وأمر بعدوانهم فقال : { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين } ثم أمر بالخروج إلى المدينة فقدم في ثمان ليالٍ خلون من شهر ربيع الأول ، ثم كانت وقعة بدر . ففيهم أنزل الله { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } [ الأنفال : 7 ] وفيهم نزلت { سيهزم الجمع } [ القمر : 45 ] وفيهم نزلت { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } [ المؤمنون : 64 ] وفيهم نزلت { ليقطع طرفاً من الذين كفروا } [ آل عمران : 127 ] وفيهم نزلت { ليس لك من الأمر شيء } [ آل عمران : 128 ] أراد الله القوم وأراد رسول الله العير ، وفيهم نزلت { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً . . . } [ إبراهيم : 28 ] الآية . وفيهم نزلت { قد كان لكم آية في فئتين التقتا } [ آل عمران : 13 ] في شأن العير { والركب أسفل منكم } [ الأنفال : 42 ] أخذوا أسفل الوادي . فهذا كله في أهل بدر ، وكانت قبل بدر بشهرين سرية يوم قتل ابن الحضرمي ، ثم كانت أحد ، ثم يوم الأحزاب بعد أحد بسنتين ، ثم كانت الحديبية - وهو يوم الشجرة - فصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ على أن يعتمر في عام قابل في هذا الشهر . ففيها أنزلت { الشهر الحرام بالشهر الحرام } [ البقرة : 194 ] فشهر العام الأول بشهر العام فكانت { الحرمات قصاص } ثم كان الفتح بعد العمرة ، ففيها نزلت { حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد . . . } [ المؤمنون : 77 ] الآية . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم غزاهم ولم يكونوا أعدوا له أهبة القتال ، ولقد قتل من قريش يومئذ اربعة رهط من حلفائهم ، ومن بني بكر خمسين أو زيادة . وفيهم نزلت - لما دخلوا في دين الله { هو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار } [ المؤمنون : 78 ] ثم خرج إلى حنين بعد عشرين ليلة ، ثم إلى المدينة ، ثم أمر أبا بكر على الحج . ولما رجع أبو بكر من الحج ، غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك ، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم العام المقبل ، ثم ودع الناس ، ثم رجع فتوفي لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { إنا كفيناك المستهزئين } قال : هؤلاء فيما سمعنا خمسة رهط ، استهزأوا بالنبي صلى الله عليه وسلم . فلما أراد صاحب اليمن أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم ، أتاه الوليد بن المغيرة فزعم أن محمداً ساحر . وأتاه العاص بن وائل وأخبره أن محمداً يعلم أساطير الأولين ، فجاءه آخر فزعم أنه كاهن ، وجاءه آخر فزعم أنه شاعر ، وجاء آخر فزعم أنه مجنون فكفى الله محمداً أولئك الرهط في ليلة واحدة ، فأهلكهم بألوان من العذاب . . . كل رجل منهم أصابه عذاب . فأما الوليد ، فأتى على رجل من خزاعة وهو يريش نبلاً له ، فمر به وهو يتبختر فأصابه منها سهم فقطع أكحله ، فأهلكه الله .(6/115)
وأما العاص بن وائل ، فإنه دخل في شعب فنزل في حاجة له ، فخرجت إليه حية مثل العمود فلدغته فأهلكه الله : وأما الآخر ، فكان رجلاً أبيض حسن اللون ، خرج عشاء في تلك الليلة فأصابته سموم شديدة الحر ، فرجع إلى أهله وهو مثل حبشي ، فقالوا : لست بصاحبنا . فقال : أنا صاحبكم! . . فقتلوه . وأما الآخر ، فدخل في بئر له فأتاه جبريل فعمه فيها ، فقال : إني قد قتلت فأعينوني : فقالوا : والله ما نرى أحداً . فكان كذلك حتى أهلكه الله . وأما الآخر ، فذهب إلى إبله ينظر فيها ، فأتاه جبريل بشوك القتاد فضربه ، فقال : أعينوني فإني قد هلكت . قالوا : والله ما نرى أحداً . فأهلكه الله فكان لهم في ذلك عبرة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : « جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنى ظهر الأسود بن عبد يغوث حتى احقوقف صدره . فقال : النبي صلى الله عليه وسلم خالي خالي فقال جبريل : دعه عنك فقد كفيته فهو من المستهزئين . قال : وكانوا يقولون سورة البقرة وسورة العنكبوت يستهزئون بها » .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن قتادة قال : هؤلاء رهط من قريش ، منهم الأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وعدي بن قيس .
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم ، عن أبي بكر الهذلي قال : قيل للزهري إن سعيد بن جبير وعكرمة اختلفا في رجل من المستهزئين ، فقال سعيد : الحارث بن عيطلة وقال عكرمة : الحارث بن قيس . فقال : صدقا جميعاً . كانت أمه تسمى عيطلة ، وكان أبوه قيساً .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وأبو نعيم ، عن الشعبي رضي الله عنه قال : المستهزئون سبعة ، فسمى منهم العاص بن وائل ، والوليد بن المغيرة ، وهبار بن الأسود ، وعبد يغوث بن وهب ، والحرث بن عيطلة .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم ، عن قتادة ومقسم مولى ابن عباس { إنا كفيناك المستهزئين } قال : هم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب ، مروا رجلاً رجلاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل ، فإذا مر به رجل منهم قال له جبريل : كيف محمد هذا؟ فيقول : بئس عبد الله ، فيقول جبريل : كَفَيْنَاكَهُ . فأما الوليد ، فتردّى فتعلق سهم بردائه ، فذهب يجلس فقطع أكحله فنزف حتى مات .
وأما الأسود بن عبد يغوث ، فأتى بغصن فيه شوك ، فضرب به وجهه فسالت حدقتاه على وجهه فمات . وأما العاص ، فوطئ على شوكة فتساقط لحمه عن عظامه حتى هلك .
وأما الأسود بن المطلب وعدي بن قيس ، فأحدهما قام من الليل وهو ظمآن ليشرب من جرة ، فلم يزل يشرب حتى انفتق بطنه فمات .
وأما الآخر ، فلدغته حية فمات .(6/116)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)
أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم في التاريخ ، وابن مردويه والديلمي ، عن أبي مسلم الخولاني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أوحي لي أن أجمع المال وأكون من التاجرين ، ولكن أوحي إلي أن { سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } » .
وأخرج ابن مردويه والديلمي ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما أوحي إليّ أن أكون تاجراً ولا أجمع المال متكاثراً ، ولكن أوحي إلي أن { سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { حتى يأتيك اليقين } قال : الموت .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير ، عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنه { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } قال : الموت .
وأخرج ابن المبارك في الزهد ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } قال : الموت .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } قال : الموت إذا جاءه الموت جاءه تصديق ما قال الله له ، وحدثه من أمر الآخرة .
وأخرج البخاري وابن جرير عن أم العلاء : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون وقد مات ، فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب ، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله . فقال : وما يدريك أن الله أكرمه . . ؟ أمّا هو ، فقد جاءه اليقين إني لأرجو له الخير » .
وأخرج النسائي وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خير ما عاين الناس له ، رجل يمسك بعنان فرسه فالتمس القتل في مظانه : ورجل في شعب من هذه الشعاب ، أو في بطن وادٍ من هذه الأودية في غنيمة أن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد الله حتى يأتيه اليقين ، ليس من الناس إلا في خير » .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من طلب ما عند الله ، كانت السماء ظلاله والأرض فراشه ، لم يهتم بشيء من أمر الدنيا . فهو لا يزرع الزرع وهو يأكل الخبز ، وهو لا يغرس الشجر ويأكل الثمار؛ توكّلاً على الله وطلب مرضاته فضمن الله السموات السبع والأرضين السبع رزقه ، فهم يتعبأون به ويأتون به حلالاً ، واستوفى هو رزقه بغير حساب عبد الله حتى أتاه اليقين » .
وأخرج ابن المبارك في الزهد ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله ، ومن كانت راحته في لقاء الله فكان قد كفي . والله أعلم بالصواب .(6/117)
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت سورة النحل بمكة .
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله .
وأخرج النحاس من طريق مجاهد ، عن ابن عباس قال : سورة النحل نزلت بمكة سوى ثلاث آيات من آخرها فانهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت { أتى أمر الله } ذعر أصحاب رسول الله ، حتى نزلت { فلا تستعجلوه } فسكنوا .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن أبي بكر بن حفص قال : لما نزلت { أتى أمر الله } قاموا فنزلت { فلا تستعجلوه } .
وأخرج ابن مردويه من طريق الضحاك ، عن ابن عباس { أتى أمر الله } قال : خروج محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال : دخلت المسجد فصليت فقرأت سورة النحل ، وجاء رجلان فقرآ خلاف قراءتنا ، فأخذت بأيديهما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : « يا رسول الله ، استقرئ هذين فقرأ أحدهما فقال : أصبت . ثم استقرأ الآخر فقال : أصبت . فدخل قلبي أشدّ مما كان في الجاهلية من الشك والتكذيب ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري فقال : أعاذك الله من الشك والشيطان . فتصببت عرقاً ، قال : أتاني جبريل فقال : اقرأ القرآن على حرف واحد . فقلت : إن أمتي لا تستطيع ذلك ، حتى قال : سبع مرات . فقال لي : اقرأ على سبعة أحرف ، بكل ردة رددتها مسألة » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن جريج قال : لما نزلت هذه الآية { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض : إن هذا يزعم أن أمر الله قد أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن ، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا : ما نراه نزل . فنزلت { اقترب للناس حسابهم . . . . } الآية . فقالوا : إن هذا يزعم مثلها أيضاً ، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا : ما نراه نزل شيء ، فنزلت { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدوة . . . . } [ هود : 8 ] الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « » تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس ، فما تزال ترتفع في السماء حتى تملأ السماء ، ثم ينادي مناد :
يا أيها الناس ، فيقبل الناس بعضهم على بعض : هل سمعتم؟ فمنهم من يقول : نعم . ومنهم من يشك . ثم ينادي الثانية : يا أيها الناس ، فيقول الناس : هل سمعتم؟ فيقولون : نعم . ثم ينادي : أيها الناس { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » فوالذي نفسي بيده ، إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه ، وإن الرجل ليملأ حوضه فما يسقي فيه شيئاً ، وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه ويشغل الناس « » .(6/118)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } قال : الأحكام والحدود والفرائض .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { ينزل الملائكة بالروح } قال : بالوحي .
وأخرج آدم بن أبي أياس وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس قال : { الروح } أمر من أمر الله وخلق من خلق الله ، وصورهم على صورة بني آدم . وما ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد من الروح ، ثم تلا { يوم يقوم الروح والملائكة صفاً } [ النبأ : 38 ] .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن مجاهد في قوله { ينزل الملائكة بالروح من أمره } قال : إنه لا ينزل ملك إلا ومعه روح كالحفيظ عليه ، لا يتكلم ولا يراه ملك ولا شيء مما خلق الله .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { ينزل الملائكة بالروح من أمره } قال : بالوحي والرحمة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله { ينزل الملائكة بالروح } قال : بالنبوة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن الضحاك في قوله { ينزل الملائكة بالروح } قال : القرآن .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن الربيع بن أنس في قوله { ينزل الملائكة بالروح } قال : كل شيء تكلم به ربنا فهو روح { من أمره } قال : بالرحمة والوحي على من يشاء من عباده ، فيصطفي منهم رسلاً . { أن أنذروا أنه لا اله إلا أنا فاتقون } قال : بها بعث الله المرسلين أن يوحد الله وحده ، ويطاع أمره ويجتنب سخطه .
وأخرج ابن سعد وأحمد وابن ماجة والحاكم وصححه ، عن يسر بن جحاش قال : بصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفه ثم قال : « يقول الله أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه ، حتى إذا سوّيتك فعدلتك مشيت بين برديك ، وللأرض منك وئيد . فجمعت ومنعت ، حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : أتصدق وأنى أوان الصدقة » .(6/119)
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { لكم فيها دفء } قال : الثياب { ومنافع } قال : ما تنتفعون به من الأطعمة والأشربة .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { لكم فيها دفء ومنافع } قال : نسل كل دابة .
وأخرج الديلمي عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « البركة في الغنم ، والجمال في الإبل » .
وأخرج ابن ماجة عن عروة البارقي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الابل عزّ لأهلها ، والغنم بركة » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة في قوله { ولكم فيها جمال حين تريحون } قال : إذا راحت كأعظم ما يكون أسنمة ، وأحسن ما تكون ضروعاً { وحين تسرحون } قال : إذا سرحت لرعيها . قال قتادة : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، سئل عن الإِبل فقال : « هي عز لأهلها » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : { وتحمل أثقالكم إلى بلد } قال يعني مكة { لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } قال : لو تكلفتموه لم تطيقوه إلا بجهد شديد .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { إلا بشق الأنفس } قال : مشقة عليكم .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر فإن الله تعالى إنما سخرها لكم لتبلغوا إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى والحاكم وصححه عن معاذ بن أنس ، عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل ، فقال لهم : « اركبوا هذه الدواب سالمة ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق ، فرب مركوبه خير من راكبها ، وأكثر ذكراً لله تعالى منه » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن دينار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تتخذوا ظهور الدواب كراسي لأحاديثكم ، فرب راكب مركوبة هي خير منه وأطوع لله منه وأكثر ذكراً » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن حبيب قال : كان يكره طول الوقوف على الدابة ، وأن تضرب وهي محسنة .
وأخرج أحمد والبيهقي ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لو غفر لكم ما تأتون إلى البهائم لغفر لكم كثير » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { لتركبوها وزينة } قال : جعلها لتركبوها وجعلها زينة لكم .(6/120)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة : أن أبا عياض كان يقرؤها { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } يقول : جعلها زينة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كانت الخيل وحشية ، فذللها الله لإِسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن وهب بن منبه قال : بلغني أن الله لما أراد أن يخلق الفرس قال لريح الجنوب : إني خالق منك خلقاً ، أجعله عزاً لأوليائي ، ومذلة لأعدائي ، وحمى لأهل طاعتي ، فقبض من الريح قبضة ، فخلق منها فرساً ، فقال : سميتك فرساً وجعلتك عربياً ، الخير معقود بناصيتك والغنائم محازة على ظهرك ، والغنى معك حيث كنت ، ارعاك لسعة الرزق على غيرك من الدواب ، وجعلتك لها سيداً ، وجعلتك تطير بلا جناحين ، فأنت للطلب ، وأنت للهرب ، وسأحمل عليك رجالاً يسبحوني ، فتسبحني معهم إذا سبحوا ، ويهللوني ، فتهللني معهم إذا هللوا ، ويكبروني ، فتكبرني معهم إذا كبروا ، فلما صهل الفرس؛ قال : باركت عليك ، أرهب بصهيلك المشركين ، أملأ منه آذانهم ، وأرعب منه قلوبهم ، وأذل به أعناقهم ، فلما عرض الخلق على آدم وسماهم ، قال الله تعالى : يا آدم ، اختر من خلقي من أحببت ، فاختار الفرس ، فقال الله اخترت عزك ، وعز ولدك باق فيهم ما بقوا ، وينتج منه أولادك أولاداً ، فبركتي عليك وعليهم ، فما من تسبيحة ولا تهليلة ولا تكبيرة تكون من راكب الفرس إلا والفرس تسمعها وتجيبه مثل قوله .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن سعيد بن جبير قال : سأل رجل ابن عباس ، عن أكل لحوم الخيل ، فكرهها وقرأ { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يكره لحوم الخيل ويقول : قال الله { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون } فهذه للأكل { والخيل والبغال والحمير لتركبوها } فهذه للركوب .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن مجاهد أنه سئل عن لحوم الخيل؟ فقال { والخيل والبغال والحمير لتركبوها } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن الحكم في قوله { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون } فجعل منه الأكل ، ثم قرأ { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } قال : لم يجعل لكم فيها أكلاً وكان الحكم يقول : الخيل والبغال والحمير حرام في كتاب الله .
وأخرج أبو عبيد وأبو داود والنسائي وابن المنذر ، عن خالد بن الوليد قال : « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كل ذي ناب من السباع ، وعن لحوم الخيل والبغال والحمير » .
وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله قال : طعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ، ونهانا عن لحوم الحمر الأهلية .(6/121)
وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم من طريق أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله أنهم ذبحوا يوم خيبر الحمير والبغال والخيل ، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحمير والبغال ، ولم ينههم عن الخيل .
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن جرير وابن مردويه من طريق عطاء ، عن جابر قال : كنا نأكل لحم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت : والبغال؟ قال : أما البغال فلا .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن المنذر ، عن أسماء قالت : نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً ، فأكلناه .
وأخرج أحمد ، عن دحية الكلبي قال : « قلت يا رسول الله ، أحمل لك حماراً على فرس ، فينتج لك بغلاً وتركبها؟ قال : » إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون « » .
وأخرج الخطيب في تاريخه ، وابن عساكر ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { ويخلق ما لا تعلمون } قال البراذين .
وأخرج ابن عساكر ، عن مجاهد في قوله { ويخلق ما لا تعلمون } قال السوس في الثياب .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن مما خلق الله لأرضاً من لؤلؤة بيضاء مسيرة ألف عام عليها جبل من ياقوتة حمراء محدق بها ، في تلك الأرض ملك قد ملأ شرقها وغربها ، له ستمائة رأس ، في كل رأس ستمائة وجه ، في كل وجه ستون ألف فم . في كل فم ستون ألف لسان ، يثني على الله ويقدسه ويهلله ويكبره ، بكل لسان ستمائة ألف وستين ألف مرة ، فإذا كان يوم القيامة نظر إلى عظمة الله ، فيقول وعزتك ما عبدتك حق عبادتك » فذلك قوله { ويخلق ما لا تعلمون } .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن الشعبي قال إن لله عباداً من وراء الأندلس ، كما بيننا وبين الأندلس ، ما يرون أن الله عصاه مخلوق ، رضراضهم الدر والياقوت ، وجبالهم الذهب والفضة ، لا يحرثون ولا يزرعون ولا يعملون عملاً ، لهم شجر على أبوابهم لها ثمر هي طعامهم ، وشجر لها أوراق عراض هي لباسهم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن وهب أنه قيل له : أخبرنا من أتى سعالة الريح ، وانه رأى بها أربع نجوم كأنها أربعة أقمار؟ فقال وهب : { ويخلق ما لا تعلمون } .(6/122)
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وعلى الله قصد السبيل } يقولون البيان { ومنها جائر } قال الأهواء المختلفة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { وعلى الله قصد السبيل } يقول : على الله يبين الهدى والضلالة ، { ومنها جائر } قال السبيل المتفرقة .
واخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { وعلى الله قصد السبيل } قال طريق الحق على الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { وعلى الله قصد السبيل } قال : على الله بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته { ومنها جائر } قال : على السبيل ناكب عن الحق وفي قراءة ابن مسعود « ومنكم جائر » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف ، عن علي أنه كان يقرأ هذه الآية « فمنكم جائر » .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد في قوله { وعلى الله قصد السبيل } قال طريق الهدى ، { ومنها جائر } قال : من السبل جائر عن الحق ، وقرأ { ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } [ الأنعام : 153 ] { ولو شاء لهداكم أجمعين } لقصد السبيل الذي هو الحق وقرأ { ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعاً } [ يونس : 99 ] { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها } [ السجدة : 13 ] والله أعلم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { فيه تسيمون } قال ترعون فيه أنعامكم .
وأخرج الطستي ، عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { فيه تسيمون } قال فيه ترعون . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت الأعشى وهو يقول :
ومشى القوم بالعماد إلى الدو ... حاء أعماد المسيم بن المساق
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { وما ذرأ لكم في الأرض } قال ما خلق لكم في الأرض مختلفاً : من الدواب ، والشجر ، والثمار . نعم من الله متظاهرة ، فاشكروها لله عز وجل ، والله أعلم بالصواب .(6/123)
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن مطر أنه كان لا يرى بركوب البحر بأساً ، وقال : ما ذكره الله في القرآن إلا بخير .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر : أنه كان يكره ركوب البحر إلا لثلاث : غازٍ أو حاج أو معتمر .
وأخرج عبد الرزاق ، عن علقمة بن شهاب القرشي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من لم يدرك الغزو معي فليغز في البحر ، فإن أجر يوم في البحر كأجر يوم في البر وإن القتل في البحر ، كالقتلتين في البر ، وإن المائد في السفينة ، كالمتشحط في دمه ، وان خيار شهداء أمتي أصحاب الكف ، قالوا . وما أصحاب الكف يا رسول الله؟ قال : قوم تتكفأ بهم مراكبهم في سبيل الله » .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن كعب الأحبار : إن الله قال للبحر الغربي حين خلقه : قد خلقتك فأحسنت خلقك وأكثرت فيك من الماء وإني حامل فيك عباداً لي يكبروني ويهللوني ويسبحوني ويحمدوني ، فكيف تعمل بهم؟ قال : أغرقهم ، قال الله : إني أحملهم على كفي ، وأجعل بأسك في نواحيك ، ثم قال للبحر الشرقي : قد خلقتك فأحسنت خلقك ، وأكثرت فيك من الماء ، وإني حامل فيك عباداً لي يكبروني ويهللوني ويسبحوني ويحمدوني ، فكيف أنت فاعل بهم؟ قال أكبرك معهم ، وأحملهم بين ظهري وبطني ، فأعطاه الله الحلية والصيد الطيب .
وأخرج البزار ، عن أبي هريرة قال : كلم الله البحر الغربي ، وكلم الشرقي ، فقال للبحر الغربي : إني حامل فيك عباداً من عبادي ، فما أنت صانع بهم؟ قال : أغرقهم . قال : بأسك في نواحيك ، وحرمه الحلية والصيد وكلم هذا البحر الشرقي ، فقال : إني حامل فيك عباداً من عبادي ، فما أنت صانع بهم؟ قال : أحملهم على يدي ، وأكون لهم كالوالدة لولدها ، فأثابه الحلية والصيد .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً } يعني حيتان البحر { وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } قال هذا اللؤلؤ .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله { لتأكلوا منه لحماً طرياً } قال هو السمك وما فيه من الدواب .
وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة : إنه سئل عن رجل قال لامرأته : إن أكلت لحماً فأنت طالق؟ فأكلت سمكاً ، قال : هي طالق . قال الله { لتأكلوا منه لحماً طرياً } .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عطاء قال : يحنث قال الله { لتأكلوا منه لحماً طرياً } .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن أبي جعفر قال : ليس في الحلي زكاة ، ثم قرأ { وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { وترى الفلك مواخر } قال جواري .(6/124)
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وترى الفلك مواخر فيه } قال تمخر السفن الرياح ، ولا تمخر الريح من السفن ، إلا الفلك العظام .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عكرمة { وترى الفلك مواخر فيه } قال تشق الماء بصدرها .
وأخرج ابن ألمنذر وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله { وترى الفلك مواخر فيه } قال السفينتان تجريان بريح واحدة؛ كل واحدة مستقبلة الأخرى .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله { وترى الفلك مواخر فيه } قال تجري بريح واحدة مقبلة ومدبرة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله { ولتبتغوا من فضله } قال هو التجارة والله أعلم بالصواب .(6/125)
وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)
أخرج ابن عبد حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق قتادة ، عن الحسن عن قيس بن عباد قال : إن الله لما خلق الأرض جَعَلتْ تَمور ، فقالت الملائكة ما هذه بمُقِرَّة على ظهرها أحداً ، فأصبحت صبحاً ، وفيها رواسيها ، فلم يدروا من أين خلقت ، فقالوا ربنا هل من خلقك شيء أشد من هذا؟ قال : نعم ، الحديد ، فقالوا : هل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال : نعم ، النار . قالوا : ربنا ، هل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال : نعم! الماء . قالوا : ربنا ، هل من خلقك شيء هو أشد من الماء؟ قال : نعم الريح . قالوا : ربنا ، هل من خلقك شيء هو أشد من الريح؟ قال : نعم الرجل . قالوا : ربنا ، هل من خلقك شيء هو أشد من الرجل؟ قال : نعم المرأة .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { رواسي } قال : الجبال { أن تميد بكم } قال : أثبتها بالجبال ، ولولا ذلك ما أقرت عليها خلقاً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { رواسي أن تميد بكم } قال : حتى لا تميد بكم . كانوا على الأرض تمور بهم لا يستقر بها ، فأصبحوا صبحاً ، وقد جعل الله الجبال ، وهي الرواسي أوتاداً في الأرض .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { أن تميد بكم } قال : أن تكفأ بكم ، وفي قوله وأنهاراً قال بكل بلدة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله { وسبلاً } قال : السبل هي الطرق بين الجبال .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم و الخطيب في كتاب النجوم ، عن قتادة في قوله { وسبلاً } قال : طرقاً { وعلامات } قال : هي النجوم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله { وعلامات } قال : أنهار الجبال .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر ، عن الكلبي في قوله { وعلامات } قال : الجبال .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله { وعلامات } يعني معالم الطرق بالنهار { وبالنجم هم يهتدون } يعني بالليل .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة ، عن إبراهيم { وعلامات } قال : هي الاعلام التي في السماء { وبالنجم هم يهتدون } قال : يهتدون به في البحر في أسفارهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله { وعلامات وبالنجم هم يهتدون } قال منها ما يكون علامة ، ومنها ما يهتدى به .
وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد أنه كان لا يرى بأساً أن يتعلم الرجل منازل القمر .
وأخرج ابن المنذر ، عن إبراهيم ، أنه كان لا يرى بأساً أن يتعلم الرجل من النجوم ما يهتدي به .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { أفمن يخلق كمن لا يخلق } قال : الله هو الخالق الرازق ، وهذه الأوثان التي تعبد من دون الله تُخْلَقُ ولا تخلقُ شيئاً ، ولا تملك لأهلها ضراً ولا نفعاً .(6/126)
قال الله { أفلا تذكرون } وفي قوله { والذين يدعون من دون الله } الآية . قال : هذه الأوثان التي تعبد من دون الله أموات لا أرواح فيها ، ولا تملك لأهلها خيراً ولا نفعاً { إلهكم إله واحد } قال : الله إلهنا ومولانا وخالقنا ورازقنا ولا نعبد ولا ندعو غيره . { الذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة } يقول منكرة لهذا الحديث { وهم مستكبرون } قال مستكبرون عنه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي ، عن ابن عباس في قوله { لا جرم } يقول بلى .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مالك في قوله { لا جرم } يعني الحق .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله { لا جرم } قال لا كذب .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { إنه لا يحب المستكبرين } قال : هذا قضاء الله الذي قضى { إنه لا يحب المستكبرين } وذكر لنا ، « أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، إنه ليعجبني الجمال ، حتى أود أن علاقة سوطي ، وقبالة نعلي حسن ، فهل ترهب عليّ الكبر؟ فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : كيف تجد قلبك؟ قال : أجده عارفاً للحق مطمئناً إليه . قال : فليس ذاك بالكبر ، ولكن الكبر أن تبطر الحق وتغمص الناس ، فلا ترى أحداً أفضل منك ، وتغمص الحق ، فتجاوزه إلى غيره » .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وعبد بن حميد وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسين بن علي ، أنه كان يجلس إلى المساكين ثم يقول : { إنه لا يحب المستكبرين } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن علي قال : ثلاث من فعلهن لم يكتب مستكبراً : من ركب الحمار ولم يستنكف ، ومن اعتقل الشاة واحتلبها ، وأوسع للمسكين وأحسن مجالسته .
وأخرج مسلم والبيهقي في الشعب ، عن عياض بن حمار المجاشعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : في خطبته « إن الله أوحى إليّ ، أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد » .
وأخرج البيهقي ، عن عمر بن الخطاب رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله : « من تواضع لي هكذا - وأشار بباطن كفه إلى الأرض وأدناه من الأرض - رفعته هكذا - وأشار بباطن كفه إلى السماء - ورفعها نحو السماء .
وأخرج الخطيب والبيهقي ، عن عمر أنه قال على المنبر : يا أيها الناس تواضعوا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » من تواضع لله رفعه الله وقال : انتعش رفعك الله ، فهو في نفسه صغير ، وفي أعين الناس عظيم ، ومن تكبر ، وضعه الله ، وقال : اخسأ خفضك الله ، فهو في أعين الناس صغير ، وفي نفسه كبير ، حتى لهو أهون عليهم من كلب أو خنزير « .(6/127)
وأخرج البيهقي ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من آدمي إلا وفي رأسه سلسلتان - سلسلة في السماء وسلسلة في الأرض - وإذا تواضع العبد ، رفعه الملك الذي بيده السلسلة من السماء ، وإذا تجبر جذبته السلسلة التي في الأرض » .
وأخرج البيهقي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من أدمي إلا وفي رأسه حكمة - الحكمة بيد ملك - فإن تواضع قيل للملك : ارفع حكمته ، وإن ارتفع ، قيل للملك : ضع حكمته » .
وأخرج البيهقي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من تكبر تعظماً وضعه الله ، ومن تواضع لله تخشعاً رفعه الله » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « » لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان « . فقال رجل : يا رسول الله ، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً؟ فقال : » إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر من بطر الحق وغمص الناس « » .
وأخرج ابن سعد وأحمد والبيهقي ، عن أبي ريحانة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « » لا يدخل شيء من الكبر الجنة « قال قائل : يا رسول الله ، إني أحب أن أتجمل بعلاقة سوطي وشسع نعلي؟ فقال : إن ذلك ليس بالكبر » إن الله جميل يحب الجمال ، إنما الكبر من سفه الحق ، وغمص الناس بعينيه « » وأخرجه البغوي في معجمه والطبراني ، عن سوار بن عمرو الأنصاري قال : « قلت يا رسول الله ، إني رجل حبب إلي الجمال ، وأعطيت منه ما ترى ، فما أحب أن يفوقني أحد في شسع افمِنَ الكبر ذاك؟ قال : لا . قلت : فما الكبر يا رسول الله؟ قال : » من سفه الحق وغمص الناس « » .
وأخرج البغوي والطبراني ، عن سوار بن عمرو الأنصاري قال : « سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني رجل حبب إلي الجمال ، حتى إني لا أحب أحداً يفوقني بشراك ، افمن الكبر ذاك؟ قال : لا . » ولكن الكبر من غمص الناس وبطر الحق « » .
وأخرج ابن عساكر ، عن ابن عمر ، عن أبي ريحانة قال : « يا رسول الله ، إني لأحب الجمال حتى في نعلي وعلاقة سوطي ، أفمن الكبر ذلك؟ قال : » إن الله جميل يحب الجمال ، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده ، الكبر من سفَّه الحق ، وغمص الناس أعمالهم « » .(6/128)
وأخرج ابن عساكر ، عن خريم بن فاتك أنه قال : يا رسول الله ، إني لأحب الجمال ، حتى إني لأحبه في شراك نعلي ، وجلاد سوطي ، وإن قومي يزعمون أنه من الكبر ، فقال « ليس الكبر أن يحب أحدكم الجمال ، ولكن الكبر أن يسفه الحق ويغمص الناس » .
وأخرج سمويه في فوائده ، والباوردي ، وابن قانع ، والطبراني ، عن ثابت بن قيس بن شماس قال : ذكر الكبر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً ، فقال رجل من القوم : والله يا رسول الله ، إن ثيابي لتغسل ، فيعجبني بياضها ، ويعجبني علاقة سوطي ، وشراك نعلي ، فقال النبي : - صلى الله عليه وسلم - ليس ذاك من الكبر ، إنما الكبر : أن تسفه الحق وتغمص الناس » .
وأخرج الطبراني ، عن أسامة قال : أقبل رجل من بني عامر فقال : يا رسول الله ، بلغنا أنك شددت في لبس الحرير والذهب ، وإني لأحب الجمال ، فقال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - « إن الله جميل يحب الجمال ، إنما الكبر من جهل الحق وغمص الناس بعينيه » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني رجل حبب إليَّ الجمال ، وأعطيت منه ما ترى؛ حتى ما أحب أن يفوقني أحد بشراك ، أو شسع ، أفمن الكبر هذا؟ قال : » لا ، ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس « » .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه مثله ، وفيه : إن الرجل مالك الرهاوي ، وقال البغي بدل الكبر .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أوصى نوح ابنه ، فقال : إني موصيك بوصية وقاصرها عليك حتى لا تنسى ، أوصيك باثنتين ، وأنهاك عن اثنتين ، فأما اللتان أوصيك بهما ، فإني رأيتهما يكثران الولوج على الله عز وجل ، ورأيت الله تبارك وتعالى يستبشر بهما ، وصالح خلقه ، قل : سبحان الله وبحمده ، فإنها صلاة الخلق وبها يرزق الخلق ، وقل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فإن السموات والأرض لو كُنَّ حلقة لقصمتها ، ولو كُنَّ في كفةٍ لرجحت بهن ، وأما اللتان أنهاك عنهما ، فالشرك والكبر ، فقال عبد الله بن عمرو : يا رسول الله ، الكبر أن يكون لي حلة حسنة ألبسها؟ قال : » لا إن الله جميل يحب الجمال « قال : فالكبر أن يكون لي دابة صالحة أركبها؟ قال : لا ، قال : فالكبر أن يكون لي أصحاب يتبعوني وأطعمهم؟ قال : لا ، قال : فأيما الكبر يا رسول الله؟ قال : » أن تسفه الحق وتغمص الناس « » .(6/129)
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عبد الله بن عمرو قال : لا يدخل حظيرة القدس متكبر .
وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : المتكبرون يجعلون يوم القيامة في توابيت من نار فتطبق عليهم .
وأخرج أحمد والدارمي والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو يعلى وابن حبان والحاكم ، عن ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من فارق الروح جسده وهو بريء من ثلاث دخل الجنة ، الكبر والدين والغلول » قال ابن الجوزي : في جامع المسانيد كذا روى لنا الكبر ، وقال الدارقطني إنما هو الكنز بالنون والزاي .
وأخرج الطبراني عن السائب بن يزيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « » لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر « قالوا يا رسول الله هلكنا وكيف لنا أن نعلم ما في قلوبنا من دأب الكبر؟ وأين هو؟ فقال : » من لبس الصوف ، أو حلب الشاة ، أو أكل مع من ملكت يمينه ، فليس في قلبه إن شاء الله الكبر « » .
وأخرج تمام في فوائده وابن عساكر ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من لبس الصوف وانتعل المخصوف وركب حماره وحلب شاته وأكل معه عياله ، فقد نحى الله عنه الكبر . أنا عبد ابن عبد أجْلِس جلسة العبد وآكل أكل العبد ، أني قد أوحي إلي أن تواضعوا ولا يبغ أحد على أحد ، أن يد الله مبسوطة في خلقه ، فمن رفع نفسه وضعه الله ، ومن وضع نفسه رفعه الله ، ولا يمشي امرؤ على الأرض شبراً يبتغي سلطان الله الا أكبه الله » .
وأخرج أحمد في الزهد عن يزيد بن ميسرة قال : قال عيسى عليه السلام : ما لي لا أرى فيكم أفضل العبادة؟ قالوا : وما أفضل العبادة يا روح الله؟ قال : التواضع لله .
وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : إنكم لتدعون أفضل العبادة : التواضع .
وأخرج البيهقي عن يحيى بن أبي كثير قال : أفضل العمل الورقع ، وخير العبادة التواضع .
وأخرج ابن ابي شيبة والبيهقي ، عن ابن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ، كبّه الله على وجهه في النار » .
وأخرج البيهقي عن النعمان بن بشير : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن للشيطان مصالي وفخوخاً ، وإن من مصاليه وفخوخه البطر بنعم الله والفخر بعطاء الله والكبر على عباد الله واتباع الهوى في غير ذات الله تعالى » .(6/130)
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ألا أنبئكم بأهل النار؟ كل فظ غليظ مستكبر . الا أنبئكم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف ذي طمرين ، لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره » .
وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي ، عن جبير بن مطعم قال : يقولون في التيه : وقد ركبت الحمار ولبست الشملة وحلبت الشاة . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من فعل هذا فليس فيه من الكبر شيء » .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن عبد الله بن شداد رفع الحديث قال : من لبس الصوف واعتقل الشاة وركب الحمار وأجاب دعوة الرجل الدون أو العبد ، لم يكتب عليه من الكبر شيء .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبو يعلى والحاكم وصححه والبيهقي ، عن عبد الله بن سلام أنه رؤي في السوق على رأسه حزمة حطب ، فقيل له : أليس قد أوسع الله عليك؟ قال : بلى ، ولكني أردت أن أدفع الكبر ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر » .
وأخرج البيهقي عن جابر قال : « كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل رجل ، فلما رآه القوم أثنوا عليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأرى على وجهه سفعة من النار . فلما جاء وجلس قال : أنشدك بالله ، أجئت وأنت ترى أنك أفضل القوم؟ قال : نعم » .
وأخرج البيهقي عن ابن المبارك ، أنه سئل عن التواضع فقال : التكبر على الأغنياء .
وأخرج البيهقي عن ابن المبارك قال : من التواضع أن تضع نفسك عند من هو دونك في نعمة الدنيا ، حتى تعلمه أنه ليس لك فضل عليه لدنياك ، وأن ترفع نفسك عند من هو فوقك في دنياه ، حتى تعلمه أنه ليس لدنياه فضل عليك .
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال : من خضع لغني ووضع له نفسه اعظاماً له وطمعاً فيما قبله ، ذهب ثلثا مروءته وشطر دينه .
وأخرج أحمد في الزهد عن عون بن عبد الله قال : قال عبد الله بن مسعود : لا يبلغ عبد حقيقة الإِيمان حتى يحل بذروته ، ولا يحل بذروته حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى والتواضع أحب إليه من الشرف ، وحتى يكون حامده وذامّه سواء . قال : ففسرها أصحاب عبد الله قالوا : حتى يكون الفقر في الحلال أحب إليه من الغني في الحرام . وحتى يكون التواضع في طاعة الله أحب إليه من الشرف في معصية الله ، وحتى يكون حامده وذامّه في الحق سواء .(6/131)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : اجتمعت قريش فقالوا : إن محمداً رجل حلو اللسان ، إذا كلمه الرجل ذهب بعقله ، فانظروا أناساً من أشرافكم المعدودين المعروفة أنسابهم ، فابعثوهم في كل طريق من طرق مكة على رأس كل ليلة أو ليلتين ، فمن جاء يريده فردوه عنه . فخرج ناس منهم في كل طريق ، فكان إذا أقبل الرجل وافداً لقومه ينظر ما يقول محمد فينزل بهم . قالوا له : أنا فلان ابن فلان . فيعرفه بنسبه ويقول : أنا أخبرك عن محمد ، فلا يريد أن يعني إليه ، هو رجل كذاب ، لم يتبعه على أمره إلا السفهاء والعبيد ومن لا خير فيه . وأما شيوخ قومه وخيارهم ، فمفارقون له فيرجع أحدهم . فذلك قوله { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأوّلين } فإذا كان الوافد ممن عزم الله له على الرشاد فقالوا له مثل ذلك في محمد ، قال : بئس الوافد انا لقومي إن كنت جئت ، حتى إذا بلغت إلا مسيرة يوم ، رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل . وانظر ما يقول : وآتي قومي ببيان أمره ، فيدخل مكة فيلقى المؤمنين فيسألهم : ماذا يقول محمد؟ فيقولون : { خيراً للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } [ النحل : 30 ] يقول : مال { ولدار الآخرة خير } [ النحل : 30 ] وهي الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال إن أناساً من مشركي العرب كانوا يقعدون بطريق من أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم فإذا مروا سألوهم فأخبروهم بما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا إنما هو أساطير الأوّلين .(6/132)
لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم } يقول : يحملون مع ذنوبهم ذنوب الذين يضلونهم بغير علم وذلك مثل قوله { وأثقالاً مع أثقالهم } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة . . . } الآية . قال : حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم ، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن الربيع بن أنس في قوله { ليحملوا أوزارهم كاملة . . . } الآية . قال : قال النبي « أيما داعٍ دعا إلى ضلالة فاتبع ، كان عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء . وأيما داع إلى هدى فاتبع ، فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء » .
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم ، أنه بلغه أنه يتمثل للكافر عمله في صورة أقبح ما خلق الله وجهاً وأنتنه ريحاً ، فيجلس إلى جنبه . كلما أفزعه شيء زاده ، وكلما تخوّف شيئاً زاده خوفاً ، فيقول : بئس الصاحب أنت ، ومن أنت؟ فيقول : وما تعرفني!؟ فيقول : لا . فيقول : أنا عملك . . . كان قبيحاً فلذلك تراني قبيحاً ، وكان منتناً فلذلك تراني منتناً . . . طأطئ إليَّ اركبك ، فطالما ركبتني في الدنيا . فيركبه . وهو قوله { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة } والله أعلم .(6/133)
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله { قد مكر الذين من قبلهم } قال : هو نمرود بن كنعان حين بنى الصرح .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير ، عن زيد بن أسلم قال : أول جبار كان في الأرض نمرود ، فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره ، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق . وارحم الناس به من جمع يديه فضرب بهما رأسه ، وكان جباراً أربعمائة سنة فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ، ثم أماته الله . وهو الذي كان بَنَى صرحاً إلى السماء الذي قال الله { فأتى الله بنيانهم من القواعد } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله { قد مكر الذين من قبلهم } قال : مكر نمرود بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد } قال : أتاها أمر الله من أصلها { فخر عليهم السقف من فوقهم } و { السقف } عالي البيوت فائتفكت بهم بيوتهم ، فأهلكهم الله ودمرهم { وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي ، عن ابن عباس في قوله { تشاقون فيهم } يقول : تخالفوني .(6/134)
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { وقيل للذين اتقوا } قال : هؤلاء المؤمنون ، يقال لهم { ماذا أنزل ربكم } فيقولون { خيراً للذين أحسنوا } أي آمنوا بالله وكتبه وأمروا بطاعته ، وحثوا عباد الله على الخير ودعوهم إليه .(6/135)
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين } قال : أحياء وأمواتاً ، قدر الله ذلك لهم .
وأخرج ابن مالك وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، وأبو القاسم بن منده في كتاب الأحوال ، والبيهقي في شعب الإِيمان ، عن محمد بن كعب القرظي قال : إذا استفاقت نفس العبد المؤمن ، جاءه الملك فقال : السلام عليك يا ولي الله ، الله يقرأ عليك السلام . ثم نزع بهذه الآية { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم } .(6/136)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } قال : بالموت . وقال في آية أخرى { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } [ الأنفال : 50 ] . وهو ملك الموت ، وله رسل { أو يأتي أمر ربك } وذاك يوم القيامة .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } يقول : عند الموت ، حين تتوفاهم { أو يأتي أمر ربك } قال : ذلك يوم القيامة .(6/137)
إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)
أخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن مسعود ، أنه قرأ { فإن الله لا يهدي } بفتح الياء { من يضل } بضم الياء .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن الأعمش قال : قال لي الشعبي : يا سليمان ، كيف تقرأ هذا الحرف؟ قلت { لا يهدي من يضل } فقال : كذلك سمعت علقمة أنه كان يقرأ { لا يهدي من يضل } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر ، عن علقمة أنه كان يقرأ { لا يهدي من يضل } .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن إبراهيم ، أنه قرأ { لا يهدي من يضل } .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أنه كان يقرأ هذا الحرف { فإن الله لا يهدي من يضل } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { فإن الله لا يهدي من يضل } قال : من يضله الله لا يهديه أحد .(6/138)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية قال : كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه ، فكان فيما تكلم به والذي أرجوه بعد الموت ، أنه لكذا وكذا . فقال له المشرك : إنك لتزعم أنك تبعث من بعد الموت . . . فأقسم بالله جهد يمينه : لا يبعث الله من يموت . فأنزل الله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت . . . } الآية .
