يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه ، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق ، عن الحسن وغيره ، عن عمران بن حصين قال : « لما نزلت { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم } إلى قوله : { ولكن عذاب الله شديد } أنزلت عليه هذه وهو في سفر فقال : » أتدرون أي يوم ذلك «؟ قالوا الله ورسوله أعلم! قال : » ذلك يوم يقول الله لآدم : ابعث بعث النار . قال : يا رب ، وما بعث النار؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار ، وواحداً إلى الجنة « فانشأ المسلمون يبكون . فقال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - » قاربوا وسددوا فإنها لم تكن نبوّة قط ، إلا كان بين يديها جاهلية ، فتؤخذ العدة من الجاهلية ، فإن تمت ، وإلا أكملت من المنافقين ، وما مثلكم : إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة ، أو كالشامة في جنب البعير « ثم قال : » إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة « فكبروا! ثم قال : » إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة « فكبروا! ثم قال : » إني لأرجوا أن تكونوا نصف أهل الجنة « فكبروا! قال : فلا أدري قال الثلثين أم لا » .
وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن مردويه ، عن عمران بن حصين قال : « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فتفاوت بين اصحابه في السير ، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوته بهاتين الآيتين { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم } إلى قوله { إن عذاب الله شديد } فلما سمع ذلك أصحابه حثوا المطي ، وعرفوا أنه عند قول يقوله ، فقال : » هل تدرون أي يوم ذلك؟ « قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : » ذلك يوم ينادي الله تعالى فيه آدم عليه السلام فيقول : يا آدم ابعث بعث النار ، فيقول أي رب ، وما بعث النار؟ فيقول من كل ألف تسعمائه وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد في الجنة « فتعبس القوم حتى ما أبدوا بضاحكة! فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بأصحابه قال : » اعملوا وابشروا ، فوالذي نفس محمد بيده ، أنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا أكثرتاه؛ يأجوج ومأجوج ومن مات من بني آدم ومن بني إبليس « فسري عن القوم بعض الذي يجدون قال » اعملوا وابشروا فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة « » .(7/115)
وأخرج ابن جرير « عن الحسن قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل عن غزوة العسرة ومعه أصحابه بعد ما شارف المدينة ، قرأ { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم } فذكر نحوه ، إلا أنه زاد فيه : » لم يكن رسولان إلا أن كان بينهما فترة من الجاهلية فهم أهل النار ، وإنكم بين ظهراني خليقتين لا يعادهما أحد من أهل الأرض إلا كثرتاه ، وهم يأجوج ومأجوج وهم أهل النار ، وتكمل العدة من المنافقين « » .
وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن أنس قال : « نزلت { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم } إلى قوله { ولكن عذاب الله شديد } على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسير له ، فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه فقال : أتدرون أي يوم هذا؟ هذا يوم يقول الله لآدم : » يا آدم ، قم فابعث بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، فكَبُر ذلك على المسلمين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم سددوا وقاربوا وابشروا ، فوالذي نفس محمد بيده ، ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير ، أو كالرقمة في ذراع الدابة ، وإن معكم لخليقتين ما كانتا في شيء قط إلا أكثرتاه : يأجوج ومأجوج ومن هلك من كفرة الإنس والجن « » .
وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية - وأصحابه عنده - { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم } فقال : » هل تدرون أي يوم ذاك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ذاك يوم يقول الله يا آدم ، قم فابعث بعث النار . فيقول : يا رب ، من كم؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحداً إلى الجنة . فشق ذلك على القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، ثم قال : اعملوا وأبشروا ، فإنكم بين خليقتين لم تكونا مع أحد إلا أكثرتاه : يأجوج ومأجوج ، وإنما أنتم في الأمم كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة ، وإنما أمتي جزء من ألف جزء « » .
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : « بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره في غزوة بني المصطلق ، إذ أنزل الله { يا أيها الناس اتقوا ربكم } إلى قوله { ولكن عذاب الله شديد } فلما أنزلت عليه وقف على ناقته ثم رفع بها صوته فتلاها على أصحابه ، ثم قال لهم : أتدرون أي يوم ذاك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ذاك يوم يقول الله لآدم : يا آدم ، ابعث بعث النار من ولدك . فيقول : يا رب ، من كل كم؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحداً إلى الجنة . فبكى المسلمون بكاء شديداً ودخل عليهم أمر شديد . فقال : والذي نفس محمد بيده ، ما أنتم في الأمم إلا كالشعرة البيضاء في الشاة السوداء ، وإني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ، بل أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة » .(7/116)
وأخرج ابن مردويه عن أبي موسى قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له . . . فذكر نحوه .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « يقول الله يوم القيامة : يا آدم ، ابعث بعث النار . فيقول : يا رب ، وما بعث النار؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون . فعند ذلك يشيب الوليد { وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد } قال : فشق ذلك على الناس فقالوا : يا رسول الله ، من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ويبقى الواحد! فأينا ذلك الواحد؟ فقال : من يأجوج ومأجوج ألف ، ومنكم واحد . . . وهل أنتم في الأمم كالشعرة السوداء في الثور الأبيض؟ أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود؟ » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن علقمة في قوله { إن زلزلة الساعة شيء عظيم } قال : الزلزلة ، قبل الساعة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الشعبي ، أنه قرأ { يا أيها الناس اتقوا ربكم } إلى قوله { ولكن عذاب الله شديد } قال : هذا في الدنيا من آيات الساعة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عبيد بن عمير في الآية . قال : هذه أشياء تكون في الدنيا قبل يوم القيامة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : زلزلتها شرطها .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { إن زلزلة الساعة شيء عظيم } قال : هذا بدء يوم القيامة . وفي قوله { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت } قال : تترك ولدها للكرب الذي نزل بها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله { يوم ترونها تذهل } قال : تغفل .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { تذهل كل مرضعة عما أرضعت } قال : ذهلت عن أولادها لغير فطام { وتضع كل ذات حمل حملها } قال : ألقت الحوامل ما في بطونها لغير تمام { وترى الناس سكارى } قال : من الخوف { وما هم بسكارى } قال : من الشراب .
وأخرج الطبراني والحاكم وابن مردويه وأبو الحسن أحمد بن يزيد الحلواني في كتاب الحروب ، عن عمران بن حصين أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى } .(7/117)
وأخرج ابن مردويه وأبو الحسن الحلواني والحافظ عبد الغني بن سعيد في إيضاح الأشكال ، عن أبي سعيد قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى } قال الأعمش : وهي قراءتنا .
وأخرج سعيد بن منصور عن حذيفة ، أنه كان يقرأ { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى } .
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه كان يقرأ كذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نهيك ، أنه قرأ { وترى الناس } يعني تحسب الناس . قال : لو كانت منصوبة كانوا سكارى ، ولكنها { ترى } تحسب .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الربيع { وترى الناس سكارى } قال : ذلك عند الساعة ، يسكر الكبير ويشيب الصغير وتضع الحوامل ما في بطونها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج { وما هم بسكارى } قال : من الشراب . والله أعلم بالصواب .(7/118)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم } قال : نزلت في النضر بن الحارث .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جرير مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ويتبع كل شيطان مريد } قال : تمرد على معاصي الله .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { كتب عليه } قال : كتب على الشيطان .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { كتب عليه } قال : على الشيطان { أنه من تولاه } قال : اتبعه .(7/119)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
أخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عبدالله بن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق : « إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات ، بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أو سعيد . فوالذي لا إله إلا غيره ، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها » .
وأخرج أحمد وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً على حالها لا تتغير ، فإذا مضت الأربعون صارت علقة ، ثم مضغة كذلك ، ثم عظاماً كذلك ، فإذا أراد أن يسوي خلقه بعث إليه ملكاً فيقول : يا رب ، أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ أقصير أم طويل؟ أناقص أم زائد؟ قوته أجله ، أصحيح أم سقيم؟ فيكتب ذلك كله » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود قال : النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك من الأرحام بكفه فقال : يا رب ، مخلقة أم غير مخلقة؟ فإن قيل غير مخلقة ، لم تكن نسمة وقذفتها الرحم دماً؛ وإن قيل مخلقة قال : يا رب ، أذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ ما الأجل وما الأثر وما الرزق؟ وبأي أرض تموت؟ فيقال للنطفة : من ربك؟ فتقول : الله . فيقال : من رازقك؟ فتقول : الله . فيقال له : اذهب إلى أمّ الكتاب ، فإنك ستجد فيه قصة هذه النطفة . قال : فتخلق فتعيش في أجلها وتأكل في رزقها وتطأ في أثرها ، حتى إذا جاء أجلها ماتت فدفنت في ذلك المكان « .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : إذا وقعت النطفة في الرحم ، بعث الله ملكاً فقال : يا رب ، مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دماً؛ وإن قال مخلقة قال : يا رب ، فما صفة هذه النطفة . . . أذكر أم أنثى؟ وما رزقها؟ وما أجلها؟ أشقي أم سعيد؟ فيقال له : انطلق إلى أم الكتاب فاستنسخ منه صفة هذه النطفة . فينطلق فينسخها ، فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفتها .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(7/120)
« إن الله تبارك وتعالى وكل بالرحم ملكاً قال : أي رب ، نطفة أي رب ، علقة أي رب ، مضغة؟ فإذا قضى الله تعالى خلقها قال : أي رب ، شقى أو سعيد؟ ذكر أو أنثى؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه » .
وأخرج أحمد ومسلم والبيهقي في الاسماء والصفات ، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول : « إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة » .
وفي لفظ : « إذا مر بالنطفة إثنتان وأربعون ليلة ، بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ، ثم قال : يا رب ، أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك ، ثم يقول : يا رب ، أجله؟ فيقول ربك ما شاء ، ويكتب الملك ، ثم يقول : يا رب ، رزقه؟ ويقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك ، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على أمره ولا ينقص » .
وفي لفظ : « يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة ، فيقول : يا رب ، أشقي أو سعيد؟ فيُكْتَبان فيقول : أي رب ، أذكر أو أنثى؟ فيكْتبان . فيكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص » .
وأخرج ابن أبي حاتم وصححه عن ابن عباس في قوله { مخلقة وغير مخلقة } قال : المخلقة ، ما كان حياً { وغير مخلقة } ما كان من سقط .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال : العلقة الدم ، والمضغة اللحم والمخلقة ، التي تم خلقها { وغير مخلقة } السقط .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { مخلقة وغير مخلقة } قال : تامة وغير تامة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية قال { غير مخلقة } السقط .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي قال : إذا دخل في الخلق الرابع كانت نسمة مخلقة ، وإذا قدم فيها قبل ذلك فهي غير مخلقة .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { مخلقة وغير مخلقة } قال : السقط مخلوق وغير مخلوق { ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى } قال : التمام .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى } قال : إقامته في الرحم حتى يخرج .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي { ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى } قال : هذا ما كان من ولد يولد تاماً ليس بسقط .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { لنبين لكم } قال : إنكم كنتم في بطون أمهاتكم كذلك .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله { وترى الأرض هامدة } قال : لا نبات فيها .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { وترى الأرض هامدة } أي غبراء متهشمة { فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } يقول : نفرق الغيث في سبحتها وربوها { وأنبتت من كل زوج بهيج } أي حسن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { زوج بهيج } قال : حسن .(7/121)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)
أخرج عبد بن حميد وعبدالله بن أحمد في زوائد الزهد ، عن معاذ بن جبل قال : من علم أن الله عز وجل حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، دخل الجنة .
وأخرج الخطيب وابن عساكر عن عائشة عن أبي بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إذا صلى الصبح مرحباً بالنهار الجديد والكاتب والشهيد ، اكتبا : بسم الله الرحمن الرحيم . . أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، وأشهد أن الدين كما وصف ، والكتاب كما أنزل ، وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور » .
وأخرج الحاكم في تاريخه عن أنس رفعه : « من قال في كل يوم أربع مرات : أشهد أن الله هو الحق المبين ، وأنه يحيي ويميت ، وأنه على كل شيء قدير ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، صرف الله عنه السوء » .(7/122)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير } قال : يضاعف الشيء وهو واحد .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ثاني عطفه } قال : هو المعرض من العظمة ، إنما ينظر في جانب واحد .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { ثاني عطفه } قال : لاوي رأسه معرضاً مولياً لا يريد أن يسمع ما قيل له .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم . عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ثاني عطفه } قال : لاوي عنقه .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { ثاني عطفه } قال : يعرض عن الحق { له في الدنيا خزي } قال : قتل يوم بدر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ثاني عطفه } أنزلت في النضر بن الحارث .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ثاني عطفه } قال : هو رجل من بني عبد الدار . قلت : شيبة؟ قال : لا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { ثاني عطفه } يقول : يعرض عن ذكري .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { ثاني عطفه } قال : متكبراً في نفسه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال : بلغني أن أحدهم يُحْرَق في اليوم سبعين ألف مرة .(7/123)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)
أخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { ومن الناس من يعبد الله على حرف } قال : كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال : هذا دين صالح؛ وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله ، قال : هذا دين سوء .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند صحيح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون ، فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن ، قالوا : إن ديننا هذا صالح فتمسكوا به؛ وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط ، قالوا : ما في ديننا هذا خير . فأنزل الله { ومن الناس من يعبد الله على حرف } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : كان أحدهم إذا قدم المدينة - وهي أرض وبيئة - فإن صح بها جسمه ونتجت فرسه مهراً حسناً وولدت امرأته غلاماً ، رضي به واطمأن اليه وقال : ما أصبت منذ كنت على ديني هذا إلا خيراً؛ وإن رجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة ، أتاه الشيطان فقال : والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شراً . وذلك الفتنة .
وأخرج ابن مردويه من طريق عطية ، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : « أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : » أقلني . فقال : إن الإسلام لا يقال . فقال : لم أصب في ديني هذا خيراً . ذهب بصري ومالي ومات ولدي . . . ! فقال : يا يهودي ، الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة « ونزلت : { ومن الناس من يعبد الله على حرف } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ومن الناس من يعبد الله على حرف } قال : على شك . وفي قوله { فإن أصابه خير } قال : رخاء وعافية { اطمأن به } قال : استقر { وإن أصابته فتنة } قال : عذاب ومصيبة { انقلب على وجهه } قال : ارتد على وجهه كافراً .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه في قوله { ومن الناس من يعبد الله على حرف } قال : كان الرجل يأتي المدينة مهاجراً ، فإن صح جسمه وتتابعت عليه الصدقة وولدت امرأته غلاماً وأنتجت فرسه مهراً ، قال : والله لنعم الدين وجدت دين محمد صلى الله عليه وسلم هذا ، ما زلت أعرف الزيادة في جسدي وولدي؛ وإن سقم بها جسمه واحتبست عليه الصدقة وأزلقت فرسه وأصابته الحاجة وولدت امرأته الجارية ، قال : والله لبئس الدين دين محمد هذا ، والله ما زلت أعرف النقصان في جسدي وأهلي وولدي ومالي .(7/124)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ومن الناس من يعبد الله على حرف } قال : على شك { فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه } يقول : إن أصاب خصباً وسلوة من عيش وما يشتهي ، اطمأن إليه وقال : أنا على حق وأنا أعرف الذي أنا عليه { وإن أصابته فتنة } أي بلاء { انقلب على وجهه } يقول : ترك ما كان عليه من الحق فأنكر معرفته ، خسر الدنيا والآخرة . يقول : خسر دنياه التي كان لها يحزن وبها يفرح ولها يسخط ولها يرضى ، وهي همه وسدمه وطلبته ونيته ، ثم أفضى إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها خيراً { فذلك هو الخسران المبين } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { يدعو من دون الله ما لا يضره } إن عصاه في الدنيا { وما لا ينفعه } إن أطاعه وهو الصنم { يدعو لمن ضره أقرب من نفعه } يقول : ضره في الآخرة من أجل عبادته إياه في الدنيا { لبئس المولى } يقول : الصنم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { لبئس المولى ولبئس العشير } قال : الصاحب .(7/125)
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { من كان يظن أن لن ينصره الله } قال : من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً { في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب } قال : فليربط حبلاً { إلى السماء } قال : إلى سماء بيته السقف { ثم ليقطع } قال : ثم يختنق به حتى يموت .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { من كان يظن أن لن ينصره الله } يقول : أن لن يرزقه الله { فليمدد بسبب إلى السماء } فليأخذ حبلاً فليربطه في سماء بيته فليختنق به { فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ } قال : فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق؟
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه { من كان يظن أن لن ينصره الله } قال : أن لن يرزقه الله { فليمدد بسبب إلى السماء } قال : بحبل بيته { ثم ليقطع } ثم ليختنق { فلينظر هل يذهبن كيده } ذلك { ما يغيظ } قال : ذلك خيفة أن لا يرزق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في الآية قال : من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه ويكابد هذا الأمر ليقطعه عنه ، فليقطع ذلك من أصله من حيث يأتيه ، فإن أصله في السماء { ثم ليقطع } أي عن النبي الوحي الذي يأتيه من الله إن قدر .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه في الآية قال : من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً ، فليجعل حبلاً في سماء بيته فليختنق به ، فلينظر هل يغيظ ذلك إلا نفسه؟ . . .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { من كان يظن أن لن ينصره الله } يقول : من كان يظن أن الله غير ناصر دينه { فليمدد بحبل إلى السماء } سماء البيت فليختنق { فلينظر } ما يرد ذلك في يده .(7/126)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله { إن الذين آمنوا } الآية . قال : الصابئون قوم يعبدون الملائكة ويصلون القبلة ويقرأون الزبور { والمجوس } عبدة الشمس والقمر والنيران وأما { الذين أشركوا } فهم عبدة الأوثان { إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } قال : الأديان ستة : فخمسة للشيطان ودين لله عز وجل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { إن الله يفصل بينهم } قال : فصل قضاءه بينهم فجعل الجنة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال : قالت اليهود : عزير ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله . وقالت الصابئة : نحن نعبد الملائكة من دون الله . وقالت المجوس : نحن نعبد الشمس والقمر من دون الله . وقالت المشركون : نحن نعبد الأوثان من دون الله . فأوحى الله إلى نبيه ليكذِّبَ قولهم : { قل هو الله أحد } [ الصمد : 1 ] إلى آخرها { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً } [ الإسراء : 111 ] وأنزل الله { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس . . . } .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال : { الذين هادوا } اليهود ، والصابئون ، ليس لهم كتاب { والمجوس } أصحاب الأصنام والمشركون ، نصارى العرب .(7/127)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات } الآية . قال : سجود ظل هذا كله { وكثير من الناس } قال : المؤمنون { وكثير حق عليه العذاب } قال : هذا الكافر سجود ظله وهو كاره .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال : سجود كل شيء فيئه ، وسجود الجبال فيئها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : الثوب يسجد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن أبي العالية رضي الله عنه قال : ما في السماء من شمس ولا قمر ولا نجم ، إلا يقع ساجداً حتى يغيب ، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى معلمه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال : إذا فاء الفيء لم يبق شيء من دابة ولا طائر إلا خر لله ساجداً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن دينار رضي الله عنه قال : سمعت رجلاً يطوف بالبيت ويبكي ، فإذا هو طاوس! فقال : عجبت من بكائي؟ قلت : نعم . قال : ورب هذه البنية ، إن هذا القمر ليبكي من خشية الله ولا ذنب له .
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن أبي مليكة رضي الله عنه قال : مر رجل على عبدالله بن عمرو وهو ساجد في الحجر وهو يبكي فقال : أتعجب أن أبكي من خشية الله وهذا القمر يبكي من خشية الله . . . ؟
وأخرج ابن أبي حاتم عن طاوس رضي الله عنه في الآية قال : لم يستثن من هؤلاء أحداً ، حتى إذا جاء ابن آدم استثناه فقال { وكثير من الناس } قال : والذي أحق بالشكر هو أكثرهم .
وأخرج ابن أبي حاتم واللالكائي في السنة والخلعي في فوائده ، عن علي أنه قيل له : إن ههنا رجلاً يتكلم في المشيئة . فقال له علي : يا عبدالله ، خلقك الله لما يشاء أو لما شئت؟ قال : بل لما يشاء . قال : فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال : بل إذا شاء . قال : فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال : بل إذا شاء . قال : فيدخلك الجنة حيث شاء أو حيث شئت؟ قال : بل حيث شاء . قال : والله لو قلت غير ذلك لضربت الذي فيه عيناك بالسيف .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقسم قسماً إن هذه الآية { هذان خصمان اختصموا في ربهم . . . } إلى قوله { ان الله يفعل ما يريد } نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين تبارزوا يوم بدر وهم : حمزة بن عبد المطلب ، وعبيدة بن الحارث ، وعليّ بن أبي طالب ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة .(7/128)
قال علي رضي الله عنه : أنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن جرير والبيهقي من طريق قيس بن عبادة ، عن علي رضي الله عنه قال : أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة . قال قيس : فيهم نزلت { هذان خصمان اختصموا في ربهم } قال : هم الذين بارزوا يوم بدر : علي وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد ابن عتبة .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما بارز علي وحمزة وعبيدة وعتبة وشيبة والوليد ، قالوا لهم : تكلموا نعرفكم . قال : أنا علي ، وهذا حمزة ، وهذا عبيدة . فقالوا : أكفاء كرام! فقال علي : أدعوكم إلى الله وإلى رسوله . فقال عتبة : هلم للمبارزة . فبارز علي شيبة فلم يلبث أن قتله ، وبارز حمزة عتبة فقتله ، وبارز عبيدة الوليد فصعب عليه فأتى علي فقتله . فأنزل الله { هذان خصمان . . . } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : لما التقوا يوم بدر قال لهم عتبة بن ربيعة : لا تقتلوا هذا الرجل ، فإنه إن يكن صادقاً فأنتم أسعد الناس بصدقه ، وإن يكن كاذباً فأنتم أحق من حقن دمه . فقا أبو جهل بن هشام : لقد امتلأت رعباً . فقال عتبة : ستعلم أينا الجبان المفسد لقومه . قال : فبرز عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة ، فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا : « ابعث إلينا أكفاءنا نقاتلهم . فوثب غلمة من الأنصار من بني الخزرج ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلسوا . . . قوموا يا بني هاشم . فقام حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث فبرزوا لهم ، فقال عتبة : تكلموا نعرفكم أن تكونوا أكفاءنا قاتلناكم . قال حمزة : أنا حمزة بن عبد المطلب . . . أنا أسد الله وأسد رسوله . فقال عتبة : كفء كريم! فقال علي : أنا علي بن أبي طالب . . . فقال : كفء كريم! فقال عبيدة . أنا عبيدة بن الحارث . . . فقال عتبة : كفء كريم! فأخذ حمزة شيبة بن ربيعة ، وأخذ علي بن أبي طالب عتبة بن ربيعة ، وأخذ عبيدة الوليد . فأما حمزة ، فأجاز على شيبة ، وأما علي فاختلفا ضربتين [ ] ، فأقام فأجاز على عتبة ، وأما عبيدة فأصيبت رجله . قال : فرجع هؤلاء وقتل هؤلاء ، فنادى أبو جهل وأصحابه : لنا العزى ولا عزى لكم ، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم : قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار . فأنزل الله { هذان خصمان اختصموا في ربهم . . . } .
وأخرج عبد بن حميد عن لاحق بن حميد قال : نزلت هذه الآية يوم بدر { هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار } في عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة .(7/129)
ونزلت { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات } إلى قوله { وهدوا إلى صراط الحميد } في علي بن أبي طالب وحمزة وعبيدة بن الحارث .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { هذان خصمان اختصموا في ربهم } قال : مثل المؤمن والكافر اختصامهما في البعث .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن قال : هم الكافرون والمؤمنون اختصموا في ربهم .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { هذان خصمان اختصموا في ربهم } قال : هم أهل الكتاب ، قالوا للمؤمنين نحن أولى بالله وأقدم منكم كتاباً ، ونبينا قبل نبيكم . وقال المؤمنون : نحن أحق بالله ، آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وبما أنزل الله من كتاب ، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسداً ، فكان ذلك خصومتهم في ربهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : اختصم المسلمون وأهل الكتاب ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ، ونحن أولى بالله منكم وقال المسلمون : إن كتابنا يقضي على الكتب كلها ونبينا خاتم الأنبياء ، فنحن أولى بالله منكم ، فأفلج الله أهل الإسلام على من ناوأهم فأنزل الله { هذان خصمان اختصموا في ربهم . . . } إلى قوله { عذاب الحريق } .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله { هذان خصمان اختصموا في ربهم } قال : هما الجنة والنار اختصمتا فقالت النار : خلقني الله لعقوبته . وقالت الجنة : خلقني الله لرحمته .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار } قال : الكافر قطعت له ثياب من نار ، والمؤمن يدخله الله جنات تجري من تحتها الأنهار .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { قطعت لهم ثياب من نار } من نحاس ، وليس من الآنية شيء إذا حمي اشتد بأحر منه . وفي قوله { يصب من فوق رؤوسهم الحميم } قال : النحاس يذاب على رؤوسهم . وفي قوله { يصهر به ما في بطونهم } قال : تسيل أمعاؤهم والجلود ، قال : تتناثر جلودهم حتى يقوم كل عضو بحياله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي ، أنه قرأ قوله { قطعت لهم ثياب من نار } قال : سبحان من قطع من النار ثياباً .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال : كسي أهل النار والعري كان خيراً لهم ، وأعطوا الحياة والموت كان خيراً لهم .
وأخرج عبد بن حميد والترمذي وصححه ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه ، عن أبي هريرة أنه تلا هذه الآية فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(7/130)
« إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة ، حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدمه وهو الصهر ، ثم يعاد كما كان » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : يأتيه الملك يحمل الإناء بكليتين من حرارته ، فإذا أدناه من وجهه يكرهه فيرفع مقمعة معه فيضرب بها رأسه فيفدغ دماغه ، ثم يفرغ الإناء من دماغه فيصل إلى جوفه من دماغه . فذلك قوله { يصهر به ما في بطونهم والجلود } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية ، عن سعيد ابن جبير قال : إذا جاء أهل النار في النار استغاثوا بشجرة الزقوم فأكلوا منها فاختنست جلود وجوههم ، فلو أن ماراً يمر بهم يعرفهم لعرف جلود وجوههم بها ، ثم يصب عليهم العطش فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل ، وهو الذي قد سقطت عنه الجلود و { يصهر به ما في بطونهم } يمشون وأمعاؤهم تساقط وجلودهم ، ثم يضربون . بمقامع من حديد فيسقط كل عضو على حياله يدعون بالويل والثبور .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يصهر به ما في بطونهم والجلود } قال : يمشون وأمعاؤهم تساقط وجلودهم . وفي قوله { ولهم مقامع من حديد } قال : يضربون بها فيقع كل عضو على حياله .
وأخرج ابن الأنباري والطستي في مسائله ، عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { يصهر } قال : يذاب { ما في بطونهم } إذا شربوا الحميم . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :
سخنت صهارته فظل عثانه ... في شيطل كعب به تتردد
وظل مرتثياً للشمس تصهره ... حتى إذا الشمس قامت جانباً عدلاً
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { يصهر به ما في بطونهم والجلود } قال : يسقون ماء إذا دخل بطونهم أذابها والجلود مع البطون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { يصهر به ما في بطونهم } قال : يذاب إذابة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك مثله .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة { يصهر به } قال : يذاب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله { يصهر به } قال : يذاب كما يذاب الشحم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله { ولهم مقامع } قال : مطارق .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال : كان عمر يقول : أكثروا ذكر النار ، فإن حرها شديد وإن قعرها بعيد وإن مقامعها حديد .
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في البعث ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(7/131)
« لو أن مقمعاً من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان ، ما أقلوه في الأرض ، ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان » .
وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، عن سلمان قال : النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها . ثم قرأ { كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر القاري ، أنه قرأ هذه الآية { كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم } فبكى وقال : أخبرني زيد بن أسلم في هذه الآية ان أهل النار في النار لا يتنفسون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل بن عياض في الآية قال : والله ما طمعوا في الخروج؛ لأن الأرجل مقيدة والأيدي موثقة ، ولكن يرفعهم لهبها وتردهم مقامعها .
وأخرج البخاري ومسلم عن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة » .
وأخرج النسائي والحاكم عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة ، ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب في الآخرة » .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لباس أهل الجنة وشراب أهل الجنة وآنية أهل الجنة » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه ، عن ابن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة » قال ابن الزبير من قبل نفسه : ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة؛ لأن الله تعالى قال : { ولباسهم فيها حرير } .
وأخرج النسائي والحاكم وابن حبان عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه » .(7/132)
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وهدوا إلى الطيب } قال : ألهموا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { وهدوا إلى الطيب من القول } قال : في الخصومة ، إذ قالوا : الله مولانا ولا مولى لكم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد { وهدوا إلى الطيب من القول } قال : القرآن { وهدوا إلى صراط الحميد } قال : الإسلام .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك { وهدوا إلى الطيب من القول } قال : الإخلاص { وهدوا إلى صراط الحميد } قال : الإسلام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { وهدوا إلى الطيب من القول } قال : لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلا بالله ، الذي قال { إليه يصعد الكلم الطيب } .
وأخرج عبد حميد عن ابن عباس قال : الحرم كله هو المسجد الحرام .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله { سواء العاكف فيه والباد } قال : خلق الله فيه سواء .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { سواء } يعني شرعاً واحداً { العاكف فيه } قال : أهل مكة في مكة أيام الحج { والباد } قال : من كان في غير أهلها من يعتكف به من الآفاق ، قال : هم في منازل مكة ، سواء ، فينبغي لأهل مكة أن يوسعوا لهم حتى يقضوا مناسكهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال البادي وأهل مكة سواء في المنزل والحرم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وعطاء { سواء العاكف فيه والباد } قال : سواء في تعظيم البلد وتحريمه .
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في شعب الإيمان ، عن قتادة في الآية قال : { سواء } في جواره وأمنه وحرمته { العاكف فيه } أهل مكة { والباد } من يعتكفه من أهل الآفاق .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن حصين قال : سألت سعيد بن جبير : أعتكف بمكة؟ قال : لا . . . أنت معتكف ما أقمت . قال الله { سواء العاكف فيه والباد } .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن مجاهد في الآية قال : الناس بمكة سواء ، ليس أحد أحق بالمنازل من أحد .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، عن عبدالله بن عمرو قال : من أخذ من أجور بيوت مكة إنما يأكل في بطنه ناراً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عطاء ، أنه كان يكره أن تباع بيوت مكة أو تكرى .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم أنه كان يكره إجارة بيوت مكة .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر ، أن عمر نهى أن تغلق أبواب دور مكة ، فإن الناس كانوا ينزلون منها حيث وجدوا ، حتى كانوا يضربون فساطيطهم في الدور .(7/133)
وأخرج ابن سعد عن عمر بن الخطاب ، أن رجلاً قال له عند المروة : يا أمير المؤمنين ، أقطعني مكاناً لي ولعقبي . فأعرض عنه عمر وقال : هو حرم الله { سواء العاكف فيه والباد } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : بيوت مكة لا تحل إجارتها .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن جريج قال : أنا قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز على الناس بمكة ، فنهاهم عن كراء بيوت مكة ودورها .
وأخرج ابن أبي شيبة عن القاسم قال : من أكل شيئاً من كراء مكة ، فإنما يأكل ناراً .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : كان عمر يمنع أهل مكة أن يجعلوا لها أبواباً حتى ينزل الحاج في عرصات الدور .
وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر عن أبيه قال : لم يكن للدور بمكة أبواب ، كان أهل مصر وأهل العراق يأتون فيدخلون دور مكة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سابط في قوله { سواء العاكف فيه والباد } قال : البادي ، الذي يجيء من الحج والمقيمون سواء في المنازل ينزلون حيث شاؤوا ولا يخرج رجل من بيته .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند صحيح ، عن ابن عباس قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى { سواء العاكف فيه والباد } قال : » سواء المقيم والذي يرحل « » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { سواء العاكف فيه والباد } قال : ينزل أهل مكة وغيرهم في المسجد الحرام .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « مكة مباحة لا تؤجر بيوتها ولا تباع رباعها » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة عن علقمة بن نضلة قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، وما تدعى رباع مكة إلا السوائب ، من احتاج سكن ومن استغنى أسكن .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن عمر أنه قال : يا أهل مكة ، لا تتخذوا لدوركم أبواباً لينزل البادي حيث شاء .
وأخرج الدارقطني عن ابن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من أكل كراء بيوت مكة أكل ناراً » .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن راهويه وأحمد وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن ابن مسعود رفعه في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } قال : لو أن رجلاً هم فيه بإلحاد وهو بعدن أبين ، لأذاقه الله تعالى عذاباً أليماً .
وأخرج سعيد بن منصور والطبراني ، عن ابن مسعود في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } قال : من هم بخطيئة فلم يعملها في سوى البيت لم تكتب عليه حتى يعملها ، ومن هم بخطيئة في البيت لم يمته الله من الدنيا حتى يذيقه من عذاب أليم .(7/134)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أنيس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه مع رجلين : أحدهما مهاجري والآخر من الأنصار ، فافتخروا في الأنساب فغضب عبد الله بن أنيس فقتل الأنصاري ثم ارتد عن الإسلام وهرب إلى مكة . فنزلت فيه { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } يعني من لجأ إلى الحرم { بإلحاد } يعني بميل عن الإسلام .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان ، عن قتادة في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد . . . } . قال : من لجأ إلى الحرم ليشرك فيه عذبه الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } قال : بشرك .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } قال : هو أن يعبد فيه غير الله .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } يعني أن تستحل من الحرام ما حرم الله عليك من لسان أو قتل ، فتظلم من لا يظلمك وتقتل من لا يقتلك . فإذا فعل ذلك فقد وجب له عذاب أليم .
وأخرج ابن جرير عن حبيب بن أبي ثابت في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } قال : هم المحتكرون الطعام بمكة .
وأخرج البخاري في تاريخه وعبد بن حميد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن يعلى بن أمية ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه » .
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في تاريخه وابن المنذر ، عن عمر بن الخطاب قال : احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عمر قال : بيع الطعام بمكة إلحاد .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « احتكار الطعام بمكة إلحاد » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن منيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن مجاهد قال : كان لعبد الله بن عمرو فسطاطان : أحدهما في الحل والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يصلي صلى في الذي في الحرم ، واذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الذي في الحل . فقيل له فقال : كنا نحدَّث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل : كلا والله وبلى والله .(7/135)
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآيه قال : شتم الخادم في الحرم ظلم فما فوقه .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : تجارة الأمير بمكة إلحاد .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : أقبل تبع بريد الكعبة ، حتى إذا كان بكراع الغميم بعث الله تعالى عليه ريحاً ، لا يكاد القائم يقوم إلا بمشقة . ويذهب القائم يقعد فيصرع ، وقامت عليه ولقوا منها عناء ، ودعا تبع حبريه فسألهما : ما هذا الذي بعث عليّ؟ قالا : أو تؤمنا؟ قال : أنتم آمنون . قالا : فإنك تريد بيتاً يمنعه الله ممن أراده! قال : فما يذهب هذا عني؟ قالا : تجرد في ثوبين ثم تقول : لبيك اللهم لبيك ، ثم تدخل فتطوف به فلا تهيج أحداً من أهله . قال : فإن أجمعت على هذا ، ذهبت هذه الريح عني؟ قالا : نعم . فتجرد ثم لبى فأدبرت الريح كقطع الليل المظلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } قال : حدثنا شيخ من عقب المهاجرين والأنصار ، أنهم أخبروه أن أيما أحد أراد به ما أراد أصحاب الفيل ، عجل لهم العقوبة في الدنيا وقال : إنما يؤتي استحلاله من قبل أهله . فأخبرني عنهم أنه وجد سطران بمكة مكتوبان في المقام : أما أحدهما ، فكان كتابته : بسم الله والبركة ، وضعت بيتي بمكة طعام أهله اللحم والسمن والتمر ، ومن دخله كان آمناً لا يحله إلا أهله . قال : لولا أن أهله هم الذين فعلوا به ما قد علمت لعجل لهم في الدنيا العذاب . قال : ثم أخبرني أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قبل أن يستحل منه الذي يستحل قال : أجد مكتوباً في الكتاب الأول : عبد الله يستحل به الحرم ، وعنده عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير . فقال : عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، قال كل واحد منهما : لست قاراً به إلا حاجاً أو معتمراً أو حاجة لا بد منها . وسكت عبد الله بن الزبير فلم يقل شيئاً فاستحل من بعد ذلك .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود قال : من هم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها . ولو أن رجلاً كان بعدن أبين حدث نفسه بأن يلحد في البيت ، والإلحاد فيه : أن يستحل فيه ما حرم الله عليه فمات قبل أن يصل إلى ذلك ، أذاقه الله من عذاب أليم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في قوله { ومن يرد فيه بإلحاد } قال : ان الرجل ليهم بالخطيئة بمكة وهو بأرض أخرى ، فتكتب عليه وما عملها .(7/136)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد قال : تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن عطاء بن أبي رباح { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } قال : القتل والشرك .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبي مليكة ، أنه سئل عن قوله { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } قال : ما كنا نشك أنها الذنوب حتى جاء إعلاج من أهل البصرة إلى إعلاج من أهل الكوفة ، فزعموا أنها الشرك .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : ما من عبد يهم بذنب فيؤاخذه الله بشيء حتى يعمله ، إلا من هم بالبيت العتيق شراً فإنه من هم به شراً عجل الله له .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي الحجاج في الآية قال : إن الرجل يحدث نفسه أن يعمل ذنباً بمكة فيكتبه الله عليه ذنباً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد قال : رأيت عبد الله بن عمرو بعرفة ، ومنزله في الحل ومسجده في الحرم فقلت له : لم تفعل هذا؟؟ قال : لأن العلم فيه أفضل والخطيئة فيه أعظم . والله أعلم .
وأخرج أبو الشيخ وابن عدي وابن مردويه والديلمي بسند ضعيف ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « دثر مكان البيت فلم يحجه هود ولا صالح حتى بوأه الله لإبراهيم » .
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه من طريق حارثة بن مضرب ، عن علي بن أبي طالب قال : لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر ، فلما قدم مكة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس ، فكلمه فقال : يا إبراهيم ، ابن على ظلي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص . فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر . وذلك حين يقول الله { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت . . . } .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن عطاء بن أبي رياح قال : لما أهبط الله آدم كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء ، فيسمع كلام أهل السماء ودعاءهم فيأنس إليهم ، فهابت الملائكة منه حتى شكت إلى الله في دعائها وفي صلاتها ، فأخفضه الله إلى الأرض ، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا إلى الله في دعائه وفي صلاته ، فوجه إلى مكة فكان موضع قدمه قرية وخطوة مفازة ، حتى انتهى إلى مكة فأنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة فكانت على موضع البيت الآن ، فلم يزل يطاف به حتى أنزل الله الطوفان فرفعت تلك الياقوتة ، حتى بعث الله إبراهيم فبناه . فذلك قول الله { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت . . . } .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق معمر ، عن قتادة قال : وضع الله البيت مع آدم حين أهبط الله آدم إلى الأرض ، وكان مهبطه بأرض الهند ، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض ، وكانت الملائكة تهابه فنقص إلى ستين ذراعاً ، فحزن آدم إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم فشكا ذلك إلى الله فقال الله :(7/137)
« يا آدم ، إني قد أهبطت لك بيتاً يطاف به كما يطاف حول عرشي ، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي . . . فاخرج إليه » فخرج اليه آدم ومدّ له في خطوه ، فكان بين كل خطوتين مفازة . فلم تزل تلك المفاوز بعد على ذلك . . . وأتى آدم فطاف به ومن بعده من الأنبياء .
قال معمر : وأخبرني أبان أن البيت أهبط ياقوتة واحدة أو درة واحدة . قال معمر : وبلغني أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعاً ، حتى إذا أغرق الله قوم نوح فقدوا بقي أساسه ، فبوّأه الله لإبراهيم فبناه بعد ذلك . فذلك قول الله { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت . . . } . قال معمر : قال ابن جريج : قال ناس : أرسل الله سبحانه سحابه فيها رأس ، فقال الرأس : يا إبراهيم ، إن ربك يأمرك أن تأخذ قدر هذه السحابة . فجعل ينظر إليها ويخط قدرها . قال الرأس : قد فعلت؟ قال : نعم . ثم ارتفعت فحفر فأبرز عن أساس ثابت في الأرض . قال ابن جريج : قال مجاهد : أقبل الملك والصرد والسكينة مع إبراهيم من الشام ، فقالت السكينة : يا إبراهيم ، ريض على البيت . قال : فلذلك لا يطوف البيت أعرابي ولا ملك من هذه الملوك ، إلا رأيت عليه السكينة والوقار .
قال ابن جريج : وقال ابن المسيب : قال علي بن أبي طالب : وكان الله استودع الركن أبا قبيس ، فلما بنى إبراهيم ناداه أبو قبيس فقال : يا إبراهيم ، هذا الركن فيّ فخده . فحفر عنه فوضعه ، فلما فرغ إبراهيم من بنائه قال : قد فعلت يا رب ، فأرنا مناسكنا . . . أبرزها لنا وعلمناها . فبعث الله جبريل فحج به ، حتى إذا رأى عرفة قال : قد عرفت . وكان أتاها قبل ذلك مرة . قال : فلذلك سميت عرفة ، حتى إذا كان يوم النحر عرض له الشيطان فقال : احصب . فحصبه بسبع حصيات . ثم اليوم الثاني فالثالث فسدّ ما بين الجبلين - يعني إبليس - فلذلك كان رمي الجمار . قال : اعل على ثبير . فعلاه فنادى : يا عباد الله ، أجيبوا الله . . . يا عباد الله ، أطيعوا الله . . . فسمع دعوته من بين الأبحر السبع ممن كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان . فهي التي أعطى الله إبراهيم في المناسك قوله : لبيك اللهم لبيك ، ولم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعداً ، فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار قال : كان البيت غثاة - وهي الماء - قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين عاماً ، ومنه دحيت الأرض .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل ، عن السدي قال : إن الله عز وجل أمر إبراهيم أن يبني البيت هو وإسماعيل ، فانطلق إبراهيم حتى أتى مكة فقام هو وإسماعيل وأخذ المعاول لا يدريان أين البيت ، فبعث الله ريحاً يقال لها ريح الخجوج ، لها جناحان ورأس في صورة حية ، فكنست لهما ما حول الكعبة من البيت الأول ، واتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس .(7/138)
فذلك حين يقول الله { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } فلما بنيا القواعد فبلغ مكان الركن ، قال إبراهيم لإسماعيل : اطلب لي حجراً حسناً أضعه ههنا . قال : يا أبت ، اني كسلان لغب . قال : عليّ ذلك . فانطلق يطلب له حجراً فأتاه بحجر فلم يرضه ، فقال : ائتني بحجر أحسن من هذا . فانطلق يطلب حجراً فجاءه جبريل بالحجر الأسود من الجنة ، وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل الثغامة ، وكان آدم هبط به من الجنة فاسوّد من خطايا الناس ، فجاءه إسماعيل بحجر فوجد عنده الركن فقال : يا أبت ، من جاءك بهذا؟ قال : جاءني به من هو أنشط منك . فبينما هما يدعوان بالكلمات التي ابتلى بها إبراهيم ربه ، فلما فرغا من البنيان أمره الله أن ينادي . فقال { أذن في الناس بالحج } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن حوشب بن عقيل قال : سألت محمد بن عباد بن جعفر : متى كان البيت؟ قال : خلقت الأشهر له . قلت : كم كان طول بناء إبراهيم؟ قال : ثمانية عشر ذراعاً . قلت : كم هو اليوم قال : ستة وعشرون ذراعاً : قلت : هل بقي من حجارة بناء إبراهيم شيء؟ قال : حشي به البيت إلا حجرين مما يليا الحجر .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : قال الله لنبيه { وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود } قال : طواف قبل الصلاة . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الطواف بالبيت بمنزلة الصلاة ، إلا أن الله قد أحل فيه المنطق ، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عطاء في قوله { للطائفين } قال : الذين يطوفون به { والقائمين } قال : المصلين عنده .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة قال : القائمون ، المصلون .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال : ربّ ، قد فرغت . فقال { أذن في الناس بالحج } قال : ربّ ، وما يبلغ صوتي؟ قال : أذّن وعليّ البلاغ . قال : ربّ ، كيف أقول؟ قال : يا أيها الناس ، كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق . . . فسمعه من بين السماء والأرض ، ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون . . . ؟
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي ، عن ابن عباس قال : لما بنى إبراهيم البيت ، أوحى الله إليه أن أذن في الناس بالحج .(7/139)
فقال : ألا إن ربكم قد اتخذ بيتاً وأمركم أن تحجوه . فاستجاب له ما سمعه من حجر أو شجر أو أكمة أو تراب أو شيء . فقالوا : لبيك اللهم لبيك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما أمر الله إبراهيم أن ينادي في الناس بالحج ، صعد أبا قبيس فوضع أصبعيه في أذنيه ثم نادى : إن الله كتب عليكم الحج فأجيبوا ربكم . فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، وأول من أجابه أهل اليمن . فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة ، إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ .
وأخرج الديلمي بسندٍ واهٍ ، عن علي رفعه : لما نادى إبراهيم بالحج لبى الخلق ، فمن لبى تلبية واحدة حج حجة واحدة ، ومن لبى مرتين حج حجتين ، ومن زاد فبحساب ذلك .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وأذّن في الناس بالحج } قال : قام إبراهيم عليه السلام على الحجر فنادى : يا أيها الناس ، كتب عليكم الحج . . . فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فأجاب من آمن ممن سبق في علم الله أن يحج إلى يوم القيامة : لبيك اللهم لبيك .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير { وأذن في الناس بالحج } قال : وقرت في كل ذكر وأنثى .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت ، أوحى الله إليه أن { أذن في الناس بالحج } فخرج فنادى في الناس : يا أيها الناس ، إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه . فلم يسمعه حينئذ من إنس ولا جن ولا شجرة ولا أكمة ولا تراب ولا جبل ولا ماء ولا شيء ، إلا قال : لبيك اللهم لبيك .
وأخرج أبو الشيخ في كتاب الأذان ، عن عبد الله بن الزبير قال : أخذ الأذان من أذان إبراهيم في الحج { وأذن في الناس بالحج } قال : فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير قال : لما أمر إبراهيم عليه السلام بدعاء الناس إلى الله ، استقبل المشرق فدعا ، ثم استقبل المغرب فدعا ، ثم استقبل الشام فدعا ، ثم استقبل اليمن فدعا ، فأجيب : لبيك لبيك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة ، أن الله أوحى إلى إبراهيم عليه السلام أن { أذن في الناس بالحج } فقام على الحجر فقال : يا أيها الناس ، إن الله يأمركم بالحج . فأجابه من كان مخلوقاً في الأرض يومئذ ، ومن كان في أرحام النساء ، ومن كان في أصلاب الرجال ، ومن كان في البحور ، فقالوا : لبيك اللهم لبيك .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : قال جبريل لإبراهيم { وأذن في الناس بالحج } قال : كيف أؤذن؟ قال : قل يا أيها الناس ، أجيبوا إلى ربكم؛ ثلاث مرات .(7/140)
فأجاب العباد فقالوا : لبيك اللهم ربنا لبيك ، لبيك اللهم ربنا لبيك . فمن أجاب إبراهيم يومئذ من الخلق فهو حاج .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : لما فرغ إبراهيم وإسماعيل من بناء البيت ، أمر إبراهيم أن يؤذن بالحج ، فقام على الصفا فنادى بصوت سمعه ما بين المشرق والمغرب يا أيها الناس ، أجيبوا إلى ربكم . فأجابوه وهم في أصلاب آبائهم فقالوا : لبيك . قال : فإنما يحج البيت اليوم من أجاب إبراهيم يومئذ .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : لما أذن إبراهيم بالحج قال : يا أيها الناس ، أجيبوا ربكم . فلبى كل رطب ويابس .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب ، عن مجاهد قال : لما أمر إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج ، قام على المقام فنادى بصوت أسمع من بين المشرق والمغرب : يا أيها الناس ، أجيبوا ربكم .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب ، عن مجاهد قال : قال إبراهيم : كيف أقول؟ قال : قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم . فما خلق الله من جبل ولا شجر ولا شيء من المطيعين له ، إلا ينادي : لبيك اللهم لبيك . فصارت التلبية .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : تطاول به المقام حتى كان كأطول جبل في الأرض ، فأذن فيهم بالحج فأسمع من تحت البحور السبع وقالوا : لبيك أطعنا . . . لبيك أجبنا . فكل من حج إلى يوم القيامة ممن استجاب له يومئذ .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : قيل لإبراهيم { أذن في الناس بالحج } قال : يا رب ، كيف أقول؟ قال : قل لبيك اللهم لبيك . فكان إبراهيم أول من لبى .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : لما أمر إبراهيم بالحج قام على المقام فنادى نداء سمعه جميع أهل الأرض : ألا إن ربكم قد وضع بيتاً وأمركم أن تحجوه . فجعل الله في أثر قدميه آية في الصخرة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء قال : صعد إبراهيم على الصفا فقال : يا أيها الناس ، أجيبوا ربكم . فأسمع من كان حياً في أصلاب الرجال .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال : أجاب إبراهيم كل جنّي وإنسي وكل شجر وحجر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس قال : لما أمر إبراهيم أن يؤذن في الناس ، تواضعت له الجبال ورفعت له الأرض فقام فقال : يا أيها الناس ، أجيبوا ربكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : صعد إبراهيم أبا قبيس فقال : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن إبراهيم رسول الله . . . أيها الناس ، إن الله أمرني أن أنادي في الناس بالحج .(7/141)
. . أيها الناس ، أجيبوا ربكم . فأجابه من أخذ الله ميثاقه بالحج إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { وأذن في الناس بالحج } يعني بالناس أهل القبلة ، ألم تسمع أنه قال { إن أول بيت وضع للناس . . . } [ آل عمران : 96 ] إلى قوله { ومن دخله كان آمناً } [ آل عمران : 97 ] يقول : ومن دخله من الناس الذين أمر أن يؤذن فيهم وكتب عليهم الحج .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ، { يأتوك رجالاً } قال : مشاة { وعلى كل ضامر } قال : الإبل { يأتين من كل فج عميق } قال : بعيد .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن محمد بن كعب القرظي قال : سمعت ابن عباس يقول : ما آسى على شيء إلا أني لم أكن حججت راجلاً؛ لأني سمعت الله يقول { يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر } وهكذا كان يقرأوها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما آسى على شيء فاتني ، إلا أني لم أحج ماشياً حتى أدركني الكبر أسمع الله تعالى يقول { يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر } فبدأ بالرجال قبل الركبان .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد ، أن إبراهيم وإسماعيل حجا وهما ماشيان .
وأخرج ابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من حج من مكة ماشياً حتى يرجع إلى مكة ، كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم . قيل : وما حسنات الحرم؟ قال : بكل حسنة مائة ألف حسنة » .
وأخرج ابن سعد وابن مردويه والضياء في المختارة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعين حسنة ، وللماشي بكل قدم سبعمائة حسنة من حسنات الحرم . قيل : يا رسول الله ، وما حسنات الحرم!؟ قال : الحسنة مائة ألف حسنة » .
وأخرج البيهقي وضعفه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الملائكة لتصافح ركاب الحجاج وتعتنق المشاة » .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يأتوك رجالاً } قال : على أرجلهم { وعلى كل ضامر } قال : الإبل { يأتون من كل فج عميق } يعني مكان بعيد .
وأخرج ابن جرير وعبد الرزاق عن مجاهد رضي الله عنه قال : كانوا يحجون ولا يتزوّدون ، فأنزل الله { وتزودوا } [ البقرة : 197 ] . وكانوا يحجون ولا يركبون ، فأنزل الله { يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر } فأمرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب والمتجر .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { من كل فج عميق } قال : طريق بعيد قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :(7/142)
فساروا العناء وسدوا الفجاج ... بأجساد عادلها آيدات
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر } قال : هم المشاة والركبان .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وعلى كل ضامر } قال : ما تبلغه المطي حتى تضمر .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { من كل فج عميق } قال : طريق بعيد .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه مثله .
وأخرج ابن المنذر عن أبي العالية رضي الله عنه { من كل فج عميق } قال : مكان بعيد .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه مثله .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبيد بن عمير قال : لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركباً يريدون البيت فقال : من أنتم؟ فأجابه أحدثهم سناً فقال : عباد الله المسلمون . فقال : من أين جئتم؟ قال : من الفج العميق . قال : أين تريدون؟ قال : البيت العتيق . فقال عمر رضي الله عنه : تأوّلها لعمر الله . فقال عمر رضي الله عنه : من أميركم؟ فأشار إلى شيخ منهم ، فقال عمر : بل أنت أميرهم لأحدثهم سناً الذي أجابه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { ليشهدوا منافع لهم } قال : أسواقاً كانت لهم . ما ذكر الله منافع إلا الدنيا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ليشهدوا منافع لهم } قال : منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة . فأمّا منافع الآخرة ، فرضوان الله عز وجل . وأما منافع الدنيا ، فما يصيبون من لحوم البدن في ذلك اليوم والذبائح والتجارات .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { ليشهدوا منافع لهم } قال : الأجر في الآخرة والتجارة في الدنيا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه في قوله { ويذكروا اسم الله } قال : فيما ينحرون من البدن .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { ويذكروا اسم الله } قال : كان يقال : إذا ذبحت نسيكتك فقل بسم الله والله أكبر ، اللهم هذا منك ولك عن فلان ، ثم كل وأطعم كما أمرك الله : الجار والأقرب فالأقرب .
وأخرج أبو بكر المروزي في كتاب العيدين وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الأيام المعلومات ، أيام العشر .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { في أيام معلومات } يعني أيام التشريق .(7/143)
وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه { في أيام معلومات } يعني أيام التشريق { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } يعني البدن .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنه قال : الأيام المعلومات والمعدودات ، هن جميعهن أربعة أيام . فالمعلومات ، يوم النحر ويومان بعده . والمعدودات ، ثلاثة أيام بعد يوم النحر .
وأخرج ابن المنذر عن علي رضي الله عنه قال : الأيام المعلومات ، يوم النحر وثلاثة أيام بعده .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { في أيام معلومات } قال : قبل يوم التروية بيوم ، ويوم التروية ، ويوم عرفة .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء ومجاهد رضي الله عنه قال : الأيام المعلومات ، أيام العشر .
وأخرج عن سعيد بن جبير والحسن رضي الله عنه مثله .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن إبراهيم رضي الله عنه قال : كان المشركون لا يأكلون من ذبائح نسائكم ، فأنزل الله { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } فرخص للمسلمين ، فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه ، عن مجاهد في الآية قال : هي رخصة ، إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل . بمنزلة قوله : { وإذا حللتم فاصطادوا } .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء { فكلوا منها وأطعموا } قال : إذا ذبحتم فاهدوا وكلوا وأطعموا وأقلوا لحوم الأضاحي عندكم .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح الحنفي رضي الله عنه { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } قال : هي في الأضاحي .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء رضي الله عنه قال : إن شاء أكل من الهدي والأضحية؛ وإن شاء لم يأكل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فكلوا منها } أن ابن مسعود كان يقول للذي يبعث : بهديه معه : كُلْ ثلثاً ، وتصدق بالثلث ، واهد لآل عتبة ثلثاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال : نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل جزور بضعة ، فجعلت في قدر فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي من اللحم وحسوا من المرق . قال سفيان : لأن الله يقول { فكلوا منها } .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وأطعموا البائس } قال : الزمن .
وأخرج الطستي عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قول الله { وأطعموا البائس الفقير } قال : { البائس } الذي لم يجد شيئاً من شدة الحاجة . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت طرفة وهو يقول :
يغشاهم البائس المدقع ... والضيف وجار مجاور جنب
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة ومجاهد قالا { البائس } الذي يمد كفيه إلى الناس يسأل .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال : { البائس } المضطر الذي عليه البؤس و { الفقير } الضعيف .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله و { البائس الفقير } قال : هما سواء .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : { البائس الفقير } الذي به زمانه وهو فقير .(7/144)
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عمر رضي الله عنه قال : التفث ، المناسك كلها .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : التفث ، قضاء النسك كله .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه قال في التفث : حلق الرأس ، والأخذ من العارضين ، ونتف الابط ، وحلق العانة والوقوف بعرفة ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار ، وقص الأظفار ، وقص الشارب ، والذبح .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ثم ليقضوا تفثهم } قال : يعني بالتفث : وضع إحرامهم من حلق الرأس ، ولبس الثياب ، وقص الأظفار . . . ونحو ذلك { وليوفوا نذورهم } قال : يعني نحر ما نذروا من البدن .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه { ثم ليقضوا تفثهم } قال : التفث ، كل شيء أحرموا منه { وليوفوا نذورهم } قال : هو الحج .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : { ليقضوا تفثهم } قال : حلق الرأس والعانة ، ونتف الأبط ، وقص الشارب والأظفار ، ورمي الجمار ، وقص اللحية : { وليوفوا نذورهم } قال : نذر الحج .
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن كعب قال : التفث ، حلق العانة ، ونتف الابط ، وأخذ من الشارب ، وتقليم الأظفار .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه ، أنه قرأ { وليوفوا نذورهم } مثقله بجزم اللام . { وليطوفوا } بجزم اللام مثقلة .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وليطوفوا } قال : هو الطواف الواجب يوم النحر .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد ، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { وليطوفوا } قال : هو الطواف الواجب يوم النحر .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { وليطوفوا } قال : طواف الزيارة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { وليطوفوا } قال : يعني زيارة البيت . ولفظ ابن جرير : هو طواف الزيارة يوم النحر .
وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنما سمى الله البيت العتيق؛ لأن الله أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : البيت العتيق ، لأنه أعتق من الجبابرة .(7/145)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : إنما سمي البيت العتيق؛ لأنه أعتق من الجبابرة لم يدعه جبار قط . وفي لفظ : فليس في الأرض جبار يدعي أنه له .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : إنما سمي البيت العتيق؛ لأنه لم يرده أحد بسوء إلا هلك .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : إنما سمي البيت العتيق؛ لأنه أعتق من الغرق في زمان نوح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال : إنما سمي العتيق؛ لأنه أول بيت وضع .
وأخرج ابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنما جعل الطواف بالبيت ملاذاً؛ لأن الله لما خلق آدم أمر إبليس بالسجود له فأبى ، فغضب الرحمن فلاذت الملائكة بالبيت حتى سكن غضبه » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت هذه الآية { وليطوفوا بالبيت العتيق } طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائه .
وأخرج سفيان بن عيينة والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس قال : الحجر من البيت؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت من ورائه . قال الله { وليطوفوا بالبيت العتيق } .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : طواف الوداع واجب ، وهو قول الله { وليطوفوا بالبيت العتيق } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جمرة قال : قال لي ابن عباس : أتقرأ سورة الحج؟ يقول الله { وليطوفوا بالبيت العتيق } قال : فإن آخر المناسك الطواف بالبيت .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كانوا ينفرون من منى إلى وجوههم ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، ورخص للحائض .
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري قال : من طاف بهذا البيت سبعاً لا يتكلم فيه إلا بتكبير أو تهليل ، كان عدل رقبة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر قال : من طاف بالبيت أسبوعاً وصلى ركعتين ، كان مثل يوم ولدته أمه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : من طاف بالبيت كان عدل رقبة .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب ، عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من طاف بالبيت سبعاً يحصيه ، كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت له درجة ، وكان له عدل رقبة » .
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي عقال قال : طفت مع أنس في مطرة فقال لنا : استأنفوا العمل فقد غفر لكم ، طفت من نبيكم صلى الله عليه وسلم في مثل هذا اليوم فقال :(7/146)
« استأنفوا العمل فقد غفر لكم » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن محمد بن المنكدر عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من طاف حول البيت أسبوعاً لا يلغو فيه ، كان عدل رقبة يعتقها » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : من طاف بالبيت خمسين أسبوعاً ، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن جبير بن مطعم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يا بني عبد مناف ، لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء ، أنه طاف بالبيت بعد العصر وصلى ركعتين ، فقيل له فقال : إنها ليست كسائر البلدان .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر ، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت ، استلم الحجر والركن في كل طواف .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : رأيت عمر بن الخطاب قبَّل الحجر وسجد عليه ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّل الركن اليماني ووضع خده عليه .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن سعيد بن جبير قال : كان ابن عباس يقول : احفظوا هذا الحديث . وكان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو به بين الركنين : « رب قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه ، واخلف عليّ كل غائبة بخير » .
وأخرج الترمذي والحاكم وصححه ، عن ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الطواف بالبيت مثل الصلاة ، إلا أنكم تتكلمون ، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير » .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب ماء في الطواف .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب ، عن عبد الأعلى التيمي قال : « قالت خديجة رضي الله عنها : » يا رسول الله ، ما أقول وأنا أطوف بالبيت؟ قال : قولي : اللهم اغفر ذنوبي وخطئي وعمدي وإسرافي في أمري ، إنك إن لا تغفر لي تهلكني « » .
وأخرج أحمد والحاكم وصححه ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أسمعت ابن عباس؟ قال : إنما أمرتم بالطواف به ولم تؤمروا بدخوله . قال : لم يكن نهانا عن دخوله ، ولكن سمعته يقول : أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت ، فلما خرج ركع ركعتين في قبل البيت . وقال : هذه القبلة .
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت : « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندي وهو قرير العين طيب النفس ، ثم رجع وهو حزين فقلت : يا رسول الله ، خرجت من عندي وأنت كذا وكذا . . . ! قال : إني دخلت الكعبة . . . وددت أني لم أكن فعلته ، إني أخاف أن أكون أتعبت أمتي من بعدي » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة ، أنها كانت تقول : عجباً للمرء المسلم! إذا دخل الكعبة حين يرفع بصره قِبَل السقف ، يدع ذلك إجلالاً لله وإعظاماً ، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها .(7/147)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { ذلك ومن يعظم حرمات الله } قال : الحرمة الحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلها .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء وعكرمة { ذلك ومن يعظم حرمات الله } قالا : المعاصي .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { ومن يعظم حرمات الله } قال : الحرمات المشعر الحرام ، والبيت الحرام ، والمسجد الحرام ، والبلد الحرام .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وابن أبي حاتم ، عن عياش بن أبي ربيعة المخزومي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لن تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها - يعني مكة - فإذا ضيعوا ذلك هلكوا » .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } يقول : اجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان { واجتنبوا قول الزور } يعني الافتراء على الله والتكذيب به .
وأخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ، « عن أيمن بن خريم قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال : يا أيها الناس ، عدلت شهادة الزور إشراكاً بالله ثلاثاً ، ثم قرأ { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن داود وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب ، عن خريم بن فاتك الأسدي قال : « صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، فلما انصرف قائماً قال : عدلت شهادة الزور الإشراك بالله ثلاثاً ، ثم تلا هذه الآية { واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به } » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي ، عن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا : بلى يا رسول الله . قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين - وكان متكئاً فجلس - فقال : ألا وقول الزور! . . . ألا وشهادة الزور . . . » فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي ، عن ابن مسعود قال : شهادة الزور تعدل بالشرك بالله . ثم قرأ { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد { واجتنبوا قول الزور } قال : الكذب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { واجتنبوا قول الزور } يعني الشرك بالكلام . وذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت فيقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { حنفاء لله غير مشركين به } قال : حجاجاً لله غير مشركين به .(7/148)
وذلك أن الجاهلية كانوا يحجون مشركين ، فلما أظهر الله الإسلام قال الله للمسلمين : حجوا الآن غير مشركين بالله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر الصديق قال : كان الناس يحجون وهم مشركون ، فكانوا يسمونهم حنفاء الحجاج ، فنزلت { حنفاء لله غير مشركين به } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر الصديق قال : كان ناس من مضر وغيرهم يحجون البيت وهم مشركون ، وكان من لا يحج البيت من المشركين يقولون : قولوا حنفاء . فقال الله { حنفاء لله غير مشركين به } يقول : حجاجاً غير مشركين به .
وأخرج ابن المنذر عن السدي قال : ما كان في القرآن من حنفاء ، قال : مسلمين . وما كان حنفاء مسلمين ، فهم حجاج .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { حنفاء } قال : حجاجاً .
وأخرج عن الضحاك مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { حنفاء } قال : متبعين .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء . . . } . قال : هذا مثل ضربه الله لمن أشرك بالله في بعده من الهدى وهلاكه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { في مكان سحيق } قال : بعيد .(7/149)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ذلك ومن يعظم شعائر الله } قال : البدن .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { ذلك ومن يعظم شعائر الله } قال : الاستسمان والاستحسان والاستعظام . وفي قوله { لكم فيها منافع إلى أجل مسمى } قال : إلى أن تسمى بدنا .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { ذلك ومن يعظم شعائر الله } قال : استعظام البدن واستسمانها واستحسانها { لكم فيها منافع إلى أجل مسمى } قال : ظهورها وأوبارها واشعارها وأصوافها ، إلى أن تسمى هدياً . فإذا سميت هدياً ذهبت المنافع { ثم محلها } يقول : حين يسمى إلى البيت العتيق .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الضحاك وعطاء في الأية قال : المنافع فيها ، الركوب عليها إذا احتاج ، وفي أوبارها وألبانها . والأجل المسمى : إلى أن تقلد فتصير بدناً { ثم محلها إلى البيت العتيق } قالا : إلى يوم النحر تنحر بمنى .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله { ثم محلها إلى البيت العتيق } قال : إذا دخلت الحرم فقد بلغت محلها .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن محمد بن موسى في قوله { ذلك ومن يعظم شعائر الله } قال : الوقوف بعرفة من شعائر الله ، وبجمع من شعائر الله ، والبدن من شعائر الله ورمي الجمار من شعائر الله ، والحلق من شعائر الله . . . فمن يعظمها { فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى } قال : لكم في كل مشعر منها منافع إلى أن تخرجوا منه إلى غيره { ثم محلها إلى البيت العتيق } قال : محل هذه الشعائر كلها ، الطواف بالبيت العتيق .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء ، أنه سئل عن شعائر الله قال : حرمات الله ، اجتناب سخط الله واتباع طاعته . فذلك شعائر الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولكل أمة جعلنا منسكاً } قال : عيداً .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { ولكل أمة جعلنا منسكاً } قال : إهراق الدماء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة { ولكل أمة جعلنا منسكاً } قال : ذبحاً .
وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه ، عن عبد الله بن عمر : « أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت بعيد الأضحى جعله الله لهذه الأمة . قال الرجل : فإن لم نجد إلا ذبيحة أنثى أو شاة أعليّ ، اذبحها؟ قال : لا ، ولكن قلم أظفارك وقص شاربك واحلق عانتك ، فذلك تمام أضحيتك عند الله » .(7/150)
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي ، عن أبي هريرة قال : « نزل جبريل فقال النبي صلى الله عليه وسلم كيف رأيت عيدنا؟ فقال : لقد تباهى به أهل السماء! . . . اعلم يا محمد ، أن الجذع من الضأن خير من السيد من المعز ، وإن الجذع من الضأن خير من السيد من البقر ، وإن الجذع من الضأن خير من السيد من الإبل . ولو علم الله خيراً منه فدى بها إبراهيم » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أنه قال : في هذه الآية { ولكل أمة جعلنا منسكاً } أنه مكة ، لم يجعل الله لأمة قط منسكاً غيرها .
أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، عن جابر بن عبد الله : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى للناس يوم النحر ، فلما فرغ من خطبته وصلاته دعا بكبش فذبحه هو بنفسه وقال : بسم الله والله أكبر . . . اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي » .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب ، عن جابر قال : « ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين في يوم عيد فقال حين وجههما : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين . اللهم منك ولك وعن محمد وأمته . ثم سمى الله وكبر وذبح » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الأضاحي والبيهقي في الشعب ، عن علي أنه قال حين ذبح : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين فسمى وكبر .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عمر رضي الله عنه ، أنه كان إذا ذبح قال : بسم الله والله أكبر ، اللهم منك ولك اللهم تقبل مني .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { فله أسلموا } يقول : فله أخلصوا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم . عن مجاهد في قوله { وبشر المخبتين } قال : المطمئنين .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في ذم الغضب ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عمرو بن أوس { وبشر المخبتين } قال : المخبتون ، الذين لا يظلمون الناس ، وإذا ظلموا لم ينتصروا .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الضحاك رضي الله عنه { وبشر المخبتين } قال : المتواضعين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه { وبشر المخبتين } قال : الوجلين .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أنه كان إذا رأى الربيع بن خثيم قال : { وبشر المخبتين } وقال له : ما رأيتك إلا ذكرت المخبتين .(7/151)
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } عندما يخوفون { والصابرين على ما أصابهم } من البلاء والمصيبات { والمقيمي الصلاة } يعني إقامتها بأداء ما استحفظهم الله فيها .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه ، أنه قرأ { والبدن } خفيفة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : لا نعلم البدن إلا من الإبل والبقر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنه قال : البدنة ، ذات الخف .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عمر رضي الله عنه قال : البدنة ذات البدن من الإبل والبقر .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : ليس البدن إلا من الإبل .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عبد الكريم قال : اختلف عطاء والحكم فقال عطاء البدن من الإبل والبقر . وقال الحكم : من الإبل .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن سعيد بن المسيب قال : البدن ، البعير والبقرة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه قال : البدن من البقر .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن يعقوب الرياحي ، عن أبيه قال أوصى الي رجل ، وأوصى ببدنة ، فأتيت ابن عباس - رضي الله عنهما - فقلت له : إن رجلاً أوصى إلي ، وأوصى إلي ببدنة ، فهل تجزئ عني بقرة؟ قال : نعم . ثم قال : ممن صاحبكم؟ فقلت : من بني رياح . قال : ومتى تقتني . اقتنى بنو رياح البقر إلى الإبل [ ] وهو صاحبكم وإنما البقر للأسد ، وعبد القيس .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : إنما سميت البدن؛ من قبل السمانة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن إبراهيم في قوله { لكم فيها خير } قال : هي البدنة . ان احتاج إلى ظهر ركب ، أو إلى لبن شرب .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { لكم فيها خير } قال : لكم أجر ومنافع للبدن .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن ماجة ، والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب ، « عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله ، ما هذه الأضاحي؟ » قال سنة أبيكم إبراهيم « قال : فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال : » بكل شعرة حسنة « قالوا : فالصوف؟ قال : » بكل شعرة من الصوف حسنة « » .(7/152)
وأخرج ابن عدي والدارقطني والطبراني والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد » .
وأخرج الترمذي وحسنة وابن ماجة والحاكم وصححه ، عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من هراقه دم ، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها واظلافها وأشعارها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً » .
وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من وجد سعة لأن يضحي فلم يضح فلا يقربن مصلانا » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مالك بن أنس قال : حج سعيد بن المسيب وحج معه ابن حرملة ، فاشترى سعيد كبشاً فضحى به ، واشترى ابن حرملة بدنة بستة دنانير فنحرها . فقال له سعيد : اما كان لك فينا أسوة؟ فقال : إني سمعت الله يقول : { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ، لكم فيها خير } فاحببت أن آخذ الخير من حيث دلني الله عليه ، فاعجب ذلك ابن المسيب منه! وجعل يحدث بها عنه .
وأخرج أبو نعيم الحلية ، عن ابن عيينة قال : حج صفوان بن سليم ومعه سبعة دنانير فاشترى بها بدنة ، فقيل له : ليس معك إلا سبعة دنانير تشتري بها بدنة! فقال : إني سمعت الله يقول : { لكم فيها خير } .
وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر في التمهيد ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : يا أيها الناس ضحوا وطيبوا بها نفساً ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما من عبد يوجه بأضحيته إلى القبلة؛ إلا كان دمها وقرنها وصوفها حسنات محضرات في ميزانه يوم القيامة ، فإن الدم إن وقع في التراب فإنما يقع في حرز الله حتى يوفيه صاحبه يوم القيامة » وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - « اعملوا قليلاً تجزوا كثيراً » .
وأخرج أحمد عن أبي الأشد السملي ، عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال : « ما أنفق الناس من نفقة أعظم أجراً من دم يهراق يوم النحر؛ إلا رحماً محتاجة يصلها » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن مجاهد في قوله { لكم فيها خير } قال : إن احتاج إلى اللبن شرب ، وإن احتاج إلى الركوب ركب ، وإن احتاج إلى الصوف أخذ .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عكرمة قال : قال رجل لابن عباس أيركب الرجل البدنة على غير مثقل؟ قال : ويحلبها على غير مجهد .(7/153)
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن علي رضي الله عنه قال : يركب الرجل بدنته بالمعروف .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا ظهراً » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عطاء رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص لهم أن يركبوها إذا احتاجوا إليها .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ، عن أبي هريرة : « أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال : » اركبها « قال : إنها بدنة . قال : » اركبها ويلك أو يحك « » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن أنس : « أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يسوق بدنة أو هدية فقال : » اركبها « فقال : إنها بدنة - أو هدية . قال : » وإن كانت « » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في الأضاحي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه ، عن أبي ظبيان قال : سألت ابن عباس ، عن قوله { فاذكروا اسم الله عليها صواف } قال : إذا أردت أن تنحر البدنة ، فاقمها على ثلاث قوائم معقولة ، ثم قل : بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك .
وأخرج الفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { صواف } قال : قياماً معقولة .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عمر : أنه نحر بدنة وهي قائمة معقولة إحدى يديها . وقال : { صواف } كما قال الله عز وجل .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رجلاً أناخ بدنته وهو ينحرها فقال : ابعثها قياماً مقيدة؛ سنة محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن ابن سابط : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا يعقلون من البدنة اليسرى ، وينحرونها قائمة على ما هي من قوائمها .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه كان ينحرها وهي معقولة يدها اليمنى .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن الحسن في البدنة كيف تنحر؟ قال : تعقل يدها اليسرى وينحرها من قبل يدها اليمنى .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن مجاهد أنه كان يعقل يدها اليسرى إذا أراد أن ينحرها .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عطاء قال : اعقل أي اليدين شئت .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف والضياء في المختارة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه كان يقرأ { فاذكروا اسم الله عليها صوافن } .
وأخرج ابن الأنباري ، عن مجاهد في قوله { صوافن } قال : معقولة على ثلاثة .(7/154)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن الأنباري ، عن قتادة قال : كان عبد الله بن مسعود يقرأ [ فاذكروا اسم الله عليها صوافن ] أي معقولة قياماً .
وأخرج عبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه : أنه كان يقرأُها [ صوافن ] قال : رأيت ابن عمر ينحر بدنته وهي على ثلاثة قوائم قياماً معقولة .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه ، عن مجاهد قال : من قرأها { صوافن } قال : معقولة . ومن قرأها { صواف } قال : يصف بين يديها . ولفظ عبد بن حميد من قرأها { صواف } فهي قائمة مضمومة يديها . ومن قرأها { صوافن } قياماً معقولة ، ولفظ ابن أبي شيبة الصواف ، على أربع ، والصوافن على ثلاثة .
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف وابن أبي حاتم ، عن الحسن أنه كان يقرأُها { صواف } قال : خالصة . لله تعالى قال : كانوا يذبحونها لأصنامهم .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم أنه قرأ « فاذكروا اسم الله عليها صوافي » بالياء منتصبة . وقال : خالصة لله من الشرك ، لأنهم كانوا يشركون في الجاهلية إذا نحروها .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { فإذا وجبت } قال : سقطت على جنبها .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { فإذا وجبت } قال نحرت .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن مجاهد { فإذا وجبت جنوبها } قال : إذا سقطت إلى الأرض .
وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه وأبو نعيم في الدلائل ، عن عبد الله بن قرط قال : قدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بدنات خمس أو ست ، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ ، فلما وجبت جنوبها قال : من شاء اقتطع .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر أنه : كان يطعم من بدنه قبل أن يأكل منها ويقول : { فكلوا منها وأطعموا } هما سواء .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن إبراهيم قال : كانوا لا يأكلون من شيء جعلوه لله ، ثم رخص لهم أن يأكلوا من الهدي والأضاحي وأشباهه .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن علي قال : لا يؤكل من النذر ، ولا من جزاء الصيد ، ولا مما جعل للمساكين .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن سعيد بن جبير قال : لا يؤكل من النذر ، ولا من الكفارة ، ولا مما جعل للمساكين .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن معاذ قال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نطعم من الضحايا الجار ، والسائل ، والمتعفف .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن ابن عمر : أنه كان بمنى فتلا هذه الآية { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } وقال : لغلام معه هذه القانع الذي يقنع بما آتيته .(7/155)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : القانع المتعفف ، والمعتر السائل .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، القانع الذي يقنع بما أوتي ، والمعتر الذي يعترض .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : القانع الذي يجلس في بيته .
وأخرج الطستي في مسائله ، عن ابن عباس : أن نافع بن الأزرق قال له : اخبرني عن قوله { القانع والمعتر } قال : القانع الذي يقنع بما أُعطي ، والمعتر الذي يعتر من الأبواب . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر وهو يقول :
على مكثريهم حق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية؟ قال : أما القانع؛ فالقانع بما أرسلت إليه في بيته . والمعتر الذي يعتريك .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن مجاهد مثله .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس قال : القانع الذي يسأل ، والمعتر الذي يعترض لولا يسأل .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير قال : القانع السائل الذي يسأل ، ثم أنشد قول الشاعر :
لمال المرء يصلح فيبقى ... معاقره أعف من القنوع
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، عن الحسن قال : القانع الذي يقنع اليك بما في يديك ، والمعتر الذي يتصدى إليك لتطعمه . ولفظ ابن أبي شيبة ، والمعتر الذي يعتريك ، يريك نفسه ولا يسألك .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، والبيهقي في سننه ، عن مجاهد قال : القانع الطامع بما قبلك ولا يسألك ، والمعتر الذي يعتريك ولا يسألك .
وأخرج عبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير قال : القانع الذي يسأل فيعطى في يديه ، والمعتر الذي يعتر فيطوف .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال : القانع أهل مكة . والمعتر سائر الناس .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن مجاهد مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن مجاهد قال : القانع السائل ، والمعتر معتر البدن .
وأخرج البيهقي في سننه ، عن مجاهد قال : البائس الذي يسأل بيده إذا سأل ، والقانع الطامع الذي يطمع في ذبيحتك من جيرانك . والمعتر الذي يعتريك بنفسه ، ولا يسألك يتعرض لك .
وأخرج عبد بن حميد ، عن القاسم بن أبي بزة أنه سئل عن هذه الآية ، ما الذي آكل وما الذي أعطي القانع والمعتر؟ قال : اقسمها ثلاثة أجزاء . قيل : ما القانع؟ قال : من كان حولك . قيل : وإن ذبح؟ قال : وإن ذبح . والمعتر : الذي يأتيك ويسألك .
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : كان المشركون إذا ذبحوا استقبلوا الكعبة بالدماء ، فينضحون بها نحو الكعبة . فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك ، فأنزل الله { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن جرير قال : كان أهل الجاهلية ينضحون البيت بلحوم الإبل ودمائها .(7/156)
فقال : أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فنحن أحق أن ننضح . فأنزل الله { لن ينال الله لحومها } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن جريج قال : النصب ليست بأصنام الصنم يصوّر وينقش ، وهذه حجارة تنصب ثلثمائة وستون حجراً ، فكانوا إذا ذبحوا نضحوا الدم على ما أقبل من البيت ، وشرحوا اللحم ، وجعلوه على الحجارة . فقال المسلمون : يا رسول الله ، كان أهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم ، فنحن أحق أن نعظمه . فكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكره ما قالوا . فنزلت { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل بن حيان { لن ينال الله } قال : لن يرفع إلى الله { لحومها ولا دماؤها ولكن } نحر البدن من تقوى الله وطاعته . يقول : يرفع إلى الله منكم : الأعمال الصالحة والتقوى .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن إبراهيم { ولكن يناله التقوى منكم } قال : ما التمس به وجه الله تعالى .
وأخرج ابن المنذر ، عن الضحاك رضي الله عنه { ولكن يناله التقوى منكم } يقول : إن كانت من طيب وكنتم طيبين وصل إلي أعمالكم وتقبلتها .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : { ولتكبروا الله على ما هداكم } قال : على ذبحها في تلك الأيام .
وأخرج الحاكم وابن مردويه والبيهقي في الشعب ، عن الحسن قال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نلبس أجود ما نجد ، وأن نتطيب بأجود ما نجد ، وأن نضحي بأسمن ما نجد ، والبقرة عن سبعة ، والجزور عن سبعة ، وأن نظهر التكبير ، وعلينا السكينة والوقار ، والله أعلم .(7/157)
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
أخرج عبد بن حميد ، عز عاصم أنه قرأ { إن الله يدافع } بالألف ورفع الياء .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله { إن الله يدافع عن الذين آمنوا } قال : والله ، ما يضيع الله رجلاً قط حفظ له دينه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سفيان في قوله : إن الله لا يحب . قال : لا يقرب .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال : كل شيء في القرآن كفور ، يعني به الكفار .(7/158)
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال : لما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن القوم! فنزلت { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } الآية . وكان ابن عباس يقرأها { أذن } قال أبو بكر : فعملت أنه سيكون قتال . قال ابن عباس : وهي أول آية نزلت في القتال .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل ، عن مجاهد قال : خرج ناس مؤمنون مهاجرين من مكة إلى المدينة ، فاتبعهم كفار قريش ، فأذن لهم في قتالهم فأنزل الله { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } الآية . فقاتلوهم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عروة بن الزبير أن أول آية أنزلت في القتال حين ابتلي المسلمون بمكة وسطت بهم عشائرهم ، ليفتنوهم عن الإسلام ، وأخرجوهم من ديارهم ، وتظاهروا عليهم ، فأنزل الله { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } الآية . وذلك حين أذن الله لرسوله بالخروج ، وأذن لهم بالقتال .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر ، عن أبي هريرة قال : كانت أول آية نزلت في القتال { أذن للذين يقاتلون } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله { أذن للذين يقاتلون } قال : أذن لهم في قتالهم ، بعدما عفى عنهم عشر سنين .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله { أذن للذين يقاتلون } قال النبي : صلى الله عليه وسلم وأصحابه { بأنهم ظلموا } يعني ظلمهم أهل مكة حين أخرجوهم من ديارهم .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن محمد بن سيرين قال : أشرف عليهم عثمان من القصر فقال : ائتوني برجل قارئ كتاب الله ، فأتوه بصعصعة بن صوحان ، فتكلم بكلام فقال : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير } فقال له عثمان : كذبت! ليست لك ولا لأصحابك ، ولكنها لي ولأصحابي .(7/159)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس { الذين أخرجوا من ديارهم } أي من مكة إلى المدينة { بغير حق } يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن عثمان بن عفان قال : فينا نزلت هذه الآية { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق } والآية بعدها أخرجنا من ديارنا { بغير حق } ثم مكنا في الأرض ، فأقمنا الصلاة ، وآتينا الزكاة وأمرنا بالمعروف ، ونهينا عن المنكر ، فهي لي ولأصحابي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ثابت بن عوسجة الخضيري قال : حدثني سبعة وعشرون من أصحاب علي وعبدالله ، منهم لاحق بن الأقمر ، والعيزار بن جرول ، وعطية القرظي أن علياً قال : إنما نزلت هذه الآية في أصحاب محمد { ولولا دفع الله الناس } قال : لولا دفع الله بأصحاب محمد عن التابعين ، لهدمت صوامع .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم أنه قرأ { ولولا دفع الله الناس } بغير الألف .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد { ولولا دفع الله الناس } . قال : لولا القتال والجهاد .
وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد في الآية . قال : دفع المشركون بالمسلمين .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في الآية قال : منع بعضهم ببعض في الشهادة وفي الحق ، وفيما يكون مثل هذا يقول : لولا هذا لهلكت هذه الصوامع وما ذكر معها .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { لهدّمت صوامع } . قال : الصوامع التي تكون فيها الرهبان ، والبيع مساجد اليهود ، وصلوات كنائس النصارى ، والمساجد مساجد المسلمين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ، عن ابن عباس قال : البيع بيع النصارى ، وصلوات كنائس اليهود .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك قال : صلوات كنائس اليهود يسمون الكنيسة صلاة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عاصم الجحدري أنه قرأ { وصلوات } قال : الصلوات دون الصوامع . قال : وكيف تهدم الصلاة!
وأخرج عبد بن حميد ، عن أبي العالية قال : البيع بيع النصارى ، والصلوات : بيع صغار للنصارى .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في الآية قال : صوامع الرهبان ، وبيع النصارى ، وصلوات مساجد الصابئين : يسمونها بصلوات .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { صوامع } قال : هي للصابئين وبيع للنصارى ، وصلوات كنائس اليهود ، ومساجد للمسلمين .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في الآية .
قال : الصوامع صوامع الرهبان ، وبيع كنائس وصلوات ومساجد لأهل الكتاب ، ولأهل الإسلام بالطرق .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : وصلوات أهل الإسلام تنقطع إذا دخل عليهم العدو .(7/160)
تنقطع العبادة من المساجد .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله : { يذكر فيها اسم الله كثيراً } يعني في كل مما ذكر ، من الصوامع . والصلوات والمساجد يقول : في كل هذا يذكر اسم الله ، ولم يخص المساجد .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في قوله : { الذين إن مكناهم في الأرض } قال : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب { الذين إن مكناهم في الأرض } قال : هم الولاة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم في قوله : { الذين إن مكناهم في الأرض } قال : أرض المدينة { أقاموا الصلاة } قال : المكتوبة . { وآتوا الزكاة } قال : المفروضة { وأمروا بالمعروف } بلا إله إلا الله { ونهوا عن المنكر } قال : الشرك بالله { ولله عاقبة الأمور } قال : وعند الله ثواب ما صنعوا .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في الآية . قال : كان أمرهم بالمعروف ، أنهم دعوا إلى الله وحده ، وعبادته لا شريك له ، وكان نهيهم أنهم نهوا عن عبادة الشيطان . وعبادة الأوثان .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { الذين إن مكناهم في الأرض } قال : هذا شرط الله على هذه الأمة ، والله أعلم .(7/161)
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن قتادة { فهي خاوية على عروشها } قال : خربة ليس فها أحد { وبئر معطلة } قال : عطلها أهلها وتركوها { وقصر مشيد } قال شيدوه وحصنوه فهلكوا وتركوه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { وبئر معطلة } قال : التي تركت لا أهل لها .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { وقصر مشيد } قال هو المجصص .
وأخرج الطستي ، عن ابن عباس : أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { وقصر مشيد } قال : شيد بالجص والآجر . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت عدي بن زيد وهو يقول :
شاده مرمرا وجلله ... كلسا فللطير في ذراه وكور
وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد { وقصر مشيد } قال : بالقصة .
وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق ، عن عطاء { وقصر مشيد } قال : مجصص .(7/162)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر ، عن ابن دينار قال : أوحى الله إلى موسى عليه السلام ، أن اتخذ نعلين من حديد ، وعصا ثم سح في الأرض ، فاطلب الآثار والعبر ، حتى تحفوا النعلان وتنكسر العصا .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { فإنها لا تعمى الأبصار } قال : ما هذه الأبصار التي في الرؤوس؟ فإنها جعلها الله منفعة وبلغة ، وأما البصر النافع فهو في القلب . ذكر لنا أنها نزلت في عبد الله بن زائدة يعني ابن أم مكتوم .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو نصر السجزي في الإبانة في شعب الإيمان ، والديلمي ، في مسند الفردوس ، عن عبد الله بن جراد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « ليس الأعمى من يعمى بصره ، ولكن الأعمى من تعمى بصيرته » .(7/163)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ويستعجلونك بالعذاب } قال : قال ناس من جهلة هذه الأمة { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } قال : من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض .
وأخرج ابن المنذر ، عن عكرمة { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } قال : يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن إبراهيم قال : ما طول ذلك اليوم على المؤمن ، إلا كما بين الأولى والعصر .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة ، فقد مضى منها ستة آلاف .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الأمل ، عن سعيد بن جبير قال : إنما الدنيا جمعة من جمع الآخرة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن محمد بن سيرين عن رجل من أهل الكتاب أسلم قال : إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } وجعل أجل الدنيا ستة أيام ، وجعل الساعة في اليوم السابع ، فقد مضت الستة الأيام ، وأنتم في اليوم السابع ، فمثل ذلك مثل الحامل إذا دخلت في شهرها ، ففي أية ساعة ولدت كان تماماً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن صفوان بن سلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل الأغنياء من المسلمين بنصف يوم . قيل : وما نصف اليوم؟ قال خمسمائة عام » وتلا { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق ضمير بن نهار قال : قال أبو هريرة يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم . قلت : وما مقدار نصف يوم؟ قال : أو ما تقرأ القرآن { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن ضمير بن نهار ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم » وتلا { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } .
وأخرج البيهقي في الشعب ، عن ابن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من صلى على جنازة فانصرف قبل أن يفرغ منها كان له قيراط ، فإن انتظر حتى يفرغ منها كان له قيراطان؛ والقيراط مثل أحد في ميزانه يوم القيامة » ثم قال ابن عباس : حق لعظمة ربنا أن يكون قيراطه مثل أحد ، ويومه كألف سنة .
وأخرج ابن عدي والديلمي ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « الدنيا كلها سبعة أيام من أيام الآخرة » وذلك قول الله { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } .(7/164)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي قال : إذا سمعت الله يقول { رزق كريم } فهي الجنة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ { معاجزين } في كل القرآن؛ يعني بألف ، وقال : مشاقين .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { معاجزين } قال مراغمين .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن الزبير أنه كان يقرأ [ والذين سعوا في آياتنا معجزين ] يعني مثبطين .
وأخرج بن أبي حاتم ، عن عروة بن الزبير : أنه كان يعجب من الذين يقرأُون هذه الآية { والذين سعوا في آياتنا معاجزين } قال : ليس معاجزين من كلام العرب ، إنما هي [ معجزين ] يعني مثبطين .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه { في آياتنا معاجزين } قال : مبطئين ، يبطئون الناس عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه { والذين سعوا في آياتنا معاجزين } قال : كذبوا بآيات الله وظنوا أنهم يعجزون الله ، ولن يعجزوه .(7/165)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)
أخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف ، عن عمرو بن دينار قال : كان ابن عباس رضي الله عنه يقرأ « وما أرسلنا من قبلك من رسول ، ولا نبي ولا محدث » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال : إن فيما أنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } [ ولا محدث ] فنسخت محدث والمحدثون : صاحب يس ولقمان وهو من آل فرعون ، وصاحب موسى .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : النبي وحده الذي يكلم وينزل عليه ولا يرسل .
وأخرج عبد بن حميد من طريق السدي ، عن أبي صالح قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال المشركون : ان ذكر آلهتنا بخير ، ذكرنا آلهته بخير ف { ألقى الشيطان في أمنيته } { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } [ النجم : 19- 20 ] إنهن لفي الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى . قال : فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } . فقال ابن عباس : إن أمنيته؛ أن يسلم قومه .
وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى ففرح المشركون بذلك ، وقالوا : قد ذكر آلهتنا فجاءه جبريل فقال : اقرأ عليَّ ما جئتك به ، فقرأ { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى . فقال : ما أتيتك بهذا! هذا من الشيطان . فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى } إلى آخر الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند صحيح ، عن سعيد بن جبير قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة النجم ، فلما بلغ هذا الموضع { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى . قالوا : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم ، فسجد وسجدوا ، ثم جاءه جبريل بعد ذلك قال : اعرض عليَّ ما جئتك به . فلما بلغ : تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى . قال له جبريل : لم آتك بهذا؛ هذا من الشيطان فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفي ، عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينما هو يصلي إذ نزلت عليه قصة آلهة العرب ، فجعل يتلوها ، فسمعه المشركون فقالوا : إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير ، فدنوا منه فبينما هو يتلوها وهو يقول : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } ألقى الشيطان : إن تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى .(7/166)
فعلق يتلوها ، فنزل جبريل فنسخها ، ثم قال : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } إلى قوله { حكيم } .
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ومن طريق أبي بكر الهذلي ، وأيوب عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، ومن طريق سليمان التيمي ، عمن حدثه ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم وهو بمكة ، فأتى على هذه الآية { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } فألقى الشيطان على لسانه : إنهن الغرانيق العلى . فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يونس ، عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قرأ سورة النجم ، فلما بلغ { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } قال : إن شفاعتهن ترتجى ، وسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففرح المشركون بذلك فقال : » إلا إنما كان ذلك من الشيطان « فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } حتى بلغ { عذاب يوم عقيم } » مرسل صحيح الإسناد .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : لما أنزلت سورة النجم ، وكان المشركون يقولون : لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه ، ولكن لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم ، وأحزنته ضلالتهم ، فكان يتمنى كف أذاهم ، فلما أنزل الله سورة النجم قال : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } القى الشيطان عندها كلمات ، حين ذكر الطواغيت ، فقال : وانهن لهن الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى . فكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته ، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب مشرك بمكة ، وذلقت بها ألسنتهم ، وتباشروا بها وقالوا : إن محمداً قد رجع إلى دينه الأوّل ، ودين قومه . فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم ومشرك ، ففشت تلك الكلمة في الناس ، وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة . فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } . فلما بيَّن الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان ، انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم للمسلمين ، واشتدوا عليه .
وأخرجه البيهقي في الدلائل ، عن موسى بن عقبة ، ولم يذكر ابن شهاب .(7/167)
وأخرج الطبراني ، عن عروة مثله سواء .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير ، عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس قالا : جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناد من أندية قريش كثير أهله ، فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء؛ فيتفرقون عنه . فأنزل الله عليه { والنجم إذا هوى } [ النجم : 1 ] فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } [ النجم : 19 ] . ألقى الشيطان كلمتين : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى . فتكلم بها ، ثم مضى فقرأ السورة كلها ، ثم سجد في آخر السورة وسجد القوم جميعاً معه ، ورضوا بما تكلم به ، فلما أمسى أتاه جبريل فعرض عليه السورة ، فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال : ما جئتك بهاتين الكلمتين . فقال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - افتريت على الله وقلت ما لم يقل . فأوحى الله إليه { وإن كادوا ليفتنونك } [ الإسراء : 73 ] إلى قوله { نصيراً } [ الإسراء : 75 ] فما زال مغموماً مهموماً من شأن الكلمتين ، حتى نزلت { وما أرسلنا من قبلك } . فسري عنه وطابت نفسه .
وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة أنزل عليه في آلهة العرب ، فجعل يتلو اللات والعزى ويكثر ترديدها ، فسمعه أهل مكة وهو يذكر آلهتهم ، ففرحوا بذلك ودنوا يسمعون ، فألقى الشيطان في تلاوته : تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ، فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ، فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك } إلى قوله { حكيم } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم بسند صحيح ، عن أبي العالية قال : قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو ذكرت آلهتنا في قولك قعدنا معك ، فإنه ليس معك إلا أراذل الناس وضعفاؤهم ، فكانوا إذا رأونا عندك تحدث الناس بذلك فأتوك . فقام يصلي فقرأ { والنجم } حتى بلغ { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } تلك الغرانيق العلى وشفاعتهن ترتجى ومثلهن لا ينسى ، فلما فرغ من ختم السورة سجد وسجد المسلمون والمشركون . فبلغ الحبشة : ان الناس قد أسلموا ، فشق ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك } إلى قوله { عذاب يوم عقيم } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية قال : نزلت سورة النجم بمكة ، فقالت قريش : يا محمد ، إنه يجالسك الفقراء والمساكين ويأتيك الناس من أقطار الأرض ، فإن ذكرت آلهتنا بخير جالسناك ، فقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة { النجم } فلما أتى على هذه الآية { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } [ النجم : 19 ] ألقى الشيطان على لسانه : وهي الغرانيق العلى شفاعتهن ترتجى . فلما فرغ من السورة سجد وسجد المسلمون والمشركون ، إلا أبا احيحة [ ] سعيد بن العاص؛ فإنه أخذ كفاً من تراب فسجد عليها وقال : قد آن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير ، فبلغ ذلك المسلمين الذين كانوا بالحبشة : أن قريشاً قد أسلمت ، فأرادوا أن يقبلوا واشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ما ألقى الشيطان على لسانه ، فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } .(7/168)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند المقام إذ نعس ، فألقى الشيطان على لسانه كلمة فتكلم بها ، وتعلق بها المشركون عليه فقال { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } فألقى الشيطان على لسانه ، ونعس ، وإن شفاعتهم لترتجى وإنها لمع الغرانيق العلى ، فحفظها المشركون ، وأخبرهم الشيطان : أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قد قرأها فذلت بها ألسنتهم ، فأنزل الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } . فدحر الله الشيطان ، ولقن نبيه حجته .
وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قرأ النجم ، فألقى الشيطان على فيه أحكم آياته .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة قال : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى } [ النجم : 19 - 22 ] فألقى الشيطان على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك إذن في الغرانيق العلى تلك إذن شفاعة ترتجى ، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجزع! فأوحى الله إليه { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً } [ النجم : 26 ] ثم أوحى إليه ففرج عنه { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } إلى قوله { حكيم } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ليصلي ، فبينما هو يقرأ ، إذ قال : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } فألقى الشيطان على لسانه فقال : تلك الغرانقة العلى وإن شفاعتهن ترتجى ، حتى إذا بلغ آخر السورة سجد وسجد أصحابه وسجد المشركون لذكره آلهتهم ، فلما رفع رأسه حملوه ، فاشتدوا به بين قطري مكة يقولون : نبي بني عبد مناف ، حتى إذا جاءه جبريل عرض عليه ، فقرأ ذينك الحرفين ، فقال جبريل معاذ الله أن أكون أقرأتك هذا! فاشتد عليه فأنزل الله يطيب نفسه { وما أرسلنا من قبلك } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } يقول : إذا حدّث ألقى الشيطان في حديثه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله { إذا تمنى } يعني بالتمني التلاوة والقراءة { ألقى الشيطان في أمنيته } في تلاوة النبي { فينسخ الله } ينسخ جبريل بأمر الله { ما ألقى الشيطان } على لسان النبي صلى الله عليه وسلم .(7/169)
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { إذا تمنى } قال : تكلم في أمنيته قال : كلامه .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج { ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض } قال : المنافقون { والقاسية قلوبهم } يعني المشركين { وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق } قال : القرآن { ولا يزال الذين كفروا في مرية منه } قال : من القرآن { عذاب يوم عقيم } قال : ليس معه ليلة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في { مرية منه } قال : مما جاء به الخبيث إبليس لا يخرج من قلوبهم زادهم ضلالة .
وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة ، عن ابن عباس في قوله : { عذاب يوم عقيم } قال : يوم بدر .
وأخرج ابن مردويه ، عن أبي بن كعب قال : أربع كن يوم بدر { أو يأخذهم عذاب يوم عقيم } ذاك يوم بدر { فسوف يكون لزاماً } [ الفرقان : 77 ] ذاك يوم بدر { يوم نبطش البطشة الكبرى } [ الدخان : 16 ] ذاك يوم بدر { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } [ السجدة : 21 ] ذاك يوم بدر .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { عذاب يوم عقيم } قال : يوم بدر .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد عذاب { يوم عقيم } قال : يوم القيامة لا ليلة له .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن الضحاك مثله .(7/170)
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن سلمان الفارسي : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « » من مات مرابطاً أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر ، وأجرى عليه الرزق ، وأمن الفتانين ، وأقرأوا إن شئتم « { والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا } إلى قوله : { حليم } » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن فضالة بن عبيد الأنصاري الصحابي : - إنه كان برودس - فمروا بجنازتين : أحدهما قتيل ، والآخر متوفى . فمال الناس على القتيل ، فقال فضالة : ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا؟ فقالوا : هذا لقتيل في سبيل الله ، فقال : والله ، ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت . اسمعوا كتاب الله { والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { مدخلاً يرضونه } قال : الجنة .(7/171)
ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل في قوله : { ذلك ومن عاقب } الآية . قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية في ليلتين بقيتا من المحرم ، فلقوا المشركين ، فقال المشركون بعضهم لبعض : قاتلوا أصحاب محمد ، فإنهم يحرمون القتال في الشهر الحرام . وإن أصحاب محمد : ناشدوهم وذكروهم بالله أن يعرضوا لقتالهم؛ فإنهم لا يستحلون القتال في الشهر الحرام إلا من بادأهم ، وإن المشركين بدأوا وقاتلوهم فاستحل الصحابة قتالهم عند ذلك ، فقاتلوهم ونصرهم الله عليهم .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { ذلك ومن عاقب } . قال : تعاون المشركون على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فأخرجوه ، فوعد الله ان ينصره وهو في القصاص أيضاً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { وإن ما يدعون من دونه هو الباطل } قال : الشيطان .(7/172)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)
أخرج الطبراني ، عن ابن عباس قال : إذا أتيت سلطاناً مهيباً تخاف أن يسطو بك فقل : الله أكبر الله أكبر من خلقه جميعاً ، الله أعز ممن أخاف وأحذر ، أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو الممسك السموات السبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه ، من شر عبدك فلان وجنوده وأشياعه ، من الجن والإنس إلهي كن لي جاراً من شرهم ، جل شأنك وعز جارك وتبارك إسمك ولا إله غيرك ، ثلاث مرات .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : { إن الإنسان لكفور } قال : يعد المصيبات ، وينسى النعم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال : كل شيء في القرآن { إن الإنسان لكفور } يعني به الكفار ، والله أعلم!(7/173)
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي المليح قال : الأمة ما بين الأربعين إلى المائة فصاعداً .
وأخرج أحمد والحاكم ، وصححه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن علي بن الحسين { لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه } قال : ذبحاً هم ذابحوه .
حدثني أبو رافع « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ضحى : اشترى كبشين سمينين أملحين أقرنين ، فإذا خطب وصلى ذبح احدهما ، ثم يقول : » اللهم هذا عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد ولي بالبلاغ « ، ثم أتى بالآخر فذبحه وقال : » اللهم هذا عن محمد وآل محمد « ثم يطعمهما المساكين ، ويأكل هو وأهله منهما . فمكثنا سنتين قد كفانا الله الغرم والمؤنة ، ليس أحد من بني هاشم يضحي .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { هم ناسكوه } يعني هم ذابحوه { فلا ينازعنك في الأمر } يعني في أمر الذبائح .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة رضي الله عنه { ولكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه } قال ذبحاً هم ذابحوه .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه { منسكاً هم ناسكوه } قال : اهراقه دم الهدي .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه { لكل أمة جعلنا منسكاً } قال : ذبحاً وحجاً .
وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه { فلا ينازعنك في الأمر } قول أهل الشرك . أما ما ذبح الله بيمينه فلا تأكلون ، وأما ما ذبحتم بأيديكم فهو حلال .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل رضي الله عنه { وادع إلى ربك } قال : إلى دين ربك { إنك لعلى هدى } قال : دين مستقيم { وإن جادلوك } يعني في الذبائح .
وأخرج ابن المنذر ، عن جريج { وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون } لنا أعمالنا ، ولكم أعمالكم .(7/174)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خلق الله اللوح المحفوظ لمسيرة مائة عام ، وقال : للقلم - قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش - اكتب قال : ما أكتب؟ قال : علمي في خلقي إلى يوم تقوم الساعة ، فجرى القلم بما هو كائن في علم الله إلى يوم القيامة فذلك قوله للنبي صلى الله عليه وسلم { ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض } يعني ما في السموات السبع والأرضين السبع { إن ذلك } العلم { في كتاب } يعني في اللوح المحفوظ مكتوب قبل أن يخلق السموات والأرضين { إن ذلك على الله يسير } يعني هين .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « سيفتح الله على أمتي باباً من القدر في آخر الزمان لا يسده شيء ، ويكفيكم من ذلك أن تقولوا : { ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير } » .
وأخرج اللالكائي في السنة من طريق آخر ، عن سليمان بن جعفر القرشي مرفوعاً مثله مرسلاً .(7/175)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { يكادون يسطون } قال : يبطشون .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه { يكادون يسطون } قال : يبطشون . كفار قريش ، والله أعلم .(7/176)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)
أخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له } قال : نزلت في صنم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنه { ضعف الطالب } آلهتكم { والمطلوب } الذباب .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { لن يخلقوا ذباباً } يعني الصنم لا يخلق ذباباً { وإن يسلبهم الذباب شيئاً } يقول : يجعل للأصنام طعام ، فيقع عليه الذباب ، فيأكل منه ، فلا يستطيع أن يستنقذه منه ، ثم رجع إلى الناس وإلى الأصنام { ضعف الطالب } الذي يطلب إلى هذا الصنم ، الذي لا يخلق ذباباً ولا يستطيع أن يستنقذ ما سلب منه { و } ضعف { المطلوب } إليه . الذي لا يخلق ذباباً ولا يستنقذ ما سلب منه .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { إن الذين تدعون من دون الله } إلى قوله : { لا يستنقذوه منه } قال : الأصنام . ذلك الشيء من الذباب .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد - رضي الله عنه - في قوله : { ما قدروا الله حق قدره } قال : حين يعبدون مع الله ما لا ينتصف من الذباب .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والبيهقي في شعب الإيمان ، عن طارق بن شهاب رضي الله عنه قال : قال سلمان : دخل رجل الجنة في ذباب ، ودخل رجل النار في ذباب . قالوا : وما الذباب؟ فرأى ذباباً على ثوب إنسان فقال : هذا الذباب . قالوا : وكيف ذلك؟ قال : مر رجلان مسلمان على قوم يعكفون على صنم لهم ، لا يجاوزه أحد حتى يقرب له شيئاً ، فقالوا لهما : قربا لصنمنا قرباناً . قالا : لا نشرك بالله شيئاً . قالوا : قربا ما شئتما ولو ذباباً . فقال أحدهما لصاحبه : ما ترى قال أحدهما : لا أشرك بالله شيئاً . فقتل فدخل الجنة . فقال الآخر : بيده على وجهه ، فأخذ ذباباً فألقاه على الصنم ، فخلوا سبيله ، فدخل النار .(7/177)
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في الآية قال : الذي { يصطفى } من الناس هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله اصطفى موسى بالكلام وإبراهيم بالخلة » .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن أنس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : « موسى بن عمران صفي الله » .
وأخرج البغوي في معجمه والباوردي وابن قانع والطبراني وابن عساكر ، عن زيد بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد المدينة فجعل يقول : « أين فلان؟ أين فلان؟ » فلم يزل يتفقدهم ، وينصب إليهم حتى اجتمعوا عنده فقال : إني محدثكم فاحفظوه وعوه وحدثوا به من بعدكم ، إن الله اصطفى من خلقه خلقاً « ثم تلا هذه الآية { الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس } خلقاً يدخلهم الجنة » وإني مصطفٍ منكم من أحب أن اصطفيه ، ومؤاخ بينكم كما آخى الله بين الملائكة ، قم يا أبا بكر . فقام فجثا بين يديه . فقال : إن لك عندي يداً أن الله يجزيك بها ، فلو كنت متخذاً خليلاً ، لاتخذتك خليلاً ، فأنت مني بمنزلة قميصي من جسدي ، وحرك قميصه بيده . ثم قال : ادن يا عمر ، فدنا ثم قال : ادن يا عمر ، فدنا ثم قال : كنت شديد الثغب علينا أبا حفص ، فدعوت الله أن يعز الدين بك ، أو بأبي جهل ، ففعل الله ذلك لك ، وكنت أحبهما إليّ ، فأنت معي في الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة . ثم تنحى وآخى بينه وبين أبي بكر ، ثم دعا عثمان بن عفان فقال : ادن يا عثمان ادن يا عثمان ، فلم يزل يدنو منه حتى ألصق ركبته بركبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نظر اليه ثم نظر إلى السماء فقال : سبحان الله العظيم ثلاث مرات ، ثم نظر إلى عثمان فإذا ازراره محلولة ، فزرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ثم قال : اجمع عطفي ردائك على نحرك ، فإن لك شأناً في أهل السماء ، أنت ممن يرد عليّ الحوض ، وأوداجه تشخب دماً فأقول من فعل هذا بك؟ فتقول فلان . وذلك كلام جبريل ، وذلك إذا هتف من السماء : إلا أن عثمان أمير على كل خاذل . ثم دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : ادن يا أمين الله والامين في السماء ، يسلط الله على مالك بالحق ، أما ان لك عندي دعوة وقد أخرتها . قال : خر لي يا رسول الله . قال : حملتني يا عبد الرحمن أمانة ، أكثر الله مالك وجعل يحرك يده ثم تنحى ، وآخى بينه وبين عثمان ، ثم دخل طلحة والزبير فقال : ادنوا مني فدنوا منه فقال : « أنتما حواري كحواري عيسى ابن مريم » ثم آخى بينهما ، ثم دعا سعد بن أبي وقاص ، وعمار بن ياسر فقال : يا عمار ، قتلتك الفئة الباغية .(7/178)
ثم آخى بينهما ، ثم دعا أبا الدرداء وسلمان الفارسي فقال : « يا سلمان أنت منا أهل البيت وقد آتاك الله العلم الأول ، والعلم الآخر ، والكتاب الأول ، والكتاب الآخر . ثم قال إلا أنشدك يا أبا الدرداء؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال : إن تنقدهم ينقدوك وإن تتركهم لا يتركوك ، وإن تهرب منهم يدركوك ، فاقرضهم عرضك ليوم فقرك » فآخى بينهما ، ثم نظر في وجوه أصحابه فقال : « ابشروا وقروا عيناً ، فأنتم أول من يرد عليّ الحوض ، وأنتم في أعلى الغرف » . ثم نظر إلى عبدالله بن عمر ، فقال : الحمد لله الذي يهدي من الضلالة ، فقال علي : يا رسول الله ، ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت ما فعلت بأصحابك غيري! فإن كان من سخط علي ، فلك العتبى والكرامة . فقال : « والذي بعثني بالحق ، ما أخرتك إلا لنفسي فأنت عندي بمنزلة هارون من موسى ووارثي . فقال : يا رسول الله ، ما أرث منك؟ قال : ما ورثت الأنبياء . قال : وما ورثت الأنبياء قبلك؟ قال : كتاب الله وسنة نبيهم ، وأنت معي في قصري في الجنة ، مع فاطمة ابنتي وأنت أخي ورفيقي ، ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه . الآية { اخواناً على سرر متقابلين } . الاخلاء في الله ينظر بعضهم إلى بعض .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله : { يا أيها الذين آمنوا اركعوا } قال إنما هي أدب وموعظة .(7/179)
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
أخرج ابن مردويه ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال لي عمر ألسنا كنا نقرأ فيما نقرأ { وجاهدوا في الله حق جهاده } في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله قلت : بلى . فمتى هذا يا أمير المؤمنين؟ قال : إذا كانت بنو أمية الأمراء ، وبنو المغيرة الوزراء .
