهم، وكانت وفاته سنة سبع وستين ومائة، وهو ثقة عابد، إلا أنه تغير حفظه بأَخَرة.
لكن ما كان من روايته عن ثابت أو خاله حميد الطويل، أو من رواية عفان بن مسلم عنه، فهي صحيحة - إن شاء الله -؛ أما ثابت البناني، فلأن حماد بن سلمة أثبت الناس فيه، قال الإمام أحمد: ((أثبتهم في ثابت: حماد بن سلمة)) ، وقال ابن المديني: ((لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة)) ، وقال ابن معين: ((من خالف حماد بن سلمة في ثابت، فالقول قول حماد)) ، ولذا فإن مسلمًا - رحمه الله - لم يخرج في صحيحه لحماد بن سلمة في الأصول إلا من روايته عن ثابت، وخرّج له في الشواهد والمتابعات عن طائفة. وأما روايته عن حميد الطويل فقد كان الإمام أحمد يثني عليها كثيرًا، فقال مرة: ((حماد بن سلمة أثبت في حميد الطويل؛ سمع منه قديمًا)) ، وقال: ((ما أحسن ما روى حماد عن حميد!)) ، وقال أيضًا: ((حماد بن سلمة أعلم الناس بحديث حميد وأصحّ حديثًا)) ، وقال أيضًا: ((حميد يختلفون عنه اختلافًا شديدًا. قال: ولا أعلم أحدًا أحسن حديثًا عنه من حماد بن سلمة؛ سمع منه قديمًا)) . وأما رواية عفان بن مسلم عن حماد، فقد أثنى عليها ابن معين، فقال: ((من أراد أن يكتب حديث حماد بن سلمة، فعليه بعفان بن مسلم)) . وقد أثنى على حماد بن سلمة كثير من العلماء، فوثقه الإمام أحمد وابن معين والنسائي، وقال الساجي: ((كان حافظًا ثقة مأمونًا)) ، وقال العجلي: ((ثقة رجل =(2/302)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= صالح حسن الحديث)) ، وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث، وربما حدث بالحديث المنكر)) . وقد عرّض ابن حبان البخاري لمجانبته حديث حماد بن سلمة، فقال: ((كان من العباد المجابين الدعوة في الأوقات، ولم ينصف من جانب حديثه واحتجّ في كتابه بأبي بكر بن عياش، فإن كان تركه إياه لما كان يخطئ، فغيره من أقرانه مثل الثوري وشعبة كانوا يخطئون. فإن زعم أن خطأه قد كثر حتى تغير، فقد كان ذلك في أبي بكر بن عياش موجودًا، ولم يكن من أقران حماد بن سلمة بالبصرة مثله في الفضل والدين والنسك والعلم والكتب والجمع والصلابة في السنة والقمع لأهل البدع)) ، واعتذر أبو الفضل بن طاهر المقدسي عن صنيع البخاري، فقال: ((حماد بن سلمة إمام كبير مدحه الأئمة وأطنبوا، لما تكلم فيه بعض منتحلي المعرفة: أن بعض الكذبة أدخل في حديثه ما ليس منه، لم يخرج عنه متعمدًا عليه، بل استشهد به في مواضع ليبين أنه ثقة، وأخرج أحاديثه التي يرويها من حديث غيره من أقرانه كشعبة وحماد بن زيد وأبي عوانة وأبي الأحوص وغيرهم، ومسلم اعتمد عليه لأنه رأى جماعة من أصحابه القدماء والمتأخرين رووا عنه حديثًا لم يختلفوا عليه، وشاهد مسلم منهم جماعة وأخذ عنهم، ثم عدالة الرجل في نفسه، وإجماع أئمة النقل على ثقته وإمامته)) . اهـ. وقال البيهقي: ((هو أحد أئمة المسلمين، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، فلذا تركه البخاري، وأما مسلم فاجتهد، وأخرج من حديثه عن ثابت ما سمع منه قبل تغيره، وما سوى حديثه عن ثابت لا يبلغ اثني عشر حديثًا أخرجها في الشواهد)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (3 / 140 - 142 رقم 623) ، و"شروط الأئمة الستة" لابن طاهر (ص18 - 19) ، و"تهذيب الكمال" للمزي/المطبوع (7 / 253 - 269 رقم 1482) ، و"الميزان" للذهبي (1 / 590 - 595 رقم 2251) ، و"شرح علل الترمذي" لابن رجب (2 / 517) ، و"التهذيب" (3 / 11 - 16 رقم 14) ، و"التقريب" (ص178 رقم 1499) . =(2/303)
83- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: يُكْرَهُ بَيْعُ الْقُرْآنِ وَشِرَاؤُهُ، وَكِتَابَتُهُ عَلَى الْأَجْرِ، وَكَانَ يُقَالُ: لَا يُوْرَث الْمُصْحَفُ، إِنَّمَا هُوَ لقُرَّاء أَهْلِ الْبَيْتِ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُحَلَّى الْمُصْحَفُ، وَأَنْ يُعَشّر (1) ، أَوْ يُصَغّر (1) ، قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: عَظِّموا الْقُرْآنَ، وَلَا تَخْلِطُوا بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَكَانَ يُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ بِالذَّهَبِ، أو يُعَلَّمَ عند رؤوس الْآيِ، قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: جَرِّدوا القرآن.
__________
= ورواية حماد بن سلمة هنا ليست عن ثابت أو حميد، ولا من رواية عفان عنه، لكنه لم ينفرد بالحديث، وعليه فالحديث بمجموع طرقه صحيح لغيره، والله أعلم.
(1) تعشير القرآن: هو وضع كلمة عشر عند نهاية كل عشر آيات، وبعضهم يكتب في موضع الأعشار رأس العين بدلاً من كلمة عشر.
انظر "لسان العرب" (4 / 571) ، و"مناهل العرفان" للزرقاني (1 / 403) .
(2) أي يقال: مُصَيْحف كما سيأتي في الحديث [85] .
[83] سنده كسابقه رجاله ثقات، لكنه ضعيف لأن مغيرة لم يصِّرح بالسماع، وهو مدلِّس كما في ترجمته في الحديث [54] ، لاسيّما ما كان من روايته عن إبراهيم النخعي، وهذه منها، لكن قد توبع مغيرة على بعضه.
وأما بهذا السياق فأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 599) من طريق المصنف، به بلفظ: ((كان يقال: يُكره أن يعَشّر المصحف، أو يصغّر، وكان يقول: عظموا ... )) إلخ مثله سواء، إلا أنه قال: ((وكان يقول)) .
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص195 - 196) من طريق حجاج بن منهال عن أبي عوانة به نحوه، إلا أنه لم يذكر قوله: ((وكتابته على الأجر)) .
وأخرجه أيضًا (ص161) من طريق حجاج، عن أبي عوانة به مختصرًا بلفظ: كان يُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ بِالذَّهَبِ أَوْ يعلم رأس الآي.
ومن طريق حجاج عن أبي عوانة أخرجه ابن حزم في "المحلَّى" (9 / 683) =(2/304)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= مختصرًا بلفظ: إنه كان يقول: لا يورث المصحف، هو لأهل البيت القُرّاء منهم.
وأخرج ابن أبي داود بعض ألفاظه مفرّقة من طريق عن مغيرة، عن إبراهيم (ص151 و 153 و 156 و 159 - 160 و 167 و 190 و 195 و 196) .
وأخرجه بعضه مختصرًا: أبو عبيد في "الفضائل" (ص365 و 374) من طريق هشيم، عن مغيرة.
وعبد الرزاق في "المصنف" (4 / 322 رقم 7941) من طريق سفيان الثوري، عن مغيرة.
وابن أبي شيبة في "المصنف" (2 / 497 و 498) و (10 / 549 رقم 10297) من طريق سفيان الثوري عن مغيرة.
و (10 / 546 رقم 10283) من طريق معتمر، عن أبيه، عن مغيرة.
وابن الضريس في "الفضائل" (ص42 رقم 42 و 44) من طريقي سفيان وأبي إسحاق، كلاهما عن مغيرة.
وقد تابع مغيرة على بعض أجزائه كل من: الأعمش، ومنصور، وحماد بن أبي سليمان، ومُحِلّ.
أما الرواية الأولى عن الأعمش فسندها حسن وتقدم ذكرها والكلام عليها في الحديث السابق، ولفظها: يقول الأعمش: سألت إبراهيم عن التعشير في المصحف، ويكتب: سورة كذا وكذا، فكرهه، وكان يقول: جرِّدوا القرآن.
وأما الأخرى فأخرجها ابن أبي داود في "المصاحف" (ص190) فقال: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أنه كره بيع المصاحف.
وسنده صحيح رجاله ثقات تقدموا، عدا شيخ ابن أبي داود: أحمد بن سنان بن أسد بن حِبّان - بكسر المهملة بعدها موّحدة -، أبو جعفر القطان الواسطي، يروي عن أبي معاوية محمد بن خازم ويحيى بن سعيد القطّان ويزيد بن هارون والشافعي وغيرهم، روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وأبو بكر بن أبي داود وغيرهم، وكانت وفاته سنة تسع وخمسين ومائتين، وقيل: ثمان، وقيل: ست وخمسين ومائتين، وهو ثقة حافظ روى له الجماعة عدا =(2/305)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= الترمذي. قال أبو حاتم: ((ثقة صدوق)) ، وقال النسائي: ((ثقة)) ، وقال الدارقطني: ((كان من الثقات الأثبات)) ، وقال إبراهيم بن أورمة: ((أعدنا عليه ما سمعناه من بندار وأبي موسى)) - يعني لإتقانه وضبطه -، وقال مسلمة بن القاسم في "الصلة": ((ثقة جليل، حدثنا عنه غير واحد)) ، وقال الحاكم في "فضائل الشافعي": ((أحمد بن سنان القطَّان المحدِّث بواسط، ثقة مأمون، له مسند مخرج على الرجال، حدّث عنه أئمة الحديث)) ، ووثقه ابن ماكولا. اهـ. من "الجرح والتعديل" (2 / 53 رقم 60) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع وحاشيته (1 / 332 - 323 رقم 45) ، و"تهذيب التهذيب" (1 / 34 - 35 رقم 62) ، و"التقريب" (ص80 رقم 44) .
وأما رواية منصور، فأخرجها ابن أبي داود أيضًا (ص189) فقال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى، حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قال: كانوا يكرهون بيع المصاحف ويقولون: إن كنتم لابد فاعلين، فمن يهودي أو نصراني - يعني الشراء -.
ثم أخرجه ابن أبي داود (ص189 و 190) أيضًا من طريق محمد بن عبد الوهاب القنّاد السُّكّري، ومؤمّل، كلاهما عن سفيان بهذا.
وسنده صحيح؛ منصور بن المعتمر، وسفيان الثوري، ويحيى بن سعيد القطّان ثلاثتهم من الأئمة الثقات الأثبات، تقدمت تراجمهم.
وأما شيخ ابن أبي داود: محمد بن بشّار بن عثمان العبدي، أبو بكر الملقب بـ: بُنْدار، فهو يروي عن يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الوهاب الثقفي ومحمد بن جعفر غندر ويزيد بن هارون، وغيرهم، روى عنه الجماعة وأبو زرعة وأبو حاتم وبَقيّ بن مخلد وعبد الله بن الإمام أحمد وأبو بكر بن أبي داود وغيرهم، وكانت ولادته سنة سبع وستين ومائة، ووفاته سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وهو ثقة ممن روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص469 رقم 5754) . قال البخاري في "صحيحه": ((كتب إليّ بندار ... )) ، فذكر حديثًا مسندًا، ولولا شدة وثوقه ما حدث عنه بالمكاتبة مع أنه في الطبقة الرابعة من شيوخه، إلا أنه كان مكثرًا، فيوجد عنده ما ليس عند غيره. =(2/306)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وكان ابن خزيمة يعظّمه ويقول: ((حدثنا الإمام محمد بن بشار بندار)) ، وقال في "كتاب التوحيد": ((حدثنا أهل زمانه في العلم والأخبار محمد بن بشار)) ، وقال العجلي: ((بصري ثقة كثير الحديث)) ، وقال أبو حاتم: ((صدوق)) ، وقال النسائي: ((صالح لا بأس به)) ، وقال ابن سيّار: ((ثقة)) ، وقال مسلمة بن القاسم: ((كان ثقة مشهورًا)) ، وقال ابن حبان في "الثقات": ((كان يحفظ حديثه ويقرؤه من حفظه)) ، وقال الدارقطني: ((من الحفاظ الأثبات)) .
وقد تكلم بعضهم في محمد بن بشار بما لا يحطّ من مكانته؛ قال عبد الله بن الدورقي: ((كنا عند يحيى بن معين، فجرى ذكر بندار، فرأيت يحيى لا يعبأ به ويستضعفه، ورأيت القورايري لا يرضاه، وكان صاحب حَمَام)) ، ورد هذا القول أبو الفتح الأزدي بقوله: ((بندار كَتَبَ الناس عنه وقبلوه، وليس قول يحيى والقواريري مما يجرحه، وما رأيت أحدًا ذكره إلا بخير وصدق)) ، وذكر الذهبي قول الدورقي السابق وردّه بقوله: ((قد احتجّ به أصحاب الصحاح كلهم، وهو حجة بلا ريب)) ، وقال الذهبي أيضًا: ((محمد بن بشار البصري الحافظ، بندار، ثقة صدوق، كذّبه الفلاس، فما أصغى أحد إلى تكذيبه؛ لتيقُّنهم أن بندارًا صادق أمين)) ، وقال أيضًا: ((كان من أوعية العلم)) . اهـ من "سير أعلام النبلاء" (12 / 144 - 149) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1177) ، و"الميزان" (3 / 490 - 491 رقم 7269) ، و"التهذيب" (9 / 70 - 73 رقم 87) .
وأخرجه ابن أبي داود أيضًا (ص190) من طريق شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عن أصحابه قال: كان يكرهون بيع المصاحف وشراءها.
وأما رواية حماد بن أبي سليمان، فأخرجها ابن أبي شيبة في "المصنف" (2 / 497) و (10 / 548 رقم 10292) من طريق حجاج، عن حماد، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ التعشير في المصحف، وأن يكتب فيه شيء من غيره.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص178 و 191) من طريقي موسى بن خلف، وأبي سنان، كلاهما عن حماد، عن إبراهيم أنه كره بيعها وشراءها. =(2/307)
84- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ كان يكره نقط المصحف.
__________
= وأما رواية مُحِلّ بن مُحْرِز الضبّي، فأخرجها ابن أبي داود في "المصاحف" أيضًا (ص190 - 191 و 194) من طريق عبيد الله بن موسى، ووكيع، ويحيى القطان، ثلاثتهم عن محل قال: سألت إبراهيم عن بيع المصاحف، فقال: لا تشترها ولا تبعها.
هذا لفظ عبيد الله بن موسى، ونحوه لفظ يحيى، وأما رواية وكيع، فيقول محلّ: قلت لإبراهيم: لابدّ للناس من المصاحف، فقال: اشتر المداد والورق، واستعن - يعني: من يكتب لك -.
وبمجموع هذه الروايات يتضح أن كراهة بيع المصاحف وشرائها، وتعشير المصحف، وقوله: جردوا الْقُرْآنَ، وَلَا تَخْلِطُوا بِهِ مَا ليس منه، جميع هذا صحيح عن إبراهيم، وما عداه مما نُصَّ عليه في هذا الحديث لم أجد من تابع مغيرة عليه عن إبراهيم، فيبقى على ضعفه.
وانظر التعليق على الحديث الآتي برقم [125] فيما يتعلق ببيع المصاحف وشرائها وكتابتها على الأجر.
[84] سنده ضعيف؛ لأن هشيمًا ومغيرة مدلِّسان ولم يصرِّحا بالسماع، وقد تابع هشيمًا سفيان الثوري كما سيأتي، ومعنى الحديث صحيح عن إبراهيم كما كان في الحديثين السابقين رقم [82 و 83] .
وقد أخرجه البيهقي في "الشعب" (5 / 599) من طريق المصنف، به مثله، إلا أنه قال: ((أنه كره ... )) إلخ.
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص369 رقم 872) من طريق هشيم، به مثله، وهو عنده جزء من الحديث المتقدم برقم [82] .
ومن طريق أبي عيبد أخرجه الداني في "المحكم" (ص10 - 11) .
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4 / 322 رقم 7941) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (2 / 498) و (10 / 549 رقم 10297) . =(2/308)
85- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا فُضيل (1) ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُصَغَّر الْمُصْحَفُ، وَالْمَسْجِدُ، يقال: مُصَيْحِف، ومُسَيْجِد.
__________
= ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه الداني في "المحكم" (ص16 - 17) .
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص153 و 156 و 159 - 160) .
جميعهم من طريق سفيان الثوري، عن مغيرة، عن إبراهيم، به مثله، وفي لفظ بعضهم زيادة.
(1) هو فضيل بن عياض بن مسعود التميمي، أبو علي الزاهد المشهور، أصله من خراسان، وسكن مكة، روى عن الأعمش ومنصور بن المعتمر وهشام بن حسّان وحميد الطويل وليث بن أبي سُليم وغيرهم، روى عنه يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق وعبد الله بن وهب والإمام الشافعي وغيرهم، وروى عنه سعيد بن منصور هنا وفي مواضع أخرى، وكانت وفاته سنة سبع وثمانين ومائة، وهو ثقة عابد إمام روى له الجماعة عدا ابن ماجه كما في "التقريب" (ص448 رقم 5431) . فقد وثقه ابن عيينة والدارقطني، وقال ابن سعد: ((كان ثقة نبيلاً فاضلاً عابدًا ورعًا كثير الحديث)) ، وقال العجلي: ((كوفي ثقة متعبد رجل صالح)) ، وقال أبو حاتم: ((صدوق)) ، وقال النسائي: ((ثقة مأمون رجل صالح)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (7 / 73 رقم 416) ، و"التهذيب" (8 / 294 - 297 رقم 538) .
[85] سنده ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم كما في ترجمته في الحديث رقم [9] .
وقد أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 594) من طريق المصنف، به مثله، إلا أنه نسب فضيلاً، فقال: ((فضيل بن عياض)) ، وقال: ((فيقال: مصيحف ... )) .
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2 / 499) و (10 / 544 رقم 10277) من طرق عن سفيان، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كره أن يقول: مصيحف.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص170 و 171) من طريق سعد بن الصلت، والمحاربي، وسفيان، ثلاثتهم عن ليث، به نحوه، وفي لفظ بعضهم زيادة.(2/309)
86- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا مَنْصُورٌ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ، عَنْ نَقْطِ الْمَصَاحِفِ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، مَا لَمْ تبغوا.
__________
[86] سنده صحيح ومنصور هو ابن زاذان، والحسن هو ابن أبي الحسن البصري.
وأخرجه البيهقي في "الشعب" (5 / 599) من طريق المصنف، به مثله، إلا أنه قال: ((لا بأس بها)) .
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص370 رقم 876) من طريق هشيم، به مثله سواء.
ومن طريق أبي عبيد أخرجه الدّاني في "المحكم" (ص12) .
وأخرجه أبو عبيد أيضًا (ص370 رقم 875) .
ومن طريقه الداني (ص12 - 13) .
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص160) .
كلاهما من طريق أشعث عن الحسن، به، ولفظ أبي عبيد: قال: لا بأس بنقط المصاحف، وكرهه ابن سيرين.
ولفظ ابن أبي داود: عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يرى بأسًا أن ينقط المصحف بالنحو.
وأخرجه ابن أبي داود أيضًا (ص161) .
والداني (ص12) .
أما ابن أبي داود فمن طريق محمد بن إسماعيل الأَحْمَسي وعلي بن محمد بن أبي الخصيب، وأما الداني فمن طريق أبي بكر بن أبي شيبة، ثلاثتهم عن وكيع، عن أبي بكر الهُذَلي، عن الحسن قال: لا بأس ببيعها وبشرائها وبنقطها بالأجرة.
هذا لفظ ابن أبي داود.
وأما لفظ الداني فهو: عن الحسن قال: لا بأس بنقطها بالأحمر.
وللحديث طريق آخر عن منصور سيأتي برقم [90] ، وطريق آخر عن الحسن سيأتي برقم [89] ، وجميعها تدل على تجويز الحسن البصري - رحمه الله - =(2/310)
87- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، أنَا مُخبر، عَنْ أَبِي مَعْشر (1) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: قَالَ: لَحْسُ الدَّبَرِ (1) أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَقْطِ الْمَصَاحِفِ.
__________
= لنقط المصاحف، وقد روى عنه كراهة ذلك.
فأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص369 رقم 874) فقال: حدثنا يزيد، عن هشام، عن الحسن وابن سيرين، أنهما كانا يكرهان نقط المصاحف.
وسنده رجاله ثقات، ويزيد هو ابن هارون، وهشام هو ابن حسان، لكن رواية هشام عن الحسن فيها مقال كما سبق في الحديث [55] ، لأنه قيل: كان يرسل عنه، وأما ابن سيرين فهو من أثبت الناس فيه، وقد صح عن ابن سيرين أنه كره النقط كما سيأتي برقم [89] ، وعلل ذلك بأنه خشية الزيادة في الحروف، وصح عنه أنه أجازه كما سيأتي برقم [88 و 89] فيحمل تجويزه لذلك على أنه لمن أمن عليه من الزيادة في الحروف. وأما الحسن البصري فالروايات الصحيحة عنه تجويزه لذلك، وأما الكراهية فلا تثبت؛ لما تقدم، والله أعلم.
(1) هو زياد بن كليب الحَنْظلي، أبو مَعْشر الكوفي، روى عن إبراهيم النخعي والشعبي وسعيد بن جبير وغيرهم، روى عنه قتادة وخالد الحذَّاء ومنصور بن المعتمر وشعبة وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم، وكانت وفاته سنة عشرين ومائة، وقيل: سنة تسع عشرة ومائة، وهو ثقة كما في "التقريب" (ص220 رقم 2096) . فقد وثقه ابن المديني والعجلي والنسائي وأبو جعفر السبتي، وقال ابن حبان: ((كان من الحفاظ المتقنين)) . وأما أبو حاتم فقال: ((صالح)) ، وقال مرة: ((من قدماء أصحاب إبراهيم، وهو أحب إلى حماد من أبي سليمان، وليس بالمتين في حفظه)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (3 / 542 رقم 2449) ، و"التهذيب" (3 / 382 رقم 698) .
وقول أبي حاتم في أبي معشر معارض بتوثيق من تقدم، وأبو حاتم معروف بتشدده في الجرح، والصواب ما رجحه الحافظ ابن حجر في "التقريب" من أن أبا معشر ثقة.
(2) الدَّبَرُ: جمع دَبَرة - بالتحريك -، وهي قَرْحَةُ الدابة والبعير.
"لسان العرب" (4 / 273) .(2/311)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
[87] سنده ضعيف لإبهام شيخ هشيم، وهو صحيح عن إبراهيم بغير هذا الللفظ؛ لأن في متن الحديث خطأ، وبيانه:
أن الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 61 رقم 251) .
ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" (9 / 683) .
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص188 و 190) .
أما ابن أبي شيبة فمن طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عُلَيَّة، وأما ابن أبي داود فمن طريق سعد بن الصلت، وابن أبي عدي، وحماد بن سلمة، جميعهم عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي قَالَ: لَحْسُ الدَّبَر أَحَبُّ إِلَيَّ من بيع المصاحف.
وسند ابن أبي شيبة صحيح رجاله ثقات تقدموا، عدا سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري، مولاهم، أبو النضر البصري، روى عن قتادة والحسن البصري وأيوب السختياني وأبي معشر زياد بن كليب وغيرهم، روى عنه شعبة وعبد الأعلى بن عبد الأعلى ومحمد بن أبي عدي وحماد بن سلمة وإسماعيل بن عليّة وغيرهم، وكانت وفاته سنة ست أو سبع وخمسين ومائة، وهو ثقة حافظ له تصانيف، من أثبت الناس في قتادة، وممن روى له الجماعة، وكان يدلّس، واختلط.
أما تدليسه فقد احتمله الأئمة؛ فقد ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين وهم الذين احتمل الأئمة تدليسهم. وأما اختلاطه، فإن إسماعيل بن عليّة وحماد بن سلمة ممن روى عنه هذا الحديث، وقد سمعا منه قبل اختلاطه. فقد وثقه ابن معين والعجلي والنسائي، وقال أبو زرعة: ((ثقة مأمون)) ، وقال ابن أبي خيثمة: ((أثبت الناس في قتادة: سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي)) ، وقال أبو حاتم: ((سعيد بن أبي عروبة قبل أن يختلط ثقة، وكان أعلم الناس بحديث قتادة)) ، وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث ثم اختلط في آخر عمره)) ، وقال العجلي: ((روى عن ابن أبي عروبة في الاختلاط: يزيد بن هارون، وابن المبارك، وابن أبي عدي، كل ما روى عنه مثل هؤلاء الصغار =(2/312)
88- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاء (1) ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ: فَرَأَيْتُهُ يَقْرَأُ في مصحف منقوط.
__________
= فهو مختلط، إنما الصحيح حديث حماد بن سلمة، وابن عليّة، وعبد الأعلى عنه، والثوري وشعبة صحيح)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (4 / 65 - 66 رقم 276) ، و"شرح علل الترمذي" لابن رجب (2 / 565 - 570) ، و"التهذيب" (4 / 63 - 66 رقم 110) ، و"التقريب" (ص239 رقم 2365) ، و"النكت على كتاب ابن الصلاح" (2 / 638 - 639) ، و"طبقات المدلسين" (ص63 رقم 50) ، و"الكواكب النيرات" (ص190 - 212 رقم 25) .
(1) هو خالد بن مِهْران، أبو المَنَازل - بفتح الميم، وقيل: بضمّها، وكسر الزاي -، البصري، الحَذّاء - بفتح المهملة، وتشديد الذال المعجمة -، قيل له ذلك لأنه كان يجلس عند الحذائين، وقيل: لأنه كان يقول احْذ على هذا النحو، روى عن أنس ومحمد وحفصة أبناء سيرين، وعن عبد الله بن شقيق وأبي رجاء العطاردي والحسن البصري وغيرهم، روى عنه الحمّادان والثوري وشعبة وابن علية وخالد بن عبد الله الواسطي وهشيم بن بشير وغيرهم، وكانت وفاته سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة، وهو ثقة يرسل، وروى له الجماعة، وثقه ابن معين والعجلي والنسائي، وقال الإمام أحمد: ((ثبت)) ، وقال ابن سعد: ((كان خالد ثقة مهيبًا كثير الحديث)) .
وقال أبو شهاب: قال لي شعبة: ((عليك بحجاج بن أرطأة وابن إسحاق، فإنهما حافظان، واكتم عليّ عند البصريين في هشام وخالد)) ، وردّ ذلك الذهبي بقوله: ((ما التفت أحد إلى هذا القول أبدًا)) ، وقال في موضع آخر: ((هذا الاجتهاد من شعبة مردود ولا يلتفت إليه، بل خالد وهشام محتجّ بهما في الصحيحين، هما أوثق بكثير من حجاج وابن إسحاق، بل ضعف هذين ظاهر، ولم يُتركا)) . وقال حماد بن زيد: ((قدم علينا - يعني خالدًا - قدمة من الشام، فكأنا أنكرنا حفظه)) ، وقال أبو حاتم: ((يكتب حديثه ولا يحتج به)) .
وأورده الذهبي في "الميزان" فقال: ((خالد بن مهران الحذّاء، أبو المنازل البصري =(2/313)
89- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَيْفٍ (1) ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ مصحف
__________
= الحافظ، أحد الأئمة)) ، وذكر هذه الأقوال، وقال: ((ما خالد في الثبت بدون هشام بن عروة وأمثاله)) . وقال الحافظ ابن حجر: ((أحد الأثبات ... ، تكلم فيه شعبة وابن عليّة إما لكونه دخل في شيء من عمل السلطان، أو لما قال حماد بن زيد ... )) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (3 / 352 - 353 رقم 1593) ، و"الميزان" (1 / 642 - 643 رقم 2466) ، و"سير أعلام النبلاء " (6 / 191) ، و"هدي الساري" (ص400) ، و"التهذيب" (3 / 120 - 122 رقم 224) ، و"التقريب" (ص191 رقم 1680) .
[88] الحديث في سنده هشيم وهو مدلس ولم يصرِّح بالسماع، لكنه لم ينفرد به، فهو صحيح من غير طريقه.
فقد أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص161) من طريق هشيم، به نحوه.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص370 رقم 877) .
من طريقه الداني في "المحكم" (ص13) .
وأخرجه ابن الضريس في "الفضائل" (ص41 رقم 37) .
أما أبو عبيد فمن طريق شيخه عبد الرحمن بن مهدي، وأما ابن الضريس فمن طريق شيخه أبي الربيع الزهراني سليمان بن داود، كلاهما عن حماد بن زيد، عن خالد الحذاء قال: كنت أمسك على محمد بن سيرين في مصحف منقوط.
وهذا سند صحيح، حماد بن زيد وعبد الرحمن بن مهدي وأبو الربيع الزهراني كلهم ثقات تقدمت تراجمهم.
وأخرجه ابن أبي داود أيضًا (ص160 و 161) من طريق خارجة بن مصعب وإسماعيل بن إبراهيم بن علية، كلاهما عن خالد، به نحوه.
(1) هو محمد بن سيف الأزدي الحُدّاني - بضم المهملة وتشديد الدال -، أبو رجاء البصري، روى عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين وعكرمة وغيرهم، روى عنه شعبة وحماد بن زيد وابن عليّة وغيرهم، وهو ثقة من الطبقة السادسة؛ وثّقه ابن سعد وابن معين والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات. =(2/314)
يُنْقَطُ بالعَرَبِيَّة؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، أَوَما بَلَغَكَ عَنْ كِتَابِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَتَبَ: تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ، وَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وَأَحْسِنُوا عِبَارَةَ الرُّؤْيَا؟
قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: وَسَأَلْتُ ابْنَ سِيرِينَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ تَزِيدُوا فِي الحروف.
__________
= انظر "الجرح والتعديل" (7 / 281 رقم 1519) ، و"التهذيب" (9 / 217 رقم 337) ، و"التقريب" (ص483 رقم 5948) .
[89] سنده حسن إلى الحسن البصري وابن سيرين؛ رجاله ثقات عدا عبد الرحمن بن زياد فصدوق، وهو صحيح لغيره إليهما، فإن ابن زياد قد توبع كما سيأتي.
وأما نقل الحسن عن عمر فضعيف؛ لأنه أخذه بلاغًا عن كتابه كما يظهر من السياق، والحسن إنما ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر - رضي الله عنه - كما في "التهذيب" (2 / 263) .
والحديث أخرجه البيهقي في "الشعب" (5 / 599 - 600) من طريق المصنف، به مثله، إلا أنه قال: ((المصحف)) ، ولم يذكر سؤال أبي رجاء لابن سيرين.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4 / 323 - 324 رقم 7948) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 458 رقم 9971) .
ومن طريقه الداني في "المحكم" (ص11) .
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص158 و 159 و 160) .
أما عبد الرزاق فمن طريق عبد الله بن كثير، وأما ابن أبي شيبة فمن طريق أبي داود الطيالسي، وأما ابن أبي داود فمن طريق محمد بن جعفر غندر ومسكين، جميعهم عن شعبة، به نحوه، إلا أن رواية ابن أبي داود عن غندر إنما ذكر فيها سؤال أبي رجاء لابن سيرين، وأما روايته عن مسكين ففرّقها، فجعل سؤال الحسن في موضع، وسؤال ابن سيرين في موضع آخر، وأما رواية الداني للحديث من طريق ابن أبي شيبة فإنما ذكر فيها سؤال ابن سيرين فقط. =(2/315)
90- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ عَنْ ذَلِكَ (1) ، (فَقَالَا) (2) : لَا بَأْسَ بِهِ.
91- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا حُصَيْنٌ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (1) ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يُسأل عَنْ عَرَبيَّة القرآن، فيُنْشِد الشعر.
__________
= والحديث أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص320 رقم 750) من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عليّة متابعًا لشعبة، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ مُحَمَّدِ بْنِ سيف قال: قلت للحسن: ما تقول فيمن يتعلم العربية، أما يخاف أن يكون يزيد في الهجاء؟ فقال: ليس به بأس، قال عمر بن الخطاب: عليكم بالتفقه في الدين، والتفهم في العربية، وحسن العبارة.
وتقدم عن عمر نحو ما هنا برقم [70] ، وهو ضعيف أيضًا.
(1) أي: عن نقط المصحف.
(2) في الأصل: ((فقال)) ، وما أثبته من "شعب الإيمان" للبيهقي حيث روى الحديث من طريق المصنف كما سيأتي.
[90] سنده حسن رجاله ثقات عدا عبد الرحمن بن زياد فصدوق، وهو صحيح لغيره، فإن ابن زياد قد توبع كما سيأتي.