وأخرج ابن مردويه عن علي في قوله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } قال : نزلت في .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة قال : « قال الله : سبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يسبني ، وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني . فأما تكذيبه إياي فقال : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت } وقلت : { بلى وعداً عليه حقاً } وأما سبه إياي فقال : { إن الله ثالث ثلاثة } وقلت { هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } [ الصمد ] » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ليبين لهم الذي يختلفون فيه } قال : للناس عامة ، والله أعلم .(6/139)
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)
أخرج أحمد والترمذي وحسنه ، وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان - واللفظ له - عن أبي ذر ، عن رسول الله قال : « يقول الله : يا ابن آدم ، كلكم مذنب إلا من عافيت . . فاستغفروني أغفر لكم . وكلكم فقراء إلا من أغنيت ، فسلوني أُعْطِكُم . وكلكم ضال إلا من هديت ، فسلوني الهدى أهدكم . ومن استغفرني وهو يعلم أني ذو قدرة على أن أغفر له ، غفرت له ولا أبالي . ولو أن أوّلكم وآخركم وحيّكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أشقى واحد منكم ، ما نقص ذلك من سلطاني مثل جناح بعوضة . ولو أن أوّلكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على قلب أتقى واحد منكم ، ما زادوا في سلطاني مثل جناح بعوضة . ولو أن أوّلكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم سألوني حتى تنتهي مسألة كل واحد منكم ، فأعطيتهم ما سألوني ما نقص ذلك مما عندي كغرز إبرة غمسها أحدكم في البحر ، وذلك أني جواد ماجد واجد عطائي كلام ، وعذابي كلام ، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له { كن فيكون } » .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا } قال : إنهم قوم من أهل مكة ، هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ظلمهم ، ظَلَمَهُمُ المشركون .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن داود بن أبي هند قال : نزلت { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا . . . . } إلى قوله : { وعلى ربهم يتوكلون } في أبي جندل بن سهيل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا } قال : هؤلاء أصحاب محمد ، ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم ، حتى لحق طوائف منهم بأرض الحبشة ، ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة ، وجعل لهم أنصاراً من المؤمنين { ولأجر الآخرة أكبر } قال : أي والله لما يثيبهم عليه من جنته ونعمته { أكبر لو كانوا يعلمون } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الشعبي في قوله : { لنبوّئنهم في الدنيا حسنة } قال : المدينة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { لنبوّئنهم في الدنيا حسنة } قال : لنرزقنهم في الدنيا رزقاً حسناً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبان بن تغلب قال : كان الربيع بن خثيم يقرأ هذا الحرف في النحل { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة } ويقرأ في العنكبوت ( لَنَثْويَنَّهُمْ من الجنة غرفا ) [ العنكبوت : 58 ] ويقول : التَّنَبُّؤ في الدنيا والثواء في الآخرة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن عمر بن الخطاب : أنه كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاء يقول : خذ . . . بارك الله لك ، هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ادّخر لك في الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون .(6/140)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : لما بعث الله محمداً رسولاً أنكرت العرب ذلك ، ومن أنكر منهم قالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً مثل محمد . فأنزل الله : { أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم } [ يونس : 2 ] وقال : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } يعني فاسألوا أهل الذكر والكتب الماضية : أبشرا كانت الرسل الذين أتتهم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أتتكم ، وإن كانوا بشراً فلا تنكروا أن يكون رسولاً . ثم قال : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحى إليهم من أهل القرى } [ يوسف : 109 ] أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً } قال : قالت العرب { لولا أنزل علينا الملائكة } [ المائدة : 73 ] قال الله : ما أرسلت الرسل إلا بشراً { فاسألوا } يا معشر العرب { أهل الذكر } وهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، الذين جاءتهم قبلكم { إن كنتم لا تعلمون } أن الرسل الذين كانوا من قبل محمد كانوا بشراً مثله ، فإنهم سيخبرونكم أنهم كانوا بشراً مثله .
وأخر الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس { فاسألوا أهل الذكر } يعني مشركي قريش ، أن محمداً رسول الله في التوراة والإنجيل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { فاسألوا أهل الذكر } قال : نزلت في عبد الله بن سلام ونفر من أهل التوراة ، وكانوا أهل كتب يقول : فاسألوهم { إن كنتم لا تعلمون } أن الرجل ليصلي ويصوم ويحج ويعتمر ، وأنه لمنافق . قيل : يا رسول الله ، بماذا دخل عليه النفاق؟ قال : يطعن على إمامه ، وإمامه من قال الله في كتابه : { فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون } .
وأخرج ابن مردويه عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا ينبغي للعالم أن يسكت عن علمه ، ولا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله . وقد قال الله { فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون } فينبغي للمؤمن أن يعرف عمله على هدى أم على خلافه » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { بالبينات } قال : الآيات { والزبر } قال : الكتب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي عن أصحابه في قوله : { بالبينات والزبر } قال : { البينات } الحلال والحرام الذي كانت تجيء به الأنبياء { والزبر } كتب الأنبياء { وأنزلنا إليك الذكر } قال : هو القرآن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { لتبين للناس ما نزل إليهم } قال : ما أحل لهم وما حرم عليهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { لتبين للناس ما نزل إليهم } قال : أرسله الله إليهم ليتخذ بذلك الحجة عليهم .(6/141)
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : { ولعلهم يتفكرون } قال : يطيعون .
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً أخبرنا بما يكون إلى قيام الساعة ، عقله منا من عقله ونسيه من نسيه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { أفأمن الذين مكروا السيئات } قال : هو نمرود بن كنعان وقومه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { أفأمن الذين مكروا السيئات } أي الشرك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : { أفأمن الذين مكروا السيئات } قال : تكذيبهم الرسل وأعمالهم بالمعاصي .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { أو يأخذهم في تقلبهم } قال : في اختلافهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { أو يأخذهم في تقلبهم } قال : إن شئت أخذته في سفره . وفي قوله : { أو يأخذهم على تخوف } يقول : إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه . وتخوف بذلك .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { أو يأخذهم في تقلبهم } قال : في أسفارهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله : { أو يأخذهم في تقلبهم } يعني على أي حال كانوا بالليل والنهار { أو يأخذهم على تخوف } يعني أن يأخذ بعضاً بالعذاب ويترك بعضاً ، وذلك أنه كان يعذب القرية فيهلكها ويترك الأخرى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { أو يأخذهم على تخوف } قال : ينقص من أعمالهم .
وأخرج ابن جرير من طريق عطاء الخراساني ، عن ابن عباس في قوله : { أو يأخذهم على تخوف } قالوا : ما نرى إلا أنه عند تنقص ما نردده من الآيات ، فقال عمر : ما أرى إلا أنه على ما تنتقصون من معاصي الله . فخرج رجل ممن كان عند عمر فلقي أعرابياً فقال : يا فلان ، ما فعل ربك . فقال : قد تخيفته . يعني تنقصته . فرجع إلى عمر فأخبره فقال : قدر الله ذلك .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { أو يأخذهم على تخوف } قال : يأخذهم بنقص بعضهم بعضاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : { أو يأخذهم على تخوف } قال : كان يقال : التخوف ، هو التنقص . . . تنقصهم من البلد والأطراف .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤُا ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله } قال : ظل كل شيء فيه ، وظل كل شيء سجوده . { فاليمين } أول النهار { والشمائل } آخر النهار .(6/142)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله : { أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤُا ظلاله } قال : إذا فَاءَ الْفَيءُ توجه كل شيء ساجداً لله قِبَلَ القبلة من بيت أو شجر . قال : فكانوا يستحبون الصلاة عند ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن الضحاك في الآية قال : إذا فاء الفيء ، لم يبق شيء من دابة ولا طائر إلا خر لله ساجداً .
وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن المنذر وأبو الشيخ ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أربع قبل الظهر بعد الزوال تحسب بمثلين من صلاة السحر » . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وليس من شيء إلا وهو يسبح الله تلك الساعة » ثم قرأ { يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله . . . } الآية كلها .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعد بن إبراهيم قال : صلوا صلاة الآصال حتى يفيء الفيء قبل النداء بالظهر ، من صلاها فكأنما تهجد بالليل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : فيء كل شيء ظله ، وسجود كل شيء فيه سجود الخيال فيها .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال : إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في الآية في قوله : { يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل } قال : الغدو والآصال ، إذا فاء ظل كل شيء . أما الظل بالغداة فعن اليمين ، وأما بالعشي فعن الشمائل . إذا كان بالغداة سجدت لله ، وإذا كان بالعشي سجدت له .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي غالب الشيباني قال : أمواج البحر صلاته .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { داخرون } قال : صاغرون .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة في قوله { وهم داخرون } قال : صاغرون .(6/143)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة } قال : لم يدع شيئاً من خلقه إلا عبده له طائعاً أو كارهاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : يسجد من في السموات طوعاً ، ومن في الأرض طوعاً وكرهاً .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن عباس في قوله : { يخافون ربهم من فوقهم } قال : مخافة الإجلال .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : « مر النبي صلى الله عليه وسلم بسعد وهو يدعو بأصبعيه فقال له : يا سعد ، أحد أحد » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال : كانوا إذا رأوا إنساناً يدعو بأصبعيه ، ضربوا إحداهما وقالوا : { إنما هو إله واحد } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت : إن الله يحب أن يدعى هكذا ، وأشارت بأصبع واحدة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : هو الإخلاص ، يعني الدعاء بالاصبع .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : الدعاء هكذا - وأشار بأصبع واحدة - مقمعة الشيطان .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : الإخلاص هكذا . وأشار بأصبعيه والدعاء هكذا يعني ببطون كفيه . وللاستخارة هكذا ، ورفع يديه وولى ظهرهما وجهه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وله الدين واصباً } قال : { الدين } الإخلاص { واصباً } دائماً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله : { وله الدين واصباً } قال : لا إله إلا الله .
واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وله الدين واصباً } قال : دائماً .
وأخرج الفريابي وابن جرير عن ابن عباس في قوله : { وله الدين واصباً } قال : واجباً .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء ، عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { وله الدين واصباً } ما الواصب؟ قال : الدائم . قال فيه أمية بن أبي الصلت :
وله الدين واصباً وله ... الملك وحمد له على كل حال
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن في الآية قال : إن هذا الدين دين واصب . . . شغل الناس وحال بينهم وبين كثير من شهواتهم ، فما يستطيعه من إلا من عرف فضله ورجا عاقبته .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { فإليه تجأرون } قال : تتضرعون دعاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { فإليه تجأرون } يقول : تضجون بالدعاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { ثم إذا كشف الضر عنكم . . . } الآية ، قال : الخلق كلهم يُقِرُّونَ لله أنه ربهم ثم يشركون بعد ذلك .(6/144)
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : { فتمتعوا فسوف تعلمون } قال : هو وعيد .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : { ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم } قال : يعلمون أن الله خلقهم ويضرهم وينفعهم ، ثم يجعلون لما يعلمون أنه يضرهم ولا ينفعهم نصيباً مما رزقناهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً } قال : هم مشركو العرب جعلوا لأوثانهم وشياطينهم نصيباً مما رزقهم الله ، وجزأوا من أموالهم جزءاً فجعلوه لأوثانهم وشياطينهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم } هو قولهم هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا .(6/145)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { ويجعلون لله البنات . . . } الآيات . يقول : يجعلون له البنات ، يرضونهن له ولا يرضونهن لأنفسهم . وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا ولد للرجل منهم جارية أمسكها على هون أو دسّها في التراب وهي حية .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله : { ولهم ما يشتهون } قال : يعني به البنين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم } قال : هذا صنيع مشركي العرب ، أخبرهم الله بخبث صنيعهم . فأما المؤمن ، فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله له ، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه . ولعمري ما ندري أنه لخير لرب جارية خير لأهلها من غلام ، وإنما أخبركم الله بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه ، فكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : كانت العرب يقتلون ما ولد لهم من جارية فيدسونها في التراب وهي حية حتى تموت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { على هون } أي هوان بلغة قريش .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { أم يدسه في التراب } قال : يئد ابنته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ألا ساء ما يحكمون } قال : بئس ما حكموا . يقول : شيء لا يرضونه لأنفسهم ، فكيف يرضونه لي . . . . ؟
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ولله المثل الأعلى } قال : شهادة أن لا إله إلا الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس في قوله : { ولله المثل الأعلى } قال : يقول ليس كمثله شيء .(6/146)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة } قال : ما سقاهم المطر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية يقول : إذا قحط المطر لم يبق في الأرض دابة إلا ماتت .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة } قال : قد فعل الله ذلك في زمان نوح ، أهلك الله ما على ظهر الأرض من دابة إلا ما حملت سفينة نوح .
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن مسعود قال : ذنوب ابن آدم قتلت الجعل في جحره ، ثم قال : أي والله . . . ومن غرق قوم نوح عليه السلام .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب ، عن ابن مسعود قال : كاد الجعل أن يعذب في جحره بذنب ابن آدم ، ثم قرأ { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات ، عن أنس بن مالك قال : كاد الضب أن يموت في جحره هولاً من ظلم ابن آدم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير والبيهقي في الشعب ، عن أبي هريرة أنه سمع رجلاً يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه . فقال أبو هريرة : بلى . والله ، إن الحبارى لتموت هزلاً وكرهاً من ظلم الظالم .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو أن الله يؤاخذني وعيسى ابن مريم بذنونبا ، » وفي لفظ : « بما جنت هاتان - الإبهام والتي تليها - لعذبنا ما يظلمنا شيئاً » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : { ويجعلون لله ما يكرهون } قال : يقول : تجعلون لي البنات وتكرهون ذلك لأنفسكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ويجعلون لله ما يكرهون } قال : وهن الجواري .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى } قال : قول كفار قريش لنا البنون ولله البنات .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وتصف ألسنتهم الكذب } أي يتكلمون بأن { لهم الحسنى } الغلمان .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { وأنهم مفرطون } قال : مسيئون .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { وأنهم مفرطون } قال : متروكون في النار ينسون فيها أبداً .(6/147)
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : { وأنهم مفرطون } قال : قد فرطوا في النار أي معجلين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : { وأنهم مفرطون } قال : معجل بهم إلى النار .
وأخرج ابن مردويه ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي كبشة ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما شرب أحد لبناً فيشرق؛ إن الله يقول { لبناً خالصاً سائغاً للشاربين } » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي حاتم ، عن ابن سيرين . إن ابن عباس لبناً فقال له مطرف : ألا تمضمضت؟ فقال : ما أباليه بالة ، اسمح يسمح لك . فقال قائل : إنه يخرج من بين فرث ودم . فقال ابن عباس : قد قال الله { لبناً خالصاً سائغاً للشاربين } .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وابن مردويه والحاكم وصححه ، عن ابن عباس أنه سئل عن قوله : { تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً } قال : السكر ما حرم من ثمرتها ، والرزق الحسن ما حل من ثمرتها .
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس في الآية قال : السكر الحرام منه ، والرزق الحسن زبيبه وخله وعنبه ومنافعه .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في الآية قال : السكر النبيذ ، والرزق الحسن ، فنسختها هذه الآية { إنما الخمر والميسر } [ المائدة : 90 ] .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير ، عن أبي رزين في الآية قال : نزل هذا وهم يشربون الخمر قبل أن ينزل تحريمها .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في الآية قال : السكر الخل ، والنبيذ وما أشبهه . والرزق الحسن : الثمر والزبيب وما أشبهه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي ، عن ابن عباس في قوله : { تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً } قال : فحرم الله بعد ذلك السكر ، مع تحريم الخمر ، لأنه منه ، ثم قال : { ورزقاً حسناً } فهو الحلال من الخل والزبيب والنبيذ وأشباه ذلك ، فأقره الله وجعله حلالاً للمسلمين .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً } قال : إن الناس يسمون الخمر سكراً ، وكانوا يشربونها ، ثم سماها الله بعد ذلك الخمر حين حرمت ، وكان ابن عباس يزعم أن الحبشة يسمون الخل السكر . وقوله { ورزقاً حسناً } يعني بذلك الحلال التمر والزبيب ، وكان حلالاً لا يسكر .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن ابن مسعود قال : السكر خمر .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن سعيد بن جبير والحسن والشعبي وإبراهيم وأبي رزين مثله .
وأخرج عبد الرزاق وابن الأنباري في المصاحف والنحاس ، عن قتادة في قوله : { تتخذون منه سكراً } قال : خمور الأعاجم ، ونسخت في سورة المائدة .
وأخرج النسائي عن سعيد بن جبير قال : السكر الحرام ، والرزق الحسن الحلال .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله : { تتخذون منه سكراً } قال : ذكر الله نعمته عليهم في الخمر قبل أن يحرمها عليهم .
وأخرج ابن الأنباري والبيهقي ، عن إبراهيم والشعبي في قوله : { تتخذون منه سكراً } قالا : هي منسوخة .
وأخرج الخطيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : « لكم في العنب أشياء تأكلونه عنباً ، وتشربونه عصيراً ما لم ييبس ، وتتخذون منه زبيباً ورباً والله أعلم » .(6/148)
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وأوحى ربك إلى النحل } قال : ألهمها .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن قال : النحل دابة أصغر من الجندب ، ووحيه إليها قذف في قلوبها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { وأوحى ربك إلى النحل } قال : ألهمها إلهاماً ، ولم يرسل إليها رسولاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { وأوحى ربك إلى النحل } قال : أمرها أن تأكل من كل الثمرات ، وأمرها أن تتبع سبل ربها ذللاً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { فاسلكي سبل ربك ذللاً } قال : طرقاً لا يتوعر عليها مكان سلكته .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : { فاسلكي سبل ربك ذللاً } قال : مطيعة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في الآية قال : الذلول الذي يقاد ويذهب به حيث أراد صاحبه . قال : فهم يخرجون بالنحل وينتجعون بها . ويذهبون وهي تتبعهم . وقرأ { أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لهم مالكون وذللناها لهم } [ يس : 71-72 ] الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { فاسلكي سبل ربك ذللاً } قال : ذليلة لذلك . وفي قوله : { يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه } قال : هذا العسل { فيه شفاء للناس } يقول : فيه شفاء الأوجاع التي شفاؤها فيه .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس } يعني العسل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس } قال : هو العسل فيه الشفاء ، وفي القرآن .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن العسل فيه شفاء من كل داء ، والقرآن شفاء لما في الصدور .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن ابن مسعود قال : عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن .
وأخرج ابن ماجه وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « عليكم بالشفاءين العسل والقرآن » .
وأخرج البخاري ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الشفاء في ثلاثة : في شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو كية بنار ، وأنا أنهي أمتي عن الكي » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه(6/149)
« أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن أخي استطلق بطنه ، فقال : » اسقه عسلاً « فسقاه عسلاً ، ثم جاء فقال : ما زاده إلا استطلاقاً : قال : » اذهب فاسقه عسلاً « فسقاه عسلاً ، ثم جاء فقال : ما زاده إلا استطلاقاً! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » صدق الله وكذب بطن أخيك ، اذهب فاسقه عسلاً « فذهب فسقاه فبرأ » .
وأخرج ابن ماجه وابن السني والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء » .
وأخرج البيهقي في الشعب ، عن عامر بن مالك قال : بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم من وعك كان بي ألتمس منه دواء أو شفاء ، فبعث إليّ بعَكَّة من عسل .
وأخرج حميد بن زنجويه ، عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان لا يشكو قرحة ولا شيئاً إلا جعل عليه عسلاً حتى الدُّمَّلَ إذا كان به طلاه عسلاً ، فقلنا له : تداوي الدُمَّلَّ بالعسل؟ فقال أليس يقول الله : { فيه شفاء للناس } .
وأخرج أحمد والنسائي ، عن معاوية بن خديج قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن كان في شيء شفاء ففي شرطة من محجم أو شربة من عسل أو كية بنار تصيب ألماً ، وما أحب أن أكتوى » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن حشرم المجمري : أن ملاعب الأسنة عامر بن مالك بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الدواء والشفاء من داء نزل به؟ فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعسل أو بعكة من عسل .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عبد الله بن عمر وقال : مثل المؤمن كمثل النحلة تأكل طيبا وتضع طيباً .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن الزهري قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النمل والنحل .
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مثل بلالٍ كمثل النحلة ، غدت تأكل من الحلو والمر ، ثم هو حلو كله » .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله لا يحب الفاحش ولا المتفحش وسوء الجوار وقطيعة الرحم ، ثم قال : إنما مثل المؤمن كمثل النحلة رتعت فأكلت طيباً ثم سقطت فلم تؤذ ولم تكسر » .
وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد الساعدي : أن النبي صلى الله عليه وسلم : نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد والضفدع .
وأخرج الخطيب في تاريخه ، عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب : النملة والنحلة والهدهد والصرد .(6/150)
وأخرج أبو يعلى عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « عمر الذباب أربعون يوماً ، والذباب كله في النار ، إلا النحل » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف من طريق مجاهد ، عن عبيد بن عمير أو ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « كل الذباب في النار إلا النحل » وكان ينهى عن قتلها .
وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الذباب كلها في النار إلا النحل » .
وأخرج ابن جرير ، عن علي رضي الله عنه في قوله : { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } قال : خمس وسبعون سنة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } الآية . أرذل العمر هو الخوف .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر ، ثم قرأ { لكي لا يعلم بعد علم شيئاً } .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن طاوس قال : إن العالم لا يخرف .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عبد الملك بن عمير قال : كان يقال أن أبقى الناس عقولاً قراء القرآن .
وأخرج البخاري وابن مردويه ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو ، « أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا وفتنة الممات » .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن مسعود قال : كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم « أعوذ بالله من دعاء لا يسمع ومن قلب لا يخشع ومن علم لا ينفع ومن نفس لا تشبع ، اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع . ومن الخيانة فإنها بئست البطانة . وأعوذ بك من الكسل والهرم والبخل والجبن ، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدجال وعذاب القبر » .
وأخرج ابن مردويه ، عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يدعو « اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر » .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « المولود حتى يبلغ الحنث ما يعمل من حسنة أثبت لوالده أو لوالديه ، وإن عمل سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه ، فإذا بلغ الحنث وجرى عليه القلم أمر الملكان اللذان معه فحفظاه وسددا ، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام ، آمنه الله من البلايا الثلاثة : من الجنون والجذام والبرص ، فإذا بلغ الخمسين ضاعف الله حسناته ، فإذا بلغ ستين رزقه الله الانابة إليه فيما يحب ، فإذا بلغ سبعين أحبه أهل السماء ، فإذا بلغ تسعين سنة غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفعه في أهل بيته وكان اسمه عنده أسير الله في أرضه ، فإذا بلغ إلى أرذل العمر { لكي لا يعلم بعد علم شيئاً } كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير ، وإن عمل سيئة لم تكتب عليه » .(6/151)
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } الآية . يقول : لم يكونوا يشركون عبيدهم في أموالهم ونسائهم ، وكيف تشركون عبيدي معي في سلطاني؟ .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في الآية قال : هذا مثل الآلهة الباطل مع الله .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } الآية . قال : هذا مثل ضربه الله ، فهل منكم من أحد يشارك مملوكه في زوجته وفي فراشه؟! أفتعدلون بالله خلقه وعباده؟ فإن لم ترض لنفسك هذا ، فالله أحق أن تبرئه من ذلك ، ولا تعدل بالله أحداً من عباده وخلقه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطاء الخراساني في الآية . قال : هذا مثل ضربه الله في شأن الآلهة ، فقال كيف تعدلون بي عبادي ، ولا تعدلون عبيدكم بأنفسكم ، وتردون ما فضلتم به عليهم فتكونون أنتم وهم في الرزق سواء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن البصري قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ، اقنع برزقك في الدنيا ، فإن الرحمن فضل بعض عباده على بعض في الرزق ، بلاء يبتلى به كلا ، فيبتلي به من بسط له ، كيف شكره فيه ، وشكره لله أداؤه الحق الذي افترض عليه مما رزقه وخوله .(6/152)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } قال : خلق آدم ثم خلق زوجته منه .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه ، عن ابن مسعود في قوله : { بنين وحفدة } قال الحفدة الأختان .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : الحفدة الأصهار .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : الحفدة الولد وولد الولد .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : الحفدة بنو البنين .
وأخرج الطستي ، عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل : { وحفدة } قال : ولد الولد وهم الأعوان قال : وهل تعرف العرب ذلك قال : نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول :
حفد الولائد حولهن وأسلمت ... بأكفهن أزمة الاجمال
وأخرج ابن جرير ، عن أبي حمزة قال : سئل ابن عباس عن قوله : { بنين وحفدة } قال : من أعانك فقد حفدك ، أما سمعت قول الشاعر :
حفد الولائد حولهن وأسلمت ... بأكفهن أزمة الاجمال
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : الحفدة بنو امرأة الرجل ليسوا منه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي مالك قال : الحفدة الأعوان .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال : الحفدة الخدم .
وأخرج ابن جرير ، عن الحسن قال : الحفدة البنون وبنو البنين ، ومن أعانك من أهل أو خادم فقد حفدك .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { أفبالباطل يؤمنون } قال : الشرك .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { أفبالباطل يؤمنون } قال : الشيطان { وبنعمة الله } قال : محمد .(6/153)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السماوات والأرض } قال : هذه الأوثان التي تعبد من دون الله ، لا تملك لمن يعبدها رزقاً ولا ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا نشوراً { فلا تضربوا لله الأمثال } فإنه أحد صمد { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } [ الإخلاص : 3 ] .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { فلا تضربوا لله الأمثال } يعني اتخاذهم الأصنام . يقول : لا تجعلوا معي إلهاً غيري ، فإنه لا إله غيري .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء } يعني الكافر ، إنه لا يستطيع أن ينفق نفقة في سبيل الله { ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً } يعني المؤمن وهو المثل في النفقة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً } قال : هذا مثل ضربه الله للكافر رزقه الله مالاً فلم يقدم فيه خيراً ولم يعمل فيه بطاعة الله . { ومن رزقناه منا رزقاً حسناً } قال : هو المؤمن أعطاه الله مالاً رزقاً حلالاً ، فعمل فيه بطاعة الله ، وأخذه بشكر ومعرفة حق الله ، فأثابه الله على ما رزقه الرزق المقيم الدائم لأهله في الجنة . قال الله : { هل يستويان مثلاً } قال : لا والله لا يستويان .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً } و { رجلين أحدهما أبكم } { ومن يأمر بالعدل } قال : كل هذا مثل إله الحق ، وما يدعون من دونه الباطل .
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج ، عن ابن عباس في قوله : { ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء } قال : يعني بذلك الآلهة التي لا تملك ضراً ولا نفعاً ، ولا تقدر على شيء . ينفعها ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً قال علانية المؤمن الذي ينفق سراً وجهراً لله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : { ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء } قال الصنم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الربيع بن أنس قال : إن الله ضرب الأمثال على حسب الأعمال ، فليس عمل صالح ، إلا له المثل الصالح ، وليس عمل سوء ، إلا له مثل سوء ، وقال : إن مثل العالم المتفهم ، كطريق بين شجر وجبل ، فهو مستقيم لا يعوّجه شيء ، فذلك مثل العبد المؤمن الذي قرأ القرآن وعمل به .(6/154)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر . عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية { ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء } في رجل من قريش وعبده ، في هشام بن عمر ، وهو الذي ينفق ماله سراً وجهراً ، وفي عبده أبي الجوزاء الذي كان ينهاه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : ليس للعبد طلاق إلا بإذن سيده . وقرأ { عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء } .
وأخرج البيهقي في سننه . عن ابن عباس أنه سئل عن المملوك يتصدق بشيء؟ قال : { ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء } لا يتصدق بشيء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { ضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم } إلى آخر الآية . يعني بالأبكم الذي { هو كل على مولاه } الكافر . وبقوله : { ومن يأمر بالعدل } المؤمن . وهذا المثل في الأعمال .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر ، عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية { وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم } في رجلين أحدهما عثمان بن عفان ، ومولى له كافر ، وهو أسيد بن أبي العيص ، كان يكره الإسلام ، وكان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المؤنة ، وكان الآخر ينهاه عن الصدقة والمعروف ، فنزلت فيهما .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة ، عن ابن عباس في قوله : { ومن يأمر بالعدل } قال : عثمان بن عفان .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في الآية قال : هذا مثل ضربه الله للآلهة أيضا . أما الأبكم فالصنم ، فإنه أبكم لا ينطق { وهو كل على مولاه } ينفقون عليه وعلى من يأتيه ، ولا ينفق عليهم ولا يرزقهم { هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل } وهو الله .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : { أحدهما أبكم } قال : هو الوثن { هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل } قال : الله .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : { كل } قال : الكل العيال . كانوا إذا ارتحلوا حملوه على بعير ذلول ، وجعلوا معه نفراً يمسكونه خشية أن يسقط ، فهو عناء وعذاب وعيال عليهم { هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم } يعني نفسه .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود أنه قرأ خبر .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر } هو أن يقول : كن أو أقرب ، فالساعة { كلمح البصر أو أقرب } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { كلمح البصر } يقول : كلمح ببصر العين من السرعة . أو { أقرب } من ذلك إذا أردنا .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } قال : هو أقرب ، وكل شيء في القرآن أو ، فهو هكذا ( مائة ألف أو يزيدون ) والله أعلم .(6/155)
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم } قال : من الرحم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } قال : كرامة أكرمكم الله بها ، فاشكروا نعمه .
وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان والطبراني وابن مردويه ، عن حبة وسواء ابنَيْ خالد أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم : وهو يعالج بناء ، فقال لهما : هلم ، فعالجا معه ، فعالجا فلما فرغ ، أمر لهما بشيء وقال لهما : « لا تَيْأَسا من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما . فإنه ليس من مولود يولد من أمة إلا أحمر ليس عليه قشرة ثم يرزقه الله » .(6/156)
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { في جوّ السماء } في كبد السماء .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { في جو السماء } قال : جوف السماء { ما يمسكهن إلا الله } قال : يمسكه الله على كل ذلك والله أعلم بالصواب .(6/157)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { والله جعل لكم من بيوتكم سكناً } قال : تسكنون فيها .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { جعل لكم من بيوتكم سكناً } قال : تسكنون وتقرون فيها { وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً } وهي خيام الأعراب { تستخفونها } يقول في الحمل { ومتاعا إلى حين } قال : إلى الموت .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { تستخفونها يوم ظعنكم } قال بعض : بيوت السيارة في ساعة وفي قوله : { وأوبارها } قال : الإبل { وأشعارها } قال : الغنم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { أثاثاً } قال : الأثاث المال { ومتاعاً إلى حين } يقول تنتفعون به إلى حين .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن عطاء قال : إنما أنزل القرآن على قدر معرفة العرب . ألا ترى إلى قوله : { ومن أصوافها وأوبارها } وما جعل الله لهم من غير ذلك أعظم منه وأكثر ، ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر . ألا ترى إلى قوله : { والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكناناً } وما جعل من السهل أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا أصحاب جبال . ألا ترى إلى قوله : { وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر } وما يقي البرد أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا أصحاب حر . ألا ترى إلى قوله : ( من جبال فيها من برد ) يعجبهم بذلك ، وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا لا يعرفونه .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ومتاعاً إلى حين } قال : إلى أجل ، وبلغة .(6/158)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { والله جعل لكم مما خلق ظلالاً } قال : من الشجر ومن غيرها { وجعل لكم من الجبال أكناناً } قال : غارات يسكن فيها . { وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر } من القطن والكتان والصوف { وسرابيل تقيكم بأسكم } من الحديد { كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون } ولذلك هذه السورة تسمى سورة النعم .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الكسائي ، عن حمزة عن الأعمش وأبي بكر وعاصم ، أنهم قرأوا { لعلكم تسلمون } برفع التاء من أسلمت .
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { سرابيل تقيكم الحر } قال : يعني الثياب { وسرابيل تقيكم بأسكم } قال : يعني الدروع والسلاح { كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون } يعني من الجراحات . وكان ابن عباس يقرؤها { تسلمون } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه : أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله؟ فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم { والله جعل لكم من بيوتكم سكناً } قال : الأعرابي نعم ، قال : { وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها } قال : الأعرابي نعم ثم قرأ عليه ، كل ذلك يقول نعم ، حتى بلغ { كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون } فولى الأعرابي ، فأنزل الله { يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها } قال : هي المساكن والأنعام وما ترزقون منها ، وسرابيل من الحديد والثياب ، تعرف هذا كفار قريش ، ثم تنكره بأن تقول : هذا كان لآبائنا فورثونا إياه .
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير في الآية قال : يعلمون أن الله خلقهم وأعطاهم ، بعدما أعطاهم يكفرون ، فهو معرفهم نعمته ، ثم إنكارهم إياها كفرهم بعد .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عون بن عبد الله في قوله : { يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها } قال : انكارهم إياها ، أن يقول الرجل : لولا فلان أصابني كذا وكذا ، ولولا فلان لم أصب كذا وكذا .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها } قال محمد : - صلى الله عليه وسلم - ولفظ ابن أبي حاتم قال : هذا في حديث أبي جهل والأخنس ، حين سأل الأخنس أبا جهل عن محمد : فقال : هو نبي .(6/159)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ويوم نبعث من كل شهيداً } قال : شهيدها نبيها على أنه قد بلغ رسالات ربه . قال الله : { وجئنا بك شهيداً على هؤلاء } قال : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ هذه الآية ، فاضت عيناه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن العالية في قوله : { وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون } قال : هذا ، كقوله : { هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { فألقوا إليهم القول } قال : حدثوهم .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { وألقوا إلى الله يومئذ السلم } قال : استسلموا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وألقوا إلى الله يومئذ السلم } يقول : ذلوا واستسلموا يومئذ .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد بن السري وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور ، عن ابن مسعود في قوله : { زدناهم عذاباً فوق العذاب } قال : زيدوا عقارب لها أنياب كالنخل الطوال .
وأخرج ابن مردويه والخطيب في تالي التلخيص ، عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم - سئل عن قول الله : { زدناهم عذاباً فوق العذاب } قال : « عقارب أمثال النخل الطوال ينهشونهم في جهنم » .
وأخرج هناد عن ابن مسعود قال : أفاعي في النار .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية : إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح في النار ، فإذا أتوه تلقاهم عقارب كأنهن البغال الدهم ، وأفاع كأنهن البخاتي فضربنهم ، فذلك الزيادة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن عبيد بن عمير قال : إن في جهنم لجبابا فيها حيات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال ، يستغيث أهل النار من تلك الجباب إلى الساحل ، فتثب إليهم فتأخذ جباههم وشفارهم فكشطت لحومهم إلى أقدامهم فسيتغيثون منها إلى النار ، فتتبعهم حتى تجد حرها فترجع وهي في أسراب .
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد عن مجاهد مثله .
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو قال : إن لجهنم سواحل فيها حيات وعقارب ، أعناقها كأعناق البخت .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الأعمش ، عن مالك بن الحارث قال : إذا طرح الرجل في النار هوى فيها ، فإذا انتهى إلى بعض أبوابها قيل : مكانك حتى تتحف ، فيسقى كأساً من سم الأساود والعقارب ، فيتميز الجلد على حدة والشعر على حدة والعصب على حدة والعروق على حدة .(6/160)
وأخرج أبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { زدناهم عذاباً فوق العذاب } قال : خمسة أنهار من نار صبها الله عليهم ، يعذبون ببعضها بالليل وببعضها بالنهار .
وأخرج ابن مردويه عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الزيادة خمسة أنهار تجري من تحت العرش على رؤوس أهل النار ، ثلاثة أنهار على مقدار الليل ونهران على مقدار النهار ، فذلك قوله : { زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون } » .
وأخرج ابن مردويه عن مجاهد قال : قال ابن عباس : أتدري ما سعة جهنم؟ قلت : لا . قال : إن ما بين شحمة أذن أحدهم وبين عاتقه مسيرة سبعين خريفاً ، تجري أودية القيح والدم . قلت له : الأنهار؟ قال : لا . . . بل الأودية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود قال : إن الله أنزل في هذا الكتاب تبياناً لكل شيء ، ولقد عملنا بعضاً مما بين لنا في القرآن . ثم تلا { ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن الضريس في فضائل القرآن ومحمد بن نصر في كتاب الله والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن مسعود قال : من أراد العلم فليتنوّر القرآن ، فإنه فيه علم الأوّلين والآخرين .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : لا تهذوا القرآن كهذا الشعر ، ولا تنثروه نثر الدقل ، وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن مأدبة الله ، فمن دخل فيه فهو آمن .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : إن هذه القلوب أوعية ، فأشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { تبياناً لكل شيء } قال : مما أمروا به ونهوا عنه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي رضي الله عنه في قوله : { ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء } قال : بالسنة .
وأخرج أحمد عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً إذ شخص بصره فقال : « أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من السورة » { إن الله يأمر بالعدل والإحسان . . . . } إلى قوله : { تذكرون } .
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب ، وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء بيته جالساً ، إذ مر به عثمان بن مظعون رضي الله عنه ، فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبينما هو يحدثه إذ شخص بصره إلى السماء ، فنظر ساعة إلى السماء فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض ، فتحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع رأسه فأخذ ينفض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له ، فلما قضى حاجته شخص بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء كما شخص أول مرة ، فاتبعه بصره حتى توارى في السماء فأقبل إلى عثمان كجلسته الأولى ، فسأله عثمان رضي الله عنه فقال : أتاني جبريل آنفاً . قال : فما قال لك؟ قال : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان . . . } إلى قوله : { تذكرون . . . } قال عثمان : - رضي الله عنه - فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمداً صلى الله عليه وسلم » .(6/161)
وأخرج الباوردي وابن السكن وابن منده وأبو نعيم في معرفة الصحابة ، عن عبد الملك بن عمير رضي الله عنه قال : « بلغ أكتم بن صيفي مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يأتيه . فأتى قومه فانتدب رجلين فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : نحن رسل أكتم ، يسألك من أنت وما جئت به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم » أنا محمد بن عبد الله ، عبد الله ورسوله « ثم تلا عليهما هذه الآية { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } إلى { تذكرون } قالا : ردد علينا هذا القول . فردده عليهما حتى حفظاه ، فأتيا أكتم فأخبراه . فلما سمع الآية قال : إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها ، فكونوا في هذا الأمر رؤوساء ، ولا تكونوا فيه أذناباً » ورواه الأموي في مغازيه وزاد ، فركب متوجهاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فمات في الطريق : قال : ويقال نزلت فيه هذه الآية { ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت } [ النساء : 100 ] الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { إن الله يأمر بالعدل } قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، { والإحسان } قال : أداء الفرائض ، { وإيتاء ذي القربى } قال : إعطاء ذوي الرحم الحق الذي أوجبه الله عليك بسبب القرابة والرحم { وينهى عن الفحشاء } قال : الزنا { والمنكر } ، قال : الشرك { والبغي } قال : الكبر والظلم : { يعظكم } يوصيكم { لعلكم تذكرون } .
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب ، ومحمد بن نصر في الصلاة ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه في شعب الإيمان ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : أعظم آية في كتاب الله تعالى { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } [ آل عمران : 2 ] وأجمع آية في كتاب الله للخير والشر - الآية التي في النحل - { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } وأكثر آية في كتاب الله تفويضاً { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب } [ الطلاق : 2-3 ] وأشد آية في كتاب الله رجاء(6/162)
{ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } [ الزمر : 53 ] الآية .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } إلى آخرها ثم قال : إن الله عز وجل جمع لكم الخير كله ، والشر كله في آية واحدة ، فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه ، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئاً إلا جمعه .
وأخرج ابن النجار في تاريخه من طريق العكلي ، عن أبيه قال : مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوم يتحدثون فقال : فيم أنتم؟! فقالوا : نتذاكر المروءة ، فقال : أو ما كفاكم الله عز وجل ذاك في كتابه؟! إذ يقول الله : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } فالعدل ، الانصاف . والاحسان ، التفضل ، فما بقي بعد هذا؟ .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } الآية . قال : ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويعظمونه ويخشونه إلا أمر الله به وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه ، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : دعاني عمر بن عبد العزيز فقال : صف لي العدل ، فقلت : بخ . . . سألت عن أمر جسيم ، كُنْ لصغير الناس أباً ولكبيرهم ابناً ، وللمثل منهم أخاً وللنساء كذلك ، وعاقب الناس على قدر ذُنوبهم وعلى قدر أجسادهم ولا تضربن بغضبك سوطاً واحداً متعدياً فتكون من العادين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال : قال عيسى ابن مريم : إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك والله أعلم .(6/163)
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن مزيدة بن جابر في قوله : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } قال : نزلت هذه الآية في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان من أسلم بايع على الإسلام فقال : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } فلا تحملنكم قلة محمد وأصحابه وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } قال : تغليظها في الحلف : { وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً } قال : وكيلاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } يقول : بعد تشديدها وتغليظها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } يعني ، بعد تغليظها وتشديدها { وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً } يعني في العهد شهيداً ، والله أعلم بالصواب .(6/164)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن حفص قال : كانت سعيدة الأسدية مجنونة تجمع الشعر والليف ، فنزلت هذه الآية { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها . . . } الآية .
وأخرج ابن مردويه من طريق عطاء بن أبي رباح قال : قال لي ابن عباس : يا عطاء ، ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فأراني حبشية صفراء ، فقال : « هذه أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن بي هذه الموتة - يعني الجنون - فادع الله أن يعافيني . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئت دعوت الله فعافاك ، وإن شئت صبرت واحتسبت ولك الجنة ، فاختارت الصبر والجنة »
قال : وهذه المجنونة سعيدة الأسدية ، وكانت تجمع الشعر والليف فنزلت هذه الآية { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير في قوله : { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها } قال : خرقاء كانت بمكة تنقضه بعدما تبرمه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها } قال : كانت امرأة بمكة ، كانت تسمى خرقاء مكة كانت تغزل فإذا أبرمت غزلها تنقضه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها } قال : نقضت حبلها بعد إبرامها إياه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في الآية : لو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم : ما أحمق هذه . . . ! وهذا مثل ضربه الله لمن نكث عهده . وفي قوله : { تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم } قال : خيانة وغدراً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { أن تكون أمة هي أربى من أمة } قال : ناس أكثر من ناس .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { أن تكون أمة هي أربى من أمة } قال : كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز فينقضون حلف هؤلاء ، ويحالفون هؤلاء الذين هم أعز فنهوا عن ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في الآية قال : ولا تكونوا في نقض العهد بمنزلة التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً ، يعني بعد ما أبرمته { تتخذون أيمانكم } يعني العهد { دخلاً بينكم } يعني بين أهل العهد ، يعني مكراً أو خديعة ليدخل العلة فيستحل به نقض العهد { أن تكون أمة هي أربى من أمة } يعني أكثر { إنما يبلوكم الله به } يعني بالكثرة { وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة } يعني المسلمة والمشركة { أمة واحدة } يعني ملة الإسلام وحدها { ولكن يضل من يشاء } يعني عن دينه ، وهم المشركون { ويهدي من يشاء } يعني المسلمين { ولتسألن } يوم القيامة { عما كنتم تعملون } ثم ضرب مثلاً آخر للناقض العهد فقال : { ولا تتخذوا أيمانكم } يعني العهد { دخلاً بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها } يقول : إن ناقض العهد يزل في دينه كما يزل قدم الرجل بعد الاستقامة { وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله } يعني العقوبة { ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً } يعني عرضاً من الدنيا يسيراً { إنما عند الله } يعني الثواب { هو خير لكم } يعني أفضل لكم من العاجل { ما عندكم ينفد } يعني ما عندكم من الأموال يفنى { وما عند الله باق } يعني وما عند الله في الآخرة من الثواب دائم لا يزول عن أهله ، وليجزين { الذين صبروا بأحسن ما كانوا يعملون } في الدنيا ويعفو عن سيئاتهم .(6/165)
وأخرج سعيد بن منصور والطبراني ، عن ابن مسعود قال : إياكم وأرأيت فإنما هلك من كان قبلكم بأرأيت ، ولا تقيسوا الشيء بالشيء { فتزل قدم بعد ثبوتها } وإذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقل : لا أعلم ، فإنه ثلث العلم .(6/166)
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه سئل عن هذه الآية { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } قال : الحياة الطيبة ، الرزق الحلال في هذه الحياة الدنيا . وإذا صار إلى ربه جازاه بأحسن ما كان يعمل .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله : { فلنحيينه حياة طيبة } قال : الحياة الطيبة ، الرزق الحلال في هذه الحياة الدنيا ، وإذا صار إلى ربه جازاه بأحسن ما كان يعمل .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : { فلنحييه حياة طيبة } قال : يأكل حلالاً ويشرب حلالاً ويلبس حلالاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { حياة طيبة } قال : الكسب الطيب والعمل الصالح .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { حياة طيبة } قال : السعادة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من طرق ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فلنحيينه حياة طيبة } قال : القنوع . قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : « اللهم قنّعني بما رزقتني وبارك لي فيه ، واخلف على كل غائبة لي بخير » .
وأخرج وكيع في الغرر ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله : { فلنحيينه حياة طيبة } قال : القناعة .
وأخرج وكيع عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « القناعة مال لا ينفد » .
وأخرج مسلم عن ابن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه » .
وأخرج الترمذي والنسائي عن فضالة بن عبيد ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « قد أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً وقنع به » .
وأخرج وكيع في الغرر ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « القناعة مال لا ينفد » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { حياة طيبة } قال : ما تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة .(6/167)
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } قال : هذا دليل من الله دل عليه عباده .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر ، عن عطاء قال : الاستعاذة واجبة لكل قراءة في الصلاة أو غيرها ، من أجل قوله : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه ، عن جبير بن مطعم : « أن النبي لما دخل في الصلاة كبر ثم قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنه ، أنه كان يتعوذ يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
وأخرج أبو داود والبيهقي ، عن أبي سعيد قال : « كان رسول الله إذا قام من الليل فاستفتح الصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله إلا غيرك ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم » .
وأخرج أبو داود والبيهقي ، عن عائشة رضي الله عنها في ذكر الإفك قالت : « جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف عن وجهه وقال : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم . . . } [ النور : 11 ] الآيات » .(6/168)
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن سفيان الثوري في قوله : { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا } قال : ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر لهم .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في قوله { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا } قال : ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر لهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { إنما سلطانه على الذين يتولونه } قال : حجته على الذين يتولونه { والذين هم به مشركون } قال : يعدلونه برب العالمين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { إنما سلطانه على الذين يتولونه } يقول : سلطان الشيطان على من تولى الشيطان وعمل بمعصية الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في الآية قال : إن عدو الله إبليس حين غلبت عليه الشقاوة قال : { لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } [ ص : 82-83 ] فهؤلاء الذين لم يجعل للشيطان عليهم سبيل ، وإنما سلطانه على قوم اتخذوه ولياً فأشركوه في أعمالهم .(6/169)
وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)
أخرج أبو داود في ناسخه وابن مردويه والحاكم وصححه ، عن ابن عباس في قوله : { وإذا بدلنا آية مكان آية } وقوله : { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا } [ النحل : 110 ] قال : عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار . وأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح ، فاستجار له عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاره .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وإذا بدلنا آية مكان آية } قال : هو كقوله { ما ننسخ من آية أو ننسها } [ البقرة : 106 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { وإذا بدلنا آية مكان آية } قال : هذا في الناسخ والمنسوخ . قال : إذا نسخنا آية وجئنا بغيرها . قالوا ما بالك؟ قلت : كذا وكذا ، ثم نقضته أنت تفتري . قال الله : { والله أعلم بما ينزل } .(6/170)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند ضعيف ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم قيناً بمكة اسمه بلعام ، وكان عجمي اللسان فكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده ، فقالوا : إنما يعلمه بلعام فأنزل الله { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر . . . } الآية .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس في قوله : { إنما يعلمه بشر } قال : قالوا إنما يعلم محمداً عبدة بن الحضرمي - وهو صاحب الكتب - فقال الله : { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين } .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئ غلاماً لبني المغيرة أعجمياً ، يقال له مقيس . وأنزل الله { ولقد نعلم أنهم يقولون . . . } الآية .
وأخرج آدم بن أبي إياس وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان ، عن مجاهد { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر } قال : قول قريش : إنما يعلم محمداً بن الحضرمي وهو صاحب كتب { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي } يتكلم بالرومية { وهذا لسان عربي مبين } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : يقولون إنما يعلم محمداً عبدة بن الحضرمي كان يسمى مقيس .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في الآية قال : كانوا يقولون : إنما يعلمه سلمان الفارسي ، وأنزل الله { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب : « إن الذي ذكر الله في كتابه أنه قال : { إنما يعلمه بشر } إنما افتتن من أنه كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان يملي عليه سميع عليم ، أو عزيز حكيم أو نحو ذلك من خواتيم الآية ، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : » يا رسول الله ، أعزيز حكيم أو سميع عليم؟ فيقول : أي ذلك كتبت فهو كذلك ، فافتتن وقال : إن محمداً ليكل ذلك إلي فأكتب ما شئت « فهذا الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آذاه أهل مكة ، دخل على عبد لبني الحضرمي يقال له : أبو يسر ، كان نصرانياً وكان قد قرأ التوراة والإنجيل ، فساءله وحدثه . فلما رآه المشركون يدخل عليه قالوا : يعلمه أبو اليسر . قال الله : { هذا لسان عربي مبين } ولسان أبي اليسر عجمي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن معاوية بن صالح قال : ذكر الكذب عند أبي أمامة فقال : اللهم عفواً ، أما تسمعون الله يقول : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون } .(6/171)
وأخرج الخرائطي في مساوئ الأخلاق وابن عساكر في تاريخه ، عن عبد الله بن جراد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : « هل يزني المؤمن؟ قال : قد يكون ذلك . قال : هل يسرق المؤمن؟ قال : قد يكون ذلك . قال : هل يكذب المؤمن؟ قال : لا . ثم أتبعها نبي الله صلى الله عليه وسلم { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون } » .
وأخرج الخطيب في تاريخه ، عن عبد الله بن جراد قال : قال أبو الدرداء « يا رسول الله ، هل يكذب المؤمن؟ قال : لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر من إذا حدث كذب » .
وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أخوف ما أخاف عليكم ثلاثاً : رجل آتاه الله القرآن ، حتى إذا رأى بهجته وتردى الإسلام ، أعاره الله ما شاء ، اخترط سيفه ، وضرب جاره ، ورماه بالكفر . قالوا : يا رسول الله ، أيهما أولى بالكفر ، الرامي أو المرمي به؟ قال : الرامي ، وذو خليفة قبلكم آتاه الله سلطاناً فقال : من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، وكذب ما جعل الله خليفة حبه دون الخالق ، ورجل استهوته الأحاديث كلما كذب كذبة وصلها بأطول منها ، فذاك الذي يدرك الدجال فيتبعه » .(6/172)
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : « لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهاجر إلى المدينة ، قال لأصحابه : تفرقوا عني ، فمن كانت به قوة فليتأخر إلى آخر الليل ، ومن لم تكن به قوة فليذهب في أول الليل ، فإذا سمعتم بي قد استقرت بي الأرض ، فالحقوا بي . فأصبح بلال المؤذن وخباب وعمار وجارية من قريش كانت أسلمت ، فأصبحوا بمكة فأخذهم المشركون وأبو جهل ، فعرضوا على بلال أن يكفر فأبى ، فجعلوا يضعون درعاً من حديد في الشمس ثم يلبسونها إياه ، فإذا ألبسوها إياه قال : أحد . . أحد . . وأما خباب ، فجعلوا يجرونه في الشوك ، وأما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم تقيةً ، وأما الجارية ، فوتد لها أبو جهل أربعة أوتاد ثم مدها فأدخل الحربة في قلبها حتى قتلها ، ثم خلوا عن بلال وخباب وعمار ، فلحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بالذي كان من أمرهم ، واشتد على عمار الذي كان تكلم به . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف كان قلبك حين قلت الذي قلت : أكان منشرحاً بالذي قلت أم لا؟ قال : لا . قال : وأنزل الله { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } » .
وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه ، والبيهقي في الدلائل من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار ، عن أبيه قال : « أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم . بخير ، ثم تركوه فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : شر ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال : كيف تجد قلبك؟ قال : مطمئن بالايمان . قال : إن عادوا فعد . فنزلت { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } » .
وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين : « إن النبي لقي عماراً وهو يبكي ، فجعل يمسح عن عينيه ويقول : أخذك الكفار فغطوك في الماء فقلت كذا وكذا . . . فإن عادوا فقل ذلك لهم » .
وأخرج ابن سعد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر في قوله : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } قال : ذلك عمار بن ياسر ، وفي قوله : { ولكن من شرح بالكفر صدراً } قال : ذاك عبد الله بن أبي سرح .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن أبي مالك في قوله : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } قال : نزلت في عمار بن ياسر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحكم { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } قال : نزلت في عمار .
وأخرج ابن جرير عن السدي ، أن عبد الله بن أبي سرح أسلم ثم ارتد فلحق بالمشركين ، ووشى بعمار وخباب عند ابن الحضرمي ، أو ابن عبد الدار فأخذوهما وعذبوهما حتى كفرا ، فنزلت { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } .(6/173)
وأخرج مسدد في مسنده وابن المنذر وابن مردويه ، عن أبي المتوكل الناجي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمار بن ياسر إلى بئر للمشركين يستقي منها ، وحولها ثلاث صفوف يحرسونها ، فاستقى في قربة ثم أقبل ، فأخذوه فأرادوه على أن يتكلم بكلمة الكفر ، فأنزلت هذه الآية فيه { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } .
وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } نزلت في عمار بن ياسر ، أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر وقالوا : اكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم . فاتبعهم على ذلك وقلبه كاره فنزلت . . .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال : نزلت هذه الآية { إلا من أكره } في عياش بن أبي ربيعة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال : نزلت هذه الآية في أناس من أهل مكة آمنوا ، فكتب إليهم بعض الصحابة بالمدينة : أن هاجروا فإنا لا نرى أنكم منا حتى تهاجروا إلينا ، فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش في الطريق ففتنوهم ، فكفروا مكرهين ، ففيهم نزلت هذه الآية .
وأخرج ابن سعد عن عمر بن الحكم قال : كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول ، وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول ، وكان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدري ما يقول ، وبلال وعامر وابن فهيرة وقوم من المسلمين ، وفيهم نزلت هذه الآية { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق علي ، عن ابن عباس في قوله : { من كفر بالله } الآية ، قال : أخبر الله سبحانه أن { من كفر بالله من بعد إيمانه } فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم ، فأما من أكره ، فتكلم بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه ، فلا حرج عليه ، لأن الله سبحانه إنما يؤاخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري قالا في سورة النحل { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم } ثم نسخ واستثنى من ذلك فقال : { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم } وهو عبد الله بن أبي سرح الذي كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم فتح مكة ، فاستجار له أبو بكر وعمر وعثمان بن عفان فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم .(6/174)
وأخرج ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : { إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا . . . } الآية ، قال : ذكر لنا أنه لما أنزل الله أن أهل مكة لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا ، كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أهل مكة فخرجوا فأدركهم المشركون فردوهم ، فأنزل الله { الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } [ العنكبوت : 1-2 ] فكتب بهذا أهل المدينة إلى أهل مكة ، فلما جاءهم ذلك تبايعوا على أن يخرجوا ، فإن لحق بهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجوا أو يلحقوا بالله ، فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم ، فمنهم من قتل ومنهم من نجا . فأنزل الله { ثم إن ربك للذين هاجروا . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي نحوه .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت هذه الآية فيمن كان يفتن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا } .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام ، فنزلت فيهم { ثم إن ربك للذين هاجروا . . . } الآية ، فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجاً فاخرجوا . فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن رضي الله عنه ، « أن عيوناً لمسيلمة أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما ، فقال لأحدهما : أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال : نعم . قال : أتشهد أني رسول الله؟ فأهوى إلى أذنيه فقال : إني أَصَمّ . فأمر به فقتل . وقال للآخر : أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال : نعم . قال : أتشهد أني رسول الله؟ قال : نعم . فأرسله . . . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : » أما صاحبك فمضى على إيمانه ، وأما أنت فأخِذْتَ الرخصة « .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا } قال : نزلت في عياش بن أبي ربيعة ، أحد بني مخزوم ، وكان أخا أبي جهل لأمه ، وكان يضربه سوطاً وراحلته سوطاً .
وأخرج ابن جرير عن أبي إسحق في قوله : { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا } قال : نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد رضي الله عنهم .(6/175)
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)
أخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن كعب قال : كنت عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : خوفنا يا كعب ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، أوليس فيكم كتاب الله وحكمة رسوله؟ قال : بلى ، ولكن خوفنا ، قلت : يا أمير المؤمنين ، لو وافيت القيامة بعمل سبعين نبياً لازدريت عملك مما ترى . قال : زدنا . قلت : يا أمير المؤمنين ، لو فتح من جهنم قدر منخر ثور بالمشرق ورجل بالمغرب ، لغلا دماغه حتى يسيل من حرّها . قال : زدنا . قلت : يا أمير المؤمنين ، إن جهنم لتزفر زفرة يوم القيامة ، لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر جاثياً على ركبتيه ، حتى أن إبراهيم خليله ليخرّ جاثياً على ركبتيه ، فيقول : ربّ نفسي . . . نفسي . . . لا أسألك اليوم إلا نفسي فأطرق عمر ملياً . قلت : يا أمير المؤمنين ، أوليس تجدون هذا في كتاب الله؟ قال : كيف؟ قلت : قول الله في هذه الآية { يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون } .(6/176)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة . . . } الآية . قال : يعني مكة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية رضي الله عنه في قوله : { وضرب الله مثلاً قرية } قال : هي مكة ، ألا ترى أنه قال : { ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه } .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { قرية كانت آمنة } قال : مكة . ألا ترى إلى قوله : { ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب } قال : أخذهم الله بالجوع والخوف والقتل الشديد .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف } قال : فأخذهم الله بالجوع والخوف والقتل . وفي قوله : { ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه } قال : أي والله يعرفون نسبه وأمره .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن سليم بن عمر قال : صحبت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خارجة من مكة إلى المدينة ، فأخبرت أن عثمان قد قتل فرجعت . وقالت : ارجعوا بي ، فوالذي نفسي بيده إنها للقرية التي قال الله : { قرية كانت آمنة مطمئنة . . . } إلى آخر الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب . قال : القرية التي قال الله : { كانت آمنة مطمئنة } هي يثرب .(6/177)
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { إنما حرم عليكم الميتة } قال : إن الإسلام دين مطهر ، طهره الله من كل سوء وجعل لك فيه يا ابن آدم سعة إذا اضطررت إلى شيء من ذلك .(6/178)
وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } قال : هي البحيرة والسائبة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة قال : قرأت هذه الآية في سورة النحل { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام . . . } إلى آخر الآية ، فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : عسى رجل أن يقول إن الله أمر بكذا ونهى عن كذا ، فيقول الله عز وجل له : كذبت . ويقول : إن الله حرم كذا وأحل كذا ، فيقول الله عز وجل له : كذبت .(6/179)
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : { وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل } قال : في سورة الأنعام .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل } قال : ما قص الله ذكره في سورة الأنعام ، حيث يقول : { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر . . . } [ الأنعام : 146 ] إلى قوله : { وإنا لصادقون } [ الأنعام : 146 ] .(6/180)
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)
أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه ، عن ابن مسعود أنه سئل : ما الأمة؟ قال : الذي يعلم الناس الخير . قالوا : فما القانت؟ قال : الذي يطيع الله ورسوله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { إن إبراهيم كان أمة قانتاً } قال : كان على الإسلام ولم يكن في زمانه من قومه أحد على الإسلام غيره ، فلذلك قال الله : { كان أمة قانتاً } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { إن إبراهيم كان أمة } قال : إماماً في الخير { قانتاً } قال : مطيعاً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { إن إبراهيم كان أمة } قال : كان مؤمناً وحده والناس كفار كلهم .
وأخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال : لم يبق في الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض ويخرج بركتها ، إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده .
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من عبد يشهد له أمة إلا قبل الله شهادتهم . والأمة ، الرجل فما فوقه إن الله يقول : { إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين } » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { إن إبراهيم كان أمة } قال : إمام هدى يقتدى به وتتبع سنته .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وآتيناه في الدنيا حسنة } قال : لسان صدق .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وآتيناه في الدنيا حسنة } قال : فليس من أهل دين إلا يرضاه ويتولاه .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة معاً في المصنف ، وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الشعب ، عن ابن عمرو قال : صلى إبراهيم الظهر والعصر والمغرب بعرفات ثم وقف ، حتى إذا غابت الشمس دفع . ثم صلى المغرب والعشاء بجمع ، ثم صلى به الفجر كأسرع ما يصلي أحد من المسلمين ، ثم وقف به حتى إذا كان كأبطأ ما يصلي أحد من المسلمين ، دفع ثم رمى الجمرة ثم ذبح وحلق ، ثم أفاض به إلى البيت فطاف به فقال الله لنبيه : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً } والله تعالى أعلم .(6/181)
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } قال : أراد الجمعة فأخذوا السبت مكانه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } قال : إن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا : يا موسى ، إنه لم يخلق يوم السبت شيئاً فاجعل لنا السبت ، فلما جعل عليهم السبت استحلوا فيه ما حرم عليهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق السدي ، عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله : { إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } قال : بإستحلالهم إياه ، رأى موسى عليه السلام رجلاً يحمل حطباً يوم السبت فضرب عنقه .
وأخرج الشافعي في الأم والبخاري ومسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم يوم الجمعة فاختلفوا فيه فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع اليهود غداً والنصارى بعد غد » .
وأخرج أحمد ومسلم عن أبي هريرة وحذيفة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود يوم السبت ، وكان للنصارى يوم الأحد ، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة والسبت والأحد ، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة ، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق والله أعلم » .(6/182)
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
أخرج ابن مردويه عن أبي ليلى الأشعري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « تمسكوا بطاعة أئمتكم ولا تخالفوهم ، فإن طاعتهم طاعة الله معصيتهم معصية الله ، فإن الله إنما بعثني أدعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ، فمن خالفني في ذلك فهو من الهالكين وقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله ، ومن ولي من أمركم شيئاً فعمل بغير ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { وجادلهم بالتي هي أحسن } قال : أعرض عن أذاهم إياك .(6/183)
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)
أخرج الترمذي وحسنه وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل ، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً ، ومن المهاجرين ستة ، منهم حمزة فمثلوا بهم فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لَنُربِيَنَّ عليهم ، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « نصبر ولا نعاقب . . . كفوا عن القوم إلا أربعة » .
وأخرج ابن سعد والبزار وابن المنذر وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل ، عن أبي هريرة : « أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد ، فنظر إلى منظر لم يَرَ شيئاً قط كان أوجع لقلبه منه ، ونظر إليه قد مثل به فقال : رحمة الله عليك فإنك كنت ما علمت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات ، ولولا حزن من بعدك عليك لسّرني أن أتركك حتى يحشرك الله من أرواح شتى ، أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك . فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم النحل { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم . . . } الآية . فكفّر النبي عن يمينه وأمسك عن الذي أراد وصبر » .
وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل حمزة ومثل به : « لئن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين رجلاً منهم . فأنزل الله { وإن عاقبتم . . . } الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل نصبر يا رب » فصبر ونهى عن المثلة .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير ، عن الشعبي قال : « لما كان يوم أحد وانصرف المشركون فرأى المسلمون بإخوانهم مثله ، جعلوا يقطعون آذانهم وآنافهم ويشقون بطونهم . فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لئن أنالَنَا الله منهم لنفعلن ولنفعلن . . . فأنزل الله { وإن عاقبتم . . . } الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » بل نصبر « » .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال : نزلت سورة النحل كلها بمكة إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة يوم أحد حيث قتل حمزة ومثل به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بثلاثين رجلاً منهم فلما سمع المسلمون ذلك قالوا : والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط » فأنزل الله { وإن عاقبتم فعاقبوا .(6/184)
. . } إلى آخر السورة .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } قال : هذا حين أمر الله نبيه أن يقاتل من قاتله ، ثم نزلت براءة وانسلاخ الأشهر الحرم . قال : فهذا من المنسوخ .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد قال : كانوا قد أمروا بالصفح عن المشركين فأسلم رجال ذو منعة ، فقالوا : يا رسول الله ، لو أذن الله لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب . فنزلت هذه الآية ، ثم نسخ ذلك بالجهاد .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : { إن الله من الذين اتقوا والذين هم محسنون } قال : اتقوا فيما حرم الله عليهم وأحسنوا فيما افترض عليهم .
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن هرم بن حيان أنه لما نزل به الموت قالوا له : أوص . قال : أوصيكم بآخر سورة النحل { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة . . . } إلى آخر السورة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } قال : لا تعتدوا .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن محمد بن سيرين في قوله : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } قال : إن أخذ منك رجل شيئاً فخذ منه مثله .(6/185)
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)
أخرج ابن جرير عن حذيفة أنه قرأ « سبحان الذي أسرى بعبده من الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى » .
وأخرج الطستي عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً } قال : { سبحان } تنزيه الله تعالى { الذي أسرى } بمحمد صلى الله عليه وسلم { من المسجد الحرام } إلى بيت المقدس ، ثم رده إلى المسجد الحرام . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الأعشى وهو يقول :
قلت له لما علا فخره ... سبحان من علقمة الفاجر
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه من طريق ثابت ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أتيت بالبراق ، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه . . . فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ، ثم دخلت المسجد فصليت ركعتين ثم خرجت ، فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن فقال جبريل : اخترت الفطرة . ثم عرج بنا إلى سماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل : من أنت؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بآدم ، فرحب بي ودعا لي بخير .
ثم عرج بنا إلى السماء الثانية ، فاستفتح جبريل فقيل : من أنت؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بإبني الخالة ، عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا ، فرحّبا بي ودعوا إلي بخير .
ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل : من أنت؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بيوسف ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ، فرحب بي ودعا لي بخير .
ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بإدريس ، فرحب بي ودعا لي بخير .
ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بهارون ، فرحب بي ودعا لي بخير .
ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بموسى ، فرحب بي ودعا لي بخير .
ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى ، فإذا ورقها فيها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال ، فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت ، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، فأوحى إلي ما أوحى وفرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال : ما فرض ربك على أمتك؟ قلت : خمسين صلاة . قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم . فرجعت إلى ربي فقلت : يا رب ، خفف عن أمتي . فحط عني خمساً فرجعت إلى موسى فقلت : حط عني خمساً ، فقال : إن أمتك لا يطيقون ذلك ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . قال : فلم أزل أرجع بين ربي وموسى حتى قال : يا محمد ، إنهن خمس صلوات لكل يوم وليلة ، بكل صلاة عشر ، فتلك خمسون صلاة ، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشراً ، ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئاً ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة . فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فقلت : قد رجعت إلى ربي حتى استحيت منه » .(6/186)
وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير وابن مردويه من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن أنس قال : « ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة ، جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام ، فقال أولهم : أيهم هو؟ فقال أوسطهم : هو خيرهم . فقال أحدهم : خذوا خيرهم . فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى ، فيما يرى قلبه ، وتنام عيناه ولا ينام قلبه ، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم ، فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه ، فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه ، ثم أتى بطست من ذهب محشواً إيماناً وحكمة فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا ، فضرب باباً من أبوابها فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : نعم . قالوا : مرحباً به وأهلاً . ووجد في السماء الدنيا آدم ، فقال له جبريل : هذا أبوك آدم فسلم عليه ، فسلم عليه ورد عليه آدم وقال : مرحباً وأهلاً بإبني . . . نعم الإبن أنت . فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال : ما هذان النهرين يا جبريل؟ قال : هذا النيل والفرات عنصرهما . ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ، فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر . قال : ما هذا يا جبريل؟ قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك .
ثم عرج به إلى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به وأهلاً .
ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية .
ثم عرج به إلى السماء الرابعة فقالوا له مثل ذلك ، ثم عرج به إلى الخامسة فقالوا مثل ذلك ، ثم عرج به إلى السادسة فقالوا له مثل ذلك ، ثم عرج به إلى السابعة فقالوا له مثل ذلك ، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم ، منهم إدريس في الثانية ، وهارون في الرابعة ، وآخر في الخامسة ولم أحفظ اسمه ، وإبراهيم في السادسة وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله ، فقال موسى : رب لم أظن أن ترفع عليّ أحداً ، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة فتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى الله فيما يوحي إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة ، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال : يا محمد ، ماذا عهد إليك ربك؟ قال : عهد إلي ، خمسين صلاة كل يوم وليلة . قال : إن أمتك لا تستطيع ذلك ، ارجع فليخفف عنك ربك وعنهم . فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يستشيره فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت ، فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى فقال وهو مكانه : يا رب ، خفف عنا . . . ؛ فإن أمتي لا تستطيع ذلك . فوضع عنه عشر صلوات . ثم رجع إلى موسى واحتبسه ، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال : يا محمد ، والله لقد راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فضعفوا وتركوه ، فأمتك أضعف أجساداً وقلوباً وأبداناً وأبصاراً وأسماعاً ، فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك . يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل ، فرفعه عند الخامسة فقال : يا رب ، إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم ، فخفف عنا . فقال الجبار : يا محمد ، قال : لبيك وسعديك . قال : إنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب ، وكل حسنة بعشر أمثالها . فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك . فرجع إلى موسى فقال : كيف فعلت؟ فقال : خفف عنا ، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها . فقال موسى : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه ، ارجع إلى ربك فليخفف عنك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا موسى ، قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه . قال : فاهبط بسم الله . واستيقظ وهو في المسجد الحرام » .(6/187)
وأخرج النسائي وابن مردويه من طريق يزيد بن أبي مالك ، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أتيت ليلة أسرى بي بدابة فوق الحمار ودون البغل ، خطوها عند منتهى طرفها . . . كانت تسخّر للأنبياء قبلي ، فركبته معي جبريل فسرت ، فقال : انْزِلْ فَصَلِّ . ففعلت . . . فقال : أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر إن شاء الله . ثم قال : انزل فصَلِّ . ففعلت فقال : أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى ، ثم قال : انزل فَصلِّ . فصليت فقال أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى . ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام ، فقدَّمني جبريل فصليت بهم .
ثم صعد بي إلى السماء الدنيا فإذا فيها آدم فقال لي : سلم عليه فقال : مرحباً بإبني والنبي الصالح .
ثم صعد بي إلى السماء الثانية ، فإذا فيها ابنا الخالة عيسى ويحيى ، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة ، فإذا فيها يوسف . ثم صعد بي إلى السماء الرابعة ، فإذا فيها هارون . ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فإذا فيها إدريس . ثم صعد بي إلى السماء السادسة فإذا فيها موسى ، ثم صعد بي إلى السماء السابعة فإذا فيها إبراهيم ، ثم صعد بي إلى فوق السبع سموات ، وأتيت سدرة المنتهى فغشيتني ضبابة . . . فخررت ساجداً ، فقيل لي : إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة ، فقم بها أنت وأمتك ، فمررت على إبراهيم فلم يسألني شيئاً ، ثم مررت على موسى فقال لي : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : خمسين صلاة . قال : إنك لن تستطيع أن تقوم بها أنت ولا أمتك ، فاسأل ربك التخفيف . فرجعت فأتيت سدرة المنتهى فخررت ساجداً . . . فقلت : يا رب ، فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة ، فلن أستطيع أن أقوم بها أنا ولا أمتي . . . فخفف عني عشراً . فمررت على موسى فسألني فقلت : خفف عني عشراً . قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فخفف عني عشراً ثم عشراً حتى قال : هن خمس بخمسين ، فقم بها أنت وأمتك . فعلمت أنها من الله صرى . فمررت على موسى فقال لي : كم فرض عليك؟ فقلت : خمس صلوات ، فقال : فرض على بني إسرائيل صلاتان فما قاموا بهما ، فقلت : إنها من الله فلم أرجع » .
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر ، عن يزيد بن أبي مالك ، عن أنس رضي الله عنه قال : « لما كان ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتاه جبريل عليه السلام بدابة فوق الحمار ودون البغل . حمله جبريل عليها ينتهي خفها حيث ينتهي طرفها فلما بلغ بيت المقدس أتى إلى الحجر الذي ثمة ، فغمزه جبريل عليه السلام بإصبعه فثقبه ، ثم ربطها ثم صعد . . . فلما استويا في صرحة المسجد قال جبريل : يا محمد ، هل سألت ربك أن يريك الحور العين؟ قال : نعم . قال : فانطلق إلى أولئك النسوة فسلّم عليهن ، وهن جلوس عن يسار الصخرة . فأتيتهن فسلَّمت عليهن فرددن عليَّ السلام ، فقلت : من أنتن؟ فقلن : خيرات حسان . . . نساء قوم أبرار نقوا فلم يدرنوا ، وأقاموا فلم يظعنوا ، وخلدوا فلم يموتوا . ثم انصرفت فلم ألبث إلا يسيراً حتى اجتمع ناس كثير ، ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة ، فقمنا صفوفاً فانتظرنا من يؤمنا ، فأخذ جبريل بيدي فقدّمني . . . فصليت بهم ، فلما انصرفت قال جبريل : يا محمد ، أتدري من صلَّى خلفك؟ قلت : لا . قال : صلى خلفك كل نبي بعثه الله . ثم أخذ بيدي فصعد بي إلى السماء ، فلما انتهينا إلى الباب استفتح ، قالوا : من أنت؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث إليه؟ قال : نعم . ففتحوا له وقالوا : مرحباً بك وبمن معك . فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم . فقال لي جبريل : ألا تسلِّم على أبيك آدم؟ قلت : بلى . . . فأتيته فسلمت عليه ، فردّ عليّ وقال لي : مرحباً بابني والنبي الصالح . ثم عرج بي إلى السماء الثانية فاستفتح فقالوا له مثل ذلك ، فإذا فيها عيسى ويحيى . ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ، فقالوا له مثل ذلك ، فإذا فيها يوسف . ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فاستفتح ، فقالوا له مثل ذلك ، فإذا فيها إدريس . ثم عرج بي إلى السماء الخامسة فاستفتح ، فقالوا له مثل ذلك ، فإذا فيها هارون . ثم عرج بي إلى السماء السادسة فاستفتح ، فقالوا له مثل ذلك ، فإذا فيها موسى . ثم عرج بي إلى السماء السابعة فاستفتح ، فقالوا له مثل ذلك ، فإذا فيها إبراهيم . ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى بي إلى نهر عليه خيام الياقوت واللؤلؤ والزبرجد ، وعليه طير خضر أنعم طير رأيت . فقلت : يا جبريل ، إن هذا الطير لناعم . قال : يا محمد ، آكله انعم منه . ثم قال : اتدري أي نهر هذا؟ قلت : لا . قال : الكوثر الذي أعطاك الله إياه ، فإذا فيه آنية الذهب والفضة تجري على رضراض من الياقوت والزمرّد ، ماؤه أشد بياضاً من اللبن ، فأخذت من آنيته فاغترفت من ذلك الماء فشربت فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك .
ثم انطلق بي حتى انتهى إلى الشجرة ، فغشيتني سحابة فيها من كل لون ، فرفضني جبريل وخررت ساجداً لله . فقال الله لي : يا محمد ، إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة ، فقم بها أنت وأمتك . ثم انجلت عني السحابة وأخذ بيدي جبريل فانصرفت سريعاً ، فأتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئاً ، ثم أتيت على موسى فقال : ما صنعت يا محمد؟ قلت : فرض عليَّ وعلى أمتي خمسين صلاة . قال : فلن تستطيع أنت ولا أمتك . فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك . فرجعت سريعاً حتى انتهيت إلى الشجرة ، فغشيتني السحابة وخررت ساجداً وقلت : ربي ، خفف عنّا . قال : قد وضعت عنكم عشراً . ثم انجلت عني السحابة ، فرجعت إلى موسى فقلت : وضع عني عشراً . قال : ارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنكم . فوضع عشراً إلى أن قال : هن خمس بخمسين ، ثم انحدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : ما لي لم آت على أهل سماء إلا رحبوا بي وضحكوا إلي ، غير رجل واحد سلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي ولم يضحك إلي؟! قال : ذاك مالك خازن النار ، لم يضحك منذ خلق ولو ضحك لأحد لضحك إليك . قال : ثم ركبت منصرفاً ، فبينما هو في بعض طريقه مرّ بعير من قريش تحمل طعاماً منها جمل عليه غرارتان ، غرارة سوداء وغرارة بيضاء ، فلما حاذى العير نفرت منه واستدارت وصرع ذلك البعير وانكسر ، ثم إنه مضى فأصبح فأخبر عما كان ، فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر رضي الله عنه فقالوا : يا أبا بكر ، هل لك في صاحبك؟ يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ثم رجع من ليلته . . . ! فقال أبو بكر رضي الله عنه : إن كان قاله فقد صدق ، وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا ، نصدقه على خبر السماء . فقال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما علامة ما تقول؟ قال : مررت بعير لقريش وهي في مكان كذا وكذا ، فنفرت العير منا واستدارت . . . وفيها بعير عليه غرارتان : غرارة بيضاء ، وغرارة سوداء . فصرع فانكسر ، فلما قدمت العير سألوهم فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك سمي أبو بكر ( الصديق ) وسألوه : هل كان فيمن حضر معك موسى وعيسى؟ قال : نعم . قالوا : فصفهما . قال : أما موسى ، فرجل آدم كأنه من رجال ازد عمان . وأما عيسى ، فرجل ربعة سبط ، تعلوه حمرة كأنه يتحادر من لحيته الجمان » .(6/188)
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة ، عن أنس رضي الله عنه قال : « لما جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق ، فكأنها هزت أذنيها فقال جبريل : يا براق ، فوالله ما ركبك مثله . وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو بعجوز على جانب الطريق ، فقال : ما هذه يا جبريل؟ قال : سر يا محمد . فسار ما شاء الله أن يسير فإذا شيء يدعوه متنحياً عن الطريق يقول : هلم يا محمد ، فقال له جبريل : سر يا محمد . فسار ما شاء الله أن يسير فلقيه خلق من خلق الله فقالوا : السلام عليك يا أول . . . السلام عليك يا آخر . . . السلام عليك يا حاشر . فقال له جبريل عليه السلام : اردد السلام . فرد السلام ، ثم لقيه الثانية فقال له مثل ذلك ، ثم الثالثة كذلك حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فعرض عليه الماء والخمر واللبن ، فتناول رسول الله اللبن . فقال له جبريل عليه السلام : أصبت الفطرة ، ولو شربت الماء لغرقت أمتك ، ولو شربت الخمر لغوت أمتك ، ثم بعث له آدم عليه السلام فمن دونه من الأنبياء ، فأمّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ، ثم قال جبريل : أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق ، فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز ، وأما الذي أراد أن تميل إليه ، فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه . وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى » .(6/189)
وأخرج ابن مردويه من طريق كثير بن خنيس ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بينما أنا مضطجع في المسجد ليلة نائماً ، إذ رأيت ثلاثة نفر أقبلوا نحوي ، فقال الأول : هو . . . هو . قال الأوسط : نعم . قال الآخر : خذوا سيد القوم ، فرجعوا عني ، ثم رأيتهم الليلة الثانية ، فقال الأول : هو . . . هو . قال الأوسط : نعم . قال الآخر : خذوا سيد القوم ، فرجعوا عني حتى إذا كانت الليلة الثالثة رأيتهم ، فقال الأول هو هو . وقال الأوسط : نعم . وقال الآخر : خذوا سيد القوم ، حتى جاؤوا بي زمزم فاستلقوني على ظهري ثم غسلوا حشوة بطني ، ثم قال بعضهم لبعض : أنقوا . ثم أتى بطست من ذهب مملوءة حكمة وإيماناً ، فأفرغ في جوفي . ثم عرج بي إلى السماء فاستفتح فقالوا : من هذا؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك؟ قال : محمد . قالوا : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . ففتح . . . فإذا آدم إذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر عن شماله بكى . قلت : يا جبريل ، من هذا . . . !؟ قال : هذا أبوك آدم ، إذا نظر عن يمينه رأى من في الجنة من ذريته ضحك ، وإذا نظر عن يساره رأى من في النار من ذريته بكى » .
ثم قال أنس بن مالك : يا ابن أخي إنه يطول علي الحديث . « ثم عرج بي حتى جاء السماء السادسة فاستفتح . . . فقال : من هذا؟ قال : جبريل . قال : ومن معك؟ قال : محمد . قال : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . ففتح فإذا موسى . ثم عرج بي إلى السماء السابعة فاستفتح . . . قيل من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قال : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . ففتح فإذا إبراهيم ، قال مرحباً بالابن والرسول . ثم مضى حتى جاء الجنة فاستفتح فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قال : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . ففتح الباب . قال : فدخلت الجنة فأُعْطِيتُ الكوثر ، فإذا نهر في الجنة عضادتاه بيوت مجوفة من لؤلؤ ، ثم مضى حتى جاء سدرة المنتهى { فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى } [ النجم : 9 ] ففرض عليّ وعلى أمتي خمسين صلاة ، فرجعت حتى أمر موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : خمسين صلاة . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت إليه فوضع عني عشراً ، فمررت على موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ فقلت : أربعين صلاة . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت إليه فوضع عني عشراً ، فمررت على موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : ثلاثين صلاة . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت إليه فوضع عني عشراً ، فرجعت إلى موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : عشرين صلاة . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت فوضع عني عشراً ، ثم مررت على موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : عشر صلوات . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت فوضع عني خمساً . ثم قال : إنه لا يبدل قولي ولا ينسخ كتابي ، تخفيفها عنكم كتخفيف خمس صلوات ، وإنها لكم كأجر خمسين صلاة . فمررت على موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : خمس صلوات . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فإن بني إسرائيل قد أُمِرُوا بأيسر من هذا فلم يطيقوه . قال : لقد رجعت إلى ربي حتى إني لأستحي منه » .(6/190)
وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وصححه ، عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : « قلنا يا رسول الله ، كيف أسري بك؟ فقال : صليت بأصحابي العتمة بمكة معتماً ، فأتاني جبريل بدابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل وقال : اركب ، فاستصعبت علي فأدارها بأذنها ثم حملني عليها ، فانطلقت تهوي بنا . . . يقع حافرها حيث أدرك طرفها حتى بلغنا أرضاً ذات نخل ، فقال : انزل . فنزلت فقال : صَلِّ . فصليت ، ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت؟ قلت : الله أعلم . قال : صليت بيثرب . . . صليت بطيبة ، ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ، ثم بلغنا أرضاً فقال : انزل . فنزلت . فقال : صلِّ فصليت ، ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت؟ قلت : الله أعلم . قال : صليت بمدين ، صليت عند شجرة موسى ، ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ، ثم بلغنا أرضاً بدت لنا قصورها ، فقال : انزل فنزلت ، ثم قال : صَلِّ فصليت ، ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت؟ فقلت : الله أعلم . فقال : صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم ، ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني ، فأتى قبلة المسجد فربط فيه الدابة ، ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر فصليت من المسجد حيث شاء الله ، وأخذني من العطش أشد ما أخذني فأُتيتُ بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر عسل ، أُرْسِلَ إلي بهما جميعاً فعدلت بينهما ، فهداني الله فأخذت اللبن فشربت حتى فرغت منه ، وكان إلى جانبي شيخ متكئ على منبره فقال : أخذ صاحبك الفطرة وإنه لمهدي . ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي في المدينة ، فإذا جهنم تنكشف عن مثل الزرابي فقلنا : يا رسول الله ، كيف وجدتها؟ قال : مثل الحمة السخنة . ثم انصرف بي فمررنا بعير قريش بمكان كذا وكذا ، وقد أضلوا بعيراً لهم قد جمعه فلان ، فسلّمت عليهم فقال بعضهم : هذا صوت محمد ، ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة فأتاني أبو بكر فقال : يا رسول الله ، أين كنت الليلة؟ قد التمستك في مكانك . فقلت : أعلمت أني أتيت بيت المقدس الليلة؟ فقال : يا رسول الله ، إنه مسيرة شهر فصفه لي . قال : ففتح لي صراط كأني أنظر إليه ، لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم عنه . فقال أبو بكر رضي الله عنه : أشهد أنك رسول الله . وقال المشركون : انظروا إلى ابن أبي كبشة ، زعم أنه أتى بيت المقدس الليلة فقال : إن من آية ما أقول لكم : أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا وقد أضلوا بعير لهم فجمعه فلان ، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم كذا ، ويأتونكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل آدم عليه شيخ أسود وغرارتان سوداوان ، فلما كان ذلك اليوم أشرف القوم ينظرون حتى كان قريباً من نصف النهار قدمت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم » .(6/191)
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن مردويه من طريق قتادة رضي الله عنه ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن مالك بن صعصعة حدثه أن رسول الله حدثهم عن ليلة أسري به قال : « بينما أنا في الحطيم - وربما قال قتادة رضي الله عنه - في الحجر مضطجعاً ، إذ أتاني آت فجعل يقول لصاحبه : الأوسط بين الثلاثة ، فأتاني فشق ما بين هذه إلى هذه - يعني من ثغر نحره إلى شعرته - فاستخرج قلبي ، فأوتيت بطست من ذهب مملوء إيماناً وحكمة فغسل قلبي بماء زمزم ثم حشى ثم أعيد مكانه . ثم أوتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار يقال له البراق ، يقع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى بي السماء الدنيا فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، ولنعم المجيء جاء ، ففتح لنا فلما خلصت فإذا فيها آدم فقلت : يا جبريل ، من هذا؟ قال : هذا أبوك آدم عليه السلام ، فسلم عليه . فسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال : مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح . ثم صعد حتى أتى إلى السماء الثانية فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : أو قد أرسل إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحباً ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة فقلت : يا جبريل ، من هذان؟ قال : هذان يحيى وعيسى فسلم عليهما ، فسلمت عليهما فردا السلام ثم قالا : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد حتى أتى إلى السماء الثالثة فاستفتح ، قيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا فلما خلصت إذا يوسف فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد حتى أتى إلى السماء الرابعة فاستفتح ، قيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا فلما خلصت إذا إدريس فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، ولنعم المجيء جاء . فلما خلصت إذا هارون فسلمت عليه فرد عليّ السلام ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد حتى أتى إلى السماء السادسة فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا فلما خلصت إذا أنا بموسى فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ، فلما تجاوزت بكى . قيل له : ما يبكيك؟ قال : أبكي لأن غلاماً بُعِثَ بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي . ثم صعد حتى أتى إلى السماء السابعة فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحباً به ، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا فلما خلصت إذا إبراهيم ، قلت : من هذا يا جبريل قال : هذا أبوك إبراهيم فسلّم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح . ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة وإذا أربعة أنهار يخرجن من أصلها : نهران باطنان : ونهران ظاهران ، فقلت : يا جبريل ، ما هذه الأنهار . . . !؟ فقال : أما الباطنان ، فنهران في الجنة . وأما الظاهران فالنيل والفرات ، ثم رفع إليَّ البيت المعمور قلت : يا جبريل ، ما هذا؟ قال : هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه ، آخر ما عليهم . ثم أُتِيتُ باناءين أحدهما خمر والآخر لبن ، فعرضا عليّ فقيل : خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فقيل لي : أصبت الفطرة ، أنت عليها وأمتك . ثم فرضت عليَّ الصلاة خمسون صلاة كل يوم ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال : ما فرض ربك على أمتك؟ قلت : خمسين صلاة كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع ذلك وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . فرجعت إلى ربي فحط عني خمساً ، فأقبلت حتى أتيت على موسى فأنبأته بما حط فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فإن أمتك لا يطيقون ذلك . قال : فما زلت بين موسى وبين ربي يحط عني خمساً خمساً حتى أقبلت بخمس صلوات ، فأتيت على موسى فقال : بم أمرت؟ قلت : بخمس صلوات كل يوم . قال : إن أمتك لا يطيقون ذلك . . . إني قد بلوت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . فقلت : لقد رجعت إلى ربي حتى لقد استحيت ، ولكني أرضى وأسلم فنوديت أن يا محمد ، إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي الحسنة بعشر أمثالها » .(6/192)
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وابن مردويه من طريق يونس ، عن ابن شهاب ، عن أنس رضي الله عنه قال : كان أبو ذر رضي الله عنه يحدث أن رسول الله قال : « فرج سقف بيتي وأنا بمكة ، فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بما زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري ثم أطبقه ، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء ، فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل عليه السلام لخازن السماء : افتح . قال : من هذا؟ قال : جبريل . قال : هل معك أحد؟ قال : نعم ، معي محمد . قال : أرسل إليه؟ قال : نعم . ففتح ، فلما علونا السماء الدنيا إذا رجل قاعد عن يمينه أسودة وعلى يساره أسودة ، فإذا نظر قبل يمينه تبسم وإذا نظر قبل شماله بكى ، فقال : مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح ، قلت لجبريل : من هذا؟ قال : هذا آدم ، وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه ، فأهل اليمين منهم أهل الجنة . والأسودة التي عن شماله أهل النار ، فإذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر عن شماله بكى ، ثم عرج بي إلى السماء الثانية فقال لخازنها افتح . فقال له خازنها مثل ما قال الأول ، ففتح » .