وأخرجه البيهقي في الدلائل عن المسور بن مخرمة . قال : قال عمر لعبد الرحمن بن عوف فذكره .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : { وجاهدوا في الله حق جهاده } قال : جاهدوا عدو محمد حتى يدخلوا في الإسلام .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه { وجاهدوا في الله حق جهاده } قال : ان الرجل ليجاهد في الله حق جهاده وما ضرب بسيف .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل رضي الله عنه { وجاهدوا في الله حق جهاده } يعني العمل أن يجتهدوا فيه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه { وجاهدوا في الله حق جهاده } قال : يطاع فلا يعصى .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج - رضي الله عنه - { وجاهدوا في الله حق جهاده } قال : لا تخافوا في الله لومة لائم { هو اجتباكم } قال : استخلصكم .
وأخرج ابن مردويه ، عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله » .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه ، « عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية { وما جعل عليكم في الدين من حرج } قال : من ضيق » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن محمد قال : قال أبو هريرة لابن عباس أما علينا في الدين من حرج؛ في أن نسرق أو نزني قال : بلى . قال : { فما جعل عليكم في الدين من حرج } قال : الأصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق ابن شهاب ، أن ابن عباس كان يقول : في قوله : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } توسعة الإسلام؛ ما جعل الله من التوبة ومن الكفارات .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عثمان بن بشار ، عن ابن عباس { وما جعل عليكم في الدين من حرج } قال : هذا في هلال رمضان؛ إذا شك فيه الناس ، وفي الحج ، إذا شكوا في الهلال ، وفي الأضحى وفي الفطر وفي أشباهه .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر من طريق سعيد بن جبير أن ابن عباس سئل ، عن الحرج؟ فقال : ادعوا لي رجلاً من هذيل فجاءه فقال : ما الحرج فيكم؟ فقال : الحرجة من الشجر التي ليس لها مخرج .(7/180)
فقال ابن عباس : هذا الحرج الذي ليس له مخرج .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق عبيدالله بن أبي يزيد ، ان ابن عباس سئل عن الحرج؟ فقال : ههنا أحد من هذيل؟ فقال رجل : أنا . فقال : ما تعدون الحرجة فيكم؟ قال : الشيء الضيق . قال : هو ذاك .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال : الحرج الضيق لم يجعله ضيقاً ، ولكنه جعله واسعاً { أحل لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } { وما ملكت أيمانكم } { وحرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } .
وأخرج محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات وابن عساكر ، عن ابن شهاب قال : سأل عبد الملك بن مروان علي بن عبدالله ، عن هذه الآية؟ { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فقال علي بن عبدالله : الحرج ، الضيق؛ جعل الله الكفارات مخرجاً من ذلك . سمعت ابن عباس يقول ذلك .
وأخرج البيهقي في سننه ، عن محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر قال : قرأ عمر بن الخطاب هذه الآية { ما جعل عليكم في الدين من حرج } ثم قال : ادعوا لي رجلاً من بني مدلج . قال عمر : ما الحرج فيكم؟ قال : الضيق .
وأخرج أحمد ، عن حذيفة بن اليمان قال : غاب عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فلم يخرج حتى ظننا أن لن يخرج ، فلما خرج سجد سجدة ، فظننا أن نفسه قد قبضت! فلما رفع رأسه قال : « إن ربي عز وجل إستشارني في أمتي ماذا أفعل بهم؟ فقلت : ما شئت أي رب؛ هم خلقك وعبادك ، فاستشارني الثانية؟ فقلت له كذلك ، فقال : لا أخزيك في أمتك يا محمد ، وبشرني : إن أول من يدخل الجنة من أمتي معي سبعون ألفاً مع كل ألف سبعون ألفاً ليس عليهم حساب . ثم أرسل إلي ادع تجب ، وسل تعط ، فقلت لرسوله : أو معطي ربي سؤلي؟ قال : ما أرسلني إليك إلا ليعطيك . ولقد أعطاني ربي عز وجل ولا فخر ، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ، وأنا أمشي حياء ، وأعطاني أن لا تجوع أمتي ولا تغلب ، وأعطاني الكوثر ، فهو نهر في الجنة يسيل في حوضي ، وأعطاني العز والنصر والرعب ، يسعى بين يدي أمتي شهراً ، وأعطاني : أني أول الأنبياء أدخل الجنة ، وطيب لي ولأمتي الغنيمة ، وأحل لنا كثيراً ممن شدد على من قبلنا ، ولم يجعل علينا من حرج ، فلم أجد لي شكراً إلا هذه السجدة » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل بن حيان في قوله : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } يقول : لم يضيق الدين عليكم ، ولكن جعله واسعاً لمن دخله ، وذلك أنه ليس مما فرض عليهم فيه ، إلا ساق إليهم عند الاضطرار رخصة؛ والرخصة في الدنيا فيها وسع عليهم رحمة منه ، إذا فرض عليهم الصلاة في المقام أربع ركعات ، وجعلها في السفر ركعتين وعند الخوف من العدو ركعة ، ثم جعل في وجهة رخصة؛ أن يوميء إيماء أن لم يستطيع السجود ، في أي نحو كان وجهه ، لمن تجاوز عن السيئات منه والخطأ ، وجعل في الوضوء والغسل رخصة ، إذا لم يجد الماء أن يتيمموا الصعيد ، وجعل الصيام على المقيم واجباً ، ورخص فيه للمريض ، والمسافر عدة من أيام أخر ، فمن لم يطق فإطعام مسكين مكان كل يوم ، وجعل في الحج رخصة؛ إن لم يجد زاداً أو حملاناً أو حبس دونه ، وجعل في الجهاد رخصة؛ إن لم يجد حملاناً أو نفقة ، وجعل عند الجهد والاضطرار من الجوع : أن رخص في الميتة والدم ولحم الخنزير قدر ما يرد نفسه؛ لا يموت جوعاً في أشباه هذا في القرآن ، وسعة الله على هذه الأمة رخصة منه ساقها إليهم .(7/181)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { ملة أبيكم إبراهيم } قال : دين أبيكم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق ، عن ابن عباس في قوله { هو سماكم المسلمين من قبل } قال الله عز وجل { سماكم } .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { هو سماكم المسلمين } قال الله عز وجل { سماكم من قبل } قال الكتب كلها { وفي الذكر } { وفي هذا } ، قال : القرآن .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { هو سماكم } قال الله { سماكم المسلمين من قبل وفي هذا } أي في كتابكم : { ليكون الرسول شهيداً عليكم } أنه قد بلغكم { وتكونوا شهداء على الناس } أن رسلهم قد بلغتهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن سفيان في قوله : { هو سماكم المسلمين } قال الله عز وجل { من قبل } قال : في التوراة والإنجيل { وفي هذا } قال : القرآن { ليكون الرسول شهيداً عليكم } قال : { بأعمالكم وتكونوا شهداء على الناس } قال : على الأمم بأن الرسل قد بلغتهم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في الآية قال : لم يذكر الله بالإسلام والإيمان غير هذه الأمة ، ذكرت بهما جميعاً ولم يسمع بأمة ذكرت بالإسلام والإيمان غيرها .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : { هو سماكم المسلمين } قال إبراهيم : ألا ترى إلى قوله { ربنا واجعلنا مسلمين لك } الآية : كلها .
وأخرج الطيالسي وأحمد وابن حبان والبخاري في تاريخه والترمذي وصححه والنسائي والموصلي وابن خزيمة وابن حبان والبوردي وابن قانع والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الشعب ، عن الحارث الأشعري ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « » من دعا بدعوى الجاهلية ، فإنه من جثاء جهنم « قال رجل : يا رسول الله ، وإن صام وصلّى؟ قال : نعم . » فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين والمؤمنين عباد الله « » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عبدالله بن يزيد الأنصاري قال : تسموا بأسمائكم التي سماكم الله بها : بالحنيفية والإسلام والإيمان .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وإسحق بن راهويه في مسنده ، عن مكحول : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « تسمى الله باسمين ، سمى بها أمتي : هو السلام ، وسمى أمتي المسلمين ، وهو المؤمن ، وسمى أمتي المؤمنين ، والله تعالى أعلم » .(7/182)
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن المنذر والعقيلي والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة عن عمر بن الخطاب قال : « كان إذا نزل على رسول الله صلى الله وعليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل ، فأنزل عليه يوماً فمكثنا ساعة ، فسري عنه فاستقبل القبلة فرفع يديه فقال : اللهم زدنا ولا تُنْقِِِِِِِِصْنَا ، وأكرمنا ولا تهنا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وارض عنا ارضنا ، ثم قال : لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ { قد أفلح المؤمنون } حتى ختم العشر » .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن يزيد بن بابنوس قال : قلنا لعائشة ، كيف كان خلق رسول الله صلى الله وعليه وسلم؟ قالت : كان خلقه القرآن . ثم قالت : تقرأ سورة المؤمنون { قد أفلح المؤمنون } فقرأ حتى بلغ العشر فقالت : هكذا كان خلق رسول الله صلى الله وعليه وسلم « .
واخرج ابن عدي والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » خلق الله جنة عدن ، وغرس أشجارها بيده وقال لها : تكلمي . فقالت { قد أفلح المؤمنون } « .
وأخرج الطبراني في السنة وابن مردويه من حديث ابن عباس مثله .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله { قد أفلح المؤمنون } قال : قال كعب : لم يخلق الله بيده إلا ثلاثة : خلق آدم بيده ، والتوراة بيده ، وغرس جنة عدن بيده ثم قال : تكلمي . . فقالت : { قد أفلح المؤمنون } لما علمت فيها من الكرامة .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : لما غرس الله الجنة نظر إليها فقال : { قد أفلح المؤمنون } .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال : لما خلق الله الجنة قال { قد أفلح المؤمنون } وأنزل الله به قرآناً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { قد أفلح المؤمنون } يعني : سعد المصدقون بتوحيد الله .
وأخرج عبد بن حميد عن طلحة بن مصرف أنه كان يقرأ { قد أفلح المؤمنون } برفع أفلح .
وأخرج عن عاصم أنه قرأ بنصب ( أفلح ) .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { قد أفلح المؤمنون } قال : فازوا وسعدوا . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول لبيد :
فاعقلي إن كنت ما تعقلي ... ولقد أفلح من كان عقل(7/183)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)
أخرج سعيد بن منصور وابن جرير والبيهقي في سننه عن محمد بن سيرين قال : نبئت أن رسول الله صلى الله وعليه وسلم كان إذا صلى يرفع بصره إلى السماء ، فنزلت { الذين هم في صلاتهم خاشعون } .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في مراسيله وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من وجه آخر عن ابن سيرين قال : « كان النبي صلى الله وعليه وسلم إذا قام في الصلاة نظر هكذا وهكذا يميناً وشمالاً ، فنزلت { الذين هم في صلاتهم خاشعون } فحنى رأسه » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال : « كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة ويلتفتون يميناً وشمالاً ، فأنزل الله { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } فقالوا برؤوسهم ، فلم يرفعوا أبصارهم بعد ذلك في الصلاة ، ولم يلتفتوا يميناً ولا شمالاً » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما ينظر إلى الشيء في الصلاة فرفع بصره حتى نزلت آية ، إن لم تكن هذه فلا أدري ما هي { الذين هم في صلاتهم خاشعون } فوضع رأسه » .
وأخرج ابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم « كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء ، فنزلت { الذين هم في صلاتهم خاشعون } فطأطأ رأسه » .
وأخرج ابن مردوية عن ابن عمر في قوله { الذين هم في صلاتهم خاشعون } قال : كانوا إذا قاموا في الصلاة اقبلوا على صلاتهم ، وخفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم ، وعلموا أن الله يقبل عليهم فلا يلتفتون يميناً ولا شمالاً .
وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن علي أنه سئل عن قوله { الذين هم في صلاتهم خاشعون } قال : الخشوع في القلب ، وإن تلين كنفك للمرء المسلم ، وأن لا تلتفت في صلاتك .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { الذين هم في صلاتهم خاشعون } قال : خائفون ، ساكنون .
وأخرج الحكيم الترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تعوذوا بالله من خشوع النفاق . قالوا يا رسول الله وما خشوع النفاق؟ قال : خشوع البدن ، ونفاق القلب » .
وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال : استعيذوا بالله من خشوع النفاق .(7/184)
قيل له : وما خشوع النفاق؟ قال : إن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال : الخشوع في القلب هو الخوف ، وغض البصر في الصلاة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جريرعن إبراهيم { الذين هم في صلاتهم خاشعون } قال : الخشوع في القلب . وقال : ساكتون .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { الذين هم في صلاتهم خاشعون } قال : كان خشوعهم في قلوبهم ، فغضوا بذلك أبصارهم ، وخفضوا لذلك الجناح .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهزي { الذين هم في صلاتهم خاشعون } قال : هو سكون المرء في صلاته .
وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : الخشوع في الصلاة السكوت فيها .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن مجاهد عن عبدالله بن الزبير . أنه كان يقوم للصلاة كأنه عود ، وكان أبو بكر رضي الله عنه يفعل ذلك . وقال مجاهد : هو الخشوع في الصلاة .
واخرج الحكيم الترمذي من طريق القاسم بن محمد عن أسماء بنت أبي بكر عن أم رومان والدة عائشة قالت : رآني أبو بكر الصديق رضي الله عنه أتميل في صلاتي ، فزجرني زجرة كدت أنصرف من صلاتي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إذا قام أحدكم في الصلاة فليسكن أطرافه ، لا يتميل تميل اليهود فإن سكون الأطراف في الصلاة من تمام الصلاة » .
وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنه رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته فقال : لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه » .
وأخرج ابن سعد عن أبي قلابة قال : سألت مسلم بن يسار عن الخشوع في الصلاة فقال : تضع بصرك حيث تسجد .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والنسائي عن عائشة قالت : « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة أنه قال في مرضه « اقعدوني ، اقعدوني ، فإن عندي وديعة أودعتها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يلتفت أحدكم في صلاته ، فإن كان لا بد فاعلاً ففي غير ما افترض الله عليه » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق عطاء قال « سمعت أبا هريرة يقول : إذا صليت فإن ربك أمامك وأنت مناجيه فلا تلتفت . قال عطاء : وبلغني أن الرب يقول : يا ابن آدم إلى من تلتفت؟ أنا خير لك ممن تلتفت إليه » .(7/185)
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال : إياكم والالتفات في الصلاة فإنه لا صلاة للملتفت ، وإذا غلبتم على تطوع فلا تغلبوا على المكتوبة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : إن الله لا يزال مقبلاً على العبد ما دام في صلاته ما لم يحدث ، أو يلتفت .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبدالله بن منقذ قال : إذا قام الرجل إلى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه ، فإذا التفت أعرض عنه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال : إذا قام الرجل في الصلاة أقبل الله عليه بوجهه ما لم يلتفت .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحكم قال : إن من تمام الصلاة أن لا تعرف من عن يمينك ولا من عن شمالك .
وأخرج الحاكم وصححه من طريق جبير بن نفير بن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم « نظر إلى السماء يوماً فقال : هذا أوان ما يرفع العلم ، فقال له رجل من الأنصار يقال له ابن لبيد : يا رسول الله ، كيف يرفع وقد أثبت في الكتب ، ووعته القلوب؟ فقال : إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة ، ثم ذكر ضلالة اليهود والنصارى على ما في أيديهم من كتاب الله قال : فلقيت شداد بن أوس فحدثته فقال : صدق عوف ألا أخبرك بأول ذلك . قلتُ : بلى . قال : الخشوع حتى لا ترى خاشعاً » .
وأخرج الحاكم وصححه من طريق جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشخص ببصره إلى السماء ثم قال : هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء فقال زياد بن لبيد : يا رسول الله وكيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نساءنا وآباءنا فقال : ثكلتك أمك يا زياد ، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة ، هذا التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى ، فماذا يغني عنهم ، فلقيت عبادة بن الصامت فقلت له : ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ وأخبرته . فقال صدق وإن شئت لأحَدِّثَنَّكَ بأول علم يرفع من الناس ، الخشوع . يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والحاكم وصححه عن حذيفة قال : أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة . ولَتَنْقُضَنَّ عُرا الإسلام عروة عروة ، ولْيُصَلِّيَنَّ النساء وهن حيض ، ولَتَسْلُكَنَّ طريق من كان قبلكم حذو القِذة بالقذة ، وحذو النعل بالنعل ، لا تخطو طريقهم ولا تخطىء بكم حتى تبقى فرقتان من فرق كثيرة تقول إحداهما : ما بال الصلاة الخمس ، لقد ضل من كان قبلنا إنما قال الله { أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل } [ هود : 144 ] لا تصلوا إلا ثلاثاً . وتقول الأخرى : إنما المؤمنون بالله كإيمان الملائكة لا فينا كافر ولا منافق حق على الله أن يحشرهما مع الدجال .(7/186)
وأخرج أحمد عن أبي اليسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « منكم من يصلي الصلاة كاملة ، ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع حتى بلغ العشر » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وابن ماجة عن جابر بن سمرة قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لينتهين قوم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أنس بن مالك « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد في ذلك حتى قال : لينتهن عن ذلك أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهم » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة قال : أما يخشى أحدكم إذا رفع بصره إلى السماء أن لا يرجع إليه بصره يعني وهو في الصلاة .(7/187)
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والذين هم عن اللغو معرضون } قال : الباطل .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله { والذين هم عن اللغو } قال : عن المعاصي .
وأخرج ابن المبارك عن قتادة في قوله { والذين هم عن اللغو معرضون } قال : أتاهم والله من أمر الله ما وقذهم عن الباطل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { والذين هم للزكاة فاعلون } يعني : الأموال { والذين هم لفروجهم حافظون } يعني : الفواحش { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } يعني . ولائدهم { فإنهم غير ملومين } قال : لا يلامون على جماع أزواجهم وولائدهم { فمن ابتغى وراء ذلك } يعني : فمن طلب الفواحش بعد الأزواج والولائد طلب مالم يحل { فأولئك هم العادون } يعني : المعتدين في دينهم { والذين هم لأماناتهم } يعني : بهذا ما ائتمنوا عليه فيما بينهم وبين الناس { وعهدهم } قال : يوفون العهد { راعون } قال : حافظوْن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { إلا على أزواجهم } يعني . إلا من امرأته { أو ما ملكت أيمانهم } قال : أمته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال : كل فرج عليك حرام إلا فرجين . قال الله { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } يقول : من تعدى الحلال أصابه الحرام .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الرحمن في قوله { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } قال : الزنا .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن أبي مليكة قال : سئلت عائشة عن متعة النساء فقالت : بيني وبينكم كتاب الله وقرأت { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } فمن ابتغى وراء ما زوجه الله أو ملكه فقد عدا .
وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه عن القاسم بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال : إني لا أرى تحريمها في القرآن ، ثم تلا { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة قال : تسرت امرأة غلاماً لها فذكرت لعمر رضي الله عنه فسألها : ما حملك على هذا؟ فقالت : كنت أرى أنه يحل لي ما يحل للرجل من ملك اليمين . فاستشار عمر رضي الله عنه فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : تأولت كتاب الله غير تأويله . فقال عمر : لا جرم ، والله لا أُحِلُّكِ لحر بعده أبداً . كأنه عاقبها بذلك ودرأ الحد عنها ، وأمر العبد أن لا يقربها .
وأخرج عبد الرزاق عن أبي بكر بن عبدالله أنه سمع أباه يقول : حضرت عمر بن عبد العزيز جاءته إمرأة من العرب بغلام لها رومي فقالت : إني استسريته فمنعني بنو عمي ، وإنما أنا بمنزلة الرجل تكون له الوليدة فيطؤها ، فأبى علي بنو عمي فقال لها عمر : أتزوجت قبله؟ قالت : نعم .(7/188)
قال : أما والله لولا منزلتك من الجهالة لرجمتك بالحجارة .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه سئل عن امرأة أحلت جاريتها لزوجها فقال : لا يحل لك أن تطأ فرجاً إلا فرجاً ، إن شئت بعت ، وإن شئت وهبت ، وإن شئت أعتقت .
وأخرج عبد الرزاق عن سعيد بن وهب قال : جاء رجل إلى ابن عمر فقال : إن أمي كانت لها جارية وأنها أحلتها إلي أطوف عليها . فقال : لا تحل لك إلا أن تشتريها أو تهبها لك .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال : إذا أحلت امرأة الرجل ، أو ابنته ، أو أخته ، له جاريتها فليصبها وهي لها .
وأخرج عبد الرزاق عن طاوس أنه قال : هو أحل من الطعام ، فإن ولدت فولدها للذي أحلت له ، وهي لسيدها الأول .
وأخرج عبد الرزاق عن عطاء قال : كان يفعل يحل الرجل وليدته لغلامه ، وابنه ، وأخيه ، وأبيه ، والمرأة لزوجها ، ولقد بلغني أن الرجل يرسل وليدته إلى ضيفه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال : الفرج لا يعار .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال : لا يعار الفرج .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { والذين هم على صلواتهم يحافظون } قال : أي على وضوئها ، ومواقيتها ، وركوعها ، وسجودها .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن مسروق قال : ما كان في القرآن { يحافظون } فهو على مواقيت الصلاة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني عن ابن مسعود أنه قيل له : إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن { الذين هم على صلاتهم دائمون } [ المعارج : 23 ] { والذين هم على صلاتهم يحافظون } قال : ذاك على مواقيتها . قالوا : ما كنا نرى ذلك إلا على تركها الكفر .
واخرج ابن المنذر عن أبي صالح في قوله { والذين هم على صلواتهم يحافظون } قال : المكتوبة . والذي في سأل ، التطّوع .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله { والذين هم على صلواتهم يحافظون } قال : على المكتوبة .(7/189)
أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه عن أبي هريرة في قوله { الوارثون } قال : يرثون مساكنهم ومساكن إخوانهم التي أعدت لهم لو أطاعوا الله .
وأخرج سعيد بن منصور وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما منكم من أحد إلا وله منزلان ، منزل في الجنة ، ومنزل في النار . فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله { أؤلئك هم الوارثون } » .
وأخرج عبد بن حميد عن أنس أن الربيع بنت النضر أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابنها الحارث بن سراقة أصيب يوم بدر أصابه سهم غرب فقالت : أخبرني عن حارثة فإن كان أصاب الجنة احتسبت وصبرت ، وإن كان لم يصب الجنة اجتهدت في الدعاء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « يا أم حارثة انها جنان في جنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى ، والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها » .(7/190)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } قال بدء آدم خلق من طين { ثم جعلناه نطفة } قال : ذرية آدم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } قال : هو الطين إذا قبضت عليه خرج ماؤه من بين أصابعك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة } قال : استل استلالاً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { من سلالة } قال : السلالة صفو الماء الرقيق الذي يكون منه الولد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { من سلالة } قال : من مني آدم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن خالد بن معدان قال : الإنسان خلق من طين ، وإنما تلين القلوب في الشتاء .
وأخرج عبد الزراق وابن جرير عن قتادة في الآية قال : استل آدم من طين ، وخلقت ذريته من ماء مهين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : إن النطفة إذا وقعت في الرحم طارت في كل شعر وظفر فتمكث أربعين يوماً ثم تنحدر في الرحم فتكون علقة .
وأخرج الديلمي بسند واه عن ابن عباس مرفوعاً « النطفة التي يخلق منها الولد ترعد لها الأعضاء والعروق كلها ، إذا خرجت وقعت في الرحم » .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : سألنا ابن عباس عن العزل فقال : اذهبوا فاسألوا الناس ثم ائتوني واخبروني ، فسألوا ثم اخبروه أنهم قالوا أنها الموءودة الصغرى وتلا هذه الآية { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة } حتى فرغ منها ، ثم قال : كيف تكون من الموءودة حتى تمر على هذه الخلق؟ .
وأخرج عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن عزل النساء فقال : ذلك الوأد الخفي .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال في العزل : هي الموءودة الخفية .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ { فخلقنا المضغة عظاماً } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن قتادة أنه كان يقرأ « فخلقنا المضعة عظماً فكسونا العظام لحماً » .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ « فخلقنا المضغة عظما » بغير ألف « فكسونا العظم » على واحده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { ثم أنشأناه خلقاً آخر } قال : نفخ فيه الروح .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية { ثم أنشأناه خلقاً آخر } قال : جعل فيه الروح .(7/191)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وعكرمة مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { ثم أنشأناه خلقاً آخر } قال : حين استوى به الشباب .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك { ثم أشأناه خلقاً آخر } قال : الأسنان ، والشعر ، قيل أليس قد يولد وعلى رأسه الشعر؟ قال : فأين العانة والإِبط؟ .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن صالح أبي الخليل قال : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } إلى قوله { ثم أنشأناه خلقاً آخر } قال عمر { فتبارك الله أحسن الخالقين } فقال « والذي نفسي بيده إنها ختمت بالذي تكلمت يا عمر » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : قال عزير : يارب أمرت الماء فجمد في وسط الهواء فجعلت منه سبعاً وسميتها السموات ، ثم أمرت الماء ينفتق على التراب ، وأمرت التراب أن يتميز من الماء فكان كذلك ، فسميت ذلك جميع الأرضين وجميع الماء البحار ، ثم خلقت من الماء أعمى عين بصرته ، ومنها أصم آذان أسمعته ، ومنها ميت أنفس أحييته ، خلقت ذلك بكلمة واحدة ، منها ما عيشه الماء ومنها ما لا صبر له على الماء خلقاً مختلفاً في الأجسام والألوان ، جنسته أجناساً ، وزوجته أزواجاً ، وخلقت أصنافاً ، وألهمته الذي خلقته ، ثم خلقت من التراب والماء دواب الأرض وماشيتها وسباعها { فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع } [ النور : 45 ] ومنهم العظم الصغير ثم وعظته بكتابك وحكمتك ، ثم قضيت عليه الموت لا محالة . ثم أنت تعيده كما بدأته وقال عزير : اللهم بكلمتك خلقت جميع خلقك فأتى على مشيئتك ، ثم زرعت في أرضك كل نبات فيها بكلمة واحدة وتراب واحد تسقى بماء واحد ، فجاء على مشيئتك ، ثم زرعت في أرضك كل نبات فيها بكلمة واحدة وتراب واحد تسقى بماء واحد ، فجاء على مشيئتك مختلفاً أكله ولونه وريحه وطعمه ، منه الحلو ، ومنه الحامض ، والمر ، والطيب ريحه ، والمنتن ، والقبيح ، والحسن ، وقال عزير : يارب إنما نحن خلقك وعمل يديك ، خلقت أجسادنا في أرحام أمهاتنا ، وصورتنا كيف تشاء بقدرتك . جعلت لنا أركاناً ، وجعلت فيها عظاماً ، وفتقت لنا أسماعاً وأبصاراً ، ثم جعلت لنا في تلك الظلمة نوراً ، وفي ذلك الضيق سعة ، وفي ذلك الفم روحاً ، ثم هيأت لنا من فضلك رزقاً متفاوتاً على مشيئتك ، لم تأن في ذلك مؤنة ولم تعي منه نصباً ، كان عرشك على الماء ، والظلمة على الهواء ، والملائكة يحملون عرشك ويسبحون بحمدك ، والخلق مطيع لك خاشع من خوفك لا يرى فيه نور إلا نورك ، ولا يسمع فيه صوت إلا سمعك ، ثم فتحت خزانة النور وطريق الظلمة فكانا ليلاً ونهاراً يختلفان بأمرك .
وأخرج بن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال : خلق الله آدم كما شاء ومما شاء ، فكان كذلك { فتبارك الله أحسن الخالقين } خلق من التراب والماء ، فمنه شعره ولحمه ودمه وعظامه وجسده ، فذلك بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم ، ثم جعلت فيه النفس فيها يقوم ويقعد ويسمع ويبصر ويعلم ما تعلم الدواب ، ويتقي ما تتقي ثم جعلت فيه الروح ، فيه عرف الحق من الباطل ، والرشد من الغي ، وبه حذر وتقدم واستتر وتعلم ودبر الأمور كلها فمن التراب يبوسته ، ومن الماء رطوبته ، فهذا بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم كما أحب أن يكون ، ثم جعلت فيه من هذه الفطر الأربع أنواعاً من الخلق أربعة في جسد ابن آدم ، فهي قوام جسده وملاكه بإذن الله وهي : الْمِرَّةُ السوداء ، والْمِرَّةُ الصفراء ، والدم ، والبلغم ، فيبوسته وحرارته من النفس ومسكنها في الدم ، وبرودته من قبل الروح ومسكنه في البلغم ، فإذا اعتدلت هذه الفطر في الجسد فكان من كل واحد ربع كان جسداً كاملاً ، وجسماً صحيحاً ، أو إن كثر واحد منها على صاحبه قهرها وعلاها وأدخل عليها السقم من ناحيته ، وإن قل عنها وأخذ عنها غلبت عليه وقهرته ومالت به وضعفت عن قوتها وعجزت عن طاقتها وأدخل عليها السقم من ناحيته ، فالطبيب العالم بالداء يعلم من الجسد حيث أتي سقمه ، أمن نقصان أم من زيادة .(7/192)
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال : إذا نمت النطفة أربعة أشهر بعث إليها ملك فنفح فيها الروح في الظلمات الثلاث ، فذلك قوله { ثم أنشأناه خلقاً آخر } يعني نفخ الروح فيه .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ثم أنشأناه خلقاً آخر } يقول : خرج من بطن أمه بعد ما خلق فكان من بدء خلقه الآخر أن استهل ، ثم كان من خلقه أن دله على ثدي أمه ، ثم كان من خلقه أن علم كيف يبسط رجليه إلى أن قعد ، إلى أن حبا ، إلى أن قام على رجليه ، إلى أن مشى ، إلى أن فطم ، تعلم كيف يشرب ويأكل من الطعام ، إلى أن بلغ الحلم ، إلى أن بلغ أن يتقلب في البلاد .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة { ثم أنشأناه خلقاً آخر } قال : يقول بعضهم هو نبات الشعر ، وبعضهم يقول : هو نفخ الروح .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { فتبارك الله أحسن الخالقين } قال : يصنعون ، ويصنع الله والله خير الصانعين .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج { فتبارك الله أحسن الخالقين } قال : عيسى ابن مريم يخلق .
وأخرج الطيالسي وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أنس قال : قال عمر : وافقت ربي في أربع . قلت : يا رسول الله لو صليت خلف المقام . فأنزل الله { واتخذوا من مقام إبراهيم مُصَلَّى }(7/193)
[ البقرة : 125 ] وقلت : يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجاباً فإنه يدخل عليك البر والفاجر . فأنزل الله { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب } [ الأحزاب : 53 ] وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن . فأنزلت { عسى ربه إن طلقكن } [ التحريم : 5 ] . ونزلت { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } . إلى قوله { ثم أنشأناه خلقاً آخر } فقلت أنا : فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت { فتبارك الله أحسن الخالقين } .
وأخرج ابن راهويه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال : أملى عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } إلى قوله { خلقاً آخر } فقال معاذ بن جبل فتبارك الله أحسن الخالقين ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له معاذ : ما أضحكك يا رسول الله؟ قال : إنها ختمت { فتبارك الله أحسن الخالقين } .(7/194)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق } قال : السموات السبع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وما كنا عن الخلق غافلين } قال : لو كان الله مغفلاً شيئاً أغفل ما تسفي الرياح من هذه الآثار يعني الخطا .(7/195)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)
أخرج ابن مردويه والخطيب بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أنزل الله من الجنة إلى الأرض خمسة أنهار : سيحون ، وهو نهر الهند ، وجيحون وهو نهر بلخ ، ودجلة ، والفرات وهما نهرا العراق ، ونهر مصر . أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة ، من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل فاستودعها الجبال ، وأجرها إلى الأرض ، وجعلها منافع للناس في أصناف معايشهم . فذلك قوله { وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض } فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جبريل فيرفع من الأرض القرآن والعلم كله ، والحجر من ركن البيت ، ومقام إبراهيم ، وتابوت موسى بما فيه ، وهذه الأنهار الخمسة ، فيرفع كل ذلك إلى السماء . فذلك قوله { وإنا على ذهاب به لقادرون } فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدنيا والآخرة » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عطاف قال : إن الله أنزل أربعة أنهار : دجلة ، والفرات ، وسيحون ، وجيحون ، وهو الماء الذي قال الله : { وأنزلنا من السماء ماء بقدر } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه { فأنشأنا لكم به جنات } قال : هي البساتين .(7/196)
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { من طور سيناء } قال : هو الجبل الذي نودي منه موسى .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم قتادة رضي الله عنه في قوله { وشجرة تخرج } قال : هي الزيتون من { طور سيناء } قال : جبل حسن { تنبت بالدهن وصبغ للآكلين } قال : جعل الله فيها دهناً وأدماً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { من طور سيناء } قال : المبارك { تنبت بالدهن } قال : تثمر الزيت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس { وشجرة تخرج من طور سيناء } قال : هي الزيتون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه { وشجرة } قال : هي شجرة الزيتون تنبت بالزيت فهو دهن يدهن به ، وهو صبغ للآكلين يأكله الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية العوفي رضي الله عنه قال : سيناء اسم الأرض .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه قال : الطور ، الجبل ، وسينا ، الحجارة . وفي لفظ وسينا ، الشجر .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي { طور سيناء } قال : جبل ذو شجر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { تنبت بالدهن } قال : هو الزيت يؤكل ويدهن به .
وأخرج ابن جرير وابن حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { تنبت بالدهن وصبغ للآكلين } قال : يتادمون به ، ويصبغون به .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ « من طور سيناء » بنصب السين ممدودة مهموزة الألف « تنبت » بنصب التاء ورفع الباء .
وأخرج عبد بن حميد عن سليمان بن عبد الملك أنه كان يقرأ « تنبت بالدهن » بنصب التاء ورفع الباء .(7/197)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26)
أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { وإن لكم في الأنعام } قال : الابل ، والبقر ، والضأن ، والمعز ، { ولكم فيها منافع } قال : ما تنتج ومنها مركب ولبن ولحم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله { وعلى الفلك } قال : السفن .(7/198)
فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28)
أخرج ابن جرير عن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فاسلك فيها } الآية . يقول : اجعل معك في السفينة من كل زوجين إثنين .(7/199)
وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً } قال لنوح حين أنزل من السفينة .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ « أنزلني منزلاً » بنصب الميم وخفض الزاي .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { وقل ربي انزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين } قال : يعلمكم كيف تقولون إذا ركبتم ، وكيف تقولون إذا نزلتم ، أما عند الركوب { فسبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون } [ الزخرف : 13 ] و { بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم } [ هود : 41 ] وعند النزول { رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين } .(7/200)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين } قال : أي ابتلى الناس قبلكم .(7/201)
ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { قرناً } قال : أمة .(7/202)
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { هيهات هيهات } قال : بعيد بعيد .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { هيهات لما توعدون } قال : تباعد ذلك في أنفسهم يعني . البعث بعد الموت .(7/203)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فجعلناهم غثاء } قال : جعلوا كالشيء الميت البالي من الشجر .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { فجعلناهم غثاء } قال : هو الشيء البالي .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { فجعلناهم غثاء } قال : كالرميم الهامد الذي يحتمل السيل ثمود احتملوا كذلك .(7/204)
ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44) ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ثم أرسلنا رسلنا تترى } قال : يتبع بعضهم بعضاً . وفي لفظ قال : بعضهم على أثر بعض .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد وقتادة رضي الله عنه مثله والله أعلم .(7/205)
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { وكانوا قوماً عالين } قال : علوا على رسلهم ، وعصوا رسلهم ، ذلك علوهم . وقرأ { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً } [ القصص : 83 ] .(7/206)
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } قال : ولدته مريم من غير أب هو له .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } قال : عبرة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه { وآويناهما } قال : عيسى وأمه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { وآويناهما } قال : عيسى وأمه حين أويا إلى الغوطة وما حولها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { وآويناهما إلى ربوة } الآية . قال : { الربوة } المستوى { والمعين } الماء الجاري ، وهو النهر الذي قال الله { قد جعل ربك تحتك سَرياًّ } [ مريم : 24 ] .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { وآويناهما إلى ربوة } قال : هي المكان المرتفع من الأرض ، وهي أحسن ما يكون فيه النبات { ذات قرار } ذات خصب { ومعين } ماء ظاهر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { إلى ربوة } قال : مستوية { ذات قرار ومعين } قال : ماء جار .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في الآية قال { الربوة } المكان المرتفع وهو لبيت المقدس { والمعين } الماء الظاهر .
وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن جرير وابن عساكر عن قتادة رضي الله عنه { وآويناهما إلى ربوة } قال : كنا نحدث أن الربوة بيت المقدس { ذات قرار } ذات ثمر كثير { ومعين } ماء جار .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عن وهب بن منبه رضي الله عنه { وآويناهما إلى ربوة } قال : هي مصر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد { وآويناهما إلى ربوة } قال : وليس الربى إلى بمصر .
والماء حين يرسل يكون الربى عليها القرى لولا الربى لغرقت تلك القرى .
وأخرج ابن عساكر عن زيد بن مسلم رضي الله عنه { وآويناهما إلى ربوة } قال : هي الإسكندرية .
وأخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن عيسى ابن مريم أمسك عن الكلام بعد أن كلمهم طفلاً حتى بلغ ما يبلغ الغلمان الذي أنطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان ، فلما بلغ سبع سنين أسلمته أمه إلى رجل يعلمه كما يعلم الغلمان فلا يعلمه شيئاً إلا بدره عيسى إلى علمه قبل أن يعلمه إياه فعلمه أبا جاد فقال عيسى : ما أبو جاد؟ قال المعلم : لا أدري . فقال عيسى : كيف تعلمني ما لا تدري فقال المعلم : إذن فعلمني .(7/207)
فقال له عيسى : فقم من مجلسك فقَام . فجلس عيسى مجلسه فقال : سلني؟ فقال المعلم : ما أبو جاد؟ فقال عيسى : ألف ، آلاء الله باءِ بهاء الله ، جيم بهجة الله وجماله ، فعجب المعلم فكان أول من فسر أبا جاد عيسى عليه السلام ، وكان عيسى يرى العجائب في صباه إلهاماً من الله ، ففشا ذلك اليهود وترعرع عيسى فهمت به بنو إسرائيل فخافت أمه عليه ، فأوحى الله إليها : أن تنطلق به إلى أرض مصر فذلك قوله { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } فسئل ابن عباس : ألا قال آيتان ، وهما آيتان : فقال ابن عباس : إنما قال آية ، لأن عيسى من آدم ولم يكن من أب لم يشاركها في عيسى أحد فصار ( آية واحدة ) { وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين } قال : يعني أرض مصر .
وأخرج وكيع والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وتمام الرازي في فضائل النبوّة وابن عساكر بسند صحيح عن ابن عباس في قوله { إلى ربوة } قال : أنبئنا بأنها دمشق .
وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن سلام في قوله : { وآويناهما إلى ربوة } قال : هي دمشق .
وأخرج ابن عساكر عن يزيد بن سخبرة الصحابي قال : دمشق هي الربوة المباركة .
وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية { وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين } « قال : أتدرون أين هي؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هي بالشام بأرض يقال لها الغوطة ، مدينة يقال لها دمشق هي خير مدن الشام » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن سعيد بن المسيب { وآويناهما إلى ربوة } قال : هي دمشق .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن عساكر عن مرة البهزي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « الرملة الربوة » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو نعيم وابن عساكر عن أبي هريرة في قوله { وآويناهما إلى ربوة } قال : هي الرملة في فلسطين ، وأخرجه ابن مردويه من حديثه مرفوعاً .
وأخرج الطبراني وابن السكن وابن منده وأبو نعيم وابن عساكر من طرق عن الأقرع بن شفي العكي رضي الله عنه قال « دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم في مرض يعودني فقلت : لا أحسب إلا أني ميت من مرضي . قال : » كلا لتبقين ، ولتهاجرن منها إلى أرض الشام وتموت وتدفن بالربوة من أرض فلسطين . فمات في خلافة عمر رضي الله عنه ودفن في بالرملة « .
وأخرج ابن عساكر عن قتادة عن الحسن في قوله { وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين } قال : هي أرض ذات أشجار وأنهار يعني أرض دمشق . وفي لفظ قال : ذات ثمار وكثرة ماء هي دمشق .(7/208)
يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)
أخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً { واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم } وقال { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي من الحرام ، يمد يديه إلى السماء ، يا رب يا رب ، فأنى يستجاب لذلك » .
وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه عن أم عبد الله أخت شداد بن أوس أنها « بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره وهو صائم ، فرد إليها رسولها ، أنى لك هذا اللبن؟ قالت : من شاة لي . فرد إليها رسولها ، انى لك الشاة؟ فقالت : اشتريتها من مالي . فشرب منه . فلما كان من الغد أتته أم عبد الله فقالت : يا رسول الله بعثت إليك بلبن فرددت إلي الرسول فيه فقال لها : بذلك أُمِرَتْ الرسل قبلي أن لا تأكل إلا طيباً ولا تعمل إلا صالحاً » .
وأخرج عبدان في الصحابة عن حفص بن أبي جبلة « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات } الآية . قال : ذاك عيسى ابن مريم يأكل من غزل أمه » مرسل حفص تابعي .
وأخرج سعيد بن منصور عن حفص الفزاري مثله موقوفاً عليه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحيلة عن أبي ميسرة عن عمر بن شرحبيل في قوله { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات } قال : كان عيسى ابن مريم عليه السلام يأكل من غزل أمه .
وأخرج البيهقي في الشعب عن جعفر بن سليمان عن ثابت بن عبد الوهاب بن أبي حفص قال : أمسى داود عليه السلام صائماً ، فلما كان عند إفطاره أتى بشربة لبن فقال : من أين لكم هذا اللبن؟ قالوا : من شاتنا . قال : ومن أين ثمنها؟ قالوا : يا نبي الله من أين تسأل؟ قال : إنا معاشر الرسل أُمِرْنا أن نأكل من الطيبات ونعمل صالحاً .
وأخرج الحكيم الترمذي عن حنظلة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما جاءني جبريل إلا أمرني بهاتين الدعوتين . اللهم ارزقني طيباً ، واستعملني صالحاً » .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً } قال : هذه للرسل ثم قال للناس عامة و { إن هذه أمتكم أمة واحدة } [ الأنبياء : 92 ] يعني . دينكم دين واحد .(7/209)
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا } قال : كتباً قال : وقال الحسن : تقطعوا كتاب الله بينهم فحرفوه وبدلوه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا } قال : كتب الله ، حيث فرقوها قطعاً { كل حزب } يعني : كل قطعة ، وهؤلاء أهل الكتاب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد { فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا } قال : هذا ما اختلفوا فيه من الأديان { كل حزب } كل قوم { بما لديهم فرحون } معجبون برأيهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { فذرهم في غمرتهم } قال : في ضلالتهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { فذرهم في غمرتهم } قال : في ضلالتهم { حتى حين } قال : الموت .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل { فذرهم في غمرتهم حتى حين } قال : يوم بدر .(7/210)
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { أيحسبون } قال : قريش . { إنما نمدهم به } قال : نعطيهم { من مال وبنين ، نسارع لهم في الخيرات } نزيد لهم في الخير بل نملي لهم في الخير ولكن لا يشعرون .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { أيحسبون إنما نمدهم به من مال وبنين ، نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون } قال : مكر والله بالقوم في أموالهم وأولادهم ، فلا تعتبروا الناس بأموالهم وأولادهم ولكن اعتبروهم بالإِيمان والعمل الصالح .
وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قرأ « نسارع لهم في الخيرات » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن الحسن؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بفروة كسرى فوضعت بين يديه وفي القوم سراقة بن مالك ، فأخذ عمر سواريه فرمى بهما إلى سراقة ، فأخذهما فجعلهما في يديه فبلغتا منكبيه فقال : الحمد لله سوارا كسرى بن هرمز في يدي سراقة بن مالك بن جعشم ، أَعرابي من بني مدلج . ثم قال : اللهم إني قد علمت أن رسولك قد كان حريصاً على أن يصيب ما لا ينفقه في سبيلك وعلى عبادك فزويت عنه ذلك نظراً منك وخياراً ، اللهم إني أعوذ بك أن يكون هذا مكراً منك بعمر ثم تلا { أيحسبون أَنما نمدهم به من مال وبنين ، نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن ميسرة قال : أجد فيما أنزل الله على موسى ، أيفرح عبدي المؤمن أن ابسط له الدنيا وهو أبعد له مني ، أو يجزع عبدي المؤمن أن أقبض عنه الدنيا وهو أقرب له مني ، ثم تلا { أيحسبون أَنما نمدهم به من مال وبنين } { نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون } .(7/211)
إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال : إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة ، وإن المنافق جمع إساءة ثم تلا { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون } إلى قوله { إنهم إلى ربهم راجعون } وقال المنافق { إنما أوتيته على علم عندي } [ القصص : 71 ] .
وأخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجة وابن أبي الدنيا في نعت الخائفين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عائشة قالت : قلت : « يا رسول الله . قول الله { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة } أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو مع ذلك يخاف الله؟ قال : لا ولكن الرجل يصوم ، ويتصدق ، ويصلي ، وهو مع ذلك يخاف الله أن لا يتقبل منه » .
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قالت عائشة رضي الله عنها : « يا رسول الله { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة } أهم الذين يخطئون ويعملون بالمعاصي؟ وفي لفظ : هو الذي يذنب وهو وجل منه؟ قال : لا ، ولكن هم الذين يصلون ، ويصومون ، ويتصدقون ، وقلوبهم وجلة » .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس في قوله { والذين يؤتون ما آتوا } قال : يعطون ما أعطوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة } قال : يعطون ما أعطوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة } قال : يعملون خائفين .
وأخرج الفريابي وابن جرير عن ابن عمر في قوله { والذين يؤتون ما آتوا } قال : الزكاة .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عائشة { والذين يؤتون ما آتوا } قالت : هم الذين يخشون الله ويطيعونه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { والذين يؤتون ما آتوا } قالت : هم الذين يخشون الله ويطيعونه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { والذين يؤتون ما آتوا } قال : يعطون ما أعطوا { وقلوبهم وجلة } قال : مما يخافون بين أيديهم من الموقف وسوء الحساب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { والذين يؤتون ما آتوا } قال : يعطون ما أعطوا { وقلوبهم وجلة } قال المؤمن ينفق ماله وقلبه وجل .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن وقتادة أنهما كانا يقرآن { يؤتون ما آتوا } قال : يعملون ما علموا من الخيرات ، ويعطون ما أعطوا على خوف من الله عز وجل .
وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة } قال : كانوا يعملون ما يعملون من أعمال البر ، ويخافون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب الله .(7/212)
وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبي ملكية قال : قالت : عائشة رضي الله عنها : لأن تكون هذه الآية كما أقرأ أحب إليّ من حُمُرِ النِعَمْ . فقال لها ابن عباس : ما هي؟ قالت : { الذين يؤتون ما أتوا } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ { والذين يؤتون ما أتوا } مقصور من المجيء .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخاري في تاريخه وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أشته وابن الأنباري معاً في المصاحف والدارقطني في الإِفراد والحاكم وصححه وابن مردويه عن عبيد بن عمير أنه سأل عائشة « كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية { والذين يؤتون ما أتوا ، أو الذين يؤتون ما آتوا؟ } فقالت : أيتهما أحب إليك؟ قلت : والذي نفسي بيده لأحداهما أحب إليّ من الدنيا جميعاً . قالت : أيهما؟ قلت : { الذين يأتون ما أتوا } فقالت : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يقرأها ، وكذلك أنزلت ولكن الهجاء حرف » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون } قال : سبقت لهم السعادة من الله .(7/213)
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { بل قلوبهم في غمرة من هذا } يعني بالغمرة الكفر والشك { ولهم أعمال من دون ذلك } يقول : أعمال سيئة دون الشرك { هم لها عاملون } قال : لا بد لهم من أن يعملوها .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { بل قلوبهم في غمرة من هذا } قال : في عمي من هذا القرآن { ولهم أعمال } قال : خطايا { من دون ذلك هم لها عاملون } قال : لا بد لهم أن يعملوها .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { بل قلوبهم في غمرة من هذا } قال : في غفلة من أعمال المؤمنين { ولهم أعمال من دون ذلك } قال : هي شر من أعمال المؤمنين ، ذكر الله { الذين هم من خشية ربهم مشفقون } [ المؤمنون : 57 ] والذين والذين ، ثم قال للكافرين { بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال } من دون الأعمال التي سمى الذين والذين والذين .(7/214)
حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)
أخرج النسائي عن ابن عباس في قوله { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } الآية . قال : هم أهل بدر .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } قال : ذكر لنا أنها نزلت في الذين قتل الله يوم بدر .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } قال : بالسيوف يوم بدر { إذا هم يجأرون } قال : الذين بمكة .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } قال : بالسيف يوم بدر .
وأخرج ابن ابي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله { أخذنا مترفيهم } قال : مستكبريهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إذا هم يجأرون } قال : يستغيثون . وفي قوله { سامرا تهجرون } قال : تسمرون حول البيت وتقولون هجراً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { تنكصون } قال : تستأخرون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة { مستكبرين به } قال : بالبيت الحرام { سامرا } قال : كان سامرهم لا يخاف مما اعطوا من الأمن ، وكانت العرب تخاف سامرهم ويغزو بعضهم بعضاً ، وكان أهل مكة لا يخافون ذلك بما أعطوا من الأمن { تهجرون } قال : يتكلمون بالشرك والبهتان في حرم الله وعند بيته قال : وكان الحسن يقول : { سامرا تهجرون } كتاب الله ونبي الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن { مستكبرين به } قال : بحرمي { سامراً تهجرون } قال : القرآن وذكري ورسولي .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { مستكبرين به } قال : بحرم الله ، إنه لا يظهر عليهم فيه أحد .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك { مستكبرين به سامراً تهجرون } قال : مستكبرين بحرمي ، { سامراً } فيه مما لا ينبغي من القول .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي جاتم عن مجاهد { مستكبرين به } قال : بمكة بالبلد ( سامرا ) قال : مجالساً { تهجرون } ، بالقول السيء في القرآن .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي صالح ، { مستكبرين به } قال : بالقرآن .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { سامراً تهجرون } قال : كانوا يهجرون على اللهو والباطل ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت الشاعر يقول :
وباتو بشعب لهم سامراً ... إذا خب نيرانهم أوقدوا
وأخرج سعيد سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كانت قريش تسمر حول البيت ولا تطوف به ، ويفتخرون به ، فأنزل الله { مستكبرين به سامراً تهجرون } .(7/215)
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { سامراً تهجرون } قال : كانت قريش يستحلقون حلقاً يتحدثون حول البيت .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ { مستكبرين به سامراً تهجرون } قال : كان المشركون يهجرون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القول في سمرهم » .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { سامراً تهجرون } بنصب التاء ورفع الجيم .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أنه قرأ { سامراً تهجرون } وكانوا إذا سمروا هجروا في القول .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { سامراً تهجرون } قال : تهجرون الحق .
وأخرج النسائي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال : إنما كره السمر { تهجرون } قال : كانوا يهجرونه ولا يعمرونه .(7/216)
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة { أفلم يدبروا القول } قال : إذاً والله كانوا يجدون في القرآن زاجراً عن معصية الله لو تدبره القوم وعقلوه .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله { أم لم يعرفوا رسولهم } قال : عرفوه ، ولكن حسدوه وفي قوله { ولو اتبع الحق أهواءهم } قال : الحق الله عزوجل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { بل أتيناهم بذكرهم } قال : بينا لهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { بل أتيناهم بذكرهم } قال : هذا القرآن ، وفي قوله { أم تسألهم أجراً } يقول : أم تسألهم على ما أتيناهم به جعلاً .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { خرجاً } قال : أجراً .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : الخرج وما قبلها من القصة لكفار قريش .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ « أم تسألهم خَرَجاً » بغير ألف « فخراج ربك » بالألف .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الحسن أنه قرأ « أم تسألهم خراجاً فخراج ربك خير » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم } قال : ما فيه عوج . ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لقي رجلاً فقال له « أسلم . فتعصب له ذلك وكبر عليه . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت لو كنت في طريق وعر وعث فلقيت رجلاً تعرف وجهه وتعرف نسبه فدعاك إلى طريق واسع سهل أكنت تتبعه؟ قال : نعم . قال : فوالذي نفس محمد بيده إنك لفي أوعر من ذلك الطريق لو كنت فيه . وإني لأدعوك إلى أسهل من ذلك الطريق لو دعيت إليه » وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم « لقي رجلاً فقال له أسلم . فصعده ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت فتييك أحدهما إن حدث صدقك وإن أمنته أدى إليك؟ والآخر إن حدث كذبك وإن ائتمنته خانك؟ قال : بلى . فتاي الذي إذا حدثني صدقني وإذا أمنته أدى إلي . قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : كذاكم أنت عند ربكم » .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون } قال : عن الحق عادلون .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله { ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر } قال : الجوع .(7/217)
وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)
أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي قي الدلائل عن ابن عباس قال : « جاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أنشدك الله والرحم فقد أكلنا العلهز- يعني الوبر - بالدم . فأنزل الله { ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون } .
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس؛ أن ثمامة بن أنال الحنفي » لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وهو أسير فخلى سبيله ، لحق باليمامة فحال بين أهل مكة وبين الميرة من اليمامة حتى أكلت قريش العلهز ، فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أليس تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ قال : بلى . قال : فقد قتلت الآباء بالسيف ، والأبناء بالجوع . فأنزل الله { ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون } « .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله { ولقد أخذناهم بالعذاب } قال : بالسنة والجوع .
وأخرج العسكري في المواعظ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله { فما استكانوا لربهم وما يتضرعون } أي : لم يتواضعوا في الدعاء ، ولم يخضعوا ، ولو خضعوا لله لاستجاب لهم .
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : إذا أصاب الناس من قبل السلطان بلاء فإنما هي نقمة ، فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية ولكن استقبلوها بالاستغفار ، واستكينوا وتضرعوا إلى الله ، وقرأ هذه الآية { ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون } .
واخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد } قال : قد مضى كان يوم بدر .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج { حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد } قال : يوم بدر .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد } قال : لكفار قريش الجوع وما قبلها من القصة لهم أيضاً .(7/218)
قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95)
أخرج أبو عبيد وابن المنذر عن هرون قال : في مصحف أبي بن كعب { سيقولون لله } كلهن بغير ألف .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن عاصم الجحدري قال : في الإمام مصحف عثمان بن عفان . قال : الذي كتب للناس لله لله كلهن بغير ألف .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أسيد بن زيد قال : في مصحف عثمان بن عفان « سيقولون لله » ثلاثتهن بغير ألف .
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن عتيق قال : رأيت في مصحف الحسن لله لله بغير ألف في ثلاثة مواضع .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ ( لله ) بغير ألف كلهن .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { قل من بيده ملكوت كل شيء } قال : خزائن كل شيء .(7/219)
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { ادفع بالتي هي أحسن السيئة } يقول : أعرض عن أذاهم إياك .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء { ادفع بالتي هي أحسن السيئة } قال : بالسلام .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : نعمت والله الجرعة تتجرعها وأنت مظلوم ، فمن استطاع أن يغلب الشر بالخير فليفعل ، ولا قوّة إلا بالله .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن أنس في قوله { ادفع بالتي هي أحسن السيئة } قال : قول الرجل لأخيه ما ليس فيه ، يقول إن كنت كاذباً فأنا أسأل الله أن يغفر لك ، وإن كنت صادقاً فأنا أسأل الله أن يغفر لي .
وأخرج البخاري في الأدب عن أبي هريرة قال : أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « يا رسول الله إن لي قرابة ، أصلهم ويقطعون ، وأحسن إليه ويسيئون إليَّ ، ويجهلون عليّ وأحلم عنهم . قال : لئن كان كما تقول كأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك » .(7/220)
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع : بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { وأعوذ بك رب أن يحضرون } قال : يحضرون في شيء من أمري .
وأخرج أحمد عن خالد بن الوليد أنه قال « يا رسول الله إني أجد وحشة؟ قال : إذا أخذت مضجعك فقل : أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ، فإنه لا يضرك وبالحري أن لا يضرك » .(7/221)
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)
أخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : إذا وضع الكافر في قبره فيرى مقعده من النار قال : { رب ارْجعُونِ } حتى أتوب ، أعمل صالحاً ، فيقال : قد عمرت ما كنت معمراً . فيضيق عليه قبره فهو كالمنهوش ينام ويفزع ، تهوي إليه هوام الأرض؛ حيّاتها وعقاربها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : ويل لأهل المعاصي من أهل القبور ، يدخل عليهم في قبورهم حيات سود ، حية عند رأسه وحية عند رجليه يضربانه حتى يلتقان في وسطه . فذلك العذاب في البرزخ الذي قال الله { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } .
وأخرج ابن جرير وابنأبي حاتم عن ابن زيد في قوله { قال رب ارجعون } قال : هذا حين يعاين قبل أن يذوق الموت .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة « إن المؤمن إذا عاين الملائكة قالوا : نرجعك إلى الدنيا؟ فيقول : إلى دار الهموم والأحزان؟ بل قُدُماً إلى الله . وأما الكافر فيقولون له : نرجعك؟ فيقول : { رب ارجعون ، لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } » .
وأخرج الديلمي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا حضر الإنسان الوفاة يجمع له كل شيء يمنعه عن الحق فيحول بين عينيه ، فعند ذلك يقول { رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { لعلي أعمل صالحاً فيما تركت } قال : لعلي أقول لا إله إلا الله .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله { لعلي أعمل صالحاً } قال : أقول لا إله إلا الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن حسين في قوله { ومن ورائهم برزخ } قال : أمامهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم في الحيلة عن مجاهد في قوله { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } قال : هو ما بين الموت إلى البعث .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : { البرزخ } الحاجز ما بين الدنيا والآخرة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } قال : حاجز بين الميت والرجوع إلى الدنيا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : { البرزخ } ما بين الدنيا والآخرة . ليس مع أهل الدنيا يأكلون ويشربون ، ولا مع أهل الآخرة يجازون بأعمالهم .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال : { البرزخ } بين الدنيا والآخرة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : { البرزخ } بقية الدنيا .(7/222)
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { ومن ورائهم برزخ } قال : أهل القبور في برزخ ما بين الدنيا والآخرة ، هم فيه إلى يوم يبعثون .
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع قال : { البرزخ } القبور .
وأخرج بن أبي حاتم عن أبي صخر قال : { البرزخ } المقابر . لا هم في الدنيا ولا هم في الآخرة ، فهم مقيمون إلى يوم يبعثون .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وسمويه في فوائده عن أبي أمامة أنه شهد جنازة ، فلما دفن الميت قال : هذا برزخ إلى يوم يبعثون .
وأخرج هناد عن أبي محلم قال : قيل للشعبي مات فلان قال : ليس هو في الدنيا ولا في الآخرة . هو في البرزخ .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله { ومن ورائهم برزخ } قال : ما بعد الموت .(7/223)
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } قال : حين ينفخ في الصور فلا يبقى حي إلا الله عز وجل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن السدي { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } قال : في النفخة الأولى .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال : ليس أحد من الناس يسأل أحداً بنسبه ولا بقرابته شيئاً .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في الآية قال : لا يسأل أحد يومئذ بنسب شيئاً ولا ينمي إليه برحم .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه سئل عن قوله { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } وقوله { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } [ الصفات : 27 ] فقال : إنها مواقف . فأما الموقف الذي لا أنساب بينهم ولا يتساءلون عند الصعقة الأولى لا أنساب بينهم فيها إذا صعقوا ، فإذا كانت النفخة الآخرة فإذا هم قيام يتساءلون .
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه من وجه إلى آخر عن ابن عباس أنه سئل عن الآيتين فقال : أما قوله { ولا يتساءلون } فهذا في النفخة الأولى حين لا يبقى على الأرض شيء . وأما قوله { فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } [ الصافات : 27 ] فإنهم لما دخلوا الجنة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون .
وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين - وفي لفظ : يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة على رؤؤس الأوّلين والآخرين - ثم ينادي مناد ألا إن هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق قبله فليأت إلى حقه - فيفرح - والله - المرء أن يكون له الحق على والده أو زوجته وإن كان صغيراً . ومصداق ذلك في كتاب الله { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ليس شيء أبغض إلى الإنسان يوم القيامة من أن يرى من يعرفه مخافة أن يدور له على شيء ، ثم قرأ { يوم يفر المرء من أخيه } [ عبس : 34 ] .
وأخرج أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي في سننه عن المسور بن مخرمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي ، وسببي ، وصهري » .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري » .(7/224)
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس { تلفح وجوههم النار } قال تنقح .
وأخرج ابن مردويه والضياء في صفة النار عن أبي الدرداء قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { تلفح وجوههم النار } قال : تلفحهم لفحة فتسيل لحومهم على أعصابهم » .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردوية وأبو نعيم في الحيلة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن جهنم لما سيق إليها أهلها تلقتهم بعنق ، فلفحتهم لفحة فلم تدع لحماً على عظم إلا ألقته على العرقوب » .
وأخرج أبو نعيم في الحيلة عن ابن مسعود في قوله { تلفح وجوههم النار } قال : لفحتهم لفحة فما أبقت لحماً على عظم إلا ألقته على أعقابهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن أبي الدنيا في صفة النار وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الحيلة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون } قال « تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه ، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مغيث بن سمي قال : إذا جيء بالرجل إلى النار قيل انتظر حتى نتحفك ، فيؤتى بكأس من سم الأفاعي والأساود إذا أدناها من فيه نثرت اللحم على حدة والعظم على حدة .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود في قوله { وهم فيها كالحون } قال : كلوح الرأس النضيج ، بدأت أسنانهم وتقلصت شفاههم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كالحون } قال : عابسون .(7/225)
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا } قال : شقوتهم التي كتبت عليهم .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن . أنه كان يقرأ « غلبت علينا شقاوتنا » .
وأخرج عبد بن حميد عن إسحق قال : في قراءة عبد الله « شقاوتنا » .(7/226)
قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
أخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب ، فيستغيثون بالطعام ، فيغاثون بطعام من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع ، فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذي غصة ، فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالشراب ، فيستغيثون بالشراب فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد ، فإذا ذنت من وجوههم شوت وجوههم ، وإذا دخلت بطونهم قطعت ما في بطونهم ، فيقولون : ادعوا خزنة جهنم فيدعون خزنة جهنم إن { ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب } [ غافر : 49 ] فيقولون { أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } [ غافر : 50 ] فيقولون ادعوا مالكاً فيقولون { يا مالك ليقض علينا ربك } [ الزخرف : 77 ] فيجيبهم { إنكم ماكثون } فيقولون ادعوا ربكم فلا أحد خير من ربكم ، فيقولون { ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين ، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون } [ المؤمنون : 106-107 ] فيجيبهم { اخسئوا فيها ولا تُكَلِّمون } فعند ذلك يئسوا من كل خير ، وعند ذلك أخذوا في الزفير والحسرة والويل » .
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : إن أهل جهنم ينادون مالكاً { يا مالك ليقض علينا ربك } فيذرهم أربعين عاماً لا يجيبهم ثم يجيبهم { إنكم ماكثون } ثم ينادون ربهم { ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فانا ظالمون } فيذرهم مثلي الدنيا لا يجيبهم ثم يجيبهم { اخسئوا فيها ولا تُكَلِّمون } قال : فيئس القوم بعدها ، وما هو إلا الزفير والشهيق .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن محمد بن كعب قال : لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله في أربعة ، فإذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبداً يقولون { ربنا أمتَّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل } [ غافر : 11 ] فيجيبهم الله { ذلكم بأنه إذا دعيَ الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم الله العلي الكبير } [ غافر : 12 ] ثم يقولون { ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً انا موقنون } [ السجدة : 12 ] فيجيبهم الله { فذقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا انا نسيانكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون } [ السجدة : 14 ] ثم يقولون { ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل } [ ابراهيم : 44 ] فيجيبهم الله { أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال } ثم يقولون { ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل } [ فاطر : 37 ] فيجيبهم الله { أو لو نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير }(7/227)
[ فاطر : 37 ] ثم يقولون { ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين ، ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فانا ظالمون } [ المؤمنون : 106 ] فيجيبهم الله { اخسئوا فيها ولا تكلمون } فلا يتكلمون بعدها أبداً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : بلغنا أن أهل النار نادوا خزنة جهنم أن { ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب } [ غافر : 49 ] فلم يجيبوهم ما شاء الله ، فلما أجابوهم بعد حين قالوا لهم { ادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } [ غافر : 50 ] ثم نادوا { يا مالك } لخازن النار { ليقض علينا ربك } [ الزخرف : 77 ] فسكت عنهم مالك مقدار أربعين سنة ثم أجابهم فقال { إنكم ماكثون } ثم نادى الأشقياء ربهم فقالوا { ربنا أخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون } [ فسكت عنهم . . مقدار الدنيا ثم أجابهم بعد ذلك { اخسئوا فيها ولا تكلمون } .
وأخرج عبد بن حميدعن الحسن في الآية قال : تكلموا قبل ذلك وخاصموا فلما كان آخر ذلك قال { اخسئوا فيها ولا تكلمون } قال : منعوا الكلام آخر ما عليهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن زياد بن سعد الخراساني في قوله { اخسئوا فيها ولا تكلمون } قال : فتنطبق عليهم فلا يسمع منها إلا مثل طنين الطست .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { اخسئوا } قال : اصغروا .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس { اخسئوا فيها ولا تكلمون } قال : هذا قول الرب عز وجل حين انقطع كلامهم منه .
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة النار عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله إذا قال لأهل النار { اخسئوا فيها ولا تكلمون } عادت وجوهم قطعة لحم ليس فيها أفواه ولا مناخير تردد النفس في أجوافهم » .
وأخرج هناد عن ابن مسعود قال : ليس بعد الآية خروج { اخسئوا فيها ولا تكلمون } .(7/228)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { فاتَّخذتموهم سخرياً } قال : هما مختلفان .
سخرياً وسخرياً يقول الله { ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً } [ الزخرف : 32 ] قال : يسخرونهم والآخرون الذين يستهزون سخرياً .(7/229)
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)
أخرج ابن أبي حاتم عن أيفع بن عبد الكلاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله إذا أدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار قال لأهل الجنة { كم لبثتم في الأرض عدد سنين } قالوا : { لبثنا يوماً أو بعض يوم } قال : لنعم ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم ، رحمتي ورضواني وجنتي اسكنوا فيها خالدين مخلدين ، ثم يقول : يا أهل النار { كم لبثتم في الأرض عدد سنين } قالوا { لبثنا يوماً أو بعض يوم } فيقول : بئس ما اتجرتم في يوم أو بعض يوم . ناري وسخطي امكثوا فيها خالدين » وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فاسأل العادين } قال : الحساب .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { فاسأل العادين } قال : الملائكة .(7/230)
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)
أخرج الحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن السني في عمل يوم وليلة وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قرأ في أذن مصاب { افحسبتم أنما خلقناكم عبثاً } حتى ختم السورة فبرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ماذا قرأت في أذنه؟ فأخبره . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نفسي بيده لو أن رجلاً موقناً قرأها على جبل لزال » .
وأخرج ابن السني وابن منده وأبو نعيم في المعرفة بسند حسن من طريق محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبيه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وأمرنا أن نقول إذا نحن أمسينا وأصبحنا { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون } فقرأناها فغنمنا وسلمنا والله أعلم .(7/231)
وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { لا برهان له } قال : لا بينة له .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { لا برهان له } قال : لا بينة له .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { لا برهان له } قال : لا حجة .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ ( إنه لا يفلح الكافرون ) بكسر الألف في إنه .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه قرأ ( أنه لا يفلح الكافرون ) بنصب الألف في انه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة { فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون } قال : ذاك حساب الكافر عند الله إنه لا يفلح .(7/232)
وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله علمني دعاء ادعوا به في صلاتي قال : قل « اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً وأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم » .(7/233)
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حارثة عن ابن عباس في قوله { سورة أنزلناها وفرضناها } قال : بيناها .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وفرضناها } قال : وفسرناها ، الأمر بالحلال والنهي عن الحرام .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { وفرضناها } قال : فرض الله فيها فرائضه ، وأحل حلاله ، وحرم حرامه ، وحد حدوده ، وأمر بطاعته ، ونهى عن معصيته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قرأ { وفرضناها } خفيفة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جرير { وأنزلنا فيها آيات بينات } قال : الحلال والحرام والحدود .(7/234)
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)
أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } قال : في الحدِّ أن يقام عليهم ولا يعطل . أما أنه ليس بشدة الْجَلْدِ .
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { ولا تأخذكم بهما رأفة } قال : في اقامة الحد .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك { ولا تأخذكم بهما رأفة } قال : في تعطيل الحد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمران بن حدير قال : قلت لأبي مجلز { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } قال : انا لنرجم الرجل أو يجلد أو يقطع قال : ليس كذاك ، إنما هو إذا رفع للسلطان فليس له أن يدعهم رحمة لهم حتى يقيم عليهم الحد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن { ولا تأخذكم بهما رأفة } قال : الجلد الشديد .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم وعامر { ولا تأخذكم بهما رأفة } قالا : شدة الجلد في الزنا ، ويعطى كل عضو منه حقه .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن شعبة قال : قلت لحماد : الزاني يضرب ضرباً شديداً؟ قال : نعم ويخلع عنه ثيابه قال الله { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } قلت له : إنما ذلك في الحكم قال : في الحكم والجلد .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عمرو بن شعيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قد قضى الله ورسوله إن شهد أربعة على بكرين جلدا كما قال الله مائة جلدة ، وغربا سنة غير الأرض التي كان بها ، وتغريبهما سنتي » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عمر؛ أن جارية لابن عمر زنت ، فضرب رجليها وظهرها فقلت : { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } فقال : إن الله لم يأمرني أن أقتلها ، ولا أن أجلد رأسها ، وقد أوجعت حيث ضربت .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي برزة الاسلمي ، أنه أتي بأمة لبعض أهله قد زنت وعنده نفر نحو عشرة ، فأمر بها فاجلست في ناحية ، ثم أمر بثوب فطرح عليها ، ثم أعطى السوط رجلاً فقال : اجلد خمسين جلدة ليس باليسير ولا بالخضفة ، فقام فجلدها وجعل يفرق عليها الضرب ، ثم قرأ { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } قال : الطائفة الرجل فما فوقه .(7/235)
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } قال : الطائفة عشرة .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال : الطائفة واحد إلى الألف .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ، ليكون ذلك عبرة وموعظة ونكالاً لهم .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في الآية قال : ليحضر رجلان فصاعداً .
وأخرج ابن جرير عن الزهري قال : الطائفة الثلاثة فصاعداً .
وأخرج عن ابن زيد في الآية قال : الطائفة أربعة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن نصر بن علقمة في قوله { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } قال : ليس ذلك للفضيحة ، إنما ذاك ليدعو الله لهما بالتوبة والرحمة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشيباني قال : قلت لابن أبي أوفى رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قلت : بعدما أنزلت سورة النور أو قبلها؟ قال : لا أدري .(7/236)
الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو داود في ناسخه والبيهقي في سننه والضياء المقدسي في المختارة من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { الزاني لا ينكح إلا زانية } قال : ليس هذا بالنكاح ولكن الجماع ، لا يزني بها حين يزني إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ، يعني الزنا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال : لما قدم المهاجرون المدينة قدموها وهم بجهد إلا قليل منهم ، والمدينة غالية السعر ، شديدة الجهد ، وفي السوق زوان متعالنات من أهل الكتاب ، وأما الأنصار منهن أمية وليدة عبد الله بن أبي ، ونسيكة بنت أمية لرجل من الأنصار ، في بغايا من ولائد الأنصار قد رفعت كل إمرأة منهن علامة على بابها ليعرف أنها زانية ، وكن من أخصب أهل المدينة وأكثره خيراً ، فرغب أناس من مهاجري المسلمين فيما يكتسبن للذي هم فيه من الجهد ، فاشار بعضهم على بعض لو تزوّجنا بعض هؤلاء الزواني فنصيب من فضول أطعامهنَّ فقال بعضهم : نستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوه فقالوا : يا رسول الله قد شق علينا الجهد ولا نجد ما نأكل ، وفي السوق بغايا نساء أهل الكتاب وولائدهن وولائد الأنصار يكتسبن لأنفسهن فيصلح لنا أن نتزوّج منهن ، فنصيب من فضول ما يكتسبن ، فإذا وجدنا عنهن غنى تركناهن؟ فأنزل الله { الزاني لا ينكح } فحرم على المؤمنين أن يتزوّجوا الزواني المسافحات العالنات زناهن .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { الزاني لا ينكح إلا زانية او مشركة } قال : كن نساء في الجاهلية بغيات ، فكانت منهن امرأة جميلة تدعى أم مهزول ، فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوّج إحداهن فتنفق عليه من كسبها ، فنهى الله أن يتزوّجهن أحد من المسلمين .
وأخرج عبد بن حميد عن سليمان بن يسار في قوله { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } قال : كن نساء في الجاهلية بغيات ، فنهى الله المسلمين عن نكاحهن .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء قال : كانت بغايا في الجاهلية بغايا آل فلان وبغايا آل فلان فقال الله { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } فأحكم الله ذلك من أمر الجاهلية بالإسلام . قيل له : أعن ابن عباس؟ قال : نعم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } قال : رجال كانوا يريدون الزنا بنساء زَوانٍ بغايا متعالنات كن كذلك في الجاهلية . قيل لهم هذا حرام ، فأرادوا نكاحهن ، فحرم الله عليهم نكاحهن .(7/237)
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : كان في بدء الإِسلام قوم يزنون قالوا : أفلا نتزوّج النساء التي كنا نفجر بهن؟ فأنزل الله { الزاني لا ينكح إلا زانية . . . } .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الضحاك { الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } قال : إنما عني بذلك الزنا ولم يعن به التزويج .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } قال : لا يزني حين يزني إلا بزانية مثله أو مشركة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة مثله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في هذه الآية قال : الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا بزانية مثله من أهل القبلة ، أو مشركة من غير أهل القبلة ، والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزان مثلها من أهل القبلة ، أو مشرك من غير أهل القبلة ، وحرم الزنا على المؤمنين .
وأخرج سعيد بن منصور عن مجاهد قال : لما حرم الله الزنا فكان زوان عندهن جمال ومال فقال الناس حين حُرِّم الزنا : لتُطَلَّقْنَ فلنتزوّجهن . فأنزل الله في ذلك { الزاني لا ينكح إلا زانية . . . } .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي والحاكم وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه وأبو داود في ناسخه عن عبد الله بن عمر قال : كانت امرأة يقال لها أم مهزول ، وكانت تسافح الرجل وتشرط أن تنفق عليه ، فأراد رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوّجها ، فأنزل الله { الزاني لا ينكحها إلا زان أو مشرك } .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان رجل يقال له مرثد يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة ، وكانت امرأة بمكة يقال لها عناق ، وكانت صديقة له ، وأنه وجد رجلاً من أسارى مكة يحمله قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة فجاءت عناق ، فأبصرت سواد ظل تحت الحائط ، فلما انتهت إليّ عرفتني فقالت : مرثد . ! فقلت : مرثد .
فقالت : مرحباً وأهلاً هلم فَبِتْ عندنا الليلة قلت : يا عناق حرّم الله الزنا قالت : يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم قال : فتبعني ثمانية وسلكت الخندمة فانتهيت إلى غار أو كهف فدخلت ، فجاؤوا حتى قاموا على رأسي فبالوا ، وظل بولهم على رأسي ونحاهم الله أنكح عني ، ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته حتى قدمت المدينة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أنكح عناقاًً؟ فأمسك فلم يرد عليّ شيئاً حتى نزلت { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } فلا تنكحها .(7/238)
وأخرج ابن أبي جرير عن عبد الله بن عمر في قوله { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } قال : كان نساء معلومات ، فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوج المرأة منهن لتنفق عليه ، فنهاهم الله عن ذلك .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن مردويه وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس . أنها نزلت في بغايا معلنات كن في الجاهلية ، وكن زوان مشركات ، فحرم الله نكاحهن على المؤمنين .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق سعيد مولى ابن عباس قال : كنت مع ابن عباس فأتاه رجل فقال : إني كنت أتبع امرأة فأصبت منها ما حرّم الله عليّ ، وقد رزقني الله منها توبة ، فأردت أن أتزوّجها فقال الناس { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } فقال ابن عباس : ليس هذا موضع هذه الآية ، إنما كن نساء بغايا متعالنات ، يجعلن على أبوابهن رايات ، يأتيهن الناس يعرفن بذلك ، فأنزل الله هذه الآية . تزوجها فما كان فيها من اثم فعلي .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والبيهقي عن سعيد بن جبير قال : كن نساء بغايا في الجاهلية كان الرجل ينكح المرأة في الإسلام فيصيب منها ، فحرم ذلك في الإسلام ، فأنزل الله { الزانية لا ينكحها إلا زان . . . . } .
وأخرج أبو داود وابن المنذر وابن عدي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا ينكح الزاني المحدود إلا مثله » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الحسن { الزاني لا ينكح إلا زانية } قال : المحدود لا يتزوج إلا محدودة مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وابن المنذر عن علي أن رجلاً تزوج امرأة ثم إنه زنى فأقيم عليه الحد ، فجاؤوا به إلى علي ففرق بينه وبين زوجته وقال له : لا تتزوّج إلا مجلودة مثلك .
وأخرج أحمد والنسائي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، والمرأة المترجلة ، والديوث » .
وأخرج ابن ماجة عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من أراد أن يلقى الله طاهراً مطهراً فليتزوّج الحرائر » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وأبو عبيد معاً في التاريخ وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن سعيد بن المسيب في هذه الآية { الزاني لا ينكح إلا زانية } قال : يرون أن هذه الآية التي بعدها نسختها { وأنكحوا الأيامى منكم } فهن من أيامى المسلمين .(7/239)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم } يعني الحاكم إذا رفع إليهم جلدوا القاذف ثمانين جلدة { ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً } يعني بعد الجلد ما دام حياً { وأولئك هم الفاسقون } العاصون فيما قالوه من الكذب .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر عن ابن عباس { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } ثم استثنى فقال { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } فتاب الله عليهم من الفسوق ، وأما الشهادة فلا تجوز .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس { والذين يرمون المحصنات } إلى { رحيم } فأنزل الله الجلد والتوبة تقبل ، والشهادة ترد .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لأبي بكرة : إن تبت قبلت شهادتك .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } قال : « توبتهم اكذابهم أنفسهم ، فإن كذبوا أنفسهم قبلت شهادتهم » .
وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس قال : في سورة النور { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم } واستثنى من ذلك فقال { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } [ النور : 4 ] فإذا حلفا فرق بينهما وإن لم يحلفا أقيم الحد . الجلد أو الرجم .
وأخرج ابن المنذر وابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً } ثم قال { إلا الذين تابوا } قال : فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن المسيب قال شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة بالزنا ونكل زياد ، فحد عمر الثلاثة وقال لهم : توبوا تقبل شهادتكم ، فتاب رجلان ولم يتب أبو بكرة فكان لا تقبل شهادته ، وكان أبو بكرة أخا زياد لأمه ، فلما كان من أمر زياد ما كان حلف أبو بكرة أن لا يكلمه أبداً ، فلم يكلمه حتى مات .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء في الآية قال : إذا تاب القاذف ، وأكذب نفسه ، قبلت شهادته .
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي والزهري وطاوس ومسروق قالوا : إذا تاب القاذف قبلت شهادته . وتوبته أن يكذب نفسه .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب والحسن قالا : القاذف إذا تاب فتوبته فيما بينه وبين الله ولا تجوز شهادته .
وأخرج عبد بن حميد عن مكحول في القاذف إذا تام لم تقبل شهادته .
وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين قال : القاذف إذا تاب فإنما توبته فيما بينه وبين الله ، فأما شهادته فلا تجوز أبداً .(7/240)
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : لا شهادة له .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : توبته فيما بينه وبين ربه من العذاب العظيم . ولا تقبل شهادته .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً } قال : كان الحسن يقول : لا تقبل شهادة القاذف أبداً . توبته فيما بينه وبين الله .
وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : كل صاحب حد تجوز شهادته إلا القاذف ، فإن توبته فيما بينه وبين ربه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم قال : لا تقبل للقاذف شهادة؛ توبته بينه وبين ربه .
وأخرج عبد بن حميد عن عيسى بن عاصم قال : كان أبو بكرة إذا جاءه رجل يشهده قال : أشهد غيري فإن المسلمين قد فسقوني .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب قال : شهدت عمر بن الخطاب حين جلد قذفة المغيرة بن شعبة منهم أبو بكرة ، وماتع ، وشبل ، ثم دعا أبا بكرة فقال : إن تكذب نفسك تجز شهادتك فأبى أن يكذب نفسه . ولم يكن عمر يجيز شهادتهما حتى هلكا ، فذلك قوله { إلا الذين تابوا } وتوبتهم اكذابهم أنفسهم .
وأخرج عبد الرزاق عن عمرو بن شعيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قضى الله ورسوله أن لا تقبل شهادة ثلاثة ، ولا اثنين ، ولا واحد على الزنا ، ويجلدون ثمانين ثمانين ، ولا تقبل لهم شهادة أبداً حتى يتبين للمسلمين منهم توبة نصوح وإصلاح » .
وأخرج عبد بن حميدعن جعفر بن يرقان قال : سألت ميمون بن مهران عن هذه الآية { والذين يرمون المحصنات } إلى قوله { إلا الذين تابوا } فجعل الله فيها توبته . وقال في آية أخرى { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعِنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } فقال : أما الأولى ، فعسى أن تكون قارفت ، وأما الأخرى فهي التي لم تقارف شيئاً من ذلك .
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : لما كان زمن العهد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة ، جعلت المرأة تخرج من أهل مكة إلى رسول صلى الله عليه وسلم مهاجرة في طلب الإِسلام فقال المشركون : إنما انطلقت في طلب الرجال ، فأنزل الله { والذين يرمون المحصنات . . . } إلى آخر الآية .
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن قال : الزنا أشد من القذف ، والقذف أشد من الشرب .
وأخرج عبد الرزاق عن عطاء قال : جلد الزاني أشد من جلد الفرية والخمر ، وجلد الفرية والخمر فوق الحد والله تعالى أعلم .(7/241)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن عاصم بن عدي قال : لما نزلت { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } قلت : يا رسول الله إلى أن يأتي الرجل بأربعة شهداء قد خرج الرجل؟ فلم ألبث إلا أياماً فإذا ابن عم لي معه امرأته ومعها ابن وهي تقول : منك . وهو يقول : ليس مني . فنزلت آية اللعان قال عاصم : فأنا أول من تكلم وأول من ابتلى به .
وأخرج أحمد وعبد الرزاق والطيالسي وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « لما نزلت { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء . . } الآية قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار : أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ فقالوا : يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور . والله ما تزوّج امرأة قط إلا بكراً ، وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته فقال سعد : يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من الله ، ولكني تعجبت إني لو وجدت لكاعاً قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتىآتي بأربعة شهداء - فوالله - لا آتي بهم حتى يقضي حاجته قال : فما لبثوا إلا يسيراً حتى جاء هلال بن أمية؛ وهو أحد الثلاثة الذي تيب عليهم ، فجاء من أرضه عشاء فدخل على امرأته فوجد عندها رجلاً ، فرأى بعينه ، وسمع بأذنيه ، فلم يهجه حتى أصبح ، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء ، فوجدت عندها رجلاً ، فرأيت بعيني ، وسمعت بأذني ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد به ، واجتمعت الأنصار فقالوا : قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن . فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية وأبطل شهادته في المسلمين فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجاً فقال : يا رسول الله إني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به والله يعلم إني لصادق ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، وكان إذا أنزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد جلده ، فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي فنزلت { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم } فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فقال : ابشر يا هلال قد جعل الله لك فرجاً و مخرجاً فقال هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارسلوا إليها فجاءت فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما ، وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا فقال هلال : والله يا رسول الله لقد صدقت عليها فقالت : كذب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لاعنوا بينهما فقيل لهلال اشهد . فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين ، فلما كان في الخامسة قيل لهلال : فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فقال : والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها . فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين . ثم قيل لها اشهدي .
فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين . فلما كانت في الخامسة قيل لها : اتقي الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب ، فتلكأت ساعة فقالت : والله لا أفضح قومي ، فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها أن كان من الصادقين . ففرق رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى أنه لا يدعى لأب ، ولا يرمى ولدها من أجل الشهادات الخمس ، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس لها قوت ، ولا سكنى ، ولا عدة ، من أجل أنهما تفرقا من غير طلاق ، ولا متوفى عنها » .(7/242)
وأخرج البخاري والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس : « أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » البينة ، أو حدٌّ في ظهرك « . فقال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة! فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : وإلاَّ حَدٌّ في ظهرك . فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد ، فنزل جبريل فأنزل الله عليه { والذين يرمون أزواجهم } حتى بلغ { إن كان من الصادقين } فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما فجاء هلال يشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة . فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين ، سابغ الاليتين ، خدلج الساقين ، فهو لشريك بن سحماء . فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال :(7/243)
« جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرمى امرأته برجل . فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يردده حتى أنزل الله { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } حتى فرغ من الآيتين فأرسل إليهما فدعاهما فقال : إن الله قد أنزل فيكما . . فدعا الرجل فقرأ عليه . فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، ثم أمر به فأمسك على فيه ، فوعظه فقال له : كل شيء أهون عليك من لعنة الله . ثم أرسله فقال : لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين ، ثم دعا بها فقرأ عليها . فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين ، ثم أمر بها فأمسك على فيها ، فوعظها وقال : ويحك! كل شيء أهون عليك من غضب الله ، ثم أرسلت فقالت : غضب الله عليها إن كان من الصادقين » .
وأخرج البخاري ومسلم وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي زنت . وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه منكس في الأرض ثم رفع رأسه فقال : قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فائت بها . فجاءت فقال : قم فاشهد أربع شهادات ، فقام فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين . فقال له : ويلك أو ويحك! إنها موجبة . فشهد الخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين . ثم قامت امرأته فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين . ثم قال ويلك أو ويحك! إنها موجبة . فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها ان كان من الصادقين . ثم قال له : اذهب فلا سبيل لك عليها فقال : يا رسول الله مالي . . ؟ قال : لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك منها » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال : « سألت عن المتلاعنين أيفرق بينهما؟ فقال : » سبحان الله! نعم . . إن أول من سأل عن ذلك فلان ابن فلان قال : يا رسول الله أرأيت الرجل يرى امرأته على فاحشة فإن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك؟ فسكت فلم يجبه فلما كان بعد ذلك أتاه فقال : إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به فأنزل الله هذه الآية في سورة النور { والذين يرمون أزواجهم } حتى بلغ { أَن غضب الله عليها إن كان من الصادقين } فبدأ بالرجل فوعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال : والذي بعثك بالحق ما كذبتك . ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقالت : والذي بعثك بالحق أنه لكاذب . فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين ، والخامسة أن لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين . ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين ، والخامسة أن غضب الله عليها ان كان من الصادقين « .(7/244)
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عمر قال : كنا جلوساً عشية الجمعة في المسجد فجاء رجل من الأنصار فقال : أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلاً فقتله قتلتموه ، وان تكلم جلدتموه ، وإن سكت سكت على غيظ ، والله لئن أصبحت صالحاً لأسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فسأله فقال : يا رسول الله أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلاً فقتله قتلتموه وإن تكلم جلدتموه ، وإن سكت سكت على غيظ . اللهم احكم . فنزلت آية اللعان فكان ذلك الرجل أول من ابتلى به .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن منذر والطبراني عن سهل بن سعد قال : « جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال : سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فقتله أيقتل به؟ أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل فلقيه عويمر فقال : ما صنعت؟ فقال : إنك لم تأتني بخير ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل فقال : والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه ، فأتاه فوجده قد أنزل عليه . . فدعا بهما ، فلاعن بينهما قال عويمر : أن انطلق بها يا رسول الله لقد كذبت عليها ، ففارقها قبل أن يخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة المتلاعنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين ، عظيم الاليتين ، فلا أراه إلا قد صدق . وإن جاءت به أحمر كأنه وحرة ، فلا أراه إلا كاذباً . فجاءت به على النعت المكروه » .
واخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أنس قال : « لأوّل لعان كان في الإِسلام أن شريك بن سحماء رماه هلال بن أمية بامرأته ، فرفعته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أربعة شهود ، وإلا فحد في ظهرك . فقال : يا رسول الله إن الله ليعلم أني لصادق ، ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الجلد . فأنزل الله آية اللعان { والذين يرمون أزواجهم . . } إلى آخر الآية فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا . فشهد بذلك أربع شهادات بالله ، ثم قال له في الخامسة : لعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا . ففعل . ثم دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قومي فاشهدي بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا . فشهدت بذلك أربع شهادات ، ثم قال لها في الخامسة وغضب الله عليك ان كان من الصادقين فيما رماك به من الزنا . قال : فلما كان في الرابعة أو الخامسة سكتت سكته حتى ظنوا أنها ستعترف . ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت على القول ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال : انظروا فإن جاءت به جعداً أخمش الساقين ، فهو لشريك بن سحماء ، وإن جاءت به أبيض سبطاً ، قصير العينين ، فهو لهلال بن أمية ، فجاءت به آدم جعداً أخمش الساقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا ما نزل فيهما من كتاب الله لكان لي ولها شأن » .(7/245)
وأخرج النسائي وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده « أن رجلاً من الأنصار من بني زريق قذف امرأته ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فرد ذلك عليه أربع مرات . فأنزل الله آية الملاعنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين السائل قد نزل من الله أمر عظيم؟ فأبى الرجل إلا أن يلاعنها ، وأبت ألا تدرأ عن نفسها العذاب . فتلاعنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما تجيء به أصفر أخمش مفتول العظام فهو للملاعن ، واما تجيء به أسود كالجمل الأورق فهو لغيره ، فجاءت به أسود كالجمل الأورق ، فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله لعصبة أمه وقال : لولا الآيات التي مضت لكان فيه كذا وكذا » .
وأخرج البزار عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر « لو رأيت مع أم رومان رجلاً ما كنت فاعلاً به؟ قال : كنت - والله - فاعلاً به شراً قال : فأنت ياعمر؟ قال : كنت - والله - قاتله فنزلت { والذين يرمون أزواجهم . . . } قلت : رجال إسناده ثقات إلا أن البزار كان يحدث من حفظه فيخطىء . وقد أخرجه ابن مردويه والديلمي من هذا الطريق وزاد بعد قوله كنت قاتله قال : فأنت يا سهيل بن بيضاء قال : كنت أقول لعن الله الأبعد فهو خبيث ، ولعن الله البُعْدَى فهي خبيثة ، ولعن الله أوّل الثلاثة أخبر بهذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تأوّلت القرآن يا ابن بيضاء { والذين يرمون أزواجهم } وهذا أصح من قول البزار فنزلت » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن زيد بن نفيع « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : أرأيت لو وجدت مع أهلك رجلاً كيف كنت صانعاً؟ قال : إذاً لقتلته . ثم قال لعمر . . فقال مثل ذلك . فتتابع القوم على قول أبي بكر وعمر . ثم قال لسهيل بن البيضاء . . قال : كنت أقول لعنك الله فأنت خبيثة ، ولعنك الله فأنت خبيث ، ولعن الله أول الثلاثة منا يخرج هذا الحديث . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تأوّلت القرآن يا ابن البيضاء لو قتله قتل به ، ولو قذفه جلد ، ولو قذفها لاعنها » .(7/246)
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { والذين يرمون أزواجهم } قال : هو الرجل يرمي زوجته بالزنا { ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } يعني ليس للرجل شهداء غيره ان امرأته قد زنت ، فرفع ذلك إلى الحكام فشهادة أحدهم - يعني الزوج - يقوم بعد الصلاة في المسجد فيحلف أربع شهادات بالله ويقول : أشهد بالله الذي لا إله إلا هو أن فلانة - يعني امرأته - زانية . والخامسة أن لعنة الله عليه - يعني على نفسه - ان كان من الكاذبين في قوله . ويدرأ يدفع الحكام عن المرأة العذاب - يعني الحد - أن تشهد أربع شهادات بالله أنه - يعني زوجها - لمن الكاذبين . فتقوم المرأة مقام زوجها فتقول أربع مرات أشهد بالله الذي لا إله إلا هو أني لست بزانية ، وإن زوجي لمن الكاذبين . والخامسة أن غضب الله عليها - يعني على نفسها - إن كان زوجها من الصادقين .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين } قال : فإن هي اعترفت رجمت ، وإن هي أبت يدرأ عنها العذاب قال : عذاب الدنيا { أن تشهد أربع شهادات بالله إِنه لمن الكاذبين ، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين } . ثم يفرق بينهما وتعتد عدة المطلقة .
وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب قال : لا يجتمع المتلاعنان أبداً .
وأخرج عبد الرزاق عن علي وابن مسعود . مثله .
وأخرج عبد الرزاق عن الشعبي قال : اللعان أعظم من الرجم .
وأخرج عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب قال : وجبت اللعنة على أكذبهما .
وأخرج البزار عن جابر قال : ما نزلت آية التلاعن إلا لكثرة السؤال .
وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة قال : « لما نزلت هذه الآية قال سعد بن عبادة : إني لو رأيت أهلي ومعها رجل أنتظر حتى آتي بأربعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . قال : والذي بعثك بالحق لو رأيته لعاجلته بالسيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » يا معشر الأنصار اسمعوا ما يقول سيدكم ان سعداً لغيور ، وأنا أغير منه ، والله أغير مني « » .
وأخرج ابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن مردويه عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية الملاعنة « أيما امرأة أدخلت على قوم ما ليس منهم فليست من الله في شيء ، ولن يدخلها الله جنته . وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة ، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين » .(7/247)
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)
أخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري وعبد بن حميد ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج إلى سفر أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه .
قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي ، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما نزل الحجاب وأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك ، وقفل فدنونا من المدينة قافلين . آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع ، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلهن اللحم ، إنما تأكل المرأة العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل فساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فيممت منزلي الذي كنت به فظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي .
فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت . وكان صفوان بن المعطل السلمي ، ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني كلمة واحدة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته فوطىء على يديها ، فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد أن نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك في من هلك .
وكان الذي تولى الإِفك عبدالله بن أبي ابن سلول . فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهراً ، والناس يفيضون في قول أصحاب الإِفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل عليَّ فيسلم ثم يقول : كيف تيكم؟ ثم ينصرف . فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهي متبرزنا ، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط . فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم مسطح ، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي قد أشرعنا من ثيابنا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح فقلت لها : بئس ما قلت اتسبين رجلاً شهد بدراً! قالت : أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال!؟ قلت : وما قال .(7/248)
. ؟ فأخبرتني بقول أهل الإِفك ، فازددت مرضاً على مرضي .
فلما رجعت إلى بيتي دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال : « كيف تيكم » ؟ فقلت : أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت : - وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما - قالت : فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت لأبوي فقلت لأمي يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ قالت يا بينة هوّني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها ، فقلت - سبحان الله - ولقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا اكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، وأسامة بن زيد ، حين استبلث الوحي يستأمرهما في فراق أهله . فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود فقال يا رسول الله : أهلك ولا نعلم إلا خيراً ، وأما علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله : لم يضيّق الله عليك والنساء سواها كثير ، وان تسأل الجارية تصدقك . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال : « أي بريرة هل رأيت شيئاً يريبك » ؟ قالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق ان رأيت عليها أمراً أغمصه أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله .
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر يومئذ من عبدالله بن أبي فقال وهو على المنبر : « يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً ، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي » فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من بني الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية فقال لسعد : كذبت لعمر الله ما تقتله ولا تقدر على قتله . فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة : كذبت لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين . فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت .(7/249)
فبكيت يومي ذلك فلا يرقا لي دمع ولا أكتحل بنوم ، فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوماً لا أكتحل بنوم ولا يرقا لي دمع ، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي . فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي ، فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس ولم يجلس عندي منذ قيل فيّ ما قيل قبلها وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء ، فَتَشَهَّدْ حين جلس ثم قال : « أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا . . فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه » فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن : إني والله لقد علمت أنكم سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم - وصدقتم به ، فلئن قلت لكم إني برئية - والله يعلم أني برئية - لا تصدقوني ولئن اعترف لكم بأمر - والله يعلم أني منه بريئة - لتصدقني والله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } [ يوسف : 18 ] .
ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحياً يتلى ، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئني الله بها قالت : فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه ، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سري عنه وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال : « ابشري يا عائشة أما الله فقد برأك » فقالت أمي : قومي إليه فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله الذي أنزل براءتي . وأنزل الله { إن الذين جاءوا بالإِفك عصبة منكم } العشر الآيات كلها .(7/250)
فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر : وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال ، فأنزل الله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين } [ النور : 22 ] إلى قوله { رحيم } قال أبو بكر : والله إني أحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال : والله لا أنزعها منه أبداً قالت عائشة : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال : « يا زينب ماذا عملت أو رأيت » ؟ فقالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ما علمت إلا خيراً قالت : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإِفك .
وأخرج البخاري والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عائشة قالت : لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به . قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطيبا ، فتشهد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « أما بعد أشيروا عليَّ في أناس أنبوا أهلي - وأيم الله - ما علمت على أهلي سوء ، وأنبوهم بمن - والله - ما علمت عليه من سوء قط ، ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر ، ولا غبت في سفر إلا غاب معي » ، فقام سعد بن معاذ فقال : ائذن لي يا رسول الله أن تضرب أعناقهم ، وقام رجل من بني الخزرج وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل فقال : كذبت أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شرقي المسجد وما علمت .
فلما كان مساء ذلك اليوم ، خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح ، فعثرت فقالت : تعس مسطح فقلت : أي أم تسبين ابنك؟ فسكتت ثم عثرت الثانية فقالت : تعس مسطح فقلت لها : أي أم تسبين ابنك؟ ثم عثرت الثالثة فقالت : تعس مسطح فانتهرتها فقالت : والله لم أسبه إلا فيك فقلت : في أي شأني؟! فقرأت لي الحديث . فقلت وقد كان هذا! قالت : نعم . والله . .
فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلاً ولا كثيراً ، ووعكت فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسلني إلى بيت أبي ، فأرسل معي الغلام ، فدخلت الدار ، فوجدت أم رومان في السفل وأبا بكر فوق البيت يقرأ . فقالت أمي : ما جاء بك يا بنية؟ فأخبرتها وذكرت لها الحديث ، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني . فقالت : يا بنية خففي عليك الشأن ، فإنه - والله - لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا حسدتها وقيل فيها .(7/251)
قلت : وقد علم به أبي؟ قالت : نعم . قلت : ورسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : نعم . فاستعبرت ، وبكيت ، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق بيت يقرأ ، فنزل فقال لأمي : ما شأنها؟ قالت : بلغها الذي ذكر من شأنها ففاضت عيناه فقال : أقسمت عليك أي بنية إلا رجعت إلى بيتك ، فرجعت .
ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فسأل عني خادمي فقالت : لا والله ما علمت عليها عيباً إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة ، فتأكل خميرها أو عجينها ، وانتهرها بعض أصحابه فقال : اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسقطوا لهابه فقالت - سبحان الله - ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر ، فبلغ إلى ذلك الرجل الذي قيل له فقال - سبحان الله - والله ما كشفت كنف أنثى قط قالت : فقتل شهيداً في سبيل الله قالت : وأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى العصر ، ثم دخل وقد اكتنفني أبواي عن يميني وشمالي ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « أما بعد يا عائشة ان كنت قارفت سوءاً ، أو ظلمت ، فتوبي إلى الله ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده » .
قالت : وقد جاءت إمرأة من الأنصار فهي جالسة بالباب فقلت : ألا تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئاً ، فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إلى أبي فقلت : أجبه قال : ماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت : أجيبيه قالت : أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه تشهدت ، فحمدت الله وأثنيت عليه ، ثم قلت : أما بعد - فوالله - لئن قلت لكم أني لم أفعل - والله يشهد أني لصادقة - ما ذاك بنافعي عندكم ، وقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم . وإن قلت : إني فعلت - والله يعلم أني لم أفعل - لتقولن قد باءت به على نفسها وأني - والله - لا أجد لي ولكم مثلاً . والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه إلا أبا يوسف حين قال { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } [ يوسف : 18 ] .
وأنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساعته فسكتنا ، فرفع عنه . وإني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه ويقول : « ابشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك » قالت : وقد كنت أشد مما كنت غضباً فقال لي أبواي : قومي إليه فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمده ، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي . لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه ، وكانت عائشة تقول : أما زينب بنت جحش فعصمها الله بدينها ، فلم تقل إلا خيراً ، وأما أختها حمنة ، فهلكت فيمن هلك ، وكان الذي تكلم فيها مسطح ، وحسان بن ثابت ، والمنافق عبدالله بن أبي ، وهو الذي كان يستوشيه ويجمعه ، وهو الذي كان تولى كبره منهم ، هو وحمنة قالت : فحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحاً بنافعة أبداً ، فأنزل الله(7/252)
{ ولا يأتل أولوا الفضل منكم } [ النور : 22 ] . . إلى آخر الآية . يعني أبا بكر . { والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين } يعني مسطحاً . إلى قوله { ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم } قال أبو بكر : بلى والله إنا نحب أن يغفر الله لنا ، وعاد له كما كان يصنع .
وأخرج أحمد والبخاري وسعيد بن منصور وابن منذر وابن مردويه عن أم رومان قالت : بينا أنا عند عائشة ، إذا دخلت عليها امرأة فقالت : فعل الله بابنها وفعل فقالت عائشة : ولم؟ قالت : إنه كان فيمن حدث الحديث قالت عائشة : وأي حديث؟ قالت : كذا وكذا قلت : وقد بلغ ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : نعم . . قلت : وأبا بكر؟ قالت : نعم . . فخرت عائشة مغشياً عليها ، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض ، فقمت فزبرتها ، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما شأن هذه؟ قلت : يا رسول الله أخذتها حمى بنافض قال : فلعله من حديث تحدث به .
قالت واستوت عائشة قاعدة فقالت : والله لئن حلفت لا تصدقوني . ولئن اعتذرت إليكم لا تعذروني ، فمثلى ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه ، { والله المستعان على ما تصفون } وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عذرها ، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أبو بكر فدخل فقال : يا عائشة إن الله قد أنزل عذرك فقالت : بحمد الله لا بحمدك فقال لها أبو بكر : أتقولين هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! قالت نعم . .
قالت : وكان فيمن حدث الحديث رجل كان يعوله أبو بكر ، فحلف أبو بكر أن لا يصلح ، فأنزل الله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة . . } إلى آخر الآية قال أبو بكر : بلى . . فوصله .
وأخرج البزار وابن مردويه بسند حسن عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اراد سفراً أقرع بين نسائه ، فأصاب عائشة القرعة في غزوة بني المصطلق ، فلما كان في جوف الليل انطلقت عائشة لحاجة فانحلت قلادتها ، فذهبت في طلبها ، وكان مسطح يتيماً لأبي بكر وفي عياله ، فلما رجعت عائشة لم تَرَ العسكر ، وكان صفوان بن المعطل السلمي يتخلف عن الناس ، فيصيب القدح والجراب والاداوة فيحمله ، فنظر فإذا عائشة ، فغطى وجهه عنها ثم أدنى بعيره منها ، فانتهى إلى العسكر فقالوا قولاً؛ وقالوا فيه قال : ثم ذكر الحديث حتى انتهى ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيء ، فيقوم على الباب فيقول : « كيف تيكم؟ » حتى جاء يوماً فقال : ابشري يا عائشة قد أنزل الله عذرك فقالت : بحمد الله لا بحمدك وأنزل في ذلك عشر آيات { إن الذين جاءوا بالإِفك عصبة منكم } فحد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسطحاً ، وحمنة ، وحسان .(7/253)
وأخرج ابن مردويه بسنده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر جاء ببعض نسائه . وسافر بعائشة وكان لها هودج ، وكان الهودج له رجال يحملونه . ويضعونه ، فعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وخرجت عائشة للحاجة فباعدت ، فلم يعلم بها ، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم والناس قد ارتحلوا ، وجاء الذين يحملون الهودج ، فحملوه فلم يعلموا إلا أنها فيه ، فساروا ، وأقبلت عائشة فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم والناس قد ارتحلوا ، فجلست مكانها ، فاستيقظ رجل من الأنصار يقال له صفوان بن المعطل ، وكان لا يقرب النساء ، فتقرب منها ومعه بعير له ، فلما رآها وكان قد عرفها وهي صغيرة قال : أم المؤمنين! ولوى وجهه ، وحملها ثم أخذ بخطام الجمل ، وأقبل يقوده حتى لحق الناس .
والنبي صلى الله عليه وسلم قد نزل وفقد عائشة ، فأكثروا القول وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فشق عليه حتى اعتزلها ، واستشار فيها زيد بن ثابت وغيره فقال : يا رسول الله دعها لعل الله أن يحدث أمره فيها فقال علي بن أبي طالب : النساء كثير . وخرجت عائشة ليلة تمشي في نساء فعثرت أم مسطح فقالت : تعس مسطح قالت عائشة : بئس ما قلت فقالت : إنك لا تدري ما يقول فأخبريها . فسقطت عائشة مغشياً عليها ، ثم أنزل الله { إن الذين جاءُوا بالإِفك . . } الآيات .
وكان أبو بكر يعطي مسطحاً ويصله ويبره ، فحلف أبو بكر لا يعطيه ، فنزل { ولا يأتل أولوا الفضل منكم . . . } فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيها ويبشرها ، فجاء أبو بكر فأخبرها بعذرها ، وما أنزل الله فيها فقالت : بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد صاحبك .
وأخرج الطبراني وابن مردويه بسنده عن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ثلاثاً ، فمن أصابته القرعة خرج بها معه ، فلما غزا بني المصطلق ، أقرع بينهن ، فأصابت عائشة ، وأم سلمة ، فخرج بهما معه ، فلما كانوا في بعض الطريق ، مال رحل أم سلمة ، فأناخوا بعيرها ليصلحوا رحلها ، وكانت عائشة تريد قضاء حاجة ، فلما أبركوا إبلهم قالت عائشة : فقلت في نفسي إلى ما يصلح رحل أم سلمة أقضي حاجتي . قالت فنزلت من الهودج ولم يعلموا بنزولي . فأتيت خربة ، فانقطعت قلادتي ، فاحتبست في جمعها ونظامها ، وبعث القوم إبلهم ومضوا وظنوا أني في الهودج ، فخرجت ولم أر أحداً ، فاتبعتهم حتى أعييت . فقلت في نفسي : إن القوم سيفقدوني ويرجعون في طلبي ، فقمت على بعض الطريق ، فمر بي صفوان بن المعطل وكان سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله على الساقة فجعله .(7/254)
وكان إذا رحل الناس قام يصلي ثم اتبعهم ، فما سقط منهم من شيء حمله حتى يأتي به أصحابه قالت عائشة : فلما مر بي ظن أني رجل فقال : يا نومان قم فإن الناس قد مضوا فقلت : إني لست رجلاً ، أنا عائشة قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم أناخ بعيره ، فعقل يديه ، ثم ولى عني ، فقال يا أمه : قومي فاركبي ، فإذا ركبت فآذنيني قالت : فركبتُ ، فجاء حتى خلَّ العقال ثم بعث جمله فأخذ بخطام الجمل قال عمر : فما كلمها كلاماً حتى أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال عبدالله بن أبي ابن سلول للناس : فجربها ورب الكعبة . وأعانه على ذلك حسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة ، وشاع ذلك في العسكر ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان في قلب النبي صلى الله عليه وسلم مما قالوا حتى رجعوا إلى المدينة ، وأشاع عبدالله بن أبي هذا الحديث في المدينة ، واشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قالت عائشة : فدخلت ذات يوم أم مسطح ، فرأتني وأنا أريد المذهب ، فحملت معي السطل وفيه ماء ، فوقع السطل منها فقالت : تعس مسطح قالت لها عائشة - سبحان الله - تسبين رجلاً من أهل بدر وهو ابنك؟ قالت لها أم مسطح : أنه سال بك السيل وأنت لا تدرين وأخبرتها بالخبر . قالت : فلما أخبرتني أخذتني الحمى بنافض مما كان ، ولم أجد المذهب .
قالت عائشة : وقد كنت أرى من النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك جفوة ، ولم أدر من أي شيء هو ، فلما حدثتني أم مسطح علمت أن جفوة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذاك ، فلما دخل عليَّ قلت : تأذن لي أن أذهب إلى أهلي؟ قال : اذهبي ، فخرجت عائشة حتى أتت أباها فقال لها : ما لك؟ قلت : اخرجني رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته قال لها أبو بكر : فأخرجك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته وآويك أنا ، والله لا آويك حتى يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤويها فقال لها أبو بكر : والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية قط فكيف وقد أعزنا الله بالإِسلام؟ فبكت عائشة ، وأمها أم رومان ، وأبو بكر ، وعبد الرحمن ، وبكى معهم أهل الدار .
وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه فقال : « أيها الناس من يعذرني ممن يؤذيني » ؟ فقام إليه سعد بن معاذ ، فسل سيفه وقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه؟ إن يكن من الأوس أتيتك برأسه ، وإن يكن من الخزرج أمرتنا بأمرك فيه ، فقام سعد بن عبادة فقال : كذبت والله ما تقدر على قتله ، إنما طبتنا بذحول كانت بيننا وبينكم في الجاهلية فقال هذا : يال الأوس وقال هذا : يال الخزرج .(7/255)
فاضطربوا بالنعال والحجارة فتلاطموا ، فقام أسيد بن حضير فقال : فيم الكلام؟ هذا رسول الله يأمرنا بأمره فنفعله عن رغم أنف من رغم .
ونزل جبريل وهو على المنبر ، فلما سري عنه ، تلا عليهم ما نزل به جبريل { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا . . } [ الحجرات : 9 ] إلى آخر الآيات فصاح الناس : رضينا بما أنزل الله وقام بعضهم إلى بعض ، وتلازموا ، وتصايحوا ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم عن المنبر .
