بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن السحر ينتشر ويتفاوت انتشاره من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ومن أشخاص إلى أشخاص بحسب تفاوت الأسباب.
وفي العصور المتأخرة زاد انتشار السحر والشعوذة، وتنوعت الأساليب؛ تبعاً لتقارب الزمان، واندراس كثير من معالم السنن والهدى.
وفيما يلي من صفحات بيان لموضوع السحر بشيء من التيسير والإجمال، وعرض لما كان عليه في الماضي والحاضر، وذلك خلال الفصول التالية:
الفصل الأول: مفهوم السحر، وأنواعه.
الفصل الثاني: أحكام تتعلق بالسحر والسحرة.
الفصل الثالث: حل السحر عن المسحور (النشرة).
الفصل الرابع: أسباب انتشار السحر، وبطلان زيف السحرة.
الفصل الخامس: السحر في العصر الحاضر والموقف من السحرة.
وتحت كل فصل من هذه الفصول عدد من المباحث؛ فإلى تفاصيل ذلك، والله المستعان، وعليه التكلان.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
د. محمد بن إبراهيم الحمد
الزلفي ص.ب:460 29/6/1428هـ
جامعة القصيم _ كلية الشريعة وأصول الدين _ قسم العقيدة
www.toislam.net alhamad@toislam.net
وتحته ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: مفهوم السحر لغة واصطلاحاً.
المبحث الثاني: الفعل المستطاع للساحر.
المبحث الثالث: أنواع من السحر.
...
1_ السحر لغة: السحر في اللغة يدور حول عدة معانٍ؛ فيطلق على صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره، ويطلق على الخداع، وعلى إخراج الباطل في صورة الحق، وعلى كل ما لَطُفَ، ودق مأخذه.(1)
2_ السحر في الاصطلاح: السحر ليس نوعاً واحداً يَشْمله حدٌّ جامع مانع؛ لكثرة الأنواع الداخلة تحته.
ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حده اختلافاً متبايناً.(2)
__________
(1) _ انظر أعلام الحديث للخطابي ص1035، والمفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص225، ولسان العرب لابن منظور 16/11_16.
(2) _ انظر أضواء البيان للشنقيطي 4/444.(1/1)
وفيما يلي شيء من تلك التعريفات التي تُقَرِّبُ مفهومَ السحر:
أ_ عرفه الجصاص× بقوله: =كلُّ أمرٍ خَفِيَ سببُهُ، وتُخُيِّل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع+.(1)
ب_ وعرفه ابن العربي× بقوله: =هو كلامٌ مُؤَلفٌ يُعَظَّمُ فيه غير الله _تعالى_ وتنسب إليه فيه المقاديرُ والكائنات+.(2)
ج_ وعرفه ابنُ قدامةَ × بقوله: =عزائمُ ورقىً وعُقدٌ تؤثر في الأبدان والقلوب، فيمرض، ويقتل، ويُفَرِّق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه+.(3)
د_ وعرفه ابن خلدون× بقوله: =هو علمٌ بكيفيةِ استعداداتٍ تَقْتَدِرُ النفوسُ البشريةُ بها على التأثيرات في عالم العناصر إما بغير مُعِينٍ، أو بمعين من الأمور السماوية+.(4)
هـ _ وعرفه الدكتور أحمد الحمد _حفظه الله_ بعد أن ساق عدداً من التعريفات، وبين ما فيها من القصور بقوله: =السحر هو المخادعة أو التأثير في عالم العناصر بمقتضى القدرة المحدودة بمُعين من الجن أو بأدوية؛ أَثَرَ استعدادات لدى الساحر+.(5)
ثم قال بعد هذا التعريف: =وأرى في هذا شمولاً لما كان من السحر عن طريق التخييل والمخادعة، وما كان منه حقيقة يؤثر بالهمة، أو بمُعين من الشياطين، أو بدعوى موافقة مزاج الأفلاك والعناصر، أو نحو ذلك، والله أعلم+.(6)
اخْتُلف في مقدار ما يبلغه الساحر بسحره تأثيراً على غيره، أو فعلاً يفعله هو، أو يفعله في غيره.
وقد صور ابن حجر×الخلاف في تأثير السحر عند مثبتي حقيقته بأمرين:
الأول: أن يبلغ السحر من الأثر ما تبلغه الأمراض من تغير المزاج وفساده؛ فيكون نوعاً من أنواعها، لا يتجاوز ذلك.
__________
(1) _ أحكام القرآن للجصاص 1/51.
(2) _ أحكام القرآن لابن العربي 1/31.
(3) _ الكافي لابن قدامة 4/164.
(4) _ المقدمة ص496.
(5) _ السحر بين الحقيقة والخيال للشيخ الدكتور. أحمد الحمد، وهو من أحسن ما كُتب في هذا الباب ص17.
(6) _ السحر بين الحقيقة والخيال ص17.(1/2)
الثاني: أن يصل إلى إحالة الطبائع بحيث يصيِّر الجماد حيواناً، والحيوان جماداً.
ويرى أن الأول: هو ما عليه الجمهور، وأما الثاني: فلم يذهب إليه إلا طائفة قليلة، وأن من يدعي ذلك لا يستطيع إقامة الدليل عليه إلا إن كان بالنظر إلى القدرة الإلهية، فهو مُسَلَّم؛ إذ لا خلاف في أن الله _تعالى_ على كل شيء قدير.(1)
قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي× مبيناً القدر للحد الذي يمكن أن يبلغه تأثير السحر في المسحور: =اعلم أن لهذه المسألة واسطة وطرفين: طرف لا خلاف في أن تأثير السحر يبلغه، كالتفريق بين الرجل وامرأته، وكالمرض الذي يصيب المسحور، ونحو ذلك، ودليل ذلك القرآن، والسنة الصحيحة.
وطرف لا خلاف في أن تأثير السحر لا يمكن أن يبلغه كإحياء الموتى، وفلق البحر، ونحو ذلك..
وأما الواسطة فهي محل خلاف بين العلماء، وهي هل يجوز أن ينقلب بالسحر الإنسان حماراً مثلاً، والحمار إنساناً؟
وهل يصح أن يطير الساحر في الهواء، وأن يستدق جسمه حتى يدخل من كوة ضيقة، وينتصب على رأس قصبة، ويجري على خيط مستدق، ويمشي على الماء، ويركب الكلب، ونحو ذلك.
فبعض الناس يجيز هذا+.
ثم قال: =قال مقيده _عفا الله عنه وغفر له_: أما بالنسبة إلى أن الله قادر على أن يفعل جميع ذلك، وأنه يسبب ما شاء من المسببات على ما شاء من الأسباب، وإن لم تكن هناك مناسبة عقلية بين السبب والمسبب _ فلا مانع من ذلك، والله _عز وجل_ يقول: [وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ] (البقرة:102).
__________
(1) _ انظر فتح الباري لابن حجر 10/222، و السحر بين الحقيقة والخيال ص94_111.(1/3)
وأما بالنسبة إلى ثبوت وقوع مثل ذلك بالفعل فلم يقم عليه دليل مقنع؛ لأن غالب ما يستدل به قائله حكايات لم تثبت عن عدول، ويجوز أن يكون ما وقع منها من جنس الشعوذة، والأخذ بالعيون، لا قلب الحقيقة مثلاً إلى حقيقة أخرى، وهذا هو الأظهر عندي، والله _تعالى_ أعلم+.(1)
...
هناك أعمال يمكن إلحاقها بالسحر لما بينهما من التشابه والاشتراك في ادعاء علم الغيب، أو سلوك الطرق المحرمة في الوصول إلى ذلك.
ومن أشهر تلك الأنواع: الكهانة والعرافة، والتنجيم، والطيرة، والخط على الرمل وما يلحق به.
وفيما يلي من صفحات بيان لتلك الأنواع، وما يتعلق بها من أحكام:
أولاً: الكهانة والعرافة
1_ مفهوم الكهانة والعرافة: قيل: إنهما بمعنى واحد يطلقان على الحازي، والطبيبِ، وكلِّ مَنْ يتعاطى علماً دقيقاً.(2)
وقيل: إن الكاهن هو مَنْ يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدَّعي معرفة الأسرار سواء كان له تابع من الجن، ورئيٌّ يلقي إليه الأخبار، أو كان ممن يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات يُسْتَدَلُّ بها على مواقعها مِنْ كلامِ مَنْ يسأله، أو فعله، أو حاله.
وقيل: بل هذا الأخير هو العراف الذي يدعي معرفة الشيء المسروق، ومكان الضالة، ونحوها.
وقيل: الكاهن مَنْ يخبر عن الغيب الماضي والمستقبل، والعراف من يخبر عن الماضي.(3)
يقول ابن عابدين×: =الكاهن قيل: هو الساحر، وقيل: هو العراف الذي يُحدِّث ويتخرص.
وقيل: مَنْ له مِنَ الجن مَنْ يأتيه بالأخبار+.(4)
__________
(1) _ أضواء البيان 4/466_468.
(2) _ انظر لسان العرب مادة (كهن)، ومادة (عرف) 17/244_245، و11/142، والمصباح المنير 2/53.
(3) _ انظر المفردات في غريب القرآن ص442_443، وتيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبدالله 406 و 411_412، وفتح المجيد للشيخ عبدالرحمن بن حسن ص38_39، وأضواء البيان 4/455، والسحر بين الحقيقة والخيال 175_176.
(4) _ حاشية ابن عابدين 4/240 بتصرف يسير.(1/4)
2_ وجه إلحاق الكهانة والعرافة بالسحر: ألحقت الكهانة والعرافة بالسحر لأمور، منها:
أ_ لكونهما مشابهين له من جهة الإخبار بما يخفى على الآخرين.
ب_ أن فيهما ادعاءً لعلم الغيب كحال السحر.
جـ _ أنهما سبيل لسلوك الطرق المحرمة للوصول إلى المغيبات.(1)
د_ أنهما طريق لفتح باب الخرافة، والدجل، والتعلق بغير الله _جل وعلا_.
ثانياً: التنجيم
1_ مفهوم التنجيم: أ_ التنجيم في اللغة: مصدر الفعل: نَجَّمَ، مأخوذ من النجم، وهو الكوكب، وهو اسمُ علمٍ على الثريا.(2)
والمنجم والمتنجم: الذي ينظر في النجوم ويحسب مواقيتها وسيرها.(3)
ب_ التنجيم في الاصطلاح: هو ادعاءُ معرفةِ أحكامِ النجوم المتعلقة بالعالم السفلي، وتأثيرات النجوم فيه.(4)
وعرفه شيخ الإسلام ابن تيمية× بقوله: =هو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، والتمزيج بين القوى الفلكية، والقوابل الأرضية+.(5)
وعرفه ابن خلدون× بقوله: =ما يزعمه أصحاب هذه الصناعة من أنهم يعرفون الكائنات في عالم العناصر قبل حدوثها من قِبل معرفة قوى الكواكب وتأثيرها في المولِّدات العنصرية مفردة ومجتمعة، فتكون لذلك أوضاع الأفلاك والكواكب دالة على ما سيحدث من نوع من أنواع الكائنات الكلية والشخصية+.(6)
2_ وجه إلحاق التنجيم بالسحر: دراسة هذا العلم من جهة معرفة خصائص الأجرام العلوية، وأبعادها، وحركاتها ليس داخلاً في موضوع السحر.
__________
(1) _ انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص176.
(2) _ انظر الصحاح للجوهري 5/239.
(3) _ انظر جمهرة اللغة لابن دريد 2/115.
(4) _ انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 35/192، وانظر التنجيم والمنجمون وحكمه في الإسلام للشيخ د.عبدالمجيد المشعبي وهو من أحسن ما كتب في هذا الباب ص31.
(5) _ انظر مجموع الفتاوى 35/192.
(6) _ مقدمة ابن خلدون ص519_520.(1/5)
وإنما يدخل في السحر، وكونِه أَحَدَ أنواعه من جهة سحر الذين كانوا يعبدون الكواكب، ويزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم، ومنها تصدر الخيرات والشرور، والسعادة والنحوسة.
وهؤلاء هم الذين بعث الله لهم إبراهيم _عليه السلام_ مبطلاً لمقالتهم، وهؤلاء يعتقدون أن لهذه الكواكب إدراكاتٍ روحانيةً، إذا قوبلت بما يناسب روحانيتَها من البخور واللباس كانت مطيعةً لمن صنع ذلك، عاملةً له ما يريد.
ولا شك بأن هذا الاعتقاد باطل، وشرك، وهو المنحى الذي يتوارثه السحرة؛ ليضللوا به الخلق، ويوحوا إليهم بأن هذه الأجرام العلوية تتصرف في العالم السفلي، وأنها فاعلة لما يحدث فيه.(1)
فهذا وجه إلحاق التنجيم بالسحر، ولهذا قال رسول الله": =ما اقتبس رجل علماً من النجوم إلا اقتبس بها شعبة من السحر زاد ما زاد+.(2)
بمعنى أن هذا الاقتباس الذي يكون سحراً هو ما يدعيه المنجمون، ولا يمكن حمل الاقتباس على أنه إدراك علم صحيح عن أحوال النجوم؛ لأن معرفة صفاتها التي خلقها الله _تعالى_ عليها، وخصائصها التي هيأها لها _ ليست هي ما يعتقده السحرة فيها من كونها مؤثرةً، وعلةً تامةً تستلزم معلولها، بل الباطل المحذور هو ما يدعيه أولئك من الباطل الداعي إلى عبادة غير الله _تعالى_.
أما هي فبعض مخلوقات الله العليم الحكيم الذي لم يخلق شيئاً عبثاً، بل خلق العالم ورتبه؛ فهو يسير بنظام محكم دقيق وَفْقَ ما أراد، فما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، بحيث رُتِّبت فيه الأسباب، وربطت بمسبباتها، وخالقها كلها هو الله _تعالى_.(3)
__________
(1) _ انظر أحكام القرآن للجصاص 1/52_54، وتفسر التحرير والتنوير 1/635، و السحر بين الحقيقة والخيال 182_183.
(2) _ أخرجه أبو داود (3905)، وابن ماجه (3771)، وصححه الألباني في الصحيحة (793).
(3) _ انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص183.(1/6)
ملحوظة: هناك أمور يظنها بعض الناس من التنجيم، وهي ليست منه، كالعلم بحادثتي الكسوف والخسوف، فيمكن العلم بذلك بحساب النيِّرين كما يعلم طلوع الهلال والبدر بحسابهما.
وكذلك توقع حالة الجو؛ فهو قائم على دراسة معينة، وبواسطة آلات خاصة بذلك، وقد تصيب تلك التوقعات، وقد تخطئ، ولكنها ليست من جنس أخبار المنجمين.(1)
ثالثاً: الطيرة
1_ مفهوم الطيرة: أ_ تعريف الطيرة لغة: الطيرة، والتطير بمعنى واحد؛ فالتطير مصدر الفعل تطير يتطير، والطيرة اسم المصدر.
مثل تخير يتخير تخيراً، وخيرةً، ويقال: تطيَّرت من الشيء، وبالشيء(2).
ب_ والطيرة في الاصطلاح هي: التشاؤم من الشيء المرئي، أو المسموع(3).
والتشاؤم: هو عَدُّ الشيء مشؤوماً، أي يكون وجوده سبباً في وجود ما يحزن ويضر(4) .
جـ_ اشتقاق الطيرة، وسبب تسميتها بذلك: الطيرة مشتقة من أحد أمرين:
إما من الطيران: فكأن الذي يرى ما يكره أو يسمع_يطير، كما قال بعضهم:
عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى ... وصوَّت إنسان فكدت أطير
وإما من الطير: وهذا هو الأصل، والمختار من الوجهين؛ إذ كانت العرب تزجر الطير والوحش، أي تُنَفِّرها، وترسلها، وتتفاءل أو تتشاءم بها.
فمن قال بالأول احتج بأن الوحش يُتطيَّر به، وزُجِرت مع الطير.
ومن قال بالقول الثاني قال: إنما كان الأصل في الطير، ثم صار في الوحش، وقد يجوز أن يُغَلَّب أحد الشيئين على الآخر؛ فيذكر دونه، ويرادان جميعاً، كما قيل:
ما يعيف اليوم في الطير الدَّوَح ... من غراب البين أو تيس برح
فجعل التيس من الطير؛ إذ قدم ذكر الطير، وجعله من الطير بمعنى التطير(5).
__________
(1) _ انظر التنجيم والمنجمون ص303_320 و325.
(2) _ انظر لسان العرب لابن منظور 4/512_513.
(3) _ انظر مفتاح دار السعادة لابن القيم 2/246، والآداب الشرعية لابن مفلح 3/357_363.
(4) _ انظر تفسير التحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر بن عاشور 5/66.
(5) _ انظر العمدة لابن رشيق القيرواني 2/259_264.(1/7)
فالتطير _إذاً_ مأخوذ من الطير في الأصل، ثم أطلق على كل ما يتوهم أنه سبب في لحاق الشر، سواءً كان مسموعاً، أو مرئياً، أو معلوماً، وسواء كان طيراً، أو حيواناً، أو جماداً، أو زماناً، أو مكاناً، أو شخصاً، أو نباتاً، أو عدداً، أو نحو ذلك.