قال أنس رضي الله عنه : فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ، ولم يثبت كيف منازلهم .(6/193)
قال ابن شهاب : وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام »
قال ابن حزم وأنس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ففرض الله على أمتي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال : ما فرض الله على أمتك ؟ قلت : فرض خمسين صلاة
قال : فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فرجعت فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال : راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك
فراجعت ربي فقال : هي خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي فرجعت إلى موسى فقال : ارجع إلى ربك
قلت : قد استحيت من ربي
ثم انطلق بي حتى انتهى إلى سدرة المنتهى فغشيتها ألوان لا أدري ما هي ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها مسك »
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله بالمدينة عن ليلة أسري به من مكة إلى المسجد الأقصى قال : « بينا أنا نائم عشاء بالمسجد الحرام إذ أتاني آت فأيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا وإذا أنا بكهيئة خيال فأتبعه بصري حتى خرجت من المسجد فإذا أنا بدابة أدنى شبهة بدوابكم هذه بغالكم غير أن مضطرب الأذنين يقال له البراق وكانت الأنبياء تركبه قبلي
يقع حافره عند مد بصره فركبته فبينا أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يميني : يا محمد انظرني أسألك
فلم أجبه ثم دعاني داع عن شمالي يا محمد انظرني أسألك فلم أجبه فبينا أنا سائر إذا بامرأة حاسرة عن ذراعيها وعليها من كل زينة خلقها الله فقالت : يا محمد أنظرني أسألك
فلما ألتفت إليها حتى أتيت بيت المقدس فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء عليهم السلام توثقها بها ثم أتاني جبريل عليه السلام بإناءين أحدهما خمر والآخر لبن فشربت اللبن وتركت الخمر فقال جبريل : أصبت الفطرة أما أنك لو أخذت الخمر غوت أمتك
فقلت : الله أكبر
الله أكبر
فقال جبريل : ما رأيت في وجهك هذا ؟ قلت : بينا أنا اسير إذ دعاني داع عن يميني : يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبه
قال : ذاك داعي اليهود أما لو أنك لو أجبته لتهودت أمتك
قلت : وبينا أنا أسير إذ دعاني داع عن يساري : يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبه
قال : ذاك داعي النصارى أما أنك لو أجبته لتنصرت أمتك فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها عليها من كل زينة تقول : يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبها
قال : تلك الدنيا أما أنك لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة
ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم فلم تر الخلائق أحسن من المعراج
! أما رأيت الميت حين رمى بصره طامحا إلى السماء عجبه المعراج
؟ فصعدت أنا وجبريل فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل وهو صاحب سماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك مع كل ملك جنده مائة ألف
فاستفتح جبريل باب السماء قيل : من هذا ؟ قال : جبريل
قيل : ومن معك ؟ قال : محمد
قيل : قد بعث إليه ؟ قال : نعم فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله على صورته لم يتغير منه شيء وإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول : روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين
ثم تعرض عليه أرواح ذريته الكفار الفجار فيقول : روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين
فقلت : يا جبريل من هذا ؟ قال : هذا أبوك آدم فسلم علي ورحب بي فقال : مرحبا بالابن الصالح
ثم مصيت هنيهة فإذا أنا بأخونة عليها لحم قد أروح وأنتن عندها أناس يأكلون منها
قلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام
وفي لفظ : فإذا أنا بقوم على مائدة عليها لحم مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم وإذا حوله جيف فجعلوا يقبلون على الجيف يأكلون منها ويدعون اللحم فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الزناة
عمدوا إلى ما حرم الله عليهم وتركوا ما أحل الله لهم ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بقوم بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر يقول : الله لا تقم الساعة وهم على سابلة آل فرعون فتجيء السابلة فتطؤهم فسمعتهم يضجون إلى الله قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء من أمتك الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل قد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار ثم يخرج من أسافلهم فسمعتهم يضجون إلى الله
قلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء من أمتك الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن ونساء منكسات بأرجلهن فسمعتهن يضججن إلى الله قلت يا جبريل من هؤلاء النساء ؟ قال : هؤلاء اللاتي يزنين ويقتلن أولادهن ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم ثم يدس في أفواههم ويقول : كلوا مما أكلتم فإذا أكره ما خلق الله لهم ذلك
قلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون الذين يأكلون لحوم الناس
ثم صعدنا إلى السماء الثانية فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله قد فضل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب ! قلت : يا جبريل من هذا ؟ قال : هذا أخوك يوسف ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي
ثم صعدنا إلى السماء الثالثة فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى ومعهما نفر من قومهما شبيه أحدهما بصاحبه ثيابهما وشعرهما فسلمت عليهما وسلما علي ورحبا بي
ثم صعدنا إلى السماء الرابعة فإذا أنا بإدريس قد رفعه الله مكانا عليا فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي
ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء تكاد لحيته تصيب سرته من طولها قلت : يا جبريل من هذا ؟ قال : هذا المحبب في قومه
هذا هرون بن عمران ومعه نفر كثير من قومه فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي
ثم صعدنا إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى رجل آدم كثير الشعر لو كان عليه قميصان خرج شعره منهما وإذا هو يقول : يزعم الناس أني أكرم الخلق على الله وهذا أكرم على الله مني ولو كان وحده لم أبال ولكن كل نبي ومن تبعه من أمته
قلت : يا جبريل من هذا ؟ قال : هذا أخوك موسى بن عمران ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي
ثم صعدنا إلى السماء السابعة فإذا أنا بإبراهيم وإذا هو جالس مسند ظهره إلى البيت المعمور ومعه نفر من قومه فسلمت عليه وسلم علي وقال : مرحبا بالابن الصالح فقيل لي : هذا مكانك ومكان أمتك ثم تلا إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين آل عمران آية 68 وإذا بأمتي شطرين : شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس وشطر عليهم ثياب رمد
ثم دخلت البيت المعمور ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض وحجب الآخرون الذين عليهم ثياب رمد وهم على خير
فصليت أنا ومن معي في البيت المعمور ثم خرجت أنا ومن معي قال : والبيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة
ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا كل ورقة منها تكاد تغطي هذه الأمة وغذا في أصلها عين تجري يقال لها سلسبيل فيشق منها نهران فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ فقال : أما هذه فهو نهر الرحمة وأما هذا فهو نهر الكوثر الذي أعطاكه الله
فاغتسلت في نهر الرحمة فغفر لي من ذنبي ما تقدم وما تأخر ثم أخذت على الكوثر حتى دخلت الجنة فإذا فيها ما لا عين رأت وما لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وإذا أنا بأنهار من ماء غير آسن وأنها من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى
وإذا فيها رمان كأنه جلود الإبل المقتبة وإذا فيها طير كأنها البخت
قال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله إن تلك الطير لناعمة ؟ قال : آكلها أنعم منها يا أبا بكر وإني لأرجو أن تأكل منها
قال : ورأيت فيها جارية لعساء فسألتها لمن أنت ؟ فقالت : لزيد بن حارثة
فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا
ثم عرضت علي النار فإذا فيها غضب الله وزجره ونقمته ولو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها ثم غلقت دوني
ثم إني رفعت إلى سدرة المنتهى فتغشاها فكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة ثم إن الله أمرني بأمره وفرض علي خمسين صلاة وقال : لك بكل حسنة عشر وإذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنة فإذا عملتها كتبت لك عشرا وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها لم يكتب عليك شيء فإن عملتها كتبت عليك سيئة
ثم دفعت إلى موسى فقال : بم أمرك ربك ؟ قلت : بخمسين صلاة
قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فإن أمتك لا يطيقون ذلك
فرجعت إلى ربي فقلت : يا رب خفف عن أمتي فإنها أضعف الأمم
فوضع عني عشرا
فما زلت أختلف بين موسى وبين ربي حتى جعلها خمسا فناداني ملك : عندها تمت فريضتي وخففت عن عبادي فأعطيتهم بكل حسنة عشر أمثالها
ثم رجعت إلى موسى فقال : بم أمرت ؟ قلت : بخمس صلوات : قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك
قلت : قد رجعت إلى ربي حتى استحييته
ثم أصبح بمكة يخبرهم العجائب : إني رأيت البارحة بيت المقدس وعرج بي إلى السماء ثم رأيت كذا وكذا فقال أبو جهل : ألا تعجبون مما يقول محمد ؟ قال : فأخبرته بعير لقريش لما كانت في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا وإنها نفرت فلما رجعت رأيتها عند العقبة وأخبرتهم بكل رجل وبعيره كذا ومتاعه كذا
فقال رجل : أنا أعلم الناس ببيت المقدس
فكيف بناؤه وكيف هيئته وكيف قربه من الجبل ؟ فرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس فنظر إليه فقال : بناؤه كذا وهيئته كذا وقربه من الجبل كذا
فقال : صدقت »(6/194)
وأخرج البزار وأبو يعلى وابن جرير ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه والبيهقي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا من حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير } قال : جاء جبريل عليه السلام إلى النبي ومعه ميكائيل ، فقال جبريل لميكائيل عليهما السلام : ائتني بطست من ماء زمزم كيما أطهر قلبه وأشرح صدره .(6/195)
فشق عن بطنه فغسله ثلاث مرات واختلف إليه ميكائيل عليه السلام بثلاث طساس من ماء زمزم ، فشرح صدره ونزع ما كان فيه من غلّ وملأه حلماً وعلماً وإيماناً ويقيناً وإسلاماً ، وختم بين كتفيه بخاتم النبوّة ، ثم أتاه بفرس فحمل عليه . . . كل خطوة منه منتهى بصره . فسار وسار معه جبريل ، فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم . . . كلما حصدوا عاد كما كان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا جبريل ، ما هذا . . !؟ قال : هؤلاء المجاهدون في سبيل الله يضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف ، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه . ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر ، كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء ، فقال : ما هؤلاء يا جبريل؟ فقال : هؤلاء الذين تثتاقل رؤوسهم عن الصلاة ثم أتى على قوم على اقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع . . . يسرحون كما تسرح الإبل والغنم ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها ، قال : ما هؤلاء يا جبريل . . . !؟ قال : هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله شيئاً ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر ولحم آخر نيء خبيث ، فجعلوا يأكلون من النيء الخبيث ويتركون النضيج الطيب . قلت : ما هؤلاء يا جبريل!؟ قال : هذا الرجل من أمتك . . . تكون عنده المرأة الحلال فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح ، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالاً طيباً فتأتي رجلاً خبيثاً تبيت معه حتى تصبح ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته ، قال : ما هذا يا جبريل . . . !!؟ قال : هذا مثل أقوام من أمتك . . . يقعدون على الطريق فيقطعونه . ثم أتى على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها ، فقال : ما هذا يا جبريل؟ قال : هذا الرجل من أمتك يكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم بمقاريض من نار . . . كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء ، قال : ما هؤلاء يا جبريل . . . !؟ قال : هؤلاء خطباء الفتنة . ثم أتى على حجر صغير يخرج منه ثور عظيم ، فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع . قال : ما هذا يا جبريل؟ قال : هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها . ثم أتى على واد فوجد ريحاً طيبة باردة وريح مسك ، وسمع صوتاً فقال : يا جبريل ، ما هذا؟ قال : هذا صوت الجنة . . . تقول : يا رب ، ائتني بما وعدتني فقد كثرت غرفي واستبرقي وحريري وسندسي وعبقري ولؤلؤي ومرجاني وفضتي وذهبي واكوابي وصحافي وأباريقي ومراكبي وعسلي ومائي ولبني وخمري ، فائتني ما وعدتني ، فقال : لك كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة .(6/196)
قالت : رضيت . ثم أتى على وادٍ فسمع شكوى ووجد ريحاً منتنة فقال : ما هذا يا جبريل؟ قال : هذا صوت جهنم ، تقول : رب ائتني بما وعدتني ، فلقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وضريعي وغساقي وعذابي ، وقد بعد قعري واشتد حري فائتني ما وعدتني ، قال : لك كل مشرك ومشركة وكافر وكافرة ، وكل خبيث وخبيثة وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب . قالت : قد رضيت . ثم سار حتى أتى بيت المقدس فنزل فربط فرسه إلى صخرة ، ثم دخل فصلى مع الملائكة عليهم السلام . . . فلما قضيت الصلاة قالوا : يا جبريل ، من هذا معك؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلم . قالوا : وقد بعث إليه؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة ، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء . ثم لقي أرواح الأنبياء عليهم السلام فأثنوا على ربهم ، فقال إبراهيم عليه السلام : الحمد لله الذي اتخذني خليلاً وأعطاني ملكاً عظيماً وجعلني أمة قانتاً يؤتم بي ، وأنقذني من النار وجعلها عليّ برداً وسلاماً . ثم إن موسى عليه السلام أثنى على ربه عز وجل فقال : الحمد لله الذي كلمني تكليماً وجعل هلاك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي ، وجعل من أمتي { قوماً يهدون بالحق وبه يعدلون } [ الأعراف : 159 ] ثم إن داود عليه السلام أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي جعل لي ملك عظيماً ، وعلمني الزبور ، وألان لي الحديد ، وسخر لي الجبال يسبحن والطير ، وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب . ثم إن سليمان عليه السلام أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي سخر لي الرياح ، وسخر لي الشياطين يعملون ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ، وعلمني منطق الطير ، وآتاني من كل شيء فضلاً ، وسخر لي جنود الشياطين والإنس والطير ، وفضلني على كثير من عباده المؤمنين ، وآتاني ملكاً عظيماً لا ينبغي لأحد من بعدي ، وجعل ملكي ملكاً طيباً ، ليس فيه حساب ، ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي جعلني كلمته وجعل مثلي مثل آدم خلقه من تراب ثم قال له : كن فيكون ، وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ، وجعلني أخلق من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله ، وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله ، ورفعني وطهرني وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم ، فلم يكن للشيطان علينا سبيل . ثم إن محمد صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه عز وجل فقال : « كلكم أثنى على ربه وإني مثن على ربي » فقال : « الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين ، وكافة للناس بشيراً ونذيراً ، وأنزل علي الفرقان فيه تبيان لكل شيء ، وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس ، وجعل أمتي أمة وسطاً ، وجعل أمتي هم الأولون والآخرون ، وشرح لي صدري ، ووضع عني وزري ، ورفع لي ذكري ، وجعلني فاتحاً وخاتماً » .(6/197)
فقال إبراهيم عليه السلام : بهذا فضلكم محمد صلى الله عليه وسلم . ثم : أتي بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها ، فأتي بإناء منها فيه ماء ، فقيل : اشرب ، فشرب منه يسيراً ، ثم رفع إليه إناء آخر فيه لبن ، فقيل : اشرب ، فشرب منه حتى روي ، ثم رفع إليه إناء آخر فيه خمر ، فقيل له : اشرب ، فقال : لا أريده قد رويت . فقال له جبريل : - عليه السلام - أما إنها ستحرم على أمتك ، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليل . ثم صعدوا بي إلى السماء فاستفتح ، فقيل : من هذا يا جبريل؟ قال : هذا محمد ، قالوا : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة ، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء ، فدخل فإذا هو برجل تام الخلق لم ينقص من خلقه شيء ، كما ينقص من خلق الناس ، على يمينه باب يخرج منه ريح طيبة ، وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة ، إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه فرح وضحك ، وإذا نظر إلى الباب الذي عن يساره بكى وحزن ، فقلت يا جبريل ، من هذا؟ قال : هذا أبوك آدم ، وهذا الباب الذي يمينه باب الجنة ، إذا نظر إلى من يدخله من ذريته ضحك واستبشر ، والباب الذي عن شماله باب جهنم ، إذا نظر من يدخله بكى وحزن . ثم صعد بي جبريل عليه السلام إلى السماء الثانية ، فاستفتح قيل : من هذا معك؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلم ، قالوا : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ وخليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء ، فإذا هو بشابين ، قال : يا جبريل ، من هذان؟ قال : عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا فصعد به إلى السماء الثالثة ، فاستفتح ، فقالوا : من هذا؟ قال : جبريل ، قالوا : ومن معك؟ قال : محمد ، قالوا : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء ، فدخل فإذا هو برجل قد فضل على الناس كما فضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، قال : من هذا يا جبريل؟ قال : هذا أخوك يوسف عليه السلام ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فاستفتح فقيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قالوا : ومن معك؟ قال : محمد ، قالوا : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء ، فدخل فإذا هو برجل ، قال : من هذا يا جبريل؟ قال : هذا إدريس رفعه الله مكاناً علياً . ثم صعد إلى السماء الخامسة فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قالوا : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قالوا : مرحباً به حياه الله من أخ وخليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء ، ثم دخل فإذا هو برجل جالس وحوله قوم يقص عليهم ، قال : من هذا يا جبريل ومن هؤلاء حوله؟ قال : هذا هرون المحبب وهؤلاء بنو إسرائيل .(6/198)
ثم صعد به إلى السماء السادسة فاستفتح فقيل له : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد قالوا : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ وخليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء ، فإذا هو برجل جالس فجاوزه فبكى الرجل قال : يا جبريل من هذا؟ قال : موسى ، قال : فما له يبكي؟ قال : زعم بنو إسرائيل أني أكرم بني آدم على الله ، وهذا رجل من بني آدم قد خلفني في دنيا وأنا في أخرى فلو أنه بنفسه لم أبال ، ولكن مع كل نبي أمته . ثم صعد به إلى السماء السابعة فاستفتح ، فقيل من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قالوا : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ وخليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء ، فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس عند باب الجنة على كرسي وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس ، وقوم في ألوانهم شيء ، فقام هؤلاء الذين في ألوانها شيء فدخلوا نهراً فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلص ولم يكن في أبدانهم شيء ، ثم دخلوا نهراً آخر فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء ، ثم دخلوا نهراً آخر فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلصت ألوانهم فصارت مثل ألوان أصحابهم ، فجاؤوا فجلسوا إلى أصحابهم ، فقال : يا جبريل ، من هذا الأشمط ، ومن هؤلاء بيض الوجوه ، ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء ، وما هذه الأنهار التي دخلوا؟ قال : هذا أبوك إبراهيم أول من شمط على الأرض . وأما هؤلاء البيض الوجوه ، فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم ، وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء ، فقوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، فتابوا فتاب الله عليهم ، وأما الأنهار ، فأولها رحمة الله ، والثاني نعمة الله ، والثالث سقاهم ربهم شراباً طهوراً . ثم انتهى إلى السدرة ، قيل له هذه السدرة ينتهي إليها كل واحد خلا من أمتك على نسك ، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى ، وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاماً لا يقطعها ، والورقة منها مغطية للأمة كلها ، فغشيها نور الخلاق عز وجل ، وغشيتها الملائكة عليهم السلام أمثال الغربان حين تقع على الشجرة . فكلمه الله تعالى عند ذلك فقال له : سل ، فقال : اتخذت إبراهيم خليلاً ، وأعطيته ملكاً عظيماً ، وكلمت موسى تكليماً ، وأعطيت داود ملكاً عظيماً ، وألنت له الحديد وسخرت له الجبال ، وأعطيت سليمان ملكاً عظيماً وسخرت له الجن والإنس والشياطين وسخرت له الرياح وأعطيته ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذنك وَأَعَذْتَهُ وأمَّه من الشيطان الرجيم ، فلم يكن للشيطان عليهما سبيل .(6/199)
فقال له ربه عز وجل : وقد اتخذتك خليلاً ، وهو مكتوب في التوراة حبيب الرحمن ، وأرسلتك إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً ، وشرحت لك صدرك ، ووضعت عنك وزرك . ورفعت لك ذكرك ، فلا أذكر إلا ذكرت معي ، وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس ، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي ، وجعلت من أمتك أقواماً قلوبهم أناجيلهم ، وجعلتك أول النبيين خلقاً ، وآخرهم بعثاً ، وأولهم يقضى له ، وأعطيتك سبعاً من المثاني لم أعطها نبياً قبلك ، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش ، لم أعطها نبياً قبلك ، وأعطيتك الكوثر وأعطيتك ثمانية أسهم : الإسلام والهجرة والجهاد والصلاة والصدقة وصوم رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلتك فاتحاً وخاتماً . قال النبي صلى الله عليه وسلم : « فضلني ربي وأرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيراً ونذيراً ، وألقى في قلب عدوي الرعب من مسيرة شهر ، وأحل لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وجعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً ، وأعطيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه ، وعرضت علي أمتي فلم يخف علي التابع والمتبوع ، ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشعر ، ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه صغار الأعين ، كأنما خرمت أعينهم بالمخيط ، فلم يخف عليّ ما هم لاقون من بعدي ، وأمرت بخمسين صلاة ، فلما رجع إلى موسى عليه السلام قال : بم أمرت؟ قال : بخمسين صلاة ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك أضعف الأمم ، فقد لقيت من بني إسرائيل شدة ، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه فسأله التخفيف ، فوضع عنه عشراً ، ثم رجع إلى موسى فقال : بكم أمرت؟ قال : بأربعين : قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فرجع فوضع عنه عشراً ، إلى أن جعلها خمساً ، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، قال : قد رجعت إلى ربي حتى استحيت منه ، فما أنا براجع إليه . قيل له : أما إنك كما صبرت نفسك على خمس صلوات ، فإنهن يجزين عنك خمسين صلاة ، وإن كل حسنة بعشر أمثالها ، » فرضي محمد صلى الله عليه وسلم كل الرضا . قال : وكان موسى عليه السلام من أشدهم عليه حين مر به ، وخيرهم له حين رجع إليه .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أخيه عيسى ، عن أبيه عبد الرحمن ، عن أبيه أبي ليلى : أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق فحمله بين يديه ، ثم جعل يسير به فإذا بلغ مكاناً مطأطئاً طالت يداه وقصرت رجلاه حتى يستوي به ، وإذا بلغ مكاناً مرتفعاً قصرت يداه وطالت رجلاه حتى يستوي به ثم عرض له رجل عن يمين الطريق ، فجعل يناديه يا محمد ، إلى الطريق ، مرتين ، فقال له جبريل عليه السلام : امض ولا تكلم أحداً ، ثم عرض له رجل عن يسار الطريق ، فقال له إلى الطريق يا محمد ، فقال له جبريل عليه السلام : امض ولا تكلم أحداً ، ثم عرضت له امرأة حسناء جميلة ، ثم قال له جبريل السلام : تدري من الرجل الذي دعاك عن يمين الطريق؟ قال : لا ، قال : تلك اليهود دعتك إلى دينهم .(6/200)
ثم قال : تدري من الرجل الذي دعاك عن يسار الطريق؟ قال : لا ، قال : تلك النصارى ، دعتك إلى دينهم . ثم قال : تدري من المرأة الحسناء الجميلة؟ قال : لا ، قال : تلك الدنيا تدعوك إلى نفسها ، ثم انطلقا حتى أتيا بيت المقدس ، فإذا هم بنفر جلوس ، فقالوا مرحباً بالنبي الأمي ، وإذا في النفر شيخ ، قال : ومن هذا يا جبريل؟ قال : هذا أبوك إبراهيم ، وهذا موسى ، وهذا عيسى ، ثم أقيمت الصلاة ، فتدافعوا . حتى قدموا محمداً صلى الله عليه وسلم ، ثم أتوا بأشربة ، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم اللبن ، فقال له جبريل عليه السلام أصبت الفطرة ، ثم قيل له : قم إلى ربك ، فقام فدخل ، ثم جاء فقيل له : ماذا صنعت؟ قال : « فرضت على أمتي خمسون صلاة » فقال له موسى عليه السلام : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فإن أمتك لا تطيق هذا ، فرجع ثم جاء فقال له موسى عليه السلام : ماذا صنعت؟ فقال : « ردها إلى خمس وعشرين صلاة » فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فرجع ثم جاء فقال : ردها إلى اثنتي عشرة ، فقال موسى عليه السلام : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فرجع ثم جاء فقال : « ردها إلى خمس » فقال موسى عليه السلام : ارجع فاسأله التخفيف قال : « قد استحيت من ربي فما أراجعه وقد قال لي ربي أن لك بكل ردة رددتها مسألة أعْطَيْتُكَها » .
وأخرج ابن عرفة في جزئه المشهور وأبو نعيم في الدلائل وابن عساكر في تاريخه من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أتاني جبريل عليه السلام بدابة دون البغل وفوق الحمار ، فحملني عليه ثم انطلق يهوي بنا كلما صعد عقبة استوت رجلاه كذلك مع يديه ، وإذا هبط استوت يداه مع رجليه ، حتى مررنا برجل طَوَال سِبْطَ آدم كأنه من رجال شنوأة ، وهو يقول : ويرفع صوته أكرمته وفضلته ، فدفعنا إليه فسلمنا ، فرد السلام ، فقال : » من هذا معك يا جبريل؟ قال : هذا أحمد قال : مرحباً بالنبي الأمي العربي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته ، ثم اندفعنا ، فقلت : من هذا يا جبريل؟ قال : هذا موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام ، قلت : ومن يعاتب؟ قال : يعاتب ربه فيك ، قلت : ويرفع صوته على ربه؟! قال : إن الله قد عرف له حديثه ، ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السراح تحتها شيخ وعياله ، فقال لي جبريل عليه السلام : اعمد إلى أبيك إبراهيم ، فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام ، فقال إبراهيم : من معك يا جبريل؟ قال : هذا ابنك أحمد ، فقال : مرحباً بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته ، يا بني ، إنك لاق ربك الليلة ، وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها ، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل ، ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى ، فنزلت فربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء عليهم السلام تربط بها ، ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد ، ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن ، فأخذت اللبن فشربت ، فضرب جبريل عليه السلام منكبي ، وقال أصبت الفطرة ، ثم أقيمت الصلاة فأممتهم ثم انصرفنا فأقبلنا « .(6/201)
وأخرج الحارث بن أبي أسامة والبزار والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل وابن عساكر من طريق علقمة رضي الله عنه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أتيت بالبراق فركبته إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه وإذا هبط ارتفعت يداه ، فسار بنا في أرض غمة منتنة ، ثم أفضينا إلى أرض فيحاء طيبة ، فسألت جبريل عليه السلام؟ قال : تلك أرض النار وهذه أرض الجنة ، فأتيت على رجل قائم يصلي ، فقلت : من هذا يا جبريل؟ فقال : هذا أخوك عيسى عليه السلام فسرنا ، فسمعنا صوتاً وتذمراً ، فأتينا على رجل فقال : من هذا معك؟ قال : هذا أخوك محمد صلى الله عليه وسلم ، فسلم ودعا بالبركة وقال : سل لأمتك اليسر ، فقلت من هذا يا جبريل؟ قال : هذا أخوك موسى عليه السلام ، قلت على من كان تذمره؟ قال : على ربه عز وجل ، قلت : أعلى ربه؟! قال : نعم . قد عرف حدته ، ثم سرنا فرأيت مصابيح وضوءاً ، فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال : هذه شجرة أبيك إبراهيم عليه السلام ادن منها ، فدنوت منها ، فرحب بي ودعا لي بالبركة ، ثم مضينا حتى أتينا بيت المقدس ، فربطت الدابة بالحلقة التي تربط بها الأنبياء عليهم السلام ، ثم دخلت المسجد فنشرت لي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، من سمى الله منهم ومن لم يسم ، فصليت بهم إلا هؤلاء الثلاث : إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام » .
وأخرج ابن مردويه من طريق المغيرة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(6/202)
« صليت ليلة أسري بي في مقدم المسجد ، ثم دخلت إلى الصخرة ، فإذا ملك قائم معه آنية ثلاث ، فتناولت العسل ، فشربت منه قليلاً ، ثم تناولت الآخر فشربت منه حتى رويت ، فإذا هو لبن ، فقال اشرب من الآخر ، فإذا هو خمر ، قلت قد رويت . قال : أما أنك لو شربت من هذا لم تجتمع أمتك على الفطرة أبداً ، ثم انطلق بي إلى السماء ، ففرضت عليّ الصلاة ، ثم رجعت إلى خديجة رضي الله عنها وما تحوّلت عن جانبها الآخر » .
وأخرج الطبراني وابن مردويه ، عن أم هانئ رضي الله عنها قالت : بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به في بيتي ، ففقدته من الليل ، فامتنع عني النوم مخافة أن يكون عرض له بعض قريش ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن جبريل عليه السلام أتاني فأخذ بيدي فأخرجني فإذا على الباب دابة دون البغل وفوق الحمار ، فحملني عليها ثم انطلق حتى أتى بي إلى بيت المقدس ، فأراني إبراهيم يشبه خلقه خلقي ، ويشبه خلقي خلقه ، وأرأني موسى آدم طوالاً ، سبط الشعر أشبهه برجال ازد شنوأة ، وأراني عيسى ابن مريم ربعة أبيض يضرب إلى الحمرة شبهته بعروة بن مسعود الثقفي ، وأراني الدجال ممسوح العين اليمنى شبهته بقطن بن عبد العزى ، قال : وأنا أريد أن أخرج إلى قريش فأخبرهم ما رأيت » فأخذت بثوبه ، فقلت إني أذكرك الله ، إنك تأتي قوماً يكذبونك وينكرون مقالتك ، فأخاف أن يسطوا بك ، قالت : فضرب ثوبه من يدي ، ثم خرج إليهم فأتاهم وهم جلوس ، فأخبرهم ، فقام مطعم بن عدي فقال : يا محمد ، لو كنت شاباً كما كنت ما تكلمت بما تكلمت به وأنت بين ظهرانينا . فقال رجل من القوم : يا محمد ، هل مررت بإبل لنا في مكان كذا وكذا؟ قال : « نعم ، والله وجدتهم قد أضلوا بعيراً لهم فهم في طلبه » قال : هل مررت بإبل لبني فلان قال : « نعم وجدتهم في مكان كذا وكذا ، قد انكسرت لهم ناقة حمراء ، فوجدتهم وعندهم قصعة من ماء فشربت ما فيها » قالوا : فأخبرنا عن عدتها وما فيها من الرعاء . قال : « قد كنت عن عدتها مشغولاً » فقام وأتى بالإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاء . ثم أتى قريشاً فقال لهم : « سألتموني عن إبل بني فلان ، فهي كذا وكذا ، وفيها من الرعاء فلان وفلان ، وسألتموني عن إبل بني فلان فهي كذا وكذا وفيها من الرعاء ابن أبي قحافة وفلان وفلان وهي مصبحتكم الغداة الثنية » فقعدوا إلى الثنية ينظرون أصدقهم ما قال ، فاستقبلوا الإبل فسألوا ، هل ضل لكم بعير؟ قالوا : نعم . فسألوا الآخر ، هل انكسر لكم ناقة حمراء؟ قالوا : نعم . قال : فهل كان عندكم قصعة من ماء؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : والله أنا وضعتها فما شربها أحد منا ولا أهريقت في الأرض ، فصدقه أبو بكر رضي الله عنه وآمن به ، فسمي يومئذ الصديق .(6/203)
وأخرج أبو يعلى وابن عساكر ، عن أم هانئ رضي الله عنها قال : دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم بغلس وأنا على فراشي ، فقال : « شعرت أني نمت الليلة في المسجد الحرام فأتاني جبريل ، فذهب بي إلى باب المسجد ، فإذا دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل مضطرب الأذنين فركبته ، فكان يضع حافره مد بصره ، إذا أخذ بي في هبوط طالت يداه وقصرت رجلاه ، وإذا أخذ بي في صعود طالت رجلاه وقصرت يداه ، وجبريل لا يفوتني حتى انتهينا إلى بيت المقدس ، فأوثقته بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها ، فنشر لي رهط من الأنبياء عليهم السلام منهم إبراهيم وموسى وعيسى فصليت بهم وكلمتهم ، وأتيت بإناءين أحمر وأبيض ، فشربت الأبيض ، فقال لي جبريل عليه السلام : شربت اللبن وتركت الخمر ، لو شربت الخمر لارتدت أمتك ، ثم ركبته فأتيت المسجد الحرام ، فصليت به الغداة ، » فتعلقت بردائه وقلت : أنشدك الله يا ابن عم ، إن تحدث بها قريشاً ، فيكذبك من صدقك ، فضربت بيدي على ردائه فانتزعته من يدي ، فارتفع عن بطنه فنظرت إلى عكنه فوق ازاره كأنها طي القراطيس ، وإذا نور ساطع عند فؤاده كاد يختطف بصري ، فخررت ساجدة ، فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج ، فقلت لجاريتي : ويحك اتبعيه ، وانظري ماذا يقول وماذا يقال له ، فلما رجعت أخبرتني أنه انتهى إلى نفر من قريش فيهم المطعم بن عدي وعمرو بن هشام والوليد بن المغيرة . فقال : « إني صليت الليلة العشاء في هذه المسجد وصليت به الغداة وأتيت فيما بين ذلك ببيت المقدس فنشر لي رهط من الأنبياء فيهم إبراهيم وموسى وعيسى فصليت بهم وكلمتهم » فقال عمرو بن هشام - كالمستهزئ - : صفهم لي .
فقال : صلى الله عليه وسلم : « أما عيسى ففوق الربعة ودون الطويل عريض الصدر جعد الشعر يعلوه صهبة كأنه عروة بن مسعود الثقفي ، وأما موسى فضخم آدم طوال كأنه من رجال شنوأة كثير الشعر غائر العينين متراكب الأسنان مقلص الشفة خارج اللثة عابس ، وأما إبراهيم فوالله لأنا أشبه الناس به خلقاً » فضجوا وأعظموا ذاك ، فقال المطعم : كل أمرك قبل اليوم كان أمماً غير قولك اليوم ، أنا أشهد أنك كاذب ، نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعداً شهراً ومنحدراً شهراً تزعم أنك أتيته في ليلة! واللات والعزى لا أصدقك . فقال أبو بكر رضي الله عنه - يا مطعم ، بئس ما قلت لابن أخيك جبهته وكذبته ، أنا أشهد أنه صادق ، فقالوا : يا محمد ، صف لنا بيت المقدس ، قال : دخلته ليلاً وخرجت منه ليلاً ، فأتاه جبريل عليه السلام فصوّره في جناحه ، فجعل يقول : باب منه كذا في موضع كذا ، وباب منه كذا في موضع كذا ، وأبو بكر رضي الله عنه يقول : صدقت صدقت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ :(6/204)
« يا أبا بكر إن الله قد سماك الصديق » قالوا يا محمد ، أخبرنا عن عيرنا ، قال : « أتيت على عير بني فلان بالروحاء قد أضلوا ناقة لهم ، فانطلقوا في طلبها فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد وإذا قدح ماء فشربت منه ، ثم انتهيت إلى عير بني فلان فنفرت مني الإبل وبرك منها جمل أحمر عليه جوالق مخطط ببياض لا أدري أكسر البعير أم لا ، ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم يقدمها جمل أورق وها هي ذه تطلع عليكم من الثنية » فقال الوليد بن المغيرة : ساحر ، فانطلقوا فنظروا فوجدوا كما قال ، فرموه بالسحر ، وقالوا : صدق الوليد . فأنزل الله { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاَّ فتنة للناس } [ الإسراء : 60 ] .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير ، عن أم هانئ رضي الله عنها قالت : ما أسري برسول الله إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة ، فصلى العشاء الآخرة ، ثم نام ونمنا ، فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما صلى الصبح وصلينا معه قال صلى الله عليه وسلم : « يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ، ثم صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين » .
وأخرج ابن سعد وابن عساكر ، عن عبد الله بن عمر ، وأم سلمة وعائشة وأم هانئ وابن عباس رضي الله عنهما ، دخل حديث بعضهم في بعض قالوا : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « حملت على دابة بيضاء بين الحمار وبين البغل في فخذها جناحان تحفز بهما رجليها ، فلما دنوت لأركبها شمست ، فوضع جبريل عليه السلام يده على معرفتها ثم قال : ألا تستحيين يا براق مما تصنعي ، والله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم على الله منه ، فاستحيت حتى ارفضت عرقاً ، ثم قرت حتى ركبتها ، فعلت بأذنيها وقبضت الأرض حتى كان منتهى وقع حافرها طرفها ، وكانت طويلة الظهر طويلة الأذنين .
وخرج معي جبريل لا يفوتني ولا أفوته حتى أتى بيت المقدس ، فأتى البراق إلى موقفه الذي كان يقف فربطه فيه ، وكان مربط الأنبياء عليهم السلام ، رأيت الأنبياء جمعوا لي ، فرأيت إبراهيم وموسى وعيسى ، فظننت أنه لا بد أن يكون لهم إمام ، فقدمني جبريل عليه السلام حتى صليت بين أيديهم ، وسألتهم؟ فقالوا : بعثنا بالتوحيد » .(6/205)
وقال بعضهم : فقد النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ، فتفرقت بنو عبد المطلب يطلبونه يلتمسونه ، وخرج العباس رضي الله عنه حتى إذا بلغ ذا طوى ، فجعل يصرخ يا محمد يا محمد ، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك لبيك ، فقال : ابن أخي ، أعييت قومك منذ الليلة ، فأين كنت؟ قال : أتيت من بيت المقدس ، قال : في ليلتك؟! قال : نعم . قال : هل أصابك إلا خير؟ قال : ما أصابني إلا خير . وقالت أم هانئ رضي الله عنها : ما أسري به إلا من بيتنا ، بينا هو نائم عندنا تلك الليلة صلى العشاء ثم نام ، فلما كان قبل الفجر أنبهناه للصبح فقام فصلى الصبح . قال : « يا أم هانئ ، لقد صليت معكم العشاء كما رأيت بهذا الوادي ثم قد جئت بيت المقدس فصليت به ، ثم صليت الغداة معكم » ثم قام ليخرج ، فقلت لا تحدث هذا الناس فيكذبوك ويؤذوك . فقال : والله لأحدثنهم ، فأخبرهم ، فتعجبوا وقالوا لم نسمع بمثل هذا قط . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام : « يا جبريل ، إن قومي لا يصدقوني » قال : يصدقك أبو بكر وهو الصديق . وافتتن ناس كثير وضلوا كانوا قد أسلموا وقمت في الحجر ، فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه ، فقال بعضهم : كم للمسجد من باب؟ - ولم أكن عددت أبوابه - فجعلت أنظر إليها وأعدها باباً باباً وأعلمهم ، وأخبرتهم عن عير لهم في الطريق وعلامات فيها ، فوجدوا ذلك كما أخبرتهم . وأنزل الله { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } قال : كانت رؤيا عين رآها بعينه .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل ، عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بالبراق ليلة أسري به مسرجاً ملجماً ليركبه فاستصعب عليه فقال له جبريل عليه السلام : أبمحمد صلى الله عليه وسلم تفعل هذا؟ فوالله ما ركبك خلق أكرم على الله منه . قال : فأرفضّ عرقاً .
وأخرج ابن مردويه ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول ، قبل الهجرة بسنة .
وأخرج البيهقي في الدلائل ، عن ابن شهاب رضي الله عنه قال : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ، قبل خروجه إلى المدينة بستة عشر شهراً .
وأخرج البيهقي عن عروة مثله .
وأخرج البيهقي ، عن السدي رضي الله عنه قال : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ، قبل مهاجره بستة عشر شهراً .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن مردويه والبيهقي في كتاب حياة الأنبياء ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(6/206)
« مررت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام قائماً يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر » .
وأخرج أبو يعلى وابن مردويه والبيهقي ، عن أنس رضي الله عنه قال : حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، مر على موسى وهو يصلي في قبره . قال : وذكر لي أنه حمل على البراق . قال : فأوثقت الفرس . أو قال : الدابة بالحلقة . فقال أبو بكر رضي الله عنه صفها لي يا رسول الله ، قال : كذه وذه . وكان أبو بكر رضي الله عنه قد رآها .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما أسري بي إلى السماء رأيت موسى يصلي في قبره » .
وأخرج الطبراني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على موسى وهو قائم يصلي في قبره .
وأخرج ابن مردويه ، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما أسري بي مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره » .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « لما أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يمر بالنبي والنبيين معهم الرهط ، والنبيين معهم القوم والنبي والنبيين ليس معهم أحد ، حتى مر بسواد عظيم ، » فقلت : من هؤلاء؟ فقيل موسى وقومه ، ولكن ارفع رأسك وانظر ، فإذا سواد عظيم! قد سد الأفق من ذا الجانب وذا الجانب ، فقيل لي : هؤلاء وسوى هؤلاء من أمتك ، سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب « قال : فدخل ولم يسألوه بأنفسهم ولم يفسر لهم . فقال قائلون : نحن هم . وقال قائلون هم أبناؤنا الذين ولدوا في الإسلام ، فخرج فقال : » هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون « . فقام عكاشة بن محصن فقال : أنا منهم يا رسول الله؟ فقال : » أنت منهم « ، فقام رجل آخر فقال : أنا منهم؟ قال : » سبقك بها عكاشة « » .
وأخرج أحمد والنسائي والبزار والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل بسند صحيح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة ، فقلت : يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال : ماشطة بنت فرعون وأولادها كانت تمشطها ، فسقط المشط من يدها ، فقالت بسم الله ، فقالت ابنة فرعون ، أبي؟ قالت : بل ربي وربك ورب أبيك . قالت : أولك رب غير أبي؟ قالت : نعم . قالت : فأخبر بذلك أبي؟ قالت : نعم فأخبرته فدعاها فقال : ألك رب غيري؟ قالت : نعم ، ربي وربك الله الذي في السماء . فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ، ثم أمر بها لتلقي فيها وأولادها . قالت : إن لي إليك حاجة ، قال : وما هي؟ قالت : تجمع عظامي وعظام ولدي ، فتدفنه جميعاً . قال : ذلك لك لما لك علينا من الحق ، فألقوا واحداً واحداً حتى بلغ رضيعاً فيهم قال : أسرعي يا أمه ولا تقاعسي فإنك على الحق ، فألقيت هي وولدها . »(6/207)
قال ابن عباس رضي الله عنه وتكلم أربعة وهم صغار : هذا ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم .
وأخرج ابن ماجه وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن أبي بن كعب رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ليلة أسري بي وجدت ريحاً طيبة ، فقلت : يا جبريل ، ما هذه؟ قال : هذه الماشطة وزوجها وابنها ، بينما هي تمشط ابنة فرعون إذ سقط المشط من يدها ، فقال : تعس فرعون ، فأخبرت أباها ، وكان للمرأة ابنان وزوج ، فأرسل إليهم ، فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما ، فأبيا ، فقال : إني قاتلكما : فقالا إحسان منك إلينا ، إن قتلتنا أن تجعلنا في بيت ، ففعل ، » فلما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجد ريحاً طيبة ، فسأل جبريل عليه السلام؟ فأخبره .
وأخرج أحمد وأبو داود ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون في وجوههم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم » .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ليلة أسري بي مررت بناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت عادت كما كانت ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ ، قال : هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون » .
وأخرج ابن مردويه ، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليلة أسري بي رأيت رجلاً يسبح في نهر يلقم الحجارة فسألت من هذا؟ فقيل لي : هذا آكل الربا » .
وأخرج الترمذي والبزار والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل ، عن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما كان ليلة أسري بي ، أتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس ، فوضع أصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق » .
وأخرج الطبراني وابن مردويه ، عن صهيب بن سنان رضي الله عنه قال : لما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به الماء ، ثم الخمر ، ثم اللبن ، أخذ اللبن . فقال له جبريل عليه السلام : أصبت الفطرة ، وبه غذيت كل دابة ، ولو أخذت الخمر غويت وغوت أمتك وكنت من أهل هذه ، وأشار إلى الوادي الذي يقال له وادي جهنم ، فنظر إليه فإذا هو نار تلتهب .(6/208)
وأخرج أحمد وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إني ليلة أسري بي ، وضعت قدمي حيث توضع أقدام الأنبياء عليهم السلام من بيت المقدس ، وعرض عليّ عيسى عليه السلام ، فإذا أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود ، وعرض عليّ موسى عليه السلام ، فإذا رجل جعد ضرب من الرجال ، وعرض عليّ إبراهيم عليه السلام ، فإذا أقرب الناس به شبهاً صاحبكم » .
وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « حين أسري بي لقيت موسى عليه السلام ، فنعته فإذا هو رجل مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوأة ، ولقيت عيسى عليه الصلاة والسلام فنعته ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس ، ورأيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنا أشبه ولده به ، وأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر ، قيل لي خذ أيهما شئت ، فأخذت اللبن فشربت ، قيل لي هديت للفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك » .
وأخرج مسلم والنسائي وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي ، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها ، فكربت كرباً ما كربت مثله قط ، فرفعه الله لي أنظر إليه ، ما سألوني عن شيء ، إلا أنبأتهم به ، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، وإذا موسى عليه السلام قائم وإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوأة ، وإذا عيسى عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي ، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم ، - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم ، فلما فرغت قال قائل : يا محمد ، هذا مالك خازن النار ، فالتفت إليه فبدأني بالسلام » .
وأخرج ابن مردويه ، عن عمر رضي الله عنه قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم رأى مالكاً خازن النار ، فإذا رجل عابس يعرف الغضب في وجهه .
وأخرج أحمد ، عن عبيد بن آدم ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية ، فذكر فتح بيت المقدس ، فقال لكعب رضي الله عنه : أين ترى أن أصلي؟ قال : خلف الصخرة . قال : لا . ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتقدم إلى القبلة فصلى .