فالحديث أخرجه البيهقي في "الشعب" (5 / 599) من طريق المصنف، به مثله سواء.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4 / 324) من طريق عبد الله بن كثير، عن شعبة، به مثله.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص160) من طريق مسكين، ويحيى ابن بكير، كلاهما عن شعبة، به نحوه.
وتقدم للحديث طريق آخر عن منصور، عن الحسن برقم [86] ، وطريق آخر عن الحسن في الحديث السابق، وقد روى عنه كراهة ذلك ولا يصح كما سبق بيانه في الحديث رقم [86] .
(1) هو عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عتبة بن مسعود الهُذَلي، أبو عبد الله المدني، =(2/316)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= روى عن أبيه وعمار بن ياسر وأبي هريرة وعائشة وابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه أخوه عون والزهري وأبو الزناد وحصين بن عبد الرحمن السُّلمي وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان وتسعين للهجرة، وقيل: سنة اثنتين، وقيل: أربع أو خمس، وقيل: تسع وتسعين، وهو ثقة فقيه ثبت، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص372 رقم 4309) . قال العجلي: ((كان أعمى، وكان أحد فقهاء المدينة، تابعي ثقة، رجل صالح جامع للعلم، وهو معلِّم عمر بن عبد العزيز)) ، وقال أبو زرعة: ((ثقة مأمون إمام)) ، وقال الطبري: ((كان مقدّمًا في العلم والمعرفة بالأحكام والحلال والحرام، وكان مع ذلك شاعرًا مجيدًا)) ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ((كان من سادات التابعين)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 319 - 320 رقم 1517) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (6 / 519 - 523) ، و"التهذيب" (7 / 23 - 24 رقم 50) .
[91] سنده صحيح، واختلاط حصين بن عبد الرحمن السلمي غير مؤثِّر؛ لأن الراوي عنه هنا هو هشيم بن بشير، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط كما في "هدي الساري" (ص398) .
وقد أخرجه الخطابي في "غريب الحديث" (1 / 61) من طريق المصنف، به مثله، إلا أنه قال: ((رأيت ابن عباس)) .
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص312 رقم 733) .
وفي "غريب الحديث" (4 / 373) .
في كلا الموضعين من طريق هشيم، به نحوه.
ومن طريق أبي عبيد أخرجه البيهقي في "الشعب" (4 / 315 رقم 1559) .
قال أبو عبيد في معنى الحديث: ((يعني أنه كان يستشهد به على التفسير)) .
وأخرج البيهقي في "السنن" (10 / 241) ، وفي "الشعب" (4 / 316 - 317 رقم 1560) من طريق وكيع.
والخطيب في "الجامع" (2 / 198 رقم 1603) من طريق ابن فرّوخ. =(2/317)
92- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، أنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَأَوَّلُوا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ عِنْدَمَا يُعْرَضُ مِنْ أَحَادِيثِ الدُّنْيَا. قِيلَ لِهُشَيْمٍ نَحْوُ قَوْلِهِ: {جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} (1) ؟ قال: نعم.
__________
= والسمعاني في "أدب الإملاء والإستملاء" (ص71) من طريق محمد بن إسماعيل الحسّاني.
ثلاثتهم عن أسامة بن زيد الليثي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: إذا قرأ أحدكم شيئًا من القرآن فلم يدر ما تفسيره، فليلتمسه في الشعر فإنه ديوان العرب.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8 / 705 - 706 رقم 6100) و (10 / 474 رقم 10032) من طريق مسمع بن مالك، عن عكرمة.
وأخرج ابن سعد في "الطبقات" (2 / 367) .
والخطيب في "الجامع" (2 / 198 رقم 1602) .
كلاهما من طريق حماد بن زيد، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يوسف بن مهران وسعيد بن جبير أنهما قالا: كنا نسمع ابن عباس كثيرًا يُسئل عن القرآن، فيقول: هو كذا وكذا، أما سمعتم الشاعر يقول كذا وكذا؟
(1) الآية (40) من سورة طه.
[92] سنده ضعيف؛ لأن مغيرة يدلِّس لاسيّما عن إبراهيم النخعي كما في ترجمته في الحديث [54] ، وهذا من روايته عنه، ولم يصرِّح بالسماع.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص62 رقم 142) .
والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (3 / ل 104 / أ) .
كلاهما من طريق هشيم، به نحوه إلا أنهما لم يذكر قوله: قيل لهشيم ... ، إلخ.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 515 رقم 10164) من طريق جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ يكره أن يقرأ القرآن بعرض من أمر الدنيا. =(2/318)
93- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا جُوَيْبر (1) ، عَنِ الضَّحَّاكِ (2) ، قَالَ: لَوْلَا تلاوةُ الْقُرْآنِ، لَسَرَّنِي أَنْ أَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى أَمُوتَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرِيضَ يُرْفَعُ عَنْهُ الْحَرَجُ، وَتُكَفَّرُ عَنْهُ خَطَايَاهُ، وَيُكْتَبُ لَهُ بِصَالِحِ مَا كَانَ يعمل.
__________
= قال أبو عبيد في معنى ذلك: ((وهذا كالرجل يريد لقاء صاحبه، ويهمّ بالحاجة، فيأتيه من غير طلب، فيقول: كالمازح: (جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) ، وهذا من الاستخفاف بالقرآن، ومنه قول ابن شهاب: ((لا تناظروا بكتاب الله، ولا بسنّة رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -. قال أبو عبيد: يقول: لا تجعل لها نظيرًا من القول ولا الفعل)) . اهـ. وقال الحكيم الترمذي بعد أن أخرجه: ((والتأويل: مثل قولك للرجل إذا جاءك: (جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) ، ومثل قولك: (كلوا واشربوا هنيئًا) ، هذا عند حضور الطعام، وأشباه هذا)) . اهـ.
(1) هو جويبر - تصغير جابر - ابن سعيد الأزدي، أبو القاسم البلخي، نزيل الكوفة، راوي التفسير، ويقال: اسمه جابر، وجويبر لقب، روى عن أنس بن مالك وأبي صالح السمّان والضحاك بن مزاحم وغيرهم، روى عنه عبد الله بن المبارك والثوري وحماد بن زيد وغيرهم، وروى عنه هشيم كثيرًا عند المصنف سعيد بن منصور في "سننه"، وذكره البخاري في "التاريخ الأوسط" في فصل من مات بين الأربعين إلى الخمسين ومائة، وهو ضعيف جدًّا كما في "التقريب" (ص143 رقم 987) . فقد كان يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي لا يحدثان عنه، وقال ابن معين: ((ليس بشيء)) ، وسأل عبد الله بن علي بن المديني أباه عنه، فضعّفه جدًّا، وقال النسائي وعلي بن الجنيد والدارقطني: ((متروك)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (2 / 540 - 541 رقم 2246) ، و"الكامل" لابن عدي (2 / 554 - 546) ، و"التهذيب" (2 / 123 - 124 رقم 200) .
(2) هو الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو القاسم، أو: أبو محمد الخراساني، روى عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وزيد بن أرقم وأنس بن مالك، وقيل: لم يثبت له سماع من أحد من الصحابة، وروى عن الأسود بن يزيد =(2/319)
94- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، عَنِ العوَّام بْنِ حَوْشب، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفي (1) ، قَالَ: نا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ المَدَائِن (2) قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ يَقُولُ: كلُّ مَا لَمْ يَذكر اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ، فَهُوَ مِنْ عَفْوِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
__________
= وعطاء بن أبي رباح وأبي الأحوص الجشمي وغيرهم، روى عنه جويبر بن سعيد وحكيم بن الديلم وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمس أو ست ومائة، وهو صدوق كثير الإرسال كما في "التقريب" (ص280 رقم 2978) . قال أحمد: ((ثقة مأمون)) ، ووثقه ابن معين وأبو زرعة والعجلي والدارقطني، وأما يحيى بن سعيد القطان، فقال: ((كان الضحاك عندنا ضعيفًا)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (4 / 458 - 459 رقم 2024) ، و"التهذيب" (4 / 453 - 454 رقم 784) .
[93] سنده ضعيف جدًّا لشدة ضعف جويبر.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات" (ل 9 / ب) من طريق عبد الله بن مطيع، عن هشيم، به نحوه.
ويشهد لبعضه ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (6 / 136 رقم 2996) في الجهاد، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، من طريق إبراهيم السَّكْسَكي، قال: سمعت أبا بردة، واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر، فكان يزيد يصوم في السفر، فقال له أبو بردة: سمعت أبا موسى مرارًا يقول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثلُ ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا)) .
(1) لم أجد من يكنى بهذه الكنية وينسب بهذه النسبة، وقد روي الحديث من طرق أُخر عن سلمان كما سيأتي، منها طريق أبي عبد الله الجَدَلي، وأبي عبيد الله مولى ابن عباس، كلاهما عن سلمان بلا واسطة، فالله أعلم.
(2) المَدَائِنُ: موضع كان مسكن الملوك من الأكاسرة الساسانيّة وغيرهم، فكان كل واحد منهم إذا ملك بنى لنفسه مدينة إلى جنب التي قبلها وسمّاها باسم، وهي =(2/320)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= سبع مدائن، بين كل مدينة إلى الأخرى مسافة قريبة أو بعيدة، افتتحها سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في صفر سنة عشرة للهجرة في عهد عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
انظر "معجم البلدان" (5 / 74 - 75) .
[94] سنده ضعيف؛ فيه الراوي المبهم عن سلمان، وأبو عبد الله الثقفي، وتقدم أني لم أجد من ذكره، وهو صحيح لغيره بمجموع شواهده الآتي ذكرها.
فالحديث روي عن سلمان - رضي الله عنه - من ثلاثة طرق:
(1) طريق أبي عبد الله الجدلي، عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - عن الجبن والسمن والفراء، فقال النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((الحلال ما أحلّ الله في القرآن، والحرام ما حرم الله في القرآن، وما سكت عنه فقد عفا عنه)) .
أخرجه الطبراني في "الكبير" (6 / 319 - 320 رقم 6159) ، فقال: حدثنا الحسن بن علي المعمري، ثنا عبد الغفار بن عبد الله الموصلي، ثنا علي بن مسهر، عن أبي إسماعيل - يعني بشيرًا [في الأصل: بشر]-، عن مسلم البطين، عن أبي عبد الله الجدلي ... ، فذكره.
وسنده ضعيف؛ فيه عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير الزبيري، أبو نصر الموصلي، وهو مجهول الحال؛ ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (6 / 54 رقم 285) وبيّض له، وذكره ابن حبان في "الثقات" (8 / 421) ، وروى عنه شيخ الطبراني الحسن بن علي المعمري، وإبراهيم بن يوسف الهسنجاني كما في "الجرح والتعديل".
وفي الحديث كلام من حيث رفعه أو وقفه كما سيأتي.
(2) طريق أبي عبيد الله، عن سلمان مرفوعًا، بمثل اللفظ السابق سواء.
أخرجه البيهقي في "سننه" (9 / 320) من طريق يونس بن خباب، عن أبي عبيد الله ... ، فذكره. =(2/321)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قال الشيخ ناصر الدين الألباني في "غاية المرام" (ص16 - 17) : ((هذا إسناد ضعيف من أجل يونس بن خباب، ضعفه جماعة، وقال الحافظ في "التقريب": صدوق يخطئ. وأبو عبيد الله لعلّه مسلم بن مشكم الدمشقي، فإن كان هو، فهو ثقة، وإن كان غيره، فلم أعرفه)) . اهـ.
قلت: أبو عبيد الله هذا هو مولى ابن عباس، ذكره البخاري في "الكنى" (ص53 رقم 458) وسكت عنه، وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9 / 405 رقم 1948) وبيض له، وذكره ابن حبان في "الثقات" (5 / 570) ، ولم يذكروا أنه روى عنه سوى يونس بن خبّاب، وذكره الذهبي في "المقتنى" (1 / 380 رقم 3959) ، وذكر أنه روى عنه حجاج بن أرطأة وغيره، فهو مجهول الحال.
(3) طريق أبي عثمان النهدي، عن سلمان قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - عن السمن والجبن والفراء، فقال: ((الحلال ما أحلّ الله في كتابه، والحرام ما حرّم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفى عنه)) .
أخرجه الترمذي في "العلل الكبير" (2 / 722) ، وفي "سننه" (5 / 396 رقم 1780) في اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء.
وابن ماجه (2 / 1117 رقم 3367) في الأطعمة، باب أكل الجبن والسمن.
والعقيلي في "الضعفاء" (2 / 174) .
وابن أبي حاتم في "العلل" (2 / 10 رقم 1503) .
وابن حبان في "المجروحين" (1 / 346) .
وابن عدي في "الكامل" (3 / 1267) .
والطبراني في "الكبير" (6 / 306 - 307 رقم 6124) .
ومن طريقه المزّي في "تهذيب الكمال" (12 / 335 / المطبوع) .
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (4 / 115) . =(2/322)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وبيبي بنت عبد الصمد في "جزئها" (ص66 رقم 85) .
وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1 / 212) .
والبيهقي في "سننه" (10 / 12) في الضحايا، باب ما لم يُذكر تحريمه، ولا كان في معنى ما ذُكر تحريمه مما يؤكل أو يشرب.
جميعهم من طريق سيف بن هارون البُرْجُمي، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمي، عَنْ أَبِي عثمان، به.
قال الترمذي: ((هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وروى سفيان وغيره عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عثمان قوله، وكأن الحديث الموقوف أصحّ)) .
وقال في "العلل": ((سألت محمدًا [يعني البخاري] عن هذا الحديث، فقال: ما أراه محفوظًا، روى سفيان بن عيينة، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عثمان، عن سلمان هذا الحديث موقوفًا، وروى سيف بن هارون، عن سليمان مرفوعًا. قال محمد: وسيف بن هارون مقارب الحديث)) .
وقال ابن أبي حاتم: ((قال أبي: هذا خطأ؛ رواه الثقات عن التيمي، عن أبي عثمان، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - مرسل، ليس فيه سلمان، وهو الصحيح)) .
وأما العقيلي فإنه بعد أن أخرج الحديث من طريق سيف قال: ((لا يحفظ إلا عنه بهذا الإسناد)) ، ثم أخرجه من طريق الحسن البصري مرسلاً، وقال: ((هذا أولى)) .
وقال ابن عدي: ((هذا وإن كان معروفًا بسيف، عن سليمان، فقد روي عن غيره، عن سليمان التيمي)) .
وقال الحاكم: ((هذا حديث مفسِّر في الباب، وسيف بن هارون لم يخرجاه)) ، فتعقبه الذهبي بقوله: ((قلت: ضعّفه جماعة)) .
قلت: أشار ابن عدي إلى أن الحديث روي عن سليمان التيمي من غير طريق سيف، وأعله البخاري والترمذي برواية سفيان بن عيينة له عن سليمان التيمي موقوفًا. =(2/323)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وهذه الرواية لم أجد من أخرجها على هذا الوجه، لكن وجدت البيهقي أخرج الحديث في "سننه" (10 / 12) من طريق ابن عيينة على الشك، مع ترجيحه الرفع، فقال:
أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد، أنا إسماعيل بن محمد بن الصفّار، ثنا بشر بن موسى أبو علي، ثنا الحميدي، عن سفيان، ثنا سليمان، عن أبي عثمان، عن سلمان - رضي الله عنه - أراه رفعه -، قال: ((إن الله عز وجل أحلّ حلالًا وحرّم حرامًا، فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو)) .
وهذا سند صحيح.
أبو عثمان النَّهْدي اسمه عبد الرحمن بن ملّ - بلام ثقيلة، والميم مثلّثة -، ابن عمرو بن عدي، مشهور بكنيته، وهو ثقة عابد مخضرم، أسلم في زمن النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يلقه، وروى عن عمر وعلي وسعد وطلحة وابن مسعود وسلمان الفارسي وغيرهم، روى عنه ثابت البُناني وقتادة وعاصم الأحول وسليمان التيمي، وغيرهم، واختلف في سنة وفاته، فقيل: سنة خمس وتسعين، وقيل: سنة مائة، وهو ابن ثلاثين ومائة، وقيل: ابن أربعين ومائة، وقد روى له الجماعة، ووثقه ابن سعد وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي وابن خراش، وقال سليمان التيمي: ((إني لأحسب أن أبا عثمان كان لا يصيب ذنبًا، كان ليله قائمًا، ونهاره صائمًا)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 283 رقم 1350) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (2 / 819) ، و"التهذيب" (6 / 277 - 278 رقم 546) ، و"التقريب" (ص351 رقم 4017) .
وسليمان هو ابن طَرْخان التَّيّمي، أبو المعتمر البصري، نزل في التَّيْم فنسب إليهم، روى عن أنس بن مالك وطاوس وأبي إسحاق السبيعي وأبي عثمان النَّهدي وغيرهم، روى عنه ابنه معتمر وشعبة والسفيانان وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وأربعين ومائة وهو ابن سبع وتسعين سنة، وهو ثقة عابد =(2/324)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= روى له الجماعة في "التقريب" (ص252 رقم 2575) . قال سفيان الثوري: ((حفاظ البصرة ثلاثة ... )) ، فذكره فيهم. ووثقه أحمد وابن معين والعجلي والنسائي وابن سعد وزاد: ((كثير الحديث، وكان من العباد المجتهدين، وكان يصلي الليل كله بوضوء عشاء الآخرة، وكان مائلاً إلى علي بن أبي طالب)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (4 / 124 - 125 رقم 539) ، و"التهذيب" (4 / 201 - 203 رقم 341) .
وسفيان بن عيينة تقدم في الحديث [7] أنه ثقة حافظ فقيه إمام حجة.
وعبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الأسدي الحُمَيْدي، أبو بكر المكي ثقة حافظ فقيه، أجلّ أصحاب ابن عيينة، روى له الجماعة عدا ابن ماجة فلم يرو له في السنن. قال الإمام أحمد: ((الحميدي عندنا إمام)) ، وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث)) ، وقال أبو حاتم: ((أثبت الناس في ابن عيينة: الحميدي، وهو رئيس أصحاب ابن عيينة)) ، وقال عنه أيضًا: ((ثقة إمام)) ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ((صاحب سنة وفضل ودين)) ، وقال الحاكم: ((ثقة مأمون، ومحمد بن إسماعيل إذا وجد الحديث عنه لا يخرجه إلى غيره من الثقة به)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 56 - 57 رقم 264) ، و"التهذيب" (5 / 215 - 216 رقم 272) .
وبشر بن موسى بن صالح، أبو علي الأسدي البغدادي المحدِّث الإمام الثبت، كان الإمام أحمد يكرمه، وكتب له إلى الحميدي في مكة، قال الدارقطني: ((ثقة نبيل)) ، وقال الخطيب: ((كان ثقة أمينًا عاقلاً ركينًا)) .
انظر "تاريخ بغداد" (7 / 86 رقم 3523) ، و"سير أعلام النبلاء" (13 / 352 - 354 رقم 170) ، و"تذكرة الحفاظ" (2 / 611) .
وإسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح بن عبد الرحمن، أبو علي الصفّار النحوي، مسند ثقة متعصِّب للسنة، انتهى إليه علو الإسناد، وثقه الدارقطني وقال: ((كان متعصبًا للسنة)) . =(2/325)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= انظر "تاريخ بغداد" (6 / 302 - 303 رقم 3344) ، و"سير أعلام النبلاء" (5 / 440 رقم 250) .
وشيخ البيهقي هو أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي، المعدل، شيخ عالم مسند صدوق ثبت، قال الخطيب: ((كان صدوقًا ثقة ثبتًا حسن الأخلاق، تام المرؤة، ظاهر الديانة)) .
انظر "تاريخ بغداد" (12 / 98 - 99 رقم 6527) ، و"سير أعلام النبلاء" (17 / 311 - 312 رقم 189) .
وعليه فمن خلال ما تقدم يترجح أن الحديث صحيح لغيره مرفوعًا بمجموع هذه الروايات الثلاث، لكن يشكل عليه إعلال الأئمة للمرفوع، وترجيح بعضهم للموقوف، ومنهم البخاري والترمذي كما سبق.
وقال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص243) : ((قال أحمد: هو منكر، وأنكره ابن معين أيضًا ... )) ، ثم ذكر إعلال أبي حاتم للحديث بالإرسال، وقال: ((قلت: وقد روي عن سليمان من قوله من وجوه أُخر ... ، ورواه صالح [في الأصل: أبو صالح] المرِّي، عن الجُرَيري، عن أبي عثمان النهدي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وأخطأ في إسناده)) . اهـ.
وعليه يتضح أن الحديث أُعِلّ على أربعة أوجه:
1- أعلّه أبو حاتم بأنه عن أبي عثمان النَّهْدي، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - مرسلاً.
2- أعلّه العقيلي بأنه عن الحسن البصري، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - مرسلاً.
3- أعلّه البخاري والترمذي بالوقف على سلمان.
4- أعلّه الإمام أحمد وابن معين بالنكارة.
واختلاف هؤلاء الأئمة في إعلال الحديث يدل على أنه ليس له علة ظاهرة.
أما ما ذكره العقيلي من أن الصواب في الحديث أنه عن الحسن البصري، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - مرسلاً، فهذا ليس بشيء؛ لأن الحديث من طريق الحسن البصري لا علاقة له بحديث سلمان، بل هو طريق مستقلّ. وأما إعلال =(2/326)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أبي حاتم له بأنه عن أبي عثمان النهدي، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - مرسلاً، فهو معارض بما ذكره البخاري والترمذي: من أن الصواب فيه أنه عن أبي عثمان، عن سلمان موقوف عليه، فبأي هذين نأخذ؟ مع أنه قد روي عن سلمان من غير طريق أبي عثمان كما سبق، وله شواهد كما سيأتي.
وعليه، فالذي يظهر أن العلة الأقوى: ما ذكره ابن رجب عن الإمام أحمد وابن معين أنهما أعلاَّ الحديث بالنكارة، فهذا إن ثبت عنهما، فإنما هو لما قد يفهم من الحديث من قَصْر الحِلِّ والحُرْمة على القرآن فقط، وعدم ذكر السنة، وهذا مخالف لصريح القرآن؛ حيث يقول سبحانه: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الآية: (7) من سورة الحشر] ، إلى غير ذلك من الأدلة.
لكن يمكن أن يجاب عن ذلك، فنقول: إن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الحلال ما أحل الله في كتابه ... )) إلخ، ليس مقصورًا على القرآن فقط، بل إن لفظ: ((الكتاب)) يشمل جميع ما أوحي إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - من القرآن والسنة معًا؛ لأن ما أوحي إليه - صلى الله عليه وسلم - نوعان: أحدهما: وحي يتلى، والآخر: وحي لا يتلى كما نقل ذلك الدكتور عبد الغني عبد الخالق عن البيهقي.
انظر "حجية السنة" (ص479) .
ويمكن أن يقال أيضًا: إنه لو كان المراد بكتاب الله: القرآن، فإن السنة داخلة فيه، منصوص عليها فيه كما في الآية السابقة، وهناك من الأدلة ما يؤيد هذا المعنى.
فمن ذلك ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (8 / 620 رقم 4886) في التفسير، باب: {وما آتاكم الرسول فخذوه} .
ومسلم في "صحيحه" (3 / 1678 رقم 120) في اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة.
كلاهما من طريق علقمة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: لعن الله =(2/327)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمِّصات، والمتفلِّحات للحسن، المغيِّرات خلق الله. فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب - وكانت تقرأ القرآن -، فأتته، فقالت: ما حديث بلغني عنك: أنك لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله؟ فقال عبد الله: ومالي ألعن من لعن رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، وهو في كتاب الله؟ فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف، فما وجدته، فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه؛ قال الله عز وجل: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم فانتهوا} ... ، الحديث.
وانظر تفصيل ذلك في "حجية السنة" للدكتور عبد الغني عبد الخالق (ص387 - 388، و 479 - 480) .
وللحديث ثلاثة شواهد مرفوعة، وآخر موقوف.
أما المرفوعة، فالأول من حديث أبي الدرداء، والثاني من حديث ابن عمر، والثالث من حديث جابر وأما الموقوف، فعن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
1- حديث أبي الدرداء يرفعه إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - قال: ((ما أحلّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسَ شيئًا، ثم تلا هذه الآية: {وما كان ربك نسيًّا} [الآية (64) من سورة مريم] .
وأخرجه البزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار" (1 / 78 رقم 123) و (3 / 58 و 325 رقم 2231 و 2855) .
والحاكم في "المستدرك" (2 / 375) .
ومن طريقه البيهقي في الموضع السابق من "سننه" (10 / 12) .
أما البزار فمن طريق إسماعيل بن عياش، وأما الحاكم فمن طريق أبي نعيم، كلاهما عن عاصم بن رجاء بن حَيْوة، عن أبيه، عن أبي الدرداء، به. =(2/328)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= قال البزار: ((لا نعلمه يروى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - إلا بهذا الإسناد، وعاصم بن رجاء حدث عنه جماعة، وأبوه روى عن أبي الدرداء غير حديث، وإسناده صالح؛ لأن إسماعيل قد حدّث عنه الناس)) .
وقال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ، وأقرّه الذهبي.
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7 / 55) وعزاه للبزار وقال: ((رجاله ثقات)) .
وذكره في موضع آخر من "المجمع" (1 / 171) وقال: ((رواه البزار والطبراني في "الكبير"، وإسناده حسن ورجاله موثّقون)) .
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (5 / 531) وعزاه أيضًا لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردوية.
وذكر الشيخ الألباني في "غاية المرام" (ص14 - 15) تصحيح الحاكم لهذا الحديث وموافقة الذهبي، ثم قال: ((إنما هو حسن فقط، فإن جاء رجاء بن حيوة قال فيه ابن معين: صويلح، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في "الميزان": ويقال تكلم فيه ابن قتيبة)) .
2- حديث ابن عمر قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - عن الجبن والسمن والفراء، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه)) .
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (7 / 2481) ، من طريق نعيم بن مورِّع العنبري، عن ابن جريج، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، به.
وسنده ضعيف جدًّا؛ فنعيم بن مورِّع بن توبة العنبري البصري هذا اتهمه ابن عدي بسرقة الحديث.
3- حديث جابر مثل حديث أبي الدرداء.
أخرجه ابن مردوية كما في "الدر المنثور" (5 / 531) .
4- حديث ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون =(2/329)
95- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا حُصين، عَنْ عَبْدِ الله بن [ل108/ب] عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ (1) قَالَ: قُلْتُ لجدَّتي أسماء: كيف كان
__________
= أشياء تقذُّرًا، فبعث الله تعالى نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل كتابه، وأحلّ حلاله، وحرّم حرامه، فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا: {قل لا أجد فيما أوحي إليَّ محرمًا} إلى آخر الآية [145من سورة الأنعام] .
أخرجه أبو داود في "سننه" (4 / 157 رقم 3800) في الأطعمة، باب ما لم يُذكر تحريمه.
والحاكم في "المستدرك" (4 / 115) .
وابن مردوية كما في "تفسير ابن كثير" (2 / 184) .
أما أبو داود فمن طريق محمد بن داود بن صبيح، وأما لحاكم وابن مردوية فمن طريق أحمد بن حازم الغفاري، كلاهما عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أبي الشعثاء، عن ابن عباس، به.
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)) ، وسكت عنه الذهبي.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3 / 372) وعزاه أيضًا لعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
(1) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزبير بن العوام، أبو بكر الأسدي، يروي عن أبيه وعمِّه عبد الله وجدَّته أسماء بنت أبي بكر وابن عمر وغيرهم، روى عنه ابنه عمر وأخواه هشام وعبيد الله والزهري وابن جريج وحصين بن عبد الرحمن وغيرهم، وبقي إلى قريب العشرين ومائة للهجرة كما قال الذهبي، وهو ثقة ثبت فاضل روى له الجماعة عدا أبي داود كما في "التقريب" (314 رقم 3475) . فقد وثقه =(2/330)
يَصْنَعُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم إذا قرأوا الْقُرْآنَ؟ (قَالَتْ) (2) : كَانُوا كَمَا نَعَتَهُمُ (3) اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَدْمَعُ أَعْيُنُهُمْ، وَتَقْشَعِرُّ جُلُودُهُمْ (4) ، قُلْتُ: فَإِنَّ نَاسًا هَاهُنَا إِذَا سَمِعُوا ذَلِكَ تَأْخُذُهُمْ عَلَيْهِ غَشْية، فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ من الشيطان!.
__________
= أبو حاتم والنسائي والدارقطني، وزاد: ((أحد الأثبات)) ، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الزبير بن بكار: ((كان له عقل وحزم ولسان وفضل وشرف، وكان يشبه عبد الله بن الزبير في لسانه)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 133 رقم 618) ، و"سؤالات البرقاني للدارقطني" (ص41 رقم 265) ، و"التهذيب" (5 / 319 - 321 رقم 546) .
(2) في الأصل: (قال) ، والتصويب من المراجع الآتية التي أخرجت الحديث من طريق المصنف، ومن المراجع التي عزت الحديث للمصنف.
(3) أي: وصفهم.
انظر: "تاج العروس" (5 / 123 - 125) .
(4) أي: تجتمع وتنقبض، والقُشْعَريرة هي الرِّعْدة.
انظر "لسان العرب" (5 / 95) .
[95] سنده صحيح، واختلاط حصين بن عبد الرحمن السُّلمي لا يؤثِّر، لأن الراوي عنه هنا هو هشيم بن بشير، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط كما سبق في الحديث رقم [91] .
والحديث أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 24 رقم 1900) من طريق المصنف، به بلفظ: قُلْتُ لِجَدَّتِي أَسْمَاءَ: كَيْفَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - إذا سمعوا القرآن؟ قالت: تدمع أعينهم، وتقشعّر جلودهم، كما نعتهم الله.
قال: قُلْتُ: فَإِنَّ نَاسًا هَاهُنَا إِذَا سمع أحدهم القرآن خرّ مغشيًّا عليه؟ قالت: أعوذ بالله من الشيطان.
ومن طريق البيهقي أخرجه ابن عساكر في "تاريخه" (ص20 / تراجم النساء) بمثل =(2/331)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= لفظه، إلا أنه زاد في آخر قوله: ((الرجيم)) .
وقال الشاطبي في "الاعتصام" (1 / 275 - 276) : ((وخرّج سعيد بن منصور في تفسيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بن الزبير قال....)) ، فذكره بمثله، إلا أنه لم يذكر قوله: ((يصنع)) و: ((عز وجل)) ، وقال: ((إن ناسًا)) بدل قوله: ((فإن ناسًا)) ، وزاد في آخر قوله: ((الرجيم)) .
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (7 / 222) وعزاه للمصنِّف وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي حاتم وابن عساكر.
وأخرجه ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص281) ، وفي القصّاص والمذكرين (ص147) ، في كلا الموضعين من طريق خالد بن عبد الله الواسطي، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قال: قلت لأسماء ... ، فذكره بنحوه هكذا على أن السائل هو حصين، وحصين لم يذكر في ترجمته في "تهذيب الكمال" المطبوع (6 / 519 - 520) وغيره أنه روى عن أسماء، فالظاهر أن رواية ابن الجوزي سقط منها ذكر عبد الله بن عروة، والله أعلم.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص145 رقم 367) من طريق عكرمة، قال: سُئلت أسماء: هل أحد من السلف يغشى عليه من الخوف؟ فقالت: لا، ولكنهم كانوا يبكون.
وهذه الصفة التي أنكرتها أسماء رضي الله عنها مما يحصل لبعض الناس من الصعق ونحوه، صفة ظهرت من بعض من يدّعون الزهد والصلاح، ولم تكن معروفة من قبل، وأنكرتها أسماء رضي الله عنها كما أنكرها غيرها من الصحابة.