وأبطأ الوحي في عائشة ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب ، وأسامة بن زيد ، وبريرة ، وكان إذا أراد أن يستشير في أمر أهله لم يعد علياً ، وأسامة بن زيد ، بعد موت أبيه زيد فقال لعلي : « ما تقول في عائشة فقد أهمني ما قال الناس » ؟ قال : يا رسول الله قد قال الناس ، وقد حل لك طلاقها ، وقال لأسامة : « ما تقول أنت » ؟ قال - سبحان الله - ما يحل لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم . فقال لبريرة : « ما تقولين يا بريرة » ؟ قالت والله يا رسول الله ما علمت على أهلك إلا خيراً ، إلا أنها امرأة نؤم تنام حتى تجيء الداجن ، فتأكل عجينها وإن كان شيء من هذا ليخبرنك الله .
فخرج صلى الله عليه وسلم حتى أتى منزل أبي بكر ، فدخل عليها فقال : « يا عائشة إن كنت فعلت هذا الأمر فقولي لي حتى أستغفر الله لك » فقالت : والله لا أستغفر الله منه أبداً . إن كنت قد فعلته فلا غفر الله لي ، وما أجد مثلي ومثلكم إلا مثل أبي يوسف ، اذهب اسم يعقوب من الأسف قال { إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون } [ يوسف : 86 ] .
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمها إذ نزل جبريل بالوحي ، فأخذت النبي صلى الله عليه وسلم نعسة ، فسري وهو يبتسم فقال : « يا عائشة إن الله قد أنزل عذرك » فقالت : بحمد الله لا بحمدك . فتلا عليها سورة النور إلى الموضع الذي انتهى إلى عذرها وبراءتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قومي إلى البيت فقامت » .
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، فدعا أبا عبيدة بن الجراح ، فجمع الناس ، ثم تلا عليهم ما أنزل الله من البراءة لعائشة ، وبعث إلى عبدالله بن أبي ، فجيء به ، فضربه النبي صلى الله عليه وسلم حدين ، وبعث إلى حسان ، ومسطح ، وحمنة ، فضربوا ضرباً وجيعاً ووجيء في رقابهم قال ابن عمر : إنما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن أبي حدين لأنه من قذف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعليه حدان .(7/256)
فبعث أبو بكر إلى مسطح لا وصلتك بدرهم أبداً ، ولا عطفت عليك بخير أبداً ، ثم طرده أبو بكر وأخرجه من منزله . ونزل القرآن { ولا يأتل أولوا الفضل منكم } إلى آخر الآية . فقال أبو بكر : أما إذ نزل القرآن يأمرني فيك لأضاعفن لك .
وكانت امرأة عبدالله بن أبيّ منافقَةً معه ، فنزل القرآن { الخبيثات } يعني امرأة عبدالله { للخبيثين } يعني عبدالله { والخبيثون للخبيثات } عبدالله وامرأته { والطيبات } يعني عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم { للطيبين } يعني النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي اليسر الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : يا عائشة قد أنزل الله عذرك قالت : بحمد الله لا بحمدك . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند عائشة ، فبعث إلى عبدالله بن أبي ، فضربه حدين ، وبعث إلى مسطح ، وحمنة ، فضربهم .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس { إن الذين جاءُوا بالإِفك عصبة منكم } يريد أن الذين جاءوا بالكذب على عائشة أم المؤمنين أربعة منكم { لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم } يريد خيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبراءة لسيدة نساء المؤمنين ، وخير لأبي بكر ، وأم عائشة ، وصفوان بن المعطل { لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإِثم والذي تولى كبره منهم } يريد إشاعته منهم يريد عبدالله بن أبي بن سلول { له عذاب عظيم } يريد في الدنيا جلده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الآخرة مصيره إلى النار { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين } وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار فيها بريرة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : خير وقالوا : هذا كذب عظيم { لولا جاءُوا عليه بأربعة شهداء } لكانوا هم والذين شهدوا كاذبين { فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } يريد الكذب بعينه { ولولا فضل الله عليكم ورحمته } يريد ولولا ما من الله به عليكم وستركم { هذا بهتان عظيم } يريد البهتان الافتراء مثل قوله في مريم بهتاناً عظيماً { يعظكم الله أن تعودوا لمثله } يريد مسطحاً ، وحمنة ، وحسان { ويبين الله لكم الآيات } التي أنزلها في عائشة والبراءة لها { والله عليم } بما في قلوبكم من الندامة فيما خضتم به { حكيم } في القذف ثمانين جلدة { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة } يريد بعد هذا { في الذين آمنوا } يريد المحصنين والمحصنات من المصدقين { لهم عذاب أليم } وجيع في الدنيا يريد الحد ، وفي الآخرة العذاب في النار { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } ما دخلتم فيه وما فيه من شدة العذاب وأنتم لا تعلمون شدة سخط الله على من فعل هذا .
{ ولولا فضل الله عليكم } يريد لولا ما تفضل الله به عليكم { ورحمته } يريد مسطحاً ، وحمنة ، وحسان { وإن الله رؤوف رحيم } يريد من الرحمة رؤوف بكم حيث ندمتم ورجعتم إلى الحق { يا أيها الذين آمنوا } يريد صدقوا بتوحيد الله { لا تتبعوا خطوات الشيطان } يريد الزلات { فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر } يريد بالفحشاء عصيان الله ، والمنكر كل ما يكره الله تعالى { ولولا فضل الله عليكم ورحمته } يريد ما تفضل الله به عليكم ورحمكم { ما زكى منكم من أحد أبداً } يريد ما قبل توبة أحد منكم أبداً { ولكن الله يزكي من يشاء } فقد شئت أن يتوب عليكم { والله سميع عليم } يريد سميع لقولكم عليم بما في أنفسكم من الندامة .(7/257)
{ ولا يأتل } يريد ولا يحلف { أولوا الفضل منكم والسعة } يريد ولا يحلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح { أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا } فقد جعلت فيك يا أبا بكر الفضل ، وجعلت عندك السعة والمعرفة بالله ، فسخطت يا أبا بكر على مسطح فله قرابة ، وله هجرة ، ومسكنة ، ومشاهد رضيتها منه يوم بدر { ألا تحبون } يا أبا بكر { أن يغفر الله لكم } يريد فاغفر لمسطح { والله غفور رحيم } يريد فإني غفور لمن أخطأ ، رحيم بأوليائي .
{ إن الذين يرمون المحصنات } يريد العفائف { الغافلات المؤمنات } يريد المصدقات بتوحيد الله وبرسله وقد قال حسان بن ثابت في عائشة :
حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت عائشة : لكنك لست كذلك { لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } يقول أخرجهم من الإِيمان مثل قوله في سورة الأحزاب للمنافقين { ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتِّلوا تقتيلاً } [ الأحزاب : 61 ] .
{ والذي تولى كبره } يريد كبر القذف وإشاعته عبدالله بن أبي الملعون { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } يريد أن الله ختم على ألسنتهم فشهدت الجوارح ، وتكلمت على أهلها بذلك ، وذلك أنهم قالوا تعالوا نحلف بالله ما كنا مشركين ، فختم الله على ألسنتهم ، فتكلمت الجوارح بما عملوا ، ثم شهدت ألسنتهم عليهم بعد ذلك . { يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق } يريد يجازيهم بأعمالهم بالحق ، كما يجازي أولياءه بالثواب ، كذلك يجازي أعداءه بالعقاب ، كقوله في الحمد { مالك يوم الدين } يريد يوم الجزاء { ويعلمون } يريد يوم القيامة { أن الله هو الحق المبين } وذلك أن عبدالله بن أبي كان يشك في الدنيا ، وكان رأس المنافقين فذلك قوله { يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق } ويعلم ابن سلول { إن الله هو الحق المبين } يريد انقطع الشك واستيقن حيث لا ينفعه اليقين .
{ الخبيثات للخبيثين } يريد أمثال عبدالله بن أبي ، ومن شك في الله ويقذف مثل سيدة نساء العالمين { والطيبات للطيبين } عائشة طيبها الله لرسوله . أتى بها جبريل في سرقة من حرير قبل أن تصور في رحم أمها فقال له : عائشة بنت أبي بكر زوجتك في الدنيا ، وزوجتك في الجنة عوضاً من خديجة ، وذلك عند موتها بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقر بها عيناه .(7/258)
{ والطيبون للطيبات } يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبه الله لنفسه ، وجعله سيد ولد آدم { والطيبات } يريد عائشة { أولئك مبرأون مما يقولون } يريد برأها الله من كذب عبدالله بن أبي { لهم مغفرة } يريد عصمة في الدنيا { ومغفرة } في الآخرة { ورزق كريم } يريد الجنة وثواب عظيم .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن سعيد بن جبير { إن الذين جاءوا بالإِفك } الكذب { عصبة منكم } يعني عبدالله بن أبي المنافق ، وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش ، { لا تحسبوه شراً لكم } يقول لعائشة وصفوان : لا تحسبوا الذي قيل لكم من الكذب { شراً لكم بل هو خير لكم } لأنكم تؤجرون على ذلك { لكل امرئ منهم } يعني ممن خاض في أمر عائشة { ما اكتسب من الإِثم } على قدر ما خاض فيه من أمرها { والذي تولى كبره } يعني خطه منهم يعني القذفة وهو ابن أبي رأس المنافقين ، وهو الذي قال : ما برئت منه ، وما برىء منها { له عذاب عظيم } وفي هذه الآية عبرة عظيمة لجميع المسلمين إذا كانت فيهم خطيئة فمن أعان عليها بفعل ، أو كلام ، أو عرض لها ، أو أعجبه ذلك ، أو رضي ، فهو في تلك الخطيئة على قدر ما كان منه ، وإذا كان خطيئة بين المسلمين فمن شهد وكره فهو مثل الغائب ، ومن غاب ورضي فهو مثل شاهد .
{ لولا إذ سمعتموه } قذف عائشة وصفوان { ظن المؤمنون والمؤمنات } لأن منهم حمنة بنت جحش هلا كذبتم به { بأنفسهم خيراً } هلا ظن بعضهم ببعض خيراً أنهم لم يزنوا { وقالوا هذا إِِفك مبين } الا قالوا هذا القذف كذب بين { لولا جاءوا عليه } يعني على القذف { بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك } يعني الذين قذفوا عائشة { عند الله هم الكاذبون } في قولهم { ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة } من تأخير العقوبة { لمسكم فيما أفضتم فيه } يعني فيما قلتم من القذف { عذاب عظيم ، إذ تلقونه بألسنتكم } وذلك حين خاضوا في أمر عائشة فقال بعضهم : سمعت فلاناً يقول كذا وكذا وقال بعضهم : بل كان كذا وكذا فقال { تلقونه بألسنتكم } يقول : يرويه بعضكم عن بعض { وتقولون بأفواهكم } يعني بألسنتكم من قذفها { ما ليس لكم به علم } يعني من غير أن تعلموا أن الذي قلتم من القذف حق { وتحسبونه هيناً } تحسبون أن القذف ذنب هين { وهو عند الله عظيم } يعني من الزور { لولا إذ سمعتموه } يعني القذف { قلتم ما يكون } يعني ألا قلتم ما يكون { ما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا } ولم تره أعيننا { سبحانك هذا بهتان عظيم } يعني ألا قلتم هذا كذب عظيم مثل ما قال سعد بن معاذ الأنصاري : وذلك أن سعداً لما سمع قول من قال في أمر عائشة قال { سبحانك هذا بهتان عظيم } والبهتان الذي يبهت فيقول ما لم يكن .(7/259)
{ يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً } يعني القذف { إن كنتم مؤمنين } يعني مصدقين { ويبين الله لكم الآيات } يعني ما ذكر من المواعظ { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة } تفشوا ويظهر الزنا { لهم عذاب أليم في الدنيا } بالحد { وفي الآخرة عذاب النار } .
{ ولولا فضل الله } لعاقبكم بما قلتم لعائشة { وإن الله رؤوف رحيم } حين عفا عنكم فلم يعاقبكم { ومن يتبع خطوات الشيطان } يعني تزيينه { فإنه يأمر بالفحشاء } يعني بالمعاصي { والمنكر } ما لا يعرف مثل ما قيل لعائشة { ولولا فضل الله عليكم ورحمته } يعني نعمته { ما زكا } ما صلح { ولكن الله يزكي } يصلح { من يشاء } .
فلما أنزل الله عذر عائشة ، وبرأها ، وكذب الذين قذفوها ، حلف أبو بكر أن لا يصل مسطح بن أثاثة بشيء أبداً ، لأنه كان فيمن ادعى على عائشة من القذف ، وكان مسطح من المهاجرين الأولين ، وكان ابن خالة أبي بكر ، وكان يتيماً في حجره فقيراً ، فلما حلف أبو بكر أن لا يصله نزلت في أبي بكر { ولا يأتل } أي ولا يحلف { أولوا الفضل منكم } يعني في الغنى أبا بكر الصديق { والسعة } يعني في الرزق { أن يؤتوا أولي القربى } يعني مسطح بن أثاثة قرابة أبي بكر وابن خالته { والمساكين } يعني أن مسطحاً كان فقيراً { والمهاجرين في سبيل الله } يعني أن مسطحاً كان من المهاجرين { وليعفوا وليصفحوا } يعني ليتجاوزوا عن مسطح { ألا تحبون أن يغفر الله لكم } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : أما تحب أن يغفر الله لك قال : بلى يا رسول الله قال : فاعف واصفح فقال أبو بكر : قد عفوت وصفحت لا أمنعه معروفاً بعد اليوم .
{ إن الذين يرمون المحصنات } يعني يقذفون بالزنا الحافظات لفروجهن العفائف { الغافلات } يعني عن الفواحش يعني عائشة { المؤمنات } يعني الصادقات { لعنوا } يعني جلدوا { في الدنيا والآخرة } يعذبون بالنار يعني عبدالله بن أبي لأنه منافق له عذاب عظيم .
{ يوم تشهد عليهم ألسنتهم } يعني من قذف عائشة يوم القيامة { يومئذ } يعني في الآخرة { يوفيهم الله دينهم الحق } حسابهم العدل لا يظلمهم { ويعلمون أن الله هو الحق المبين } يعني العدل المبين { الخبيثات } يعني السيء من الكلام قذف عائشة { للخبيثين } من الرجال والنساء يعني الذين قذفوها { والخبيثون } يعني من الرجال والنساء { للخبيثات } يعني السيء من الكلام لأنه يليق بهم الكلام السيء { والطيبات } يعني الحسن من الكلام { للطيبين } من الرجال والنساء يعني الذين ظنوا بالمؤمنين والمؤمنات خيراً { والطيبون } من الرجال والنساء { للطيبات } للحسن من الكلام لأنه يليق بهم الكلام الحسن { أولئك } يعني الطيبين من الرجال والنساء { مبرأون مما يقولون } هم براء من الكلام السيء { لهم مغفرة } يعني لذنوبهم { ورزق كريم } يعني حسنا في الجنة فلما أنزل الله عذر عائشة ضمها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نفسه وهي من أزواجه في الجنة .(7/260)
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : أنزل الله عذري وكادت الأمة تهلك في سببي ، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرج الملك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : « اذهب إلى ابنتك ، فاخبرها أن الله قد أنزل عذرها من السماء » قالت : فأتاني أبي وهو يعدو يكاد أن يعثر فقال : ابشري يا بنية بأبي وأمي ، فإن الله قد أنزل عذرك قلت : بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد صاحبك الذي أرسلك ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتناول ذراعي فقال بيده هكذا ، فأخذ أبو بكر النعل ليعلوني بها ، فمنعته أمي ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أقسمت لا تفعل .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : والله ما كنت أرجو أن ينزل فيّ كتاب الله ، ولا أطمع فيه ، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا فيذهب ما في نفسه وقد سأل الجارية الحبشية فقالت : والله لعائشة أطيب من طيب الذهب ، ولكنها ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل عجينها ، والله لئن كان ما يقول الناس حقاً ليخبرنك الله . فعجب الناس من فقهها .
وأخرج الطبراني عن الحكم ابن عتيبة قال : « لما خاض الناس في أمر عائشة ، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة فقال : يا عائشة ما يقول الناس؟ فقالت : لا أعتذر من شيء قالوه حتى ينزل عذري من السماء . فأنزل الله فيها خمس عشرة آية من سورة النور ، ثم قرأ حتى بلغ { الخبيثات للخبيثين } » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : نزلت ثمان عشرة آية متواليات بتكذيب من قذف عائشة وببراءتها .
وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه بسند صحيح عن عائشة قالت : لما رميت بما رميت به ، هممت أن آتي قليباً فاطرح نفسي فيه .
وأخرج البزار بسند صحيح عن عائشة : أنه لما نزل عذرها قبَّل أبو بكر رأسها فقالت : الا عذرتني؟ فقال : أي أسماء تظلني وأي أرض تقلني إن قلت ما لا أعلم .
وأخرج أحمد عن عائشة قالت : لما نزل عذري من السماء ، جاءني النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرني بذلك ، فقلت : بحمد الله لا بحمدك .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه والطبراني والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزل عذري ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، فذكر ذلك وتلا القرآن ، فلما نزل .(7/261)
. أمر برجلين وامرأة ، فضربوا حدين .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن عبد الله بن جحش قال : تفاخرت عائشة وزينب فقالت زينب : أنا التي نزل تزويجي وقالت عائشة : وأنا التي نزل عذري في كتابه حين حملني ابن المعطل فقالت لها زينب : يا عائشة ما قلت حين ركبتيها؟ قالت : قلت حسبي الله ونعم الوكيل قالت : قلتِ كلمة المؤمنين .
وأخرج البخاري وابن مردويه عن ابن عباس : أنه دخل على عائشة قبل موتها وهي مغلوبة فقال : كيف تجدينك؟ قالت : بخير إن اتقيت قال : فأنت بخير . زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكح بكراً غيرك ، ونزل عذرك من السماء .
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت : خلال فيَّ تسع لم تكن لأحد إلا ما آتى الله مريم ، جاء الملك بصورتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتزوجني وأنا ابنة سبع سنين ، وأهديت إليه وأنا ابنة تسع ، وتزوّجني بكراً ، وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد ، وكنت من أحب الناس إليه ، ونزل فيَّ آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيها ، ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري ، وقبض في بيتي لم يله أحد غير الملك إلا انا .
وأخرج ابن سعد عن عائشة قالت : فضلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعشر . قيل ما هن يا أم المؤمنين؟ قالت : لم ينكح بكراً قط غيري ، ولم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري ، وأنزل الله براءتي من السماء ، وجاءه جبريل بصورتي من السماء في حريرة وقال تزوّجها فإنها امرأتك ، وكنت أغتسل أنا وهو من اناء واحد ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري ، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري ، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري ، وقبض الله نفسه وهو بين سحري ونحري ، ومات في الليلة التي كان يدور عليَّ فيها ، ودُفِنَ في بيتي .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن مجاهد في قوله { إن الذين جاءُوا بالإفك عصبة منكم } قال : أصحاب عائشة عبد الله بن أبي ابن سلول ، ومسطح ، وحسان .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : الذين افتروا على عائشة حسان ، ومسطح ، وحمنة بنت جحش ، وعبد الله بن أبي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عروة : أن عبد الملك بن مروان كتب إليه يسأله عن الذين جاءوا بالإِفك ، فكتب إليه أنه لم يسم منهم إلا حسان ، ومسطح ، وحمنة بنت جحش ، في آخرين لا علم لي بهم .
وأخرج البخاري وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن الزهري قال : كنت عند الوليد بن عبد الملك فقال : الذي تولى كبره منهم علي .(7/262)
فقلت : لا . حدثني سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، كلهم سمع عائشة تقول : الذي تولى كبره عبد الله بن أبي قال : فقال لي فما كان جرمه؟ قلت : حدثني شيخان من قومك أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، أنهما سمعا عائشة تقول : كان مسيئاً في أمري .
وقال يعقوب بن شبة في مسنده : حدثنا الحسن بن علي الحلواني ، ثنا الشافعي ، ثنا عمي قال : دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال له : يا سليمان الذي تولى كبره من هو؟ قال : عبد الله بن أبي قال : كذبت وهو علي . قال أمير المؤمنين أعلم بما يقول فدخل الزهري فقال : يا ابن شهاب من الذي تولى كبره؟ فقال له : ابن أبي قال : كذبت . هو عليّ قال : أنا أكذب - لا أبا لك - لو نادى مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت . حدثني عروة ، وسعيد ، وعبيد الله ، وعلقمة ، عن عائشة : أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن مسروق قال : دخل حسان بن ثابت على عائشة رضي الله عنها فشبب وقال :
حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثي من لحوم الغوافل
قالت : لكنك لست كذلك قلت : تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل الله { والذي تولى كبره منهم لهم عذاب عظيم } قالت : وأي عذاب أشد من العمى؟! ولفظ ابن مردويه أو ليس في عذاب قد كف بصره؟
وأخرج ابن جرير من طريق الشعبي عن عائشة أنها قالت : ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان ، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة . قوله لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هشام :
هجوت محمداً وأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
فان أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
أتشتمه ولست له بكفء ... فشركما لخير كما الفداء
لساني صارم لا عيب فيه ... وبحري لا تكدره الدلاء
فقيل : يا أم المؤمنين أليس هذا لغو؟ قالت : لا إنما اللغو ما قيل عند النساء قيل : أليس الله يقول { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } ؟ قالت : أليس قد أصابه عذاب أليم؟ أليس قد أصيب بصره ، وكسع بالسيف ، وتعني الضربة التي ضربها إياه صفوان بن المعطل حين بلغه عنه أنه تكلم في ذلك فعلاه بالسيف وكاد يقتله؟؟
وأخرج محمد بن سعد عن محمد بن سيرين؛ أن عائشة كانت تأذن لحسان بن ثابت ، وتدعو له بالوسادة وتقول : لا تؤذوا حسان فإنه كان ينصر رسول الله بلسانه وقال الله { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } وقد عمي ، والله قادر أن يجعل ذلك العذاب العظيم عماه .(7/263)
وأخرج ابن جرير وابن ابي حاتم عن الضحاك { والذي تولى كبره منهم } يقول : الذي بدأ بذلك .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن مجاهد { والذي تولى كبره } قال : عبد الله بن أبي ابن سلول يذيعه .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : ذكر لنا أن الذي تولى كبره رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أحدهما من قريش ، والآخر من الأنصار؛ عبد الله بن أبي ابن سلول ولم يكن شرٌ قطُّ إلا وله قادة ورؤساء في شرهم .
وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين؛ أن عائشة كانت تأذن لحسان بن ثابت ، وتلقي له الوسادة وتقول : لا تقولوا لحسان إلا خيراً ، فإنه كان يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } وقد عمي ، والعمى عذاب عظيم ، والله قادر على أن يجعله ذلك ، ويغفر لحسان ، ويدخله الجنة .
وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عم مسروق قال في قراءة عبد الله « والذي تولى كبره منهم له عذاب أليم » .(7/264)
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن بعض الأنصار أن امرأة أبي أيوب قالت له حين قال أهل الإِفك ما قالوا : ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال : بلى وذلك الكذب أكنت أنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت : لا والله قال : فعائشة والله خير منك وأطيب ، إنما هذا كذب وإفك باطل ، فلما نزل القرآن ذكر الله من قال من الفاحشة ما قال من أهل الافك ، ثم قال { ولولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين } أي كما قال أبو أيوب وصاحبته .
وأخرج الواحدي وابن عساكر والحاكم عن أفلح مولى أبي أيوب أن أم أيوب قالت : ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال : بلى وذلك الكذب أفكنت يا أم أيوب فاعلة ذلك؟ قالت : لا والله قال : فعائشة والله خير منك . فلما نزل القرآن ، وذكر أهل الافك قال الله { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات } .(7/265)
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن مجاهد أنه قرأ { إذ تلقونه بألسنتكم } قال : يرويه بعضكم عن بعض .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { إذ تلقونه بألسنتكم } قال : يرويه بعضكم عن بعض .
وأخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن أبي مليكة قال : كانت عائشة تقرأ { إذ تلقونه بألسنتكم } وتقول : إنما هو ولق القول . والولق الكذب قال ابن أبي مليكة : هي أعلم به من غيرها لأن ذلك نزل فيها .
أما قوله تعالى : { وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم } .
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً ، يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض » .
وأخرج الطبراني عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة » .(7/266)
وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)
أخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : كان أبو أيوب الأنصاري حين أخبرته امرأته قالت : يا أبا أيوب ألا تسمع ما يتحدث الناس؟ فقال { ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم } .
وأخرج سنيد في تفسيره عن سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل في أمر عائشة قال : سبحانك! هذا بهتان عظيم .
وأخرج ابن أبي سمي في فوائده عن سعيد بن المسيب قال : كان رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعا شيئاً من ذلك قالا : سبحانك! هذا بهتان عظيم ، زيد بن حارثة ، وأبو أيوب .(7/267)
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه { يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً } قال يحرج الله عليكم .
وأخرج الفريابي والطبراني عن مجاهد في قوله { يعظكم الله } قال : ينهاكم .(7/268)
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن مجاهد { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة } قال : تظهر . يحدث عن شأن عائشة .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة } قال : يحبون أن يظهر الزنا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن خالد بن معدان قال : من حدث بما أبصرت عيناه ، وسمعت أذناه ، فهو من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : من أشاع الفاحشة فعليه النكال ، وإن كان صادقاً .
وأخرج البخاري في الأدب والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب قال : العامل الفاحشة ، والذي يشيع بها ، في الإِثم سواء .
وأخرج البخاري في الأدب عن شبل بن عون قال : كان يقال من سمع بفاحشة فأفشاها فهو فيها كالذي أبداها .
وأخرج أحمد عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا تؤذوا عباد الله ، ولا تعيروهم ، ولا تطلبوا عوراتهم . فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته » .(7/269)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ما زكا منكم } قال : ما اهتدى أحد من الخلائق لشيء من الخير .(7/270)
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولا يأتل أولوا الفضل } يقول : لا تقسموا أن لا تنفقوا على أحد .
وأخرج ابن المنذر عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان مسطح بن اثاثة ممن تولى كبره من أهل الإِفك ، وكان قريباً لأبي بكر ، وكان في عياله ، فحلف أبو بكر رضي الله عنه أن لا ينيله خيراً أبداً ، فأنزل الله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة } قالت : فأعاده أبو بكر إلى عياله وقال : لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا تحللتها ، وأتيت الذي هو خير .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم . . . . } قال : « نزلت هذه الآية في رجل من قريش يقال له مسطح ، كان بينه وبين أبي بكر قرابة ، وكان يتيماً في حجره ، وكان ممن أذاع على عائشة ما أذاع ، فلما أنزل الله براءتها وعذرها ، تألى أبو بكر لا يرزؤه خيراً ، فأنزل الله هذه الآية . فذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا أبا بكر ، فتلاها عليه فقال : ألا تحب أن يغفر الله لك؟ قال : بلى قال : فاعف عنه وتجاوز فقال أبو بكر : لا جرم . . . والله لا أمنعه معروفاً كنت أوليه قبل اليوم » .
وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : كان ذو قرابة لأبي بكر ممن كثر على عائشة ، فحلف أبو بكر لا يصله بشيء وقد كان يصله قبل ذلك ، فلما نزلت هذه الآية { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة . . . } إلى آخر الآية فصار أبو بكر يضعف له بعد ذلك بعدما نزلت هذه الآية ضعفي ما كان يعطيه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : حلف أبو بكر لا ينفع مسطح بن أثاثة ، ولا يصله ، وكان بينه وبين أبي بكر قرابة من قبل النساء ، فأقبل إلى أبي بكر يعتذر فقال مسطح : جعلني الله فداءك والله الذي أنزل على محمد ما قذفتها ، وما تكلمت بشيء مما قيل لها أي خالي - وكان أبو بكر خاله - قال أبو بكر : ولكن قد ضحكت وأعجبك الذي قيل فيها قال : لعله يكون قد كان بعض ذلك ، فأنزل الله في شأنه { ولا يأتل أولوا الفضل . . . } .
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن محمد بن سيرين قال : حلف أبو بكر في يتيمين كانا في حجره ، كانا فيمن خاض في أمر عائشة؛ أحدهما مسطح بن اثاثة قد شهد بدراً ، فحلف لا يصلهما ولا يصيبا منه خيراً . فنزلت هذه الآية { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة . . . . } .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة .(7/271)
. . } قال : كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رموا عائشة بالقبيح ، وأفشوا ذلك ، وتكلموا فيها ، فأقسم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر ، أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من هذا ولا يصلوه قال : لا يقسم أولوا الفضل منكم والسعة أن يصلوا أرحامهم ، وأن يعطوهم من أموالهم كالذي كانوا يفعلون قبل ذلك ، فأمر الله أن يغفر لهم وأن يعفو عنهم .
وأخرج ابن المنذر عن أبي سلمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما نقص مال من صدقة قط . تصدقوا ، ولا عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله عزا . فاعفوا يعزكم الله ، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة يسأل الناس إلا فتح الله له باب فقر . إلا أن العفة خير » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في ذم الغضب ، والخرائطي في مكارم الأخلاق ، والحاكم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه ، عن أبي وائل قال : رأيت عبد الله أتاه رجل برجل نشوان فأقام عليه الحد ثم قال للرجل الذي جاء به : ما أنت منه؟ قال : عمه . قال : ما أحسنت الأدب ولا سترته { وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم . . . . } ثم قال عبد الله : إني لأذكر أول رجل قطعه النبي صلى الله عليه وسلم أتى رجل فلما أمر به لتقطع يده كأنما سف وجهه رماداً فقيل : يا رسول الله كان هذا شق عليك قال : « لا ينبغي أن تكونوا للشيطان عوناً على أخيكم ، فإنه لا ينبغي للحاكم إذا انتهى إليه حد إلا أن يقيمه ، وإن الله عفو يحب العفو ، ثم قرأ { وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم } » .(7/272)
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)
أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } قال : نزلت في عائشة خاصة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن خصيف قال : قلت لسعيد بن جبير أيما أشد : الزنا أم القذف؟ قال : الزنا . قلت : إن الله يقول { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } قال : إنما أنزل هذا في شأن عائشة خاصة .
وأخرج الطبراني عن الضحاك قال : نزلت هذه الآية في عائشة خاصة { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } قال : إنما عني بهذا نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي الجوزاء { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } قال : هذه لأمهات المؤمنين خاصة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سلمة بن نبيط { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } قال : هن نساء النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس . أنه قرأ سورة النور ففسرها ، فلما أتى على هذه الآية { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات } قال : هذه في عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يجعل لمن فعل ذلك توبة ، وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التوبة ، ثم قرأ { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } إلى قوله { إلا الذين تابوا } ولم يجعل لمن قذف امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم توبة ، ثم تلا هذه الآية { لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } فهم بعض القوم أن يقوم إلى ابن عباس ، فيقبل رأسه لحسن ما فسر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة قالت : رميت بما رميت به وأنا غافلة ، فبلغني بعد ذلك : فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي جالس ، إذ أوحي إليه وهو جالس ، ثم استوى ، فمسح على وجهه وقال : يا عائشة ابشري فقلت : بحمد الله لا بحمدك فقرأ { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات } حتى بلغ { أولئك مبرؤون مما يقولون } .(7/273)
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
أخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فجحد وخاصم فيقال : هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول : كذبوا فيقال : أهلك وعشيرتك فيقول : كذبوا فيقال : احلفوا فيحلفون ، ثم يصمتهم الله وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم ، ثم يدخلهم النار » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته ، فما ينطق لسانها ولسانه ولكن يداها ورجلاها ، يشهدان عليها بما كانت تغتاله ، أو توليه أو كلمة نحوها ، ويداه ورجلاه يشهدون عليه بما كان يوليها ، ثم يدعى الرجل وخوله فمثل ذلك » .
وأخرج أحمد وابن مردويه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنكم تدعون مقدمة أفواهكم بالفدام ، وإن أول ما يبين عن أحدكم فرجه وكفه » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي امامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أول ما ينطق من ابن آدم يوم القيامة فخذه » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أول ما يستنطق من ابن آدم جوارحه في محاقير عمله . فيقول وعزتك يا رب إن عندي المضرات العظام » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن مردويه عن أبي أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إني لأعلم آخر رجل من أمتي يجوز الصراط ، رجل يتلوى على الصراط كالغلام حين يضربه أبوه تزلّ يده مرة فتصيبها النار ، وتزل رجله مرة فتصيبها النار ، فتقول له الملائكة : أرأيت إن بعثك الله من مقامك هذا فمشيت سوياً أتخبرنا بكل عمل عملته؟ فيقول : أي وعزته لا أكتمكم من عملي شيئاً فيقولون له : قم فامش سوياً . فيقوم فيمشي حتى يجاوز الصراط فيقولون له : اخبرنا باعمالك التي عملت فيقول في نفسه : إن أخبرتهم بما عملت ردوني إلى مكاني فيقول : لا وعزته ما عملت ذنباً قط فيقولون : إن لنا عليك بينة ، فيلتفت يميناً وشمالاً هل يرى من الآدميين ممن كان يشهد في الدنيا أحد . فلا يراه فيقول : هاتوا بينتكم فيختم الله على فيه ، فتنطق يداه ورجلاه وجلده بعمله فيقول : أي وعزتك لقد عملتها وان عندي العظام العظائم المضرات فيقول : اذهب فقد غفرتها لك » .
وأخرج ابن مردويه وابن جرير عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أول عظم يتكلم من الإِنسان بعد أن يختم على فيه فخذه من جانبه الأيسر » .(7/274)
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق } قال : حسابهم ، وكل شيء في القرآن الدين فهو الحساب .
وأخرج عبد بن حميد والطبراني عن قتادة ، { يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق } أي أعمالهم الحق لحقهم ، وأهل الباطل لباطلهم { ويعلمون أن الله هو الحق المبين } .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد أنه قرأها « الحق » بالرفع .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : ( يومئذ يوفيهم الله الحق دينهم ) .(7/275)
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { الخبيثات } قال من الكلام { للخبيثين } قال : من الرجال { والخبيثون } من الرجال { للخبيثات } من الكلام { والطيبات } من الكلام { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من الكلام . نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن مجاهد في قوله { الخبيثات } قال من الكلام { للخبيثين } من الناس { والخبيثون } من الناس { للخبيثات } من الكلام { والطيبات } من الكلام { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من الكلام { أولئك مبرأون مما يقولون } قال : من كان طيباً فهو مبرأ من كل قول خبيث لقوله يغفر الله له . ومن كان خبيثاً فهو مبرأ من كل قول صالح يقوله يرده الله عليه لا يقبله منه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والطبراني عن قتادة في قوله { الخبيثات } قال : من القول والعمل { للخبيثين } من الناس { والخبيثون } من الناس { للخبيثات } من القول والعمل { والطيبات } من القول والعمل { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من القول والعمل { لهم مغفرة } لذنوبهم { ورزق كريم } هو الجنة .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن { للخبيثات } قال : من الكلام { والطيبات } من الكلام { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من الكلام وهؤلاء { مبرأون مما } يقال لهم من السوء يعني عائشة .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير عن الضحاك وإبراهيم . مثله .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء { الخبيثات } قال : من القول { للخبيثين } من الناس { والخبيثون } من الناس { للخبيثات } من القول { والطيبات } من القول { للطيبين } من الناس { والطيبون } من الناس { للطيبات } من القول . ألا ترى أنك تسمع بالكلمة الخبيثة من الرجل الصالح فتقول غفر الله لفلان ما هذا من خلقه ، ولا من شيمه ، ولا مما يقول . قال الله { أولئك مبرأون مما يقولون } أن يكون ذلك من شيمهم ، ولا من أخلاقهم ، ولكن الزلل قد يكون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى الجزار قال : جاء أسير بن جابر إلى عبد الله فقال : قد سمعت الوليد بن عقبة اليوم تكلم بكلام اعجبني فقال عبد الله : إن الرجل المؤمن يكون في فيه الكلمة غير طيبة تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها ، فيسمعها رجل عنده مثلها ، فيضمها إليها . وان الرجل الفاجر تكون في قلبه الكلمة الطيبة تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها ، فيسمعها الرجل الذي عنده مثلها ، فيضمها إليها . ثم قرأ عبد الله { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن زيد في قوله { الخبيثات للخبيثين } قال : نزلت عائشة حين رماها المنافق بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذلك ، وكان عبد الله بن أبي هو الخبيث ، فكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً ، وكان أولى أن تكون له الطيبة ، وكانت عائشة الطيبة ، فكانت أولى أن يكون لها الطيب ، وفي قوله { أولئك مبرأون مما يقولون } قال : ههنا برئت عائشة .(7/276)
وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : لقد نزل عذري من السماء ، ولقد خلقت طيبة وعند طيب ، ولقد وعدت مغفرة وأجراً عظيماً .
وأخرج الطبراني عن ذكوان حاجب عائشة قال : دخل ابن عباس على عائشة فقال : ابشري ما بينك وبين أن تلقي محمداً والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد ، كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله ، ولم يكن يحب رسول الله إلا طيباً ، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء ، فأنزل الله أن { تيمموا صعيداً طيباً } [ النساء : 43 ] وكان ذلك بسببك ، وما أنزل الله لهذه الأمة من الرخصة ، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات جاء بها الروح الأمين فأصبح وليس مسجد من مساجد الله يذكر الله فيه إلا هي تتلى فيه آناء الليل وآناء النهار قالت : دعني منك يا ابن عباس ، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسياً منسياً .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « إذا كان يوم القيامة حد الله الذين قذفوا عائشة ثمانين ثمانين على رؤوس الخلائق ، فيستوهب ربي المهاجرين منهم ، فاستأمرك يا عائشة ، فسمعت عائشة الكلام وهي في البيت فبكت ثم قالت : والذي بعثك بالحق نبياً ، لَسُرُورُكَ أحب إليّ من سروري ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً وقال : إنها ابنة أبيها » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام » .
وأخرج الحاكم عن الزهري قال : « إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام » .
وأخرج الحاكم عن الزهري قال : لو جمع علم الناس كلهم ، ثم علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، لكانت عائشة أوسعهم علماً .
وأخرج الحاكم عن عروة قال ما رأيت أحداً أعلم بالحلال والحرام والعلم والشعر والطب من عائشة رضي الله عنها .
وأخرج الحاكم عن موسى بن طلحة قال : ما رأيت أحداً أفصح من عائشة رضي الله عنها .
وأخرج أحمد في الزهد والحاكم عن الأحنف قال : سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والخطباء هلم جرا ، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من عائشة رضي الله عنها .(7/277)
وأخرج سعيد بن منصور والحاكم عن مسروق أنه سئل أكانت عائشة تحسن الفرائض؟ فقال : لقد رأيت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض .
وأخرج الحاكم عن عطاء قال : كانت عائشة أفقه الناس ، وأعلم الناس ، وأحسن الناس رأياً في العامة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مسلم البطين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « عائشة زوجتي في الجنة » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت : خلال فيَّ سبع لم تكن في أحد من الناس إلا ما آتى الله مريم بنت عمران . والله ما أقول هذا لكي أفتخر على صواحبي قيل : وما هن؟ قالت : نزل الملك بصورتي ، وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع سنين ، وأهديت إليه وأنا بنت تسع سنين ، وتزوجني بكراً لم يشركه فيَّ أحدٌ من الناس ، وأتاه الوحي وأنا وإياه في لحاف واحد ، وكنت من أحب الناس إليه ، ونزل فيَّ آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيهن ، ورأيت جبريل لم يره أحد من نسائه غيري ، وقبض لم يله أحد غير الملك وأنا .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : « إن جبريل يقرأ عليك السلام قالت عائشة : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته » .
وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد من طريق أبي بكر محمد بن عمر البغدادي الحنبلي عن أبيه ، ثنا محمد بن الحسن الكاراني ، حدثني إبراهيم الخرجي قال : ضاق بي شيء من أمور الدنيا ، فدعوت بدعوات يقال لها دعاء الفرج فقلت : وما هي؟ فقال : حدثني أبو عبد الله أحمد ابن محمد بن حنبل ، حدثني سفيان بن عيينة ، ثنا محمد بن واصل الأنصاري ، عن أبيه عن جده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت جالساً عند أم المؤمنين عائشة لأقر عينيها بالبراءة وهي تبكي فقالت : والله قد هجرني القريب والبعيد حتى هجرتني الهرة ، وما عرض عليَّ طعام ولا شراب ، فكنت أرقد وأنا جائعة ظامئة ، فرأيت في منامي فتى فقال لي : ما لك فقلت : حزينة مما ذكر الناس فقال : ادعي بهذه يفرج عنك فقلت : وما هي؟ فقال : قولي يا سابغ النعم ، ودافع النقم ، ويا فارج الغمم ، ويا كاشف الظلم ، يا أعدل من حكم ، يا حسيب من ظلم . يا ولي من ظلم ، يا أول بلا بداية ، ويا آخر بلا نهاية ، يا من له اسم بلا كنية ، اللهم اجعل لي من أمري فرجاً ، ومخرجاً ، قالت : فانتبهت وأنا ريانة شبعانة ، وقد أنزل الله منه فرجي قال ابن النجار : خبر غريب .(7/278)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)
أخرج الفريابي وابن جرير من طريق عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار قال : قالت امراة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أكون في بيتي على الحالة التي لا أحب أن يراني عليها أحد لا ولد ولا والد ، فيأتيني الآتي فيدخل علي ، فكيف أصنع؟ ولفظ ابن جرير : وانه لا يزال يدخل عليَّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال ، فنزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم } الآية .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان والضياء في المختارة من طرق ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } قال : أخطأ الكاتب إنما هي حتى تستأذنوا .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن إبراهيم قال : في مصحف عبد الله { حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا }
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : هي في قراءة أبي { حتى تسلموا وتستأذنوا } .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { حتى تستأنسوا } قال : حتى تستأذنوا .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الاستئناس . الاستئذان .
وأخرج ابن أبي شيبة والحكيم والترمذي وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي أيوب قال : قلت يا رسول الله أرأيت قول الله { حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } هذا التسليم قد عرفناه فما الاستئناس؟ قال : يتكلم الرجل بتسبيحة ، وتكبيرة ، وتحميدة ، ويتنحنح ، فيؤذن أهل البيت .
وأخرج الطبراني عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الاستئناس . أن تدعو الخادم حتى يستأنس أهل البيت الذين يسلم عليهم » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { حتى تستأنسوا } قال : تنحنحوا وتنخموا .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب وأبو داود والبيهقي في سننه من طريق ربعي قال : « حدثنا رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال : أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه : أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقيل له : قل السلام عليكم . أأدخل؟ » .
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن سعد الثقفي « أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة : » قومي إلى هذا فعلميه ، فإنه لا يحسن يستأذن فقولي له يقول السلام عليكم . أأدخل؟ « » .(7/279)
وأخرج ابن سعيد وأحمد والبخاري في الأدب وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق كلدة؛ « أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبن وجداية وضغابيس والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي قال : فدخلت عليه ولم أسلم ، ولم استأذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » ارجع فقل السلام عليكم . أأدخل؟ « » .
وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر في التمهيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : استأذن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام على رسول الله السلام عليكم . أيدخل عمر؟
وأخرج ابن وهب في كتاب المجالس وابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال : أرسلني أبي إلى ابن عمر فجئته فقلت : أألج؟ فقال : ادخل . فلما دخلت قال : مرحباً يا ابن أخي لا تقل أألج؟ ولكن قل السلام عليكم ، فإذا قالوا وعليك فقل : أأدخل؟ فإن قالوا ادخل فأدخل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أم أياس قالت : كنت في أربع نسوة نستأذن على عائشة فقلت : ندخل فقالت : لا . فقالت واحدة : السلام عليكم . أندخل؟ قالت : ادخلوا ثم قالت { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } .
وأخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « السلام قبل الكلام » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب عن أبي هريرة؛ فيمن يستأذن قبل أن يسلم قال : لا يؤذن له حتى يبدأ بالسلام .
وأخرج البخاري في الأدب عن أبي هريرة قال : إذا دخل ولم يقل السلام عليكم فقل : لا . . حتى تأتي بالمفتاح .
واخرج ابن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال : كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس تكلم ورفع صوته .
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن مسعود قال : عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم واخواتكم .
وأخرج البخاري في الأدب وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا دخل البصر فلا اذن له » .
وأخرج ابن مردويه عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستئذان في البيوت فقال « من دخلت عينه قبل أن يستأذن ويسلم فقد عصى الله ، ولا أذن له » .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من كان يشهد أني رسول الله فلا يدخل على أهل بيت حتى يستأنس ويسلم ، فإذا نظر في قعر البيت فقد دخل » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في شعب الإِيمان عن هذيل قال :(7/280)
« جاء سعد فوقف على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن ، فقام على الباب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم » هكذا عنك فإنما الإِستئذان من النظر « » .
وأخرج البخاري في الأدب وأبو داود عن عبد الله بن بشر قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم ، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه . ولكن من ركنه الأيمن أو الايسر ، ويقول : السلام عليكم السلام عليكم ، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن سهل بن سعد قال : « اطلع رجل من جحر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومعه مدرى يحك بها رأسه فقال » لو أعلم أنك تنظر لطعنت بها في عينك ، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر « وفي لفظ : » إنما جعل الله الإِذن من أجل البصر « .
وأخرج الطبراني عن سعد بن عبادة قال : » جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فقمت مقابل الباب استأذنت ، فأشار إليَّ أن تباعد وقال « هل الاستئذان إلا من أجل النظر » « .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الايمان عن قتادة في قوله { حتى تستأنسوا } قال : هو الاستئذان قال : وكان يقال الاستئذان ثلاث ، فمن لم يؤذن له فيهن فليرجع . أما الأولى فيسمع الحي . وأما الثانية فيأخذوا حذرهم . واما الثالث فإن شاؤوا أذنوا وإن شاؤوا ردوه .
وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري قال : كنت جالساً في مجلس من مجالس الأنصار ، فجاء أبو موسى فزعاً ، فقلنا له : ما أفزعك؟ قال : أمرني عمر أن آتيه ، فأتيته فاستأذنت ثلاثاً ، فلم يؤذن لي ، فرجعت فقال : ما منعك أن تأتيني قلت : قد جئت ، فاستأذنت ثلاثاً ، فلم يؤذن لي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع « قال : لتأتيني على هذا بالبينة فقالوا : لا يقوم إلا أصغر القوم ، فقام أبو سعيد معه فشهد له فقال عمر لأبي موسى : إني لم أتهمك ، ولكن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم } يعني بيوتاً ليست لكم { حتى تستأنسوا وتسلموا } فيها تقديم يعني حتى تسلموا ثم تستأذنوا ، والسلام قبل الاستئذان ، { ذلكم } يعني الاستئذان والتسليم { خير لكم } يعني أفضل من أن تدخلوا من غير إِذن ، ان لا تأثموا ، ويأخذ أهل البيت حذرهم { لعلكم تذكرون } { فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم } يعني في الدخول { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا } يعني لا تقعدوا ولا تقوموا على أبواب الناس { هو أزكى لكم } يعني الرجوع خير لكم من القيام والقعود على أبوابهم { والله بما تعملون عليم } يعني بما يكون عليم { ليس عليكم جناح } لا حرج عليكم { أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة } يعني ليس بها ساكن .(7/281)
وهي الخانات التي على طرق الناس للمسافر ، لا جناح عليكم أن تدخلوها بغير استئذان ولا تسليم { فيها متاع لكم } يعني منافع من البرد والحر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فإن لم تجدوا فيها أحداً } يقول : إن لم يكن لكم فيها متاع ، فلا تدخلوها إلا بإذن ، وفي قوله { ليس عليكم جناح . . . . } قال : كانوا يضعون بطرق المدينة أقتاباً وامتعات في بيوت ليس فيها أحد ، فأحلت لهم أن يدخلوها بغير إذن .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { بيوتاً غير مسكونة } قال : هي بالبيوت التي منزلها السفر ، لا يسكنها أحد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن الحنفية في قوله { بيوتاً غير مسكونة } قال : هي هذه الخانات التي في الطرق .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله { فيها متاع لكم } قال : الخلاء والبول .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله { بيوتاً غير مسكونة } قال : هي البيوت الْخَرِبَةُ لقضاء الحاجة .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم النخعي . مثله .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله { فيها متاع لكم } يعني الخانات . ينتفع بها من المطر والحر والبرد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { بيوتاً غير مسكونة } قال : هي البيوت التي ينزلها الناس في أسفارهم لا أحد فيها وفي قوله { فيها متاع لكم } قال : بلغة ومنفعة .
وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن مردويه عن أنس قال : قال رجل من المهاجرين : لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها؛ أن استأذن على بعض اخواني فيقول لي : ارجع . فأرجع وأنا مغتبط لقوله تعالى { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه لا يسلم عليه يقول : حييت صباحاً ، وحييت مساء . وكان ذلك تحية القوم بينهم ، وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فلا يستأذن حتى يقتحم ويقول : قد دخلت . فيشق ذلك على الرجل ، ولعله يكون مع أهله ، فغير الله ذلك كله في ستر وعفة فقال { لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم } فلما نزلت آية التسليم في البيوت والاستئذان فقال أبو بكر : يا رسول الله فكيف بتجار قريش الذين يختلفون بين مكة والمدينة والشام وبيت المقدس ، ولهم بيوت معلومة على الطريق ، فكيف يستأذنون ويسلمون ، وليس فيهم سكان؟ فرخص الله في ذلك . فأنزل الله { ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة } بغير اذن .
وأخرج البخاري في الأدب وأبو داود في الناسخ وابن جرير عن ابن عباس قال { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } ففسح واستثنى من ذلك فقال { ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم } .(7/282)
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)
أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال : « مر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرقات المدينة ، فنظر إلى امرأة ونظرت إليه ، فوسوس لهما الشيطان : إنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا اعجاباً به ، فبينا الرجل يمشي إلى جنب حائط ينظر إليها ، إذ استقبله الحائط فشق أنفه فقال : والله لا اغسل الدم حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاعلمه أمري ، فأتاه فقص عليه قصته فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » هذا عقوبة ذنبك « وأنزل الله { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم . . . } الآية » .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم . . . } الآية أي عما لا يحل لهم { ويحفظوا فروجهم } أي عما لا يحل لهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } قال من شهواتهم عما يكره الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } يعني أبصارهم ، فمن هنا صلة في الكلام . يعني يحفظوا أبصارهم عما لا يحل لهم النظر إليه ، ويحفظوا فروجهم عن الفواحش { ذلك أزكى لهم } يعني غض البصر ، وحفظ الفرج .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : كل آية يذكر فيها حفظ الفرج ، فهو من الزنا إلا هذه الآية في النور { ويحفظوا فروجهم } { ويحفظن فروجهن } فهو ان يراها .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك ، أو ما ملكت يمينك قلت : يا نبي الله إذا كان القوم بعضهم في بعض قال : إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها قلت : إذا كان أحدنا خالياً قال : الله أحق أن يستحي منه من الناس .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن العلاء بن زياد قال : كان يقال لا تتبعن بصرك حسن رداء امرأة ، فإن النظر يجعل شبقاً في القلب .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : الشيطان من الرجل على ثلاثة منازل : على عينيه ، وقلبه ، وذكره ، وهو من المرأة على ثلاثة : على عينها ، وقلبها ، وعجزها .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن مردويه عن جرير البجلي قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة ، فأمرني أن أصرف بصري .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في سننه عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي(7/283)
« لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه من حديث علي مثله .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم « قال لا تجلسوا في المجالس ، فإن كنتم لا بد فاعلين ، فردوا السلام ، وغضوا الأبصار ، واهدوا السبيل ، وأعينوا على الحمولة » .
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إياكم والجلوس على الطرقات قالوا : يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا . نتحدث فيها فقال : إن أبيتم فاعطوا الطريق حقه قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال : غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر » .
وأخرج أبو القاسم البغوي في معجمه والطبراني عن أبي أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة . إذا حدث أحدكم فلا يكذب ، وإذا ائتمن فلا يخن ، وإذا وعد فلا يخلف ، غضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم ، واحفظوا فروجكم » .
وأخرج أحمد والحكيم في نوادر الأصول والطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من مسلم ينظر إلى امرأة أول رمقة ثم يغض بصره إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله عز وجل كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة . فزنا العين النظر ، وزنا اللسان المنطق ، وزنا الأذنين الاستماع ، وزنا اليدين البطش ، وزنا الرجلين الخطو ، والنفس تمني وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه » .
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة ، فمن تركها من خوف الله أثابه إِيماناً يجد حلاوته في قلبه » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والديلمي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل عين باكية يوم القيامة ، إلا عيناً غضت عن محارم الله ، وعيناً سهرت في سبيل الله ، وعيناً خرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله » .(7/284)
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال : بلغنا - والله أعلم - أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدث : أن أسماء بنت مرشد كانت في نخل لها في بني حارثة ، فجعل النساء يدخلن عليها غير مؤتزرات ، فيبدو ما في أرجلهن يعني الخلاخل ، ويبدو صدورهن وذوائبهن فقالت أسماء : ما أقبح هذا . . . ! فأنزل الله في ذلك { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن . . . } الآية .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله { ولا يبدين زينتهن } قال : الزينة . السوار ، والدملج ، والخلخال ، والقرط ، والقلادة ، { إلا ما ظهر منها } قال : الثياب والجلباب .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : الزينة زينتان . زينة ظاهرة ، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج ، فاما الزينة الظاهرة : فالثياب . وأما الزينة الباطنة : فالكحل ، والسوار ، والخاتم . ولفظ ابن جرير فالظاهرة منها : الثياب . وما يخفي : فالخلخالان ، والقرطان ، والسواران .
وأخرج احمد والنسائي والحاكم والبيهقي في سننه عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أيما امرأة استعطرت ، فخرجت ، فمرت على قوم فيجدوا ريحها ، فهي زانية » .
وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال : الكحل ، والخاتم .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال : الكحل ، والخاتم ، والقرط ، والقلادة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عباس في قوله { إلا ما ظهر منها } قال : هو خضاب الكف ، والخاتم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إلا ما ظهر منها } قال : وجهها ، وكفاها ، والخاتم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إلا ما ظهر منها } قال : رقعة الوجه ، وباطن الكف .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن الزينة الظاهرة فقالت : القلب ، والفتخ ، وضمت طرف كمها .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة في قوله { إلا ما ظهر منها } قال : الوجه ، وثغرة النحر .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله { إلا ما ظهر منها } قال : الوجه ، والكف .
وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله { إلا ما ظهر منها } قال الكفان ، والوجه .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال : المسكتان ، والخاتم ، والكحل قال قتادة : وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(7/285)
« لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تخرج يدها إلا إلى ههنا ويقبض نصف الذراع » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن المسور بن مخرمة في قوله { إلا ما ظهر منها } قال : القلبين يعني السوار ، والخاتم ، والكحل .
وأخرج سنيد وابن جرير عن ابن جريج قال : قال ابن عباس في قوله { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال : الخاتم ، والمسكة قال ابن جريج . وقالت عائشة رضي الله عنها : القلب والفتخة . قالت عائشة : دخلت على ابنة أخي لأمي عبد الله بن الطفيل مزينة ، فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأعرض فقالت عائشة رضي الله عنها : انها ابنة أخي وجارية فقال « إذا عركت المرأة لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها ، وإلا ما دون هذا ، وقبض على ذراع نفسه ، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى » .
وأخرج أبو داود والترمذي وصححه والنسائي والبيهقي في سننه عن « أم سلمة إنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة فقالت : بينا نحن عنده أقبل ابن أبي مكتوم ، فدخل عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » احتجبا عنه فقالت : يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا؟ فقال أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟! « » .
وأخرج أبو داود وابن مردويه والبيهقي عن عائشة : أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق ، فأعرض عنها وقال « يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا ، وأشار إلى وجهه وكفه » .
وأخرج أبو داود في مراسيله عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها ويداها إلى المفصل » والله أعلم .
وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عائشة قالت : رحم الله نساء المهاجرات الأول؛ لما أنزل الله { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } أخذ النساء أزُرَهُنَّ فشققنها من قبل الحواشي ، فاختمرن بها .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه عن عائشة قالت : لما نزلت هذه الآية { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } شققن أكتف مروطهن ، فاختمرن به .
وأخرج الحاكم وصححه عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تختمر فقال : لية لا ليتين .
وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم وابن مردويه عن صفية بنت شيبة قالت : بينا نحن عند عائشة فذكرن نساء قريش وفضلهن فقالت عائشة : ان نساء قريش لفضلى ، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار ، أشد تصديقاً لكتاب الله ، ولا إيماناً بالتنزيل ، لقد أنزلت سورة النور { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل إليهن فيها ، ويتلو الرجل على امرأته وبنته وأخته ، وعلى ذي قرابته ، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله في كتابه ، فاصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبح معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان .(7/286)
وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن عائشة : أن امرأة دخلت عليها وعليها خمار رقيق يشف جبينها ، فأخذته عائشة فشقته ثم قالت : ألا تعلمين ما أنزل الله في سورة النور ، فدعت لها بخمار فكستها اياه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { وليضربن } وليشددن { بخمرهن على جيوبهن } يعني النحر ، والصدر ، فلا يرى منه شيء .
وأخرج أبو داود في الناسخ عن ابن عباس قال : في سورة النور { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن } وقال { يدنين عليهن من جلابيبهن } ثم استثنى فقال { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن . . . . } والمتبرجات اللاتي يخرجن غير نحورهن .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } والزينة الظاهرة . الوجه ، وكحل العينين ، وخضاب الكف ، والخاتم ، فهذا تظهره في بيتها لمن دخل عليها ثم قال : { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن . . . } والزينة التي تبديها لهؤلاء قرطاها ، وقلادتها ، وسوارها ، فأما خلخالها ، ومعضدها ، ونحرها ، وشعرها ، فإنها لا تبديه إلا لزوجها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { ولا يبدين زينتهن } يعني ولا يضعن الجلباب وهو القناع من فوق الخمار { إلا لبعولتهن أو آبائهن . . . . } قال : فهو محرم . وكذلك العم ، والخال { أو نسائهن } يعني نساء المؤمنات { أو ما ملكت أيمانهن } يعني عبد المرأة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الشعبي وعكرمة في هذه الآية { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } حتى فرغ منها قال : لم يذكر العم والخال لأنهما ينعتان لأبنائهما ، فلا تضع خمارها عند العم والخال .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس { أو نسائهن } قال : من المسلمات ، لا تبديه ليهودية ، ولا لنصرانية ، وهو النحر ، والقرط ، والوشاح ، وما حوله .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في سننه عن مجاهد قال : لا تضع المسلمة خمارها أي لا تكون قابلة عند مشركة ، ولا تقبلها لأن الله تعالى يقول { أو نسائهن } فلسن من نسائهن .
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في سننه وابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي عبيدة أما بعد؛ فإنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك ، فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملتها .(7/287)
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { أو ما ملكت أيمانهن } يعني عبد المرأة لا يحل لها أن تضع جلبابها عند عبد زوجها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال : لا بأس أن يرى العبد شعر سيدته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : تضع المرأة الجلباب عند المملوك .
وأخرج أبو داود وابن مردويه والبيهقي عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها ، وعلى فاطمة ثوب ، إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها ، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال : » إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك « » .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا كان لإِحداكن مكاتب وكان له ما يؤدي فلتحتجب منه » .
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد رضي الله عنه قال : كان العبيد يدخلون على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { أو ما ملكت أيمانهن } قال : في القراءة الأولى . الذين لم يبلغوا الحلم مما ملكت أيمانكم .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن طاوس ومجاهد قال : لا ينظر المملوك لشعر سيدته قالا : وفي بعض القراءة ( أو ما ملكت أيمانكم الذين لم يبلغوا الحلم ) .
وأخرج عبد الرزاق عن عطاء أنه سئل : هل يرى غلام المرأة رأسها وقدمها؟ قال : ما أحب ذلك إلا أن يكون غلاماً يسراً ، فأما رجل ذو لحية فلا .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال : لا تغرنكم هذه الآية { أو ما ملكت أيمانهن } إنما عني بها الإِماء ، ولم يعن بها العبيد .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : تستتر المرأة من غلامها .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في قوله { أو التابعين غير أولي الإِربة من الرجال } قال : هو الذي لا يستحي منه النساء .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { أو التابعين غير أولي الإِربة } قال : هذا الرجل يتبع القوم وهو مغفل في عقله ، لا يكترث للنساء ، ولا يشتهي النساء .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { أو التابعين غير أولي الإِربة من الرجال } قال : كان الرجل يتبع الرجل في الزمان الأول لا يغار عليه ، ولا ترهب المرأة أن تضع خمارها عنده ، وهو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء .(7/288)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن طاوس { غير أولي الإِربة } قال : هو الأحمق الذي ليس له في النساء أرب ولا حاجة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { غير أولي الإِربة } قال : هو الأبله الذي لا يعرف أمر النساء .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { غير أولي الإِربة } قال : هو المخنث الذي لا يقوم زبه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { غير أولي الإِربة من الرجال } قال : هو الشيخ الكبير الذي لا يطيق النساء .
وأخرج عبد بن حميد { غير أولي الإِربة } هو العنين .
وأخرج ابن المنذر عن الكلبي { غير أولي الإِربة } قال : هو الخصي والعنين .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عكرمة قال هو الذي لا يقوم زبه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن سعيد بن جبير قال : هو المعتوه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن الشعبي قال : هو الذي لم يبلغ أربه أن يطلع على عورات النساء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قالت : « كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإِربة ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة قال : إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم » لا أرى هذا يعرف ما ههنا لا يدخلن عليكم فحجبوه « » .
وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : « كان يدخل على أزاوج النبي صلى الله عليه وسلم هيت وإنما كن يعددنه من غير أولي الإِربة من الرجال ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو ينعت امرأة يقول : إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أسمع هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن عليكم ، فأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء } قال : هم الذين لا يدرون ما النساء من الصغر قبل الحلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء } قال : الغلام الذي لم يحتلم .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال : كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها .(7/289)
والله أعلم .
وأخرج ابن جرير عن حضرمي : أن امرأة اتخذت معرنين من فضة ، واتخذت جزعاً فمرت على القوم ، فضربت برجلها فوقع الخلخال على الجزع فصّوت ، فأنزل الله { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولا يضربن بأرجلهن } وهو أن تقرع الخلخال بالآخر عند الرجال ، أو تكون على رجليها خلاخل فتحركهن عند الرجال . فنهى الله عن ذلك لأنه من عمل الشيطان .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { ولا يضربن بأرجلهن } قال : كانت المرأة تضرب برجلها ليسمع قعقعة الخلخال فيها ، فنهى عن ذلك .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } قال : الخلخال . نهى أن تضرب برجلها ليسمع صوت الخلخال .
وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة قال : كن نساء الجاهلية يلبسن الخلاخيل الصم ، فأنزل الله هذه الآية { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : كانت المراة تمر على المجلس في رجلها الخرز ، فإذا جاوزت المجلس ضربت برجلها ، فنزلت { ولا يضربن بأرجلهن } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : إن المرأة كانت يكون في رجلها الخلخال فيه الجلاجل ، فإذا دخل عليها غريب تحرك رجلها عمداً ليسمع صوت الخلخال فقال : { ولا يضربن } يعني لا يحركن أرجلهن { ليعلم ما يخفين } يعني ليعلم الغريب إذا دخل عليها ما تخفي من زينتها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود { ليعلم ما يخفين من زينتهن } قال : الخلخال .
وأخرج الترمذي عن ميمونة بنت سعد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الرافلة في الزينة في غير أهلها كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها » .
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب ومسلم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن الأغر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يا أيها الناس توبوا إلى الله جميعاً فإني أتوب إليه كل يوم مائة مرة » .
وأخرج أحمد عن حذيفة قال : كان في لساني ذوب إلى أهلي فلم أعده إلى غيره فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : « أين أنت من الاستغفار يا حذيفة؟ إني لاستغفر الله في كل يوم مائة مرة ، وأتوب إليه » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : كم للمؤمنين من ستر؟ قال : هي أكثر من أن يحصى ، ولكن المؤمن إذا عمل خطيئة هتك منها ستراً ، فإذا تاب رجع إليه ذلك الستر ، وتسعة معه وإذا لم يبق عليه منها شيء قال الله تعالى لمن يشاء من ملائكته : « إن بني آدم يعيرون ولا يغفرون فحفوه بأجنحتكم ، فيفعلون به ذلك ، فإن تاب رجعت إليه الأستار كلها ، وإذا لم يتب عجبت منه الملائكة فيقول الله لهم : اسلموه .(7/290)
فيسلموه حتى لا يستر منه عورة « .
وأخرج ابن المنذر عن عبد الله بن مغفل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » الندم توبة « .
وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن مسعود قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : » الندم توبة « .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عباس أنه سئل : عن الرجل يزني بالمرأة ثم يتزوجها فقال : أوّله سفاح ، وآخره نكاح ، وتوبتهما إلي جميعاً أحب من توبتهما إلي متفرقين ، إن الله يقول { توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنين } .(7/291)
وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)
أخرج عبد بن حميد عن قتادة { وأنكحوا الأيامى منكم } قال : قد أمركم الله - كما تسمعون أن تنكحوهن ، فإنه أغض لأبصارهم ، واحفظ لفروجهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن أنه قال : وانكحوا الصالحين من عبيدكم وامائكم .
وأخرج ابن مردويه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انكحوا الصالحين والصالحات فما تبعهم بعد ذلك فهو حسن .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وانكحوا الأيامى منكم } الآية . قال : أمر الله سبحانه بالنكاح ورغبهم فيه ، وأمرهم أن يتزوجوا أحرارهم وعبيدهم ، ووعدهم في ذلك الغنى فقال { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله }
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر الصديق قال : أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى قال تعالى { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر الصديق . قال : أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى قال تعالى { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد عن قتادة قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قال : ما رأيت كرجل لم يلتمس الغنى في الباءة وقد وعده الله فيها ما وعده فقال { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة معاً في المصنف عن عمر بن الخطاب قال : ابتغوا الغنى في الباءة .
وفي لفظ اطلبوا الفضل في الباءة وتلا { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : التمسوا الغنى في النكاح . يقول الله { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } .
وأخرج الديلمي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « التمسوا الرزق بالنكاح » .
وأخرج البزار وابن مردويه والديلمي من طريق عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « انكحوا النساء فإنهن يأتينكم بالمال » وأخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود في مراسيله عن عروة مرفوعاً مرسلاً .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاثة حق على الله عونهم الناكح يريد العفاف ، والمكاتب يريد الأداء ، والغازي في سبيل الله » .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن جابر قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه الفاقة فأمره أن يتزوج .(7/292)
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً } قال : هو الرجل يرى المرأة فكأنه يشتهي ، فإن كانت له امرأة فليذهب إليها فليقض حاجته منها ، وإن لم تكن له امرأة فلينظر في ملكوت السموات والأرض حتى يغنيه الله من فضله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي روق { وليستعفف } يقو : عما حرم الله عليهم حتى يرزقهم الله .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن عباس في قوله { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً } الآية قال : ليتزوج من لا يجد فإن الله سيغنيه .
وأخرج ابن السكن في معرفة الصحابة عن عبد الله بن صبيح عن أبيه قال : كنت مملوكاً لحويطب بن عبد العزى . فسألته الكتاب فأبى ، فنزلت { والذين يبتغون الكتاب . . . } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { والذين يبتغون الكتاب } يعني الذين يطلبون المكاتبة من المملوكين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله { فكاتبوهم } قال : هذا تعليم ورخصة وليست بعزيمة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عامر الشعبي { فكاتبوهم } قال : إن شاء كاتب وإن شاء لم يكاتب .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن أنس بن مالك قال : سألني سيرين المكاتبة ، فأبيت عليه ، فأتى عمر بن الخطاب ، فأقبل عليَّ بالدرة وقال : كاتبه وتلا { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً } فكاتبته .
وأخرج أبو داود في المراسيل والبيهقي في سننه عن يحيى بن أبي كثير قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً } قال : » إن علمتم فيهم حرفة ولا ترسلوهم كلا على الناس « .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله { إن علمتم فيهم خيراً } قال : المال .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد مثله .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله { إن علمتم فيهم خيراً } قال : أمانة ووفاء .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً } إن علمت إن مكاتبك يقضيك .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن ابن جريج قال : قلت لعطاء ما قوله { فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً } الخير المال أم الصلاح أم كل ذلك؟ قال ما أراه إلا المال كقوله { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً } الخير . المال .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني { إن علمتم فيهم خيراً } قال : إن علمتم عندهم أمانة .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة وإبراهيم وأبي صالح . مثله .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر والبيهقي عن نافع قال : كان ابن عمر يكره أن يكاتب عبده إذا لم يكن له حرفة ويقول : يطعمني من أوساخ الناس .(7/293)
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد وطاوس في قوله { إن علمتم فيهم خيراً } قال : مالاً وأمانة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الحسن . مثله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله { إن علمتم فيهم خيراً } قال : إن علمتم لهم حيلة ولا تلقوا مؤنتهم على المسلمين { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } يعني ضعوا عنهم من مكاتبتهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والروياني في مسنده والضياء المقدسي في المختارة عن بريدة { وآتوهم من مال الله } قال : حث الناس عليه أن يعطوه .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن { وآتوهم من مال الله } قال : حث الناس عليه مولى وغيره .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد قال : يترك للمكاتب طائفة من كتابته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس في { وآتوهم من مال الله } أمر الله المؤمنين أن يعينوا في الرقاب قال علي بن أبي طالب : أمر الله السيد أن لا يدع للمكاتب . الربع من ثمنه ، وهذا تعليم من الله ليس بفريضة ولكن فيه أجر .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي من طريق أبي عبد الرحمن السلمي أن علي بن أبي طالب قال في قوله { إن علمتم فيهم خيراً } قال : مالاً . { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } قال : يترك للمكاتب الربع .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والديلمي وابن المنذر والبيهقي وابن مردويه من طرق عن عبد الله بن حبيب عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } قال : يترك للمكاتب الربع .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال : يترك له العشر من كتابته .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم والبيهقي عن عمر أنه كاتب عبداً له يكنى أبا أمية ، فجاء بنجمه حين حل قال : يا أبا أمية اذهب فاستغن به في مكاتبتك قال : يا أمير المؤمنين لو تركت حتى يكون من آخر نجم قال : أخاف أن لا أدرك ذلك ، ثم قرأ { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : كان ابن عمر إذا كان له مكاتب لم يضع عنه شيئاً من أول نجومه مخافة أن يعجز فترجع إليه صدقته ، ولكنه إذا كان في آخر مكاتبته وضع عنه ما أحب .(7/294)
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم { وآتوهم من مال الله } قال : ذلك على الولاة . يعطوهم من الزكاة يقول الله { وفي الرقاب } [ التوبة : 60 ] .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وسعيد بن منصور والبزار والدارقطني وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال : كان عبد الله بن أبي يقول لجارية له : اذهبي فابغينا شيئاً وكانت كارهة ، فأنزل الله { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم } هكذا كان يقرأها .
وأخرج مسلم من هذا الطريق عن جابر : أن جارية لعبد الله بن أبي يقال لها مسيكة . وأخرى يقال لها أميمة . فكان يريدهما على الزنا ، فشكيا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله { ولا تكرهوا فتياتكم . . . } .
وأخرج النسائي والحاكم وصححه وابن جرير وابن مردويه من طريق أبي الزبير عن جابر قال : كانت مسيكة لبعض الأنصار فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن سيدي يكرهني على البغاء ، فنزلت { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } .
وأخرج البزار وابن مردويه عن أنس قال : كانت جارية لعبد الله بن أبي يقال لها معاذة . يكرهها على الزنا ، فلما جاء الإِسلام نزلت { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة . مثله .
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب في قوله { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } قال : كان أهل الجاهلية يبغين اماؤهم ، فنهوا عن ذلك في الإِسلام .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا ، يأخذون أجورهم فنزلت الآية .
وأخرج الطيالسي والبزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند صحيح عن ابن عباس أن جارية لعبد الله بن أبي كانت تزني في الجاهلية ، فولدت له أولاداً من الزنا ، فلما حرم الله الزنا قال لها : ما لك لا تزنين؟ قالت : لا والله لا أزني أبداً ، فضربها ، فأنزل الله { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } .
وأخرج سعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة أن عبد الله بن أبي كانت له أمتان : مسيكه ، ومعاذة ، وكان يكرههما على الزنا فقالت إحداهما : إن كان خيراً فقد استكثرت منه ، وإن كان غير ذلك فإنه ينبغي أَن أدعه . فأنزل الله { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن أبي مالك في قوله { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } قال : نزلت في عبد الله بن أبي وكانت له جارية تكسب عليه ، فأسلمت وحسن إسلامها ، فأرادها ، أن تفعل كما كانت تفعل ، فأبت عليه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : كان لعبد الله بن أبي جارية تدعى معاذة ، فكان إذا نزل به ضيف أرسلها إليه ليواقعها إرادة الثواب منه والكرامة له ، فأقبلت الجارية إلى أبي بكر ، فشكت ذلك إليه ، فذكره أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره بقبضها ، فصاح عبد الله بن أبي : من يعذرنا من محمد يغلبنا على مماليكنا؟ فنزلت الآية .(7/295)
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الزهري أن رجلاً من قريش أسر يوم بدر ، وكان عبد الله بن أبي أسيراً ، وكانت لعبد الله بن أبي جارية يقال لها معاذة ، وكان القرشي الأسير يريدها على نفسها ، وكانت مسلمة ، فكانت تمتنع منه لإِسلامها ، وكان عبد الله بن أبي يكرهها على ذلك ويضربها رجاء أن تحمل للقرشي فيطلب فداء ولد ، فأنزل الله { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } .
وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق مالك عن ابن شهاب أن عمر بن ثابت أخا بني الحرث بن الخزرج حدثه : أن هذه الآية في سورة النور { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } نزلت في معاذة جارية عبد الله بن أبي سلول ، وذلك أن عباس بن عبد المطلب كان عندهم أسيراً ، فكان عبد الله بن أبي يضربها على أن تمكن عباساً من نفسها رجاء أن تحمل منه فيأخذ ولده فداء ، فكانت تأبى عليه وقال : ذلك الغرض الذي كان ابن أُبي يبتغي .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال : كانوا يأمرون ولائدهم أن يباغوا ، فكن يفعلن ذلك ، ويصبن فيأتين بكسبهن قال : وكان لعبد الله بن أبي جارية ، فكانت تباغي ، وكرهت ذلك وحلفت أن لا تفعله ، فأكرهها ، فأنزل الله الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : بلغنا - والله أعلم - أن هذه الآية نزلت في رجلين كانا يكرهان أمتين لهما إحداهما اسمها مسيكة وكانت للأنصاري ، والأخرى أميمة أم مسيكة لعبد الله بن أبي ، وكانت معاذة ، وأروى بتلك المنزلة ، فأتت مسيكة وأمها النبي صلى الله عليه وسلم فذكرتا ذلك له ، فأنزل الله في ذلك { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } يعني الزنا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عن ابن عباس { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } قال : لا تكرهوا إماءكم على الزنا ، فإن فعلتم فإن الله لهن غفور رحيم ، وإثمهن على من يكرههن .
وأخرج ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « كسب الحجام خبيث ، ومهر البغي خبيث » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي جحيفة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مهر البغي .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : في قراءة ابن مسعود { فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم } قال : للمكرهات على الزنا .(7/296)
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { إن أردن تحصناً } أي عفة وإسلاماً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { لتبتغوا عرض الحياة الدنيا } يعني كسبهن وأولادهن من الزنا .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم } قال : للمكرهات على الزنا .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم } قال : لهن وليست لهم .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ ( فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) .(7/297)
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)
أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات } يعني ما فرض عليهم في هذه السورة .(7/298)
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
أخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تهجد في الليل يدعو « اللهم لك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد ، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد ، أنت قيام السموات والأرض ومن فيهن أنت الحق ، وقولك حق ، ووعدك حق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت إلهي لا إله إلا أنت » .
وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي عن زيد بن أرقم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دبر صلاة الغداة وفي دبر الصلاة « اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد بأنك أنت الرب وحدك لا شريك لك ، اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك ، اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة ، اللهم ربنا ورب كل شيء إجعلني مخلصاً لك وأهلي في كل ساعة في الدنيا والآخرة ، ذا الجلال والإِكرام اسمع واستجب ، الله أكبر الله أكبر نور السموات والأرض ، الله أكبر الله أكبر حسبي الله ونعم الوكيل ، الله أكبر الله أكبر » .
وأخرج الطبراني عن سعيد بن جبير قال : كان ابن عباس يقول : اللهم إني أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض أن تجعلني في حرزك وحفظك وجوارك وتحت كنفك .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { الله نور السماوات والأرض } يدبر الأمر فيهما . نجومهما ، وشمسهما ، وقمرهما .
وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله { الله نور السماوات والأرض مثل نوره } الذي أعطاه المؤمن { كمشكاة } مثل الكوّة { فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية } في سفح جبل لا تصيبها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت { يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور } فذلك مثل قلب المؤمن نور على نور { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة } قال : أعمال الكفار إذا جاؤوا رأوها مثل السراب إذا أتاه الرجل قد احتاج إلى الماء فأتاه فلم يجد شيئاً . فذلك مثل عمل الكافر يرى أن له ثواباً وليس له ثواب { أو كظلمات في بحر لجي } إلى قوله { لم يكد يراها } فذلك مثل قلب الكافر ظلمة فوق ظلمة .
وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف عن الشعبي قال : في قراءة أبي بن كعب { مثل نور المؤمن كمشكاة } .
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { الله نور السماوات والأرض } يقول : مثل نور من آمن بالله كمشكاة قال : وهي النقرة يعني الكوّة .(7/299)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { مثل نوره } قال : هي خطأ من الكاتب . هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة قال : مثل نور المؤمن كمشكاة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق علي عن ابن عباس { الله نور السماوات والأرض } قال : ( هادي أهل السموات وأهل الأرض ) { مثل نوره } مثل هداه في قلب المؤمن { كمشكاة } يقول : موضع الفتيلة يقول : كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار إذا مسته النار ازداد ضوأً على ضوئه ، كذلك يكون قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا أتاه العلم ازداد على هدى ونوراً على نور .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن أبي العالية قال : هي في قراءة أبي بن كعب مثل نور من آمن به . أو قال مثل من آمن به .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه عن أُبي بن كعب { الله نور السماوات والأرض مثل نوره } قال : هو المؤمن الذي جعل الإِيمان والقرآن في صدره ، فضرب الله مثله فقال { الله نور السماوات والأرض } فبدأ بنور نفسه ثم ذكر نور المؤمن فقال : مثل نور من آمن به فكان أُبي بن كعب يقرؤها : مثل نور من آمن به فهو المؤمن جعل الإِيمان والقرآن في صدره { كمشكاة } قال : فصدر المؤمن المشكاة { فيها مصباح } والمصباح : النور ، وهو القرآن ، والإِيمان الذي جعل في صدره { في زجاجة } والزجاجة : قلبه . { كأنها كوكب دري } فقلبه مما استنار فيه القرآن والإِيمان كأنه كوكب دري يقول : كوكب مضيء . { توقد من شجرة مباركة } والشجرة المباركة : أصل المبارك الإِخلاص لله وحده . وعبادته لا شريك له . { زيتونة لا شرقية ولا غربية } قال : فمثله كمثل شجرة التف بها الشجر ، فهي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس على أي حالة كانت ، لا إذا طلعت ، ولا إذا غربت ، فكذلك هذا المؤمن قد أجير من أن يصله شيء من الفتن ، وقد ابتلي بها فثبته الله فيها ، فهو بين اربع خلال . إن قال صدق ، وإن حكم عدل ، وأن أعطى شكر ، وإن ابتلى صبر . فهو في سائر الناس كالرجل الحي ، يمشي بين قبور الأموات { نور على نور } فهو يتقلب في خمسة من النور . فكلامه نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى نور يوم القيامة إلى الجنة . ثم ضرب مثل الكافر فقال { والذين كفروا أعمالهم كسراب . . . } قال : وكذلك الكافر يجيء يوم القيامة وهو يحسب أن له عند الله خيراً فلا يجده ، ويدخله الله النار قال : وضرب مثلاً آخر للكافر فقال { أو كظلمات في بحر لجي } فهو يتقلب في خمس من الظلم : فكلامه ظلمة ، وعمله ظلمة ، ومخرجه ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات إلى النار .(7/300)
فكذلك ميت الأحياء يمشي في الناس لا يدري ماذا له وماذا عليه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن اليهود قالوا لمحمد : كيف يخلص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مثل ذلك لنوره فقال { الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة } والمشكاة : كوة البيت . { فيها مصباح } وهو السراج يكون في الزجاجة . وهو مثل ضربه الله لطاعته ، فسمى طاعته نوراً ، ثم سماها أنواعاً شتى { لا شرقية ولا غربية } قال : هي وسط الشجرة لا تنالها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت وذلك لوجود الزيت { يكاد زيتها يضيء } يقول : بغير نار { نور على نور } يعني بذلك إيمان العبد وعمله { يهدي الله لنوره من يشاء } هو مثل المؤمن .
وأخرج الطبراني وابن عدي وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنه في قوله { كمشكاة فيها مصباح } قال : المشكاة : جوف محمد صلى الله عليه وسلم . والزجاجة : قلبه . والمصباح : النور الذي في قلبه . { توقد من شجرة مباركة } الشجرة : إبراهيم . { زيتونة لا شرقية ولا غربية } لا يهودية ولا نصرانية ثم قرأ { ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين } [ آل عمران : 67 ] .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن شمر بن عطية قال : جاء ابن عباس رضي الله عنهما إلى كعب الأحبار فقال : حدثني عن قول الله { الله نور السماوات والأرض مثل نوره } قال : مثل نور محمد صلى الله عليه وسلم كمشكاة قال : المشكاة الكوة : ضربها مثلاً لفمه { فيها مصباح } والمصباح : قلبه . { في زجاجة } والزجاجة : صدره . { كأنها كوكب دري } شبه صدر محمد صلى الله عليه وسلم بالكوكب الدري ، ثم رجع إلى المصباح . إلى قلبه فقال : توقد من شجرة مباركة زيتونة يكاد زيتها يضيء قال : يكاد محمد صلى الله عليه وسلم يبين للناس ولو لم يتكلم أنه نبي ، كما يكاد ذلك الزيت أنه يضيء ولو لم تمسسه نار .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { الله نور السماوات والأرض } قال : الله هادي أهل السموات والأرض { مثل نوره } يا محمد في قلبك كمثل هذا المصباح في هذه المشكاة ، فكما هذا المصباح في هذه المشكاة كذلك فؤادك في قلبك . وشبه قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكوكب الدري الذي لا يخبو { توقد من شجرة مباركة زيتونة } تأخذ دينك عن إبراهيم عليه السلام . وهي الزيتونة { لا شرقية ولا غربية } ليس بنصراني فيصلي نحو المشرق ، ولا يهودي فيصلي نحو المغرب { يكاد زيتها يضيء } فيقول : يكاد محمد ينطق بالحكمة قبل أن يوحى إليه بالنور الذي جعل الله في قلبه .(7/301)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { مثل نوره } قال : محمد صلى الله عليه وسلم { يكاد زيتها يضيء } قال : يكاد من رأى محمداً صلى الله عليه وسلم يعلم أنه رسول الله وإن لم يتكلم .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه { الله نور السماوات والأرض مثل نوره } قال : مثل نور المؤمن .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه { مثل نوره } قال : مثل هذا القرآن في القلب { كمشكاة } قال : ككوة .
وأخرج ابن جرير عن أنس رضي الله عنه قال : إن إلهي يقول « إن نوري هداي » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله { كمشكاة } قال : هي موضع الفتيلة من القنديل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { كمشكاة } قال : ككوة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنه قال { كمشكاة } الكوة .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : { المشكاة } بلسان الحبشة . الكوة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : { المشكاة } الكوة بلغة الحبشة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن عياض { كمشكاة } قال : ككوة بلسان الحبشة .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { كمشكاة } قال : الكوة التي ليست بنافذة .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك . مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال { المشكاة } الكوة التي ليس لها منفذ { والمصباح } السراج .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { مثل نوره } قال : مثل نور الله في قلب المؤمن { كمشكاة } قال : الكوة { كأنها كوكب دري } قال : منير يضيء { زيتونة لا شرقية ولا غربية } قال : لا يفي عليها ظل شرقي ولا غربي كنا نتحدث انها صاحبة الشمس . وهو أصفى الزيت ، وأطيبه ، وأعذبه ، هذا مثل ضربه الله للقرآن أي قد جاءكم من الله نور وهدى متظاهر أن المؤمن يسمع كتاب الله . فوعاه ، وحفظه ، وانتفع بما فيه ، وعمل به ، فهذا مثل المؤمن .
وأخرج عبد بن الحميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { كمشكاة } قال : الصفر الذي في جوف القنديل { فيها مصباح } قال : السراج { في زجاجة } قال : القنديل { لا شرقية ولا غربية } قال : هي الشمس من حين تطلع إلى أن تغرب ليس لها ظل ، وذلك أضوأ لزيتها ، وأحسن له ، وأنور له { نور على نور } قال : النار على الزيت جاورته .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك { كأنها كوكب دري } قال : يعني الزهرة .(7/302)
ضرب الله مثل المؤمن مثل ذلك النور يقول : قلبه نور ، وجوفه نور ، ويمشي في نور .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { كوكب دري } قال : ضخم .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { زيتونة لا شرقية ولا غربية } قال : قلب إبراهيم لا يهودي ولا نصراني .
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لا شرقية ولا غربية } قال : شجرة لا يظلها كهف ولا جبل ، ولا يواريها شيء ، وهو ، أجود لزيتها .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة والضحاك رضي الله عنه ومحمد بن سيرين . مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لا شرقية ولا غربية } قال : ليست شرقية ليس فيها غرب ، ولا غربية ليس فيها شرق ، ولكنها شرقية غربية .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { لا شرقية ولا غربية } قال : هي في وسط الشجر لا تصيبها الشمس في شرق ولا غرب ، وهي من وجوه الشجر .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك ومحمد بن كعب . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال : لو كانت هذه الشجرة في الأرض لكانت شرقية أو غربية . ولكنه مثل ضربه الله لنوره .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما { توقد من شجرة مباركة } قال : رجل صالح { لا شرقية ولا غربية } قال : لا يهودي ولا نصراني .
وأخرج عبد بن حميد في مسنده والترمذي وابن ماجة عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي أسيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن عائشة رضي الله عنها « أنها ذكر عندها الزيت فقالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن يؤكل ، ويدهن ، ويستعط به ، ويقول » إنه من شجرة مباركة « » .
وأخرج الطبراني عن شريك بن سلمة قال : ضفت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة ، فأطعمني كسوراً من رأس بعير بارد ، وأطعمنا زيتاً . وقال : هذا الزيت المبارك الذي قال الله لنبيه .
وأخرج عبد بن الحميد عن عكرمة { يكاد زيتها يضيء } يقول : من شدة النور .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال الضوء إشراق الزيت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه { نور على نور } قال : نور النار ونور الزيت حين اجتمعا أضاءا . وكذلك نور القرآن ونور الإِيمان .
وأخرج ابن مردويه عن أبي العالية { نور على نور } قال : أتى نور الله تعالى على نور محمد .(7/303)
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { في بيوت أذن الله أن ترفع } قال : هي المساجد تكرم ، ونهى عن اللغو فيها ، { ويذكر فيها اسمه } ، يتلى فيها كتابه ، يسبح : يصلي له فيها ، بالغدوة : صلاة الغداة ، والآصال : صلاة العصر ، وهما أول ما فرض الله من الصلاة ، وأحب أن يذكرهما ويذكرهما عباده .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يجمع الناس في صعيد واحد ، ينفذهم البصر ، ويسمعهم الداعي ، فينادي مناد : سيعلم أهل الجمع لمن الكرم اليوم ثلاث مرات ثم يقول : أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع : ثم يقول : أين الذين كانت لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ ثم يقول : أين الحمادون الذين كانوا يحمدون ربهم؟ » .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { في بيوت أذن الله أن ترفع } قال : هي المساجد . أذن الله في بنيانها ورفعها ، وأمر بعمارتها وبطهورها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { في بيوت أذن الله أن ترفع } قال : في مساجد أن تبنى .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن في قوله { أذن الله أن ترفع } يقول : أن تعظم بذكره { يسبح } يصلي له فيها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد { في بيوت أذن الله أن ترفع } قال : إنما هي أربع مساجد لم يُبْنِهُنَّ إلا نبي . الكعبة بناها إبراهيم واسمعيل ، وبيت المقدس بناه داود وسليمان ، ومسجد المدينة بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسجد قباء أسس على التقوى بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة قال : « قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { في بيوت أذن الله أن ترفع } فقام إليه رجل فقال : أي بيوت هذه يا رسول الله؟ قال : بيوت الأنبياء . فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها؟ البيت علي وفاطمة قال : نعم . من أفاضلها » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن مردويه عن ابن بريدة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول : من دعا إلى الجمل الأحمر في المسجد فقال : » لا وجدته ثلاثاً إنما بنيت هذه المساجد للذي بنيت له « » وقال أبو سنان الشيباني في قوله { في بيوت أذن الله أن ترفع } قال : تعظم .
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن عائشة قالت : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور ، وأن تنظف وتطيب .
وأخرج أحمد عن عروة بن الزبير عمن حدثه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصنع المساجد في دورنا ، وأن نصلح صنعتها ، ونطهرها .(7/304)
وأخرج ابن أبي شيبة ، وأبو يعلى عن ابن عمر . أن عمر كان يجمر المسجد في كل جمعة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « التفل في المسجد خطيئة وكفارته أن يواريه » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والطبراني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « البزاق في المسجد خطيئة ودفنه حسنة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « البزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه » .
وأخرج البزار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « البزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه » .
وأخرج البزار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تبعث النخامة يوم القيامة في القبلة وهي في وجه صاحبها » .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من بزق في قبلة ولم يوارها جاءت يوم القيامة أحمى ما تكون حتى تقع بين عينيه » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة قال « من صلى فبزق تجاه القبلة جاءت البزقة يوم القيامة في وجهه » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال « إذا بزق في القبلة جاءت أحمى ما تكون يوم القيامة حتى تقع بين عينيه » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال : إن المسجد لينزوي من المخاط أو النخامة كما تنزوي الجلدة من النار .
وأخرج ابن أبي شيبة عن العباس بن عبد الرحمن الهاشمي قال : « أول ما خلقت المساجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المسجد نخامة ، فحكها ثم أمر بخلوق فلطخ مكانها قال » فخلق الناس المساجد « » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في قبلة المسجد نخامة ، فقام إليها فحكها بيده ، ثم دعا بخلوق فقال الشعبي : هو سنة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن يعقوب بن زيد؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتبع غبار المسجد بجريدة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال : كان المسجد يرش ويقم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن رجل من الأنصار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا وجد أحدكم القملة في المسجد فليصرها في ثوبه حتى يخرجها » .(7/305)
وأخرج ابن ماجة عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خصال لا ينبغين في المسجد : لا يتخذ طريقاً ، ولا يشهر فيه سلاح ، ولا يقبض فيه بقوس ، ولا يتخذ سوقاً » .
وأخرج ابن ماجة عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « جنبوا مساجدكم صبيانكم ، ومجانينكم ، وشراركم ، وبيعكم ، وخصوماتكم ، واقامة حدودكم ، وسل سيوفكم ، واتخذوا على أبوابها المطاهر ، وبخروها في الجمع » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا مر أحدكم بالنبل في المسجد فليمسك على نصولها » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع والشراء في المسجد ، وعن تناشد الأشعار ، ولفظ ابن أبي شيبة عن انشاد الضوال .
وأخرج الطبراني عن ثوبان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من رأيتموه ينشد شعراً في المسجد فقولوا له فض الله فاك ثلاث مرات ، ومن رأيتموه ينشد ضالة في المسجد فقولوا لا وجدتها ثلاث مرات ، ومن رأيتموه يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا : لا أربح الله تجارتك » .
وأخرج الطبراني عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تسل السيوف ، ولا تنثر النبل في المساجد ، ولا يحلف بالله في المساجد ، ولا تمنع القائلة في المساجد مقيماً ولا مضيفاً ، ولا تبنى التصاوير ، ولا تزين بالقوارير ، فإنما بنيت بالأمانة ، وشرفت بالكرامة » .
وأخرج الطبراني عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تقام الحدود في المساجد » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه قال لرجل أخرج حصاة من المسجد : ردها وإلا خاصمتك يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال : إن الحصاة إذا أخرجت من المسجد تناشد صاحبها .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : إذا خرجت الحصاة من المسجد صاحت أو سبحت .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : الحصاة تسب وتلعن من يخرجها من المسجد .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سليمان بن يسار قال : الحصاة إذا خرجت من المسجد تصيح حتى ترد إلى موضعها .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن ماجة عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد يقول : « بسم الله والسلام على رسول الله . اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك » . وإذا خرج قال : « بسم الله والسلام على رسول الله . اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك » .(7/306)
وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « اعطوا المساجد حقها قيل : وما حقها؟ قال : ركعتان قبل أن تجلس » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : من أشراط الساعة أن تتخذ المساجد طرقاً . والله أعلم .
أما قوله تعالى : { يسبح له فيها بالغدوّ والآصال } .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ ( يسبح ) بنصب الباء .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال : إن صلاة الضحى لفي القرآن ، وما يغوص عليها الأغواص . في قوله { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدوّ والآصال } .(7/307)
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)
أخرج أحمد عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « خير مساجد النساء قعر بيوتهن » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي حميد الساعدي عن أبيه عن جدته أم حميد قالت : قلت يا رسول الله تمنعنا أزواجنا أن نصلي معك ، ونحب الصلاة معك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صلاتكن في بيوتكن أفضل من صلاتكن في حجركن ، وصلاتكن في حجركن أفضل من صلاتكن في الجماعة » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : ما صلت امرأة قط صلاة أفضل من صلاة تصليها في بيتها ، إلا أن تصلي عند المسجد الحرام؛ إلا عجوز في منقلبها يعني حقبها .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة « عن رسول الله في قوله تعالى { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } قال : هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله » .
وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي سعيد الخدري « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } قال : هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } قال : كانوا رجالاً يبتغون من فضل الله يشترون ويبيعون ، فإذا سمعوا النداء بالصلاة ألقوا ما بأيديهم وقاموا إلى المسجد فصلوا .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } قال : أما والله ولقد كانوا تجاراً ، فلم تكن تجارتهم ولا بيعهم يلهيهم عن ذكر الله .
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في الآية قال : ضرب الله هذا المثل قوله { مثل نوره كمشكاة } لأولئك القوم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وكانوا اتجر الناس وأبيعهم ، ولمن لم تكن تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } قال : عن شهود الصلاة المكتوبة .
وأخرج الفريابي عن عطاء مثله .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر : انه كان في السوق ، فأقيمت الصلاة ، فأغلقوا حوانيتهم ، ثم دخلوا المسجد فقال ابن عمر : فيهم نزلت { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود : أنه رأى ناساً من أهل السوق سمعوا الأذان ، فتركوا أمتعتهم ، وقاموا إلى الصلاة فقال : هؤلاء الذين قال الله { لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } .(7/308)
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } قال : هم في أسواقهم يبيعون ويشترون ، فإذا جاء وقت الصلاة لم يلههم البيع والشراء عن الصلاة { يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار } قال : تتقلب في الجوف ، ولا تقدر تخرج حتى تقع في الحنجرة ، فهو قوله { إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين } [ غافر : 18 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله { يخافون يوماً } قال يوم القيامة .
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد عن أبي الدرداء قال : أحب أن أبايع على هذا الدرج ، وأربح كل يوم ثلثمائة دينار ، وأشهد الصلاة في الجماعة ، أما أنا لا أزعم أن ذلك ليس بحلال ، ولكنني أحب أن أكون من الذين قال الله { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } .
وأخرج هناد بن السري ، في الزهد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة ، وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان ، عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر؛ فيقوم مناد فينادي : أين الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء؟ فيقومون - وهم قليل - فيدخلون الجنة بغير حساب ، ثم يعود فينادي أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ فيقومون - وهم قليل - فيدخلون الجنة بغير حساب ، فيعود فينادي أين الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ فيقومون - وهم قليل - فيدخلون الجنة بغير حساب ، ثم يقوم سائر الناس فيحاسبون » .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عقبة بن عامر قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال : « يجمع الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ، ويسمعهم الداعي ، فينادي مناد : سيعلم أهل الموقف لمن الكرم اليوم ثلاث مرات ، ثم يقول : أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ ثم يقول : أين الذين كانت لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة؟ إلى آخر الآية . ثم يقول : أين الحمادون الذين كانوا يحمدون ربهم » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يقول الرب عز وجل » سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم فقيل : ومن أهل الكرم يا رسول الله؟ قال : أهل الذكر في المساجد « .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم . أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون؟ فيقومون فيتخطون رقاب الناس ، ثم ينادي مناد : سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم . أين الذين كانت لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ فيقومون فيتخطون رقاب الناس ، ثم ينادي أيضاً فيقول : سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم . أين الحمادون لله على كل حال؟ فيقومون وهم كثير . ثم تكون التبعة والحساب على من بقي .(7/309)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والذين كفروا أعمالهم كسراب } الآية . قال : هو مثل ضربه الله لرجل عطش ، فاشتد عطشه ، فرأى سراباً ، فحسبه ماء ، فظن أنه قدر عليه حتى أتى ، فلما أتاه لم يجده شيئاً وقبض عند ذلك يقول الكافر : كذلك أن عمله يغني عنه أو نافعه شيئاً . ولا يكون على شيء حتى يأتيه الموت ، فأتاه الموت لم يجد عمله أغنى عنه شيئاً ، ولم ينفعه إلا كما يقع العطشان المشتد إلى السراب { أو كظلمات في بحر لجي } قال : يعني بالظلمات : الأعمال . وبالبحر اللجي : قلب الإِنسان . { يغشاه موج } يعني بذلك الغشاوة التي على القلب ، والسمع والبصر .
وأخرج أبن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كسراب بقيعة } يقول : أرض مستوية .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { كسراب بقيعة } قال : بقاع من الأرض ، والسراب عمل الكافر { حتى إذا جاءه لم يجِدْهُ شيئاً } واتيانه إياه . موته وفراقه الدنيا { ووجد الله عنده } ووجد الله عند فراقه الدنيا { فوفاه حسابه } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { كسراب بقيعة } قال : بقيعة من الأرض .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبيه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال : « إن الكفار يبعثون يوم القيامة رداً عطاشاً فيقولون : أين الماء؟ فيمثل لهم السراب ، فيحسبونه ماء ، فينطلقون إليه ، فيجدون الله عنده ، فيوفيهم حسابهم . والله سريع الحساب » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة { أو كظلمات في بحر لجي } قال : اللجي : العميق القعر . { يغشاه موج من فوقه موج . . . } قال : هذا مثل عمل الكافر في ضلالات ليس له مخرج ولا منفذ . أعمى فيها لا يبصر .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : { إذا أخرج يده لم يكد يراها } قال : أما رأيت الرجل يقول : والله ما رأيتها ، وما كدت أن أراها .
وأخرج ابن المنذر عن أبي امامة أنه قال : أيها الناس إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات ، ويوشك أن تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو القبر . بيت الوحدة ، وبيت الظلمة ، وبيت الضيق إلا ما وسع الله ، ثم تنقلون إلى مواطن يوم القيامة ، وإنكم لفي بعض تلك المواطن حين يغشى الناس أمر من أمر الله ، فتبيض وجوه وتسود وجوه ، ثم تنتقلون إلى منزل آخر ، فيغشى الناس ظلمة شديدة ، ثم يقسم النور ، فيعطى المؤمن نوراً ، ويترك الكافر والمنافق فلا يعطى شيئاً ، وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه { أو كظلمات في بحر لجي } إلى قوله { فما له من نور } فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير .(7/310)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد في قوله { ألم تر أن الله يسبح له } إلى قوله { كل قد علم صلاته وتسبيحه } قال : الصلاة للإِنسان ، والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { والطير صافات } قال : بسط أجنحتهن .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { والطير صافات } قال : صافات بأجنحتها .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن مسعر في قوله { والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه } قال : قد سمي لها صلاة ، ولم يذكر ركوعاً ولا سجوداً .(7/311)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { فترى الودق } قال : المطر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد في قوله { فترى الودق } قال : القطر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بجيلة عن أبيه قال : { الودق } البرق .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { من خلاله } قال : السحاب .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قرأها { من خلله } بفتح الخاء من غير ألف .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن كعب قال : لو أن الجليد ينزل من السماء الرابعة ، لم يمر بشيء إلا أهلكه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يكاد سنا برقه } يقول : ضوء برقه .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { يكاد سنا برقه } قال : السنا الضوء . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت أبا سفيان بن الحارث وهو يقول :
يدعو إلى الحق لا يبغي به بدلاً ... يجلو بضوء سناه داجي الظلم
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة { يكاد سنا برقه } قال : لمعان البرق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب أن كعباً سأل عبد الله بن عمرو عن البرق قال : هو ما يسبق من البرد . وقرأ { جبال فيها من برد يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { يقلب الله الليل والنهار } قال : يأتي الليل ، ويذهب بالنهار ، ويأتي بالنهار ، ويذهب بالليل .(7/312)
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد { والله خلق كل دابة من ماء } قال : النطفة .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن مغفل أنه قرأ { والله خالق كل دابة من ماء } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال : كل شيء يمشي على أربع إلا الإِنسان ، والله أعلم .(7/313)
وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين } قال : أناس من المنافقين ، أظهروا الإِيمان والطاعة ، وهم في ذلك يصدون عن سبيل الله ، وطاعته ، وجهاد مع رسوله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال : إن الرجل كان يكون بينه وبين الرجل خصومة ، أو منازعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا دعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محق أذعن وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي له بالحق ، وإذا أراد أن يظلم فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرض وقال : انطلق إلى فلان فأنزل الله { وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم } إلى قوله { هم الظالمون } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كان بينه وبين أخيه شيء فدعاه إلى حكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم لا حق له » .
وأخرج الطبراني عن الحسن عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من دعي إلى سلطان فلم يجب فهو ظالم لا حق له » .(7/314)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53)
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أتى قوم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله لو أمرتنا أن نخرج من أموالنا لخرجنا فأنزل الله { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن } قال : ذلك من شأن الجهاد { قل لا تقسموا } قال : يأمرهم أن لا يحلفوا على شيء { طاعة معروفة } قال : أمرهم أن يكون منهم طاعة للنبي صلى الله عليه وسلم ، من غير أن يقسموا .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد { طاعة معروفة } يقول قد عرفت طاعتكم أي أنكم تكذبون به .(7/315)
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { فإنما عليه ما حمل } فيبلغ ما أرسل به إليكم { وعليكم ما حملتم } قال : أن تطيعوه وتعملوا بما أمركم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الزبير عن جابر أنه سئل : إن كان على امام فاجر فلقيت معه أهل ضلالة أقاتل أم لا ليس بي حبه ولا مظاهرة؟ قال : قاتل أهل الضلالة أينما وجدتهم ، وعلى الإِمام ما حمل وعليك ما حملت .
وأخرج البخاري في تاريخه عن وائل « أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كان علينا أمراء يعملون بغير طاعة الله تعالى؟ فقال : » عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم « » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والترمذي وابن جرير في تهذيبه وابن مردويه عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال : « قدم يزيد بن سلمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت إن كان علينا امراء يأخذوا منا الحق ولا يعطونا؟ فقال : » إنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم « » .
وأخرج ابن جرير وابن قانع والطبراني عن علقمة بن وائل الحضرمي عن سلمة بن يزيد الجهني قال : « قلت يا رسول الله أرأيت إن كان علينا أمراء من بعدك يأخذونا بالحق الذي علينا ، ويمنعونا الحق الذي جعله الله لنا ، نقاتلهم ونبغضهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم » عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم « » .(7/316)
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن البراء في قوله { وعد الله الذين آمنوا منكم } الآية . قال : فينا نزلت ونحن في خوف شديد .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة نحواً من عشر سنين يدعون إلى الله وحده ، وعبادته وحده لا شريك له ، سراً وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتى أمروا بالهجرة إلى المدينة ، فقدموا المدينة ، فأمرهم الله بالقتال وكانوا بها خائفين ، يمسون في السلاح ، ويصبحون في السلاح ، فغيروا بذلك ما شاء الله ، ثم إن رجلاً من أصحابه قال : يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا ، أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع فيه السلاح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لن تغيروا إلا قليلاً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبياً ليست فيهم جديدة « فأنزل الله { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض . . . } إلى آخر الآية . فاظهر الله نبيه على جزيرة العرب ، فأمنوا ووضعوا السلاح ، ثم إن الله قبض نبيه ، فكانوا كذلك آمنين في امارة أبي بكر وعمر وعثمان حتى وقعوا فيما وقعوا ، وكفروا النعمة ، فأدخل الله عليهم الخوف الذي كان رفع عنهم ، واتخذوا الحجر والشرط ، وغيروا فغير ما بهم » .
وأخرج ابن المنذر والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة عن أبي بن كعب قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة ، وآوتهم الأنصار ، رمتهم العرب عن قوس واحدة ، فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا فيه ، فقالوا : أترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله؟ فنزلت { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات . . . } .
وأخرج أحمد وابن مردويه واللفظ له والبيهقي في الدلائل عن أبي بن كعب قال : « لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات } قال : بشر هذه الأمة بالسنا ، والرفعة ، والدين ، والنصر ، والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب » .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { ليستخلفنهم } بالياء { في الأرض كما استخلف } برفع التاء وكسر اللام { وليمكنن } بالياء مثقلة { وليبدلنهم } مخففة بالياء .
وأخرج عبد بن حميد عن عطية { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } قال : أهل بيت ههنا وأشار بيده إلى القبلة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم } قال : هو الإِسلام .(7/317)
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس { يعبدونني لا يشركون بي شيئاً } قال : لا يخافون أحداً غيري .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد { يعبدونني لا يشركون بي شيئاً } قال : لا يخافون أحداً غيري { ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } قال : العاصون .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية { ومن كفر بعد ذلك } قال : كفر بهذه النعمة ليس الكفر بالله .
وأخرح ابن مردويه عن أبي الشعثاء قال : كنت جالساً مع حذيفة وابن مسعود فقال حذيفة : ذهب النفاق ، إنما كان النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو اليوم الكفر بعد الإِيمان ، فضحك ابن مسعود ثم قال : بم تقول؟ قال : بهذه الآية { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات . . } إلى آخر الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض } قال : سابقين في الأرض والله تعالى أعلم .(7/318)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)
أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ابن حيان قال : بلغنا أن رجلاً من الأنصار وامرأته أسماء بنت مرشدة صنعا للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فقالت أسماء : يا رسول الله ما أقبح هذا! انه ليدخل على المرأة وزوجها وهما في ثوب واحد كل منهما بغير إذن ، فأنزل الله في ذلك { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } من العبيد والاماء { والذين لم يبلغوا الحلم منكم } قال : من أحراركم من الرجال والنساء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في هذه الآية قال : كان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبهم أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات ليغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصلاة ، فأمرهم الله أن يأمروا المملوكين والغلمان أن لا يدخلوا عليهم في تلك الساعات إلا باذن .
وأخرج ابن مردويه عن ثعلبة القرظي عن عبد الله بن سويد قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العورات الثلاث فقال « إذا أنا وضعت ثيابي بعد الظهيرة ، لم يلج عليّ أحد من الخدم من الذين لم يبلغوا الحلم ، ولا أحد من الاجراء إلا باذن ، وإذا وضعت ثيابي بعد صلاة العشاء ، ومن قبل صلاة الصبح » .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري في الأدب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي ، أنه ركب عبد الله بن سويد أخي بني حارثة بن الحارث يسأله عن العورات الثلاث وكان يعمل بهن فقال : ما تريد؟ قال : أريد أن أعمل بهن فقال : إذا وضعت ثيابي من الظهيرة لم يدخل عليّ أحد من أهلي بلغ الحلم إلا بإذني إلا أن أدعوه فذلك اذنه ، ولا إذا طلع الفجر وتحرك الناس حتى تصلي الصلاة ، ولا إذا صليت العشاء الآخرة ووضعت ثيابي حتى أنام . قال : فتلك العورات الثلاث .
وأخرج ابن سعد عن سويد بن النعمان أنه سئل عن العورات الثلاث فقال : إذا وضعت ثيابي من الظهيرة لم يدخل علي أحد من أهلي إلا أن أدعوه فذلك اذنه ، واذا طلع الفجر وتحرك الناس حتى يصلي الصبح ، وإذا صليت العشاء وضعت ثيابي ، فتلك العورات الثلاث .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو داود وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : آية لم يؤمن بها أكثر الناس . آية الاذن وإني لآمر جاريتي هذه الجارية قصيرة قائمة على رأسه أن تستأذن علي .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال : هذه الآية تهاون الناس بها { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } وما نسخت قط .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي في قوله { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } قال : ليست منسوخة . قيل : فإن الناس لا يعملون بها قال : الله المستعان .(7/319)
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : يمكث الناس في الساعات الذين ملكت أيمانكم ، والذين لم يبلغوا الحلم منكم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ترك الناس ثلاث آيات فلم يعملوا بهن { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم . . . } والآية التي في سورة النساء { وإذا حضر القسمة } [ النساء : 8 ] والآية التي في الحجرات { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } [ الحجرات : 13 ] .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن عن ابن عباس في قوله { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم . . . } قال : إذا خلا الرجل بأهله بعد العشاء فلا يدخل عليه خادم ولا صبي إلا باذنه حتى يصلي الغداة ، وإذا خلا بأهله عند الظهر فمثل ذلك ، ورخص لهم في الدخول فيما بين ذلك بغير إذن . وهو قوله { ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن } فاما من بلغ الحلم فإنه لا يدخل على الرجل وأهله إلا باذن على كل حال . وهو قوله { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } .
وأخرج أبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في السنن عن ابن عباس أن رجلين سألاه عن الاستئذان في الثلاث عورات التي أمر الله بها في القرآن فقال ابن عباس : ان الله ستير يحب الستر ، وكان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ، ولا حجال في بيوتهم ، فربما فاجأ الرجل خادمه ، أو ولده ، أو يتيمه في حجره ، وهو على أهله . فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التي سمى الله ، ثم جاء الله بعد بالستور ، وبسط الله عليهم في الرزق ، فاتخذوا الستور ، واتخذوا الحجال ، فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر في قوله { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } قال هو على الذكور دون الاناث .
وأخرج الفريابي عن ابن عمر في قوله { ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم } قال : هو للاناث دون الذكور أن يدخلوا بغير إذن .
وأخرج ابن مردويه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم . . . } قال : نزلت في النساء أن يستأذن علينا .
وأخرج الحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب في قوله { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } قال : النساء فإن الرجال يستأذنون .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن السلمي في هذه الآية قال : هي في النساء خاصة . الرجال يستأذنون على كل حال بالليل والنهار .