وأخرج أحمد وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والضياء في المختارة بسند صحيح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ليلة أسري بالنبي دخل الجنة فسمع في جانبها وجساً ، فقال : يا جبريل ما هذا؟ فقال : هذا بلال المؤذن .(6/209)
فقال النبي حين جاء إلى الناس : « قد أفلح بلال رأيت له كذا وكذا » فلقيه موسى عليه الصلاة والسلام فرحب به وقال مرحباً بالنبي الأمي ، قال : « وهو رجل آدم طويل سبط ، شعره مع أذنيه أو فوقهما ، فقال : من هذا يا جبريل؟ قال : هذا موسى عليه السلام ، فمضى فلقيه رجل فرحب به ، قال : من هذا؟ قال : هذا عيسى عليه السلام ، فمضى فلقيه شيخ جليل مهيب فرحب به وسلم عليه ، وكلهم يسلم عليه ، قال : من هذا يا جبريل؟ ، قال : أبوك إبراهيم عليه السلام . قال : ونظر في النار ، فإذا قوم يأكلون الجيف! قال : من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس . ورأى رجلاً أحمر أزرق جداً ، قال : من هذا يا جبريل؟ قال : هذا عاقر الناقة ، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى ، قام يصلي ، ثم التفت فإذا النبيون أجمعون يصلون معه ، فلما انصرف جيء بقدحين أحدهما عن اليمين ، والآخر عن الشمال ، في أحدهما لبن ، وفي الآخرة عسل ، فأخذ اللبن فشرب منه ، فقال الذي كان معه القدح : أصبت الفطرة » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن مردويه وابو نعيم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ، ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره ، وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم ، فقال ناس : نحن لا نصدق محمداً بما يقول : فارتدوا كفاراً! فضرب الله رقابهم مع أبي جهل . وقال أبو جهل : يخوفنا محمد بشجرة الزقوم ، هاتوا تمراً وزبداً فتزقموا به . ورأى الدجال في صورته ، رؤيا عين ليس برؤيا منام . وعيسى وموسى وإبراهيم عليهم السلام ، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال؟ فقال : « رأيته قيلمانياً أقمرهجان ، إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دري ، كأن شعره أغصان شجرة . ورأيت عيسى عليه السلام شاباً أبيض جعد الرأس حديد البصر مبطن الخلق ، ورأيت موسى أسحم آدم كثير الشعر شديد الخلق ، ونظرت إلى إبراهيم عليه السلام فلا أنظر إلى أرب منه إلا نظرت إليه مني حتى كأنه صاحبكم ، قال جبريل سلم على أبيك فسلمت عليه » .
وأخرج البخاري ومسلم والطبراني وابن مردويه من طريق قتادة ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران عليه السلام رجلاً طوالاً جعداً كأنه من رجال شنوأة ، ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ، ورأيت مالكاً خازن جهنم ، والدجال في آيات أراهن الله » قال : { فلا تكن في مرية من لقائه } [ السجدة : 23 ] فكان قتادة رضي الله عنه يفسرها أن النبي صلى الله عليه وسام قد لقي موسى عليه السلام .(6/210)
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن أبي شيبة وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لقيت ليلة أسري بي ، إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، فتذاكروا أمر الساعة ، فردوا أمرهم إلى إبراهيم ، فقال لا علم لي بها ، فردوا أمرهم إلى موسى ، فقال : لا علم لي بها ، فردوا أمرهم إلى عيسى ، فقال : أما وجبتها ، فلا يعلم بها أحد إلا الله تعالى . وفيما عهد إلي ربي ، أن الدجال خارج ، ومعي قضيبان ، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص ، فيهلكه الله إذا رآني ، حتى أن الحجر والشجر يقول : يا مسلم ، إن تحتي كافراً ، فتعال فاقتله ، فيهلكهم الله ، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم ، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، فيطأون بلادهم ، لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ، لا يمرون على ماء إلا شربوه ، ثم يرجع الناس إلي ، فيشكونهم فأدعو الله تعالى عليهم ، فيهلكهم ويميتهم ، حتى تجيف الأرض من نتن ريحهم ، فينزل الله المطر ، فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر . ففيما عهد إليَّ ربي إن كان كذلك ، أن الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادتها ليلاً أو نهاراً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن حذيفة رضي الله عنه أنه حدث ، عن ليلة أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال : ما زايل البراق حتى فتحت له أبواب السماوات ، فرأى الجنة والنار ، ووعد الآخرة أجمع ، ثم عاد ولفظ ابن مردويه ، فأري ما في السماوات وأري ما في الأرض قيل له أي دابة البراق؟ قال : دابة طويل أبيض خطوه مد البصر .
وأخرج أبو يعلى والطبراني في الأوسط وابن عساكر ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليلة عرج بي إلى السماء ، ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوباً ، محمد رسول الله ، وأبو بكر الصديق خلفي » .
وأخرج البزار عن ابن عمر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما عرج بي إلى السماء ، ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوباً ، محمد رسول الله » .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند صحيح ، عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مررت ليلة أسري بي على الملأ الأعلى ، فإذا جبريل كالحلس البالي من خشية الله » ، وفي لفظ لابن مردويه ، « مررت على جبريل في السماء الرابعة ، فإذا هو كأنه حلس بال من خشية الله » .(6/211)
وأخرج سعيد بن منصور والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة ، عن عبد الرحمن بن قرط رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ليلة أسري بي إلى المسجد الأقصى ، كان بين المقام وزمزم ، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فطارا به حتى بلغ السماوات العلى ، فلما رجع قال : سمعت تسبيحاً في السموات العلى مع تسبيح كثير سبحت السماوات العلى من ذي المهابة مشفقات من ذي العلوّ بما علا ، سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى » .
وأخرج ابن عساكر ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما أسرى بي جبريل ، سمعت تسبيحاً في السماوات العلى ، فرجف فؤادي فقال لي جبريل عليه السلام : تقدم يا محمد ولا تخف ، فإن اسمك مكتوب على العرش ، لا إله إلا الله محمد رسول الله » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ليلة أسري بي لما نتهينا إلى السماء السابعة ، نظرت فوق فإذا رعد وبرق وصواعق ، وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات والعقارب ترى من خارج بطونهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء أكلة الربا ، فلما نزلت إلى السماء الدنيا نظرت إلى أسفل مني ، فإذا أنا برهج ودخان وأصوات ، فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال : هذه الشياطين يحومون على أعين بني آدم ، لا يتفكرون في ملكوت السماوات والأرض ، ولولا ذلك لرأوا العجائب » .
وأخرج ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما أسري بي ، مررت بالكوثر ، فقال جبريل عليه السلام : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، فضربت بيدي على تربته ، فإذا مسك أذفر » .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لما عرج بي إلى السماء ، رأيت نهراً يطرد عجاجاً مثل السهم ، أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، حافتاه قباب من در مجوف ، فضربت بيدي إلى جانبه ، فإذا مسكة ذفراء ، فضربت بيدي إلى رضراضها ، فإذا در . قلت : يا جبريل ، ما هذا النهر؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك » .
وأخرج ابن مردويه ، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « رأيت إبراهيم ليلة أسري بي وهو أشبه من رأيت بصاحبكم » .
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن حبان وابن رمدويه ، عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :(6/212)
« عرج بي إلى السماء فرأيت إبراهيم خليل الرحمن ، فقال إبراهيم : يا جبريل ، من هذا الذي معك؟ فقال جبريل : هذا محمد ، فرحب بي وقال : مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة ، فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة . فقال له النبي : - صلى الله عليه وسلم - وما غراس الجنة؟ قال : لا حول ولا قوة إلا بالله » .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أتيت ليلة أسري بي على إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فقال : يا محمد ، أخبر أمتك أن الجنة قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » .
وأخرج الترمذي وحسنه والطبراني وابن مردويه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لقيت إبراهيم ليلة أسري بي ، فقال : يا محمد ، أقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله » .
وأخرج ابن مردويه ، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما أسري بي رأيت الجنة من درة بيضاء ، فقلت يا جبريل ، إنهم يسألوني عن الجنة؟ قال : أخبرهم أن أرضها قيعان وترابها المسك » .
وأخرج ابن ماجة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « رأيت ليلة أسري بي مكتوباً على باب الجنة ، الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر ، فقلت : يا جبريل ، ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال : لأن السائل يسأل وعنده ، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة » .
وأخرج الطبراني ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما أسري بي إلى السماء ، أدخلت الجنة ، فوقعت على شجرة من أشجار الجنة ، لم أر في الجنة أحسن منها ولا أبيض ورقاً ولا أطيب ثمرة ، فتناولت ثمرة من ثمراتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي ، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة رضي الله عنها ، فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة » .
وأخرج الحاكم وضعفه ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : « أتاني جبريل عليه السلام بسفرجلة ، فأكلتها ليلة أسري بي ، فعلقت خديجة بفاطمة ، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة » .
وأخرج البزار وأبو قاسم البغوي وابن قانع كلاهما في معجم الصحابة وابن عدي وابن عساكر ، عن عبد الله بن أسعد بن زرارة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(6/213)
« ليلة أسري بي انتهيت إلى قصر من لؤلؤة » ولفظ البغوي « أسري بي في قفص من لؤلؤة ، فراشه ذهب يتلألأ نوراً وأعطيت ثلاثاً : إنك سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين » .
وأخرج ابن قانع والطبراني وابن مردويه ، عن أبي الحمراء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما أسري بي إلى السماء السابعة ، فإذا على ساق العرش الأيمن ، لا إله إلا الله محمد رسول الله » .
وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : « لما عرج بي رأيت على ساق العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي » .
وأخرج ابن عساكر ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليلة أسري بي ، رأيت على العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان ذو النورين » .
وأخرج الدارقطني في الأفراد والخطيب وابن عساكر ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « رأيت ليلة أسري بي في العرش فريدة خضراء فيها مكتوب بنور أبيض ، لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أبو بكر الصديق عمر الفاروق » .
وأخرج البزار ، عن علي رضي الله عنه قال : لما أراد الله تعالى أن يعلم رسوله الأذان ، أتاه جبريل عليه السلام بدابة يقال لها البراق ، فذهب يركبها فاستصعبت ، فقال لها جبريل عليه السلام - أسكني ، فوالله ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد - صلى الله عليه وسلم - فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الذي يلي الرحمن ، فبينما هو كذلك ، إذ خرج عليه ملك من الحجاب ، فقال الملك : الله أكبر الله أكبر ، فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر ، ثم قال الملك : أشهد أن لا إله إلا الله ، فقيل له من وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا الله لا إله إلا أنا . فقال الملك : أشهد أن محمداً رسول الله ، فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا أرسلت محمداً ، فقال الملك : حيّ على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة . ثم قال : الله أكبر الله أكبر ، فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا أكبر أنا أكبر ، ثم قال : لا إله إلا الله ، فقيل من وراء الحجاب صدق عبدي ، لا إله إلا أنا ، ثم أخذ الملك بيد محمد صلى الله عليه وسلم فقدمه ، فأم أهل السموات فيهم آدم ونوح ، فيومئذ أكمل الله لمحمد الشرف على أهل السموات والأرض .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل ، عن محمد بن الحنفية رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء ، فانتهى إلى مكان من السماء وقف فيه ، وبعث الله ملكاً فقام من السماء مقاماً ما قامه قبل ذلك ، فقيل له : علمه الأذان ، فقال الملك : الله أكبر الله أكبر فقال الله : صدق عبدي أنا الله الأكبر ، فقال الملك : أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال الله : صدق عبدي أنا الله لا إله إلا أنا فقال الملك : أشهد أن محمداً رسول الله ، فقال الله : صدق عبدي أنا أرسلته وأنا اخترته وأنا ائتمنته ، فقال : حي على الصلاة ، فقال الله : صدق عبدي ودعا إلي فريضتي وحقي ، فمن أتاها محتسباً كانت كفارة لكل ذنب ، فقال الملك : حي على الفلاح ، فقال الله : صدق عبدي أنا أقمت فرائضها وعدتها ومواقيتها ، ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : تقدم ، فتقدم ، فائتم به أهل السموات ، فتم له شرفه على سائر الخلائق .(6/214)
وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما أسري بي إلى السماء أذن جبريل ، فظنت الملائكة أنه يصلي بهم ، فقدّمني فصليت بالملائكة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط ، عن ابن عمر رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به إلى السماء ، أوحى إليه بالأذان ، فنزل به فعلمه جبريل .
وأخرج ابن مردويه ، عن علي رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم - علم الأذان ليلة أسري به وفرضت عليه الصلاة .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرضت عليه الصلاة ليلة أسري به .
وأخرج أحمد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : فرض الله على نبيه صلى الله عليه وسلم الصلاة خمسين صلاة ، فسأل ربه فجعلها خمس صلوات .
وأخرج أبو داود والبيهقي ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كانت الصلاة خمسين ، والغسل من الجنابة سبع مرات ، وغسل البول من الثوب سبع مرات ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل؟ حتى جعلت الصلاة خمساً ، وغسل الجنابة مرة ، وغسل البول من الثوب مرة .
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانتهى إلى سدرة المنتهى وإليها ينتهي ما يصعد به ، وفي لفظ : يعرج به من الأرواح حتى يقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها حتى يقبض { إذ يغشى السدرة ما يغشى } [ النجم : 16 ] قال : غشيها فراش من ذهب . وأعطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلوات الخمس ، وخواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لا يشرك بالله شيئاً من أمته المقحمات .
وأخرج الطبراني ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(6/215)
« لما أسري بي انتهيت إلى سدرة المنتهى ، فإذا نبقها أمثال القلال » .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه - وسلم لما انتهى إلى سدرة المنتهى رأى فراشاً من ذهب يلوذ بها .
وأخرج ابن مردويه ، عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت : « سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : يصف سدرة المنتهى ، فقال : » فيها فراش من ذهب ، وثمرها كالقلال ، وأوراقها كآذان الفيلة « قلت : يا رسول ، ما رأيت عندها؟ قال : » رأيته عندها « يعني ربه عز وجل » .
وأخرج ابن ماجة وابن مردويه ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة إلا قالوا لي يا محمد ، مر أمتك بالحجامة » .
وأخرج أحمد و والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي ، إلا قالوا عليك بالحجامة » وفي لفظ مر أمتك بالحجامة .
وأخرج ابن مردويه ، عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما مررت على ملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا أمروني بالحجامة » .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بعثني الله ليلة أسري بي إلى يأجوج ومأجوج أدعوهم إلى دين الله وعبادته ، فأمروا أن يجيبوني وهم في النار مع من يحصى من ولد آدم ، وولد إبليس » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد والطبراني في الأوسط وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، فكان بذي طوى قال : يا جبريل ، إن قومي لا يصدقوني ، قال يصدقك أبو بكر وهو الصديق « .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك ، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه ، وسعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا : هل لك في صاحبك ، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس . قال : أو قال ذلك؟ قالوا : نعم . قال : لئن قال ذلك ، لقد صدق . قالوا : فتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟! قال : نعم . إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة .(6/216)
فلذلك سمي أبا بكر الصديق .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي والبزار والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والضياء في المختارة وابن عساكر بسند صحيح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما كان ليلة أسري بي ، فأصبحت في مكة قطعت وعرفت أن الناس مكذبي ، فقعدت معتزلاً حزيناً ، فمر به عدوّ الله أبو جهل ، فجاء حتى جلس إليه ، فقال له كالمستهزئ ، هل كان من شيء؟ قال : نعم . قال وما هو؟ قال : » إني أسري بي الليلة « قال : إلى أين؟ قال : » إلى بيت المقدس « قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال : نعم . فلم يرد أن يكذبه مخافة أن يجحده الحديث ، إن دعا قومه إليه . قال : أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني؟ قال : نعم . قال : هيا يا معشر بني كعب بن لؤي ، فانقضت إليه المجالس وجاؤوا حتى جلسوا إليهما . قال : حدث قومك بما حدثتني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » إني أسري بي الليلة « قالوا : إلى أين؟ قال : » إلى بيت المقدس « قالوا إيليا؟ قال : نعم . قالوا : ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال : نعم . قال : فمن بين مصفق ، ومن بين واضع يده على رأسه متعجباً! قالوا : وتستطيع أن تنعت المسجد؟ وفي القوم من قد سافر إليه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » فذهبت أنعت فما زلت أنعت حتى التبس عليّ بعض النعت ، فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه ، حتى وضع دون دار عقيل « أو عقال فنعته وأنا أنظر إليه ، فقام القوم أما النعت فوالله لقد أصاب » .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما كذبتني قريش لما أسري بي إلى بيت المقدس قمت في الحجر ، فجلا الله لي بيت المقدس ، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه » .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل ، عن عروة رضي الله عنه قال : قالت قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أخبرهم بمسراه إلى بيت المقدس ، أخبرنا ماذا ضل عنا وائتنا بآية ما تقول : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ضلت منكم ناقة ورقاء عليها بر لكم » فلما قدمت عليهم قالوا انعت لنا ما كان عليها ، ونشر له جبريل عليه السلام ما عليها كله ينظر إليه ، فأخبرهم بما كان عليها وهم قيام ينظرون ، فزادهم ذلك شكاً وتكذيباً .
وأخرج البيهقي في الدلائل ، عن السدي رضي الله عنه قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر قومه بالرفقة والعلامة في العير قالوا : فمتى تجيء؟ قال : يوم الأربعاء ، فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون ، وقد ولى النهار ولم تجئ ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ، فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس ، فلم ترد الشمس على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى يوشع بن نون عليه السلام حين قاتل الجبارين .(6/217)
واخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير ، عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال : لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أتى بدابة دون البغل وفوق الحمار يضع حافره عند منتهى طرفه ، يقال له البراق . ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعير للمشركين ، فنفرت فقالوا : يا هؤلاء ما هذا؟ فقالوا ما نرى شيئاً؛ ما هذه الرائحة إلا ريح ، حتى أتى بيت المقدس ، فأتى بإناءين : في أحدهما خمر ، وفي الآخر لبن فأخذ اللبن فقال جبريل عليه السلام : « هديت وهديت أمتك » .
وأخرج ابن سعد وابن عساكر ، عن الواقدي ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة وغيره من رجاله قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يريه الجنة والنار فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم في بيته ظهراً أتاه جبريل وميكائيل ، فقالا : انطلق إلى ما سألت الله ، فانطلقا به إلى السموات ما بين المقام وزمزم ، فأتي بالمعراج ، فإذا هو أحسن شيء منظراً ، فعرج به إلى السموات سماءً سماءً فلقي فيها الأنبياء وانتهى إلى سدرة المنتهى ، ورأى الجنة والنار . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ولما انتهيت إلى السماء السابعة لم أسمع إلا صريف الأقلام » وفرضت عليه الصلوات الخمس ونزل جبريل عليه السلام ، فصلى برسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات في مواقيتها .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسري به ، ريحه ريح عروس وأطيب من ريح عروس .
وأخرج ابن مردويه ، عن جبير قال : سمعت سفيان الثوري رضي الله عنه سئل ، عن ليلة أسري به ، فقال : أسري ببدنه .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل ، عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي رضي الله عنه إلى قيصر وكتب إليه معه ، فلقيه بحمص ودعا الترجمان ، فإذا في الكتاب من محمد رسول الله ، إلى قيصر صاحب الروم ، فغضب أخ له وقال : تنظر في كتاب رجل بدأ بنفسه قبلك ، وسماك قيصر صاحب الروم ولم يذكر أنك ملك؟! قال له قيصر : إنك والله ما علمت أحمق صغيراً ، مجنوناً كبيراً : تريد أن تحرق كتاب رجل قبل أن أنظر فيه؟ فلعمري لئن كان رسول الله كما يقول : فنفسه أحق أن يبدأ بها مني ، وإن كان سماني صاحب الروم ، فلقد صدق ، ما أنا إلا صاحبهم وما أملكهم ، ولكن الله سخرهم لي ولو شاء لسلطهم علي ، ثم قرأ قيصر الكتاب ، فقال : يا معشر الروم ، إني لأظن هذا الذي بشر به عيسى ابن مريم ، ولو أعلم أنه هو مشيت إليه حتى أخدمه بنفسي ، لا يسقط وضوءه إلا على يدي ، قالوا : ما كان الله ليجعل ذلك في الإِعراب الأميين ويدعنا ، ونحن أهل الكتاب قال : فأصل الهدى بيني وبينكم الإِنجيل ، ندعو به فنفتحه ، فإن كان هو إياه اتبعناه ، وإلا أعدنا عليه خواتمه كما كانت إنما هي خواتيم مكان خواتم قال : وعلى الإِنجيل يومئذ اثنا عشر خاتماً من ذهب ختم عليه هرقل ، فكان كل ملك يليه بعده ظاهر عليه بخاتم آخر ، حتى ألقى ملك قيصر وعليه إثنا عشر خاتماً ، يخبر أوّلهم لآخرهم أنه لا يحل لهم أن يفتحوا الإنجيل في دينهم ، وإنهم يوم يفتحونه يغير دينهم ويهلك ملكهم ، فدعا بالإنجيل ففض عنه أحد عشر خاتماً حتى بقي عليه خاتم واحد ، فقامت الشمامسة والأساقفة والبطارقة ، فشقوا ثيابهم وصكوا وجوههم ونتفوا رؤوسهم! قال : ما لكم؟ قالوا : اليوم يهلك ملك بيتك ، وتغير دين قومك .(6/218)
قال : فأصل الهدى عندي . قالوا : لا تعجل حتى نسأل عن هذا ونكاتبه وننظر في أمره؟ قال : فمن نسأل عنه؟ قالوا : قوماً كثيراً بالشام ، فأرسل يبتغي قوماً يسألهم؟ فجمع له أبو سفيان وأصحابه ، فقال : أخبرني يا أبا سفيان عن هذا الرجل الذي بعث فيكم ، فلم يأل أن يصغر أمره ما استطاع ، قال : أيها الملك ، لا يكبر عليك شأنه ، إنا لنقول : هو ساحر ، ونقول : هو شاعر ، ونقول : هو كاهن . قال قيصر : كذلك والذي نفسي بيده كان يقال للأنبياء عليهم السلام قبله . قال : أخبرني عن موضعه فيكم . قال : هو أوسطنا . قال : كذلك بعث الله كل نبي من أوسط قومه . أخبرني عن أصحابه . قال : غلماننا وأحداث أسنانهم والسفهاء ، أما رؤساؤنا فلم يتبعه منهم أحد . قال : أولئك والله أتباع الرسل ، أما الملأ والرؤوس فأخذتهم الحمية . قال : أخبرني عن أصحابه هل يفارقونه بعدما يدخلون في دينه؟ قال : ما يفارقه منهم أحد . قال : فلا يزال داخل منكم في دينه؟ قال : نعم . قال : ما تزيدونني عليه إلا بصيرة ، والذي نفسي بيده ليوشكن أن يغلب على ما تحت قدمي . يا معشر الروم ، هلموا إلى أن نجيب هذا الرجل إلى ما دعا إليه ونسأله الشام أن لا يطأ علينا أبداً . فإنه لم يكتب قط نبي من الأنبياء إلى ملك من الملوك يدعوه إلى الله فيجيبه إلى ما دعاه ، ثم يسأله مسألة إلا أعطاه مسألته ما كانت ، فأطيعوني .(6/219)
قالوا : لا نطاوعك في هذا أبداً . قال أبو سفيان : والله ما يمنعني من أن أقول عليه قولاً أسقطه من عينه إلا أني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها علي ، ولا يصدقني حتى ذكرت قوله ليلة أسري به . قلت : أيها الملك ، أنا أخبرك عنه خبراً تعرف أنه قد كذب . قال : وما هو؟ قلت : إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا مسجد إيليا ، ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح قال : وبطريق إيليا عند رأس قيصر . قال البطريق : قد علمت تلك الليلة . فنظر إليه قيصر فقال ما علمك بهذا؟ قال : إني كنت لا أبيت ليلة حتى أغلق أبواب المسجد ، فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني ، فاستعنت عليه عمالي ومن يحضرني كلهم ، فعالجته فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول به جبلاً ، فدعوت الناجرة ، فنظروا إليه ، فقالوا هذا باب سقط عليه التجاق والبنيان ، فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من اين أتى ، فرجعت وتركته مفتوحاً فلما أصبحت غدوت ، فإذا الحجر الذي من زاوية الباب مثقوب ، وإذا فيه أثر مربط الدابة ، فقلت لأصحابي ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي ، فقد صلى الليلة في مسجدنا ، فقال قيصر : يا معشر الروم ، أليس تعلمون أن بين عيسى وبين الساعة نبي بشركم به عيسى عليه السلام؟ وهذا هو النبي الذي بشر به عيسى ، فأجيبوه إلى ما دعا إليه ، فلما رأى نفورهم قال : يا معشر الروم ، دعاكم ملككم يختبركم كيف صلابتكم في دينكم ، فشتمتموه وسببتموه وهو بين أظهركم فخروا له سجداً .
وأخرج الواسطي في فضائل بيت المقدس ، عن كعب رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، وقف البراق في الموقف الذي كان يقف فيه الأنبياء ، ثم دخل من باب النبي ، وجبريل عليه السلام أمامه ، فأضاء له ضوء كما تضيء الشمس ، ثم تقدم جبريل عليه السلام أمامه ، حتى كان من شامي الصخرة ، فأذن جبريل عليه السلام ، ونزلت الملائكة عليهم السلام من السماء ، وحشر الله لهم المرسلين عليهم السلام ، فأقام الصلاة ثم تقدم جبريل عليه السلام ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالملائكة والمرسلين ، ثم تقدم قدام ذلك إلى موضع ، فوضع له مرقاة من ذهب ومرقاة من فضة وهو المعراج حتى عرج جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء .
وأخرج الواسطي من طريق أبي حذيفة مؤذن بيت المقدس ، عن جدته أنها رأت صفية زوج النبي رضي الله عنها وكعباً رضي الله عنه يقول : لها يا أم المؤمنين ، صلي ههنا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالنبيين عليهم السلام حين أسري به ههنا ، وأومأ أبو حذيفة بيده إلى القبلة القصوى في دبر الصخرة .(6/220)
وأخرج الواسطي ، عن الوليد بن مسلم رضي الله عنه قال : حدثني بعض أشياخنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر على بيت المقدس ليلة أسري به فإذا عن يمين المسجد وعن يساره نوران ساطعان ، فقلت يا جبريل ، ما هذان النوران؟ قال : أما هذا الذي عن يمينك فإنه محراب أخيك داود - عليه السلام - وأما هذا الذي عن يسارك فعلى قبر أختك مريم .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر ، عن الحسن بن الحسين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بينا أنا نائم في الحجر جاءني جبريل فهمزني برجله ، فجلست فلم أر شيئاً ، فعدت لمضجعي ، فجاءني الثانية فهمزني بقدمه ، فجلست فلم أر شيئاً ، فعدت لمضجعي فجاءني فهمزني بقدمه ، فجلست فأخذ بعضدي ، فقمت معه فخرج إلى باب المسجد ، فإذا دابة أبيض بين الحمار والبغل له في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه يضع يده في منتهى طرفه ، فحملني عليه ، ثم خرج لا يفوتني ولا أفوته » .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي ، عن أبي مالك وأبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله : { سبحان الذي أسرى بعبده } الآية . قال : أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، فحمله على البراق ، فسار به إلى بيت المقدس ، فمر بأبي سفيان في بعض الطريق وهو يحتلب ناقة ، فنفرت من حس البراق فأهرقت اللبن ، فسب أبو سفيان من نفرها ، ونَدَّ جمل لهم أورق ، فذهب إلى بعض المياه فطلبوه ، فأخذوه ، ومر بواد فنفخ عليه من ريح المسك ، فسأل جبريل - عليه السلام - ما هذا الريح فقال : هؤلاء أهل بيت من المسلمين ، حرقوا بالنار في الله عز وجل .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « رأيت ليلة أسري بي عمود أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة ، قلت : ما تحملون ، قالوا : عمود الإسلام أمرنا أن نضعه بالشام » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { سبحان الذي أسرى بعبده } قال : أسري به من شعب أبي طالب .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما فقدت جسد رسول الله ولكن الله أسرى بروحه .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير ، عن معاوية بن أبي سفيان : أنه كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كانت رؤيا من الله صادقة .
وأخرج ابن النجار في تاريخه ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أتاني جبريل بالبراق ، فقال له أبو بكر رضي الله عنه : قد رأيتها يا رسول الله؟ قال : صفها لي ، قال : بدنة . قال : صدقت ، قد رأيتها يا أبا بكر » .(6/221)
وأخرج الخطيب ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما أسري بي إلى السماء قربني الله تعالى حتى كان بيني وبينه كقاب قوسين أو أدنى لا بل أدنى ، وعلمني المسميات ، قال : يا محمد ، قلت : لبيك يا رب ، قال : هل غمك أن جعلتك آخر النبيين؟ قلت : يا رب ، لا . قال : فهل غم أمتك أن جعلتهم آخر الأمم؟ قلت : يا رب لا ، قال : أبلغ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أني جعلتهم آخر الأمم ، لأفضح الأمم عندهم ، ولا أفضحهم عند الأمم » .
وأخرج الطبراني ، عن أم هانئ رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به : « إني أريد أن أخرج إلى قريش فأخبرهم » فكذبوه ، وصدقه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فسمي يومئذ الصديق .
وأخرج ابن جرير من طريق ابن شهاب رضي الله عنه قال : أخبرني ابن المسيب وأبو أسامة بن عبد الرحمن ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أسري به على البراق - وهي دابة إبراهيم التي كان يزور عليها البيت الحرام ، يقع حافرها موضع طرفها . قال : فمرت بعير من عيرات قريش - بواد من تلك الأودية ، فنفر بعير عليه غرارتان سوداء وزرقاء ، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيليا ، فأتي بقدحين قدح خمر وقدح لبن ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن . قال له جبريل عليه السلام : هديت إلى الفطرة ، لو أخذت قدح الخمر غوت أمتك .
قال ابن شهاب رضي الله عنه : فأخبرني ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي هناك إبراهيم وموسى وعيسى ، فنعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أما موسى فضرب ، رجل الرأس كأنه من رجال شنوأة ، وأما عيسى فرجل أحمر كأنما خرج من ديماس ، فأشبه من رأيت به عروة بن مسعود الثقفي ، وأما إبراهيم فأنا أشبه ولده به .
فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدث قريشاً أنه أسري به ، فارتد ناس كثير بعدما أسلموا . قال أبو سلمة : فأتى أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فقيل له : هل لك في صاحبك؟ يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس . ثم رجع في ليلة واحدة . قال أبو بكر رضي الله عنه : أو قال ذلك؟ قالوا : نعم . قال : فأشهد إن كان قال ذلك ، لقد صدق . قالوا : أفتشهد أنه جاء الشام في ليلة واحدة؟ قال : إني أصدقه بأبعد من ذلك! أصدقه بخبر السماء .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، عن ابن جريج قال نافع بن جبير رضي الله عنه وغيره : لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسري به فيها ، لم يرعه إلا جبريل عليه السلام يتدلى حين زاغت الشمس ، ولذلك سميت الأولى ، فأمر بلالاً يصيح في الناس الصلاة جامعة فاجتمعوا ، فصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم - وصلى النبي صلى الله عليه وسلم - للناس ، طوّل الركعتين الأوليين ، ثم قصر في الباقيتين ، ثم سلم جبريل - عليه السلام - على النبي صلى الله عليه وسلم ، وسلم النبي صلى الله عليه وسلم على الناس ، ثم في العصر عمل مثل ذلك ، ففعلوا كما فعلوا في الظهر ، ثم نزل في أول الليل ، فصيح الصلاةُ جامعة ، فصلى جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم - وصلى النبي صلى الله عليه وسلم - للناس طوّل في الأولتين وقصر في الثالثة ، ثم سلم جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم على الناس ، ثم لما ذهب ثلث الليل نزل فصيح الصلاة جامعة ، فاجتمعوا فصلى جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم للناس ، فقرأ في الأولتين فطوّل وجَهَرَ وقصر في الباقيتين ، ثم سلم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم على الناس ، ثم لما طلع الفجر صيح الصلاة جامعة ، فصلى جبريل عليه السلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - وصلى النبي صلى الله عليه وسلم للناس ، فقرأ فيهما وجهر وطول ورفع صوته ، ثم سلم جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم - وسلم النبي صلى الله عليه وسلم على الناس .(6/222)
وأخرج أبو بكر الواسطي في كتاب بيت المقدس ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : كانت الأرض ماء فبعث الله تعالى ريحاً فمسحت الماء مسحاً ، فظهرت على الأرض زبدة ، فقسمها أربع قطع : خلق من قطعة مكة ، والثانية المدينة ، والثالثة بيت المقدس ، والرابعة الكوفة . وقال الواسطي رضي الله عنه ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : أن داود عليه السلام أراد أن يعلم عدد بني إسرائيل كم هم ، فبعث نقباء وعرفاء وأمرهم أن يرفعوا إليه ما بلغ عددهم ، فعتب الله عليه لذلك ، وقال : قد علمت أني وعدت إبراهيم أن أبارك فيه وفي ذريته حتى أجعلكم كعدد الذر ، وأجعلهم لا يحصى عددهم ، وأردت أن تعلم عددهم ، إنه لا يحصى عددهم ، فاختاروا إثنين أن أبتليكم بالجوع ثلاث سنين ، أو أسلط عليكم العدو ثلاثة أشهر ، أو الموت ثلاثة أيام ، فأشار بذلك داود عليه السلام على بني إسرائيل ، فقالوا ما لنا بالجوع ثلاث سنين صبر ، ولا بالعدوّ ثلاثة أشهر صبر ، فليس لهم تقية ، فإن كان لا بد ، فالموت بيده لا بيده غيره ، فمات منهم في ساعة ألوف كثيرة ما يدري عددهم ، فلما رأى ذلك داود - عليه السلام - شق عليه ما بلغه من كثرة الموت فسأل الله ودعا ، فقال : يا رب ، أنا آكل الحامض وبنو إسرائيل تدرس؟ أنا طلبت ذلك ، وأمرت به بني إسرائيل ، فما كان من شيء فبي ، وارفع عن بني إسرائيل .(6/223)
فاستجاب له ، ورفع عنهم الموت ، فرأى داود عليه السلام الملائكة - عليهم السلام - سالين سيوفهم يغمدونها ، يرفعون في سلم من ذهب من الصخرة ، فقال داود : هذا مكان ينبغي أن يبنى فيه لله مسجد أو تكرمة ، وأراد أن يأخذ في بنيانه ، فأوحى الله إليه : هذا بيت المقدس ، وإنك بسطت يدك في الدماء فلست ببانيه ، ولكن ابن لك بعدك اسمه سليمان ، أسلمه من الدماء . فلما ملك سليمان عليه الصلاة والسلام بناه وشرفه ، فلما أراد سليمان عليه السلام أن يبنيه قال للشياطين : إن الله عز وجل أمرني أن أبني بيتاً له لا يقطع فيه حجر بحديدة . فقالت الشياطين : لا يقدر على هذا إلا شيطان في البحر له مشربة يردها ، فانطلقوا إلى مشربته فأخرجوا ماءها ، وجعلوا مكانه خمراً فجاء يشرب ، فوجد ريحاً ، فقال شيئاً ولم يشرب ، فلما اشتد ظمؤه جاء فشرب فأخذ ، فبينما هم في الطريق إذا هم برجل يبيع الثوم بالبصل فضحك ، ثم مر بامرأة تكهن لقوم فضحك ، فلما انتهى إلى سليمان أخبر بضحكه ، فسأله؟ فقال : مررت برجل يبيع الدواء بالداء ، ومررت بامرأة تكهن وتحتها كنز لا تعلم به . فذكر له شأن البناء ، فأمر أن يؤتى بقدر من نحاس لا تقلها البقر . فجعلوها على فروخ النسر ، ففعلوا ذلك ، فأقبل إليه ، فلم يصل إلى فروخه ، فعلا في جوّ السماء ثم تدلى فأقبل بعود في منقاره فوضعه على القدر فانفلقت ، فعمدوا إلى ذلك العود فأخذوه فعملوا به الحجارة .
وأخرج ابن سعد ، عن سالم أبي النضر رضي الله عنه قال : لما كثر المسلمون في عهد عمر رضي الله عنه ضاق بهم المسجد ، فاشترى عمر رضي الله عنه ما حول المسجد من الدور ، إلا دار العباس بن عبد المطلب وحجر أمهات المؤمنين ، فقال عمر رضي الله عنه للعباس : يا أبا الفضل إن مسجد المسلمين قد ضاق بهم ، وقد ابتعت ما حوله من المنازل؛ نوسع به على المسلمين في مسجدهم إلا دارك وحجر أمهات المؤمنين . قال عمر : فأما حجر أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها ، وأما دارك فبعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين ، أوسع بها في مسجدهم . فقال العباس - رضي الله عنه - ما كنت لأفعل . فقال عمر رضي الله عنه : اختر مني أحدى ثلاث : إما أن تبيعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين ، وإما أن أحطك حيث شئت من المدينة وأبنيها لك من بيت مال المسلمين ، وإما أن تصدق بها على المسلمين فيوسع بها في مسجدهم .(6/224)
فقال : لا ولا واحدة منها . فقال عمر رضي الله عنه : اجعل بيني وبينك من شئت . فقال أبي بن كعب رضي الله عنه فانطلقا إلى أبي فقصا عليه القصة فقال أبي - رضي الله عنه - إن شئتما حدثتكما بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالا : حدثنا . فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الله أوحى إلى داود ، ابن لي بيتاً أُذْكَرُ فيه ، فخط له هذه الخطة - خطة بيت المقدس - فإذا بربعها زاوية بيت من بني إسرائيل ، فسأل داود أن يبيعه إياه فأبى ، فحدث داود نفسه أن يأخذه منه ، فأوحى الله إليه : » أن يا داود أمرتك أن تبني لي بيتاً أذكر فيه ، فأردت أن تدخل في بيتي الغصب ، وليس من شأني الغصب ، وإن عقوبتك أن لا تبنيه « قال : يا رب ، فمن ولدي قال : من ولدك . » قال : فأخذ عمر رضي الله عنه بمجامع ثياب أبي بن كعب رضي الله عنه وقال : جئتك بشيء ، فجئت بما هو أشد منه ، لتخرجنّ مما قلت ، فجاء يقوده حتى أدخله المسجد ، فأوقفه على حلقة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيهم أبو ذر رضي الله عنه . فقال أبي رضي الله عنه إني نشدت الله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يذكر حديث بيت المقدس ، حيث أمر الله تعالى ، داود أن يبينه إلا ذكره . فقال أبو ذر : أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال آخر : أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأرسل أبياً . فأقبل أبي على عمر رضي الله عنه فقال : يا عمر ، أتتهمني على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر : يا أبا المنذر ، لا والله ما اتهمتك عليه ، ولكني كرهت أن يكون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهراً . قال : وقال عمر رضي الله عنه للعباس رضي الله عنه : اذهب فلا أعرض لك في ذلك . فقال العباس رضي الله عنه : أما إذ فعلت هذا ، فإني تصدقت بها على المسلمين أوسع بها عليهم في مسجدهم ، فأما وأنت تخاصمني فلا . فخط له عمر رضي الله عنه داره التي هي له اليوم وبناها من بيت مال المسلمين .
وأخرج ابن سعد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت للعباس دار بالمدينة فقال عمر - رضي الله عنه - هبها لي أو بعنيها حتى أدخلها في المسجد فأبى . قال اجعل بيني وبينك رجلاً من أصحاب رسول الله ، فجعلا أبي بن كعب رضي الله عنه بينهما ، فقضى أبي على عمر .(6/225)
فقال عمر - رضي الله عنه - ما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أجرأ علي من أبي . قال : إذ أنصح لك يا أمير المؤمنين ، أما علمت قصة المرأة؟ أن داود - عليه السلام - لما بنى بيت المقدس ، ادخل فيه بيت امرأة بغير إذنها ، فلما بلغ حجراً لرجال منع بناءه ، فقال : أي رب ، إذ منعتني ففي عقبي من بعدي . فلما كان بعد قال له العباس - رضي الله عنه - أليس قد قضيت لي؟ قال : بلى . قال : فهي لك قد جعلتها لله .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يأخذ دار العباس بن عبد المطلب ليزيد بها في المسجد ، فأبى العباس رضي الله عنه أن يعطيها إياه . فقال عمر - رضي الله عنه - لآخذنها . قال : فاجعل بيني وبينك أبي بن كعب . قال : نعم ، فأتيا أبياً فذكرا له ، فقال أبي - رضي الله عنه - أوحى الله إلى سليمان بن داود - عليه السلام - أن يبني بيت المقدس ، وكانت أرض لرجل فاشترى منه الأرض ، فلما أعطاه الثمن ، قال : الذي أعطيتني خير أم الذي أخذت مني؟ قال : بل الذي أخذت منك . قال : فإني لا أجيز ، ثم اشتراها منه بشيء أكثر من ذلك ، فصنع الرجل مثل ذلك مرتين أو ثلاثاً ، فاشترط عليه سليمان عليه السلام أني أبتاعها منك على حكمك ، ولا تسألني أيهما خير . قال : نعم . فاشتراها منه بحكمة ، فاحتكم إثني عشر ألف قنطار ذهباً ، فتعاظم ذلك سليمان أن يعطيه ، فأوحى الله إليه « إن كنت تعطيه من شيء هو لك فأنت أعلم ، وإن كنت تعطيه من رزقنا ، فأعطه حتى يرضى » قال : ففعل . قال : وإني أرى أن عباساً رضي الله عنه أحق بداره حتى يرضى . قال العباس رضي الله عنه - فإذ قضيت ، فإني أجعلها صدقة على المسلمين .
وأخرج عبد الرزاق ، عن زيد بن أسلم قال : كان للعباس بن عبد المطلب دار إلى جنب مسجد المدينة ، فقال له عمر رضي الله عنه بعنيها . وأراد عمر أن يدخلها في المسجد ، فأبى العباس أن يبيعها إياه . فقال عمر رضي الله عنه : فهبها لي ، فأبى . فقال عمر : فوسعها أنت في المسجد . فأبى ، فقال عمر : لا بد لك من إحداهن ، فأبى عليه . قال : فخذ بيني وبينك رجلاً . فأخذا أبي بن كعب ، فاختصما إليه ، فقال أبي لعمر : ما أرى أن تخرجه من داره حتى ترضيه : فقال له عمر : أرأيت قضاءك هذا في كتاب الله ، أم سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال أبي : بل سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .(6/226)
فقال عمر : وما ذاك؟ قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس جعل كلما بنى حائطاً أصبح منهدماً ، فأوحى الله إليه » أن لا تبن في حق رجل حتى ترضيه « » فتركه عمر رضي الله عنه فوسعها العباس رضي الله عنه بعد ذلك في المسجد .
وأخرج الواسطي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : لما أمر الله تعالى داود أن يبني بيت المقدس قال : يا رب وأين أبنيه؟ قال : « حيث ترى الملك شاهراً سيفه » قال : فرآه في ذلك المكان . فأخذ داود عليه السلام فأسس قواعده ورفع حائطه ، فلما ارتفع انهدم . فقال داود عليه السلام : يا رب ، أمرتني أن أبني لك بيتاً ، فلما ارتفع هدمته! فقال : « يا داود إنما جعلت خليفتي في خلقي ، لم أخذته من صاحبه بغير ثمن؟ إنه يبنيه رجل من ولدك » فلما كان سليمان عليه السلام ساوم صاحب الأرض بها . فقال له : هي بقنطار ، فقال له سليمان عليه السلام : قد استوجبتها ، فقال له صاحب الأرض : هي خير أم ذاك؟ قال : لا ، بل هي خير ، قال : فإنه قد بدا لي . قال : أو ليس قد أوجبتها . قال : لا ، ولكن البيعان بالخيار ما لم يتفرقا . قال ابن المبارك - رضي الله عنه - هذا أصل الخيار . قال : فلم يزل يزايده ويقول له مثل قوله الأول حتى استوجبتها منه بتسعة قناطير ، فبناه سليمان عليه السلام حتى فرغ منه ، وتغلقت أبوابه فعالجها سليمان عليه السلام أن يفتحها فلم تنفتح حتى قال في دعائه : بصلوات أبي داود إلا تفتحت الأبواب ، فتفتحت الأبواب . قال : ففرغ له سليمان - عليه السلام - عشرة آلاف من قراء بني إسرائيل ، خمسة آلاف بالليل ، وخمسة آلاف بالنهار ، ولا تأتي ساعة من ليل ولا نهار ، إلا والله عز وجل يعبد فيه .
وأخرج الواسطي ، عن الشيباني قال : أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود - عليه السلام - إنك لم تتم بناء بيت المقدس . قال أي رب ، ولم؟ قال : لأنك غمرت يدك في الدم . قال : أي رب ، ولم يكن ذلك في طاعتك؟ قال : بلى وإن كان .
وأخرج ابن حبان في الضعفاء ، والطبراني وابن مردويه والواسطي ، عن رافع بن عمير رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « » قال الله لداود عليه السلام : ابن لي بيتاً في الأرض « فبنى داود عليه السلام بيتاً لنفسه قبل البيت الذي أمر به . فأوحى الله إليه : » يا داود قضيت بيتك قبل بيتي « قال : يا رب ، هكذا قلت : من ملك استأثر ، ثم أخذ في بناء المسجد ، فلما تم السور سقط ثلث ، فشكا ذلك إلى الله . فأوحى الله إليه : » إنك لا تصلح أن تبني لي بيتاً « قال : ولم يا رب؟ قال : لما جرى على يديك من الدماء! قال : يا رب أو لم يكن ذلك في هواك ومحبتك؟ قال : » بلى ولكنهم عبادي وأنا أرحمهم « فشق ذلك عليه ، فأوحى الله إليه » لا تحزن ، فإني سأقضي بناءه على يدي ابنك سليمان « فلما مات داود عليه السلام ، أخذ سليمان في بنائه ، فلما تم قرب القرابين وذبح الذبائح وجمع بني إسرائيل . فأوحى الله تعالى إليه : » قد أرى سرورك ببنيان بيتي ، فاسألني أعطك « قال : أسألك ثلاث خصال : حكماً يصادف حكمك ، وملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي ، ومن أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » - أما الاثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة « » .(6/227)
وأخرج الواسطي عن كعب ، قال : أوحى الله إلى داود عليه السلام : « ابن لي بيت المقدس : فعارضه ببناء له . فأوحى الله إليه » يا داود أمرتك أن تبني بيتاً لي فعارضته ببناء لك ليس لك أن تبنيه « قال : يا رب ، ففي عقبي . قال : في عقبك . فلما ولي سليمان - عليه السلام - أوحى الله إليه » أن ابن بيت المقدس « فبناه فلما كمل خرَّ ساجداً شاكراً لله تعالى . قال : يا رب ، من دخله من خائف فأمنه ، أو من داع فاستجب له ، أو مستغفر فاغفر له ، فأوحى الله إليه » أني قد خصصت لآل داود الدعاء « قال : فذبح أربعة آلاف بقرة ، وسبعة آلاف شاة ، وصنع طعاماً ودعا بني إسرائيل .