قال الشاطبي - رحمه الله - في "الاعتصام" (1 / 276 - 279) : [وخرّج أبو عبيد من حديث أبي حازم قال: مرّ ابن عمر برجل من أهل العراق ساقط والناس حوله، فقال: ((ما هذا؟)) فقالوا: إذا قرئ عليه القرآن، أو سمع الله يُذكر، خرّ من خشية الله قال ابن عمر: ((والله إنا لنخشى الله ولا نسقط)) ، وهذا إنكار. وقيل لعائشة رضي الله عنها: إن قوماً إذا سمعوا القرآن يغشى عليهم. فقالت: إن القرآن أكرم =(2/332)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= من أن تنزف عنه عقول الرجال، ولكنه كما قال الله تعالى: {تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل عن القوم يُقرأ عليهم القرآن فيصعقون، فقال: ذلك فعل الخوارج. وخرّج أبو نعيم (عن عامر بن عبد الله بن الزبير) قال: جئت أبي، فقال: أين كنت؟ فقلت: وجدت أقواماً يذكرون الله فيرعد أحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله فقعدت معهم، فقال: ((لا تقعد بعدها)) . فرآني كأنه لم يأخذ ذلك فيّ فقال: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - يتلو القرآن. ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن، فلا يصيبهم هذا، أفتراهم أخشع لله من أبي بكر وعمر)) ، فرأيت ذلك كذلك فتركتهم، وهذا بأن ذلك كله تعمُّل وتكلُّف لا يرضى به أهل الدين. وسئل محمد بن سيرين، عن الرجل يُقرأ عنده فيصعق، فقال: ميعاد ما بيننا وبينه أن يجلس على حائط ثم يُقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره، فإن وقع فهو كما قال....، وقد صحّ من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: وعظنا رسول صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب....، الحديث. فقال الإمام الآجري العالم السنّي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ميِّزوا هذا الكلام؛ فإنه لم يقل: صرخنا من موعظته، ولا طرقنا على رؤوسنا، ولا ضربنا على صدورنا، ولا زفنّا ولا رقصنا -، كما يفعل كثير من الجهال، يصرخون عند المواعظ ويزعقون، ويتناشون - قال: وهذا كله من الشيطان يلعب بهم، وهذا كله بدعة وضلالة، ويقال لمن فعل هذا: اعلم أنَّ النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أصدق الناس موعظةً، وأنصح الناس لأمته، وأرقّ الناس قلبًا، وخير الناس من جاء بعده، لا يشك في ذلك عاقل، ما صرخوا عند موعظته ولا زعقوا ولا رقصوا ولا زفنوا، ولو كان هذا صحيحاً لكانوا أحق الناس به أن يفعلوه بين يدي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، ولكنه بدعة وباطل ومنكر فاعلم ذلك)) ] . اهـ.، والعبارة التي بين القوسين فيما نقل الشاطبي عن أبي نعيم صوَّبتُها من "الحلية" (3 / 167) .(2/333)
96- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: يُسرى بِالْقُرْآنِ لَيْلًا، فَيُرْفَعُ مِنْ أَجْوَافِ الرِّجَالِ، فَيُصْبِحُونَ لَا يَصْدُقون حَدِيثًا، وَلَا يُصْدِقون (1) النِّسَاءَ، يَتَسَافَدُون (2) تسافُدَ الْحَمِيرِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ.
__________
(1) الصَّداق والصِّداق: مهر المرأة، وأَصْدق الرجلُ المرأة حين تزوّجها، أي: جعل لها صداقًا.
انظر: "لسان العرب" (10 / 197) .
(2) السِّفادُ: نَزْوُ الذكر على الأنثى، ويستعمل في الماشي والطائر والسابح أيضًا، يقال: تَسَافَدَ السِّبَاعُ والطيور، ويكنّى به عن الجماع. قال الأصمعي: يقال للسباع كلها: سَفَدَ أنثاه، وللتيس والثور والبعير والسباع والطير.
انظر "اللسان" (3 / 218) ، و"تاج العروس" (8 / 207 - 208) .
قلت: والذي يظهر من المعنى اللغوي أنه أكثر ما يطلق على نَزْو البهائم بعضها على بعض، وشبّه من يفعل ذلك في آخر الزمان بها، وبالحُمُر بخاصة؛ تحقيرًا لهم، وتنفيرًا من فعلهم.
[96] الحديث سنده رجاله ثقات، لكنه ضعيف لعنعنة مغيرة، فإنه مدلِّس كما سبق في الحديث [54] ، ومع ذلك فهو مرسل؛ لأن إبراهيم النخعي لم يذكر مستنده في الإخبار عن أمر غيبي كهذا، لكن قوله: ((يُسرى بِالْقُرْآنِ لَيْلًا، فَيُرْفَعُ مِنْ أجواف الرجال)) صحّ نحوه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - من قوله كما في الحديث الآتي.
وأما باقي الحديث فصحّ مرفوعًا عنه - صلى الله عليه وسلم -.
فقد أخرج مسلم في "صحيحه" (4 / 2250 - 2255 رقم 110) من حديث النوّاس بن سمعان رضي الله عنه، وهو حديث طويل في ذكر الدجّال وبعض أشراط الساعة، وفي آخره قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ويبقى شرار الناس يَتَهارَجُون فيها تهارُجَ الحُمُر، فعليهم تقوم الساعة)) .
قال النووي - رحمه الله - في "شرح صحيح مسلم" (18 / 70) : ((يتهارجون تهارج الحُمُر: ((أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير، ولا يكترثون =(2/334)
97- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، قَالَ: نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ (1) ، سَمِعَ شَدّاد بْنَ مَعْقِل (2) ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ: الْأَمَانَةُ، وَآخِرُ مَا يَبْقَى الصَّلَاةُ، وَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ أَوْشَكَ أَنْ يُرْفَعَ. قَالُوا: وَكَيْفَ، وَقَدْ أَثْبَتَهُ اللَّهُ فِي قُلُوبِنَا، وَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْمَصَاحِفِ؟! قَالَ: يُسرى عَلَيْهِ لَيْلًا، فَيَذْهَبُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ، وَيُرْفَعُ مَا فِي الْمَصَاحِفِ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} (3) .
__________
= لذلك. والهَرْجُ - بإسكان الراء -: الجماع، يقال: هَرَج زوجته: أي جامعها، يهرجها - بفتح الراء، وضمّها، وكسرها)) . اهـ.
وفي "النهاية في غريب الحديث" (5 / 257) : ((الهَرْجُ: كثرة النكاح، يقال: بات يَهْرُجُها لَيْلَتَه جَمْعاء)) . اهـ.
وله شاهد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: ((والذي نفسي بيده، لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق، فيكون خيارهم يومئذ من يقول: لو واريتها وراء هذا الحائط)) .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (11 / 43 - 44 رقم 6183) .
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7 / 331) : ((رجاله رجال الصحيح)) .
وله شواهد أُخر بهذا المعنى ذكرها الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" في تخريج الحديث رقم (481) وصحح الحديث بمجموعها بلفظ: ((لا تقوم الساعة حتى يتسافدوا في الطريق تسافد الحمير)) .
(1) هو عبد العزيز بن رُفَيع - بفاء مصغرًا -، الأسدي، أبو عبد الله المكي نزيل الكوفة، روى عن أنس وابن الزبير وابن عباس وابن عمر وغيرهم، روى عنه الأعمش ومغيرة وأبو إسحاق الشيباني وشعبة والسفيانان وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاثين ومائة، وقيل بعد ذلك، وهو ثقة روى له الجماعة؛ وثقه أحمد =(2/335)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وابن معين وأبو حاتم والعجلي والنسائي.
انظر "الجرح والتعديل" (5 / 381 رقم 1782) ، و"التهذيب" (6 / 337 - 338 رقم 649) ، و"التقريب" (ص357 رقم 4095) .
(2) هو شداد بن معقل الأسدي، الكوفي، مجهول الحال؛ ذكره ابن سعد في "الطبقات" (6 / 177) وقال: ((روى عن علي وعبد الله، وكان قليل الحديث - رحمه الله -)) ، وذكره البخاري في "تاريخه" (4 / 225 رقم 2595) وسكت عنه، وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4 / 329 رقم 1439) وبيّض له، وذكره ابن حبان في "الثقات" (4 / 357) ، وروى عنه عبد العزيز بن رفيع والمسيب بن رافع، وانظر "التهذيب" (4 / 318 رقم 545) .
(3) الآية (86) من سورة الإسراء، وفي الأصل: (لك علينا به وكيلا) .
[97] سنده ضعيف لجهالة حال شداد بن معقل، لكنه لم ينفرد به، فالحديث صحيح لغيره بما سيأتي من طرق، فقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه من أربعة طرق:
(1) طريق شداد بن معقل، وله عنه طريقان:
أ- طريق عبد العزيز بن رفيع.
أخرجه المصنف هنا من طريق سفيان بن عيينة عنه.
ومن طريق المصنف أخرجه البيهقي في "الشعب" (4 / 589 - 590 رقم 1869) ، به مثله، إلا أنه قال: ((إن أول)) ، و: ((كيف)) بلا واو.
وتابع المصنف نعيم بن حماد والحميدي، كلاهما عن سفيان، به.
أما نعيم، فأخرجه في "الفتن" برقم (1609) كما في "حاشية المصنف" لابن أبي شيبة (15 / 176) .
وأما الحميدي، فأخرجه من طريقه البخاري في "خلق أفعال العباد" (ص117 - 118 رقم 368) .
والحاكم في "المستدرك" (4 / 504) . =(2/336)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وللحديث طرق أُخر عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ.
فأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3 / 362 رقم 5980) من طريق سفيان الثوري.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 153 رقم 8698) .
وأخرجه الطبراني أيضًا (9 / 153 و 361 - 362 رقم 8699 و 9562) .
والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (ص28) .
كلاهما من طريق الثوري.
وأخرجه عبد الرزاق (3 / 363 رقم 5981) من طريق إسرائيل.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني أيضًا (9 / 153 رقم 8700) .
ومن طريق الطبراني أخرجه الضياء المقدسي في "اختصاص القرآن" (ص37 رقم 19) .
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 534 - 535 رقم 10242) و (14 / 93 رقم 17683) و (15 / 175 - 176 رقم 19431) من طريق أبي الأحوص.
وأخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد" (ص117 رقم 367) من طريق زهير.
وأخرجه البيهقي في "سننه" (6 / 289) من طريق شعبة.
وجميع هؤلاء - الثوري، وإسرائيل، وأبو الأحوص، وزهير، وشعبة، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، به، وبعضهم رواه بنحوه، وبعضهم روى بعض أجزائه.
وأخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (15 / 158 / طبعة الحلبي) من طريق أبي بكر بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن رفيع، به نحوه ولم يذكر الصلاة والأمانة، وفي المطبوع من تفسير الطبري خطأ في الإسناد؛ حيث جعل بندارًا شيخًا لعبد العزيز بن رفيع! =(2/337)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأخرجه الضياء المقدسي في "اختصاص القرآن" (ص35 - 36 رقم 18) .
من طريق فضيل بن عياض، عن عبد العزيز به نحوه.
ب- طريق المسيّب بن رافع، عن شدّاد.
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3 / 362 رقم 5980) من طريق سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، عن أبيه، عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ شداد بن معقل، به نحوه، إلا أنه لم يذكر الصلاة والأمانة.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 153 رقم 8698) .
وأخرجه الطبري في "تفسيره" (15 / 158) من طريق إسحاق بن يحيى، عن المسيب بن رافع، به، لكن سقط من سنده شداد بن معقل.
(2) طريق شقيق، عن ابن مسعود.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 534 رقم 10241) فقال: حدثنا علي بن مسهر، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ واصل بن حيان، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله قال: كيف أنتم إذا أسري على كتاب الله، فذُهب به؟ قال: يا أبا عبد الرحمن، كيف بنا في أخوَات الرجال؟ قال: يبعث الله ريحًا طيبة وتلفت كل مؤمن.
وهذا إسناد صحيح.
علي بن مسهر، وشقيق بن سلمة تقدم أنهما ثقتان.
وواصل بن حيّان الأحدب الأسدي، الكوفي، بيّاع السابري - بمهملة وموحّدة -، يروي عن أبي وائل شقيق بن سلمة وشريح القاضي وإبراهيم النخعي وغيرهم، روى عنه أبو إسحاق الشيباني وجرير بن حازم وشعبة والثوري وغيرهم، وكانت وفاته سنة عشرين ومائة، وقيل: تسع وعشرين ومائة، وهو ثقة ثبت روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص579 رقم 7382) ، فقد وثقه العجلي ويعقوب بن سفيان وأبو داود والنسائي والبزار، وابن معين في رواية، وفي أخرى قال: ((ثبت)) .
انظر "الجرح والتعديل" (9 / 29 - 30 رقم 133) ، و"التهذيب" (11 / 103 رقم 177) . =(2/338)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأما أبو إسحاق الشيباني، فاسمه: سليمان بن أبي سليمان، الكوفي، وهو يروي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أوفى بن حبيش وأبي الزناد وعكرمة وإبراهيم النخعي وغيرهم، روى عنه شعبة والثوري وابن عيينة، وهشيم وعلي بن مسهر وغيرهم، واختلف في وفاته، فقيل: سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل: ثمان وثلاثين، وقيل تسع وثلاثين، وقيل: سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة كما في "التقريب" (252 رقم 2568) ، قال ابن معين: ((ثقة حجّة)) ، وقال أبو حاتم: ((صدوق ثقة صالح الحديث)) ، ووثقه العجلي والنسائي، وقال ابن عبد البر: ((هو ثقة حجة عند جميعهم)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (4 / 135 رقم 592) ، و"التهذيب" (4 / 197 - 198 رقم 334) .
(3) طريق أبي الزعراء عن ابن مسعود.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (14 / 102 رقم 17727) من طريق شيخه ابن نمير، عن مالك بن مغول، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أبي الزعراء، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الأمانة، وآخر ما تفقدون الصلاة.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 412 رقم 9754) من طريق شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، به نحو سياق ابن أبي شيبة.
وسند ابن أبي شيبة صحيح.
أبو الزعراء اسمه: عبد الله بن هانئ، الكوفي، وهو أبو الزعراء الأكبر، يروي عن عمر وابن مسعود، روى عنه ابن أخته سلمة بن كهيل، وهو ثقة من الطبقة الثانية؛ قال ابن سعد: ((كان ثقة وله أحاديث)) ، وقال العجلي: ((ثقة من كبار التابعين)) ، وذكره ابن حبان في الثقات. وأما البخاري، فأعلّ حديثًا له حيث قال: ((عبد الله بن هانئ أبو الزعراء الكوفي في الشفاعة، لا يتابع عليه)) .
انظر "طبقات ابن سعد" (6 / 171) ، و"ثقات العجلي" (ص272 رقم 903) ، =(2/339)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= و"الكامل" لابن عدي (4 / 1549) ، و"التهذيب" (6 / 61 رقم 119) ، و"التقريب" (ص327 رقم 3677) .
وسلمة بن كهيل الحضرمي، أبو يحيى الكوفي، يروي عن أبي جُحيفة وجندب بن عبد الله وابن أبي أوفى والشعبي وإبراهيم التيمي وخاله أبي الزعراء وغيرهم، روى عنه سعيد بن مسروق الثوري وابنه سفيان الثوري والأعمش وشعبة وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهم، وكانت ولادته سنة سبع وأربعين للهجرة، ووفاته سنة إحدى وعشرين ومائة، وقيل: اثنتين، وقيل: ثلاث وعشرين ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص248 رقم 2508) ، وثقه ابن معين، وقال أحمد: ((متقن الحديث)) ، وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث)) ، وقال العجلي: ((تابعي ثقة ثبت في الحديث، وكان فيه تشيع قليل، وهو من ثقات الكوفيين)) ، وقال أبو زرعة: ((ثقة مأمون ذكي)) ، وقال أبو حاتم: ((ثقة متقن)) ، وقال النسائي: ((ثقة ثبت)) ، وكذا قال يعقوب بن شيبة وزاد: ((على تشيّعه)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (4 / 170 - 171 رقم 742) ، و"التهذيب" (4 / 155 - 157 رقم 269) .
ومالك بن مِغْوَل - بكسر أوّله، وسكون المعجمة، وفتح الواو -، البجلي، أبو عبد الله الكوفي، يروي عن أبي إسحاق السبيعي ونافع مولى ابن عمر والحكم بن عتيبة وغيرهم، روى عن شعبة والثوري وابن عيينة ومسعر وابن نمير وغيرهم، وكانت وفاته سنة سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وخمسين ومائة، ولم أجد من نصّ على أنه سمع من سلمة بن كهيل، وسماعه منه محتمل، فكلاهما كوفي، وقد تعاصرا كما يتضح من سنه وفاتيهما، ومالك هذا ثقة ثبت روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص518 رقم 6451) ، وثقه أبو نعيم الفضل بن دكين وابن معين وأبو حاتم والنسائي، وقال الإمام أحمد: ((ثقة ثبت في الحديث)) ، وقال ابن سعد: ((كان ثقة مأمونًا كثير الحديث، فاضلاً خيّرًا)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (8 / 215 - 216 رقم 961) ، و"التهذيب" (10 / 22 - 23 رقم 35) . =(2/340)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وشيخ ابن أبي شيبة: عبد الله بن نُمير - بنون، مصغّر -، الهمداني، الخارفي، أبو هشام الكوفي روى عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ والأعمش وهشام بن عروة والأوزاعي ومالك بن مغول وغيرهم، روى عنه ابنه محمد والإمام أحمد وابن المديني وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة وغيرهم، وكانت وفاته سنة تسع وستين ومائة، وهو ثقة صاحب حديث، من أهل السنة، روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص327 رقم 3668) . فقد وثقه ابن معين، وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث، صدوق)) ، وقال العجلي: ((ثقة صالح الحديث صاحب سنّة)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 186 رقم 869) ، و"التهذيب" (6 / 57 - 58 رقم 109) .
(4) طريق زرّ بن حُبَيْش، عن ابن مسعود.
أخرجه الدارمي في "سننه" (2 / 315 رقم 33446) بلفظ: ليسرينّ على القرآن ذات ليلة، ولا يترك آية في مصحف ولا في قلب أحد إلا رفعت.
(5) طريق عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن مسعود.
أخرجه الدارمي في "سننه" (2 / 315 رقم 3344) .
والبيهقي في "الشعب" (4 / 578 - 589 رقم 1868) .
أما الدارمي فمن طريق صفوان بن سليم، وأما البيهقي فمن طريق موسى بن سعد [في الأصل: سعيد، وهو خطأ] ، كلاهما عن ناجية بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قال: أكثروا تلاوة القرآن قبل أن يرفع، قالوا: هذه المصاحف ترفع، فكيف بما في صدور الرجال؟ قال: يُسرى عليه ليلاً فيصبحون منه فقراء، وينسون قول لا إله إلا الله، ويقعون في قول الجاهلية وأشعارهم وذلك حين يقع القول عليهم.
وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" (ص277 رقم 803) من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن موسى بن سعد بن زيد، عن ابن مسعود، به نحوه، هكذا بإسقاط ناجية وأبيه من الإسناد، ولعل الوهم في ذلك من =(2/341)
98- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ (1) ، عَنْ حُميد الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِذَا تَثَاءَبْتَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ، فَأَمْسِكْ عَنِ الْقِرَاءَةِ حتى يذهب عنك.
__________
= ابن لهيعة، فإنه ضعيف كما تقدم في الحديث [45] .
والحديث أشار له البخاري في ترجمة ناجية من "تاريخه" (8 / 107 - 108) .
وعليه فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح لغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه والله أعلم.
(1) هو عثمان بن الأسود بن موسى المكي، مولى بني جُمَح، روى عن أبيه وسليمان الأحول وابن أبي مُليكة وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وحميد بن قيس الأعرج وغيرهم، روى عنه الثوري وابن إدريس وعبد الله بن المبارك ويحيى القطان وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمسين ومائة، وقيل: تسع وأربعين ومائة، وهو ثقة ثبت روى له الجماعة كما في "التقريب" (ص382 رقم 4451) ، قال يحيى القطان: ((كان ثقة ثبتًا)) ، ووثقه أحمد وابن معين وابن نمير والعجلي وابن سعد، وزاد: ((كثير الحديث)) ، وقال أبو حاتم: ((ثقة، لا بأس به)) .
انظر "الجرح والتعديل" (6 / 144 رقم 784) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (7 / 385) ، و"التهذيب" (7 / 107 رقم 229) .
[98] سنده صحيح.
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 88) من طريق المصنف، به مثله سواء.
وأخرجه الآجُرِّي في "أخلاق أهل القرآن" (ص149 رقم 74) من طريق الحسين بن الحسن المروزي، عن ابن المبارك، به مثله، إلا أنه لم يذكر قوله: ((عن القراءة)) .
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص56 رقم 129) ، فقال: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عثمان بن أبي الأسود، عن حميد بن هلال، عن مجاهد ... ، فذكره بنحوه. =(2/342)
99- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ (1) ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ رُبَّمَا قَرَأَ - وَقَوْمٌ نِيَامٌ -، فَيَجِدُ الرِّيحَ، فَيُمْسِكُ عن القراءة حتى تذهب.
__________
= وقول: ((عثمان بن أبي الأسود)) ، و: ((حميد بن هلال)) خطأ لعلّه من النساخ، والصواب كما في إسناد المصنِّف والآجري.
(1) هو عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ - بفتح الراء وتشديد الواو -، واسم أبي روّاد: ميمون، وقيل: أيمن، ابن بدر، أبو عبد الرحمن مولى الأزد، روى عن نافع مولى ابن عمر وعكرمة والضحاك بن مزاحم وغيرهم، روى عنه ابن المبارك وابن مهدي ويحيى القطان ووكيع وعبد الرزاق وغيرهم، وكانت وفاته سنة تسع وخمسين ومائة، وقيل غير ذلك، ولم أجد من نصّ على أنه سمع من مجاهد، وهو ثقة مرجئ عابد كما في "الكاشف" (2 / 198 رقم 3432) ، وهو ممن اختُلف فيه، فقال يحيى القطان مع تشدده في الرجال: ((عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ ثقة في الحديث، ليس ينبغي أن يترك حديثه لرأي أخطأ فيه)) ، وقال الإمام أحمد: ((كان رجلاً صالحًا، وكان مرجئًا، وليس هو في الثبت مثل غيره)) ، ووثقه ابن معين والعجلي، وقال ابن سعد: ((له أحاديث، وكان مرجئًا، وكان معروفًا بالورع والصلاح والعبادة)) ، وقال أبو حاتم: ((صدوق ثقة في الحديث متعبِّد)) ، وقال النسائي: ((ليس به بأس)) ، وقال الساجي: ((صدوق يرى الإرجاء)) ، وقال الحاكم: ((ثقة عابد مجتهد)) .
وقال الدارقطني: ((هو متوسط في الحديث، وربما وهم في حديثه)) ، وقال علي بن الجنيد: ((كان ضعيفًا،، وأحاديثه منكرات)) ، وقال ابن حبان: ((لم يصلّ عليه الثوري لأنه كان يرى الإرجاء، وكان ممن غلب عليه التقشُّف حتى كان لا يدري ما يحدث به، فروى عن نافع أشياء لا يشك مَنْ الحديث صناعته إذا سمعها أنها موضوعة، كان يحدّث بها توهمًّا، لا تعمُّدًا، ومن حدّث على الحسبان، وروى على التوهّم حتى كثر ذلك منه سقط الاحتجاج به، وإن كان فاضلاً في نفسه، وكيف يكون التقيّ في نفسه من كان شديد الصلابة في =(2/343)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= الإرجاء، كثير البغض لمن انتحل السنن)) . وقال ابن عدي: ((في بعض رواياته ما لا يتابع عليه)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 394 رقم 1830) ، و"المجروحين" (2 / 136 - 138) ، و"الكامل" (5 / 1928 - 1929) ، و"التهذيب" (6 / 338 - 339 رقم 650) .
قلت: عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ كان يرى الإرجاء، وهو مخطئ في رأيه، ولو أن كل من رأى رأيًا من الآراء المبتدعة التي لا تخرج صاحبها من دائرة الإسلام تركنا حديثه لما بقي لنا إلا القليل من الأخبار ولذا فكلام يحيى القطان - رحمه الله - الذي سبق نقله هو الأليق بحال الرجل، وأما كلام الإمام أحمد فغايته أن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ ليس في التثبت مثل غيره كشعبة وسفيان ونحوهما، ومع ذلك فهو ثقة.
وأما ابن حبان فتشدده وتسرّعه في جرح الرواة معروف، وقول مخالف بأقوال الأئمة الذين مرّ ذكرهم، ومع ذلك فلا يستطيع أن يُثبت سوى الإرجاء، وأما قوله عنه بأنه كثير البغض لمن انتحل السنن، فقد استَدلّ عليه بحكاية أوردها من طريق راوٍ مبهم، فهل من الإنصاف أن يلصق بالرجل نقل عن مبهم لا يُدرى من هو؟ وأما الأحاديث الموضوعة التي ذكر أن عبد العزيز رواها عن نافع، فقد ردّ عليه الذهبي في "السير" (7 / 187) بقوله: ((قلت: الشأن في صحة إسنادها إلى عبد العزيز، فعللها قد أُدخلت عليه)) ، وعلى هذا يحمل أيضًا كلام الدارقطني وابن الجنيد وابن عدي، فإن الحافظ الذهبي - رحمه الله - في "الميزان" (2 / 628 - 629) ذكر حديثًا من الأحاديث التي أوردها ابن عدي في ترجمة عبد العزيز في "كامله" مما يُنتقد عليه، فرد عليه الذهبي بقوله: ((هذا من عيوب كامل ابن عدي؛ يأتي في ترجمة الرجل بخبر باطل لا يكون حدّث به قط، وإنما وُضع من بعده، فهذا خبر باطل وإسناد مظلم، وابن المغيرة ليس بثقة، وأما ابن حبان فبالغ في تنقُّص عبد العزيز وقال ... )) . اهـ.(2/344)
100- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ زُرْزُر (1) ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا سَأَلَ عَطَاءً، قَالَ: أَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَخْرُجُ الرِّيحُ مِنِّي، فَقَالَ: أَمْسِكْ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى تَذْهَبَ عَنْكَ.
__________
[99] سنده صحيح إن كان عبد العزيز سمع من مجاهد.
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 188 رقم 1943) من طريق المصنف، به مثله سواء.
والمصنِّف أخرجه من طريق شيخه عبد الله بن المبارك.
وابن المبارك أخرجه في "الزهد" (ص275 رقم 798) بنحوه.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص56 رقم 128) من طريق حفص بن غياث، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي روّاد، عن مجاهد، أنه كان إذا صلى فوجد ريحًا، أمسك عن القراءة.
(1) هو زُرْزُرُ بن صُهيب مولى آل جبير بن مطعم حجازي من أهل خرشة، وقيل: شرجة، يروي عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، روى عنه سفيان بن عيينة، ثقة؛ قال ابن عيينة: ((زرزر رجل من أهل مكة صالح)) ، ووثقه ابن معين، وذكره ابن حبان وابن شاهين في ثقاتيهما.
انظر "المعرفة والتاريخ" للفسوي (2 / 195) ، و"الجرح والتعديل" (3 / 623 - 624 رقم 2821) ، و"الثقات" لابن حبان (6 / 348) ، و"الثقات" لابن شاهين (ص95 رقم 420) ، و"الأنساب" للسمعاني (8 / 76) ، و"معجم البلدان" (3 / 334) ، و"الميزان" للذهبي (2 / 70 رقم 2858) .
[100] الحديث سنده صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1 / 341 رقم 1326) .
والآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص149 رقم 73) .
والبيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 88 رقم 1942) .
ثلاثتهم من طريق سفيان، به نحوه، إلا أنه وقع عند الآجري: ((زرّ)) وهو تصحيف، وهو السائل لعطاء عند الآجري، لا الرجل المبهم.(2/345)
101- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا شَرِيكٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ، أَوْ قالوا: المصحف.
__________
[101] سنده ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم وشريك بن عبد الله القاضي من قبل حفظه.
لكن قد صحّ معناه عن عطاء، وروي عن طاوس من وجه آخر، ولا يصحّ.
فأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1 / 342 - 343 رقم 1332 و 1333) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قال: لا يمسّ المصحف مفضيًا إليه غير متوضئ. قلت: فبين أيديهما وبين أخبتة ثوب؟ قال: ولا، الخباء أكفّ من الثوب. قلت: غير المتوضئ وهو في خبائه؟ قال: نعم، لا يضرّه. قلت: فيأخذه مطبقًا؟ قال: نعم.
وهذا سند صحيح، وابن جريج اسمه عبد الملك بن عبد العزيز، وتقدم في الحديث [9] أنه ثقة، وأما تدليسه فلا يضرّ هنا؛ لأنه هو السائل لعطاء.
وأخرجه عبد الرزاق أيضًا (1 / 343 رقم 1334) عن الثوري، عن جابر، عن الشعبي وطاوس والقاسم بن محمد كرهوا أن يمسّ المصحف وهو على غير وضوء.
وسنده ضعيف جدًّا.
جابر هو ابن يزيد بن الحارث الجعفي، أبو عبد الله الكوفي، روى عن الشعبي وطاوس والقاسم بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وأبي الضُّحى وعكرمة وعطاء وغيرهم، روى عن شعبة والثوري وإسرائيل ومسعر ومعمر وغيرهم، وكانت وفاته سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: سنة ثمان وعشرين، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وهو مُخْتَلَف فيه.
فروى ابن عليّة عن شعبة قال: ((جابر صدوق في الحديث)) ، وقال: - أي شعبة - في رواية يحيى بن أبي بكير عنه: ((كان جابر إذا قال: حدثنا، و: سمعت، فهو من أوثق الناس)) . وروى يحيى أيضًا عن زهير بن معاوية قال: ((كان إذا قال: سمعت، أو: سألت، فهو من أصدق الناس)) . وقال وكيع: ((مهما شككتم في شيء، فلا تشكّوا في أن جابرًا ثقة)) ، وأثنى عليه سفيان الثوري وشريك.
وخالف هؤلاء جماعة، فحكموا عليه بأنه كذاب، منهم: سعيد بن جبير، =(2/346)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأبو حنيفة، وليث بن أبي سليم، وأيوب السختياني، وزائدة، وابن عيينة، وأحمد بن خراش، والجوزجاني، وابن معين، وفي رواية عن ابن معين: ((لا يكتب حديثه، ولا كرامة)) . وقال إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ: قَالَ الشعبي لجابر: ((لا تموت حتى تكذب عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -)) . قال إسماعيل: ((فما مضت الأيام والليالي حتى اتهم بالكذب)) .
قلت: أما غلوّه في الرفض فلم أجد من يخالف فيه، وكذا تدليسه. وأما أرجح الأقوال في الحكم عليه، فالذي ترجح لي ما اختاره الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (2 / 4) حيث قال عنه: ((ضعيف جدًّا)) ، وهو رأي ابن سعد فيه حيث قال: ((كان يدلس، وكان ضعيفًا جدًّا في رأيه وروايته)) ، وهو بمعنى ما اختاره النسائي حيث قال: ((متروك الحديث)) ، وقال يحيى القطان: ((تركنا حديث جابر قبل أن يقدم علينا الثوري)) ، وقال الإمام أحمد: ((تركه يحيى وعبد الرحمن)) ، وقال أبو أحمد الحاكم: ((ذاهب الحديث، يؤمن بالرجعة، اتهم بالكذب)) .
انظر "الضعفاء" للعقيلي (1 / 191 - 196) ، و"الكامل" لابن عدي (2 / 537 - 543) ، و"تهذيب الكمال" المطبوع (4 / 466) ، و"التهذيب" (2 / 46 - 51 رقم 75) .
وهذا الأثر متضمن لمسألة مس المصحف لغير المتوضئ، وهي من المسائل التي طال الخلاف فيها، وقد ورد فيها أحاديث مرفوعة تجد الكلام عنها مفصّلاً في "سنن الدارقطني" (1 / 121 - 124) ، و"المحلى" لابن حزم (1 / 107 - 111) ، و"نصب الراية" للزيلعي (1 / 196 - 199) ، و"الدارية" (1 / 86 - 88) ، و"التلخيص الحبير" (1 / 140) كلاهما لابن حجر، و"إرواء الغليل" (1 / 158 - 161) ، ولا يصحّ منها شيء، عدا حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فإنه اختُلف فيه، فالدارقطني في الموضع السابق من سننه رجّح أنه مرسل رجاله ثقات، وذهب بعضهم إلى أن هذا المرسل عبارة عن كتاب، وأنه صحيح، قال ابن عبد البر: ((إنه أشبه المتواتر لتلقّي الناس له بالقبول)) ، وقال يعقوب بن سفيان: ((لا أعلم =(2/347)
102- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا فُضَيْلٌ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ (1) ، قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِمُجَاهِدٍ مُصْحَفًا، فَأَعْطَاهُ خمسمائة درهم.
__________
= كتابًا أصحّ من هذا الكتاب، فإن أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - يرجعون إليه ويَدَعون رأيهم)) ، وقال الحاكم: ((قد شهد عمر بن عبد العزيز والزهري لهذا الكتاب بالصحة)) ، وقد صححه أيضًا الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه، واحتجّ به الإمام أحمد كما في "إرواء الغليل" (1 / 161) نقلاً عن مسائل إسحاق المروزي وفوائد أبي شعيب.
ويعضد هذا المرسل باقي الأحاديث التي سبقت الإشارة إليها والتي لا يخلو شيء منها من مقال، وبعض الآثار عن بعض الصحابة، ومنها: ما رواه الدارقطني وصححه (1 / 124 رقم 10) ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عن سلمان، قال عبد الرحمن: كنا معه في سفر، فانطلق، فقضى حاجته، ثم جاء، فقلت: أي أبا عبد الله، توضأ؛ لعلنا نسألك عن آي من القرآن، فقال: سلوني، فإني لا أمسّه؛ إنه لا يمسّه إلا المطهرون، فسألناه، فقرأ علينا قبل أن يتوضأ.