وأخرج الفريابي عن موسى بن أبي عائشة قال : سألت الشعبي عن هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } أمنسوخة هي؟ قال : لا .(7/320)
.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { والذين لم يبلغوا الحلم منكم } قال : أبناؤكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { طوافون عليكم } قال : يعني بالطوّافين : الدخول والخروج غدوة وعشية بغير إذن . وفي قوله { وإذا بلغ الأطفال } يعني الصغار ، { منكم الحلم } يعني من الأحرار من ولد الرجل وأقاربه { فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } يعني كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقاربه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله { كما استأذن الذين من قبلهم } قال : كما استأذن الذين بلغوا الحلم من قبلهم ، الذين أمروا بالاستئذان على كل حال .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال : ليستأذن الرجل على أمه فانما نزلت { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم } في ذلك .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي في السنن عن ابن مسعود أن رجلاً سأله استأذن على أمي؟ فقال : نعم . ما على كل أحيانها تحب أن تراها .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب عن جابر قال : ليستأذن الرجل على ولده وأمه - وإن كانت عجوزاً - وأخيه وأخته وأبيه .
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عطاء أنه سأل ابن عباس استأذن على أختي؟ قال : نعم . قلت إنها في حجري ، وإني أنفق عليها ، وانها معي في البيت ، استأذن عليها؟ قال : نعم . إن الله يقول { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم . . . } فلم يؤمر هؤلاء بالإِذن إلا في هؤلاء العورات الثلاث قال : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } فالإِذن واجب على خلق الله أجمعين .
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم « أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم استأذن على أمي؟ قال : نعم . أتحب أن تراها عريانة » .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في السنن عن عطاء بن يسار « أن رجلاً قال : يا رسول الله استأذن على أمي؟ قال : نعم . قال : إني معها في البيت قال : استأذن عليها قال : إني خادمها أفاستأذن عليها كلما دخلت عليها؟ قال : أفتحب أن تراها عريانة؟ قال : لا . قال : فاستأذن عليها » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب والبيهقي عن حذيفة أنه سئل أيستأذن الرجل على والدته؟ قال : نعم . إن لم تفعل رأيت منها ما تكره .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين في قوله { والذين لم يبلغوا الحلم منكم } قال : كانوا يعلمونا إذا جاء أحدنا أن نقول السلام عليكم . أيدخل فلان؟ .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم قال الله تعالى { ومن بعد صلاة العشاء } وإنما العتمة عتمة الابل » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء ، فإنما هي في كتاب الله العشاء ، وإنما يعتم بحلاب الإِبل » .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ « ثلاث عورات » بالنصب .(7/321)
وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)
أخرج أبو داود والبيهقي في السنن عن ابن عباس { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } فنسخ واستثنى من ذلك { القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً . . . } الآية .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن عن ابن عباس في قوله { والقواعد من النساء } قال : هي المرأة لا جناح عليها أن تجلس في بيتها بدرع وخمار ، وتضع عنها الجلباب ما لم تتبرج ، لما يكره الله وهو قوله { فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة } .
وأخرج أبو عبيد في فضائله ، وابن المنذر ، وابن الأنباري في المصاحف ، والبيهقي في السنن عن ابن عباس أنه كان يقرأ { أن يضعن ثيابهن } ويقول : هي الجلباب .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في السنن عن ابن مسعود في قوله { فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن } قال : الجلباب والرداء .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عمر في الآية قال : تضع الجلباب .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن الحسن { والقواعد من النساء } يقول : المرأة إذا قعدت عن النكاح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { والقواعد من النساء } يعني المرأة الكبيرة التي لا تحيض من الكبر { اللاتي لا يرجون نكاحاً } يعني تزويجاً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { اللاتي لا يرجون نكاحاً } قال : لا يردنه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : أخبرني مسلم مولى امرأة حذيفة بن اليمان أنه خضب رأس مولاته فدخلت عليها فسألتها فقالت : نعم يا بني إني من { القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً } وقد قال الله في ذلك ما سمعت .
وأخرج ابن المنذر عن ميمون بن مهران قال : في مصحف أبي بن كعب ومصحف ابن مسعود { فليس عليهن جناح أن يضعن جلابيبهن غير متبرجات } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود وابن عباس أنهما كانا يقرآن { فليس عليهم جناح أن يضعن جلابيبهن غير متبرجات } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة أنها سئلت : عن الخضاب ، والصباغ ، والقرطين ، والخلخال ، وخاتم الذهب ، وثياب الرقاق ، فقال : يا معشر النساء قصتكن كلها واحدة ، أحل الله لكن الزينة غير متبرجات .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وأن يستعففن خير لهن } قال : يلبسن جلابيبهن .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في السنن عن عاصم الأحول قال : دخلت على حفصة بنت سيرين وقد ألقت عليها ثيابها فقلت أليس يقول الله { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن } قال : اقرأ ما بعده { وأن يستعففن خير لهن } هو ثياب الجلباب .(7/322)
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } [ النساء : 29 ] قالت الأنصار : ما بالمدينة مال أعز من الطعام . كانوا يتحرجون أن يأكلوا مع الأعمى يقولون : أنه لا يبصر موضع الطعام ، وكانوا يتحرجون الأكل مع الأعرج يقولون : الصحيح يسبقه إلى المكان ، ولا يستطيع أن يزاحم ، ويتحرجون الأكل مع المريض يقولون : لا يستطيع أن يأكل مثل الصحيح ، وكانوا يتحرجون أن يأكلوا في بيوت أقربائهم ، فنزلت { ليس على الأعمى حرج } يعني في الأكل مع الأعمى .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقسم قال : كانوا يكرهون أن يأكلوا مع الأعمى ، والأعرج ، والمريض ، لأنهم لا ينالون كما ينال الصحيح فنزلت { ليس على الأعمى حرج . . . } الآية .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وإبراهيم وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد قال : كان الرجل يذهب بالأعمى أو الأعرج والمريض إلى بيت أبيه ، أو بيت أخيه ، أو بيت أخته ، أو بيت عمه ، أو بيت عمته ، أو بيت خاله ، أو بيت خالته ، فكان الزمنى يتحرجون من ذلك يقولون : إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم ، فنزلت هذه الآية رخصة لهم .
وأخرج البزار وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن النجار عن عائشة قالت : كان المسلمون يرغبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيدفعون مفاتيحهم إلى أمنائهم ويقولون لهم : قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما احتجتم إليه ، فكانوا يقولون : إنه لا يحل لنا أن نأكل إنهم أذنوا لنا من غير طيب أنفسهم ، وإنما نحن أمناء ، فأنزل الله { ولا على أنفسكم أن تأكلوا } إلى قوله { أو ما ملكتم مفاتحه } .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله وابن المسيب أنه كان رجال من أهل العلم يحدثون إنما أنزلت هذه الآية في أمناء المسلمين ، كانوا يرغبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله ، فيعطون مفاتيحهم أمناءهم ويقولون لهم : قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا فيقول الذين استودعوهم المفاتيح : والله ما يحل لنا مما في بيوتهم شيء ، وإن أحلوه لنا حتى يرجعوا إلينا ، وانها لأمانة ائتمنا عليها ، فلم يزالوا على ذلك حتى أنزل الله هذه الآية ، فطابت أنفسهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال : لما نزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } [ النساء : 29 ] قال المسلمون : إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، والطعام هو من أفضل الأموال ، فلا يحل لأحد منا أن يأكل من عند أحد .(7/323)
فكف الناس عن ذلك فأنزل الله { ليس على الأعمى حرج } إلى قوله { أو ما ملكتم مفاتحه } وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته ، والذي رخص الله أن يأكل من ذلك الطعام ، والتمر ، وشرب اللبن ، وكانوا أيضاً يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره ، فرخص الله لهم فقال { ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال : كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالطهم في طعامهم أعمى ، ولا مريض ، ولا أعرج ، لأن الأعمى لا يبصر طيب الطعام ، والمريض لا يستوفي الطعام كما يستوفي الصحيح ، والأعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام ، فنزلت رخصة في مؤاكلتهم .
وأخرج الثعلبي عن ابن عباس قال : خرج الحارث غازياً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف على أهله خالد بن زيد ، فحرج أن يأكل من طعامه ، وكان مجهوداً ، فنزلت .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود في مراسيله وابن جرير والبيهقي عن الزهري أنه سئل عن قوله { ليس على الأعمى حرج } الآية ما بال الأعمى والأعرج والمريض ذكروا هنا؟ فقال : أخبرنا عبيد الله بن عبد الله : أن المسلمين كانوا إذا غزوا أقاموا أوصاتهم ، وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم يقولون : قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا ، وكانوا يتحرجون من ذلك يقولون : لا ندخلها وهم غيب فأنزلت هذه الآية رخصة لهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كان هذا الحي من بني كنانة بن خزيمة يرى أحدهم أن عليه مخزاة أن يأكل وحده في الجاهلية حتى إن كان الرجل بسوق الذود الحفل وهو جائع حتى يجد ما يؤاكله ، ويشاربه فأنزل الله { ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة وأبي صالح قالا : كانت الأنصار إذا نزل بهم الضيف لا يأكلون معه حتى يأكل معهم الضيف ، فنزلت رخصة لهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { أو صديقكم } قال : إذا دخلت بيت صديقك من غير مؤامرته ، ثم أكلت من طعامه بغير إذنه ، لم يكن بذلك بأس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { أو صديقكم } قال : هذا شيء قد انقطع إنما كان هذا في أوله ، ولم يكن لهم أبواب ، وكانت الستور مرخاة ، فربما دخل الرجل البيت وليس فيه أحد ، فربما وجد الطعام وهو جائع ، فسوّغ له الله أن يأكله قال : وذهب ذلك . اليوم البيوت فيها أهلها ، فإذا خرجوا أغلقوا ، فقد ذهب ذلك .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله { فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم } يقول : إذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أهلها تحية من عند الله؛ وهو السلام ، لأنه اسم الله وهو تحية أهل الجنة .(7/324)
وأخرج البخاري في الأدب وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله مباركة طيبة قال أبو الزبير : ما رأيته إلا أوجبه .
وأخرج الحاكم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلها ، واذا طعمتم فاذكروا اسم الله ، وإذا سلم أحدكم حين يدخل بيته وذكر اسم الله على طعامه يقول الشيطان لأصحابه : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا لم يسلم أحدكم ولم يسم يقول الشيطان لأصحابه : أدركتم المبيت والعشاء » .
وأخرج البخاري في الأدب عن جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله ، وعند طعامه ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، فإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت وإن لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان : أدركتم المبيت والعشاء » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته يقول « السلام علينا من ربنا التحيات الطيبات المباركات لله سلام عليكم » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عطاء قال : إذا دخلت على أهلك فقل : السلام عليكم تحية من عند الله مباركة طيبة ، فإذا لم يكن فيه أحد فقل : السلام علينا من ربنا .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن ماهان في قوله { فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم } قال : يقول السلام علينا من ربنا .
وأخرج الطبراني عن أبي البختري قال : جاء الاشعث بن قيس ، وجرير بن عبدالله البجلي ، إلى سلمان فقالا : جئناك من عند أخيك أبي الدرداء قال : فأين هديته التي أرسلها معكما؟ قالا : ما أرسل معنا بهدية قال : اتقيا الله ، وأديا الأمانة ، ما جاءني أحد من عنده إلا جاء معه بهدية قالا : والله ما بعث معنا شيئاً إلا أنه قال : اقرؤوه مني السلام قال : فأي هدية كنت أريد منكما غير هدية؟ وأي هدية أفضل من السلام تحية من عند الله مباركة طيبة؟
وأخرج الطبراني عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من سره أن لا يجد الشيطان عنده طعاماً ، ولا مقيلاً ، ولا ميتاً ، فليسلم إذا دخل بيته ، وليسم على طعامه » .
وأخرج ابن عدي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(7/325)
« إذا قام أحدكم على حجرته ليدخل فليسم الله فإنه يرجع قرينه من الشيطان الذي معه ولا يدخل ، فإذا دخلتم فسلموا فأنه يخرج ساكنه منهم ، وإذا وضع الطعام فسموا فإنكم تدحرون الخبيث إبليس عن أرزاقكم ، ولا يشرككم فيها ، وإذا ارتحلتم دابة فسموا الله حين تضعون أول حلس ، فإن كل دابة معتقدة وإنكم إذا سميتم حططتموه عن ظهرها ، وإن نسيتم ذلك شرككم في مراكبكم . ولا تبيتوا منديل الغمر معكم في البيت ، فأنه بيت الشيطان ومضجعه ، ولا تتركوا العمامة ممسية إذا جمعت في جانب الحجرة ، فإنها مقعد الشيطان ، ولا تسكنوا بيوتاً غير مغلقة ، ولا تفترشوا الزبالا التي تفضي إلى ظهور الدواب ، ولا تبيتوا على سطح ليس بمحجور ، وإذا سمعتم نباح الكلاب أو نهيق الحمار فاستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم ، فإنهما لا يريان الشيطان إلا نبح ونهق الحمار » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « للاسلام ضياء وعلامات كمنار الطريق فرأسها وجماعها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله واقام الصلاة ، وايتاء الزكاة ، وتمام الوضوء ، والحكم بكتاب الله وسنة نبيه ، وطاعة ولاة الأمر ، وتسليمكم على أنفسكم ، وتسليمكم إذا دخلتم بيوتكم ، وتسليمكم على بني آدم إذا لقيتموهم » .
وأخرج البزار وابن عدي والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس قال : أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بخمس خصال قال « أسبغ الوضوء يزد في عمرك ، وسلم على من لقيك من أمتي تكثر حسناتك ، وإذا دخلت بيتك فسلم على أهل بيتك يكثر خير بيتك ، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأوابين قبلك ، يا أنس ارحم الصغير ، ووقر الكبير ، تكن من رفقائي يوم القيامة » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس في قوله { فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم } قال : هو المسجد إذا دخلته فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن أبي مالك قال : إذا دخلت بيتاً فيه ناس من المسلمين فسلم عليهم ، وإن لم يكن فيه أحد أو كان فيه ناس من المشركين فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب عن ابن عمر قال : إذا دخل البيت غير المسكون ، أو المسجد ، فيلقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : إذا دخلت بيتك وليس فيه أحد أو بيت غيرك فقل : بسم الله والحمد لله ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن قتادة في قوله { فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم } قال : إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك ، وإذا دخلت بيتاً لا أحد فيه فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإنه كان يؤمر بذلك ، وحدثنا أن الملائكة ترد عليه .(7/326)
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { فسلموا على أنفسكم } قال : ليسلم بعضكم على بعض كقوله { ولا تقتلوا أنفسكم } [ النساء : 29 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { فسلموا على أنفسكم } قال : إذا دخل المسلم على المسلم سلم عليه مثل قوله { ولا تقتلوا أنفسكم } [ النساء : 29 ] إنما هو لا تقتل أخاك المسلم وقوله { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } [ البقرة : 85 ] قال : يقتل بعضكم بعضاً . قريظة ، والنضير . وقوله { جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } [ الروم : 21 ] كيف يكون زوج الإِنسان من نفسه؟ إنما هي جعل لكم أرواحاً من بني آدم ولم يجعل من الإِبل والبقر وكل شيء في القرآن على هذا .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { فسلموا على أنفسكم } قال : بعضكم على بعض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ما أخذت التشهد إلا من كتاب الله سمعت الله يقول { فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة } فالتشهد في الصلاة « التحيات المباركات الطيبات لله » .
وأخرج سعيد بن منصور عن ثابت بن عبيد قال : أتيت ابن عمر قبل الغداة . وهو جالس في المسجد فقال لي : ألا سلمت حين جئت؟ فانها تحية من عند الله مباركة .(7/327)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
أخرج ابن إسحق وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن عروة ومحمد بن كعب القرظي قالا : لما أقبلت قريش عام الأحزاب ، نزلوا بمجمع الأسيال من بئر رومة بالمدينة قائدها أبو سفيان ، وأقبلت غطفان حتى نزلوا بتغمين إلى جانب أحد ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ، وضرب الخندق على المدينة وعمل فيه ، وعمل المسلمون فيه ، وابطأ رجال من المنافقين ، وجعلوا يورون بالضعيف من العمل ، فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا اذن ، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها ، يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق لحاجته ، فيأذن له فإذا قضى حاجته رجع ، فأنزل الله في أولئك المؤمنين { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع . . . } إلى قوله { والله بكل شيء عليم } [ النور : 64 ] .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه } قال : ذلك في الغزو ، والجمعة ، وإذن الإِمام يوم الجمعة : أن يشير بيده .
وأخرج الفريابي عن مكحول في قوله { وإذا كانوا معه على أمر جامع } قال : إذا جمعهم لأمر حزبهم من الحرب ونحوه لم يذهبوا حتى يستأذنوه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : هي في الجهاد ، والجمعة ، والعيدين .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { على أمر جامع } قال : من طاعة الله .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن سيرين قال : كان الناس يستأذنون في الجمعة ويقولون : هكذا ويشيرون بثلاث أصابع . فلما كان زياد كثر عليه فاغتم فقال : من أمسك على أذنه فهو أذنه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مكحول في الآية قال : يعمل بها الآن في الجمعة والزحف .
وأخرج سعيد بن منصور عن إسمعيل بن عياش قال : رأيت عمرو بن قيس السكوني يخطب الناس يوم الجمعة ، فقام إليه أبو المدلَّهْ اليحصبي في شيء وجده في بطنه ، فأشار إليه عمرو بيده أي انصرف ، فسألت عمراً وأبا المدلَّهْ فقال : هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعون .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً } قال : كانوا يقولون : يا محمد . يا أبا القاسم . فنهاهم الله عن ذلك اعظاماً لنبيه صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا نبي الله يا رسول الله .(7/328)
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً } يعني كدعاء أحدكم إذا دعا أخاه باسمه ، ولكن وقروه ، وعظموه ، وقولوا له : يا رسول الله . ويا نبي الله .
وأخرج عبد الغني بن سعيد في تفسيره وأبو نعيم في تفسيره عن ابن عباس في قوله { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً } يريد ولا تصيحوا به من بعيد : يا أبا القاسم . ولكن كما قال الله في الحجرات { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله } [ الحجرات : 3 ] .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : أمرهم الله أن يدعوه : يا رسول الله . في لين وتواضع ولا يقولوا : يا محمد . في تجهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : أمر الله أن يهاب نبيه ، وأن يُبَجَّلَ ، وأن يعظم ، وأن يفخم ، ويشرف .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في الآية قال : لا تقولوا يا محمد . ولكن قولوا يا رسول الله .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير والحسن . مثله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم } يقول : دعوة الرسول عليكم موجبة ، فاحذروها .
وأخرج سعيد بن منصور عن الشعبي في الآية قال : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم على بعض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله { قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً } قال : هم المنافقون . كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة - ويعني بالحديث الخطبة - فيلوذون ببعض الصحابة حتى يخرجوا من المسجد ، وكان لا يصلح للرجل أن يخرج من المسجد إلا بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة بعدما يأخذ في الخطبة ، وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بأصبعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل ، لأن الرجل منهم كان إذا تكلم والنبي يخطب بطلت جمعته .
وأخرج أبو داود في مراسيله عن مقاتل قال : كان لا يخرج أحد لرعاف ، أو أحداث ، حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بأصبعه التي تلي الابهام ، فيأذن له النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بيده ، وكان من المنافقين من يثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد ، فكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه يستتر به حتى يخرج ، فأنزل الله { قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً } .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً } قال : يتسللون عن نبي الله ، وعن كتابه ، وعن ذكره .(7/329)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { لواذاً } قال : خلافاً .
وأخرج عبد بن حميد عن سفيان { قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً } قال : يتسللون من الصف في القتال { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة } قال : أن يطبع على قلوبهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن صالح قال : إني لخائف على من ترك المسح على الخفين أن يكون داخلاً في هذه الآية { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن يحيى بن أبي كثير قال : « نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقاتلوا ناحية من خيبر ، فانصرف الرجال عنهم وبقي رجل ، فقاتلهم ، فرموه ، فقتلوه ، فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبعد ما نهينا عن القتال؟ فقالوا : نعم . فتركه ولم يصل عليه » .
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال : « أشد حديث سمعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله في سعد بن معاذ في أمر القبر . ولما كانت غزوة تبوك قال » لا يخرج معنا إلا رجل مُقْوٍ « فخرج رجل على بكر له صعب ، فصرعه ، فمات فقال الناس : الشهيد الشهيد . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن ينادي في الناس » لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يدخل الجنة عاص « .
وأخرج عبد الرزاق عن زيد بن أسلم » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم وهو مستقبل العدو : لا يقاتل أحد منكم ، فعمد رجل منهم ورمى العدو وقاتلهم ، فقتلوه ، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم استشهد فلان فقال : أبعد ما نهيت عن القتال؟ قالوا : نعم . قال « لا يدخل الجنة عاص » « .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله { لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله } [ التوبة : 44 ] قال : كان لا يستأذنه إذا غزا إلا المنافقون . فكان لا يحل لأحد أن يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يتخلف بعده إذا غزا ، ولا تنطلق سرية إلا باذنه ، ولم يجعل الله للنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لأحد حتى نزلت الآية { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع } يقول : أمر طاعة { لم يذهبوا حتى يستأذنوه } فجعل الاذن إليه يأذن لمن يشاء . فكان إذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس لأمر يأمرهم وينهاهم صبر المؤمنون في مجالسهم ، وأحبوا ما أحدث لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يوحى إليه ، وبما أحبوا وكرهوا ، فإذا كان شيء مما يكره المنافقون ، خرجوا يتسللون يلوذ الرجل بالرجل يستتر لكي لا يراه النبي صلى الله عليه وسلم . فقال الله تعالى : إن الله تعالى يبصر الذين يتسللون منكم لواذاً .(7/330)
أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)
أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { قد يعلم ما أنتم عليه } الآية . قال : ما كان قوم قط على أمر ولا على حال إلا كانوا بعين الله ، وإلا كان عليهم شاهد من الله .
وأخرج أبو عبيد في فضائله والطبراني بسند حسن عن عقبة بن عامر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية؛ يعني خاتمة سورة النور ، وهو جاعل أصبعيه تحت عينيه يقول . « والله بكل شيء بصير » والله أعلم .(7/331)
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : تبارك تفاعل من البركة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده } قال : هو القرآن فيه حلال الله وحرامه ، وشرائعه ودينه ، فرق الله به بين الحق والباطل { ليكون للعالمين نذيراً } قال : بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم نذيراً من الله لينذر الناس بأس الله ، ووقائعه بمن خلا قبلكم { وخلق كل شيء فقدره تقديراً } قال : بين لكل شيء من خلقه صلاحه ، وجعل ذلك بقدر معلوم .
{ واتخذوا من دونه آلهة } قال : هي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله { لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون } وهو الله الخالق الرازق وهذه الأوثان تخلق ولا تخلق شيئاً ، ولا تضر ولا تنفع ، ولا تملك موتاً ولا حياة ، ولا نشوراً يعني بعثاً { وقال الذين كفروا إن هذا } هذا قول مشركي العرب { إلا إفك } هو الكذب { افتراه وأعانه عليه } أي على حديثه هذا وأمره { قوم آخرون فقد جاءوا } فقد أتوا { ظلماً وزوراً } { وقالوا أساطير الأولين } قال : كذب الأولين وأحاديثهم { وقالوا ما لهذا الرسول! } قال : عجب الكفار من ذلك أن يكون رسول { يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً ، أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها } قال الله يرد عليهم { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك } يقول : خيراً مما قال الكفار من الكنز والجنة { جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً } قال : وإنه والله من دخل الجنة ليصيبن قصوراً لا تبلى ولا تهدم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كل شيء في القرأن افك ، فهو كذب .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وأعانه عليه قوم آخرون } قال : يهود { فقد جاءوا ظلماً وزوراً } قال : كذباً .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس . « أن عتبة وشيبة ابني ربيعة ، وأبا سفيان بن حرب ، والنضر بن الحارث ، وأبا البختري ، والأسود بن المطلب ، وزمعة بن الأسود ، والوليد بن المغيرة ، وأبا جهل بن هشام ، وعبد الله بن أمية ، وأمية بن خلف ، والعاصي بن وائل ، ونبيه بن الحجاج . اجتمعوا فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا منه ، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك قال : فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له : يا محمد انا بعثنا إليك لنعذر منك . فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا ، وإن كنت تطلب الشرف فنحن نسودك ، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لي مما تقولون . ما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً ، وأنزل علي كتاباً ، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً ، فبلغتكم رسالة ربي ، ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم .
قالوا : يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئاً مما عرضنا عليك قالوا : فإذا لم تفعل هذا فسل لنفسك وسل ربك أن يبعث معك ملكاً يصدقك بما تقول ، ويراجعنا عنك ، وسله أن يجعل لك جناناً ، وقصوراً من ذهب وفضة تغنيك عما تبتغي - فإنك تقوم بالأسواق ، وتلتمس المعاش كما نلتمسه - حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنا بفاعل . ما أنا بالذي يسأل ربه هذا؛ وما بعثت إليكم بهذا ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراً ، فأنزل الله في قولهم ذلك { وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام } إلى قوله { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيراً } أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا ، ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسولي فلا تخالفوه لفعلت » .(7/332)
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وقال الظالمون إن تتبعون } قاله الوليد بن المغيرة وأصحابه يوم دار الندوة .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً } قال : مخرجاً يخرجهم من الأمثال التي ضربوا لك وفي قوله { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري } قال : حوائط { ويجعل لك قصوراً } قال : بيوتاً مبنية مشيدة . كانت قريش ترى البيت من حجارة قصراً كائناً ما كان .
وأخرج الواحدي وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة قالوا { مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ، فنزل جبريل فقال : إن ربك يقرئك السلام ويقول { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } ثم أتاه رضوان خازن الجنان ومعه سفط من نور يتلألأ فقال : هذه مفاتيح خزائن الدنيا ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير له ، فضرب جبريل إلى الأرض أن تواضع فقال : يا رضوان لا حاجة لي فيها ، فنودي : أن ارفع بصرك ، فرفع فإذا السموات فتحت أبوابها إلى العرش ، وبدت جنات عدن ، فرأى منازل الأنبياء وعرفهم ، وإذا منازله فوق منازل الأنبياء فقال : رضيت . ويرون أن هذه الآية أنزلها رضوان { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك } » .(7/333)
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن خيثمة قال : « قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن شئت أعطيناك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم يعط نبي قبلك ، ولا يعطاه أحد بعدك ، ولا ينقصك ذلك مما لك عند الله شيئاً ، وإن شئت جمعتها لك في الآخرة قال : اجمعها لي في الآخرة ، فأنزل الله { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً } » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بينما جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال « هذا ملك تدلى من السماء إلى الأرض . ما نزل إلى الأرض قط قبلها ، استأذن ربه في زيارتك ، فأذن له ، فلم يلبث ان جاء فقال : السلام عليك يا رسول الله قال : وعليك السلام قال : إن الله يخبرك إن شئت أن يعطيك من خزائن كل شيء ومفاتيح كل شيء ، لم يعط أحداً قبلك ، ولا يعطيه أحداً بعدك ، ولا ينقصك مما دخر لك عنده شيئاً فقال : لا بل يجمعهما لي في الآخرة جميعاً فنزلت { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك } » .(7/334)
إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { إذا رأتهم من مكان بعيد } قال : من مسيرة مائة عام .
وأخرج الطبراني وابن مردويه من طريق مكحول عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعداً من بين عيني جهنم » . قالوا : يا رسول الله وهل لجهنم من عين؟ قال : « نعم . أما سمعتم الله يقول { إذا رأتهم من مكان بعيد } فهل تراهم إلا بعينين » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق خالد بن دريك عن رجل من الصحابة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من يقل عليَّ ما لم أقل أو ادعى إلى غير والديه ، أو انتمى إلى غير مواليه ، فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً . قيل : يا رسول الله وهل لها من عينين؟ قال : نعم . أما سمعتم الله يقول { إذا رأتهم من مكان بعيد } » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس قال : إن العبد ليجر إلى النار فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير ، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف ، وإن الرجل من أهل النار ما بين شحمة أذنيه وبين منكبيه مسيرة سبعين سنة ، وإن فيها لأودية من قيح تكال ثم تصب في فيه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير في قوله { سمعوا لها تغيظاً وزفيراً } قال : إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا ترعد فرائصه حتى أن إبراهيم عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول : يا رب لا أسألك اليوم إلا نفسي .
وأخرج ابن وهب في الأهوال عن العطاف بن خالد قال : « يؤتى بجهنم يومئذ يأكل بعضها بعضاً يقودها سبعون ألف ملك ، فإذا رأت الناس فذلك قوله { إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً } زفرت زفرة لا يبقى نبي ولا صديق إلا برك لركبتيه ويقول : يا رب نفسي نفسي ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمتي . . . أمتي » .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن مغيث بن سمي قال : ما خلق الله من شيء إلا وهو يسمع زفير جهنم غدوة وعشية ، إلا الثقلين الذين عليهم الحساب والعقاب .
وأخرج آدم بن أبي اياس في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إذا رأتهم من مكان بعيد } قال : من مسيرة مائة عام وذلك إذا أتي بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام يشد بكل زمام سبعون ألف ملك ، لو تركت لأتت على كل بر وفاجر { سمعوا لها تغيظاً وزفيراً } تزفر زفرة لا يبقى قطرة من دمع إلا بدرت ، ثم تزفر الثانية فتنقطع القلوب من أماكنها ، وتبلغ القلوب الحناجر .(7/335)
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن كعب قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد ، ونزلت الملائكة صفوفاً فيقول الله لجبريل : ائت بجهنم ، فيأتي بها تقاد بسبعين ألف زمام حتى إذا كانت من الخلائق على قدر عام زفرت زفرة طارت لها أفئدة الخلائق ، ثم تزفر زفرة ثانية ، فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثى لركبتيه ، ثم تزفر الثالثة ، فتبلغ القلوب الحناجر ، وتذهل العقول ، فيفزع كل أمرىء إلى عمله حتى أن إبراهيم عليه السلام يقول : بخلتي لا أسألك إلا نفسي . ويقول موسى : بمناجاتي لا أسألك إلا نفسي . ويقول عيسى : بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي ، لا أسألك مريم التي ولدتني . ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول : أمتي . . . أمتي . . . لا أسألك اليوم نفسي . فيجيبه الجليل جل جلاله ألا إن أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . فوعزتي لا قرن عينك في أمتك ، ثم تقف الملائكة بين يدي الله تعالى ينتظرون ما يؤمرون .(7/336)
وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)
أخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله { وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين } قال « والذي نفسي بيده أنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط » .
وأخرج ابن أبي حاتم من طرق عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمر { إذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً } قال : مثل الزج في الرمح .
وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق قتادة في الآية قال ذكر لنا أن عبد الله كان يقول : إن جهنم لتضيق على الكافر كضيق الزج على الرمح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله { مقرنين } قال : مكتفين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك { دعوا هنالك ثبوراً } قال : دعوا بالهلاك فقالوا : واهلاكاه . واهلكتاه . فقيل لهم : لا تدعوا اليوم بهلاك واحد ، ولكن ادعوا بهلاك كثير .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث بسند صحيح عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن أول من يكسى حلة من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من بعده ، وهو ينادي : يا ثبوراه . ويقولون : يا ثبورهم حتى يقف على النار فيقول : يا ثبوراه . ويقولون : واثبورهم فيقال لهم { لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً } » .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { دعوا هنالك ثبوراً } قال : ويلاً وهلاكاً .(7/337)
قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { كانت لهم جزاء } أي من الله { ومصيراً } أي منزلاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن يسار قال : قال كعب الأحبار : من مات وهو يشرب الخمر لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة قال عطاء : فقلت له : فإن الله تعالى يقول { لهم فيها ما يشاءون } قال كعب : إنه ينساها فلا يذكرها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كان على ربك وعداً مسئولاً } يقول : سلوا الذي وعدتكم تنجزوه .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي من طريق سعيد بن هلال عن محمد بن كعب القرظي في قوله { كان على ربك وعداً مسئولاً } قال : إن الملائكة تسأل لهم ذلك في قولهم { وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم } [ غافر : 8 ] قال سعيد : وسمعت أبا حازم يقول : إذا كان يوم القيامة قال المؤمنون : ربنا عملنا لك بالذي أمرتنا ، فانجز لنا ما وعدتنا . فذلك قوله { وعداً مسئولاً } .(7/338)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول ءأنتم أضللتم عبادي } قال : عيسى وعزير والملائكة .
وأخرج الحاكم وابن مردويه بسند ضعيف عن عبد الله بن غنم قال : سألت معاذ بن جبل عن قول الله { وما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء } أو نتخذ فقال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ { إن نتخذ } بنصب النون فسألته عن { الم غلبت الروم } [ الروم : 1-2 ] أو غلبت قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ( غلبت الروم ) .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن الضحاك قال : قرأ رجل عند علقمة { ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك } برفع النون ونصب الخاء فقال علقمة { أن نتخذ } بنصب النون وخفض الخاء .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه كان يقرؤها { ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك } برفع النون ونصب الخاء .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء } قال : هذا قول الآلهة { ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوماً بوراً } قال : البور : الفاسد . وانه ما نسي الذكر قوم قط إلاَّ باروا ، وفسدوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قوماً بوراً } هَلْكَى .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله عز وجل { قوماً بوراً } قال هلكى بلغة عمان وهم من اليمن قال : وهل تعرف العرب ذلك قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر وهو يقول :
فلا تكفروا ما قد صنعنا إليكم ... وكافراً به فالكفر بور لصانعه
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : البور : بكلام عمان .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن { بوراً } قال قاسين لا خير فيهم .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { قوماً بوراً } قال : هالكين { فقد كذبوكم بما تقولون } يقول الله للذين كانوا يعبدون عيسى وعزيراً والملائكة حين قالوا سبحانك! أنت ولينا من دونهم فقد كذبوكم بما تقولون عيسى ، وعزيراً ، والملائكة حين يكذبون المشركين ، بقولهم { فما يستطيعون صرفاً ولا نصراً } قال : المشركون لا يستطيعون صرف العذاب ، ولا نصر أنفسهم .
أما قوله تعالى : { ومن يظلم منكم نذقه عذاباً كبيراً } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : قرأت اثنين وسبعين كتاباً كلها نزلت من السماء ما سمعت كتاباً أكثر تكريراً فيه الظلم معاتبة عليه من القرآن . وذلك أن الله علم أن فتنة هذه الأمة تكون في الظلم ، وأما الآخر فإن أكثر معاتبته إياهم في الشرك ، وعبادة الأوثان .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن في قوله { ومن يظلم منكم } قال هو الشرك .
وأخرج ابن جرير عن ابن جرير في قوله { ومن يظلم منكم } قال : يشرك .(7/339)
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } يقول : إن الرسل قبل محمد كانوا بهذه المنزلة { يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة } قال : بلاء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن الحسن { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة } قال : يقول الفقير : لو شاء الله لجعلني غنياً مثل فلان . ويقول السقيم : لو شاء الله لجعلني صحيحاً مثل فلان . ويقول الأعمى : لو شاء الله لجعلني بصيراً مثل فلان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة } قال : هو التفاضل في الدنيا ، والقدرة ، والقهر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة } قال : يمسك على هذا ويوسع على هذا فيقول : لم يعطني ربي ما أعطى فلاناً . ويبتلى بالوجع فيقول : لم يجعلني ربي صحيحاً مثل فلان . في أشباه ذلك من البلاء ليعلم من يصبر ممن يجزع { وكان ربك بصيراً } بمن يصبر ومن يجزع .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لو شاء الله لجعلكم أغنياء كلكم لا فقير فيكم . ولو شاء الله لجعلكم فقراء كلكم لا غني فيكم . ولكن ابتلى بعضكم ببعض » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن رفاعة بن رافع الزرقي قال : قال رجل : يا رسول الله كيف ترى في رقيقنا . أقوام مسلمين يصلون صلاتنا ، ويصومون صومنا ، نضربهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « توزن ذنوبهم وعقوبتكم إياهم فإن كانت عقوبتكم أكثر من ذنوبهم أخذوا منكم قال : أفرأيت سبنا إياهم؟ قال : يوزن ذنبهم وأذاكم إياهم فإن كان اذاكم أكثر أعطوا منكم قال الرجل : ما أسمع عدوّاً أقرب اليّ منهم! فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيراً } فقال الرجل : أرأيت يا رسول الله ولدي أضر بهم؟ قال : إنك لا تتهم في ولدك ، فلا تطيب نفساً تشبع ويجوع ، ولا تكتسي ويعروا » .(7/340)
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وقال الذين لا يرجون لقاءنا } قال : هذا قول كفار قريش { لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا } فيخبرنا أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير في قوله { وقال الذين لا يرجون لقاءنا } قال لا يسألون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة { لولا أنزل علينا الملائكة } أي نراهم عياناً .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وعتو عتواً كبيراً } قال : شدة الكفر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : { العتو } في كتاب الله التجبر .(7/341)
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { يوم يرون الملائكة } قال : يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في قوله { لا بشرى يومئذ للمجرمين } قال : إذا كان يوم القيامة يلقى المؤمن بالبشرى ، فإذا رأى ذلك الكفار قالوا للملائكة : بشرونا قالوا : حجراً محجوراً . حراماً محرماً أن نتلقاكم بالبشرى .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { ويقولون حجراً محجوراً } قال : عوذاً معاذاً الملائكة تقوله . وفي لفظ قال : حراماً محرماً أن تكون البشرى اليوم إلا للمؤمنين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { ويقولون حجراً محجوراً } قال : تقول الملائكة : حراماً محرماً على الكفار البشرى يوم القيامة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك { ويقولون حجراً محجوراً } قال : تقول الملائكة : حراماً محرماً على الكفار البشرى حين رأيتمونا .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري { ويقولون حجراً محجوراً } قال : حراماً محرماً أن نبشركم بما نبشر به المتقين .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة في قوله { ويقولون حجراً محجوراً } قال : هي كلمة كانت العرب تقولها . كان الرجل إذا نزلت به شدة قال : حجراً محجوراً حراماً محرماً .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : كانت المرأة إذا رأت الشيء تكرهه تقول : حجر من هذا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : لما جاءت زلازل الساعة فكان من زلازلها أن السماء انشقت فهي يومئذ واهية ، والملك على ارجائها : على سعة كل شيء تشقق . فهي من السماء فذلك قوله { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجراً محجوراً } حراماً محرماً أيها المجرمون أن تكون لكم البشرى اليوم حين رأيتمونا .(7/342)
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل } قال : قدمنا إلى ما عملوا من خير ممن لا يتقبل منه في الدنيا .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله { هباء منثوراً } قال : الهباء : شعاع الشمس الذي يخرج من الكوة .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال : الهباء : ريح الغبار يسطع ، ثم يذهب فلا يبقى منه شيء ، فجعل الله أعمالهم كذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الهباء : الذي يطير من النار إذا اضطرمت يطير منها الشرر ، فإذا وقع لم يكن شيئاً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { هباء منثوراً } قال : الماء المهراق .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { هباء منثوراً } قال : الشعاع في كوّة أحدهم . لو ذهبت تقبض عليه لم تستطع .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { هباء منثوراً } قال : شعاع الشمس من الكوّة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة { هباء منثوراً } قال : شعاع الشمس الذي في الكوّة .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك وعامر في الهباء المنثور : شعاع الشمس .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك { هباء منثوراً } قال : الغبار .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { هباء منثوراً } قال : هو ما تذروه الرياح من حطام هذا الشجر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن معلى بن عبيدة قال : الهباء : الرماد .
وأخرج سمويه في فوائده عن سالم مولى أبي حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليجاء يوم القيامة بقوم معهم حسنات مثال جبال تهامة حتى إذا جيء بهم ، جعل الله تعالى أعمالهم هباء ، ثم قذفهم في النار قال سالم : بأبي وأمي يا رسول الله حل لنا هؤلاء القوم؟ قال : كانوا يصلون ، ويصومون ويأخذون سنة من الليل ، ولكن كانوا إذا عرض عليهم شيء من الحرام وثبوا عليه ، فأدحض الله تعالى أعمالهم » .(7/343)
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)
أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً } قال : أحسن منزلاً ، وخير مأوى .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وأحسن مقيلاً } قال : مصيراً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { خير مستقراً وأحسن مقيلاً } قال : في الغرف من الجنة . وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة ، وذلك الحساب اليسير ، وذلك مثل قوله { فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً } .
وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقبل هؤلاء وهؤلاء . ثم قرأ { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً } وقرأ { ثم إن مقيلهم لإِلى الجحيم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إنما هي ضحوة فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين ، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين .
وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم في الحلية عن إبراهيم النخعي قال : كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة نصف النهار ، فيقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، فذلك قوله { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً } .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن الصوّاف قال : بلغني أن يوم القيامة يقصر على المؤمن حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس ، وإنهم ليقيلون في رياض الجنة حين يفرغ الناس من الحساب . وذلك قوله { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً } .
وأخرج عبد بن حميد وابن حاتم عن قتادة في قوله { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً } أي مأوى ومنزلاً قال قتادة : حدث صفوان ابن محرز قال : إنه ليجاء يوم القيامة برجلين؛ كان أحدهما ملكاً في الدنيا ، فيحاسب ، فإذا عبد لم يعمل خيراً فَيُؤْمَرُ به إلى النار . والآخر كان صاحب كساه في الدنيا ، فيحاسب ، فيقول : يا رب ما أعطيتني من شيء فتحاسبني به فيقول : صدق عبدي ، فارسلوه ، فيؤمر به إلى الجنة ، ثم يتركان ما شاء الله ، ثم يدعى صاحب النار ، فإذا هو مثل الحممة السوداء فيقال له : كيف وجدت مقيلك؟ فيقول : شر مقيل . فيقال له : عد . ثم يدعى صاحب الجنة ، فإذا هو مثل القمر ليلة البدر فيقال له : كيف وجدت مقيلك؟ فيقول رب خير مقيل فيقال : عد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : إني لأعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار : الساعة التي يكون فيها ارتفاع الضحى الأكبر إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة . فينصرف أهل النار إلى النار ، وأما أهل الجنة ، فينطلق بهم إلى الجنة ، فكانت قيلولتهم في الجنة ، وأطعموا كبد الحوت فاشبعهم كلهم ، فذلك قوله { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً } .
وأخرج ابن عساكر عن عكرمة أنه سئل عن يوم القيامة أمن الدنيا هو أم من الآخرة؟ فقال : صدر ذلك اليوم من الدنيا ، وآخره من الآخرة .(7/344)
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)
أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في الأهوال وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس أنه قرأ { ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً } قال : يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد . الجن والإِنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق ، فتشقق السماء الدنيا ، فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإِنس وجميع الخلق ، فيحيطون بالجن والانس وجميع الخلق فيقول أهل الأرض : أفيكم ربنا؟ فيقولون : لا .
ثم تشقق السماء الثانية ، فينزل أهلها ، وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن الجن والإِنس وجميع الخلق ، فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والانس وجميع الخلق .
ثم ينزل أهل السماء الثالثة ، فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والانس وجميع الخلق .
ثم ينزل أهل السماء الرابعة ، وهم أكثر من أهل الثالثة والثانية والأولى وأهل الأرض ، ثم ينزل أهل السماء الخامسة وهم أكثر ممن تقدم ، ثم أهل السماء السادسة كذلك ، ثم أهل السماء السابعة . وهم أكثر من أهل السموات وأهل الأرض ، ثم ينزل ربنا في ظلل من الغمام وحوله الكروبيون ، وهم أكثر من أهل السموات السبع والانس والجن وجميع الخلق ، لهم قرون ككعوب القنا ، وهم حملة العرش ، لهم زجل بالتسبيح والتحميد والتقديس لله تعالى ، ومن أخمص قدم أحدهم إلى كعبة مسيرة خمسمائة عام ، ومن كعبه إلى ركبته خمسمائة عام ، ومن ركبته إلى فخذه مسيرة خمسمائة عام ، ومن فخذه إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام ، ومن ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عام ، وما فوق ذلك خمسمائة عام .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك { ويوم تشقق السماء بالغمام } قال : هو قطع السماء إذا انشقت .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { ويوم تشقق السماء بالغمام } قال : هو الذي قال { في ظلل من الغمام } [ البقرة : 120 ] الذي يأتي الله فيه يوم القيامة .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية . يقول : تشقق عن الغمام الذي يأتي الله فيه . غمام زعموا في الجنة .(7/345)
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)
أخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : « ان أبا معيط كان يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة لا يؤذيه ، وكان رجلاً حليماً ، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه ، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام فقالت قريش : صبا أبو معيط ، وقدم خليله من الشام ليلاً فقال لامرأته : ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت : أشد مما كان أمراً فقال : ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت : صبأ . فبات بليلة سوء ، فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه ، فلم يرد عليه التحية فقال : ما لك . لا ترد عليَّ تحيتي؟ فقال : كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت؟ قال : أوقد فعلتها قريش؟! قال : نعم . قال فما يبرىء صدورهم إن أنا فعلت قال : نأتيه في مجلسه ، وتبصق في وجهه ، وتشتمه بأخبث ما تعلمه من الشتم . ففعل ، فلم يزد النبي صلى الله عليه وسلم أن مسح وجهه من البصاق ، ثم التفت إليه فقال : إن وجدتك خارجاً من جبال مكة أضرب عنقك صبراً .
فلما كان يوم بدر ، وخرج أصحابه ، أبى أن يخرج فقال له أصحابه : اخرج معنا قال : قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجاً من جبال مكة أن يضرب عنقي صبراً فقالوا : لك جمل أحمر لا يُدْرَكَ ، فلو كانت الهزيمة طرت عليه ، فخرج معهم ، فلما هزم الله المشركين ، وحل به جمله في جدد من الأرض ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيراً في سبعين من قريش ، وقدم إليه أبو معيط فقال : تقتلني من بين هؤلاء؟ قال : نعم . بما بصقت في وجهي ، فأنزل الله في أبي معيط { ويوم يعض الظالم على يديه } إلى قوله { وكان الشيطان للإِنسان خذولاً } » .
وأخرج أبو نعيم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : « كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً فدعا إليه أهل مكة كلهم ، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم ويعجبه حديثه ، وغلب عليه الشقاء فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاماً ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فقال : ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله . فقال : أطعم يا ابن أخي . قال : ما أنا بالذي أفعل حتى تقول . . . فشهد بذلك وطعم من طعامه .
فبلغ ذلك أُبي بن خلف فأتاه فقال : أصبوت يا عقبة؟ - وكان خليله - فقال : لا والله ما صبوت . ولكن دخل عليّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له ، فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم ، فشهدت له ، فطعم . فقال : ما أنا بالذي أرضى عنك حتى تأتيه فتبصق في وجهه . ففعل عقبة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف ، فأسر عقبة يوم بدر فقتل صبراً ولم يقتل من الأسارى يومئذ غيره » .(7/346)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : « كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلم فزجره عقبة بن أبي معيط ، فنزل { ويوم يعض الظالم على يديه } إلى قوله { وكان الشيطان للإِنسان خذولاً } » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن المنذر عن مقسم مولى ابن عباس قال : « إن عقبة بن أبي معيط ، وأبي بن خلف الجمحي التقيا . فقال عقبة بن أبي معيط لأبي بن خلف - وكانا خليلين في الجاهلية - وكان أبي قد أتى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإِسلام ، فلما سمع بذلك عقبة قال : لا أرضى عنك حتى تأتي محمداً فتتفل في وجهه وتشمته وتكذبه . قال : فلم يسلطه الله على ذلك .
فلما كان يوم بدر ، أسر عقبة بن أبي معيط في الأسارى فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يقتله فقال عقبة : يا محمد أمن بين هؤلاء أقتل؟ قال : نعم . قال : بم؟ قال : بكفرك وفجورك وعتوك على الله وعلى رسوله ، فقام إليه علي بن أبي طالب فضرب عنقه .
وأما أبي بن خلف فقال : والله لا قتلن محمداً فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بل أنا أقتله إن شاء الله . فافزعه ذلك فوقعت في نفسه لأنهم لم يسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قولاً إلا كان حقاً ، فلما كان يوم أحد خرج مع المشركين ، فجعل يلتمس غفلة النبي صلى الله عليه وسلم ليحمل عليه . فيحول رجل من المسلمين بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينه . فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : خلفوا عنه فأخذ الحربة فرماه بها ، فوقعت ترقوته ، فلم يخرج منه كبير دم واحتقن الدم في جوفه ، فخار كما يخور الثور فأتى أصحابه حتى احتملوه وهو يخور وقالوا : ما هذا؟! فوالله ما بك إلا خدش فقال : والله لو لم يصبني إلا بريقه لقتلني أليس قد قال : أنا أقتله ، والله لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لقتلهم .
قال : فما لبث إلا يوماً أو نحو ذلك حتى مات إلى النار ، وأنزل الله فيه { ويوم يعض الظالم على يديه } إلى قوله { وكان الشيطان للإِنسان خذولاً } » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن سابط قال :(7/347)
« صنع أبي بن خلف طعاماً ثم أتى مجلساً فيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قوموا . فقاموا غير النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا أقوم حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فتشهد . فقام النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه عقبة بن أبي معيط فقال : قلت : كذا وكذا قال : إنما أردت لطعامنا فذلك قوله { ويوم يعض الظالم على يديه } » وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ويوم يعض الظالم على يديه } قال : « عقبة بن أبي معيط دعا مجلساً فيه النبي صلى الله عليه وسلم لطعام ، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل وقال : » لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . فلقيه أمية بن خلف فقال : أقد صبوت؟ فقال : إن أخاك على ما تعلم ولكن صنعت طعاماً فأبى أن يأكل حتى قلت ذلك ، فقلته وليس من نفسي « .
وأخرج ابن أبي حاتم عن هشام في قوله { ويوم يعض الظالم على يديه } قال : يأكل كفيه ندامة حتى يبلغ منكبه لا يجد مسها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله { ويوم يعض الظالم على يديه } قال : يأكل يده ثم تنبت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله { ويوم يعض الظالم على يديه } قال : بلغني أنه يعضه حتى يكسر العظم ثم يعود .
وأخرج عبد بن حميد وابن حاتم عن سعيد بن المسيب قال : نزلت في أمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، { ويوم يعض الظالم على يديه } قال : هذا عقبة . { لم أتخذ فلاناً خليلاً } قال : أمية وكان عقبة خدناً لأمية فبلغ أمية أن عقبة يريد الإِسلام ، فأتاه وقال وجهي من وجهك حرام إن أسلمت أن أكلمك أبداً . ففعل ، فنزلت هذه الآية فيهما .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي مالك في قوله { لم أتخذ فلاناً خليلاً } قال : عقبة بن أبي معيط ، وأمية بن خلف كانا متواخيين في الجاهلية يقول أمية بن خلف : يا ليتني لم أتخذ عقبة بن أبي معيط خليلاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن ميمون في قوله { ويوم يعض الظالم على يديه } قال : » نزلت في عقبة بن أبي معيط ، وأبي بن خلف ، دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عقبة في حاجة وقد صنع طعاماً للناس ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعامه قال : لا . . . حتى تسلم . فأسلم فأكل . . . وبلغ الخبر أبي بن خلف ، فأتى عقبة فذكر له ما صنع فقال له عقبة أترى مثل محمد يدخل منزلي وفيه طعام ثم يخرج ولا يأكل! قال : فوجهي من وجهك حرام حتى ترجع عما دخلت فيه . فرجع . فنزلت الآية « .(7/348)
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال { ويوم يعض الظالم على يديه } قال : أبي بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط . وهما الخليلان في جهنم على منبر من نار .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلاً من قريش كان يغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقيه رجل من قريش - وكان له صديقاً - فلم يزل به حتى صرفه وصده عن غشيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيهما ما تسمعون .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { يا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً } قال : الشيطان .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { وكان الشيطان للإِنسان خذولاً } قال : خذل يوم القيامة وتبرأ منه { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } هذا قول نبيكم يشتكي قومه إلى ربه قال الله يعزي نبيه : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً من المجرمين } يقول : إن الرسل قد لقيت هذا من قومها قبلك فلا يكبرن عليك .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } قال : يهجرون فيه بالقول السيء . يقولون : هذا سحر .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله { اتخذوا هذا القرآن مهجوراً } قالوا : فيه هجيراً غير الحق . ألم تر المريض إذا هذى قيل : هجر؟ أي قال : غير الحق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً من المجرمين } قال : لم يبعث نبي قط إلا كان المجرمون له أعداء . ولم يبعث نبي قط إلا كان بعض المجرمين أشد عليه من بعض .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً من المجرمين } قال : كان عدوّ النبي صلى الله عليه وسلم أبو جهل ، وعدوّ موسى قارون ، وكان قارون ابن عم موسى .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً من المجرمين } قال : يوطن محمد صلى الله عليه وسلم أنه جاعل له عدوّاً من المجرمين كما جعل لمن قبله .(7/349)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)
أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : قال المشركون : إن كان محمد كما يزعم نبياً فلم يعذبه ربه . ألا ينزل عليه القرآن جملة واحدة؟ ينزل عليه الآية والآيتين والسورة . فأنزل الله على نبيه جواب ما قالوا { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } إلى { وأضل سبيلاً } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } يقولون : كما أنزل على موسى ، وعلى عيسى قال الله { كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً } قال : بيناه تبييناً { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً } قال : أحسن تفصيلاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { كذلك لنثبت به فؤادك } قال : كان الله ينزل عليه الآية فإذا علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت آية أخرى ليعلمه الكتاب عن ظهر قلبه ويثبت به فؤادك { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً } يقول : أحسن تفصيلاً .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { كذلك لنثبت } قال : لنشدد به فؤادك ، ونربط على قلبك { ورتلناه ترتيلاً } قال : رسلناه ترسيلاً يقول : شيئاً بعد شيء { ولا يأتونك بمثل } يقول : لو أنزلنا عليك القرآن جملة واحدة ثم سألوك ، لم يكن عندك ما تجيب . ولكنا نمسك عليك ، فإذا سألوك أجبت .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قالت قريش ما للقرآن لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم جملة واحدة؟ قال الله في كتابه { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً } قال : قليلاً . قليلاً . . . كما لا يجيئوك بمثل إلا جئناك بما ينقض عليهم ، فأنزلناه عليك تنزيلاً قليلاً قليلاً . كلما جاؤوا بشيء جئناهم بما هو أحسن منه تفسيراً .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { ورتلناه ترتيلاً } قال : كان ينزل عليه الآية . والآيتان . والآيات . . . كان ينزل عليه جواباً لهم . إذا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء أنزل الله جواباً لهم ، ورداً عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما تكلموا به ، وكان بين أوّله وآخره نحو من عشرين سنة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج { كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً } قال : كان ينزل عليه القرآن جواباً لقولهم . ليعلم أن الله هو يجيب القوم عما يقولون { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق } قال : لا يأتيك الكفار إلا جئناك بما ترد به ما جاؤوك به من الأمثال التي جاؤوا بها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي { ورتلناه ترتيلاً } يقول : أنزل متفرقاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي { ورتلناه ترتيلاً } قال : فصلناه تفصيلاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله { وأحسن تفسيراً } قال : تفصيلاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وأحسن تفسيراً } قال : بياناً .(7/350)
الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { أولئك شر مكاناً } يقول : من أهل الجنة { وأضل سبيلاً } قال : طريقاً .(7/351)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً } قال : عوناً وعضداً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فدمرناهم تدميراً } قال : أهلكناهم بالعذاب .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { وعاداً وثمودا } ينوّن ثمود .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال { الرس } قرية من ثمود .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : { الرس } بئر بأذربيجان .
وأخرج ابن عساكر عن قتادة في قوله { وأصحاب الرس } قال : قوم شعيب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وأصحاب الرس } قال : حدثنا أن أصحاب الرس كانوا أهل فلج باليمامة ، وآبار كانوا عليها .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال { الرس } بئر كان عليها قوم يقال لهم : أصحاب الرس .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : { أصحاب الرس } رسوا نبيهم في بئر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس أنه سأل كعباً عن أصحاب الرس قال : صاحب البئر الذي { قال يا قوم اتبعوا المرسلين } فرسه قومه في بئر بالحجار .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال { الرس } بئر قتل به صاحب يس .
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والبيهقي وابن عساكر عن جعفر بن محمد بن علي : ان امرأتين سألتاه هل تجد غشيان المرأة المرأة محرماً في كتاب الله؟ قال : نعم . هن اللواتي كن على عهد تبع ، وهن صواحب الرس وكل نهر وبئر رس . قال : يقطع لهن جلباب من نار ، ودرع من نار ، ونطاق من نار ، وتاج من نار ، وخفان من نار ، ومن فوق ذلك ثوب غليظ جاف جلف منتن من نار ، قال جعفر : علموا هذا نساءكم .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن واثلة بن الأسقع رفعه قال : سحاق النساء زنا بينهن .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبد الله بن كعب بن مالك قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراكبة والمركوبة .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : إن أصحاب الأيكة؛ وأصحاب الرس . كانتا أمتين ، فبعث الله إليهما نبياً واحداً شعيباً وعذبهما الله بعذابين .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود ، وذلك أن الله تعالى بعث نبياً إلى أهل قريته فلم يؤمن به من أهلها أحد إلا ذلك الأسود ، ثم إن أهل القرية عدوا على النبي فحفروا له بئر ، فألقوه فيها ، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم ، فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ، ثم يأتي بحطبه فيبيعه ، فيشتري به طعاماً وشراباً ، ثم يأتي به إلى تلك البئر فيرفع تلك الصخرة فيعينه الله عليها ، فيدلي طعامه وشرابه ، ثم يردّها كما كانت كذلك ما شاء الله أن يكون .
ثم إنه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع فجمع حطبه ، وحزم حزمته وفرغ منها ، فلما أراد أن يحتملها وجد سنة فاضطجع فنام ، فضرب على أذنه سبع سنين نائماً ، ثم إنه هب فتمطى ، فتحوّل لشقه الآخر فاضطجع ، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى ، ثم إنه هب فاحتمل حزمته ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار ، فجاء إلى القرية فباع حزمته ، ثم اشترى طعاماً وشراباً كما كان يصنع ، ثم ذهب إلى الحفرة في موضعها التي كانت فيه ، فالتمسه فلم يجده وقد كان بدا لقومه بداء فاستخرجوه فآمنوا به وصدقوه . وكان النبي يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل؟ فيقولون له : ما ندري . . . ! حتى قبض ذلك النبي فأهب الله الأسود من نومته بعد ذلك؛ إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة » .(7/352)
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن أم سلمة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول « بعد عدنان بن أدد بن زيد بن البراء ، واعراق الثرى . قالت : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك { عاداً وثمودا وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً لا يعلمهم إلا الله } » قالت : واعراق الثرى : اسمعيل وزيد وهميسع وبرانيت .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { وقروناً بين ذلك كثيراً } قال : كان يقال إن القرن سبعون سنة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن زرارة بن أوفى قال : القرن مائة وعشرون عاماً قال : فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في قرن كان آخره العام الذي مات فيه يزيد بن معاوية .
وأخرج ابن مردويه من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون ، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون » قال أبو سلمة : القرن مائة سنة .
وأخرج الحاكم وابن مردويه عن عبد الله بن بسر قال : « وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي فقال : هذا الغلام يعيش قرناً . فعاش مائة سنة » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق محمد بن القاسم الحمصي عن عبد الله بسر المازني قال : « وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأسي وقال : سيعيش هذا الغلام قرناً قلت : يا رسول الله كم القرن؟ قال : مائة سنة . قال محمد بن القاسم : ما زلنا نعد له حتى تمت مائة سنة . ثم مات » .(7/353)
وأخرج ابن مردويه عن أبي الهيثم بن دهر الأسلمى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « القرن خمسون سنة » .
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أمتي خمس قرون القرن أربعون سنة » .
وأخرج ابن المنذر عن حماد بن إبراهيم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « القرن أربعون سنة » .
وأخرج ابن جرير عن ابن سيرين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « القرن أربعون سنة » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال « القرن ستون سنة » .
وأخرج الحاكم في الكنى عن ابن عباس قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى معد بن عدنان أمسك . ثم يقول : كذب النسابون قال الله تعالى { وقروناً بين ذلك كثيراً } » .(7/354)
وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة { وكلاًّ ضربنا له الأمثال وكلاًّ تبرنا تتبيراً } قال : كل قد أعذر الله إليه وبين له ثم انتقم منه { ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء } قال : قرية لوط { بل كانوا لا يرجون نشوراً } قال : بعثا ولا حساباً .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وكلاًّ تبرنا تتبيراً } قال : تبر الله كلا بالعذاب .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال { تبرنا } بالنبطية .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولقد أتوا على القرية } قال : هي سدوم قرية قوم لوط { التي أمطرت مطر السوء } قال : الحجارة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء { ولقد أتوا على القرية } قال : قرية لوط .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { ولقد أتوا على القرية } قال : هي بين الشام والمدينة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { لا يرجون نشوراً } قال : بعثاً وفي قوله { لولا أن صبرنا عليها } قال : ثبتنا .(7/355)
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { أرأيت من اتخذ إِلهه هواه } قال : كان الرجل يعبد الحجر الأبيض زماناً من الدهر في الجاهلية ، فإذا وجد حجراً أحسن منه رمى به وعبد الآخر ، فأنزل الله الآية .
وأخرج ابن مردويه عن أبي رجاء العطاردي قال : كانوا في الجاهلية يأكلون الدم بالعلهز ويعبدون الحجر ، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه رموا به وعبدوا الآخر ، فإذا فقدوا الآخر أمروا منادياً فنادى : أيها الناس إن إلهكم قد ضل فالتمسوه . فانزل الله هذه الآية { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } قال : ذاك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } قال : لا يهوى شيئاً إلا تبعه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } قال : كلما هوى شيئاً ركبه ، وكلما اشتهى شيئاً أتاه . لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه قيل له : في أهل القبلة شرك؟ فقال : نعم . المنافق مشرك ، إن المشرك يسجد للشمس والقمر من دون الله ، وإن المنافق عند هواه . ثم تلا هذه الآية { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً } .
وأخرج الطبراني عن أبي امامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون الله أعظم عند الله من هوى متبع » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون } قال : مثل الذين كفروا كمثل البعير والحمار والشاة . إن قلت لبعضهم كل لم يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك . كذلك الكافر إن أمرته بخير ، أو نهيته عن شر ، أو وعظته لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله { بل هم أضل سبيلاً } قال : أخطأ السبيل .(7/356)
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47)
أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } قال : بعد الفجر قبل أن تطلع الشمس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل . . . } الآية . قال : ألم تر إنك إذا صليت الفجر كان ما بين مطلع الشمس إلى مغربها ظلاً؟ ثم بعث الله عليه الشمس دليلاً فقبض الله الظل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } قال : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس { ولو شاء لجعله ساكناً } قال : دائماً { ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً } يقول : طلوع الشمس { ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً } قال : سريعاً .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } قال : ظل الغداة قبل طلوع الشمس { ولو شاء لجعله ساكناً } قال : لا تصيبه الشمس ولا يزول { ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً } قال : تحويه { ثم قبضناه إلينا } فاحوينا الشمس إياه { قبضاً يسيراً } قال : خفيفاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } قال : مده من المشرق إلى المغرب فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس { ولو شاء لجعله ساكناً } قال : تركه كما هو ظلاً ممدوداً ما بين المشرق والمغرب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أيوب بن موسى { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } قال : الأرض كلها ظل . ما بين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس { ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً } قال : قليلاً قليلاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن إبراهيم التيمي والضحاك وأبي مالك الغفاري في قوله { كيف مد الظل } قالوا : الظل : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس { ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً } قالوا : على الظل { ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً } يعني ما تقبض الشمس من الظل .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية { كيف مد الظل } قال : من حين يطلع الفجر إلى حين تطلع الشمس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي { جعلنا الشمس عليه دليلاً } قال : يتبعه فيقبضه حيث كان .
وأما قوله تعالى : { وجعل النهار نشوراً } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : إن النهار اثنتا عشرة ساعة ، فأول الساعة ما بين طلوع الفجر إلى أن ترى شعاع الشمس ، ثم الساعة الثانية إذا رأيت شعاع الشمس إلى أن يضيء الاشراق . عند ذلك لم يبق من قرونها شيء ، وصفا لونها ، فإذا كانت بقدر ما تريك عينك قيد رحمين فذلك أول الضحى ، وذلك أول ساعة من ساعات الضحى ، ثم من بعد ذلك الضحى ساعتين ، ثم الساعة السادسة حين نصف النهار .(7/357)
فإذا زالت الشمس عن نصف النهار فتلك ساعة صلاة الظهر ، وهي التي قال الله { أقم الصلاة لدلوك الشمس } ثم من بعد ذلك العشي ساعتين ، ثم الساعة العاشرة ميقات صلاة العصر وهي الآصال ، ثم من بعد ذلك ساعتين إلى الليل .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وجعل النهار نشوراً } { وجعل النهار نشورا } قال : ينشر فيه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة { وجعل النهار نشوراً } قال : لمعايشهم وحوائجهم وتصرفهم .(7/358)
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49)
أخرج عبد بن حميد عن عطاء أنه قرأ { وهو الذي أرسل الرياح } على الجمع بشراً بالباء ، ورفع الباء بنون فيهما خفيفة .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن مسروق أنه قرأ { الرياح نشراً } بالنون ، ونصب النون منونة ومخففة .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب في قوله { وأنزلنا من السماء ماء طهوراً } قال : لا ينجسه شيء .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني عن سعيد بن المسيب قال : أنزل الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الماء لا ينجسه شيء . يطهر ولا يطهره شيء فإن الله قال { وأنزلنا من السماء ماء طهوراً } .
وأخرج الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : « قيل يا رسول الله انتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ، ولحوم الكلاب ، والنتن . فقال : إن الماء طهور لا ينجسه شيء » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن القاسم بن أبي بزة قال : سأل رجل عبد الله بن الزبير عن طين المطر قال : سألتني عن طهورين جميعاً قال الله تعالى { وأنزلنا من السماء ماء طهوراً } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » .(7/359)
وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { ولقد صرفناه بينهم } يعني المطر تسقى هذه الأرض وتمنع هذه { ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراً } قال عكرمة : قال ابن عباس : قولهم مطرنا بالانواء . فأنزل الله في الواقعة { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } [ الواقعة : 82 ] .
وأخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج عن مجاهد { ولقد صرفنا بينهم } قال : المطر . ينزله في الأرض ولا ينزله في أخرى { فأبى الناس إلا كفوراً } قولهم مطرنا بنوء كذا وبنوء كذا .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { ولقد صرفناه بينهم ليذكروا } قال : إن الله قسم هذا الرزق بين عباده ، وصرفه بينهم . قال : وذكر لنا أن ابن عباس كان يقول : ما كان عام قط أقل مطراً من عام ، ولكن الله يصرفه بين عباده . قال قتادة : فترزقه الأرض وتحرمه الأخرى .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : ما من عام بأقل مطراً من عام ، ولكن الله يصرفه حيث يشاء . ثم قرأ هذه الآية { ولقد صرفناه بينهم ليذكروا } الآية .
وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن مسعود . مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر مولى غفرة قال : كان جبريل في موضع الجنائز فقال له النبي صلى الله عليه وسلم « يا جبريل إني أحب أن أعلم أمر السحاب . فقال جبريل : هذا ملك السحاب فسأله فقال : تأتينا صكاك مختتمة اسقوا بلاد كذا وكذا قطرة » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله { ولقد صرفناه بينهم } قال : القرآن . ألا ترى إلى قوله { ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً } ؟
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وجاهدهم به } قال : بالقرآن .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { وجاهدهم به جهاداً كبيراً } قال : هو قوله { واغلظ عليهم } [ التوبة : 73 ] والله تعالى أعلم .(7/360)
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس { وهو الذي مرج البحرين } الآية . يعني خلع أحدهما على الآخر فليس يفسد العذب المالح ، وليس يفسد المالح العذب .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وهو الذي مرج البحرين } قال : أفاض أحدهما في الآخر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { مرج البحرين } قال : بحر في السماء وبحر في الأرض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله { فرات } قال : العذب . وفي قوله { أجاج } قال : الاجاج : المالح .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وهذا ملح أجاج } قال : المر .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن عباس قال : هما بحران ، فتوضأ بأيهما شئت . ثم تلا هذه الآية { هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وجعل بينهما برزخاً } قال : هو اليبس .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { برزخاً } قال : هو اليبس .
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وجعل بينهما برزخاً } قال : محبساً لا يختلط البحر العذب بالبحر الملح .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وجعل بينهما برزخاً } قال : التخوم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن مجاهد في قوله { وجعل بينهما برزخاً } قال : حاجزاً لا يختلط العذب بالملح ، ولا يختلط بحر الروم وفارس . وبحر الروم ملح قال ابن جريج : فلم أجد بحراً عذباً إلا الأنهار العذاب . فإن دجلة تقع في البحر فلا تمور فيه ، يجعل فيه بينهما مثل الخيط الأبيض ، فإذا رجعت لم يرجع في طريقها من البحر شيء . والنيل زعموا ينصب في البحر .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي في قوله { وجعل بينهما برزخاً } قال : حاجزاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وحجراً محجوراً } يقول : حجر أحدهما عن الآخر بأمره وقضائه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وحجراً محجوراً } قال : إن الله حجر الملح عن العذب والعذب عن الملح أن يختلط بلطفه وقدرته .(7/361)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54)
أخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن المغيرة قال : سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن نسب وصهر فقال : ما أراكم إلا قد عرفتم النسب . فأما الصهر : فالاختان ، والصحابة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { فجعله نسباً وصهراً } قال : النسب الرضاع ، والصهر الختونة .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { فجعله نسباً وصهراً } قال : ذكر الله الصهر مع النسب وحرم أربع عشرة امرأة : سبعاً من النسب ، وسبعاً من الصهر . فاستوى تحريم الله في النسب والصهر .(7/362)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وكان الكافر على ربه ظهيراً } يعني أبا الحكم : الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل بن هشام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله { وكان الكافر على ربه } قال : أبو جهل .
وأخرج ابن المنذر عن عطية في قوله { وكان الكافر على ربه ظهيراً } قال : هو أبو جهل .
وأخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { وكان الكافر على ربه ظهيراً } قال : معيناً للشيطان على معاصي الله .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن والضحاك . مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { وكان الكافر على ربه ظهيراً } قال : عوناً للشيطان على ربه بالعداوة والشرك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة { وكان الكافر على ربه ظهيراً } قال : معيناً للشيطان على عداوة ربه .(7/363)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً } قال : مبشراً بالجنة ، ونذيراً من النار . وفي قوله { إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً } قال : بطاعته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قل ما أسألكم عليه من أجر } قال : قل لهم يا محمد لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من أجر يقول : عرض من عرض الدنيا .(7/364)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)
وأخرج ابن أبي الدنيا في التوكل والبيهقي في شعب الإِيمان عن عتبة بن أبي ثبيت قال : مكتوب في التوراة لا تتوكل على ابن آدم فإن ابن آدم ليس له قوام ، ولكن توكل على الحي الذي لا يموت .(7/365)
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)
أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فاسأل به خبيراً } قال : ما أخبرتك من شيء فهو ما أخبرتك به .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن شمر بن عطية في قوله { الرحمن فاسأل به خبيراً } قال : هذا القرآن خبير به .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن } قال : قالوا ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة . فأنزل الله { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } [ البقرة : 163 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن حسين الجحفي في قوله { قالوا وما الرحمن } قال : جوابها { الرحمن علم القرآن } [ الرحمن : 1-2 ] .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن إبراهيم قال : قرأ الأسود { أنسجد لما تأمرنا } فسجد فيها قال : وقرأها يحيى { أنسجد لما تأمرنا } .
وأخرج عبد بن حميد عن سليمان قال : قرأ إبراهيم في الفرقان { أنسجد لما يأمرنا } بالياء . وقرأ سليمان كذلك .(7/366)
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)
أخرج الخطيب في كتاب النجوم عن ابن عباس في قوله { تبارك الذي جعل في السماء بروجاً } قال : هي هذه الاثنا عشر برجاً . أولها الحمل ، ثم الثور ، ثم الجوزاء ، ثم السرطان ، ثم الأسد ، ثم السنبلة ، ثم الميزان ، ثم العقرب ، ثم القوس ، ثم الجدي ، ثم الدلو ، ثم الحوت .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { تبارك الذي جعل في السماء بروجاً } قال : قصوراً على أبواب السماء فيها الحرس .
وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن جرير عن يحيى بن رافع { جعل في السماء بروجاً } قال : قصوراً في السماء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطية { جعل في السماء بروجاً } قال : القصور . ثم تأوّل هذه الآية { ولو كنتم في بروج مشيدة } [ النساء : 78 ] .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { جعل في السماء بروجاً } قال : البروج النجوم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { جعل في السماء بروجاً } قال : النجوم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي صالح { جعل في السماء بروجاً } قال : النجوم الكبار .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة { تبارك الذي جعل في السماء بروجاً } قال : هي النجوم . وقال عكرمة : إن أهل السماء يرون نور مساجد الدنيا كما يرون أهل الدنيا نجوم السماء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة { وجعل فيها سراجاً } قال : هي الشمس .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { وجعل فيها سراجاً } بكسر السين على معنى الواحد .
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن : أنه كان يقرأ { سراجاً } .
وأخرج سعيد بن منصور عن ابراهيم النخعي : أنه كان يقرأ { وجعل فيها سرجاً وقمراً منيراً } .(7/367)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة } قال : أبيض وأسود .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { جعل الليل والنهار خلفة } قال : هذا يخلف هذا ، وهذا يخلف هذا { لمن أراد أن يذكر } قال : يذكر نعمة ربه عليه فيهما { أو أراد شكوراً } قال : شكور نعمة ربه عليه فيهما .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { جعل الليل والنهار خلفة } قال : يختلفان . هذا أسود وهذا أبيض ، وإن المؤمن قد ينسى بالليل ويذكر بالنهار ، وينسى بالنهار ويذكر بالليل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { جعل الليل والنهار خلفة } يقول : من فاته شيء من الليل أن يعمله أدركه بالنهار ، ومن فاته شيء من النهار أن يعمله أدركه بالليل .
وأخرج الطيالسي وابن أبي حاتم عن الحسن : أن عمر أطال صلاة الضحى فقيل له : صنعت اليوم شيئاً لم تكن تصنعه فقال : إنه بقي عليَّ من وردي شيء وأحببت أن أتمه . أو قال اقضيه . وتلا هذه الآية { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { جعل الليل والنهار خلفة } يقول : جعل الليل خلفاً من النهار ، والنهار خلفاً من الليل ، لمن فرط في عمل أن يقضيه .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن { جعل الليل والنهار خلفة } قال : إن لم يستطع عمل الليل عمله بالنهار ، وإن لم يستطع عمل النهار عمله بالليل . فهذا خلفة لهذا .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله { جعل الليل والنهار خلفة } قال : من عجز بالليل كان له في أول النهار مستعتب ، ومن عجز بالنهار كان له في الليل مستعتب .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة؛ أن سلمان جاءه رجل فقال : لا أستطيع قيام الليل قال : إن كنت لا تستطيع قيام الليل فلا تعجز بالنهار قال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال « والذي نفس محمد بيده أن في كل ليلة ساعة؛ لا يوافقها رجل مسلم يصلي فيها ، يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه » قال قتادة : فأروا الله من أعمالكم خيراً في هذا الليل والنهار ، فإنهما مطيتان تحملان الناس إلى آجالهم ، تقربان كل بعيد ، وتبليان كل جديد ، وتجيئان بكل موعود ، إلى يوم القيامة .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ « لمن أراد أن يذكر » مشددة .
وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنه كان يقرأ « لمن أراد أن يذكر » .(7/368)
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وعباد الرحمن } قال : هم المؤمنون { الذين يمشون على الأرض هوناً } قال : بالطاعة والعفاف والتواضع .
وأخرج ابن حاتم عن ابن عباس في قوله { يمشون على الأرض هوناً } قال : علماء حكماء .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { هوناً } قال : بالسريانية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله { هوناً } قال : حلماء بالسريانية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران في قوله { هوناً } قال : حلماء بالسريانية .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في قوله { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً } قال : بالوقار والسكينة { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } قال : سداداً من القول .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله { يمشون على الأرض هوناً } قال : لا يشتدون .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة وابن النجار عن ابن عباس قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن » .
وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن الفضيل بن عياض في قوله { الذين يمشون على الأرض هوناً } قال : بالسكينة والوقار { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } قال : إن جهل عليه حلم ، وإن أسيء إليه أحسن ، وإن حرم أعطى ، وإن قطع وصل .
وأخرج الآمدي في شرح ديوان الأعشى بسنده عن عمر بن الخطاب : أنه رأى غلاماً يتبختر في مشيته فقال : إن البخترة مشية تكره إلا في سبيل الله ، وقد مدح الله أقواماً فقال { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً } فاقصد في مشيتك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { الذين يمشون على الأرض هوناً } قال : تواضعاً لله لعظمته { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } قال : كانوا لا يجهلون على أهل الجهل .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن محمد بن علي الباقر قال : سلاح اللئام قبيح الكلام .
وأخرج أحمد عن النعمان بن مقرن المزني : أن رجلاً سب رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل الرجل المسبوب يقول : عليك السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اما أن ملكاً بينكما يذب عنك كلما شتمك هذا قال له : بل أنت . وأنت أحق به ، وإذا قلت له : عليك السلام قال : لا . بل لك أنت أحق به » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { وإذا خاطبهم الجاهلون } قال : السفهاء { قالوا سلاماً } يعني ردوا معروفاً { والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً } يعني يصلون بالليل .(7/369)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن { يمشون على الأرض هوناً } قال : يمشون حلماء متواضعين لا يجهلون على أحد ، وإن جهل عليهم جاهل لم يجهلوا . هذا نهارهم إذا انتشروا في الناس { والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً } قال : هذا ليلهم إذا خلوا بينهم وبين ربهم .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : كان يقال : ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابداً ، وارض بما قسم الله لك تكن غنياً ، وأحسن مجاورة من جاورك من الناس تكن مسلماً ، وصاحب الناس بالذي تحب أن يصاحبوك به تكن عدلاً ، وإياك وكثرة الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب . إنه قد كان بين أقوام يجمعون كثيراً ، ويبنون شديداً ، ويأملون بعيداً ، فأين هم؟ أصبح جمعهم بوراً ، وأصبح عملهم غروراً ، وأصبحت مساكنهم قبوراً .
ابن آدم إنك مرتهن بعملك ، وأنت على أجلك معروض على ربك ، فخذ مما في يديك لما بين يديك عند الموت يأتيك من الخير . يا ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل قبرك ، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك .
يا ابن آدم خالط الناس وزايلهم : خالطهم ببدنك ، وزايلهم بقلبك وعملك .
يا ابن آدم أتحب أن تذكر بحسناتك وتكره أن تذكر بسيئاتك ، وتبغض على الظن وتقيم على اليقين . وكان يقال : أن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدقوا بها وافضاء بعينها خشعت لذلك قلوبهم ، وأبدانهم ، وأبصارهم ، كنت والله إذا رأيتهم قوماً كأنهم رأي عين . والله ما كانوا بأهل جدل وباطل ، ولكن جاءهم من الله أمر فصدقوا به ، فنعتهم الله في القرآن أحسن نعت فقال { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً } قال : الحسن ( والهون ) في كلام العرب : اللين والسكينة والوقار { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } قال : حلماء لا يجهلون ، وإن جهل عليهم حلموا . يصاحبون عباد الله نهارهم مما تسمعون .
ثم ذكر ليلهم خير ليل قال { والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً } ينتصبون لله على أقدامهم ، ويفترشون وجوههم سجداً لربهم ، تجري دموعهم على خدودهم خوفاً من ربهم . قال الحسن : لأمر مّا سهر ليلهم ، ولأمر ما خشع نهارهم { والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً } قال : كل شيء يصيب ابن آدم لم يدم عليه فليس بغرام ، إنما الغرام اللازم له ما دامت السموات والأرض ، قال : صدق القوم . والله الذي لا إله إلا هو فعلوا ولم يتمنوا . فاياكم وهذه الأماني يرحمكم الله! فإن الله لم يعط عبد بالمنية خيراً في الدنيا والآخرة قط . وكان يقول : يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة!
وأخرج عبد بن حميد عن أبي سعيد الخدري(7/370)
« عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { إن عذابها كان غراماً } قال : الدائم » .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { إن عذابها كان غراماً } قال : ملازماً شديداً كلزوم الغريم الغريم قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول بشر بن أبي حازم؟
ويوم النسار ويوم الجفار ... كانا عذاباً وكانا غراماً
وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { كان غراماً } ما الغرام؟ قال : المولع . قال فيه الشاعر :
وما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { إن عذابها كان غراماً } قال : قد علموا أن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا } قال : هم المؤمنون . لا يسرفون فيقعوا في معصية الله ، ولا يقترون فيمنعون حقوق الله .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ ( ولم يقتروا ) بنصب الياء ورفع التاء .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا } قال : الاسراف النفقة في معصية الله ، والاقتار الامساك عن حق الله قال : وإن الله قد فاء لكم فيئة فانتهوا إلى فيئة الله . قال في المنفق { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً } [ الأحزاب : 70 ] قال : قولوا صدقاً عدلاً . وقال للمؤمنين { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } [ النور : 30 ] عما لا يحل لهم . وقال في الاستماع { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } [ الزمر : 18 ] وأحسنه طاعة الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله { لم يسرفوا ولم يقتروا } قال لا ينفقه في باطل ولا يمنعه من حق .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا } قال : أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون طعاماً يريدون به نعيماً ، ولا يلبسون ثوباً يريدون به جمالاً ، كانت قلوبهم على قلب واحد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله { بين ذلك قواماً } قال : عدلاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر مولى غفرة قال { القوام } أن لا تنفق من غير حق ، ولا تمسك من حق هو عليك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن وهب بن منبه { وكان بين ذلك قواماً } قال : الشطر من أموالهم .
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن مرة الجعفي قال : العلم خير من العمل ، والحسنة بين السيئتين . يعني إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وخير الأمور أوساطها .
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن في قوله { لم يسرفوا ولم يقتروا } أن عمر بن الخطاب قال : كفى سرفاً أن الرجل لا يشتهي شيئاً إلا اشتراه فأكله .
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من فقه الرجل رفقه في معيشته » .(7/371)
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)
أخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال : « سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر؟ قال » أن تجعل لله نداً وهو خلقك قلت : ثم أي؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت : ثم أي؟ قال : أن تزاني حليلة جارك « » فأنزل الله تصديق ذلك { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن ناساً من أهل الشرك قد قتلوا فأكثروا ، وزنوا ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لَحَسَنٌ لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة؛ فنزل { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر . . . } ونزلت { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم . . . } [ الزمر : 53 ] .
وأخرج البخاري وابن المنذر من طريق القاسم بن أبي بزة أنه سأل سعيد بن جبير هل لمن قتل مؤمناً متعمداً من توبة؟ فقرأت عليه { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } فقال سعيد : قرأتها على ابن عباس كما قرأتها عليَّ فقال : هذه مكية نسختها آية مدنية التي في سورة النساء .
وأخرج ابن المبارك عن شفي الأصبحي قال : إن في جهنم جبلاً يدعى : صعوداً . يطلع فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يرقاه ، وإن في جهنم قصراً يقال له : هوى . يرمى الكافر من أعلاه فيهوي أربعين خريفاً قبل أن يبلغ أصله . قال تعالى { ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى } [ طه : 81 ] وأن في جهنم وادياً يدعى : أثاماً . فيه حيات وعقارب في فقار احداهن مقدار سبعين قلة من السم ، والعقرب منهن مثل البغلة الموكفة ، وإن في جهنم وادياً يدعى : غياً . يسيل قيحاً ودماً .
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال : الصلوات لمواقيتهن . قلت : ثم أي؟ قال : بر الوالدين قلت : ثم أي؟ قال : ثم الجهاد في سبيل الله ، ولو استزدته لزادني . وسألته أي الذنب أعظم عند الله؟ قال : الشرك بالله قلت : ثم أي؟ قال : أن تقتل ولدك أن يطعم معك » فما لبثنا إلا يسيراً حتى أنزل الله { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } .
وأخرج ابن مردويه عن عون بن عبد الله قال : سألت الأسود بن يزيد هل كان ابن مسعود يفضل عملاً على عمل؟ قال : نعم .(7/372)
سألت ابن مسعود قال : سألتني عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت « يا رسول الله أي الأعمال أحبها إلى الله وأقربها من الله؟ قال : الصلاة لوقتها قلت : ثم ماذا على اثر ذلك؟ قال : ثم بر الوالدين قلت : ثم ماذا على أثر ذلك؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، ولو استزدته لزادني قلت : فأي الأعمال أبغضها إلى الله وأبعدها من الله؟ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك ، وأن تقتل ولدك أن يأكل معك ، وإن تزاني حليلة جارك ، ثم قرأ { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر . . } » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل « إن الله ينهاك أن تعبد المخلوق وتذر الخالق ، وينهاك أن تقتل ولدك وتغدو كلبك ، وينهاك أن تزني بحليلة جارك » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمر في قوله { يلق أثاماً } قال : واد في جهنم .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { يلق أثاماً } قال : واد في جهنم من قيح ودم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : { أثام } أودية في جهنم فيها الزناة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة { يلق أثاماً } قال : نكالاً . وكنا نحدث أنه واد في جهنم ، وذكر لنا أن لقمان كان يقول : يا بني إياك والزنا فإن أوّله مخافة ، وآخره ندامة .
وأخرج ابن المبارك في الزهد عن شفي الأصبحي قال : إن في جهنم وادياً يدعى : أثاماً . فيه حيات وعقارب في فقار إحداهن مقدار سبعين قلة من السم ، والعقرب منهن مثل البغلة الموكفة .
وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { يلق أثاماً } ما الأثام؟ قال : الجزاء قال فيه عامر بن الطفيل :
وروّينا الأسنة من صداء ... ولاقت حمير منا أثاما
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ( ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ) .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ « يضاعف » بالرفع « له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه » بنصب الياء ورفع اللام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { ويخلد فيه } يعني في العذاب { مهاناً } يعني يهان فيه .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } اشتد ذلك على المسلمين فقالوا : ما منا أحد إلا أشرك ، وقتل ، وزنى ، فأنزل الله { يا عبادي الذين أسرفوا . . . } [ الزمر : 53 ] . يقول لهؤلاء الذين أصابوا هذا في الشرك ، ثم نزلت بعده { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } فأبدلهم الله بالكفر الإِسلام ، وبالمعصية الطاعة ، وبالانكار المعرفة ، وبالجهالة العلم .(7/373)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال : نزلت آية من تبارك بالمدينة في شأن قاتل حمزة وحشي وأصحابه كانوا يقولون : انا لنعرف الإِسلام وفضله فكيف لنا بالتوبة وقد عبدنا الأوثان ، وقتلنا أصحاب محمد ، وشربنا الخمور ، ونكحنا المشركات؟! فأنزل الله فيهم { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر . . } الآية . ثم أنزلت توبتهم { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } فأبدلهم الله بقتال المسلمين قتال المشركين ، ونكاح المشركات نكاح المؤمنات ، وبعبادة الأوثان عبادة الله .
وأخرج عبد بن حميد عن عامر أنه سئل عن هذه الآية { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } . قال : هؤلاء كانوا في الجاهلية فأشركوا ، وقتلوا وزنوا . فقالوا : لن يغفر الله لنا . فأنزل الله { إلا من تاب } . قال : كانت التوبة والإِيمان والعمل الصالح ، وكان الشرك والقتل والزنا . كانت ثلاث مكان ثلاث .
وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : قرأنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم سنين { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } ثم نزلت { إلا من تاب وآمن } فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط فرحه بها ، وفرحه بأنا { فتحنا لك فتحاً مبيناً } [ الفتح : 1 ] .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك قال : لما نزلت { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } قال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : كنا أشركنا في الجاهلية ، وقتلنا ، فنزلت { إلا من تاب } .
وأخرج أبو داود في تاريخه عن ابن عباس { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } ثم استثنى { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي هريرة قال : « صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العتمة ثم انصرفت ، فاذا امرأة عند بابي فقالت : جئتك أسألك عن عمل عملته هل ترى لي منه توبة؟ قلت : وما هو؟ قالت : زنيت وولد لي وقتلته قلت : لا . . ولا كرامة . فقامت وهي تقول : واحسرتاه . . ! أيخلق هذا الجسد للنار؟ فلما صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح من تلك الليلة قصصت عليه أمر المرأة قال : ما قلت لها؟ قلت لا . . ولا كرامة قال : بئس ما قلت . أما كنت تقرأ هذه الآية! { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } إلى قوله { إلا من تاب } الآية . قال أبو هريرة : فخرجت فما بقيت دار بالمدينة ولا خطة إلا وقفت عليها فقلت : إن كان فيكم المرأة التي جاءت أبا هريرة فلتأت ولتبشر . فلما انصرفت من العشي إذا هي عند بابي فقلت : ابشري إني ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم ما قلت لي ، وما قلت لك فقال : بئس ما قلت أما كنت تقرأ هذه الآية! وقرأتها عليها فخرجت ساجدة وقالت : أحمد الله الذين جعل لي توبة ومخرجاً ، أشهد أن هذه الجارية لجارية معها وابن لها حران لوجه الله ، وإني قد تبت مما عملت » .(7/374)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : هم المؤمنون؛ كانوا من قبل إيمانهم على السيئات ، فرغب الله بهم عن ذلك ، فحولهم إلى الحسنات ، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { إلا من تاب } قال : من ذنبه { وآمن } قال : بربه . { وعمل صالحاً } قال : فيما بينه وبين ربه { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : إنما التبديل طاعة الله بعد عصيانه ، وذكر الله بعد نسيانه ، والخير تعمله بعد الشر .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : التبديل في الدنيا يبدل الله بالعمل السيء العمل الصالح ، وبالشرك اخلاصاً ، وبالفجور عفافاً ، ونحو ذلك .
وأخرج الفريابي و عبد بن حميد عن مجاهد { يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : الإِيمان بعد الشرك .
وأخرج عبد بن حميد عن مكحول { يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : إذا تابوا جعل الله ما عملوا من سيئاتهم حسنات .
وأخرج عبد بن حميد عن علي بن الحسين { يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : في الآخرة وقال الحسن : في الدنيا .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي عثمان النهدي قال : إن المؤمن يعطى كتابه في ستر من الله فيقرأ سيئاته ، فإذا قرأ تغير لها لونه حتى يمر بحسناته فيقرأها فيرجع إليه لونه ، ثم ينظر فإذا سيئاته قد بُدِّلَتْ حسنات فعند ذلك يقول { هاؤم اقرأوا كتابيه } [ الحاقة : 19 ] .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سلمان قال : يعطى رجل يوم القيامة صحيفة فيقرأ أعلاها فإذا سيئاته ، فإذا كاد يسوء ظنه نظر في أسفلها فإذا حسناته ، ثم ينظر في أعلاها فإذا هي قد بدلت حسنات .
وأخرج أحمد وهناد ومسلم والترمذي وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، فيعرض عليه صغارها وينحى عنه كبارها فيقال : عملت يوم كذا وكذا؛ كذا وكذا وهو مقر ليس ينكر ، وهو مُشْفِقٌ من الكبار أن تجيء فيقال : اعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة » .(7/375)
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليأتين ناس يوم القيامة ودوا أنهم استكثروا من السيئات قيل : ومن هم يا رسول الله؟ قال : الذين بدل الله سيئاتهم حسنات » .
وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن ميمون { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : حتى يتمنى العبد أن سيئاته كانت أكثر مما هي .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية أنه قيل له : إن أناساً يزعمون أنهم يتمنون أن يستكثروا من الذنوب قال : ولم ذاك؟ قال : يتأوّلون هذه الآية { يبدل الله سيئاتهم حسنات } فقال أبو العالية : وكان إذا أخبر بما لا يعلم قال : آمنت بما أنزل الله من كتاب . ثم تلا هذه الآية { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال : « جاء شيخ كبير فقال : يا رسول الله رجل غدر وفجر فلم يدع حاجة ولا داجة إلا اقتطعها بيمينه ، ولو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم . فهل له من توبة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أسلمت . . ؟ قال : نعم . قال : فإن الله غافر لك ، ومبدل سيئاتك حسنات قال : يا رسول الله وغدارتي . . . وفجراتي . . قال : وغدراتك وفجراتك » .
وأخرج الطبراني عن سلمة بن كهيل قال : « جاء شاب فقال : يا رسول الله أرأيت من لم يدع سيئة إلا عملها ، ولا خطيئة إلا ركبها ، ولا أشرف له سهم فما فوقه إلا اقتطعه بيمينه ، ومن لو قسمت خطاياه على أهل المدينة لغمرتهم؟ فقال النبي : صلى الله عليه وسلم أأسلمت . . . ؟ قال : أما أنا فاشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قال : اذهب فقد بدل الله سيئاتك حسنات قال : يا رسول الله وغدارتي . . وفجراتي . . قال : وغدراتك وفجراتك ثلاثاً » فولى الشاب وهو يقول : الله أكبر .
وأخرج البغوي وابن قانع والطبراني عن أبي طويل شطب الممدود أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها؟ فذكر نحوه .
وأخرج ابن مردويه عن أبي موسى قال : التبديل يوم القيامة إذا وقف العبد بين يدي الله والكتاب بين يديه ينظر في السيئات والحسنات فيقول : قد غفرت لك ويسجد بين يديه فيقول : قد بدلت فيسجد فيقول : قد بدلت فيسجد فيقول الخلائق : طوبى لهذا العبد الذي لم يعمل سيئة قط .
وأخرج الطبراني عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا نام ابن آدم قال الملك للشيطان : اعطني صحيفتك فيعطيه إياها ، فما وجد في صحيفته من حسنة محا بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان وكتبهن حسنات ، فإذا أراد أحدكم أن ينام فليكبر ثلاثاً وثلاثين تكبيرة ، ويحمد أربعاً وثلاثين تحميدة ، ويسبح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، فتلك مائة » .
وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول في قوله { يبدل الله سيئاتهم حسنات } قال : يجعل مكان السيئات الحسنات قال : فرأيت مكحولاً غضب حتى جعل يرتعد .(7/376)
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { والذين لا يشهدون الزور } قال : إن الزور كان صنماً بالمدينة يلعبون حوله كل سبعة أيام ، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مروا به مروا كراماً لا ينظرون إليه .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك { والذين لا يشهدون الزور } قال : الشرك .
وأخرج الخطيب عن ابن عباس في قوله { والذين لا يشهدون الزور } قال : أعياد المشركين .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { والذين لا يشهدون الزور } قال : الكذب .
وأخرج عبد بن حميد وابن حاتم عن قتادة رضي الله عنه { والذين لا يشهدون الزور . . . } قال : لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم ، ولا يمالؤونهم فيه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن قيس الملائي { والذين لا يشهدون الزور } قال : مجالس السوء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة { والذين لا يشهدون الزور } قال : لعب كان في الجاهلية .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن محمد بن الحنفية { والذين لا يشهدون الزور } قال : الغناء واللهو .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي الجحاف { والذين لا يشهدون الزور } قال : الغناء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { والذين لا يشهدون الزور } قال : الغناء النياحة .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد { والذين لا يشهدون الزور } قال : مجالس الغناء { وإذا مروا باللغو مروا كراماً } قال : إذا أوذوا صفحوا .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وإذا مروا باللغو مروا كراماً } قال : يعرضون عنهم لا يكلمونهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { وإذا مروا باللغو مروا كراماً } قال : هي مكية .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن إبراهيم بن ميسرة رضي الله عنه قال : بلغني ان ابن مسعود مر معرضاً ولم يقف فقال النبي صلى الله عليه وسلم « لقد أصبح ابن مسعود أو أمسى كريماً ، ثم تلا إبراهيم { وإذا مروا باللغو مروا كراماً } » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك { وإذا مروا باللغو مروا كراماً } قال : لم يكن اللغو من حالهم ولا بالهم .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { وإذا مروا باللغو } قال : اللغو كله المعاصي .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وإذا مروا باللغو مروا كراماً } قال : كانوا إذا أتوا على ذكر النكاح كفوا عنه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً } قال : لم يصموا عن الحق ، ولم يعموا عنه ، هم قوم عقلوا عن الله فانتفعوا بما سمعوا من كتاب الله .(7/377)
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { لم يخروا عليها صماً وعمياناً } قال : كم من قارئ يقرأها بلسانه يخر عليها أصم أعمى .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين } قال : يعنون من يعمل بالطاعة فتقر به أعيننا في الدنيا والآخرة . { واجعلنا للمتقين إماماً } قال : أئمة هدى يهتدى بنا ، ولا تجعلنا أئمة ضلالة لأنه قال لأهل السعادة { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } [ الأنبياء : 73 ] ولأهل الشقاوة { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } [ القصص : 41 ] .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين } قال : لم يريدوا بذلك صباحة ولا جمالاً ، ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين .
وأخرج ابن المبارك في البر والصلة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن أنه سئل عن هذه الآية { هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين } أهذه القرة أعين في الدنيا أم في الآخرة؟ قال : لا والله بل في الدنيا . قيل : وما هي؟ قال : هي أن يرى الرجل المسلم من زوجته ، من ذريته ، من أخيه ، من حميمه ، طاعة الله ولا والله ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى ولداً ، أو والداً ، أو حميماً ، أو أخاً مطيعاً لله .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين } قال : يحسنون عبادتك ولا يجرون عليها الجرائر { واجعلنا للمتقين إماماً } قال : اجعلنا مؤتمين بهم مقتدين بهم .
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن المقداد بن الأسود قال : لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها نبياً من الأنبياء في قومه من جاهلية ، ما يرون أن ديناً أفضل من عبادة الأوثان ، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل ، وفرق به بين الوالد وولده ، حتى إن كان الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافراً وقد فتح الله قفل قلبه بالإِيمان ويعلم أنه إن هلك دخل النار ، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار . إنها للتي قال الله { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين } .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ « هب لنا من أزواجنا وذريتنا واحدة » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { واجعلنا للمتقين إماماً } يقول : قادة في الخير ودعاة وهداة يؤتم بهم في الخير .
وأخرج الفريابي عن أبي صالح في قوله { واجعلنا للمتقين إماماً } قال : أئمة يقتدى بهدانا والله تعالى أعلم .(7/378)
أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)
أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { أولئك يجزون الغرفة } قال : هي من ياقوته حمراء ، أو زبرجدة خضراء ، أو درة بيضاء ، ليس فيها قصم ولا وهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { أولئك يجزون الغرفة } قال : الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر في قوله { أولئك يجزون الغرفة بما صبروا } قال : على الفقر في دار الدنيا .
وأخرج زاهر بن طاهر الشحامي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن في الجنة لغرفاً ليس فيها مغاليق من فوقها ولا عماد من تحتها قيل : يا رسول الله وكيف يدخلها أهلها؟ قال : يدخلونها أشباه الطير قيل يا رسول الله : لمن هي؟ قال : لأهل الاسقام والأوجاع والبلوى » .
وأخرج أحمد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وألان الكلام ، وتابع الصيام ، وصلى والناس نيام » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { أولئك } يعني الذين في هؤلاء الآيات { يجزون الغرفة } يعني في الآخرة { الغرفة } الجنة { بما صبروا } على أمر ربهم { ويلقون فيها } يعني تتلقاهم الملائكة بالتحية والسلام { خالدين فيها } لا يموتون { حسنت مستقراً } يعني مستقرهم في الجنة { ومقاماً } يعني مقام أهل الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عاصم قال : لقي ابن سيرين رجل فقال : حياك الله فقال : إن أفضل التحية تحية أهل الجنة السلام .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ « أولئك يجزون الغرفة ( واحدة ) بما صبروا ويلقون » خفيفة منصوبة الياء والله تعالى أعلم .(7/379)
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم } يقول : لولا إيمانكم . فاخبر الله أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين ، ولو كانت له بهم حاجة لحبب إليهم الإِيمان كما حببه إلى المؤمنين { فسوف يكون لزاماً } قال : موتاً .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { قل ما يعبأ بكم ربي } قال : ما يفعل { لولا دعاؤكم } قال : لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه وتطيعوه .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن الوليد بن أبي الوليد قال : بلغني أن تفسير هذه الآية { قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم } أي ما خلقتكم لي بكم حاجة إلا أن تسألوني فأغفر لكم ، وتسألوني فأعطيكم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الزبير ، انه قرأ في صلاة الصبح الفرقان ، فلما أتى على هذه الآية قرأ { فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاماً } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه قرأ { فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاماً } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله { فسوف يكون لزاماً } قال : موتاً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتاده { فسوف يكون لزاماً } قال أبي بن كعب : هو القتل يوم بدر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال ( اللزام ) هو القتل الذي أصابهم يوم بدر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن مسعود قال : قد مضى اللزام كان يوم بدر؛ قتلوا سبعين ، وأسروا سبعين .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال : خمس قد مضين : الدخان ، والقمر ، والروم ، والبطشة ، واللزام .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : كنا نحدث أن ( اللزام ) يوم بدر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { فسوف يكون لزاماً } قال : يوم بدر .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك . مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { فسوف يكون لزاماً } قال : ذاك يوم القيامة .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : مضى خمس آيات وبقي خمس منها . انشقاق القمر وقد رأيناه ، ومضى الدخان ، ومضت البطشة الكبرى ، ومضى اليوم العقيم ، ومضى اللزام ، والله أعلم .(7/380)
طسم (1)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : اسم من أسماء القرآن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله { طسم } قال : الطاء من ذي الطول ، والسين من القدوس ، والميم من الرحمن .(7/381)
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { لعلك باخع نفسك } قال : لعلك قاتل نفسك { ألا يكونوا مؤمنين } ، { إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } قال : لو شاء الله أنزل عليهم آية يذلون بها فلا يلوي أحدهم عنقه إلى معصية الله { وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث . . . } يقول : ما يأتيهم من شيء من كتاب الله إلا أعرضوا عنه ، { فسيأتيهم } يعني يوم القيامة { أنباء } ما استهزأوا به من كتاب الله وفي قوله { كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم } قال : حسن .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { فظلت أعناقهم لها خاضعين } قال : العنق الجماعة من الناس قال : وهل تعرف العربُ ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت الحرث بن هشام وهو يقول ويذكر أبا جهل :
يخبرنا المخبر أن عمراً ... أمام القوم من عنق مخيل
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { فظلت أعناقهم لها خاضعين } قال : ذليلين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : الخاضع : الذليل .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم } قال : من نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي { كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم } قال : الناس من نبات الأرض . فمن دخل الجنة فهو كريم ، ومن دخل النار فهو لئيم .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : كل شيء في الشعراء من قوله { عزيز رحيم } فهو ما هلك ممن مضى من الأمم يقول { عزيز } حين انتقم من أعدائه { رحيم } بالمؤمنين حين أنجاهم مما أهلك به أعداءه .(7/382)
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51)
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه { وإذ نادى ربك موسى } قال : حين نودي من جانب الطور الأيمن .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولهم عليّ ذنب } قال : قتل النفس التي قتل فيهم وفي قوله { وفعلت فعلتك التي فعلت } قال : قتل النفس أيضاً . وفي قوله { فعلتها إذاً وأنا من الضالين } قال : من الجاهلين .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ولهم عليّ ذنب } قال : قتل النفس . وفي قوله { ألم نربّك فينا وليداً } قال : التقطه آل فرعون فربوه وليداً حتى كان رجلاً { وفعلت فعلتك التي فعلت } قال : قتلت النفس التي قتلت { وأنت من الكافرين } قال : فتبرأ من ذلك نبي الله قال : { فعلتها إذاً وأنا من الضالين } قال : من الجاهلين . قال : وهي في بعض القراءة { إذن وأنا من الجاهلين } فإنما هو شيء جهله ولم يتعمده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين } قال : من فرعون على موسى حين رباه . يقول : كفرت نعمتي .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { وتلك نعمة تمنها عليَّ أن عبدت بني إسرائيل } قال : قهرتهم واستعملتهم .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين } قال : للنعمة . إن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر؟ وفي قوله { قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين } قال : من الجاهلين .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن جريج قال في قراءة ابن مسعود « فعلتها إذن وأنا من الجاهلين » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { فوهب لي حكماً } قال : النبوة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { وتلك نعمة تمنها عليَّ } قال : يقول موسى لفرعون : أتمن عليَّ يا فرعون بأن اتخذت بني إسرائيل عبيداً وكانوا أحراراً فقهرتهم واتخذتهم عبيداً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { قال فرعون وما رب العالمين } إلى قوله { إن كنتم تعقلون } قال : فلم يزده إلا رغماً .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين } يقول : مبين له خلق حية { ونزع يده } يقول : وأخرج موسى يده من جيبه { فإذا هي بيضاء } تلمع { للناظرين } ينظر إليها ويراها .(7/383)
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : أقبل موسى بأهله فسار بهم نحو مصر حتى أتاها ليلاً ، فتضيف على أمه وهو لا يعرفهم في ليلة كانوا يأكلون منها الطقشيل ، فنزل في جانب الدار ، فجاء هارون ، فلما أبصر ضيفه سأل عنه أمه ، فأخبرته أنه ضيف فدعاه فأكل معه ، فلما قعدا فتحدثا فسأله هارون من أنت؟ قال : أنا موسى . فقام كل واحد منهما إلى صاحبه فاعتنقه ، فلما أن تعارفا قال له موسى : يا هارون انطلق بي إلى فرعون فإن الله قد أرسلنا إليه .
قال هارون : سمعاً وطاعة فقامت أمهما فصاحت وقالت : أنشدكما بالله أن لا تذهبا الى فرعون فيقتلكما ، فأبيا فانطلقا إليه ليلاً ، فأتيا الباب ، فضرباه ، ففزع فرعون وفزع البواب فقال فرعون : من هذا الذي يضرب ببابي هذه الساعة؟ فأشرف عليهما البواب فكلمهما فقال له موسى : { إنا رسول رب العالمين } ففزع البواب ، فأتى فرعون فأخبره فقال : إن ههنا إنساناً مجنوناً يزعم أنه رسول رب العالمين فقال : أدخله ، فدخل فقال : إنه رسول رب العالمين .
{ قال فرعون : وما رب العالمين } قال : { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [ طه : 50 ] قال : { إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين . فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين } [ الأعراف : 106 ] والثعبان الذكر من الحيات فاتحة فمها لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سورة القصر ، ثم توجهت نحو فرعون لتأخذه ، فلما رآها ذعر منها ووثب فأحدث ولم يكن يحدث قبل ذلك وصاح : يا موسى خذها وأنا أؤمن بك وأرسل معك بني إسرائيل . فأخذها موسى فصارت عصا فقالت السحرة في نجواهم { إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهم } [ طه : 63 ] فالتقى موسى وأمير السحرة فقال له موسى : أرأيت أن غلبتك غداً أتؤمن بي ، وتشهد أن ما جئت به حق؟ قال الساحر : لآتين غداً بسحر لا يغلبه شيء ، فوالله لئن غلبتني لأؤمنن بك ، ولأشهدن أنك حق؛ وفرعون ينظر إليهما .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { وقيل للناس هل أنتم مجتمعون } قال : كانوا بالاسكندرية قال : ويقال بلغ ذنب الحية من وراء البحيرة يومئذ قال : وهزموا وسلم فرعون وهمت به فقال : خذها يا موسى . وكان مما بلي الناس به منه أنه كان لا يضع على الأرض شيئاً ، فاحدث يومئذ تحته ، وكان ارساله الحية في القبة الخضراء .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون } قال : فوجدوا الله أعز منه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن بشر بن منصور قال : بلغني أنه لما تكلم ببعض هذا { وقالوا بعزة فرعون } قالت الملائكة : قصمه ورب الكعبة فقال الله « تالون عليَّ قد أمهلته أربعين عاماً » .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { لا ضير } قال : يقولون لا يضرنا الذي تقول ، وإن صنعت بنا وصلبتنا { إنا إلى ربنا منقلبون } يقول : انا إلى ربنا راجعون . وهو مجازينا بصبرنا على عقوبتك ايانا ، وثباتنا على توحيده ، والبراءة من الكفر به ، وفي قوله { أن كنا أول المؤمنين } قال : كانوا كذلك يومئذ أول من آمن بآياته حين رآها .(7/384)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : ثم إن الله أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل فقال { أسر بعبادي ليلاً } فأمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا ، وأمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط ، وأمر أن لا ينادي أحد منهم صاحبه ، وأن يسرجوا في بيوتهم حتى الصبح ، وأن من خرج منهم أمام بابه يكب من دم حتى يعلم أنه قد خرج ، وأن الله قد أخرج كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إلى بني إسرائيل ، وأخرج كل ولد زنا في بني إسرائيل من القبط حتى أتوا آباءهم . ثم خرج موسى ببني إسرائيل ليلاً والقبط لا يعلمون ، وألقى على القبط الموت فمات كل بكر رجل منهم ، فأصبحوا يدفنونهم فشغلوا عن طلبهم حتى طلعت الشمس ، وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألفاً . لا يعدون ابن عشرين لصغره ، ولا ابن ستين لكبره ، وإنما عدوا ما بين ذلك سوى الذرية .
وتبعهم فرعون على مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان ليس فيها ماذيانة وذلك حين يقول الله { فأرسل فرعون في المدائن حاشرين ، إن هؤلاء لشرذمة قليلون } فكان موسى على ساقة بني إسرائيل ، وكان هارون أمامهم يقدمهم فقال المؤمن لموسى : أين أمرت؟ قال : البحر . فأراد أن يقتحم فمنعه موسى .
فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد ردفهم قالوا : يا موسى { إنا لمدركون } قال موسى { كلا إن معي ربي سيهدين } يقول : سيكفين . فتقدم هارون فضرب البحر فأبى البحر أن ينفتح وقال : من هذا الجبار الذي يضربني؟ حتى أتاه موسى ، فكناه أبا خالد وضربه { فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم } يقول : كالجبل العظيم ، فدخلت بنو إسرائيل وكان في البحر اثنا عشر طريقاً في كل طريق سبط ، وكانت الطرق إذا انفلقت بجدران فقال كل سبط : قد قتل أصحابنا . فلما رأى ذلك موسى صلى الله عليه وسلم دعا الله ، فجعلها لهم قناطر كهيئة الطبقات ينظر آخرهم إلى أولها حتى خرجوا جميعاً ، ثم دنا فرعون وأصحابه فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقاً قال : ألا ترون إلى البحر منفلقاً قد فرق مني ، فانفتح لي حتى أدرك أعدائي فاقتلهم ، فلما قام فرعون على أفواه الطرق أبت خيله أن تقتحم ، فنزل على ماذيانة ، فشامت الحصن ريح الماذيانة فاقتحمت في أثرها حتى إذا هم أولهم أن يخرج ودخل آخرهم . أمر الله البحر أن يأخذهم ، فالتطم عليهم وتفرد جبريل بفرعون يمقله من مقل البحر ، فجعل يدسها في فيه .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { إن هؤلاء لشرذمة قليلون } قال : ذكر لنا أن بني إسرائيل الذين قطع بهم موسى البحر كانوا ستمائة ألف مقاتل وعشرين ألفاً فصاعداً .(7/385)
واتبعهم فرعون على ألف ألف حصان ومائتي ألف حصان .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله { إن هؤلاء لشرذمة قليلون } قال ستمائة ألف وسبعون ألفاً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي عبيدة . مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إن هؤلاء لشرذمة قليلون } قال : كانوا ستمائة ألف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { لشرذمة } قال : قطعة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { لشرذمة } قال : الفريد من الناس .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كان أصحاب موسى الذين جاوزوا البحر اثني عشر سبط ، فكان في كل طريق اثنا عشر ألفاً كلهم ولد يعقوب عليه السلام » .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { إن هؤلاء لشرذمة قليلون } قال : هم يومئذ ستمائة ألف . ولا يحصى عدد أصحاب فرعون .
وأخرج ابن مردويه بسندٍ واهٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كان فرعون عدو الله حيث غرقه الله هو وأصحابه في سبعين قائد ، مع كل قائد سبعون ألفاً . وكان موسى مع سبعين ألفاً حين عبروا البحر » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : أوحى الله إلى موسى : أن أجمع بني إسرائيل كل أربعة أبيات من بني إسرائيل في بيت ، ثم اذبح أولاد الضان فاضرب بدمائها على كل باب ، فإني سآمر الملائكة أن لا تدخل بيتاً على بابه دم ، وسآمر الملائكة فتقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأهليهم ، ثم اخبزوا خبز فطيرا فإنه أسرع لكم ، ثم سر حتى تأتي البحر ، ثم قف حتى يأتيك أمري . فلما أن أصبح فرعون قال : هذا عمل موسى وقومه ، قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأهلينا .
وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر عن يحيى بن عروة بن الزبير قال : إن الله أمر موسى أن يسير ببني إسرائيل ، وقد كان موسى وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع القمر ، فدعا الله أن يؤخر طلوعه حتى يفرغ ، فلما سار موسى ببني إسرائيل ، أذن فرعون في الناس { إن هؤلاء لشرذمة قليلون } .
وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب قال : خرج موسى من مصر ومعه ستمائة ألف من بني إسرائيل لا يعدون فيهم أقل من ابن عشرين ولا ابن أكثر من أربعين سنة فقال فرعون : { إن هؤلاء لشرذمة قليلون } وخرج فرعون على فرس حصان أدهم ومعه ثمانمائة ألف على خيل أدهم سوى ألوان الخيل ، وكان جبريل عليه السلام على فرس شائع يسير بين يدي القوم ويقول : ليس القوم بأحق بالطريق منكم .(7/386)
وفرعون على فرس أدهم حصان . وجبريل على فرس أنثى . فاتبعها فرس فرعون ، وكان ميكائيل في أخرى القوم يقول : الحقوا أصحابكم حتى دخل آخرهم ، وأراد أولهم أن يخرجوا فأطبق عليهم البحر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن ميمون قال : لما أراد موسى أن يخرج ببني إسرائيل من مصر بلغ ذلك فرعون فقال : أمهلوهم حتى إذا صاح الديك فأتوهم . فلم يُصِحْ في تلك الليلة الديك ، فخرج موسى ببني إسرائيل وغدا فرعون ، فلما أصبح فرعون أمر بشاة فأتي بها فأمر بها أن تذبح ثم قال : لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع عندي خمسمائة ألف فارس . فاجتمعوا إليه فاتبعهم ، فلما انتهى موسى إلى البحر قال له : وصيه يا نبي الله أين أمرت؟ قال : ههنا في البحر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان طلائع فرعون الذين بعثهم في أثرهم ستمائة ألف ليس فيهم أحد إلا على بهيم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كانت سيما خيل فرعون الخرق البيض في أصداغها ، وكانت جريدته مائة ألف حصان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار قال : اجتمع آل يعقوب إلى يوسف وهم ستة وثمانون انساناً ذكرهم وأنثاهم . فخرج بهم موسى يوم خرج وهم ستمائة ألف ونيف . وخرج فرعون على أثرهم يطلبهم على فرس أدهم على لونه من الدهم ثمانمائة ألف أدهم سوى ألوان الخيل ، وحالت الريح الشمال . وتحت جبريل فرس وريق وميكائيل يسوقهم لا يشذ منهم شاذة إلا ضمه فقال القوم : يا رسول الله قد كنا نلقى من فرعون من التعس والعذاب ما نلقى فكيف إن صنعا ما صنعنا فأين الملجأ؟ قال : البحر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس . أنه قرأ { وإنا لجميع حاذرون } قال : مؤدون مُقِرّون .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الأسود بن يزيد انه كان يقرأها { وإنا لجميع حاذرون } يقول : مؤدون مقرون .
وأخرج عبد بن حميد عن الأسود . أنه كان يقرأها { وإنا لجميع حاذرون } يقول : رادون مستعدون .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير . أنه كان يقرأ { وإنا لجميع حاذرون } يقول : مادّون في السلاح .
وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن دينار قال : قرأ عبيد { وإنا لجميع حاذرون } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك { وإنا لجميع حاذرون } قال : مؤدون مقوّون في السلاح والكراع .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود { وإنا لجميع حاذرون } قال : مؤدون مقوّون في السلاح والكرام .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم . إنه كان يقرأها { وإنا لجميع حاذرون } .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف عن ابن عباس .(7/387)
أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { وإنا لجميع حاذرون } ما الحاذرون؟ قال : التامون السلاح قال فيه النجاشي :
لعمر أبي أتاني حيث أمسى ... لقد تأذت به أبناء بكر
خفيفة في كتاب حاذرات ... يقودهم أبو شبل هزبر
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة { فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم } قال : كانوا في ذلك في الدنيا ، فأخرجهم الله من ذلك ، وأورثها بني إسرائيل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ومقام كريم } قال : المنابر .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فأتبعوهم مشرقين } قال : اتبعهم فرعون وجنوده حين أشرقت الشمس { قال أصحاب موسى إنا لمدركون } قال موسى وكان أعلمهم بالله { كلا إن معي ربي سيهدين } .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { فأتبعوهم مشرقين } مهموزة مقطوعة الألف .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فأتبعوهم مشرقين } قال : خرج أصحاب موسى ليلاً ، فكسف القمر ليلاً وأظلمت الأرض فقال أصحابه : أن يوسف كان أخبرنا : أنا سننجى من فرعون ، وأخذ علينا العهد لنخرجن بعظامه معنا ، فخرج موسى من ليلته يسأل عن قبره ، فوجد عجوزاً سألها على قبره ، فأخرجته له بحكمها فكان حكمها أن قالت له : احملني فاخرجني معك ، فجعل عظام يوسف في كساء . ثم حمل العجوز على كساء فجعله على رقبته وخيل فرعون في ملء أعنتها خضراء في أعينهم ولا يبرح حسه عن موسى وأصحابه حتى برزوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن خالد بن عبد الله القسري : إن مؤمن آل فرعون كان امام القوم قال : يا نبي الله أين أمرت؟ قال : أمامك . . . قال : وهل أمامي إلا البحر؟ قال : والله ما كذبت ولا كذبت . ثم سار ساعة فقال مثل ذلك ، فرد عليه موسى مثل ذلك قال موسى وكان أعلم القوم بالله { كلا إن معي ربي سيهدين } .(7/388)
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كالطود } قال : كالجبل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن مسعود في قوله { كالطود } قال : كالجبل .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال { الطود } الجبل .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وأزلفنا ثم الآخرين } قال : هم قوم فرعون قربهم الله حتى أغرقهم في البحر .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أعلمك الكلمات التي قالهن موسى حين انفلق البحر؟ قلت : بلى . قال : اللهم لك الحمد وإليك المتكل وبك المستغاث وأنت المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله » قال ابن مسعود : فما تركتهن منذ سمعتهن من النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام : أن موسى لما انتهى إلى البحر قال : يا من كان قبل كل شيء ، والمكوّن لكل شيء ، والكائن بعد كل شيء ، اجعل لنا مخرجاً . فأوحى الله إليه { أن اضرب بعصاك البحر } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كان البحر ساكناً لا يتحرك فلما كان ليلة ضربه موسى بالعصا صار يمد ويجزر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قيس بن عباد قال : لما انتهى موسى ببني إسرائيل إلى البحر قالت بنو إسرائيل لموسى : أين ما وعدتنا؟ هذا البحر بين أيدينا ، وهذا فرعون وجنوده قد دهمنا من خلفنا . فقال موسى للبحر : انفرق أبا خالد فقال : لن أفرق لك يا موسى انا أقدم منك وأشد خلقاً فنودي { أن اضرب بعصاك البحر } .
وأخرج أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في تاريخه وابن عبد البر في التمهيد من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : كتب صاحب الروم إلى معاوية يسأله عن أفضل الكلام ما هو؟ والثاني . والثالث . والرابع . وعن أكرم الخلق على الله ، وأكرم الأنبياء على الله ، وعن أربعة من الخلق لم يركضوا في رحم ، وعن قبر سار بصاحبه ، وعن المجرة ، وعن القوس ، وعن مكان طلعت فيه الشمس لم تطلع قبله ولا بعده ، فلما قرأ معاوية الكتاب قال : أخزاه الله وما علمي ما ههنا! فقيل له : اكتب إلى ابن عباس فسله .
فكتب إليه يسأله . فكتب إليه ابن عباس : إن أفضل الكلام لا إله إلا الله كلمة الاخلاص لا يقبل عمل إلا بها ، والتي تليها سبحان الله وبحمده أحب الكلام إلى الله ، والتي تليها الحمد لله كلمة الشكر ، والتي تليها الله أكبر فاتحة الصلوات والركوع والسجود ، وأكرم الخلق على الله آدم عليه السلام ، وأكرم اماء الله مريم .(7/389)
وأما الأربعة التي لم يركضوا في رحم فآدم ، وحوّاء ، والكبش الذي فدى به إسماعيل ، وعصا موسى حيث ألقاها فصار ثعباناً مبيناً . وأما القبر الذي سار بصاحبه فالحوت حين التقم يونس ، وأما المجرة فباب السماء ، وأما القوس فإنها أمان لأهل الأرض من الغرق بعد قوم نوح ، وأما المكان الذي طلعت فيه الشمس لم تطلع قبله ولا بعده ، فالمكان الذي انفرج من البحر لبني إسرائيل .
فلما قرأ عليه الكتاب أرسل به إلى صاحب الروم فقال : لقد علمت أن معاوية لم يكن له بهذا علم ، وما أصاب هذا إلا رجل من أهل بيت النبوة .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال : جاء موسى إلى فرعون وعليه جبة من صوف ، ومعه عصا فضحك فرعون . فألقى عصاه ، فانطلقت نحوه كأنها عنق بختي فيها أمثال الرماح تهتز . فجعل فرعون يتأخر وهو على سريره فقال فرعون : خذها واسلم . فعادت كما كانت وعاد فرعون كافراً . فأمر موسى أن يسير إلى البحر ، فسار بهم في ستمائة ألف ، فلما أتى البحر أمر البحر إذا ضربه موسى بعصاه أن ينفرج له ، فضرب موسى بعصاه البحر فانفلق منه اثنا عشر طريقاً ، لكل سبط منهم طريق ، وجعل لهم فيها أمثال الكوى ينظر بعضهم إلى بعض .
واقبل فرعون في ثمانمائة ألف حتى أشرف على البحر . فلما رآه هابه وهو على حصان له ، وعرض له ملك وهو على فرس له أنثى ، فلم يملك فرعون فرسه حتى أقحمه وخرج آخر بني إسرائيل ، وولج أصحاب فرعون حتى إذا صاروا في البحر فاطبق عليهم ، فغرق فرعون بأصحابه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أوحى الله إلى موسى : أن اسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون . فأسرى موسى ببني إسرائيل ليلاً ، فاتبعهم فرعون في ألف ألف حصان سوى الاناث ، وكان موسى في ستمائة ألف ، فلما عاينهم فرعون قال { إن هؤلاء لشرذمة قليلون ، وإنهم لنا لغائظون ، وإنا لجميع حاذرون } [ الشعراء : 54-56 ] فاسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر فالتفتوا فإذا هم برهج دواب فرعون فقالوا : يا موسى { أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعدما جئتنا } [ الأعراف : 129 ] هذا البحر أمامنا ، وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه قال : { عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون } [ الأعراف : 129 ] فأوحى الله إلى موسى : أن اضرب بعصاك البحر ، وأوحى إلى البحر : أن اسمع لموسى وأطع إذا ضربك . فثاب البحر له أفكل يعني رعدة لا يدري من أي جوانبه يضرب .
فقال يوشع لموسى : بماذا أمرت؟ قال : أمرت أن أضرب البحر . قال : فاضربه : فضرب موسى البحر بعصاه فانفلق فكان فيه اثنا عشر طريق كل طريق كالطود العظيم ، فكان لكل سبط فيهم طريق يأخذون فيه ، فلما أخذوا في الطريق قال بعضهم لبعض : ما لنا لا نرى أصحابنا؟ فقالوا لموسى : إن أصحابنا لا نراهم؟ قال : سيروا فانهم على طريق مثل طريقكم قالوا : لن نؤمن حتى نراهم قال موسى : اللهم أعني على أخلاقكم السيئة .(7/390)
فأوحى الله إليه : أن قل بعصاك هكذا وأومأ بيده يديرها على البحر . قال موسى بعصاه على الحيطان هكذا فصار فيها كوات ينظر بعضهم إلى بعض ، فساروا حتى خرجوا من البحر .
فلما جاز آخر قوم موسى هجم فرعون على البحر هو وأصحابه ، وكان فرعون على فرس أدهم حصان ، فلما هجم على البحر هاب الحصان أن يقتحم في البحر ، فتمثل له جبريل على فرس أنثى ، فلما رآها الحصان اقتحم خلفها ، وقيل لموسى { اترك البحر رهوا } [ الدخان : 24 ] قال : طرقاً على حاله . ودخل فرعون وقومه في البحر ، فلما دخل آخر قوم فرعون وجاز آخر قوم موسى أطبق البحر على فرعون وقومه فأغرقوا .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن موسى حين أسرى ببني إسرائيل بلغ فرعون فأمر بشاة فذبحت ، ثم قال : لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط . فانطلق موسى حتى انتهى إلى البحر فقال له : انفرق . فقال له البحر : لقد استكثرت يا موسى وهل انفرقت لأحد من ولد آدم؟ ومع موسى رجل على حصان له فقال أين أمرت يا نبي الله بهؤلاء؟ قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه . فاقتحم فرسه فسبح به ثم خرج فقال : أين أمرت يا نبي الله؟ قال : ما أمرت إلا بهذا الوجه . قال : ما كذبت ولا كذبت . فأوحى الله إلى موسى : أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه موسى بعصاه فانفلق فكان فيه اثنا عشر طريقاً ، لكل سبط طريق يتراءون ، فلما خرج أصحاب موسى وتتام أصحاب فرعون التقى البحر عليهم فأغرقهم .
وأخرج عبد بن حميد والفريابي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن موسى لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق فقال لبني إسرائيل : ما هذا؟ فقال له علماء بني إسرائيل : أن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقاً أن لا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا فقال لهم موسى : أيكم يدري أين قبره؟ فقالوا : ما يعلم أحد مكان قبره إلا عجوز لبني إسرائيل . فأرسل إليها موسى فقال : دلينا على قبر يوسف ، فقالت : لا والله حتى تعطيني حكمي قال : وما حكمك؟ قالت : أن أكون معك في الجنة . فكأنه ثقل عليه ذلك فقيل له : اعطها حكمها . فانطلقت بهم إلى بحيرة مشقشقة ماء فقالت لهم : انضبوا عنها الماء ففعلوا قالت : احفروا . فحفروا فاستخرجوا قبر يوسف ، فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار » .(7/391)
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر عن سماك بن حرب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لما أسرى موسى ببني إسرائيل غشيتهم غمامة حالت بينهم وبين الطريق أن يبصروه . وقيل لموسى : لن تعبر إلا ومعك عظام يوسف قال : وأين موضعها؟ قالوا : ابنته عجوز كبيرة ذاهبة البصر تركناها في الديار .
فرجع موسى فلما سمعت حسه قالت : موسى؟ قال : موسى . قالت : ما وراءك؟ قال : أمرت أن أحمل عظام يوسف . قالت : ما كنتم لتعبروا إلا وأنا معكم قال : دليني على عظام يوسف قالت : لا أفعل إلا أن تعطيني ما سألتك قال : فلك ما سألت قالت : خذ بيدي . فأخذ بيدها فانتهت به إلى عمود على شاطىء النيل في أصله سكة من حديد موتدة فيها سلسلة فقالت : انا دفناه من ذلك الجانب . فأخصب ذلك الجانب وأجدب ذا الجانب ، فحولناه إلى هذا الجانب فاخصب هذا الجانب وأجدب ذاك ، فلما رأينا ذلك جمعنا عظامه فجعلناها في صندوق من حديد ، وألقيناه في وسط النيل فأخصب الجانبان جميعاً .
فحمل الصندوق على رقبته وأخذ بيدها فألحقها بالعسكر وقال لها : سلي ما شئت قالت : فإني أسألك أن أكون أنا وأنت في درجة واحدة في الجنة ، ويرد علي بصري وشبابي حتى أكون شابة كما كنت . قال : فلك ذلك » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال : أوصى يوسف عليه السلام إن جاء نبي من بعدي فقولوا له : يخرج عظامي من هذه القرية . فلما كان من أمر موسى ما كان يوم فرعون فمر بالقرية التي فيها قبر يوسف ، فسأل عن قبره فلم يجد أحد يخبره فقيل له : ههنا عجوز بقيت من قوم يوسف . فجاءها موسى عليه السلام فقال لها : تدليني على قبر يوسف؟ فقالت : لا أفعل حتى تعطيني ما اشترط عليك . فأوحى الله إلى موسى : أن أعطها شرطها قال لها : وما تريدين؟ قالت : أكون زوجتك في الجنة . فاعطاها فدلته على قبره .
فحفر موسى القبر ثم بسط رداءه وأخرج عظام يوسف فجعله في وسط ثوبه ، ثم لف الثوب بالعظام فحمله على يمينه فقال له الملك الذي على يمينه : الحمل يحمل على اليمين! قال : صدقت هو على الشمال وإنما فعلت ذلك كرامة ليوسف .
وأخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كان يوسف عليه السلام قد عهد عند موته أن يخرجوا بعظامه معهم من مصر . قال : فتجهز القوم وخرجوا فتحيروا فقال لهم موسى : إنما تحيركم هذا من أجل عظام يوسف فمن يدلني عليها؟ فقالت عجوز يقال لها شارح ابنة آي بن يعقوب : أنا رأيت عمي يوسف حين دفن فما تجعل لي إن دللتك عليه؟ قال : حكمك .(7/392)
فدلته عليه فأخذ عظام يوسف ، ثم قال : احتكمي قالت : أكون معك حيث كنت في الجنة .
وأخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس . أن الله أوحى إلى موسى : أن أسر بعبادي . وكان بنو إسرائيل استعاروا من قوم فرعون حلياً وثياباً . إن لنا عيداً نخرج إليه فخرج بهم موسى ليلاً وهم ستمائة ألف وثلاثة آلاف ونيف . فذلك قول فرعون { إن هؤلاء لشرذمة قليلون } وخرج فرعون ومقدمته خمسمائة ألف سوى الجنبين والقلب ، فلما انتهى موسى إلى البحر أقبل يوشع بن نون على فرسه ، فمشى على الماء ، واقتحم غيره بخيولهم فوثبوا في الماء ، وخرج فرعون في طلبهم حين أصبح وبعدما طلعت الشمس ، فذلك قوله { فأتبعوهم مشرقين ، فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون } فدعا موسى ربه فغشيتهم ضبابة حالت بينهم وبينه وقيل له : اضرب بعصاك البحر . ففعل { فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم } يعني الجبل . فانفلق منه اثنا عشر طريقاً فقالوا : انا نخاف أن توحل فيه الخيل . فدعا موسى ربه فهبت عليهم الصبا فجف ، فقالوا : انا نخاف أن يغرق منا ولا نشعر ، فقال بعصاه فنقب الماء فجعل بينهم كوى حتى يرى بعضهم بعضاً ، ثم دخلوا حتى جاوزوا البحر .
وأقبل فرعون حتى انتهى إلى الموضع الذي عبر منه موسى وطرقه على حالها فقال له أدلاؤه : إن موسى قد سحر البحر حتى صار كما ترى ، وهو قوله { واترك البحر رهواً } [ الدخان : 24 ] يعني كما هو . فحذ ههنا حتى نلحقهم وهو مسيرة ثلاثة أيام في البحر .
وكان فرعون يومئذ على حصان ، فأقبل جبريل على فرس أنثى في ثلاثة وثلاثين من الملائكة ، ففرقوا الناس وتقدم جبريل فسار بين يدي فرعون وتبعه فرعون ، وصاحت الملائكة في الناس : الحقوا الملك . حتى إذا دخل آخرهم ولم يخرج أولهم؛ التقى البحر عليهم فغرقوا . فسمع بنو إسرائيل وجبة البحر حين التقى فقالوا : ما هذا؟ قال موسى : غرق فرعون وأصحابه . فرجعوا ينظرون فألقاهم البحر على الساحل .
وأخرج ابن عبد الحكم وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه قال : كان جبريل بين الناس . بين بني إسرائيل وبين آل فرعون فيقول : رويدكم ليلحقكم آخركم . فقالت بنو إسرائيل : ما رأينا سائقاً أحسن سياقاً من هذا . وقال آل فرعون : ما رأينا وازعاً أحسن زعة من هذا .
فلما انتهى موسى وبنو إسرائيل إلى البحر قال مؤمن آل فرعون . يا نبي الله أين أمرت؟ هذا البحر أمامك وقد غشينا آل فرعون فقال : أمرت بالبحر . فاقتحم مؤمن آل فرعون فرسه فرده التيار ، فجعل موسى لا يدري كيف يصنع ، وكان الله قد أوحى إلى البحر : أن أطع موسى وآية ذلك إذا ضربك بعصا ، فأوحى الله إلى موسى : أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه { فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم } فدخل بنو إسرائيل واتبعهم آل فرعون ، فلما خرج آخر بني إسرائيل ودخل آخر آل فرعون أطبق الله عليهم البحر .(7/393)
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : نزل جبريل يوم غرق فرعون وعليه عمامة سوداء .
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن أبي الدرداء قال « جعل النبي صلى الله عليه وسلم يصفق بيديه ، ويعجب من بني إسرائيل وتعنتهم لما حضروا البحر ، وحضرهم عدوهم . جاؤوا موسى فقالوا : قد حضرنا العدوّ فماذا أمرت؟ قال : أن أنزل ههنا ، فاما أن يفتح لي ربي ويهزمهم ، وأما أن يفرق لي هذا البحر . فضربه فتأطط كما تتأطط الفرش ، ثم ضربه الثانية فانصدع فقال : هذا من سلطان ربي . فاجازوا البحر فلم يسمع بقوم أعظم ذنباً ، ولا أسرع توبة منهم » .(7/394)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فنظل لها عاكفين } قال : عابدين { قال هل يسمعونكم إذ تدعون } يقول : هل تجيبكم آلهتكم إذا دعوتموهم .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { إذ يسمعونكم } قال : هل يسمعون أصواتكم .(7/395)
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : كان يقال أول نعمة الله على عبده حين خلقه .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } قال : قوله { إني سقيم } [ الصافات : 29 ] وقوله { بل فعله كبيرهم هذا } [ الأنبياء : 63 ] وقوله لسارة : إنها أختي . حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذها .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وألحقني بالصالحين } يعني أهل الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } قال : يؤمن بإبراهيم كل ملة .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر ، وابن مردويه من طريق الحسن عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا توضأ العبد لصلاة مكتوبة فاسبغ الوضوء ثم خرج من باب داره يريد المسجد ، فقال حين يخرج : بسم الله الذي خلقني فهو يهدين . هداه الله للصواب - ولفظ ابن مردويه : لصواب الأعمال - والذي هو يطعمني ويسقين . أطعمه الله من طعام الجنة ، وسقاه من شراب الجنة ، وإذا مرضت فهو يشفين . شفاه الله وجعل مرضه كفارة لذنوبه ، والذي يميتني ثم يحيين . أحياه الله حياة السعداء ، وأماته ميتة الشهداء ، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين . غفر الله خطاياه كلها وإن كانت أكثر من زبد البحر ، رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين . وهب الله له حكماً وألحقه بصالح من مضى وصالح من بقي ، واجعل لي لسان صدق في الآخرين . كتب في ورقة بيضاء أن فلان بن فلان من الصادقين ، ثم وفقه الله بعد ذلك للصدق ، واجعلني من ورثة جنة النعيم . جعل الله له القصور والمنازل في الجنة » وكان الحسن يزيد فيه - واغفر لوالدي كما ربياني صغيراً .
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه « عن عائشة أنها قالت : يا رسول الله أن ابن جدعان كان يقري الضيف ، ويصل الرحم ، ويفعل ويفعل . أينفعه ذلك؟ قال : لا . إنه لم يقل يوماً قط : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين » .(7/396)
وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { واغفر لأبي } قال : امنن عليه بتوبة يستحق بها مغفرتك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ولا تخزني يوم يبعثون } قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : « ليجيئن رجل يوم القيامة من المؤمنين آخذاً بيد أب له مشرك حتى يقطعه النار ، ويرجو أن يدخله الجنة ، فيناديه مناد : أنه لا يدخل الجنة مشرك . فيقول : رب أبي . . ووعدت أن لا تخزيني . قال : فما يزال متشبثاً به حتى يحوله الله في صورة سيئة وريح منتنة في سورة ضبعان ، فإذا رآه كذلك تبرأ منه وقال : لست بأبي قال : فكنا نرى أنه يعني إبراهيم وما سمى به يومئذ » .
وأخرج البخاري والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصيني؟ فيقول أبوه : فاليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم : رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد . فيقول الله : إني حرمت الجنة على الكافرين . ثم يقال : يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار » .
وأخرج أحمد عن رجل من بني كنانة قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح فسمعته يقول « اللهم لا تخزني يوم القيامة » .(7/397)
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس في قوله { إلا من أتى الله بقلب سليم } قال : شهادة أن لا إله إلا الله .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { إلا من أتى الله بقلب سليم } قال : كان يقال : سليم من الشرك .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { إلا من أتى الله بقلب سليم } قال : من الشرك . ليس فيه شك في الحق .
وأخرج عبد بن حميد عن عون قال : ذكروا الحجاج عند ابن سيرين فقال : غير ما تقولون أخوف على الحجاج عندي منه قلت : وما هو قال : إن كان لقي الله بقلب سليم فقد أصاب الذنوب خير منه قلت : وما القلب السليم؟ قال : إن يعلم أنه لا إله إلا الله .(7/398)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93)
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك { وأزلفت الجنة للمتقين } قال : قربت لأهلها .
وأخرج ابن أبي شيبة عن نبيح ابن امرأة كعب قال : تزلف الجنة ، ثم تزخرف ، ثم ينظر إليها من خلق الله؛ من مسلم أو يهودي أو نصراني إلا رجلان : رجلاً قتل مؤمناً متعمداً ، أو رجلاً قتل معاهداً متعمداً .(7/399)
فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فكبكبوا فيها } قال : جمعوا فيها { هم والغاوون } قال : مشركو العرب والآلهة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { فكبكبوا } قال : رموا .
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن السدي { فكبكبوا فيها } قال : في النار { هم } قال : الآلهة { والغاوون } قال : مشركو قريش { وجنود إبليس } قال : ذرية إبليس ومن ولد .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { والغاوون } قال : الشياطين .
وأخرج ابن مردويه عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الناس يمرون يوم القيامة على الصراط : والصراط دحض مزلة يتكفأ بأهله . والنار تأخذ منهم ، وإن جهنم لتنطف عليهم مثل الثلج إذا وقع لها زفير وشهيق . فبينما هم كذلك إذ جاءهم نداء من الرحمن : عبادي من كنتم تعبدون في دار الدنيا؟ فيقولون : رب أنت تعلم انا إياك كنا نعبد . فيجيبهم بصوت لم يسمع الخلائق مثله قط : عبادي حق عليّ أن لا أَكِلَكُمُ اليوم إلى أحد غيري فقد عفوت عنكم ، ورضيت عنكم . فتقوم الملائكة عند ذلك بالشفاعة ، فينحون من ذلك المكان فيقول الذين تحتهم في النار { فما لنا من شافعين ، ولا صديق حميم ، فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين } [ إبراهيم : 43 ] قال الله { فكبكبوا فيها هم والغاوون } قال ابن عباس : ادخروا فيها إلى آخر الدهر » .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن أمتي ستحشر يوم القيامة ، فبينما هم وقوف إذ جاءهم مناد من الله : ليعتزل سفاكو الدماء بغير حقها . فيميزون على حدة ، فيسيل عندهم سيل من دم ، ثم يقول لهم الداعي : اعيدوا هذه الدماء في أجسادها . فيقولون : كيف نعيدها في أجسادها؟ فيقول : احشروهم إلى النار . فبينما هم يجرون إلى النار إذ نادى مناد فقال : إن القوم قد كانوا يهللون . فيوقفون منها مكاناً يجدون وهجها حتى يفرغ من حساب أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم يكبكبون في النار { هم والغاوون } ، { وجنود إبليس أجمعون } » .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة أن عائشة قالت : يا رسول الله يكون يوم لا يغنى عنا فيه من الله شيء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « نعم . في ثلاث مواطن : عند الميزان ، وعند النور والظلمة ، وعند الصراط . من شاء الله سلمه وأجازه ، ومن شاء كبكبه في النار قالت : يا رسول الله وما الصراط؟ قال : طريق بين الجنة والنار يجوز الناس عليه مثل حد الموسى ، والملائكة صافون يميناً وشمالاً يخطفونهم بالكلاليب مثل شوك السعدان وهم يقولون : سلم سلم { وأفئدتهم هواء } فمن شاء الله سلمه ومن شاء كبكبه في النار » .(7/400)
وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وما أضلنا إلا المجرمون } يقول : الأوّلون الذين كانوا قبلنا اقتدينا بهم فضللنا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة { وما أضلنا إلا المجرمون } قال : إبليس وابن آدم القاتل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج { فما لنا من شافعين } قال : من أهل السماء { ولا صديق حميم } قال : من أهل الأرض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { ولا صديق حميم } قال : شفيق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فلو أن لنا كرة } قال : رجعة إلى الدنيا { فنكون من المؤمنين } قال : حتى تحل لنا الشفاعة كما حلت لهؤلاء . والله أعلم .(7/401)
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس { قالوا أنؤمن لك } قالوا : أنصدقك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { واتبعك الأرذلون } قال : الحوّاكون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { واتبعك الأرذلون } قال : سفلة الناس وأراذلهم .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة { واتبعك الأرذلون } قال : الحوّاكون .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج { إن حسابهم إلا على ربي } قال : هو أعلم بما في أنفسهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { لتكونن من المرجومين } قال : بالحجارة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { لتكونن من المرجومين } قال : بالشتيمة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فافتح بيني وبينهم فتحاً } قال : اقض بيني وبينهم قضاء .
وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح . مثله . وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { الفلك المشحون } قال : السفينة الموقورة الممتلئة . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول عبيد بن الأبرص :
شحنا أرضهم بالخيل حتى ... تركناهم أذل من الصراط
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : تدرون ما المشحون؟ قلنا : لا . قال هو الموقر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { الفلك المشحون } قال : الممتلئ .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { الفلك المشحون } قال : المملوء المفروغ منه تحميلاً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { في الفلك المشحون } قال : المحمل .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { في الفلك المشحون } كنا نحدث : إنه الموقر .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن الشعبي { في الفلك المشحون } قال : المثقل .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ، مثله .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح { في الفلك المشحون } قال : سفينة نوح .(7/402)
كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { أتبنون بكل ريع } قال : طريق { آية } قال : علماً { تعبثون } قال : تلعبون .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أتبنون بكل ريع } قال : شرف .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { أتبنون بكل ريع } قال : طريق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر قال { الريع } ما استقبل الطريق بين الجبال والظراب .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { أتبنون بكل ريع } قال : بكل فج بين جبلين { آية } قال : بنيانا { وتتخذون مصانع } قال : بروج الحمام .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { تعبثون } قال : تلعبون .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { وتتخذون مصانع } قال : قصوراً مشيدة وبنياناً مخلداً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { وتتخذون مصانع } قال : مآخذ للماء قال : وكان في بعض القراءة { وتتخذون مصانع كأنكم خالدون } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لعلكم تخلدون } قال : كأنكم تخلدون .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وإذا بطشتم بطشتم جبارين } قال : بالسوط والسيف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { بطشتم جبارين } قال : أقوياء .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { بطشتم جبارين } قال : أقوياء .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إن هذا إلا خلق الأولين } قال : دين الأولين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إن هذا إلا خلق الأولين } قال : أساطير الأولين .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود أنه كان يقرأ { إن هذا إلا خلق الأولين } يقول شيء اختلقوه وفي لفظ يقول { اختلاق الأولين } .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { إن هذا إلا خلق الأوّلين } قال : كذبهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن علقمة { إن هذا إلا خلق الأولين } قال : اختلاقهم .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { إن هذا إلا خلق الأولين } مرفوعة الخاء مثقلة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إن هذا إلا خلق الأولين } قال : قالوا : هكذا خلقت الأولون ، وهكذا كان الناس يعيشون ما عاشوا ، ثم يموتون ولا بعث عليهم ولا حساب { وما نحن بمعذبين } أي إنما نحن مثل الأولين نعيش كما عاشوا ثم نموت لا حساب ولا عذاب علينا ولا بعث .(7/403)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ونخل طلعها هضيم } قال : معشب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله عز وجل { طلعها هضيم } قال : منضم بعضه إلى بعض قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول امرئ القيس :
دار لبيضاء العوارض طفلة ... مهضومة الكشحين ريا المعصم
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن يزيد بن أبي زياد { ونخل طلعها هضيم } قال : هو الرطب وفي لفظ قال : المذنب الذي قد رطب بعضه .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { طلعها هضيم } قال : لين .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن { طلعها هضيم } قال : الرخو .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك قال ال { هضيم } إذا بلغ البسر في عذوقه فعظم . فذلك الهضم .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { طلعها هضيم } قال : يتهشم تهشماً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { طلعها هضيم } قال : الطلعة إذا مسستها تناثرت .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن { طلعها هضيم } قال : ليس فيه نوى .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة قال ال { هضيم } الرطب اللين .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { وتنحتون } بكسر الحاء { الجبال بيوتاً فارهين } بالألف .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فرهين } قال : حاذقين .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله { فرهين } قال : حاذقين بنحتها .
وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة { فرهين } قال : حاذقين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فرهين } قال : أشرين .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فرهين } قال : شرهين .
وأخرج عبد بن حميد عن عطية في قوله { فارهين } قال : متجبرين .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن عبد الله بن شداد في قوله { فارهين } قال : يتجبرون .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فرهين } قال : معجبين بصنعكم .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { ولا تطيعوا أمر المسرفين } قال : هم المشركون وفي قوله { إنما أنت من المسحرين } قال : هم الساحرون .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { إنما أنت من المسحرين } قال : المسحورين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والخطيب وابن عساكر من طرق عن ابن عباس في قوله { إنما أنت من المسحرين } قال : من المخلوقين ثم أنشد قول لبيد بن ربيعة :(7/404)
إن تسألينا فيم نحن فإننا ... عصافير من هذا الأنام المسحر
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن أبي صالح ومجاهد في قوله { من المسحرين } قالا : من المخدوعين .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { إنما أنت من المسحرين } مثقلة وقال : المسحر : السوقة الذي ليس بملك .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس؛ أن صالحاً بعثه الله إلى قومه فآمنوا به ، ثم إنه لما مات كفر قومه ورجعوا عن الإِسلام ، فاحيا الله لهم صالحاً وبعثه إليهم فقال : أنا صالح فقالوا : قد مات صالح ، إن كنت صالحاً { فأت بآية إن كنت من الصادقين } فبعث الله الناقة فعقروها وكفروا فاهلكوا ، وعاقرها رجل نساج يقال له قدار بن سالف .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال { هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم } قال : كانت إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله ، فإذا كان يوم شربهم كان لأنفسهم ومواشيهم وأرضهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إذا كان يومها أصدرتهم لبناً ما شاؤوا .(7/405)
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (175)
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم } قال : تركتم اقبال النساء إلى أدبار الرجال وأدبار النساء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم } قال : ما أصلح لكم يعني القبل .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة { وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم } يقول : ترك اقبال النساء إلى ادبار الرجال .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { بل أنتم قوم عادون } قال : متعدون .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن مجاهد قال : في قراءة عبد الله { وواعدناه أن نؤمنه أجمعين إلا عجوزاً في الغابرين } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة { إلا عجوزاً في الغابرين } قال : هي امرأة لوط غبرت في عذاب .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { في الغابرين } قال : في الباقين قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول عبيد بن الأبرص؟ :
ذهبوا وخلفني المخلف فيهم ... فكأنني في الغابرين غريب(7/406)
كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)
أخرج عبد بن حميد عن مجاهد ليكة قال { الأيكة } .
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس في قوله { كذب أصحاب الأيكة المرسلين } قال : كانوا أصحاب غيضة بين ساحل البحر إلى مدين ، وقد أهلكوا فيما يأتون . وكان أصحاب الأيكة مع ما كانوا فيه من الشرك استنوا سنة أصحاب مدين . فقال لهم شعيب { إني لكم رسول أمين } ، { فاتقوا الله وأطيعون } ، { وما أسألكم } على ما أدعوكم عليه أجراً في العاجل في أموالكم { إن أجري إلا على رب العالمين } ، { واتقوا الذي خلقكم والجبلة } يعني وخلق الجبلة { الأولين } يعني القرون الأولين الذين أهلكوا بالمعاصي ولا تهلكوا مثلهم { قالوا إنما أنت من المسحرين } يعني من المخلوقين { وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين } ، { فأسقط علينا كسفاً من السماء } يعني قطعاً من السماء { فأخذهم عذاب يوم الظلة } أرسل الله عليهم سموماً من جهنم ، فأطاف بهم سبعة أيام حتى انضجهم الحر ، فحميت بيوتهم ، وغلت مياههم في الآبار والعيون ، فخرجوا من منازلهم ومحلتهم هاربين والسموم معهم ، فسلط الله عليهم الشمس من فوق رؤوسهم فتغشتهم حتى تقلقلت فيها جماجمهم ، وسلط الله عليهم الرمضاء من تحت أرجلهم حتى تساقطت لحوم أرجلهم ، ثم أنشأت لهم ظلة كالسحابة السوداء ، فلما رأوها ابتدروها يستغيثون بظلها حتى إذا كانوا تحتها جميعاً؛ أطبقت عليهم فهلكوا ونجَّى الله شعيباً والذين آمنوا به .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والجبلة الأولين } قال : الخلق الأولين .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { والجبلة الأولين } قال : الخليقة .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { فأسقط علينا كسفاً من السماء } قال : قطعاً من السماء .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : إن أهل مدين عذبوا بثلاثة أصناف من العذاب : أخذتهم الرجفة في دارهم حتى خرجوا منها ، فلما خرجوا منها ، أصابهم فزع شديد ففرقوا أن يدخلوا البيوت أن تسقط عليهم . فأرسل الله عليهم الظلة فدخل تحتها رجل قال : ما رأيت كاليوم ظلاً أطيب ولا ابرد هلموا أيها الناس ، فدخلوا جميعاً تحت الظلة ، فصاح فيهم صيحة واحدة ، فماتوا جميعاً .
وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال : { أصحاب الأيكة } أصحاب شجر وهم قوم شعيب ، وأصحاب الرس : أصحاب آبار وهم قوم شعيب .
وأخرج ابن المنذر عن السدي قال : بعث شعيباً إلى أصحاب الأيكة - والايكة غيضة - فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة .
قال : فتح الله عليهم باباً من أبواب جهنم ، فغشيهم من حره ما لم يطيقوه ، فتبردوا بالماء وبما قدروا عليه ، فبينما هم كذلك إذ رفعت لهم سحابة فيها ريح باردة طيبة ، فلما وجدوا بردها ساروا نحو الظلة ، فاتوها يتبردون بها فخرجوا من كل شيء كانوا فيه ، فلما تكاملوا تحتها طبقت عليهم بالعذاب .(7/407)
فذلك قوله { فأخذهم عذاب يوم الظلة } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال : سلط الله الحر على قوم شعيب سبعة أيام ولياليهن حتى كانوا لا ينتفعون بظل بيت ولا ببرد ماء ، ثم رفعت لهم سحابة في البرية فوجدوا تحتها الروح ، فجعلوا يدعوا بعضهم بعضاً . حتى إذا اجتمعوا تحتها أشعلها الله عليهم ناراً . فذلك قوله { فأخذهم عذاب يوم الظلة } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس أنه سئل عن قوله { فأخذهم عذاب يوم الظلة } فقال : بعث الله عليهم وهدة وحراً شديداً ، فأخذ بأنفاسهم ، فدخلوا أجواف البيوت ، فدخل عليهم أجواف البيوت ، فأخذ بأنفاسهم فخرجوا من البيوت هراباً إلى البرية .
فبعث الله عليهم سحابة فاظلتهم من الشمس ، فوجدوا لها برداً ولذة ، فنادى بعضهم بعضاً حتى إذا اجتمعوا تحتها أسقطها الله عليهم ناراً . فذلك قوله { عذاب يوم الظلة } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة { فأخذهم عذاب يوم الظلة } قال : ذكر لنا أنه سلط الله عليهم الحر سبعة أيام لا يظلهم ظل ولا ينفعهم منه شيء ، فبعث الله عليهم سحابة ، فلحقوا إليها يلتمسون الروح في ظلها . فجعلها الله عليهم عذاباً فأحرقتهم . بعثت عليهم ناراً فاضطرمت فاكلتهم . فذلك عذاب يوم الظلة .
وأخرج عبد بن حميد عن علقمة { فأخذهم عذاب يوم الظلة } قال : أصابهم الحر حتى أقلقهم من بيوتهم فخرجوا ، ورفعت لهم سحابة فانطلقوا إليها ، فلما استظلوا بها ، أرسلت إليهم فلم ينفلت منهم أحد .
وأخرج الحاكم عن زيد بن أسلم قال : كان ينهاهم عن قطع الدراهم { فأخذهم عذاب يوم الظلة } حتى إذا اجتمعوا كلهم كشف الله عنهم الظلة ، وأحمى عليهم الشمس ، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن مجاهد في قوله { فأخذهم عذاب يوم الظلة } قال : ظلل من العذاب اتاهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال : من حدثك من العلماء : ما عذاب يوم الظلة . فكذبه .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال : من حدثك من العلماء ما عذاب يوم الظلة قال : أخذهم حر أقلقهم من بيوتهم ، فانشئت لهم سحابة فأتوها فصيح بهم فيها والله أعلم .(7/408)
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة { وإنه لتنزيل رب العالمين } قال : هذا القرآن { نزل به الروح الأمين } قال : جبريل .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { نزل به الروح الأمين } قال : الروح الأمين : جبريل رأيت له ستمائة جناح من لؤلؤ قد نشرها فهم مثل ريش الطواويس .
وأخرج ابن مردويه عن الحسن أظنه عن سعد قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « الأوان الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أيها الناس إنه ليس من شيء يقربكم من الجنة ويبعدكم من النار إلا قد أمرتكم به ، وإنه ليس شيء يقربكم من النار ويبعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه ، وأن الروح الأمين نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله واجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { بلسان عربي مبين } قال : بلسان قريش . ولو كان غير عربي ما فهموه .
وأخرج ابن النجار في تاريخه عن ابن عباس والبيهقي في شعب الإِيمان عن بريدة في قوله { بلسان عربي مبين } قال : بلسان جرهم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن بريدة ، مثله .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن سلام قال : كان نفر من قريش من أهل مكة قدموا على قوم من يهود من بني قريظة لبعض حوائجهم ، فوجدوهم يقرأون التوراة فقال القرشيون : ماذا نلقى ممن يقرأ توراتكم هذه؟ لهؤلاء أشد علينا من محمد وأصحابه . فقال اليهود : نحن من أولئك برآء . أولئك يكذبون على التوراة وما أنزل الله في الكتب إنما أرادوا عرض الدنيا . فقال القرشيون : فإذا لقيتموهم فسوِّدوا وجوههم وقال المنافقون : وما يعلمه إلا بشر مثله . وأنزل الله { وإنه لتنزيل رب العالمين } إلى قوله { وإنه لفي زبر الأولين } يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، وصفته ، ونعته ، وأمره .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد { وإنه لفي زبر الأولين } يقول : في الكتب التي أنزلها على الأولين .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وإنه لفي زبر الأولين } قال : كتب الأولين { أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل } قال : يعني بذلك اليهود والنصارى ، كانوا يعلمون أنهم يجدون محمداً مكتوباً عندهم في التوراة والإِنجيل أنه رسول الله .(7/409)
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ « أو لم يكن لهم آية » بالياء .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل } قال : عبد الله بن سلاممبشر بن عبيد القرشي في قوله { أو لم يكن لهم آية } يقول : أو لم يكن لهم القرآن آية .
وأخرج ابن سعد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية العوفي في قوله { أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل } قال : كانوا خمسة؛ أسد ، وأسيد ، وابن يامين ، وثعلبة ، وعبد الله بن سلام .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ولو نزلناه على بعض الأعجمين } قال : يقول لو نزلنا هذا القرآن على بعض الأعجمين لكانت العرب أشر الناس فيه ، لا يفهمونه ولا يدرون ما هو .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { ولو نزلناه على بعض الأعجمين } قال : لو أنزله الله عجمياً لكانوا أخسر الناس به لأنهم لا يعرفون العجمية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ولو نزلناه على بعض الأعجمين } قال : الفرس .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله { كذلك سلكناه } قال : الشرك جعلناه { في قلوب المجرمين } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جهضم قال « رؤي النبي صلى الله عليه وسلم كأنه متحير فسألوه عن ذلك فقال : ولم . . . ! ورأيت عدوّي يلون أمر أمتي من بعدي . فنزلت { أفرأيت إن متعناهم سنين } ، { ثم جاءهم ما كانوا يوعدون } ، { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } فطابت نفسه » .
وأخرج عبد بن حميد عن سليمان بن عبد الملك؛ أنه كان لا يدع أن يقول في خطبته كل جمعة : إنما أهل الدنيا فيها على وجل لم تمض لهم نية ، ولم تطمئن لهم دار حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك . لا يدوم نعيمها ، ولا تؤمن فجعاتها ، ولا يبقى فيها شيء ، ثم يتلو { أفرأيت إن متعناهم سنين } ، { ثم جاءهم ما كانوا يوعدون } ، { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون } قال : الرسل .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون } قال : ما أهلك الله من قرية إلا من بعد ما جاءتهم الرسل ، والحجة ، والبيان من الله . ولله الحجة على طلقة { ذكرى } قال : تذكرة لهم ، وموعظة وحجة لله { وما كنا ظالمين } يقول : ما كنا لنعذبهم إلا من بعد البينة والحجة والعذر . حتى نرسل الرسل ، وننزل الكتب ، وفي قوله { وما تنزلت به الشياطين } يعني القرآن { وما ينبغي لهم أن ينزلوا به وما يستطيعون } يقول لا يقدرون على ذلك ، ولا يستطيعونه { إنهم عن السمع لمعزولون } قال : عن سمع السماء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { وما تنزلت به الشياطين } قال : زعموا أن الشياطين تنزلت به على محمد؛ فأخبرهم الله أنها لا تقدر على ذلك ولا تستطيعه ، وما ينبغي لهم أن ينزلوا بهذا وهو محجور عليهم .(7/410)
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)
أخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان وفي الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية { وأنذر عشيرتك الأقربين } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً وعم وخص فقال « يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً ، يا معشر بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً ، يا معشر بني قصي أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً ، يا معشر بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً ، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً ، يا فاطمة بنت محمد انقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك ضراً ولا نفعاً ، ألا إن لكم رحماً وسابلها ببلاها » .
وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن جرير وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال « يا فاطمة ابنة محمد ، يا صفية ابنة عبد المطلب ، يا بني عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئاً سلوني من مالي ما شئتم » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن عروة مرسلاً ، مثله .
وأخرج مسدد ومسلم والنسائي وابن جرير والبغوي في معجمه والباوردي والطحاوي وأبو عوانة وابن قانع والطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن قبيصة بن مخارق وزفير بن عمرو قالا : لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربوة من جبل ، فعلا أعلاها حجراً ثم قال « يا بني عبد مناف أني نذير لكم إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يريد أهله فخشي أن يسبقوه إلى أهله ، فجعل يهتف : يا صباحاه . . يا صباحاه . . أتيتم . أتيتم » .
وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال : لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعيه في أذنيه ورفع صوته وقال « يا بني عبد مناف ، يا صباحاه . . . » .
وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال : لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جمع أهله فقال « يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار . ثم التفت إلى فاطمة فقال : يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً ، غير أن لكم رحماً سابلها ببلالها » .(7/411)
وأخرج ابن مردويه عن البراء قال : لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم { وأنذر عشيرتك الأقربين } صعد النبي صلى الله عليه وسلم ربوة من جبل فنادى « يا صباحاه . . فاجتمعوا فحذرهم وأنذرهم ثم قال : لا أملك لكم من الله شيئاً ، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك من الله شيئاً » .
وأخرج ابن مردويه عن الزبير بن العوّام قال : لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } صاح على أبي قبيس « يا آل عبد مناف إني نذير . فجاءته قريش فحذرهم . . . وأنذرهم » .
وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قريشاً فقال « { وأنذر عشيرتك الأقربين } يعني : قومي » .
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } جعل يدعوهم قبائل قبائل .
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن مردويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } ورهطك منهم المخلصين خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد على الصفا فنادى » يا صباحاه . . فقالوا من هذا الذي يهتف؟ قالوا : محمد . فاجتمعوا إليه ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ قالوا : نعم . ما جربنا عليك إلا صدقاً قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد « فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا! فنزلت { تبت يدا أبي لهب وتب } [ المسد : 1-2 ] » .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { وأنذر عشيرتك الأقربين } قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم نادى على الصفا بأفخاذ عشيرته . فخذا فخذاً يدعوهم إلى الله . فقال في ذلك المشركون : لقد بات هذا الرجل يهوّت منذ الليلة قال : وقال الحسن رضي الله عنه : جمع نبي الله صلى الله عليه وسلم أهل بيته قبل موته فقال « ألا إن لي عملي ولكم عملكم ، ألا إني لا أغني عنكم من الله شيئاً ، ألا إن أوليائي منكم المتقون ، ألا لا أعرفنكم يوم القيامة تأتون بالدنيا تحملونها على قرابكم ، ويأتي الناس يحملون الآخرة . يا صفية بنت عبد المطلب ، يا فاطمة بنت محمد ، اعملا فإني لا أغني عنكما من الله شيئاً » .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(7/412)
« يا بني هاشم ، ويا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إني لا أغني عنكم من الله شيئاً . إياكم أن يأتي الناس يحملون الآخرة ، وتأتون أنتم تحملون الدنيا ، وأنكم تردون عليّ الحوض ذات الشمال وذات اليمين فيقول القائل منكم : يا رسول الله أنا فلان بن فلان . فاعرف الحسب وانكر الوصف ، فاياكم أن يأتي أحدكم يوم القيامة وهو يحمل على ظهره فرساً ذات جمعمة ، أو بعيراً له رغاء ، أو شاة لها ثغاء ، أو يحمل قشعاً من أدم فيختلجون من دوني ، ويقال لي : أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فاطيبوا نفساً وإياكم أن ترجعوا القهقرى من بعدي » قال عكرمة رضي الله عنه : إنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول حيث أنزل الله عليه { وأنذر عشيرتك الأقربين } « .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني هاشم ، فاجلسهم على الباب ، وجمع نساءه وأهله فأجلسهم في البيت ، ثم اطلع عليهم فقال » يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار ، واسعوا في فكاك رقابكم أو افتكوها بأنفسكم من الله فإني لا أملك لكم من الله شيئاً ، ثم أقبل على أهل بيته فقال : يا عائشة بنت أبي بكر ، ويا حفصة بنت عمر ، ويا أم سلمة ، ويا فاطمة بنت محمد ، ويا أم الزبير عمة رسول الله ، اشتروا أنفسكم من الله ، واسعوا في فكاك رقابكم فإني لا أملك لكم من الله شيئاً ولا أغني ، فبكت عائشة رضي الله عنها وقالت : وهل يكون ذلك يوم لا تغني عنا شئياً؟ قال : نعم . في ثلاثة مواطن .
يقول الله { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة . . . } [ الأنبياء : 47 ] فعند ذلك لا أغني عنكم من الله شيئاً ، ولا أملك لكم من الله شيئاً ، وعند النور من شاء الله أتم له نوره ومن شاء أكبه في الظلمات يغمه فيها فلا أملك لكم من الله شيئاً ، ولا أغني عنكم من الله شيئاً ، وعند الصراط من شاء الله سلمه ، ومن شاء أجازه ، ومن شاء كبكبه في النار .
قالت : عائشة قد علمنا الموازين : هي الكفتان . فيوضع في هذه اليسرى ، فترجح احداهما وتخف الأخرى ، وقد علمنا النور والظلمة ، فما الصراط؟ قال : طريق بين الجنة والنار يجوز الناس عليها ، وهو مثل حد الموس ، والملائكة حفافه يميناً وشمالاً يخطفونهم بالكلاليب مثل شوك السعدان وهم يقولون : رب سلم سلم { وأفئدتهم هواء } فمن شاء الله سلمه ، ومن شاء كبكبه فيها « .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل من طرق عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم { وأنذر عشيرتك الأقربين } دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال(7/413)
« يا علي ان الله أمرني أن أنذر عشيرتي الاقربين فضقت ذرعاً ، وعرفت أني مهما أبادؤهم بهذا الامر أرى منهم ما أكره .
فصمت عليها حتى جاء جبريل فقال : يا محمد إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك ، فاصنع لي صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واجعل لنا عسا من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغ ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه أبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وأبو لهب .
فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به ، فلما وضعته تناول النبي صلى الله عليه وسلم بضعة من اللحم فشقها باسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال : كلوا بسم الله . فأكل القوم حتى تهلوا عنه ما ترى إلا آثار أصابعهم . والله إن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم . ثم قال : اسق القوم يا علي ، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعاً . وايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله . فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال : لقد سحركم صاحبكم . فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي صلى الله عليه وسلم .
فلما كان الغد قال : يا علي ان هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ، فعد لنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ثم اجمعهم لي . ففعلت ، ثم جمعتهم ، ثم دعاني بالطعام فقربته ، ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا وشربوا حتى نهلوا ، ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بافضل مما جئتكم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله ان أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على أمري هذا فقلت وأنا احدثهم سناً : إنه أنا . فقام القوم يضحكون » .
وأخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب قال : لما نزلت هذه الآية { وأنذر عشيرتك الأقربين } « جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً ، منهم العشرة يأكلون المسنة ، ويشربون العس ، وامر علياً برجل شاة صنعها لهم ثم قربها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ منها بضعة فاكل منها ، ثم تتبع بها جوانب القصعة ثم قال » ادنوا بسم الله « . فدنا القوم عشرة . . عشرة . فأكلوا حتى صدروا ، ثم دعا بقعب من لبن فجرع جرعة فناولهم فقال : اشربوا بسم الله . فشربوا حتى رووا عن آخرهم ، فقطع كلامهم رجل فقال لهم : ما سحركم مثل هذا الرجل ، فاسكت النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ فلم يتكلم .
ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ، ثم بدرهم بالكلام فقال : يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله والبشير ، قد جئتكم بما لم يجيء به أحد . جئتكم بالدنيا والآخرة فاسلموا تسلموا ، وأطيعوا تهتدوا » .(7/414)
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وأنذر عشيرتك الأقربين } قال : أمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم أن ينذر قومه ويبدأ بأهل بيته وفصيلته قال : { وكذب به قومك وهو الحق } [ الأنعام : 66 ] .
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن مرة أنه كان يقرأ { وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين } .
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر والديلمي عن عبد الواحد الدمشقي قال : رأيت أبا الدرداء يحدث الناس ويفتيهم؛ وولده وأهل بيته جلوس في جانب الدار يتحدثون فقيل له : يا أبا الدرداء ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم ، وأهل بيتك جلوس لاهين؟ فقال : إني سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول « أن ازهد الناس في الأنبياء ، واشدهم عليهم . الاقربون وذلك فيما أنزل الله { وأنذر عشيرتك الأقربين } إلى آخر الآية . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أزهد الناس في العالم أهله حتى يفارقهم ، وأنه يشفع في أهله وجيرانه ، فإذا مات خلا عنهم من مردة الشياطين أكثر من عدد ربيعة ومضر قد كانوا مشتغلين به ، فأكثروا التعوذ بالله منهم » .
وأخرج ابن عساكر عن محمد بن جحادة؛ أن كعباً لقي أبا مسلم الخولاني فقال : كيف كرامتك على قومك؟ قال : إني عليهم لكريم . قال : إني أجد في التوراة غير ما تقول قال : وما هو؟ قال : وجدت في التوراة أنه لم يكن حكيم في قوم إلا كان أزهدهم فيه قومه ، ثم الأقرب فالأقرب ، وإن كان في حبسه شيء عيروه به ، وإن كان عمل برهة من دهره ذنباً عيروه به .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن كعب أنه قال لأبي مسلم : كيف تجد قومك لك؟ قال : مكرمين مطيعين . قال : ما صدقتني التوراة إذن ما كان رجل حكيم في قوم إلا بغوا عليه وحسدوه .(7/415)
وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } بدأ بأهل بيته وفصيلته ، فشق ذلك على المسلمين ، فأنزل الله { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { واخفض جناحك لمن اتبعك } يقول ذلك لهم . وفي قوله { فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون } وقال : أمره بهذا ثم نسخه فأمره بجهادهم .(7/416)
الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { الذي يراك حين تقوم } قال : للصلاة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك { الذي يراك حين تقوم } قال : من فراشك أو من مجلسك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { الذي يراك حين تقوم } قال : أينما كنت .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير { الذي يراك حين تقوم } قال : في صلاتك { وتقلبك في الساجدين } قال : كما كانت تقلب الأنبياء قبلك .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين } قال : قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { الذي يراك حين تقوم } قال : يراك قائماً وقاعداً وعلى حالاتك { وتقلبك في الساجدين } قال : قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { الذي يراك حين تقوم } قال : يراك قائماً وقاعداً وعلى حالاتك { وتقلبك في الساجدين } قال : في الصلاة يراك وحدك ويراك في الجميع .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { وتقلبك في الساجدين } قال : في المصلين .
وأخرج الفريابي عن مجاهد ، مثله .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس { الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين } يقول : قيامك ، وركوعك ، وسجودك .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { وتقلبك في الساجدين } قال : يراك وأنت مع الساجدين تقوم وتقعد معهم .
وأخرج سفيان بن عيينة والفريابي والحميدي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله { وتقلبك في الساجدين } قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه في الصلاة كما يرى من بين يديه .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس { وتقلبك في الساجدين } قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رأى من خلفه كما يرى من بين يديه .
وأخرج مالك وسعيد بن منصور والبخاري ومسلم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « هل ترون قبلتي ههنا فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم وإني لاراكم من وراء ظهري » .
وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده والبزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله { وتقلبك في الساجدين } قال : من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبياً .
وأخرج سفيان بن عيينة والفريابي والحميدي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجاهد { وتقلبك في الساجدين } قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه في الصلاة كما يرى من بين يديه .(7/417)
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله { وتقلبك في الساجدين } قال : ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : بأبى أنت وأمي أين كنت وآدم في الجنة؟ فتبسم حتى بدت نواجده ثم قال » إني كنت في صلبه ، وهبط إلى الأرض وأنا في صلبه ، وركبت السفينة في صلب أبي نوح ، وقذفت في النار في صلب أبي إبراهيم ، ولم يلتق أبواي قط على سفاح ، لم يزل الله ينقلني من الإِصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذباً لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما .
قد أخذ الله بالنبوّة ميثاقي ، وبالإِسلام هداني ، وبين في التوراة والإِنجيل ذكري ، وبين كل شيء من صفتي في شرق الأرض وغربها ، وعلمني كتابه ، ورقي بي في سمائه ، وشق لي من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد ووعدني أن يحبوني بالحوض ، وأعطاني الكوثر . وأنا أول شافع ، وأول مشفع ، ثم أخرجني في خير قرون أمتي ، وأمتي الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر « » .(7/418)
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن سعيد بن وهب قال : كنت عند عبد الله بن الزبير فقيل له : إن المختار يزعم أنه يوحى إليه فقال ابن الزبير : صدق ثم تلا { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم } .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { على كل أفاك أثيم } قال : كذاب من الناس { يلقون السمع } قال : ما سمعه الشيطان ألقاه { على كل أفاك } كذاب من الناس .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { تنزل على كل أفاك أثيم } قال : الأفاك : الكذاب . وهم الكهنة تسترق الجن السمع ، ثم يأتون به إلى أوليائهم من الإِنس . وفي قوله { يلقون السمع وأكثرهم كاذبون } قال : كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتسمع ، ثم تنزل إلى الكهنة فتخبرهم ، فتحدث الكهنة بما أنزلت به الشياطين من السمع ، وتخلط الكهنة كذباً كثيراً ، فيحدثون به الناس . فأما ما كان من سمع السماء فيكون حقاً ، وأما ما خلطوا به من الكذب فيكون كذباً .
وأخرج البخاري ومسلم وابن مردويه عن عائشة قالت : « سأل أناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال : » إنهم ليسوا بشيء فقالوا : يا رسول الله إنهم يحدثوننا أحياناً بالشيء يكون حقاً . قال : تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة « » .
وأخرج البخاري وابن المنذر عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الملائكة تحدث في العنان - والعنان : الغمام - بالأمر في الأرض؛ فيسمع الشيطان الكلمة فيقرها في أذن الكاهن كما تقر القارورة ، فيزيدون معها مائة كذبة » .(7/419)
وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحدهما من الأنصار؛ والآخر من قوم آخرين ، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فأنزل الله { والشعراء يتبعهم الغاوون . . } الآيات .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك ، مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : تهاجى شاعران في الجاهلية وكان مع كل واحد منهما فئام من الناس . فأنزل الله { والشعراء يتبعهم الغاوون } .
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عروة قال : لما نزلت { والشعراء } إلى قوله { ما لا يفعلون } قال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله قد علم الله أني منهم . فأنزل الله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } إلى قوله { ينقلبون } .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي حسن سالم البراد قال : لما نزلت { والشعراء . . . } جاء عبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ، وحسان بن ثابت ، وهم يبكون فقالوا : يا رسول الله لقد أنزل الله هذه الآية وهو يعلم انا شعراء أهلكنا؟ فأنزل الله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليهم .
وأخرج عبد بن حميد والحاكم عن أبي الحسن مولى بني نوفل؛ أن عبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت ، أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت الشعراء يبكيان وهو يقرأ { والشعراء يتبعهم الغاوون } حتى بلغ { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } قال : أنتم { وذكروا الله كثيراً } قال : أنتم { وانتصروا من بعد ما ظلموا } قال : أنتم { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } قال : الكفار .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس { يتبعهم الغاوون } قال : هم الكفار ، يتبعون ضلال الجن والإِنس { في كل وادٍ يهيمون } في كل لغو يخوضون { وأنهم يقولون ما لا يفعلون } أكثر ولهم مكذبون ، ثم استثنى منهم فقال { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً } في كلامهم { وانتصروا من بعد ما ظلموا } قال : ردوا على الكفار الذين كانون يهجون المؤمنين .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس { والشعراء } قال : المشركون منهم الذين كانوا يهجون النبي صلى الله عليه وسلم { يتبعهم الغاوون } غواة الجن { في كل واد يهيمون } في كل فن من الكلام يأخذون ، ثم استثنى فقال { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يعني حسان بن ثابت ، وعبد الله بن رواحة ، وكعب بن مالك ، كانوا يذبون عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هجاء المشركين .(7/420)
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { يتبعهم الغاوون } قال : هم الرواة .
وأخرج البخاري في الأدب وأبو داود في ناسخه عن ابن عباس قال { الشعراء يتبعهم الغاوون } فنسخ من ذلك واستثنى فقال { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً } .
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً } قال : أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وعبد الله بن رواحة .
وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه وأبو يعلى وابن مردويه عن كعب بن مالك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أنزل في الشعراء ما أنزل فكيف ترى فيه؟ فقال « إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه - والذي نفسي بيده - لكأنما بوجههم مثل نضج النبل » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي سعيد قال : بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عرض شاعر ينشد فقال النبي صلى الله عليه وسلم « لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلىء شعراً » .
وأخرج الديلمي عن ابن مسعود مرفوعاً : الشعراء الذين يموتون في الإِسلام يأمرهم الله أن يقولوا شعراً تتغنى به الحور العين لأزواجهن في الجنة ، والذين ماتوا في الشرك يدعون بالويل والثبور في النار .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن من الشعر حكمة قال : وأتاه قرظة بن كعب ، وعبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت فقالوا : إنا نقول الشعر ، وقد نزلت هذه الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأوا { والشعراء } إلى قوله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } قال : أنتم هم { وذكروا الله كثيراً } قال : أنتم هم { وانتصروا من بعد ما ظلموا } قال : أنتم هم » .
وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { والشعراء يتبعهم الغاوون } قال : كان الشاعران يتقاولان ليكون لهذا تبع ولهذا تبع .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبه وعبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة { والشعراء يتبعهم الغاوون } قال : هم عصاة الجن .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { والشعراء يتبعهم الغاوون } قال : الشياطين { ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون } قال : يمدحون قوماً بباطل ، ويشتمون قوماً بباطل .
وأخرج الفريابي وابن جرير وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { والشعراء يتبعهم الغاوون } قال : الشياطين { ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون } قال : في كل فن يفتنون { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . . . } قال : عبد الله بن رواحة ، وأصحابه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } قال : هذه ثنية الله من الشعراء ومن غيرهم { وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا } قال : في بعض القراءة { وانتصروا بمثل ما ظلموا } قال : نزلت هذه الآية في رهط من الأنصار هاجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم كعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت { وسيعلم الذين ظلموا } من الشعراء وغيرهم { أي منقلب ينقلبون } .(7/421)
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . . . } قال : نزلت في عبد الله بن رواحة ، وفي شعراء الأنصار .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت « اهج المشركين فإن جبريل معك » .
وأخرج ابن سعد عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال « قيل يا رسول الله إن أبا سفيان بن الحرث بن عبد المطلب يهجوك ، فقام ابن رواحة ، فقال : يا رسول الله ائذن لي فيه قال : أنت الذي تقول ثبت الله؟ قال : نعم . يا رسول الله قلت : »
ثبت الله ما أعطاك من حسن ... تثبيت موسى ونصراً مثل ما نصرا
« قال : وأنت يفعل الله بك مثل ذلك ، ثم وثب كعب فقال : يا رسول الله ائذن لي فيه فقال : أنت الذي تقول همت؟ قال : نعم يا رسول الله قلت : »
همت سخينة أن تغالب ربها ... فليغلبن مغالب الغلاب
« قال : أما إن الله لم ينس لك ذلك ، ثم قام حسان الحسام فقال : يا رسول الله ائذن لي فيه ، وأخرج لساناً له اسود فقال : يا رسول الله ائذن لي فيه فقال : اذهب إلى أبي بكر فليحدثك حديث القوم ، وأيامهم ، وأحسابهم واهجهم وجبريل معك » .
وأخرج ابن سعد عن ابن بريدة ، أن جبريل أعان حسان بن ثابت على مدحته النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين بيتاً .
وأخرج ابن سعد وأحمد عن أبي هريرة قال : مر عمر بحسان وهو ينشد في المسجد فلحظ إليه . فنظر إليه فقال : قد كنت أنشد فيه ، وفيه من هو خير منك . فسكت . ثم التفت حسان إلى أبي هريرة فقال : أنشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « أجب عني اللهم أيده بروح القدس » ؟ قال : نعم .
وأخرج ابن سعد عن ابن سيرين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وهم في سفر « أين حسان بن ثابت؟ فقال : لبيك يا رسول الله وسعديك قال : أحد . فجعل ينشده ويصغي إليه حتى فرغ من نشيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا أشد عليهم من وقع النبل » .
وأخرج ابن عساكر عن حسن بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(7/422)
« لعبد الله بن رواحة : » ما الشعر «؟ قال : شيء يختلج في صدر الرجل فيخرجه على لسانه شعراً » .
وأخرج ابن سعد عن مدرك بن عمارة قال : « قال عبد الله بن رواحة : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف تقول الشعر إذا أردت أن تقول - كأنه يتعجب لذاك -! قلت : انظر في ذاك ثم أقول . قال : فعليك بالمشركين » .
وأخرج ابن سعد عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من يحمي أعراض المسلمين فقال عبد الله بن رواحة : أنا . وقال كعب بن مالك : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك تحسن الشعر . وقال حسان بن ثابت : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أهجهم فإن روح القدس سيعينك » .
وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إذا نصر القوم بسلاحهم أنفسهم فألسنتهم أحق . فقام رجل فقال : يا رسول الله أنا . قال : لست هناك . فجلس فقام آخر فقال : يا رسول الله أنا . فقال بيده معنى اجلس . فقام حسان فقال : يا رسول الله ما يسرني به مقولاً بين صنعاء وبصرى ، وإنك ما سببت قوماً قط بشيء هو أشد عليهم من شيء يعرفونه ، فمر بي إلى من يعرف أيامهم وبيوتاتهم حتى أضع لساني ، فأمر به إلى أبي بكر » .
وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال : « هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثة من كفار قريش : أبو سفيان بن الحرث ، وعمرو بن العاص ، وابن الزبعري ، قال قائل لعلي : أهج عنا هؤلاء القوم الذين قد هجونا فقال علي : إن أذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلت . فقال : الرجل : يا رسول الله ائذن لعلي كيما يهجو عنا هؤلاء القوم الذين هجونا فقال : ليس هناك . ثم قال للأنصار : ما يمنع القوم الذين قد نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلاحهم وأنفسهم أن ينصروه بألسنتهم؟ فقال حسان بن ثابت : أنا لها يا رسول الله ، وأخذ بطرف لسانه فقال : والله ما يسرني بهم مقولاً بين بصرى وصنعاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكيف تهجوهم وأنا منهم؟ فقال : إني أسُلّكَ منهم كما تسل الشعرة من العجين ، فكان يهجوهم ثلاثة من الأنصار يجيبونهم : حسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة .
فكان حسان وكعب يعارضانهم بمثل قولهم بالوقائع ، والأيام ، والمآثر ، ويعيرونهم بالمناقب ، وكان ابن رواحة يعيرهم بالكفر وينسبهم إلى الكفر ، ويعلم أنه ليس فيهم شيء شراً من الكفر . وكانوا في ذلك الزمان أشد القول عليهم قول حسان وكعب ، وأهون القول عليهم قول ابن رواحة ، فلما أسلموا وفقهوا الإِسلام كان أشد القول عليهم قول ابن رواحة » .(7/423)
وأخرج ابن أبي شيبة عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن من الشعر حكماً » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول « إن من الشعر حكماً » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن من الشعر حكماً ، وإن من البيان سحراً » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن فضالة بن عبيدة في قوله { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } قال : هؤلاء الذين يخربون البيت .
وأخرج أحمد عن أبي أمامة بن سهل حنيف قال : سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أتركوا الحبشة ما تركوكم ، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يبايع رجل بين الركن والمقام ، ولن يستحل هذا البيت إلا أهله ، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب ، ثم تجيء الحبشة فتخربه خراباً لا يعمر بعده أبداً ، وهم الذين يستخرجون كنزه » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال : من آخر أمر الكعبة أن الحبشة يغزون البيت ، فيتوجه المسلمون نحوهم ، فيبعث الله عليهم ريحاً شرقية فلا تدع لله عبداً في قلبه مثقال ذرة من تقى إلا قبضته حتى إذا فرغوا من خيارهم بقي عجاج من الناس .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب قال كأني أنظر إلى رجل من الحبش؛ أصلع ، أجمع ، حمش الساقين ، جالس عليها وهو يهدمها .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : كأني به : أصيلع ، أفيدع ، قائم عليها ، يهدمها بمسحاته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : كتب أبي في وصيته سطرين بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة عند خروجه من الدنيا حين يؤمن الكافر ، ويتقي الفاجر ، ويصدق الكاذب . إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن يعدل فذلك ظني به ورجائي فيه ، وإن يجر ويبدل فلا أعلم الغيب { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن رباح قال : كان صفوان بن مجرز إذا قرأ هذه الآية بكى { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون } .(7/424)
طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { طس } قال : هو اسم الله الأعظم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { طس } قال : هو اسم الله الأعظم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { طس } قال : هو اسم من أسماء القرآن . وفي قوله { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة } قال : لا يُقِرّون بها ولا يؤمنون بها { فهم يعمهون } قال : في صلاتهم وفي قوله { وإنك لتلقى القرآن } يقول : تأخذ القرآن من عند { حكيم عليم } .(7/425)
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
أخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : اخبرني عن قوله عز وجل { بشهاب قبس } قال : شعلة من نار يقتبسون منه قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول طرفة :
هم عراني فبت أدفعه ... دون سهادي كشعلة القَبس(7/426)
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { فلما جاءها نودي أن بورك من في النار } يعني تبارك وتعالى نفسه ، كان نور رب العالمين في الشجرة { ومن حولها } يعني الملائكة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير وابن مردويه عنه عن ابن عباس { نودي أن بورك من في النار ومن حولها } يقول : بوركت بالنار ناداه الله وهو في النور .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : كانت تلك النار نوراً { أن بورك من في النار ومن } حول النار .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس { أن بورك من في النار } قال : بوركت النار .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : في مصحف أبي بن كعب { بوركت النار ومن حولها } أما النار فيزعمون أنها نور رب العالمين { ومن حولها } الملائكة .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أنه كان يقرأ { أن بوركت النار } .
وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب في الآية قال : النار : نور الرحمن { ومن حولها } موسى والملائكة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { بورك } قال : قدس .
وأخرج عبد بن حميد ومسلم وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق أبي عبيدة عن أبي موسى الأشعري قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه . يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل . حجابه النور لو رفع الحجاب لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره » ثم قرأ أبو عبيدة { أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين } .(7/427)
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { فلما رآها تهتز كأنها جان } قال : حين تحوّلت حية تسعى .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولم يعقب يا موسى } قال : لم يرجع وفي قوله { إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء } قال : ثم تاب من بعد ظلمه واساءته .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ولى مدبراً } قال : فاراً { ولم يعقب } قال : لم يلتفت . وفي قوله { لا يخاف لدي } قال : عندي وفي قوله { إلا من ظلم } قال : إن الله لم يجز ظالماً . ثم عاد الله بعائدته وبرحمته فقال { ثم بدل حسناً بعد سوء } أي فعمل عملاً صالحاً بعد عمل سيء عمله { فإني غفور رحيم } .
وأخرج ابن المنذر عن ميمون قال : إن الله قال لموسى { إنه لا يخاف لديَّ المرسلون إلا من ظلم } وليس للظالم عندي أمان حتى يتوب .
وأخرج سعيد بن منصور عن زيد بن أسلم أنه قرأ { إلا من ظلم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كانت على موسى جبة لا تبلغ مرفقيه فقال له { أدخل يدك في جيبك } فادخلها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مقسم قال : إنما قيل { أدخل يدك في جيبك } لأنه لم يكن لها كم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كانت عليه مدرعة إلى بعض يده ، ولو كان لها كم أمره أن يدخل يده في كمه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وأدخل يدك في جيبك } قال : جيب القميص .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { وأدخل يدك في جيبك } قال : في جيب قميصك { تخرج بيضاء من غير سوء } قال : من غير برص { في تسع آيات } قال : يقول هاتان الآيتان : يد موسى ، وعصاه { في تسع آيات } وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : التسع آيات : يد موسى ، وعصاه ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والسنين في بواديهم ومواشيهم ، ونقص من الثمرات في أمصارهم . وفي قوله { فلما جاءتهم آياتنا مبصرة } قال : بينة { وجحدوا بها } قال : كذبت القوم بآيات الله بعدما استيقنتها أنفسهم أنها حق . والجحود لا يكون إلا من بعد المعرفة .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { ظلماً وعلواً } قال : تعظماً واستكباراً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً } قال : تكبروا وقد استيقنتها أنفسهم؛ وهذا من التقديم والتأخير .
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ { ظلماً وعلياً } وقرأ عاصم { وعلواً } برفع العين واللام .(7/428)
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : كان داود أعطي ثلاثاً : سخرت له الجبال يسبحن معه ، وأُلِينَ له الحديد ، وعلم منطق الطير . وأعطي سليمان : منطق الطير ، وسخرت له الجن ، وكان ذلك مما ورث عنه . ولم تسخر له الجبال ، ولم يلن له الحديد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب : إن الله لم ينعم على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان حمده أفضل من نعمته .
إن كنت لا تعرف . ذلك في كتاب الله المنزل قال الله عز وجل { ولقد آتينا داود وسليمان علماً وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين } وأي نعمة أفضل مما أوتي داود وسليمان! .(7/429)
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وورث سليمان داود } قال : ورثه نبوته ، وملكه ، وعلمه .
وأما قوله تعالى : { وقال يا أيها الناس } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي قال : الناس عندنا : أهل العلم .
وأما قوله تعالى : { علمنا منطق الطير } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال : كنت عند عمر بن الخطاب فدخل علينا كعب الحبر فقال : يا أمير المؤمنين ألا أخبرك بأغرب شيء قرأت في كتب الأنبياء : إن هامة جاءت إلى سليمان فقالت : السلام عليك يا نبي الله ، فقال : وعليك السلام يا هام ، أخبريني كيف لا تأكلين الزرع؟ فقالت : يا نبي الله لأن آدم عصى ربه في سببه لذلك لا آكله ، قال : فكيف لا تشربين الماء؟ قالت : يا نبي الله لأن الله أغرق بالماء قوم نوح من أجل ذلك تركت شربه ، قال : فكيف تركت العمران وأسكنت الخراب؟ قالت : لأن الخراب ميراث الله ، وأنا أسكن في ميراث الله وقد ذكر الله ذلك في كتابه فقال { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها } [ القصص : 58 ] إلى قوله { وكنا نحن الوارثين } [ القصص : 58 ] .
وأخرج ابن أبي شيبه وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم عن أبي الصديق الناجي قال : خرج سليمان بن داود يستسقي بالناس ، فمر بنملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول : اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك ، فاما أن تسقينا ، وإما أن تهلكنا فقال سليمان للناس : ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال : كان داود يقضي بين البهائم يوماً وبين الناس يوماً ، فجاءت بقرة فوضعت قرنها في حلقة الباب ثم تنغمت كما تنغم الوالدة على ولدها ، وقالت : كنت شابة كانوا ينتجوني ويستعملوني ، ثم إني كبرت فأرادوا أن يذبحوني ، فقال داود : أحسنوا إليها ولا تذبحوها ثم قرأ { علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء } .
وأخرج الحاكم في المستدرك عن جعفر بن محمد قال : أعطي سليمان ملك مشارق الأرض ومغاربها ، فملك سليمان سبعمائة سنة وستة أشهر . ملك أهل الدنيا كلهم من الجن ، والإِنس ، والدواب ، والطير ، والسباع ، وأعطي كل شيء ومنطق كل شيء ، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة . حتى إذا أراد الله أن يقبضه إليه أوحى إليه : أن استودع علم الله وحكمته أخاه . وولد داود كانوا أربعمائة وثمانين رجلاً أنبياء بلا رسالة . قال الذهبي : هذا باطل .
وأخرج الحاكم عن محمد بن كعب قال : بلغنا أن سليمان كان عسكره مائة فرسخ : خمسة وعشرون منها للإِنس ، وخمسة وعشرون للجن ، وخمسة وعشرون للوحش ، وخمسة وعشرون للطير ، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب .(7/430)
فيها ثلثمائة صريحة ، وسبعمائة سرية ، وأمر الريح العاصف فرفعته ، فأمر الريح فسارت به . فأوحى الله إليه : إني زدتك في ملكك أن لا يتكلم أحد بشيء إلا جاءت الريح فأخبرتك .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر عن وهب بن منبه قال : مر سليمان بن داود وهو في ملكه قد حملته الريح على رجل حراث من بني إسرائيل ، فلما رآه قال - سبحان الله - لقد أوتي آل داود ملكاً . فحملتها الريح ، فوضعتها في أذنه ، فقال : ائتوني بالرجل ، فأتي به فقال : ماذا قلت؟ فأخبره فقال سليمان : إني خشيت عليك الفتنة . لثواب سبحان الله عند الله يوم القيامة أعظم مما أوتي آل داود فقال الحراث : أذهب الله همك كما أذهبت همي قال : وكان سليمان رجلاً أبيض ، جسيماً ، أشقر ، غزاء ، لا يسمع بملك إلا أتاه فقاتله فدوخه ، يأمر الشياطين فيجعلون له داراً من قوارير ، فيحمل ما يريد من آلة الحرب فيها ، ثم يأمر العاصف فتحمله من الأرض ، ثم يأمر الرخاء فتقدمه حيث شاء .
وأخرج ابن المنذر عن يحيى بن كثير قال : قال سليمان بن داود لبني إسرائيل : ألا أريكم بعض ملكي اليوم قالوا : بلى يا نبي الله قال : يا ريح ارفعينا . فرفعتهم الريح فجعلتهم بين السماء والأرض ، ثم قال : يا طير أظلينا . فأظلتهم الطير بأجنحتها لا يرون الشمس . قال : يا بني إسرائيل أي ملك ترون؟ قالوا : نرى ملكاً عظيماً قال : قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ خير من ملكي هذا ، ومن الدنيا وما فيها . يا بني إسرائيل من خشي الله في السر والعلانية ، وقصد في الغنى والفقر ، وعدل في الغضب والرضا ، وذكر الله على كل حال ، فقد أعطي مثل ما أعطيت .(7/431)
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ، كان يوضع لسليمان عليه السلام ثلثمائة ألف كرسي ، فيجلس مؤمنو الإِنس مما يليه ، ومؤمنو الجن من ورائهم ، ثم يأمر الطير فتظله ، ثم يأمر الريح فتحمله ، فيمرون على السنبلة فلا يحركونها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فهم يوزعون } قال : يدفعون .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { فهم يوزعون } قال : جعل على كل صنف منهم وزعة ترد أولاها على أخراها لئلا يتقدموا في المسير كما تصنع الملوك .
وأخرج الطبراني والطستي في مسائله عن ابن عباس؛ أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { فهم يوزعون } قال : يحبس أولهم على آخرهم حتى تنام الطير . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أو ما سمعت قول الشاعر :
وزعت رعيلها باقب نهد ... إذا ما القوم شدوا بعد خمس
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد وأبي رزين في قوله { فهم يوزعون } قال : يحبس أولهم على آخرهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { فهم يوزعون } قال : يرد أولهم على آخرهم .(7/432)
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { حتى إذا أتوا على وادِ النمل } قال : ذكر لنا أنه واد بأرض الشام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال : النملة التي فقه سليمان كلامها كانت من الطير ذات جناحين ، ولولا ذلك لم يعرف سليمان ما تقول .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : النمل من الطير .
وأخرج البخاري في تاريخه ، وابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن نوف قال : كان النمل في زمن سليمان بن داود أمثال الذباب . وفي لفظ مثل الذباب .
وأخرج عبد بن حميد عن الحكم قال : كان النمل في زمان سليمان أمثال الذباب .
وأخرج ابن المنذر عن وهب بن منبه قال : أمر الله الريح قال « لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء في الأرض بينهم إلا حملته فوضعته في أذن سليمان » فبذلك سمع كلام النملة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه سئل عن التبسم في الصلاة ، فقرأ هذه الآية { فتبسم ضاحكاً من قولها } وقال : لا أعلم التبسم إلا ضحكاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { أوزعني } قال : ألهمني .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } قال : مع الأنبياء والمؤمنين .(7/433)
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟ قال : إن سليمان نزل منزلاً فلم يدر ما بعد الماء ، وكان الهدهد يدل سليمان على الماء ، فأراد أن يسأله عنه ففقده . وقيل كيف ذاك والهدهد ينصب له الفخ يلقي عليه التراب ، ويضع له الصبي الحبالة فيغيبها فيصيده؟ فقال : إذا جاء القضاء ذهب البصر .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن يوسف بن ماهك أنه حدث : أن نافع بن الأزرق صاحب الازارقة كان يأتي عبد الله بن عباس؛ فإذا أفتى ابن عباس؛ يرى هو أنه ليس بمستقيم فيقول : قف من أين افتيت بكذا وكذا ، ومن أين كان؟ فيقول ابن عباس رضي الله عنهما : أو مات من كذا وكذا . حتى ذكر يوماً الهدهد فقال : يعرف بعد مسافة الماء في الأرض فقال له ابن الأزرق : قف قف . . يا ابن العباس . كيف تزعم أن الهدهد يرى مسافة الماء من تحت الأرض ، وهو ينصب له الفخ فيذر عليه التراب فيصطاد؟ فقال ابن عباس : لولا أن يذهب هذا فيقول : كذا وكذا لم أقل له شيئاً . إن البصر ينفع ما لم يأت القدر ، فإذا جاء القدر حال دون البصر . فقال ابن الأزرق : لا أجادلك بعدها في شيء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : كان سليمان إذا أراد أن ينزل منزلاً دعا الهدهد ليخبره عن الماء . فكان إذا قال : ههنا شققت الشياطين الصخور فجرت العيون من قبل أن يضربوا أبنيتهم ، فأراد أن ينزل منزلاً فتفقد الطير فلم يره ، فقال { ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : ذكر لنا أن سليمان أراد أن يأخذ مفازة فدعا بالهدهد وكان سيد الهداهد ليعلم مسافة الماء . وكان قد اعطي من البصر بذلك شيئاً لم يعطه شيء من الطير . لقد ذكر لنا : أنه كان يبصر الماء في الأرض كما يبصر أحدكم الخيال من وراء الزجاجة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال : اسم هدهد سليمان : عنبر .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لأعذبنه عذاباً شديداً } قال : نتف ريشه .
وأخرج الفريابي وابن جرير وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه { لأعذبنه عذاباً شديداً } قال : نُتِفَ ريشه كله .(7/434)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال : نتف ريشة وإلقاؤه للنمل في الشمس .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن رومان قال : إن عذابه الذي كان يعذب به الطير : نتف ريش جناحه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أو ليأتيني بسلطان مبين } قال : خبر الحق الصدق البين .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله { أو ليأتيني بسلطان مبين } قال : بعذر بين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال : قال ابن عباس : كل سلطان في القرآن حجة ، ونزع الآية التي في سورة سليمان { أو ليأتيني بسلطان } قال : وأي سلطان كان للهدهد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : إنما دفع الله عن الهدهد ببره والدته .
وأخرج الحكيم الترمذي وأبو الشيخ في العظمة عن عكرمة قال : إنما صرف الله عذاب سليمان عن الهدهد لأنه كان باراً بوالديه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أحطت بما لم تحط به } قال : اطلعت على ما لم تطلع عليه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وجئتك من سبإ بنبإ يقين } قال : خبر حق .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وجئتك من سبإ } قال : سبأ بأرض اليمن يقال لها : مأرب . بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال { بنبإ يقين } قال : بخبر حق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن لهيعة قال : يقولون إن مأرب مدينة بلقيس . لم يكن بينها وبين بيت المقدس الا ميل ، فلما غضب الله عليها بعدها ، وهي اليوم باليمن ، وهي التي ذكر الله القرآن { لقد كان لسبإ في مساكنهم } [ سبأ : 15 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : بعث إلى سبأ اثنا عشر نبياً منهم : تبع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قرأ { من سبإ بنبإ يقين } قال : بجعله أرضاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أنه قرأ { من سبإ بنبإ } قال : يجعله رجلاً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { إني وجدت امرأة تملكهم } قال : كان اسمها بلقيس بنت أبي شبرة ، وكانت هلباء شعراء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { إني وجدت امرأة تملكهم } قال : هي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة قال : بلغني إنها امرأة تسمى بلقيس بنت شراحيل ، أحد أبويها من الجن . مؤخر إحدى قدميها مثل حافر الدابة . وكانت في بيت مملكة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد قال : هي بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن ريان ، وأمها فارعة الجنية .(7/435)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : بلقيس بنت أبي شرح ، وأمها بلقته .
وأخرج ابن مردويه عن سفيان الثوري ، مثله .
وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال : كانت ملكة سبأ اسمها ليلى ، وسبأ مدينة باليمن ، وبلقيس حميرية .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه وابن عساكر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إحدى أبوي بلقيس كان جنياً » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن قتادة قال : ذكر لنا أن ملك سبأ كانت امرأة باليمن . كانت في بيت مملكة يقال لها بلقيس بنت شراحيل . هلك أهل بيتها فملكها قومها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد قال : صاحبة سبأ كانت أمها جنية .
وأخرج الحكيم الترمذي وابن مردويه عن عثمان بن حاضر قال : كانت أم بلقيس امرأة من الجن يقال لها : بلقمة بنت شيصان .
وأخرج ابن عساكر عن الحسن أنه سئل عن ملكة سبأ فقال : إن أحد أبويها جني . فقال : الجن لا يتوالدون! أي أن المرأة من الإِنس لا تلد من الجن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان لصاحبة سليمان اثنا عشر ألف قيل ، تحت كل قيل مائة ألف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : لما قال { إني وجدت امرأة تملكهم } أنكر سليمان أن يكون لأحد على الأرض سلطان غيره .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وأوتيت من كل شيء } قال : من كل شيء في أرضها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله { وأوتيت من كل شيء } قال : من أنواع الدنيا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { ولها عرش عظيم } قال : سرير كريم من ذهب ، وقوائمه من جوهر ولؤلؤ ، حسن الصنعة ، غالي الثمن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله { ولها عرش عظيم } قال : سرير من ذهب ، وصفحتاه مرمول بالياقوت والزبرجد ، طوله ثمانون ذراعاً في عرض أربعين ذراعاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن رومان في قوله { وجدتها وقومها يسجدون للشمس } قال : كانت لها كوّة في بيتها إذا طلعت الشمس نظرت إليها فسجدت لها .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يخرج الخبء } قال : يعلم كل خفية في السماء والأرض .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { يخرج الخبء } قال : الغيب .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { يخرج الخبء } قال : السر .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة .(7/436)
مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله { يخرج الخبء } قال : الماء .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة عن حكيم بن جابر في قوله { يخرج الخبء } قال : المطر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال : خبء السموات والأرض؛ ما جعل من الأرزاق ، والقطر من السماء ، والنبات من الأرض .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين } قال : لم يصدقه ولم يكذبه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { اذهب بكتابي هذا } قال : كتب معه بكتاب فقال { اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم } يقول : كن قريباً منهم { فانظر ماذا يرجعون } فانطلق بالكتاب حتى إذا توسط عرشها ألقى الكتاب إليها ، فقرأه عليها فإذا فيه { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت صاحبة سبأ إذا رقدت غلقت الأبواب ، وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها . فلما غلقت الأبواب وآوت إلى فراشها ، جاءها الهدهد حتى دخل من كوّة بيتها ، فقذف الصحيفة على بطنها بين فخذيها ، فأخذت الصحيفة فقرأتها فقالت { يا أيها الملأ إني ألقي إليّ كتاب كريم } تقول : حسن ما فيه .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس { إني ألقي إليّ كتاب كريم } قال : مختوم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله { كتاب كريم } قال : تريد مختوم . وكذلك الملوك تختم كتبها . لا تجيز بينها كتاباً إلا بخاتم .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } قال : لم يزد زعموا على هذا الكتاب على ما قص الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن رومان قال : كتب بسم الله الرحمن الرحيم . من سليمان بن داود إلى بلقيس بنت ذي شرح وقومها .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد : أن سليمان بن داود كتب إلى ملكة سبأ . بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ السلام على من اتبع الهدى . أما بعد : فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : لم يكن في كتاب سليمان إلى صاحبة سبأ إلا ما تقرأون في القرآن { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألاَّ تعلوا علي } يقول : لا تخالفوا علي { وأتوني مسلمين } قال : وكذلك كانت الأنبياء تكتب جميلا . يطلبون ولا يكثرون .(7/437)
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق سفيان بن منصور قال : كان يقال كان سليمان بن داود أبلغ الناس في كتاب وأقله كلاماً . ثم قرأ { إنه من سليمان } .
وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي قال : كان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم . فكتب النبي صلى الله عليه وسلم أول ما كتب : باسمك اللهم . حتى نزلت { بسم الله مجراها ومرساها } فكتب ( بسم الله ) ثم نزلت { ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } [ الرحمن : 110 ] فكتب ( بسم الله الرحمن ) ثم أنزلت الآية التي في { طس . . . إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } فكتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) .
وأخرج أبو عبيد في فضائله عن الحرث العكلي قال : قال لي الشعبي : كيف كان كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إليكم؟ قلت : باسمك اللهم فقال : ذاك الكتاب الأول كتب النبي صلى الله عليه وسلم « باسمك اللهم » فجرت بذلك ما شاء الله أن تجري ، ثم نزلت { بسم الله مجراها ومرساها } فكتب ( بسم الله ) فجرت بذلك ما شاء الله أن تجري ، ثم نزلت { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } فكتب ( بسم الله الرحمن ) فجرت بذلك ما شاء الله أن تجري ، ثم نزلت { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } فكتب بذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتب « باسمك اللهم » حتى نزلت { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة قال : لم يكن الناس يكتبون إلا « باسمك اللهم » حتى نزلت { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } .
وأخرج أبو داود في مراسيله عن أبي مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتب « باسمك اللهم » فلما نزلت { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } كتب « بسم الله الرحمن الرحيم » .
وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ، وقيصر ، والنجاشي « أما بعد : فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ، ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون » فلما أتى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر فقرأه قال : إن هذا الكتاب لم أره بعد سليمان بن داود « بسم الله الرحمن الرحيم » .(7/438)
قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري } قال : جمعت رؤوس مملكتها ، فشاورتهم في أمرها ، فاجتمع رأيهم ورأيها على أن يغزوه . فسارت حتى إذا كانت قريبة قالت : أرسل إليه بهدية فإن قبلها فهو ملك أقاتله ، وإن ردها تابعته فهو نبي . فلما دنت رسلها من سليمان علم خبرهم ، فأمر الشياطين فهيئوا له ألف قصر من ذهب وفضة . فلما رأت رسلها قصور ذهب قالوا : ما يصنع هذا بهديتنا ، وقصوره ذهب وفضة! فلما دخلوا بهديتها قال : أتهدونني بمال ، ثم قال سليمان { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } فقال كاتب سليمان : ارفع بصرك؛ فرفع بصره . فلما رجع إليه طرفه إذا هو بسريرها { قال نكروا لها عرشها } فنزع عنه فصوصه ومرافقه وما كان عليه من شيء فقيل لها { أهكذا عرشك؟ قالت كأنه هو } وأمر الشياطين : فجعلوا لها صرحاً من قوارير ممرداً ، وجعل فيها تماثيل السمك فقيل لها { ادخلي الصرح . . . وكشفت عن ساقيها } فإذا فيها الشعر . فعند ذلك أمر بصنعة النورة فقيل لها { إنه صرح ممرد من قوارير ، قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله { أفتوني في أمري } تقول : أشيروا علي برأيكم { ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون } تريد : حتى تشيروا .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيول ، تحت يدي كل قيول مائة ألف مقاتل ، وهم الذين قالوا { نحن أولو قوة وأولوا بأس شديد } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : ذكر لنا أنه كان أول مشورتها ثلاثمائة واثني عشر رجلاً . كل رجل منهم على عشرة آلاف من الرجال .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها } قال : إذا أخذوها عنوة أخربوها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله { وجعلوا أعزة أهلها أذلة } قال : بالسيف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قالت بلقيس { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة } قال : يقول الرب تبارك وتعالى { وكذلك يفعلون } .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإني مرسلة إليهم بهدية } قال : أرسلت بلبنة من ذهب ، فلما قدموا إذا حيطان المدينة من ذهب فذلك قوله { أتمدوننِ بمال } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قالت إني باعثة إليهم بهدية ، فمصانعتهم بها عن ملكي أن كانوا أهل دنيا .(7/439)
فبعثت إليهم بلبنة من ذهب في حرير وديباج ، فبلغ ذلك سليمان ، فأمر بلبنة من ذهب فصنعت ، ثم قذفت تحت أرجل الدواب على طريقهم تبول عليها وتروث ، فلما جاء رسلها واللبنة تحت أرجل الدواب ، صغر في أعينهم الذي جاؤوا به .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ثابت البناني قال : أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج . فلما بلغ ذلك سليمان أمر الجن ، فموّهوا له الآجر بالذهب ، ثم أمر به ، فألقي في الطريق . فلما جاؤوا ورأوه ملقى في الطريق وفي كل مكان قالوا : جئنا نحمل شيئاً نراه ههنا ملقى ما يلتفت إليه . فصغر في أعينهم ما جاؤوا به .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وإني مرسلة إليهم بهدية } قال : جوار لباسهن لباس الغلمان ، وغلمان لباسهن لباس الجواري .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : أرسلت بثمانين من وصيف ووصيفة ، وحلقت رؤوسهم كلهم ، وقالت : إن عرف الغلمان من الجواري فهو نبي ، وإن لم يعرف الغلمان من الجواري فليس بنبي . فدعا بوضوء فقال : توضئوا . فجعل الغلام يأخذ من مرفقيه إلى كفيه ، وجعلت الجارية تأخذ من كفها إلى مرفقها فقال : هؤلاء جوار وهؤلاء غلمان .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : كانت هدية بلقيس لسليمان مائتي فرس على كل فرس غلام وجارية . الغلمان والجواري على هيئة واحدة ، لا يعرف الجواري من الغلمان ، ولا الغلمان من الجواري . على كل فرس لون ليس على الآخر وكانت أول هديتهم عند سليمان وآخرها عندها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : الهدية . وصفان ، ووصائف ، ولبنة من ذهب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كانت الهدية . جواهر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : إن الهدية لما جاءت سليمان بين الغلمان والجواري امتحنهم بالوضوء . فغسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها ، وغسلت الجواري بطون السواعد قبل ظهورها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : قالت : إن هو قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه دون ملككم ، وإن لم يقبل الهدية فهو نبي لا طاقة لكم بقتاله . فبعثت إليه بهدية غلمان في هيئة الجواري وحليهم ، وجوار في هيئة الغلمان ولباسهم ، وبعثت إليه بلبنات من ذهب ، وبخرزة مثقوبة مختلفة ، وبعثت إليه بقدح ، وبعثت إليه تعلمه . فلما جاء سليمان الهدية أمر الشياطين ، فموّهوا لبن المدينة وحيطانها ذهباً وفضة ، فلما رأى ذلك رسلها قالوا : أين نذهب باللبنات في أرض هؤلاء وحيطانهم ذهب وفضة؟! فحسبوا اللبنات وأدخلوا عليه ما سوى ذلك وقالوا : أخرج لنا الغلمان من الجواري .(7/440)
فأمرهم فتوضأوا ، وأخرج الغلمان من الجواري . أما الجارية فافرغت على يدها ، وأما الغلام فاغترف ، وقالوا : ادخل لنا في هذه الخرزة خيطاً . فدعا بالدساس فربط فيه خيطاً فأدخله فيها ، فجال فيها واضطرب حتى خرج من الجانب الآخر . وقالوا : املأ لنا هذا القدح بماء ليس من الأرض ولا من السماء . فأمر بالخيل فأجريت حتى إذا اربدت مسح عرقها فجعله فيه حتى ملأه . فلما رجعت رسلها فأخبروها : أن سليمان رد الهدية . وفدت إليه وأمرت بعرشها فجعل في سبعة أبيات وغلقت عليها فأخذت المفاتيح . فلما بلغ سليمان ما صنعت بعرشها { قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد قال : قال للهدهد { ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها } يعني من الانس والجن .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم صالح في قوله { لا قبل لهم بها } قال : لا طاقة لهم بها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : لما بلغ سليمان أنها جاءته وكان قد ذكر له عرشها فأعجبه . وكان عرشها من ذهب ، وقوائمه من لؤلؤ وجوهر ، وكان مستتراً بالديباج والحرير ، وكان عليه سبعة مغاليق ، فكره أن يأخذه بعد إسلامهم . وقد علم نبي الله سليمان أن القوم متى ما يسلموا تحرم أموالهم مع دمائهم ، فأحب أن يؤتى به قبل أن يكون ذلك من أمرهم فقال { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { أيكم يأتيني بعرشها } قال : سرير في أريكة .
وأخرج ابن المنذر من طريق علي عن ابن عباس في قوله { قبل أن يأتوني مسلمين } قال : طائعين .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { قال عفريت من الجن } قال : مارد { قبل أن تقوم من مقامك } قال : من مقعدك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله { قال عفريت } قال : عظيم كأنه جبل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال : كان اسم العفريت . كوزن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن رومان قال : اسمه كوزي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قال عفريت من الجن } قال : هو صخر الجني { وإني عليه لقوي } قال : على حمله { أمين } قال : على ما استودع فيه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قبل أن تقوم من مقامك } قال : من مجلسك .(7/441)
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله { قبل أن تقوم من مقامك } قال : من مجلسك الذي تجلس فيه للقضاء . وكان سليمان إذا جلس للقضاء لم يقم حتى تزول الشمس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإني عليه لقوي أمين } قال : على جوهره .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد في قوله { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } قال : إني أريد أعجل من هذا { قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } قال : فخرج العرش من نفق من الأرض .
وأخرج عبد بن حميد عن حماد بن سلمة قال : قرأت في مصحف أبي بن كعب { وإني عليه لقوي أمين } قال : أريد أعجل من ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قال الذي عنده علم من الكتاب } قال : آصف : كاتب سليمان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن رومان قال : هو آصف بن برخيا . وكان صديقاً يعلم الاسم الأعظم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كان اسمه أسطوم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن لهيعة قال : هو الخضر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد قال : هو رجل من الإِنس يقال له : ذو النور .
وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال : هو آصف بن برخيا بن مشعيا بن منكيل ، واسم أمه باطورا من بني إسرائيل .
وأخرج ابن جرير عن قتادة { قال الذي عنده علم من الكتاب } قال : كان اسمه تمليخا .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { قال الذي عنده علم من الكتاب } قال : الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وهو ياذا الجلال والإِكرام .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { قبل أن يرتد إليك طرفك } قال : ادامة النظر حتى يرتد إليك الطرف خاسئاً .
وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : في قراءة ابن مسعود « قال الذي عنده علم من الكتاب أنا أنظر في كتاب ربي ثم آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك » قال : فتكلم ذلك العالم بكلام ، دخل العرش في نفق تحت الأرض حتى خرج إليهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله { قبل أن يرتد إليك طرفك } قال : قال لسليمان : انظر إلى السماء قال : فما اطرق حتى جاءه به فوضعه بين يديه .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ، مثله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري قال : دعاء الذي عنده من الكتاب .(7/442)
يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلا أنت : ائتني بعرشها . قال : فمثل له بين يديه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس قال : لم يجر عرش صاحبة سبأ بين الأرض والسماء ، ولكن انشقت به الأرض فجرى تحت الأرض حتى ظهر بين يدي سليمان .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن سابط قال : دعا باسمه الأعظم ، فدخل السرير فصار له نفق في الأرض حتى نبع بين يدي سليمان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : دعا باسم من أسماء الله . فإذا عرشها يحمل بين عينيه . ولا يدري ذلك الاسم . قد خفي ذلك الإِسم على سليمان وقد أعظم ما أعطى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } قال : كان رجلاً من بني إسرائيل يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطي . وارتداد الطرف أن يرى ببصره حيث بلغ ثم يرد طرفه . فدعاه فلما رآه مستقراً عنده جزع وقال : رجل غيري أقدر على ما عند الله مني .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر } إذا أتيت بالعرش { أم أكفر } إذا رأيت من هو أدنى مني في الدنيا أعلم مني .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قال نكروا لها عرشها } قال : زيد فيه ونقص ل { ننظر أتهتدي } قال : لننظر إلى عقلها . فوجدت ثابتة العقل .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { قال نكروا لها عرشها } قال : تنكيره أن يجعل أسفله أعلاه ، ومقدمه مؤخره ، ويزاد فيه أو ينقص منه ، فلما جاءت { قيل أهكذا عرشك } قالت { كأنه هو } شبهته به وكانت قد تركته خلفها فوجدته أمامها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : لما دخلت وقد غير عرشها . فجعل كل شيء من حليته أو فرشه في غير موضعه ليلبسوا عليها قيل { أهكذا عرشك } فرهبت أن تقول نعم هو . فيقولون : ما هكذا كان حليته ولا كسوته ، ورهبت أن تقول ليس هو ، فيقال لها : بل هو ولكنا غيرناه . فقالت كأنه هو .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله { وأوتينا العلم من قبلها } قال : سليمان يقوله : أوتينا معرفة الله وتوحيده .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وأوتينا العلم من قبلها } قال : سليمان يقوله . وفي قوله { وصدها ما كانت تعبد من دون الله } قال : كفرها بقضاء الله غير الوثن أن تهتدي للحق .(7/443)
في قوله { قيل لها ادخلي الصرح } بركة ماء ضرب عليها سليمان قوارير ، وكانت بلقيس عليها شعر ، قدماها حافر كحافر الحمار ، وكانت أمها جنية .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال : كان الصرح من زجاج وجعل فيه تماثيل السمك . فلما رأته وقيل لها : أدخلي الصرح . فكشفت عن ساقيها وظنت أنه ماء قال : { والممرد } : الطويل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : كان قد نعت لها خلقها ، فأحب أن ينظر إلى ساقيها ، فقيل لها { ادخلي الصرح } فلما رأته ظنت أنه ماء ، فكشفت عن ساقيها ، فنظر إلى ساقيها أنه عليهما شعر كثير ، فوقعت من عينيه وكرهها ، فقالت له الشياطين : نحن نصنع لك شيئاً يذهب به . فصنعوا له نورة من أصداف ، فطلوها فذهب الشعر ، ونكحها سليمان عليه السلام .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله قالت { رب إني ظلمت نفسي } قال : ظنت أنه ماء . وأن سليمان أراد قتلها فقالت : أراد قتلي - والله - على ذلك ، لأقتحمن فيه . فلما رأته أنه قوارير عرفت أنها ظلمت سليمان بما ظنت . فذلك قولها { ظلمت نفسي } وإنما كانت هذه المكيدة من سليمان عليه السلام لها . إن الجن تراجعوا فيما بينهم فقالوا : قد كنتم تصيبون من سليمان غرة ، فإن نكح هذه المرأة اجتمعت فطنة الوحي والجن فلن تصيبوا له غرة . فقدموا إليه فقالوا : إن النصيحة لك علينا حق ، إنما قدماها حافر حمار . فذلك حين ألبس البركة قوارير ، وأرسل إلى نساء من نساء بني إسرائيل ينظرنها إذا كشفت عن ساقيها . ما قدماها؟ فإذا هي أحسن الناس ساقاً من ساق شعراء ، وإذا قدماها هما قدم إنسان ، فبشرن سليمان . وكره الشعر ، فأمر الجن ، فجعلت النورة . فذلك أول ما كانت النورة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان سليمان بن داود عليه السلام إذا أراد سفراً قعد على سريره ، ووضعت الكراسي يميناً وشمالاً ، فيؤذن للإِنس عليه ، ثم أذن للجن عليه بعد الانس ، ثم أذن للشياطين بعد الجن ، ثم أرسل إلى الطير فتظلهم ، وأمر الريح فحملتهم وهو على سريره ، والناس على الكراسي ، والطير تظلهم ، والريح تسير بهم . غدوها شهر ، ورواحها شهر ، رخاء حيث أراد . ليس بالعاصف ، ولا باللين ، وسطا بين ذلك . وكان سليمان يختار من كل طير طيراً ، فيجعله رأس تلك الطير . فإذا أراد أن يسائل تلك الطير عن شيء سأل رأسها .
فبينما سليمان يسير إذ نزل مفازة فقال : كم بعد الماء ههنا؟ فسأل الإِنس فقالوا : لا ندري! فسأل الشياطين فقالوا : لا ندري! فغضب سليمان وقال : لا أبرح حتى أعلم كم بعد مسافة الماء ههنا؟ فقالت له الشياطين : يا رسول الله لا تغضب ، فإن يك شيء يعلم فالهدهد يعلمه .(7/444)
فقال سليمان : عليَّ بالهدهد . فلم يوجد ، فغضب سليمان وقال { لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين } يقول : بعذر مبين غيبه عن مسيري هذا .
قال : ومر الهدهد على قصر بلقيس فرأى لها بستاناً خلف قصرها ، فمال إلى الخضرة فوقع فيه ، فإذا هو بهدهد في البستان فقال له : هدهد سليمان أين أنت عن سليمان وما تصنع ههنا؟ فقال له هدهد بلقيس : ومن سليمان؟! فقال : بعث الله رجلاً يقال له : سليمان رسولاً وسخر له الجن والانس والريح والطير . فقال له هدهد بلقيس : أي شيء تقول؟ قال : أقول لك ما تسمع . قال : إن هذا لعجب! وأعجب من ذلك أن كثرة هؤلاء القوم تملكهم امرأة { وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم } جعلوا الشكر لله : أن يسجدوا للشمس من دون الله .