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إن سليمان عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل ربه ثلاثاً ، فأعطاه اثنتين ، وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة . سأله حكماً يصادف حكمه فأعطاه إياه ، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فأعطاه إياه ، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد يعني بيت المقدس خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه « قال النبي صلى الله عليه وسلم : » ونحن نرجو أن يكون الله أعطاه ذلك « .
وأخرج ابن أبي شيبة والواسطي ، عن عبد الله بن عمر قال : إن الحرم ، لَحَرَم في السموات السبع بمقداره من الأرض . وإن بيت المقدس لمقدس في السموات السبع بمقداره من الأرض .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وابن ماجه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(6/228)
« لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه ، عن أبي سعيد الخدري : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى » .
وأخرج الواسطي ، عن عطاء الخراساني رضي الله عنه قال : لما فرغ سليمان بن داود عليه السلام من بناء بيت المقدس ، أنبت الله له شجرتين عند باب الرحمة : إحداهما تنبت الذهب ، والأخرى تنبت الفضة . فكان في كل يوم ينتزع من كل واحدة مائتي رطل من ذهب وفضة ، ففرش المسجد بلاطة ذهباً ، وبلاطة فضة ، فلما جاء بختنصر ، خربه واحتمل منه ثمانين عجلة ذهباً وفضة فطرحه برومية .
وأخرج ابن عساكر ، عن يحيى بن عمرو الشيباني قال : لما بنى داود عليه السلام مسجد بيت المقدس ، نهى أن يدخل الرخام بيت المقدس ، لأنه الحجر الملعون ، فخر على الحجارة فلعن .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : تذاكرنا ونحن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أيهما أفضل؟ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ، ولنعم المصلى ، وليوشكن أن يكون للرجل مثل بسط فرشه من الأرض ، حيث يرى منه بيت المقدس ، خير له من الدنيا جميعاً ، أو قال خير من الدنيا وما فيها » .
وأخرج الواسطي ، عن كعب رضي الله عنه قال : أن الله عز وجل ينظر إلى بيت المقدس كل يوم مرتين .
وأخرج الواسطي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال ، وهو ببيت المقدس : يا نافع ، أخرج بنا من هذا البيت ، فإن السيئات تضاعف فيه ، كما تضاعف الحسنات .
وأخرج الواسطي عن مكحول رضي الله عنه : أن ميمونة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيت المقدس ، قال : « نعم المسكن بيت المقدس ، ومن صلى فيه صلاة بألف صلاة فيما سواه » قالت : فمن لم يطق ذلك ، قال فليهد إليه زيتاً .
وأخرج الواسطي ، عن مكحول رضي الله عنه قال : من صلى في بيت المقدس ظهراً وعصراً ومغرباً وعشاءً وصبحاً ، ثم صلى الغداة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
وأخرج الواسطي ، عن كعب رضي الله عنه قال : شكا بيت المقدس إلى الله عز وجل الخراب ، فقيل : هل يتكلم المسجد؟ فقال : إنه ما من مسجد إلا وله عينان يبصر بهما ، ولسان يتكلم به ، وإنه ليلتوي من البزاق والنجاسة كما تلتوي الدابة من ضرب السوط .(6/229)
وأخرج الواسطي ، عن كعب في بيت المقدس : اليوم فيه كألف يوم ، والشهر فيه كألف شهر ، والسنة فيه كألف سنة ، ومن مات فيه فكأنما مات في السماء الدنيا .
وأخرج الواسطي ، عن الشيباني رضي الله عنه قال : ليس يعد من الخلفاء إلا من ملك المسجدين المسجد الحرام ومسجد بيت المقدس .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { الذي باركنا حوله } قال : أنبتنا حوله الشجر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل } قال جعله الله هدى ، يخرجهم من الظلمات إلى النور ، وجعله رحمة لهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { أن لا يتخذوا من دوني وكيلاً } قال : شريكاً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ذرية من حملنا مع نوح } قال : هو على النداء ، يا ذرية من حملنا مع نوح .
وأخرج ابن مردويه ، عن عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ذرية من حملنا مع نوح » ما كان مع نوح إلا أربعة أولاد : حام وسام ويافث وكوش ، فذاك أربعة أولاد انتسلوا هذا الخلق « .
وأخرج ابن مردويه ، عن أبي فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » كان نوح عليه السلام لا يحمل شيئاً صغيراً ولا كبيراً إلا قال : بسم الله والحمد لله ، فسماه الله عبداً شكوراً « .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن سلمان رضي الله عنه قال : كان نوح عليه السلام إذا لبس ثوباً أو طعم طعاماً قال : الحمد لله فسمي عبداً شكوراً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني ، عن سعيد بن مسعود الثقفي الصحابي رضي الله عنه قال : إنما سمي نوح عليه السلام عبداً شكوراً ، لأنه كان إذا أكل أو شرب أو لبس ثوباً أحمد الله .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » إن نوحاً لم يقم عن خلاء قط إلا قال : الحمد لله الذي أذاقني لذته ، وأبقى فيّ منفعته ، وأخرج عني أذاه « .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، عن العوّام قال : حدثت أن نوحاً عليه السلام كان يقول : الحمد لله الذي أذاقني لذته ، وأبقى في منفعته ، وأذهب عني أذاه .
واخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان ، عن أصبغ بن زيد : أن نوحاً عليه السلام كان إذا خرج من الكنيف قال ذلك ، فسمي { عبداً شكوراً } .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن إبراهيم التيمي رضي الله عنه : أن نوحاً عليه السلام إذا خرج من الغائط قال : الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني .(6/230)
وأخرج عبد الله بن حمد في زوائد الزهد ، عن إبراهيم رضي الله عنه قال : شكره أن يسمي إذا أكل ، ويحمد الله إذا فرغ .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { إنه كان عبداً شكوراً } قال : لم يأكل شيئاً قط إلا حمد الله ، ولم يشرب شراباً قط إلا حمد الله عليه ، فأثنى عليه { إنه كان عبدا شكوراً } .
وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب ، عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال : كان نوح عليه السلام إذا أكل قال : الحمد لله ، وإذا شرب قال : الحمد لله ، وإذا لبس قال : الحمد لله ، وإذا ركب قال : الحمد لله ، فسماه الله { عبداً شكوراً } .
وأخرج ابن مردويه ، عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إنما سمى الله نوحاً { عبداً شكوراً } لأنه كان إذا أمسى وأصبح قال : سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن علي رضي الله عنه أنه قال : حق الطعام أن يقول العبد : بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا ، وشكره أن يقول : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن تميم بن سلمة رضي الله عنه قال : حدثت أن الرجل إذا ذكر اسم الله على طعامه ، وحمد الله على آخره ، لم يسأل عن نعيم لذة الطعام .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن ماجة والطبراني في الدعاء ، عن حاتم عن عمر بن الخطاب أنه لبس جديداً فقال : الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي ، وأتجمل به في حياتي . ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من لبس ثوباً جديداً فقال : الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي ، وأتجمل به في حياتي ، ثم عمد إلى الثوب الذي خلق فتصدق به ، كان في كنف الله وفي حفظ الله ، وفي ستر الله حياً وميتاً » قالها ثلاثاً .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا لبس أحدكم ثوباً جديداً ، فليقل الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي ، وأتجمل به في الناس » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عون بن عبد الله قال : لبس رجلا ثوباً جديداً ، فحمد الله ، فأدخل الجنة ، أو غفر له .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وقضينا إلى بني إسرائيل } قال : أعلمناهم .(6/231)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وقضينا إلى بني إسرائيل } قال : أخبرناهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وقضينا إلى بني إسرائيل } قال : قضينا عليهم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين } قال : هذا تفسير الذي قبله .
وأخرج ابن المنذر والحاكم ، عن طاوس قال : كنت عند ابن عباس - رضي الله عنهما - ومعنا رجل من القدرية ، فقلت إن أناساً يقولون لا قدر . قال : أوفي القوم أحد منهم؟ قلت : لو كان ، ما كنت تصنع به؟ قال : لو كان فيهم أحد منهم لأخذت برأسه . ثم قرأت عليه { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً } .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن الله عهد إلى بني إسرائيل في التوراة { لتفسدن في الأرض مرتين } .
فكان أوّل الفساد : قتل زكريا عليه السلام ، فبعث الله عليهم ملك النبط ، فبعث الجنود وكانت أساورته ألف فارس { فهم أولو بأس } فتحصنت بنو إسرائيل ، وخرج فيهم بختنصر يتيماً مسكيناً ، إنما خرج يستطعم ، وتلطف حتى دخل المدينة ، فأتى مجالسهم وهم يقولون : لو يعلم عدوّنا ما قذف في قلوبنا من الرعب بذنوبنا ما أرادوا قتالنا ، فخرج بختنصر حين سمع ذلك منهم وأشد القيام على الجيش ، فرجعوا وذلك قول الله : { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد } الآية .
ثم أن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط ، فأصابوا منهم ، فاستنقذوا ما في أيديهم ، فذلك قوله : { ثم رددنا لكم الكرة عليهم } الآية .
وأخرج ابن عساكر في تاريخه ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله : { لتفسدن في الأرض مرتين } قال : الأولى ، قتل زكريا عليه الصلاة والسلام ، والأخرى ، قتل يحيى عليه السلام .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطية العوفي رضي الله عنه في قوله : { لتفسدن في الأرض مرتين } قال : أفسدوا المرة الأولى ، فبعث الله عليهم جالوت فقتلهم ، وأفسدوا المرة الثانية ، فقتلوا يحيى بن زكريا عليهما السلام ، فبعث الله عليهم بختنصر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بعث الله عليهم في الأولى جالوت ، فجاس خلال ديارهم وضرب عليهم الخراج والذل ، فسألوا الله أن يبعث إليهم ملكاً يقاتلون في سبيل الله ، فبعث الله طالوت ، فقتل جالوت فنصر بنو إسرائيل ، وقتل جالوت بيدي داود عليه السلام ، ورجع إلى بني إسرائيل ملكهم ، فلما أفسدوا : بعث الله عليهم في المرة الآخرة بختنصر ، فخرب المساجد وتبر { ما علوا تتبيراً } قال الله : بعد الأولى والآخرة { عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا } قال : فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين .(6/232)
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي هاشم العبدي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ملك ما بين المشرق والمغرب أربعة : مؤمنان ، وكافران ، أما الكافران ، فالفرخان و بختنصر . فأنشأ أبو هاشم يحدث قال : كان رجل من أهل الشام صالحاً فقرأ هذه الآية { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب } إلى قوله : { علواً كبيراً } قال : يا رب ، أما الأولى فقد فاتتني ، فأرني الآخرة ، فأتى وهو قاعد في مصلاه قد خفق برأسه فقيل : الذي سألت عنه ببابل واسمه بختنصر ، فعرف الرجل أنه قد استجيب له ، فاحتمل جراباً من دنانير فأقبل حتى انتهى إلى بابل ، فدخل على الفرخان فقال : إني قد جئت بمال فأقسمه بين المساكين ، فأمر به فأنزل ، فجمعوهم له ، ثم جعل يعطيهم ويسألهم عن أسمائهم ، حتى إذا فرغ ممن بحضرته قيل له : فإنه قد بقيت منهم بقايا في الرساتيق ، فجعل يبعث فتاه حتى إذا كان الليل رجع إليه فاقرأه رجلاً رجلاً ، فأتى على ذكر بختنصر فقال : قف . كيف قلت؟ قال : بختنصر . قال : وما بختنصر هذا؟ قال : هو أشدهم فاقة ، وهو مقعد يأتي عليه السفارون ، فيلقي أحدهم إليه الكسرة ، ويأخذ بأنفه . قال : فإني مسلم به [ 7 ] لا بد . قال الآخر : فإنما هو في خيمة له يحدث فيها ، حتى أذهب فأقبلها وأغسله . قال : دونك هذه الدنانير . فأقبل إليه بالدنانير فأعطاه إياها . ثم رجع إلى صاحبه فجاء معه ، فدخل الخيمة فقال : ما اسمك؟ قال : بختنصر . قال : من سماك بختنصر؟ قال : من عسى أن يسميني إلا أمي! قال : فهل لك أحد؟ قال : لا والله ، إني لههنا أخاف بالليل أن تأكلني الذئاب . قال : فأي الناس أشد بلاء؟ قال : أنا . قال : أفرأيت إن ملكت يوماً من دهر أتجعل لي أن لا تعصيني؟ قال أي سيدي لا يضرك أن لا تهزأ بي . قال : أرأيت إن ملكت مرة أتجعل لي أن لا تعصيني؟ قال : أما هذه فلا أجعلها لك ولكن سوف أكرمك كرامة لا أكرمها أحداً . قال دونك هذه الدنانير ، ثم انطلق فلحق بأرضه ، فقام الآخر فاستوى على رجليه ، ثم انطلق فاشترى حماراً وأرساناً ، ثم جعل يستعرض تلك الأعاجم فيجزها فيبيعه ، ثم قال : إلى متى هذا الشقاء؟ فعمد فباع ذلك الحمار وتلك الأرسان واكتسى كسوة ، ثم أتى باب الملك ، فجعل يشير عليهم بالرأي وترتفع منزلته حتى انتهوا إلى بواب الفرخان الذي يليه ، فقال له الفرخان : قد ذكر لي رجل عندك ، فما هو؟ قال : ما رأيت مثله قط! قال : ائتني به ، فكلمه فأعجب به . قال : إن بيت المقدس وتلك البلاد قد استعصوا علينا ، وانا باعثون عليهم بعثاً ، وإني باعث إلى البلاد من يختبرها ، فنظر حينئذ إلى رجال من أهل الأرب والمكيدة ، فبعثهم جواسيس ، فلما فصلوا إذا بختنصر قد أتى بخرجيه على بغلة ، قال : أين تريد؟ قال : معهم قال : أفلا آذنتني فابعثك عليهم؟ قال : لا ، حتى إذا وقعوا بالأرض قال : تفرقوا وسأل بختنصر عن أفضل أهل البلد؟ فدل عليه ، فألقى خرجيه في داره .(6/233)
قال لصاحب المنزل : ألا تخبرني عن أهل بلادك ، قال : على الخبير سقطت ، هم قوم فيهم كتاب فلا يقيمونه ، وأنبياء فلا يطيعونهم ، وهم متفرقون . قال بختنصر كالمتعجب منه : كتاب لا يقيمونه ، وأنبياء لا يطيعونهم ، وهم متفرقون! فكتبهن في ورقة وألقى في خرجيه وقال : ارتحلوا ، فاقبلوا ، حتى قدموا على الفرخان ، فجعل يسأل كل رجل منهم ، فجعل الرجل يقول : أتينا بلاد كذا ولها حصن كذا ولها نهر كذا قال : يا بختنصر ، ما تقول؟ قال : قدمنا أرضاً على قوم لهم كتاب لا يقيمونه ، وأنبياء لا يطيعونهم ، وهم متفرقون ، فأمر حينئذ ، فندب الناس وبعث إليهم سبعين ألفاً ، وأمر عليهم بختنصر ، فساروا حتى إذا علوا في الأرض أدركهم البريد : إن الفرخان قد مات ولم يستخلف أحداً . قال للناس : مكانكم . ثم أقبل على البريد حتى قدم على الناس وقال : كيف صنعتم؟ قالوا : كرهنا أن نقطع أمراً دونك . قال : إن الناس قد بايعوني . فبايعوه ، ثم استخلف عليهم وكتب بينهم كتاباً ، ثم انطلق بهم سريعاً حتى قدم على أصحابه ، فأراهم الكتاب ، فبايعوه وقالوا : ما بنا رغبة عنك . فساروا ، فلما سمع أهل بيت المقدس تفرقوا وطاروا تحت كل كوكب ، فشعث ما هناك ، أي أفسد ، وقتل من قتل وخرب بيت المقدس ، واستبى أبناء الأنبياء فيهم دانيال . فسمع به صاحب الدنانير فأتاه فقال : هل تعرفني؟ قال : نعم . فأدنى مجلسه ولم يشفعه في شيء ، حتى إذا نزل بابل لا ترد له راية . فكان كذلك ما شاء الله ، ثم إنه رأى رؤيا فأفظعته ، فأصبح قد نسيها . قال : عليّ بالسحرة والكهنة . قال : أخبروني عن رؤيا رأيتها الليلة ، والله لتخبرني بها ، أو لأقتلنكم . قالوا : ما هي؟ قال : قد نسيتها قالوا : ما عندنا من هذا علم ، إلا أن ترسل إلى أبناء الأنبياء . فأرسل إلى أبناء الأنبياء . قال : أخبروني عن رؤيا رأيتها الليلة ، والله لتخبرني بها أو لأقتلنكم . قالوا : ما هي؟ قال : قد نسيتها . قالوا غيب ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى . قال والله لتخبرني بها ، أو لأضربن أعناقكم . قالوا : فدعنا حتى نتوضأ ونصلي وندعو الله تعالى . قال : فافعلوا . فانطلقوا فأحسنوا الوضوء ، فأتوا صعيداً طيباً فدعوا الله ، فأخبروا بها ، ثم رجعوا إليه فقالوا : رأيت كأن رأسك من ذهب ، وصدرك من فخار ، ووسطك من نحاس ، ورجليك من حديد . قال : نعم . قال : أخبروني بعبارتها أو لأقتلنكم . قالوا : فدعنا ندعو ربنا . قال اذهبوا ، فدعوا ربهم فاستجاب لهم ، فرجعوا إليه قالوا : رأيت كأن رأسك من ذهب ، ملكك هذا يذهب عند رأس الحول من هذه الليلة .(6/234)
قال : ثم مه؟ قالوا : ثم يكون بعدك ملك يفخر على الناس ، ثم يكون ملك يخشى الناس شدته ، ثم يكون ملك لا يقله شيء ، إنما هو مثل الحديد يعني الإسلام فأمر بحصن فبني له ، بينه وبين السماء ، ثم جعل ينطقه بمقاعد الرجال والاحراس ، وقال لهم : إنما هي هذه الليلة لا يجوز عليكم أحد ، وإن قال أنا بختنصر إلا قتلتموه مكانه ، كائناً من كان من الناس . فقعد كل أناس في مكانهم الذي وكلوا به . واهتاج بطنه من الليل ، فكره أن يرى مقعده هناك . وضرب على أسمخة القوم ، فاستثقلوا نوماً ، فأتى عليهم وهم نيام ، ثم أتى عليهم فاستيقظ بعضهم ، فقال : من هذا؟ قال : بختنصر . قال : هذا الذي حفي إلينا فيه الليلة . فضربه فقتله ، فأصبح الخبيث قتيلاً .
وأخرج ابن جرير نحوه أخصر منه عن سعيد بن جبير رضي الله عنه ، وعن السدي وعن وهب بن منبه .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال : ظهر بختنصر على الشام ، فخرب بيت المقدس وقتلهم ، ثم أتى دمشق فوجد بها دماً يغلي على كباء فسألهم ما هذا الدم؟ قالوا : أدركنا آبائنا على هذا وكلما [ 7 ] ظهر عليهم الكباء ظهر ، فقتل على ذلك الدم سبعين ألفاً من المسلمين وغيرهم فسكن .
وأخرج ابن عساكر ، عن الحسن رضي الله عنه : أن بختنصر لما قتل بني إسرائيل وهدم بيت المقدس وسار بسبايا بني إسرائيل إلى أرض بابل ، فسامهم سوء العذاب ، أراد أن يتناول السماء ، فطلب حيلة يصعد بها ، فسلط الله عليه بعوضة ، فدخلت منخره فوقفت في دماغه ، فلم تزل تأكل دماغه وهو يضرب رأسه بالحجر حتى مات .
وأخرج ابن جرير ، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن بني إسرائيل لما اعتدوا في السبت وعلوا وقتلوا الأنبياء عليهم السلام بعث الله عليهم ملك فارس بختنصر ، وكان الله ملكه سبعمائة سنة ، فسار إليهم حتى دخل بيت المقدس ، فحاصرها وفتحها ، وقتل على دم زكريا عليه السلام سبعين ألفاً ، ثم سبى أهلها وبني الأنبياء ، وسلب حلى بيت المقدس ، واستخرج منها سبعين ألفاً ومائة ألف عجلة من حلى ، حتى أورده بابل » قال حذيفة - رضي الله عنه - فقلت : يا رسول الله ، لقد كان بيت المقدس عظيماً عند الله؟! قال : « » أجل « فبناه سليمان بن داود - عليه السلام - من ذهب ودر وياقوت وزبرجد وكان بلاطة ذهبا وبلاطة فضة ، وعمده ذهباً ، أعطاه الله ذلك وسخر له الشياطين يأتونه بهذه الأشياء في طرفة عين ، فسار بختنصر بهذه الأشياء حتى نزل بها بابل ، فأقام بنو إسرائيل مائة سنة يعذبهم المجوس وأبناء المجوس ، فيهم الأنبياء وأبناء الأنبياء ، ثم إن الله رحمهم ، فأوحى إلى ملك من ملوك فارس يقال له كورس - وكان مؤمناً - أن : سر إلى بقايا بني إسرائيل حتى تستنقذهم ، فسار كورس ببني إسرائيل ودخل بيت المقدس حتى رده إليه ، فأقام بنو إسرائيل مطيعين لله مائة سنة ، ثم إنهم عادوا في المعاصي ، فسلط عليهم ابطنانحوس فغزا ثانياً بمن غزا مع بختنصر ، فغزا بني إسرائيل ، حتى أتاهم بيت المقدس ، فسبى أهلها وأحرق بيت المقدس . وقال لهم : يا بني إسرائيل ، إن عدتم في المعاصي ، عدنا عليكم في السباء ، فعادوا في المعاصي ، فسير الله عليهم السباء الثالث : ملك رومية يقال له فاقس بن اسبايوس ، فغزاهم في البر والبحر فسباهم ، وسيَّر حلى بيت المقدس وأحرق بيت المقدس بالنيران ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : - » فهذا من صفة حلى بيت المقدس ويرده المهدي إلى بيت المقدس ، وهو ألف سفينة وسبعمائة سفينة يرسى بها على يافا ، حتى تنتقل إلى بيت المقدس وبها يجتمع إليه الأوّلون والآخرون « .(6/235)
وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد قال : كان إفسادهم الذي يفسدون في الأرض مرتين : قتل زكريا عليه السلام ويحيى بن زكريا ، فسلط عليهم سابور ذا الأكتاف ، ملكاً من ملوك فارس ، من قبل زكريا ، وسلط عليهم بختنصر من قبل يحيى .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { فإذا جاء وعد أولاهما } قال : إذا جاء وعد أولى تينك المرتين اللتين قضينا إلى بني إسرائيل { لتفسدن في الأرض مرتين } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد } قال جند أتوا من فارس يتجسسون من أخبارهم ويسمعون حديثهم معهم بختنصر فوعى حديثهم من بين أصحابه ، ثم رجعت فارس ولم يكثر قتال ونصرت عليهم بنو إسرائيل ، فهذا وعد الأولى { فإذا جاء وعد الآخرة } بعث ملك فارس ببابل جيشاً وأمر عليهم بختنصر فدمروهم ، فهذا وعد الآخرة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فجاسوا } قال فمشوا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه قال : أما المرة الأولى فسلط عليهم جالوت ، حتى بعث طالوت ومعه داود فقتله داود ، ثم رد الكرة لبني إسرائيل { وجعلناكم أكثر نفيراً } أي عدداً وذلك في زمان داود { فإذا جاء وعد الآخرة } آخر العقوبتين { ليسوءوا وجوهكم } قال ليقبحوا وجوهكم ، { وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة } قال : كما دخل عدوهم قبل ذلك { وليتبروا ما علوا تتبيرا } قال : يدمروا ما علوا تدميراً ، فبعث الله عليهم في الآخرة بختنصر البابلي المجوسي أبغض خلق الله إليه ، فسبى وقتل وخرب بيت المقدس ، وسامهم سوء العذاب .(6/236)
وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد رضي الله عنه في الآية قال : كانت الآخرة أشد من الأولى بكثير ، فإن الأولى كانت هزيمة فقط ، والآخرة كانت تدميراً ، وحرق بختنصر التوراة حتى لم يترك فيها حرفاً واحداً ، وخرب بيت المقدس .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { تتبيراً } قال : تدميراً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : { تبرنا } دمرنا بالنبطية .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : { عسى ربكم أن يرحمكم } قال : كانت الرحمة التي وعدهم : بعث محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وإن عدتم عدنا } قال : فعادوا ، فبعث الله عليهم محمداً - صلى الله عليه وسلم - فهم يعطون { الجزية عن يد وهم صاغرون } [ التوبة : 29 ] .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً } قال : سجناً .
وأخرج ابن النجار في تاريخه ، عن أبي عمران الجوني في قوله : { وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً } قال سجناً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً } يقول جعل الله مأواهم فيها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { حصيراً } قال : يحصرون فيها .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : { حصيراً } قال : فراشاً ومهاداً .(6/237)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)
أخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } قال : للتي هي أصوب .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في الآية قال : إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم ، فأما داؤكم فالذنوب والخطايا ، وأما دواؤكم فالاستغفار .
وأخرج الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يتلو كثيراً { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين } خفيف .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله : { أن لهم أجراً كبيراً } قال : الجنة . وكل شيء في القرآن أجر كبير ورزق كبير ورزق كريم فهو الجنة .(6/238)
وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير } يعني قول الإنسان : اللهم إلعنه واغضب عليه .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير } قال : ذلك دعاء الإنسان بالشر على ولده وعلى امرأته ، يغضب أحدهم فيدعو عليه ، فيسب نفسه ويسب زوجته وماله وولده ، فإن أعطاه الله ذلك شق عليه ، فيمنعه ذلك ، ثم يدعو بالخير فيعطيه .
وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد رضي الله عنه : في قوله : { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير } قال : ذلك دعاء الإنسان بالشر على ولده وعلى امرأته يعجل فيه ، فيدعو عليه لا يحب أن يصيبه .
وأخرج أبو داود والبزار ، عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تدعوا على أنفسكم ، لا تدعوا على أولادكم ، لا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم » .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وكان الإنسان عجولاً } قال : ضجراً لا صبر له على سراء ولا ضراء .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن عساكر ، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : أول ما خلق الله من آدم عليه السلام رأسه ، فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه ، فلما كان بعد العصر قال : يا رب ، اعجل قبل الليل ، فذلك قوله : { وكان الإنسان عجولاً } .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن مجاهد قال : لما خلق الله آدم خلق عينيه قبل بقية جسده ، فقال : أي رب ، أتم بقية خلقي قبل غيبوبة الشمس ، فأنزل الله { وكان الإنسان عجولاً } .(6/239)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند واه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله خلق شمسين من نور عرشه » فاما ما كان في سابق علمه أنه يدعها شمساً ، فإنه خلقها مثل الدنيا على قدرها ، ما بين مشارقها ومغاربها ، وأما ما كان في سابق علمه أنه يطمسها ويجعلها قمراً ، فإنه خلقها دون الشمس في العظم ، ولكن إنما يرى صغرها لشدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض ، فلو ترك الشمس كما كان خلقها أول مرة لم يعرف الليل من النهار ، ولا النهار من الليل ، ولم يدر الصائم إلى متى يصوم ومتى يفطر ، ولم يدر المسلمون متى وقت حجهم ، وكيف عدد الأيام والشهور والسنين والحساب ، فأرسل جبريل فأمر جناحه عن وجه القمر - وهو يومئذ شمس - ثلاث مرات ، فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور ، فذلك قوله : { وجعل الليل والنهار آيتين } الآية .
وأخرج البيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر ، عن سعيد المقبري : أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر؟ فقال : كانا شمسين . فقال : قال الله : { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل } فالسواد الذي رأيت هو المحو .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف ، عن علي رضي الله عنه في قوله : { فمحونا آية الليل } قال : هو السواد الذي في القمر .
وأخرج ابن مردويه ، عن علي رضي الله عنه في الآية . قال : كان الليل والنهار سواء ، فمحا الله آية الليل فجعلها مظلمة ، وترك آية النهار كما هي .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فمحونا آية الليل } قال : هو السواد بالليل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وجعلنا الليل والنهار آيتين } قال : كان القمر يضيء كما تضيء الشمس ، والقمر آية الليل ، والشمس آية النهار { فمحونا آية الليل } قال : السواد الذي في القمر .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : كتب هرقل إلى معاوية يسأله عن ثلاثة أشياء : أي مكان إذا صليت فيه ظننت أنك لم تصل إلى قبلة؟ وأي مكان طلعت فيه الشمس مرة لم تطلع فيه قبل ولا بعد؟ وعن السواد الذي في القمر؟ فسأل ابن عباس رضي الله عنهما؟ فكتب إليه أما المكان الأول : فهو ظهر الكعبة . وأما الثاني : فالبحر حين فرقه الله لموسى عليه السلام . وأما السواد الذي في القمر : فهو المحو .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن عكرمة رضي الله عنه في الآية قال : خلق الله نور الشمس سبعين جزءاً ، ونور القمر سبعين جزءاً ، فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءاً ، فجعله مع نور الشمس ، فالشمس على مائة وتسعة وثلاثين جزءاً ، والقمر على جزء واحد .(6/240)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه في الآية قال : كانت شمس بالليل وشمس بالنهار فمحا الله شمس الليل ، فهو المحو الذي في القمر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير في قوله : { فمحونا آية الليل } قال : انظر إلى الهلال ليلة ثلاث عشرة ، أو أربع عشرة ، فإنك ترى فيه كهيئة الرجل ، آخذاً برأس رجل .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } قال : ظلمة الليل وسدف النهار؛ { لتبتغوا فضلاً من ربكم } قال : جعل لكم { سبحاً طويلاً } [ المزمل : 7 ] .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فصلناه } يقول : بيناه .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عطاء بن السائب رضي الله عنه قال : أخبرني غير واحد أن قاضياً من قضاة الشام ، أتى عمر رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين رأيت رؤيا أفظعتني . قال : وما رأيت؟ قال : رأيت الشمس والقمر يقتتلان ، والنجوم معهما نصفين . قال : فمع أيهما كنت؟ قال : مع القمر على الشمس . قال عمر رضي الله عنه : { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } فانطلق فوالله لا تعمل لي عملاً أبداً . قال عطاء رضي الله عنه : فبلغني أنه قتل مع معاوية يوم صفين .
وأخرج ابن عساكر ، عن علي بن زيد رضي الله عنه ، قال : سأل ابن الكواء علياً رضي الله عنه عن السواد الذي في القمر؟ قال : هو قول الله تعالى : { فمحونا آية الليل } .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير بسند حسن ، عن جابر - رضي الله عنه - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « طائر كل إنسان في عنقه » .
وأخرج ابن مردويه ، عن حذيفة بن أسيد - رضي الله عنه - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن النطفة التي يخلق منها النسمة تطير في المرأة أربعين يوماً وأربعين ليلة ، فلا يبقى منها شعر ولا بشر ولا عرق ولا عظم إلا دخله ، حتى أنها لتدخل بين الظفر واللحم ، فإذا مضى لها أربعون ليلة وأربعون يوماً أهبطه الله إلى الرحم ، فكان علقة أربعين يوماً وأربعين ليلة ، ثم يكون مضغة أربعين يوماً وأربعين ليلة ، فإذا تمت لها أربعة أشهر ، بعث الله إليها ملك الأرحام فيخلق على يده لحمها ودمها وشعرها وبشرها ، ثم يقول : صوّر . فيقول : يا رب ، ما أصور أزائد أم ناقص ، أذكر أم أنثى ، أجميل أم ذميم أجعد أم سبط أقصير أم طويل أبيض أم آدم أسويّ أم غير سويّ؟ فيكتب من ذلك ما يأمر الله به . ثم يقول الملك : يا رب ، أشقيّ أم سعيد؟ فإن كان سعيداً ، نفخ فيه بالسعادة في آخر أجله ، وإن كان شقياً : نفخ فيه الشقاوة في آخر أجله . ثم يقول : اكتب أثرها ورزقها ومصيبتها وعملها بالطاعة والمعصية ، فيكتب من ذلك ما يأمره الله به ، ثم يقول الملك : يا رب ، ما أصنع بهذا الكتاب؟ فيقول : علقه في عنقه إلى قضائي عليه . فذلك قوله : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } » .(6/241)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ألزمناه طائره في عنقه } قال : سعادته وشقاوته وما قدره الله له وعليه فهو لازمه أينما كان .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جوبير ، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : { طائره في عنقه } قال : قال عبد الله رضي الله عنه الشقاء والسعادة والرزق والأجل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن أنس رضي الله عنه في قوله : { طائره في عنقه } قال : كتابه .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } أي عمله .
وأخرج أبو داود في كتاب القدر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } قال : ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ألزمناه طائره } قال : عمله { ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً } قال : هو عمله الذي عمل أحصي عليه ، فأخرج له يوم القيامة ما كتب عليه من العمل ، فقرأه منشوراً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في الآية قال : الكافر يخرج له يوم القيامة كتاب ، فيقول : رب ، إنك قد قضيت . إنك لست بظلام للعبيد ، فاجعلني أحاسب نفسي . فيقال له : { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر ، عن هرون قال : في قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } يقرؤه يوم القيامة { كتاباً يلقاه منشوراً } .
وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد رضي الله عنه أنه قرأ « ويخرج له يوم القيامة كتاباً » بفتح الياء يعني يخرج الطائر كتاباً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { اقرأ كتابك } قال : سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئاً في الدنيا .
وأخرج ابن جرير ، عن الحسن رضي الله عنه قال : يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ، ووكل بك ملكان كريمان ، أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك ، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة .(6/242)
فعند ذلك يقول : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } حتى بلغ عليك { حسيباً } .
وأخرج ابن عبد البر في التمهيد بسند ضعيف ، عن عائشة - رضي الله عنها - قال : سالت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين؟ فقال : « هم مع آبائهم » ثم سألته بعد ذلك؟ فقال : « الله أعلم بما كانوا عاملين » ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام؟! فنزلت { ولا تزر وازرة وزر أخرى } فقال : « هم على الفطرة » أو قال : « في الجنة » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : حدثني الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ، إني قضيت في البنات من ذراري المشركين؟ قال : « هم منهم » .
وأخرج ابن سعد وأحمد وقاسم بن أصبغ وابن عبد البر ، عن خنساء بنت معاوية الضمرية ، عن عمها قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « النبي في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والمولود في الجنة ، والوئيد في الجنة » .
وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر ، عن أنس رضي الله عنه قال : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين؟ قال : « هم خدم أهل الجنة » .
وأخرج ، عن سلمان رضي الله عنه قال : أطفال المشركين خدم أهل الجنة .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن عبد البر وضعفه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المسلمين أين هم؟ قال : » في الجنة « وسألته عن ولدان المشركين أين هم؟ قال : » في النار « ، قلت : يا رسول الله ، لم يدركوا الأعمال ولم تجر عليهم القلام! قال : » ربك أعلم بما كانوا عاملين ، والذي نفسي بيده لئن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار « » .
وأخرج أحمد وقاسم بن أصبغ وابن عبد البر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كنت أقول في أطفال المشركين هم مع آبائهم ، حتى حدثني رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عنهم؟ فقال : « ربهم أعلم بهم وبما كانوا عاملين » فأمسكت عن قولي .
وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ، عن أولاد المشركين؟ فقال : « الله أعلم بما كانوا عاملين والله أعلم » .(6/243)
مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة : المعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ، ثم أرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار ، فيقولون كيف؟ ولم تأتنا رسل! قال : وايم الله ، لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً ، ثم يرسل إليهم ، فيطيعه من كان يريد أن يطيعه . قال أبو هريرة رضي الله عنه : اقرأوا إن شئتم { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } .
وأخرج إسحق بن راهويه وأحمد وابن حبان وأبو نعيم في المعرفة والطبراني وابن مردويه والبيهقي في كتاب الاعتقاد ، عن الأسود بن سريع - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم : « أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئاً ، ورجل أحمق ، ورجل هرم ، ورجل مات في الفطرة ، فأما الأصم ، فيقول : رب ، لقد جاء الإسلام ، وما أسمع شيئاً ، وأما الأحمق ، فيقول : رب ، جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر ، وأما الهرم فيقول : رب ، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً ، وأما الذي مات في الفطرة فيقول : رب ، ما آتاني لك رسول . فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه ، ويرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار . قال : فوالذي نفس محمد بيده ، لو دخلوها كانت عليهم برداً وسلاماً ، ومن لم يدخلها سحب إليها » .
وأخرج ابن راهويه وأحمد وابن مردويه والبيهقي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه مثله ، غير أنه قال في آخره : فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً ، ومن لم يدخلها سحب إليها .
وأخرج قاسم بن أصبغ والبزار وأبو يعلى وابن عبد البر في التمهيد ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يؤتى يوم القيامة بأربعة : بالمولود والمعتوه ومن مات في الفترة والشيخ الهرم الفاني ، كلهم يتكلم بحجته ، فيقول الرب تبارك وتعالى : لعنق من جهنم أبرزي ، ويقول لكم : إني كنت أبعث إلى عبادي رسلاً من أنفسهم ، وإني رسول نفسي إليكم . فيقول لهم : ادخلوا هذه ، فيقول : من كتب عليه الشقاء يا رب؟ أندخلها ومنها كنا نفر؟! قال : وأما من كتب له السعادة فيمضي فيها ، فيقول الرب : قد عاينتموني فعصيتموني ، فأنتم لرسلي أشد تكذيباً ومعصية ، فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني وأبو نعيم ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلاً ، وبالهالك في الفترة ، وبالهالك صغيراً ، فيقول الممسوخ عقلاً : يا رب ، لو آتيتني عقلاً ما كان من آتيته عقلاً بأسعد بعقله مني ، ويقول الهالك في الفترة رب لو أتاني منك عهد ما كان من أتاه منك عهد بأسعد بعهدك مني ، ويقول الهالك صغيراً : يا رب ، لو آتيتني عمراً ما كان من أتيته عمراً بأسعد بعمره مني ، فيقول الرب : - تبارك وتعالى - فإني آمركم بأمر أفتطيعوني؟ فيقولون : نعم وعزتك ، فيقول لهم : اذهبوا فادخلوا جهنم ، ولو دخلوها ما ضرتهم شيئاً ، فخرج عليهم قوابص من نار يظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء ، فيرجعون سراعاً ويقولون : يا ربنا ، خرجنا وعزتك نريد دخولها ، فخرجت علينا قوابص من نار ، ظننا أن قد أهلكت ما خلق الله من شيء ، ثم يأمرهم ثانية ، فيرجعون كذلك ويقولون : كذلك ، فيقول الرب : خلقتكم على علمي ، وإلى علمي تصيرون ، ضميهم ، فتأخذهم النار » .(6/244)
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن أبي صالح رضي الله عنه قال : يحاسب يوم القيامة الذين أرسل إليهم الرسل ، فيدخل الله الجنة من أطاعه ، ويدخل النار من عصاه ، ويبقى قوم من الولدان والذين هلكوا في الفترة ، فيقول : وإني آمركم أن تدخلوا هذه النار ، فيخرج لهم عنق منها ، فمن دخلها كانت نجاته ، ومن نكص فلم يدخلها كانت هلكته .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه : « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه رجل فسأله عن ذراري المشركين الذين هلكوا صغاراً؟ فوضع رأسه ساعة ثم قال : أين السائل؟ فقال : ها أنا يا رسول الله ، فقال : » إن الله تبارك وتعالى إذا قضى بين أهل الجنة والنار لم يبق غيرهم عجّوا ، فقالوا : اللهم ربنا ، لم تأتنا رسلك ولم نعلم شيئاً ، فأرسل إليهم ملكاً ، والله أعلم بما كانوا عاملين ، فقال : إني رسول ربكم إليكم ، فانطلقوا فاتبعوا حتى أتوا النار ، فقال : إن الله يأمركم أن تقتحموا فيها ، فاقتحمت طائفة منهم ، ثم أخرجوا من حيث لا يشعر أصحابهم ، فجعلوا في السابقين المقربين ، ثم جاءهم الرسول فقال : إن الله يأمركم أن تقتحموا في النار ، فاقتحمت طائفة أخرى ، ثم خرجوا من حيث لا يشعرون ، فجعلوا في أصحاب اليمين ، ثم جاء الرسول فقال : إن الله يأمركم أن تقتحموا في النار ، فقالوا : ربنا ، لا طاقة لنا بعذابك ، فأمر بهم ، فجمعت نواصيهم وأقدامهم ثم ألقوا في النار والله أعلم « » .
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { أمرنا مترفيها } قال أمروا بالطاعة فعصوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال : سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول؛ في قوله : { وإذا أردنا أن نهلك قرية } الآية . قال : { أمرنا مترفيها } بحق ، فخالفوه ، فحق عليهم بذلك التدمير .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها } قال : سلطنا شرارها فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك ، أهلكناهم بالعذاب .(6/245)
وهو قوله : { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها } [ الأنعام : 123 ] .
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله وجل : { أمرنا مترفيها } قال : سلطنا عليهم الجبابرة فساموهم سوء العذاب . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول :
إن يعطبوا يبرموا وإن أمروا ... يوماً يصيروا للهلك والفقد
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية رضي الله عنه - كان يقرأ { أمرنا مترفيها } مثقلة . يقول : أمرنا عليهم أمراء .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قرأ « آمرنا مترفيها » يعني بالمد . قال : أكثرنا فساقها .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر ، عن عكرمة - رضي الله عنه - أنه قرأ { أمرنا مترفيها } قال : أكثرناهم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه { أمرنا مترفيها } قال : أكثرنا .
وأخرج البخاري وابن مردويه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية قد أمروا بني فلان .(6/246)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : { من كان يريد العاجلة } قال : من كان يريد بعمله الدنيا ، { عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } ذاك به .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { من كان يريد العاجلة } قال : من كانت همه ورغبته وطلبته ونيته عجل الله له فيها ما يشاء ، ثم اضطره إلى جهنم { يصلاها مذموماً } في نقمة الله { مدحوراً } في عذاب الله . وفي قوله : { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك سعيهم مشكوراً } قال : شكر الله له اليسير ، وتجاوز عنه الكثير وفي قوله : { كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك } أي : أن الله قسم الدنيا بين البر والفاجر ، والآخرة : خصوصاً عند ربك للمتقين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { كلاً نمد } الآية . قال : كلاً نرزق في الدنيا البر والفاجر .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء } يقول : نمد الكفار والمؤمنين { من عطاء ربك } يقول : من الرزق .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { كلاً نمد } الآية قال : نرزق من أراد الدنيا ، ونرزق من أراد الآخرة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء } قال : هؤلاء أصحاب الدنيا ، وهؤلاء أصحاب الآخرة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء } هؤلاء أهل الدنيا ، وهؤلاء أهل الآخرة { وما كان عطاء ربك محظوراً } قال ممنوعاً .
واخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : { محظوراً } قال ممنوعاً .
وأخرج ابن جرير وأبن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } أي في الدنيا : { وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً } وإن للمؤمنين في الجنة منازل وإن لهم فضائل بأعمالهم . وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : « بين أعلى أهل الجنة وأسفلهم درجة كالنجم يرى في مشارق الأرض ومغاربها » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : { وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً } قال : إن أهل الجنة بعضهم فوق بعض درجات ، الأعلى يرى فضله على من هو أسفل منه ، والأسفل لا يرى أن فوقه أحداً .
وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية ، عن سلمان رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال : « ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة فارتفع ، إلا وضعه الله في الآخرة درجة أكبر منها وأطول » ثم قرأ { وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وهناد وابن أبي الدنيا في صفة الجنة والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لا يصيب عبد من الدنيا شيئاً ، إلا نقص من درجاته عند الله ، وإن كان على الله كريماً .(6/247)
لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { مذموماً } يقول ملوماً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله : { فتقعد مذموماً } يقول : في نقمة الله { مخذولاً } في عذاب الله .(6/248)
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)
أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وقضى ربك أَلاَّ تعبدوا إلا إياه } قال : التزقت الواو بالصاد ، وأنتم تقرؤونها { وقضى ربك } .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك ، عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وأخرج أبو عبيد وابن منيع وابن المنذر وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزل الله هذا الحرف على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - « ووصى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه » فالتصقت إحدى الواوين بالصاْد ، فقرأ الناس { وقضى ربك } ولو نزلت على القضاء ، ما أشرك به أحد .