ومنها ما أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" (1 / 42 رقم 59) في الطهارة، باب الوضوء من مسّ الفرج، من طريق مصعب بن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص، فاحتككت، فقال سعد: لعلك مسست ذكرك؟ قال: فقلت: نعم، فقال: قم، فتوضأ، فقمت، فتوضأت، ثم رجعت.
قال الشيخ الألباني في الموضع السابق من "إرواء الغليل": ((سنده صحيح)) .
(1) هو مسلم بن كَيْسان الضَّبّي المُلائي البرّاد الأعور، أبو عبد الله الكوفي، روى عن أنس بن مالك ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم، روى عنه الأعمش وشعبة والثوري وفضيل بن عياض وغيرهم، وهو ضعيف من الطبقة الخامسة كما في "التقريب" (ص530 رقم 6641) ، قال عمرو بن علي الفلَّاس: ((كان يحيى بن سعيد وابن مهدي لا يحدّثان عن مسلم الأعور، وكان شعبة وسفيان =(2/348)
103- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا أَبُو وَكِيعٍ (1) ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِل (2) ، أَنَّ عُبيد اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ (3) بَعَثَ إِلَيْهِ: أَنْ يَقُومَ بِالنَّاسِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَامَ بِهِمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بِحُلَّةٍ، وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِآخِذٍ على القرآن أجرًا.
__________
= يحدثان عنه، وهو منكر الحديث جدًّا)) وقال الإمام أحمد: ((لا يكتب حديثه)) ، وقال ابن معين: ((ليس بثقة)) ، وقال ابن المديني والعجلي: ((ضعيف الحديث)) ، وقال البخاري: ((ضعيف ذاهب الحديث، لا أروي عنه)) ، وقال أبو حاتم: ((يتكلمون فيه، وهو ضعيف الحديث)) ، وقال أبو زرعة: ((ضعيف الحديث)) ، وقال النسائي والدراقطني وعلي بن الجنيد: ((متروك)) .
انظر "الجرح والتعديل" (8 / 192 - 193 رقم 844) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1327) ، و"التهذيب" (10 / 135 - 136رقم 247) ، و"التقريب" (ص530 رقم 6641) .
[102] سنده ضعيف لضعف مسلم الأعور.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص147) من طريق ليث، عن مجاهد، أن رجلاً كتب له مصحفًا، فأعطاه أجره.
وسنده ضعيف لأجل ليث بن أبي سليم؛ فإنه كان قد اختلط، فلم يتميّز حديثه، فتُرك كما في الحديث رقم [9] .
وقد ساق المصنف هذا الأثر والأحاديث والآثار الآتية بعده حتى رقم [125] فيما يتعلق بمسألة أخذ الأجرة على كتابة المصاحف، وعلى تعليم القرآن، وبيع المصاحف وشرائها، وسيأتي الكلام عنها في التعليق على الحديث رقم [125] .
(1) هو الجَرَّاح بن مَلِيح بن عَديّ الرُّؤاسي - بضم الراء، بعدها واو بهمزة، وبعد الألف مهملة -، الكوفي، والد وكيع، روى عن أبي إسحاق السبيعي وعطاء بن السائب وعاصم الأحول وغيرهم، روى عنه ابنه وكيع وابن مهدي ومسدد وغيرهم، وروى عنه هنا سعيد بن منصور، وكانت وفاته سنة ست وسبعين ومائة، =(2/349)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وهو صدوق يهم؛ وثقه ابن معين مرة وضعّفه أخرى، ووثقه أبو داود وأبو الوليد الطيالسي، وقال النسائي وغيره: ((ليس به بأس)) ، وضعفه ابن سعد وابن عمّار، وقال أبو حاتم: ((يكتب حديثه ولا يحتجّ به)) ، وقال البرقاني: ((سألت الدارقطني عن الجرّاح، فقال: ليس بشيء، هو كثير الوهم، قلت: يعتبر به؟ قال: لا)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (2 / 523 رقم 2175) ، و"الميزان" (1 / 389 رقم 1451) ، و"التهذيب" (2 / 66 - 68 رقم 108) ، و"التقريب" (ص138 رقم 908) .
(2) هو عبد الله بن مَعْقِل - بفتح أوّله وسكون المهملة، بعدها قاف -، ابن مُقَرِّن المُزَني، أبو الوليد الكوفي، روى عن أبيه وعلي وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه أبو إسحاق السبيعي وعبد الملك بن عمير وأبو إسحاق الشيباني وغيرهم، وكانت وفاته بالبصرة سنة بضع وثمانين للهجرة، وهو ثقة روى له الجماعة، وقال ابن سعد: ((كان ثقة قليل الحديث)) ، وقال العجلي: ((تابعي ثقة من أصحاب عبد الله من خيار التابعين)) ، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ ابن حجر: ((ذكره ابن فتحون في ذيل الاستيعاب، ولم يذكر مستندًا لذكره في الصحابة، وقد قال ابن قتيبة: ليست له صحبة، ولا إدراك)) . اهـ. من "تاريخ الثقات" للعجلي (ص280 رقم 891) ، و"الإصابة" (5 / 212 - 213) ، و"التهذيب" (6 / 40 - 41 رقم 69) ، و"التقريب" (ص324 رقم 3634) .
(3) هو عبيد الله بن زياد بن أبيه، أبو حَفْص، أمير العراق، ولي البصرة سنة خمس وخمسين وله ثنتان وعشرون سنة، وولي خراسان فكان أول عربي قطع نهر جَيْحُون، وافتتح بِيكَنْد وغيرها، وهو الذي قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، وكانت أمه مرجانة تقول لابنها عبيد الله هذا: ((قتلت ابن بنت رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، لا ترى الجنة)) ، أو نحو هذا. وقال الذهبي في وصفه: ((كان جميل الصورة قبيح السريرة)) ، وقال أيضًا: ((الشيعي لا يطيب عيشه حتى يلعن هذا ودونه، ونحن نبغضهم في الله، ونبرأ منهم، ولا نلعنهم، وأمرهم إلى الله)) .
انظر "التاريخ الكبير" للبخاري (5 / 381 رقم 1219) ، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر =(2/350)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= (10 / 654 - 669 / الظاهرية) ، و"سير أعلام النبلاء" (3 / 545 - 549) .
[103] سنده ضعيف لحال أبي وكيع، لكنه حسن لغيره بالطريق الآتي.
فالحديث أخرجه العجلي في "تاريخ الثقات" (ص280) فقال: حدثنا موسى بن أيوب، حدثنا مخلد، عن هشام، عن ابن سيرين، أن عبد الله بن معقل صلّى بالناس في رمضان، فلما انقضى الشهر أرسل إليه الأمير بخمسمائة درهم، فلما أتاه الرسول قال: ما هذا؟ قال: بعث بها إليك الأمير، فلم يقبلها.
وهذا سند حسن.
محمد بن سيرين تقدم في الحديث [44] أنه ثقة ثبت.
وهشام بن حسّان في الحديث [55] أنه ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين.
ومَخْلد بن الحسين الأَزْدي المُهَلَّبي، أبو محمد البصري، نزيل المصيِّصَة، يروي عن الأوزاعي وابن جريج وهشام بن حسّان وغيرهم، روى عنه الوليد بن مسلم وعَبْدة بن سليمان وحجاج بن محمد وغيرهم، وكانت وفاته سنة إحدى وتسعين ومائة، وهو ثقة فاضل؛ قال ابن سعد: ((كان ثقة فاضلاً)) ، وقال العجلي: ((ثقة، رجل صالح، وكان من عقلاء الرجال)) ، وقال المسيب بن واضح: ((ما رأيت في زماننا أوفى عقلاً منه)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: ((كان من العُبَّاد الخُشَّن، ممن لا يأكل إلا الحلال المحض)) . اهـ. من "تاريخ الثقات" للعجلي (ص422 رقم 1547) ، و"الثقات" لابن حبان (9 / 185) ، و"التهذيب" (10 / 72 - 73 رقم 124) ، و"التقريب" (ص523 رقم 6530) .
وموسى بن أيوب بن عيسى النَّصيبي، أبو عِمْران الأَنْطاكي، روى عن أبيه والجّراح ابن مليح البهراني وعبد الله بن المبارك ومخلد بن الحسين وغيرهم، روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم والحسن بن علي بن عفان وأحمد بن صالح العجلي وغيرهم، وهو صدوق من الطبقة العاشرة كما في "التقريب" (ص550 رقم 6947) ، =(2/351)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= فقد وثقه العجلي وقال أبو حاتم: ((صدوق)) ، وذكره ابن حبان في الثقات.
انظر "الجرح والتعديل" (8 / 134 - 135 رقم 609) ، و"تاريخ الثقات" (ص444 رقم 1655) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1383) ، و"التهذيب" (10 / 336 - 337 رقم 589) .
وأشار ابن حزم للحديث في "المحلى" (9 / 24) وصححه فقال: (وصح عن عبد الله بن مغفل [كذا! والصواب: معقل] ، أنه أعطاه الأمير مالاً لقيامه بالناس في رمضان، فأبى، وقال: إنَّا لا نأخذ للقرآن أجرًا) .
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص140 رقم 353) من طريق أبي إسحاق السبيعي، قال: أمر مصعب بن الزبير عبد الله بن مغفّل أن يصلي بالناس في شهر رمضان، فلما أفطر أرسل إليه خمسمائة درهم وحلّة، فردّها، وقال: ما كنت لآخذ على القرآن أجرًا.
وذِكْرُ عبد الله بن مُغَفَّل هنا خطأ لا شك فيه، ولعل الخطأ في الطباعة، لا في الأصل؛ لأن عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه توفي سنة سبع وخمسين، وقيل: سنة ستين، وأكثر ما قيل في وفاته: سنة اثنتين وستين، وحتى هذا التاريخ لم يكن مصعب بن الزبير قد تولى الإمارة؛ لأن يزيد بن معاوية توفي سنة أربع وستين، وبوفاته استقر الأمر لعبد الله بن الزبير رضي الله عنه بالحجاز، ثم ولّى أخاه مصعبًا إمرة العراق بعد حروب يطول ذكرها، تجدها مفصّلة في "البداية والنهاية" لابن كثير (8 / 238) فما بعد.
فالذي يظهر أن الناسخ أو الطابع اشتبه عليه: (معقل) بـ: (مغفّل) بسبب الشبه الكبير بين رسم الكلمتين.
أما ذكر مصعب بن الزبير في الحديث، فإما أن تكون الحادثة وقعت لعبد الله بن معقل مرتين، مرة مع ابن زياد، ومرة مع مصعب بن الزبير، وإما أن يكون التصريح باسم الأمير في إحدى الروايتين - رواية سعيد بن منصور ورواية أبي عبيد - خطأ، وأما رواية العجلي - وهي الأصح إسنادًا -، فليس فيها التصريح باسم الأمير، والله أعلم.(2/352)
104- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الجُرَيري، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقيق (1) ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُونَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ، وَتَعْلِيمَ الْغِلْمَانِ بِالْأَجْرِ، ويُعَظِّمون ذَلِكَ.
__________
(1) هو عبد الله بن شَقيق العُقَيْلي - بالضمّ -، بصري، يروي عن عمر وعثمان وعلي وأبي ذر وأبي هريرة وعائشة وابن عباس وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه محمد بن سيرين وعاصم الأحول وقتادة وحميد الطويل وأيوب السختياني وسعيد الجُريري وغيرهم، وكانت وفاته بعد المائة، وقيل سنة ثمان ومائة، وهو ثقة، فيه نصب، قال الإمام أحمد والعجلي: ((ثقة وكان يحمل على عليّ)) ، وقال ابن سعد: ((قالوا: كان عبد الله بن شقيق عثمانيًا، وكان ثقة في الحديث، وروى أحاديث صالحة)) ، وقال ابن معين: ((ثقة من خيار المسلمين، لا يطعن في حديثه)) ، ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة وابن خراش وزاد: ((كان عثمانيًا يبغض عليًّا)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 81 رقم 376) ، و"التهذيب" (5 / 253 - 254 رقم 444) ، و"التقريب" (ص307 رقم 3385) .
[104] الحديث سنده صحيح، وسعيد بن إياس الجُرَيْري وإن كان اختلط قبل موته بثلاث سنين، لكن قد روى هذا الأثر عنه سفيان الثوري وإسماعيل بن عليّة كما سيأتي، وهما ممن روى عنه قبل الاختلاط كما تقدم بيانه في الحديث [23] ، وأما الراوي عنه هنا عند المصنف فهو خالد بن عبد الله الطحان، ولم يُذكر فيمن روى عنه قبل الاختلاط أو بعده، وقد أخرج له البخاري من طريقه متابعة؛ قال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (ص405) : ((أخرج له البخاري أيضًا من رواية خالد الواسطي عنه، ولم يتحرر لي أمره إلى الآن، هل سمع منه قبل الاختلاط أو بعد؟ لكن حديثه عنه بمتابعة بشر بن المفضَّل، كلاهما عنه، عن [ابن] أبي بكرة، عن أبيه)) . اهـ.
قلت: وبشر بن المفضل ممن روى عن سعيد قبل الاختلاط كما سبق بيانه في الحديث المشار إليه. =(2/353)
105- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَشْتَرِطَ المعلِّم.
106- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي مِسْكِينٍ (1) ، عَنْ عَطَاءٍ، أَوْ خَالِدٍ (2) ، عَنْ أَبِي قِلَابة (3) ، أَنَّهُمَا كَانَا (4) لَا يَرَيَانِ بِالْأَجْرِ (5) بأسًا.
__________
= والحديث أخرجه ابن حزم في "المحلى" (9 / 24 و 681 - 682) .
والبيهقي في "سننه" (6 / 16) في البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع المصاحف.
كلاهما من طريق المصنِّف به مثله، إلا أن البيهقي لم يذكر قوله: ((وتعليم الغلمان ... )) إلخ، وأما ابن حزم فوقع عنده: ((بالأرش)) بدل قوله: ((بالأجر)) .
وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (8 / 115 رقم 14534) عن سفيان الثوري، عن سعيد الجريري، به نحوه، ولم يذكر قوله: ((ويعظمون ذلك)) .
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 224 - 225 رقم 885) من طريق شيخه إسماعيل بن علية، عن الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شقيق، قال: يكره أرش المعلم، فإن أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - كانوا يكرهونه ويرونه شديدًا.
[105] سنده رجاله ثقات، لكنه ضعيف؛ لأن مغيرة مدلّس كما في ترجمته في الحديث رقم [54] ، لاسيّما عن إبراهيم النخعي، وهذا من روايته عنه، ولم يصرح بالسماع.
وهذا الأثر أشار له ابن حزم في "المحلّى" (9 / 24) وصححه، فقال: (وصحّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يشترط المعلِّم وأن يأخذ أجرًا على تعليم القرآن) .
(1) هو أيوب بن مسكين، ويقال: ابن أبي مسكين، التميمي، أبو العلاء القصّاب الواسطي، روى عن قتادة وسعيد المقبُري وأبي سفيان طلحة بن نافع وأبي هاشم الرمّاني وغيرهم، روى عنه إسحاق بن يوسف الأزرق وهشيم ويزيد بن هارون وغيرهم، وكانت وفاته سنة أربعين ومائة، ولم أجد من نصّ على أن أيوب هذا روى عن عطاء، ولا أنه روى عنه خالد بن عبد الله الطحّان =(2/354)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= الواسطي، لكن سماع خالد منه محتمل، فكلاهما واسطي، وقد تعاصرا، وأيوب هذا لا بأس به كما قال الإمام أحمد في رواية، وفي رواية عنه وعن أحمد بن صالح قالا: ((رجل صالح ثقة)) ، ووثقه ابن سعد والنسائي، وقال أبو حاتم: ((لا بأس به، شيخ صالح يكتب حديثه، ولا يحتج به)) ، وقال الدارقطني: ((يعتبر به)) ، وذكره ابن شاهين وابن حبان في ثقاتيهما، وزاد ابن حبان قوله: ((كان يخطئ)) ، وذكره ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار وقال: ((كان يهم ويخالف)) ، وقال أبو داود: ((كان يتفقّه، ولم يكن يجيد الحفظ للإسناد)) ، وقال أبو أحمد الحاكم: ((في حديثه بعض الاضطراب)) ، وذكره ابن عدي في الكامل، وذكر أربعة أحاديث انتُقدت عليه، ثم قال: ((وهذه الأحاديث التي ذكرتها عن أيوب أبو العلاء (كذا!) هي أحاديث معروفة، ولم أجد في سائر أحاديثه غير ما ذكرت أيضًا شيئًا منكرًا؛ ولهذا قال ابن حنبل لا بأس به؛ لأن أحاديثه ليست بالمناكير، وهو ممن يكتب حديثه)) . اهـ. من "مشاهير علماء الأمصار" (ص177 رقم 1400) ، و"الكامل" لابن عدي (1 / 346 - 347) ، و"تاريخ أسماء الثقات" لابن شاهين (ص31 رقم 27) ، و"تهذيب الكمال" للمزّي (3 / 492 - 494 رقم 624 / المطبوع) ، و"تهذيب التهذيب" (11 / 411 - 412 رقم 754) .
والأحاديث الأربعة التي ذكرها ابن عدي قد تتبعها الشيخ عبد العزيز التخيفي في "دارسة المتكلّم فيهم من رجال التقريب" (1 / 221 - 225) وبيّن أن ثلاثة منها لم ينفرد بها أيوب، بل تابعه غيره، وخرج من دراسته لحال الرجل أنه ثقة، والذي ترجَّح لي أن أيوب هذا لا بأس به، وحديثه في عداد الحسن ولا يرتقي لدرجة الصحيح؛ لأن كلام العلماء الذين تقدم ذكرهم يدلّ على أن في حفظه شيئًا، وقد ذكره الحافظ الذهبي في كتابه ((ذكر أسماء من تُكُلِّم فيه وهو موثَّق)) (ص51 رقم 47) ، وقال: ((وثّقه غير واحد، وليَّنه بعضهم)) ، ومقتضى صنيعه أن يكون أقلّ أحواله عنده أن حسن الحديث، فإنه قال في مقدمة هذا الكتاب (ص27) : =(2/355)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ((أما بعد: فهذا فصل نافع في معرفة ثقات الرواة الذين تكلم فيهم بعض الأئمة بما لا يرد أخبارهم وفيهم بعض اللين، وغيرهم أتقن منهم وأحفظ، فهؤلاء حديثهم إن لم يكن في أعلى مراتب الصحيح، فلا ينزل عن رتبة الحسن، اللهم إلا أن يكون للرجل منهم أحاديث تستنكر عليه، وهي التي تكلم فيه من أجلها، فينبغي التوقف في هذه الأحاديث)) . اهـ.
(2) كذا في الأصل، والذي يظهر - والله أعلم - أن الصواب: (وخالد) ، فيكون الحديث يرويه خالد بن عبد الله الطحّان عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي مِسْكِينٍ وخالد الحذّاء، وأيوب يرويه عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وخالد الحذّاء يرويه عن أبي قلابة.
(3) هو عبد الله بن زيد بن عمرو - أو: عامر -، الجَرْمي، أبو قِلاَبة البصري، يروي عن ثابت بن الضحاك الأنصاري وسمرة بن جندب ومالك بن الحويرث وأنس بن مالك وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه أيوب السختياني وخالد الحذّاء ويحيى بن أبي كثير وعاصم الأحول وغيرهم، وكانت وفاته بالشام سنة أربع ومائة، وقيل: خمس، وقيل: ست، وقيل: سبع ومائة، وهو ثقة فاضل كثير الإرسال، روى له الجماعة، وثقه ابن سيرين وأبو حاتم وابن خراش وابن سعد، وزاد: ((كثير الحديث)) ، وقال العجلي: ((بصري تابعي ثقة، وكان يحمل على عليّ)) .
انظر "الجرح والتعديل" (5 / 57 - 58 رقم 268) ، و"التهذيب" (5 / 224 - 226 رقم 387) ، و"التقريب" (ص304 رقم 3333) .
(4) يعني عطاءً وأبا قلابة.
(5) أي الأجر على تعليم القرآن للغلمان.
[106] سنده عن عطاء حسن لذاته إن كان أيوب سمع منه، وسنده عن أبي قلابة صحيح.
وقال ابن حزم في "المحلى" (9 / 25) : (وصح عن عطاء وأبي قلابة إباحة أجر المعلِّم على تعليم القرآن) . =(2/356)
107- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا فُضَيْلٌ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِذَا قَاطَعَ المعلِّم وَلَمْ يَعْدِلْ، كُتِبَ مِنَ الظَّلَمَةِ.
108- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ صَفْوان بن (عمرو) (1) و (2) ، عَنْ عُمير بْنِ هَانِئٍ (3) ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُقرئ رَجُلًا الْقُرْآنَ، فحجَّ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَأَهْدَى لِلَّذِي أَقْرَأَهُ قَوْسًا، فَأَتَى عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ (4) ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَلْقِها عَنْكَ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَغْزُوَ، فَقَالَ: أَلْقِهَا عَنْكَ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَغْزُوَ بِهَا، فَقَالَ لَهُ عَوْفٌ: أَتُرِيدُ أَنْ تعلَّق قَوْسًا مِنْ نَارٍ؟ قَالَ: فردَّها الرجل إلى صاحبها.
__________
= وقال البيهقي في "السنن" (6 / 124) : (وروينا عن عطاء وأبي قِلَابَةَ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بتعليم الغلمان بالأجر بأسًا) .
[107] سنده ضعيف لضعف ليث بن أبي سليم كما في ترجمته في الحديث [9] .
والأثر ذكره البيهقي في "السنن" (9 / 124) فقال: (وروينا عن عطاء ... ، وعن الحسن رحمه الله قَالَ: إِذَا قَاطَعَ الْمُعَلِّمُ وَلَمْ يعدل، كتب من الظلمة) .
وأخرجه ابن أبي الدنيا في "العيال" (1 / 534 رقم 355) من طريق شيخه أبي طالب الهروي عن الفضيل، به نحوه.
(1) في الأصل: (عمر) ، والصواب ما هو مثبت كما يتضح من مصادر ترجمته الآتية.
(2) هوصفوان بن عمرو بن هَرِم السَّكْسَكي، أبو عمرو الحمصي، روى عن عبد الله بن بسر المازني الصحابي وجبير بن نفير وشريح بن عبيد وغيرهم، روى عنه ابن المبارك وأبو إسحاق الفزاري وإسماعيل بن عياش وغيرهم، وكانت وفاته سنة مائة، وهو ثقة، وثقه العجلي ودُحيم والنسائي أبو حاتم، وقال ابن سعد: ((كان ثقة مأمونًا)) ، وقال ابن خراش: ((كان ابن المبارك وغيره يوثقه)) .
انظر "الجرح والتعديل" (4 / 422 - 423 رقم 1852) ، و"التهذيب" (4 / 428 - 429 رقم 741) ، و"التقريب" (ص277 رقم 2938) .(2/357)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
(3) هو عُمَيْر بن هانئ العَنْسي - بسكون النون ومهملتين -؛ أبو الوليد الدمشقي الدَّاراني، روى عن معاوية وابن عمر وأبي هريرة وأبي ثعلبة الخشني وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه الأوزاعي وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان والزهري وغيرهم، وذكره البخاري في "التاريخ الأوسط" في فصل من مات سنة مائة إلى عشر ومائة، ولم أجد من نصّ على أن عميرًا هذا روى عن عوف بن مالك ولا من نصّ على أن صفوان بن عمرو روى عنه، وسماعه من عوف، وسماع صفوان منه محتمل، لأنه عاصرهم كما يتضح من سنّي وفياتهم، وكلهم شاميون، وعمير هذا ثقة روى له الجماعة، وقال العجلي: ((شامي تابعي ثقة)) ، وقال الفسوي: ((لا بأس به)) ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو داود: ((كان قدريًا)) .
انظر "تاريخ الثقات" للعجلي (ص375 رقم 1311) ، و"المعرفة والتاريخ" للفسوي (2 / 465) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (2 / 1061) ، و"الميزان" (3 / 297 رقم 6492) ، و"التهذيب" (8 / 149 - 151 رقم 266) ، و"التقريب" (ص431 رقم 5189) .
(4) هو عوف بن مالك الأشجعي، أبو حماد، ويقال غير ذلك، صحابي مشهور من مسلمة الفتح، سكن دمشق، روى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - وعن عبد الله بن سلام، روى عنه أبو مسلم الخولاني وجبير بن نفير وأبو إدريس الخولاني وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وسبعين للهجرة.
انظر: الجرح والتعديل (7 / 13 - 14 رقم 61) ، و"الإصابة" (4 / 742) ، و"التقريب" (ص433 رقم 5217) ، و"التهذيب" (8 / 168 رقم 303) .
[108] سنده ضعيف؛ لأن إسماعيل بن عياش مدلّس كما في ترجمته في الحديث رقم [9] ، ولم يصرِّح بالسماع هنا، وهو حسن لغيره كما سيأتي.
والحديث ذكره ابن حزم في "المحلى" (9 / 24) فقال بعد أن ذكر حديثًا في معناه: ((ورويناه عن عوف بن مالك من قوله مثل هذا، أنه قال في قوس أهداها إنسان إلى من كان يقرئه: أَتُرِيدُ أَنْ تُعَلَّقَ قَوْسًا مِنْ نار)) . =(2/358)
109- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْتون (1) ، عَنِ الطُّفَيل بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَقْرَأَنِي أُبَيٌّ الْقُرْآنَ، فأَهْدَيْتُ إِلَيْهِ قَوْسًا، فَغَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ متقلِّد بِهَا، فَقَالَ: ((مَنْ سَلَّحَكَ هَذِهِ؟)) . قَالَ: الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو؛ أَقْرَأْتُهُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَقَلَّدَها شِلْوةً (2) مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ)) . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِمْ (3) ؟ فَقَالَ: (( (أَمَا طَعَامٌ) (4) صُنِعَ لِغَيْرِكَ، فَحَضَرْتَهُ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَأْكُلَهُ، وَأَمَا مَا صُنِعَ لك، فإنما تأكل بِخَلَاقِك)) (5) .
__________
= وأخرجه الطبراني في "الكبير" (18 / 53 رقم 96) من طريق محمد بن إسماعيل بن عياش، حدثنا أبي، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، أنه حدثهم عن عوف بن مالك أنه كان معه رجل يعلمه القرآن، فقال لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -: صاحبي الذي رأيته معي اشترى قوسًا وأهداها إليَّ، أفآخذها منه؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((لا)) ، ثم مكث حتى إذا كان رأس الحول، عاد عليه، فقال: يا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -: آخذها؟ قال: ((لا)) ثم مكث حتى كان رأس الحول، قال: آخذ تلك القوس يا رسول الله؟ قال: ((لا)) ، قال: أفلا آخذها يا رسول الله فتكون عنده؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((أتريد أن تلقى الله يا عوف يوم القيامة وبين كتفيك جمرة من جهنم؟)) .
قال الهيثمي في "المجمع" (4 / 96) : ((فيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف)) . اهـ.
قلت: ومع ضعفه فقد خالف من هو أوثق منه وهو سعيد بن منصور كما يتضح من سياق الحديث.
وللحديث شواهد يرتقي بها لدرجة الحسن لغيره كما سيأتي في الحديث بعده.
(1) هو عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عمير بن زيتون الدمشقي، مقبول، ذكره البخاري =(2/359)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= في "تاريخه" وسكت عنه، وبيض له ابن أبي حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عن أم الدرداء ورجاء بن حيوة وابن محيريز، روى عنه رجاء ابن أبي سلمة وإسماعيل بن عياش.
انظر "التاريخ الكبير" للبخاري (6 / 77 - 78 رقم 1765) ، و"الجرح والتعديل" (6 / 43 رقم 221) ، و"الثقات" لابن حبان (7 / 153) ، و"التهذيب" (6 / 127 رقم 264) ، و"التقريب" (ص335 رقم 3787) .
وعبد ربه هذا يروي الحديث هنا عن الطفيل بن عمرو رضي الله عنه، وهو لم يسمع منه كما سيأتي نقل ذلك عن البغوي.
وقال الحافظ ابن حجر في الموضع السابق من التهذيب عن عبد ربه هذا: ((لم يذكره ابن عساكر في التاريخ)) .
والسبب في ذلك أن ابن عساكر يرى أنه ليس بحمصي، ولا بدمشقي، وإنما هو من أهل بيت المقدس، فإنه نقل عن البغوي قوله عنه: ((أحسبه من أهل حمص)) ، ثم ردّ ذلك ابن عساكر بقوله: ((ابن زيتون من أهل بيت المقدس، وليس بحمصي)) .
انظر "تاريخ ابن عساكر" (8 / 514) .
(2) أي: قطعة، والشِّلْوُ: العُضْوُ.
انظر "النهاية في غريب الحديث" (2 / 498) .
(3) أي: من طعام الذين أقرأوهم.
(4) في الأصل: (إنما طعامهم) ، والتصويب من "المحلى" لابن حزم (9 / 23) حيث روى الحديث من طريق المصنف.
(5) أي: بحظِّك ونصيبك من الدين.
"النهاية في غريب الحديث" (2 / 71) .
[109] سنده ضعيف لجهالة حال ابن زيتون، والانقطاع بينه وبين الطفيل، ولأن إسماعيل بن عياش مدلِّس كما في ترجمته في الحديث [9] ، ولم يصرِّح هنا بالسماع. =(2/360)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وللحديث طرق أخرى يرتقي بها لدرجة الحسن لغيره كما سيأتي.
والحديث أخرجه ابن حزم في "المحلى" (9 / 23) من طريق المصنف؛ حيث ذكر بعض الأحاديث بهذا المعنى، ثم قال: (ومن طريق سعيد بن منصور، عن إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ ربه بن سليمان بن عمير بْنِ زَيْتُونٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ عمرو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - أنه عرض له ذلك في القوس مع أبي بن كعب، وفيه زيادة أنه قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَأْكُلُ من طعامهم؟ قال: ((أَمَا طَعَامٌ صُنِعَ لِغَيْرِكَ فَحَضَرْتَهُ فلا بأس أن تأكله، أما ما صنع لك فإن أكلته فإنما تأكله بخلاقك)) ) .
أقول: وواضح من طريقة ابن حزم اختصاره للقصة.
والحديث أخرجه البغوي في "معجم الصحابة" كما في "الإصابة" (3 / 522) ، و"جمع الجوامع" للسيوطي (2 / 423) .
ومن طريق البغوي أخرجه ابن عساكر في "تاريخه" (8 / 513 - 514) .
قال البغوي: ((والذي روى عنه إسماعيل بن عياش هذا الحديث: عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زيتون أحسبه من أهل حمص، ولم يسمع من الطفيل بن عمرو، وهو حديث غريب)) .
وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (1 / 274 رقم 442) من طريق عبيد بن جناد، عن إسماعيل بن عياش، به نحوه، إلا أنه وقع عنده: (عبد الله) بدلاً من: (عبد ربه) .
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4 / 95) : ((فيه عبد الله بن سليمان بن عمير، ولم أجد في ترجمه، ولا أظنه أدرك الطفيل)) .
وقد ورد الحديث من مسند أُبَيِّ بن كعب، وروي عنه من طريقين:
(1) طريق عبد الرحمن بن سَلْم، أو: ابن أبي مسلم، عن عطية بن قيس الكلاعي، ويقال: الكلابي، عن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: علمت رجلاً القرآن، فأهدى إليَّ قوسًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - فقال: ((إن أخذتها أخذت قوسًا من نار)) ، فردَدْتُها. =(2/361)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أخرجه ابن ماجه في "سننه" (2 / 730 رقم 2158) في التجارات، باب الأجر على تعليم القرآن.
والبيهقي في "سننه" (6 / 125 - 126) في الإجارة، باب من كره أخذ الأجر عليه - أي: على تعليم القرآن -.
كلاهما من طريق ثور بن يزيد، لكنه عند البيهقي يروي الحديث عن عبد الرحمن بلا واسطة، وأما عند ابن ماجه فيرويه عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عبد الرحمن بن سلم.
والظاهر أن ذكر خالد بن معدان في الإسناد غلط؛ فقد ذكر محقق "تحفة الأشراف" للمزي (1 / 36) أنه وجد في حاشية إحدى النسخ بخط الحافظ ابن عبد الهادي ما نصه:
((خالد بن معدان في هذا الإسناد فضلة لا يحتاج إليه، ولم يذكره الحافظ أبو القاسم)) .
وذكر أن وجد حاشية أخرى بما نصه: ((رواه محمد بن هارون الروياني، عن محمد بن بشار، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الرحمن بن أبي مسلم، عن عطية بن قيس)) .
وقال الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف" المطبوع بحاشية "تحفة الأشراف": ((لم أقف في النسخ التي عن ابن ماجه على ذكر خالد بن معدان بين ثور وعبد الرحمن فيه، وكذا أخرجه الروياني في "مسنده" عن بندار، عن يحيى بن سعيد بدونه ولم يذكره ابن عساكر وهو سلف المزّي، وكذا لم يرقم المزي في "التهذيب" لخالد بن معدان في الرواة عن عبد الرحمن بن مسلم)) . اهـ.