ومما يدخل في مبحث الطيرةِ العيافةُ، وهي: مَصْدَرُ الفعل عاف يعيف، والمصدر عيافة.
والعيافة هي: زجر الطير، وتنفيرها، وإرسالها، والتفاؤل، أو التشاؤم بأسمائها، وأصواتها، وممراتها؛ فعن العيافة يكون الفأل، أو التشاؤم.
2_ وَجْهُ كونِ الطيرةِ من السحر: قال _عليه الصلاة والسلام_: =إن العيافة، والطرق، والطيرة من الجبت+(1).
قال عوف: =العيافة: زجر الطير، والطَرْق: الخط في الأرض، والجبت: قال الحسن: إنه الشيطان+.(2)
قيل في تفسير الجبت: هو كل ما عبد من دون الله، وقيل: هو الكاهن، والساحر، والسحر.(3)
قال الدكتور أحمد الحمد مبيناً وجه كون الطيرة من السحر من خلال الحديث الماضي: =إن معاني الجبت كلها صادقة في العيافة، والطرق، والطيرة بحسب أحوالها، وكل تلك المعاني دالة على عِظَمِ جُرْم فاعلها.
فإن كانت سحراً فلها أحكامه، وما قيل فيه يقال فيها.
ولا شك بأن اعتقاد أن تلك الأفعال مُنْبِئَةٌ عن ما سيحصل من الغيب، أو أن هذا الفعل مباح _ كفرٌ، واعتقادَ أنها تجلب له النفع، أو تدفع عنه الضرر_ شرك، فهذا نوع عبادة لها.
__________
(1) _ أخرجه أبو داود(3907)، وحسنه إسناده النووي في رياض الصالحين (1670).
(2) _ أبو داود(3908)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود: =صحيح مقطوع+.
(3) _ انظر المفردات ص85، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/249، ولسان العرب 2/325.(1/8)
وفاعل هذه الأمور، ومفسرها لنفسه أو للناس _ساحر، وإقدامه على الفعل تبعاً لذلك، أو امتناعه، أو طاعة غيره له _ عبادة لغير الله _تعالى_ لما صح عن رسول الله" أن الطيرة شرك، روى أبو داود بسنده عن عبدالله بن مسعود عن رسول الله" قال: =الطيرة شرك =ثلاثاً+، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل+.(1)
وإن كان صاحب تلك الأعمال لا يعتقدها فهو كذب، وغش، وبهتان، ووسيلة إلى الشرك ممن قد يصدقه، وبحسب حاله يكون حكمه من الكفر،أو الفسوق والعصيان؛ فالفاسق من يتظاهر بتلك الأعمال كذباً من غير اعتقاد، ولا استعانة بالشياطين، وجعلِ تلك الأمور وسيلة ظاهرة يضلل بها.
والكافر هو فاعلها معتقداً إباحتها، أو صدقها ودلالتها، أو المستعين بالشياطين على كشف بعض الأمور، واتخاذ تلك وسيلة يخفي بها صُنْعَه+.(2)
ومما يؤكد علاقة الطيرة بالسحر أن أهل الجاهلية كانوا يقصدون بالسؤال عن حوادثهم، وما أَمَّلوه مِنْ أعمالهم _ مَن اشتهر عندهم بإحسان الزجر، والطيرة، وسموه عائفاً، وعرافاً.
__________
(1) _ رواه أبو داود (3910)، والترمذي (1614)، وصححه، وجعل آخره من قول ابن مسعود، وأخرجه الحاكم في المستدرك1/17، وصححه، ووافقه الذهبي.
= قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن×: =وهذا صريح في تحريم الطيرة، وأنها من الشرك؛ لما فيها من تعلق القلب على غير الله _تعالى_.
وقال: =قوله: =وما منا إلا+ قال أبو القاسم الأصبهاني، والمنذري: في الحديث إضمارٌ، والتقدير: وما منا إلا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك. انتهى.
وقال الخلخالي: حذف المستثنى؛ لما يتضمنه من الحالة المكروهة، وهذا من أدب الكلام.
قوله: =ولكن الله يذهبه بالتوكل+: أي لما توكلنا على الله في جلب النفع، أو دفع الضر أذهبه الله عنا بتوكلنا عليه وحده+. انظر فتح المجيد 2/523_524.
(2) _ السحر بين الحقيقة والخيال ص181_182.(1/9)
وممن اشتهر بذلك عرَّاف اليمامة، والأبلق الأسدي، والأجلح، وعروة ابن يزيد، وغيرهم؛ فكان العرب يحكمون بذلك، ويعملون به، ويتقدمون، ويتأخرون في جميع ما يتقلبون فيه، ويتصرفون؛ في حال الأمن، والخوف، والسعة، والضيق، والحرب، والسلم؛ فإن أنجحوا فيما يتفاءلون به مدحوه، وداوموا عليه، وإن عطبوا فيه تركوه وذموه.(1)
رابعاً: الخط على الرمل، وما يلحق به
الخط على الرمل: هو الطرق الوارد في قوله": =العيافة والطيرة والطرق من الجبت+(2).
وقد مضى وجه كونه ملحقاً بالسحر في الفقرة الماضية عند الحديث عن الطيرة.
وطريقة هذه الصناعة أن الذين يتعاطونها من المنجمين جعلوا من النقط والخطوط ستة عشر شكلاً، وميزوا كلاً منها باسم وشكل يختلف عن غيرها، وقسَّموها إلى سعود ونحوس، وشأنهم في ذلك شأنهم في الكواكب، ومسائل هذه الصناعة تخمينية يزعمون أنها مبنية على تجارب، ويربطونها بالنجوم، ويقولون: إن البروج الاثني عشر يقتضي كل منها شكلاً معيناً من الأشكال التي اصطلحوا عليها، وقالوا: إنه حين السؤال عن المطلوب تقتضي أوضاع البروج قوى الشكل المعين الذي يرسمه الرمّال على الرمل، وتلك الأشكال تدل على أحكام مخصوصة تناسب أوضاع البروج.(3)
ومما يدخل في علم الرمل، ويأخذ حكمه علم الأسارير، وهو علم باحث في الاستدلال بالخطوط الموجودة في الأكف والأقدام والجباه بحسب التقاطع والتباين والطول والعرض والقصر، وبحسب ما بينها من الفروج المتسعة، أو المتضايقة على أحوال الإنسان من طول الأعمار وقصرها، والسعادة والشقاوة، والغنى والفقر، وما شابه ذلك.
ويلحق به _أيضاً_ ما يسمى بقراءة الفنجان.(4)
__________
(1) _ انظر مفتاح دار السعادة 2/229_230.
(2) _ مضى تخريجه.
(3) _ انظر التنجيم والمنجمون ص294.
(4) _ انظر التنجيم والمنجمون ص301.(1/10)
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز×: =وقد ظهر من أقواله" ومن تقريرات الأئمة من العلماء، وفقهاء هذه الأمة_ أن علم النجوم، والخط على الرمل، وما يسمى بالطالع، وقراءة الكف، وقراءة الفنجان، ومعرفة الخط، وما أشبه ذلك كلها من علوم الجاهلية، ومن الشرك الذي حرمه الله ورسوله، ومن أعمالهم التي جاء الإسلام بإبطالها، والتحذير من فعلها، أو إتيان من يتعاطاها وسؤاله عن شيء منها، أو تصديقه فيما يخبر به من ذلك؛ لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به+.(1)
وتحته سبعة مباحث:
المبحث الأول: حكم تعلم السحر وتعليمه.
المبحث الثاني: حكم الساحر.
المبحث الثالث: حد الساحر.
المبحث الرابع: توبة الساحر.
المبحث الخامس: حكم الذهاب للسحرة وسؤالهم، وتصديقهم فيما يقولون.
المبحث السادس: الحكمة من النهي عن إتيان السحرة والكهان ونحوهم.
المبحث السابع: حكم الأجرة المأخوذة عن السحر والكهانة ونحوهما.
السحر مما يُعْلم ويتعلم، فقد بين الله _عز وجل_ ذلك في كتابه العزيز؛ فأخبر عن فرعون وقومه في آيات كثيرة وَصْفَهُمُ الساحرَ بكونه عليماً، وأن السحر مما يعلم ويتعلم.
__________
(1) _ مجلة البحوث العلمية عدد 20 ص7_11.(1/11)
قال الله _عز وجل_: [وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] (البقرة:102).
وقال عن قوم فرعون: [قَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ] (الأعراف:109).
وقال عنهم: [قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)] الأعراف.
وقال: [إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ] (طه:71).
وبناءً على ذلك فالسحر مقدور عليه؛ فهو مما يتعلم، ويحصَّل بحسب ما تتهيأ لطالبه.
والسحر حرام بلا خلاف بين أهل العلم، وجمهورهم يراه مكفراً، ونصوص الكتاب والسنة صريحة في حرمته، قال _تعالى_: [وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ] (البقرة:102).
فقيل: إن معنى الآية: لقد علم أهل الكتاب فيما عهد إليهم أن الساحر لا خلاق له في الآخرة، أو لا دين له.(1)
وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة÷ عن النبي" قال: =اجتنبوا السبع الموبقات+.
__________
(1) _ انظر تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبدالله ص383 ، وفتح المجيد للشيخ عبدالرحمن بن حسن ص315، و السحر بين الحقيقة والخيال ص145_147.(1/12)
قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: =الشرك بالله والسحر..+ الحديث (1).
وبناءً على ذلك فإنه لا يجوز تعلم السحر؛ لأنه لا يخرج عن كونه مبنياً على الشرك، أو الكذب، أو الخداع والغش، ونحو ذلك مما هو ضار بالفرد والجماعة، قال الله _عز وجل_: [وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ] (البقرة:102).
فلا نفع في السحر البتة، وما لا نفع فيه، وكان ضرره متحتماً لا يجوز تعلمه بحال، كيف وقد أخبر الله _عز وجل_ عن الساحر بقوله: [وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى] (طه:69).
ومن نُفِيَ عنه الفلاحُ؛ فلا يرجى نفعه أبداً، كما لا يمكن أن يكون نصر الحق من هذا الطريق.
وقد ذهب الجمهور إلى عدم جواز تعلم السحر من غير عمل به، وروي عن الإمام مالك تكفيره.(2)
كما أن الجمهور ذهبوا إلى تكفير الساحر مطلقاً، ومُتَعَلِّمه لأي غرض هو ساحر، فيعد داخلاً في الحكم؛ فلا يكون ساحرٌ بالفعل إلا من تعلم السحر، وكما لا يكون كاتبٌ إلا من تعلم الكتابة؛ فالتعلم محرم لذاته، أو هو _في الأقل_ ذريعةٌ إلى المحرم، والذريعة إلى المحرم يجب سدُّها.
ومما يؤكد كُفْرَ متعلم السحر قوله _تعالى_ في نفس الآية عن الملكين اللذين يعلمان الناس السحر لمن جاء متعلماً: [إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ] (البقرة:102).
أي بتعلم السحر؛ لهذا كان رأي الجمهور أن تَعَلُّمَ السحرِ حرامٌ.(3)
...
لم يختلف العلماء كثيراً في حكم الساحر، وذلك راجع إلى وضوح الرؤية في أمر السحر والسحرة من حيثُ صراحةُ الأدلةِ مع أن الاختلاف في تحديد ماهية السحر واسع جداً، مما يتسع معه الخلاف عادة لولا صراحة النهي العام عن السحر والتحذير منه.
__________
(1) _ البخاري (2766) و (6857)، ومسلم (89).
(2) _ انظر الخرشي على مختصر خليل 8/63.
(3) _ انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص151_155.(1/13)
غير أن تحديد المعنى الدقيق الذي يصدق عليه لفظ السحر بمعناه الاصطلاحي المقرون بالكفر يضيِّق الخلاف، ويبقى تحديد السحر هو المهم في الأمر.
ومن أجلى تلك النصوص قوله _تعالى_: [وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ....] الآية.
وفي هذه الآية الكريمة الاستدلال على كفر الساحر من أوجه كثيرة:
1_ نفي الكفر عن سليمان _عليه السلام_ في معرض اتهامه بالسحر في قوله _تعالى_: [وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ].
2_ التصريح بكفر الشياطين منوطاً بتعليمهم الناسَ السحرَ.
3_ تحذيرُ الملكين طالبَ تَعَلُّمِ السحرِ بأنه كفر.
4_ نفيُ النصيبِ عن متخذه، ونفيُ النصيبِ بالكلية لا يكون إلا للكافر _عياذاً بالله_.
ومن النصوص الواردة في ذلك قوله _تعالى_: [وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى] (طه:69).
وفي هذه الآية نَفْيُ الفلاح عن الساحر في أي مكان كان، وهذا دليل على كفره.
وقد ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي× أمرين يدلان على أن نفي الفلاح في الآية دال على كفره:
الأمر الأول: دلالة آية سورة البقرة السابق ذكرها على كفر الساحر.
الثاني: أنه عُرف باستقراء القرآن أن الغالب فيه أن لفظ لا يفلح يُراد به الكافر.
ثم ضرب× أمثلة على ذلك.(1)
ومن النصوص الصريحة في شأن السحر أن الرسول" عَدَّه من السبع الموبقات، فقال: =اجتنبوا السبع الموبقات+.
قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: =الشرك بالله والسحر....+الحديث (2).
وهناك أحاديثُ أخرى كثيرة في النهي عن السحر تؤيد معنى الحديث، وأحاديثُ في النهي عن إتيان الكهان، والعرافين، وبيان حكم آتيهم، ومصدقهم، وأن ذلك الصنيع _الكهانة والعرافة_ داخل في السحر مُلحقٌ به _كما سيأتي_.
وإذا كان ذلك شأن الملحق فكيف بالملحق به.
__________
(1) _ انظر أضواء البيان 4/442_443.
(2) _ مضى تخريجه.(1/14)
لهذه النصوص الصريحة من الكتاب والسنة اتفق العلماء على كفر الساحر الذي يعتقد أن الكواكب مدبرة مع الله، أو أن الساحر قادر على خلق الأجسام، أو اعتقد أن فعله مباح.
ويكون المسلم بهذا كالمرتد يُستتاب؛ فإن تاب وإلا قُتل عند بعضهم، ويرى آخرون قتله بلا استتابة.(1)
كما ذهب الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك وأحمد _رحمهم الله_ إلى القول بكفر الساحر مطلقاً.(2)
وذهب الإمام الشافعي× إلى عدم التكفير بالسحر لذاته؛ فإذا لم يكن الساحر معتقداً في الكواكب أنها مدبرة، أو أنه قادر على خلق الأجسام، أو أن فعله مباح كان فِعْلُه معصيةً كبيرة.(3)
يقول الدكتور أحمد الحمد _حفظه الله_ بعد أن ساق كلام الإمام الشافعي: =وكأني بالإمام الشافعي× غفل عن أنواع من السحر تأثيرها يحصل بوساطة مُعين من الشياطين بمقابل ما يُقَدِّم لهم الساحر من طاعة وخضوع في مخالفة الشرع+.(4)
...
للعلماء _رحمهم الله_ كلام طويل في حد الساحر، وخلاصتها ترجع إلى ما يلي:
1_ حالات القتل: أ_ يقتل عند القائلين بكفره باعتباره مرتداً، وكذا عند من عدوا الساحر كافراً مطلقاً.
__________
(1) _ انظر أحكام القرآن للجصاص ص1/63، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/47_48، وشرح النووي على مسلم 14/176.
(2) _ انظر أحكام القرآن للجصاص 1/62_63، وأحكام القرآن لابن العربي 1/33، والكافي لابن قدامة 4/165، وفتح الباري لابن حجر 10/224، وحاشية ابن عابدين 4/240، وأضواء البيان 4/462.
(3) _ انظر أحكام القرآن للجصاص 1/63، وأحكام القرآن لابن العربي 1/31، وشرح النووي على مسلم 14/176، وفتح الباري 10/124، والسحر بين الحقيقة والخيال ص161_162.
(4) _ السحر بين الحقيقة والخيال ص162.(1/15)
ويقتل عند أبي حنيفة لكونه جمع إلى الردةِ السعيَ بالأرض بالفساد، وهذا موافق لمذهب الذين ورد عنهم قتل الساحر.(1)
ب_ إذا قَتَلَ بسحره إنساناً قتل حداً عند الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام أحمد.
ويشترط أبو حنيفة أن يتكرر منه ذلك، أو يُقِر به في حق شخص مُعَيَّن، أو يشهد عليه شاهدان.
ويقتل قصاصاً عند الإمام الشافعي.(2)
2_ حالات عدم القتل: أ_ ذهب الإمام الشافعي× إلى عدم قتل الساحر الذي لم يشتمل سحره على اعتقاد كون الكواكب مدبرة، أو كون الساحر قادراً على خلق الأجسام، أو أن فعله مباح.