قال : وذكر لهدهد سليمان ، فنهض عنه فلما انتهى إلى العسكر تلقته الطير فقالوا : تواعدك رسول الله ، وأخبروه بما قال . وكان عذاب سليمان للطير أن ينتفه ، ثم يشمسه ، فلا يطير أبداً ويصير مع هوام الأرض ، أو يذبحه فلا يكون له نسل أبداً . قال الهدهد : وما استثنى نبي الله؟ قالوا : بلى . قال : أو ليأتيني بعذر مبين . فلما أتى سليمان قال : وما غيبتك عن مسيري؟ قال { أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين ، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم } قال : بل اعتللت { سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ، اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم } وكتب { بسم الله الرحمن الرحيم } إلى بلقيس { ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين } فلما ألقى الهدهد الكتاب إليها ، ألقى في روعها أنه كتاب كريم ، وإنه من سليمان و { ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين . . . ، قالوا نحن أولوا قوة } قالت { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها . . . ، وإني مرسلة إليهم بهدية } فلما جاءت الهدية سليمان قال : أتمدونني بمال ارجع إليهم . فلما رجع إليها رسلها خرجت فزعة ، فأقبل معها ألف قيل مع كل قيل مائة ألف .
قال : وكان سليمان رجلاً مهيباً لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه . فخرج يومئذ فجلس على سريره فرأى رهجاً قريباً منه قال : ما هذا؟ قالوا : بلقيس يا رسول الله قال : وقد نزلت منا بهذا المكان؟ قال ابن عباس : وكان بين سليمان وبين ملكة سبأ ومن معها حين نظر إلى الغبار كما بين الكوفة والحيرة قال : فأقبل على جنوده فقال : أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين؟ قال : وبين سليمان وبين عرشها حين نظر إلى الغبار مسيرة شهرين { قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } .
قال : وكان لسليمان مجلس يجلس فيه للناس كما تجلس الأمراء ، ثم يقوم قال سليمان : أريد اعجل من ذلك .(7/445)
قال الذي عنده علم من الكتاب : أنا انظر في كتاب ربي ثم آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك . فنظر إليه سليمان فلما قطع كلامه ، رد سليمان بصره ، فنبع عرشها من تحت قدم سليمان . من تحت كرسي كان يضع عليه رجله ، ثم يصعد إلى السرير ، فلما رأى سليمان عرشها مستقراً عنده { قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر } إذ أتاني به قبل أن يرتد إليَّ طرفي { أم أكفر } إذ جعل من هو تحت يدي أقدر على المجيء مني ، ثم { قال نكروا لها عرشها . . . ، فلما جاءت } تقدمت إلى سليمان { قيل لها أهكذا عرشك فقالت كأنه هو } ثم قالت : يا سليمان إني أريد أن أسألك عن شيء فأخبرني به قال : سلي . قالت : أخبرني عن ماء رواء لا من الأرض ولا من السماء .
قال : وكان إذا جاء سليمان شيء لا يعلمه يسأل الإِنس عنه ، فإن كان عند الإِنس منه علم . . . وإلا سأل الجن ، فإن لم يكن عند الجن علم سأل الشياطين ، فقالت له الشياطين : ما أهون هذا يا رسول الله! مر بالخيل فتجري ثم لتملأ الآنية من عرقها فقال لها سليمان : عرق الخيل قالت : صدقت قالت : فأخبرني عن لون الرب قال ابن عباس : فوثب سليمان عن سريره فخر ساجداً فقامت عنه ، وتفرقت عنه جنوده ، وجاءه الرسول فقال : يا سليمان يقول لك ربك ما شأنك؟ قال : يا رب أنت أعلم بما قالت قال : فإن الله يأمرك أن تعود إلى سريرك فتقعد عليه ، وترسل إليها وإلى من حضرها من جنودها ، وترسل إلى جميع جنودك الذين حضروك فيدخلوا عليك ، فتسألها وتسألهم عما سألتك عنه قال : ففعل سليمان ذلك . فلما دخلوا عليه جميعاً قال لها : عم سألتيني؟ قالت : سألتك عن ماء رواء لا من الأرض ولا من السماء قال : قلت لك عرق الخيل قالت : صدقت . قال : وعن أي شيء سألتيني؟ قالت : ما سألتك عن شيء إلا عن هذا قال لها سليمان : فلأي شيء خررت عن سريري؟! قالت : كان ذلك لشيء لا أدري ما هو . فسأل جنودها فقالوا : مثل قولها . فسأل جنوده من الإِنس ، والجن ، والطير ، وكل شيء كان حضره من جنوده ، فقالوا : ما سألتك يا رسول الله عن شيء إلا عن ماء رواء قال : وقد كان .
قال له الرسول : يقول الله لك : ارجع ثمة إلى مكانك فإني قد كفيتكم فقال سليمان للشياطين : ابنو لي صرحاً تدخل علي فيه بلقيس ، فرجع الشياطين بعضهم إلى بعض فقالوا لسليمان : يا رسول الله قد سخر الله لك ما سخر ، وبلقيس ملكة سبأ ينكحها فتلد له غلاماً فلا ننفك له من العبودية أبداً قال : وكانت امرأة شَعْرَاء الساقين فقالت الشياطين : ابنو له بنياناً كأنه الماء يرى ذلك منها فلا يتزوجها ، فبنوا له صرحاً من قوارير ، فجعلوا له طوابيق من قوارير ، وجعلوا من باطن الطوابيق كل شيء يكون من الدواب في البحر .(7/446)
من السمك وغيره ثمَّ اطبقوه ، ثم قالوا لسليمان : ادخل الصرح . فألقي كرسياً في أقصى الصرح . فلما دخله أتى الكرسي فصعد عليه ثم قال : أدخلوا عليَّ بلقيس فقيل لها ادخلي الصرح فلما ذهبت تدخله فرأت صورة السمك ، وما يكون في الماء من الدواب { حسبته لجة فكشفت عن ساقيها } لتدخل . وكان شعر ساقها ملتوياً على ساقيها . فلما رآه سليمان ناداها وصرف وجهه عنها { إنه صرح ممرد من قوارير } فألقت ثوبها وقالت { رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } .
فدعا سليمان الإِنس فقال : ما أقبح هذا! ما يذهب هذا! قالوا : يا رسول الله الموسى . فقال : الموسى تقطع ساقي المرأة ، ثم دعا الشياطين فقال مثل ذلك ، فتلكؤوا عليه ثم جعلوا له النورة قال ابن عباس : فإنه لأول يوم رؤيت فيه النورة قال : واستنكحها سليمان عليه السلام . قال ابن أبي حاتم : قال أبو بكر بن أبي شيبة : ما أحسنه من حديث!
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الله بن شداد قال : كان سليمان عليه السلام إذا أراد أن يسير وضع كرسيه ، فيأتي من أراد من الانس والجن ، ثم يأمر الريح فتحملهم ، ثم يأمر الطير فتظلهم . فبينا هو يسير إذ عطشوا فقال : ما ترون بعد الماء؟ قالوا : لا ندري . فتفقد الهدهد وكان له منه منزلة ليس بها طير غيره فقال { ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ، لأعذبنه عذاباً شديداً } وكان عذابه إذا عذب الطير نتفه ، ثم يجففه في الشمس { أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين } يعني بعذر بين .
فلما جاء الهدهد استقبلته الطير فقالت له : قد أوعدك سليمان فقال لهم : هل استثنى؟ فقالوا له : نعم . قد قال : إلا أن يجيء بعذر بين . فجاء بخبر صاحبة سبأ ، فكتب معه إليها { بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا عليَّ وائتوني مسلمين } فأقبلت بلقيس ، فلما كانت على قدر فرسخ قال سليمان { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ، قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } فقال سليمان : أريد أعجل من ذلك . فقال الذي عنده علم من الكتاب { أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } فأتى بالعرش في نفق في الأرض ، يعني سرب في الأرض قال سليمان : غيروه . فلما جاءت { قيل لها أهكذا عرشك } فاستنكرت السرعة ورأت العرش { فقالت كأنه هو . . ، قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته } لجة ماء { وكشفت عن ساقيها } فإذا هي امرأة شعراء فقال سليمان : ما يذهب هذا؟ فقال بعض الجن : أنا أذهبه .(7/447)
وصنعت له النورة . وكان أول ما صنعت النورة ، وكان اسمها بلقيس .
وأخرج ابن عساكر عن عكرمة قال : لما تزوج سليمان بلقيس قال : ما مستني حديدة قط فقال للشياطين : أنظروا أي شيء يذهب بالشعر غير الحديد؟ فوضعوا له النورة ، فكان أول من وضعها شياطين سليمان .
وأخرج البخاري في تاريخه والعقيلي عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أول من صنعت له الحمامات سليمان » .
وأخرج الطبراني وابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أول من دخل الحمام سليمان ، فلما وجد حره أوَّهَ من عذاب الله » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال : لما قدمت ملكة سبأ على سليمان رأت حطباً جزلاً فقالت لغلام سليمان : هل يعرف مولاك كم وزن هذا الدخان؟ فقال : أنا أعلم فكيف مولاي؟ قالت : فكم وزنه؟ فقال الغلام : يوزن الحطب ثم يحرق ، ثم يوزن الرماد فما نقص فهو دخانه .
وأخرج البيهقي في الزهد عن الأوزاعي قال : كسر برج من أبراج تدمر ، فأصابوا فيه امرأة حسناء دعجاء مدمجة كأن أعطافها طي الطوامير ، عليها عمامة طولها ثمانون ذراعاً ، مكتوب على طرف العمامة بالذهب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) أنا بلقيس ملكة سبأ زوجة سليمان بن داود ، ملكت الدنيا كافرة ومؤمنة ، ما لم يملكه أحد قبلي ولا يملكه أحد بعدي ، صار مصيري إلى الموت فأقصروا يا طلاب الدنيا .
وأخرج ابن عساكر عن سلمة بن عبد الله بن ربعي قال : لما أسلمت بلقيس تزوجها سليمان وأمهرها باعلبك .(7/448)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فإذا هم فريقان يختصمون } قال : مؤمن ، وكافر ، قولهم صالح مرسل من ربه . وقولهم ليس بمرسل . وفي قوله { لم تستعجلون بالسيئة } قال : العذاب { قبل الحسنة } قال : الرحمة . وفي قوله { قالوا اطيرنا بك } قال : تشاءمنا . وفي قوله { وكان في المدينة تسعة رهط } قال : من قوم صالح . وفي قوله { تقاسموا بالله } قال : تحالفوا على هلاكه فلم يصلوا إليه حتى أهلكوا وقومهم أجمعين .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فإذا هم فريقان يختصمون } قال : إن القوم بين مصدق ومكذب . مصدق بالحق ونازل عنده ، ومكذب بالحق تاركه . في ذلك كانت خصومة القوم { قالوا اطيرنا بك } قال : قالوا : ما أصبنا من شر فإنما هو من قبلك ومن قبل من معك قال { طائركم عند الله } يقول : علم أعمالكم عند الله { بل أنتم قوم تفتنون } قال : تبتلون بطاعة الله ومعصيته { وكان في المدينة تسعة رهط } قال : من قوم صالح { قالوا : تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله } قال : توافقوا على أن يأخذوه ليلاً فيقتلوه قال : ذكر لنا أنهم بينما هم معانيق إلى صالح - يعني مسرعين - ليقتلوه بعث الله عليهم صخرة فأخمدتهم { ثم لنقولن لوليه } يعنون رهط صالح { ومكروا مكراً } قال : مكرهم الذي مكروا بصالح { ومكرنا مكراً } قال : مكر الله الذي مكر بهم : رماهم بصخرة فأهمدتهم { فانظر كيف كان } مكرهم قال : شر والله { كان عاقبة مكرهم } أن دمرهم الله وقومهم أجمعين ثم صيرهم إلى النار .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { طائركم } قال : مصائبكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وكان في المدينة تسعة رهط } قال : كان أسماؤهم زعمي ، وزعيم ، وهرمي ، وهريم ، وداب ، وهواب ، ورياب ، وسيطع ، وقدار بن سالف عاقر الناقة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وكان في المدينة تسعة رهط } قال : وهم الذين عقروا الناقة وقالوا حين عقروها تبيتن صالحاً وأهله فنقتلهم ، ثم نقول لأولياء صالح ما شهدنا من هذا شيئاً ، وما لنا به علم فدمرهم الله أجمعين .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء بن أبي رياح { وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون } قال : كانوا يقرضون الدراهم . والله أعلم .(7/449)
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وسلام على عباده الذين اصطفى الله } قال : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سفيان الثوري في قوله { وسلام على عباده الذين اصطفى } قال : نزلت في أصحاب محمد خاصة .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه كان إذا قرأ { آلله خير أما يشركون } قال : بل الله خير وأبقى ، وأجل وأكرم .(7/450)
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)
أخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى { حدائق } قال : البساتين . قال : وهل تعرف العرب ذلك قال : نعم . أما سمعت الشاعر يقول؟ :
بلاد سقاها الله أما سهولها ... فقضب ودر مغدق وحدائق
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { حدائق } قال : النخل الحسان { ذات بهجة } قال : ذات نضارة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { حدائق } قال : البساتين تخللها الحيطان { ذات بهجة } قال : ذات حسن .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { حدائق ذات بهجة } قال { البهجة } الفقاع . يعني النوار مما يأكل الناس والأنعام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { أإله مع الله } أي ليس مع الله إله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة { بل هم قوم يعدلون } قال : يشركون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد { بل هم قوم يعدلون } الآلهة التي عبدوها عدلوها بالله . ليس لله عدل ، ولا ند ، ولا اتخذ صاحبة ، ولا ولداً .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { وجعل لها رواسي } قال : رواسيها : جبالها { وجعل بين البحرين حاجزاً } قال : حاجزاً من الله لا يبغي أحدهما على صاحبه .(7/451)
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)
وأخرج أحمد وأبو داود والطبراني عن رجل من بلجهم قال : قلت يا رسول الله إلام تدعو قال « أدعو إلى الله وحده الذي إن نزل بك ضر فدعوته كشف عنك ، والذي إن ضللت بأرض قفر فدعوته رد عليك ، والذي إن أصابك سنة فدعوته أنزل لك » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { ويكشف السوء } قال : الضر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سحيم بن نوفل قال : بينما نحن عند عبد الله إذ جاءت وليدة إلى سيدها فقالت : ما يحبسك وقد لفع فلان مهرك بعينه فتركه يدور في الدار كأنه في فلك؟ قم فابتغ راقياً فقال عبد الله : لا تبتغ راقياً ، وانفث في منخره الأيمن أربعاً ، وفي الأيسر ثلاثاً ، وقل : لا بأس اذهب البأس رب الناس . اشف أنت الشافي لا يكشف الضر إلا أنت قال : فذهب ثم رجع إلينا فقال : فعلت ما أمرتني فما جئت حتى راث وبال وأكل .
وأخرج الطبراني عن سعد بن جنادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من فارق الجماعة فهو في النار على وجهه؛ لأن الله تعالى يقول { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض } فالخلافة من الله عز وجل فإن كان خيراً فهو يذهب به ، وإن كان شراً فهو يؤخذ به ، عليك أنت بالطاعة فيما أمر الله تعالى به » .
وأخرج البغوي في معجمه عن اياد بن لقيط قال : قال جعدة بن هبيرة لجلسائه : إني قد علمت ما لم تعلموا ، وأدركت ما لم تدركوا ، أنه سيجيء بعد هذا - يعني معاوية - أمراء ليس من رجاله ولا من ضربائه ، وليس فيهم أصغر أو أبتر حتى تقوم الساعة . هذا السلطان سلطان الله جعله وليس أنتم تجعلونه . ألا وإن للراعي على الرعية حقاً ، وللرعية على الراعي حقاً ، فأدوا إليهم حقهم ، فإن ظلموكم فكلوهم إلى الله فإنكم وإياهم تختصمون يوم القيامة؛ وإن الخصم لصاحبه الذي أدى إليه الحق الذي عليه في الدنيا . ثم قرأ ( فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين ) [ الأعراف : 6 ] حتى بلغ ( والوزن يومئذ القسط ) [ الأعراف : 8 ] هكذا قرأ .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { ويجعلكم خلفاء الأرض } قال : خلفاً بعد خلف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي { ويجعلكم خلفاء الأرض } قال : خلفاً لمن قبلكم من الأمم .
وأخرج ابن المنذر وابن جرير عن ابن جريج { أمن يهديكم في ظلمات البر } قال : ضلال الطريق { والبحر } قال : ضلالة طرقه وموجه وما يكون فيه .(7/452)
قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
أخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن مسروق قال : كنت متكئاً عند عائشة فقالت عائشة : ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية . قلت : وما هن؟ قالت : من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ، قال : وكنت متكئاً فجلست ، فقلت : يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجلي علي ألم يقل الله { ولقد رآه بالأفق المبين؟! . . } { ولقد رآه نزلة أخرى } [ النجم : 13 ] فقالت : أنا أوّل هذه الأمة سأل عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جبريل : لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين . رأيته منهبطاً من السماء . ساد أعظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض قالت : أو لم تسمع الله عز وجل يقول { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } [ الأنعام : 103 ] أو لم تسمع الله يقول { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً } [ الشورى : 51 ] إلى قوله { علي حكيم } . ومن زعم أن محمداً كتم شيئاً من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية ، والله جل ذكره يقول { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } إلى قوله { والله يعصمك من الناس } [ المائدة : 67 ] قالت : ومن زعم أنه يخبر الناس بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية ، والله تعالى يقول { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } .(7/453)
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { بل ادارك علمهم في الآخرة } قال : حين لم ينفع العلم .
وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس أنه قرأ « بل ادرك علمهم في الآخرة » قال : لم يدرك علمهم قال أبو عبيد : يعني أنه قرأها بالاستفهام .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس « بل ادرك علمهم في الآخرة » يقول : غاب علمهم .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { بل ادارك علمهم في الآخرة } قال : ام ادرك علمهم { أم هم قوم طاغون } [ الذاريات : 53 ] بل هم قوم طاغون .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { بل ادارك علمهم } مثقلة مكسورة اللام على معنى تدارك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة { بل ادارك علمهم في الآخرة } قال : تتابع علمهم في الآخرة بسفههم وجهلهم { بل هم عنها عمون } قال : عموا عن الآخرة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه كان يقرأ « بل ادرك علمهم في الآخرة » قال : اضمحل علمهم في الدنيا حين عاينوا الآخرة . وفي قوله { فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين } قال : كيف عذب الله قوم نوح ، وقوم لوط ، وقوم صالح ، والأمم التي عذب الله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { عسى أن يكون ردف لكم } قال : اقترب لكم .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { عسى أن يكون ردف لكم } قال : اقترب منكم .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { عسى أن يكون ردف لكم } قال : عجل لكم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ردف لكم } قال : أزف لكم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج { ردف لكم بعض الذي تستعجلون } قال : من العذاب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون } قال : يعلم ما عملوا بالليل والنهار .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وليعلم ما تكن صدورهم } قال : السر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب } يقول : ما من شيء في السماء والأرض سراً وعلانية إلا يعلمه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { وما من غائبة } يقول : ما من قولي ولا عملي في السماء والأرض إلا وهو عنده { في كتاب } في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله السموات والأرض .(7/454)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل } يعني اليهود والنصارى { أكثر الذي هم فيه يختلفون } يقول : هذا القرآن يبين لهم الذي اختلفوا فيه .
وأخرج الترمذي وابن مردويه عن علي قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن امتك ستفتتن من بعدك . فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سئل ما المخرج منها؟ فقال « كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، من ابتغى العلم في غيره أضله الله ، ومن ولي هذا الأمر فحكم به عصمه الله ، وهو الذكر الحكيم ، والنور المبين ، والصراط المستقيم ، فيه خبر من قبلكم ، ونبأ من بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل » .(7/455)
إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إنك لا تسمع الموتى } قال : هذا مثل ضربه الله للكافر كما لا يسمع الميت كذلك لا يسمع الكافر ، ولا ينتفع به { ولا يسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين } يقول : لو أن أصم ولى مدبراً ثم ناديته لم يسمع ، كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يستمع . والله أعلم .(7/456)
وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)
أخرج ابن مبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد في الفتن وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر في قوله { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم } قال : إذا لم يأمروا بالمعروف ، ولم ينهوا عن المنكر .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم } قال : ذاك حين لا يأمرون بمعروف ، ولا ينهون عن منكر .
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم } قال « إذا تركوا الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . وجب السخط عليهم » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { وإذا وقع القول عليهم } قال : إذا وجب القول عليهم { أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم } قال : وهي في بعض القراءة تحدثهم تقول لهم { إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن حفصة بنت سيرين قالت : سألت أبا العالية عن قوله { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم } ما وقوع القول عليهم؟ فقال : { أوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } [ هود : 36 ] قالت : فكأنما كشف عن وجهي شيئاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : أكثروا الطواف بالبيت قبل أن يرفع وينسى الناس مكانه ، وأكثروا تلاوة القرآن قبل أن يرفع . قيل : وكيف يرفع ما في صدور الرجال؟ قال : يسري عليهم ليلاً فيصبحون منه قفراً وينسون قول لا إله إلا الله ، ويقعون في قول الجاهلية وأشعارهم . فذلك حين يقع القول عليهم .
وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد في قوله { وقع القول عليهم } قال : حق عليهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { دابة من الأرض تكلمهم } قال : تحدثهم .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { تكلمهم } قال : كلامها تنبئهم { أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي داود ونفيع الأعمى قال : سألت ابن عباس عن قوله { أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم } قال : كل ذلك والله يفعل تكلم المؤمن ، وتكلم الكافر . تجرحه .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { دابة من الأرض تكلمهم } مشددة من الكلام { أن الناس } بنصب الألف .
وأخرج نعيم بن حماد وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(7/457)
« إذا كان الوعد الذي قال الله { أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم } قال : ليس ذلك حديثاً ولا كلاماً ، ولكنه سمة تسم من أمرها الله به . فيكون خروجها من الصفا ليلة منى ، فيصبحون بين رأسها وذنبها لا يدحض داحض ، ولا يخرج خارج ، حتى إذا فرغت مما أمرها الله فهلك من هلك ، ونجا من نجا ، كان أول خطوة تضعها بانطاكية » .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن عمر وقال { الدابة } زغباء ذات وبر وريش .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال { الدابة } ذات وبر وريش مؤلفة فيها من كل لون ، لها أربع قوائم تخرج بعقب من الحاج .
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي قال : إن دابة الأرض ذات وبر تناغي السماء .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن : أن موسى عليه السلام سأل ربه أن يريه الدابة . فخرجت ثلاثة أيام ولياليهن تذهب في السماء لا يرى واحد من طرفها قال : فرأى منظراً فظيعاً فقال : رب ردها . فردها .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : لا تقوم الساعة حتى يجتمع أهل بيت على الإِناء الواحد ، فيعرفون مؤمنيهم من كفارهم . قالوا : كيف ذاك؟ قال : إن الدابة تخرج وهي ذامة للناس تمسح كل إنسان على مسجده . فاما المؤمن فتكون نكتة بيضاء . فتفشو في وجهه حتى يبيض لها وجهه ، وأما الكافر فتكون نكتة سوداء فتفشو في وجهه حتى يسود لها وجهه . حتى أنهم ليتبايعون في أسواقهم فيقولون : كيف تبيع هذا يا مؤمن؟ وكيف تبيع هذا يا كافر؟ فما يرد بعضهم على بعض .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : تخرج الدابة بأجياد مما يلي الصفا .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد من طريق سماك عن إبراهيم قال : تخرج الدابة من مكة .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن عمرو قال : تخرج الدابة فيفزع الناس إلى الصلاة ، فتأتي الرجل وهو يصلي فتقول : طوّل ما شئت أن تطوّل فوالله لأخطمنك .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « تخرج الدابة يوم تخرج وهي ذات عصب وريش تكلم الناس فتنقط في وجه المؤمن نقطة بيضاء فيبيض وجهه ، وتنقط في وجه الكافر نقطة سوداء فيسود وجهه ، فيتبايعون في الأسواق بعد ذلك . بم تبيع هذا يا مؤمن ، وبم تبيع هذا يا كافر ، ثم يخرج الدجال وهو أعور على عينه ظفرة غليظة ، مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن وكافر » .
وأخرج أحمد وسمويه وابن مردويه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(7/458)
« تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ، ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل الدابة فيقال : ممن اشتريت؟ فيقال : من الرجل المخطم » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تخرج دابة الأرض ولها ثلاث خرجات . فأول خرجة منها بأرض البادية . والثانية في أعظم المساجد وأشرفها وأكرمها ، ولها عنق مشرف يراها من بالمشرق كما يراها من بالمغرب ، ولها وجه كوجه انسان ، ومنقار كمنقار الطير ، ذات وبرٍ وزغب ، معها عصا موسى ، وخاتم سليمان بن داود تنادي بأعلى صوتها : { أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل : يا رسول الله وما بعد؟ قال : هنات وهنات ، ثم خصب وريف حتى الساعة » .
وأخرج ابن مردويه عن حذيفة بن أسيد أراه رفعه قال « تخرج الدابة من أعظم المساجد حرمة ، فبينما هم قعود بربو الأرض ، فبينما هم كذلك إذ تصدعت قال ابن عيينة : تخرج حين يسري الإِمام من جمع . وإنما جعل سابق بالحاج ليخبر الناس أن الدابة لم تخرج » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر أنه قال : ألا أريكم المكان الذي قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن دابة الأرض تخرج منه . فضرب بعصاه قبل الشق الذي في الصفا .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن بين يدي الساعة الدجال ، والدابة ، ويأجوج ومأجوج ، والدخان ، وطلوع الشمس من مغربها » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت : الدابة تخرج من أجياد .
وأخرج ابن جرير عن حذيفة بن اليمان قال : « ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال حذيفة : يا رسول الله من أين تخرج؟ قال » من أعظم المساجد حرمة على الله ، بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضطرب الأرض من تحتهم تحرك القنديل ، وتشق الصفا مما يلي المسعى وتخرج الدابة من الصفا ، أوّل ما يبدو رأسها ملمعة ذات وبر وريش ، لن يدركها طالب ، ولن يفوتها هارب ، تسم الناس مؤمن وكافر ، أما المؤمن فيرى وجهه كأنه كوكب دري ، وتكتب بين عينيه مؤمن . وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء كافر « » .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن عمرو أنه قال وهو يومئذ بمكة : لو شئت لأخذت سيتي هاتين ثم مشيت حتى أدخل الوادي التي تخرج منه دابة الأرض ، وإنها تخرج وهي آية للناس ، تلقى المؤمن فتسمه في وجهه واكية فيبيض لها وجهه ، وتسم الكافر واكية فيسوّد لها وجهه ، وهي دابة ذات زغب وريش فتقول { أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } .
وأخرج سعيد بن منصور ونعيم بن حماد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس : أن دابة الأرض تخرج من بعض أودية تهامة ، ذات زغب وريش لها أربع قوائم ، فتنكت بين عيني المؤمن نكتة يبيض لها وجهه ، وتنكت بين عيني الكافر نكتة يسود بها وجهه .(7/459)
وأخرج أحمد والطيالسي وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فتجلو وجه المؤمن بالخاتم ، وتخطم أنف الكافر بالعصا ، حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر » .
وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال « لها ثلاث خرجات من الدهر . فتخرج خرجة بأقصى اليمن ، فينشر ذكرها بالبادية في أقصى البادية ، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم تكمن زماناً طويلاً ثم تخرج خرجة أخرى دون تلك فيعلو ذكرها في أهل البادية ، ويدخل ذكرها القرية - يعني مكة - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها ، المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام ، وتنفض عن رأسها التراب فارفض الناس عنها شتى ، وبقيت عصابة من المؤمنين ثم عرفوا أنهم لن يعجزوا الله فبدأت بهم ، فجلت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدري ، وولت في الأرض لا يدركها طالب ، ولا ينجو منها هارب ، حتى أن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول : يا فلان الآن تصلي . فيقبل عليها فتسمه في وجهه ، ثم ينطلق ويشترك الناس في الأموال ، ويصطحبون في الأمصار ، يعرف المؤمن من الكافر حتى أن المؤمن ليقول : يا كافر أقضني حقي ، وحتى أن الكافر ليقول : يا مؤمن أقضني حقي » .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال « قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم : بئس الشعب جياد مرتين أو ثلاثاً قالوا : وبم ذاك يا رسول الله؟ قال : تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات فيسمعها من بين الخافقين » .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم « تخرج دابة الأرض من جياد فيبلغ صدرها الركن ولم يخرج ذنبها بعد قال : وهي دابة ذات وبر وقوائم » .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن ماجة وابن مردويه عن بريدة قال : ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية قريب من مكة فإذا أرض يابسة حولها رمل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(7/460)
« تخرج الدابة من هذا الموضع فإذا شبر في شبر » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن النزال بن سبرة قال : قيل لعلي بن أبي طالب : إن ناساً يزعمون أنك دابة الأرض فقال : والله إن لدابة الأرض ريشاً وزغباً ، وما لي ريش ولا زغب ، وإن لها لحافر وما لي من حافر ، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثاً ، وما خرج ثلثاها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : تخرج الدابة ليلة جمع والناس يسيرون إلى منى ، فتحملهم بين نحرها وذنبها ، فلا يبقى منافق إلا خطمته ، وتمسح المؤمن ، فيصبحون وهم بشر من الدجال .
وأخرج ابن أبي شيبة والخطيب في تالي التلخيص عن ابن عمر قال : تخرج الدابة من جبل جياد في أيام التشريق والناس بمنى قال : فلذلك جاء سائق الحاج بخبر سلامة الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : إن الدابة فيها من كل لون ، ما بين قرنيها فرسخ للراكب .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : تخرج الدابة من صدع في الصفا كجري الفرس ثلاثة أيام لم يخرج ثلثها .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : تخرج الدابة من تحت صخرة بجياد تستقبل المشرق ، فتصرخ صرخة ثم تستقبل الشام ، فتصرخ صرخة منفذة ، ثم تروح من مكة فتصبح بعسفان قيل : ثم ماذا؟ قال : لا أعلم .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس : الدابة مؤلفة ذات زغب وريش فيها من ألوان الدواب كلها ، وفيها من كل أمة سيما . وسيماها من هذه الأمة أنها تتكلم بلسان عربي مبين ، تكلمهم بكلامها .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي الزبير أنه وصف الدابة فقال : رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن أيل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين منها اثنا عشر ذراعاً . تخرج معها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، ولا يبقى كافر إلا نكتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان فتفشو تلك النكتة حتى يسود لها وجهه؛ حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق : بكم ذا يا مؤمن ، وبكم ذا يا كافر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن صدقة بن مزيد قال : تجيء الدابة إلى الرجل وهو قائم يصلي في المسجد ، فتكتب بين عينيه : كذاب .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة قال : تخرج الدابة مرتين قبل يوم القيامة حتى يضرب فيها رجال ، ثم تخرج الثالثة عند أعظم مساجدكم ، فتأتي القوم وهم مجتمعون عند رجل فتقول : ما يجمعكم عند عدو الله؟ فيبتدرون فتسم المؤمن حتى أن الرجلين ليتبايعان فيقول هذا : خذ يا مؤمن ، ويقول هذا : خذ يا كافر .
وأخرج نعيم بن حماد في الفتن عن عمرو بن العاص قال : تخرج الدابة من شعب بالأجياد ، رأسها تمس به السحاب وما خرجت رجلها من الأرض ، تأتي الرجل وهو يصلي فتقول : ما الصلاة من حاجتك . . ما هذا إلا تعوذ أو رياء ، فتخطمه .
وأخرج نعيم عن وهب بن منبه قال : أول الآيات الروم ، ثم الدجال ، والثالثة يأجوج ومأجوج ، والرابعة عيسى ، والخامسة الدخان ، والسادسة الدابة .(7/461)
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ويوم نحشر من كل أمة فوجاً } قال : زمرة . وفي قوله { فهم يوزعون } قال : يحبس أولهم على آخرهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { يوزعون } قال : يساقون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ووقع القول } قال : وجب القول . والقول الغضب وفي قوله { والنهار مبصراً } قال : منيراً والله أعلم .(7/462)
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)
أخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن أبي هريرة في قوله { ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } قال : هم الشهداء .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عاصم أنه قرأ { وكل أتوه داخرين } ممدودة مرفوعة التاء على معنى فاعلوه .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه قرأ { وكل أتوه داخرين } خفيفة بنصب التاء على معنى جاؤوه . يعني بلا مد .
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النمل { وكل أتوه داخرين } على معنى جاؤوه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { داخرين } قال : صاغرين .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ، مثله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : { الداخر } : الصاغر الراهب ، لأن المرء إذا فرع إنما همته الهرب من الأمر الذي فزع منه ، فلما نفخ في الصور فزعوا فلم يكن لهم من الله منجا .(7/463)
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وترى الجبال تحسبها جامدة } قال : قائمة { صنع الله الذي أتقن كل شيء } قال : احكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة { وترى الجبال تحسبها جامدة } قال : ثابتة في أصولها لا تتحرك { وهي تمر مر السحاب } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { صنع الله الذي أتقن كل شيء } يقول : أحسن كل شيء خلقه وأتقنه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { صنع الله الذي أتقن كل شيء } قال : أحسن كل شيء .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { الذي أتقن كل شيء } قال : أوثق كل شيء .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن { الذي أتقن كل شيء } قال : ألم تر إلى كل دابة كيف تبقى على نفسها .(7/464)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر « عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم { من جاء بالحسنة فله خير منها } قال : هي لا إله إلا الله { ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار } قال : هي الشرك » .
وأخرج ابن مردويه عن جابر قال : « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الموجبتين قال { من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ، ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون } قال : من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ، ومن لقي الله يشرك به دخل النار » .
وأخرج الحاكم في الكنى عن صفوان بن عسال قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا كان يوم القيامة جاء الايمان والشرك يجثوان بين يدي الرب فيقول الله للإِيمان : انطلق أنت وأهلك إلى الجنة . ويقول للشرك : انطلق أنت وأهلك إلى النار ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { من جاء بالحسنة فله خير منها } يعني : قول لا إله إلا الله { ومن جاء بالسيئة } الشرك { فكبت وجوههم في النار } » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يجيء الاخلاص والشرك يوم القيامة ، فيجثوان بين يدي الرب فيقول الرب للاخلاص : انطلق أنت وأهلك إلى الجنة ، ثم يقول للشرك انطلق أنت وأهلك إلى النار ، ثم تلا هذه الآية { من جاء بالحسنة } بشهادة أن لا إله إلا الله { فله خير منها } يعني : بالخير الجنة { ومن جاء بالسيئة } بالشرك { فكبت وجوههم في النار } » .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله { من جاء بالحسنة فله خير منها } يعني بها شهادة أن لا إله إلا الله { ومن جاء بالسيئة } يعني بها الشرك يقال : هذه تنجي . وهذه تردي .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات والخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن مسعود { من جاء بالحسنة } قال : بلا إله إلا الله { ومن جاء بالسيئة } قال : بالشرك .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي قال : كان حذيفة جالساً في حلقة فقال : ما تقولون في هذه الآية { من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ، ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار } فقالوا : نعم يا حذيفة من جاء بالحسنة ضعفت له عشر أمثالها . فأخذ كفا من حصى يضرب به الأرض وقال : تباً لكم . وكان حديداً وقال : من جاء بلا إله إلا الله وجبت له الجنة ، ومن جاء بالشرك وجبت له النار .(7/465)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس { من جاء بالحسنة } قال : بلا إله إلا الله { فله خير منها } قال : فمنها وصل إلى الخير { ومن جاء بالسيئة } قال : الشرك .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { من جاء بالحسنة } قال : لا إله إلا الله { من جاء بالسيئة } قال : الشرك .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وإبراهيم وأبي صالح وسعيد بن جبير وعطاء وقتادة ومجاهد . ومثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { فله خير منها } قال : ثواب .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة { من جاء بالحسنة } قال شهادة أن لا إله إلا الله { فله خير منها } قال يعطي به الجنة .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ثمن الجنة لا إله إلا الله » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زرعة بن إبراهيم { من جاء بالحسنة } قال : لا إله إلا الله { فله خير منها } قال : لا إله إلا الله خير . ليس شيء أخير من لا إله إلا الله .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { وهم من فزع يومئذ آمنون } ينون فزع وينصب يومئذ .(7/466)
إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أن أعبد رب هذه البلدة } قال : مكة .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة . مثله .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : زعم الناس أنها مكة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : هي منى .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن هرون قال في حرف ابن مسعود « وأن اتل القرآن » على الأمر وفي حرف أُبي بن كعب « واتل عليهم القرآن » .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن مجاهد { سيريكم آياته فتعرفونها } قال : في أنفسكم ، وفي السماء ، وفي الأرض ، وفي الرزق .
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما كان في القرآن » وما الله بغافل عما تعملون « بالتاء ، وما كان » وما ربك بغافل عما يعملون « بالياء » .(7/467)
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا في منامه : أن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى إذا اشتملت على بيوت مصر أحرقت القبط ، وتركت بني إسرائيل ، فدعا السحرة ، والكهنة ، والعافة ، والزجرة . وهم العافة الذين يزجرون الطير فسألهم عن رؤياه فقالوا له : يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه - يعنون بيت المقدس - رجل يكون على وجهه هلاك مصر . فأمر بني إسرائيل أن لا يولد لهم ولد إلا ذبحوه ، ولا يولد لهم جارية إلا تركت ، وقال للقبط : انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجاً فادخلوهم ، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة ، فجعلوا بني إسرائيل في أعمال غلمانهم ، وادخلوا غلمانهم . فذلك حين يقول { إن فرعون علا في الأرض } يقول : تجبر في الأرض { وجعل أهلها شيعاً } يعني بني إسرائيل { يستضعف طائفة منهم } حين جعلهم في الأعمال القذرة ، وجعل لا يولد لبني إسرائيل مولود إلا ذبح فلا يكبر صغير .
وقذف الله في مشيخة بني إسرائيل الموت ، فأسرع فيهم . فدخل رؤوس القبط على فرعون فكلموه فقالوا : إن هؤلاء القوم قد وقع فيهم الموت ، فيوشك أن يقع العمل على غلماننا تذبح أبناءهم فلا يبلغ الصغار فيعينون الكبار ، فلو أنك كنت تبقي من أولادهم . فأمر أن يذبحوا سنة ، ويتركوا سنة ، فلما كان في السنة التي لا يذبحون فيها ولد هرون عليه السلام . فترك ، فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت أم موسى بموسى عليه الصلاة والسلام ، فلما أرادت وضعه حزنت من شأنه ، فلما وضعته أرضعته ثم دعت له نجاراً وجعلت له تابوتاً ، وجعلت مفتاح التابوت من داخل وجعلته فيه ، وألقته في اليم بين أحجار عند بيت فرعون ، فخرجن جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن ، فوجدن التابوت ، فادخلنه إلى آسية وظنن أن فيه مالاً ، فلما تحرك الغلام رأته آسية صبياً ، فلما نظرته آسية وقعت عليه رحمتها وأحبته .
فلما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه ، فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها وقال : إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل ، وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا . فبينما هي ترقصه وتلعب به إذ ناولته فرعون وقالت : خذه { قرة عين لي ولك } [ القصص : 9 ] قال فرعون : هو قرة عين لك - قال عبد الله بن عباس : ولو قال هو قرة عين لي إذاً لآمن به ، ولكنه أبى - فلما أخذه إليه أخذ موسى عليه السلام بلحيته فنتفها فقال فرعون : عليَّ بالذباحين هو ذا .
قالت آسية : لا تقتله { عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً } [ القصص : 9 ] إنما هو صبي لا يعقل وإنما صنع هذا من صباه ، أنا أضع له حلياً من الياقوت ، وأضع له جمراً فإن أخذ الياقوت فهو يعقل اذبحه ، وإن أخذ الجمر فإنما هو صبي ، فاخرجت له ياقوتاً ، ووضعت له طستاً من جمر ، فجاء جبريل عليه السلام فطرح في يده جمرة ، فطرحها موسى عليه السلام في فيه فاحرقت لسانه ، فارادوا له المرضعات فلم يأخذ من أحد من النساء ، وجعلن النساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرضاع فأبى أن يأخذ .(7/468)
فجاءت أخته فقالت : { هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون } فأخذوها فقالوا : إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله فقالت : ما أعرفه ولكن إنما هم للملك ناصحون . فلما جاءته أمه أخذ منها . وكادت تقول : هو ابني . فعصمها الله فذلك قوله { إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين } قال : قد كانت من المؤمنين ولكن بقول : { إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } قال السدي : وإنما سمي موسى لأنهم وجدوه في ماء وشجر والماء بالنبطية مو الشجر سى .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون } يقول : في هذا القرآن نبؤهم { إن فرعون علا في الأرض } أي بغى في الأرض { وجعل أهلها شيعاً } أي فرقاً .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وجعل أهلها شيعاً } قال : فرق بينهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وجعل أهلها شيعاً } قال : يتعبد طائفة ، ويقتل طائفة ، ويستحيي طائفة .
أما قوله تعالى : { إنه كان من المفسدين } .
أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : لقد ذكر لنا أنه كان يأمر بالقصب فيشق حتى يجعل أمثال الشفار ، ثم يصف بعضه إلى بعض ، ثم يؤتى بحبالى من بني إسرائيل فيوقفن عليه ، فيجز أقدامهن حتى أن المرأة منهم لتضع بولدها ، فيقع بين رجليها ، فتظل تطؤه وتتقي به حد القصب عن رجليها لما بلغ من جهدها . حتى أسرف في ذلك وكان يفنيهم قيل له : أفنيت الناس ، وقطعت النسل ، وإنما هم خولك وعمالك ، فتأمر أن يقتلوا الغلمان عاماً ، ويستحيوا عاماً ، فولد هرون عليه السلام في السنة التي يستحيي فيها الغلمان ، وولد موسى عليه السلام في السنة التي فيها يقتلون ، وكان هرون عليه السلام أكبر منه بسنة ، فلما أراد الله بموسى عليه السلام ما أراد واستنقاذ بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء ، أوحى الله إلى أم موسى حين تقارب ولادها { أن أرضعيه } [ القصص : 7 ] .(7/469)
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)
أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } قال : يوسف وولده .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } قال : هم بنو إسرائيل { ونجعلهم أئمة } أي هم ولاة الأمر { ونجعلهم الوارثين } أي يرثون الأرض بعد فرعون وقومه { ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون } قال : ما كان القوم حذروه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ونجعلهم الوارثين } قال : يرثون الأرض بعد آل فرعون ، وفي قوله { ونري فرعون } الآية قال : كان حاز يحزي لفرعون فقال : إنه يولد في هذا العام غلام يذهب بملككم وكان فرعون { يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم } حذراً لقول الحازي فذلك قوله { ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله قال : قال عمر رضي الله عنه : إني استعملت عمالاً لقول الله { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } .(7/470)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وأوحينا إلى أم موسى } يقول : ألهمناها الذي صنعت بموسى .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وأوحينا إلى أم موسى } قال : قذف في نفسها .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } قال : وحي جاءها عن الله قذف في قلبها ، وليس بوحي نبوة { فإذا خفت عليه فألقيه في اليم } قال : فجعلته في تابوت فقذفته في البحر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال : إن الله أوحى إلى أم موسى حين وضعت { أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم } فلما خافت عليه جعلته في التابوت ، وجعلت المفتاح مع التابوت وطرحته في البحر ، وخرجت امرأة فرعون إلى البحر وابنة لفرعون برصاء ، فرأوا سواداً في البحر ، فأخرج التابوت إليهم ، فبدرت ابنة فرعون وهي برصاء إلى التابوت ، فوجدت موسى في التابوت وهو مولود ، فأخذته فبرأت من برصها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش رضي الله عنه قال : قال ابن عباس رضي الله عنهما : في قوله { فإذا خفت عليه } قال : أن يسمع جيرانك صوته .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } قال : فجعلته في بستان فكانت تأتيه في كل يوم مره فترضعه ، وتأتيه في كل ليله فترضعه فيكفيه ذلك { فإذا خفت عليه } قال : إذا بلغ أربعة أشهر وصاح وابتغى من الرضاع أكثر من ذلك . فذلك قوله { فإذا خفت عليه فألقيه في اليم } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { ولا تخافي } قال : لا تخافي عليه البحر { ولا تحزني } يقول : ولا تحزني لفراقه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً } قال : في دينهم { وحزناً } قال : لما يأتيهم به .(7/471)
وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)
أخرج ابن جرير عن محمد بن قيس قال : قالت امرأة فرعون { قرة عين لي ولك لا تقتلوه } قال فرعون : قرة عين لك ، أما لي فلا قال محمد بن قيس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو قال فرعون قرة عين لي ولك لكان لهما جميعاً » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك } تعني بذلك : موسى عليه السلام { عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً } قال : ألقيت عليه رحمتها حين ابصرته { وهم لا يشعرون } إن هلاكهم على يديه وفي زمانه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وهم لا يشعرون } قال : آل فرعون أنه عدوّ لهم .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وهم لا يشعرون } قال : ما يصيبهم من عاقبة أمره .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : لا يشعرون أن هلاكهم على يديه والله تعالى أعلم .(7/472)
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } قال : فرغ من ذكر كل شيء من أمر الدنيا إلا من ذكر موسى .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } قال : خالياً من كل شيء غير ذكر موسى عليه السلام ، وفي قوله { إن كادت لتبدي به } قال : تقول يا ابناه .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } قال : من كل شيء غير هم موسى عليه السلام .
وأخرج الفريابي عن عكرمة رضي الله عنه { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } قال : من كل شيء من أمر الدنيا والآخرة إلا من هم موسى .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } قال : من كل شيء إلا من ذكر موسى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مغيث بن سمي أو عن أبي عبيدة في قوله { إن كادت لتبدي به } أي لتنبىء أنه ابنها من شدة وجدها { لولا أن ربطنا على قلبها } قال : ربط الله على قلبها بالإِيمان .(7/473)
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)
أخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وقالت لأخته قصيه } أي اتبعي أثره { فبصرت به عن جنب } قال : عن جانب .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وقالت لأخته قصيه } أي اتبعي أثره كيف يصنع به؟ { فبصرت به عن جنب } قال عن بعد { وهم لا يشعرون } قال : آل فرعون انه عدو لهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وقالت لأخته قصيه } قال : قصي أثره { فبصرت به عن جنب } يقول : بصرت به وهي مجانبة لهم { وهم لا يشعرون } انها أخته قال : جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : اسم أخت موسى يواخيد ، وأمه يحانذ .
وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبي رواد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة رضي الله عنها « اما علمت أن الله قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران ، وكلثوم أخت موسى ، وآسية امرأة فرعون ، قالت : وقد فعل الله ذلك يا رسول الله قال : نعم . قالت : بالرفاه والبنين » .
وأخرج الطبراني وابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما شعرت أن الله زوجني مريم بنت عمران ، وكلثوم أخت موسى ، وامرأة فرعون فقلت : هنيئاً لك يا رسول الله » .(7/474)
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
أخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وحرمنا عليه المراضع من قبل } قال : لا يؤتى بمرضع فيقبلها .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { وحرمنا عليه المراضع من قبل } قال : لا يقبل ثدي امرأة حتى يرجع إلى أمه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال : حين قالت { هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون } قالوا : قد عرفتيه فقالت : إنما أردت الملك ، هم للملك ناصحون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وحرمنا عليه المراضع } قال : جعل لا يؤتى بامرأة إلا لم يأخذ ثديها وفي قوله { ولتعلم أن وعد الله حق } قال : وعدها أنه راده إليها وجاعله من المرسلين ففعل الله بها ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني رضي الله عنه قال : كان فرعون يعطي أم موسى على رضاع موسى كل يوم ديناراً .
وأخرج أبو داود في المراسيل عن جبير بن نفير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون الجعل يعني : يتقوّون على عدوهم؛ مثل أم موسى ، ترضع ولدها وتأخذ أجرها » .(7/475)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والمحاملي في أماليه من طريق مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولما بلغ أشدّه } قال : ثلاثاً وثلاثين سنة { واستوى } قال : أربعين سنة .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المعمرين من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولما بلغ اشدّه واستوى } قال : الاشد ما بين الثماني عشرة إلى الثلاثين والاستواء ما بين الثلاثين والأربعين ، فإذا زاد على الأربعين أخذ في النقصان .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولما بلغ أشدّه } قال : ثلاثاً وثلاثين سنة { واستوى } قال : أربعين سنة { آتيناه حكماً وعلماً } قال : الحكم الفقه والعقل ، والعلم قال : النبوّة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي قبيصة رضي الله عنه في الآية قال : يعني بالاستواء : خروج لحيته .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { ولما بلغ أشدّه } قال : ثلاثاً وثلاثين سنة { واستوى } قال : أربعين سنة .(7/476)
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي : إن فرعون ركب مركباً وليس عنده موسى ، فلما جاء موسى عليه السلام قيل له : إن فرعون قد ركب . فركب في أثره . فأدركه المقيل بأرض يقال لها منف ، فدخلها نصف النهار وقد تغلقت أسواقها ، وليس في طرقها أحد . وهي التي يقول الله تعالى { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { ودخل المدينة على حين غفلة } قال : نصف النهار .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { ودخل المدينة على حين غفلة } قال : نصف النهار والناس قائلون .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : دخلها عند القائلة بالظهيرة والناس نائمون . وذلك أغفل ما يكون الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { حين غفلة } قال : ما بين المغرب والعشاء .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { على حين غفلة } قال : ما بين المغرب والعشاء عن أناس ، وقال آخرون : نصف النهار ، وقال ابن عباس : أحدهما .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته } قال : اسرائيلي { وهذا من عدوّه } قال : قبطي { فاستغاثه الذي من شيعته } الاسرائيلي { على الذي من عدوّه } القبطي { فوكزه موسى فقضى عليه } قال : فمات قال : فكبر ذلك على موسى عليه الصلاة والسلام .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فاستغاثه الذي من شيعته } قال : من قومه من بني إسرائيل . وكان فرعون من فارس من اصطخر { فوكزه موسى } قال : بجمع كفه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فوكزه موسى } قال : بعصا ، ولم يتعمد قتله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : الذي وكزه موسى كان خبازاً لفرعون .
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب رضي الله عنه قال : قال الله عز وجل « بعزتي يا ابن عمران لو أن هذه النفس التي وكزت فقتلت ، اعترفت لي ساعة من ليل أو نهار بأني لها خالق أو رازق ، لأذقتك فيها طعم العذاب . ولكني عفوت عنك في أمرها انها لم تعترف لي ساعة من ليل أو نهار إني لها خالق أو رازق » .(7/477)
قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { إني ظلمت نفسي } قال : بلغني أنه من أجل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر . فقتله ولم يؤمر .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { قال رب إني ظلمت نفسي } قال : عرف نبي الله عليه السلام من أين المخرج . فأراد المخرج فلم يلق ذنبه على ربه . قال بعض الناس : أي من جهة المقدور .(7/478)
قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { فلن أكون ظهيراً للمجرمين } قال : معيناً للمجرمين .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فلن أكون ظهيراً للمجرمين } قال : إن أعين بعدها ظالماً على فجره .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبيد الله بن الوليد الرصافي رضي الله عنه؛ أنه سأل عطاء بن أبي رباح عن أخ له كاتب ليس يلي من أمور السلطان شيئاً ، إلا أنه يكتب لهم بقلم ما يدخل وما يخرج ، فإن ترك قلمه صار عليه دين واحتجاج ، وإن أخذ به كان له فيه غنى قال : يكتب لمن؟ قال : لخالد بن عبد الله القسري قال : ألم تسمع إلى ما قال العبد الصالح { رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين } ؟ فلا يهتم بشيء وليرم بقلمه فإن الله سيأتيه برزق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حنظلة جابر بن حنظلة الكاتب الضبي قال : قال رجل لعامر : يا أبا عمرو أني رجل كاتب ، أكتب ما يدخل وما يخرج ، آخذ ورقاً استغني به أنا وعيالي قال : فلعلك تكتب في دم يسفك؟ قال : لا . قال : فلعلك تكتب في مال يؤخذ؟ قال : لا . قال : فلعلك تكتب في دار تهدم؟ قال : لا . قال : أسمعت بما قال موسى عليه الصلاة والسلام { رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين } قال : رضي الله عنه قال : صليت إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما العصر ، فسمعته يقول في ركوعه { رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سلمة بن نبيط رضي الله عنه قال : بعث عبد الرحمن بن مسلم إلى الضحاك فقال : اذهب بعطاء أهل بخارى فاعطهم فقال : اعفني فلم يزل يستعفيه حتى أعفاه فقال له بعض أصحابه : ما عليك أن تذهب فتعطيهم وأنت لا ترزؤهم شيئاً؟ فقال : لا أحب أن أعين الظلمة على شيء من أمرهم .(7/479)
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { فأصبح في المدينة خائفاً } قال : خائفاً أن يؤخذ .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { يترقب } قال : يتلفت .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { يترقب } قال : يتوحش .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه } قال : هو صاحب موسى الذي استنصره بالأمس .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : الذي استنصره : هو الذي استصرخه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه { فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه } قال : الاستصراخ : الاستغاثة . قال : والاستنصار والاستصراخ واحد . { قال له موسى إنك لغوي مبين } فاقبل عليه موسى عليه السلام فظن الرجل أنه يريد قتله فقال : يا موسى { أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس } قال : قبطي قريب منهما يسمعهما فافشى عليهما .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { فلما أن أراد أن يبطش } قال : ظن الذي من شيعته إنما يريده فذلك قوله { أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس } أنه لم يظهر على قتله أحد غيره . فسمع قوله { أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس } عدوّهما فأخبر عليه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الشعبي قال : من قتل رجلين فهو جبار ، ثم تلا هذه الآية { أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال : لا يكون الرجل جباراً حتى يقتل نفسين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني قال : آية الجبابرة القتل بغير حق . والله أعلم .(7/480)
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى } قال : مؤمن آل فرعون .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال : كان اسم الذي قال لموسى { إن الملأ يأتمرون بك } شمعون .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى } قال : يعمل ، ليس بالسيد؛ اسمه حزقيل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : ذهب القبطي فافشى عليه : أن موسى هو الذي قتل الرجل فطلبه فرعون وقال : خذوه فإنه الذي قتل صاحبنا وقال الذين يطلبونه : اطلبوه في ثنيات الطريق ، فإن موسى غلام لا يهتدي للطريق .
وأخذ موسى عليه السلام في ثنيات الطريق ، وقد جاءه الرجل فأخبره { إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج . . . ، فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين } فلما أخذ في ثنيات الطريق جاءه ملك على فرس بيده عنزة ، فلما رآه موسى عليه السلام سجد له من الفرق . فقال : لا تسجد لي ، ولكن اتبعني ، فتبعه وهداه نحو مدين .
فانطلق الملك حتى انتهى به إلى المدين ، فلما أتى الشيخ ، وقص عليه القصص { قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين } [ القصص : 25 ] فأمر احدى ابنتيه أن تأتيه بعصا . وكانت تلك العصا عصا استودعه إياها ملك في صورة رجل فدفعها إليه ، فدخلت الجاريه فأخذت العصا فأتته بها ، فلما رآها الشيخ قال لابنته : ائتيه بغيرها . فألقتها وأخذت تريد غيرها ، فلا يقع في يدها إلا هي ، وجعل يرددها وكل ذلك لا يخرج في يدها غيرها ، فلما رآى ذلك عهد إليه فأخرجها معه فرعى بها ، ثم إن الشيخ ندم وقال : كانت وديعة فخرج يتلقى موسى عليه السلام فلما رآه قال : أعطني العصا . فقال موسى عليه السلام : هي عصاي! فأبى أن يعطيه ، فاختصما ، فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما .
فاتاهما ملك يمشي ، فقضى بينهما فقال : ضعوها في الأرض فمن حملها فهي له . فعالجها الشيخ فلم يطقها ، وأخذها موسى عليه السلام بيده فرفعها ، فتركها له الشيخ ، فرعى له عشر سنين .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى } قال : هو مؤمن آل فرعون جاء يسعى وفي قوله { فخرج منها خائفاً يترقب } قال : أن يأخذه الطلب .(7/481)
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22)
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { ولما توجه تلقاء مدين } قال : عرضت لموسى عليه السلام أربعة طرق فلم يدر أيتها يسلك ، فقال { عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } فأخذ طريق مدين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { تلقاء مدين } قال : مدين ماء كان عليه شعيب .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } قال : قصد السبيل : الطريق إلى مدين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله { عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } قال : الطريق المستقيم . قال : فالتقى والله يومئذ خير أهل الأرض . شعيب وموسى بن عمران .
وأخرج أحمد في الزهد عن كعب بن علقمة رضي الله عنه قال : أن موسى عليه السلام لما خرج هارباً من فرعون قال : رب أوصني قال « أوصيك أن لا تعدل بي شيئاً أبداً إلا اخترتني عليه ، فإني لا أرحم ولا أزكي من لم يكن كذلك قال : وبماذا يا رب؟ قال : بأمك فانها حملتك وهناً على وهن قال : ثم بماذا يا رب؟ قال : إن أوليتك شيئاً من أمر عبادي فلا تعيهم إليك في حوائجهم ، فإنك إنما تعي روحي فإني مبصر ومسمع ومشهد » .(7/482)
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خرج موسى عليه السلام خائفاً جائعاً ليس معه زاد حتى انتهى إلى ماء مدين وعليه أمة من الناس يسقون ، وامرأتان جالستان بشياههما ، فسألهما ما خطبكما؟ { قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير } قال : فهل قربكما ماء قالتا : لا . . . إلا بئر عليها صخرة قد غطيت بها لا يطيقها نفر قال : فانطلقا فأريانيها . فانطلقتا معه فقلب بالصخرة بيده ، فنحاها ثم استقى لهما سجلاً واحداً فسقى الغنم ، ثم أعاد الصخرة إلى مكانها ، ثم تولى إلى الظل فقال : { رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير } فسمعتا ما قال ، فرجعتا إلى أبيهما فاستنكر سرعة مجيئهما ، فسألهما فاخبرتاه فقال لإِحداهما : انطلقي فادعيه فأتته فقالت : { إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } فمشت بين يديه فقال لها : امشي خلفي ، فإني امرؤ من عنصر إبراهيم لا يحل لي أن أنظر منك ما حرم الله علي ، وارشديني الطريق .
{ فلما جاءه وقص عليه القصص . . . ، قالت إحداهما : يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } قال لها أبوها : ما رأيت من قوّته وأمانته؟ فأخبرته بالأمر الذي كان قالت : أما قوّته فإنه قلب الحجر وحده ، وكان لا يقلبه إلا النفر . وأما أمانته فإنه قال : امشي خلفي وارشديني الطريق ، لأني امرؤ من عنصر إبراهيم عليه السلام ، لا يحل لي منك ما حرمه الله تعالى . قيل لابن عباس رضي الله عنهما . أي الأجلين قضى موسى عليه السلام؟ قال : أبرهما وأوفاهما .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : إن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ، فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال ، فإذا هو بامرأتين { قال ما خطبكما } فحدثتاه . فأتى الصخرة فرفعها وحده ثم استسقى ، فلم يستق إلا دلواً واحداً حتى رويت الغنم .
فرجعت المرأتان إلى أبيهما فحدثتاه ، وتولى موسى عليه السلام إلى الظل { فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } قال : { فجاءته إحداهما تمشي على استحياء } واضعة ثوبها على وجهه ليست بسلفع من الناس خراجة ولاجة { قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } فقام معها موسى عليه السلام فقال لها : امشي خلفي وانعتي لي الطريق ، فإني أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف جسدك . فلما انتهى إلى أبيها قص عليه فقالت احداهما { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين } قال : يا بنية ما علمك بأمانته وقوته؟ قالت : أما قوّته : فرفعه الحجر ولا يطيقه إلا عشرة رجال ، وأما أمانته ، فقال : امشي خلفي وانعتي لي الطريق ، فإني أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف لي جسدك .(7/483)
فزاده ذلك رغبة فيه فقال { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين } إلى قوله { ستجدني إن شاء الله من الصالحين } أي في حسن الصحبة والوفاء بما قلت قال موسى عليه السلام { ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي } قال : نعم . { قال الله على ما نقول وكيل } فزوّجه وأقام معه يكفيه ، ويعمل له في رعاية غنمه وما يحتاج إليه ، وزوّجه صفورا ، وأختها شرفا ، وهما التي كانتا تذودان .
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولما ورد ماء مدين } قال : ورد الماء حيث ورد وأنه لتتراءى خضرة البقل من بطنه من الهزال .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خرج موسى عليه السلام من مصر إلى مدين وبينه وبينها ثمان ليال ، ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر ، وخرج إليها حافياً فما وصل حتى وقع خف قدمه .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة { ولما ورد ماء مدين } قال : كان مسيره خمسة وثلاثين يوماً .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { أمة من الناس يسقون } قال : أناساً . وفي قوله { إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير } قال : من طعام .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ووجد من دونهم امرأتين } قال : أسماؤهما : ليا ، وصفورا ، ولهما أربع أخوات صغار يسقين الغنم في الصحاف .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { تذودان } قال : تحبسان .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { تذودان } قال : تحبسان غنمهما حتى يفرغ الناس وتخلو لهما البئر .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله { قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء } قال : تنتظران أن تسقيا من فضول ما في حياضهم .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { حتى يصدر الرعاء } برفع الياء وكسر الراء في الرعاء .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لقد قال موسى عليه السلام { رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير } وهو أكرم خلقه عليه ولقد افتقر إلى شق تمرة ، ولقد لصق بطنه بظهره من شدة الجوع .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير } قال : سأل فلقاً من الخبز يشد بها صلبه من الجوع .(7/484)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما هرب موسى عليه السلام من فرعون أصابه جوع ، كانت ترى أمعاؤه من ظاهر الثياب { قال : رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } .
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لما سقى موسى للجاريتين { ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير } قال : إنه يومئذ فقير إلى كف من تمر » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { إني لما أنزلت إلي من خير فقير } قال : شبعه يومئذ .
وأخرج الفريابي وأحمد عن مجاهد قال : ما سأل إلا طعاماً يأكله .
وأخرج الفريابي وأحمد عن إبراهيم التيمي رضي الله عنه { إني لما أنزلت إلي من خير فقير } قال : ما كان معه رغيف ولا درهم .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن أبي الهذيل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله { تمشي على استحياء } قال : جاءت مستترة بكم درعها على وجهها .
وأخرجه ابن المنذر عن ابن أبي الهذيل موقوفاً عليه .
وأخرج أحمد عن مطرف بن الشخير رضي الله عنه قال : أما والله لو كان عند نبي الله شيء ما تبع مذقتها ، ولكن حمله على ذلك الجهد .
وأخرج ابن عساكر عن أبي حازم قال : لما دخل موسى عليه السلام على شعيب عليه السلام إذا هو بالعشاء فقال له شعيب عليه السلام : كل . قال موسى عليه السلام : أعوذ بالله! قال ولم . . . ؟! ألست بجائع؟ قال : بلى . ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً لما سقيت لهما ، وأنا من أهل بيت لا نبتغي شيئاً من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً قال : لا والله . . . ولكنها عادتي وعادة آبائي ، نقري الضيف ، ونطعم الطعام . فجلس موسى عليه السلام فأكل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس رضي الله عنه أنه بلغه : أن شعيباً عليه السلام هو الذي قص على موسى القصص .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال : يقول ناس : أنه شعيب . وليس بشعيب ولكن سيد الماء يومئذ .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال : كان صاحب موسى عليه السلام أثرون ابن أخي شعيب عليه السلام .
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كان اسم ختن موسى يثربي .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الذي استأجر موسى عليه السلام يثرب صاحب مدين .(7/485)
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه كان يكره الكنية بأبي مرة ، وكانت كنية فرعون ، وكانت صاحبة موسى صفيرا بنت يثرون .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { القوي } قال : قوته فتح لهما عن بئر حجراً على فيها فسقى لهما { الأمين } قال : غض بصره عنهما حين سقى لهما .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال : لما قالت صاحبة موسى { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } قال : غض بصره عنهما حين سقى لهما .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال : لما قالت صاحبة موسى { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } قال : وما رأيت من قوته . قالت : جاء إلى البئر وعليه صخرة لا يقلها كذا وكذا فرفعها قال : وما رأيت من أمانته؟ قالت : كنت أمشي أمامه فجعلني خلفه .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين } قال : بلغني أنه نكح الكبيرة التي دعته واسمها صفورا ، وأبوها ابن أخي شعيب ، واسمه رعاويل . وقد أخبرني من أصدق : أن إسمه في الكتاب يثرون كاهن مدين . والكاهن حبر .
وأخرج ابن المنذر عن نوف الشامي قال : ولدت المرأة لموسى عليه السلام غلاماً ، فسماه جرثمة .
وأخرج ابن ماجة والبزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عقبة بن المنذر السلمي رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ { طس } حتى بلغ قصة موسى عليه السلام قال : « إن موسى أجر نفسه ثماني سنين أو عشراً على عفة فرجه ، وطعام بطنه ، فلما وفى الأجل قيل : يا رسول الله أي الأجلين قضى موسى؟ قال : أبرهما وأوفاهما ، فلما أراد فراق شعيب أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به ، فأعطاها ما ولدت من غنمه قالب لون من ذلك العام ، وكانت غنمه سوداء حسناء ، فانطلق موسى إلى عصاه فسماها من طرفها ، ثم وضعها في أدنى الحوض ، ثم أوردها فسقاها ، ووقف موسى بازاء الحوض فلم يصدر منها شاة إلا ضرب جنبها شاة شاة قال : فأنمت وأثلثت ووضعت كلها قوالب الوان . إلا شاة أو شاتين ليس فيها فشوش ، ولا ضبوب ، ولا غزور ، ولا ثفول ، ولا كمشة تفوت الكف . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فلو افتتحتم الشام وجدتم بقايا تلك الغنم . وهي السامرية » قال ابن لهيعة : الفشوش : التي تفش بلبنها واسعة الشخب ، والضبوب : الطويلة الضرع مجترة ، والغزور : الضيقة الشخب ، والثفول : التي ليس لها ضرع إلا كهيئة حلمتين ، والكمشة : الصغيرة الضرع لا يدركه الكف .(7/486)
وأخرج ابن جرير عن أنس رضي الله عنه قال : لما دعا موسى عليه السلام صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما قال له صاحبه : كل شاة ولدت على لونها فلك لونها . فعمد فرفع خيالاً على الماء ، فلما رأيت الخيال فزعت ، فجالت جولة فولدت كلهن بلقاء ، إلا شاة واحدة . فذهب بألوانهن ذلك العام .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل أي الأجلين قضى موسى؟ فقال : قضى أكثرهما وأطيبهما . أن رسول الله إذا قال فعل .
وأخرج البزار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبريل أي الأجلين قضى موسى؟ قال : أتمهما وأكملهما .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يوسف بن سرح « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الأجلين قضى موسى؟ فسأل جبريل فقال : لا علم لي . فسأل جبريل ملكاً فوقه فقال : لا علم لي . فسأل ذلك الملك ربه فقال الرب عز وجل » أبرهما وأتقاهما وأزكاهما « » .
وأخرج ابن مردويه من طريق علي بن عاصم عن أبي هريرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : « أن رجلاً سأله أي الأجلين قضى موسى؟ فقال : لا أدري حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا أدري حتى أسأل جبريل فقال : لا أدري حتى أسأل ميكائيل ، فسأل ميكائيل فقال : لا أدري حتى أسأل الرفيع ، فسأل الرفيع فقال : لا أدري حتى أسأل اسرافيل ، فسأل إسرافيل فقال : لا أدري حتى أسأل ذا العزة ، فنادى إسرافيل بصوته الأشد : يا ذا العزة أي الأجلين قضى موسى؟ قال : » أتم الأجلين وأطيبهما عشر سنين « قال علي بن عاصم : فكان أبو هرون إذا حدث بهذا الحديث يقول : حدثني أبو سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عن جبريل ، عن ميكائيل ، عن الرفيع ، عن إسرافيل ، عن ذي العزة تبارك وتعالى » أن موسى قضى أتم الأجلين وأطيبه ، عشر سنين « » .
وأخرج ابن مردويه عن جابر رضي الله عنه « قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضى موسى؟ قال : أوفاهما » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل : يا محمد إن سألك اليهود أي الأجلين قضى موسى؟ فقل أوفاهما ، وإن سألوك أيهما تزوج؟ فقال الصغرى منهما » .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي ذر رضي الله عنه قال « قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى؟ فقل خيرهما وأبرهما ، وإذا سئلت أي المرأتين تزوج؟ فقل الصغرى منهما ، وهي التي جاءت فقالت { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } فقال : ما رأيت من قوته؟ قالت : أخذ حجراً ثقيلاً فألقاه على البئر قال : وما الذي رأيت من أمانته؟ قالت : قال لي امشي خلفي ولا تمشي امامي » .(7/487)
وأخرج البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضى موسى؟ قال : أبعدهما وأطيبهما » .
وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي ذر رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضى موسى؟ قال : أبرهما وأوفاهما . قال : وإن سئلت أي المرأتين تزوج؟ فقل الصغرى منهما » .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضى موسى؟ قال : سوف أسأل جبريل ، فسأل قال : سوف أسأل ميكائيل ، فسأله قال : سوف أسأل إسرافيل ، فسأله فقال : سوف أسأل الرب ، فسأله فقال : أبرهما وأوفاهما » .
وأخرج ابن مردويه عن مقسم قال : لقيت الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، فقلت له : أي الأجلين قضى موسى . الأول أو الآخر؟ قال : الآخر .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { والله على ما نقول وكيل } قال : على قول موسى وختنه .(7/488)
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فلما قضى موسى الأجل } قال : عشر سنين ، ثم مكث بعد ذلك عشراً أخرى .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي قال عبد الله بن عباس . لما قضى موسى الأجل سار بأهله فضل عن الطريق ، وكان في الشتاء . ورفعت له نار ، فلما رآها ظن أنها نار ، وكانت من نور الله فقال لأهله { امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر } فإن لم أجد خبراً آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون من البرد .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { آنس } قال : أحس وفي قوله { إني آنست ناراً } قال : أحسست .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لعلي آتيكم منها بخبر } قال : لعلي أجد من يدلني على الطريق . وكانوا قد ضلوا الطريق .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { جذوة } قال : شهاب .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { جذوة } قال : أصل شجرة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { جذوة } قال : أصل شجرة في طرفها نار .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال { الجذوة } عود من حطب فيه النار .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ « أو جذوة » بنصب الجيم .
وأخرج أبو عبيد وابن مردويه وابن عساكر عن أبي المليح قال : أتيت ميمون بن مهران لأودعه عند خروجي في تجارة فقال : لا تيأس أن تصيب في وجهك هذا في أمر دينك أفضل مما ترجو أن تصيب في أمر دنياك ، فإن صاحبة سبأ خرجت وليس شيء أحب إليها من ملكها ، فأخرجها الله إلى ما هو خير من ذلك ، فهداها إلى الإِسلام ، وأن موسى عليه السلام خرج يريد أن يقتبس لأهله ناراً ، فأخرجه الله إلى ما هو خير من ذلك : كلمه الله تعالى .
وأخرج الخطيب عن عائشة رضي الله عنها قالت : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ، فإن موسى بن عمران عليه السلام خرج يقتبس ناراً فرجع بالنبوّة .(7/489)
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { نودي من شاطئ الواد الأيمن } قال : كان النداء من السماء الدنيا .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { من شاطئ الواد الأيمن } قال : الأيمن عن يمين موسى عليه السلام عند الطور .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح في الآية قال : كان النداء من أيمن الشجرة . والنداء من السماء . وذلك في التقديم والتأخير .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال : نودي عن يمين الشجرة .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { من الشجرة } قال : أخبرت أنها عوسجة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الكلبي { من الشجرة } قال : شجرة العوسج .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ذكرت لي الشجرة التي أوى إليها موسى عليه السلام ، فسرت إليها يومي وليلتي حتى صبحتها ، فإذا هي سمرة خضراء ترف ، فصليت على النبي صلى الله عليه وسلم فاهوى إليها بعيري وهو جائع ، فأخذ منها ملء فيه فلاكه فلم يستطع أن يسيغه فلفظه ، فصليت على النبي وسلمت ، ثم انصرفت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن نوف البكالي : أن موسى عليه السلام لما نودي من شاطئ الوادي الأيمن قال : ومن أنت الذي تنادي؟ قال : أنا ربك الأعلى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر الثقفي قال : أتى موسى عليه السلام الشجرة ليلاً وهي خضراء والنار تتردد فيها ، فذهب يتناول النار فمالت عنه ، فذعر وفزع ، فنودي من شاطئ الوادي الأيمن قال : عن يمين الشجرة فاستأنس بالصوت ، فقال : أين أنت . أين أنت؟ قيل : الصوت . . أنا فوقك قال : ربي؟! قال : نعم .(7/490)
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { ولى مدبراً . . من الرهب } قال : هذا من تقديم القرآن .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { واضمم إليك جناحك } قال : يدك .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { واضمم إليك جناحك } قال : كفه تحت عضده { من الرهب } قال : من الفرق { فذانك برهانان } قال : العصا ، واليد . وفي قوله { ردءاً } قال : عوناً وفي قوله { ونجعل لكما سلطاناً } قال : الحجة .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ولم يعقب } قال : لم يلتفت من الفرق وفي قوله { اسلك يدك في جيبك } قال : في جيب قميصك { تخرج بيضاء من غير سوء } قال : من غير برص { واضمم إليك جناحك من الرهب } قال : من الرعب { فذانك برهانان } قال : آيتان من ربك . . . { فأرسله معي ردءاً } قال : عوناً لي .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ { من الرهب } مخففة مرفوعة الراء وقرأ « فذنك » مخففة .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن كثير وقيس أنهما كانا يقرآن { فذنك برهانان } مثقلة النون .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ردءاً يصدقني } كي يصدقني .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب نبأنا نافع بن أبي نعيم قال : سألت مسلم بن جندب رضي الله عنه عن قوله { ردءاً يصدقني } قال : الردء الزيادة أما سمعت قول الشاعر :
واسمر خطى كأن كعوبه ... نوى القصب قد اردى ذراعاً على عشر
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { سنشد عضدك بأخيك } قال : العضد : المعين الناصر قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول النابغة :
في ذمة من أبي قابوس منقذة ... للخائفين ومن ليست له عضد
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : كان موسى عليه السلام قد ملىء قلبه رعباً من فرعون ، فكان إذا رآه قال : اللهم أدرأ بك في نحره ، وأعوذ بك من شره ، ففزع الله تعالى ما كان في قلب موسى وجعله في قلب فرعون ، فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الضحاك رضي الله عنه قال : دعاء موسى حين توجه إلى فرعون ، ودعاء النبي عليه السلام يوم حنين ، ودعاء كل مكروب « كنت وتكون وأنت حي لا تموت ، تنام العيون وتكدر النجوم وأنت حي قيوم ، لا تأخذك سنة ولا نوم ، يا حي يا قيوم » .(7/491)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما قال فرعون { يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري } قال جبريل عليه السلام : يا رب طغى عبدك فائذن لي في هلاكه قال : يا جبريل هو عبدي ولن يسبقني له أجل قد اجلته حتى يجيء ذلك الأجل . فلما قال { أنا ربكم الأعلى } [ النازعات : 24 ] قال : يا جبريل قد سكنت روعتك . بغى عبدي وقد جاء أوان هلاكه .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كلمتان قالهما فرعون { ما علمت لكم من إله غيري } وقوله { أنا ربكم الأعلى } قال : كان بينهما أربعون عاماً { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } [ النازعات : 26 ] » .
أما قوله تعالى : { فأوقد لي يا هامان } الآية .
أخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر قال : حدثنا أسد عن خالد بن عبد الله عن محدث حدثه قال : كان هامان نبطياً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فأوقد لي يا هامان على الطين } قال على المدر يكون لبناً مطبوخاً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : بلغني أن فرعون أول من طبخ الآجر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : كان فرعون أول من طبخ الآجر ، وصنع له الصرح .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : فرعون أول من صنع الآجر وبنى به .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله { فأوقد لي يا هامان على الطين } قال : أوقد على الطين حتى يكون آجراً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : لما بنوا له الصرح ارتقى فوقه ، فأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء ، فردت إليه وهي متلطخة دماً فقال : قتلت إله موسى .(7/492)
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فنبذناهم في اليم } قال : في البحر . بحر يقال له ساف من وراء مصر غرقهم الله فيه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } قال : جعلهم الله أئمة يدعون إلى المعاصي .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة } لعنة أخرى ، ثم استقبل فقال { هم من المقبوحين } .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة } قال : لعنوا في الدنيا والآخرة هو كقوله { وأتبعناهم في الدنيا لعنة ويوم القيامة } .(7/493)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)
أخرج البزار وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما أهلك الله قوماً ولا قرناً ولا أمة ، ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير القرية التي مسخت قردة . ألم تر إلى قوله تعالى { ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى } وأخرجه البزار وابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي سعيد موقوفاً » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { بصائر للناس } قال : بَيِّنَةٌ .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : البصائر ، الهدى . بصائر ما في قلوبهم لذنوبهم .(7/494)
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وما كنت بجانب الغربي } قال : جانب غربي الجبل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { وما كنت ثاوياً } قال : الثاوي ، المقيم .(7/495)
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)
أخرج الفريابي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } قال : نودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني ، واستجبت لكم قبل أن تدعوني . وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال « إن رب العزة نادى يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي » ثم أنزل هذه الآية في سورة موسى وفرعون { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } .
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل وأبو نصر السجزي في الابانة والديلمي عن عمرو بن عبسة قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك } ما كان النداء؟ وما كانت الرحمة؟ قال « كتاب كتبه الله قبل أن يخلق خلقه بألفي عام ، ثم وضعه على عرشه ، ثم نادى : يا أمة محمد سبقت رحمتي غضبي ، أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني ، فمن لقيني منكم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبدي ورسولي صادقاً أدخلته الجنة » .
وأخرج الحلي في الديباج عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعاً ، مثله .
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته قبل أن يسألني . وذلك في قوله { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } قال : نودوا يا أمة محمد ما دعوتمونا إلا استجبنا لكم ، ولا سألتمونا إلا أعطيناكم » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لما قرب الله موسى إلى طور سينا نجينا قال : أي رب هل أحد أكرم عليك مني؟ قربتني نجيا ، وكلمتني تكليماً ، قال : نعم . محمد أكرم علي منك . قال : فإن كان محمد أكرم عليك مني فهل أمة محمد أكرم من بني إسرائيل؟ فلقت لهم البحر ، وأنجيتهم من فرعون وعمله ، وأطعمتهم المن والسلوى . قال : نعم . أمة محمد أكرم علي من بني إسرائيل . قال : إلهي أرنيهم قال : إنك لن تراهم ، وإن شئت أسمعتك صوتهم . قال : نعم . إلهي فنادى ربنا : أمة محمد أجيبوا ربكم ، فاجابوا وهم في أصلاب آبائهم ، وأرحام امهاتهم إلى يوم القيامة . فقالوا : لبيك . . . أنت ربنا حقاً ، ونحن عبيدك حقاً ، قال : صدقتم ، وأنا ربكم وأنتم عبيدي حقاً قد غفرت لكم قبل أن تدعوني ، وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، فمن لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة . قال ابن عباس رضي الله عنهما : فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم أراد أن يمن عليه بما اعطاه وبما أعطى امته فقال : يا محمد { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } » .(7/496)
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نصر السجزي في الابانة عن مقاتل { وما كنت بجانب الطور } يقول : وما كنت أنت يا محمد بجانب الطور إذ نادينا أمتك وهم في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } قال : إذ نادينا موسى { ولكن رحمة من ربك } أي مما قصصنا عليك .(7/497)
وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)
أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « » الهالك في الفترة يقول : رب لم يأتني كتاب ولا رسول . ثم قرأ هذه الآية { ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين } « .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا ساحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون } قال : هم أهل الكتاب . يقول بالكتابين التوراة والفرقان فقال الله { قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين } .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { لولا أوتي مثل ما أوتي موسى } قال : يهود تأمر قريشاً أن تسأل محمداً { مثل ما أوتي موسى . . . من قبل } يقول الله لمحمد : قل لقريش يقولون لهم { أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا ساحران تظاهرا } قال : قول يهود لموسى وهارون { وقالوا إنا بكل كافرون } قال : يهود تكفر أيضاً بما أوتي محمد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل } قال : من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج الطبراني عن ابن الزبير رضي الله عنه أنه كان يقرأ { قالوا ساحران تظاهرا } .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ { قالوا ساحران تظاهرا } قال : موسى وهارون .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ » ساحران تظاهرا « بالألف قال : يعني موسى ومحمداً عليهما السلام .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه أنه كان يقرأ { سحران تظاهرا } قال : هما كتابان .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه { قالوا ساحران تظاهرا } يقول : التوراة والفرقان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه { قالوا ساحران تظاهرا } قال : التوراة والفرقان حين صدق كل واحد منهما صاحبه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عاصم الجحدري أنه كان يقرأ { سحران تظاهرا } يقول : كتابان التوراة والفرقان . ألا تراه يقول { فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه قال : لو كان يريد النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل { فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه } إنما أراد الكتابين .(7/498)
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي رزين رضي الله عنه أنه كان يقرأها { سحران تظاهرا } يقول : كتابان التوراة والإِنجيل .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { قالوا سحران تظاهرا } قال : ذلك اعداء الله اليهود للإِنجيل والقرآن قال : ومن قرأها « ساحران » يقول : محمد وعيسى .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الكريم أبي أمية قال : سمعت عكرمة يقول { سحران } فذكرت ذلك لمجاهد فقال : كذب العبد قرأتها على ابن عباس « ساحران » فلم يُعِبْ علي .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن مجاهد قال : سألت ابن عباس رضي الله عنهما وهو بين الركن والباب والملتزم وهو متكىء على يدي عكرمة فقلت : أسحران تظاهرا ، أم ساحران؟ فقلت ذلك مراراً فقال عكرمة « ساحران تظاهرا » اذهب أيها الرجل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه { وقالوا إنا بكل كافرون } يقول : بالتوراة والقرآن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد { وقالوا إنا بكل كافرون } قال : الذي جاء به موسى ، والذي جاء به عيسى .(7/499)
وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو القاسم البغوي في معجمه والباوردي وابن قانع الثلاثة في معاجم الصحابة والطبراني وابن مردويه بسند جيد عن رفاعة القرظي رضي الله عنه قال : نزلت { ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون } إلى قوله { أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا } في عشرة رهط : انا أحدهم .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { ولقد وصلنا لهم } قال : لقريش { القول } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه { ولقد وصلنا لهم القول } قال : بَيَّنا .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { ولقد وصلنا لهم القول } قال : وصل الله لهم القول في هذا القرآن يخبرهم كيف يصنع بمن مضى ، وكيف صنعوا ، وكيف هو صانع .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي رفاعة رضي الله عنه قال : خرج عشرة رهط من أهل الكتاب - منهم أبو رفاعة - إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا ، فأوذوا ، فنزلت { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر عن علي بن رفاعة رضي الله عنه قال : كان أبي من الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب ، وكانوا عشرة ، فلما جاؤوا جعل الناس يستهزئون بهم ، ويضحكون منهم ، فأنزل الله { أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا } .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه { الذين آتيناهم الكتاب } إلى قوله { لا نبتغي الجاهلين } قال : في مسلمة أهل الكتاب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } قال : كنا نحدث أنها أنزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق يأخذون بها ، وينتهون إليها ، حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وصبرهم على ذلك قال : وذكر لنا أن منهم سلمان ، وعبد الله بن سلام .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } قال : يعني من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب .
وأخرج ابن مردويه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : تداولتني الموالي حتى وقعت بيثرب ، فلما يكن في الأرض قوم أحب إلي من النصارى ، ولا دين أحب إلي من النصرانية ، لما رأيت من اجتهادهم ، فبينا أنا كذلك إذ قالوا : قد بعث في العرب نبي ، ثم قالوا : قدم المدينة فاتيته فجعلت أسأله عن النصارى قال : لا خير في النصارى ، ولا أحب النصارى قال : فاخبرته أن صاحبي قال : لو أدركته فأمرني أن أقع النار لوقعتها قال : وكنت قد استهترت بحب النصارى ، فحدثت نفسي بالهرب ، وقد جرد رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف ، فأتاني آتٍ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فقلت : اذهب حتى أجيء وأنا أحدث نفسي بالهرب قال لي : لن افارقك حتى أذهب بك إليه ، فانطلقت به فلما رآني قال : يا سلمان قد أنزل الله عذرك { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } .(7/500)
وأخرج الطبراني والخطيب في تاريخه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : أنا رجل من أهل رام هرمز ، كنا قوماً مجوساً ، فأتانا رجل نصراني من أهل الجزيرة ، فنزل فينا واتخذ فينا ديراً ، وكنت في كتاب في الفارسية ، وكان لا يزال غلام معي في الكتاب يجيء مضروباً يبكي قد ضربه أبواه .
فقلت له يوماً : ما يبكيك؟ قال : يضربني أبواي قلت : ولم يضربانك؟ قال : آتي صاحب هذا الدير ، فإذا علما ذلك ضرباني ، وأنت لو أتيته سمعت منه حديثاً عجيباً قلت : فاذهب بي معك ، فاتيناه فحدثنا عن بدء الخلق ، وعن بدء مغلق السموات والأرض ، وعن الجنة والنار . فحدثنا باحاديث عجب ، وكنت أختلف إليه معه ، ففطن لنا غلمان من الكتاب ، فجعلوا يجيئون معنا .
فلما رأى ذلك أهل القرية أتوه فقالوا : يا هذا إنك قد جاورتنا فلم نر من جوارك إلا الحسن ، وإننا لنا غلماننا يختلفون إليك ، ونحن نخاف أن تفسدهم علينا ، أخرج عنا قال : نعم . فقال لذلك الغلام الذي كان يأتيه : اخرج معي . قال : لا أستطيع ذلك قد علمت شدة أبوي علي قلت : لكنني أخرج معك ، وكنت يتيماً لا أب لي ، فخرجت معه فأخذنا جبل رام هرمز ، فجعلنا نمشي ونتوكل ونأكل من ثمر الشجر حتى قدمنا الجزيرة ، فقدمنا نصيبين فقال لي صاحبي : يا سلمان ان ههنا قوماً عباد الأرض ، وأنا أحب أن ألقاهم .
فجئنا إليهم يوم الأحد وقد اجتمعوا ، فسلم عليهم صاحبي فحيوه وبشوا به وقالوا : أين كان غيبتك؟ قال : كنت في اخوان لي من قبل فارس ، فتحدثنا ما تحدثنا ثم قال لي صاحبي : قم يا سلمان انطلق قلت : لا ، دعني مع هؤلاء قال : إنك لا تطيق ما يطيق هؤلاء ، يصومون الأحد إلى الأحد ، ولا ينامون هذا الليل ، فإذا فيهم رجل من أبناء الملوك ترك الْمُلْكَ ودخل في العبادة ، فكنت فيهم حتى أمسينا ، فجعلوا يذهبون واحداً واحداً إلى غاره الذي يكون فيه ، فلما أمسينا قال : ذاك الذي من أبناء الملوك هذا الغلام ما تصنعونه؟ ليأخذه رجل منكم فقالوا : خذه أنت .
فقال لي : قم يا سلمان فذهب بي حتى أتى غاره الذي يكون فيه فقال لي : يا سلمان هذا خبز ، وهذا أدم ، فكل إذ غرثت ، وصم إذا نشطت ، وصَلِ ما بدا لك ، ونم إذا كسلت ، ثم قام في صلاته فلم يكلمني ولم ينظر الي ، فأخذني الغم تلك السبعة الأيام لا يكلمني أحد ، حتى كان الأحد فانصرف إلي ، فذهبت إلى مكانهم الذي كانوا يجتمعون ، وهم يجتمعون كل أحد يفطرون فيه ، فيلقى بعضهم بعضاً ، فيسلم بعضهم على بعض ، ثم لا يلتقون إلى مثله .(8/1)
فرجعت إلى منزلنا فقال لي : مثل ما قال لي أول مرة : هذا خبز وهذا أدم فكل منه إذا غرثت ، وصم إذا نشطت ، وصلِّ ما بدا لك ، ونم إذا كسلت ، ثم دخل في صلاته فلم يلتفت إلي ولم يكلمني إلى الأحد الآخر ، فاخذني غم ، وحدثت نفسي بالفرار ، فقلت : اصبر أحدين أو ثلاثة ، فلما كان الأحد رجعنا إليهم ، فافطروا واجتمعوا فقال لهم : إني أريد بيت المقدس . فقالوا له : وما تريد إلى ذاك؟ قال : لا عهد به قالوا : إنا نخاف أن يحدث بك حدث فيليك غيرنا ، وكنا نحب أن نليك قال : لا عهد به .
فلما سمعته يذكر ذاك فرحت قلت : نسافر ونلقى الناس فيذهب عني الغم الذي كنت أجد ، فخرجت أنا وهو وكان يصوم من الأحد إلى الأحد ، ويصلي الليل كله ، ويمشي بالنهار ، فإذا نزلنا قام يصلي . فلم يزل ذاك دأبه حتى نزلنا بيت المقدس ، وعلى الباب رجل مقعد يسأل الناس فقال : اعطني . فقال : ما معي شيء ، فدخلنا بيت المقدس ، فلما رآه أهل بيت المقدس بشوا به واستبشروا به فقال لهم : غلامي هذا فاستوصوا به ، فانطلقوا بي فاطعموني خبزاً ولحماً ، ودخل في الصلاة فلم ينصرف إلي حتى كان يوم الأحد الآخر ، ثم انصرف فقال لي : يا سلمان إني أريد أن أضع رأسي ، فإذا بلغ الظل مكان كذا وكذا فايقظني . فبلغ الظل الذي قال فلم أوقظه رحمة له مما رأيت من اجتهاده ونصبه ، فاستيقظ مذعوراً فقال : يا سلمان ألم أكن قلت لك إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا فأيقظني؟ قلت : بلى . ولكن إنما منعني رحمة لك لما رأيت من دأبك قال : ويحك يا سلمان . . ! إني أكره أن يفوتني شيء من الدهر لم أعمل فيه لله خيراً .
ثم قال لي : يا سلمان اعلم أن أفضل ديننا اليوم النصرانية . قلت : ويكون بعد اليوم دين أفضل من النصرانية؟ كلمة ألقيت على لساني . قال : نعم . يوشك أن يبعث نبي يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، وبين كتفيه خاتم النبوة ، فإذا أدركته فاتبعه وصدقه قلت : وإن أمرني أن أدع النصرانية؟ قال : نعم . فإنه نبي الله لا يأمر إلا بالحق ، ولا يقول إلا حقاً ، والله لو أدركته ثم أمرني أن أقع في النار لوقعتها .
ثم خرجنا من بيت المقدس ، فمررنا على ذلك المقعد فقال له : دخلت فلم تعطني وهذا تخرج فاعطني .(8/2)
فالتفت فلم ير حوله أحداً قال : فاعطني يدك ، فأخذ بيده فقال : قم باذن الله . فقام صحيحاً سوياً ، فتوجه نحو أهله ، فاتبعته بصري تعجباً مما رأيت ، وخرج صاحبي فأسرع المشي ، وتبعته فتلقاني رفقة من كلب اعراب ، فسبوني فحملوني على بعير ، وشدوني وثاقاً فتداولني البياع حتى سقطت إلى المدينة ، فاشتراني رجل من الأنصار ، فجعلني في حائط له من نخل ، فكنت فيه ومن ثم تعلمت الخوص ، أشتري خوصاً بدرهم فاعلمه فابيعه بدرهمين ، فأرد درهماً إلى الخوص واستنفق درهماً أحب أن آكل من عمل يدي ، « فبلغنا ونحن بالمدينة أن رجلاً خرج بمكة يزعم أن الله أرسله ، فمكثنا ما شاء الله أن نمكث ، فهاجر إلينا وقدم علينا فقلت : والله لأجربنه فذهبت إلى السوق ، فاشتريت لحم جزور ثم طحنته ، فجعلت قصعة من ثريد ، فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي حتى وضعتها بين يديه فقال : ما هذه . . أصدقة أم هدية؟قلت : بل صدقة فقال لأصحابه : كلوا بسم الله . وأمسك ولم يأكل ، فمكثت أيام ، ثم اشتريت لحماً أيضاً بدرهم ، فاصنع مثلها فاحتملتها حتى أتيته بها ، فوضعتها بين يديه فقال : ما هذه . . . صدقة أم هدية؟ فقلت : بل هدية . فقال لأصحابه : كلوا بسم الله وأكل معهم . قلت : هذا - والله - يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، فرأيت بين كتفيه خاتم النبوّة مثل بيضة الحمامة ، فاسلمت .
فقلت له ذات يوم : يا رسول الله أي قوم النصارى؟ قال : لا خير فيهم ولا فيمن يحبهم قلت في نفسي : أنا - والله - أحبهم . قال : وذاك حين بعث السرايا وجرد السيف . فسرية تخرج وسرية تدخل والسيف يقطر قلت : يحدث بي الآن أني أحبهم ، فيبعث إلي فيضرب عنقي ، فقعدت في البيت فجاءني الرسول ذات يوم فقال : يا سلمان أجب رسول الله قلت : هذا - والله - الذي كنت أحذر قلت : نعم . اذهب حتى ألحقك قال : لا والله حتى تجيء ، وأنا أحدث نفسي أن لو ذهب فأفر .
فانطلق بي حتى انتهيت إليه ، فلما رآني تبسم وقال لي : يا سلمان ابشر فقد فرج الله عنك ، ثم تلا على هؤلاء الآيات { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } إلى قوله { لا نبتغي الجاهلين } قلت : يا رسول الله - والذي بعثك بالحق - سمعته يقول : لو أدركته فأمرني أن أقع في النار لوقعتها ، إنه نبي لا يقول إلا حقاً ، ولا يأمر إلا بالحق » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } قال : « نزلت في عبد الله بن سلام لما أسلم أحب أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعظمته في اليهود ، ومنزلته فيهم ، وقد ستر بينه وبينهم ستراً فكلمهم ودعاهم فأبوا فقال : أخبروني عن عبد الله بن سلام كيف هو فيكم؟ قالوا : ذاك سيدنا وأعلمنا قال : أرأيتم إن آمن بي وصدقني أتؤمنون بي وتصدقوني؟ قالوا : لا يفعل ذاك . هو أفقه فينا من أن يدع دينه ويتبعك ، قال أرأيتم إن فعل؟ قالوا : لا يفعل قال : أرأيتم إن فعل؟ قالوا إذاً نفعل . . قال : أخرج يا عبد الله بن سلام فخرج فقال : أبسط يدك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فبايعه ، فوقعوا به وشتموه وقالوا : والله ما فينا أحد أقل علماً منه ، ولا أجهل بكتاب الله منه قال : ألم تثنوا عليه آنفاً؟ قالوا : انا استحينا أن تقول اغتبتم صاحبكم من خلفه . فجعلوه يشتمونه فقام إليه أمين بن يامين فقال : أشهد أن عبد الله بن سلام صادق ، فابسط يدك فبايعه ، فأنزل الله فيهم { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ، وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين } يعني إبراهيم واسمعيل وموسى وعيسى وتلك الأمم وكانوا على دين محمد صلى الله عليه وسلم » .(8/3)
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنيس رضي الله عنه في قوله { أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا } قال : هؤلاء قوم كانوا في زمان الفترة متمسكين بالإِسلام ، مقيمين عليه ، صابرين على ما أوذوا ، حتى أدرك رجال منهم النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : لما أتى جعفر وأصحابه النجاشي أنزلهم ، واحسن إليهم ، فلما أرادوا أن يرجعوا قال من آمن من أهل مملكته : ائذن لنا فلنصحب هؤلاء في البحر ، ونأتي هذا النبي فنحدث به عهداً ، فانطلقوا فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشهدوا معه أحداً وخيبر ولم يصب أحد منهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ائذن لنا فلنأت أرضنا فإن لنا أموالاً فنجيء بها فننفقها على المهاجرين ، فانا نرى بهم جهداً ، فأذن لهم فانطلقوا ، فجاؤوا بأموالهم فانفقوها على المهاجرين ، فأنزلت فيهم الآية { أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون } .
وأخرج ابن ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال : إن قوماً من المشركين أسلموا فكانوا يؤذونهم ، فنزلت هذه الآية فيهم { أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه . . . } قال : أناس من أهل الكتاب أسلموا فكان أناس من اليهود إذا مروا عليهم سبوهم ، فأنزل الله هذه الآية فيهم .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين } قال : لا يجاورون أهل الجهل والباطل في باطلهم ، أتاهم من الله ما وقذهم عن ذلك .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بالكتاب الأول والكتاب الآخر . ورجل كانت له أمة فأدبها وأحسن تأديبها ، ثم أعتقها وتزوجها . وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ، ونصح لسيده » .
وأخرج أحمد والطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أسلم من أهل الكتاب فله أجره مرتين » .(8/4)
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
أخرج عبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال » يا عماه قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله يوم القيامة « . فقال : لولا أن تعيرني قريش يقولون : ما حمله عليها إلا جزعه من الموت لأقررت بها عينك فأنزل الله عليك { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن ابن المسيب نحوه ، وتقدم في سورة براءة .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إنك لا تهدي من أحببت } قال : نزلت هذه الآية في أبي طالب .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود في القدر والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد بن رافع قال : قلت لابن عمر { إنك لا تهدي من أحببت } أفي أبي طالب نزلت؟ قال : نعم .
وأخرج ابن عساكر عن أبي سعيد بن رافع قال : سألت ابن عمر رضي الله عنهما { إنك لا تهدي من أحببت } أفي أبي جهل وأبي طالب؟ قال : نعم .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إنك لا تهدي من أحببت } قال : « قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب : قل كلمة الاخلاص أجادل عنك بها يوم القيامة قال : يا ابن أخي ملة الأشياخ { وهو أعلم بالمهتدين } قال : ممن قدر الهدى والضلالة » .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { إنك لا تهدي من أحببت } قال : « ذكر لنا أنها نزلت في أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : التمس منه عند موته أن يقول لا إله إلا الله كيما تحل له الشفاعة ، فأبى عليه » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { إنك لا تهدي من أحببت } يعني أبا طالب { ولكن الله يهدي من يشاء } قال : العباس .
وأخرج أبو سهل السري بن سهل الجنديسابوري في الخامس من حديثه من طريق عبد القدوس عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } قال : نزلت في أبي طالب . ألح عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلم فأبى . فأنزل الله { إنك لا تهدي من أحببت } أي لا تقدر تلزمه الهدى وهو كاره له إنما أنت نذير { ولكن الله يهدي من يشاء } للايمان .(8/5)
وأخرج أيضاً من طريق عبد القدوس عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله { إنك لا تهدي من أحببت } قال : « نزلت في أبي طالب عند موته ، والنبي صلى الله عليه وسلم عند رأسه وهو يقول : يا عم قل لا إله إلا الله أشفع لك بها يوم القيامة . قال أبو طالب : لا . يعيرني نساء قريش بعدي إني جزعت عند موتي ، فأنزل الله { إنك لا تهدي من أحببت } يعني لا تقدر أن تلزمه الهدى وهو يهوى الشرك ، ولا تقدر تدخله الإِسلام كرهاً حتى يهواه { ولكن الله يهدي من يشاء } أن يقهره على الهدى كرهاً لفعل وليس بفاعل حتى يكون ذلك منه . فاخبر الله بقدرته وهو كقوله { لعلك باخع نفسك أَلاَّ يكونوا مؤمنين ، إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } [ الشعراء : 3-4 ] فأخبر بقدرته أنه لا يعجزه شيء » .
وأخرج العقيلي وابن عدي وابن مردويه والديلمي وابن عساكر وابن النجار عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « بعثت داعياً ومبلغاً وليس الي من الهدى شيء ، وخلق إبليس مزيناً ومبلغاً وليس إليه من الضلالة شيء » .(8/6)
وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن ناساً من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن نتبعك يتخطفنا الناس ، فأنزل الله تعالى { وقالوا إن نتبع الهدى معك . . . } الآية .
وأخرج النسائي وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن الحارث بن عامر بن نوفل الذي قال : { إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { أو لم نمكن لهم حرماً آمنا } قال : كان أهل الحرم آمنين يذهبون حيث شاءوا فإذا خرج أحدهم قال : إنا من أهل الحرم لم يعرض له أحد ، وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قتل وسلب .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله { أو لم نمكن لهم حرماً آمناً } قال : أو لم يكونوا آمنين في حرمهم لا يغزون فيه ، ولا يخافون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { نتخطف } قال : كان بعضهم يغير على بعض .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يجبى إليه ثمرات كل شيء } قال : ثمرات الأرض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً } قال : في أوائلها .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً } قال : أم القرى : مكة . بعث الله إليهم رسولاً محمداً صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون } قال : قال الله لم نهلك قرية بايمان ، ولكنه أهلك القرى بظلم إذا ظلم أهلها ، ولو كانت مكة آمنوا لم يهلكوا مع من هلك ، ولكنهم كذبوا وظلموا فبذلك هلكوا .(8/7)
أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
أخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا } قال : نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وفي أبي جهل .
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { أفمن وعدناه . . . } الآية . قال : نزلت في حمزة . وأبي جهل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه } قال : حمزة بن عبد المطلب { كمن متعناه متاع الحياة الدنيا } قال : أبو جهل بن هشام .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه } قال : هو المؤمن . سمع كتاب الله فصدق به ، وآمن بما وعد فيه من الخير والجنة { كمن متعناه متاع الحياة الدنيا } قال : هو الكافر . ليس كالمؤمن { ثم هو يوم القيامة من المحضرين } قال : من المحضرين في عذاب الله .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن مسروق رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية { أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيها } .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { من المحضرين } قال : أهل النار أحضروها .
وأخرج البخاري في تاريخه عن عطاء بن السائب قال : كان ميمون بن مهران إذا قدم ينزل على سالم البراد ، فقدم قدمة فلم يلقه فقالت له امرأته : إن أخاك قرأ { أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه } قالت : فشغل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : من استطاع منكم أن يضع كنزه حيث لا يأكله السوس فليفعل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب رضي الله عنه قال : مكتوب في التوراة : ابن آدم ضع كنزك عندي فلا غرق ، ولا حرق ، أدفعه إليك أفقر ما تكون إليه يوم القيامة .
وأخرج مسلم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يقول الله عز وجل يا ابن آدم مرضت فلم تعدني ، فيقول : رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول : أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده ، فأما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ، ويقول : يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني ، فيقول : رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ فيقول تبارك وتعالى : أما علمت أن عبدي فلاناً استسقاك فلم تسقه ، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي . قال : ويقول : يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني : فيقول : أي رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول : أما علمت أن عبدي فلاناً استطعمك فلم تطعمه ، أما أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي » .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عبد الله بن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال : « يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا ، وأعطش ما كانوا ، وأعرى ما كانوا ، فمن أطعم لله عز وجل أطعمه الله ، ومن كسا لله عز وجلّ كساه الله ، ومن سقى لله عز وجلّ سقاه الله ، ومن كان في رضا الله كان الله على رضاه أقدر » .(8/8)
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون } قال : هؤلاء بنو آدم { قال الذين حق عليهم القول } قال : هم الجن { ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم . . . } الآية . وقيل لبني آدم { ادعو شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم } ولم يردوا عليهم خيراً .(8/9)
وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67)
أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد والنسائي والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من أحد إلا سيخلو الله به كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر فيقول : يا ابن آدم ما غرك بي ، يا ابن آدم ماذا عملت فيما عملت؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟ » .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { فعميت عليهم الأنباء } قال : الحجج { يومئذ فهم لا يتساءلون } قال : بالأنساب .(8/10)
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)
وأخرج ابن أبي حاتم عن أرطاة قال : ذكرت لأبي عون الحمصي شيئاً من قول القدر فقال : ما تقرأون كتاب الله تعالى { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة } ؟ .
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمر كما يعلمنا السورة من القرآن . يقول : « إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب . اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ، ومعاشي ، وعاقبة أمري ، وعاجل أمري وآجله ، فاقدره لي ، ويسره لي . وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ، ومعاشي ، وعاقبة أمري ، وعاجل أمري وآجله ، فاصرفه عني ، واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، وأرضني به . ويسمى حاجته باسمها » .(8/11)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إن جعل الله عليكم الليل سرمداً } قال : دائماً .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { سرمداً } قال : دائماً لا ينقطع .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله { سرمداً إلى يوم القيامة } قال : دائماً { من إله غير الله يأتيكم بضياء } قال . بنهار .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج { ومن رحمته جعل لكم الليل لتسكنوا فيه } قال : في الليل { ولتبتغوا من فضله } قال : في النهار .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ونزعنا من كل أمة شهيداً } قال : رسولاً { فقلنا هاتوا برهانكم } قال : هاتوا حجتكم بما كنتم تعبدون وتقولون .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { ونزعنا من كل أمة شهيداً } قال : شهيدها : نبيها . ليشهد عليها أنه قد بلغ رسالات ربه { فقلنا هاتوا برهانكم } قال : بَيّنَتَكُمْ .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { وضلّ عنهم } في القيامة { ما كانوا يفترون } يكذبون في الدنيا .(8/12)
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { إن قارون كان من قوم موسى } قال : كان ابن عمه ، وكان يبتغي العلم حتى جمع علماً ، فلم يزل في أمره ذلك حتى بغى على موسى وحسده . فقال له موسى عليه السلام : إن الله أمرني أن آخذ الزكاة ، فأبى فقال : إن موسى عليه السلام يريد أن يأكل أموالكم . جاءكم بالصلاة ، وجاءكم بأشياء فاحتملتموها ، فتحملوه أن تعطوه أموالكم؟ قالوا : لا نحتمل فما ترى فقال لهم : أرى أن أرسل إلى بغي من بغايا بني إسرائيل ، فنرسلها إليه فترميه بأنه أرادها على نفسها .
فارسلوا إليها فقالوا لها : نعطيك حكمك على أن تشهدي على موسى أنه فجر بك . قالت : نعم . فجاء قارون إلى موسى عليه السلام قال : اجمع بني إسرائيل فأخبرهم بما أمرك ربك قال : نعم . فجمعهم فقالوا له : بم أمرك ربك؟ قال : أمرني أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تصلوا الرحم ، وكذا وكذا ، وقد أمرني في الزاني إذا زنى وقد أحصن أن يرجم . قالوا : وإن كنت أنت قال : نعم . قالوا : فإنك قد زنيت قال : أنا . فأرسلوا إلى المرأة ، فجاءت فقالوا : ما تشهدين على موسى؟ فقال لها موسى عليه السلام : أنشدك بالله إلا ما صدقت قالت : أما إذ نشدتني بالله فإنهم دعوني وجعلوا لي جعلاً على أن أقذفك بنفسي ، وأنا أشهد أنك بريء ، وأنك رسول الله ، فخر موسى عليه السلام ساجداً يبكي ، فأوحى الله إليه : ما يبكيك؟ قد سلطناك على الأرض ، فمرها فتطيعك .
فرفع رأسه فقال : خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم ، فجعلوا يقولون : يا موسى . . . يا موسى . . . فقال : خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم ، فجعلوا يقولون : يا موسى . . . يا موسى . . . فقال : خذيهم فغيبتهم فأوحى الله يا موسى : سألك عبادي وتضرعوا إليك فلم تجبهم ، وعزتي لو أنهم دعوني لأجبتهم . قال ابن عباس : وذلك قوله تعالى { فخسفنا به وبداره الأرض } وخسف به إلى الأرض السفلى .
وأخرج الفريابي عن إبراهيم رضي الله عنه قال : كان قارون ابن عم موسى .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { إن قارون كان من قوم موسى } قال : كان ابن عمه أخي أبي قارون بن مصر بن فاهث أو قاهث ، وموسى بن عرمرم بن فاهث أو قاهث ، وعرمرم بالعربية عمران .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله قال : كان قارون ابن عم موسى أخي أبيه ، وكان قطع البحر مع بني إسرائيل ، وكان يسمى النور من حسن صوته بالتوراة ، ولكن عدوّ الله نافق كما نافق السامري ، فأهلكه الله ببغيه .(8/13)
وإنما بغى لكثرة ماله وولده .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { فبغى عليهم } قال : فعلا عليهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب رضي الله عنه في قوله { إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم } قال : زاد عليهم في طول ثيابه شبراً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه في قوله { وآتيناه من الكنوز } قال : أصاب كنزاً من كنوز يوسف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الوليد بن زوران رضي الله عنه في قوله { وآتيناه من الكنوز } قال : كان قارون يعلم الكيمياء .
وأخرج ابن مردويه عن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كانت أرض دار قارون من فضة ، وأساسها من ذهب » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن خيثمة رضي الله عنه قال : وجدت في الإِنجيل أن مفاتيح خزائن قارون كانت وقر ستين بغلاً غراً محجلةً ، ما يزيد منها مفتاح على أصبع ، لكل مفتاح كنز .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن خيثمة رضي الله عنه قال : كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود كل مفتاح على خزانة على حدة ، فإذا ركب حملت المفاتيح على سبعين بغلاً أغر محجلاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال : كانت المفاتيح من جلود الإِبل .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لتنوء بالعصبة } يقول : لا يرفعها العصبة من الرجال { أولي القوّة } .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { لتنوء بالعصبة } قال : لتثقل قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول امرىء القيس إذ يقول :
تمشي فتثقلها عجيزتها ... مشي الضعيف ينوء بالوسق
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال { العصبة } ما بين العشرة إلى الخمسة عشر { أولوا القوّة } خمسة عشر .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي قال { العصبة } ما بين الخمس عشرة إلى الأربعين .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال { العصبة } أربعون رجلاً .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : كنا نحدث أن { العصبة } ما فوق العشرة إلى الأربعين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح مولى أم هانىء قال { العصبة } سبعون رجلاً . قال : وكانت خزانته تُحْمَلُ على أربعين بغلاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { إذ قال له قومه لا تفرح } قال : هم المؤمنون منهم قالوا : يا قارون لا تفرح بما أوليت فتبطر .(8/14)
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إن الله لا يحب الفرحين } قال : المرحين ، الأشرين ، البطرين ، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم .
وأخرج الحاكم وصححه والطبراني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب والخرائطي في اعتلال القلوب عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله يحب كل قلب حزين » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان وقال : هذا متن منكر ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « زُرِ القبور تَذْكُر بها الآخرة ، واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو موعظة بليغة ، وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك ، فإن الحزين في ظل الله يوم القيامة » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إن الله لا يحب الفرحين } قال : الفرح هنا البغي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { إن الله لا يحب الفرحين } قال : إن الله لا يحب الفرح بطراً { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة } قال : تصدق ، وقرب الله تعالى ، وصل الرحم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إن الله لا يحب الفرحين } قال : المرحين . وفي قوله { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا } يقول : لا تترك أن تعمل لله في الدنيا .