قلت: وسند هذا الطريق ضعيف لأمرين:
1- عبد الرحمن بن سَلْم - بفتح المهملة وسكون اللام - شامي مجهول كما في "التقريب" (ص341 رقم 3881) ، قال الحافظ الذهبي في =(2/362)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= "الميزان" (2 / 567 رقم 4878) :
((ما روى عنه سوى ثور بن يزيد)) ، وانظر "التهذيب" (6 / 187 رقم 377) .
2- في سند الحديث اضطراب واختلاف يتضح مما تقدم، وإليه أشار الحافظ الذهبي في الموضع السابق من "الميزان" بقوله: ((إسناده مضطرب في الذي أهدى لأُبَيّ قوسًا)) ، وكذا الحافظ ابن حجر في الموضع السابق من "التهذيب" بقوله: ((في إسناد حديثه اختلاف كثير)) .
وهذا الحديث ذكره الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (5 / 316 - 317) وضعفه لهاتين العلتين، وذكر علة ثالثة وهي الانقطاع بين عطية وهو ابن قيس الكلاعي وأُبَيّ، وذلك اعتمادًا منه على ما نقله البوصيري في "زوائد ابن ماجه عن العلائي في المراسيل" حيث قال: ((عطية بن قيس عن أبي بن كعب مرسل)) .
والعلائي اعتمد في قوله على مرجع آخر، فإنه قال في "جامع التحصيل في أحكام المراسيل" (ص292 رقم 527) مانصه: ((عطية بن قيس عن أبي بن كعب وأبي الدرداء مرسلاً، قاله في التهذيب)) . اهـ.
وقد رجعت إلى "تهذيب الكمال" ولم أجد ما ذكر العلائي، بل ظاهر صنيع المزّي أنه سمع من أبي بن كعب وأبي الدرداء.
انظر "تهذيب الكمال" المخطوط (2 / 940) ، والمطبوع (2 / 262 - 264) .
وسماعه ممكن، فإنه اختلف في ولادته ووفاة أبي بن كعب.
ففي الموضع السابق من "تهذيب الكمال" المخطوط، وفي "تهذيب التهذيب" (7 / 228) ذكر أبو مسهر أن عطية ولد في حياة النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سنة سبع، وفيها أيضًا النقل عن ابنه سعد بن عطية بما يفيد أنه ولد سنة سبع عشرة للهجرة، وهذا الذي اختاره ابن حبان.
وأما أبي بن كعب، ففي "تهذيب التهذيب" (1 / 188) ، قال الحافظ: ((قال =(2/363)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= الهيثم بن عدي: مات سنة (19) ، وقيل سنة (32) في خلافة عثمان، وفي موته اختلاف كثير جدًّا، الأكثر على أنه في خلافة عمر، وروى ابن سعد في "الطبقات" بإسناد رجاله ثقات، لكن فيه إرسال: أن عثمان أمره أن يجمع القرآن، فعلى هذا يكون موته في خلافته. قال الواقدي: وهو أثبت الأقاويل عندنا. قلت: وصحح أبو نعيم أنه مات في خلافة عثمان بخبر ذكره عن زرّ بن حبيش أنه لقيه في خلافة عثمان)) . اهـ. كلام الحافظ، وبه يتضح ضعف قول من ادّعى الانقطاع بين عطية وأُبَيّ، كالبيهقي حينما قال في "السنن" (6 / 125) : ((وروي من وجه آخر منقطع عن أبي بن كعب)) ، فرد عليه ابن التركماني في "الجوهر النقي" بقوله: ((عطية هذا تابعي، ذكر صاحب الكمال عن أبي مسهر أنه ولد في حياة النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعلى هذا روايته عن أبي محمولة على الاتصال)) .
(2) طريق أبان، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ علم رجلاً سورة من القرآن، فأهدى إليه ثوبًا، أو قال: خميصة، قال: فذكر ذلك لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ((لو أنك أخذته)) ، أو قال: ((إن أخذته - شك محمد -، أُلبست ثوبًا من النار)) .
أخرجه عبد بن حميد في "مسنده" (ص91 رقم 175) من طريق محمد بن جحادة - وهو الذي شك -، قال: أخبرني رجل يقال له أبان ... ، فذكره.
وهذا الطريق أشار إليه المزي في "تحفة الأشراف" (1 / 36) .
وهذا سند ضعيف لجهالة أبان، والانقطاع بينه وبين أبيّ.
فـ: أبان هذا غير منسوب، يروي عن أبي بن كعب، ويروي عنه محمد بن جحادة، ذكره ابن حبان في "الثقات" (4 / 37) وقال: ((شيخ ... ، لا أدري من هو؟ ولا ابن من هو؟)) ، وذكره البخاري في "تاريخه" (1 / 453 رقم 1446) وسكت عنه، وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2 / 296 رقم 1088) وبيض له، وانظر "لسان الميزان" (1 / 26 رقم 33) . =(2/364)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأما الانقطاع، فقد قال البخاري في الموضع السابق: ((أبان، أن أبّي بن كعب مرسل)) .
وكذا قال ابن أبي حاتم نقلاً عن أبيه.
وقد روي الحديث من طريقين آخرين مرسلين، أما المرسل الأول:
(1) فمن طريق عَلِيّ - ويقالُ: عُلَيّ بالتصغير - ابن رباح، أَنَّ أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ كَانَ يعلم رجلاً مكفوفًا، فكان إذا أتاه غدّاه، قال: فوجدت في نفسي من ذلك، فسألت رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، فقال: إن [كان] شيء يتحفك به فلا خير فيه، وإن كان في طعامه وطعام أهله فلا بأس)) .
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 225 رقم 886) فقال: حدثنا محمد بن ميسرة أبو سعد، عن موسى بن علي، عن أبيه، أن أبي بن كعب ... ، فذكره.
ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن حزم في "المحلى" (9 / 23 - 24) ، وما بين المعكوفين زيادة منه.
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص139 رقم 351) من طريق عبد الله بن صالح، عن موسى بن علي، به نحوه.
وأشار إلى هذا الطريق المزي في "تحفة الأشراف" (1 / 36) .
وسنده ضعيف لإرساله وضعف محمد بن ميسر.
أما الإرسال، فإن علي بن رابح لم يدرك الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل هو تابعي كما يتضح من ترجمته في "التهذيب" (7 / 317 - 319) ، ولم يصرح بسماعه للحديث من أبي.
وأما شيخ ابن أبي شيبة: محمد بن مُيَسَّر - بتحتانية ومهملة -، الجعفي، أبو سعد الصّاغَاني، البَلْخي، الضرير، نزيل بغداد، ويقال له: محمد بن أبي زكريا، فهو ضعيف، ورمي بالإرجاء. فقد ضعفه ابن معين والدارقطني، وقال النسائي: ((متروك الحديث)) ، وقال مرة: ((ليس بثقة =(2/365)
110- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَصين (1) ، عَنْ أَبِي الضُّحَى (2) قَالَ: سَأَلْتُ ثَلَاثَةً - فَلَمْ آلُوا -: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ (3) ، ومسروقًا (4) ، وشريحًا (5) ، [ل109/أ] عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ، فَقَالُوا: لَا تَأْخُذْ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثمنًا.
__________
= ولا مأمون)) ، وقال ابن حبان: ((لا يحتج به)) ، وقال ابن عدي: ((والضعف بين على رواياته)) ، وقال الإمام أحمد: ((صدوق، ولكن كان مرجئًا)) .
انظر "الكامل" لابن عدي (6 / 2231 - 2232) ، و"التهذيب" (9 / 484 رقم 786) ، و"التقريب" (ص509 رقم 6344) .
وأما المرسل الثاني:
(2) فمن طريق أبي إدريس الخَوْلاني قال: كان عند أُبَيّ بن كعب ناس يقرئهم من أهل اليمن، فجاءت رجلاً منهم أقواس من أهله، فغمز أُبَيّ قوسًا فأعجبته، فقال الرجل: أقسمت عليك إلا تسلّحتها في سبيل الله، فقال: لا، حتى أسأل رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، فقال: ((أتحب أن يأتي الله بها في عنقك يوم القيامة نارًا؟)) .
ذكره الذهبي في "الميزان" (2 / 261) فقال: قال عبد الله بن روح المدائني الصدوق: حدثنا شبابة، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، حدثنا بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني ... ، فذكره.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى" (9 / 23) من طريق قاسم بن أصبغ، نا عبد الله بن روح، ... فذكره بنحوه.
قال الذهبي بعد أن أورده: ((هذا مرسل جيد الإسناد غريب)) .
وعليه فالحديث حسن لغيره بمجموع طرقه هنا وفي الحديث السابق رقم [108] ، وسيأتي الكلام عن مسألة أخذ الأجرة على تعليم القرآن في الحديث الآتي برقم [125] ، والله أعلم.
(1) هو عثمان، تقدم في الحديث [4] أنه ثقة ثبت سُنِّي.
(2) هو مسلم بن صُبَيْح، تقدم في الحديث [10] أنه ثقة فاضل.(2/366)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
(3) هو عبد الله بن يزيد بن حصين الأنصاري الخَطْمي - بفتح المعجمة وسكون المهملة - صحابي صغير ولي الكوفة لابن الزبير، وروى له الجماعة. نص على صحبته ابن معين والدارقطني وغيرهما، وخالف في ذلك آخرون، قال الحافظ ابن حجر: ((روايته عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - في صحيح البخاري)) ، روى عنه ابنه موسى وعامر الشعبي وأبو إسحاق السبيعي ومحمد بن سيرين وغيرهم، وروى عنه هنا أبو الضحى مسلم بن صُبيح.
انظر "الإصابة" (4 / 267 - 268) ، و"التهذيب" (6 / 78 - 79 رقم 155) ، و"التقريب" (ص329 رقم 3704) .
(4) هو مسروق بن الأجدع بن مالك الهَمْداني الوادعي، أبو عائشة الكوفي، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه أبو وائل شقيق بن سلمة والشعبي وإبراهيم النخعي وأبو إسحاق السبيعي وأبو الضحى وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وستين للهجرة، وقيل: سنة اثتنين وستين، وهو ثقة فقيه عابد مخضرم روى له الجماعة. كان ابن عيينة لا يفضل عليه بعد علقمة أحدًا، وقال ابن المديني: ((ما قدم على مسروق من أصحاب عبد الله أحدًا)) ، وقال ابن معين: ((ثقة لا يسئل عنه)) ، وقال العجلي: ((كوفي تابعي ثقة، وله أحاديث صالحة)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (8 / 396 - 397 رقم 1820) ، و"التهذيب" (10 / 109 - 111 رقم 205) ، و"التقريب" (ص528 رقم 6601) .
(5) هو شريح بن الحارث بن قيس الكوفي النخعي القاضي، أبو أُمَيَّة، يروي عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه أبو وائل شقيق ابن سلمة والشعبي وابن سيرين وغيرهم، وروى عنه هنا أبو الضحى، واختلف في سنة وفاته اختلافًا كثيرًا، فقيل: كانت وفاته سنة ثمان وسبعين للهجرة، وقيل: سنة خمس وثمانين، وقيل: سنة تسع وتسعين، وقيل غير ذلك، وهو مخضرم ثقة، =(2/367)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وقيل: له صحبة. وثقه ابن سعد والعجلي وابن معين وقال: ((كان في زمن النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يسمع منه)) .
انظر "الجرح والتعديل" (4 / 332 - 333 رقم 1458) ، و"التهذيب" (4 / 326 - 328 رقم 564) ، و"التقريب" (ص265 رقم 2774) .
[110] سنده صحيح وقد صححه ابن حزم في "المحلى" (9 / 25) فقال: ((وصح عن عبد الله بن يزيد وشريح: لَا تَأْخُذْ لِكِتَابِ اللَّهِ ثَمَنًا)) .
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (8 / 111 - 112 رقم 14520) .
وابن أبي داود في "المصاحف" (187) .
كلاهما من طريق سفيان بن عيينة، به نحوه.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 62 رقم 258) .
وابن أبي داود في "المصاحف" (ص188) .
وابن حزم في "المحلى" (9 / 682) .
ثلاثتهم من طريق سفيان الثوري، عن أبي حصين به نحوه.
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص366 رقم 866) من طريق إسرائيل، عن أبي حصين، به نحوه.
وأخرجه ابن أبي داود أيضًا (ص187 و 188) من طريق قيس بن الربيع، وشريك بن عبد الله، وأبي بكر بن عياش، وإبراهيم بن طهمان، جميعهم، عن أبي حصين، به نحوه، إلا أن رواية شريك بمعناه ولم يذكر عبد الله بن يزيد، ورواية أبي بكر بن عياش نحوه، إلا أنه جعل عَبيدة مكان شريح.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (8 / 111 رقم 14519) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 60 رقم 248) .
وابن أبي داود في "المصاحف" (ص187) .
ثلاثتهم من طريق أبي إسحاق الشيباني سليمان بن أبي سليمان، عن أبي الضحى، به نحوه. =(2/368)
111- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ (1) ، قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ عَنْ كُتَّابِ الْمَصَاحِفِ بِالْأَجْرِ، قَالَ: كُره كِتَابَتُهَا، وَاسْتِكْتَابُهَا، وبيعها، وشراؤها.
__________
= وللحديث طريق آخر عن أبي حصين يرويه أبو عوانة وضاح اليشكري وهو الآتي برقم [112] .
(1) هو مهدي ميمون الأَزْدي المِعْوَلي - بكسر الميم؛ وسكون المهملة، وفتح الواو -، أبو يحيى البصري، روى عن ابن سيرين وهشام بن عروة وواصل الأحدب وغيرهم، روى عنه عبد الرحمن بن مهدي ووكيع ويحيى القطان وسعيد بن منصور وغيرهم، وكانت وفاته سنة إحدى أو اثنتين وسبعين ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة. وثقه شعبة وأحمد وابن معين والنسائي وابن خراش والعجلي وغيرهم.
"الجرح والتعديل" (8 / 335 - 336 رقم 1547) ، و"التهذيب" (10 / 326 - 327 رقم 571) ، و"التقريب" (ص548 رقم 6932) .
[111] سنده صحيح.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص148) من طريق شيبان، عن مهدي بن ميمون، به نحوه.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى" (9 / 683) من طريق الحجاج بن منهال، عن مهدي بن ميمون، به مثله، إلا أنه قال: (كتابها) .
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 62 رقم 257) .
وابن أبي داود في "المصاحف" (ص192) .
كلاهما من طريق هشام عن ابن سيرين كان يكره بيعها وشراءها.
وأخرجه ابن أبي داود (ص189 و 192) من طريق يزيد بن إبراهيم، عن ابن سيرين أنه كره بيع المصاحف وشراءها.
وأخرجه ابن أبي داود أيضًا (ص148 و 192 و 193) من طريق أشعث وسلام ابن مسكين، كلاهما عن ابن سيرين بمعناه. =(2/369)
112- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ: سَأَلْتُ شُرَيْحًا، وَمَسْرُوقًا، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ، فَقَالُوا: لَا تَأْخُذْ لِكِتَابِ اللَّهِ ثَمَنًا.
113- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّي (1) ، قَالَ: نا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ (2) ، قَالَ: دَخَلَ عليَّ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ (3) وَأَنَا أَكْتُبُ، فَقُلْتُ: كَيْفَ تَرَى صَنْعَتِي هَذِهِ (يَا أَبَا) (4) الشَّعْثاء؟ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ صَنْعَتَكَ! تَنْقُلُ كِتَابَ اللَّهِ وَرَقَةً إِلَى وَرَقَةٍ، وَآيَةً إِلَى آيَةٍ، وَكَلِمَةً إِلَى كَلِمَةٍ، هَذَا الْحَلَالُ لَا بَأْسَ به.
__________
= وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص366 رقم 865) .
وابن أبي داود في "المصاحف" (ص148) .
كلاهما من طريق ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أنه كره بيعها وشراءها.
[112] سنده صحيح.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص188) من طريق أبي عوانة، به مثله.
وللحديث طرق أخرى عن أبي حصين، وطريق آخر عن أبي الضحى تقدم تخريجهما برقم [110] .
(1) هو عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّى، أبو عبد الله البصري، روى عن أبي عمران الجَوْني وداود بن أبي هند ومنصور بن المعتمر ومالك بن دينار وغيرهم، روى عنه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ويحيى بن معين وغيرهم، وروى عنه هنا سعيد بن منصور، وكانت وفاته سنة سبع وثمانين ومائة، وقيل: ثمان، وقيل: تسع وثمانين ومائة، وقيل: تسعين ومائة، وهو ثقة حافظ روى له الجماعة. وثقه أحمد وأبو زرعة وأبو داود والعجلي والنسائي، وقال القواريري: ((كان حافظًا)) . ولما مات قال عبد الرحمن بن مهدي: =(2/370)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ((ما مات لكم منذ ثلاثين سنة شبهه، أو مثله، أو أوثق منه)) .
"الجرح والتعديل" (5 / 388 - 389 رقم 1809) ، و"تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1298) ، و"التهذيب" (6 / 346 - 347 رقم 664) ، و"التقريب" (ص358 رقم 4108) .
(2) هو مالك بن دينار السّامي - بمهملة -، الناجي، الزاهد، أبو يحيى البصري، روى عن أنس بن مالك والحسن البصري وابن سيرين وعكرمة وعطاء وغيرهم، وروى هنا عن جابر بن زيد، روى عنه أبان العطّار وسعيد بن أبي عروبة وعبد السلام بن حرب وعبد العزيز العَمِّي وغيرهم، وكانت وفاته سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: سنة ثلاث وعشرين ومائة، وقيل: ثلاثين، وقيل: إحدى وثلاثين ومائة، وهو ثقة عابد. قال جعفر بن سليمان: كنا عند مالك بن دينار، فحضرت العصر، فقام يتوضأ، فقال ابن واسع: ((نعم الرجل مالك، نعم الرجل مالك، خذوا عن مالك، خذوا عن مالك وثابت)) ، ووثقه النسائي وابن سعد وزاد: ((قليل الحديث)) ، وقال الدارقطني: ((ثقة، ولا يكاد يحدث عنه ثقة)) ، وذكره العجلي في الثقات، وكذا ابن حبان وقال: ((كان يكتب المصاحف بالأجرة، ويتقوّت بأجرته، وكان لا يأكل شيئًا من الطيبات، من المتعقدة الصبر، والمتقشِّفة الخشن)) .
انظر "تاريخ الثقات" للعجلي (ص418 رقم 1523) ، و"المعرفة والتاريخ" للفسوي (2 / 264) ، و"سؤالات البرقاني للدارقطني" (ص66 رقم 497) ، و"التهذيب" (10 / 14 - 15 رقم 15) .
وفي الموضع السابق من "التهذيب" نقل الحافظ عن الأزدي قوله عن مالك هذا: ((يعرف وينكر)) ، وهذا القول من الأزدي لم أجد من وافقه عليه، ولم يذكر حجته فيه، وقول الأزدي لا عبرة به إذا انفرد كما صرح به الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (4 / 399) .
(3) هو أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي اليَحْمدي، ثم الجَوْفي، البصري، مشهور =(2/371)
114- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا جَرِيرٌ (1) ، عَنْ مَنْصُورٍ (2) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَرَادَ عَلْقَمَةُ أَنْ يَكْتُبَ مُصْحَفًا، فَكَرِهَ أَنْ يُعْطِيَ عَلَى كِتَابَتِهِ أَجْرًا، فَاشْتَرَى وَرَقَهُ ومِداده (1) ، وَمَا يَنْبَغِي، وَأَعْطَاهُ بعضَ أَصْحَابِهِ، فَكَتَبَهُ له.
__________
= بكنيته، روى عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه قتادة وعمرو بن دينار وأيوب السختياني وغيرهم، قيل: كانت وفاته سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة ثلاث ومائة، وقيل: أربعة ومائة، وهو ثقة فقيه روى له الجماعة. قال الرباب: سألت ابن عباس عن شيء فقال: ((تسألوني وفيكم جابر بن زيد؟)) ووثقه ابن معين وأبو زرعة والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ((كان فقيهًا ... ، وكان من أعلم الناس بكتاب الله)) ، ولما مات قال قتادة: ((اليوم مات أعلم أهل العراق)) .
"الجرح والتعديل" (2 / 494 - 495 رقم 2032) ، و"التهذيب" (2 / 38 - 39 رقم 61) ، و"التقريب" (ص136 رقم 865) .
(4) في الأصل هكذا: (بايا) ، وما أثبته من الموضع الآتي من "سنن البيهقي" حيث رواه من طريق المصنف.
[113] سنده صحيح.
وأخرجه البيهقي في "سننه" (6 / 17) من طريق المصنف، به مثله، إلا أنه قال: ((كتاب الله عز وجل)) .
وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (8 / 113 رقم 14528) من طريق جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، به نحوه، وزاد: ((قال مالك: وسألت عنه الحسن والشعبي، فلم يريا به بأسًا)) .
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص146) من طريق عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ وحماد بن واقد، كلاهما عن مالك بن دينار، به نحوه.
وأخرجه أيضًا من طريق عبد الملك قال: دخل أبو الشعثاء على مالك بن دينار، فقال: أبا الشعثاء ... ، فذكره بنحوه.
(1) هو ابن عبد الحميد. =(2/372)
115- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: نا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ عِكْرِمَةَ (1) : بَاعَ مُصْحَفًا لَهُ، وَأَنَّ الْحَسَنَ كَانَ لَا يَرَى بِهِ بأسًا.
__________
(2) هو ابن المعتمر.
(3) المِدَادُ - بالكسر -: هو كل ما يُمَدُّ به الشيء، أي: يُزَادُ فيه لِمَدِّه والانتفاع به، كحِبْر الدَّوَاة، وسليط السراج، وما يوقد به من دهن ونحوه، ثم خُصَّ المدادُ في عُرْف اللغة بالحبر.
انظر "تاريخ العروس" (9 / 158) .
[114] سنده صحيح.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص148) من طريق عبيدة، عن إبراهيم أن علقمة اشترى ورقًا فأعطى أصحابه فكتبوه له.
وأخرجه أيضًا من طريق سفيان الثوري، عن منصور، به نحو سابقه.
(1) هو عكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس، أصله بَرْبري، ثقة ثبت عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة، روى عن مولاه ابن عباس وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وابن عمر وغيرهم، روى عنه إبراهيم النخعي والشعبي وأبو إسحاق السبيعي وقتادة وسماك بن حرب وحصين بن عبد الرحمن وداود بن أبي هند والحكم بن أبان ومالك بن دينار وغيرهم. واختلف في وفاته، فقيل: سنة أربع ومائة، وقيل: سنة ست، وقيل: سبع ومائة، وقد روى له الجماعة وكثر الكلام فيه حتى عيب على البخاري إخراجه في الصحيح، وأحسن من فصّل في حاله الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (ص425 - 430) ، وخلاصة ما قاله فيه: ((اما قول من وهّاه فمدارها على ثلاثة أشياء: على رميه بالكذب، وعلى الطعن فيه بأنه كان يرى رأي الخوارج، وعلى القدح فيه بأنه كان يقبل جوائز الأمراء، فهذه الأوجه الثلاثة يدور عليها جميع ما طعن به فيه: =(2/373)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= فأما البدعة: فإن ثبتت عليه فلا تضر حديثه؛ لأنه لم يكن داعية، مع أنها لم تثبت عليه. وأما قبول الجوائز، فلا يقدح أيضًا إلا عند أهل التشديد، وجمهور أهل العلم على الجواز كما صنف في ذلك ابن عبد البر.
وأما التكذيب: فسنبين وجوه رده بعد حكاية أقوالهم، وأنه لا يلزم من شيء منه قدح في روايته. فالوجه الأول فيه أقوال، فأشدها ما روي عن ابن عمر أنه قال لنافع: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس ... ، وقال إسحاق بن عيسى الطباع: سألت مالكًا: أبلغك أن ابن عمر قال لنافع: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس؟ قال: لا، ولكن بلغني أن سعيد بن المسيب قال ذلك لبرد مولاه ... )) ، ثم ذكره الحافظ أقوالاً أخرى في تكذيبه، ثم قال: ((فأما الوجه الأول، فقول ابن عمر لم يثبت عنه؛ لأنه من رواية أبي خلف الجزار، عن يحيى البكّاء، أنه سمع ابن عمر يقول ذلك. ويحيى البكّاء متروك الحديث، قال ابن حبان: ومن المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح. وقال ابن جرير: إن ثبت هذا عن ابن عمر فهو محتمل لأوجه كثيرة لا يتعين منه القدح في جميع روايته، فقد يمكن أن يكون أنكر عليه مسألة من المسائل كذَّبه فيها. قلت: [القائل ابن حجر] : وهو احتمال صحيح؛ لأنه روي عن ابن عمر أنه أنكر عليه الرواية عن ابن عباس في الصَّرْف، ثم استدل ابن جرير على أن ذلك لا يوجب قدحًا فيه بما رواه الثقات عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر أنه قال - إذ قيل له: إن نافعًا مولى ابن عمر حدّث عن ابن عمر في مسألة الإتيان في المحلّ المكروه -: كذب العبد على أبي. قال ابن جرير: ولم يروا ذلك من قول سالم في نافع جرحًا، فينبغي أن لا يروا ذلك من ابن عمر في عكرمة جرحًا. وقال ابن حبان: أهل الحجاز يطلقون كَذَبَ في موضع أخطأ....
وأما قول سعيد بن المسيب، فقال ابن جرير: ليس ببعيد أن يكون الذي حُكي عنه نظير الذي حكي عن ابن عمر. [قال ابن حجر:] قلت: وهو كما قال، =(2/374)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= فقد تبين ذلك من حكاية عطاء الخراساني عنه في تزويج النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بميمونة، ولقد ظُلم عكرمة في ذلك، فإن هذا مرويّ عن ابن عباس من طرق كثيرة ... ، وأما ذَمُّ مالك فقد بيّن سببه، وأنه لأجل ما رمي به من القول ببدعة الخوراج، وقد جزم بذلك أبو حاتم، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عكرمة، فقال: ثقة: قلت: يحتج بحديثه؟ قال: نعم؛ إذا روى عنه الثقات، والذي أنكر عليه مالك إنما هو بسبب رأيه، على أنه لم يثبت عنه من وجه قاطع أنه كان يرى ذلك، وإنما كان يوافق في بعض المسائل، فنسبوه إليهم. وقد بّرأه أحمد العجلي من ذلك، فقال في "كتاب الثقات" له: عكرمة مولى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، مكي تابعي ثقة، بريء مما يرميه الناس به من الحرورية. وقال ابن جرير: لو كان كل من ادُّعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعي به وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار؛ لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه. وأما قبوله لجوائز الأمراء، فليس ذلك بمانع من قبول روايته، وهذا الزهري قد كان في ذلك أشهر من عكرمة، ومع ذلك فلم يترك أحد الرواية عنه بسبب ذلك)) . اهـ. كلام الحافظ ملخصًا في الذب عن عكرمة.
وأما ثناء العلماء عليه فكثير، فمنه ما رواه محمد بن فضيل، عن عثمان بن حكيم، كنت جالسًا مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف، إذ جاء عكرمة، فقال: يا أبا أمامة، أذكّرك الله، هل سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَا حدثكم عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب علي؟ فقال أبو أمامة: نعم. قال الحافظ ابن حجر: ((وهذا إسناد صحيح)) ، وقال حماد بن زيد: قال لي أيوب: لو لم يكن عندي ثقة، لم أكتب عنه، وقال مغيرة: قيل لسعيد بن جبير: تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: نعم، عكرمة. وقال قتادة: كان أعلم التابعين أربعة، فذكره فيهم. وقال سفيان الثوري: خذوا التفسير من أربعة، فبدأ به. وقال البخاري: ليس أحد من أصحابنا إلا احتجّ بعكرمة، وقال جعفر الطيالسي عن ابن معين: إذا رأيت =(2/375)
116- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا يُونُسُ (1) ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا ببيعها واشترائها.
__________
= إنسانًا يقع في عكرمة فاتهمه على الإسلام. وقال المرُّوذي قلت لأحمد بن حنبل: يحتج بحديثه؟ قال: نعم. وقال محمد بن نصر المروزي: أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا، منهم: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، ويحيى بن معين، ولقد سألت إسحاق عن الاحتجاج بحديثه، فقال: عكرمة عندنا إمام أهل الدنيا، وتعجب من سؤالي إياه. ووثقه ابن معين والنسائي وغيرهما، وتقدم توثيق أبي حاتم والعجلي له. اهـ. من الموضع السابق من "هدي الساري"، و"التقريب" (ص397 رقم 4673) ، وانظر "الجرح والتعديل" (7 / 7 - 9 رقم 32) ، و"الكامل" لابن عدي (5 / 1905 - 1910) .
[115] سنده صحيح.
وأخرجه البيهقي في "سننه" (6 / 17) من طريق المصنِّف، به مثله سواء.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص200) من طريق يحيى بن حكيم، وعبد الله بن الصباح، وعلي بن الحسين الدرهمي، قالوا: حدثنا عبد العزيز أبو عبد الصمد العمي، به نحوه.
وسيأتي ذكر طرقه عن الحسن البصري في الحديث الآتي بعده.
(1) هو يونس بن عبيد بن دينار العَبْدي، أبو عبيد البصري، يروي عن إبراهيم التَّيْمي وثابت البُناني وابن سيرين وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وغيرهم، روى عنه شعبة والثوري والحمّادان وخالد بن عبد الله الطحّان وهشيم بن بشير وغيرهم، وكانت وفاته سنة تسع وثلاثين ومائة، وهو ثقة ثبت فاضل ورع وروى له الجماعة، وثقه ابن سعد وأحمد وابن معين والنسائي وأبو حاتم وغيرهم، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: ((كان من سادات أهل زمانه وفضلاً وحفظًا وإتقانًا وسنة وبغضًا لأهل البدع، مع التقشُّف الشديد في الدين، والحفظ الكثير)) . =(2/376)
117- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَبِيعُ ثَمَنَ وَرَقِهِ، وَأَجْرَ كِتَابِهِ.
118- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ دَاوُدَ، عن الشعبي، مثل ذلك.
__________
= "الجرح والتعديل" (9 / 242 رقم 1020) ، و"التهذيب" (11 / 442 - 445 رقم 855) ، و"التقريب" (ص613 رقم 7909) .
وقد وصف النسائي يونس بن عبيد بالتدليس، لكن ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الثانية من "طبقات المدلسين" (ص77 رقم 64) ، وهم: من احتمل الأئمة تدليسهم وأخرجوا لهم في الصحيح؛ لإمامتهم وقلة تدليسهم في جنب ما رووا، أو لأنهم لا يدلسون إلا عن ثقة.
[116] سنده صحيح.
وأخرجه البيهقي في "سننه" (6 / 17) من طريق المصنِّف، به مثله، إلا أنه قال: ((ببيع المصاحف)) .
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص367 رقم 869) من طريق هشيم، بمثل لفظ البيهقي.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 65 رقم 271) من طريق عبد الله بن إدريس، عن هشام، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ لَا يرى ببيعها وشرائها بأسًا.
وأخرجه أيضًا برقم (273) من طريق داود عن الحسن، أنه لم يكن يرى ببيعها وشرائها بأسًا.
وتقدم في الحديث [113] أن رواية عبد الرزاق في "المصنف" فيها زيادة: (قال مالك: وسألت عنه الحسن والشعبي، فلم يريا به بأسًا) ، وسنده صحيح.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص200 و 201) من طريق أبي بكر الهذلي، وسلام بن مسكين، ويزيد بن إبراهيم، والأشعث، وعوف الأعرابي، وخالد الحذاء، ومطر الوراق، وداود بن أبي هند، وهشام، جميعهم عن الحسن، به نحوه ومعناه.
[117 و 118] * أما الأول فسنده صحيح، وأما الثاني فسنده حسن لذاته، وصحيح لغيره. =(2/377)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأخرجه البيهقي في "سننه" (6 / 17) من طريق المصنِّف، ثنا هشيم، ثنا داود، عن الشعبي ... ، فذكره بمثله، إلا أنه وقع فيه: (يبتغي) ، وأشار المحقق إلى أن في هامش إحدى النسخ: (سع) كذا، ولم ينقطها!
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص367 رقم 870) من طريق هشيم، بنحوه.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (8 / 113 رقم 14527) من طريق الثوري، عن داود، عن الشعبي قال: إنما يشتري ورقه وعمله.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 64 رقم 270) من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عليّة، عن داود، به بنحوه.
وأخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد" (ص77 رقم 232) من طريق وهيب، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي بيع المصاحف: أنه لا يبيع كتاب الله، وإنما يبيع عمل يديه.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص202) من طريق ابن أبي عدي، وشعبة، وسفيان الثوري، وحماد، وجميعهم عن داود، به بنحو لفظ البخاري.