واستدل على ذلك بأدلة أبرزها أن السحر إذا لم يشتمل على تلك الأمور المكفرة _كما يرى_ لا يعد صاحبه كافراً بل عاصياً، ومجرد المعصية غير مكفر، وغير مبيح للدم، ودماء المسلمين محظورة.(3)
يقول القرطبي×معلقاً على كلام الشافعي: =وهذا صحيح، دماء المسلمين محظورة لا تستباح إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف+.(4)
__________
(1) _ انظر تفصيل ذلك في أحكام القرآن للجصاص 1/61_63، وأحكام القرآن لابن العربي 1/31، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/212، وشرح العقيدة الطحاوية ص598، و السحر بين الحقيقة والخيال ص163_171.
(2) _ انظر أحكام القرآن للجصاص 1/63، والتفسير الكبير للرازي 3/215، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، وشرح النووي على مسلم 14/176، و السحر بين الحقيقة والخيال ص166.
(3) _ انظر أحكام القرآن للجصاص 1/63، والتفسير الكبير للرازي 3/215_216.
(4) _ أحكام القرآن 2/48.(1/16)
يقول الدكتور أحمد الحمد _حفظه الله_ معلقاً على ما يراه الإمام الشافعي× وعلى كلام القرطبي×: =دليل حرمة دماء المسلمين، وأنها لا تستباح إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف _ هذا صحيح من حيثُ الحكمُ العام، أما الحالة الخاصة معنا في أمر السحر فالجمهور على أن السحر يعد مروقاً من الدين وتركاً للجماعة؛ لهذا لم ينكر أحد من الصحابة على من قتل الساحر منهم؛ فيعد هذا بمنزلة الإجماع على العمل بما ورد خاصة في الساحر، والخاص يقضي على العام+.(1)
ب_ ذهب بعض الأحناف إلى عدم قتل المشعوذ(2)، وصاحب الطِّلّسم(3) إذ لا يعدون فاعل هذا ساحراً.(4)
كما ذهب بعض أصحاب الإمام أحمد إلى أن من سحر بأدوية وتدخين وسقي شيءٍ يضر، ومن يعزم على الجن، ويزعم أنه يجمعها وتطيعه، والمشعوذ وقائل بزجر الطير، وضارب بالحصى، والشعير، والقداح، ونحو ذلك_ لا يعد كافراً إذا لم يعتقد الإباحة، أو أنه يعلم الغيب.
وهذا موافق لما ذهب إليه الإمام الشافعي وأصحابه من وجه.(5)
__________
(1) _ السحر بين الحقيقة والخيال ص168.
(2) _ الشعوذة أو الشعبذة: لَعِبٌ بخفة يرى الإنسان منه الشيء بخلاف ما عليه أصله في رأي العين، أي يرى ما ليس له حقيقة. انظر لسان العرب مادة شعذ 5/29، والمصباح المنير للفيومي 1/337.
(3) _ الطّلسم: هو لفظ يوناني، وهو في علم السحر خطوط وأعداد يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية بالطبائع السفلية؛ لجلب محبوب أو دفع أذى. انظر المعجم الوسيط مادة طلسم 2/568.
= وقال محمد محمد جعفر: =الطِّلسم: هو العمل الذي يقوم به الساحر بمساعدة الشيطان أو بناءً على أمره على الورق أو القماش أو المعدن أو الخشب أو الأحجار الكريمة أو المعجون _كالشمع والطين_ بشكل مخصوص في وقت مخصوص وبحجم وصورة معينة؛ لضرر نفر أو أكثر في شخصه أو ما يملكه...+. انظر كتاب السحر لمحمد محمد جعفر ص215.
(4) _ انظر حاشية ابن عابدين 4/240.
(5) _ تيسير العزيز الحميد ص384.(1/17)
قال الشيخ سليمان بن عبدالله× موضحاً وجه الاختلاف والجمع بين مذهب الجمهور ومذهب الإمام الشافعي ومن وافقه في بعض أنواع السحر:
=وعند التحقيق ليس بين القولين اختلاف؛ فإن من لم يُكَفِّر؛ لظنه أنه يتأتَّى بدون الشرك، وليس كذلك، بل لا يتأتَّى السحر الذي من قبل الشياطين إلا بالشرك وعبادة الشياطين والكواكب...
وأما سحر الأدوية والتدخين ونحوه فليس بسحر وإن سمي سحراً، فعلى سبيل المجاز كتسمية القول البليغ والنميمة سحراً.
ولكنه يكون حراماً لمضرته يعزر من يفعله تعزيراً بليغاً+.(1)
قال الدكتور أحمد الحمد معلقاً على ما ذكر في أحوال عدم قتل الساحر: =وأقول: إن السحر أنواع كثيرة تختلف في أحكامها بحسب ما يصاحبها من الاعتقاد، وإن شملها اسم السحر من حيث الإطلاق؛ لإمكان أن يعمل أعمال السحرة مَنْ ليس ساحراً؛ فيتسمى بذلك، ولا يتأتَّى له، ومنه ما يتأتى من السحرة ولهم في كل حال، بل قد يكون منه أعمال يلتبس أمرُها على الرائي، وصاحب هذا ساحر؛ لأنه أتى بأمور تخفى على الكثيرين من حيث الشكل والهيئة التي ظهر بها، لا من حيث الواقع والحقيقة _أي أنه يمكن أن يعمل شخص نوعاً من أنواع السحر المكفر بصورته وهيئته، لكنه ليس ساحراً بالمعنى الحقيقي_ فهو لا يعظم أحداً سوى الله، ولا ينسب شيئاً مما هو لغيره، إنما استعمل تلك الطرق احتيالاً؛ فهذا لا يجعلنا نحكم على ذلك النوع بأنه غير مكفر مطلقاً؛ لأن الأصل في تلك الأعمالِ السحرُ بالمعنى الشرعي المحذور.
ومن يحاكيه مع مخالفة الحال يختلف عنه من حيث المآل، لا من حيث الحكم العام؛ لأن الصورة الظاهرة واحدة، وحكمُ الناسِ على الظاهر، والبواطن أمرها إلى الله _تعالى_.
__________
(1) _ انظر شرح منتهى الإرادات 3/394_395، وتيسير العزيز الحميد ص384.(1/18)
لكن من خُبِر أمْرُه، وعُلِمَ أن ما يستعمله خالٍ من الاعتقاد الباطل، وإنما خفةُ حركةٍ، أو حدسٌ وتخمينٌ يربطه بجنس أفعال السحرة من خط بالأرض، أو زجر للطير، أو ضرب بالقداح، أو نحو ذلك من الاستقسام الخالي من الاستعانة بالشياطين، ومن ادعاء علم الغيب، أو كان باستعمال خاصةٍ من خواص المواد بطرقٍ تخفى على الآخرين _فحكم مثل هذا هو ما أشار إليه بعض الأحناف، وبعض الحنابلة بأنه لا يعتبر مكفراً، وإن اشتمل على أمور باطلة من الغش، والخداع، والكذب، ونحو ذلك؛ فهي لا تبلغ درجة الكفر، والله أعلم+.(1)
...
اختلف العلماء في قبول توبة الساحر، وخلاصة ذلك يرجع إلى ما يلي:
1_ ذهب الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام أحمد في رواية _ إلى عدم قبول توبة الساحر.
وهذا مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين، وعلل بتعليلات:
منها: أن الردة بفعل السحر باطنة، والمرتد باطناً لا تعرف توبته بإظهاره الإسلام.
ومنها: أن علم السحر لا يزول بالتوبة.
ومنها: أنه جمع إلى الردةِ السعيَ في الأرض بالفساد.
وهذا في حالة ما إذا شهد عليه بذلك، أما إذا تاب قبل أن يشهد عليه بالسحر قبلت توبته لقوله _تعالى_: [إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] (المائدة:34).
فحكم الساحر يكون كذلك.(2)
__________
(1) _ السحر بين الحقيقة والخيال ص171_172.
(2) _ انظر أحكام القرآن للجصاص 1/61_63، والتفسير الكبير للرازي 3/215، والكافي لابن قدامة 4/165، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/47، وشرح النووي على مسلم 14/176، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/212، وفتح الباري 10/224_236، وشرح منتهى الإرادات 3/390_395، و السحر بين الحقيقة والخيال ص172_173.(1/19)
2_ ذهب الإمام الشافعي، والإمام أحمد في رواية إلى قبول توبة الساحر؛ لأن دينه لا يزيد على الشرك، والمشرك يستتاب فإن تاب قبلت توبته وخُلِّي سبيلُه؛ فكذلك الساحر.
وعلمه بالسحر لا يمنع توبته بدليل ساحر أهل الكتاب إذا أسلم، ولذلك صح إيمان سحرة فرعون، وتوبتهم.(1)
...
الذهاب للسحرة، ومن في حكمهم من المنجمين، والكهان، والعرافين، وسؤالهم، وتصديقهم بما يخبرون به _ فعل محرم، معدود في كبائر الذنوب، بل قد يصل إلى حد الكفر، والشرك الأكبر.
وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، ومنها ما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي÷ أنه قال لرسول الله": إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالاً يأتون الكهان.
قال: =فلا تأتهم+ الحديث.(2)
وما رواه مسلم عن بعض أزواج النبي" قال: =من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة+.(3)
وما رواه الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة÷ عن رسول الله" قال: =من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد+.(4)
أحوال الذهاب للسحرة، وسؤالهم، وتصديقهم
من خلال الأحاديث السابقة الدالة على حرمة الذهاب للسحرة ومن في حكمهم وسؤالهم وتصديقهم يتبين لنا التفصيل في ذلك، ويمكن إجماله فيما يلي:
1_ أن من سأل الساحر، أو الكاهن، أو المنجم، أو العراف عن شيء فصدقه بما يخبر فقد كفر؛ لاعتقاده أنه يعلم الغيب سواء ادعى المُخبِر أن معرفته بذلك عن طريق الشياطين، أو عن طريق النجوم، أو غير ذلك.
__________
(1) _ انظر التفسير الكبير للرازي 3/215، والكافي 4/195_196، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/48، وتفسير القرآن العظيم 1/212، وشرح منتهى الإرادات 3/395، والسحر بين الحقيقة والخيال ص173.
(2) _ مسلم (537).
(3) _ مسلم (2230).
(4) _ المسند 2/429، والحاكم في المستدرك 1/7_8، وقال: =على شرطهما+ وقال الذهبي: =إسناده قوي+ وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (4599).(1/20)
2_ إذا سأله، ولم يصدِّقْه سواء كان ذلك السؤال استهزاءً، أو تسلية، أو استطلاعاً، أو مقابلة صحفية، أو تلفازية أو نحوَ ذلك _ فلا يكفر السائل بذلك، وإنما لا تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة؛ فإن الحديث الذي فيه الوعيد بذلك ليس فيه ذكر تصديقه، وإنما مجرد سؤاله.
والأحاديث التي فيها إطلاق الكفر مقيدة بتصديقه.
3_ إذا سأله محتسباً عليه؛ ليمتحن حاله، ويختبره، ويفضحه، ويبين زيفه، ويميز صدقه من كذبه _ فهذا جائز، كما جاء في الصحيحين عن ابن عمر _رضي الله عنهما_ أن عمر انطلق مع النبي" في رهط قِبَل ابن صياد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان عند أُطُم بني مَغالة(1) وقد قارب ابن صياد الحلمَ، فلم يشعر حتى ضرب النبي" بيده ثم قال لابن صياد: =تشهد أني رسول الله+.
فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين.
فقال ابن صياد للنبي": أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه(2) وقال: =آمنت بالله وبرسله+.
فقال له: =ماذا ترى+.
قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب.
فقال النبي": =خُلِّط عليك الأمر+.
ثم قال له النبي": =إني قد خبأت لك خبيئاً+.
فقال ابن صياد: هو الدخُّ.
فقال: =اخسأ؛ فلن تعدو قدرك+.
فقال عمر÷: دعني يا رسول الله أضرب عُنُقَه.
فقال النبي": =إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله+.(3)
فامتحان النبي" له بالدخان؛ ليتعرف حقيقة أمره؛ فهذا الحديث مخصص لعموم الأحاديث السابقة.(4)
__________
(1) _ الأطم: الحصن، ومغالة: بطن من ا لأنصار. انظر الفتح 3/262.
(2) _ فرفضه: أي تركه وفي رواية =فرصَّه+: أي ضغطه وضم بعضه إلى بعض .انظر الفتح 3/262.
(3) _ البخاري(1254) ومسلم(2930) .
(4) _ انظر التنجيم والمنجمون ص277_278.(1/21)
تنبيه: ومما تحسن الإشارة إليه أن الذهاب إلى السحرة ونحوهم لا يقتصر على مجرد الإتيان إليهم ومقابلتهم وجهاً لوجه، وإنما يتعدى ذلك إلى أمور أخرى قد لا تَقِلُّ عن المقابلةِ الشخصيةِ، والسؤالِ؛ حيث إن السحرة والمشعوذين والكهان في الأزمان الماضية لا يظهرون أمام الناس، بل يختفون في سراديب، وأماكن لا يعلم عنهم إلا القليل.
أما في هذا العصر فقد تعددت أساليبهم، وصاروا يجاهرون بسوء صنيعهم؛ حيث أَشْرَع لهم الإعلامُ أبوابَه؛ فصاروا يظهرون على أعمدة الصحف، وفي مواقع الإنترنت، وعبر القنوات الفضائية في برامج مباشرة، وغير مباشرة، وصار المتابعون لهم يسألونهم، ويحاورونهم؛ فصارت الفتنة بهم أشد وأنكى من ذي قبل؛ لذا فإن الحكم في مثل هذه الأحوال يأخذ حكم الذهاب إليهم، وسؤالهم، وتصديقهم؛ لأن علَّة النهي عن الإتيان متحققة في مثل الأحوال المذكورة، بل ربما تكون الأساليب الأخيرة أعظم وأشد خطراً.
...
قد يقال: ما المحذور من إتيان السحرة، والكهان ونحوهم، وما المانع من محادثتهم وسؤالهم إذا كان الآتي والسائل لا يعتقد صدقهم، ولا يرى أنهم يعلمون الغيب، بل يرى سوء صنيعهم، وقباحة فعلهم؟
والجواب أن يقال ما يلي:
1_ أن التحريم حاصل بنهي النبي" عن إتيانهم، وسؤالهم.
2_ أن ذلك اعتراف بصنيعهم، ومدعاة للتعلق بهم، أو وسيلة إلى ذلك.
3_ أن السحرة والكهان ونحوهم دعاة الشياطين، الناطقون بألسنتهم.(1)
4_ أن الشُّبَه خطافة، والفتنة غير مأمونة لمن سعى إليها، واقترب من حماها.
قال النووي×: =قال العلماء: إنما نهي عن إتيان الكهان؛ لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة، فيخاف الفتنة على الإنسان، بسبب ذلك؛ لأنهم يلبسون على الناس كثيراً من أمر الشرائع وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان وتصديقهم+.(2)
...
__________
(1) _ انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص178.
(2) _ شرح النووي على صحيح مسلم 5/22.(1/22)
أجمع المسلمون على تحريم أخذ ودفع الأجرة التي يأخذها الكاهن على كهانته؛ لأنه عوض عن محرم، ولأنه أكلٌ لمال الناس بالباطل.
ويأخذ حكم الكهانة ما جرى مجراها من السحر، والتنجيم ونحو ذلك، مما يتعاطاه من يستطلع الغيب(1) لما رواه البخاري ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري÷أن رسول الله": =نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان(2) الكاهن+.(3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية×: =حلوان الكاهن الذي تسميه العامة (حلاوته) ويدخل في هذا المعنى ما يعطيه المنجم، وصاحب الأزلام التي يستقسم بها، مثل الخشبة المكتوب عليها =أ، ب، ج، د+ والضارب بالحصى ونحوهم، فيما يعطى هؤلاء _ حرام، وقد حكى الإجماع على تحريمه غير واحد من العلماء كالبغوي، والقاضي عياض، وغيرهما.
ويتبين بذلك أن الأجرة المأخوذة على ذلك، والهبة، والكرامة حرام على الدافع والآخذ، وأنه يحرم على الملاَّك، والنُّظار، والوكلاء، إكراء الحوانيت المملوكة، أو الموقوفة، أو غيرها من هؤلاء الكفار والفساق بهذه المنفعة، إذا غَلَبَ على ظنهم أنهم يفعلون فيها هذا الجبت الملعون+.(4)
وقد جاء في صحيح البخاري عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: =كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحْسِنُ الكهانة إلا أني خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه+.(5)
__________
(1) _ انظر التنجيم والمنجون ص279.
(2) _ الحلوان: مصدر حَلَوْتُه حلواناً: إذا أعطيته، وأصله من الحلاوة؛ حيث شُبِّه بالشيء الحلو من جهة أنه يأخذه سهلاً بلا كلفة ولا مشقة. انظر فتح الباري لابن حجر 4/427.
(3) _ البخاري (2237)، ومسلم (1567).
(4) _ مجموع الفتاوى 35/194_195.