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { و لا تنس نصيبك من الدنيا } قال : أن تعمل فيها لآخرتك .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ولا تنس نصيبك من الدنيا } قال : العمل بطاعة الله نصيبه من الدنيا الذي يثاب عليه في الآخرة .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { ولا تنس نصيبك } قال : قدم الفضل ، وأمسك ما يبلغك - وفي لفظ - قال : امسك قوت سنة ، وتصدق بما بقي .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { ولا تنس نصيبك من الدنيا } قال : أن تأخذ من الدنيا ما أحل الله لك ، فإن لك فيه غنى وكفاية .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن منصور رضي الله عنه في قوله { ولا تنس نصيبك من الدنيا } قال : ليس هو عرض من عرض الدنيا ، ولكن هو نصيبك عمرك أن تقدم فيه لآخرتك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { قال إنما أوتيته على علم عندي } يقول على خير عندي ، وعلم عندي .(8/15)
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { إنما أوتيته على علم عندي } يقول : علم الله أني أهل لذلك .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } قال : المشركون . لا يسألون عن ذنوبهم ، ولا يحاسبون لدخول النار بغير حساب .
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } قال : كقوله { يعرف المجرمون بسيماهم } [ الرحمن : 41 ] سود الوجوه ، زرق العيون ، الملائكة لا تسأل عنهم قد عرفتهم .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فخرج على قومه في زينته } قال : خرج على براذين بيض ، عليها سرج من أرجوان ، وعليها ثياب معصفرة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه في قوله { فخرج على قومه في زينته } قال : في ثوبين أحمرين .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي الزبير رضي الله عنه قال : خرج قارون على قومه في ثوبين أحمرين بغير عصفر كالقرمز .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه في قوله { فخرج على قومه في زينته } قال : في ثياب صفر وحمر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في قوله { فخرج على قومه في زينته } قال : خرج في سبعين ألفاً عليهم المعصفرات ، وكان ذلك أول يوم في الأرض رؤيت المعصفرات فيها .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فخرج على قومه في زينته } قال : في حشمه . وذكر لنا أنهم خرجوا على أربعة الاف دابة ، عليهم ثياب حمر ، منها ألف بغلة بيضاء وعلى دوابهم قطائف الأرجوان .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { فخرج على قومه في زينته } قال : خرج على بغلة شهباء عليها الأرجوان ، وعليها ثلاثمائة جارية ، على بغال شهب عليهن ثياب حمر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { فخرج على قومه في زينته } قال : خرج في جوار بيض ، على سروج من ذهب ، على قطف أرجوان ، وهن على بغال بيض ، عليهن ثياب حمر ، وحلى ذهب .
وأخرج ابن مردويه عن أوس بن أوس الثقفي « عن النبي صلى الله عليه وسلم { فخرج على قومه في زينته } قال » في أربعة آلاف بغل يعني عليه البزيون « » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدة بن أبي لبابة رضي الله عنه قال : أول من صبغ بالسواد قارون .(8/16)
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { قال الذين يريدون الحياة الدنيا } قال : أناس من أهل التوحيد قالوا : { يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون } وفي قوله { ولا يلقاها إلا الصابرون } يعني لا يلقى ثواب الله ، والصواب من القول .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { إنه لذو حظ عظيم } قال : ذو جد .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عبد الله بن الحرث رضي الله عنه؛ وهو ابن نوفل الهاشمي قال : بلغنا أن قارون أوتي من الكنوز والمال حتى جعل باب داره من ذهب ، وجعل داره كلها من صفائح الذهب ، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون ، يطعمهم الطعام ويتحدثون عنده ، وكان مؤذياً لموسى عليه الصلاة والسلام ، فلم تدعه القسوة والهوى حتى أرسل إلى امرأة من بني إسرائيل مذكورة بالجمال كانت تذكر بريبة فقال لها : هل لك أن أموّلك وأعطيك وأخلطك بنسائي على أن تأتيني والملأ من إسرائيل عندي فتقولين : يا قارون ألا تنهي موسى عني؟ فقالت : بلى . فلمّا جاء أصحابه واجتمعوا عنده ، دعا بها فقامت على رؤوسهم ، فقلب الله قلبها ورزقها التوبة فقالت : ما أجد اليوم توبة أفضل من أن أكذب عدو الله ، وأبرىء رسول الله عليه السلام فقالت : إن قارون بعث إلي فقال : هل لك أن أمولك وأعطيك وأخلطك بنسائي على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي ، وتقولين : يا قارون ألا تنهي موسى عني ، فإني لم أجد اليوم توبة أفضل من أن أكذب عدو الله ، وأبرىء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنكس قارون رأسه وعرف أنه قد هلك .
وفشا الحديث في الناس حتى بلغ موسى عليه السلام ، وكان موسى عليه السلام شديد الغضب . فلما بلغه توضأ ، ثم صلى وسجد وبكى وقال : يا رب . . . عدوك قارون كان لي مؤذياً ، فذكر أشياء ثم لم ينهاه حتى أراد فضيحتي . يا رب سلطني عليه . فأوحى الله إليه : أن مر الأرض بما شئت تطعك . فجاء موسى إلى قارون ، فلما رآه قارون عرف الغضب في وجهه فقال : يا موسى ارحمني فقال موسى عليه السلام : يا أرض خذيهم ، فاضطربت داره وخسف به وبأصحابه حتى تغيبت أقدامهم ، وساخت دارهم على قدر ذلك فقال قارون : يا موسى ارحمني فقال : يا أرض خذيهم ، فخسف به وبداره وبأصحابه ، فلما خسف به قيل له : « يا موسى ما أفظك أما وعزتي لو إياي دعا لرحمته » وقال أبو عمران الجوني : فقيل لموسى : لا أعبد في الأرض بعدك أحداً .
وأخرج الفريابي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فخسفنا به وبداره الأرض } قال : خسف به إلى الأرض السفلى .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق قتادة عن أبي ميمون عن سمرة بن جندب قال : يخسف بقارون وقومه في كل يوم قدر قامة ، فلا يبلغ الأرض السفلى إلى يوم القيامة .(8/17)
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال : ذكر لنا أنه يخسف به كل يوم قامة ، وأنه يتجلجل فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه ، مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال : إن الله أمر الأرض أن تطيعه ساعة .
وأخرج عبد بن حميد عن مالك بن دينار رضي الله عنه : أن قارون يخسف به كل يوم قامة .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال : لما خسف بقارون فهو يذهب وموسى قريب منه قال : يا موسى ادع ربك يرحمني . فلم يجبه موسى حتى ذهب . فأوحى الله إليه « استغاث بك فلم تغثه ، وعزتي وجلالي لو قال : يا رب لرحمته » .
وأخرج أحمد في الزهد عن عون بن عبد الله القاري عامل عمر بن عبد العزيز على ديوان فلسطين أنه بلغه : أن الله عز وجل أمر الأرض أن تطيع موسى عليه السلام في قارون ، فلما لقيه موسى قال للأرض : أطيعيني فأخذته إلى الركبتين ، ثم قال : أطيعيني فوارته في جوفها ، فأوحى الله إليه « يا موسى ما أشد قلبك ، وعزتي وجلالي لو بي استغاث لأغثته » قال : رب غضباً لك فعلت .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين } قال : ما كانت عنده منعة يمتنع بها من الله تعالى .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { ويكأن الله } يقول : أو لا يعلم { أن الله يبسط الرزق } وفي قوله { ويكأنه لا يفلح الكافرون } يقول : أو لا يعلم { أنه لا يفلح الكافرون } والله أعلم .(8/18)
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)
أخرج المحاملي والديلمي في مسند الفردوس عن أبي هريرة رضي الله عنه « عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً } قال : التجبر في الأرض ، والأخذ بغير الحق » .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مسلم البطين رضي الله عنه في قوله { للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً } قال : العلو التكبر في الأرض بغير الحق . والفساد الأخذ بغير الحق .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { لا يريدون علواً في الأرض } قال : بغيا .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { للذين لا يريدون علواً في الأرض } قال : تعظماً وتجبراً { ولا فساداً } قال : بالمعاصي .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { تلك الدار الآخرة . . . } قال : نجعل الدار الآخرة { للذين لا يريدون علواً في الأرض } قال : التكبر وطلب الشرف والمنزلة عند سلاطينها وملوكها { ولا فساداً } قال : لا يعملون بمعاصي الله ، ولا يأخذون المال بغير حقه { والعاقبة للمتقين } قال : الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله { لا يريدون علواً في الأرض } قال : الشرف والعز عند ذوي سلطانهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي معاوية الأسود في قوله { لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً } قال : لم ينازعوا أهلها في عزها ، ولا يجزعوا من ذلها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : إن الرجل ليحب أن يكون شسع نعله أفضل من شسع نعل صاحبه ، فيدخل في هذه الآية { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً } .
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو وال ، يرشد الضال ، ويعين الضعيف ، ويمر بالبقال والبيع فيفتح عليه القرآن ، ويقرأ { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً } ويقول : نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع ، في الولاة وأهل القدرة من سائر الناس .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما ، نحوه .
وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : « لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة فجلس على الأرض فقال : أشهد أنك لا تبغي علواً في الأرض ولا فساداً فأسلم » .(8/19)
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87)
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال : لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فبلغ الجحفة ، اشتاق إلى مكة ، فأنزل الله { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } إلى مكة .
وأخرج ابن مردويه عن علي بن الحسين بن واقد رضي الله عنه قال : كل القرآن مكي أو مدني غير قوله { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } فإنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة حين خرج مهاجراً إلى المدينة . فلا هي مكية ولا مدنية ، وكل آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة فهي مكية . فنزلت بمكة أو بغيرها من البلدان ، وكل آية نزلت بالمدينة بعد الهجرة فإنها مدنية . نزلت بالمدينة أو بغيرها من البلدان .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لرادك إلى معاد } قال : إلى مكة . زاد ابن مردويه { كما أخرجك منها } .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه { لرادك إلى معاد } قال : إلى مولدك؛ إلى مكة .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه ، مثله .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { لرادك إلى معاد } قال : الموت .
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه { لرادك إلى معاد } قال : الموت .
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه وأبو يعلى وابن جرير عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه { لرادك إلى معاد } قال : الآخرة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { لرادك إلى معاد } قال : إلى يوم القيامة .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه ، مثله .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } قال : يحييك يوم القيامة .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه { لرادك إلى معاد } قال : إن له معاداً يبعثه الله يوم القيامة ، ثم يدخله الجنة .
وأخرج الحاكم في التاريخ والديلمي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم { لرادك إلى معاد } قال : الجنة .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وأبو يعلى وابن المنذر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه { لرادك إلى معاد } قال : معاده الجنة ، وفي لفظ « معاده » آخرته .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { لرادك إلى معاد } قال : إلى معدنك من الجنة .(8/20)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } قال : لرادك إلى الجنة ، ثم سائلك عن القرآن .
وأخرج الفريابي عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله { لرادك إلى معاد } قال : إلى الجنة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { لرادك إلى معاد } قال : هذه مما كان يكتم ابن عباس رضي الله عنهما .
وأخرج ابن أبي حاتم عن نعيم القاري رضي الله عنه { لرادك إلى معاد } قال : إلى بيت المقدس .(8/21)
وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال : لما نزلت { كل من عليها فان } [ الرحمن : 26 ] قالت الملائكة : هلك أهل الأرض ، فلما نزلت { كل نفس ذائقة الموت } [ آل عمران : 18 ] قالت الملائكة : هلك كل نفس ، فلما نزلت { كل شيء هالك إلا وجهه } قالت الملائكة : هلك أهل السماء وأهل الأرض .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { كل نفس ذائقة الموت } قال : لما نزلت قيل : يا رسول الله فما بال الملائكة؟ فنزلت { كل شيء هالك إلا وجهه } فبين في هذه الآية فناء الملائكة والثقلين من الجن والانس وسائر عالم الله ، وبريته من الطير والوحش والسباع والأنعام ، وكل ذي روح أنه هالك ميت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه { كل شيء هالك إلا وجهه } يعني الحيوان خاصة من أهل السموات والملائكة ومن في الأرض وجميع الحيوان ، ثم تهلك السماء والأرض بعد ذلك ، ولا تهلك الجنة والنار وما فيهما ، ولا العرش ، ولا الكرسي .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما { كل شيء هالك إلا وجهه } إلا ما يريد به وجهه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { كل شيء هالك إلا وجهه } قال : إلا ما أريد به وجهه .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن سفيان قال { كل شيء هالك إلا وجهه } قال : إلا ما أريد به وجهه من الأعمال الصالحة .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر عن ابن عمر رضي الله عنهما . أنه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه ، يأتي الخربة يقف على بابها فينادي بصوت حزين : أين أهلك؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول { كل شيء هالك إلا وجهه } .
وأخرج أحمد في الزهد عن ثابت رضي الله عنه قال : لما مات موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام جالت الملائكة عليهم السلام في السموات يقولون : مات موسى عليه السلام فأي نفس لا تموت!(8/22)
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي رضي الله عنه في قوله { الم } { أحسب الناس أن يتركوا . . } قال : أنزلت في أناس بمكة قد اقروا بالإِسلام ، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لما نزلت آية الهجرة : إنه لا يقبل منكم قرار ولا إسلام حتى تهاجروا قال : فخرجوا عامدين إلى المدينة ، فأتبعهم المشركون فردوهم ، فنزلت فيهم هذه الآية ، فكتبوا إليهم أنه قد نزلت فيكم آية كذا وكذا فقالوا : نخرج فإن اتبعنا أحد قاتلناه . فخرجوا فاتبعهم المشركون ، فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا ، فأنزل الله فيهم { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم } [ النحل : 110 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { الم } { أحسب الناس . . . } قال نزلت في أناس من أهل مكة خرجوا يريدون النبي صلى الله عليه وسلم فعرض لهم المشركون فرجعوا ، فكتب إليهم إخوانهم بما نزل فيهم من القرآن فخرجوا ، فقتل من قتل وخلص من خلص ، فنزل القرآن { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآيات في القوم الذين ردهم المشركون إلى مكة ، وهؤلاء الآيات العشر مدنيات ، وسائرها مكي .
وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : نزلت في عمار بن ياسر يعذَّب في الله { أحسب الناس أن يتركوا . . } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : سمعت ابن عمير وغيره يقولون : كان أبو جهل لعنه الله يعذب عمار بن ياسر وأمه ، ويجعل على عمار درعاً من حديد في اليوم الصائف ، وطعن في حياة أمه برمح . ففي ذلك نزلت { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وهم لا يفتنون } قال : لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم { ولقد فتنا الذين من قبلهم } قال : ابتلينا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } قال : يبتلون { ولقد فتنا الذين من قبلهم } قال : ابتلينا الذين من قبلهم { فليعلمن الله الذين صدقوا } قال : ليعلم الصادق من الكاذب ، والطائع من العاصي ، وقد كان يقال : إن المؤمن ليضرب بالبلاء كما يفتن الذهب بالنار ، وكان يقال : إن مثل الفتنة كمثل الدرهم الزيف يأخذه الأعمى ويراه البصير .(8/23)
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه أنه كان يقرأ { فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } قال : يعلمهم الناس .
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : كان الله يبعث النبي إلى أمته فيلبث فيهم إلى انقضاء اجله في الدنيا ، ثم يقبضه الله إليه فتقول الأمة من بعده ، أو من شاء الله منهم : إنا على منهاج النبي وسبيله ، فينزل الله بهم البلاء فمن ثبت منهم على ما كان عليه فهو الصادق ، ومن خالف إلى غير ذلك فهو الكاذب .
وأخرج ابن ماجة وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : أول من أظهر اسلامه سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وسمية أم عمار ، وعمار ، وصهيب ، وبلال ، والمقداد ، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب ، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم ادراع الحديد ، فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأخذوه فأعطوه الولدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول : أحد أحد . . . والله تعالى أعلم .(8/24)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { أم حسب الذين يعملون السيئات } قال : الشرك .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { أن يسبقونا } قال : أن يعجزونا .(8/25)
مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7)
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه { من كان يرجو لقاء الله } قال : من كان يخشى البعث في الآخرة .(8/26)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قالت أمي : لا آكل طعاماً ولا أشرب شراباً حتى تكفر بمحمد ، فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يسجرون فاها بالعصا ، فنزلت هذه الآية { ووصينا الإِنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { ووصينا الإِنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما } قال : أنزلت في سعد بن مالك رضي الله عنه لما هاجر قالت امه : والله لا يظلني ظل حتى يرجع ، فأنزل الله في ذلك أن يحسن إليهما ، ولا يطيعهما في الشرك .(8/27)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله } إلى قوله { وليعلمن المنافقين } قال : أناس يؤمنون بألسنتهم ، فإذا أصابهم بلاء من الناس ، أو مصيبة في أنفسهم ، أو أموالهم ، فتنوا فجعلوا ذلك في الدنيا كعذاب الله في الآخرة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { ومن الناس من يقول آمنا بالله . . . } قال : كان أناس من المؤمنين آمنوا وهاجروا ، فلحقهم أبو سفيان فرد بعضهم إلى مكة فعذبهم ، فافتتنوا ، فأنزل الله فيهم هذا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه في قوله { فإذا أوذي في الله . . . } قال : إذا أصابه بلاء في الله عدل بعذاب الله عذاب الناس يرتد عن دين الله إذا أوذي في الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فتنة الناس . . . } قال : يرتد عن دين الله إذا أوذي في الله .
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن ماجة وأبو يعلى وابن حبان وأبو نعيم والبيهقي في شعب الإِيمان والضياء عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت علي ثالثة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما يواري ابط بلال » .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { ومن الناس من يقول آمنا بالله . . . } قال : ناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون ، فإذا أوذوا وأصابهم بلاء من المشركين ، رجعوا إلى الكفر والشرك مخافة من يؤذيهم ، وجعلوا اذى الناس في الدنيا كعذاب الله .
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { ومن الناس من يقول آمنا بالله } إلى قوله { وليعلمن المنافقين } قال : هذه الآيات نزلت في القوم الذين ردهم المشركون إلى مكة ، وهذه الآيات العشر مدنية .(8/28)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم } قال : قول كفار قريش بمكة لمن آمن منهم قالوا : لا نبعث نحن ولا أنتم ، فاتبعونا فإن كان عليكم شيء فعلينا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك { وقال الذين كفروا } هم القادة من الكفار { للذين آمنوا } لمن آمن من الاتباع { اتبعوا سبيلنا } ديننا ، واتركوا دين محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { وما هم بحاملين } قال : بفاعلين { وليحملن أثقالهم } قال : أوزارهم { وأثقالا مع أثقالهم } قال : أوزار من أضلوا .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر عن ابن الحنفية رضي الله عنه قال : كان أبو جهل وصناديد قريش يتلقون الناس إذا جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون ، يقولون : إنه يحرم الخمر ، ويحرم الزنا ، ويحرم ما كانت تصنع العرب ، فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم . فنزلت هذه الآية { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } قال : هي مثل التي في النحل { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم } [ النحل : 25 ] .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } قال : حملهم ذنوب أنفسهم ، وذنوب من اطاعهم ، ولا يخفف ذلك عمن اطاعهم من العذاب شيئاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أيما داع دعا إلى هدى فاتبع عليه وعمل به فله مثل أجور الذين اتبعوه ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، وأيما داع دعا إلى ضلالة فأتبع عليها وعمل بها فعليه مثل أوزار الذين اتبعوه ولا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً » قال عون : وكان الحسن رضي الله عنه مما يقرأ عليها { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم . . } إلى آخر الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي امامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « اياكم والظلم فإن الله يقول يوم القيامة : وعزتي لا يجيزني اليوم ظلم ، ثم ينادي مناد فيقول : أين فلان ابن فلان؟ فيأتي فيتبعه من الحسنات أمثال الجبال ، فيشخص الناس إليها أبصارهم ، ثم يقوم بين يدي الرحمن ، ثم يأمر المنادي ينادي : من كانت له تباعة أو ظلامة عند فلان ابن فلان فهلم ، فيقومون حتى يجتمعوا قياماً بين يدي الرحمن فيقول الرحمن : اقضوا عن عبدي فيقولون : كيف نقضي عنه؟ فيقول : خذوا له من حسناته . فلا يزالون يأخذون منها حتى لا تبقى منها حسنة ، وقد بقي من أصحاب الظلامات فيقول : اقضوا عن عبدي فيقولون : لم يبق له حسنة فيقول : خذوا من سيئاته ، فاحملوها عليه ، ثم نزع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } » .(8/29)
وأخرج أحمد عن حذيفة رضي الله عنه قال : سأل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك القوم ، ثم إن رجلاً أعطاه ، فأعطى القوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم « من سن خيراً فاستن به كان له أجره ومن أجور من تبعهم غير منتقص من أجورهم شيئاً ، ومن أسن شراً فاستن به كان عليه وزره ومن أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئاً » .
وأخرج الترمذي وحسنه وابن مردويه عن أبي هريرة وأبي الدرداء قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سيروا سبق المفردون . قيل : يا رسول الله ومن المفردون؟ قال : الذين يهترون في ذكر الله ، يضع الذكر عنهم أثقالهم ، فيأتون يوم القيامة خفافاً » .(8/30)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بعث الله نوحاً وهو ابن أربعين سنة ، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله ، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان عمر نوح عليه السلام قبل أن يبعث إلى قومه وبعدما بعث الفاً وسبعمائة سنة .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : قال لي ابن عمر رضي الله عنهما كم لبث نوح عليه السلام في قومه؟ قلت : الف سنة إلا خمسين عاماً ، قال : فإن من كان قبلكم كانوا أطول أعماراً ، ثم لم يزل الناس ينقصون في الأخلاق والآجال والأحلام والأجسام إلى يومهم هذا .
وأخرج ابن جرير عن عون بن أبي شداد رضي الله عنه قال : إن الله أرسل نوحاً عليه السلام إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة ، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة سنة .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الدنيا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : جاء ملك الموت إلى نوح عليه السلام فقال : يا أطول النبيين عمراً كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال : كرجل دخل بيتاً له بابان فوقف وسط الباب هنيهة ثم خرج من الباب الآخر .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فأخذهم الطوفان } قال : الماء الذي أرسل عليهم .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال { الطوفان } الغرق .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فأنجيناه وأصحاب السفينة } قال : نوح وبنوه ونساء بنيه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وجعلناها آية للعالمين } قال : أبقاها الله آية فهي على الجودي . والله أعلم .(8/31)
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { إنما تعبدون من دون الله أوثاناً } قال : أصناماً { وتخلقون إفكا } قال : تصنعون أصناماً .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الحسن في قوله { وتخلقون إفكا } قال : تنحتون .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وتخلقون إفكا } قال : تصنعون كذباً .
وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد ، مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { كيف يُبْدِئ الله الخلق ثم يعيده } قال : يبعثه . وفي قوله { فانظروا كيف بدأ الخلق } قال : خلق السموات والأرض { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } قال : البعث بعد الموت . وفي قوله { فما كان جواب قومه } قال : قوم إبراهيم . وفي قوله { فأنجاه الله من النار } قال : قال كعب ما أحرقت النار منه إلا وثاقه . وفي قوله { قال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا } قال : اتخذوها لثوابها في الحياة الدنيا { ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً } قال : صارت كل خلة في الدنيا عداوة على أهلها يوم القيامة إلا خلة المتقين . وفي قوله { فآمن له لوط } قال : فصدقة لوط { وقال إني مهاجر إلى ربي } قال : هاجرا جميعاً من كوثي : وهي من سواد الكوفة إلى الشام . وفي قوله { وآتيناه أجره في الدنيا } قال : عافية وعملاً صالحاً وثناء حسناً ، فلست تلقى أحداً من أهل الملل إلا يرضى إبراهيم يتولاه .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود رضي الله عنه أنه قرأ « وتخلقون افكا » خفيفتين وقرأ « اوثاناً مودة » منصوبة منونة « بينكم » نصب .
وأخرج ابن أبي شيبة عن جبلة بن سحيم قال : سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن صلاة المريض على العود قال : لا آمركم أن تتخذوا من دون الله أوثاناً . إن استطعت أن تصلي قائماً ، وإلا فقاعداً ، وإلا فمضطجعاً .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { النشأة الآخرة } قال : هي الحياة بعد الموت : وهو النشور .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فآمن له لوط } قال : صدق لوط إبراهيم عليهما السلام .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { وقال إني مهاجر إلى ربي } قال : هو إبراهيم عليه السلام القائل إني مهاجر إلى ربي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب رضي الله عنه في قوله { وقال إني مهاجر إلى ربي } قال : إلى حران .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج ، مثله .
وأخرج ابن عساكر عن قتادة في قوله { وقال إني مهاجر إلى ربي } قال : إلى الشام كان مهاجر .(8/32)
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « سيهاجر خيار أهل الأرض هجرة بعد هجرة إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام » .
وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال : أول من هاجر من المسلمين إلى الحبشة بأهله عثمان بن عفان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم « صحبهما الله إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط » .
وأخرج ابن منده وابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : هاجر عثمان إلى الحبشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم « إنه أول من هاجر بعد إبراهيم ولوط » .
وأخرج ابن عساكر والطبراني والحاكم في الكنى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما كان بين عثمان ورقية وبين لوط من مهاجر » .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أول من هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان كما هاجر لوط إلى إبراهيم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ووهبنا له إسحاق ويعقوب } قال : هما ولدا إبراهيم . وفي قوله { وآتيناه أجره في الدنيا } قال : إن الله رضي أهل الأديان بدينه ، فليس من أهل دين إلا وهم يتولون إبراهيم ويرضون به .
وأخرج ابن ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وآتيناه أجره في الدنيا } قال : الثناء .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { وآتيناه أجره في الدنيا } قال : الولد الصالح والثناء .(8/33)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنهما في قوله { وتقطعون السبيل } قال : الطريق إذا مر بهم المسافر ، وهو ابن السبيل قطعوا به وعملوا به ذلك العمل الخبيث .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله { وتأتون في ناديكم } قال : مجلسكم .
وأخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والشاشي في مسنده والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان وابن عساكر عن أم هانىء بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى { وتأتون في ناديكم المنكر } قال « كانوا يجلسون بالطريق فيخذفون ابن السبيل ويسخرون منهم » .
وأخرج ابن مردويه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ، وهو قول الله { وتأتون في ناديكم المنكر } .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله { وتأتون في ناديكم المنكر } قال : الخذف ، فقال رجل : وما لي قلت هكذا؟ فأخذ ابن عمر كفا من حصباء ، فضرب به وجهه وقال : في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخذ بالمعاريض .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وتأتون في ناديكم المنكر } قال : الخذف .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه { وتأتون في ناديكم المنكر } قال : كانوا يخذفون الناس .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخرائطي في مساوىء الأخلاق عن مجاهد في قوله { وتأتون في ناديكم المنكر } قال : كان يجامع بعضهم بعضاً في المجالس .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { وتأتون في ناديكم المنكر } قال كانوا يعملون الفاحشة في مجالسهم .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها في قوله { وتأتون في ناديكم المنكر } قال : الضراط .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن قول الله { وتأتون في ناديكم المنكر } ماذا كان المنكر الذي كانوا يأتون؟ قال : كانوا يتضارطون في مجالسهم ، يضرط بعضهم على بعض . والنادي هو المجلس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وتأتون في ناديكم المنكر } قال : الصفير ، ولعب الحمام ، والجلاهق ، وحل ازرار القباء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { قال إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها } قال : لا يلقى المؤمن إلا يرحم المؤمن ويحوطه حيثما كان وفي قوله { إلا امرأته كانت من الغابرين } قال : من الباقين في عذاب الله .(8/34)
وفي قوله { ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً } قال : ساء بقومه ظناً ، يتخوّفهم على اضيافه ، وضاق ذرعاً بضيفه مخافة عليهم . وفي قوله { إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء } قال : عذاباً من السماء . وفي قوله { ولقد تركنا منها آية بينة } قال : هي الحجارة التي أمطرت عليهم أبقاها الله .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولقد تركنا منها آية بينة } قال : عبرة .(8/35)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { فأخذتهم الرجفة } قال : الصيحة . وفي قوله { وكانوا مستبصرين } قال : في الضلالة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فأصبحوا في دارهم جاثمين } قال : ميتين . وفي قوله { وكانوا مستبصرين } قال : معجبين بضلالتهم . وفي قوله { فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً } قال : هم قوم لوط { ومنهم من أخذته الصيحة } قال : قوم صالح ، وقوم شعيب { ومنهم من خسفنا به الأرض } قال : قارون { ومنهم من أغرقنا } قال : قوم نوح ، وفرعون وقومه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { أرسلنا عليه حاصباً } قال : حجارة .(8/36)
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت } قال : هذا مثل ضربه الله للمشرك . انه لن يغني عنه إلهه شيئاً من ضعفه وقلة اجزائه ، مثل ضعف بيت العنكبوت .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء } قال : ذاك مثل ضربه الله لمن عبد غيره . إن مثله كمثل بيت العنكبوت .
وأخرج أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « العنكبوت شيطان مسخها الله ، فمن وجدها فليقتلها » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن ميسرة قال ( العنكبوت ) شيطان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : نسجت العنكبوت مرتين . مرة على داود عليه السلام . والثانية على النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج الخطيب عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « دخلت أنا وأبو بكر الغار ، فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب ، فلا تقتلوهن » .(8/37)
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)
أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن مرة قال : ما مررت بآية في كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنتني ، لأني سمعت الله تعالى يقول { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } .(8/38)
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } يقول : في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية رضي الله عنه في قوله { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } قال : الصلاة فيها ثلاث خلال : الاخلاص ، والخشية ، وذكر الله ، فكل صلاة ليس فيها من هذه الخلال فليس بصلاة . فالاخلاص يأمره بالمعروف ، والخشية تنهاه عن المنكر ، وذكر الله القرآن يأمره وينهاه .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع بن أنس رضي الله عنه أنه كان يقرأها { إن الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر } .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } فقال « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له » .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعداً » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الايمان عن الحسن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له . وفي لفظ لم يزدد بها من الله إلا بعداً » .
وأخرج الخطيب في رواة مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صلى صلاة لم تأمره بالمعروف وتَنْهَهُ عن المنكر لم تزده صلاته من الله إلا بعداً » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لا صلاة لمن لم يطع الصلاة ، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قيل له : إن فلاناً يطيل الصلاة قال : إن الصلاة لا تنفع إلا من أطاعها ، ثم قرأ { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : من لم تأمره الصلاة بالمعروف ، وتنهه عن المنكر ، لم يزدد من الله إلا بعداً .
وأخرج أحمد وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال(8/39)
« جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق قال : إنه سينهاه ما تقول » .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال : يا ابن آدم نما الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، فإن لم تنهك صلاتك عن الفحشاء والمنكر فإنك لست تصلي .
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صلى صلاة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عون الأنصاري في قوله { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر . . . } قال : إذا كنت في صلاة فأنت في معروف ، وقد حجزتك الصلاة عن الفحشاء والمنكر ، والذي أنت فيه من ذكر الله أكبر .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حماد بن أبي سليمان رضي الله عنه في قوله { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } قال : ما دمت فيها .
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } قال : القرآن الذي يقرأ في المساجد .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولذكر الله أكبر } قال : ولذكر الله لعباده إذا ذكروه أكبر من ذكرهم إياه .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عبد الله بن ربيعة قال : سألني ابن عباس رضي الله عنهما عن قول الله { ولذكر الله أكبر } فقلت : ذكر الله بالتسبيح ، والتهليل ، والتكبير . قال : لا . ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه ، ثم قرأ { اذكروني أذكركم } [ البقرة : 152 ] .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد وابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه { ولذكر الله أكبر } قال : ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله .
وأخرج ابن السني وابن مردويه والديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { ولذكر الله أكبر } قال » ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه « » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عطية رضي الله عنه في قوله { ولذكر الله أكبر } قال : هو قوله { فاذكروني أذكركم } فذكر الله إياكم أكبر من ذكركم اياه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { ولذكر الله أكبر } قال : لذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربه ، في الصلاة وغيرها .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن { ولذكر الله أكبر } يقول : لذكر الله إياكم إذا ذكرتموه أكبر من ذكركم اياه .(8/40)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن جابر قال : سألت أبا قرة عن قوله { ولذكر الله أكبر } قال : ذكر الله أكبر من ذكركم إياه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولذكر الله } عندما حرمه ، وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي مالك رضي الله عنه { ولذكر الله أكبر } قال : ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ولذكر الله أكبر } قال : لا شيء أكبر من ذكر الله .
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله . قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله قال : ولا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ، لأن الله تعالى يقول في كتابه { ولذكر الله أكبر } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والحاكم في الكنى والبيهقي في شعب الإِيمان عن عنترة قال : قلت لابن عباس رضي الله عنهما : أي العمل أفضل؟ قال : ذكر الله أكبر ، وما قعد قوم في بيت من بيوت الله يدرسون كتاب الله ويتعاطونه بينهم ، إلا أظلتهم الملائكة بأجنحتها ، وكانوا أضياف الله ما داموا فيه حتى يفيضوا في حديث غيره ، وما سلك رجل طريقاً يلتمس فيه العلم إلا سهل الله له طريقاً إلى الجنة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : ألا أخبركم بخير أعمالكم وأحبها إلى مليككم ، وأنماها في درجاتكم ، وخير من أن تلقوا عدوكم ، فيضربوا رقابكم ، وتضربوا رقابهم ، وخير من اعطاء الدنانير والدراهم . قالوا : وما هو يا أبا الدرداء؟ قال : ذكر الله { ولذكر الله أكبر } .
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت { ولذكر الله أكبر } وإن صليت فهو من ذكر الله ، وإن صمت فهو من ذكر الله ، وكل خير تعمله فهو من ذكر الله ، وأفضل من ذلك تسبيح الله .
وأخرج ابن جرير عن سلمان رضي الله عنه أنه سئل أي العمل أفضل؟ قال : أما تقرأ القرآن { ولذكر الله أكبر } لا شيء أفضل من ذكر الله . والله أعلم .(8/41)
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47)
أخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد في قوله { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم } قال : الذين قالوا : مع الله إله أو له ولد أو له شريك ، أو يد الله مغلولة ، أو الله فقير ونحن أغنياء ، أو آذى محمداً صلى الله عليه وسلم وهم أهل الكتاب . وفي قوله { وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم } قال : لمن يقول هذا منهم . يعني من لم يقل مع الله إله ، أو له ولد ، أو له شريك ، أو يد الله مغلولة ، أو الله فقيراً ، وآذى محمداً صلى الله عليه وسلم .
وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد في قوله { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } قال : إن قالوا شراً فقولوا خيراً { إلا الذين ظلموا منهم } فانتصروا منهم .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم } قال : لا تقاتلوا إلا من قاتل ولم يعط الجزية ، ومن أدى منهم الجزية فلا تقولوا لهم إلا حسناً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } قال : بلا إله إلا الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن حسين في الآية قال : { بالتي هي أحسن } قولوا { آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون } فهذه مجادلتهم بالتي هي أحسن .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن قتادة { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } قال : نهى عن مجادلتهم في هذه الآية . ثم نسخ ذلك فقال { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر . . . } ولا مجادلة أشد من السيف .
وأخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ، ويفسرونها بالعربية لأهل الإِسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا { آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون } » .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال : كانت اليهود يحدثون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيسبحون كأنهم يعجبون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، وقولوا { آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون } » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن سعد وأحمد والبيهقي في سننه عن أبي نملة الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال لجنازة : أنا أشهد أنها تتكلم .(8/42)
فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله وكتبه ورسله ، فإن كان حقاً لم تكذبوهم ، وإن كان باطلاً لم تصدقوهم » .
وأخرج البيهقي في سننه وفي الشعب والديلمي وأبو نصر السجزي في الابانة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تسألوا هل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، إما أن تصدقوا بباطل أو تكذبوا بحق ، والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني » .
وأخرج عبد الرزاق عن زيد بن أسلم قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا أنفسهم » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، لتكذبوا بحق وتصدقوا بباطل . فإن كنتم سائليهم لا محالة فانظروا ما واطأ كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه .(8/43)
وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد؛ في قوله { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } قال : كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يخط بيمينه ، ولا يقرأ كتاباً . فنزلت { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون } قريش .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والاسمعيلي في معجمه عن ابن عباس في قوله { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ولا يكتب ، كان أمياً . وفي قوله { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } قال : كان الله أنزل شأن محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإِنجيل لأهل العلم ، وعلمه لهم وجعله لهم آية فقال لهم : إن آية نبوته أن يخرج حين يخرج لا يعلم كتاباً ولا يخطه بيمينه . وهي الآيات البينات التي قال الله تعالى .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ كتاباً قبله ، ولا يخطه بيمينه ، وكان أمياً لا يكتب . وفي قوله { آيات بينات } قال : النبي آية بينة { في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب } قال : وقال الحسن : القرآن { آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } يعني المؤمنين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب ، وكذلك جعل نعته في التوراة والإِنجيل أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب . وهي الآية البينة . وهي قوله { وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون } قال : يعني صفته التي وصف لأهل الكتاب يعرفونه بالصفة .
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله { وما كنت تتلو من قبله من كتاب . . . } قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ولا يكتب .(8/44)
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)
أخرج الدارمي وأبو داود في مراسيله وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة رضي الله عنه قال : جاء ناس من المسلمين بكتب قد كتبوها فيها بعض ما سمعوه من اليهود . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كفى بقوم حمقا ، أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم . فنزلت { أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم . . . } الآية » .
وأخرج الاسمعيلي في معجمه وابن مردويه من طريق يحيى بن جعدة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتبون من التوراة ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال » إن أحمق الحمق ، وأضل الضلالة قوم رغبوا عما جاء به نبيهم صلى الله عليه وسلم إلى نبي غير نبيهم ، والى أمة غير أمتهم « . ثم أنزل الله { أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم . . } » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في شعب الإِيمان عن الزهري : « أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف ، فجعلت تقرأه عليه والنبي صلى الله عليه وسلم يتلون وجهه فقال » والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم « » .
وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن الضريس والحاكم في الكني والبيهقي في شعب الإِيمان عن عبدالله بن ثابت بن الحرث الأنصاري قال : « دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب فيه مواضع من التوراة فقال : هذه أصبتها مع رجل من أهل الكتاب أعرضها عليك . فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيراً شديداً لم أر مثله قط ، فقال عبدالله بن الحارث لعمر رضي الله عنهما : أما ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر رضي الله عنه : رضينا بالله رباً ، وبالإِسلام ديناً ، وبمحمد نبياً . فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال » ولو نزل موسى فأتبعتموه وتركتموني لضللتم ، انا حظكم من النبيين ، وأنتم حظي من الأمم « » .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي قلابة « أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر برجل يقرأ كتاباً ، فاستمعه ساعة ، فاستحسنه فقال للرجل : اكتب لي من هذا الكتاب قال : نعم . فاشترى أديما فهيأه ثم جاء به إليه ، فنسخ له في ظهره وبطنه ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل يقرأه عليه ، وجعل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلون ، فضرب رجل من الأنصار بيده الكتاب وقال : ثكلتك أمك يا ابن الخطاب أما ترى ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك » إنما بعثت فاتحاً وخاتماً ، وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه ، واختصر لي الحديث اختصاراً ، فلا يهلكنكم المتهوكون « » .(8/45)
وأخرج البيهقي وضعفه عن عمر بن الخطاب قال : « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعلم التوراة فقال » لا تتعلمها وآمن بها ، وتعلموا ما أنزل إليكم وآمنوا به « » .
وأخرج ابن الضريس عن الحسن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « يا رسول الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا ، وقد هممنا أن نكتبها فقال » يا ابن الخطاب أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصاري؟! أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، ولكني أعطيت جوامع الكلم ، واخْتُصِرَ لي الحديث اختصاراً « .
وأخرج ابن عساكر عن ابن أبي ملكية قال : أهدى عبد الله بن عامر بن كرز إلى عائشة رضي الله عنها هدية ، فظنت أنه عبد الله بن عمرو ، فردتها وقالت : يتتبع الكتب وقد قال الله { أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } ! فقيل لها : إنه عبد الله بن عامر . فقبلتها .(8/46)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)
أخرج ابن جرير عن قتادة { ويستعجلونك بالعذاب } قال : قال ناس من جهلة هذه الأمة { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون } قال : يوم بدر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } قال : جهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه ، ويكون فيه الشمس والقمر ، ثم تستوقد ، ثم يكون هو جهنم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { وإن جهنم لمحيطة } قال : البحر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { يوم يغشاهم العذاب } قال : النار .(8/47)
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)
أخرج الفريابي وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة } قال : إذا عمل في الأرض بالمعاصي فأخرجوا منها .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { إن أرضي واسعة } قال : من أمر بمعصية فليهرب .
وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد في قوله { يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون } قال : فهاجروا وجاهدوا .
وأخرج ابن أبي الدنيا في العزلة وابن جرير عن عطاء في الآية قال : إذا أمرتم بالمعاصي فاذهبوا ، فإن أرضي واسعة .
وأخرج أحمد عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « البلاد بلاد الله ، والعباد عباد الله ، فحيثما أصبت خيراً فأقم » .
وأخرج الطبراني والقضاعي والشيرازي في الألقاب والخطيب وابن النجار والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سافروا تصحوا وتغنموا » .(8/48)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)
أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لما نزلت هذه الآية { إنك ميت وإنهم ميتون } قلت : يا رب أيموت الخلائق كلهم وتبقى الأنبياء؟ نزلت { كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون } » .(8/49)
وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : « خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان المدينة ، فجعل يلتقط من التمر ويأكل ، فقال » يا ابن عمر مالك لا تأكل! قلت : لا أشتهيه يا رسول الله . قال : لكني أشتهيه وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاماً ولم أجده ، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسى وقيصر ، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبؤون رزق سنتهم ، ويضعف اليقين؟ قال : فوالله ما برحنا ، ولا رمنا حتى نزلت { وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لم يأمرني بكنز الدنيا ، ولا باتباع الشهوات ألا وإني ، لا أكنز ديناراً ، ولا درهماً ، ولا أدخر رزقاً لغد « » .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وكأين من دابة لا تحمل رزقها } قال : الطير ، والبهائم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن الأقمر في قوله { وكأين من دابة لا تحمل رزقها } قال : لا تدخر شيئاً لغد .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي مجلز في الآية قال : من الدواب لا يستطيع أن يدخر لغد ، يوفق رزقه كل يوم حتى يموت .
وأخرج ابن جرير عن قتادة { فأنى يؤفكون } قال : يعدلون .(8/50)
وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان } قال : باقية .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { لهي الحيوان } قال : الحياة الدائمة .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي جعفر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا عجباً كل العجب للمصدق بدار الحيوان ، وهو يسعى لدار الغرور! » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فإذا ركبوا في الفلك . . . } قال : الخلق كلهم يقرون لله أنه ربهم ، ثم يشركون بعد ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فتمتعوا فسوف تعلمون } قال : ما كان في الدنيا فسوف ترونه ، وما كان في الآخرة فسيبدو لكم .(8/51)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمنا . . . } قال : قد كان لهم في ذلك آية ، إن الناس يغزون ويتخطفون وهم آمنون { أفبالباطل يؤمنون } أي بالمشرك { وبنعمة الله يكفرون } أي يجحدون .
وأخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم قالوا : يا محمد ما يمنعنا أن ندخل في دينك إلا مخافة أن يتخطفنا الناس لقلتنا ، والعرب أكثر منا ، فمتى بلغهم أنا قد دخلنا في دينك اختطفنا فكنا أكلة رأس . فأنزل الله { أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً } .(8/52)
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)
أخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { الم غلبت الروم } قال : غلبت . وغلبت قال : كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أصحاب أوثان ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أصحاب كتاب ، فذكروه لأبي بكر رضي الله عنه ، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أما أنهم سيغلبون فذكره أبو بكر رضي الله عنه لهم فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلاً فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا ، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا . فجعل بينهم أجلاً خمس سنين ، فلم يظهروا ، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : الا جعلته أراه قال : دون العشر فظهرت الروم بعد ذلك » فذلك قوله { الم غلبت الروم } فغلبت ، ثم غلبت بعد . يقول الله { لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } قال سفيان : سمعت أنهم قد ظهروا عليهم يوم بدر .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان فارس ظاهرين على الروم ، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس ، لأنهم أهل كتاب وهم أقرب إلى دينهم . فلما نزلت { الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين } قالوا : يا أبا بكر إن صاحبك يقول إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين . قال : صدق قالوا : هل لك إلى أن نقامرك؟ فبايعوه على أربعة قلائص إلى سبع سنين ، فمضى السبع سنين ولم يكن شيء . ففرح المشركون بذلك وشق على المسلمين . وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال « ما بضع سنين عندكم؟ قالوا : دون العشر . قال : اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الأجل . قال : فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بذلك ، وأنزل الله { الم غلبت الروم } إلى قوله { وعد الله لا يخلف الله وعده } » .
وأخرج أيو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : لما أنزلت { الم غلبت الروم . . . } قال المشركون لأبي بكر رضي الله عنه : ألا ترى إلى ما يقول صاحبك . يزعم أن الروم تغلب فارس؟ قال : صدق صاحبي . قالوا : هل لك أن نخاطرك؟ فجعل بينه وبينهم أجلاً ، فحل الأجل قبل أن يبلغ الروم فارس ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فساءه وكرهه وقال لأبي بكر(8/53)
« ما دعاك إلى هذا؟ قال : تصديقاً لله ورسوله ، فقال : تعرض لهم ، وأعظم الخطر ، واجعله إلى بضع سنين . فأتاهم أبو بكر رضي الله عنه فقال : هل لكم في العود فإن العود أحمد؟ قالوا : نعم . ثم لم تمض تلك السنون حتى غلبت الروم فارس ، وربطوا خيولهم بالمدائن وبنو الرومية ، فقمر أبو بكر فجاء به أبو بكر يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا السحت تصدق به » .
وأخرج الترمذي وصححه والدارقطني في الافراد والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في شعب الإِيمان عن يسار بن مكرم السلمي قال : لما نزلت { الم غلبت الروم . . . } . كانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين الروم ، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب ، وفي ذلك يقول الله { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا أهل كتاب ولا إيمان ببعث ، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر رضي الله عنه يصيح في نواحي مكة { الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين } فقال ناس من قريش لأبي بكر : ذاك بيننا وبينكم يزعم صاحبك إن الروم ستغلب فارس في بضع سنين أفلا نراهنك على ذاك؟ قال : بلى - وذلك قبل تحريم الرهان - فارتهن أبو بكر رضي الله عنه المشركون ، وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر : لم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين ، فسم بيننا وبينك وسطاً تنتهي إليه قال : فسموا بينهم ست سنين ، فمضت الست قبل أن يظهروا ، فأخذ المشركون رهن أبي بكر رضي الله عنه فلما دخلت السنة السابعه ظهرت الروم على فارس ، فعاب المسلمون على أبي بكر رضي الله عنه بتسميته ست سنين قال : لأن الله قال { في بضع سنين } فأسلم عند ذلك ناس كثير .
وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه : لما نزلت { الم غلبت الروم } ألا يغالب البضع دون العشر » .
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن شهاب رضي الله عنه قال : بلغنا أن المشركين كانوا يجادلون المسلمين وهم بمكة يقولون : الروم أهل كتاب وقد غلبتهم الفرس ، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبون بالكتاب الذي أنزل على نبيكم ، وسنغلبكم كما غلبت فارس الروم ، فأنزل الله { الم غلبت الروم } قال ابن شهاب : فاخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : إنه لما نزلت هاتان الآيتان قامر أبو بكر بعض المشركين - قبل أن يحرم القمار - على شيء إن لم تغلب الروم فارس في بضع سنين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(8/54)
« لم فعلت؟ فكل ما دون العشر بضع » فكان ظهور فارس على الروم في سبع سنين ، ثم أظهر الله الروم على فارس زمن الحديبية ، ففرح المسلمون بظهور أهل الكتاب .
وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد قال : كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس ، فأعجب ذلك المؤمنين ، فنزلت { الم غلبت الروم } قرأها بالنصب إلى قوله { يفرح المؤمنون بنصر الله } قال : ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس قال الترمذي : هكذا قرأ { غلبت } .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر من طريق عطية العوفي عن ابن عباس في قوله { الم غلبت الروم } قال : قد مضى . كان ذلك في أهل فارس والروم ، وكانت فارس قد غلبتهم ، ثم غلبت الروم بعد ذلك ، والتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مشركي العرب ، والتقى الروم مع فارس ، فنصر الله النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين على مشركي العرب ، ونصر أهل الكتاب على العجم . قال عطية : وسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك فقال : التقينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشركي العرب ، والتقت الروم وفارس ، فنصرنا على مشركي العرب ، ونصر أهل الكتاب على المجوس ، ففرحنا بنصر الله إيانا على المشركين ، وفرحنا بنصر أهل الكتاب على المجوس ، فذلك قوله { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن قتادة { الم غلبت الروم في أدنى الأرض } قال : غلبتهم أهل فارس على أدنى أرض : الشام . { وهم من بعد غلبهم سيغلبون } قال : لما أنزل الله هؤلاء الآيات صدق المسلمون ربهم ، وعرفوا أن الروم ستظهر على أهل فارس ، فاقتمروا هم والمشركون خمس قلائص ، وأجلوا بينهم خمس سنين ، فولي قمار المسلمين أبو بكر ، وولي قمار المشركين أبي بن خلف - وذلك قبل أن ينهى عن القمار - فجاء الأجل ولم تظهر الروم على فارس ، فسأل المشركون قمارهم ، فذكر ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال « ألم تكونوا أَحِقَّاءَ أن تؤجلوا أجلا دون العشر؟ فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر ، فزايدوهم وما دوهم في الأجل ، فأظهر الله الروم على فارس عند رأس السبع من قمارهم الأول ، فكان ذلك مرجعهم من الحديبيه ، وكان مما شد الله به الإِسلام ، فهو قوله { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } » .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن الزبير الكلابي قال : رأيت غلبة فارس الروم ، ثم رأيت غلبة الروم فارس ، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم ، وظهورهم على الشام والعراق ، كل ذلك في خمس عشرة سنة .(8/55)
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سيجيء أقوام يقرأون { غلبت الروم } وإنما هي { غُلبت } .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن غنم قال : سألت معاذ بن جبل رضي الله عنه عن قول الله { الم غلبت الروم } أو { غلبت } فقال : اقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم { الم غلبت الروم } .
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { الم غلبت الروم } قال : غلبتهم فارس ، ثم غلبت الروم فارس . وفي قوله { في أدنى الأرض } قال : في طرف الأرض : الشام .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « البضع : ما بين السبع إلى العشرة »
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن نيار بن مكرم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « البضع : ما بين الثلاث إلى التسع » .
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر من طريق ابراهيم بن سعد عن أبي الحويرث رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ال { بضع سنين } ما بين خمس إلى سبع » .
وأخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ال { بضع } سبع سنين .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { الم غلبت الروم } إلى قوله { أكثر الناس لا يعلمون } قال : ذكر غلبة فارس اياهم ، وادالة الروم على فارس ، وفرح المؤمنون بنصر الله أهل الكتاب على فارس من أهل الأوثان .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة « أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض قال : وأدنى الأرض يومئذ أذرعات . بها التقوا فهزمت الروم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم بمكة ، فشق ذلك عليهم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم ، وفرح الكفار بمكة وشتموا ، فلقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ، وقد ظهر اخواننا من أهل فارس على اخوانكم من أهل الكتاب ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم . فأنزل الله { الم غلبت الروم . . . } . فخرج أبو بكر رضي الله عنه إلى الكفار فقال : فرحتم بظهور إخوانكم على اخواننا فلا تفرحوا ولا يقرن الله عينكم ، فوالله لتظهرن الروم على فارس ، أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم فقام إليه أبي بن خلف فقال : كذبت . فقال له أبو بكر رضي الله عنه : أنت أكذب يا عدو الله . قال : إنا أحبك عشر قلائص مني وعشر قلائص منك فإن ظهرت الروم على فارس غرمت ، وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين ، فجاء أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره فقال(8/56)
« ما هكذا ذكرت ، إنما البضع من الثلاث إلى التسع ، فزايده في الخطر ، وماده في الأجل ، فخرج أبو بكر رضي الله عنه فلقي أبياً فقال : لعلك ندمت قال : لا . قال : تعال أزايدك في الخطر ، وأمادك في الأجل ، فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين قال : قد فعلت » .
وأخرج ابن جرير عن سليط قال : سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقرأ { الم غلبت الروم } قيل له : يا أبا عبد الرحمن على أي شيء غلبوا؟ قال : على ريف الشام .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج { لله الأمر من قبل } دولة فارس على الروم { ومن بعد } دولة الروم على فارس .(8/57)
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } يعني معايشهم . متى يغرسون ، ومتى يزرعون ، ومتى يحصدون .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } يعرفون عمران الدنيا ، وهم في أمر الآخرة جهال .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } قال : يعلمون تجارتها ، وحرفتها ، وبيعها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا } قال : معايشهم ، وما يصلحهم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن رضي الله عنه في الآية قال : ليبلغ من حذق أحدهم بأمر دنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره ، فيخبرك بوزنة ، وما يحسن يصلي .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو في قوله { كانوا هم أشد منهم قوة } قال : كان الرجل ممن كان قبلكم بين منكبيه ميل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وأثاروا الأرض } قال : حرثوا الأرض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { وأثاروا الأرض } يقول : جنانها ، وأنهارها ، وزروعها { وعمروها أكثر مما عمروها } يقول : عاشوا فيها أكثر من عيشكم فيها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأى } قال : الذين كفروا جزاؤهم العذاب .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال { السوأى } الاساءة جزاء المسيئين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يبلس } قال : ييأس .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { يبلس } قال : يكتئب .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال { يبلس } قال : يكتئب .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : الابلاس الفضيحة .(8/58)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون } قال : فرقة لا اجتماع بعدها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله { يومئذ يتفرقون } قال : هؤلاء في عليين ، وهؤلاء في أسفل سافلين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { في روضة } يعني بساتين الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { في روضة يحبرون } قال : في جنة يكرمون .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يحبرون } قال : يكرمون .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { يحبرون } قال : ينعمون .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد بن السري وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث والخطيب في تاريخه عن يحيى بن أبي كثير { في روضة يحبرون } قال : لذة السماع في الجنة .
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن أبي كثير في قوله { يحبرون } قيل : « يا رسول الله ما الحبر؟ قال » اللذة والسماع « » .
وأخرج ابن عساكر عن الأوزاعي في قوله { في روضة يحبرون } قال : هو السماع ، إذا أراد أهل الجنة أن يطربوا أوحى الله إلى رياح يقال لها : الهفافة . فدخلت في آجام قصب اللؤلؤ الرطب فحركته ، فضرب بعضه بعضاً فتطرب الجنة ، فإذا طربت لم يبق في الجنة شجرة إلا وردت .
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن جرير والبيهقي عن مجاهد رضي الله عنه ، أنه سئل هل في الجنة سماع؟ فقال : إن فيها لشجرة يقال لها القيض لها سماع لم يسمع السامعون إلى مثله .
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والاصبهاني في الترغيب عن محمد بن المنكدر قال : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الذين كانوا ينزعون أنفسهم عن اللهو ومزامير الشيطان؟ أسكنوهم رياض المسك ، ثم يقول للملائكة : أسمعوهم حمدي وثنائي ، وأعلموهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
وأخرج الدينوري في المجالسة عن مجاهد رضي الله عنه قال : ينادي مناد يوم القيامة أين الذين كانوا ينزهون أصواتهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان؟ فيحملهم الله في رياض الجنة من مسك فيقول للملائكة « اسمعوا عبادي تحميدي وتمجيدي ، وأخبروهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون » .
وأخرج الديلمي عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا كان يوم القيامة قال الله : أين الذين كانوا ينزهون اسماعهم وأبصارهم عن مزامير الشيطان ميزوهم؟ فيميزون في كتب المسك والعنبر ثم يقول للملائكة : أسمعوهم من تسبيحي ، وتحميدي ، وتهليلي ، قال : فيسبحون بأصوات لم يسمع السامعون بمثلها قط » .(8/59)
وأخرج ابن أبي الدنيا والضياء المقدسي كلاهما في صفة الجنة بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : في الجنة شجرة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام ، فيخرج أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم ، فيتحدثون في ظلها ، فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا ، فيرسل الله ريحاً من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سابط قال : إن في الجنة لشجرة لم يخلق الله من صوت حسن إلا وهو في جرمها يلذذهم وينعمهم .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله إني رجل حبب إليّ الصوت الحسن فهل في الجنة صوت حسن؟ فقال « أي والذي نفسي بيده إن الله يوحي إلى شجرة في الجنة : أن أسمعي عبادي الذين اشتغلوا بعبادتي وذكري عن عزف البرابط والمزامير ، فترفع بصوت لم يسمع الخلائق بمثله من تسبيح الرب وتقديسه » .
وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يسمع الروحانيين في الجنة . قيل : ومن الروحانيون يا رسول الله؟ قال : قراء أهل الجنة » .
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن سعيد بن أبي سعيد الحارثي رضي الله عنه قال : إن في الجنة آجاما من قصب من ذهب حملها اللؤلؤ ، إذا اشتهى أهل الجنة صوتاً بعث الله ريحاً على تلك الآجام ، فأتتهم بكل صوت حسن يشتهونه . والله أعلم .(8/60)
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)
أخرج الفريابي وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أدنى ما يكون من الحين بكرة وعشيا ، ثم قرأ { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون } .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أبي رزين رضي الله عنه قال : جاء نافع بن الأزرق إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال : نعم . فقرأ { فسبحان الله حين تمسون } صلاة المغرب ، { وحين تصبحون } صلاة الصبح { وعشيا } صلاة العصر { وحين تظهرون } صلاة الظهر وقرأ « ومن بعد صلاة العشاء » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جمعت هذه الآية مواقيت الصلاة { فسبحان الله حين تمسون } قال : المغرب والعشاء { وحين تصبحون } الفجر { وعشيا } العصر { وحين تظهرون } الظهر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ، مثله .
وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن السني في عمل يوم وليلة والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدعوات عن معاذ بن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أخبركم لم سمّى الله إبراهيم خليله الذي وفى لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى { سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشياً وحين تظهرون } » .
وأخرج أبو داود والطبراني وابن السني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من قال حين يصبح { سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشياً وحين تظهرون ، يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون } أدرك ما فاته في يومه ، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته من ليلته » .
وأخرج ابن مردويه والخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قال حين أصبح سبحان الله وبحمده ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله ، وكان آخر يومه عتيقاً من النار » .
وأخرج ابن ماجة في تفسيره وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال عمر رضي الله عنه : أما الحمد فقد عرفناه ، فقد يحمد الخلائق بعضهم بعضاً ، وأما لا إله إلا الله فقد عرفناها ، فقد عبدت الآلهة من دون الله ، وأما الله أكبر فقد يكبر المصلي ، وأما سبحان الله فما هو؟ فقال رجل من القوم : الله أعلم! فقال عمر رضي الله عنه : قد شقي عمر إن لم يكن يعلم أن الله يعلم ، فقال علي رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين اسم ممنوع أن ينتحله أحد من الخلائق ، وإليه يفزع الخلق ، واحب أن يقال له ، فقال : هو كذاك .(8/61)
وأخرج أحمد والحاكم والضياء عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن الله اصطفى من الكلام أربعاً : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . فمن قال سبحان الله؛ كتبت له عشرون حسنة ، وحطت عنه عشرون سيئة ، ومن قال الله أكبر؛ مثل ذلك ، ومن قال لا إله إلا الله؛ مثل ذلك ، ومن قال الحمد لله رب العالمين . من قبل نفسه له ثلاثون حسنة ، وحطت عنه ثلاثون سيئة » .
وأخرج ابن عساكر عن الحسن البصري رضي الله عنه قال : من قرأ الآيات { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون } إلى آخرها؛ لم يفته شيء في يومه وليلته ، وأدرك ما فاته من يومه وليلته .(8/62)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26)
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { ومن آياته } قال : كل شيء في القرآن آيات . بذلك تعرفون الله . إنكم لن تروه فتعرفونه على رؤية ، ولكن تعرفونه بآياته وخلقه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ومن آياته أن خلقكم من تراب } قال : خلق آدم من تراب { ثم إذا أنتم بشر تنتشرون } يعني ذريته { ومن آياته إن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً } قال : حواء . خلقها الله من ضلع من أضلاع آدم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله { وجعل بينكم مودة } قال : الجماع { ورحمة } قال : الولد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره } قال : قامتا بأمره { بغير عمد ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } قال : دعاهم من السماء فخرجوا من الأرض .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { إذا أنتم تخرجون } قال : من قبوركم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأزهر بن عبد الله الجزاري قال : يقرأ على المصاب إذا أخذ { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { كل له قانتون } يقول : مطيعون يعني الحياة والنشور والموت . وهم عاصون له فيما سوى ذلك من العبادة . والله تعالى أعلم .(8/63)
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن عكرمة قال : تعجب الكفار من احياء الله الموتى ، فنزلت { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } قال : اعادة الخلق أهون عليه من ابتدائه .
وأخرج آدم بن أبي أياس والفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله { وهو أهون عليه } قال : الاعادة أهون عليه من البداءة ، والبداءة عليه هين .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وهو أهون عليه } قال : أيسر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في الآية قال : في عقولكم ، اعادة شيء إلى شيء كان ، أهون من ابتدائه إلى شيء لم يكن .
وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وهو أهون عليه } قال : الاعادة أهون على المخلوق لأنه يقول له يوم القيامة { كن فيكون } وابتداء الخلق من نطقة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة .
وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال : كل عليه هين .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وله المثل الأعلى } يقول { ليس كمثله شيء } [ الشورى : 11 ] .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { وله المثل الأعلى } قال : شهادة أن لا إله إلا الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { وله المثل الأعلى } قال : مثله أنه لا إله إلا هو ، ولا معبود غيره .(8/64)
ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)
أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان يلبي أهل الشرك لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك ، فأنزل الله { هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء } .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { هل لكم مما ملكت أيمانكم . . } الآية . قال : هي في الآلهة ، وفيه يقول : تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضاً .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ضرب لكم . . . } الآية . قال هذا مثل ضربه الله لمن عدل به شيئاً من خلقه يقول : أكان أحد منكم مشاركاً مملوكه في ماله ونفسه وفراشه وزوجته؟ فكذلك لا يرضى الله تعالى أن يعدل به أحد من خلقه .(8/65)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فطرة الله التي فطر الناس عليها } قال : الدين الإِسلام { لا تبديل لخلق الله } قال : لدين الله .
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { فطرة الله التي فطر الناس عليها } قال : الإِسلام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { فطرة الله التي فطر الناس عليها } قال : دين الله الذي فطر خلقه عليه .
وأخرج الحكيم في نوادر الأصول عن مكحول رضي الله عنه . أن الفطرة معرفة الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لا تبديل لخلق الله } قال : دين الله { ذلك الدين القيم } قال : القضاء القيم .
وأخرج ابن مردويه عن حماد بن عمر الصفار قال : سألت قتادة رضي الله عنه عن قوله { فطرة الله التي فطر الناس عليها } فقال : حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « { فطرة الله التي فطر الناس عليها } قال : دين الله » .
وأخرج ابن جرير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ إن عمر رضي الله عنه قال له : ما قوام هذه الأمة؟ قال : ثلاث وهي المنجيات . الاخلاص : وهي الفطرة التي فطر الناس عليها . والصلاة : وهي الملة . والطاعة : وهي العصمة . فقال عمر رضي الله عنه : صدقت .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه { لا تبديل لخلق الله } قال : لدين الله .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة وقتادة والضحاك وإبراهيم وابن زيد ، مثله .
وأخرج البخاري ومسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « » ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، وينصرانه ، ويمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ « ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه : اقرأوا ان شئتم { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم } » .
وأخرج مالك وأبو داود وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « » كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، وينصرانه ، كما تنتج الابل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء؟ « قالوا : يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن الأسود بن سريع رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خيبر فقاتلوا المشركين ، فانتهى بهم القتل إلى الذرية ، فلما جاؤوا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما حملكم على قتل الذرية؟ قالوا : يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين! قال : وهل خياركم إلا أولاد المشركين؟ والذي نفسي بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها » .(8/66)
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { منيبين إليه } قال : تائبين إليه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة { من الذين فرقوا دينهم } قال : هم اليهود والنصارى . وفي قوله { أم أنزلنا عليهم سلطاناً } قال : يأمرهم بذلك .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلم بما كانوا به يشركون } يقول : أم أنزلنا عليهم كتاباً فهو ينطق بشركهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه ، مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل } قال : الضيف { ذلك خير للذين يريدون وجه الله أولئك هم المضعفون } قال : هذا الذي يقبله الله ، ويضاعفه لهم عشر أمثالها وأكثر من ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وما آتيتم من ربا . . . } قال : الربا رباآن . ربا لا بأس به . وربا لا يصلح ، فأما الربا الذي لا بأس به؛ فهدية الرجل إلى الرجل يريد فضلها ، أو اضعافها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله } قال : هي الهدايا .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس } قال : يعطي ما له يبتغي أفضل منه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه { وما آتيتم من رباً ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله } قال : ما أعطيتم من عطية لتثابوا عليها في الدنيا ، فليس فيها أجر .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { وما آتيتم من رباً . . . } قال : هو الربا الحلال . أن تهدي أكثر منه ، وليس له أجر ولا وزر ، ونهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم خاصة فقال { ولا تمنن تستكثر } .
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما . مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه { وما آتيتم رباً . . . } قال : الرجل يعطي الشيء ليكافئه به ، ويزداد عليه { فلا يربوا عند الله } والآخر الذي يعطي الشيء لوجه الله ، ولا يريد من صاحبه جزاء ولا مكافأة ، فذلك الذي يضعف عند الله تعالى .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وما آتيتم من زكاة } قال : هي الصدقة .(8/67)
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ظهر الفساد في البر والبحر } قال { البر } البرية التي ليس عندها نهر . و { البحر } مكان من المدائن والقرى على شط نهر .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس . . } الآية . قال : نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه { ظهر الفساد في البر والبحر } قال : قحوط المطر . قيل له : قحوط المطر لن يضر البحر . قال : إذا قل المطر قل الغوص .
وأخرج ابن المنذر عن عطية رضي الله عنه في الآية . أنه قيل له : هذا البر والبحر أي فساد فيه؟ قال : إذا قل المطر قل الغوص .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن رفيع رضي الله عنه في قوله { ظهر الفساد في البر والبحر } قال : انقطاع المطر . قيل : فالبحر؟ قال : إذا لم يمطر عميت دواب البحر .
وأخرج الفريابي عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { ظهر الفساد في البر والبحر } قال { البر } الفيافي التي ليس فيها شيء . و { البحر } القرى .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه أنه سئل عن قوله { ظهر الفساد في البر والبحر } قال : البر قد عرفناه فما بال البحر؟ قال : إن العرب تسمي الأمصار : البحر .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { ظهر الفساد في البر والبحر } قال : فساد البر : قَتْلُ ابنُ آدمَ أخاه . والبحر : أَخْذُ الملكِ السفنَ غصباً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { ظهر الفساد في البر والبحر } قال : هذا قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم رجع راجعون من الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { ظهر الفساد في البر والبحر } قال { البر } كل قرية نائية عن البحر . مثل مكة والمدينة ، و { البحر } كل قرية على البحر ، مثل كوفة والبصرة والشام وفي قوله { بما كسبت أيدي الناس } قال : بما عملوا من المعاصي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه في الآية قال : البحر الجزائر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لعلهم يرجعون } قال : يتوبون .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لعلهم يرجعون } قال : عن الذنوب .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس } قال : أفسدهم الله بذنوبهم في بر الأرض وبحرها بأعمالهم الخبيثة { لعلهم يرجعون } قال : يرجع من بعدهم .(8/68)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فأقم وجهك للدين القيم } قال : الإِسلام { من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله } قال : يوم القيامة { يومئذ يصدعون } قال : فريق في الجنة ، وفريق في السعير .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يومئذ يصدعون } قال : يتفرقون .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { يومئذ يصدعون } يومئذ يتفرقون . وقرأ ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون ، وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون ) قال : هذا حين يصدعون يتفرقون إلى الجنة والنار .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في عذاب القبر عن مجاهد في قوله { فلأنفسهم يمهدون } قال : يسوّون المضاجع في القبر .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات } قال : بالمطر { وليذيقكم من رحمته } قال : المطر { ولتجري الفلك بأمره } قال : السفن في البحار { ولتبتغوا من فضله } قال : التجارة في السفن .(8/69)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ما من امرىء مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة . ثم تلا { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين } » .(8/70)
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)
أخرج أبو الشيخ في العظمة عن السدي رضي الله عنه قال : يرسل الله الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين - طرف السماء حين يلتقيان - فتخرجه ثم تنشره فيبسطه في السماء كيف يشاء ، فيسيل الماء على السحاب ، ثم يمطر السحاب بعد ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : يرسل الله الريح ، فتحمل الماء من السحاب ، فتمر به السحاب ، فتدر كما تدر الناقة ، وثجاج مثل العزالي غير أنه متفرق .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فيبسطه في السماء } قال : يجمعه ويجعله { كسفا } قال : قطعاً .
وأخرج أبو يعلى وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ويجعله كسفاً } قال : قطعاً يجعل بعضها فوق بعض { فترى الودق } قال : المطر { يخرج من خلاله } قال : من بينه .
وأخرج الفريابي عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فترى الودق } قال : القطر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { ويجعله كسفاً } قال : سماء دون سماء وفي قوله { لمبلسين } قال : القنطين .(8/71)
فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53)
أخرج مسلم وابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدر أياماً حتى جيفوا ، ثم أتاهم فقام يناديهم ، فقال : يا أمية بن خلف ، يا أبا جهل بن هشام ، يا عتبة بن ربيعة؛ هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فسمع عمر رضي الله عنه صوته فجاء فقال : يا رسول الله تناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون؟ يقول الله { إنك لا تسمع الموتى } فقال : والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع منهم ، ولكنهم لا يطيقون أن يجيبوا » .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال « هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ ثم قال : إنهم الآن يسمعون ما أقول . فذكر لعائشة رضي الله عنها فقالت : إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ، ثم قرأت { إنك لا تسمع الموتى } حتى قرأت الآية » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق قتادة قال : ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة رضي الله عنهما « أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش ، فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث ، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالْعَرَصَةِ ثلاث ليال ، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ، ثم مشى واتبعه أصحابه قالوا : ما ترى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم . يا فلان بن فلان ، ويا فلان ابن فلان ، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنهم لأسمع لما أقول منكم » قال قتادة : أحياهم الله حتى أسمعهم قوله ، توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً .
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت هذه الآية في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بدر { إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين } .(8/72)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)
أخرج سعيد بن منصور وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن المنذر والطبراني والشيرازي في الألقاب والدارقطني في الافراد وابن عدي والحاكم وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه والخطيب في تالي التلخيص عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : « قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم { الله الذي خلقكم من ضعف } فقال » من ضعف يا بني « » .
وأخرج الخطيب عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ « الله الذي خلقكم من ضعف » بالضم .
وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذا الحرف في الروم { خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوّة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { الله الذي خلقكم من ضعف } قال : من نطفة { ثم جعل من بعد قوة ضعفاً } قال : الهرم { وشيبة } قال : الشمط .(8/73)
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة } قال : يعنون في الدنيا ، استقل القوم أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة { كذلك كانوا يؤفكون } قال : كذلك كانوا يكذبون في الدنيا { وقال الذين أوتوا العلم . . } الآية . قال : هذا من تقاديم الكلام وتأويلها : وقال الذين أوتوا الإِيمان والعلم في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله { لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث } قال : لبثوا في علم الله في البرزخ إلى يوم القيامة ، لا يعلم متى علم وقت الساعة إلا الله ، وفي ذلك أنزل الله { وأجل مسمى عنده } [ طه : 129 ] .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في سننه عن علي رضي الله عنه أن رجلاً من الخوارج ناداه وهو في صلاة الفجر فقال { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } فأجابه علي رضي الله عنه وهو في الصلاة { فاصبر إن وعد الله حق ولا يَسْتَخِفَّنَّكَ الذين لا يوقنون } .(8/74)
الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6)
أخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } يعني باطل الحديث . وهو النضر بن الحارث بن علقمة . اشترى أحاديث العجم وصنيعهم في دهرهم ، وكان يكتب الكتب من الحيرة والشام ويكذب بالقرآن ، فأعرض عنه فلم يؤمن به .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : شراؤه استحبابه . وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق . وفي قوله { ويتخذها هزواً } قال : يستهزىء بها ويكذبها .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ويتخذها هزواً } قال : سبيل الله يتخذ السبيل هزواً .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : باطل الحديث . وهو الغناء ونحوه { وليضل عن سبيل الله } قال : قراءة القرآن ، وذكر الله . نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية .
وأخرج جويبر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : أنزلت في النضر بن الحارث . اشترى قينة فكان لا يسمع بأحد يريد الإِسلام إلا انطلق به إلى قينته ، فيقول : أطعميه واسقيه وغنيه ، هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام ، وأن تقاتل بين يديه ، فنزلت .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وابن ماجة وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي امامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا تبيعوا القينات ، ولا تشتروهن ، ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام . في مثل هذا أنزلت هذه الآية { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } إلى آخر الآية » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ان الله حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها . ثم قرأ { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } » .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : هو الغناء وأشباهه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : هو شراء المغنية .
وأخرج ابن عساكر عن مكحول رضي الله عنه في قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : الجواري الضاربات .(8/75)
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي الصهباء قال : سألت عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه عن قوله تعالى { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : هو - والله - الغناء .
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير عن شعيب بن يسار قال : سألت عكرمة رضي الله عنه عن { لهو الحديث } قال : هو الغناء .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : هو الغناء ، وكل لعب ولهو .
وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق حبيب بن أبي ثابت عن إبراهيم رضي الله عنه { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : هو الغناء وقال مجاهد رضي الله عنه : هو لهو الحديث .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني رضي الله عنه { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : الغناء والباطل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } في الغناء والمزامير .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع ، والذكر ينبت الإِيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن إبراهيم رضي الله عنه قال : كانوا يقولون : الغناء ينبت النفاق في القلب .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في سننه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : إذا ركب الرجل الدابة ولم يسم ردفه شيطان ، فقال : تغنه ، فإن كان لا يحسن قال له : تمنه .
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن مردويه عن أبي امامة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان باعقابهما على صدره حتى يمسك » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الشعبي عن القاسم بن محمد رضي الله عنه أنه سئل عن الغناء ، فقال : أنهاك عنه ، وأكرهه لك . قال السائل : احرام هو؟ قال : انظر يا ابن أخي . إذا ميز الله الحق من الباطل في أيهما يجعل الغناء .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الشعبي قال : لعن المغني والمغنى له .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن فضيل بن عياض قال : الغناء رقية الزنا .(8/76)
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي عثمان الليثي قال : قال يزيد بن الوليد الناقص : يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ، ويزيد في الشهوة ، ويهدم المروءة ، وإنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السكر ، فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء ، فإن الغناء داعية الزنا .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي جعفر الأموي عمر بن عبد الله قال : كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى مؤدب وِلْدِهِ : من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى سهل مولاه . أما بعد فإني اخترتك على علم مني لتأديب وِلْدِي ، وصرفتهم إليك عن غيرك من مواليَّ وذوي الخاصة بي ، فخذهم بالجفاء فهو أمكن لاقدامهم ، وترك الصحبة فإن عادتها تكسب الغفلة ، وكثرة الضحك فإن كثرته تميت القلب ، وليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان ، وعاقبتها سخط الرحمن ، فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم إن حضور المعازف ، واستماع الأغاني ، واللهج بهما ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب ، ولعمري ولتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذوي الذهن من الثبوت على النفاق في قلبه ، وهو حين يفارقها لا يعتقد مما سمعت أذناه على شيء ينتفع به ، وليفتح كل غلام منهم بجزئه من القرآن يثبت في قراءته ، فإذا فرغ منه تناول قوسه وكنانته وخرج إلى الغرض حافياً ، فرمى سبعة ارشاق ثم انصرف إلى القائلة ، فإن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول : يا بني قيلوا فإن الشياطين لا تقيل والسلام .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن رافع بن حفص المدني قال : أربع لا ينظر الله إليهن يوم القيامة . الساحرة . والنائحة . والمغنية . والمرأة مع المرأة . وقال : من أدرك ذلك الزمان فأولى به طول الحزن .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن علي بن الحسين رضي الله عنه قال : ما قدّست أمة فيها البربط .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لهو ولعب ، ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة : خدش وجوه ، وشق جيوب ، ورنة شيطان » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن رضي الله تعالى عنه قال : صوتان ملعونان . مزمار عند نغمة . ورنة عند مصيبة .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : أخبث الكسب كسب الزمارة .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن نافع قال : كنت أسير مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في طريق ، فسمع زمارة راع ، فوضع أصبعيه في أذنيه ، ثم عدل عن الطريق ، فلم يزل يقول : يا نافع أتسمع؟ قلت : لا . فأخرج أصبعيه من أذنيه وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع .(8/77)
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمر « أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال : في هذه الآية { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } إنما ذلك شراء الرجل اللعب والباطل » .
وأخرج الحاكم في الكنى عن عطاء الخراساني رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } في الغناء والباطل والمزامير .
وأخرج آدم وابن جرير والبيهقي في سننه عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : هو اشتراؤه المغني والمغنية بالمال الكثير ، والاستماع إليه وإلى مثله من الباطل .
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال : هو رجل يشتري جارية تغنيه ليلاً أو نهاراً .(8/78)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)
أخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة رضي الله عنه { وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً } قال : مكذباً بها .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { وقراً } قال : ثقلاً .(8/79)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)
أخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن دينا رضي الله عنه قال : { جنات النعيم } بين جنات الفردوس ، وبين جنات عدن ، وفيها جوار خلقن من ورد الجنة . قيل : ومن يسكنها؟ قال : الذين هموا بالمعاصي ، فلما ذكروا عظمتي راقبوني ، والذين انثنت أصلابهم في خشيتي .(8/80)
هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله تعالى عنه في قوله { هذا خلق الله } أي ما ذكر من خلق السموات والأرض ، وما بث فيهما من الدواب ، وما أنبت من كل زوج { فأروني ماذا خلق الذين من دونه } يعني الأصنام . والله أعلم .(8/81)
وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أتدرون ما كان لقمان؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : كان حبشياً » .
وأخرج ابن أبي شيبة في الزهد وأحمد وابن أبي الدنيا في كتاب المملوكين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان لقمان عليه السلام عبداً حبشياً نجاراً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال : قلت لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ما انتهى إليكم من شأن لقمان عليه السلام؟ قال : كان قصيراً ، أفطس من النوبة .
وأخرج الطبراني وابن حبان في الضعفاء وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اتخذوا السودان فإن ثلاثة منهم سادات أهل الجنة : لقمان الحكيم . والنجاشي . وبلال المؤذن » قال الطبراني : أراد الحبشة .
وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سادات السودان أربعة : لقمان الحبشي . والنجاشي . وبلال . ومهجع » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن لقمان عليه السلام كان أسود من سودان مصر ، ذا مشافر ، أعطاه الله الحكمة ، ومنعه النبوة .
وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن حرملة قال : جاء أسود إلى سعيد بن المسيب رضي الله عنه يسأله ، فقال له سعيد رضي الله عنه : لا تحزن من أجل أنك أسود ، فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان : بلال . ومهجع مولى عمر بن الخطاب . ولقمان الحكيم كان أسود نوبياً ذا مشافر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان لقمان عليه السلام عبداً أسود .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : كان لقمان عليه السلام عبداً حبشياً ، غليظ الشفتين ، مصفح القدمين ، قاضياً لبني إسرائيل .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن المنذر عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه أن لقمان عليه السلام كان خياطاً .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان لقمان عليه السلام من أهون مملوكيه على سيده ، وإن أول ما رؤي من حكمته أنه بينما هو مع مولاه إذ دخل المخرج فأطال فيه الجلوس ، فناداه لقمان أن طول الجلوس على الحاجة ينجع منه الكبد ، ويكون منه الباسور ، ويصعد الحر إلى الرأس ، فأجلس هوينا وأخرج ، فخرج فكتب حكمته على باب الحش قال : وسكر مولاه ، فخاطر قوماً على أن يشرب ماء بحيرة ، فلما أفاق عرف ما وقع منه ، فدعا لقمان فقال : لمثل هذا كنت أخبؤك .(8/82)
فقال : اجمعهم ، فلما اجتمعوا قال : على أي شيء خاطرتموه؟ قالوا : على أن يشرب ماء هذه البحيرة قال : فإن لها مواد فاحبسوا موادها عنها قالوا : كيف نستطيع أن نحبس موادها؟ قال : وكيف يستطيع أن يشربها ولها مواد؟
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولقد آتينا لقمان الحكمة } قال : يعني العقل ، والفهم ، والفطنة . من غير نبوّة .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي مسلم الخولاني رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لقمان كان عبداً كثير التفكر ، حسن الظن ، كثير الصمت ، أحب الله فأحبه الله تعالى ، فمن عليه بالحكمة ، نودي بالخلافة قبل داود عليه السلام ، فقيل له : يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة تحكم بين الناس بالحق؟ قال لقمان : إن أجبرني ربي عز وجل قبلت ، فإني أعلم أنه إن فعل ذلك أعانني . وعلمني . وعصمني . وإن خيرني ربي قبلت العافية ، ولم أسأل البلاء ، فقالت الملائكة : يا لقمان لم؟! قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها ، يغشاه الظلم من كل مكان ، فيخذل أو يعان ، فإن أصاب فبالحري أن ينجو ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة ، ومن يكون في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفاً شائعاً ، ومن يختار الدنيا على الآخرة فاتته الدنيا ولا يصير إلى ملك الآخرة . فعجبت الملائكة من حسن منطقه ، فنام نومة فغط بالحكمة غطاً فانتبه فتكلم بها ، ثم نودي داود عليه السلام بعده بالخلافة ، فقبلها ولم يشترط شرط لقمان ، فأهوى في الخطيئة ، فصفح عنه وتجاوز . وكان لقمان يؤازره بعلمه وحكمته فقال داود عليه السلام : طوبى لك يا لقمان ، أوتيت الحكمة فصرفت عنك البلية ، وأوتي داود الخلافة فابتلى بالذنب والفتنة » .
وأخرج الفريابي وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ولقد آتينا لقمان الحكمة } قال : العقل ، والفقه ، والاصابة في القول في نبوّه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ولقد آتينا لقمان الحكمة } قال : الفقه في الإِسلام ، ولم يكن نبياً ، ولم يوح إليه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال : خير الله تعالى لقمان بين الحكمة والنبوّة . فاختار الحكمة على النبوّة ، فأتاه جبريل عليه السلام وهو نائم ، فذر عليه الحكمة ، فاصبح ينطق بها فقيل له : كيف اخترت الحكمة على النبوّة ، وقد خيرك ربك؟ فقال : لو أنه أرسل إلي بالنبوّة عزمة لرجوت فيها الفوز منه ، ولكنت أرجو أن أقوم بها ، ولكنه خيرني ، فخفت أن أضعف عن النبوّة ، فكانت الحكمة أحب إلي .(8/83)
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رضي الله تعالى عنه أنه سئل أكان لقمان عليه السلام نبياً؟ قال : لا . لم يلوح إليه ، وكان رجلاً صالحاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله تعالى عنه قال : كان لقمان عليه السلام نبياً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ليث رضي الله تعالى عنه قال : كانت حكمة لقمان عليه السلام نبوّة .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله تعالى عنه قال : كان لقمان عليه السلام رجلاً صالحاً ولم يكن نبياً .
وأخرج الطبراني والرامهرمزي في الأمثال بسند ضعيف عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لقمان عليه السلام قال لابنه : يا بني عليك بمجالس العلماء ، واستمع كلام الحكماء ، فإن الله يحيي القلب الميت بنور الحكمة كما تحيا الأرض الميتة بوابل المطر » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه ذكر لقمان الحكيم فقال : ما أوتي ما أوتي عن أهل ولا مال . ولا حسب . ولا خصال . ولكنه كان رجلاً صمصامة سكيتاً ، طويل التفكر ، عميق النظر ، لم ينم نهاراً قط ، ولم يره أحد يبزق ، ولا يتنحنح ، ولا يبول ، ولا يتغوّط ، ولا يغتسل ، ولا يعبث ، ولا يضحك ، كان لا يعيد منطقاً نطقه إلا أن يقول : حكمة يستعيدها إياه ، وكان قد تزوج وولد له أولاد ، فماتوا فلم يبك عليهم ، وكان يغشى السلطان ويأتي الحكماء لينظر ويتفكر ويعتبر . فبذلك أوتي ما أوتي .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وابن جرير عن عمر بن قيس رضي الله عنه قال : مر رجل بلقمان عليه السلام والناس عنده فقال : ألست عبد بني فلان؟ قال : بلى . قال : ألست الذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا؟ قال : بلى . قال : فما الذي بلغ بك ما أرى؟ قال : تقوى الله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وطول السكوت عما لا يعنيني .
وأخرج أحمد في الزهد عن محمد بن جحادة رضي الله عنه ، مثله .
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي والحاكم في الكني والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن لقمان الحكيم كان يقول : إن الله إذا استودع شيئاً حفظه » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في نعت الخائفين عن الفضل الرقاشي قال : ما زال لقمان يعظ ابنه حتى انشقت مرارته فمات .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن حفص بن عمر الكندي قال : وضع لقمان عليه السلام جراباً من خردل إلى جنبه ، وجعل يعظ ابنه موعظة ويخرج خردلة ، فنفذ الخردل فقال : يا بني لقد وعظتك موعظة لو وعظتها جبلاً لتفطر .(8/84)
فتفطر ابنه .
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قال لقمان لابنه وهو يعظه : يا بني إياك والتقنع فإنها مخوفة بالليل ، ومذلة بالنهار » .
وأخرج العسكري في الأمثال والحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس؛ أن لقمان عليه السلام كان عبداً لداود ، وهو يسرد الدرع ، فجعل يفتله هكذا بيده ، فجعل لقمان عليه السلام يتعجب ويريد أن يسأله وتمنعه حكمته أن يسأله ، فلما فرغ منها صبها على نفسه وقال : نعم درع الحرب هذه . فقال لقمان : الصمت من الحكمة وقليل فاعله ، كنت أردت أن أسألك فسكت حتى كفيتني .
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإِيمان عن عون بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال لقمان لابنه : يا بني ارج الله رجاء لا تأمن فيه مكره ، وخف الله مخافة لا تيأس بها من رحمته ، فقال : يا أبتاه وكيف أستطيع ذلك وإنما لي قلب واحد؟ قال : المؤمن كذا له قلبان . قلب يرجو به . وقلب يخاف به .
وأخرج البيهقي عن سليمان التيمي رضي الله تعالى عنه قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بني أكثر من قول : رب اغفر لي ، فإن لله ساعة لا يرد فيها سائل .
وأخرج البيهقي والصابوني في المائتين عن عمر بن سليم رضي الله عنه قال : بلغني أن لقمان عليه السلام قال لابنه : يا بني حملت الحجارة ، والحديد ، والحمل الثقيل ، فلم أحمل شيئاً أثقل من جار السوء ، يا بني إني قد ذقت المر كله فلم أذق شيئاً أمر من الفقر .
وأخرج ابن أبي الدنيا في اليقين عن الحسن رضي الله عنه قال : قال لقمان لابنه : يا بني إن العمل لا يستطاع إلا باليقين ، ومن يضعف يقينه يضعف عمله ، يا بني إذا جاءك الشيطان من قبل الشك والريبة فاغلبه باليقين والنصيحة ، وإذا جاءك من قبل الكسل والسآمة فاغلبه بذكر القبر والقيامة ، وإذا جاءك من قبل الرغبة والرهبة فاخبره أن الدنيا مفارقة متروكة .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن وهب رضي الله تعالى عنه قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بني اتخذ تقوى الله تجارة يأتك الربح من غير بضاعة .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الرضا عن سعيد بن المسيب قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بني لا ينزلن بك أمر رضيته أو كرهته إلا جعلت في الضمير منك أن ذلك خير لك . قال : أهذه فلا أقدر أعطيكها دون أن أعلم ما قلت كما قلت ، قال : يا بني فإن الله قد بعث نبياً . هلم حتى تأتيه فصدقه . قال : اذهب يا أبت . فخرج على حمار وابنه على حمار ، وتزودا ثم سارا أياماً وليالي حتى تلقتهما مفازة ، فأخذا أهبتهما لها فدخلاها ، فسارا ما شاء الله حتى ظهرا وقد تعالى النهار ، واشتد الحر ، ونفد الماء والزاد ، واستبطآ حماريهما ، فنزلا فجعلا يشتدان على سَوْقِهِما ، فبينما هما كذلك إذ نظر لقمان أمامه فإذا هم بسواد ودخان ، فقال في نفسه : السواد : الشجر .(8/85)
والدخان : العمران والناس .
فبينما هما كذلك يشتدان إذ وطىء ابن لقمان على عظم في الطريق ، فخر مغشياً عليه ، فوثب إليه لقمان عليه السلام ، فضمه إلى صدره واستخرج العظم بأسنانه ، ثم نظر إليه فذرفت عيناه فقال : يا أبت أنت تبكي وأنت تقول : هذا خير لي ، كيف يكون هذا خيراً لي؟ وقد نفد الطعام والماء ، وبقيت أنا وأنت في هذا المكان ، فإن ذهبت وتركتني على حالي ذهبت بهم وغم ما بقيت ، وان أقمت معي متنا جميعاً فقال : يا بني . أما بكائي فرقة الوالدين ، وأما ما قلت كيف يكون هذا خيراً لي؟ فلعل ما صرف عنك أعظم مما ابتليت به ، ولعل ما ابتليت به أيسر مما صرف عنك ، ثم نظر لقمان أمامه فلم يَرَ ذلك الدخان والسواد .
وإذا بشخص أقبل على فرس أبلق عليه ثياب بيض ، وعمامة بيضاء يمسح الهواء مسحاً ، فلم يزل يرمقه بعينه حتى كان منه قريباً فتوارى عنه ، ثم صاح به : أنت لقمان؟ قال : نعم . قال : أنت الحكيم؟ قال : كذلك . فقال : ما قال لك ابنك؟ قال : يا عبد الله من أنت؟! اسمع كلامك ولا أرى وجهك قال : أنا جبريل . أمرني ربي بخسف هذه المدينة ومن فيها ، فاخبرت انكما تريدانها ، فدعوت ربي أن يحبسكما عنها بما شاء ، فحبسكما بما ابتلي به ابنك ، ولولا ذلك لخسف بكما مع من خسفت ، ثم مسح جبريل عليه السلام يده على قدم الغلام فاستوى قائماً ، ومسح يده على الذي كان فيه الطعام فامتلأ طعاماً ، وعلى الذين كان فيه الماء فامتلأ ماء ، ثم حملهما وحماريهما فزجل بهما كما يزجل الطير ، فإذا هما في الدار الذي خرجا بعد أيام وليال .
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن رباح اللخمي؛ أنه لما وعظ لقمان عليه السلام ابنه قال : { إنها إن تك . . . } . أخذ حبة من خردل فأتى بها إلى اليرموك ، فألقاها في عرضه ، ثم مكث ما شاء الله ، ثم ذكر وبسط يده فأقبل بها ذباب حتى وضعها في راحته .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن مالك رضي الله عنه قال : بلغني أن لقمان عليه السلام قال لابنه : ليس غنى كصحة ، ولا نعيم كطيب نفس .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : من كذب ذهب ماء وجهه ، ومن ساء خلقه كثر غمه ، ونقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والبيهقي عن الحسن رضي الله تعالى عنه أن لقمان قال لابنه : يا بني حملت الجندل .(8/86)
والحديد . وكل شيء ثقيل . فلم أحمل شيئاً هو أثقل من جار السوء ، وذقت المر فلم أذق شيئاً هو أمر من الفقر ، يا بني لا ترسل رسولك جاهلاً ، فإن لم تجد حكيماً فكن رسول نفسك ، يا بني إياك والكذب ، فإنه شهي كلحم العصفور عما قليل يقلي صاحبه ، يا بني احضر الجنائز ولا تحضر العرس ، فإن الجنائز تذكرك الآخرة والعرس تشهيك الدنيا ، يا بني لا تأكل شبعاً على شبع ، فإنك إن تلقه للكلب خير من أن تأكله ، يا بني لا تكن حلواً فتبلع ، ولا مراً فتلفظ .
وأخرج البيهقي عن الحسن رضي الله عنه أن لقمان عليه السلام قال لابنه : يا بني لا تكونن أعجز من هذا الديك الذي يصوّت بالأسحار ، وأنت نائم على فراشك .
وأخرج عبد الله في زوائده والبيهقي عن عثمان بن زائدة رضي الله تعالى عنه قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بني لا تؤخر التوبة ، فإن الموت يأتي بغتة .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن سيار بن الحكم قال : قيل للقمان عليه السلام : ما حكمتك؟ قال : لا أسأل عما قد كفيت ، ولا أتكلف ما لا يعنيني .
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي عثمان الجعدي رجل من أهل البصرة قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بني لا ترغب في ود الجاهل فيرى أنك ترضى عمله ، ولا تهاون بمقت الحكيم فيزهد فيك .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عكرمة رضي الله عنه أن لقمان عليه السلام قال : لا تنكح أمة غيرك ، فتورث بنيك حزناً طويلاً .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن محمد بن واسع رضي الله عنه قال : كان لقمان عليه السلام يقول لابنه : يا بني اتق الله ، ولا تر الناس أنك تخشى الله ليكرمك بذلك وقلبك فاجر .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير عن خالد الربعي رضي الله تعالى عنه قال : كان لقمان عبداً حبشياً نجاراً فقال له سيده : اذبح لي شاة . فذبح له شاة فقال له : ائتني بأطيب مضغتين فيها . فأتاه باللسان والقلب فقال : أما كان شيء أطيب من هذين؟ قال : لا . فسكت عنه ما سكت ، ثم قال له : اذبح لي شاة . فذبح له شاة فقال له : ألق أخبثها مضغتين . فرمى باللسان والقلب فقال أمرتك بأن تأتي بأطيبها مضغتين فأتيتني باللسان والقلب ، وأمرتك أن تلقي أخبثها مضغتين فألقيت اللسان والقلب ، فقال : إنه ليس شيء بأطيب منها إذا طابا ، ولا بأخبث منهما إذا خبثا .
وأخرج عبد الله في زوائده عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال : قال لقمان عليه السلام : ألا أن يد الله على أفواه الحكماء .(8/87)
لا يتكلم أحدهم إلا ما هيأ الله له .
وأخرج عبد الله عن سفيان رضي الله عنه قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بني ما ندمت على الصمت قط وإن كان الكلام من فضة كان السكوت من ذهب .
وأخرج أحمد عن قتادة رضي الله عنه أن لقمان عليه السلام قال لابنه : يا بني اعتزل الشر كيما يعتزلك ، فإن الشر للشر خلق .
وأخرج عن هشام بن عروة عن أبيه قال : مكتوب في الحكمة - يعني حكمة لقمان عليه السلام - يا بني إياك والرغب كل الرغب ، فإن الرغب كل الرغب ينفذ القرب من القرب ، ويترك الحلم مثل الرطب ، يا بني إياك وشدة الغضب ، فإن شدة الغضب ممحقة لفؤاد الحكيم .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال : قال لقمان عليه السلام لابنه وهو يعظه : يا بني اختر المجالس على عينك ، فإذا رأيت المجلس يذكر الله عز وجل فيه فاجلس معهم ، فإنك إن تك عالماً ينفعك علمك ، وإن تك غبياً يعلموك ، وان يطلع الله عز وجل إليهم برحمة تصبك معهم ، يا بني لا تجلس في المجلس الذي لا يذكر فيه الله فإنك إن تك عالماً لا ينفعك علمك ، وإن تك عَيِياً يزيدوك عياً ، وان يطلع الله إليهم بعد ذلك بسخط يصبك معهم ، ويا بني لا يغيظنك امرؤ رحب الذراعين يسفك دماء المؤمنين ، فإن له عند الله قاتلاً لا يموت .
وأخرج عبد الله في زوائده عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : لا يأكل طعامك إلا الأتقياء ، وشاور في أمرك العلماء .
وأخرج أحمد عن هشام بن عروة عن أبيه قال : مكتوب في الحكمة - يعني حكمة لقمان - لتكن كلمتك طيبة ، وليكن وهجك بسيطاً ، تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء وقال : مكتوب في التوراة كما تَرحمون تُرحمون . وقال : مكتوب في الحكمة : كما تَزْرَعُونَ تَحْصِدُون . وقال : مكتوب في الحكمة : أحب خليلك وخليل أبيك .
وأخرج أحمد عن أبي قلابة رضي الله عنه قال : قيل للقمان عليه السلام : أي الناس أصبر؟ قال : صبر لا معه أذى . قيل : فأي الناس أعلم؟ قال : من ازداد من علم الناس إلى علمه . قيل فأي الناس خير؟ قال : الغني . قيل : الغني من المال؟ قال : لا . ولكن الغني إذا التمس عنده خير وجدوا لا أغنى نفسه عن الناس .
وأخرج أحمد عن سفيان رضي الله عنه قال : قيل للقمان عليه السلام : أي الناس شر؟ قال : الذي لا يبالي أن يراه الناس مسيئاً .
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : وجدت في بعض الحكمة . يبرد الله عظام الذين يتكلمون باهواء الناس ، ووجدت في الحكمة : لا خير لك في أن تتعلم ما لم تعلم إذا لم تعمل بما قد علمت ، فإن مثل ذلك رجل احتطب حطباً فحمل حزمة ، فذهب يحملها ، فعجز عنها فضم إليها أخرى .(8/88)
وأخرج أحمد عن محمد بن جحادة رضي الله عنه قال : قال لقمان عليه السلام : يأتي على الناس زمان لا تقر فيه عين حكيم .
وأخرج أحمد عن سفيان رضي الله عنه عمن أخبره أن لقمان عليه السلام قال لابنه : أي بني إن الدنيا بحر عميق ، وقد غرق فيها ناس كثير ، فاجعل سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الإِيمان بالله ، وشراعها التوكل على الله ، لعلك أن تنجو ، ولا أراك ناجياً .
وأخرج عبد الله في زوائده عن عوف بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال لقمان لابنه : يا بني إني حملت الجندل والحديد فلم أحمل شيئاً أثقل من جار السوء ، وذقت المرارة كلها فلم أذق أشد من الفقر .
وأخرج أحمد عن شرحبيل بن مسلم رضي الله عنه أن لقمان قال : أقصر من اللجاجة ، ولا أنطق فيما لا يعنيني ، ولا أكون مضحاكاً من غير عجب ، ولا مشاء إلى غير أرب .
وأخرج أحمد عن أبي الجلد رضي الله عنه قال : قرأت في الحكمة : من كان له من نفسه واعظاً كان له من الله حافظاً ، ومن أنصف الناس من نفسه زاده الله بذلك عزاً ، والذل في طاعة الله أقرب من التعزز بالمعصية .
وأخرج أحمد عن عبد الله بن دينار رضي الله عنه أن لقمان عليه السلام قال لابنه : يا بني انزل نفسك منزلة من لا حاجة له بك ، و لا بد لك منه ، يا بني كن كمن لا يبتغي محمدة الناس ولا يكسب ذمهم ، فنفسه منه في عناء والناس منه في راحة .
وأخرج أحمد عن ابن أبي يحيى رضي الله تعالى عنه قال : قال لقمان لابنه : أي بني أن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك .
وأخرج أحمد عن معاوية بن قرة قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بني جالس الصالحين من عباد الله فإنك تصيب بمجالستهم خيراً ، ولعله أن يكون آخر ذلك تنزل عليهم الرحمة فتصيبك معهم ، يا بني لا تجالس الأشرار فإنك لا يصبك من مجالستهم خير ، ولعله أن يكون في آخر ذلك أن تنزل عليهم عقوبة فتصيبك معهم .
وأخرج أحمد عن ابن أبي نجيح رضي الله عنه قال : قال لقمان عليه السلام : الصمت حكم وقليل فاعله فقال طاوس رضي الله عنه : أي أبا نجيح من قال واتقى الله خير ممن صمت واتقى الله .
وأخرج أحمد عن عون رضي الله عنه قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بني إذا انتهيت إلى نادي قوم فارمهم بسهم الإِسلام ، ثم اجلس في ناحيتهم ، فإن أفاضوا في ذكر الله فاجلس معهم ، وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول عنهم .(8/89)
وأخرج عبد الله في زوائده عن عبد الله بن دينار رضي الله تعالى عنه : إن لقمان قدم من سفر فلقيه غلام في الطريق فقال : ما فعل أبي؟ قال : مات . قال : الحمد لله ملكت أمري قال : ما فعلت أمي؟ قال : ماتت . قال : ذهب همي قال : ما فعلت امرأتي؟ قال : ماتت قال : جدد فراشي قال : ما فعلت أختي؟ قال : ماتت قال : سترت عورتي قال : ما فعل أخي؟ قال : مات قال : انقطع ظهري .
وأخرج عبد الله في زوائده عن عبد الوهاب بن بخت المكي رضي الله تعالى عنه قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، فإن الله ليحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء .
وأخرج عن عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بني امتنع مما يخرج من فيك فإنك ما سكت سالم ، وإنما ينبغي لك من القول ما ينفعك .
وأخرج أحمد عن محمد بن واسع رضي الله عنه قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بني لا تتعلم ما لا تعلم حتى تعمل بما تعلم .
وأخرج أحمد عن بكر المزني رضي الله عنه قال : قال لقمان عليه السلام : ضرب الوالد لولده كالماء للزرع .
وأخرج القالي في أماليه عن العتبي قال : بلغني أن لقمان عليه السلام كان يقول : ثلاثة لا يعرفون إلا ثلاثة مواطن : الحليم عند الغضب . والشجاع عند الحرب . وأخوك عند حاجتك إليه .
وأخرج وكيع في الغرر عن الحنظلي رضي الله عنه قال : قال لقمان لابنه : يا بني إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فاغضبه قبل ذلك ، فإن أنصفك عند غضبه وإلا فاحذره .
وأخرج الدارقطني عن مالك بن أنس رضي الله عنه قال : بلغني أن لقمان عليه السلام قال لابنه : يا بني إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الأخرى ، فَدَارٌ أنت إليها تسير أقرب من دار أنت عنها تُبَاعِد .
وأخرج ابن المبارك عن ابن أبي مليكة رضي الله عنه أن لقمان عليه السلام كان يقول : اللهم لا تجعل أصحابي الغافلين ، إذا ذكرتك لم يعينوني ، وإذا نسيتك لم يذكروني ، وإذا أمرت لم يطيعوني ، وإن صمت أحزنوني .
وأخرج الحكيم الترمذي عن معتمر عن أبيه أن لقمان عليه السلام قال لابنه : يا بني عود لسانك أن يقول : اللهم اغفر لي . فإن لله ساعة لا يرد فيها الدعاء .
وأخرج الخطيب عن الحسن رضي الله تعالى عنه قال : قال لقمان عليه السلام لابنه : يا بني إياك والدَيْن فإنه ذُلُّ النهارِ هَمُّ الليلِ .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : قال لقمان لابنه : يا بني ارج الله رجاء لا يجرئك على معصيته ، وخف الله خوفاً لا يؤيسك من رحمته .
وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه قال : قال لقمان عليه السلام : إذا جاءك الرجل وقد سقطت عيناه فلا تقض له حتى يأتي خصمه قال : يقول لعله أن يأتي وقد نزع أربعة أعين .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن الحسن رضي الله عنه قال : قال الله عز وجل « يا ابن آدم خلقتك وتعبد غيري ، وتدعو إلي وتفر مني ، وتذكرني وتنساني هذا أظلم ظلم في الأرض » ثم يتلو الحسن { إن الشرك لظلم عظيم } .(8/90)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
أخرج أبو يعلى والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي قال : إن سعد بن أبي وقاص قال : نزلت هذه الآية { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً } كنت رجلاً براً بأمي ، فلما أسلمت قالت : يا سعد وما هذا الذي أراك قد أحدَثْتَ؟ لتَدَعَنَّ دينَك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فَتُعَيَّرَ بي ، فيُقال يا قاتل أمه قلت : يا أمه لا تفعلي فإني لا أدع ديني هذا لشيء ، فمكثت يوماً وليلة لا تأكل ، فاصبحت قد جهدت ، فمكثت يوماً آخر وليلة وقد اشتد جهدها ، فلما رأيت ذلك قلت : يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء ، فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي ، فلما رأت ذلك أكلت . فنزلت هذه الآية .
وأخرج ابن عساكر عن سعد قال : نزلت فيَّ أربع آيات : الأنفال { وصاحبهما في الدنيا معروفاً } والوصية والخمر .
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه { وإن جاهداك على أن تشرك بي . . . } .
وأخرج ابن سعد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال : جئت من الرمي فإذا الناس مجتمعون على أمي حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس ، وعلى أخي عامر حين أسلم فقلت : ما شأن الناس! فقالوا : هذه أمك قد أخذت أخاك عامراً تعطي الله عهداً : أن لا يظلها ظل ، ولا تأكل طعاماً ، ولا تشرب شراباً حتى يدع الصباوة . فأقبل سعد رضي الله عنه حتى تخلص إليها فقال : علي يا أمه فاحلفي قالت : لم؟ قال : أن لا تستظلي في ظل ، ولا تأكلي طعاماً ، ولا تشربي شراباً ، حتى تريْ مقعدك من النار : فقالت : إنما أحلف على ابني البر . فأنزل الله { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً } إلى آخر الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وهناً على وهن } قال : شدة بعد شدة ، وخلقاً بعد خلق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله { وهناً على وهن } قال : ضعفاً على ضعف .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وهناً على وهن } قال : مشقة وهو الولد .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وهناً على وهن } قال : الولد على وهن؟ قال : الوالدة وضعفها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله تعالى عنه في قوله { وصاحبهما في الدنيا معروفاً } قال : تعودهما إذا مرضا ، وتتبعهما إذا ماتا ، وتواسيهما مما أعطاك الله { واتبع سبيل من أناب إليَّ } .(8/91)
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { واتبع سبيل من أناب إليَّ } قال : محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { إنها إن تك مثقال حبة من خردل } قال : من خير أو شر { فتكن في صخرة } قال : في جبل .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الأرض على نون ، والنون على بحر ، والبحر على صخرة خضراء ، فخضرة الماء من تلك الصخرة قال : والصخرة على قرن ثور ، وذلك الثور على الثرى ، ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله . فذلك قوله : { الله له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى } [ طه : 6 ] فجميع ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى في حرم الرحمن ، فإذا كان يوم القيامة لم يبق شيء من خلقه ، قال : { لمن الملك اليوم } فيهتز ما في السموات والأرض فيجيب هو نفسه فيقول : { لله الواحد القهار } .
وأخرج الفريابي وابن جرير عن أبي مالك رضي الله عنه { يأت بها الله } قال : يعلمها الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { إن الله لطيف } قال : باستخراجها . قال : بمستقرها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { وأمر بالمعروف } يعني بالتوحيد { وانه عن المنكر } يعني عن الشرك { واصبر على ما أصابك } في أمرهما يقول : إذا أمرت بمعروف أو نهيت عن منكر ، وأصابك في ذلك أذى وشدة ، فاصبر عليه { إن ذلك } يعني هذا الصبر على الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر { من عزم الأمور } يعني من حق الأمور التي أمر الله تعالى .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { واصبر على ما أصابك } من الأذى في ذلك { إن ذلك من عزم الأمور } يقول : مما عزم الله عليه من الأمور ، ومما أمر الله به من الأمور .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر والخطيب في تالي التلخيص عن أبي جعفر الخطمي رضي الله عنه أن جده عمير بن حبيب وكانت له صحبة أوصى بنيه قال : يا بني إياكم ومجالسة السفهاء فإن مجالستهم داء ، إنه من يحلم عن السفيه يسر بحلمه ، ومن يحبه يندم ، ومن لا يقر بقليل ما يأتي به السفيه يقر بالكثير ، ومن يصبر على ما يكره يدرك ما يحب ، وإذا أراد أحدكم أن يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر فليوطن نفسه على الصبر على الأذى ، وليثق بالثواب من الله ، ومن يثق بالثواب من الله لا يجد مس الأذى .(8/92)
وأخرج الطبراني وابن عدي وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله { ولا تصعر خدك للناس } قال : ليّ الشدق » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولا تصعر خدك للناس } يقول : لا تتكبر . فتحقر عباد الله ، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولا تصعر خدك للناس } قال : هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه كالمستكبر .
وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ولا تصعر خدك للناس } قال : الصدود والإِعراض بالوجه عن الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { ولا تصعر خدك للناس } يقول : لا تعرض وجهك عن فقراء الناس تكبراً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله { ولا تصعر خدك للناس } قال : ليكن الفقير والغني عندك في العلم سواء ، وقد عوتب النبي صلى الله عليه وسلم { عبس وتولى } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { واقصد في مشيك } قال : تواضع .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه في قوله { واقصد في مشيك } قال : يعني السرعة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { واقصد في مشيك } يقول : لا تختال : { واغضض من صوتك } قال : اخفض من صوتك عن الملأ { إن أنكر الأصوات } قال : أقبح الأصوات { لصوت الحمير } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { واقصد في مشيك } قال : نهاه عن الخيلاء { واغضض من صوتك } قال : أمره بالاقتصاد في صوته { إن أنكر الأصوات } قال : أقبح الأصوات { لصوت الحمير } قال : أوّله زفير وآخره شهيق .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } قال : أنكرها على السمع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري رضي الله عنه قال : صياح كل شيء تسبيحه إلا الحمار .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه قال : لو كان رفع الصوت خيراً ما جعله الله للحمير .(8/93)
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)
أخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن عطاء رضي الله عنه قال : « سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } قال : هذه من كنوز علي قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أما الظاهرة؛ فما سوى من خلقك ، وأما الباطنة؛ فما ستر من عورتك ، ولو أبداها لقلاك أهلك فمن سواهم » .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي والديلمي وابن النجار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } قال : « أما الظاهرة؛ فالإِسلام وما سوى من خلقك ، وما أسبغ عليك من رزقه ، وأما الباطنة؛ فما ستر من مساوىء عملك ، يا ابن عباس إن الله تعالى يقول : ثلاث جعلتهن للمؤمن : صلاة المؤمنين عليه من بعده . وجعلت له ثلث ماله أكفر عنه من خطاياه . وسترت عليه من مساوىء عمله ، فلم أفضحه بشيء منها ، ولو أبديتها لنبذه أهله فمن سواهم » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } قال : النعمة الظاهرة : الإِسلام . والنعمة الباطنة : كل ما ستر عليكم من الذنوب والعيوب والحدود .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } قال : هي لا إله إلا الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأها { وأسبغ عليكم نعمه } قال : لو كانت نعمة كانت نعمة دون نعمة .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وأسبغ عليكم نعمه } قال : لا إله إلا الله ظاهرة قال : على اللسان { وباطنة } قال : في القلب .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن مقاتل رضي الله عنه في قوله { نعمه ظاهرة } قال : الإِسلام { وباطنة } قال : ستره عليكم المعاصي .
وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } قال : أما الظاهرة : فالإِسلام . والقرآن ، وأما الباطنة : فما ستر من العيوب .(8/94)
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما « أن أحبار يهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة : يا محمد أرأيت قولك { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } ايانا تريد أم قومك؟ فقال : كلا . . . فقالوا : ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء؟ فقال : إنها في علم الله قليل . فأنزل الله في ذلك { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام . . . } » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال « اجتمعت اليهود في بيت فارسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن ائتنا . فجاء فدخل عليهم فسألوه عن الرجم فقال : أخبروني بأعلمكم . فأشاروا إلى ابن صوريا الأعور قال : أنت أعلمهم قال : إنهم يزعمون ذاك قال : فنشدتك بالمواثيق التي أخذت عليكم ، وبالتوراة التي أنزلت على موسى . ما تجدون في التوراة؟ قال : لولا أنك نشدتني بما نشدتني به ما أخبرتك ، أجد فيها الرجم قال : فقضى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : صدقت يا محمد عندنا التوراة فيها حكم الله ، فكانوا قبل ذلك لا يظفرون من النبي صلى الله عليه وسلم بشيء قال : فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } [ الإسراء : 85 ] .
فاجتمعوا في ذلك البيت فقال رئيسهم : يا معشر اليهود لقد ظفرتم بمحمد فأرسلوا إليه . فجاء فدخل عليهم فقالوا : يا محمد ألست أنت أخبرتنا أنه أنزل عليك { وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله } ثم تخبرنا أنه أنزل عليك { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } فهذا مختلف . فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم قليلاً ولا كثيراً قال : ونزل على النبي صلى الله عليه وسلم { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } وجميع خلق الله كتاب ، وهذا البحر يمد فيه سبعة أبحر مثله ، فمات هؤلاء الكتاب كلهم ، وكسرت هذه الأقلام كلها ، ويبست هذه البحور الثمانية ، وكلام الله كما هو لا ينقص ، ولكنكم أوتيتم التوراة فيها شيء من حكم الله ، وذلك في حكم الله قليل . فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه فقرأ عليهم هذه الآية قال : » فرجعوا مخصومين بشر « » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول . فقال رجل : يا محمد تزعم أنك أوتيت الحكمة ، وأوتيت القرآن ، وأوتينا التوراة ، فأنزل الله { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله } وفيه يقول : علم الله أكثر من ذلك { وما أوتيتم من العلم } فهو كثير لكم لقولكم قليل عندي » .(8/95)
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه قال : سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح . فأنزل الله { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } فقالوا : تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلاً ، وقد أوتينا التوراة : وهي الحكمة { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } فنزلت { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وأبو نصر السجزي في الابانة عن قتادة رضي الله عنه قال : قال المشركون : إنما هذا كلام يوشك أن ينفد فنزلت { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } يقول : لو كان شجر الأرض أقلاماً ، ومع البحر سبعة أبحر مداد لتكسرت الأقلام ، ونفد ماء البحور ، قبل أن تنفد عجائب ربي ، وحكمته وعلمه .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال : قال حيي بن أخطب : يا محمد تزعم أنك أوتيت الحكمة { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } وتزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلاً ، فكيف يجتمع هاتان؟ فنزلت هذه الآية { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } ونزلت التي في الكهف { قل لو كان البحر مداداًَ لكلمات ربي . . . } .
وأخرج عبد الرزاق وأبو نصر السجزي في الإِبانة عن أبي الجوزاء رضي الله عنه في قوله { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام } يقول : لو كان كل شجرة في الأرض أقلاماً ، والبحار مداداً ، لنفد الماء ، وتكسرت الأقلام ، قبل أن تنفد كلمات ربي .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ « والبحر يمده » رفع .(8/96)
مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } قال : يقول له كن فيكون . القليل والكثير .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله تعالى عنه في قوله { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } يقول : إنما خلق الله الناس كلهم وبعثهم كخلق نفس واحدة وبعثها . وفي قوله { ألم تر أن الله يولج الليل في النهار } قال : نقصان الليل زيادة النهار { ويولج النهار في الليل } نقصان النهار زيادة في الليل { كل يجري إلى أجل مسمى } لذلك كله وقت واحد معلوم ، لا يعدوه ولا يقصر دونه . وفي قوله { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور } قال : إن أحب عباد الله إليه الصبار الشكور ، الذي إذا أعطي شكر ، وإذا ابتلي صبر . وفي قوله { وإذا غشيهم موج كالظلل } قال : كالسحاب وفي قوله { وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور } قال : غدار بذمته ، كفور بربه .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فمنهم مقتصد } قال : في القول وهو كافر { وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار } قال : غدار { كفور } قال : كافر .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ختار } قال : جحاد .
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { كل ختار كفور } قال : الجبار . الغدار . الظلوم . الغشوم . { الكفور } الذي يغطي النعمة قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر وهو يقول :
لقد علمت واستيقنت ذات نفسها ... بأن لا تخاف الدهر صرمي ولا ختري
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله { كل ختار } قال : الذي يغدر بعهده { كفور } قال : بربه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولا يغرنكم بالله الغرور } قال : هو الشيطان .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه { ولا يغرنكم بالله الغرور } قال : الشيطان .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { ولا يغرنكم بالله الغرور } قال : الشيطان .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه { ولا يغرنكم بالله الغرور } قال : أن تعمل بالمعصية وتتمنى المغفرة .(8/97)
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)
أخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال « جاء رجل من أهل البادية فقال : إن امرأتي حبلى ، فاخبرني ما تلد؟ وبلادنا مجدبة ، فأخبرني متى ينزل الغيث؟ وقد علمت متى ولدت ، فأخبرني متى أموت؟ فأنزل الله { إن الله عنده علم الساعة . . . } الآية » .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه « أن رجلاً يقال له : الوراث . من بني مازن بن حفصة بن قيس غيلان . جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد متى قيام الساعة؟ وقد أجدبت بلادنا ، فمتى تخصب؟ وقد تركت امرأتي حبلى ، فمتى تلد؟ وقد علمت ما كسبت اليوم ، فماذا أكسب غداً؟ وقد علمت بأي أرض ولدت ، فبأي أرض أموت ، فنزلت هذه الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله تعالى عنه في قوله { إن الله عنده علم الساعة . . . } قال : خمس من الغيب استأثر بهن الله فلم يطلع عليهن ملكاً مقرباً ، ولا نبياً مرسلاً { إن الله عنده علم الساعة } فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة ، في أي سنة ولا في أي شهر ، أليلاً أم نهاراً { وينزل الغيث } فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ، أليلاً أم نهاراً { ويعلم ما في الأرحام } فلا يعلم أحد ما في الأرحام أذكر أم أنثى ، أحمر أو أسود { وما تدري نفس ماذا تكسب غداً } أخيراً أم شراً { وما تدري نفس بأي أرض تموت } ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض ، أفي بحر أم بر ، في سهل أم في جبل .
وأخرج الفريابي والبخاري ومسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله . لا يعلم ما في غد إلا الله . ولا متى تقوم الساعة إلا الله . ولا يعلم ما في الأرحام إلا الله . ولا متى ينزل الغيث إلا الله . وما تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال « يا رسول الله متى الساعة؟ قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، ولكن سأحدثكم بأشراطها : إذا ولدت الأمة ربتها فذاك من أشراطها ، وإذا كانت الحفاة العراة رؤوس الناس فذاك من أشراطها ، وإذا تطاول رعاء الغنم في البنيان فذاك من أشراطها ، في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله ، ثم تلا { إن الله عنده علم الساعة ، وينزل الغيث . . . } إلى آخر الآية » .
وأخرج أحمد والبزار وابن مردويه والروياني والضياء بسند صحيح عن بريدة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(8/98)
« خمس لا يعلمهن إلا الله { إن الله عنده علم الساعة . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، مثله .
وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه « أن أعرابياً وقف على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر على ناقة له عشراء فقال : يا محمد ما في بطن ناقتي هذه؟ فقال : له رجل من الأنصار : دع عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهلم إلي حتى أخبرك : وقعت أنت عليها وفي بطنها ولد منك؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : إن الله يحب كل حي كريم متكره ، ويبغض كل لئيم متفحش ، ثم أقبل على الأعرابي فقال : خمس لا يعلمهن إلا الله { إن الله عنده علم الساعة . . . } » .
وأخرج ابن مردويه عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء إذ جاء رجل على فرس فقال : من أنت؟ قال « أنا رسول الله قال : متى الساعة؟ قال : غيب ، وما يعلم الغيب إلا الله قال : ما في بطن فرسي؟ قال : غيب ، وما يعلم الغيب إلا الله قال : فمتى تمطر؟ قال : غيب وما يعلم الغيب إلا الله » .
وأخرج أحمد والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس { إن الله عنده علم الساعة . . . } » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم مفاتيح كل شيء غير الخمس { إن الله عنده علم الساعة . . . } .
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال « لم يعم على نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا الخمس من سرائر الغيب هذه الآية . في آخر لقمان إلى آخر السورة » .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخاري في الأدب عن ربعي بن حراش رضي الله عنه قال : حدثني رجل من بني عامر أنه قال : يا رسول الله هل بقي من العلم شيء لا تعلمه فقال : « لقد علمني الله خيراً ، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله . الخمس { إن الله عنده علم الساعة . . . } » .
وأخرج ابن ماجة عن الربيع بنت معوذ رضي الله تعالى عنها قالت : « دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عرسي وعندي جاريتان تغنيان وتقولان : وفينا نبي يعلم ما في غد . فقال : » أما هذا فلا تقولوه ، لا يعلم ما في غد إلا الله « » .(8/99)
وأخرج الطيالسي وأحمد وابن أبي حاتم وابن مردوية والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي غرة الهذلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له إليها حاجة ، فلم ينته حتى يقدمها ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وما تدري نفس بأي أرض تموت } » .
وأخرج الترمذي وحسنه وابن مردويه عن مطر بن عكامس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا قضى الله لرجل أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة » .
وأخرج أحمد عن عامر أو أبي عامر أو أبي مالك « أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في مجلس فيه أصحابه ، جاءه جبريل عليه السلام في غير صورته ، فحسبه رجلاً من المسلمين ، فسلم فرد عليه السلام ، ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : يا رسول الله ما الإِسلام؟ قال : أن تسلم وجهك لله ، وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة قال : فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت؟ قال : نعم . قال : ما الإِيمان؟ قال : أن تؤمن بالله ، واليوم الآخر ، والملائكة ، والكتاب ، والنبيين ، والموت ، والحياة بعد الموت ، والجنة والنار ، والحساب والميزان ، والقدر خيره وشره . قال : فإذا فعلت ذلك فقد آمنت قال : نعم . ثم قال : ما الإِحسان؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فهو يراك قال : فإذا فعلت ذلك فقد أحسنت؟ قال : نعم . قال : فمتى الساعة يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله . . . ! خمس لا يعلمها إلا الله { إن الله عنده علم الساعة . وينزل الغيث . ويعلم ما في الأرحام . وما تدري نفس ماذا تكسب غداً . وما تدري نفس بأي أرض تموت . إن الله عليم خبير } » .(8/100)
الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله تعالى عنه في قوله { لتنذر قوماً } قال : قريش { ما أتاهم من نذير من قبلك } قال : لم يأتهم ولا آباءهم ، لم يأت العرب رسول من الله عز وجل .(8/101)
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6)
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { يدبر الأمر } قال : ينحدر الأمر { من السماء إلى الأرض } ويصعد من الأرض إلى السماء في يوم واحد مقداره ألف سنة ، في السير خمسمائة حين ينزل ، وخمسمائة حين يعرج .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله تعالى عنه في قوله { يدبر الأمر } الآية . قال : ينزل الأمر من السماء الدنيا إلى الأرض العليا ، ثم يعرج إلى مقدار يوم لو ساره الناس ذاهبين وجائين لساروا ألف سنة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يدبر الأمر } قال : هذا في الدنيا . تعرج الملائكة في يوم مقداره ألف سنة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله { يدبر الأمر . . . } الآية . قال : تعرج الملائكة وتهبط في يوم مقداره ألف سنة .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض . ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة } قال : من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه عن عبد الله بن أبي مليكة رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على ابن عباس أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال فيروز : يا أبا عباس قوله { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة } فكأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما اتهمه فقال : ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ فقال : إنما سألتك لتخبرني فقال ابن عباس رضي الله عنهما : هما يومان ذكرهما الله في كتابه ، الله أعلم بهما ، وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم ، فضرب الدهر من ضرباته حتى جلست إلى ابن المسيب رضي الله عنه ، فسأله عنها انسان ، فلم يخبر ، ولم يدر فقلت : ألا أخبرك بما أحضرت من ابن عباس؟ قال : بلى . فأخبرته فقال للسائل : هذا ابن عباس رضي الله عنهما أبى أن يقول فيها وهو أعلم مني .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { كان مقداره ألف سنة } قال : لا ينتصف النهار في مقدار يوم من أيام الدنيا في ذلك اليوم حتى يقضي بين العباد ، فينزل أهل الجنةِ الجنةَ ، وأهلُ النارِ النارَ ، ولو كان إلى غيره لم يفرغ من ذلك خمسين ألف سنة .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله تعالى عنه { في يوم كان مقداره ألف سنة } يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد ، وذلك مقدار ألف سنة ، لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام .(8/102)
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله تعالى عنه في الآية يقول : مقدار مسيرة في ذلك اليوم { ألف سنة مما تعدون } ومن أيامكم من أيام الدنيا بخمسمائة نزوله وخمسمائة صعوده ، فذلك ألف سنة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { ثم يعرج إليه في يوم } من أيامكم هذه ، ومسيرة ما بين السماء والأرض خمسمائة عام .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه { ألف سنة مما تعدون } قال : من أيام الدنيا . والله أعلم .(8/103)
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10)
أخرج ابن أبي شيبة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقرأها { الذي أحسن كل شيء خلقه } قال : أما رأيت القردة ليست بحسنة ولكنه أحكم خلقها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم « في قوله { أحسن كل شيء خلقه } قال : اما إن آست القردة ليست بحسنة ولكنه أحكم خلقها » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { أحسن كل شيء خلقه } قال : صورته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { أحسن كل شيء خلقه } فجعل الكلب في خلقه حسناً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أحسن كل شيء خلقه } قال : أحسن بخلق كل شيء القبيح والحسن ، والحيات والعقارب ، وكل شيء مما خلق ، وغيره لا يحسن شيئاً من ذلك .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { أحسن كل شيء خلقه } قال : اتقن . لم يركب الإِنسان في صورة الحمار ، ولا الحمار في صورة الإِنسان .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة قد أسبل ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بناحية ثوبه فقال : يا رسول الله إني أخمش الساقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا عمرو بن زرارة إن الله أحسن كل شيء خلقه ، يا عمرو بن زرارة إن الله لا يحب المسبلين » .
وأخرج أحمد والطبراني عن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال « أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قد أسبل ازاره فقال له : ارفع ازارك فقال : يا رسول الله إني أحنف : تصطك ركبتاي قال : ارفع ازارك كل خلق الله حسن » .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وبدأ خلق الإِنسان من طين } قال : آدم { ثم جعل نسله } قال : ولده { من سلالة } من بني آدم { من ماء مهين } قال : ضعيف نطفة الرجل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { جعل نسله } قال : ذريته { من سلالة } هي الماء { ثم سواه } يعني ذريته .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { من سلالة } قال : ماء يسل من الإِنسان { من ماء مهين } قال : ضعيف .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله تعالى عنه في قوله { أئذا ضللنا } قال : هلكنا .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول { أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد } كيف نعاد ونرجع كما كنا؟ وأخبرت أن الذي قال { أئذا ضللنا } أبيُّ بن خلف .(8/104)
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)
أخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن نفسين اتفق موتهما في طرفة عين . واحد في المشرق ، وواحد في المغرب . كيف قدره ملك الموت عليهما . قال : ما قدرة ملك الموت على أهل المشارق والمغارب والظلمات والهواء والبحور إلا كرجل بين يديه مائدة يتناول من أيها شاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد رضي الله عنه قال : « قيل يا رسول الله ملك الموت واحد ، والزحفان يلتقيان من المشرق والمغرب وما بينهما من السقط والهلاك! فقال : إن الله حوى الدنيا لملك الموت حتى جعلها كالطست بين يدي أحدكم ، فهل يفوته منها شيء؟ » .
وأخرج ابن جرير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه قال : ملك الموت الذي يتوفى الأنفس كلها ، وقد سلط على ما في الأرض كما سلط أحدكم على ما في راحته ، معه ملائكة من ملائكة الرحمة ، وملائكة من ملائكة العذاب ، فإذا توفى نفساً طيبة دفعها إلى ملائكة الرحمة ، وإذا توفي خبيثة دفعها إلى ملائكة العذاب .
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما قالا : لما اتخذ الله إبراهيم خليلاً ، سأل ملك الموت ربه أن يأذن له ، فيبشر إبراهيم عليه السلام بذلك فأذن له فأتاه فقال له إبراهيم عليه السلام : يا ملك الموت أرني كيف تقبض أنفاس الكفار؟ قال : يا إبراهيم لا تطيق ذلك قال : بلى . قال : فاعرض إبرهيم ، ثم نظر إليه فإذا برجل أسود ينال رأسه السماء ، يخرج من فيه لهب النار ، ليس من شعرة في جسده إلا في صورة رجل يخرج من فيه ومسامعه لهب النار ، فغشي على إبراهيم عليه السلام ، ثم أفاق وقد تحوّل ملك الموت في الصورة الأولى فقال : يا ملك الموت لو لم يلق الكافر من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه ، فأرني كيف تقبض أرواح المؤمنين؟ قال : أعرض . فأعرض ، ثم التفت فإذا هو برجل شاب أحسن وجهاً وأطيبه ، في ثياب بيض فقال : يا ملك الموت لو لم ير المؤمن عند موته من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكان يكفيه .
وأخرج الطبراني وأبو نعيم وابن منده كلاهما في الصحابة عن الخزرج سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ونظر إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال : يا ملك الموت أرفق بصاحبي فإنه مؤمن فقال ملك الموت عليه السلام : طب نفساً ، وقر عيناً ، واعلم بأني بكل مؤمن رفيق ، واعلم يا محمد إني لأقبض روح ابن آدم ، فإذا صرخ صارخ قمت في الدار ومعي روحه فقلت : ما هذا الصارخ! والله ما ظلمناه ، ولا سبقنا أجله ، ولا استعجلنا قدره ، وما لنا في قبضه من ذنب ، فإن ترضوا بما صنع الله تؤجروا ، وأن تسخطوا تأثموا وتؤزروا ، وإن لنا عندكم عودة بعد عودة ، فالحذر فالحذر ، وما من أهل بيت شعر ، ولا مدر بر ، ولا فاجر سهل ولا جبل إلا أنا أتصفحهم في كل يوم وليلة حتى أنا لاعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم ، والله لو أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو يأذن بقبضها » .(8/105)
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في العظمة عن أشعث بن شعيب رضي الله عنه قال : سأل إبراهيم عليه السلام ملك الموت واسمه عزرائيل وله عينان في وجهه ، وعين في قفاه فقال : يا ملك الموت ما تصنع إذا كانت نفس بالمشرق ونفس بالمغرب ، ووضع الوباء بأرض ، والتقى الزحفان كيف تصنع؟ قال أدعو الأرواح بإذن الله فتكون بين أصبعي هاتين .
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ وأبو نعيم في الحيلة عن شهر بن حوشب رضي الله تعالى عنه قال : ملك الموت جالس والدنيا بين ركبتيه ، واللوح الذي فيه آجال بني آدم بين يديه ، وبين يديه ملائكة قيام ، وهو يعرض اللوح لا يطرف ، فإذا أتى على أجل عبد قال : اقبضوا هذا .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن خيثمة رضي الله تعالى عنه قال : اتى ملك الموت عليه السلام سليمان بن داود عليه السلام وكان له صديقاً فقال له سليمان عليه السلام : ما لك تأتي أهل البيت فتقبضهم جميعاً ، وتدع أهل البيت إلى جنبهم لا تقبض منهم أحد؟ قال : لا أعلم بما أقبض منها إثما أكون تحت العرش ، فيلقى إليّ صكاك فيها أسماء .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن جريج رضي الله عنه قال : بلغنا أنه يقال لملك الموت اقبض فلاناً في وقت كذا في يوم كذا .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في الزهد وأبو الشيخ عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال : ما من أهل بيت الا يتصفحهم ملك الموت عليه السلام في كل يوم خمس مرات هل منهم أحد أمر بقبضه؟
وأخرج جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : وكل ملك الموت عليه السلام بقبض أرواح الآدميين فهو الذي يلي قبض أرواحهم ، وملك في الجن ، وملك في الشياطين ، وملك في الطير والوحش والسباع والحيتان والنمل ، فهم أربعة أملاك ، والملائكة عليهم السلام يموتون في الصعقة الأولى ، وإن ملك الموت يلي قبض أرواحهم ثم يموت . فأما الشهداء في البحر فإن الله يلي قبض أرواحهم لا يكل ذلك إلى ملك الموت لكرامتهم عليه .
وأخرج ابن ماجة عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(8/106)
« إن الله وكل ملك الموت عليه السلام بقبض الأرواح إلا شهداء البحر ، فإنه يتولى قبض أرواحهم » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والمروزي في الجنائز وأبو الشيخ عن أبي الشعثاء جابر بن زيد رضي الله عنه ، أن ملك الموت كان يقبض الأرواح بغير وجع ، فسبه الناس ولعنوه ، فشكا إلى ربه ، فوضع الله الأوجاع ونسي ملك الموت .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الأعمش رضي الله عنه قال : كان ملك الموت عليه السلام يظهر للناس؛ فيأتي للرجل ، فيقول : اقض حاجتك فإني أريد أن أقبض روحك ، فشكا فأنزل الداء وجعل الموت خفية .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خطوة ملك الموت عليه السلام ما بين المشرق والمغرب .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار يعوده ، فإذا ملك الموت عليه السلام عند رأسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن ، فقال : ابشر يا محمد فإني بكل مؤمن رفيق ، واعلم يا محمد إني لأقبض روح ابن آدم ، فيصرخ أهله ، فأقوم في جانب من الدار فأقول : والله ما لي من ذنب وإن لي لعودة وعودة الحذر الحذر ، وما خلق الله من أهل بيت ، ولا مدر ، ولا شعر ، ولا وبر في بر ، ولا بحر ، إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم وليلة خمس مرات حتى أني لأعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم ، والله يا محمد إني لا أقدر أقبض روح بعوضة حتى يكون الله تبارك وتعالى هو الذي يأمر بقبضه » .
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { قل يتوفاكم ملك الموت } قال : ملك الموت يتوفاكم ، وله أعوان من الملائكة .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { قل يتوفاكم ملك الموت } قال : حويت له الأرض ، فجعلت له مثل طست يتناول منها حيث يشاء .(8/107)
وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا } قال : أبصروا حين لم ينفعهم البصر ، وسمعوا حين لم ينفعهم السمع . وفي قوله { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها } قال : لو شاء الله لهدى الناس جميعاً ، ولو شاء الله أنزل عليهم من السماء آية { فظلت أعناقهم لها خاضعين } [ الشعراء : 4 ] .
وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إن الله يعتذر إلى آدم يوم القيامة بثلاثة معاذير . يقول : يا آدم لولا أني لعنت الكذابين ، وأبغض الكذب والخلف ، وأعذب عليه لرحمت اليوم ذريتك أجمعين من شدة ما أعددت لهم من العذاب ، ولكن حق القول مني لمن كذب رسلي ، وعصى أمري { لأملأن جهنم منكم أجمعين } [ الأعراف : 18 ] ويقول : يا آدم إني لا أدخل أحداً من ذريتك النار ، ولا أعذب أحداً منهم بالنار إلا من قد علمت في سابق علمي أني لو رددته إلى الدنيا لعاد إلى شر مما كان فيه لم يراجع ولم يعتب ، ويقول له : يا آدم قد جعلتك اليوم حكماً بيني وبين ذريتك ، قم عند الميزان ، فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم ، فمن رجح منهم خيره على شره مثقال ذرة ، فله الجنة حتى تعلم أني لا أدخل النار اليوم منهم إلا ظالماً » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا } قال : تركتم أن تعملوا للقاء يومكم هذا .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الضحاك رضي الله عنه { فذوقوا بما نسيتم . . } قال : اليوم نترككم في النار كما تركتم أمري .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إنا نسيناكم } قال : تركناكم .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت هذه الآية في شأن الصلوات الخمس { إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً } أي أتوها { وسبحوا } أي صلوا بأمر ربهم { وهم لا يستكبرون } عن اتيان الصلوات في الجماعات .(8/108)
تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)
أخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن هذه الآية { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة .
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } قال : كانوا لا ينامون حتى يصلوا العشاء .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال نزلت { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } في صلاة العشاء .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه قال : كنا نجتنب الفرش قبل صلاة العشاء .
وأخرج محمد بن نصر وابن جرير عن أبي سلمة رضي الله عنه في قوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } في صلاة العتمة .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم راقداً قبل العشاء ولا متحدثاً بعدها فإن هذه الآية نزلت في ذلك { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } .
وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال : نزلت فينا معاشر الأنصار كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت فينا { تتجافى جنوبهم عن المضاجع . . . } .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } قال : هم الذي لا ينامون قبل العشاء ، فأثنى عليهم ، فلما ذكر ذلك جعل الرجل يعتزل فراشه مخافة أن تغلبه عينه ، فوقتها قبل أن ينام الصغير ويكسل الكبير » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } قال : أنزلت في صلاة العشاء الآخرة ، كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينامون حتى يصلوها .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود ومحمد بن نصر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس رضي الله عنه في قوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } قال : كانوا ينتظرون ما بين المغرب والعشاء يصلون .
وأخرج عبدالله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد وابن عدي وابن مردويه عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن هذه الآية { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } قال : كان قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين الأولين يصلون المغرب ويصلون بعدها إلى عشاء الآخرة ، فنزلت هذه الآية فيهم .
وأخرج البزار وابن مردويه عن بلال رضي الله عنه قال : كنا نجلس في المجلس وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون المغرب إلى العشاء ، فنزلت { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } .(8/109)
وأخرج محمد بن نصر والبيهقي في سننه عن ابن المنكدر وأبي حازم في قوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } قالا : هي ما بين المغرب والعشاء صلاة الأوابين .
وأخرج محمد بن نصر عن عبد الله بن عيسى رضي الله عنه قال : كان ناس من الأنصار يصلون ما بين المغرب والعشاء ، فنزلت فيهم { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } .
وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } قال » قيام العبد من الليل « » .
وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن نصر في كتاب الصلاة وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : « كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فاصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير ، فقلت : يا نبي الله اخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني عن النار قال » لقد سألت عن عظيم وانه اليسير على من يسره الله عليه . تعبد الله ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفىء الخطيئة ، وصلاة الرجل في جوف الليل ، ثم قرأ { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } حتى بلغ { يعملون } ، ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر ، وعموده ، وذروة سنامه؟ فقلت : بلى يا رسول الله قال : رأس الأمر الإِسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد ، ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ فقلت : بلى يا نبي الله ، فأخذ بلسانه فقال : كف عنك هذا ، فقلت : يا رسول الله وانا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم « .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه قال : ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل ففاضت عيناه حتى تحادرت دموعه ، فقال { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال » يا رسول الله أخبرني بعمل أهل الجنة قال : قد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه . تعبد الله لا تشرك به شيئاً ، وتؤدي الصلاة المكتوبة - ولا أدري ذكر الزكاة أم لا - وإن شئت أنبأتك ، برأس هذا الأمر ، وعموده ، وذروة سنامه ، رأسه الإِسلام من أسلم سلم ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ، والصيام جنة ، والصدقة تمحو الخطيئة ، وصلاة الرجل في جوف الليل ، ثم تلا هذه الآية { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } « .(8/110)
وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه في قوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } لا تمر عليهم ليلة إلا أخذوا منها بحظ .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة ومحمد بن نصر وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } قال : يقومون فيصلون بالليل .
وأخرج ابن نصر وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } قال : قيام الليل .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد من طريق أبي عبد الله الجدلي عن عبادة بن الصامت عن كعب رضي الله عنه قال : إذا حشر الناس نادى مناد : هذا يوم الفصل أين الذين { تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ } أين الذين { يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم؟ } [ آل عمران : 191 ] ثم يخرج عنق من النار فيقول : أمرت بثلاث : بمن جعل مع الله إلهاً آخر . وبكل جبار عنيد . وبكل معتد ، لأنا أعرف بالرجل من الوالد بولده ، والمولود بوالده ، ويؤمر بفقراء المسلمين إلى الجنة فيحسبون فيقولون : تحسبونا ما كان لنا أموال ولا كنا أمراء .
وأخرج محمد بن نصر وابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً } قال : هم قوم لا يزالوان يذكرون الله ، إما في الصلاة ، وإما قياماً ، واما قعوداً ، وإما إذا استيقظوا من منامهم . هم قوم لا يزالون يذكرون الله تعالى .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ربيعة الجرشي رضي الله عنه قال : يجمع الله الخلائق يوم القيامة في صعيد واحد ، فيكونون ما شاء الله أن يكونوا ، فينادي مناد : سيعلم أهل الجمع لمن العز اليوم والكرم ، ليقم الذين { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً } فيقومون وفيهم قلة ، ثم يلبث ما شاء الله أن يلبث ، ثم يعود فينادي سيعلم أهل الجمع لمن العز والكرم ، ليقم الذين { لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله } [ النور : 37 ] فيقومون وهم أكثر من الأولين ، ثم يلبث ما شاء الله أن يلبث ، ثم يعود وينادي : سيعلم أهل الجمع لمن العز اليوم والكرم ، ليقم الحمادون لله على كل حال ، فيقومون وهم أكثر من الأولين .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } يقول : تتجافى لذكر الله كلما استيقظوا ذكروا الله . اما في الصلاة ، وإما في قيام أو قعود ، أو على جنوبهم ، فهم لا يزالون يذكرون الله .(8/111)
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)
أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } .
وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن أبي هريرة رضي الله عنه { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان عرش الله على الماء ، فاتخذ جنة لنفسه ، ثم اتخذ دونها أخرى ، ثم أطبقهما لؤلؤة واحدة ، ثم قال : ومن دونهما جنتان لم يعلم الخلق ما فيهما ، وهي التي قال الله { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } يأتيهم فيها كل يوم تحفة .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إنه لمكتوب في التوراة « لقد أعد الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم ترَ عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب بشر ، ولا يعلم ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، وإنه لفي القرآن { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وهناد كلاهما في الزهد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن الأنباري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : اقرأوا إن شئتم { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر بن عبد الواحد رضي الله عنه قال : بلغني أن الرجل من أهل الجنة يمكث في مكانه سبعين سنة ، ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه فتقول له : قد آن لك أن يكون لنا منك نصيب . فيقول : من أنت؟ فتقول : أنا مزيد ، فيمكث معها سبعين سنة ، ويلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه فتقول : قد آن لك أن يكون لنا منك نصيب فيقول : من أنت؟ فتقول : أنا التي قال الله { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنه قال : إن الرجل من أهل الجنة ليجيء فيشرف عليه النساء فيقلن : يا فلان بن فلان ما أنت حين خرجت من عندنا بأولى بك منا فيقول : من أنتن؟! فيقلن : نحن من اللاتي قال الله { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } .(8/112)
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : يدخلون عليهم على مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات ، معهم التحف من الله من جنات عدن مما ليس في جناتهم . وذلك قوله { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال : سأصف لكم منزل الرجل من أهل الجنة كان يطلب في الدنيا حلالاً ، ويأكل حلالاً ، حتى لقي الله على ذلك ، فإنه يعطى يوم القيامة قصراً من لؤلؤة واحدة ليس فيها صدع ولا وصل ، فيها سبعون ألف غرفة ، وأسفل الغرف سبعون ألف بيت ، في كل بيت سقفه صفائح الذهب والفضة ليس بموصول ، ولولا أن الله سخر له النظر إليه لذهب بصره من نوره ، عرض الحائط اثنا عشر ميلاً ، وطوله في السماء سبعون ميلاً ، في كل بيت سبعون ألف باب يدخل عليه ، في كل بيت من كل باب سبعون ألف خادم لا يراهم من في هذا البيت ، ولا من في هذا البيت ، فإذا خرج في قصره صار في ملكه مثل عمر الدنيا ، يسير في ملكه عن يمينه وعن يساره ومن ورائه ، وأزواجه معه وليس معه ذكر غيره ، ومن بين يديه ملائكة قد سخروا له بينه وبين أزواجه ستر ، وبين يديه ستر ووصفاء ووصائف قد أفهموا ما يشتهي وما يشتهي أزواجه ، ولا يموت هو ولا أزواجه ولا خدامه أبداً ، نعيمهم يزداد كل يوم من غير أن يبلى الأول ، وقرة عين لا تنقطع أبداً ، لا يدخل عليه فيه روعة أبداً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « والذي نفسي بيده لو أن آخر أهل الجنة رجلاً أضاف آدم فمن دونه ، ووضع لهم طعاماً وشراباً حتى يخرجوا من عنده لا ينقصه ذلك مما أعطاه الله » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والطبراني وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة من طريق أبي صخر عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : « بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصف الجنة حتى انتهى ، ثم قال » فيهما ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر « ، ثم قرأ { تتجافى جنوبهم عن المضاجع . . . } قال أبو صخر : فذكرته للقرظي فقال : إنهم أخفوا عملاً ، وأخفى الله لهم ثواباً ، فقدموا على الله فقرت تلك الأعين » .(8/113)
وأخرج ابن جرير عن أبي اليمان الهذلي قال : الجنة مائة درجة ، أولها درجة فضة ، وأرضها فضة ، وآنيتها فضة ، وترابها المسك . والثانية ذهب ، ومساكنها ذهب ، وآنيتها ذهب ، وترابها المسك . والثالثة لؤلؤ ، وأرضها لؤلؤ ، ومساكنها لؤلؤ ، وآنيتها لؤلؤ ، وترابها المسك . وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وتلا هذه الآية { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين . . } .
وأخرج ابن جرير والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق الحاكم بن أبان عن الغطريف عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح الأمين قال « يؤتى بحسنات العبد وسيئاته ، فيقتص بعضها من بعض ، فإن بقيت حسنة واحدة أدخله الله الجنة » قال : فدخلت على يزدان فحدث بمثل هذا فقلت : فإن ذهبت الحسنة؟ قال : { أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم } [ الأحقاف : 16 ] قلت : أفرأيت قوله { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } قال : هو العبد يعمل سراً أسره إلى الله لم يعلم به الناس ، فأسر الله له يوم القيامة { قرة أعين } .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن أدنى أهل الجنة حظاً قوم يخرجهم الله من النار برحمته بعد أن يحترقوا ، يرتاح لهم الرب أنهم كانوا لا يشركون بالله شيئاً ، فينبذون بالعراء فينبتون كما ينبت البقل حتى إذا رجعت الأرواح إلى أجسادها قالوا : ربنا كالذي أخرجتنا من النار ورجعت الأرواح إلى أجسادنا فاصرف وجوهنا عن النار ، فيصرف وجوههم عن النار ، ويضرب لهم شجرة ذات ظل وفيء فيقولون : ربنا كالذي أخرجتنا من النار فانقلنا إلى ظل هذه الشجرة ، فينقلهم إليها ، فيرون أبواب الجنة فيقولن : ربنا كالذي أخرجتنا من النار فانقلنا إلى أبواب الجنة ، فيفعل فإذا نظروا إلى ما فيها من الخيرات والبركات قال : وقرأ أبو هريرة رضي الله عنه { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } قالوا : ربنا كالذي أخرجتنا من النار فادخلنا الجنة قال : فيدخلون الجنة ، ثم يقال لهم : تمنوا فيقولون : يا رب اعطنا حتى إذا قالوا : يا ربنا حسبنا قال : هذا لكم وعشرة أمثاله » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والترمذي وابن جرير والطبراني وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم « أن موسى عليه السلام سأل ربه فقال : رب أي أهل الجنة أدنى منزلة؟ فقال : رجل يجيء بعدما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له : ادخل . فيقول : كيف ادخل وقد نزلوا منازلهم ، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له : اترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا؟ فيقول : نعم . أي رب قد رضيت فيقال له : فإن لك هذا وعشرة أمثاله معه فيقول : أي رب رضيت فيقال له : فإن لك من هذا ما اشتهت نفسك ، ولذت عينك ، فقال موسى عليه السلام : أي رب فأي أهل الجنة ارفع منزله؟ قال : إياها أردت وسأحدثك عنهم إني غرست كرامتهم بيدي ، وختمت عليها فلا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، قال : ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } » .(8/114)
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)
أخرج أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني والواحدي وابن عدي وابن مردويه والخطيب وابن عساكر من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال الوليد بن عقبة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : أنا أحد منك سناناً ، وأبسط منك لساناً ، وأملأ للكتيبة منك ، فقال له علي رضي الله عنه : اسكت فإنما أنت فاسق . فنزلت { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } يعني بالمؤمن : علياً . وبالفاسق : الوليد بن عقبة بن أبي معيط .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال : نزلت بالمدينة في علي بن أبي طالب ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط قال : كان بين الوليد وبين علي كلام فقال الوليد بن عقبة : أنا أبسط منك لساناً ، وأحمد منك سناناً ، وأرد منك للكتيبة ، فقال علي رضي الله عنه : اسكت فانك فاسق . فأنزل الله { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون . . . } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون . . . } قال : نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والوليد بن عقبة .
وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً } قال : أما المؤمن : فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأما الفاسق : فعقبة بن أبي معيط ، وذلك لسباب كان بينهما ، فأنزل الله ذلك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } قال : لا في الدنيا ، ولا عند الموت ، ولا في الآخرة . وفي قوله { وأما الذين فسقوا } قال : هم الذين أشركوا وفي قوله { كنتم به تكذبون } قال : هم يكذبون كما ترون .(8/115)
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
أخرج الفريابي وابن منيع وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والخطيب والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى } قال : يوم بدر { دون العذاب الأكبر } قال : يوم القيامة { لعلهم يرجعون } قال : لعل من بقي منهم يرجع .
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى } قال : سنون اصابتهم { لعلهم يرجعون } قال : يتوبون .
وأخرج مسلم وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وأبو عوانه في صحيحه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي بن كعب رضي الله عنه في قوله { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى } قال : مصائب الدنيا واللزوم والبطشة والدخان .
وأخرج ابن مردويه عن أبي ادريس الخولاني رضي الله عنه قال : سألت عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن قول الله { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } فقال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال « هي المصائب والاسقام والانصاب عذاب للمسرف في الدنيا دون عذاب الآخرة قلت : يا رسول الله فما هي لنا؟ قال : زكاة وطهور » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى } قال : مصائب الدنيا وأسقامها وبلاياها ، يبتلي الله بها العباد كي يتوبوا .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن إبراهيم رضي الله عنه { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } قال : أشياء يصابون بها في الدنيا { لعلهم يرجعون } قال : يتوبون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } قال : الحدود { لعلهم يرجعون } قال : يتوبون .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى } قال : عذاب الدنيا وعذاب القبر .
وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد في قوله { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى } قال : القتل والجوع لقريش في الدنيا ، والعذاب الأكبر يوم القيامة في الآخرة .
وأخرج هناد عن أبي عبيدة في قوله { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى } قال : عذاب القبر .(8/116)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)
أخرج ابن منيع وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن معاذ بن جبل رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ثلاث من فعلهن فقد أجرم . من عقد لواء في غير حق . أو عق والديه . أو مشى مع ظالم لينصره فقد أجرم ، يقول الله عز وجل { إنا من المجرمين منتقمون } » .(8/117)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)
أخرج عبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلاً طوالاً جعداً كأنه من رجال شنوأة ، ورأيت عيسى بن مريم عليه السلام مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس ، ورأيت مالكاً خازن جهنم والدجال في آيات أراهن الله إياه قال { فلا تكن في مرية من لقائه } فكان قتادة يفسرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لقي موسى { وجعلناه هدى لبني إسرائيل } قال : جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل » .
وأخرج الطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند صحيح عن ابن عباس « عن النبي صلى الله عليه وسلم { فلا تكن في مرية من لقائه } من لقاء موسى ربه { وجعلناه هدى لبني إسرائيل } قال : جعل موسى هدى لبني إسرائيل » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { فلا تكن في مرية من لقائه } قال : من لقاء موسى قيل : أو لقي موسى؟ قال : نعم . ألا ترى إلى قوله { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } [ الزخرف : 45 ] .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { فلا تكن في مرية من لقائه } قال : من أن تلقى موسى .
وأخرج الحاكم عن مالك أنه تلا { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا } فقال : حدثني الزهري أن عطاء بن يزيد حدثه عن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول « ما رزق عبد خيراً له أوسع من الصبر » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وجعلنا منهم أئمة } قال : رؤساء في الخير سوى الأنبياء { يهدون بأمرنا لما صبروا } قال : على ترك الدنيا . والله أعلم .(8/118)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)
أخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز } قال : الجرز التي لا تمطر إلا قطراً لا يغني عنها شيئاً إلا ما يأتيها من السيول .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إلى الأرض الجرز } قال : أرض باليمن .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { إلى الأرض الجرز } قال : هي التي لا تنبت هن أبين ونحوها من الأرض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة { إلى الأرض الجرز } قال : السمطاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي { إلى الأرض الجرز } قال : إلى الأرض الميتة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { إلى الأرض الجرز } قال : قرى فيما بين اليمن والشام .
وأخرج أبو بكر وابن حبان في كتاب الغرر عن الربيع بن سبرة قال : الأمثال أقرب إلى العقول من المعاني ، ألم تسمع إلى قوله { أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز } « ألم تر »؟ « ألم يروا » .(8/119)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قال الصحابة أن لنا يوم يوشك أن نستريح فيه ونتنعم فيه . فقال المشركون { متى هذا الفتح إن كنتم صادقين } فنزلت .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله { ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين } قال : يوم بدر فتح النبي صلى الله عليه وسلم فلم { ينفع الذين كفروا إيمانهم } بعد الموت .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { قل يوم الفتح } قال : يوم القيامة .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { قل يوم الفتح } قال : يوم القضاء . وفي قوله { وانتظر إنهم منتظرون } قال : يوم القيامة .(8/120)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)
أخرج ابن جرير من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : إن أهل مكة منهم الوليد بن المغيرة ، وشيبة بن ربيعة ، دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم ، وخوفه المنافقون واليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه ، فأنزل الله { يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج { ولا تطع الكافرين } أبي بن خلف { والمنافقين } أبو عامر الراهب ، وعبد الله بن أُبي بن سلول ، والجد بن قيس .(8/121)
مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)
أخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يصلي ، فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه : ألا ترى أن له قلبين؟ قلباً معكم ، وقلباً معهم . فأنزل الله { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة قالوا : كان رجل يدعى ذا القلبين ، فأنزل الله { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال : كان رجل من قريش يسمى من دهائه ذا القلبين ، فأنزل الله هذا في شأنه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال : كان رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى ذا القلبين . كان يقول : لي نفس تأمرني ، ونفس تنهاني ، فأنزل الله فيه ما تسمعون .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : إن رجلاً من بني فهر قال : إن في جوفي قلبين ، اعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد ، فنزلت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي : أنها نزلت في رجل من قريش من بني جمح ، يقال له : جميل بن معمر .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال « صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فسها فيها ، فخطرت منه كلمة ، فسمعها المنافقون ، فأكثروا فقالوا : إن له قلبين . ألم تسمعوا إلى قوله وكلامه في الصلاة؟ إن له قلباً معكم ، وقلباً مع أصحابه ، فنزلت { يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين } إلى قوله { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الزهري في قوله { ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } قال : بلغنا أن ذلك كان في زيد بن حارثة ، ضرب له مثلاً يقول : ليس ابن رجل آخر ابنك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كان الرجل يقول لامرأته : أنت عليَّ كظهر أمي . فقال الله { وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم } وكان يقال : زيد بن محمد . فقال الله { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم } أي ما جعلها أمك ، وإذا ظاهر الرجل من امرأته فإن الله لم يجعلها أمه ، ولكن جعل فيها الكفارة { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } يقول : ما جعل دعيك ابنك . يقول : إن ادعى رجل رجلاً فليس بابنه . ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول « من ادعى إلى غير أبيه متعمداً حرم الله عليه الجنة » .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } قال : نزلت في زيد بن حارثة رضي الله عنه .(8/122)
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)
أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر : « أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد . حتى نزل القرآن { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنت زيد بن حارثة بن شراحيل » .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عائشة « أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وكان ممن شهد بدراً تبنى سالماً ، وأنكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وهو مولى لامرأة من الأنصار ، كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيداً ، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه وورثه من ميراثه حتى أنزل الله في ذلك { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } فردوا إلى آبائهم ، فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخاً في الدين ، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن سالماً كان يدعى لأبي حذيفة رضي الله عنه ، وإن الله قد أنزل في كتابه { ادعوهم لآبائهم } وكان يدخل عليَّ ، وأنا وحدي ، ونحن في منزل ضيق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ارضعي سالماً تحرمي عليه » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان من أمر زيد بن حارثة رضي الله عنه أنه كان في أخواله بني معن من بني ثعل من طيء ، فأصيب في غلمة من طيء ، فقدم به سوق عكاظ ، وانطلق حكيم بن حزام بن خويلد إلى عكاظ يتسوق بها ، فأوصته عمته خديجة رضي الله عنها أن يبتاع لها غلاماً ظريفاً عربياً ان قدر عليه ، فلما جاء وجد زيداً يباع فيها ، فأعجبه ظرفه ، فابتاعه فقدم به عليها وقال لها : إني قد ابتعت لك غلاماً ظريفاً عربياً ، فإن أعجبك فخذيه وإلا فدعيه ، فإنه قد أعجبني ، فلما رأته خديجة اعجبها ، فأخذته فتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عندها ، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ظرفه ، فاستوهبه منها فقالت : هو لك فإن أردت عتقه فالولاء لي ، فأبى عليها فوهبته له إن شاء أعتق وإن شاء أمسك قال : فشب عند النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم إنه خرج في إبل طالب إلى الشام ، فمر بأرض قومه . فعرفه عمه ، فقام إليه فقال : من أنت يا غلام؟ قال : غلام من أهل مكة . قال : من أنفسهم؟ قال : لا . فحر أنت أم مملوك؟ قال : بل مملوك قال : لمن؟ قال : لمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب فقال له : أعربي أنت أم عجمي؟ قال : بل عربي قال : ممن أهلك؟ قال : من كلب قال : من أي كلب؟ قال : من بني عبدود قال : ويحك .(8/123)
. ! ابن من أنت؟ قال : ابن حارثة بن شراحيل قال : وأين أصبت؟ قال : في أخوالي قال : ومن أخوالك؟ قال : طي قال : ما اسم أمك؟ قال : سعدي . فالتزمه وقال ابن حارثة : ودعا أباه وقال : يا حارثة هذا ابنك . فأتاه حارثة ، فلما نظر إليه عرفه قال : كيف صنع مولاك إليك؟ قال : يؤثرني على أهله وولده ، ورزقت منه حباً ، فلا أصنع إلا ما شئت .
فركب معه وأبوه وعمه وأخوه حتى قدموا مكة ، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له حارثة : يا محمد أنتم أهل حرم الله وجيرانه ، وعند بيته . تفكون العاني ، وتطعمون الأسير . ابني عبدك ، فامنن علينا ، وأحسن إلينا في فدائه ، فإنك ابن سيد قومه فإنا سنرفع لك في الفداء ما أحببت . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أعطيكم خيراً من ذلك قالوا : وما هو؟ قال : أخيره فإن اختاركم فخذوه بغير فداء ، وإن اختارني فكفوا عنه قالوا : جزاك الله خيراً فقد أحسنت ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا زيد اتعرف هؤلاء؟ قال : نعم . هذا أبي وعمي وأخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنا من قد عرفته ، فإن اخترتهم فأذهب معهم ، وإن اخترتني فأنا من تعلم فقال زيد : ما أنا بمختار عليك أحداً أبداً ، أنت مني بمكان الوالد والعم قال له أبوه وعمه : يا زيد تختار العبودية على الربوبية؟ قال : ما أنا بمفارق هذا الرجل .
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصه عليه قال : اشهدوا أنه حر ، وإنه ابني يرثني وأرثه ، فطابت نفس أبيه وعمه ، لما رأوا من كرامته عليه ، فلم يزل زيد في الجاهلية يدعى : زيد بن محمد . حتى نزل القرآن { ادعوهم لآبائهم } فدعي زيد بن حارثة » .
وأخرج ابن عساكر من طريق زيد بن شيبة عن الحسن بن عثمان رضي الله عنه قال : حدثني عدة من الفقهاء وأهل العلم قالوا : كان عامر بن ربيعة يقال له : عامر بن الخطاب وإليه كان ينسب ، فأنزل الله فيه ، وفي زيد بن حارثة ، وسالم مولى أبي حذيفة ، والمقداد بن عمرو { ادعوهم لآبائهم . . } .
وأخرج ابن جرير عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه قال : قال الله { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } فإنا ممن لا يعلم أبوه ، وأنا من اخوانكم في الدين .
وأخرج ابن جرير عن قتادة { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } أعدل عند الله { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } فإذا لم تعلم من أبوه فإنما هو أخوك في الدين ومولاك .(8/124)
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } قال : إن لم تعرف أباه فأخوك في الدين ومولاك مولى فلان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في الآية يقول : إن لم تعلموا لهم آباء تدعوهم إليهم فانسبوهم اخوانكم في الدين إذ تقول : عبد الله ، وعبد الرحمن ، وعبيد الله ، وأشباههم من الأسماء ، وأن يدعى إلى اسم مولاه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } يقول : أخوك في الدين ومولاك مولى بني فلان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سالم بن أبي الجعد قال : لما نزلت { ادعوهم لآبائهم } لم يعرفوا لسالم أباً ولكن مولى أبي حذيفة إنما كان حليفاً لهم .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } قال : هذا من قبل النهي في هذا وغيره { ولكن ما تعمدت قلوبكم } بعد ما أمرتم وبعد النهي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به . . . } قال : لو دعوت رجلاً لغير أبيه وأنت ترى أنه أبوه لم يكن عليك بأس ، ولكن ما أردت به العمد .
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال « والله ما أخشى عليك الخطأ ، ولكن أخشى عليك العمد » .
وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إني لست أخاف عليكم الخطأ ، ولكن أخاف عليكم العمد » .(8/125)
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)
أخرج البخاري وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة ، اقرأوا إن شئتم { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } فأيما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا فإن ترك ديناً ، أو ضياعاً ، فليأتني فأنا مولاه » .
وأخرج الطيالسي وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « كان المؤمن إذا توفي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم سأل هل عليه دين؟ فإن قالوا : نعم . قال : هل ترك وفاء لدينه؟ فإن قالوا : نعم . صلى عليه ، وإن قالوا : لا . قال : صلوا على صاحبكم ، فلما فتح الله علينا الفتوح قال : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن ترك ديناً فإليّ ، ومن ترك مالاً فللوارث » .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول : « أنا أولى بكل مؤمن من نفسه . فأيما رجل مات وترك ديناً فإليّ ، ومن ترك مالاً فهو لورثته » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي عن بريدة رضي الله عنه قال : غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة ، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت علياً ، فتنقصته فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تغير وقال : « يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : من كنت مولاه فعلي مولاه » .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وأزواجه أمهاتهم } قال : يعظم بذلك حقهن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وأزواجه أمهاتهم } يقول : أمهاتهم في الحرمة ، لا يحل لمؤمن أن ينكح امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ان طلق ، ولا بعد موته . هي حرام على كل مؤمن مثل حرمة أمه .
وأخرج ابن سعد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن عائشة أن امرأة قالت لها : يا أمي فقالت : أنا أم رجالكم ولست أم نسائكم .
وأخرج ابن سعد عن أم سلمة قالت : أنا أم الرجال منكم والنساء .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وإسحاق بن راهويه وابن المنذر والبيهقي عن بجالة قال : مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بغلام وهو يقرأ في المصحف « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم » فقال : يا غلام حكها فقال : هذا مصحف أبي فذهب إليه فسأله فقال : إنه كان يلهيني القرآن ، ويلهيك الصفق بالأسواق .(8/126)
وأخرج الفريابي وابن مردويه والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ هذه الآية « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم » .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه أنه قرأ « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان في الحرف الأول « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم » .
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : في القراءة الأولى « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم » .
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين } قال : لبث المسلمون زماناً يتوارثون بالهجرة ، والاعرابي المسلم لا يرث من المهاجر شيئاً . فأنزل الله هذه الآية ، فخلط المؤمنين بعضهم ببعض ، فصارت المواريث بالملل .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً } قال : توصون لحلفائكم الذين والى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار .
وأخرج ابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن علي بن الحنفية رضي الله عنه في قوله { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً } قال : نزلت هذه الآية في جواز وصية المسلم لليهودي والنصراني .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم } قال : القرابه من أهل الشرك { معروفاً } قال : وصية ولا ميراث لهم { كان ذلك في الكتاب مسطوراً } قال : وفي بعض القراءات « كان ذلك عند الله مكتوباً » أن لا يرث المشرك المؤمن .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة والحسن رضي الله عنه في قوله { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً } قالا : إلا أن يكون لك ذو قرابة على دينك فتوصي له بالشيء ، وهو وليك في النسب ، وليس وليك في الدين .(8/127)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)
أخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم } قال : في ظهر آدم { وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً } قال : أغلظ مما أخذه من الناس { ليسأل الصادقين عن صدقهم } قال : المبلغين من الرسل المؤدين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم . . . } الآية . قال : أخذ الله على النبيين خصوصاً أن يصدق بعضهم بعضاً ، وأن يتبع بعضهم بعضاً .
وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي مريم الغساني رضي الله عنه : « أن أعرابياً قال : يا رسول الله ما أول نبوّتك؟ قال : أخذ الله مني الميثاق كما أخذ من النبيين ميثاقهم ، ثم تلا { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً } ودعوة أبي إبراهيم قال { وابعث فيهم رسولاً منهم } [ البقرة : 129 ] وبشارة المسيح ابن مريم ، ورأت أم رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامها : أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام » .
وأخرج الطيالسي والطبراني وابن مردويه عن أبي العالية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خلق الله الخلق ، وقضى القضية ، وأخذ ميثاق النبيين ، وعرشه على الماء ، فأخذ أهل اليمين بيمينه ، وأخذ أهل الشمال بيده الأخرى ، وكلتا يدي الرحمن يمين ، فأما أصحاب اليمين فاستجابوا إليه فقالوا : لبيك ربنا وسعديك قال { ألست بربكم؟ قالوا : بلى } [ الأعراف : 172 ] فخلط بعضهم ببعض فقال قائل منهم : يا رب لم خلطت بيننا فإن { لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون } [ المؤمنون : 63 ] قال : أن يقولوا يوم القيامة { إنا كنا عن هذا غافلين } [ الأعراف : 172 ] ثم ردهم في صلب آدم عليه السلام فأهل الجنة أهلها ، وأهل النار أهلها ، فقال قائل : فما العمل إذاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يعمل كل قوم لمنزلتهم ، فقال : ابن الخطاب رضي الله عنه : إذن نجتهد يا رسول الله » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « قيل يا رسول الله متى أخذ ميثاقك؟ قال : » وآدم بين الروح والجسد « » .
وأخرج ابن سعد رضي الله عنه قال : « قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : متى استنبئت؟ قال : » وآدم بين الروح والجسد حين أخذ مني الميثاق « » .
وأخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « قيل يا رسول الله متى كنت نبيا؟ قال : وآدم بين الروح والجسد » .(8/128)
وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ميسرة الفخر رضي الله عنه قال : « قلت يا رسول الله متى كنت نبياً؟ قال : وآدم بين الروح والجسد » .
وأخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « قيل للنبي صلى الله عليه وسلم متى وجبت لك النبوّة؟ قال : بين خلق آدم ونفخ الروح فيه » .
وأخرج أبو نعيم عن الصنابحي قال : « قال عمر رضي الله عنه : متى جعلت نبياً؟ قال : » وآدم منجدل في الطين « » .
وأخرج ابن سعد عن ابن أبي الجدعاء رضي الله عنه قال : « قلت يا رسول الله متى جعلت نبيا؟ قال : وآدم بين الروح والجسد » .
وأخرج ابن سعد عن مطرف بن الشخير رضي الله عنه « أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى كنت نبياً؟ قال : وآدم بين الروح والطين » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة رضي الله عنه قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح } . قال : » بدىء بي في الخير . وكنت آخرهم في البعث « . وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح } قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول » كنت أول الأنبياء في الخلق ، وآخرهم في البعث « .
وأخرج ابن أبي عاصم والضياء في المختارة عن أبي بن كعب { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح } قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » أولهم نوح ، ثم الأول فالأول « .
وأخرج الحسن بن سفيان وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والديلمي وابن عساكر من طريق قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم . . . } قال » كنت أول النبيين في الخلق ، وآخرهم في البعث ، فبدئ به قبلهم « .
وأخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خيار ولد آدم خمسة : نوح . وإبراهيم . وموسى . وعيسى . ومحمد ، وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما { ميثاقهم } عهدهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم } قال : إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم .
وأخرج أبو نعيم والديلمي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ليس من عالم إلا وقد أخذ الله ميثاقه يوم أخذ ميثاق النبيين ، يدفع عنه مساوىء عمله لمحاسن عمله ، إلا أنه لا يوحي إليه « .(8/129)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)
أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طرق عن حذيفة قال « لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ، ونحن صافون قعود ، وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا ، وقريظة اليهود أسفل نخافهم على ذرارينا ، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ، ولا أشد ريحاً منها ، أصوات ريحها أمثال الصواعق ، وهي ظلمة ما يرى أحد منا اصبعه ، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون { إن بيوتنا عورة وما هي بعورة } فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له ، يتسللون ونحن ثلثمائة أو نحو ذلك ، إذ استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً رجلاً حتى مر علي ، وما علي جنة من العدو ، ولا من البرد إلا مرط لامرأتي ، ما يجاوز ركبتي ، فأتاني وأنا جاث على ركبتي فقال : من هذا؟ قلت : حذيفة فتقاصرت إلى الأرض فقلت : بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم فقال : قم . فقمت فقال : إنه كان في القوم خبر ، فأتني بخبر القوم قال : وأنا من أشد الناس فزعاً ، وأشدهم قراً ، فخرجت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم احفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوقه ، ومن تحته ، قال : فو الله ما خلق الله فزعاً ولا قراً في جوف إلا خرج من جوفي ، فما أجد منه شيئاً ، فلما وليت قال : يا حذيفة لا تحدث في القوم شيئاً حتى تأتيني ، فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم ، نظرت في ضوء نار لهم توقد ، واذا برجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ، ويمسح خاصرته ويقول : الرحيل . . . الرحيل . . . ثم دخل العسكر فإذا في الناس رجال من بني عامر يقولون : الرحيل . . . الرحيل يا آل عامر لا مقام لكم ، وإذا الرحيل في عسكرهم ما يجاوز عسكرهم شبراً فوالله أني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم ، ومن بينهم الريح يضربهم بها ، ثم خرجت نحو النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما انتصفت في الطريق أو نحو ذلك ، إذا أنا بنحو من عشرين فارساً متعممين ، فقالوا : اخبر صاحبك أن الله كفاه القوم ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشتمل في شملة يصلي ، وكان إذا حز به أمر صلى ، فأخبرته خبر القوم أني تركتهم يرتحلون . فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذا جاءتكم جنود . . . } » .
وأخرج الفريابي وابن عساكر عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : قال رجل : لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحملته ولفعلت . فقال حذيفة : لقد رأيتني ليلة الأحزاب ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في ليلة باردة ما قبله ولا بعده برد كان أشد منه ، فحانت مني التفاتة ، فقال(8/130)
« ألا رجل يذهب إلى هؤلاء فيأتينا بخبرهم - جعله الله معي يوم القيامة - قال : فما قام منه انسان قال : فسكتوا ، ثم عاد . . . فسكتوا ، ثم قال : يا أبا بكر ، ثم قال : استغفر الله رسوله ، ثم قال : إن شئت ذهبت فقال : يا عمر فقال : استغفر الله رسوله ، ثم قال : يا حذيفة فقلت : لبيك . فقمت حتى أتيت ، وإن جنبي ليضربان من البرد ، فمسح رأسي ووجهي ، ثم قال : ائت هؤلاء القوم حتى تأتينا بخبرهم ، ولا تحدث حدثاً حتى ترجع ، ثم قال : اللهم احفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوقه ، ومن تحته ، حتى يرجع . قال فلان : يكون أرسلها كان أحب إلي من الدنيا وما فيها . قال : فانطلقت ، فأخذت أمشي نحوهم كأني أمشي في حمام قال : فوجدتهم قد أرسل الله عليهم ريحاً ، فقطعت أطنابهم ، وذهبت بخيولهم ، ولم تدع شيئاً إلا أهلكته ، قال : وأبو سفيان قاعد يصطلي عند نار له ، قال فنظرت إليه ، فأخذت سهماً ، فوضعته في كبد قوسي قال : - وكان حذيفة رامياً - فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم » لا تحدثن حدثاً حتى ترجع « قال : فرددت سهمي في كنانتي قال : فقال رجل من القوم : الا فيكم عين للقوم؟ فأخذ كل بيد جليسه ، فأخذت بيده جليسي فقلت : من أنت؟ قال : سبحان الله! أما تعرفني؟ أنا فلان ابن فلان فإذا رجل من هوازن ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر ، فلما أخبرته ضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل ، وذهب عني الدفء فأدناني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنامني عند رجليه ، وألقى علي طرف ثوبه ، فإن كنت لألزق بطني وصدري ببطن قدميه ، فلما أصبحوا هزم الله الأحزاب ، وهو قول { فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها } » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود } قال : كان يوم أبي سفيان يوم الأحزاب .
وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قلنا يوم الخندق : يا رسول الله هل من شيء نقول : فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال : « نعم . قولوا : اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، قال : فضرب الله وجوه أعدائه بالريح فهزمهم الله بالريح » .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي عن مجاهد { إذ جاءتكم جنود } قال : الأحزاب . عيينة بن بدر ، وأبو سفيان ، وقريظة .(8/131)
{ فأرسلنا عليهم ريحاً } قال : يعني ريح الصبا أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى كفأت قدورهم على أفواهها ، ونزعت فساطيطهم حتى اظعنتهم { وجنوداً لم تروها } يعني الملائكة قال : ولم تقاتل الملائكة يومئذ .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى وابن مردويه وأبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما كانت ليلة الأحزاب جاءت الشمال إلى الجنوب قالت : انطلقي فانصري الله ورسوله ، فقالت الجنوب : إن الحرة لا تسري بالليل ، فغضب الله عليها وجعلها عقيماً ، فأرسل الله عليهم الصبا ، فأطفأت نيرانهم ، وقطعت أطنابهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور ، فذلك قوله { فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها } » .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس ، وتهب الرياح » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة في قوله { إذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } قالت : كان ذلك يوم الخندق .
وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال : « خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب ، فخرجت لنا من الخندق صخرة بيضاء مدوّرة ، فكسرت حديدنا وشقت علينا ، فشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ المعول من سلمان ، فضرب الصخر ضربة صدعها ، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة ، حتى لكأن مصباحاً في جوف ليل مظلم ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكبر المسلمون ، ثم ضربها الثانية ، فصدعها وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها ، فكبر وكبر المسلمون ، ثم ضربها الثالثة ، فصدعها وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها ، وكبر وكبر المسلمون ، فسألناه فقال : أضاء لي في الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، وأضاء لي في الثانية قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، فابشروا بالنصر . فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله موعد صادق بأن وعدنا النصر بعد الحصر ، فطلعت الأحزاب فقال المسلمون : { هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً } وقال المنافقون : الا تعجبون! يحدثكم ويعدكم ويمنيكم الباطل ، يخبر أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، وإنها تفتح لكم ، وإنكم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا ، وأنزل القرآن { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } » .(8/132)
وأخرج ابن إسحاق وابن مردويه عن ابن عباس قال : أنزل الله في شأن الخندق ، وذكر نعمه عليهم ، وكفايته إياهم عدوهم بعد سوء الظن ، ومقالة من تكلم من أهل النفاق { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها } وكانت الجنود التي أتت المسلمين . أسد . وغطفان . وسليما . وكانت الجنود التي بعث الله عليهم من الريح الملائكة فقال { إذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } فكان الذين جاؤوهم من أسفل منهم قريشاً ، وأسداً ، وغطفان فقال : { هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً ، وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } يقول : معتب بن قشير ومن كان معه على رأيه { وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي } يقول أوس بن قيظي ومن كان معه على مثل رأيه { ولو دخلت عليهم من أقطارها } إلى { وإذاً لا تمتعون إلا قليلاً } ثم ذكر يقين أهل الايمان حين أتاهم الأحزاب فحصروهم وظاهرهم بنو قريظة ، فاشتد عليهم البلاء ، فقال : { ولما رأى المؤمنون الأحزاب } إلى { إن الله كان غفوراً رحيماً } قال : وذكر الله هزيمة المشركين ، وكفايته المؤمنين ، فقال : { ورد الله الذين كفروا بغيظهم . . . } .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن عروة بن الزبير ومحمد بن كعب القرظي قالا : قال معتب بن قشير : كان محمداً يرى أن يأكل من كنز كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط ، وقال أوس بن قيظي في ملأ من قومه من بني حارثة { إن بيوتنا عورة } وهي خارجة من المدينة : إئذن لنا فنرجع إلى نسائنا وأبنائنا وذرارينا ، فأنزل الله على رسوله حين فرغ منهم ما كانوا فيه من البلاء يذكر نعمته عليهم ، وكفايته إياهم بعد سوء الظن منهم ، ومقالة من قال من أهل النفاق ، { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها } فكانت الجنود : قريشاً ، وغطفان ، وبني قريظة . وكانت الجنود التي أرسل عليهم مع الريح الملائكة { إذ جاءُوكم من فوقكم } بنو قريظة { ومن أسفل منكم } قريش ، وغطفان . إلى قوله { ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } يقول : معتب بن قشير وأصحابه { وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب } يقول : أوس بن قيظي ومن كان معه على ذلك من قومه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن البراء بن عازب قال : لما كان حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق ، عرض لنا في بعض الجبل صخرة عظيمة شديدة لا تدخل فيها المعاول ، فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآها أخذ المعول ، وألقى ثوبه وقال :(8/133)
« بسم الله ، ثم ضرب ضربة فكسر ثلثها ، وقال : الله أكبر . أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة ، ثم ضرب الثانية ، فقطع ثلثاً آخر فقال : الله أكبر . أعطيت مفاتيح فارس ، والله إني لأبصر قصور المدائن البيض ، ثم ضرب الثالثة فقال : بسم الله . فقطع بقية الحجر وقال : الله أكبر . أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { إذ جاءُوكم من فوقكم } قال عيينة بن حصن { ومن أسفل منكم } قال : سفيان بن حرب .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة في قوله { إذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } قال : كان ذلك يوم الخندق .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم } قال : نزلت هذه الآية يوم الأحزاب ، وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً فخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل أبو سفيان بقريش ومن معه من الناس حتى نزلوا بعفوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل عيينة بن حصن أخو بني بدر بغطفان ومن تبعه حتى نزلوا بعفوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكاتبت اليهود أبا سفيان فظاهروه ، فبعث الله عليهم الرعب والريح . فذكر أنهم كانوا كلما بنوا بناء قطع الله أطنابه ، وكلما ربطوا دابة قطع الله رباطها ، وكلما أوقدوا ناراً أطفأها الله ، حتى لقد ذكر لنا أن سيد كل حي يقول : يا بني فلان هلم إلي . حتى إذا اجتمعوا عنده قال : النجاة . . . النجاة . . . أتيتم لما بعث الله عليهم الرعب .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { إذ جاءُوكم من فوقكم } قال : عيينة بن حصن في أهل نجد { ومن أسفل منكم } قال : أبو سفيان بن حرب في أهل تهامة ، ومواجهتهم قريظة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وإذ زاغت الأبصار } قال : شخصت الأبصار .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وبلغت القلوب الحناجر } قال : شخصت من مكانها فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله { وبلغت القلوب الحناجر } قال : فزعها ولفظ ابن أبي شيبة قال : إن القلوب لو تحركت أو زالت خرجت نفسه ، ولكن إنما هو الفزع .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وتظنون بالله الظنونا } قال : ظنون مختلفة ظن المنافقون أن محمداً وأصحابه يستأصلون ، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله ورسوله حق أنه سيظهر على الدين كله .(8/134)
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وتظنون بالله الظنونا } قال : هم المنافقون يظنون بالله ظنوناً مختلفة . وفي قوله { هنالك ابتلي المؤمنون } قال : محصوا . وفي قوله { وإذ يقول المنافقون } تكلموا بما في أنفسهم من النفاق ، وتكلم المؤمنون بالحق والإِيمان { قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله } .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله قال : لما حفر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخندق ، وأصاب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين جهد شديد ، فمكثوا ثلاثاً لا يجدون طعاماً حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه حجراً من الجوع .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قال المنافقون يوم الأحزاب حين رأوا الأحزاب قد اكتنفوهم من كل جانب ، فكانوا في شك وريبة من أمر الله قالوا : إن محمداً كان يعدنا فتح فارس والروم ، وقد حصرنا ههنا حتى ما يستطيع يبرز أحدنا لحاجته . فأنزل الله { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ، واجتمعت قريش ، وكنانة ، وغطفان ، فاستأجرهم أبو سفيان بلطيمة قريش ، فاقبلوا حتى نزلوا بفنائه ، فنزلت قريش أسفل الوادي ، ونزلت غطفان عن يمين ذلك ، وطليحة الأسدي في بني أسد يسار ذلك ، وظاهرهم بنو قريظة من اليهود على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما نزلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم تحصن بالمدينة ، وحفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق ، فبينما هو يضرب فيه بمعوله إذ وقع المعول في صفا ، فطارت منه كهيئة الشهاب من النار في السماء ، وضرب الثاني فخرج مثل ذلك ، فرأى ذلك سلمان رضي الله عنه فقال : يا رسول الله قد رأيت خرج من كل ضربة كهيئة الشهاب ، فسطع إلى السماء فقال : لقد رأيت ذلك؟ فقال : نعم يا رسول الله قال : تفتح لكم أبواب المدائن ، وقصور الروم ، ومدائن اليمن ، ففشا ذلك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فتحدثوا به ، فقال رجل من الأنصار يدعى قشير بن معتب : أيعدنا محمد صلى الله عليه و سلم أن يفتح لنا مدائن اليمن ، وبيض المدائن ، وقصور الروم وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل ، هذا والله الغرور . فأنزل الله تعالى في هذا { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } .(8/135)
وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وإذ قالت طائفة منهم } قال : من المنافقين .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن المبارك عن هارون بن موسى قال : أمرت رجلاً فسأل الحسن رضي الله عنه { لا مُقام لكم } أو { لا مَقام لكم } قال : كلتاهما عربية قال ابن المبارك رضي الله عنه : المقام : المنزل حيث هو قائم . والمقام : الاقامة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { لا مقام لكم } قال : لا مقاتل لكم ههنا ، ففروا ودعوا هذا الرجل .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { لا مقام لكم فارجعوا } فروا ودعوا محمداً صلى الله عليه وسلم .
وأخرج مالك وأحمد وعبد الرزاق والبخاري ومسلم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أمرت بقرية تأكل القرى يقولون : يثرب . وهي المدينة . تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديدة » .
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله ، هي طابة . هي طابة . هي طابة » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا تدعونها يثرب ، فإنها طيبة يعني المدينة ، ومن قال : يثرب ، فليستغفر الله ثلاث مرات . هي طيبة . هي طيبة . هي طيبة » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا } قال : إلى المدينة عن قتال أبي سفيان { ويستأذن فريق منهم النبي } قال : جاءه رجلان من الأنصار ومن بني حارثة ، أحدهما يدعى أبا عرابة بن أوس ، والآخر يدعى أوس بن قيظي ، فقالا : يا رسول الله { إن بيوتنا عورة } يعنون أنها ذليلة الحيطان ، وهي في أقصى المدينة ، ونحن نخاف السرق فائذن لنا فقال الله { ما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً } .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله { ويستأذن فريق منهم النبي } قال : هم بنو حارثة قالوا : بيوتنا مخلية نخشى عليها السرق .
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : إن الذين قالوا بيوتنا عورة يوم الخندق : بنو حارثة بن الحارث .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إن بيوتنا عورة } نخاف عليها السرق .(8/136)
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18)
أخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة { ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها } قال : لأعطوها يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على المدينة .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله { ولو دخلت عليهم من أقطارها } قال : من نواحيها { ثم سئلوا الفتنة لآتوها } قال : لو دعوا إلى الشرك لأجابوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ولو دخلت عليهم من أقطارها } قال : من أطرافها { ثم سئلوا الفتنة } يعني الشرك .
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ولو دخلت عليهم من أقطارها } أي لو دخل عليهم من نواحي المدينة { ثم سئلوا الفتنة } قال : الشرك { لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيراً } يقول : لأعطوه طيبة به أنفسهم { وما تلبثوا بها إلا يسيراً } { ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل } قال : كان ناس غابوا عن وقعة بدر ورأوا ما أعطى الله سبحانه أهل بدر من الفضيلة والكرامة قالوا : لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن ، فساق الله إليهم ذلك حتى كان في ناحية المدينة . فصنعوا ما قص الله عليكم . وفي قوله { قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم . . . . } قال : لن تزدادوا على آجالكم التي أجلكم الله ، وذلك قليل وإنما الدنيا كلها قليل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الربيع بن خثيم رضي الله عنه في قوله { وإذاً لا تمتعون إلا قليلاً } قال : ما بينهم وبين الأجل .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { قد يعلم الله المعوقين منكم } قال : المنافقين يعوقون الناس عن محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { قد يعلم الله المعوقين منكم . . . } قال : هذا يوم الأحزاب ، انصرف رجل من عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجد أخاه بين يديه شواء ورغيف فقال له : أنت ههنا في الشواء والرغيف والنبيذ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف . قال : هلم الي لقد بلغ بك وبصاحبك - والذي يحلف به - لا يستقي لها محمد أبداً قال : كذبت - والذي يحلف به - وكان أخاه من أبيه وأمه ، والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم بأمرك ، وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره ، فوجده قد نزل جبريل عليه السلام بخبره ، { قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلاً } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { قد يعلم الله المعوقين منكم } قال : هؤلاء أناس من المنافقين كانوا يقولون : لاخوانهم : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ، ولو كانوا لحماً لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه ، دعوا هذا الرجل فإنه هالك { والقائلين لإخوانهم } أي من المؤمنين { هلم إلينا } أي دعوا محمداً وأصحابه فإنه هالك ومقتول { ولا يأتون البأس إلا قليلاً } قال : لا يحضرون القتال إلا كارهين . وان حضروه كانت أيديهم من المسلمين ، وقلوبهم من المشركين .(8/137)
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { أشحة عليكم } بالخير المنافقون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { أشحة عليكم } قال : في الغنائم ، إذا أصابها المسملون شاحوهم عليها قالوا بألسنتهم : لستم باحق بها منا قد شهدنا وقاتلنا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك } قال : إذا حضروا القتال والعدو { رأيتهم ينظرون إليك } أجبن قوم ، وأخذله للحق { تدور أعينهم } قال : من الخوف .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { تدور أعينهم } قال : فرقا من الموت .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { سلقوكم } قال : استقبلوكم .
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { سلقوكم بألسنة حداد } قال : الطعن باللسان قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت الأعشى وهو يقول :
فيهم الخصب والسماحة والنج ... دة فيهم والخاطب المسلاق
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد } قال : أما عند الغنيمة فأشح قوم وأسوأه مقاسمة . أعطونا . . . أعطونا . . . إنا قد شهدنا معكم ، وأما عند البأس فأجبن قوم وأخذله للحق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { أشحة على الخير } قال : على المال .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وكان ذلك على الله يسيراً } يعني هيناً . والله أعلم .(8/138)
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)
أخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { يحسبون الأحزاب لم يذهبوا } قال : يحسبونهم قريباً لم يبعدوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { يحسبون الأحزاب لم يذهبوا } قال : كانوا يتحدثون بمجيء أبي سفيان وأصحابه ، وإنما سموا الأحزاب لأنهم حزبوا من قبائل الأعراب على النبي صلى الله عليه وسلم { وإن يأت الأحزاب } قال : أبو سفيان وأصحابه { يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } يقول : يود المنافقون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وإن يأت الأحزاب } قال : أبو سفيان وأصحابه { يودوا لو أنهم بادون } يقول : يود المنافقون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } قال : هم المنافقون بناحية المدينة ، كانوا يتحدثون بنبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ويقولون : أما هلكوا بعد ، ولم يعلموا بذهاب الأحزاب ، قد سرهم أن جاءهم الأحزاب أنهم بادون في الاعراب مخافة القتال .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { يسألون عن أنبائكم } قال : عن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وما فعلوا .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف والخطيب في تالي التلخيص عن أسد بن يزيد أن في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه { يسألون عن أنبائكم } السؤال بغير ألف .(8/139)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } قال : مواساة عند القتال .
وأخرج ابن مردويه والخطيب في رواة مالك وابن عساكر وابن النجار عن ابن عمر رضي الله عنه في قوله { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } قال : في جوع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن سعيد بن يسار قال : كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما في طريق مكة ، فلما خشيت الصبح نزلت فأوترت ، فقال ابن عمر رضي الله عنه : أليس لك في رسول الله اسوة حسنة؟ قلت : بلى . قال : فإنه كان يوتر على البعير .
وأخرج ابن ماجة وابن أبي حاتم عن حفص بن عاصم رضي الله عنه قال : قلت لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما : رأيتك في السفر لا تصلي قبل الصلاة ولا بعدها فقال : يا ابن أخي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا . . . . . وكذا . . . فلم أره يصلي قبل الصلاة ولا بعدها ، ويقول الله تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه سئل عن رجل معتمر طاف بالبيت : أيقع على امرأته قبل أن يطوف بالصفا والمروة؟ فقال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطاف بالبيت ، وصلى خلف المقام ركعتين ، وسعى بين الصفا والمروة ، ثم قرأ { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه أن رجلاً أتى ابن عباس رضي الله عنهما فقال : إني نذرت أن أنحر نفسي . فقال ابن عباس { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } { وفديناه بذبح عظيم } فأمره بكبش .
وأخرج الطيالسي وعبد الرزاق والبخاري ومسلم وابن ماجة وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إذا حرم الرجل عليه امرأته فهو يمين يكفرها ، وقال { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أهلّ وقال : إن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه ، ثم تلا { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة رضي الله عنه قال : هم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ينهي عن الحبرة من صباغ البول ، فقال له رجل : أليس قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها؟ قال عمر رضي الله عنه : بلى .(8/140)
قال الرجل : ألم يقل الله { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ؟ فتركها عمر .
وأخرج أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه أكب على الركن فقال : إني لا علم أنك حجر ، ولو لم أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ، واستلمك ، ما استلمتك . ولا قبلتك { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } .
وأخرج أحمد وأبو يعلى عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال : طفت مع عمر رضي الله عنه ، فلما كنت عند الركن الذي يلي الباب مما يلي الحجر ، أخذت بيده ليستلم فقال : ما طفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : بلى . قال : فهل رأيته يستلمه؟ قلت : لا . قال : ما بعد عنك فإن لك في رسول الله أسوة حسنة .
وأخرج عبد الرزاق عن عيسى بن عاصم عن أبيه قال : صلى ابن عمر رضي الله عنهما صلاة من صلاة النهار في السفر ، فرأى بعضهم يسبح ، فقال ابن عمر رضي الله عنهما : لو كنت مسبحاً لأتممت الصلاة ، حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان لا يسبح بالنهار ، وحججت مع أبي بكر ، فكان لا يسبح بالنهار ، وحججت مع عمر ، فكان لا يسبح بالنهار ، وحججت مع عثمان رضي الله عنه ، فكان لا يسبح بالنهار ، ثم قال ابن عمر رضي الله عنه { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } .(8/141)
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
أخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما { ولما رأى المؤمنون الأحزاب . . . } إلى آخر الآية قال إن الله تعالى قال لهم في سورة البقرة { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء } [ البقرة : 214 ] فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق { قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله } فتأول المؤمنون ذلك فلم يزدهم إلا إيماناً وتسليماً .
وأخرج جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزلت هذه الآية قبل تحوّل { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم . . . } . وصدق الله ورسوله فيما أخبرا به من الوحي قبل أن يكون .
وأخرج الطيالسي وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن قتادة رضي الله عنه قال : أنزل الله في سورة البقرة { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله { وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً } قال : ما زادهم البلاء إلا إيماناً بالرب ، وتسليماً للقضاء .(8/142)
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)
أخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن أبي داود في المصاحف والبغوي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : لما نسخنا المصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب ، كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري ، الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } فألحقتها في سورتها في المصحف .
وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن أنس رضي الله عنه قال : نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } .
وأخرج ابن سعد وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي والبغوي في معجمه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال : غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فشق عليه وقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه ، لئن أراني الله مشهداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين الله ما أصنع ، فشهد يوم أحد فاستقبله سعد بن معاذ رضي الله عنه ، فقال : يا أبا عمرو إلى أين؟ قال : واهاً لريح الجنة أجدها دون أحد ، فقاتل حتى قتل ، فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة بسيف ، وطعنة برمح ، ورمية بسهم ، ونزلت هذه الآية { رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه .
وأخرج الحاكم وصححه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن أنس رضي الله عنه أن عمه غاب عن قتال بدر فقال : غبت عن أول قتال قاتله النبي صلى الله عليه وسلم المشركين ، لئن أشهدني الله تعالى قتالاً للمشركين ليرين الله كيف أصنع ، فلما كان يوم أحد انكشف المشركون ، فقال : اللهم إني ابرأ إليك مما جاء به هؤلاء - يعني المشركون - واعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - ثم تقدم فلقيه سعد رضي الله عنه فقال : يا أخي ما فعلت فأنا معك ، فلم أستطع أن أصنع ما صنع ، فوجد فيه بضعاً وثمانين من ضربة بسيف ، وطعنة برمح ، ورمية بسهم ، فكنا نقول : فيه وفي أصحابه نزلت { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر } .
وأخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو مقتول ، فوقف عليه ودعا له ، ثم قرأ { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . . . . } ثم قال أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة ، فائتوهم وزوروهم ، فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه » .(8/143)
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن أبي ذر رضي الله عنه قال : « لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، مر على مصعب بن عمير رضي الله عنه مقتولاً على طريقه ، فقرأ { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . . . } » .
وأخرج ابن مردويه من طريق خباب رضي الله عنه ، مثله .
وأخرج ابن أبي عاصم والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن طلحة رضي الله عنه « أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل : سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألته ، يوقرونه ويهابونه ، فسأله الأعرابي فأعرض عنه ، ثم سأله ، فأعرض عنه ، ثم إني انطلقت من باب المسجد فقال : أين السائل عمن قضى نحبه؟ قال الأعرابي : أنا . قال : هذا ممن قضى نحبه » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال « لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد ، صعد المنبر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قرأ هذه الآية { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . . . } كلها . فقام إليه رجل ، فقال : يا رسول الله من هؤلاء؟ فأقبلت فقال : أيها السائل هذا منهم » .
وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن معاوية رضي الله عنه « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول طلحة ممن قضى نحبه » .
وأخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل طلحة رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « يا طلحة أنت ممن قضى نحبه » .
وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى وابن المنذر وأبو نعيم وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة » .
وأخرج ابن مردويه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، مثله .
وأخرج ابن منده وابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت « دخل طلحة بن عبيد الله على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا طلحة . أنت ممن قضى نحبه » .
وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنهم قالوا : حدثنا عن طلحة قال : ذاك امرؤ نزل فيه آية من كتاب الله { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر } طلحة ممن قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل .(8/144)
وأخرج سعيد بن منصور وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر } وآخرون { ما بدلوا تبديلاً } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { فمنهم من قضى نحبه } قال : الموت على ما عاهدوا الله عليه { ومنهم من ينتظر } على ذلك .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { قضى نحبه } قال : أجله الذي قدر له . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول لبيد :
ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { فمنهم من قضى نحبه } قال : عهده { ومنهم من ينتظر } يوماً فيه جهاد ، فيقضي نحبه يعني عهده بقتال أو صدق في لقاء .
وأخرج أحمد والبخاري وابن مردويه عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يوم الأحزاب الآن نغزوهم ولا يغزونا » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال « حبسنا يوم الخندق عن الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، حتى كان بعد العشاء بهك كفينا ذلك . فأنزل الله { وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً } فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام ، ثم صلى الظهر كما كان يصليها قبل ذلك ، ثم أقام فصلى العصر كما كان يصليها قبل ذلك ، ثم أقام المغرب فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك ، ثم أقام العشاء فصلاها كما كان يصليها قبل ذلك . وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف { فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً } [ البقرة : 239 ] .
وأخرج الحاكم وصححه عن عيسى بن طلحة قال : » دخلت على أم المؤمنين وعائشة بنت طلحة وهي تقول لأمها أسماء : أنا خير منك ، وأبي خير من أبيك ، فجعلت أسماء تشتمها وتقول : أنت خير مني فقالت عائشة رضي الله عنها : ألا أقضين بينكما؟ قالت : بلى . قالت : فإن أبا بكر رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : « أنت عتيق من النار قالت : فمن يومئذ سمى عتيقاً ، ثم دخل طلحة رضي الله عنه فقال : أنت يا طلحة ممن قضى نحبه » « .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن اللهف عن أبيه رضي الله عنه في قوله { فمنهم من قضى نحبه } قال : نذره وقال الشاعر :(8/145)
قضت من يثرب نحبها فاستمرت ... وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله { فمنهم من قضى نحبه } قال : مات على ما هو عليه من التصديق والإِيمان { ومنهم من ينتظر } ذلك { وما بدلوا تبديلاً } ولم يغيروا كما غير المنافقون .
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه } على الصدق والوفاء { ومنهم من ينتظر } من نفسه الصدق والوفاء { وما بدلوا تبديلاً } يقول : ما شكوا ولا ترددوا في دينهم ، ولا استبدلوا به غيره { ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم } قال : يخرجهم من النفاق بالتوبة حتى يموتوا وهم تائبون من النفاق ، فيغفر لهم .(8/146)
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ورد الله الذين كفروا بغيظهم } قال : الأحزاب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله تعالى عنه في قوله { ورد الله الذين كفروا بغيظهم } قال : أبو سفيان وأصحابه { لم ينالوا خيراً } قال : لم يصيبوا من محمد صلى الله عليه وسلم ظفراً { وكفى الله المؤمنين القتال } انهزموا بالريح من غير قتال .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وكفى الله المؤمنين القتال } قال : بالجنود من عنده ، والريح التي بعث عليهم { وكان الله قوياً } في أمره { عزيزاً } في نقمته .
وأخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : « لما كان يوم الأحزاب حصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بضع عشرة ليلة حتى خلص إلى كل امرىء منهم الكرب ، وحتى قال النبي صلى الله عليه وسلم » اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم أنك إن تشأ لا تعبد « فبينما هم على ذلك إذ جاءهم نعيم بن مسعود الأشجعي ، وكان يأمنه الفريقان جميعاً ، فخذل بين الناس ، فانطلق الأحزاب منهزمين من غير قتال . فذلك قوله { وكفى الله المؤمنين القتال } » .
وأخرج ابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال : لما كان يوم الأحزاب ردهم الله { بغيظهم لم ينالوا خيراً } فقال النبي صلى الله عليه وسلم « من يحمي أعراض المسلمين؟ قال كعب رضي الله عنه : أنا يا رسول الله . قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه : أنا يا رسول الله . فقال : إنك تحسن الشعر . فقال حسان : أنا يا رسول الله فقال : نعم . اهجهم أنت ، فإنه سيعينك عليهم روح القدس » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ هذا الحرف { وكفى الله المؤمنين القتال } بعلي بن أبي طالب .(8/147)
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب } قال : قريظة { من صياصيهم } قال : قصورهم .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { من صياصيهم } قال : حصونهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب } قال « هم بنو قريظة ظاهروا أبا سفيان ، وراسلوه ، ونكثوا العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش يغسل رأسه وقد غسلت شقه ، إذ أتاه جبريل عليه السلام ، فقال : عفا الله عنك . ما وضعت الملائكة عليهم السلام سلاحها منذ أربعين ليلة ، فانهض إلى بني قريظة فإني قد قطعت أوتادهم ، وفتحت أبوابهم ، وتركتهم في زلزال وبلبال .
فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم ، وناداهم : يا اخوة القردة فقالوا يا أبا القاسم ما كنت فحاشا! فنزلوا على حكم سعد بن معاذ وكان بينهم وبين قومه حلف ، فرجوا أن تأخذه فيهم مودة ، فأومأ إليهم أبو لبابة ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول . . . . } [ الأنفال : 27 ] . فحكم فيهم : أن تقتل مقاتلتهم ، وأن تسبى ذراريهم ، وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار ، فقال قومه وعشيرته : آثر المهاجرين بالأعقار علينا ، فقال إنكم كنتم ذوي أعقار ، وأن المهاجرين كانوا لا أعقار لهم . فذكر لنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر ، وقال : مضى فيكم بحكم الله » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وقذف في قلوبهم الرعب } قال : بصنيع جبريل عليه السلام { فريقاً تقتلون } قال : الذين ضربت أعناقهم وكانوا أربعمائة مقاتل ، فقتلوا حتى أتوا على آخرهم { وتأسرون فريقاً } قال : الذين سبوا وكانوا فيها سبعمائة سبي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم } قال : قريظة ، والنضير أهل الكتاب { وأرضاً لم تطئوها } قال : خيبر . فتحت بعد قريظة .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وأرضاً لم تطئوها } قال : كنا نحدث أنها مكة ، وقال الحسن رضي الله عنه : هي أرض الروم وفارس ، وما فتح عليهم .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { وأرضاً لم تطئوها } قال : يزعمون أنها خيبر ، ولا أحسبها إلا كل أرض فتحها الله على المسلمين ، أو هو فاتحها إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن سعد عن سعيد بن جبير قال : كان يوم الخندق بالمدينة فجاء أبو سفيان بن حرب ومن تبعه من قريش ، ومن تبعه من كنانة ، وعيينة بن حصن ومن تبعه من غطفان ، وطليحة ومن تبعه من بني أسد ، وأبو الأعور ومن تبعه من بني سليم وقريظة ، كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوا ذلك ، وظاهروا المشركين ، فأنزل الله فيهم { وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم } فأتى جبريل عليه السلام ومعه الريح ، فقال حين سرى جبريل عليه السلام : ألا أبشروا ثلاثاً .(8/148)
فأرسل الله عليهم ، فهتكت القباب ، وكفأت القدور ، ودفنت الرجال ، وقطعت الأوتاد ، فانطلقوا لا يلوي أحد على أحد ، فأنزل الله { إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها } .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : « خرجت يوم الخندق أقفو الناس فإذا أنا بسعد بن معاذ ورماه رجل من قريش يقال له ابن العرقة بسهم ، فأصاب أكحله ، فقطعه ، فدعا الله سعد ، فقال : اللهم لا تمتني حتى تقرعيني من قريظة ، وبعث الله الريح على المشركين { وكفى الله المؤمنين القتال } ولحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد ، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وأمر بقبة من أدم ، فضربت على سعد رضي الله عنه في المسجد قالت : فجاء جبريل عليه السلام - وإن على ثناياه نقع الغبار - فقال : أو قد وضعت السلاح؟ لا والله ما وضعت الملائكة السلاح بعد ، أخرج إلى بني قريظة فقاتلهم ، فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لامته ، وأذن في الناس بالرحيل : أن يخرجوا ، فأتاهم فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة ، فلما اشتد حصرهم ، واشتد البلاء عليهم فقيل لهم : انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : ننزل على حكم سعد بن معاذ ، فنزلوا وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ ، فأتي به على حمار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احكم فيهم فقال : إني أحكم فيهم؛ أن تقتل مقاتليهم ، وتسبى ذراريهم ، وتقسم أموالهم ، قال : فلقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله » .
وأخرج البيهقي عن موسى بن عقبة رضي الله عنه قال : أنزل الله في قصة الخندق ، وبني قريظة تسعاً وعشرين آية فاتحتها { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود } والله تعالى أعلم .(8/149)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
أخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن مردويه من طريق أبي الزبير عن جابر قال : « أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس ببابه جلوس ، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس ، فلم يؤذن له ، ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمر رضي الله عنه : لأكلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله يضحك ، فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفاً فوجأت عنقها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدا ناجذه ، وقال : هن حولي يسألنني النفقة . فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة رضي الله عنها ليضربها ، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان : تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده . فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا ، فقلن نساؤه : والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده . وأنزل الله الخيار فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال » إني ذاكر لك أمراً ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك . قالت : ما هو؟ فتلا عليها { يا أيها النبي قل لأزواجك . . . } . قالت عائشة رضي الله عنها : أفيك استأمر أبوي؟! بل اختار الله ورسوله ، وأسألك أن لا تذكر إلى امرأة من نسائك امرأة ما اخترت ، فقال : إن الله لم يبعثني متعنتاً ، وإنما بعثني معلماً مبشراً ، لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها « » .
وأخرج ابن سعد عن أبي سلمة الحضرمي قال « جلست مع أبي سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، وهما يتحدثان وقد ذهب بصر جابر رضي الله عنه ، فجاء رجل فجلس ، ثم قال : يا أبا عبد الله أرسلني إليك عروة بن الزبير ، أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه؟ ، فقال جابر رضي الله عنه : تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة لم يخرج إلى الصلاة ، فأخذنا ما تقدم وما تأخر ، فاجتمعنا ببابه يسمع كلامنا ويعلم مكاننا ، فأطلنا الوقوف ، فلم يأذن لنا ، ولم يخرج إلينا ، فقلنا : قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانكم ، ولو أراد أن يأذن لكم لأذن فتفرقوا لا تؤذوه ، فتفرقوا غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتنحنح ويتكلم ويستأذن حتى أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال عمر رضي الله عنه : فدخلت عليه وهو واضع يده على خده أعرف به الكآبة ، فقلت له : أي نبي الله - بأبي أنت وأمي يا رسول الله - ما الذي رابك؟ وما الذي لقي الناس بعدكم من فقدهم لرؤيتك؟ فقال : يا عمر سألتني الاماء ما ليس عندي - يعني نساءه - فذاك الذي بلغ بي ما ترى . فقلت : يا نبي الله قد صككت جميلة بنت ثابت صكة ألصقت خدها منها بالأرض لأنها سألتني ما ليس عندي ، وأنت يا رسول الله على موعد من ربك ، وهو جاعل بعد العسر يسراً قال : فلم أزل أكلمه حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحلل عنه بعض ذلك ، فخرجت ، فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، فحدثته الحديث ، فدخل أبو بكر على عائشة رضي الله عنها ، قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر عنكن شيئاً ، فلا تسأليه ما لا يجد ، انظري حاجتك فاطلبيها إلي ، وانطلق عمر رضي الله عنه إلى حفصة ، فذكر لها مثل ذلك ، ثم اتبعا أمهات المؤمنين ، فجعلا يذكران لهن مثل ذلك ، فأنزل الله تعالى في ذلك { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً } يعني متعة الطلاق ويعني بتسريحهن : تطليقهن طلاقاً جميلاً { وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً } .
فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال : إن الله قد أمرني أن أخيركن بين أن تخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، وبين أن تخترن الدنيا وزينتها ، وقد بدأت بك وأنا أخيرك قالت : وهل بدأت بأحد قبلي منهن؟ قال : لا . قالت : فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة ، فاكتم علي ولا تخبر بذاك نساءك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أخبرهن به ، فأخبرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً ، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، فكان خياره بين الدنيا والآخرة . اتخترن الآخرة أو الدنيا؟ قال { وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً } فاخترن أن لا يتزوجن بعده ، ثم قال { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة } يعني الزنا { يضاعف لها العذاب ضعفين } يعني في الآخرة { وكان ذلك على الله يسيراً ، ومن يقنت منكن لله ورسوله } يعني تطيع الله ورسوله { وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين } مضاعفاً لها في الآخرة { وأعتدنا لها رزقاً كريماً } { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض } يقول فجور { وقلن قولاً معروفاً ، وقرن في بيوتكن } يقول لا تخرجن من بيوتكن { ولا تبرجن } يعني إلقاء القناع فعل الجاهلية الأولى ، ثم قال جابر رضي الله عنه : ألم يكن الحديث هكذا؟ قال : بلى » .(8/150)
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها(8/151)
« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه قالت : فبدأ بي فقال : إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك ، قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ، فقال : إن الله قال { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها } إلى تمام الآيتين . فقلت له : ففي أي هذا استأمر أبوي ، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، وفعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت » .
وأخرج ابن سعد عن عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده قال « لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه بدأ بعائشة رضي الله عنها قال : إن الله خيرك فقالت : اخترت الله ورسوله ، ثم خير حفصة رضي الله عنها فقلن جميعاً : اخترنا الله ورسوله ، غير العامرية اختارت قومها ، فكانت بعد تقول : أنا الشقية ، وكانت تلقط البعر وتبيعه ، وتستأذن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول : أنا الشقية » .
وأخرج ابن سعد عن أبي جعفر رضي الله عنه قال : قال نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما نساء أغلى مهوراً منا ، فغار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فأمره أن يعتزلهن ، فاعتزلهن تسعة وعشرين يوماً ، ثم أمره أن يخيرهن فخيرهن .
وأخرج ابن سعد عن أبي صالح قال : اخترنه صلى الله عليه وسلم جميعاً غير العامرية ، كانت ذاهبة العقل حتى ماتت .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت « حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهجرنا شهراً ، فدخل عليَّ صبيحة تسعة وعشرين ، فقلت : يا رسول الله ألم تكن حلفت لتهجرنا شهراً ، قال : إن الشهر هكذا وهكذا وهكذا . وضرب بيده جميعاً ، وخنس يقبض أصبعاً في الثالثة ثم قال : يا عائشة إني ذاكر لك أمراً ، فلا عليك أن تعجلي حتى تستشيري أبويك ، وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة سني قلت : وما ذاك يا رسول الله؟ قال : إني أمرت أن أخيركن ، ثم تلا هذه الآية { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها } إلى قوله { أجراً عظيماً } قالت : فيم استشير أبوي يا رسول الله؟ بل اختار الله ورسوله ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وسمع نساؤه فتواترن عليه » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه بين الدنيا والآخرة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة والحسن رضي الله عنهما قالا : أمره الله أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة ، والجنة والنار ، قال الحسن رضي الله عنه : في شيء كن أردنه من الدنيا .(8/152)
وقال قتادة رضي الله عنه : في غيرة كانت غارتها عائشة رضي الله عنها ، وكان تحته يومئذ تسع نسوة ، خمس من قريش . عائشة . وحفصة . وأم حبيبة بنت أبي سفيان . وسودة بنت زمعة . وأم سلمة بنت أبي أمية . وكانت تحته صفية بنت حيي الخيبرية . وميمونة بنت الحارث الهلالية . وزينب بنت جحش الأسدية . وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق . وبدأ بعائشة رضي الله عنها ، فلما اختارت الله ورسوله والدار الآخرة رؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتتابعن كلهن على ذلك ، فلما خيرهن واخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، شكرهن الله تعالى على ذلك إذ قال { لا تحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن } فقصره الله تعالى عليهن ، وهن التسع اللاتي اخترن الله ورسوله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { يا أيها النبي قل لأزواجك . . . } . قال أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر نساءه في هذه الآية فلم تختر واحدة منهن نفسها غير الحميرية .
وأخرج البيهقي في السنن عن مقاتل بن سليمان رضي الله عنه في قوله { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة } يعني العصيان للنبي صلى الله عليه وسلم { يضاعف لها العذاب ضعفين } في الآخرة { وكان ذلك على الله يسيراً } يقول : وكان عذابها عند الله هيناً { ومن يقنت } يعني من يطع منكن الله ورسوله { وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين } في الآخرة بكل صلاة أو صيام أو صدقة أو تكبيرة أو تسبيحة باللسان ، مكان كل حسنة تكتب عشرين حسنة { واعتدنا لها رزقاً كريماً } يعني حسناً . وهي الجنة .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { يضاعف لها العذاب ضعفين } قال : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { يضاعف لها العذاب ضعفين } قال : يجعل عذابهن ضعفين ، ويجعل على من قذفهن الحد ضعفين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله { يا نساء النبي . . . } . قال : إن الحجة على الأنبياء أشد منها على الأتباع في الخطيئة ، وإن الحجة على العلماء أشد منها على غيرهم ، فإن الحجة على نساء النبي صلى الله عليه وسلم أشد منها على غيرهن ، فقال : إنه من عصى منكن فإنه يكون عليها العذاب الضعف منه على سائر نساء المؤمنين ، ومن عمل صالحاً فإن الأجر لها الضعف على سائر نساء المسلمين .(8/153)
وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً } قال : يقول من يطع الله منكن ، وتعمل صالحاً لله ورسوله بطاعته .
وأخرج ابن سعد عن عطاء بن يسار رضي الله عنه في قوله { ومن يقنت منكن لله ورسوله } يعني تطيع الله ورسوله { وتعمل صالحاً } تصوم وتصلي .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أربعة يؤتون أجرهم مرتين . منهم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد رضي الله عنه يجري أزواجه مجرانا في الثواب والعقاب .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { لستن كأحد من النساء } قال : كأحد من نساء هذه الأمة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { يا نساء النبي لَسْتُنَّ كأحد . . . . } الآية . يقول : أنتن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه تنظرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلى الوحي الذي يأتيه من السماء ، وأنتن أحق بالتقوى من سائر النساء ، { فلا تخضعن بالقول } يعني الرفث من الكلام . أمرهن أن لا يَرْفِثْنَ بالكلام { فيطمع الذي في قلبه مرض } يعني الزنا .
قال : مقاربة الرجل في القول حتى { يطمع الذي في قلبه مرض } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { فلا تخضعن بالقول } قال : لا ترفثن بالقول .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { فلا تخضعن بالقول } يقول : لا ترخصن بالقول ، ولا تخضعن بالكلام .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { فيطمع الذي في قلبه مرض } قال : شهوة الزنا .
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { فيطمع الذي في قلبه مرض } قال : الفجور والزنا . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت الأعشى وهو يقول :
حافظ للفرج راضٍ بالتقى ... ليس ممن قلبه فيه مرض
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن علي رضي الله عنه قال : المرض مرضان . فمرض زنا ، ومرض نفاق .
وأخرج ابن سعد عن عطاء بن يسار رضي الله عنه في قوله { فيطمع الذي في قلبه مرض } يعني الزنا { وقلن قولاً معروفاً } يعني كلاماً ظاهراً ليس فيه طمع لأحد .
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب رضي الله عنه في قوله { وقلن قولاً معروفاً } يعني كلاماً ليس فيه طمع لأحد .(8/154)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن سيرين قال : نبئت أنه قيل لسودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها : ما لك لا تَحُجِّين ، ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك؟! فقالت : قد حججت ، واعتمرت ، وأمرني الله أن أقر في بيتي ، فوالله لا أخرج من بيتي حتى أموت قال : فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت بجنازتها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن سعد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر عن مسروق رضي الله عنه قال : كانت عائشة رضي الله عنها إذا قرأت { وقرن في بيوتكن } بكت حتى تبل خمارها .
وأخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه عام حجة الوداع هذه ، ثم ظهور الحصر قال : فكان كلهن يحجن إلا زينب بنت جحش ، وسودة بنت زمعة ، وكانتا تقولان : والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أم نائلة رضي الله عنها قالت : جاء أبو برزة فلم يجد أم ولده في البيت ، وقالوا ذهبت إلى المسجد ، فلما جاءت صاح بها فقال : ان الله نهى النساء أن يخرجن ، وأمرهن يقرن في بيوتهن ، ولا يتبعن جنازة ، ولا يأتين مسجداً ، ولا يشهدن جمعة .
وأخرج الترمذي والبزار عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان ، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنها قال : احبسوا النساء في البيوت ، فإن النساء عورة ، وإن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان ، وقال لها : إنك لا تمرين بأحد إلا أعجب بك .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر رضي الله عنه قال : استعينوا على النساء بالعري ، أن أحداهن إذا كثرت ثيابها ، وحسنت زينتها أعجبها الخروج .
وأخرج البزار عن أنس رضي الله عنه قال : « جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن : يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله ، فما لنا عمل ندرك فضل المجاهدين في سبيل الله؟ فقال » من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله « » .
أما قوله تعالى : { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } .
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الجاهلية الأولى فيما بين نوح وادريس عليهما السلام ، وكانت ألف سنة ، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل ، والآخر يسكن الجبال ، فكان رجال الجبال صباحاً وفي النساء دمامة ، وكان نساء السهل صباحاً وفي الرجال دمامة ، وإن إبليس أتى رجلاً من أهل السهل في صورة غلام ، فأجر نفسه فكان يخدمه ، واتخذ إبليس شبابة مثل الذي يزمر فيه الرعاء ، فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله ، فبلغ ذلك من حوله ، فانتابوهم يسمعون إليه ، واتخذوا عيداً يجتمعون إليه في السنة ، فتتبرج النساء للرجال ، وتتبرج الرجال لهن ، وإن رجلاً من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك ، فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه ، فأخبرهم بذلك ، فتحوّلوا إليهن ، فنزلوا معهن وظهرت الفاحشة فيهن ، فهو قول الله { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } .(8/155)
وأخرج ابن جرير عن الحكم رضي الله عنه { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } قال : كان بين آدم ونوح عليهما السلام ثمانمائة سنة ، فكان نساؤهم من أقبح ما يكون من النساء ورجالهم حسان ، وكانت المرأة تريد الرجل على نفسه ، فأنزلت هذه الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأله فقال : أرأيت قول الله تعالى لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } هل كانت الجاهلية غير واحدة؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما : ما سمعت بأولى إلا ولها آخرة . فقال : له عمر رضي الله عنه : فأنبئني من كتاب الله ما يصدق ذلك قال : إن الله يقول { وجاهدوا في الله حق جهاده } [ الحج : 78 ] فقال عمر رضي الله عنه : من أمرنا أن نجاهد؟ قال : بني مخزوم ، وعبد شمس .
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } قال : تكون جاهلية أخرى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها أنها تلت هذه الآية فقالت : الجاهلية الأولى كانت على عهد إبراهيم عليه السلام .
وأخرج ابن سعد عن عكرمة رضي الله عنه قال : { الجاهلية الأولى } التي ولد فيها إبراهيم عليه السلام ، والجاهلية الآخرة : التي ولد فيها محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال { الجاهلية الأولى } بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير عن الشعبيّ رضي الله عنه ، مثله .
وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : كانت المرأة تخرج فتمشي بين الرجال ، فذلك { تبرج الجاهلية الأولى } .
وأخرج البيهقي في سننه عن أبي أذينة الصدفي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « شر النساء المتبرجات وهن المنافقات ، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم » .(8/156)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } يقول : إذا خرجتن من بيوتكن ، وكانت لهن مشية فيها تكسير وتغنج ، فنهاهن الله عن ذلك .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن أبي نجيح رضي الله عنه في قوله { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } قال : التبختر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه في قوله { ولا تبرجن . . . } قال : التبرج إنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده ، فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ، ويبدو ذلك كله منها ، وذلك التبرج ، ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء قال « { لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } قالت امرأة : يا رسول الله أراك تشترط علينا أن لا نتبرج ، وأن فلانة قد أسعدتني ، وقد مات أخوها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهبي فاستعديها ثم تعالي فبايعيني » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق عكرمة رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ، أهل البيت } قال : نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة . وقال عكرمة رضي الله عنه : من شاء بأهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } قال : ليس بالذي تذهبون إليه ، إنما هو نساء النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن سعد عن عروة رضي الله عنه { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } قال : يعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم نزلت في بيت عائشة رضي الله عنها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبري ، فجاءت فاطمة رضي الله عنها ببرمة فيها خزيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ادعي زوجك ، وابنيك ، حسناً ، وحسيناً ، فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بفضلة ازاره ، فغشاهم إياها ، ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، فاذهب عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً ، قالها ثلاث مرات . قالت أم سلمة رضي الله عنها : فادخلت رأسي في الستر فقلت : يا رسول الله وأنا معكم فقال : إنك إلى خير مرتين « » .(8/157)
وأخرج الطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى أبيها بثريدة لها ، تحملها في طبق لها حتى وضعتها بين يديه . فقال لها « أين ابن عمك؟ قالت : هو في البيت . قال : اذهبي فادعيه وابنيك ، فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما في يد وعلي رضي الله عنه يمشي في أثرهما حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجلسهما في حجره ، وجلس علي رضي الله عنه عن يمينه ، وجلست فاطمة رضي الله عنها عن يساره ، قالت أم سلمة رضي الله عنها : فأخذت من تحتي كساء كان بساطنا على المنامة في البيت » .
وأخرج الطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها « ائتني بزوجك وابنيه ، فجاءت بهم ، فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم كساء فدكيا ، ثم وضع يده عليهم ، ثم قال : اللهم إن هؤلاء أهل محمد - وفي لفظ آل محمد - فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . قالت أم سلمة رضي الله عنها : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي وقال إنك على خير » .
وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت « نزلت هذه الآية في بيتي { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } وفي البيت سبعة : جبريل ، وميكائيل عليهما السلام ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، رضي الله عنهم ، وأنا على باب البيت ، قلت : يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال : إنك إلى خير ، إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج ابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : « كان يوم أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها ، فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن ، وحسين ، وفاطمة ، وعلي ، فضمهم إليه ، ونشر عليهم الثوب . والحجاب على أم سلمة مضروب ، ثم قال » اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً . قالت أم سلمة رضي الله عنها : فانا معهم يا نبي الله؟ قالت : أنت على مكانك ، وإنك على خير « » .
وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن أم سلمة رضي الله عنها قالت :(8/158)