وأخرج الطبراني ، عن الأعمش قال : كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقرأ « ووصى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه » .
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر ، عن الضحاك بن مزاحم - رضي الله عنه - أنه قرأها « ووصى ربك » قال : إنهم ألصقوا إحدى الواوين بالصاد فصارت قافاً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وقضى ربك } قال : أمر .
وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } قال : عهد ربك ألا تعبدوا إلا إياه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { وبالوالدين إحساناً } يقول : براً .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف } فيما تميط عنهما من الأذى الخلاء والبول ، كما كانا لا يقولانه ، فيما كانا يميطان عنك من الخلا والبول .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في الآية قال : { لا تقل لهما أف } فما سواه .
وأخرج الديلمي ، عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - مرفوعاً ، لو علم الله شيئاً من العقوق أدنى من { أف } لَحَرَّمَهُ .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عروة رضي الله عنه في قوله : { وقل لهما قولاً كريماً } قال : لا تمنعهما شيئاً أرادا .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، عن الحسن - رضي الله عنه - أنه سئل ما برّ الوالدين؟ قال : أن تبذل لهما ما ملكت ، وأن تطيعهما فيما أمراك به ، إلا أن يكون معصية .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن الحسن - رضي الله عنه - أنه قيل له : إلام ينتهي العقوق؟ قال : أن يحرمهما ويهجرهما ويحد النظر إلى وجههما .(6/249)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنهما في قوله : { وقل لهما قولاً كريماً } قال : يقول : يا أبت ، يا أمه ، ولا يسميهما بأسمائهما .
وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم ومعه شيخ فقال : « » من هذا معك؟ « قال : أبي . قال : » لا تمشين أمامه ، ولا تقعدن قبله ، ولا تدعه باسمه ، ولا تستب له « » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد رضي الله عنه في قوله : { وقل لهما قولاً كريماً } قال : إذا دعواك فقل لهما لبيكما وسعديكما .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وقل لهما قولاً كريماً } قال : قولاً ليناً سهلاً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي الهداج التجيبي قال : قلت لسعيد بن المسيب - رضي الله عنه - كل ما ذكر الله في القرآن من بر الوالدين فقد عرفته إلا قوله : { وقل لهما قولاً كريماً } ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب : قول العبد المذنب للسيد الفظ .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عروة في قوله : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } قال : تلين لهما حتى لا يمتنعا من شيء أحباه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } يقول اخضع لوالديك كما يخضع العبد للسيد الفظ الغليظ .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنهما في قوله : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } قال : لا ترفع يديك عليهما إذا كلمتهما .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عروة رضي الله عنه في قوله : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } قال : إن أغضباك ، فلا تنظر إليهما شزراً ، فإنه أوّل ما يعرف غضب المرء بشدة نظره إلى من غضب عليه .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما برَّ أباه من حدّ إليه الطرف » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن زهير بن محمد - رضي الله عنه - في قوله : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } قال : إن سباك أو لعناك ، فقل رحمكما الله غفر الله لكما .
وأخرج ابن جرير ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أنه قرأ { واخفض لهما جناح الذل } بكسر الذال .
وأخرج ، عن عاصم الجحدري رضي الله عنه مثله .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد ، عن أبي مرة مولى عقيل : أن أبا هريرة - رضي الله عنه - كانت أمه في بيت وهو في آخر ، فكان يقف على بابها ويقول : السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته فتقول : وعليك يا بني ، فيقول : رحمك الله كما ربيتني صغيراً ، فتقول : رحمك الله كما بررتني كبيراً .(6/250)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً } ثم أنزل الله بعد هذا { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى } [ التوبة : 113 ] .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر من طرق ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وإما يبلغن عندك الكبر } إلى قوله : { كما ربياني صغيراً } قد نسختها الآية التي في براءة { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } [ التوبة : 113 ] الآية .
وأخرج ابن المنذر والنحاس وابن الأنباري في المصاحف ، عن قتادة رضي الله عنه قال : نسخ من هذه الآية حرف واحد ، لا ينبغي لأحد من المسلمين أن يستغفر لوالديه إذا كانوا مشركين ، ولم يقل { رب ارحمهما كما ربياني صغيراً } ولكن ليخفض لهما جناح الذل من الرحمة ، وليقل لهما قولاً معروفاً . قال الله تعالى : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { ربكم أعلم بما في نفوسكم } قال : تكون البادرة من الولد إلى الوالد ، فقال الله : { إن تكونوا صالحين } أي تكون النية صادقة ببرهما { فإنه كان للأوّابين غفوراً } للبادرة التي بدرت منه .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { إنه كان للأوّابين غفوراً } قال : الرجاعين إلى الخير .
وأخرج سعيد بن منصور وهناد وابن أبي حاتم والبيهقس عن الضحاك - رضي الله عنه - في قوله : { إنه كان للأوّابين } قال : الرجاعين من الذنب إلى التوبة ، ومن السيئات إلى الحسنات .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { للأوّابين } قال : للمطيعين المحسنين .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { للأوّابين } قال : للتوّابين .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه - قال : الأوّاب ، التوّاب .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أحب إلى الله؟ قال : « » الصلاة على وقتها « قلت : ثم أي؟ قال : » ثم بر الوالدين « قلت : ثم أي؟ قال : » ثم الجهاد في سبيل الله « » .(6/251)
وأخرج البخاري في الأدب المفرد ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : رضا الله في رضا الوالد ، وسخط الله في سخط الوالد .
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده قال : قلت يا رسول الله ، من أبر؟ قال : « أمك . قلت : من أبر؟ قال : أمك . قلت : من أبر؟ قال : أمك . قلت : من أبر؟ قال : أباك ، ثم الأقرب فالأقرب » .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والبيهقي ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه أتاه رجل فقال : إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني ، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه ، فغرت عليها فقتلتها ، فهل لي من توبة؟ قال : أمك حية؟ قال : لا . قال : تب إلى الله ، وتقرب إليه ما استطعت . فذهبت فسألت ابن عباس - رضي الله عنهما - لم سألت عن حياة أمه؟ فقال : إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله من بر الوالدة .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن ماجة والبيهقي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أتى رجل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما تأمرني؟ قال : « بر أمك ، ثم عاد فقال : بر أمك ، ثم عاد فقال : بر أمك ، ثم عاد الرابعة فقال : بر أباك » وأخرج البخاري في الأدب المفرد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما من مسلم له والدان يصبح إليهما محسناً إلا فتح الله له بابين - يعني من الجنة - وإن كان واحداً فواحد ، وإن أغضب أحدهما ، لم يرض الله عنه ، حتى يرضى عنه . قيل : وإن ظلماه؟؟ قال : وإن ظلماه .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن المنذر والبيهقي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال : « لا يجزي ولد والده ، إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه قيعتقه » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبخاري في الأدب والحاكم وصححه والبيهقي ، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايعه على الهجرة ، وترك أبويه يبكيان قال : « فارجع إليهما وأضحكهما كما أبكيتهما » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد الجهاد ، فقال : « ألك والدان؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد » .
وأخرج البخاري في الأدب ومسلم والبيهقي ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال :(6/252)
« رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه قالوا يا رسول الله من؟ قال : من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما فدخل النار » .
وأخرج البخاري في الأدب والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان ، عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « من بر والديه طوبى له زاد الله في عمره » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبخاري في الأدب والبيهقي ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه أبصر رجلين ، فقال : لأحدهما ما هذا منك؟ فقال أبي ، فقال : لا تسمه . وفي لفظ لا تدعه باسمه ، ولا تمش أمامه ، ولا تجلس قبله حتى يجلس ، ولا تستب له .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « رضا الله في رضا الوالدين ، وسخط الله في سخط الوالدين » .
وأخرج سعيد وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي ، عن معاوية بن جابر ، عن أبيه قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم أستشيره في الجهاد ، فقال : « ألك والدة؟ قال نعم . قال : اذهب فالزمها فإن الجنة عند رجليها » .
وأخرج عبد الرزاق ، عن طلحة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : « يا رسول الله ، إني أريد الغزو ، وقد جئت إليك أستشيرك؟ فقال : » هل لك من أم؟ قال : نعم . قال : فالزمها فإن الجنة عند رجليها ، ثم الثانية ، ثم الثالثة « » كمثل ذلك .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي ، عن أنس - رضي الله عنه - « أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه ، فقال : » هل بقي أحد من والديك؟ قال : أمي ، قال : فاتق الله فيها ، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد ، فإذا دعتك أمك فاتق الله وبرّها « » .
وأخرج البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « لنومك على السرير بين والديك تضحكهما ويضحكانك أفضل من جهادك بالسيف في سبيل الله » .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي ، عن خداش بن سلامة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصي امرأ بأمه ثلاث مرار ، وأوصي امرأ بأبيه مرتين ، وأوصي امرأً بمولاه الذي يليه ، وإن كان عليه منه أذى يؤذيه .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه والبيهقي ، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « الوالد وسط أبواب الجنة ، فاحفظ ذلك الباب ، أو ضَيِّعْهُ » .(6/253)
وأخرج البيهقي ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إني أراني في الجنة ، فبينا أنا فيها إذ سمعت صوت رجل بالقرآن ، فقلت : من هذا؟ قالوا : حارثة بن النعمان ، كذلك البر كذلك البر » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم « » نمت فرأيتني في الجنة ، فسمعت قارئاً ، يقرأ ، فقلت من هذا؟ « قالوا : حارثة بن النعمان ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » كذلك البر كذلك البر كذلك البر « قال : وكان أبر الناس بأمه » .
وأخرج البيهقي ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : مر رجل له جسم - يعني خلقاً - فقالوا : لو كان هذا في سبيل الله! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - « لعله يكد على أبوين شيخين كبيرين ، فهو في سبيل الله . لعله يكد على صبية صغار ، فهو في سبيل الله . لعله يكد على نفسه ليغنيها عن الناس ، فهو في سبيل الله » .
وأخرج البيهقي ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أحب أن يمد الله في عمره ، ويزيد في رزقه ، فليبر والديه وليصل رحمه » .
وأخرج البيهقي ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « ما من ولد بار ينظر إلى والديه نظرة رحمة ، إلا كتب الله له بكل نظرة حجة مبرورة قالوا : وإن نظر كل يوم مائة مرة؟ قال : نعم . الله أكبر وأطيب » .
وأخرج البيهقي ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « » إذا نظر الولد إلى والده - يعني - فسرّ به ، كان للولد عتق نسمة « قيل : يا رسول الله ، وإن نظر ثلاثمائة وستين نظرة؟ قال : » الله أكبر من ذلك « » .
وأخرج البيهقي ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : النظر إلى الوالد عبادة ، والنظر إلى الكعبة عبادة ، والنظر إلى المصحف عبادة ، والنظر إلى أخيك؛ حباً له في الله عبادة .
وأخرج البيهقي وضعفه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من قبل بين عيني أمه كان له ستراً من النار » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني أذنبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » ألك والدان قال : لا . قال : ألك خالة؟ قال : نعم . قال : فبرها إذن « » .(6/254)
وأخرج البيهقي عن أم أيمن رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بعض أهل بيته فقال : « لا تشرك بالله وإن عذبت وإن حرقت ، وأطع ربك ووالديك وإن أمراك أن تخرج من كل شيء فاخرج ، ولا تترك الصلاة متعمداً؛ فإنه من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله ، إياك والخمر ، فإنها مفتاح كل شر ، وإياك والمعصية؛ فإنها تسخط الله ، لا تنازِعَنَّ الأمر أهله؛ وإن رأيت أنه لك ، لا تفر من الزحف؛ وإن أصاب الناس موت ، وأنت فيهم فأثبت ، أنفق على أهلك من طولك ، ولا ترفع عصاك عنهم وأخفهم في الله عز وجل » .
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي ، عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال : كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل : « يا رسول الله ، هل بقي علي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قال : نعم . خصال أربع : الدعاء لهما ، والاستغفار لهما ، وانفاذ عهدهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما » .
وأخرج البخاري في الأدب ومسلم وأبو داود والترمذي وابن حبان والبيهقي ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ودّ أبيه بعد أن يولي الأب » .
وأخرج البخاري في الأدب ، عن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال : والذي بعث محمداً بالحق ، إنه لفي كتاب الله ، لا تقطع من كان يصل أباك ، فتطفئ بذلك نورك .
وأخرج الحاكم والبيهقي من طريق محمد بن طلحة ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لرجل من العرب كان يصحبه - يقال له عفير - يا عفير ، كيف سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الودّ؟ قال : سمعته يقول : « الودّ يتوارث ، والعداوة كذلك » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والحاكم والبيهقي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا يدخل الجنة عاق ، ولا ولد زنا ، ولا مدمن خمر ، ولا منان » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والنسائي والبيهقي ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا يدخل الجنة عاق والديه ، ولا منان ، ولا ولد زنية ، ولا مدمن خمر ، ولا قاطع رحم ، ولا من أتى ذات رحم » .
وأخرج البيهقي وضعفه ، عن طلق بن علي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(6/255)
« لو أدركت والدي أو أحدهما وأنا في صلاة العشاء ، وقد قرأت فيها بفاتحة الكتاب ، فنادى يا محمد ، لأجبتهما لبيك » .
وأخرج البيهقي وضعفه من طريق الليث بن سعد حدثني يزيد بن حوشب الفهري ، عن أبيه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لو كان جريج الراهب فقيهاً عالماً ، لعلم أن إجابته أمه أفضل من عبادته ربه » .
وأخرج البيهقي عن مكحول قال : إذا دعتك والدتك وأنت في الصلاة فأجبها ، وإذا دعاك أبوك فلا تجبه حتى تفرغ من صلاتك .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن محمد بن المنكدر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا دعتك أمك في الصلاة فأجبها ، وإذا دعاك أبوك فلا تجبه » .
وأخرج أحمد والبيهقي ، عن أبي مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار من بعد ذلك ، فأبعده الله وأسحقه » .
وأخرج أحمد والبيهقي ، عن سهل بن معاذ ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « » من العباد عباد لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولا يطهرهم « قيل : من أولئك يا رسول الله؟ قال : » المتبرئ من والديه رغبة عنهما ، والمتبرئ من ولده ، ورجل أنعم عليه قوم فكفر نعمتهم وتبرأ منهم « .
وأخرج البيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة من قتل نبياً ، أو قتله نبي ، أو قتل أحد والديه ، والمصوّرون ، وعالم لم ينتفع بعلمه « .
وأخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي والبيهقي والطبراني والخرائطي في مساوئ الأخلاق من طريق بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة ، عن أبيه عن جده أبي بكرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة ، إلا عقوق الوالدين ، فإنه يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات ، ومن رايا رايا الله به ، ومن سمع سمع الله به « .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي ، عن طاوس رضي الله عنه قال : إن من السنة أن توقر أربعة : العالم ، وذو الشيبة ، والسلطان ، والوالد . قال : ويقال أن من الجفاء : أن يدعو الرجل والده باسمه .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي ، عن كعب - رضي الله عنه - أنه سئل عن العقوق ما تجدونه في كتاب الله عقوق الوالدين؟ قال : إذا أقسم عليه لم يبره ، وإذا سأله لم يعطه ، وإذا ائتمنه خان ، فذلك العقوق .
وأخرج البيهقي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(6/256)
« ثلاث دعوات مستجابات : دعاء الوالد على ولده ، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي ، عن محمد بن النعمان يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب برّاً » .
وأخرج البيهقي ، عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الرجل ليموت والداه وهو عاق لهما فيدعو لهما من بعدهما ، فيكتبه الله من البارين » .
وأخرج البيهقي ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن العبد يموت والداه أو أحدهما ، وإنه لهما لعاق فلا يزال يدعو لهما ويستغفر لهما حتى يكتبه الله بارّاً » .
وأخرج البيهقي عن الأوزاعي رضي الله عنه قال : بلغني أن من عق والديه في حياتهما ثم قضى ديناً إن كان عليهما واستغفر لهما ولم يستسب لهما كتب بارّاً ، ومن بر والديه في حياتهما ثم لم يقض ديناً إذا كان عليهما ولم يستغفر لهما واستسب لهما كتب عاقاً « .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » « من أصبح مطيعاً لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة ، وإن كان واحداً فواحداً ، ومن أمسى عاصياً لله في والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار ، وإن كان واحداً فواحداً » قال رجل : وإن ظلماه؟ قال : « وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه » « .
وأخرج البيهقي ، عن المنكدر بن محمد بن المنكدر رضي الله عنه قال : كان أبي يبيت على السطح يروح على أمه ، وعمي يصلي إلى الصباح ، فقال له أبي ما يسرني أن ليلتي بليلتك .
وأخرج ابن سعد وأحمد في الزهد والبيهقي ، عن عبد الله بن المبارك قال : قال محمد بن المنكدر ، بات عمر أخي يصلي ، وبت أغمز رجل أمي ، وما أحب أن ليلتي بليلته .
وأخرج ابن سعد ، عن محمد بن المنكدر : أنه كان يضع خده على الأرض ثم يقول لأمه : يا أمه ، قومي فضعي قدمك على خدي .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي ، عن طاوس قال : كان رجل له أربعة بنين فمرض فقال أحدهم : إما أن تمرضوه ، وليس لكم من ميراثه شيء ، وأما أن أمرضه وليس لي من ميراثه شيء ، قالوا : بل مرضه وليس لك من ميراثه شيء ، فمرضه حتى مات ولم يأخذ من ماله شيئاً ، فأتي في النوم فقيل له : ائت مكان كذا وكذا ، فخذ منه مائة دينار ، فقال في نومه أفيها بركة؟ قالوا : لا . فأصبح فذكر ذلك لامرأته ، فقالت له خذها ، فإن من بركتها : أن تكتسي منها وتعيش بها ، فأبى ، فلما أمسى أتي في النوم فقيل له : ائت مكان كذا وكذا فخذ منه عشرة دنانير ، فقال : فيها بركة؟ قالوا : لا : فأصبح فذكر ذلك لامرأته ، فقالت له مثل ذلك ، فأبى أن يأخذها ، فأتي في النوم في الليلة الثالثة : أن ائت مكان كذا وكذا فخذ منه ديناراً ، فقال : أفيه بركة؟ قالوا : نعم .(6/257)
فذهب فأخذ الدينار ، ثم خرج به إلى السوق ، فإذا هو برجل يحمل حوتين ، فقال بكم هذان ، فقال بدينار ، فأخذهما منه بالدينار ، ثم انطلق بهما ، فلما دخل بيته شق الحوتين فوجد في بطن كل واحد منهما درة لم ير الناس مثلها ، فبعث الملك بدرة ليشتريها ، فلم توجد إلا عنده ، فباعها بوقر ثلاثين بغلاً ذهباً ، فلما رآها الملك قال : ما تصلح هذه إلا بأخت ، فاطلبوا مثلها وإن أضعفتم . قال : فجاؤوا فقالوا : عندك أختها نعطيك ضعف ما أعطيناك؟ قال : أو تفعلون؟ قالوا : نعم . فأعطاهم أختها بضعف ما أخذوا الأولى .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي ، عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه قال : لما قدم أبو موسى وأبو عامر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعوه وأسلموا . قال : « ما فعلت امرأة منكم تدعى كذا وكذا؟ قالوا تركناها في أهلها . قال : فإنها قد غفر لها . قالوا : بم يا رسول الله؟ قال : ببرها والدتها قال : كانت لها أم عجوز كبيرة ، فجاءهم النذير : إن العدو يريد أن يغير عليكم الليلة ، فارتحلوا ليلحقوا بعظيم قومهم ، ولم يكن معها ما تحتمل عليه ، فعمدت إلى أمها ، فجعلت تحملها على ظهرها ، فإذا أعيت وضعتها ، ثم ألصقت بطنها ببطن أمها ، وجعلت رجليها تحت رجلي أمها من الرمضاء حتى نجت » .
وأخرج البيهقي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ طلع شاب فقلنا : لو كان هذا الشاب جعل شبابه ونشاطه وقوته في سبيل الله ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالتنا . فقال : » وما في سبيل الله ، إلا من قتل ، ومن سعى على والديه ، فهو في سبيل الله ، ومن سعى على عياله ، فهو في سبيل الله ، ومن سعى على نفسه يغنيها فهو في سبيل الله تعالى « » .
وأخرج الحاكم ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله ، أي الناس أعظم حقاً على المرأة . قال : « زوجها . قلت : فأي الناس أعظم حقاً على الرجل . قال : أمه » .
وأخرج الحاكم عن علي رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لعن الله من ذبح لغير الله ، ثم تولى غير مولاه ، ولعن الله العاق لوالديه ، ولعن الله من نقض منار الأرض » .
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً « عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم ، وبروا آبائكم تبركم أبناؤكم ، ومن أتاه أخوه متنصلاً فليقبل ذلك منه محقاً كان أو مبطلاً ، فإن لم يفعل لم يرد على الحوض » .(6/258)
وأخرج الحاكم ، عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً « بروا آباءكم » .
وأخرج أحمد والحاكم وصححه ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : إن رجلاً هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : « قد هاجرت من الشرك - ولكنه الجهاد - هل لك أحد باليمن؟ قال : أبواي قال : أذنا لك؟ قال : لا . قال : فارجع فاستأذنهما ، فإن أذنا لك مجاهد ، وإلاّ ، فبرّهما » .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه أن موسى - عليه الصلاة والسلام - سأل ربه عز وجل فقال : يا رب ، بم تأمرني؟ قال : « بأن لا تشرك بي شيئاً » قال : وبم؟ قال : « وتبر والدتك » قال : وبم؟ قال : وبوالدتك قال : وبم؟ قال : بوالدتك؟ قال وهب رضي الله عنه : إن البر بالوالدين يزيد في العمر ، والبر بالوالدة ينبت الأصل .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن عمرو بن ميمون رضي الله عنه قال : رأى موسى عليه السلام رجلاً عند العرش ، فغبطه بمكانه ، فسأل عنه فقالوا : نخبرك بعمله ، لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ، ولا يمشي بالنميمة ، ولا يعق والديه . قال : « أي رب ، ومن يعق والديه »؟ قال : « يستسب لهما حتى يسبا » .
وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن ماجة ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه : « أن رجلاً أتاه فقال : إن امرأتي بنت عمي وإني أحبها ، وإن والدتي تأمرني أن أطلقها ، فقال : لا آمرك أن تطلقها ، ولا آمرك أن تعصي والدتك ، ولكن أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعته يقول : » إن الوالدة أوسط باب من أبواب الجنة « فإن شئت فأمسك وإن شئت فدع » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن الحسن رضي الله عنه قال : للأم ثلثا البر وللأب الثلث .
وأخرج أحمد وابن ماجة ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر ولا مكذب بقدر » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن الحسن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بر الوالدين يجزئ من الجهاد » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قيل له : ما حق الوالد على الولد؟ قال : لو خرجت من أهلك ومالك ما أديت حقهما .
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد ، عن علي بن أبي طالب قال : إذا مالت الأفياء ، وراحت الأرواح ، فاطلبوا الحوائج إلى الله ، فإنها ساعة الأوّابين ، وقرأ { فإنه كان للأوّابين غفوراً } .
وأخرج هناد ، عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه في قوله : { فإنه كان للأوّابين غفوراً } قال : الأوّاب الذي يذنب ، ثم يستغفر ، ثم يذنب ، ثم يستغفر ، ثم يذنب ثم يستغفر .
وأخرج هناد ، عن عبيد بن عمير رضي الله عنه في قوله : { فإنه كان للأوّابين غفوراً } قال : الأوّاب الذي يتذكر ذنوبه في الخلاء ، فيستغفر منها .(6/259)
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)
أخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وآت ذا القربى حقه } قال : أمره بأحق الحقوق ، وعلمه كيف يصنع إذا كان عنده ، وكيف يصنع إذا لم يكن ، فقال : { وإما تعرضن عنهم إبتغاء رحمة من ربك } قال : إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رزقاً من الله { فقل لهم قولاً ميسوراً } يقول : إن شاء الله يكون شبه العدة . قال : سفيان رحمه الله والعدة من النبي صلى الله عليه وسلم دين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وآت ذا القربى حقه } الآية . قال : هو أن تصل ذا القرابة ، وتطعم المسكين ، وتحسن إلى ابن السبيل .
وأخرج ابن جرير ، عن علي بن الحسين رضي الله عنه أنه قال لرجل من أهل الشام : أقرأت القرآن؟ قال : نعم . قال : أفما قرأت في بني إسرائيل؟ { وآت ذا القربى حقه } قال : وإنكم للقرابة الذي أمر الله أن يؤتى حقه؟ قال : نعم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في الآية . قال : كان ناس من بني عبد المطلب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه ، فإذا صادفوا عنده شيئاً أعطاهم ، وإن لم يصادفوا عنده شيئاً سكت لم يقل لهم نعم ، ولا ، لا . والقربى ، قربى بني عبد المطلب .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { وآت ذي القربى حقه والمسكين وابن السبيل } قال : هو أن توفيهم حقهم إن كان يسيراً ، وإن لم يكن عندك { فقل لهم قولاً ميسوراً } وقل لهم الخير .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وآت ذى القربى حقه } الآية . قال : بدأ فأمره بأوجب الحقوق ، ودله على أفضل الأعمال إذا كان عنده شيء . فقال : { وآت ذي القربى حقه والمسكين وابن السبيل } وعلمه إذا لم يكن عنده شيء كيف يقول . فقال : { وإما تعرضن عنهم إبتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً } عدة حسنة كأنه قد كان ، ولعله أن يكون إن شاء الله { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } لا تعطي شيئاً { ولا تبسطها كل البسط } تعطي ما عندك { فتقعد ملوماً } يلومك من يأتيك بعد ، ولا يجد عندك شيئاً { محسوراً } قال : قد حسرك من قد أعطيته .
وأخرج البخاري في الأدب ، عن كليب بن منفعة رضي الله عنه قال : قال جدي يا رسول الله ، من أبر؟ قال : « أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصولة » .
وأخرج أحمد والبخاري والبخاري في الأدب وابن ماجة والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان ، عن المقدام بن معديكرب - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(6/260)
« إن الله يوصيكم بأمهاتكم ، ثم يوصيكم بآبائكم ، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب » .
وأخرج البخاري في الأدب ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ما أنفق الرجل نفقة على نفسه وأهله يحتسبها ، إلا آجره الله فيها ، وابدأ بمن تعول ، فإن كان فضل فالأقرب الأقرب ، وإن كان فضل فناول .
وأخرج البخاري في الأدب والبيهقي في شعب الإيمان واللفظ له ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم ، فإنه لا بعد للرحم إذا قربت ، وإن كانت بعيدة ، ولا قرب لها إذا بعدت ، وإن كانت قريبة ، وكل رحم آتية يوم القيامة امام صاحبها تشهد له بصلته إن كان وصلها ، وعليه بقطيعته إن كان قطعها » .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن مسعود رضي الله عنه أن أعرابياً قال : « يا رسول الله ، إني رجل موسر ، وإن لي أماً وأباً وأختاً وأخاً وعماً وعمة وخالاً وخالة ، فأيهم أولى بصلتي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك أدناك « » .
وأخرج أحمد والحاكم والبيهقي ، عن أبي رمثة التيمي تيم الرباب قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ويقول : « يد المعطي العليا أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك » .
وأخرج الطبراني والحاكم والشيرازي في الألقاب والبيهقي ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز وجل ليَعْمر للقوم الديار ويُكثر لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضاً قيل يا رسول الله ، وبم ذلك : قال : بصلتهم أرحامهم » .
وأخرج البيهقي وابن عدي وابن لال في مكارم الأخلاق وابن عساكر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن أهل البيت إذا تواصلوا أجرى الله عليهم الرزق ، وكانوا في كنف الرحمن عز وجل » .
وأخرج البيهقي وابن جرير والخرائطي في مكارم الأخلاق من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم ، حتى إن أهل البيت ليكونون فجاراً ، فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا وصلوا الرحم ، وإن أعجل المعصية عقاباً ، البغي ، واليمين الفاجرة ، تذهب المال ، وتعقم الرحم ، وتدع الديار بلاقع » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن ثعلبة بن زهدم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب : « يد المعطي العليا ، ويد السائل السفلى ، وابدأ بمن تعول ، أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك فأدناك » .(6/261)
وأخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية { وآت ذي القربى حقه } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت { وآت ذي القربى حقه } أقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة فدكا .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يعطي وكيف يعطي وبمن يبدأ فأنزل الله { وآت ذي القربى حقه والمسكين وابن السبيل } فأمر الله أن يبدأ بذي القربى ، ثم بالمسكين وابن السبيل ومن بعدهم . قال : { ولا تبذر تبذيراً } يقول الله عز وجل : ولا تعط مالك كله فتقعد بغير شيء . قال : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } فتمنع ما عندك ، فلا تعطي أحداً { ولا تبسطها كل البسط } فنهاه أن يعطي إلا ما بين له . وقال له : { وأما تعرضن عنهم } يقول : تمسك عن عطائهم { فقل لهم قولاً ميسوراً } يعني قولاً معروفاً ، لعله أن يكون ، عسى أن يكون .
وأخرج أحمد والحاكم وصححه ، عن أنس أن رجلاً قال : « يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة ، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع؟ قال : » تخرج الزكاة المفروضة ، فإنها مطهرة تطهرك ، وتصل أقاربك ، وتعرف حق السائل ، والجار والمسكين « فقال : يا رسول الله ، أقلل لي؟ قال : { فآت ذي القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً } قال : حسبي رسول الله » .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري في الأدب وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله : { ولا تبذر تبذيراً } قال : التبذير ، إنفاق المال في غير حقه .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - نتحدث أن التبذير النفقة في غير حقه .
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { إن المبذرين } قال : هم الذين ينفقون المال في غير حقه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { ولا تبذر تبذيراً } يقول : لا تعط مالك كله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : من السرف ، أن يكتسي الإنسان ويأكل ويشرب مما ليس عنده ، وما جاوز الكفاف فهو التبذير .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير ، وما تصدقت فلك ، وما أنفقت رياء وسمعة ، فذلك حظ الشيطان .(6/262)
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر ، عن عطاء الخراساني رضي الله عنه قال : جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « لا أجد ما أحملكم عليه » { تولوا وأعينهم تفيض من الدمع } [ التوبة : 92 ] حزناً ظنوا ذلك ، من غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى { وإما تعرضن عنهم إبتغاء رحمة من ربك } الآية . قال : الرحمة ، الفيء .
وأخرج ابن جرير من طريق الخراساني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { إبتغاء رحمة } قال : رزق .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { وإما تعرضن عنهم إبتغاء رحمة من ربك ترجوها } قال : انتظار رزق الله .
وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : { وإما تعرضن عنهم } يقول : لا تجد شيئاً تعطيهم { ابتغاء رحمة من ربك } يقول : انتظار رزق الله من ربك ، نزلت فيمن كان يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - من المساكين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { فقل لهم قولاً ميسوراً } قال : ليناً سهلاً ، سيكون إن شاء الله تعالى فأفعل ، سنصيب إن شاء الله فأفعل .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { فقل لهم قولاً ميسوراً } يقول : قل لهم نعم وكرامة ، وليس عندنا اليوم ، فإن يأتنا شيء نعرف حقكم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { قولاً ميسوراً } قال : قولاً جميلاً ، رزقنا الله وإياك بارك الله فيك .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فقل لهم قولاً ميسوراً } قال : العدة . قال سفيان : والعدة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دين ، والله أعلم .(6/263)
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)
أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر ، عن يسار بن الحكم رضي الله عنه قال : أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزمن العراق ، وكان معطاء كريماً ، فقسمه بين الناس ، فبلغ ذلك قوماً من العرب ، فقالوا : أنأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنسأله؟ فوجدوه قد فرغ منه ، فأنزل الله { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } قال : محبوسة { ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً } يلومك الناس { محسوراً } ليس بيدك شيء .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن المنهال بن عمر وقال : بعثت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابنها فقالت : قل له اكسني ثوباً ، فقال : ما عندي شيء ، فقال : ارجع إليه فقل له اكسني قميصك ، فرجع إليه فنزع قميصه فأعطاه إياه . فنزلت { ولا تجعل يدك مغلولة } الآية .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : « جاء غلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم فقال : إن أمي تسألك كذا وكذا؟ فقال : ما عندنا اليوم شيء » قال : فتقول لك اكسني قميصك ، فخلع قميصه فدفع إليه ، فجلس في البيت حاسراً « فأنزل الله { ولا تجعل يدك مغلولة } الآية .
وأخرج ابن مردويه ، عن أبي أمامة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : وضرب بيده ، » أنفقي ما ظهر [ 7 ] كفى « قالت : إذاً لا يبقى شيء . قال ذلك : ثلاث مرات ، فأنزل الله تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولة } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { ولا تجعل يدك مغلولة } قال : يعني بذلك البخل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } قال : هذا في النفقة . يقول : لا تجعلها مغلولة ، لا تبسطها بخير { ولا تبسطها كل البسط } يعني التبذير { فتقعد ملوماً } يلوم نفسه على ما فاته من ماله . { محسوراً } ذهب ماله كله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } قال نهاه عن السرف والبخل .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فتقعد ملوماً محسوراً } قال : ملوماً عند الناس محسوراً من المال .
وأخرج الطستي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { ملوماً محسوراً } قال مستحياً خجلاً قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر :
ما فاد من مني يموت جوادهم ... إلا تركت جوادهم محسوراً
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(6/264)
« الرفق في المعيشة خير من نض التجارة » .
وأخرج ابن عدي والبيهقي ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من فقه الرجل أن يصلح معيشته » قال : « وليس من حبك الدنيا طلب ما يصلحك » .
وأخرج ابن عدي والبيهقي ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من فقهك رفقك في معيشتك » .
وأخرج البيهقي ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الإقتصاد في التفقه نصف المعيشة » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله عليه وسلم : « ما عال من اقتصد » .
وأخرج ابن عدي والبيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما عال مقتصد قط » .
وأخرج البيهقي ، عن عبد الله بن شبيب رضي الله عنه قال : يقال حسن التدبير مع العفاف خير من الغنى مع الإسراف .
وأخرج البيهقي ، عن مطرف رضي الله عنه قال : خير الأمور أوسطها .
وأخرج الديلمي ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « التدبير نصف المعيشة ، والتودّد نصف العقل ، والهم نصف الهرم ، وقلة العيال أحد اليسارين » .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن يونس بن عبيد رضي الله عنه قال : كان يقال : التودّد إلى الناس نصف العقل ، وحسن المسألة نصف العلم ، والاقتصاد في المعيشة يلقي عنك نصف المؤنة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه قال : ثم أخبرنا كيف يصنع بنا فقال : { إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } ثم أخبر عباده أنه لا يرزؤه ولا يؤوده أن لو بسط الرزق عليهم ، ولكن نظراً لهم منه فقال تبارك وتعالى { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير } قال : والعرب إذا كان الخصب وبسط عليهم أسروا وقتل بعضهم بعضاً! وجاء الفساد وإذا كان السنة شغلوا عن ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } قال : ينظر له ، فإن كان الغنى خيراً له اغناه ، وإن كان الفقر خيراً له أفقره .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } قال : يبسط لهذا مكراً به ، ويقدر لهذا نظراً له .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن زيد قال : كل شيء في القرآن يقدر فمعناه يقلل .(6/265)
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } أي خشية الفاقة . وكان أهل الجاهلية يقتلون البنات خشية الفاقة ، فوعظهم الله في ذلك وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم على الله فقال : { نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيراً } أي إثماً كبيراً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { خشية إملاق } قال : مخافة الفاقة والفقر .
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { خشية إملاق } قال : مخافة الفقر . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت الشاعر وهو يقول :
وإني على الاملاق يا قوم ماجد ... اعدّ لأضيافي الشواء المطهيا
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله : { خطأ } قال : خطيئة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ { خطأ كبيراً } مهموزة من قبل الخطا والصواب .
وأخرج أحمد وأبو يعلى ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كانت له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات اتقى الله وقام عليهن كان معي في الجنة هكذا وأشار بأصابعه الأربع » .
وأخرج أحمد وابن منيع ، عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كن له ثلاث بنات يمونهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة ألبتة » قيل : يا رسول الله ، فإن كن اثنتين؟ قال : وإن كن اثنتين « .
وأخرج أحمد والترمذي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » لا يكون لأحد ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فيتقي الله فيهن ويحسن إليهن إلا دخل الجنة « .
وأخرج أحمد والطبراني والحاكم ، عن سراقة بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : » « يا سراقة ألا أدلك على أعظم الصدقة؟ » قال : بلى يا رسول الله . قال : « إن ابنتك مردودة إليك ليس لها كاسب غيرك » « .(6/266)
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { ولا تقربوا الزنا } قال : يوم نزلت هذه الآية لم تكن حدود ، فجاءت بعد ذلك الحدود في سورة النور .
وأخرج أبو يعلى وابن مردويه ، عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قرأ « ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً إلا من تاب فإن الله كان غفاراً رحيماً » فذكر لعمر رضي الله عنه فأتاه فسأله فقال : أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لك عمل ، إلا الصفق بالبقيع .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة } قال قتادة ، عن الحسن - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : « » لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ، ولا ينتهب حين ينتهب وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا يغل حين يغل وهو مؤمن « قيل : يا رسول الله ، والله إن كنا لنرى أنه يأتي ذلك وهو مؤمن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إذا فعل شيئاً من ذلك نزع الإيمان من قلبه فإن تاب تاب الله عليه « » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع المؤمنون إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن » .
وأخرج أبو داود والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه : « إذا زنى المؤمن خرج منه الإيمان فكان عليه كالظلة ، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : الإيمان نور فمن زنى فارقه الإيمان فمن لام نفسه فراجع راجعه الإيمان .
وأخرج البيهقي وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء ، فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان ، فإن تاب رد عليه » .
وأخرج البيهقي ، عن أبي صالح رضي الله عنه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه وسأله عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن » فأين يكون الإيمان منه؟ قال أبو هريرة - رضي الله عنه - يكون هكذا عليه ، وقال : بكفه فوق رأسه ، فإن تاب ونزع رجع إليه .(6/267)
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما - أنه كان يسمي عبيده بأسماء العرب : عكرمة وسميع وكريب وقال لهم : تزوّجوا ، فإن العبد إذا زنى نزع منه نور الإيمان رد الله عليه بعد أو أمسكه .
وأخرج البيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا شباب قريش ، احفظوا فروجكم لا تزنوا ، ألا من حفظ الله له فرجه دخل الجنة » .
وأخرج الطبراني والحاكم والبيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا ظهر الزنا والربا في قرية ، فقد أحلوا بأنفسهم كتاب الله » .
وأخرج الطبراني والحاكم وابن عدي والبيهقي ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الزنا يورث الفقر » .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن بريدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم ، ولا ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله عليهم الموت ، ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر » .
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا عن الهيثم بن مالك الطائي رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له » .
وأخرج أحمد ، عن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما من قوم يظهر فيهم الزنا إلا أخذوا بالسنة ، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أُخذوا بالرعب » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لم يزن عبد قط إلا نزع الله نور الإيمان منه : إن شاء رده وإن شاء منعه .
وأخرج الحكيم الترمذي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ، ولا يقتل وهو مؤمن ، فإذا فعل ذلك نزع منه نور الإيمان كما ينزع منه قميصه ، فإن تاب تاب الله عليه » .
وأخرج أحمد ومسلم والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم : شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر » .(6/268)
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله عنها : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن أسامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما تركت على أمتي بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لم يكن كفر من مضى إلا من قبل النساء ، وهو كائن كفر من بقي من قبل النساء .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن أبان بن عثمان رضي الله عنه قال : تعرف الزناة بنتن فروجهن يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن أبي صالح رضي الله عنه قال : بلغني أن أكثر ذنوب أهل النار النساء .(6/269)
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)
أخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } الآية . قال : كان هذا بمكة والنبي صلى الله عليه وسلم بها ، وهو أول شيء نزل من القرآن في شأن القتل .
كان المشركون من أهل مكة يغتالون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « من قتلكم من المشركين ، فلا يحملنكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أباً ، أو أخاً ، وأحداً من عشيرته ، وإن كانوا مشركين فلا تقتلوا إلا قاتلكم » وهذا قبل أن تنزل براءة ، وقبل أن يؤمروا بقتال المشركين . فذلك قوله : { فلا يسرف في القتل } يقول : لا تقتل غير قاتلك ، وهي اليوم على ذلك الموضع من المسلمين ، لا يحل لهم أن يقتلوا إلا قاتلهم .
وأخرج البيهقي في سننه ، عن زيد بن أسلم رضي الله عنه : أن الناس في الجاهلية كانوا إذا قتل الرجل من القوم رجلاً ، لم يرضوا حتى يقتلوا به رجلاً شريفاً ، إذا كان قاتلهم غير شريف ، لم يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيره ، فوعظوا في ذلك بقول الله : { ولا تقتلوا النفس } إلى قوله { فلا يسرف في القتل } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً } قال : بينة من الله أنزلها يطلبها ولي المقتول القود أو العقل ، وذلك السلطان .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { فلا يسرف في القتل } قال : لا يكثر من القتل .
وأخرج ابن المنذر من طريق أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فلا يسرف في القتل } قال : لا يقتل إلا قاتل رحمه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه ، عن طلق بن حبيب في قوله : { فلا يسرف في القتل } قال : لا يقتل غير قاتله ، ولا يمثل به .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { فلا يسرف في القتل } قال : لا يقتل اثنين بواحد .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { فلا يسرف في القتل } قال : لا يقتل غير قاتله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه { فلا يسرف في القتل } قال : من قَتَلَ بحديدة قُتِلَ بحديدة ، ومن قَتَلَ بخشبة قُتِلَ بخشبة ، ومن قَتَلَ بحجر قُتِلَ بحجر ، ولا يقتل غير قاتله .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(6/270)
« إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجة ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أعق الناس قتلة أهل الإيمان » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود ، عن سمرة بن جندب وعمران بن حصين قالا : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن يعلى بن مرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله : « لا تمثلوا بعبادي » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً } يقول : ينصره السلطان حتى ينصفه من ظالمه . ومن انتصر لنفسه دون السلطان ، فهو عاص مسرف قد عمل بحمية أهل الجاهلية ، ولم يرض بحكم الله تعالى .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { إنه كان منصوراً } قال : إن المقتول كان منصوراً .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر ، عن الكسائي قال : هي قراءة أبي بن كعب « فلا تسرفوا في القتل ان وليه كان منصوراً » .
وأخرج الطبراني وابن عساكر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنه لما كان من أمر هذا الرجل ، ما كان ، يعني عثمان ، قلت لعلي رضي الله عنه اعتزل ، فلو كنت في جحر طلبت حتى تستخرج ، فعصاني ، وايم الله ليتأمرن عليكم معاوية ، وذكر أن الله تعالى يقول : { ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً } .
وأخرج ابن جرير ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } قال : كانوا لا يخالطونهم في مال ، ولا مأكل ، ولا مركب ، حتى نزلت { وإن تخالطوهم فإخوانكم } [ البقرة : 220 ] .(6/271)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً } قال : يوم أنزلت هذه كان إنما يسأل عنه ، ثم يدخل الجنة ، فنزلت { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة } [ آل عمران : 77 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { إن العهد كان مسؤولاً } قال : يسأل الله ناقض العهد عن نقضه .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله : { إن العهد كان مسؤولاً } قال : لا يسأل عهده من أعطاه إياه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ميمون بن مهران رضي الله عنه قال : ثلاث تُؤدى إلى البر والفاجر ، العهد يوفى إلى البر والفاجر ، وقرأ { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال : من نكث بيعة ، كانت ستراً بينه وبين الجنة . قال : وإنما تهلك هذه الأمة بنكثها عهودها .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { وأوفوا الكيل إذا كلتم } يعني لغيركم { وزنوا بالقسطاس المستقيم } يعني الميزان . وبلغة الروم الميزان القسطاس { ذلك خير } يعني وفاء الكيل والميزان خير من النقصان { وأحسن تأويلاً } عاقبة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ذلك خير وأحسن تأويلاً } أي خير ثواباً وعاقبة . وأخبرنا أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول : يا معشر الموالي ، إنكم وليتم أمرين : بهما هلك الناس قبلكم ، هذا المكيال ، وهذا الميزان . قال : وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : « لا يقدر رجل على حرام ، ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله ، إلا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك » .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : { القسطاس } العدل بالرومية .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن قتادة { وزنوا بالقسطاس } قال : العدل .