(5) _ البخاري (3629).(1/23)
ومما ينبغي التنبيه عليه ما استجد من أساليب الكهان ونحوهم في العصر الحاضر من دفع الأموال من قبل المتعاملين مع الكهان، وأخذها مِنْ قِبَل الكهان ومَنْ في حكمهم؛ حيث إن الأمر قد اتسع؛ فصار بعض الناس يبذل ماله للكاهن مباشرة، أو يبذله في سبيل الاتصال عليه عبر الهاتف، أو عبر قناة فضائية، أو عبر الإنترنت، أو عبر المراسلة؛ فكلُّ مالٍ يُبْذَلُ في ذلك السبيل فهو حرام.
وكذلك الحال بالنسبة لمن أخذه مقابل كهانته، أو إعانة على ذلك كحال من يفتح قناةً، أو موقعاً إلكترونياً، أو عموداً في صحيفة ثم يخصصه للدجل، والتكهن.
وكذلك من أعان على الاتصال، أو أعان على إخراج البرنامج تصويراً، أو إخراجاً، أو دعاية، أو إجراء مقابلة مع الكاهن أو الساحر _ كل أولئك داخل في النهي الشديد، وكلهم داخل في التعاون على الإثم والعداون في صورة من أقبح صوره، وأشدها ضرراً، وأعظمها إثماً؛ فليس الأمر _إذاً_ مختصاً بالمعطي، والكاهن فحسب.
كما يجب على كل من بسط الله يده، وجعل له القدرة والسلطة أن يمنع هؤلاء الدجالين، وألا يمكن لهم ممارسة باطلهم؛ فذلك من أعظم البر، وأجل صور إنكار المنكر.
وتحته أربعة مباحث:
المبحث الأول: تعريف النُّشْرة.
المبحث الثاني: إمكانية علاج السحر.
المبحث الثالث: طرق نافعة مباحة لعلاج المسحور.
المبحث الرابع: حل السحر عن المسحور بالسحر.
أ_ النُّشرة في اللغة: النُّشْرة مأخوذة من النَّشْر، وهذه المادة تدور حول عدة معان؛ فتطلق على الرائحة الطيبة، يقال لها النشر، وتطلق على البسط، يقال: نشر المتاع: أي بسطه، وتطلق على الإحياء بعد الإماتة، يقال: نشره الله، أي أحياه.(1)
ب_ النُّشرة في الاصطلاح: هي رقية يعالج بها المريض ونحوه.
__________
(1) _ انظر غريب الحديث لابن الجوزي 2/408، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2/742، ولسان العرب لابن منظور 7/65.(1/24)
قال ابن الأثير ×: =النشرة بالضم من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن أن به مساً من الجن+.(1)
وقال ابن الجوزي×: =النشرة حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر+.(2)
جـ _ سبب التسمية: قال ابن الأثير: =سميت نشرة؛ لأنه يُنْشَر بها عنه ما خامره من الداء: أي يكشف ويزال+.(3)
...
لما كان السحر داءً يؤثر، فيمرض الأبدان، ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه _ اقتضى أن يُسعى في علاجه، ويؤخذ بالأسباب المؤدية إلى الشفاء؛ لأن الله _تعالى_ جعل لكل داءٍ دواءً، كما أرشد إلى هذا هادي الأمة" وأمر بذلك.(4)
ومن الأحاديث الواردة في ذلك: ما رواه الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة÷ عن النبي" قال: =ما أنزل الله داءً، إلا أنزل له شفاءً+(5).
ومنها: ما رواه الإمام مسلم بسنده عن جابر عن رسول الله" أنه قال: =لكل داءٍ دواء، فإذا أصيب دواءُ الداء _ برأ بإذن الله _عز وجل_+(6).
ومنها: ما رواه الإمام الترمذي بسنده عن أسامة بن شريك قال: =قالت الأعراب: يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: =نعم، يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاء، أو قال دواء، إلا داءً واحداً+.
قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: =الهرم+(7).
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً.
...
__________
(1) _ النهاية 2/742.
(2) _ غريب الحديث لابن الجوزي 2/408.
(3) _ النهاية 2/742.
(4) _ انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص187.
(5) _ البخاري (5678).
(6) _ مسلم (2204).
(7) _ الترمذي (2038) وقال: =هذا حديث حسن صحيح+.(1/25)
بناءً على ما مضى فإن علاج المسحور ممكن، ويكون بالرقى الشرعية، أو بالتماس الأدوية النافعة، سواء كان بالحجامة، أو بتناول ما يصفه أهل المعرفة مما هو نافع من الأدوية، وقد جاء في بعض روايات حديث سحر لبيد لرسول الله" عند البخاري قول أم المؤمنين عائشة _رضي الله عنها_ قالت: فقلت: أفلا: أي تَنَشَّرت؟ فقال: =أما والله فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً+(1).
وهذا يدل على أن أم المؤمنين _رضي الله عنها_ تعلم أن السحر يُعالج بالنشرة، ولا يمكن أن تكون تجهل حالة النشرة؛ من الجواز وعدمه، كما لم ينكر عليها الرسول" ذلك القول، مما يدل على كونه ليس مُنْكَراً، وإنما أجابها بأن الله قد عافاه، فلا داعي لها؛ حيث تمَّ الشفاء.
كما أن ما ورد في أن سبب نزول المعوذتين ما كان من سحر لبيد لرسول الله" وأن التعوذ بهما مما يقي منه(2).
وأيضاً حديث: =من تصبَّح بسبع تمرات عجوة لم يضره سمٌّ ولا سحر+(3).
وإذا كانت تلك الأمور رقية، أو تناولاً مما يقي من السحر_ فهي مما ينفع علاجاً غالباً.
وقد ذكر ابن القيم في ذكر هديه" في علاج هذا المرض نوعان: =أحدهما _وهو أبلغهما_ استخراجه وتبطيله كما صح عنه" أنه سأل ربه _سبحانه_ في ذلك فَدُلَّ عليه؛ فاستخرجه من بئر؛ فكان في مشط ومشاطة، وجَفِّ طَلْعَةٍ ذَكَر، فلما استخرجه ذهب ما به، حتى كأنما نشط من عقال+(4).
فهذا من أبلغ ما يعالج به المطبوب.
وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة، وقلعها من الجسد بالاستفراغ.
والنوع الثاني: الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أذى السحر، فإن للسحر تأثيراً في الطبيعة، وهيجان أخلاطها، وتشويش مزاجها، فإذا ظهر أثره في عضو، وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو نفع جداً.
__________
(1) _ البخاري (5765).
(2) _ تيسير العزيز الحميد ص416.
(3) _ رواه البخاري (5436).
(4) _ انظر البخاري (5765).(1/26)
وقد ذكر أبو عبيد في كتاب (غريب الحديث) له بإسناده عن عبدالرحمن بن أبي ليلى: =أن النبي" احتجم على رأسه بقرن حين طب+(1) قال أبو عبيد: =معنى: طب: أي سحر+.(2)
وقال ابن القيم _أيضاً_ في علاج السحر: =ومن أنفع علاجات السحر، الأدوية الإلهية، بل هي أدويته النافعة بالذات؛ فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية، ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار والآيات والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلما كانت أقوى وأشد كانت أبلغ في النشرة، وذلك بمنزلة التقاء جيشين مع كل واحد منهما عُدَّته وسلاحه، فأيُّهما غلب الآخر، قهره وكان الحكم له، فالقلب إذا كان ممتلئاً من الله، مغموراً بذكره، وله من التوجهات، والدعوات، والأذكار، والتعوذات وِرْدٌ لا يخلّ به يطابق فيه قلبه لسانه _ كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه+.(3)
وذكر القرطبي من علاج السحر ما رُوي عن ابن بطَّالٍ قال: =وفي كتاب وهب بن منبه، أن يأخذ سبع ورقات من سدرٍ أخضر، فيدقُّه بين حجرين، ثم يضربه بالماء، ويقرأ عليه آية الكرسي، ثم يحسو منه ثلاث حسوات، ويغتسل به، فإنه يذهب عنه كل ما به _إن شاء الله تعالى_ وهو جيِّدٌ للرجل إذا حُبِسَ عن أهله+.(4)
__________
(1) _ انظر غريب الحديث له 2/43، وتهذيب الآثار للطبري (2/124).
(2) _ الطب النبوي لابن القيم ص99.
(3) _ الطب النبوي ص100_101.
(4) _ الجامع لأحكام القرآن 2/49_50.(1/27)
وذكر الشيخ سليمان بن عبدالله× من النشرة الجائزة، أن يقرأ في إناءٍ فيه ماء، ثم يصب على رأس المسحور(1): قول الله _تعالى_: [فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)] يونس.
وقوله: [فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121)] الأعراف.
وقوله: [إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى] (طه:69).
...
مر في المبحث الماضي أن السحر يحل بالأدوية النافعة المباحة والمشروعة.
أما حل السحر بمثله فلا يجوز؛ لما في ذلك من التقرب إلى الشياطين، ومعاونة السحرة.
يقول الشيخ حافظ الحكمي×: =يحرم حل السحر عن المسحور بسحر مثله، فإنه معاونة للساحر، وإقرار له على عمله، وتقرب إلى الشيطان بأنواع القُرَب ليبطل عمله عن المسحور، ولهذا قال الحسن: لا يحلُّ السحر إلا ساحر... ولهذا ترى كثيراً من السحرة الفجرة في الأزمان التي لا سيف فيها يردعهم يتعمد سحر الناس ممن يحبه أو يبغضه؛ ليضطرَّه بذلك إلى سؤاله حلَّه، ليتوصل بذلك إلى أموال الناس بالباطل، فيستحوذ على أموالهم ودينهم+.(2)
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك، حيث فهموا من كلام سعيد بن المسيب، والإمام أحمد _رحمهما الله_ أنهما أجازا ذلك، واستندوا إلى ما جاء في صحيح البخاري عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طَبٌّ(3) أو يؤخَّذ(4) عن امرأته أَوَ يُحَلُّ عنه أو يُنَشَّر؟
__________
(1) _ انظر تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبدالله ص420.
(2) _ معارج القبول 1/530.
(3) _ طَبٌّ: أي سحر.
(4) _ يؤخَّذ: أي يحبس عن جماع امرأته.(1/28)
قال: لا بأس به، إنما يريدون الإصلاح؛ فأما ما ينفع فلم يُنْهَ عنه+.(1)
وقد سئل الإمام أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور فقال: رخص فيه بعض الناس.(2)
وكلام ابن المسيب، والإمام أحمد يحمل على النُّشرة بالقرآن والذكر، والكلام الذي لا بأس به(3) فيحمل كلام من أجاز النشرة بما هو مشروع وجائز.
يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب _رحمهم الله_:
=قال ابن القيم: النشرة حلُّ السحر عن المسحور، وهي نوعان: حلُّ السحر بمثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور.
والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية المباحة فهذا جائز+.
قال الشيخ سليمان معلقاً على الكلام الماضي: =هذا الثاني هو الذي يحمل عليه كلام ابن المسيب، أو على نوع لا يُدْرَى هل هو من السحر أم لا؟
وكذلك ما روي عن الإمام أحمد من إجازة النشرة؛ فإنه محمول على ذلك، وغلط من ظن أنه أجاز النُّشرة السحرية، وليس في كلامه ما يدل على ذلك، بل لما سئل عن الرجل يحلُّ السحر قال: قد رخص فيه بعض الناس.
قيل: إنه يجعل في الطنجير ماءً ويغيب فيه، فنفض يده، وقال: لا أدري ما هذا.
قيل له: أترى أن يؤتى مثل هذا؟ قال: لا أدري ما هذا.
وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه.
وكيف يجيزه، وهو الذي روى الحديث أنها من عمل الشيطان، لكن لما كان لفظ النشرة مشتركاً بين الجائزة والتي من عمل الشيطان، ورأوه قد أجاز النشرة ظنوا أنه أجاز الذي من عمل الشيطان، وحاشاه من ذلك+.(4)
__________
(1) _ البخاري كتاب الطب باب هل يستخرج السحر؟ 5/2175.
(2) _ انظر الكافي لابن قدامة 4/166.
(3) _ انظر شرح منتهى الإرادات 3/395، وفتح الباري 10/233، وتيسير العزيز الحميد ص419.
(4) _ تيسير العزيز الحميد ص367، وانظر عالم السحر والشعوذة د. عمر الأشقر 196_198 وهو من أحسن الكتب في هذا الباب.(1/29)
ومما يُقَوي كلام الشيخ سليمان× أن الإمام أحمد× روى بسنده عن جابر بن عبدالله قال: سئل النبي" عن النشرة فقال: =من عمل الشيطان+(1).
والألف واللام في الحديث: هي (أل) العهدية التي هي للعهد الذهني أي النشرة المعهودة أي المعروفة عند أهل الجاهلية، والتي تكون بالسحر، أو باستخدام الشياطين.
ويقول سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ×: =قال بعض الحنابلة: يجوز الحل بسحرٍ ضرورةً، والقول الآخر أنه لا يحل، وهذا الثاني هو الصحيح.
وحقيقته أنه يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب من ذبح شيء، أو السجود له أو غير ذلك، فإذا فعل ذلك ساعد الشيطان، وجاء إلى إخوانه الشياطين الذين عملوا ذلك العمل، فيبطل عمله عن المسحور.
وكلام الأصحاب هنا بين أنه حرام ولا يجوز إلا لضرورة فقط، ولكن هذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل إلا كلام ابن المسيب.
ومَعَنا حديث جابر في ذلك، وقول ابن مسعود، وقول الحسن لا يحلُّ السحر إلا ساحر، وهو لا يتوصل إلى حلِّه إلا بسحر، والسحر حرام وكفر، أفيفعل الكفر لتحيا نفوس مريضة أو مصابة؟ مع أن الغالب في المسحور أنه يموت أو يختل عقله، فالرسول"منع وسدَّ الباب، ولم يُفَصِّل في عمل الشيطان ولا في المسحور+.(2)
وقال الشيخ أحمد الحمد بعد أن ساق الأقوال الواردة في النشرة: =بهذا النوع(3) وما سبق ذكره من الحل والنشرة يحمل عليه قول المجيزين من السلف، لا ما كان معلوماً من النشرة التي عليها أهل الجاهلية، حيث إنها لا تكون إلا من السحرة، وأمثالهم.
__________
(1) _ المسند (3868)، وانظر سنن أبي داود (3868).
(2) _ فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 1/165.
(3) _ يعني بالرقية الشرعية، والأدوية المباحة.(1/30)
وسبب ذلك أن الإصابة بالسحر تكون خفية، وتحصل غالباً بوساطة معين من الشياطين، فيصعب تحديد المرض، ومعرفةُ السحر من غيره على من ليس ساحراً، أو مستعيناً بالشياطين؛ لاشتباه الإصابة بالعين بما يحصل بالسحر من الألم، وغير ذلك من الأمراض، فجاء التحذير من النشرة ليس لذات العلاج، وإنما لما يلجأ إليه من يصيبهم شيء منه من الذهاب إلى السحرة؛ لاستكشاف ما بهم من مرض وعلاجه؛ لأن كثيراً منه يعالج بإتلاف السحر وحله، كالذي وضعه لبيد لمَّا سحر النبي" في البئر، والأشياء المختفية عن الأعين، قد لا تخفى على الشياطين، فالاستعانة بهم للاهتداء إلى ما أخفاه السحرة لا تحصل إلا بما تتم به الاستعانة بهم في الأمور الأخرى السحرية، لهذا جاء التحذير من إتيان السحرة لحل السحر، وهو ما يسمى (النشرة) التي هي من عمل الشيطان+.(1)
ومن خلال ما مضى يتبين معنى النشرة، وحكمها، والتفصيل الوارد في ذلك.
وتحته مبحثان:
المبحث الأول: أسباب انتشار السحر.
المبحث الثاني: بطلانُ زيفِ السحرة، وفسادُ صناعتهم.
في هذا المبحث ذكر لبعض الأسباب التي ساعدت على انتشار السحر، مع ملاحظة أن بعضها داخل في بعض، وأن منها ما يعود إلى السحرة والمشعوذين، ومنها ما يعود إلى المتلقين والمخدوعين، ومنها أسباب خارجة عن ذلك.
وبمجموع تلك الأسباب تنتشر الخرافة، ويستطير شر السحر والدجل؛ فإلى تلك الأسباب:
1_ الجهل: فهو على رأس الأسباب التي تمكن للخرافة والسحر والسحرة؛ فتجد من المخدوعين من يجهل حكم الشرع في الذهاب إلى الكهان والسحرة، ويجهل حُكْمَ سؤالهم وتصديقهم، ويجهل عواقب الأمور، ويجهل الأسباب الحقيقية الصحيحة للشقاء والسعادة، وتحصيل الخير.