وأخرجه ابن أبي داود أيضًا (ص192) من طريق ابن فضيل، عن داود قال: سألت عامرًا [هو الشعبي] فقال: إنما يبيعون الكتاب والأوراق، ولا يبيعون كتاب الله.
وأخرجه أيضًا (ص202) من طريق إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ الشعبي، بنحو سابقه.
وجاء معناه من طريق مطر الورّاق، عن الحسن والشعبي أنهما كانا لا يريان بأسًا ببيع المصاحف.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 65 رقم 272) .
وعبد الرزاق في "مصنفه" (8 / 113 رقم 14526) .
وأبو عبيد في "الفضائل" (ص367 رقم 868) .
وابن أبي داود في "المصاحف" (ص201) .
والبيهقي في "سننه" (6 / 17) . =(2/378)
119- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (اشْتَرِ) (1) الْمَصَاحِفَ، (وَلَا تَبِعْهَا) (1) .
120- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مثله.
__________
(1) في الأصل: (لا تشتري) و: (ولا تبيعها) ، وما أثبته من "سنن البيهقي" حيث روى الحديث من طريق المصنِّف، لكنه بصيغة الإفراد عنده، وسيأتي لفظه.
[119 و 120] * إسنادهما ضعيف لضعف الليث بن أبي سليم، لكنه صحيح من طرق أخرى كما سيأتي.
وأخرجه البيهقي في "سننه" (6 / 16) في البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع المصاحف، من طريق المصنِّف، ثنا هشيم، ثنا لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عباس قَالَ: اشْتَرِ الْمُصْحَفَ وَلَا تَبِعْهُ.
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل": (ص364 رقم 860) : حدثنا هشيم، أخبرنا الليث ... ، فذكره بمثل لفظ المصنِّف.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 63 رقم 261) من طريق إسماعيل بن إبراهيم، وابن إدريس، كلاهما عن ليث، به بمعناه.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص197) من طريق زهير، وسعيد بن زيد، والمحاربي، ثلاثتهم عن ليث، به بمعناه، إلا أن رواية المحاربي هكذا: (رُخِّص في شرائها وكره بيعها) .
قال ابن أبي داود: ((كذا قال: رُخِّص! كأنه صار مسندًا)) .
وذكر النووي في "المجموع" (9 / 303) هذا الأثر فقال: ((وعن ابن عبسا بإسناد ضعيف: اشتر المصحف ولا تبعه)) ، مع أنه قد صح من طرق أخرى.
فقد روي عن ابن عباس أيضًا من ثلاثة طرق:
(1) طريق عطاء بن أبي رباح.
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (8 / 112 رقم 14521) فقال: أخبرنا عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال في بيع =(2/379)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= المصاحف: اشترها ولا تبعها.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن حزم في "المحلى" (9 / 682) .
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص196 و 197) من ثلاثة طرق عن عبد الملك.
وسند عبد الرزاق صحيح.
عطاء بن أبي رباح تقدم في الحديث [15] أنه ثقة فقيه فاضل.
وعبد الملك بن أبي سليمان ميسرة العَرْزَمي - بفتح المهملة، وسكون الراء، وبالزاي المفتوحة -، روى عن أنس بن مالك وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وغيرهم، روى عنه شعبة والثوري وابن المبارك ويحيى القطان وهشيم وعبد الرزاق وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمس وأربعين ومائة، وهو ثقة حافظ ربما أخطأ، فقد وثقه أحمد وابن معين والنسائي، وقال ابن عمار: ((ثقة حجة)) ، وقال ابن سعد: ((كان ثقة مأمونًا ثبتًا)) ، وقال العجلي: ((ثقة ثبت في الحديث)) ، وقال يعقوب بن سفيان: ((ثقة متقن فقيه)) ، وقال الترمذي: ((ثقة مأمون، لا نعلم أحدًا تكلم فيه غير شعبة)) .
وكان سفيان الثوري يسميه الميزان، ويقول: ((حدثني الميزان)) ، ويقول بيده كأنه يزن، وقال مرة: ((حفاظ الناس: إسماعيل بن أبي خالد - فبدأ به -، وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، ويحيى بن سعيد الأنصاري ... )) ، وذكر جماعة. وقال عبد الله بن المبارك: ((عبد الملك ميزان)) ، وقال عبد الرحمن بن مهدي: ((كان شعبة يعجب من حفظ عبد الملك)) .
قلت: ومع ذلك ترك حديثه؛ قال أمية بن خالد: قلت لشعبة: مالك لا تحدث عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سليمان؟ قال: تركت حديثه، قلت: تحدث عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ العرزمي وتدع عبد الملك وقد كان حسن الحديث؟! قال: من حسنها فررت. وقال الحسين بن حبان: وجدت في كتاب أبي بخط يده: سئل يحيى بن معين عن حديث عطاء، عن جابر في الشفعة، فقال: هو حديث لم يحدث به أحد إلا عبد الملك، وقد أنكره الناس عليه، ولكن عبد الملك ثقة صدوق لا يرد على مثله. قلت: تكلم =(2/380)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= فيه شعبة؟ قال: نعم. وقال أبو داود: قلت لأحمد - أي ابن حنبل -: عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ؟ قال: ثقة، قلت: يخطئ؟ قال: نعم، وكان من أحفظ أهل الكوفة، إلا أنه رفع أحاديث عن عطاء. اهـ. من "الجرح والتعديل" (5 / 366 - 368 رقم 1719) ، و"الكامل" لابن عدي (5 / 1940 - 1941) ، و"تاريخ بغداد" (10 / 393 - 398 رقم 5570) ، و"التهذيب" (6 / 396 - 398 رقم 848) .
قلت: وقد ذكر الخطيب في "تاريخه" كلام شعبة المتقدم، ثم رد عليه بقوله: ((قد أساء شعبة في اختياره حيث حدث عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ العرزمي وترك التحدث عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سيلمان؛ لأن محمد بن عبيد الله لم تختلف الأئمة من أهل الأثر في ذهاب حديثه وسقوط روايته، وأما عبد الملك فثناؤهم عليه مستفيض، وحسن ذكرهم له مشهور)) ، ثم أخذ في ذكر أقوال الأئمة في توثيقه والثناء عليه.
وقد ذكر ابن حبان عبد الملك هذا في "الثقات" (7 / 97 - 98) وقال: ((ربما أخطأ)) ، ثم قال: ((كان عبد الملك من خيار أهل الكوفة وحفاظهم، والغالب على من يحفظ ويحدث من حفظه أن يهم، وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثَبْت صَحَّتْ عدالته بأوهام يهم في روايته، ولو سلكنا هذا المسلك للزمنا ترك حديث الزهري وابن جريج والثوري وشعبة لأنهم أهل حفظ وإتقان، وكانوا يحدثون من حفظهم، ولم يكونوا معصومين حتى لا يهموا في الروايات، بل الاحتياط والأولى في مثل هذا: قبول ما يروي الثبت من الروايات، وترك ما صح أنه وهم فيها، ما لم يفحش ذلك منه حتى يغلب على صوابه، فإن كان كذلك استحق الترك حينئذ)) . اهـ.
وهذا الذي ذكر ابن حبان فيه إنصاف لهؤلاء الأئمة الحفاظ الذين يغلب =(2/381)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= على حديثهم الضبط والإتقان، وقد يهمون في الشيء بعد الشيء كعبد الملك بن أبي سليمان، وقد اختار القول بتويثقه الشيخ عبد العزيز التخيفي في دراسته للمتكلم فيهم من رجال تقريب التهذيب (2 / 59 - 65) .
ومع ذلك فلم يتفرد عبد الملك بهذا الحديث عن عطاء، بل تابعه عليه ابن جريج، وأبو عامر الخزاز صالح بن رستم.
فقد أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص196) من طريق سفيان الثوري، وأبي عاصم النبيل، كلاهما عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، به نحو سابقه.
وقد صرّح ابن جريج بالسماع في رواية أبي عاصم.
وأخرجه ابن أبي داود أيضًا (ص196 و 197) من ست طرق عن أبي عامر الخزاز، عن عطاء، بنحو سابقه.
(2) طريق سعيد بن جبير.
أخرجه ابن أبي شبية في "المصنف" (6 / 63 رقم 263) من طريق قتادة عن سعيد بن جبير بنحو لفظ المصنف.
(3) طريق الشابة قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ بيع المصحف، فقال: اشتره ولا تبعه.
أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص198) من طريق رقيم بن الشابة، عن أبيه، قال ... ، فذكره.
وبالجملة فهذا القول صحيح عن ابن عباس بما تقدم من الطرق، فتضعيف النووي له إنما هو باعتبار طريق الليث بن أبي سليم، والله أعلم.(2/382)
121- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: أنا أَبُو بِشْرٍ (1) ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: (اشْتَرِهَا، وَلَا تَبِعْهَا) (2) .
122- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: (اشْتَرِ) (3) الْمُصْحَفَ، (وَلَا تَبِعْهُ) (4) .
__________
(1) هو جعفر بن إياس، وهو ابن أبي وَحْشِيَّة - بفتح الواو، وسكون المهملة، وكسر المعجمة، وتثقيل التحتانية -، اليَشْكُريّ، أبو بشر الواسطي، يروي عن عباد بن شرحبيل وله صحبة، وعن سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومجاهد وغيرهم، روى عنه داود بن أبي هند وشعبة وأبو عوانة وهشيم وخالد بن عبد الله وغيرهم، واختلف في سنة وفاته، فقيل: مات سنة ثلاث وعشرين ومائة، وقيل: أربع، وقيل: خمس، وقيل: ست وعشرين ومائة، وقيل: سنة إحدى وثلاثين ومائة، وهو ثقة، من أثبت الناس في سعيد بن جبير، وضعف شعبه روايته عن حبيب بن سالم، وعن مجاهد، وقال: إنه لم يسمع منهما، وقد روى له الجماعة، ووثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلي والنسائي، وقال البرديجي: ((كان ثقة، وهو من أثبت الناس في سعيد بن جبير)) .
انظر "الجرح والتعديل" (2 / 473 رقم 1927) ، و"التهذيب" (2 / 83 - 84 رقم 129) ، و"التقريب" (ص139 رقم 930) .
(2) في الأصل: (اشتريها، ولا تبيعها) .
(3، 4) في الأًصل: (اشتري) و (ولا تبيعه) .
[121 و 122] * سنداهما صحيحان.
وقال النووي في "المجموع" (9 / 303) : ((وبإسناد صحيح عن سعيد بن جبير: اشتره ولا تبعه)) .
وأخرجه البيهقي في "سننه" (6 / 16) في البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع المصاحف، من طريق المصنِّف، (ثنا هشيم، ثنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير مثله من قوله) .
وقوله: (مثله) : أي مثل لفظ أثر سابق له عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (اشْتَرِ المصحف ولا تبعه) . =(2/383)
123- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا خَالِدٌ (1) ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَة السَّلْماني: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَاشْتِرَاءَهَا.
__________
= وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص365 رقم 862) من طريق هشيم، به مثله.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى" (9 / 684) من طريق وكيع، عن شعبة، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بن جبير قَالَ: اشْتَرِ الْمَصَاحِفَ وَلَا تَبِعْهَا.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 63 رقم 262) .
وابن أبي داود في "المصاحف" (ص198) .
كلاهما من طريق حماد بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير، به، ولفظ ابن أبي داود مثل لفظ حديث شعبة السابق، ولفظ ابن أبي شيبة بمعناه.
وأخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص368 رقم 871) من طريق أبي شهاب موسى بن نافع قال: قال سعيد بن جبير: هل لك في مصحف عندي قد كفيتك عرضه تشتريه؟
وبمعنى سياق أبي عبيد أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص175) من طريق أبي شهاب.
(1) هو ابن مهران الحذّاء، تقدم في الحديث [88] أنه ثقة.
[123] سنده صحيح.
وأخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص366 رقم 864) من طريق هشيم، به نحوه.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 61 رقم 249) من طريق ابن علية، عن خالد، به نحوه.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى" (9 / 683) من طريق ابن أبي شيبة السابق، ومن طريق يزيد بن زريع، عن خالد الحذاء، به نحوه.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص192) من طريق سفيان، عن خالد الحذاء، به نحوه.(2/384)
124- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ لَيْث بْنِ أَبِي سُليم، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (1) ، قَالَ: قَالَ (ابْنُ) (2) عُمَرَ: لَوَدِدْتُ أَنَّ (الْأَيْدِيَ) (3) قُطعت في بيع المصاحف.
__________
(1) هو سالم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بن الخطاب القرشي العدوي المدني، أحد الفقهاء السبعة، روى عن أبيه وأبي هريرة وأبي رافع وأبي أيوب وغيرهم، روى عنه الزهري وأبو قلابة الجَرْمي وحميد الطويل وعمرو بن دينار وغيرهم، وكانت وفاته سنة ست ومائة، وكان ثبتًا عابدًا فاضلاً، كان يُشَبَّه بأبيه في الهدي والسَّمت، وقد روى له الجماعة. قال مالك: ((لم يكن أحد في زمان سالم ابن عبد الله أشبه من مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه)) ، وقال ابن المبارك: ((كان فقهاء أهل المدينة سبعة)) ، فذكره فيهم. ووثقه العجلي وابن سعد، وزاد: ((كثير الحديث، عاليًا من الرجال)) ، وقال ابن حبان: ((كان يشبه أباه في السَّمْت والهدي)) . اهـ. من "طبقات ابن سعد" (5 / 195 - 201) ، و"تاريخ الثقات" للعجلي (ص174 رقم 499) ، و"التهذيب" (3 / 463 - 438 رقم 807) ، و"التقريب" (ص226 رقم 2176) .
(2) ما بين القوسين ليس في الأصل، وإنما زيد من "سنن البيهقي" لكونه روى الحديث من طريق المصنِّف.
(3) في الأصل: (يدي) ، وما أثبته من "سنن البيهقي".
[124] سنده ضعيف لضعف الليث بن أبي سليم، لكنه صحيح من طريق آخر.
وأخرجه البيهقي في "سننه" (6 / 16) في البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع المصاحف، من طريق المصنف، به مثله سواء.
وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص180) من طريق أبي سنان سعد بن سنان، عن اللَّيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ نافع، عن ابن عمر، به نحوه، فلست أدري، أهو اضطراب من الليث، أم أن له فيه إسنادًا غير الإسناد الأول.
وقد صح الحديث من طريق سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عمر.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 62 رقم 255) ، فقال: نا وكيع، عن =(2/385)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= سفيان، عن سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عن ابن عمر قال: وددت أني رأيت الأيدي تقطع في بيع المصاحف.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى" (9 / 682) من طريق وكيع، به مثل لفظ ابن أبي شيبة.
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات تقدموا، عدا سالم بن عَجْلان الأَفْطَس، الأُموي، مولاهم، أبي محمد الحرَّاني، يروي عن سعيد بن جبير والزهري ونافع مولى ابن عمر وغيرهم، روى عنه ابنه عمر بن سالم وإسرائيل وسفيان الثوري وغيرهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وهو ثقة، إلا أنه رمي بالإرجاء، فقد وثقه الإمام أحمد والعجلي وابن سعد وزاد: ((كثير الحديث)) ، وقال الدارقطني: ((ثقة يجمع حديثه)) ، وقال أبو حاتم: ((صدوق، وكان مرجئًا، نقيَّ الحديث)) .
وأما ابن حبان فقال: ((كان ممن يرى الإرجاء، ويقلب الأخبار، وينفرد بالمعضلات عن الثقات، اتهم بأمر سوء، فقتل صبرًا)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (4 / 186 رقم 806) ، و"التهذيب" (3 / 441 - 442 رقم 814) ، و"التقريب" (ص227 رقم 2183) .
قلت: وابن حبان معروف بتشديده في الجرح، وكلام الأئمة الآخرين بخلافه، وأما الإرجاء فلا تُردّ روايته لأجله إن لم تكن مما يؤيد بدعته، أو كان داعيًا إليه.
والحديث أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص180 و 181) من طريق سفيان الثوري، عن سالم، به نحوه.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (8 / 112 - 113 رقم 14525) من طريق إسرائيل، عن سالم، به نحوه.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 61 رقم 250) .
وابن أبي داود في "المصاحف" (ص180) .
كلاهما من طريق اللَّيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ سالم، به نحوه. =(2/386)
125- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ عَنْ كِتَابِ المعلِّم، فَقَالَ: كَانَ مُعَلِّمٌ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ عِنْدَهُ أَوْلَادُ أُولَئِكَ الضِّخام (1) ، وَكَانَ مَمْلُوكًا، وَكَانَ مَوَالِيهِ يكلِّفونه الشَّيْءَ، فَيَقُولُ الْغِلْمَانُ: دَعْنا نَكْفيك، فَيَأْبى عليهم.
__________
= وأخرجه ابن أبي داود أيضًا من طريق أبي مالك النخعي، وشريك بن عبد الله، وقيس بن الربيع، ثلاثتهم عن سالم، به، ولفظ أبي مالك مثل لفظ المصنف، ولفظ الآخرين نحوه.
وعليه فالحديث بهذا الطريق صحيح لغيره عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، والله أعلم.
(1) لعله يقصد أهل السُّؤْدد والشرف من الناس، ففي "لسان العرب" (12 / 354) : ((المِضْخَم: السيِّد الضخم الشريف)) .
[125] سنده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6 / 223 رقم 883) فقال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا مهدي بن ميمون، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كَانُ بالمدينة معلم عنده من أبناء أولئك الضخام، فكانوا يعرفون حقه في النيروز والمهرجان.
ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن حزم في "المحلى" (9 / 25) .
تنبيه: وقع في المطبوع من المصنف تصحيف معظمه ناشئ من سوء تصرف المحقق، وما أثبته هو الصواب؛ بالاستعانة بالمحلى؛ لكون ابن حزم روى الحديث من طريق ابن أبي شيبة.
وهذه الأحاديث والآثار من رقم [102] حتى هنا، أوردها المصنِّف فيما يتعلق بمسألة بيع المصحف وشرائه، والإجارة على نسخة، والإجارة على تعليم القرآن ونحو ذلك من أعمال القُرَب، وهي من المسائل المختلف فيها، وتجد الكلام عنها مفصلاً في "المحلّى" لابن حزم (9 / 22 - 26) ، و"المهذَّب" للشيرازي (1 / 269) وشرحه: ((المجموع)) للنووي (9 / 302 - 303) ، و"المغني" لابن قدامة (4 / 291 - 292) و (5 / 553 - 554 و 555 - 559) ، و"الفتاوى" لشيخ الإسلام =(2/387)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ابن تيمية (30 / 204 - 207) ، و"نصب الراية" للزيلعي (4 / 135 - 141) ، و"فتح الباري" لابن حجر (4 / 453 - 458) و (9 / 205 - 216) ، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5 / 322 - 327) ، و"كتاب الإجارة الواردة على عمل الإنسان" للدكتور شرف بن علي الشريف (ص146 - 160) .
وأما ما يتعلق ببيع المصاحف وشرائه ونسخه بالأجرة، فالراجح جواز ذلك، لأن فيه نشرًا لكتاب الله والانتفاع به، ولأنه لم يأت دليل صريح بالمنع من ذلك، فبقي على أصله: الإباحة، وهو قول الشافعية، إلا أن بعضهم ذهب إلى جواز الشراء وكراهة البيع.
قال الشيرازي في "المهذب" (1 / 269) : ((ويجوز بيع المصاحف وكتب الأدب؛ لما روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه سئل عن بيع المصاحف، فقال: لا بأس؛ يأخذون أجور أيديهم، ولأنه طاهر منتفع بهن فهو كسائر الأموال)) .
قال في "المجموع" (9 / 302 - 303) بعد أن ذكر عبارة "المهذب": [اتفق أصحابنا على صحة بيع المصحف، وشرائه، وإجارته، ونسخه بالأجرة. ثم إن عبارة المصنِّف والدارمي وغيرهما: أنه يجوز بيعه، وظاهر هذه العبارة أنه ليس بمكروه، وقد صرَّح بعدم الكراهة الرُّوياني، والصحيح من المذهب: أنه بيعه مكروه، وهو نصّ الشافعي في كتاب اختلاف علي وابن مسعود، وبه قطع البيهقي في كتابه "السنن الكبير"، و"معرفة السنن والآثار"، والصيمري في كتابه "الإيضاح"، وصاحب "البيان"، فقال: يكره بيعه، قال: وقيل: يكره البيع دون الشراء، هذا تفصيل مذهبنا، وروى الشافعي والبيهقي بإسناده الصحيح عن ابن مسعود أنه كره شراء المصحف وبيعه. قال الشافعي: ولا يقول أبو حنيفة وأصحابه بهذا بل لا يرون بأسًا ببيعه وشرائه. قال: ومن الناس من لا يرى بأسًا بالشراء. قال الشافعي: ونحن نكره بيعها.
وقال ابن المنذر في "الإشراف": اختلفوا في شراء المصاحف وبيعه، فروي عن ابن عمر أنه شدد في بيعه، وقال: وددت أن الأيدي تقطع في بيع المصاحف. قال: =(2/388)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وروينا عن أبي موسى الأشعري كراهة ذلك. قال: وكره بيعها وشراءها علقمة وابن سيرين والنخعي وشريح ومسروق وعبد الله بن يزيد، ورخص جماعة في شرائها، وكرهوا بيعها روينا هذا عن ابن عباس وسعيد بن جبير وإسحاق، وقال أحمد: الشراء أهون، وما أعلم في البيع رخصة. قال: ورخصت طائفة في بيعه وشرائه منهم الحسن وعكرمة والحكم. وروى البيهقي بإسناده عن ابن عباس ومروان بن الحكم أنها سُئلا عن بيع المصاحف للتجارة فقالا: لا نرى أن تجعله متجرًا، ولكن ما علمت بيديك فلا بأس به. وعن مالك بن أنس أنه قال: لا بأس ببيع المصحف وشرائه. وعن ابن عباس بإسناد ضعيف: ((اشتر المصحف ولا تبعه)) ، وبإسناد صحيح عن سعيد بن جبير: ((اشتره ولا تبعه)) ، وعن عمر أنه قال: ((كان يمر بأصحاب المصاحف فيقول: بئس التجارة)) ، وبإسناد صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ التابعي المجمع على جلالته وتوثيقه قال: ((وكان أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُونَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ)) .
قال البيهقي: وهذه الكراهة على وجه التنزيه تعظيمًا للمصحف عن أن يبذل بالبيع؛ أو يجعل متجرًا، قال: وروي عن ابن مسعود الترخيص فيه، وإسناده ضعيف، قال: وقول ابن عباس اشتر المصحف ولا تبعه - إن صح عنه - يدل على جواز بيعه مع الكراهة والله سبحانه وتعالى أعلم] . اهـ.
وأما ما يتعلق بالإجارة على تعليم القرآن، فإن كان من بيت مال المسلمين فهو جائز كما يعطى الأئمة والمؤذنون والقضاة.
والخلاف إنما هو فيما كان على وجه الارتزاق، فهذا جوّزه بعضهم، ومنعه آخرون، وقال بعضهم بجوازه مع الحاجة دون الغنى، وقال بعضهم بجوازه إذا دفع إليه من غير سؤال ولا استشراف نفس، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في "الفتاوى" (30 / 205 - 206) : ((وإنما تنازع العلماء في جواز الاستئجار على تعليم القرآن والحديث والفقه على قولين مشهورين، هما روايتان عن أحمد: إحداهما - وهو مذهب أبي حنيفة وغيره -: أنه لا يجوز الاستئجار على ذلك. =(2/389)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والثانية- وهو قول الشافعي -: أنه يجوز الاستئجار.
وفيها قول ثالث في مذهب أحمد: أنه يجوز مع الحاجة دون الغني كما قال تعالى في ولي اليتيم: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كان فقيرًا فليأكل بالمعروف} . ويجوز أن يعطى هؤلاء من مال المسلمين على التعليم؛ كما يعطى الأئمة والمؤذنون والقضاة، وذلك جائز مع الحاجة)) . اهـ.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (5 / 324) : ((وذهب الجمهور إلى أنها تحلّ الأجرة على تعليم القرآن، وأجابوا عن أحاديث الباب بأجوبة، منها: أن حديث أبي وعبادة قضيّتان في عين، فيحتمل أنَّ النَّبِيَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - علم أنهما فعلا ذلك خالصًا لله، فكره أخذ العوض عنه. وأما من علّم القرآن على أنه لله، وأن يأخذ من المتعلِّم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفس، فلا بأس به)) . اهـ.، وحديث أُبَيّ هذا الذي ذكره الشوكاني تقدم تخريجه برقم [109] .
وممن ذهب إلى جواز الإجارة على ذلك: ابن حزم، فقال في "المحلّى" (9 / 22) : والإجارة جائزة على تعليم القرآن، وعلى تعليم العلم مشاهرة وجملة، وكل ذلك جائز وعلى الرُّقى، وعلى نسخ المصاحف، ونسخ كتب العلم; لأنه لم يأت في النهي، عن ذلك نصّ، بل قد جاءت الإباحة..)) ، ثم استدلّ على الجواز بما أخرجه البخاري في "صحيحه" (10 / 198 - 199 رقم 5737) في الطب، باب الشروط في الرقية بفاتحة الكتاب، من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أن نفرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - مرُّوا بماء فيهم لديغ - أو سليم -، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راقٍ؟ إن في الماء رجلاً لديغًا - أو: سليمًا -، فانطلق رجل منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب شاء، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرًا؟ حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا: كتاب الله)) .
وأخرجه البخاري أيضًا (4 / 453 رقم 2276) في الإجارة، باب ما يُعطى في =(2/390)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، و (10 / 198 رقم 5736) في الطب، باب الرقى بفاتحة الكتاب، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: انطلق نفر مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيِّفوهم، فلُدِغ سيِّد ذلك الحيّ، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلّه أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيّدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله، إني لأَرْقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلَم تضيِّفونا فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعلاً فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يَتْفِلُ عليه ويقرأ: {الحمد لله رب العالمين} . فكأنما نشِط من عقال فانطلق يمشي وما به قَلَبَة، قال: فَأَوْفَوْهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - فذكروا له، فقال: ((وما يدريك أنها رقية؟)) . ثم قال: ((قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهمًا)) ، فضحك النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ.
وقوله في الحديث: ((وما به قَلَبَة)) ، أي: أَلَمٌ وعِلَّةٌ كما في "النهاية في غريب الحديث" (4 / 98) .
وحديث أبي سعيد هذا أخرجه مسلم في "صحيحه" (4 / 1727 - 1728 رقم 65 و 66) ، في السلام، باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار.
واستدلّ ابن حزم أيضًا بحديث سهل بن سعد الساعدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنِّي لفي القوم عند رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، إذا قامت امرأة فقالت: يا رسول الله، إنها قد وهبت نفسها لك، فَرَ فيها رأيك، فلم يجبها شيئًا، ثم قامت فقالت: يا رسول الله، إنها قد وهبت نفسها لك، فَرَ فيها رأيك، فلم يجبها شيئًا ثم قامت الثالثة، فقالت: إنها قد وهبت نفسها لك، فَرَ فيها رأيك، فقام رجل، فقال: يا رسول الله أنكحْنِيها، قال: ((هل عندك من شيء؟)) قال: لا، قال: ((اذهب فاطلب ولو خاتمًا =(2/391)
126- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا حُدَيْج بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: نا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ (1) ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أُنزل المفصَّل بِمَكَّةَ، فَمَكَثْنَا حِججًا نقرؤه، لا ينزل غيره.
__________
= من حديد، فذهب وطلب، ثم جاء فقال: ما وجدت شيئًا، ولا خاتمًا من حديد، قال: ((هل معك من القرآن شيء؟)) قال: معي سورة كذا وسورة كذا، قال: ((اذهب فقد أنكحُتكها بما معك من القرآن)) .
أخرجه البخاري في "صحيحه" (9 / 205 رقم 5149) في النكاح، باب التزويج على القرآن وبغير صداق.
ومسلم في "صحيحه" (2 / 1040 - 1041 رقم 5149) في النكاح، باب التزويج على القرآن وبغير صداق.
ومسلم في "صحيحه" (2 / 1040 - 1041 رقم 76 و 77) في النكاح، باب الصداق، وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد.
وهذا الذي ذهب إليه ابن حزم وغيره هو الراجح الذي تؤيّده الأدلة، وأما أدّلة المانعين، ومن أهما الحديثان المتقدمان برقم [108 و 109] ، فقد أجاب عنها المجيزون بأجوبة سبق نقل بعضها عن الشوكاني، وتجد باقيها في "نيل الأوطار" (5 / 324) ، وذهب ابن حزم إلى تضعيفها حيث قال (6 / 25 - 26) : ((أما الأحاديث في ذلك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -، فلا يصح منها شيء ... )) ، ثم أخذ في إعلالها، وبعضها حسن لغيره كما تقدم بيانه برقم [108 و 109] .
وأما الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم، فأجاب عنها ابن حزم بقوله: ((والصحابة رضي الله عنهم قد اختلفوا، فبقي الأثران الصحيحان عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - اللذان أوردناهما لا معارض لهما)) . اهـ.
ويعني ابن حزم بالأثرين: حديثي الرقية بفاتحة الكتاب، والواهبة نفسها، وتقدم ذكرهما، والله أعلم.
(1) هو أبو عبد الرحمن السلمي، تقدم في الحديث [21] أنه ثقة ثبت.
[126] سنده ضعيف؛ فيه حُديج بن معاوية وأبو إسحاق السبيعي، وتقدم في الحديث [1] أن حديج بن معاوية صدوق يخطئ، وأن أبا إسحاق مدلِّسٌ واختلط في آخر عمره، ولم يصرِّحْ أبو إسحاق هنا بالسماع، ولم يُذكر حديجٌ فيمن روى عنه قبل الاختلاط. =(2/392)
127- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا حُدَيْج بنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَغُرَّنَّكُمْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، إِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ يُتَكَلَّمُ بِهِ، وَلَكِنِ انْظُرُوا إلى من يعمل به.
__________
= والحديث أخرجه الطبراني في "الأوسط" من طريق المصنِّف، به مثله، إلا أنه قال: ((نزل)) و: ((نقرأ)) .
انظر "مجمع البحرين" (ل 179 / ب) .
قال الطبراني: ((لم يروه عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عبد الرحمن إلا حديج)) .
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7 / 157) وقال: ((رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه حديج بن معاوية، وثقه أحمد وغيره، وضعفه جماعة)) .
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 522 رقم 10192) .
والحاكم في "المستدرك" (2 / 224) .
كلاهما من طريق إسرائيل، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الله قال: قرأنا المفصل حججًا ونحن بمكة ليس فيه: {يا أيها الذين آمنوا} .
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1 / 84) وعزاه أيضًا لعبد بن حميد.
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي.
أقول: وكلا الطريقين مدارهما على أبي إسحاق السبيعي، وتقدم أنه مدلس واختلط، فيبقى الحديث على ضعفه لاحتمال أن يكون هذا من أثر اختلاطه؛ حيث رواه مرة عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عبد الله بن حبيب، ومرة عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، ويحتمل أن يكون له فيه إسنادان فإنه مكثر، لكن لم يتبيّن.
[127] سنده ضعيف جدًّا؛ حديج بن معاوية تقدم أنه صدوق يخطئ، وأبو إسحاق السبيعي قد اختلط، وفيه انقطاع بينه وبين عمر فإنه لم يدركه، إنما ولد بعد وفاة عمر رضي الله عنه، قيل إنه ولد سنة تسع وعشرين، وقيل اثنتين وثلاثين كما في "التهذيب" (8 / 66) .(2/393)
128- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ (1) ، قَالَ: نا أَبُو مَالِكٍ الأَشْجعي (2) ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفل الْأَشْجَعِيِّ (3) ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِشِرْكٍ، فَمُرْنِي بِأَمْرٍ (4) يُبَرِّئُنِي مِنَ الشِّرْكِ. قَالَ: اقْرَأْ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} ، فَمَا أَخْطَأَهَا أَبِي مِنْ يَوْمٍ وَلَا لَيْلَةٍ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.
__________
(1) هو مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء الفزاري، أبو عبد الله الكوفي، نزيل مكة ودمشق، روى عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ وحميد الطويل وسليمان التيمي وعاصم الأحول وأبي مالك الأشجعي وغيرهم، روى عنه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين والحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وتسعين ومائة، وهو ثقة حافظ، وكان يدلِّس أسماء الشيوخ، وقد روى له الجماعة، ووثقه ابن سعد ويعقوب بن شيبة والنسائي، وقال ابن معين: ((ثقة ثقة)) ، وقال الإمام أحمد: ((ثبت حافظ)) ، وفي رواية: ((ثقة ما كان أحفظه!)) .