__________
(1) _ السحر بين الحقيقة والخيال ص193.(1/31)
وتجد منهم من يجهل حقيقة السحرة والمشعوذين والكهان، وتراه يغتر ببعض ما يقومون به من مخاريق وأمور خارجة عن العادة، ويغتر بما يشاع عنهم من أخبار تفيد أنهم يعالجون، أو يجلبون السعادة، أو ما يدَّعونه من العلم، والولاية، والديانة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية×: =وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فيجب أن يفرَّق بين هؤلاء وهؤلاء، كما فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، كما قال _تعالى_: [أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)] يونس.(1)
وقال×: =وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع، فيظن في شخص أنه ولي لله، ويظن أن ولي الله يُقبل منه كل ما يقوله، ويسلِّم إليه كلَّ ما يقوله، ويسلِّم إليه كل ما يفعله، وإن خالف الكتاب والسنة+.(2)
وقال: =وكل من خالف شيئاً مما جاء به الرسول مقلداً في ذلك لمن يظن أنه ولي لله فإنه بنى أمره على أنه ولي لله، وأن ولي الله لا يخالُف في شيء.
ولو كان هذا الرجل من أكبر أولياء الله كأكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يقبل منه ما خالف الكتاب والسنة، فكيف إذا لم يكن كذلك؟ !
وتجد كثيراً من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه ولياً لله أنه قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة مثل أن يشير إلى شخص فيموت، أو يطير في الهواء إلى مكة، أو غيرها، أو يمشي على الماء أحياناً، أو يملأ إبريقاً من الهواء، أو ينفق بعض الأوقات من الغيب، أو أن يختفي أحياناً عن أعين الناس، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب، أو ميت فرآه قد جاءه فقضى حاجته، أو يخبر الناس بما سرق لهم، أو بحال غائب لهم، أو مريض أو نحو ذلك من الأمور.
__________
(1) _ الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية ص8.
(2) _ الفرقان ص58.(1/32)
وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله، بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء لم يُغْتَرّ به حتى يُنْظر متابعته لرسول الله " وموافقته لأمره ونهيه+.(1)
إلى أن قال: =وكرامات أولياء الله _تعالى_ أعظم من هذه الأمور، وهذه الأمور الخارقة للعادة، وإن كان قد يكون صاحبها ولياً لله فقد يكون عدواً لله؛ فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار، والمشركين، وأهل الكتاب، والمنافقين، وتكون لأهل البدع، وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم، وأفعالهم، وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن، وبحقائق الإيمان الباطنة، وشرائع الإسلام الظاهرة .
مثال ذلك أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص، ويكون أحدهم لا يتوضأ، ولا يصلي الصلوات المكتوبة، بل يكون ملابساً للنجاسات معاشراً للكلاب، يأوي إلى الحمامات، والقمامين، والمقابر، والمزابل، رائحته خبيثة لا يتطهر الطهارة الشرعية، ولا يتنظف+.(2)
__________
(1) _ الفرقان ص61.
(2) _ الفرقان ص61_62.(1/33)
إلى أن قال: =فإذا كان الشخص مباشراً للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان، أو يأوي إلى الحمامات، والحشوش التي تحضرها الشياطين، أو يأكل الحيات، والعقارب، والزنابير، وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق، أو يشرب البول، ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان، أو يدعو غير الله، فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها، أو يسجد إلى ناحية شيخه ولا يخلص الدين لرب العالمين، أو يلابس الكلاب، أو النيران، أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة، أو يأوي إلى المقابر، ولا سيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى، أو المشركين، أو يكره سماع القرآن وينفر عنه، ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن _ فهذه علامات أولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن+.(1)
2_ ضعف الإيمان والتقوى: قال الله _عز وجل_ في حق الذين يؤثرون السحر: [وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] (البقرة:102).
قال ابن رجب× في بيان معنى هذه الآية: = والمراد أنهم آثروا السحر على التقوى والإيمان؛ لما رجوا فيه من منافع الدنيا المعجلة مع علمهم أنهم يفوتهم بذلك ثواب الآخرة.
وهذا جهل منهم؛ فإنهم لو علموا لآثروا الإيمان والتقوى على ما عداهما، فكانوا يحرزون أجر الآخرة، ويأمنون عقابها، ويتعجلون عز التقوى في الدنيا، وربما وصلوا إلى ما يأملونه أو إلى خير منه وأنفع؛ فإن أكثر ما يطلب بالسحر قضاءُ حوائجَ محرمةٍ أو مكروهة عند الله_عز وجل_.
__________
(1) _ الفرقان ص63_64.(1/34)
والمؤمن المتقي يعوضه الله في الدنيا خيراً مما يطلبه الساحر ويؤثره مع تعجيله عز التقوى وشرفها، وثواب الآخرة وعلو درجاتها؛ فتبين بهذا أن إيثار المعصية على الطاعة إنما يحمل عليه الجهل؛ ولذلك كان كل من عصى الله جاهلاً، وكل من أطاعه عالماً، وكفى بخشية الله علماً، وبالاغترار به جهلاً+(1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية× مبيناً فضل التقوى، وأنها سبب للولاية، وأن من كان ولياً لله أمكنه التفريق بين الصادق والكاذب.
قال: =فإذا كان العبد من هؤلاء _يعني من أولياء الله المتقين_ فرَّق بين حال أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، كما يُفَرِّق الصيرفي بين الدرهم الجيد والدرهم الزيف، وكما يفرق من يعرف الخيل بين الفرس الجيد والفرس الرديء، وكما يفرق من يعرف الفروسية بين الشجاع والجبان، وكما أنه يجب الفرق بين النبي الصادق، وبين المتنبئ الكذاب؛ فيفرق بين محمد الصادق الأمين رسول رب العالمين، وموسى، والمسيح، وغيرهم، وبين مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وطليحة الأسدي، والحارث الدمشقي، وباباه الرومي، وغيرهم من الكذابين، وكذلك يفرق بين أولياء الله المتقين وأولياء الشيطان الضالين+.(2)
3_ كثرة الوسائل المعينة على انتشار السحر، وسهولة الوصول إلى السحرة: حيث يوجد من القنوات الفضائية، والصحف، والمجلات، والكتب، ومواقع الإنترنت، وشركات الاتصالات، ما يعين على انتشار السحر، ونَفَاقِ سوقه.
4_ الطمع، والرغبة في كسب المال: سواء كان ذلك من قبل السحرة، أو قِبل القنوات الفضائية التي تُمكِّن لهم، أو من قبل شركات الاتصال، أو الصحف أو غير ما ذكر.
فإذا اجتمع إلى ذلك ضعفُ الإيمان أو انعدامه، وقلة المبالاة بمصدر الكسب _ فلا تسل عما سيحدث من شرخ وبلاء.
5_ الرغبة في استشراف المستقبل: فذلك يبعث إلى البحث، والسؤال؛ فالنفس الإنسانية مولعة بمعرفة الغيب.
__________
(1) _ لطائف المعارف لابن رجب ص380_381.
(2) _ الفرقان ص65_66.(1/35)
يقول ابن خلدون×: =اعلم أنَّ من خواص النفوس البشرية التشوف إلى عواقب أمورهم، وعِلْمِ ما يحدث لهم من حياة وموت، وخير وشر، سيما الحوادث العامة كمعرفة ما بقي من الدنيا، ومعرفة مُدَد الدول أو تفاوتها.
والتطلعُ إلى هذا طبيعةُ البشر، مجبولون عليها، ولذلك نجد الكثير من الناس يتشوفون إلى الوقوف على ذلك في المنام+.(1)
فإذا اجتمع إلى ذلك الجهلُ، والفراغُ، وضعفُ التقوى _ قاد إلى استشراف الغيب من أي مصدر ولو كان عبر السحر والشعوذة.
ولقد أشبعت الشرائع الإلهية، والرسل المبعوثون من عند الله هذه النزعة البشرية في النفس الإنسانية، فحدَّثت عن عالم الغيب، كالحديث عن الله _عز وجل_ وأسمائه وصفاته، وعن عالم الملائكة والجن، وعن الموت وسكراته، والقبر وفتنته، والبعث والنشور والجنة، والنار.
وكالحديث عن كثير من الحوادث المستقبلية كأشراط الساعة الصغرى والكبرى إلى غير ذلك من أخبار الغيب التي امتدح الله المؤمنين بها، وذم المكذبين بها.(2)
6_ كثرة الأمراض والأوهام: فهذا مريض مرضاً استعصى على العلاج، وذاك يعيش أوهاماً تقض مضجعه، وتؤرق جفنه، وهلم جرا.
فالرغبة في العلاج، والشفاء من تلك الأمراض تجعل المصاب يتعلق بأدنى شيء يوصله إلى ذلك.
7_ قلة العقوبات الرادعة للسحرة: ففي كثير من البلدان يسرح فيها السحرة، ويمرحون، ويزاولون أعمالهم دون رقيب عليهم.
بل ربما وجدوا الحماية، والتصريح لهم بفتح مراكز تعلم السحر، والكهانة.
8_ مشاهدة الصغار للأفلام الكرتونية المشتملة على الخرافة: كبعض ألعاب البلايستيشن وغيرها، مما يحتوي على ممارسات المشعوذين والدجالين، مما يجعل المشاهد يستمرئ ما يراه في صغره؛ فلا يكاد ينكره حال كبره.
__________
(1) _ مقدمة ابن خلدون ص587.
(2) _ انظر السحر والشعوذة د. عمر الأشقر ص263_266.(1/36)
9_ كثرة المشكلات وتعقيدات الحياة: فالحياة _بطبيعتها_ مليئة بذلك؛ فهذه زوجة تعاني من ظلم زوجها، وإعراضه، وذاك يعاني من البطالة، والفقر، وثالث يواجه الهم والغم والمرض، ورابع قد خسر أمواله في تلك المساهمة أو غيرها، إلى غير ذلك من المشكلات والتعقيدات.
فإذا اجتمع إلى ذلك الجهلُ، ورقةُ الدين، وقلة الناصح _ لم يبال أولئك وأمثالهم بالركون إلى أهل الدجل والخرافة مما يمنونهم بالأماني الباطلة، والوعود الكاذبة.
...
بطلان زيف السحرة واضح لكل ذي لب، وفساد صناعتهم يغني عن إفسادها ودحضها، وإذا اجتمع إلى ذلك بيان لباطلهم فهو زيادة في التنفير منهم.
والحديث فيما سيأتي بيان لشيء من ذلك على سبيل البسط.
1_ قيام صناعتهم على الكذب والدجل: فالسحرة والدجالون يسعون لإضلال الناس، ونهب أموالهم بِشُبَهٍ تروج على السُّذج، وأوهام يوحون بها أنها من أسرار الحكمة وهي _في الحقيقة_ من أسرارِ الغواية، وأكبرِ الأدلة على بطلان صناعتهم، وبُعْدها عن منهج التشريع مع زعمهم أن ما هم عليه هو الحقُّ، وأن ما يقولونه هو الطريق السوي الموصل إلى السعادة والحق.
يقول البوني(1) في خاتمة كتابه شمس المعارف المليء بالدجل والسحر والشر، يقول مخبراً عن هذا الكتاب: =فإنه نعم الرفيق، ونعم الأنيس الشفيق، ونعم الجليس الصديق لأهل الطريقة والحقيقة، ونعم السلاح للمجاهدة، ونعم الرماح للمشاهدة حتى إني ما نطقت عن الهوى، بل هي نار اقتبستها من أيمن وادي السعادة أشعلته من وادي طور النور على أغصان شجرة الحضور.
__________
(1) _ هو أحمد بن علي بن يوسف أبو العباس البوني، متصوف مغربي الأصل له مصنفات عديدة جعلها في الضلالات منها شمس المعارف، واللمعة النورانية، ومنبع أصول الحكمة، والسلك الزاهر، وغيرها، توفي في القاهرة سنة 622. انظر كشف الظنون لحاجي خليفة 2/1062، والأعلام للزركلي 1/174، والسحر للحمد ص203.(1/37)
واعلم أن كتابي هذا لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله كما قال _تعالى_: [لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ] (الرعد:11)+.
فما وجدته فيه فاعلم أن الأمر فيه كما وجدته، وبالله أقسم لا ألقيه لك إلا ظاهراً، ولا أدعك فيه متفكراً+.(1)
2_ أن كتبهم مليئة بالمخالفات الشرعية العظيمة: كالحلف بغير الله، وتعظيم من ليسوا على دين صحيح، وإلغاء معنى التكليف والابتلاء من الله _عز وجل_ وإسناد ما يجري إلى أسباب يرونها موجبة لما يحدث.
يقول البوني: =يا معشر الإخوان: ضمنوا الحكمة النفس الحية، ونزهوها من الصحف، والقراطيس، ولا تضمنوا ما يفتقر إلى غيره، بل اضمنوا ما الغير مفتقر إليه، فأولى الفنون بالتضمن فن البسط، والتكسير؛ إذ عليه أعمال الكون أجمعه، ومنه الطلاسم الدائمة إلى يوم البعث والنشور، والتأثير الذي لا ينكر، والسر الذي لا يجحد..+.(2)
يقول الدكتور أحمد الحمد _حفظه الله_: =ومن اطلع ولو على فهرس كتاب من كتب هؤلاء القوم _ أدرك أنهم يرون أن كل حادث في الكون من خصائص ما ذكروه، ونتيجة طبعية لما وصفوه من علم الحرف، والأوقات المختارة للأعمال، والطبائع الأربعة، والكواكب، وطبائعها، ومعادنها، وحروفها، وأفلاكها، وأعوانها، وخدمها، وعلم الكسر، والبسط، وكيفية استخدام الأفلاك العلوية، والأرواح السفلية، وغير هذا من مذهبهم، وشروطهم.
وهذا، ونحوه مؤداه إبعاد البشر عن التعلق بالله _تعالى_ وإخلاص العبادة له؛ لاعتقادهم أن ما ينال من أسرار تلك الأسماء، إذا علم وباشره المتعلق بما يناسبه حصل له أثره، وكأن الأمر حتمي، لا ارتباط له بالخالق المتصرف الذي يعطي ويمنع، ويقبل ويرد.
__________
(1) _ شمس المعارف 4/534، وانظر السحر بين الحقيقة والخيال ص203.
(2) _ منبع أصول الحكمة ص5، وانظر السحر بين الحقيقة والخيال ص204.(1/38)
وما قرره الشارع الحكيم من طلب الإخلاص في العبادة، والتضرع، والخيفة في الدعاء، مع ما أرشد إليه من سلوك مسببات إجابة الدعاء من إطابة المطعم والمشرب، ونحو ذلك _ يرد ما ذكروه، ويبطل ما وصفوه.
وإن اللبيب _حتى وإن قل علمه بالشرع_ ليعلم تمام العلم أن ما يذكره هؤلاء بعيد عن الصواب؛ لاختلاف الأحداث، وتباين الظواهر الكونية في كل الأعوام، ولو كان الأمر كما يذكر أولئك لحصل التشابه بين الحوادث، أو كان ما يحصل متقارباً في جميع الأعوام، وعلى مر العصور والأيام، فالحق ما أخبر الله _تعالى_ عنه بقوله: [وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ] (الأنبياء:35).(1)
3_ أن هناك أموراً كثيرة ترد مزاعم أولئك: خصوصاً من يرون تأثير الكواكب من المنجمين وغيرهم، ومن ذلك ما يلي:
أ_ أن آلاف الناس يولدون في دقيقة واحدة، ولو عُمِلَتْ دراسة على المواليد من واقع سجلات المستشفيات الكبرى في أي قطر من العالم لَوُجِدَ من الفروق ما يكذب ما يدعيه المنجمون الذين يرون أن من ولد في ذلك الوقت أو البرج سيكون حاله كذا وكذا.
ب_ ما يرى من آثار التربية، والثقافة، والصداقة على سلوك البشر: فالناس كلهم يولدون على الفطرة، كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة÷ قال: قال رسول الله": =ما من مولود إلا يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه+(2).
ففي هذا الحديث دليل على أن جميع البشر يولدون على الفطرة وهي الإسلام الدين الحق.
وأن ما يحصل من فساد وتغير سلوك خارج عن الفطرة إنما هو بسبب أثر التربية من الوالدين والمعلمين والأصدقاء وغيرهم؛ فلا أثر لوقت الولادة من الطوالع، أو أحرف الاسم، أو غير ذلك في سير حياة الإنسان.(3)
__________
(1) _ السحر بين الحقيقة والخيال ص204_205.
(2) _ البخاري (6599)، ومسلم (1358).
(3) _ انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص207.(1/39)
جـ_ أن الرسول" حكم بكفر من نسب المطر إلى الأنواء: فقد روى البخاري عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلى لنا رسول الله" صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلة فلما انصرف أقبل على الناس فقال: =هل تدرون ماذا قال ربكم؟+ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: =أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب+(1).
فالحديث دليل على بطلان أثر الكواكب في نزول المطر، حيث إن الرسول" بيَّن أن من نسب ذلك إليها فهو كافر، ومن أضافه إلى الله _عز وجل_ فهو المؤمن.(2)
4_ حال السحرة والمشعوذين: فهي تنبي عن بطلان دعاواهم، وتخبر عن فساد صناعتهم؛ إذ لو كان ما يدعونه حقاً لنالوا الخيرات، ولسلموا من السيئات.
ولكن واقعهم عكس ذلك؛ فالغالب على أحوالهم الفقر، والتعاسة، والحرمان، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك.(3)
5_ اعتراف كثير من زعمائهم بأن هذه الصناعة تقوم على التخرص والتوهم وأنها لا تفيد العلم ألبتة: يقول أبو نصر الفارابي: =واعلم أنك لو قلبت أوضاع المنجمين؛ فجعلت السعد نحساً، والنحس سعداً، والحار بارداً، والبارد حاراً، والذكر أنثى، والأنثى ذكراً، ثم حكمت _لكانت أحكامك من جنس أحكامهم تصيب تارة، وتخطئ تارة+.(4)
6_ أن هؤلاء القوم أنفسهم أقروا بفساد صناعتهم: إذ إن كل فريق يحكم بفساد أصول الفريق الآخر، وكلما جاءت أمة نقضت أصول من سبقها، وادعت أن أصولها هي الصحيحة دون من سواها.
__________
(1) _ أخرجه البخاري (846)، ومسلم (71).
(2) _ انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص208.
(3) _ انظر السحر بين الحقيقة والخيال ص208، والتنجيم والمنجمون ص197.
(4) _ مجموع الفتاوى المصرية لابن تيمية 1/332، وانظر التنجيم والمنجمون ص185، وقد ذكر صاحب هذا الكتاب عدداً من أقوالهم. انظر ص185_187.(1/40)
وهذا يبرهن على أن أصولهم المزعومة إن هي إلا محض دجل، وحدس.(1)
7_ أن دعاوى السحرة، والمنجمين مما أنكره الناس على مر العصور: حيث أدركوا ضلال هذا العلم، وكذب أهله، حتى صار بهتانهم مشهوراً بين الناس كافة من كثرة ما قيل فيه.
يقول قسُّ بن ساعدة:
علم النجوم على العقول وبال ... وطِلابُ شيءٍ لا ينال ضلال
ماذا طِلابك عِلمَ شيءٍ غُيِّبتْ ... من دونه الخضراءُ ليس ينال
هيهات ما أحد بغامضِ فطنةٍ ... يدري كمِ الأرزاق والآجال
إلا الذي فوق السماء مكانه ... فَلِوَجْهِه الإكرام والإجلال(2)
وقد أودع كثير من العلماء في مصنفاتهم كثيراً من الشواهد والأقوال على بيان دجل الكهان والمنجمين.
ومن هؤلاء العلماء ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة؛ حيث ذكر كثيراً من الأدلة على فساد أقوالهم.
8_ فساد إجماعاتهم: فهم إذا أجمعوا على وقوع شيء فإنه لا يقع غالباً.
وهذا دليل على فساد صناعتهم، وعلى أن أحكامهم مجرد ظنون كاذبة.
وقد حمل لنا التاريخ قصصاً كثيرة في هذا السياق.
ومن أشهر ذلك ما زعمه المنجمون من أن المعتصم لا يفتح عمورية، وراسلته الروم بأنا نجد في كتبنا أنه لا تُفتح مدينتنا إلا في وقت التين والعنب، وبيننا وبين ذلك الوقت شهور يمنعك من المقام بها البرد والثلج؛ فأبى المعتصم أن ينصرف، وأصرَّ على فتحها، وأبطل ما قالوا؛ فأنشأ أبو تمام قصيدته المشهورة التي مدح فيها المعتصم، وبيََّن كذبَ المنجمين، وفسادَ علومهم، فقال:
السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتب ... في حده الحدُّ بين الجدِّ واللعبِ
بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهن جلاء الشك والريبِ
والعِلْمُ في شُُهبِ الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهبِ
أين الرواية بل أين النجوم وما ... صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذب
تخرصاً وأحاديثاً ملفقةً ... ليست بنبع إذا عدت ولا غرب
__________
(1) _ انظر التنجيم والمنجمون ص187_190.
(2) _ انظر المحاسن والمساوئ للبيهقي ص327_ 328، والتنجيم والمنجمون ص108 و 190_191.(1/41)
عجائباً زعموا الأيام مجفلةً ... عنهن في صفر الأصفار أو رجبِ
وخوّفوا الناس من دهياءَ مظلمةٍ ... إذا بدا الكوكبُ الغربي ذو الذنبِ
وصيّروا الأبرُجَ العليا مُرَتَّبةً ... ما كان منقلباً أو غير منقلبِ
يقضون بالأمر عنها وهي غافلةٌ ... ما دار في فلكٍ منها وفي قطبِ
لو بينت قط أمراً قبل موقعهِ ... لم تُخْفِ ماحل بالأوثان والصلبِ(1)
وقد ذكر الشيخ الدكتور عبدالمجيد المشعبي _حفظه الله_ في كتابه التنجيم والمنجمون عدداً من القصص في هذا القبيل.(2)
9_ أن صناعة السحر والدجل بأنواعها ضرر على من يتطلبها: وصدق الله إذ يقول: [وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ].
وذلك أن متوقع السعادة من تلك الصناعة يحصل له من قلق المُتَوقَّع، وحرقة الانتظار ما يقطعه عن مصالحه؛ فإذا تأخر السعد أو تخلَّف _وهذا هو الأغلب_ وقع في حسرات وندامات على ما فاته من السعد الموهوم؛ فآل إلى ضرر محض.
أما متوقع النحس فهو حاصل له قبل وقوعه؛ فيبقى في غم، وفي انتظار غم؛ حيث جمع إلى انتظار الخوف خوفاً؛ فانتظار الشر أشد من وقوع الشر.(3)
ومن خلال ما ذُكِرَ وما لم يذكر يتبين فساد هذه الصناعة، وضررها المحض على الدين والدنيا، والمقام لا يحتمل مزيداً من التفصيل.
وتحته أربعة مباحث:
المبحث الأول: السحر في الحاضر: وفيه حديث عن مظاهر السحر الحديثة، والوسائل المستخدمة في نشر السحر والكهانة.
المبحث الثاني: اتخاذ السبل الواقية من السحر والعين.
المبحث الثالث: العناية بفقه الرقية الشرعية.
المبحث الرابع: الوقوف في وجه السحرة.
انتشرت صناعة السحر بكافة صورها في العصر الحاضر، وبلغت أوجها؛ وأخذت مظاهر كثيرة، وصوراً شتى، وأصبح السحر _في أغلب صوره_ وسيلة من أعظم وسائل الصدِّ عن الهدى، وأكل أموال الناس بالباطل.
__________
(1) _ شرح ديوان أبي تمام للتبريزي 1/24.
(2) _ انظر التنجيم والمنجمون ص193_196.
(3) _ انظر التنجيم والمنجمون ص197.(1/42)
وفِعْلُ أولئك الأفاكين يقوم _غالباً_ على التمويه على الناس، ودراسة أحوال الضحية بما يتضح من شكلها، وبما ينطق بها لسانُها من خلال استدراج ذكي، يُرتَّب عليه إخبار بأمور عامة يتعرض لها الإنسان _غالباً_ في حياته اليومية، وتتفق مع دراستهم السابقة لحاله كالأمور العاطفية، والمالية، والصحية، ونحو ذلك.
فإذا حصل ما يحصل للمرء عادة، ووافق تمويهات ذلك الأفاك شُهر بين الناس؛ فصار الزور والبهتان يغزو العقول الخاوية من العلم والبصيرة، ويعمل عمله في القلوب الخالية من الإيمان والهدى؛ فَيَبْعُد صِيْتُ أولئك الفجرة، ويروج إفكهم، فيكون لهم زبائن ومروجون.
وبعد أن كان السحر _بكافة صوره_ مقصوراً على أناس محدودين في أماكن أقرب للسرية والخصوصية _ صار له في عصرنا الحاضر رواج، وأخذ مظاهر كثيرة، وأساليب متنوعة، وساهمت وسائل الإعلام في انتشار تلك الظاهرة، فصار التعامل مع السحرة سهلاً ميسوراً.(1)
وفيما يلي ذكر لبعض المظاهر، والوسائل المستخدمة في نشر السحر والكهانة:
1_ انتشار السحر والدجل عبر القنوات الفضائية: وتعد هذه الوسيلة أوسع طرق انتشار السحر والدجل.
ومن أبرز المظاهر والأساليب في هذا الباب ما يلي:
أ_ ما ظهر في بعض القنوات الفضائية كالبرنامج المسمى بعلم الحجارة الكريمة, حيث يُحدد لكل متصل نوعٌ من هذه الحجارة, ومن خلالها يمكن استشراف مستقبله.
ب_ ظهرت قنوات متخصصة في الكهانة والسحر والشعوذة، وجعلت جُلَّ وقتها لبث مثل هذه الأفكار، وجذب المشاهدين لها.
جـ_ بعض هذه القنوات قد لا يظهر السحر والشعوذة فيها بالصورة الواضحة, لكنهم في الحقيقة يستفيدون من وسائل السحرة وطرقهم, كطريقة (الخادم والتابع).
وبعضهم يمرر بعض أفكاره بأشكال وقوالب شرعية, كالرقية الشرعية، وهي بعيدة كل البعد عن ذلك.
__________
(1) _ انظر التنجيم والمنجمون ص135.(1/43)
د_ بعض هذه القنوات يظهر على شاشتها من يكتب الأحراز والتعاويذ على لوحة في القناة, ويأمر المشاهدين بكتابتها, وأغلب هذه التعاويذ والأحراز طِلِّسْمات أقرب ما تكون لطِلِّسْمات السحرة والمشعوذين.(1)
2_ عناية بعض المواقع الإلكترونية بالسحر والدجل: حيث يوجد بعض المواقع عبر الشبكة العالمية الإنترنت وهي تمارس الشعوذة والكهانة، وتُعَلِّم الناس ذلك الإفك.
3_ الاتصال الهاتفي العشوائي: حيث يتصل بعض المشعوذين بأرقام غير مقصودة، ثم يقول للمُتَّصَل عليه: إنك مريض، أو مسحور، وإن لدي علاجاً لمشكلاتك الصحية والنفسية؛ فما عليك إلا أن تتواصل معي، وترسل لي مبلغاً معيناً من المال، وسترى الصحة والعافية، والسعادة.
وغالب هذه الاتصالات تأتي من بعض بلاد أفريقيا.
4_ نشر الدجل والسحر والشعوذة عبر الصحف والمجلات: وهذا من أوسع الطرق انتشاراً، ويكون التنجيم فيها تحت عنوان: الأبراج، أو الحظ والأبراج، أو حظك والنجوم، أو ما شاكل هذه العنوانات.
ويستخدم كتابُها طريقَ التمويه، والكلام المجمل الذي يَصْدُقُ على كثير من الناس.
وإليك هذا المثال من مجلة (كل العرب) تحت برنامج الحظ والنجوم يقول المحرر: =الحمل: العشر الأول: على تيار عاطفي، قد يؤدي إلى النجاح أو السعادة، رغم نزعة بالغة نحو التردد أو الإهمال، أو الهجومية في الكلام، اهدأ.
العشر الثاني: اندفاعك مجدٍ في هذه الأيام، وقد تكون أهدافك في متناول اليد، ومبادراتك مثمرة مع نتائج مادية واضحة ملموسة+(2).
__________
(1) _ هذه الفقرة مستفادة من حلقة نقاش بعنوان: (السحر والكهانة في ثوبها الجديد) وقد عقدت في اللقاء الشهري لقسم العقيدة بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القصيم 17/6/1428هـ.
(2) _ مجلة كل العرب العدد 370 ص69.(1/44)
ويتضح من هذا المثال طريقة هؤلاء في التمويه والكلام المجمل، وبالإضافة إلى ما ذكر فإن أحكام بروجهم المزعومة متناقضة فيما بينها، ولعل نجومهم تدلي لكل منهم بحكم يختلف عن الحكم الذي تدلي به للآخر، فنجد المحرر في المجلة السابقة الذكر يذكر صفات مواليد برج الأسد من (24 يوليو إلى 23 أغسطس) وما سيحدث لهم في مستقبل أيامهم فيقول: =العشر الأول: أجواء قد تكون ملائمة على الصعيد الفكري أو الدراسي، مع سهولة في الابتكار أو الكتابة، قد تشعر بأن الظروف ليست مائة في المائة في صالحك، مما قد يسبب تأخيراً في مشاريعك.
العشر الثاني: جدي، العشر الثالث: على تيار عصبي مع نزعة خفيفة نحو خوض المعارك كلامياً+.(1)
أما في مجلة الصياد، وفي نفس المواليد يقول المحرر: =حافظ على أسرار الناس، ولا تخن الأصدقاء، وتضعهم في موقف حرج، استمتع بكل لحظة من حياتك هذا الأسبوع؛ لأنها قد تبعدك عن الجو لفترة طويلة، خطر يهدد حياتك العاطفية، لا تتردد في قول الحقيقة+.(2)
ولا يُدرى كيف تنفق الأجواءُ الملائمة على الصعيد الفكري والدراسي مع وجود أخطار على الحياة العاطفية؟ أم كيف تتفق الجدية مع خيانة الأصدقاء، وإفشاء أسرار الناس؟
ولو أردتَ تَتَبُّعَ هذه الفجوات لوجدتَ أن جدرانهم كلَّها مهلهلة من كثرة الخروم والفجوات، ولطال بك المقام، وهو لا يحتمل الإطالة، وما أشير إليه فيه كفاية عن ذكر أمور لا تخرج عن ذلك.(3)
5_ تأليف الكتب ونشرها: حيث يُنْشَر السحرُ والخرافة عبر الكتب المؤلفة في هذا الفن في كثير من البلاد الإسلامية مع سهولة بيعها وشرائها، وتداولها؛ مما يُمَكِّن للخرافة، ويجعل لها أرضاً خصبة تنمو فيها، وتثمر.
__________
(1) _ مجلة كل العرب العدد 370 ص69.
(2) _ مجلة الصياد العدد 2341 ص76.
(3) _ انظر التنجيم والمنجمون ص136_137.(1/45)
ويوجد مكتباتٌ تتبنى طباعة مثل هذه الكتب ونشرها، كمكتبة الجمهورية العربية بمصر، ومطبعة دار الطباعة المحمدية بمصر، والمكتبة الحديثة والمكتبة الأهلية في بيروت.
أما الكتب التي تُنشر فمنها ما هو قديم ككتاب (بغية الطالب في معرفة الضمير للمطلوب والطالب والمغلوب والغالب) لأبي معشر الفلكي، وكتاب (شمس المعارف) وكتاب (منبع أصول الحكمة) وكلاهما لأحمد البوني.
ومنها ما هو مؤلفٌ حديثاً ككتاب (مفاتيح الحظ) وكتاب (حظك معك) وكلاهما لأحمد الصباحي.(1)
وكتاب (من اسمك تعرف حظك) وكتاب (من شهر ميلادك تعرف حظك) و(التنويم المغناطيسي) وثلاثتها لمن يسمى عميد الفلكيين العرب حميد الأزري.
كما تصدر الآن بانتظام آلاف الكتب حول كيفية الاستفادة من التنجيم في مسائل المال، والأعمال، والسفر، والزواج.(2)
6_ وجود معاهد تقوم بتعليم التنجيم، وإعطاء المتعلمين شهاداتٍ بذلك: وذلك منتشر في كثير من أنحاء العالم، وهذه المعاهد تتيح للباحث دراساتٍ جادةً في كيفية صناعة التنجيم، حتى إن جامعة هارفارد قبلت عام 1960م رسالة دكتوراه تقدم بها طالب في موضوع التنجيم، وأنشئت في بريطانيا كلية الدراسات التنجيمية.
__________
(1) _ انظر التنجيم والمنجمون ص137_138.
(2) _ المرجع السابق ص138.(1/46)
كما أنشئ في مصر معهد للغرض نفسه يسمى بمعهد الفتوح الفلكي العام لمصر والأقطار الشرقية، ويقوم المعهد بتدريس العلوم الفلكية الروحانية داخل المعهد وخارجه، ويتم تدريس الذين هم خارج المعهد عن طريق المراسلة، وذلك بإرسال برامج الدروس إلى عمله، أو منزله، أو بلده، أو دولته، وتقع هذه الدروس في مائتي درس مشتملة على دراسة المسائل الشخصية والطوالع الميلادية، والأحوال الجوية وتأثيرها على الأرض، والأحوال الزراعية، والتخرص بغلائها ورخصها، وكثرتها، وقلتها في أي زمان ومكان، وغير ذلك من مسائل التنجيم، فإذا اجتاز الطالب هذه المراحل منح شهادةً على ذلك.(1)
7_ إنشاء اتحاد للمنجمين: حيث أنشئ في العالم أكثر من اتحاد للمنجمين، ولكن أشهرها وأوسعها صيتاً هو الاتحاد العالمي للفلكيين الروحانيين في فرنسا، والذي يقوم على إدارته حميد الأزري(2) كرئيس لهذا الاتحاد، والألوسي(3) نائباً عنه، ويضم هذا الاتحاد خمسة وخمسين ألف عضو لا يؤخذ منهم رسومٌ للاشتراك، ويتردد عليهم أناس من طبقات مختلفة، ومن جنسيات متنوعة.