وأما تدليسه للشيوخ، فما كان من روايته عن المعروفين فعدّه العلماء صحيحًا، وما كان عن المجهولين فغير صحيح؛ قال ابن المديني: ((ثقة فيما يروي عن المعروفين)) ، وضعفه فيما يروي عن المجهولين، وقال ابن نمير: ((كان يلتقط الشيوخ من السكك)) ، وقال العجلي: ((ثقة ثبت، ما حدث عن المعروفين، وما حدث عن المجهولين، ففيه ما فيه، وليس بشيء)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (8 / 272 - 273 رقم 1246) ، و"التهذيب" (10 / 96 - 98 رقم 177) ، و"التقريب" (ص526 رقم 6575) .
(2) هو سعد بن طارق بن أَشْيَم - بمفتوحة، فساكنة معجمة، وفتح مُثَنَّاة تحت -، أبو مالك الأشجعي، الكوفي، روى عن أبيه وأنس وعبد الله بن أبي أوفى =(2/394)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه خلف بن خليفة وابن إسحاق وشعبة والثوري ومروان بن معاوية وغيرهم، وبقي إلى حدود الأربعين ومائة، وهو ثقة؛ وثقه محمد بن إسحاق، وابن معين، والإمام محمد، والعجلي، وابن نمير، وقال ابن عبد البر: ((لا أعلمهم يختلفون في أنه ثقة عالم)) .
"الجرح والتعديل" (4 / 86 - 87 رقم 378) ، و"التهذيب" (3 / 472 - 473 رقم 880) ، و"التقريب" (ص231 رقم 2240) .
(3) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيِّ، كوفي يروي عن أبيه وله صحبة، روى عنه أبو مالك الأشجعي، وهو ثقة، قال العجلي في "تاريخ الثقات" (ص300 رقم 987) : ((كوفي تابعي ثقة)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (5 / 112) ، وسكت عنه البخاري في "تاريخه" (5 / 357 رقم 1134) ، وبيّض له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (5 / 294 رقم 1392) .
(4) في الأصل فوق الراء نقطة، وفي "الدر المنثور" (8 / 657) : (فمرني بآية تبرئني) ، نقلاً منه عن سعيد بن منصور وغيره.
[128] سنده صحيح، ويتقوّى بالطريق الآخر الآتي.
وعزاه الشوكاني في "فتح القدير" (5 / 505) إلى سعيد بن منصور.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (9 / 74 رقم 6580) و (10 / 249 - 250 رقم 9355) .
والبخاري في "التاريخ الكبير" (5 / 357) .
وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (2 / ل 222 / أ) .
أما ابن أبي شيبة فعن مروان مباشرة، وأما البخاري فمن طريق أبي جعفر، وأما أبو نعيم فمن طريق حفص بن عبد الله الحلواني، عن مروان، به، ولفظ ابن أبي شيبة والبخاري نحوه، ولفظ أبي نعيم مثله، إلا أنه قال: ((فما تركها أبي في يوم ولا ليلة حتى مات)) ، ولم يذكر هذا ابن أبي شيبة.
وطريق عبد الرحمن بن نوفل هذا أشار إليه الترمذي في "سننه" (9 / 349 - 350) في الدعوات، باب ما جاء فيمن يقرأ القرآن عند المنام. =(2/395)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وللحديث طريق آخر مداره على أبي إسحاق السبيعي، واختلف عليه اختلافًا كثيرًا.
فمنهم من رواه عنه، عن فروة بن نوفل، عن أبيه، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -.
ومنهم من رواه عنه، عن أبي فروة الأشجعي، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -.
ومنهم من رواه عنه، فروة بن نوفل، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -.
ومنهم من رواه عنه، عن رجل، عن فروة، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -.
ومنهم من رواه عنه، عن فروة، عن جبلة، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -.
ومنهم من رواه عنه، قال: جاء رجل من أشجع ... ، هكذا مرسلاً.
وقد ذكر هذا الاختلاف الدارقطني في "العلل" (1 / ل 152 / ب) حيث سئل عن هذا الحديث فأجاب بقوله:
((يرويه أبو إسحاق السبيعي، واختلف عنه، فرواه الثوري، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي فروة الأشجعي، رفعه إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، وتابعه عبد العزيز بن مسلم، وقال: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن عروة بن نوفل ونوفل، وكلاهما وهم. ورواه إسرائيل وأشعث بن سوّار وأبو مريم ومحمد بن أبان عن أبي إسحاق، عن فروة بن نوفل الأشجعي وهو الصحيح. ورواه أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرحمن بن نوفل، عن أبيه، ولعلّه أخو فروة، والله أعلم)) . اهـ.
وهذا نص ما جاء في النسخة الخطية من "علل الدارقطني"، وأظنه لا يسلم من التصحيف، ومن ذلك: جعله عبد العزيز بن مسلم يروي الحديث عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، مع أن رواية عبد العزيز مستقلّة عن رواية شعبة، ومن ذلك قوله: (عن عروة بن نوفل ونوفل) ، وسيتضح خطأ ما هنا من خلال تخريج الروايات كما سيأتي.
فالحديث أخرجه علي بن الجعد في "مسنده" (2 / 923 - 924 رقم 2654) عن شيخه زهير.
ومن طريق ابن الجعد أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (2 / 82 رقم 787 / الإحسان) . =(2/396)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (9 / 74 رقم 6579) و (10 / 249 رقم 9353) .
والدارمي في "سننه" (2 / 329 رقم 3430) .
كلاهما - أي ابن أبي شيبة والدارمي - من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، عن زهير.
وأخرجه أبو داود في "سننه" (5 / 303 رقم 5055) في الأدب، باب ما يقول عند النوم، من طريق عبد الله بن محمد النفيلي، عن زهير.
ومن طريق أبي داود أخرجه الخطيب في "الأسماء المبهمة" (ص308) .
وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص468 رقم 801) ، وفي تفسير سورة {قل يا أيها الكافرون} من كتاب التفسير (2 / 562 - 563 رقم 729) ، من طريق يحيى بن آدم، عن زهير.
ومن طريق النسائي أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص185 - 186 رقم 689) .
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (2 / 538) من طريق أحمد بن يونس، عن زهير.
ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 459 - 460 رقم 2289) .
وأخرجه أبو نعيم في "المعرفة" (2 / ل 222 / أ) من طريق أحمد بن يونس أيضًا وعون بن سلام، كلاهما عن زهير.
جميع هؤلاء رووه عن زهير، عن أبي إسحاق، عن فروة بن نوفل، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ له: ((هل لك في ربيبة لنا فتكفلها؟)) ثم جاء فسأله عنها، فقال: تركتها عند أمها، قال: ((ما جاء بك؟)) قال: جئت يا رسول الله لتعلمني شيئًا أقول عند منامي، قَالَ: ((اقْرَأْ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون} ، ثم من على خاتمتها، فإنها براءة من الشرك)) .
هذا لفظ علي بن الجعد، ولفظ الباقين نحوه, وبعضهم لم يذكر قصة الربيبة، =(2/397)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وقد بيَّن علي بن الجعد إدراجًا لزهير في الحديث يبين فيه أن الربيبة هي زينب.
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي.
وقد تابع زهيرًا على روايته إسرائيل وزيد بن أبي أنيسة وأشعث بن سوّار وفطر بن خليفة.
أما رواية إسرائيل، فأخرجها:
الإمام أحمد في "المسند" (5 / 456) .
والترمذي في "سننه" (9 / 349 رقم 3464) في الدعوات، باب منه.
والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص468 رقم 802) .
والحاكم في "المستدرك" (1 / 565) .
ومن طريقه البيهقي في "الشعب" (5 / 460 - 461 رقم 2290) .
وأشار الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف" (9 / 64) إلى أن البزار أخرجه أيضًا من هذا الطريق.
جميعهم من طريق إسرائيل، عن جده أبي إسحاق، به نحو رواية زهير مع ذكر القصة، إلا أن الترمذي أحال على لفظ حديث شعبة الآتي، فقال: ((فذكره نحوه بمعناه)) ، وأما النسائي ففي روايته شيء من الاختلاف، وهي من رواية شعيب عن إسرائيل، وفيها ذَكَر نوفل أن صاحب القصة هو ظئر زيد بن ثابت.
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي.
وأما رواية زيد بن أبي أنيسة، فأخرجها ابن حبان في "صحيحه" (2 / 81 - 82 رقم 786 / الإحسان) ، عنه، عن أبي إسحاق، عن فروة بْنِ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قال: دخلت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، فقلت: يا نبي الله، علّمني شيئًا أقوله إذا أويت إلى فراشي، قَالَ: ((اقْرَأْ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون} )) .
وأما روايتا أشعث بن سوّار وفطر بن خليفة، فلم أجد من أخرجهما، لكن أشار إليهما أبو نعيم في "المعرفة" (2 / ل 222 / أ) عقب إخراجه لرواية زهير السابقة، فقال: ((رواه زيد بن أبي أنيسة وأشعث بن سوّار وإسرائيل وفطر بن خليفة، عن أبي إسحاق مثله)) . =(2/398)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وخالف هؤلاء سفيان الثوري، وشعبة، وعبد العزيز بن مسلم، وشريك، وإسماعيل بن أبي خالد.
أما سفيان، فقد اختلف عليه أيضًا.
فرواه أبو داود الحَفري عنه، عن أبي إسحاق، عن فروة، عن أبيه كما في "التهذيب" (8 / 266) ، وهذه الرواية موافقة لرواية زهير ومن وافقه، وهي التي ذكرها أبو موسى المديني كما في "الإصابة" (5 / 367) حيث قال: ((ورواه الثوري، عن أبي إسحاق، عن فروة، عن أبيه)) .
وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص469 رقم 804) من طريق عبد الله بن المبارك، عنه، عن أبي إسحاق، عن فروة الأشجعي، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - لرجل: ((اقْرَأْ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} عند منامك، فإنها براءة من الشرك)) .
هكذا رواه ابن المبارك عن سفيان مرسلاً، وانظر "تحفة الأشراف" (9 / 64) .
ورواه النسائي أيضًا (ص468 - 469 رقم 803) من طريق مخلد بن يزيد، عن سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ أبي فروة الأشجعي، عن ظئر لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قال: ((من قَرَأَ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} عند منامه فقد برئ من الشرك)) .
كذا رواه مخلد، عن سفيان، فجعله من رواية أبي فروة، عن ظئر رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -.
وخالفهما أبو أحمد الزبيري، فرواه عن سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ أبي فروة الأشجعي، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - قال لرجل: ... ، فذكره بنحو سابقه.
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 459 رقم 2288) .
وأما رواية شعبة، فأخرجها الترمذي في الموضع السابق من "سننه" (9 / 348 - 349 رقم 3463) ، من طريق أبي داود الطيالسي، عنه، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ، عن فروة بن نوفل، أنه أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، فقال: يا رسول الله، علّمني شيئًا أقوله إذا أويت إلى فراشي، فقال ... ، فذكره بنحو سابقه. =(2/399)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وأما رواية عبد العزيز بن مسلم، فأخرجها أبو يعلى في "مسنده" (3 / 169 رقم 1596) ، من طريق عبد الواحد بن غياث، عنه، عن أبي إسحاق، عن فروة بن نوفل قال: أتيت المدينة، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -: ((ما جاء بك؟)) . قال: قلت: لتعلمني ... ، الحديث بنحو سابقه.
ومن طريق أبي يعلى أخرجه ابن حبان في "الثقات" (3 / 330 - 331) .
وابن الأثير في "أسد الغابة" (4 / 59) .
وأما شريك، فاختلف عليه أيضًا.
فأخرجه الإمام أحمد في "المسند" كما في "تفسير ابن كثير" (4 / 560) من طريق حجاج، حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ فروة بن نوفل، عن الحارث بن جبلة، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، علّمني ... ، الحديث بنحو سابقه، هكذا على أنه من مسند الحارث بن جبلة، ولم أجده في "المسند" المطبوع، وهو من "أطراف المسند" للحافظ ابن حجر (1 / ل 62 / أ) مثل ما جاء في "تفسير ابن كثير".
وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص467 رقم 800) من طريق سعيد بن سليمان، حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ فروة، عن جبلة ... ، الحديث بنحو سابقه، هكذا على أنه من مسند جبلة بن حارثة أخي زيد بن حارثة. انظر "التهذيب" (2 / 61) .
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (2 / 322 رقم 2195) من طريق محمد بن الطفيل، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ جبلة بن حارثة، أنَّ النَّبِيَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - قال: ((إذا أويت إلى فراشك فاقرأ ... )) ، الحديث بنحوه هكذا ليس فيه ذكر لفروة بين أبي إسحاق وجبلة.
وثَمَّ اختلاف آخر؛ ففي "الإصابة" (5 / 367) : ((ورواه أبو صالح الحرّاني عن شريك، فزاد فيه رجلاً؛ قال بعد جبلة: عن أخيه زيد بن حارثة)) .
وذكر الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (1 / 456 - 457) جبلة هذا، وقال: ((وله في النسائي حديث متصل صحيح الإسناد من رواية أبي إسحاق، عن فروة، عن جبلة بن حارثة في القول عند النوم، ولفظه ... )) ، ثم ذكره. =(2/400)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وهذا عجيب من الحافظ - رحمه الله -؛ إذ كيف يكون صحيح الإسناد وهو من رواية شريك بن عبد الله النخعي القاضي، وقد قال عنه هو في "التقريب": ((صدوق يخطئ كثيرًا تغيَّر حفظه منذ ولي القضاء)) كما تقدم بيانه في الحديث رقم [4] ؟! ومع ذلك فقد أعلّ ابن حجر نفسه هذا الطريق في موضع آخر، فقال في "الإصابة" (5 / 367) : ((وخالف الجميع شريك بن عبد الله القاضي، فقال: عن أبي إسحاق، عن جبلة بن حارثة، أخرجه النسائي من رواية سعيد بن سليمان عنه)) . اهـ، وهذا في معرض كلامه عن الاضطراب في هذا الحديث.
وأما رواية إسماعيل بن أبي خالد، فأخرجها الخطيب في "الأسماء المبهمة" (ص308) من طريق محمد بن إسماعيل الصاغاني وعباس بن محمد بن حاتم، قالا: حدثنا يعلى - هو ابن عبيد الطنافسي -، قال: حدثنا إسماعيل - يعني ابن أبي خالد -، عن أبي إسحاق قال: جاء رجل من أشجع إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، فقال: يا رسول الله، علمني ... ، الحديث بنحو سابقه هكذا عن أبي إسحاق مرسلاً.
وبهذا العرض للاختلاف على أبي إسحاق فمن دونه يمكن ترجيح رواية من رواه عن أبي إسحاق، عن فروة بن نوفل، عن أبيه، وهم زهير بن معاوية وإسرائيل وزيد بن أبي أنيسة ومن وافقهم ممن أشار إليهم أبو نعيم، وهذا الترجيح هو الذي قال به الترمذي، وأبو موسى المديني، والمزِّي، وابن حجر؛ لأن الذين رووه على هذا الوجه من الحفاظ، وهم الأكثر، وتؤيّدهم رواية عبد الرحمن بن نوفل عند المصنف هنا وغيره، ولأن كل طرق من الطرق التي فيها مخالفة يعتريها بعض ما يستوجب ترجيح سواها عليها كما سيأتي.
أما الترمذي، فإنه أخرج الحديث من طريق شعبة وإسرائيل كما سبق، ثم قال بعد ذكره لرواية إسرائيل (9 / 349 - 350) : ((وهذا أصح، وروى زهير هذا الحديث عن أبي إسحاق، عن فروة بن نوفل، عن أبيه، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - نحوه، وهذا أشبه وأصحّ من حديث شعبة. وقد اضطرب أصحاب أبي إسحاق في =(2/401)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= هذا الحديث. وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه؛ قد رواه عبد الرحمن بن نوفل، عن أبيه، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، وعبد الرحمن هو أخو فروة بن نوفل)) . اهـ.
وأما أبو موسى المديني، فإنه ذكر الحديث من رواية سفيان الثوري السابق ذكرها، والتي هي موافقة لرواية زهير ومن وافقه، ثم قال: ((وقيل: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عن رجل، عن فروة، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، والمشهور الأول)) . اهـ. من "الإصابة" (5 / 367) .
وأما المزِّي، فإنه ذكر في "تحفة الأشراف" (9 / 63 - 64) رواية زهير وإسرائيل، ثم عرض بعض الاختلاف السابق، ثم رجَّح رواية زهير ومن وافقه بقوله: ((والأول أصح)) . اهـ.
وأما ابن حجر، فإن ابن عبد البر ذكر في "الاستيعاب" (10 / 336 - 337) نوفل ابن فروة الأشجعي، ثم قال: ((حديثه في {قل يا أيها الكافرون} مختلف فيه، مضطرب الإسناد لا يثبت)) ، فردَّ عليه ابن حجر في "الإصابة" (6 / 482 - 483) فقال: ((زعم ابن عبد البر بأنه حديث مضطرب، وليس كما قال، بل الرواية التي فيها (عن أبيه) أرجح، وهي الموصولة، رواته ثقات فلا يضرّه مخالفة من أرسله، وشرط الاضطراب: أن تتساوى الوجوه في الاختلاف، وأما إذا تفاوتت، فالحكم للراجح بلا خلاف، وقد أخرجه ابن أبي شيبة من طريق أبي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، فذكره)) . اهـ.
وفي "التهذيب" (8 / 266) أشار إلى رواية سفيان الثوري الموافقة لرواية زهير ومن وافقه، ثم قال: وكذا أرّخه أصحاب السنن الثلاثة من طريق زهير بن معاوية وإسرائيل، عن أبي إسحاق، وهو الصواب، واختلف فيه على أبي إسحاق اختلافًا كثيرًا)) . اهـ.
وأما الجواب عن بقية الروايات، فكما يأتي:
(1) أما رواية سفيان الثوري، ففيها اضطراب واختلاف على سفيان، وإحدى الروايات عنه موافقة للرواية الر اجحة التي هي أقوى من رواية سفيان، بكثرة العدد وسلامتها من الاختلاف.
(2) وأما رواية شعبة فالرواية الراجحة أقوى منها لكثرة عدد من رواها مع =(2/402)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= توفر الضبط والإتقان فيهم، وبقرينة رواية عبد الرحمن بن نوفل عند سعيد بن منصور وغيره، وكذا رواية إسماعيل بن أبي خالد، القول فيها كالقول في رواية شعبة.
(3) وأما رواية شريك فلا تنهض لمعارضة الرواية الراجحة؛ لأن شريكًا يخطئ كثيرًا كما في ترجمته في الحديث رقم [4] ، ومع ذلك فقد اختلف عليه أيضًا.
(4) وأما رواية عبد العزيز بن مسلم فيترتب عليها إثبات صحبة فروة بن نوفل، وهذا أمر نفاه علماء الجرح والتعديل، فقد نقل ابن حجر في "الإصابة" (5 / 367) عن ابن أبي حاتم قوله في فروة: ((لا صحبة له)) .
وذكر ابن حبان فروة هذا في كتاب "الثقات" (3 / 330 - 331) في الصحابة، وقال: ((يقال إن له صحبة)) ، وساق الحديث في ترجمته من طريق عبد العزيز بن مسلم، ثم قال: ((القلب يميل إلى أن هذه اللفظة ليست بمحفوظة؛ من ذكر صحبة رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، وإنا نذكره في كتاب التابعين أيضًا؛ لأن ذلك الموضع به أشبه، وعبد العزيز بن مسلم القَسْمَلي ربما أوهم فأفحش)) .
وذكره في التابعين من "الثقات" (5 / 297) ، وقال: ((قد قيل: إن له صحبة، وقد ذكرناه في الصحابة، والقلب إلى تلك اللفظة ليست بمحفوظة أَمْيَلُ، إنما قالها عبد العزيز بن مسلم القسملي، عن أبي إسحاق)) . اهـ.
فإن قيل: لعلّ هذا الاختلاف من أبي إسحاق نفسه، فإنه قد اختلط.
فالجواب: أن من الرواة عنه لهذا الحديث: شعبة وسفيان الثوري وشريك، وهم ممن روى عنه قبل الاختلاط كما سبق بيانه في الحديث رقم [1] .
وبالجملة فالحديث صحيح من طريق عبد الرحمن بن نوفل، يتقوّى برواية أبي إسحاق له عن فروة بن نوفل، عن أبيه، والله أعلم.(2/403)
129- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا أَبُو الأحْوَص، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ التَّيْمي (1) قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ، فَسَمِعَ قَارِئًا يَقْرَأُ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أمَّا هَذَا فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الشِّرْكِ)) . وَسِرْنَا، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ، فَقَالَ: ((أَمَا هَذَا فَقَدْ غُفر لَهُ)) ، (فَكَفَفْتُ) (2) رَاحِلَتِي لِأَنْظُرَ مَنْ هُوَ، فَأُبَشِّرَهُ، فَنَظَرْتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَمَا رأيت أحدًا.
__________
(1) هو مُهاجِر أبو الحسن التَّيْمي، مولاهم، الكوفي، الصائغ، روى عن البراء بن عازب وابن عباس ورجل من الحضرميين له صحبة وغيرهم، روى عنه شعبة والثوري ومسعر وأبو عوانة وغيرهم، وهو ثقة من الطبقة الرابعة، وروى له الجماعة عدا ابن ماجه، ووثقه أحمد وابن معين والعجلي ويعقوب بن سفيان والنسائي.
"الجرح والتعديل" (8 / 260 رقم 1182) ، و"التهذيب" (10 / 324 رقم 566) ، و"التقريب" (ص548 رقم 6927) .
(2) في الأصل: ((فككففت)) ، وأصل الكفّ: المنع، ومن هذا قيل لطرف اليد: كَفٌّ؛ لأنها يُكَفُّ بها عن سائر البدن، وهي الراحلة مع الأصابع.
انظر "لسان العرب" (9 / 305) .
ويؤيد هذا المعنى رواية ابن الضريس للحديث (ص128 - 129) ، وفيها: ((فقصرت راحلتي لأنظر ... )) .
[129] سنده صحيح، وجهالة الصحابي لا تضرّ.
وأخرجه الإمام أحمد في "المسند" (4 / 65) و (5 / 378) من طريق شريك، و (5 / 376) من طريق المسعودي.
والدارمي (2 / 329 رقم 3429) من طريق شعبة.
وابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص128 - 129 رقم 305) . =(2/404)
130- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ (1) ، عَنِ الأَوْزَاعي (2) ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (3) ، عَنْ مَوْلًى لفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ (4) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَلهُ (5) أَشَدُّ أَذَنًا (6) إلى الرجل [ل109/ب] الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مِنْ صَاحِبِ القَيْنَة (7) إلى قينته)) .
__________
= والنسائي في فضائل القرآن" (ص82 رقم 53) ، وفي "عمل اليوم والليلة" (ص431 رقم 704) ، كلاهما - أي ابن الضريس والنسائي - من طريق أبو عوانة.
وجميعهم - شريك والمسعودي وشعبة وأبو عَوَانَةَ -، عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي الْحَسَنِ، به نحوه إلى قوله: ((غفر له)) ، ولم يذكر آخره سوى ابن الضريس، ولفظه: ((فقصرت راحلتي لأنظر من الذي قرأ، فأبشره بما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -، فما دريت أي الناس هو)) .
لكن لفظ رواية المسعودي عند الإمام أحمد: ((وجبت له الجنة)) ، بدلاً من قوله: ((غفر له)) .
وله شاهد من حديث ابن مسعود قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سفر، ونحن نسير، فقرأ رجل من القوم: {قل يا أيها الكافرون} ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((أما صاحبكم فقد برئ من الشرك)) ، فذهبت أنظر من هو، فأبشره، فقرأ رجل آخر: {قل هو الله أحد} ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((أما صاحبكم فقد غفر له)) .
أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص431 رقم 705) من طريق سعيد بن أبي هلال، عن أبي المصفَّى، أخبره أن ابن أبي ليلى الأنصاري أخبره عن ابن مسعود ... ، به.
وهذا إسناد ضعيف.
أبو المُصَفَّى المدني هذا الذي يروي الحديث عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ليلى، لم يرو عنه سوى سعيد بن أبي هلال، فهو مجهول كما في "الميزان" (4 / 573 رقم 10608) ، و"التقريب" (ص673 رقم 8371) ، وانظر "التهذيب" (12 / 237 - 238 رقم 1076) .
(1) هو الوليد بن مسلم القرشي، أبو العباس الدمشقي، روى عن حَريز بن عثمان =(2/405)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وصفوان بن عمر والأوزاعي وابن جريج وغيرهم، روى عنه هنا سعيد بن منصور، وروى عنه أيضًا الحميدي والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وابن المديني وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمس وتسعين ومائة، وهو ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية، وقد روى له الجماعة، ووثقه العجلي ويعقوب بن شيبة، وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث)) ، وقال مروان بن محمد: ((كان الوليد عالمًا بحديث الأوزاعي)) ، وقال أيضًا: ((إذا كتبت حديث الأوزاعي عن الوليد، فما تبالي من فاتك)) ، وقال أبو مسهر: ((كان الوليد معتنيًا بالعلم)) ، وقال أيضًا: ((كان من ثقات أصحابنا)) ، وقال الإمام أحمد: ((كان الوليد كثير الخطأ)) ، وقال أبو مسهر: ((كان الوليد ممن يأخذ عن أبي السَّفَر حديث الأوزاعي، وكان أبو السفر كذابًا)) ، وقال أيضًا: ((كان الوليد بن مسلم يحدث حديث الأوزاعي عن الكذابين، ثم يدلّسها عنهم)) ، وقال صالح بن محمد: سمعت الهيثم بن خارجة يقول: قلت للوليد: ((قد أفسدت حديث الأوزاعي، قال: كيف؟ قلت: تروي عن الأوزاعي، عن نافع، وعن الأوزاعي، عن الزهري ويحيى بن سعيد، وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر، وبينه وبين الزهري إبراهيم بن مرّة، وقرّة، وغيرهما، فما يحملك على هذا؟ قال: أنبِّل الأوزاعي عن هؤلاء، قلت: فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء وهؤلاء - وهم ضعفاء - أحاديث مناكير، فأسقطتهم أنت، وصيّرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات، ضعُف الأوزاعي، قال: فلم يلتفت إلى قولي)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (9 / 16 - 17 رقم 70) ، و"التهذيب" (11 / 151 - 155 رقم 254) ، و"التقريب" (ص584 رقم 8456) .
وقد ذكر الحافظ ابن حجر الوليد هذا في الطبقة الرابعة من طبقات المدلسين (ص134 رقم 127) ، وهم من اتُّفق على أنه لا يحتجّ بشيء من حديثهم إلا بما صرّحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل.
(2) هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي، أبو عمرو الفقيه، روى عن =(2/406)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= عبدة بن أبي لُبابة وعطاء بن أبي رباح وقتادة ونافع مولى ابن عمر والزهري وإسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر وغيرهم، روى عنه الإمام مالك وشعبة والثوري وابن المبارك وابن أبي الزناد وعبد الرزاق وإسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم وغيرهم، وكانت ولادته سنة ثمان وثمانين للهجرة، واختُلف في سنة وفاته، فقيل: سنة خمس وخمسين، وقيل: ست، وقيل: ثمان وخمسين ومائة، وقيل غير ذلك، وهو ثقة جليل روى له الجماعة. قال ابن مهدي: ((الأئمة في الحديث أربعة: الأوزاعي ومالك والثوري وحماد بن زيد)) ، وقال أيضًا: ((ما كان بالشام أعلم بالسنة منه، وقال ابن عيينة: ((كان إمام أهل زمانه)) ، وقال العجلي: ((شامي ثقة من خيار المسلمين)) ، وقال ابن سعد: ((كان ثقة مأمونًا صدوقًا فاضلاً خيِّرًا كثير الحديث والعلم والفقه)) ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ((كان من فقهاء أهل الشام وقرّائهم وزهّادهم)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (1 / 184 - 219) و (5 / 266 - 267 رقم 1257) ، و"التهذيب" (6 / 238 - 242 رقم 484) ، و"التقريب" (ص347 رقم 3967) .
(3) هو إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المُهَاجِر المَخْزُومي، مولاهم، أبو عبد الحميد الدمشقي، روى عن أنس وعبد الرحمن بن غنم وأم الدَّرداء وميسرة مولى فضالة وغيرهم، روى عنه ربيعة بن زيد وسعيد بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن يزيد ابن جابر والأوزاعي وغيرهم، وكانت ولادته سنة إحدى وستين للهجرة، ووفاته سنة إحدى وثلاثين ومائة، وقيل: اثنتين وثلاثين ومائة، وهو ثقة روى له الجماعة عدا الترمذي، ووثقه العجلي والفسوي ومعاوية بن صالح والدارقطني، وقال الأوزاعي: ((كان مأمونًا على ما حدّث)) ، وكان سعيد بن عبد العزيز إذا حدّث عنه قال: ((كان ثقة صدوقًا)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (2 / 182 - 183 رقم 621) ، و"التهذيب" (1 / 317 رقم 576) ، و"التقريب" (ص109 رقم 466) .
(4) هو مَيْسَرَةُ مولى فَضَالَة بن عُبيد، دمشقي مقبول، روى عن مولاه وأبي الدرداء، =(2/407)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= روى عنه إسماعيل بن عبيد الله ابن أبي المهاجر، ذكره البخاري في "تاريخه" (7 / 375 - 376 رقم 1614) وسكت عنه، وبيّض له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (8 / 253 رقم 1150) ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (5 / 425) ، وانظر "التهذيب" (10 / 387 رقم 695) ، و"التقريب" (ص555 رقم 7041) .
(5) في الأصل: (لا اللهُ) .
(6) قال أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص95) عقب إخراجه لهذا الحديث: (قوله: ((أشدّ أَذَنًا)) هكذا الحديث، وهو في كلام العرب: أشدّ أذَنًا: يعني السماع، وهو قوله في الحديث الآخر: ((ما أذن الله لنبيّ)) ، أي: ما استمع) . اهـ.
(7) القَيْنَةُ: الأمة، غَنَّت، أَوْلَمْ تُغَنِّ، والماشطة، وكثيرًا ما تطلق على المغنِّية من الإماء كما في هذا الحديث.
انظر "النهاية في غريب الحديث" (4 / 135) .
[130] سنده ضعيف جدًّا من طريق الوليد بن مسلم فيه أربع علل.
1- الحديث مرسل؛ يرويه ميسرة مولى فضالة، وهو تابعي.
2- ميسرة هذا مجهول الحال.
3 - الوليد بن مسلم مدلس ولم يصرح بالسماع، ويدلِّس أيضًا تدليس التسوية ولم يصرح بالسماع بين شيخه وشيخ شيخه فمن فوقه.
4- الاختلاف على الوليد في الحديث.
وقد روى الحديث من غير طريق الوليد، لكنه ضعيف للانقطاع الذي سيأتي بيانه.
فمدار الحديث على إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، وله عنه طريقان:
(1) طريق عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وله عنه ثلاثة طرق:
أ- طريق الوليد بن مسلم، واختلف عليه.
فرواه سعيد بن منصور هنا عنه، عن الأوزاعي، عن إسماعيل، عن مولى فضالة مرسلاً، ولم أجد من تابع سعيد بن منصور على روايته هكذا. =(2/408)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ورواه بعضهم عن الوليد، عن الأوزاعي، عن إسماعيل، عن ميسرة مولى فضالة، عن فضالة، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -.
وممن رواه هكذا: علي بن بحر، وصدقة، وراشد الرملي، وزياد بن أيوب، ومحمد بن عقبة، وداود بن رُشَيد، ودُحَيم في بعض الطرق عنه.
ورواه آخرون عن الوليد، عن الأوزاعي، عن إسماعيل، عن فضالة، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم -، ليس فيه ذكر لمولى فضالة.
وممن رواه هكذا: العباس بن الوليد، وإسحاق الطالقاني، ودُحَيم في بعض الطرق عنه.
فالحديث أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (6 / 20) .
والطبراني في "الكبير" (18 / 301 رقم 772) . كلاهما من طريق علي بن بحر.
وأخرجه البخاري في "تاريخه الكبير" (7 / 124) من طريق صدقة.
وعلّقه في "خلق أفعال العباد" (ص81 رقم 248) عن ميسرة.
وأخرجه ابن ماجه في "سننه" (1 / 425 رقم 1340) في إقامة الصلاة، باب في حسن الصوت بالقرآن، من طريق راشد بن سعيد الرَّمْلي.
ومحمد بن نصر في "قيام الليل" (ص120) من طريق زياد بن أيوب. والبيهقي في "سننه" (10 / 230) في الشهادات، باب تحسين الصوت بالقرآن والذكر، من طريق محمد بن عقبة السدوسي. والسمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء" (ص93 - 94) من طريق داود بن رُشَيْد.
جميعهم عن الوليد، عن الأوزاعي، عن إسماعيل، عن ميسرة مولى فضالة، عن فضالة بن عبيد، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - قال: ((لَله عز وجل أشد أَذَنًا للرجل الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مِنْ صَاحِبِ القينة إلى قينته)) . هذا لفظ الإمام أحمد، ولفظ الباقين نحوه، إلا أن ابن ماجه قال: ((الحسن الصوت بالقرآن يجهر به ... )) إلخ.
قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1 / 436) : ((هذا إسناد حسن؛ لقصور درجة ميسرة مولى فضالة وراشد بن سعيد عن درجة أهل الحفظ =(2/409)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والضبط)) .
وأما دُحَيم عبد الرحمن بن إبراهيم فقد اختُلف عليه.
فأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (2 / 66 - 67 رقم 751 / الإحسان) من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سلم.
والطبراني في "الكبير" (18 / 301 رقم 772) من طريق أحمد بن دحيم. كلاهما عن دحَيْم، عن الوليد، عن الأوزاعي، عن إسماعيل، عن ميسرة مولى فضالة، عن فضالة، به نحو سابقه، موافقًا لرواية السابقين عن الوليد.
وخالفهما سعيد بن هاشم الطبراني عند الحاكم في "المستدرك" (1 / 571) ، فرواه عن دُحَيْم، عن الوليد، عن الأوزاعي، عن إسماعيل، عن فضالة، به نحو سابقه، هكذا ليس فيه ذكر لميسرة مولى فضالة.
وهذه الرواية موافقة لروايتي العباس بن الوليد وإسحاق الطالقاني عن الوليد.
فقد أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (6 / 19) .
والبيهقي في "سننه" (10 / 230) ، وفي "شعب الإيمان" (5 / 108 رقم 1957) .
أما الإمام أحمد فمن طريق إسحاق بن إبراهيم الطالقاني، وأما البيهقي فمن طريق العباس بن الوليد بن مسلم، كلاهما عن الوليد، عن الأوزاعي، عن إسماعيل، عن فضالة، به نحو سابقه هكذا ولم يذكرا ميسرة مولى فضالة.
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)) ، فتعقبه الذهبي بقوله: ((بل هو منقطع)) .
والذي يظهر - والله أعلم - أن هذه الرواية أولى بالصواب من رواية من زاد في إسناده مولى فضالة؛ لأنه روي عن الأوزاعي من طريقين آخرين، وروي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ من طريق آخر، وليس في شيء منها ذكر لمولى فضالة كما سيأتي. =(2/410)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
ب- طريق يحيى بن حمزة، عن الأوزاعي، قال: ثني إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ فضالة بن عبيد، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - ... ، فذكره بنحو لفظ الإمام أحمد السابق.
أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص95 رقم 222) ، قال: حدثني هشام بن عمار، عن يحيى بن حمزة ... ، فذكره، ثم قال أبو عبيد: ((هذا الحديث بعضهم يزيد في إسناده، يقول: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عن مولى فضالة، عن فضالة)) .
جـ- طريق بشر بن بكر، ثنا الأوزاعي، حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، عن فضالة بن عبيد الأنصاري ... ، فذكره.
أخرجه الحاكم مقرونًا برواية دحيم السابقة، من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر، ثنا بشر بن بكر، فذكره، وتقدم نقل كلام الحاكم وتعقب الذهبي له.
(2) طريق ثور بن يزيد الكلاعي، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عن فضالة بن عبيد، نحو لفظ الإمام أحمد السابق.
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (7 / 124) فقال: قال إبراهيم بن موسى، عن عيسى بن يونس، نا ثور ... ، فذكره.
وبالجملة فالحديث ضعيف من هذه الطرق، والأرجح أنه من رواية إسماعيل عن فضالة، وهذه منقطعة كما قال الذهبي، لأن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر ولد سنة إحدى وستين كما تقدم.
وأما فضالة بن عبيد فوفاته على الصحيح كانت سنة ثلاث وخمسين كما في "التهذيب" (8 / 268) .
فإن قيل: بل الصواب أنه متصل، فرواية من زاد ميسرة مولى فضالة من المزيد في متصل الأسانيد. =(2/411)
131- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (1) ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةَ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: ((لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِنْ مزامير آل داود)) (2) .
__________
= فالجواب: أن هذا إنما يكون إذا لم توجد قرينة ترجح إحدى الروايات على الأخرى، فأما إذا وجدت قرينة فيحكم للراجح بهذه القرينة كما هنا في رواية من رواه عن إسماعيل، وعن الأوزاعي، بل وعن الوليد نفسه، وانظر في ذلك "الباعث الحثيث" مع حاشيته (ص176 - 178) .
ولو سلّمنا بأنه من المزيد، فالحديث ضعيف أيضًا لجهالة حال ميسرة مولى فضالة، والله أعلم.
(1) هو محمد بن مسلم بن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن شهاب الزهري، القرشي، أبو بكر الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه، روى له الجماعة، وروى هو عن ابن عمر وسهل بن سعد وأنس وجابر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وروى عن خارجة بن زيد وحميد الطويل وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وغيرهم من التابعين، روى عنه عطاء بن أبي رباح وأبو الزبير وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار وأيوب السختياني والأوزاعي وابن جريج وسفيان بن عيينة وغيرهم، قيل: كان مولده سنة خمسين للهجرة، وقيل: إحدى وخمسين، وقيل: ست، وقيل: ثمان وخمسين، وكانت وفاته سنة ثلاث أو أربع وعشرين ومائة، وقيل: سنة خمس وعشرين ومائة، قال عمر بن عبد العزيز لجلسائه: ((لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه)) ، وقال مكحول: ((ما بقي على ظهرها أعلم بسنة ماضيه من الزهري)) ، وقال جعفر ابن ربيعة: قلت لعراك بن مالك: مَنْ أفقه أهل المدينة؟ فذكر سعيد بن المسيب، وعروة، وعبد اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ عراك: ((وأعلمهم عندي جميعًا: ابن شهاب؛ لأنه جمع علمهم إلى علمه)) . قال ابن سعد: ((قالوا: وكان الزهري ثقة كثير الحديث والعلم والرواية، فقيهًا جامعًا)) ، ووثقه العجلي. اهـ. =(2/412)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= من "طبقات ابن سعد" (ص157 - 186 / القسم المتمم) ، و"تاريخ الثقات" للعجلي (ص412 رقم 1500) ، و"التهذيب" (9 / 445 - 451 رقم 732) ، و"التقريب" (ص506 رقم 6296) .
(2) شبَّه حسن صوته، وحلاوة نغمته بصوت المِزْمار. وداود هو النبي عليه السلام، وإليه المنتهى في حُسن الصوت بالقراءة. اهـ. من "النهاية في غريب الحديث" (2 / 312) .
[131] سنده صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2 / 485 رقم 4177) .
وابن سعد في "الطبقات" (2 / 344) .
وابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 463 رقم 9989) .
وأحمد في "المسند" (6 / 37) .
والدارمي في "سننه" (1 / 288 رقم 1497) في الصلاة، باب التغني بالقرآن.
والفاكهي في "أخبار مكة" (3 / 25 رقم 1730) .
ومحمد بن نصر في "قيام الليل" (ص121) .
والنسائي في "سننه" (2 / 180 - 181) في افتتاح الصلاة، باب تزيين القرآن بالصوت.
جميعهم من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، به مثله، عدا لفظ عبد الرزاق وابن أبي شيبة والدارمي فنحوه، إلا أن ابن سعد جاء الشك في روايته هل هو عن عروة، أو عمرة، عن عائشة.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" مقرونًا بالرواية السابقة، من طريق معمر، عن الزهري، متابعًا فيه لسفيان بن عيينة.
ومن طريق عبد الرزاق، أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (6 / 167) .
والنسائي في الموضع السابق من "سننه" (2 / 181) ، وفي "فضائل القرآن" (ص95 رقم 76) .
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2 / 344) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، مقرونًا بالرواية السابقة. =(2/413)
132- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ قِرَاءَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ (1) ، كَذَلِكُمُ الْبِرُّ، كذلكم البر)) .
__________
= وأصل الحديث أخرجه مسلم في "صحيحه" (1 / 546 رقم 235 و 236) في صلاة المسافرين، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن، من حديث بريدة بن الحصيب وأبي موسى الأشعري نفسه.
أما حديث بريدة فلفظه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم -: ((إن عبد الله بن قيس - أو الأشعري - أعطي مزمارًا من مزامير آل داود)) .
وأما حديث أبي موسى فلفظه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - لأبي موسى: ((لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة؛ لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود؟)) .
(1) هو حارثة بن النعمان بن نَفْع بن زيد بن عُبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري، كان ممن شهد بدرًا، وعاش حتى أدرك خلافة معاوية رضي الله عنه، ومات فيها بعد أن ذهب بصره.
انظر "الإصابة" (1 / 618 - 619) .
[132] سنده ظاهر الصحّة، لكن ذكر عروة فيه غلط، ولست أدري، هل الغلط من المصنِّف أو أنه تصحيف من الناسخ بسبب رواية المصنف للحديث قبله من هذا الطريق عن عروة، عن عائشة، فاشتبه عليه عروة بعمرة بسبب تقارب الرسم، ولكونه من نفس الطريق؟ والصواب أن الحديث من رواية سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة، وسنده صحيح كما سيأتي.
فقد أخرجه عبد الله بن وهب في "جامعه" (ص22) .
والحميدي في "مسنده" (1 / 316 رقم 285) .
والإمام أحمد في "مسنده" (6 / 36) .
وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (4 / 16 رقم 1959) .
وأبو يعلى في "مسنده" (7 / 399 رقم 4425) . =(2/414)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والحاكم في "المستدرك" (3 / 208) .
والبغوي في "شرح السنة" (13 / 7 رقم 3418) .
جميعهم من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة، به، ولفظ ابن أبي عاصم مثله، ولفظ ابن وهب والحميدي والبغوي مثله، إلا أن عندهم: ((فسمعت فيها قراءة)) ، ولفظ الباقين نحوه. وزاد الحميدي: ((فقيل لسفيان: هو عن عمرة؟ قال: نعم لا شك فيه؟ كذلك قال الزهري)) . وأما أبو يعلى فوقع عنده قوله: ((كذلكم البر)) ثلاث مرات، وزاد: ((وكان برًّا بأمه)) .
قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (1 / 618) : ((إسناده صحيح)) .
وتابع سفيان عليه معمر ويونس بن يزيد الأيلي.
فقد أخرجه عبد الرزاق في "جامع معمر" الملحق بالمصنف (11 / 132 رقم 20119) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ عروة، عن عائشة، به نحوه، وزاد: ((وكان أبر الناس بأمه)) .
كذا جاء في الجامع: (عن عروة) .
وكذا أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4 / 151) .
وأبو نعيم في "الحلية" (1 / 356) كلاهما من طريق عبد الرزاق.
ومن طريق أبي نعيم أخرجه ابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد" (2 / 253 - 254) .
وأخرجه الإمام أحمد في "المسند" (6 / 151 - 152 و 166 - 167) .
وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (4 / 16 رقم 1960) .
والنسائي في "فضائل الصحابة" (ص130 رقم 129) .
والبغوي في "شرح السنة" (13 / 7 رقم 3419) .
جميعهم من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن عروة، عن عائشة، موافقًا لرواية سفيان، عن الزهري.
والاختلاف في هذه الرواية ليس على عبد الرزاق، وإنما على الراوي عنه وهو إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدَّبَري. =(2/415)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= فالإمام أحمد رواه عن عبد الرزاق مباشرة، وروايته موافقة لرواية سفيان.
وابن أبي عاصم رواه عن سلمة بن شبيب، عن عبد الرزاق، بمثل سابقه.
وأما النسائي فأخرجه من طريقين عن عبد الرزاق، إحداهما عن محمد بن رافع مثل رواية الإمام أحمد.
وأما الأخرى عند النسائي فمن طريق إسحاق بن إبراهيم الدبري المختلف عليه.
فالنسائي ومحمد بن زكريا العُذَافري - عند البغوي في "شرح السنة" - روياه عن إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق مثل روايتي الإمام أحمد ومحمد بن رافع.
وخالفهما أبو عمر أحمد بن خالد، والطبراني سليمان بن أحمد، ومحمد بن علي الصنعاني، فرووه عن إسحاق على الوجه المتقدم؛ على أنه من رواية الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ.
أما أبو عمر أحمد بن خالد بن يزيد القرطبي المعروف بابن الجَبَّاب، فهو الراوي للجامع عن إسحاق الدبري.
وأما سليمان بن أحمد الطبراني فهو الذي روى أبو نعيم الحديث من طريقه، عن إسحاق.
وأما محمد بن علي الصنعاني فهو الذي روى الحاكم الحديث من طريقه، عن إسحاق، ثم قال الحاكم عقب إخراجه للحديث: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة)) ، وفي "التلخيص" قال الذهبي: ((أخرجاه مختصرًا)) ، وقد بحثت عنه في مظانه من الصحيحين، فلم أجده، فالله أعلم.
ولاشك أن الصواب رواية النسائي ومحمد بن زكريا عن إسحاق؛ لأنها موافقة لرواية الإمام أحمد وسلمة بن شبيب ومحمد بن رافع عن عبد الرزاق.
وأما رواية الآخرين عن إسحاق فغلط، ولعل منشأه تصحيف في كتاب عبد الرزاق من رواية الدبري.
لأن روايته عن عبد الرزاق من تصانيفه ليس عليه - أي الدبري - منها تبعة =(2/416)
133- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْني (1) ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ (2) ، أَنَّ عَلِيًّا فَرَضَ - أَوْ أَعْطَى - لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ أَلْفَيْنِ أَلْفَيْنِ، وَكَانَ أَبِي مِمَّنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَلَمْ يَأْخُذْ.
__________
= إلا من هذا الجانب، ويوضح هذا ما نقله الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (1 / 349 - 350) عن ابن الصلاح أنه قال: ((ذكر أحمد أن عبد الرزاق عمي، فكان يُلقَّن فيتلقنن فسماع من سمع منه بعدما عمي لا شيء. قال ابن الصلاح: وقد وجدت فيما روى الدبري عن عبد الرزاق أحاديث أسْتَنْكِرُها جدًّا، فَأَحَلْتُ أمرها إلى الدبري؛ لأن سماعه منه متأخر جدًّا، والمناكير التي تقع في حديث عبد الرزاق، فلا يلحق الدبري منه تبعة، إلا أنه صحّف، أو حرّف، وإنما الكلام في الأحاديث التي عنده في غير التصانيف، فهي التي فيها المناكير، وذلك لأجل سماعه منه في حالة الاختلاط، والله أعلم)) . اهـ.
فهذا بالنسبة لمتابعة معمر لسفيان.
وأما متابعة يونس بن يزيد الأيلي، فقال ابن وهب في "جامعه" (ص20) : أخبرني يونس بن زيد، عن ابن شهاب، قال: أخبرتني [في الأصل: أخبرني] عمرة ابنة عبد الرحمن، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - قال ... ، فذكره بنحو رواية عبد الرزاق.
وقوله: (يونس بن زيد) خطأ، ولعله من الطباعة، وصوابه: (يونس بن يزيد) وهو الأَيْلي، انظر "تهذيب الكمال" المخطوط (3 / 1270) .
وهذه الرواية مرسلة عن عمرة، وليس فيها ذكر لعائشة.
وبالجملة فالصواب في الحديث أنه عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة، وسنده صحيح كما سبق نقله عن الحافظ ابن حجر، وذكره الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2 / 616 - 617 رقم 912) من رواية وهب عن ابن عيينة، وقال: ((هذا سند صحيح على شرط الشيخين)) .
(1) هو عمّار بن معاوية الدُّهْني - بضم أوّله، وسكون الهاء، بعدها نون -، أبو معاوية البَجَلي، الكوفي، يروي عن أبي الطفيل وأبي سلمة بن عبد الرحمن =(2/417)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وسعيد بن جبير وسالم بن أبي الجعد وغيرهم، روى عنه ابنه معاوية وشعبة والسفيانان وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وهو ثقة يتشيّع، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي، وقال ابن المديني عن سفيان: ((قطع بشر بن مروان عرقوبيه في التشيع)) ، وقال الذهبي: ((ما علمت أن أحدًا تكَلَّم فيه ... ، ولكنه شيعي)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (6 / 390 رقم 2175) ، و"الميزان" (3 / 172 رقم 6012) ، و"التهذيب" (7 / 406 - 407 رقم 661) .
(2) هو سالم بن أبي الجعد رافع الغَطَفاني، الأشجعي، مولاهم، الكوفي، يروي عن عبد الله بن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وجابر وأنس وغيرهم رضي الله عنهم، روى عنه ابنه الحسن والحكم بن عتيبة وعمرو بن دينار وأبو إسحاق السبيعي والأعمش وعمار الدهني وغيرهم، قيل: كانت وفاته سنة سبع أو ثمان أو تسع وتسعين للهجرة، وقيل: سنة مائة، وقيل: إحدى ومائة، وهو ثقة وكان يرسل كثيرًا، روى له الجماعة، ووثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة والنسائي، وقال ابن سعد: ((كان ثقة كثير الحديث)) ، وقال إبراهيم الحربي: ((مجمع على ثقته)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (4 / 181 رقم 785) ، و"التهذيب" (3 / 432 - 433 رقم 799) ، و"التقريب" (ص226 رقم 2170) .
وروايته عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - منقطعة، فإنه لم يلقه، قال أبو زرعة: ((سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عمر وعثمان وعلي مرسل)) .
انظر "جامع التحصيل" (ص217 رقم 218) ، والموضع السابق من "التهذيب".
[133] سنده رجاله ثقات، لكنه ضعيف للانقطاع بين سالم وعلي رضي الله عنه.
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 621 رقم 2449) من طريق أبي سعيد ابن الأعرابي، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمار الدهني ... ، فذكره بنحوه.
وقد صحح البيهقي هذا الأثر عن علي، فقال: ((والصحيح عن علي ما أخبرنا ... )) ، فذكره. =(2/418)
134- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ أَبِي نَضْرَةَ (1) ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الجُرَيْري (2) ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ (3) ، عَنْ أَبِي فِرَاس (3) ، أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ، وَأَنَا لَا أَدْرِي أَنَّ أَحَدًا يُرِيدُ بِقِرَاءَتِهِ غَيْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى خُيِّلَ إِلَيَّ بِآخِرَةٍ أَنَّ أَقْوَامَا يُرِيدُونَ بِقِرَاءَتِهِمْ غَيْرَ اللَّهِ، فَأَرِيدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِقِرَاءَتِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ.
__________
= وانظر التعليق على الحديث رقم [125] فيما يتعلق بأخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحو ذلك.
(1) كذا في الأصل! ولم أجد أحدًا من الرواة بهذا الاسم، غير أن في "تهذيب الكمال" (13 / 307 / المطبوع) في تسمية الرواة عَنْ أَبِي سِنَانٍ ضِرَارِ بْنِ مرة ذكر المزّي منهم: (خازم بن جبلة بن أبي نضرة العبدي) ، وهذا أيضًا لم أجد له ترجمة.
والذي يظهر لي - والله أعلم - أن خالدًا هذا هو ابن عبد الله الطحّان الواسطي، فإنه من الرواة عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، وكثيرًا ما يروي عنه سعيد بن منصور، بل يروي عنه، عن سعيد بن إياس كما في الحديث رقم [104] ، وقد روى خالد الطحان هذا الحديث عن الجريري عند الفريابي في "فضائل القرآن" (ص243 رقم 171) ، فلعل قوله: (بن أبي نضرة) تصحيف بسبب وجود أبي نضرة في إسناد هذا الحديث، والله أعلم.
(2) هو المنذر بن مالك تقدم في الحديث [23] أنه ثقة.
(3) هو أبو فِراس النَّهدي، قيل اسمه: الربيع بن زياد، مجهول، قال أبو زرعة: ((لا أعرفه)) ، وقال الذهبي: ((لا يعرف)) ، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يذكروا أنه روى عنه غير أبي نضرة العبدي.
انظر "الثقات" لابن حبان (5 / 585) ، و"الميزان" (4 / 561 رقم 10503) ، و"التهذيب" (12 / 201 رقم 930) . =(2/419)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
[134] سنده ضعيف لجهالة أبي فراس النهدي، وضعفه كذلك البوصيري لهذه العلة كما في "حاشية المطالب العالية" (2 / 212 / المطبوع) .
وأخرجه الفريابي في "فضائل القرآن" (ص243 رقم 171) من طريق خالد الطحان، عن الجريري، به نحوه، وفي أوله زيادة.
ولفظ المصنف هنا جزء من حديث طويل أخرجه بطوله أبو يعلى في "مسنده" (1 / 174 - 175 رقم 196) .
والبيهقي في "سننه" (9 / 42) ، في السير، باب ما على الوالي من أمر الجيش. كلاهما من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أسماء، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا سعيد الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أبي فراس قال: شهدت عمر بن الخطاب وهو يخطب الناس، قال: فقا: يا أيها الناسُ، إنّهُ قد أَتى عليَّ زمانٌ وأنا أَرَى أنّ مَنْ قَرَأ القرآن يُريد الله وما عنده، فيُخيَّل إليَّ أن قومًا قرؤوه يريدون به الناس ويريدون به الدنيا، ألا فأريدوا الله بأعمالكم، ألا إنّا إنما كنا نعرفكم إذ ينزل الوحي وإذ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أظهرنا، وإذ يُنبئنا الله من أخباركم، فقد انقطع الوحي وذهب نبي الله، فإنما نعرفكم بما نقول لكم، ألا من رأينا منه خيرًا ظننا به خيرًا وأحببناه عليه، ومن رأينا به شرًّا ظننا به شرًّا وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربكم، ألا إني إنما أبعث عُمَّالي ليُعلِّموكم دينكم، وليعلموكم سننكم، ولا أبعثهم ليضربوا ظهوركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ألا فمن رابه شيء من ذلك فليرفعه إليَّ، فوالذي نفس عمر بيده لأُقِصَّنَّكُمْ منه. قال: فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين، أرأيت إن بعثت عاملاً من عمالك فأدب رجلاً من أهل رعيته فضربه، إنك لمقصه منه؟ قال: فقال: نعم. والذي نفس عمر بيده لأُقِصَّنَّ منه، ألا أُقِصُّ وقد رأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - يُقِصُّ مِنْ نفسه؟ ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتُكَفِّروهم، ولا تُجَمِّرُوهم فتفتنوهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم.
وقوله: ((ولا تُجَمِّروهم فتفتنوهم)) : تجمير الجيش: جمعهم من الثغور، =(2/420)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وحَبْسُهم عن العَوْد إلى أهلهم. اهـ. من "النهاية في غريب الحديث" (1 / 292) .
وقوله: ((ولا تنزلوهم الغياض فتضيِّعوهم)) : الغَياضُ: جمع غَيْضة، وهي الشجر المُلْتَفُّ؛ لأنهم إذا نزلوها تفرقوا فيها، فتمكَّن منهم العدو. اهـ. من المرجع السابق (3 / 402) .
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10 / 480 رقم 10050) .
وأحمد في "المسند" (1 / 41) .
ومن طريقه المزّي في "تهذيب الكمال" (3 / 1637 / المخطوط) .
وأخرجه النسائي في "سننه" (8 / 34) في القسامة، باب القصاص من السلاطين.
والفريابي في "الفضائل" (ص243 رقم 172) .
جميعهم من طريق إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن عُلَيَّة، عن سعيد الجريري، به، ولفظ الإمام أحمد نحو لفظ أبي يعلى بطوله، وكذا الفريابي، إلا أنه لم يخرجه بتمامه، وأما لفظ ابن أبي شيبة فنحو لفظ المصنِّف، ولفظ النسائي مختصر، إنما أخرج منه قوله: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عليه وسلم - يُقصُّ من نفسه.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (3 / 383 رقم 6036) من طريق معمر، عن الجريري، به نحو لفظ أبي يعلى إلى قوله: (سرائركم بينكم وبين ربكم) ، ولم يذكر آخره.
وأخرجه أبو داود في "سننه" (4 / 674 رقم 4537) في الديات، باب القود بغير حديد.
والبيهقي في "سننه" (9 / 29) في السير، باب الإمام لا يحجر بالغزى.
وفي "شعب الإيمان" (5 / 555 رقم 2379) .
كلاهما من طريق أبي إسحاق الفزاري، عن سعيد الجريري، به، ولفظ البيهقي في "الشعب" نحو لفظ المصنِّف، وأما لفظه في "السنن"، ولفظ أبي داود فلم يذكرا فيه لفظ المصنِّف، وإنما أخرجا ما يتعلق ببعث العمال والقصاص منهم.
وأخرجه الفريابي في "الفضائل" (ص241 - 242 و 243 رقم 170 و 173) =(2/421)
135- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: نا أَبُو شِهَاب (1) ، عَنِ الصَّلْت بْنِ بَهْرَام (2) ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ قَرَأَهُ عَبِيدٌ وَصِبْيَانٌ لَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَا عِلْمَ لَهُمْ بِتَأْوِيلِهِ. إِنَّ أحقَّ النَّاسِ بِهَذَا (3) الْقُرْآنِ مَنْ رُئي فِي عَمَلِهِ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (4) : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} (5) ، وُإِنَّمَا تدبُّرُ آيَاتِهِ: اتِّبَاعُهُ بِعَمَلِهِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَارِئْكَ (6) ، وَاللَّهِ مَا كَانَتِ القُرَّاء تَفْعَلُ هَذَا، وَاللَّهِ مَا هُمْ بالقُرَّاء، وَلَا الوَرَعَة، لَا كثَّر اللَّهُ فِي النَّاسِ أَمْثَالَهُمْ، لَا كثَّر اللَّهُ في الناس أمثالهم.
__________
= من طريق وهيب بن خالد، وشعبة، كلاهما عن سعيد الجريري، به بنحو لفظ المصنف، وفيه زيادة يسيرة من باقي الحديث.
ومن طريق الفريابي أخرجه الآجري في "أخلاق القرآن" (ص90 رقم 26) ، لكن من طريق شعبة فقط.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (4 / 439) من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سعيد الجريري، به بطوله نحو سياق أبي يعلى السابق.
قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)) ، ووافقه الذهبي، مع أن في إسناده أبا فراس ولم يخرج له مسلم.
وأخرجه مسدد في "مسنده"، فقال: حدثنا يزيد، ثنا سعيد الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال خطب عمر ... ، فذكر الحديث بطوله بنحو سياق أبو يعلى، هكذا على أنه من رواية ابن عباس عن عمر كما في "المطالب العالية المسندة" (ل 75 / ب) ، و"إتحاف الخيرة" للبوصيري (4 / ل 47 / أ) ، وانظر المطبوع من "المطالب العالية" (2 / 211 - 212 رقم 2067) .
ولاشك بأن قوله: (عن ابن عباس) تصحيف عن: (عن أبي فراس) ، والله أعلم.
(1) هو عبد ربّه بن نافع، تقدم في الحديث [7] أنه صدوق.(2/422)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= هو الصَّلْت بن بَهْرام التَّيْمي، أبو هاشم الكوفي، روى عن أبي وائل شقيق بن سلمة وزيد بن وهب والحسن البصري وغيرهم، روى عنه محمد بن بكر المقرئ وأهل الكوفة، وروى عنه هنا أبو شهاب، وهو ثقة رمي بالإرجاء، وثقه أحمد وابن معين والعجلي وابن عمار، وقال ابن سعد: ((ثقة - إن شاء الله -)) . وقال أبو معمر القطيعي: ((حدثنا ابن عيينة، حدثنا الصلت بن بهرام، وكان أصدق أهل الكوفة)) ، وقال إسحاق بن راهويه في "مسنده": ((أخبرنا وكيع، حدثنا الصلت بن بهرام، وهو ثقة)) ، وقال أبو حاتم: ((هو صدوق، ليس له عيب إلا الإرجاء)) ، وقال البخاري: ((يذكر بالإرجاء، وهو صدوق في الحديث)) ، وقال الدارقطني: ((لا بأس به)) ، وذكره ابن حبان وابن شاهين في كتاب الثقات.
انظر "طبقات ابن سعد" (6 / 354) ، و"الجرح والتعديل" (4 / 438 - 439 رقم 1920) ، و"تاريخ أسماء الثقات" لابن شاهين (ص119 رقم 587) ، و"سؤالات البرقاني" للدارقطني (ص37 رقم 228) ، و"التهذيب" (4 / 432 - 433 رقم 750) ، و"لسان الميزان" (3 / 194 رقم 869) ، و"تعجيل المنفعة" (ص128 - 129 رقم 476) .
(3) قوله: (إن أحق الناس بهذا) مكرور في الأصل.
(4) في الأصل: (قال الله تبارك وتعالى قال الله تعالى) .
(5) ؛ الآية (29) من سورة ص.
(6) أي: أُدَرِاسُكَ.
انظر "تاج العروس" (1 / 364) .
والذي يظهر من السياق أن المقصود: المدارسة التي فيها ممارة ومحبة في الظهور على الأقران.
[135] سنده حسن، وهو صحيح لغيره بما سيأتي من طرق.
وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5 / 581 - 582 رقم 2408) من طريق المصنِّف، به مثله، إلا أنه قال: ((عز وجل)) بدل قوله: ((تبارك وتعالى)) ، =(2/423)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ولم يذكر قوله: (تعال) ، وقولُه: (لَا كَثَّرَ اللَّهُ فِي النَّاسِ أمثالهم) مرة واحدة عنده.
وقد روى الحديث عن الحسن من ثلاث طرق أخرى.
(1) طريق يحيى بن المختار.
أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (ص274 رقم 793) فقال: أخبرنا معمر، عن يحيى بن المختار، عن الحسن ... ، فذكره بنحوه.
ومن طريق ابن المبارك أخرجه الفريابي في "فضائل القرآن" (ص246 - 247 رقم 177 و 178) .
والآجري في "أخلاق أهل القرآن" (ص100 - 101 رقم 34) .
وسنده ضعيف لجهالة حال يحيى بن المختار الصنعاني، فإنه مستور كما في "التقريب" (ص596 رقم 7642) ، وفي "التهذيب" (11 / 278 رقم 552) ذكر أنه روى عنه معمر، والحكم بن ظهير، ويوسف بن يعقوب الضبعي، ولم يذكر أن أحدًا وثقه.
(2) طريق عمرو بن قيس المُلائي.
أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص144 رقم 365) ، فقال: حدثنا شجاع بن الوليد، عن عمرو بن قيس الملائي، عن الحسن ... ، فذكره بنحوه.
وهذا إسناد حسن.
فعمرو بن قيس المُلائي - بضم الميم، وتخفيف اللام، والمدّ -، أبو عبد الله الكوفي، يروي عن أبي إسحاق السبيعي وعكرمة والمنهال بن عمرو وغيرهم، روى عنه إسماعيل بن أبي خالد والثوري وأبو خالد الأحمر وغيرهم، وكانت وفاته بسجستان سنة ست وأربعين ومائة، وهو ثقة متقن عابد، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي والعجلي ويعقوب بن سفيان والترمذي وابن خراش وابن نمير وغيرهم، وقال أبو زرعة: ((ثقة مأمون)) ، وقال ابن حبان =(2/424)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= في "الثقات": ((كان من ثقات أهل الكوفة ومتقنيهم، وعباد أهل بلده وقرّائهم)) ، وقال ابن عدي: ((كان من ثقات أهل العلم وأفاضلهم)) . اهـ. من "الجرح والتعديل" (6 / 452 - 255 رقم 1406) ، و"التهذيب" (8 / 92 - 93 رقم 146) ، و"التقريب" (ص426 رقم 5100) .
ولم أجد من نصّ على أن عمرو بن قيس روى عن الحسن البصري، وعنه شجاع بن الوليد، لكن سماعه من الحسن، وسماع شجاع منه محتمل كما يتضح من تاريخ وفاتهم وبلدانهم، والحسن البصري تقدم في الحديث [5] أن وفاته كانت سنة عشر ومائة.
وشجاع بن الوليد بن قيس السَّكُوني، أبو بدر الكوفي يروي عن الأعمش وموسى بن عقبة وزهير بن معاوية وغيرهم، روى عنه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وابن معين وابن المديني وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم، وكانت وفاته سنة خمس ومائتين، وقيل: سنة ثلاث، وقيل: أربع ومائتين، وهو صدوق ورع روى له الجماعة، ووثقه ابن معين، ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن نمير، وقال الإمام أحمد: ((كان أبو بدر شيخًا صالحًا صدوقًا، كتبنا عنه قديمًا)) ، وقال العجلي: ((كوفي ليس به بأس)) ، وقال أبو زرعة: ((لا بأس به)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات".
وتكلم فيه ابن معين وأبو حاتم.
أما ابن معين، فأشد ما نقل عنه في ذلك ما ذكره الإمام أحمد: أن ابن معين لقيه يومًا، فقال له: يا كذاب، فقال له الشيخ: إن كنتُ كذابًا، وإلا فهتكك الله، قال أبو عبد الله الإمام أحمد: فأظن دعوة الشيخ أدركته.
وقد علّق الحافظ ابن حجر على هذه الرواية بقوله: ((كأنه مازحه، فما احتمل المزاح)) .
وأما الذهبي فيرى أن هذا كان من ابن معين قديمًا، ثم عدل عنه إلى توثيقه، =(2/425)