__________
(1) _ انظر التنجيم والمنجمون ص138_139.
(2) _ نشأ في بغداد، ثم رحل إلى باريس، حيث أصبح رئيساً لهذا الاتحاد هناك، وقد هلك قريباً. انظر مجلة الوطن العربي عدد 49_575 ص59، وجريدة المسلمون عدد 36 ص8_9، وانظر التنجيم والمنجمون ص140.
(3) _ أشهر الفلكيين الروحانيين في لندن، ونائب الأزري، يدعي أنه يعلم حقيقة الروح، وأنه يعلم الغيب، ومتى يموت كل إنسان، وأنه يؤمن بتناسخ الأرواح، وأن ما يحدث في هذا العالم من انفجارات وحروب واغتيالات إنما هو بسبب لعنته عليهم، ويقيم الآن في جناح خاص بفندق انتركونتيننتال، أحد أشهر الفنادق الإنجليزية، ورواده من الفنانين والمطربين والشخصيات العامة، ويرأس مجلة البلورة السحرية. انظر جريدة المسلمون عدد 32، ص1،7، وعدد 36 ص1، وانظر التنجيم والمنجمون ص140.(1/47)
والشيء الذي يؤكد كذب هؤلاء وبطلان ادعاءاتهم أن الرئيس ونائبه عندما سئلوا عن مصدر هذا العلم صرح الرئيس بأنه عن طريق الجن، وصرح الآخر أنه أخذه عن طريق الوراثة، وهل سَمِعْتَ من قبل أن العلوم تنتقل عن طريق الوراثة إلا من هذا؟!
بل اعترف رئيس الاتحاد بأن 99% من السحرة دجالون، لكن هناك 1% صادق حسب زعمه، ولفظ السحرة يريد به المنجمَ والعرافَ ونحوَهم، ومن غير شك أنه يُدْخِلُ نفسه ضمن النزر القليل الذين استثناهم من الدجالين، بل يَعُدُّ نفسه أنه أفضلهم؛ فإذا أثبتنا أنه من ضمن الدجالين كملت النسبة؛ حيث إن أقواله اشتملت على تناقضات كثيرة مما يبين أن صناعتهم هذه قائمة على الكذب على الناس وإيهامهم أن النجوم هي التي دلت على هذه الأحكام، والنجوم بريئة من ذلك، فمثلاً ذكر الأزري في موضع: =أن قراءة الأشياء هذه _يعني المغيبات_ تعود إلى حسابات فلكية، وتعود إلى أمور تعلمناها بعون الله+.
وذكر في موضع آخر أن معرفته هذه كانت عن طريق الجن فقال: =عندما كان عمري خمس عشرة سنة، كنت أسير في أحد أزقة بغداد، وإذا بصوت يقول: قف يا حميد! ووقفت فلم أجد أحداً.. فمشيت فإذا بالصوت يقول: يا حميد قف! ارتبكت.. وضعت جلبابي في فمي، وحاولت الجري، فَوَقَفَتْ قدماي تماماً لمدة سبع ثوان، فإذ بماء يسقط!!
وفي يوم ثان حدثت أمور ثانية، وكنت أنظر إلى شخص فأقول عنه: إنه سيموت، وبالفعل يحدث ذلك، فخفت من ذلك، كنت أقول لنفسي: غداً سيحدث كذا، فإذا به يحدث!
ثم بعد فترة قابلت شخصاً أشك أنه جني! وقال لي: ألا تعرف إنساناً يعرف قراءة الكف؟ ثم أعاد السؤال، فقلت: أنا أعرف، فقال: تعال، وعندما أمسكت كَفَّه رحت في حالة من الغيبوبة، فإذا بي أذكر له كل شيء عنه+.
والذي يدل على دجله _أيضاً_ أنه ذكر كل شيء عنه وما زال يشك هل هو جني أم لا؟(1/48)
أما الألوسي نائبه فهو أشد تناقضاً، وأكثر جرأة في الباطل؛ إذ إنه تارة يدعي معرفة مستقبل الدول من النجوم، وتارة يدعي أنه يغمض عينيه ويستطيع أن يخبر بكل ما سيحدث، وتارة يدعي أنه يستطيع أن يخبر بكل ما سيحدث عن طريق المراسلة من الشخص السائل، وقد أتى بما لم تأت به الأوائل؛ فإذا كانت هذه أحوال رؤسائهم، فما بالك بمن تحتهم؟(1)
8_ الجهود الشخصية: تتمثل في وجود منجمين دجالين يعملون لأنفسهم، دون أن تكون لهم مشاركة مع غيرهم من المنجمين.
وهؤلاء ينتشرون _تقريباً_ في جميع أرجاء العالم إما متسترين أو ظاهرين بحسب محاربة الدولة لهم أو سكوتها عنهم.
ويعلن هؤلاء عن أنفسهم في الجرائد والمجلات، ويقومون أحياناً بالدعاية لأنفسهم في دليل الهاتف، وأحياناً في محطات الحافلات، وقطارات الأنفاق، وقد يوزعون منشورات تشرح الخدمات التي يقدمونها، ويزعمون فيها أنهم أفضل من منافسيهم، كما هو الحال في أمريكا والمغرب ومصر وغيرها من البلدان.
وبعض المشعوذين يستخدمون نساءً للترويج لهم في الأماكن العمومية: كالحمامات، والأسواق، والمستشفيات مقابل عمولة نقدية.(2)
__________
(1) _ انظر التنجيم والمنجمون ص140_141.
(2) _ انظر التنجيم والمنجمون ص141_142.(1/49)
9_ استخدام بعض الدول للتنجيم في الأمور السياسية: كاستخدام المخابرات الأمريكية التنجيم في هذا الغرض، حيث نقلت جريدة المدينة عن مدير سابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وهو مايلز كوبلند أنه ذكر: =أن علم التنجيم والطوالع كان يقع ضمن اهتمامات الوكالة المركزية خلال الفترة التي عمل فيها بالوكالة في الستينات، وقال في رسالة نشرتها له صحيفة التايمز البريطانية في عددها الصادر هنا أمس الأول في باب رسائل من القراء أن الوكالة كانت تنظم في عهده دورات منتظمة، وخاصة حول ما أسماه بفنون التنجيم الحديثة لتدريب عملائها في هذا المجال، وأضاف أن الوكالة المركزية قامت في السابق بزرع المتخرجين من هذه الدورات في قصور عدد كبير من زعماء العالم الثالث+.(1)
ويلاحظ المتابعون لأخبار الانتخابات في العالم الغربي أن المتنبئين والمتنبئات ينشطون في فترة الانتخابات في التنبؤ فيمن يكون الرئيس المقبل، كما تكثر التنبؤات فيما سيكون عليه مستقبل البلادِ، والأخبارُ في ذلك كثيرةٌ جداً.(2)
10_ ظهور ما يسمى بالروحية الحديثة: وهي تقوم على استحضار الأرواح ويدعي أصحابها أنهم يستحضرون أرواح الموتى من مسلمين، ويهود، ونصارى، وبوذيين، وأهل جاهلية على تباين نحلهم، ويزعمون أنهم يعيشون جميعاً في سعادة وهناء.
ومعنى ذلك: أن السعادة والهناء لا تتوقف على الدين الذي يختاره الناس لأنفسهم، وذلك يؤدي إلى الاستخفاف بالأديان.
والذين يتبنون هذه الدعوة يزعمون استدعاء أرواح من مات، ومناجاتهم، واستفتاءهم في مشكلات الغيب ومعضلاته، والاستعانة بهم في علاج مرضى الأبدان والنفوس، وفي الإرشاد إلى المجرمين، وفي الكشف عن الغيب، والتنبؤ عن المستقبل.
__________
(1) _ جريدة المدينة عدد7695، وانظر التنجيم والمنجمون ص142_143.
(2) _ انظر عالم السحر والشعوذة ص64.(1/50)
وقد اجتذبت هذه الدعوة كثيرين، فظنوا أنهم على الحق تحت تأثير ما يصوره لهم الوهم، وما قد يقع لهم من الغرائب.(1)
قال د.محمد محمد حسين: =وقد لَقِيَتْ هذه المزاعم فوق ما يتوقعه أصحابها من رواج، حتى تسابقت إلى تتبع أخبارها ونشر دعاواها صحف ومجلات لم تكن من قبل تنشط لشيء يمس الروح أو الحياة الآخرة، ولم تكن في يوم من الأيام داعية إلى الدين أو الإيمان بالله، وكان كثير مما تنشره تلك الصحف والمجلات في هذا الباب أدنى إلى الدعاية منه إلى الخبر.
فنشرت مجلة صباح الخير _وهي فيما أعلم ويعلم القراء أبعد شيء عن شؤون الروح كلها_ مقالاً في عددها الصادر في 4 سبتمبر عام 1958 تحت عنوان: =مدرس بكلية العلوم يشتغل في تحضير الأرواح+.
روت فيه عن الدكتور علي راضي المدرس بكلية العلوم بجامعة عين شمس كلاماً كله خلط وتخريف وتزييف للحقائق الدينية، وتلبيس لها في أذهان الناس يؤدي إلى زعزعتها، واضطراب مفاهيمها، فمن ذلك مثلاً قوله: =إن عطارد مهبط الأرواح الخاطئة، تذهب في أول الأمر؛ لتكفر عن ذنوبها، فجهنم موجودة في هذا الكوكب+.
ومن هذا الخلط والافتراء المضل المفسد _مثلاً_ ما رواه الدكتور راضي حين قال: =إن أكبر وسيط عالمي قد حضر إلى القاهرة منذ عدة أشهر، إنه أمريكي لا يزيد عمره عن 21سنة، وتسميه بعض الصحف الأمريكية نبي القرن العشرين؛ لكثرة ما أتى من المعجزات... كتبتُ ورقة لأمي أسألها عن حالها، وأَحْضَرَ الوسيط الرد كتابة باللغة العربية رغم أنه لا يعرف منها حرفاً+.
ويمضي في سرد هذه الشعوذات حتى يلقي بفريته الكبرى حين يقول: =وأغرب ما حدث في هذه الجلسة هو ما أعلنته الروح الكبرى سوزان؟1
__________
(1) _ انظر الروحية الحديثة دعوة هدامة تحضير الأرواح وصلته بالصهيونية العالمية د. محمد محمد حسين ص5 و6 و9 و13، وقد بيّن× في هذا الكتاب خلاصة تجربته مع هذه الخرافة، وبيّن بطلانها وزيفها بالأدلة العقلية والنقلية.(1/51)
وفجأة أعلنت سوزان أن جبريل معنا.. ولم يعرف أحد من هو جبريل، فضحكت وقالت: ألا تعرفون جبريل الذي كان ينزل بالقرآن على محمد؟!
إنه يبارك هذا الاجتماع+.
وأكثر من هذا جرأة وأوغل منه في التدليس ما روته الصحيفة عقب هذا الخبر من أن الدكتور علي راضي قد أبدى أسفه؛ لأنه لم يكن يملك وقتذاك آلة لالتقاط صور بالأشعة تحت الحمراء؛ لكي يلتقط بها صورة سيدنا جبريل _عليه السلام_!!
ويختم الدكتور علي راضي حديثه _أو تختمه له المجلة_ بالدعاية لجمعيته الروحية الجديدة التي سماها (جمعية الأهرام الروحية) والتي تم تسجيلها فيما روت الصحيفة وقتذاك منذ أسابيع، وقد اختير هو رئيساً لها، واختير حسن عبدالوهاب مدير السكرتارية والمحفوظات بوزارة الشؤون البلدية والقروية سكرتيراً لها.
وضمت إليها عدداً كبيراً من المثقفين فيما يروي رئيسها بين مهندس وطبيب وقاضٍ وسفير ووزير سابق+.(1)
11_ ما يسمى بـ: الدنبوشي: وهو نوع من سحر التأثير، وكثيراً ما يستعمل في الأوساط الرياضية؛ للتأثير على نتيجة مباراة قادمة، أو لمعرفة الفائز فيها.
فهذه بعض مظاهر السحر والدجل الموجودة في عصرنا.
...
ما من ريب أن أعظم مرتادي السحرة هم من أصيب بتلك المصائب أو تَوَهَّم ذلك؛ لذا فإن اتخاذ سبل الوقاية عاصم _بإذن الله_ من الوقوع بتلك الآفات، ومنجٍ من التردد على السحرة.
ومن تلك السبل على سبيل الإجمال _ ما يلي:
1_سلامة العقيدة من التلبُّس بالشرك والبدع؛ فذلك حصن حصين _بإذن الله_ ويعني ذلك ابتعاد المسلم عن كل ما يضعف إيمانه ويقينه، أو يتسبب في خروجه عن دائرة الإسلام.
2_قوة التوكل على الله، واليقين بأنه وحده هو النافع الضار؛ فالتوكل من أعظم الأسباب لدفع البلايا ورفعها [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ](الطلاق: 3).
__________
(1) _ الروحية الحديثة ص16_18.(1/52)
فالتوكل من أعظم الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق، وعدوانهم؛ فإن الله _ هو حسبه وكافيه.
ومن كان الله كافيه، وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه، لا يضره إلا أذىً لا بد منه كالحر، والبرد، والجوع، والعطش _كما قال ابن القيم×_.
قال الله _عز وجل_ عن الشيطان وسلطانه: [إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)] النحل.
3_تجريد الخوف لله وحده، وترك الخوف من غيره.
4_تجنُّب الاسترسال مع الأوهام والخيالات.
5_الحرص على الاستعاذة بالله.
6_صفاء القلب، وسلامة النية، والبعد عن الغِلِّ للمسلمين.
7_المحافظة على الصلوات في أوقاتها مع الجماعة وأداؤها كما ينبغي؛ فتركها أو التهاون بها سبب لتسلُّط الشياطين.
8_كثرة ذكر الله، والتحرُّز بالأوراد في الصباح والمساء.
9_تعويذ الأولاد.
10_التوبة، والاستغفار؛ فما يصيب العبد من بلاء إنما هو بسبب ذنوبه، فإذا تاب صُرف عنه ذلك.
11_الطهارة؛ فإن الشياطين تنفر منها ومن أهلها.
12_ستر المحاسن على ألا يترتب على ذلك ترك طاعة يجب إظهارها، أو فعل معصية.
13_تطهير المنزل من والتماثيل، والكلاب، وآلات اللهو، وأجهزة الفساد، وسائر المنكرات.
14_الدعاء؛ فإنه ينفع مما نزل ومما لم ينزل.
15_كثرة قراءة القرآن في المنزل وغيره وخصوصاً سورة البقرة.
16_أن يقول الإنسان إذا رأى ما يعجبه من نفسه أو من ولده أو غير ذلك: تبارك الله، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله.
17_أكل سبع تمرات عجوة، وهو نوع من أجود أنواع التمر بالمدينة، وقيل: سبع تمرات من أي تمر.
18_حفظ الله ـ عز وجل ـ بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه؛ فمن حفظ الله حفظه الله.
19_ الصبر، والاحتساب، وانتظار الفرج، وإحسان الظن بالله _جل وعلا_.
...(1/53)
قد يبتلى الإنسان بشيء من الأدواء، كالسحر، والعين، والضيق، والاكتئاب، وما جرى مجرى ذلك؛ فلا بأس على من أصيب بمثل هذه الأمور، أو توهم ذلك، أن يأخذ بالأسباب المباحة والمشروعة؛ فيعرض نفسه على الأطباء، سواء كانوا من الأطباء النفسيين أو غيرهم؛ لعله يجد عندهم دواءه؛ إذ كثير من الأمراض التي يتوهم أنها سحر، أو عين قد لا تكون كذلك.
وإذا أراد الرقية الشرعية فلا بأس بذلك؛ فالرقية الشرعية نافعة _بإذن الله_.
وفيما يلي نبذة عن الرقية وبعض ضوابطها:
أولاً: تعريف الرقية: هي القراءة على المريض، وتكون من العين، واللدغة، والسحر، والسم، والألم، والمرض، والهم، والغم، والمس، والجنون، والفزع، والصرع، وغير ذلك.
ثانياً: شروط الرقية: 1_أن تكون بكلام الله أو بالأدعية الشرعية، أو بالأدعية التي لا تصادم الأدعية الشرعية.
2_أن تكون باللسان العربي إلا إذا لم يمكن ذلك.
3_ألا يُعتمد عليها بنفسها؛ فهي سبب فقد تجدي، وقد لا تجدي.
4_أن تكون واضحة المعنى.
5_ألا تشتمل على شيء من دعاء غير الله.
6_ ألا تشتمل على شيء من عبارات محرمة كالسبِّ أو الشتم.
7_ألا تكون بهيئة محرَّمة كفعل بعض القراء؛ حيث يَتَقَصَّد حالة كون المريض جنباً، أو في مقبرة، أو في حالة تلطُّخه بنجاسة أو غير ذلك من الأمور المريبة الغريبة.
ثالثاً: آداب الراقي: أن يكون معروفاً بصلاح العقيدة، وبالاستقامة، والمحافظة على الصلوات مع جماعة المسلمين، وأن يكون ذا نفس مشرقة، مفعمة بالأمل وقوة الرجاء، بعيداً عن اليأس والقنوط، حافظاً لأسرار المرضى، وأن يكون قوي الشخصية، رابط الجأش؛ حتى لا تتلاعب به الشياطين.
رابعاً: حكم طلب الرقية من الآخرين: يجوز ذلك بالشروط السابقة، ولكن الأولى أن يقرأ الإنسان على نفسه أو على مريضه؛ فذلك أكمل لتوحيده، ثم إنه أحرص من غيره على شفاء نفسه ومريضه، فكلما اشتد اضطراره كلما قرب فرجه، فليقرأ، وليثق بالله، ولا يستعجل النتائج.(1/54)
خامساً: الذهاب للعرافين والسحرة للاستشفاء عندهم:
لا يجوز؛ لأن الله لم يجعل شفاء الأمة فيما حرم عليها، قال": =من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد+.(1)
وقال: =من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة+.(2)
فواجب على المسلم أن يحذر من الذهاب لهؤلاء، وحري به أن يأخذ بالأسباب المشروعة والمباحة، ويستحضر أن الشفاء قد يتأخر لحكمة، وأن بعض الأمراض قد تستعصي ويتأخر شفاؤها.
سادساً: بعض علامات السحرة والعرافين والدجالين:
1_أن يسأل عن اسم المريض أو أمه أو والده؛ ليستعين بذلك على معرفة المريض عن طريق الشياطين، ولا يَدْخُلُ في ذلك سؤالُ الطبيب؛ لأنه لا يُرتّب على الاسم شيء سوى تنظيم العمل.
2_أن يأخذ أو يطلب أثراً من آثار المريض كشعر، أو ثوب، أو صورة، أو غير ذلك.
3_أن يعطيه حرزاً في كتابات.
4_أن تكون قراءته غير مفهومة.
5_أن يطلب من المريض أن يذبح حيواناً، وقد يأمره بألا يذكر اسم الله عليه.
6_قد يطلب من المريض ألا يمس الماء مدة معينة.
7_وقد يعطيه أشياء يدفنها في الأرض.
8_وقد يعطيه أوراقاً؛ ليحرقها، ويتبخَّر بها.
9_قد يخبر المريض باسمه واسم أمه ويخبره بعلته التي جاء من أجلها.
10_قد يطلب من المرأة أن تتكشف، وتتبرج أمامه.
11_أن يشتمل كلامه على استغاثات بالجن كأن يقول: يا بدوح ونحو ذلك.
وأخيراً فإنه يحسن بالإنسان ألا يستعجل بوصف الراقي بالسحر، أو الشعوذة.
...
الوقوف في وجه السحر والسحرة واجب شرعي، لا يسع أحداً يقدر عليه أن يتنصل منه؛ فالواجب _إذاً_ أن تتضافر الجهود في سبيل الوقوف أمام ذلك السيل الجارف الذي يسعى للقضاء على الأديان، والأموال، والصحة، والعقول.
__________
(1) _ رواه أحمد 2/429، والحاكم في المستدرك 1/7_8، وقال =على شرطهما+ ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (4599).
(2) _ رواه مسلم (2230).(1/55)
وفيما يلي ذكر لبعض تلك السبل على سبيل الإجمال(1):
1_ بيان خطورة هذه الأعمال على العقيدة، والوعيد المترتب على إتيان السحرة، والكهان.
2_ فضح السحرة، والمشعوذين، وإسقاط ثقة الجمهور بهم ببيان كذبهم، وافترائهم.
3_ تقوية العلم الشرعي، وزيادة نشره بكافة الوسائل الممكنة كوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، وعن طريق الدروس والخطب، والمؤلفات.
4_ دعم المناهج التعليمية بما يقوي الجانب الإيماني في مثل هذه القضايا، والتحذير من مغبتها على أمن المجتمع ودينه، وأفراده.
5_ أن يكون للمعلمين والمعلمات دور في مثل هذه القضايا بالتوعية والتوجيه.
6_ نشر البيانات والفتاوى المنددة بتلك الأعمال من قبل المؤسسات والهيئات الشرعية.
7_ العناية بترسيخ الإيمان بالغيب، وأن الله هو المتفرد بالخلق، المتصرف بالكون، والعالم بالغيب وحده.
8_ القيام بالمستطاع من الأسباب التي تقطع دابر السحرة، وتقف في سبيل الوصول إليهم، والتمكين لهم.
9_ المكاتبة، والمناصحة لملاك القنوات والمجلات والصحف والمواقع التي تمكن للسحرة والمشعوذين.
ويحسن هذا من ذوي الجاه، والمنزلة؛ فذلك أدعى للقبول.
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد:
ففي نهاية البحث هذه خلاصة لأهم ما ورد فيه:
1_ السحر في اللغة يُطلق على الخداع، وعلى صرف الشيء عن حقيقته، وعلى إخراج الباطل في صورة الحق، وعلى كل ما لَطُفَ ودقَّ مأخذُه.
2_ السحر ليس نوعاً واحداً يشمله حدٌّ جامعٌ مانعٌ؛ لكثرة الأنواع الداخلة تحته، ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حدِّه اختلافاً متبايناً.
__________
(1) _ أكثر ما في هذا المبحث مستفاد من الورقة المعدة من قبل حلقة النقاش التي هي بعنوان (السحر والكهانة في ثوبها الجديد) وذلك في اللقاء الشهري لقسم العقيدة في كلية الشريعة وأصول الدين في جامعة القصيم 17/5/1428هـ.(1/56)
ومن التعريفات التي يمكن أن يُعرَّف بها أن يُقال: هو المخادعة أو التأثير في عالم العناصر بمقتضى القدرة المحدودة بمُعِيْنٍ من الجن أو بأدوية؛ أثر استعدادات لدى الساحر.
3_ اختلف العلماء في مقدار ما يبلغه الساحر بسحره تأثيراً على غيره، أو فعلاً يفعله هو، أو يفعله في غيره، وقد ورد في البحث بيانٌ لشيء من ذلك.
4_ هناك أعمال يمكن إلحاقها بالسحر؛ لما بينهما من التشابه، والاشتراك في ادعاء علم الغيب، أو سلوك الطرق المحرمة في الوصول إلى ذلك، ومن أشهر تلك الأنواع التي ذكرت في البحث ما يلي:
أ_ الكهانة والعرافة: ويُطلقان على من يتعاطى الخبر من الكائنات في مستقبل الزمان، ويدَّعي معرفة الأسرار.
ب_ التنجيم: وهو ادعاء معرفة أحكام النجوم المتعلقة بالعالم السفلي، وتأثيرات النجوم فيه.
جـ _ الطيرة: وهي التشاؤم من الشيء المرئي أو المسموع.
والتشاؤم: عدُّ الشيء مشؤوماً، أي يكون وجوده سبباً في وجود ما يحزن، ويضر.
د _ الخط على الرمل وما يلحق به.
وقد بُيِّن في البحث وجه إلحاق هذه الأنواع بالسحر.
5_ السحر حرام بلا خلاف عند أهل العلم، وجمهورهم يراه مكفراً، ونصوص الكتاب والسنة صريحة في حرمته.
وجمهور أهل العلم على أن تعلم السحر حرام، وأن الساحر كافر مطلقاً.
6_ للعلماء كلام طويل في حد الساحر، وقد ورد في البحث شيء من التفصيل في ذلك.
7_ اختلف العلماء في توبة الساحر؛ فمنهم من يرى عدم قبولها، ومنهم من يرى قبولها، وهو الراجح.
8_ الذهاب للسحرة ومن في حكمهم محرم معدود في كبائر الذنوب، بل قد يصل إلى الكفر والشرك الأكبر؛ وقد ورد في البحث تفصيلٌ لتلك الأحوال.
9_ أجمع المسلمون على تحريم أخذ أو دفع الأجرة التي يأخذها الكاهن على كهانته؛ لأنه عوض عن محرم، ولأنها أكل لأموال الناس بالباطل.
ويأخذ حكم الكهانة ما جرى مجراها من السحر والتنجيم، ونحو ذلك مما يتعاطاه من يتطلع الغيب.(1/57)
ويدخل في تحريم أخذ أو دفع الأجرة التي يأخذها الكاهن _ ما استجد من أساليب الكهان ونحوهم في هذا العصر سواء كان ذلك مباشرة، أو عبر الهاتف، أو الانترنت، أو القنوات الفضائية.
ويدخل في ذلك من أعان على ذلك بأي نوع من الإعانة.
10_ النُّشْرَة: رقيةٌ يُعالج بها المريضُ، ومن يُظن أن به مساً من الجنون، وتُطلق على حل السحر عن المسحور؛ لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء، أي يُكشف ويُزال.
11_ علاج المسحور ممكن، ويكون بالرقى الشرعية، أو بالتماس الأدوية النافعة المباحة؛ وهذه هي النُّشْرة المباحة.
أما حل السحر عن المسحور بالسحر فتلك النُّشْرة المحرمة التي لا تجوز.
12_ ورد في البحث تفصيلٌ لبعض أسباب انتشار السحر، ومنها: الجهل، وضعف الإيمان والتقوى، وكثرة الوسائل المعينة على انتشار السحر، وسهولة الوصول إلى السحرة، والطمع والرغبة في كسب المال، والرغبة في استشراف المستقبل، وكثرة الأوهام، وقلة العقوبات الرادعة للسحرة، ومشاهدة الصغار للأفلام الكرتونية المشتملة على الخرافة، وكثرة المشكلات وتعقيدات الحياة.
13_ بطلانُ زيف السحرة واضح لكل ذي لب، وفساد صناعتهم يُغني عن إفسادها، وقد ورد في البحث بيان لشيء من ذلك، ومما ورد: أن صناعتهم قائمة على الكذب والدجل، وأن كتبهم مليئة بالمخالفات الشرعية، وأن أحوال السحرة تُنبي عن بطلان دعاواهم، وأن كثيراً من زعمائهم يعترف بأن صناعتهم تقوم على التخرص.
14_ انتشرت صناعة السحر بكافة صورها في العصر الحاضر، وبلغت أوجها، وأخذت مظاهر كثيرة، وصوراً شتى، وقد ذُكر في البحث بعض المظاهر، والوسائل المستخدمة في نشر السحر والكهانة.
15_ ورد في البحث ذكرٌ لبعض السبل الواقية من السحر، والعين، والمس، والحسد وما شَاكَلَها.
16_ ورد في البحث نبذة عن فقه الرقية الشرعية.
17_ ورد في البحث ذكرٌ لبعض علامات السحرة.
18_ ورد في البحث ذكرٌ لبعض السبل التي تقف في وجه السحر والسحرة.(1/58)
فهذه خلاصة البحث، والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ــ المقدمة ... 3
الفصل الأول: مفهوم السحر وأنواعه ... 5
المبحث الأول: مفهوم السحر: ... 7
1_ السحر لغة ... 7
2_ السحر في الاصطلاح ... 7
المبحث الثاني: الفعل المستطاع للساحر: ... 9
_ تصوير ابنِ حجر الخلاف في تأثير السحر ... 9
_ كلام للشيخ الشنقيطي في بيان القدر للحد الذي يمكن أن يبلغه تأثير السحر ... 9
المبحث الثالث: أنواع من السحر: ... 11
أولاً: الكهانة والعرافة ... 11
1_ مفهوم الكهانة والعرافة ... 11
2_ وجه إلحاق الكهانة والعرافة بالسحر ... 12
ثانياً: التنجيم ... 12
1_ مفهوم التنجيم: ... 12
أ_ التنجيم في اللغة ... 12
ب_ التنجيم في الاصطلاح ... 13
2_ وجه إلحاق التنجيم بالسحر ... 13
ثالثاً: الطيرة ... 15
1_ مفهوم الطيرة: ... 15
أ_ تعريف الطيرة لغة ... 15
ب_ الطيرة في الاصطلاح ... 15
جـ _ اشتقاق الطيرة وسبب تسميتها بذلك ... 15
_ مما يدخل في مبحث الطيرةِ العيافةُ: ... 16
تعريف العيافة ... 16
2_ وجه كون الطيرة من السحر ... 16
رابعاً: الخط على الرمل، وما يلحق به ... 19
_ طريقة هذه الصناعة ... 19
_ ما يسمى بعلم الأسارير ... 19
الفصل الثاني: أحكام تتعلق بالسحر والسحرة ... 21
المبحث الأول: حكم تعلم السحر وتعليمه ... 23
المبحث الثاني: حكم الساحر ... 26
المبحث الثالث: حد الساحر: ... 29
1_ حالات القتل ... 29
2_ حالات عدم القتل ... 29
المبحث الرابع: توبة الساحر ... 34
المبحث الخامس: حكم الذهاب للسحرة وسؤالهم، وتصديقهم فيما يقولون ... 36
_ أحوال الذهاب للسحرة ... 36
_ تنبيه ... 38
المبحث السادس: الحكمة من النهي عن إتيان السحرة والكهان ونحوهم ... 40
المبحث السابع: حكم الأجرة المأخوذة على السحر والكهانة ونحوهما ... 41
الفصل الثالث: حل السحر عن المسحور (النشرة) ... 45
المبحث الأول: تعريف النشرة: ... 47
أ_ النشرة في اللغة ... 47
ب_ النشرة في الاصطلاح ... 47
جـ_ سبب التسمية ... 47
المبحث الثاني: إمكانية علاج السحر ... 48
المبحث الثالث: طرق نافعة مباحة لعلاج المسحور ... 49(1/59)
المبحث الرابع: حل السحر بالسحر ... 52
الفصل الرابع: أسباب انتشار السحر، وبطلان زيف السحرة ... 57
المبحث الأول: أسباب انتشار السحر: ... 59
1_ الجهل ... 59
2_ ضعف الإيمان والتقوى ... 62
3_ كثرة الوسائل المعينة على انتشار السحر، وسهولة الوصول إلى السحرة ... 63
4_ الطمع والرغبة في كسب المال ... 63
5_ الرغبة في استشراف المستقبل ... 64
6_ كثرة الأمراض والأوهام ... 65
7_ قلة العقوبات الرادعة للسحرة ... 65
8_ مشاهدة الصغار للأفلام الكرتونية المشتملة على الخرافة ... 65
9_ كثرة المشكلات وتعقيدات الحياة ... 65
المبحث الثاني: بطلان زيف السحرة، وفساد صناعتهم: ... 66
1_ قيام صناعتهم على الكذب والدجل ... 66
2_ أن كتبهم مليئة بالمخالفات الشرعية العظيمة ... 67
3_ أن هناك أموراً كثيرة ترد مزاعم أولئك ... 68
4_ حال السحرة والمشعوذين ... 70
5_ اعتراف كثير من زعمائهم بأن هذه الصناعة تقوم على التخرص والتوهم وأنها لا تفيد العلم ألبتة ... 70
6_ أن هؤلاء القوم أنفسهم أقروا بفساد صناعتهم ... 70
7_ أن دعاوى السحرة، والمنجمين مما أنكره الناس على مر العصور ... 71
8_ فساد إجماعاتهم ... 71
9_ أن صناعة السحر والدجل بأنواعها ضرر على من يتطلبها ... 72
الفصل الخامس: السحر في العصر الحاضر، والموقف من السحرة ... 75
المبحث الأول: السحر في العصر الحاضر: ... 77
_ بعض المظاهر، والوسائل المستخدمة في نشر السحر والكهانة: ... 78
1_ انتشار السحر والدجل عبر القنوات الفضائية ... 78
2_ عناية بعض المواقع الإلكترونية بالسحر والدجل ... 79
3_ الاتصال الهاتفي العشوائي ... 79
4_ نشر الدجل والسحر والشعوذة عبر الصحف والمجلات ... 79
5_ تأليف الكتب ونشرها ... 81
6_ وجود معاهد تقوم بتعليم التنجيم، وإعطاء المتعلمين شهاداتٍ بذلك ... 82
7_ إنشاء اتحاد للمنجمين ... 82
8_ الجهود الشخصية ... 85
9_ استخدام بعض الدول للتنجيم في الأمور السياسية ... 85
10_ ظهور ما يسمى بالروحية الحديثة ... 86
11_ ما يسمى بـ: الدنبوشي ... 89(1/60)
المبحث الثاني: اتخاذ السبل الواقية من السحر، والعين، والمس، والحسد، وما شاكلها ... 90
المبحث الثالث: العناية بفقه الرقية المشروعة: ... 93
أولاً: تعريف الرقية ... 93
ثانياً: شروط الرقية ... 93
ثالثاً: آداب الراقي ... 94
رابعاً: حكم طلب الرقية من الآخرين ... 94
خامساً:الذهاب للعرافين والسحرة للاستشفاء ... 94
سادساً: بعض علامات السحرة والعرافين والدجالين ... 95
المبحث الرابع: الوقوف في وجه السحر والسحرة ... 96
ــ الخاتمة ... 99
ــ الفهرس ... 105(1/61)