وأخرج ابن المنذر ، عن الضحاك رضي الله عنه { وزنوا بالقسطاس } قال : القبان .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه { وزنوا بالقسطاس } قال : بالحديد والله أعلم .(6/272)
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا تقْفُ } قال : لا تقل .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله : { ولا تقف ما ليس لك به علم } يقول : لا ترم أحداً بما ليس لك به علم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن الحنفية - رضي الله عنه - في قوله : { ولا تقف ما ليس لك به علم } قال : شهادة الزور .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { ولا تقف ما ليس لك به علم } قال : هذا في الفرية . يوم نزلت الآية لم يكن فيها حد ، إنما كان يسأل عنه يوم القيامة ، ثم يغفر له حتى نزلت هذه آية الفرية جلد ثمانين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله : { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً } يقول : سمعه وبصره يشهد عليه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ولا تقف ما ليس لك به علم } قال : لا تقل سمعت ، ولم تسمع ، ولا تقل : رأيت ، ولم تر ، فإن الله سائلك عن ذلك كله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عمرو بن قيس رضي الله عنه في قوله : { كل أولئك كان عنه مسؤولاً } قال : يقال للأذن يوم القيامة هل سمعت؟ ويقال للعين : هل رأيت؟ ويقال للفؤاد : مثل ذلك .
وأخرج الفريابي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { كل أولئك كان عنه مسؤولاً } قال : يوم القيامة ، يقال أكذاك كان أم لا؟ .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها بريء ، كان حقاً على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار ، حتى يأتي بنفاذ ما قال » .
وأخرج أبو داود وابن أبي الدنيا في الصمت ، عن معاذ بن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : « من حمى مؤمناً من منافق ، بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ، ومن قفا مؤمناً بشيء يريد شينه ، حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال » .(6/273)
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ولا تمش في الآرض مرحاً } قال : لا تمش فخراً وكبراً ، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال ، ولا أن تخرق الأرض بفخرك وكبرك .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التواضع ، عن محبس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا مشيت أمتي المطيطا وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم على بعض » .
وأخرج ابن أبي الدنيا ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يخطر في مشيه فقال : إن للشيطان إخواناً .
وأخرج ابن أبي الدنيا ، عن خالد بن معدان رضي الله عنه قال : إياكم والخطر فإن الرجل قد تنافق يده من دون سائر جسده .(6/274)
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عبد الله بن كثير رضي الله عنه أنه كان يقرأ « كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروهاً » على واحد يقول : هذه الأشياء التي نهيت عنها ، كل سيئة .(6/275)
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)
أخرج ابن جرير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن التوراة كلها في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ، ثم تلا { ولا تجعل مع الله إلهاً آخر } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي رضي الله عنه ، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله : { مدحوراً } قال مطروداً .(6/276)
أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { واتخذ من الملائكة إناثاً } قالت اليهود : الملائكة بنات الحق! وفي قوله : { قل لو كان معه آلهة } الآية . يقول : { لو كان معه آلهة } إذا لعرفوا فضله ومزيته عليهم ، فابتغوا ما يقربهم إليه ، إنهم ليس كما يقولون .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً } قال : على أين ينزلوا ملكه .
قوله تعالى : { تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن عبد الرحمن بن قرط رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى - كان جبريل عليه السلام عن يمينه ، وميكائيل عليه السلام عن يساره ، فطارا به حتى بلغ السموات العلى ، فلما رجع قال : « سمعت تسبيحاً في السموات العلى مع تسبيح كثير ، سبحت السموات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلو بما علا سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن لوط بن أبي لوط قال : بلغني أن تسبيح سماء الدنيا ، سبحان ربنا الأعلى ، والثانية سبحانه وتعالى ، والثالثة سبحانه وبحمده ، والرابعة سبحانه لا حول ولا قوة إلا به ، والخامسة سبحان محيي الموتى وهو على كل شيء قدير ، والسادسة سبحان الملك القدوس ، والسابعة سبحان الذي ملأ السموات السبع والأرضين السبع عزة ووقاراً .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وهو جالس مع أصحابه إذ سمع هزة فقال : » أطت السماء وحق لها أن تئط « قالوا : وما الأطيط؟ قال : » تناقضت السماء ويحقها أن تنقض ، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلا فيه جبهة ملك ساجد يسبح الله بحمده « » .
وأخرج ابن مردويه ، عن علي رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ { تسبح له السموات السبع والأرض } بالتاء .
قوله تعالى : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه ، إن نوحاً قال لابنه يا بني؛ آمرك أن تقول : سبحان الله ، فإنها صلاة الخلق ، وتسبيح الخلق ، وبها يرزق الخلق » قال الله تعالى : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } .
وأخرج أحمد وابن مردويه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(6/277)
« إن نوحاً لما حضرته الوفاة قال لابنيه : آمركما بسبحان الله وبحمده ، فإنها صلاة كل شيء ، وبها يرزق كل شيء » .
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في فضائل الذكر ، عن عائشة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « صوت الديك صلاته ، وضربه بجناحيه سجوده وركوعه » ثم تلا هذه الآية : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ينادي مناد من السماء ، اذكروا الله يذكركم ، فلا يسمعها أول من الديك ، فيصيح فذلك تسبيحه .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تضربوا وجوه الدواب ، فإن كل شيء يسبح بحمده » .
وأخرج أبو الشيخ ، عن عمر رضي الله عنه قال : لا تلطموا وجوه الدواب ، فإن كل شيء يسبح بحمده .
وأخرج أحمد عن معاذ بن أنس رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - إنه مر على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل - فقال لهم : « اركبوها سالمة ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق ، فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكراً للهِ منه » .
وأخرج ابن مردويه ، عن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما تستقل الشمس فيبقى من خلق الله تعالى إلا سبح الله بحمده إلا ما كان من الشيطان وأغنياء بني آدم » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : ما من عبد يسبح الله تسبيحة ، إلا سبح ما خلق الله من شيء . قال الله تعالى : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } .
وأخرج ابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن النمل يسبحن » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قرصت نملة نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت ، فأوحى الله إليه من أجل نملة واحدة أحرقت أمة من الأمم تسبح » .
وأخرج النسائي وأبو الشيخ وابن مردويه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع ، وقال : نعيقها تسبيح » .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } قال : الزرع يسبح بحمده ، وأجره لصاحبه ، والثوب يسبح .(6/278)
ويقول الوسخ : إن كنت مؤمناً فاغسلني إذاً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي قبيل رضي الله عنه قال : الزرع يسبح وثوابه للذي زرع .
وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كل شيء يسبح بحمده إلا الحمار والكلب .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة في قوله : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } قال : الاسطوانة تسبح ، والشجرة تسبح .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن عكرمة رضي الله عنه قال : لا يعيبن أحدكم دابته ، ولا ثوبه ، فإن كل شيء يسبح بحمده .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والخطيب ، عن أبي صالح رضي الله عنه قال : ذكر لنا أن صرير الباب تسبيحه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي غالب الشيباني رضي الله عنه قال : صوت البحر تسبيحه ، وأمواجه صلاته .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن النخعي رضي الله عنه قال : الطعام تسبيح .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو الشيخ ، عن ميمون بن مهران رضي الله عنه قال : أتي أبو بكر الصديق رضي الله عنه بغراب وافر الجناحين ، فجعل ينشر جناحه ويقول : ما صيد من صيد ولا عضدت من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح .
وأخرج ابن راهويه في مسنده من طريق الزهري رضي الله عنه قال : أتي أبو بكر الصديق رضي الله عنه بغراب وافر الجناحين ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول : « ما صيد من صيد ولا عضدت عضاة ولا قطعت وشيجة إلا بقلة التسبيح » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما صيد من صيد ولا وشج من وشج إلا بتضييعه التسبيح » .
وأخرج عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما صيد من طير في السماء ولا سمك في الماء حتى يدع ما افترض الله عليه من التسبيح » .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أخذ طائر ولا حوت إلا بتضييع التسبيح » .
وأخرج أبو الشيخ ، عن مرثد بن أبي مرثد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يصطاد شيء من الطير والحيتان إلا بما يضيع من تسبيح الله » .
وأخرج ابن عساكر من طريق يزيد بن مرثد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما اصطيد طير في بر ولا بحر إلا بتضييعه التسبيح » .
وأخرج العقيلي في الضعفاء وأبو الشيخ والديلمي ، عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(6/279)
« آجال البهائم كلها وخشاش الأرض والنمل والبراغيث والجراد والخيل والبغال والدواب كلها وغير ذلك آجالها في التسبيح ، فإذا انقضى تسبيحها قبض الله أرواحها ، وليس إلى ملك الموت منها شيء » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } قال : ما من شيء في أصله الأول لن يموت إلا وهو يسبح بحمده .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } قال : ما من شيء في أصله الأول لن يموت إلا وهو يسبح بحمده .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن شوذب قال : جلس الحسن مع أصحابه على مائدة فقال بعضهم : هذه المائدة تسبح الآن فقال الحسن : كلا إنما ذاك كل شيء على أصله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن إبراهيم قال الطعام تسبيح .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : لا تقتلوا الضفادع فإن أصواتها تسبيح .
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ظن داود عليه السلام أن أحداً لم يمدح خالقه أفضل مما مدحه ، وأن ملكاً نزل وهو قاعد في المحراب والبركة إلى جانبه فقال : يا داود افهم إلى ما تصوّت به الضفدع ، فأنصت داود عليه السلام فإذا الضفدع يمدحه بمدحة لم يمدحه بها داود عليه السلام فقال له الملك : كيف تراه يا داود؟ قال : أفهمت ما قالت؟ قال : نعم . قال : ماذا قالت؟ قال : قالت : سبحانك وبحمدك منهتى علمك يا رب . قال داود عليه السلام : والذي جعلني نبيه ، إني لم أمدحه بهذا .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان ، عن صدقة بن يسار رضي الله عنه قال : كان داود عليه السلام في محرابه ، فأبصر درة صغيرة ففكر في خلقها وقال : ما يعبأ الله بخلق هذه؟ فأنطقها الله فقالت : يا داود أتعجبك نفسك؟ لأنا على قدر ما آتاني الله ، أذكر لله وأشكر له منك ، على ما آتاك الله . قال الله : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } .
وأخرج ابن المنذر ، عن الحسن رضي الله عنه قال : هذه الآية في التوراة ، كقدر ألف آية { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } قال في التوراة : تسبح له الجبال ويسبح له الشجر ويسبح له كذا ويسبح له كذا .
وأخرج أحمد في الزهد وأبو الشيخ ، عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال : كان داود عليه السلام يسمَّى النوّاح في كتاب الله عز وجل ، وانه انطلق حتى أتى البحر فقال : أيها البحر ، إني هارب . قال : من الطالب الذي لا ينأى طلبه .(6/280)
قال : فاجعلني قطرة من مائك ، أو دابة مما فيك ، أو تربة من تربتك ، أو صخرة من صخرك . قال : أيها العبد الهارب الفار من الطالب الذي لا ينأى طلبه ، ارجع من حيث جئت ، فإنه ليس مني شيء إلا بارز ، ينظر الله عز وجل إليه قد أحصاه وعده عداً فلست أستطيع ذلك ، ثم انطلق حتى أتى الجبل ، فقال : أيها الجبل ، اجعلني حجراً من حجارتك أو تربة من تربتك أو صخرة من صخرك أو شيئاً مما في جوفك . فقال : أيها العبد الهارب الفار من الطالب الذي لا ينأى طلبه ، إنه ليس مني شيء إلا يراه الله وينظر إليه وقد أحصاه وعده عداً ، فلست أستطيع ذلك . ثم انطلق حتى أتى على الأرض يعني الرمل فقال : أيها الرمل ، اجعلني تربة من تربك أو صخرة من صخرك أو شيئاً مما في جوفك . فأوحى الله إليه أجبه . فقال : أيها العبد الفار من الطالب الذي لا ينأى طلبه ، ارجع من حيث جئت فاجعل عملك لقمسين : لرغبة أو لرهبة ، فعلى أيهما أخذك ربك لم تبال ، وخرج فأتى البحر في ساعة فصلى فيه ، فنادته ضفدعة فقالت : يا داود ، إنك حدثت نفسك أنك قد سبحت في ساعة ليس يذكر الله فيها غيرك ، وإني في سبعين ألف ضفدعة كلها قائمة على رجل تسبح الله تعالى وتقدسه .
وأخرج أحمد وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : صلى داود عليه السلام ليلة حتى أصبح ، فلما أن أصبح وجد في نفسه غروراً ، فنادته ضفدعة يا داود ، كنت أدأب منك قد أغفيت إغفاءة .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى رضي الله عنه قال : بلغني أنه ليس شيء أكثر تسبيحاً من هذه الدودة الحمراء .
وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن رضي الله عنه قال : التراب يسبح فإذا بني فيه الحائط سبح .
وأخرج أبو الشيخ ، عن عكرمة رضي الله عنه قال : إذا سمعت تغيضاً من البيت أو من الخشب والجدر فهو تسبيح .
وأخرج أبو الشيخ ، عن خيثمة رضي الله عنه قال : كان أبو الدرداء يطبخ قدراً فوقعت على وجهها فعلت تسبح .
وأخرج أبو الشيخ ، عن سليمان بن المغيرة قال : كان مطرف رضي الله عنه إذا دخل بيته فسبح سبحت معه آنية بيته .
وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن رضي الله عنه قال : لولا ما غمي عليكم من تسبيح ما معكم في البيوت ما تقاررتم .
وأخرج أبو الشيخ ، عن مسعر رضي الله عنه قال : لولا ما غمى الله عليكم من تسبيح خلقه ما تقاررتم .
وأخرج أبو الشيخ ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } قال : كل شيء فيه الروح يسبح .
وأخرج أبو الشيخ ، عن مجاهد رضي الله عنه { وإن من شيء إلا يسبح بحمده } قال : صلاة الخلق تسبيحهم ، سبحان الله وبحمده .(6/281)
وأخرج النسائي وابن مردويه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم - نعد الآيات بركة ، وأنتم تعدونها تخويفاً . بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - ليس معنا ماء فقال لنا : « اطلبوا من معه فضل ماء » فأتي بماء فوضعه في إناء ثم وضع يده فيه ، فجعل الماء يخرج من بين أصابعه . ثم قال : « حي على الطهور المبارك والبركة من الله » فشربنا منه . قال عبد الله : كنا نسمع صوت الماء وتسبيحه وهو يشرب .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة وابن مردويه ، عن ابن مسعود قال : كنا نأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل .
وأخرج أبو الشيخ ، عن أنس قال : « أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام ثريد ، فقال : » إن هذا الطعام يسبح « قالوا : يا رسول الله ، وتفقه تسبيحه؟ قال : نعم . ثم قال لرجل : » أدن هذه القصعة من هذا الرجل « فأدناها منه فقال : نعم يا رسول الله ، هذا الطعام يسبح! فقال : » أدْنِها من آخر « وأدناها منه فقال : هذا الطعام يسبح . ثم قال : ردها فقال رجل : يا رسول الله ، لو أمرت على القوم جميعاً ، فقال : لا » إنها لو سكتت عند رجل لقالوا من ذنب ردها فردها « » .
وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية ، عن أبي حمزة الثمالي قال : قال محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنه وسمع عصافير يصحن قال : تدري ما يقلن؟ قلت : لا . قال : يسبحن ربهن عز وجل ويسألن قوت يومهن .
وأخرج الخطيب ، عن أبي حمزة قال : كنا مع علي بن الحسين رضي الله عنه فمر بنا عصافير يصحن فقال : أتدرون ما تقول هذه العصافير؟ فقلنا : لا . قال : أما إني ما أقول إنا نعلم الغيب ، ولكني سمعت أبي يقول : سمعت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله عنه يقول : إن الطير إذا أصبحت سبحت ربها ، وسألته قوت يومها ، وإن هذه تسبح ربها ، وتسأله قوت يومها .
وأخرج الخطيب في تاريخه ، عن عائشة قالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : « » يا عائشة ، اغسلي هذين البردين « فقلت : يا رسول الله ، بالأمس غسلتهما ، فقال لي : » أما علمت أن الثوب يسبح ، فإذا اتسخ انقطع تسبيحه « » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { إنه كان حليماً غفوراً } قال : حليماً عن خلقه ، فلا يعجل كعجلة بعضهم على بعض ، غفوراً لهم إذا ثابوا .
وأخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل ، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : لما نزلت(6/282)
{ تبت يدا أبي لهب } [ المسد : 1 ] أقبلت العوراء أم جميل ، ولها ولولة ، وفي يدها فهر وهي تقول :
مذمماً أبينا ... ودينه قلينا
وأمره عصينا ... ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، وأبو بكر رضي الله عنه إلى جنبه ، فقال أبو بكر : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك ، فقال : « إنها لن تراني » وقرأ قرآنا اعتصم به . كما قال تعالى : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } فجاءت حتى قامت على أبي بكر رضي الله عنه : فلم تَرَ النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا أبا بكر ، بلغني أن صاحبك هجاني؟ فقال أبو بكر - رضي الله عنه - لا ورب هذا البيت ، ما هجاك ، فانصرفت وهي تقول : قد علمت قريش أني بنت سيدها .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل من وجه آخر ، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : أن أم جميل دخلت على أبي بكر وعنده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا ابن أبي قحافة ، ما شأن صاحبك ينشد في الشعر؟ فقال : والله ما صاحبي بشاعر ، وما يدري ما الشعر . فقالت : أليس قد قال : { في جيدها حبل من مسد } [ المسد : 5 ] فما يدريه ما في جيدي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قل لها : « هل ترين عندي أحداً؟ فإنها لن تراني جعل بيني وبينها حجاب » فقال لها أبو بكر رضي الله عنه : فقالت : أتهزأ بي؟ والله ما أرى عندك أحداً .
وأخرج ابن مردويه ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : كنت جالساً عند المقام ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم - في ظل الكعبة بين يدي - إذ جاءت أم جميل بنت حرب بن أمية زوجة أبي لهب ، ومعها فهران ، فقالت : أين الذي هجاني وهجا زوجي؟ والله لئن رأيته لارضن أنثييه بهذين الفهرين . وذلك عند نزول { تبت يدا أبي لهب } قال أبو بكر رضي الله عنه : فقلت لها : يا أم جميل ، ما هجاك ولا هجا زوجك . قالت : والله ما أنت بكذاب وإن الناس ليقولون ذلك ، ثم ولت ذاهبة . فقلت : يا رسول الله ، إنها لم ترك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « حال بيني وبينها جبريل » .
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني في الأفراد وأبو نعيم في الدلائل ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « لما نزلت { تبت يدا أبي لهب } جاءت امرأة أبي لهب فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله ، لو تنحيت عنها ، فإنها امرأة بذية ، فقال : » إنه سيحال بيني وبينها فلا تراني « فقال : يا أبا بكر ، هجانا صاحبك؟ قال : والله ما ينطق بالشعر ، ولا يقوله . فقالت : إنك لمصدق ، فاندفعت راجعة . فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله ، ما رأتك؟ قال : » كان بيني وبينها ملك يسترني بجناحه حتى ذهبت « » .(6/283)
وأخرج ابن إسحق وابن المنذر ، عن ابن شهاب رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا القرآن على مشركي قريش ودعاهم إلى الله قالوا : يهزؤون به { قلوبنا في أكنة بما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب } [ السجدة : 5 ] فأنزل الله في ذلك من قولهم { وإذا قرأت القرآن } الآيات .
وأخرج ابن عساكر وولده القاسم في كتاب آيات الحرز ، عن العباس بن محمد المنقري رضي الله عنه قال : قدم حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه المدينة حاجّاً ، فاحتجنا إلى أن نوجه رسولاً ، وكان في الخوف ، فأبى الرسول أن يخرج ، وخاف على نفسه من الطريق ، فقال الحسين رضي الله عنه : أنا أكتب لك رقعة فيها حرز لن يضرك شيء إن شاء الله تعالى ، فكتب له رقعة وجعلها الرسول في صورته ، فذهب الرسول فلم يلبث أن جاء سالماً ، فقال : مررت بالأعراب يميناً وشمالاً فما هيجني منهم أحد ، والحرز عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب ، وإن هذا الحرز كان الأنبياء يتحرزون به من الفراعنة : { بسم الله الرحمن الرحيم } { قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون } [ المؤمنون : 109 ] { إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } [ مريم : 18 ] أخذت بسمع الله وبصره وقوّته على أسماعكم وأبصاركم وقوتكم يا معشر الجن والإنس والشياطين والأعراب والسباع والهوام واللصوص ، مما يخاف ويحذر فلان بن فلان ، سترت بينه وبينكم بستر النبوّة التي استتروا بها من سطوات الفراعنة ، جبريل ، عن أيمانكم ، وميكائيل ، عن شمائلكم ، ومحمد صلى الله عليه وسلم أمامكم ، والله سبحانه وتعالى من فوقكم يمنعكم من فلان بن فلان في نفسه وولده وأهله وشعره وبشره وماله وما عليه وما معه وما تحته وما فوقه . { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } { وجعلنا على قلوبهم أكنة } إلى قوله { نفوراً } وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } قال : الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه ، وأن ينتفعوا به ، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن زهير بن محمد وإذا قرأت القرآن الآية قال : ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا صوته ولا يرونه .(6/284)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراً } قال : بغضاً لما تتكلم به لئلا يسمعوه ، كما كان قوم نوح يجعلون أصابعهم في آذانهم ، لئلا يسمعوا ما يأمرهم به من الاستغفار والتوبة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراً } قال : الشياطين .
وأخرج البخاري في تاريخه ، عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال : لم كتمتم { بسم الله الرحمن الرحيم } فنعم الاسم والله كتموا! فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل منزله ، اجتمعت عليه قريش ، فيجهر ( ببسم الله الرحمن الرحيم ) ويرفع صوته بها ، فتولي قريش فراراً ، فأنزل الله { وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراً } .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { إذ يستمعون إليك } قال : عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { إذ يستمعون إليك } قال : هي في مثل قول الوليد بن المغيرة ومن معه في دار الندوة وفي قوله : { فلا يستطيعون سبيلاً } قال : مخرجاً يخرجهم من الأمثال التي ضربوا لك ، الوليد بن المغيرة ، وأصحابه .
وأخرج ابن إسحق والبيهقي في الدلائل ، عن الزهري رضي الله عنه قال : حدثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة يستمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته ، فأخذ كل رجل منهم مجلساً يستمع فيه ، وكل لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعتهم الطريق فتلاوموا ، فقال بعضهم لبعض : لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً ، ثم انصرفوا حتى إذا كان الليلة الثانية ، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له حتى طلع الفجر تفرقوا ، فجمعتهم الطريق فقال بعضهم لبعض : مثل ما قالوا أول مرة ، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة ، أخذ كل واحد منهم مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود ، فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا ، فلما أصبح الأخنس أتى أبا سفيان في بيته فقال : أخبرني عن رأيك فيما سمعت من محمد . قال : والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها . قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به . ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ، فقال : ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال : ماذا سمعت! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف في الشرف ، أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الركب ، وكنا كفرسي رهان؛ قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء ، فمتى ندرك هذه ، والله لا نؤمن به أبداً ، ولا نصدقه فقام عنه الأخنس وتركه والله أعلم .(6/285)
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ورفاتاً } قال غباراً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ورفاتاً } قال : تراباً . وفي قوله : { قل كونوا حجارة أو حديداً } قال : ما شئتم فكونوا فسيعيدكم الله كما أنتم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله : { أو خلقاً مما يكبر في صدروكم } قال : الموت . قال : لو كنتم موتى لأحييتكم .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير والحاكم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { أو خلقاً مما يكبر في صدروكم } قال : الموت .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة ، عن الحسن رضي الله عنه مثله .
وأخرج عبد الله بن أحمد وابن جرير وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { أو خلقاً مما يكبر في صدروكم } قال : هو الموت ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم من الموت فكونوا الموت ان استطعتم ، فإن الموت سيموت .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فسينغضون إليك رؤوسهم } قال : يحركون رؤوسهم استهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج الطستي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : { فسينغضون إليك رؤوسهم } قال : يحركون رؤوسهم استهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر وهو يقول :
اتنغض لي يوم الفخار وقد ترى ... خيولاً عليها كالأسود ضواريا
وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ويقولون متى هو } قال : الإعادة والله تعالى أعلم .(6/286)
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فتستجيبون بحمده } قال بأمره .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { فتستجيبون بحمده } قال : يخرجون من قبورهم وهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده } أي بمعرفته وطاعته { وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً } أي في الدنيا تحاقرت الأعمار في أنفسهم ، وقلت حين عاينوا يوم القيامة .
وأخرج الحكيم الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في منشرهم وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن » .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة عند الموت ولا في القبور ، ولا في الحشر كأني بأهل لا إله إلا الله قد خرجوا من قبورهم ينفضون رؤوسهم من التراب يقولون الحمد الله الذي أذهب عنا الحزن » .
وأخرج الخطيب في التاريخ ، عن موسى بن هرون الحمال قال حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الموصلي رضي الله عنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت : يا رسول الله ، إن يحيى الحماني حدثنا ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن ابن عمر عنك صلى الله عليك - أنك قلت ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في منشرهم وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن . فقال : صدق الحماني .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن سيرين رضي الله عنه في قوله : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن } قال لا إله إلا الله .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن } قال : يعفوا عن السيئة .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن } قال : لا يقول له مثل ما يقول ، بل يقول له : يرحمك الله ، يغفر الله لك .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه قال : نزغ الشيطان تحريشه .
وأخرج البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بالسلاح ، فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزغ في يده ، فيقع في حفرة من نار » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { إن الشيطان كان للإنسان عدوّاً مبيناً } قال : عادوه ، فإنه يحق على كل مسلم عداوته ، وعداوته أن تعاديه بطاعة الله .(6/287)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)
أخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم } قال : فتؤمنوا { وإن يشأ يعذبكم } فتموتوا على الشرك كما أنتم .(6/288)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } قال : اتخذ الله إبراهيم خليلاً ، وكلم موسى تكليماً ، وجعل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فكان ، وهو عبد الله ورسوله من كلمة الله وروحه ، وآتى سليمان ملكاً عظيماً لا ينبغي لأحد من بعده ، وآتى داود زبوراً ، وغفر لمحمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله : { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } قال : كلم الله موسى ، وأرسل محمداً إلى الناس كافة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وآتينا داود زبوراً } قال : كنا نحدث أنه دعاء علمه داود وتحميد أو تمجيد الله عز وجل ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال : الزبور ثناء على الله ودعاء وتسبيح .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن عبد الرحمن بن مردويه قال : في زبور آل داود ثلاثة أحرف : طوبى لرجل لا يسلك سبيل الخطائين ، وطوبى لمن لم يأتمر بأمر الظالمين ، وطوبى من لم يجالس البطالين .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : في أول شيء من مزامير داود عليه السلام : طوبى لرجل لا يسلك طريق الخطائين ولم يجالس البطالين ، ويستقيم على عبادة ربه عز وجل ، فمثله كمثل شجرة نابتة على ساقية لا يزال فيها الماء يفضل ثمرها في زمان الثمار ، ولا تزال خضراء في غير زمان الثمار .
وأخرج أحمد ، عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : قرأت في بعض زبور داود - عليه السلام - تساقطت القرى وأبطل ذكرهم ، وأنا دائم الدهر مقعد كرسي للقضاء .
وأخرج أحمد ، عن وهب رضي الله عنه قال : وجدت في كتاب داود - عليه السلام - أن الله تبارك وتعالى يقول : « بعزتي وجلالي إنه من أهان لي ولياً ، فقد بارزني بالمحاربة ، وما ترددت عن شيء أريد ، ترددي عن موت المؤمن ، قد علمت أنه يكره الموت ولا بد له منه ، وأنا أكره أن أسوءه » قال : وقرأت في كتاب آخر : ان الله تبارك وتعالى يقول : « كفاني لعبدي مالاً إذا كان عبدي في طاعتي أعطيته قبل أن يسألني ، واستجبت له من قبل أن يدعوني ، فإني أعلم بحاجته التي ترفق به من نفسه » قال : وقرأت في كتاب آخر : إن الله عز وجل يقول : « بعزتي إنه من اعتصم بي وإن كادته السموات بمن فيهن ، والأرضون بمن فيهن ، فإني أجعل له من بين ذلك مخرجاً ، ومن لم يعتصم بي ، فإني أقطع يديه من أسباب السماء ، وأخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء ، ثم أكله إلى نفسه » .(6/289)
وأخرج أحمد ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : في حكمة آل داود وحق على العاقل أن لا يشتغل عن أربع ساعات : ساعة يناجي ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفضي فيها إلى اخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ، ويصدقونه عن نفسه ، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل ، فإن هذه الساعات : عون على هذه الساعات ، وإجماع للقلوب ، وحق على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه ، حافظاً للسانه ، مقبلاً على شأنه ، وحق على العاقل أن لا يظعن إلا في احدى ثلاث : زاد لمعاد ، أو مرمة لمعاش ، أو لذة في غير محرم .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ، عن خالد الربعي رضي الله عنه قال : وجدت فاتحة الزبور الذي يقال له : زبور داود عليه السلام - أن رأس الحكمة خشية الله تعالى .
وأخرج أحمد ، عن أيوب الفلسطيني رضي الله عنه قال : مكتوب في مزامير داود عليه السلام : « أتدري لمن أغفر قال : لمن يا رب؟ قال : للذي إذا أذنب ذنباً ارتعدت لذلك مفاصله ، فذلك الذي آمر ملائكتي أن لا يكتبوا عليه ذلك الذنب » .
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : مكتوب في الزبور ، بطلت الامانة ، والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين ، يهلك الله عز وجل كل ذي شفتين مختلفتين . قال : ومكتوب في الزبور ، بنار المنافق تحترق المدينة .
وأخرج أحمد ، عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : مكتوب في الزبور - وهو أول الزبور - « طوبى لمن لم يسلك سبيل الأثمة ، ولم يجالس الخطائين ، ولم يفيء في هم المستهزئين ، ولكن همه سنة الله عز وجل ، وإياها يتعلم بالليل والنهار ، مثله مثل شجرة تنبت على شط تؤتي ثمرتها في حينها ، ولا يتناثر من ورقها شيء ، وكل عمله بأمري ، ليس ذلك مثل عمل المنافقين » .
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : قرأت في الزبور بكبر المنافق يحترق المسكين .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : قرأت في آخر زبور داود - عليه الصلاة والسلام - ثلاثين سطراً « يا داود هل تدري أي المؤمنين أحب إلي أن أطيل حياته؟ الذي قال لا إله إلا الله أقشعر جلده ، وإني أكره لذلك الموت كما تكره الوالدة لولدها ، ولا بد له منه ، إني أريد أن أسره في دار سوى هذه الدار ، فإن نعيمها بلاء ، ورخاءها شدة ، فيها عدو لا يألوهم خبالاً يجري منه مجرى الدم ، من أجل ذلك عجلت أوليائي إلى الجنة .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن مالك بن مغول قال : في زبور داود مكتوب » إني أنا الله لا إله إلا أنا ملك الملوك قلوب الملوك بيدي ، فأيما قوم كانوا على طاعة جعلت الملوك عليهم رحمة ، وأيما قوم كانوا على معصية ، جعلت الملوك عليهم نقمة ، لا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك ، ولا تتوبوا إليهم ، توبوا إليَّ أعطف قلوبهم عليكم « .(6/290)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)
أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل ، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله : { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً } قال : كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن ، فأسلم النفر من الجن ، وتمسك الإنسيون بعبادتهم ، فأنزل الله { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة } كلاهما بالياء .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن ، فأسلم الجنيون ، والنفر من العرب لا يشعرون بذلك .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كانت قبائل من العرب يعبدون صنفاً من الملائكة يقال لهم الجن ، ويقولون هم بنات الله ، فأنزل الله { أولئك الذين يدعون } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية . قال : كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيراً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فلا يملكون كشف الضر عنكم } قال : عيسى وأمه وعزير .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { أولئك الذين يدعون } قال : هم عيسى وعزير والشمس والقمر .
وأخرج الترمذي وابن مردويه واللفظ له ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « » سلوا الله لي الوسيلة « قالوا : وما الوسيلة؟ قال : » القرب من الله « ثم قرأ { يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب } » .(6/291)
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة } قال : مبيدوها أو معذبوها . قال : بالقتل والبلاء كل قرية في الأرض سيصيبها بعض هذا .
وأخرج ابن جرير من طريق سماك بن حرب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله رضي الله عنه قال : إذا ظهر الزنا ، والربا في قرية ، أذن الله في هلاكها .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن إبراهيم التيمي في قوله : { كان ذلك في كتاب مسطوراً } قال : في اللوح المحفوظ .(6/292)
وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)
أخرج أحمد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً ، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعون ، فقيل له : » إن شئت أن تتأنى بهم ، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا ، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم من الأمم « . قال لا : » بل أستأني بهم « » فأنزل الله { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } .
وأخرج أحمد والبيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهباً ونؤمن لك . قال : » وتفعلون « قالوا : نعم . فدعا فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال : » إن ربك يقرئك السلام ويقول لك إن شئت أصبح الصفا لهم ذهباً فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة « قال : » باب التوبة والرحمة « » .
وأخرج البيهقي في الدلائل ، عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال : « قال الناس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو جئتنا بآية كما جاء بها صالح والنبيون . فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن شئتم دعوت الله فأنزلها عليكم ، وإن عصيتم هلكتم ، فقالوا : لا نريدها » .
وأخرج ابن جرير ، عن قتادة قال : « قال أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كان ما تقول حقاً ، ويسرك أن نؤمن ، فحول لنا الصفا ذهباً ، فأتاه جبريل فقال : » إن شئت كان الذي سألك قومك ، ولكنه إن كان ، ثم لم يؤمنوا لم ينظروا ، وإن شئت استأنيت بقومك « قال : » بل أستأني بقومي « » فأنزل الله : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } وأنزل الله { ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون } [ الأنبياء : 6 ] .
وأخرج ابن جرير ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } قال : رحمة لكم أيتها الأمة . قال : إنا لو أرسلنا بالآيات ، فكذبتم بها أصابكم ما أصاب من قبلكم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال : لم تؤت قرية بآية فكذبوا بها ، إلا عذبوا وفي قوله : { وآتينا ثمود الناقة مبصرة } قال : آية .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً } قال : الموت .(6/293)
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن جرير وابن المنذر ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً } قال : الموت الذريع .
واخرج ابن أبي داود في البعث ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً } قال : الموت من ذلك .
وأخرج ابن جرير ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً } قال : إن الله يخوّف الناس بما شاء من آياته لعلهم يعتبون ، أو يذكرون ، أو يرجعون . ذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود رضي الله عنه فقال : يا أيها الناس ، إن ربكم يستعتبكم فاعتبوه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس } قال : عصمك من الناس .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { إن ربك أحاط بالناس } قال : فهم في قبضته .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { إن ربك أحاط بالناس } قال : أحاط بهم ، فهو مانعك منهم وعاصمك ، حتى تبلغ رسالته .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن ابن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } قال : هي رؤيا عين ، أريها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به إلى بيت المقدس ، وليست برؤيا منام { والشجرة الملعونة في القرآن } قال : هي شجرة الزقوم .
وأخرج سعيد بن منصور ، عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك } قال : ما أري في طريقه إلى بيت المقدس .
وأخرج ابن سعد وأبو يعلى وابن عساكر ، عن أم هانئ رضي الله عنها ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسري به أصبح يحدث نفراً من قريش وهم يستهزئون به ، فطلبوا منه آية ، فوصف لهم بيت المقدس ، وذكر لهم قصة العير . فقال الوليد بن المغيرة : هذا ساحر ، فأنزل الله تعالى : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } .
وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر ، عن الحسن رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصبح يحدث بذلك ، فكذب به أناس ، فأنزل الله فيمن ارتد : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية ، قال : هو ما رأى في بيت المقدس ليلة أسري به .(6/294)
وأخرج ابن جرير ، عن قتادة - رضي الله عنه - { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } يقول : أراه من الآيات والعبر في مسيره إلى بيت المقدس . ذكر لنا أن ناساً ارتدوا بعد إسلامهم حين حدثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمسيره أنكروا ذلك ، وكذبوا به ، وعجبوا منه ، وقالوا أتحدثنا أنك سرت مسيرة شهرين في ليلة واحدة! .
وأخرج ابن جرير ، عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني فلان ينزون على منبره نزو القردة ، فساءه ذلك ، فما استجمع ضاحكاً حتى مات ، وأنزل الله { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة ، وأنزل الله في ذلك { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة } يعني الحكم وولده » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أريت بني أمية على منابر الأرض ، وسيتملكونكم ، فتجدونهم أرباب سوء » واهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك : فأنزل الله { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } .
وأخرج ابن مردويه ، عن الحسين بن علي رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أصبح وهو مهموم ، فقيل : مالك يا رسول الله؟ فقال : « إني رأيت في المنام كأن بني أمية يتعاورون منبري هذا » فقيل : يا رسول الله ، لا تهتهم فإنها دنيا تنالهم . فأنزل الله : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر ، عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أمية على المنابر فساءه ذلك ، فأوحى الله إليه : « إنما هي دنيا أعطوها » ، فقرت عينه وهي قوله : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } يعني بلاء للناس .
وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة رضي الله عنها « أنها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لأبيك وجدك » إنكم الشجرة الملعونة في القرآن « » .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما في قوله : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك } الآية . قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أري أنه دخل مكة هو وأصحابه ، وهو يومئذ بالمدينة ، فسار إلى مكة قبل الأجل ، فرده المشركون ، فقال أناس قدْ رُدَّ وكان حدثنا أنه سيدخلها ، فكانت رجعته فتنتهم .(6/295)
وأخرج ابن اسحق وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال أبو جهل لما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم شجرة الزقوم تخويفاً لهم يا معشر قريش ، هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوّفكم بها محمد؟ قالوا : لا . قال : عجوة يثرب بالزبد - والله لئن استمكنا منها لنتزقمها تزقما . فأنزل الله : { إن شجرة الزقوم طعام الأثيم } [ الدخان : 43 ، 44 ] وأنزل الله { والشجرة الملعونة في القرآن } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { والشجرة الملعونة في القرآن } قال : هي شجرة الزقوم خوفوا بها . قال أبو جهل : أيخوفني ابن أبي كبشة بشجرة الزقوم؟ ثم دعا بتمر وزبد فجعل يقول : زقموني . فأنزل الله تعالى : { طلعها كأنه رؤوس الشياطين } [ الصافات : 65 ] وأنزل الله { ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً } .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { والشجرة الملعونة } قال : ملعونة لأن { طلعها كأنه رؤوس الشياطين } [ الصافات : 65 ] وهم ملعونون .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ونخوفهم } قال : أبو جهل بشجرة الزقوم { فما يزيدهم } قال : ما يزيد أبا جهل { إلا طغياناً كبيراً } .(6/296)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في الآية قال : حسد إبليس آدم عليه السلام على ما أعطاه الله من كرامة وقال : أنا ناري ، وهذا طيني ، فكان بدء الذنوب الكبر .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال إبليس : إن آدم خلق من تراب ومن طين خلق ضعيفاً ، وإني خلقت من نار والنار تحرق كل شيء { لأحتنكن ذريته إلا قليلاً } فصدق ظنه عليهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { لأحتنكن } قال : لأستولين .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { لأحتنكن ذريته } قال : لأحتوينهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { لأحتنكن ذريته } قال : لأضلنهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { جزاء موفوراً } قال : وافراً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً } يقول : يوفر عذابها للكافر فلا يدخر عنهم منها شيء .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } قال : صوته كل داع دعا إلى معصية الله { وأجلب عليهم بخيلك } قال : كل راكب في معصية الله { وشاركهم في الأموال } قال : كل مال في معصية الله { والأولاد } قال : ما قتلوا من أولادهم ، وأتوا فيهم الحرام .
وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد } قال : كل خيل تسير في معصية الله ، وكل رجل يمشي في معصية الله ، وكل مال أخذ بغير حقه وكل ولد زنا .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } قال : استنزل من استطعت منهم بالغناء والمزامير واللهو والباطل { وأجلب عليهم بخيلك ورجلك } قال كل راكب وماش في معاصي الله { وشاركهم في الأموال والأولاد } قال : كل مال أخذ بغير طاعة الله تعالى ، وأنفق في غير حقه ، والأولاد ، أولاد الزنا .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وشاركهم في الأموال والأولاد } قال : الأموال ما كانوا يحرمون من أنعامهم والأولاد أولاد الزنا .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عباس في الآية قال : مشاركته في الأموال ، ان جعلوا البحيرة والسائبة والوصيلة ، لغير الله ومشاركته إياهم في الأولاد سمو عبد الحارث وعبد شمس .(6/297)
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس - رضي الله عنه - رفعه قال : قال إبليس يا رب ، إنك لعنتني واخرجتني من الجنة من أجل آدم ، وإني لا أستطيعه إلا بك . قال : فأنت المسلط . قال : أي رب ، زدني قال : { أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد } .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر ، عن ثابت رضي الله عنه قال : بلغنا أن إبليس قال : يا رب ، إنك خلقت آدم وجعلت بيني وبينه عداوة ، فسلطني ، قال : صدورهم مساكن لك . قال : رب زدني . قال : لا يولد لآدم ولد ، إلا ولد لك عشرة . قال : رب زدني . قال : تجري منهم مجرى الدم . قال : رب زدني . قال : { أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد } فشكا آدم - عليه السلام - إبليس إلى ربه . قال : يا رب ، إنك خلقت إبليس وجعلت بيني وبينه عداوة وبغضاً ، وسلطته علي ، وأنا لا أطيقه إلا بك . قال : لا يولد لك ولد إلا وكلت به ملكين يحفظانه من قرناء السوء . قال : رب زدني . قال : الحسنة بعشر أمثالها قال : رب زدني . قال : لا أحجب عن أحد من ولدك التوبة ما لم يغرغر . والله أعلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } قال : عبادي الذين قضيت لهم بالجنة ، ليس لك عليهم أن يذنبوا ذنباً ، إلا أغفر لهم .(6/298)
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { يزجي } قال : يجري .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عطاء الخراساني رضي الله عنه في قوله : { يزجي لكم الفلك } قال : يسيرها في البحر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني رضي الله عنه قال : { الفلك } السفن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي رضي الله عنه في قوله : { إنه كان بكم رحيماً } قال : نزلت في المشركين .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { أو يرسل عليكم حاصباً } قال : مطر الحجارة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { أو يرسل عليكم حاصباً } قال : حجارة من السماء { ثم لا تجدوا لكم وكيلاً } أي منعة ولا ناصراً { أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى } أي مرة أخرى في البحر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فيرسل عليكم قاصفاً من الريح } قال : التي تغرق .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : القاصف والعاصف في البحر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { قاصفاً } قال : عاصفاً . وفي قوله : { ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً } قال : نصيراً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { تبيعاً } قال : ثائراً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً } قال : لا يتبعنا أحد بشيء من ذلك .(6/299)
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)
أخرج الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب في تاريخه ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من شيء أكرم على الله من بني آدم يوم القيامة . قيل : يا رسول الله ، ولا الملائكة المقربون؟! . . قال : ولا الملائكة . . . الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر » .
وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفاً وقال : هو الصحيح .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : المؤمن أكرم على الله من ملائكته .
وأخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الملائكة قالت : يا رب ، أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون ، ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو ، فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة . قال : لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم مثله .
وأخرج ابن عساكر من طريق عروة بن رويم قال : حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الملائكة قالوا : ربنا خلقتنا وخلقت بني آدم . . . فجعلتهم يأكلون الطعام ويشربون الشراب ويلبسون الثياب ويأتون النساء ويركبون الدواب وينامون ويستريحون ، ولم تجعل لنا من ذلك شيئاً . . . فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة . فقال الله : لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان » .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن عروة بن رويم مرسلاً .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عروة بن رويم الأنصاري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة : يا رب ، خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون ، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة ، فقال الله تعالى : لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان » .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من وجه آخر ، عن عروة بن رويم اللخمي ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر نحوه إلا أنه قال : « ويركبون الخيل » ولم يذكر ونفخت فيه من روحي .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طرق ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولقد كرمنا بني آدم } قال : جعلناهم يأكلون بأيديهم ، وسائر الخلق يأكلون بأفواههم .
وأخرج الحاكم في التاريخ والديلمي ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : { ولقد كرمنا بني آدم } قال :(6/300)
« الكرامة ، الأكل بالأصابع » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر رضي الله عنه قال : ما من رجل يرى مبتلى فيقول : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، وفضلني عليك وعلى كثير من خلقه تفضيلاً ، إلا عافاه الله من ذلك البلاء كائناً ما كان .
وأخرج أبو نعيم والبيهقي في الدلائل ، عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله خلق السموات سبعاً فاختار العليا منها ، فأسكنها من شاء من خلقه ، ثم خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم ، واختار من بني آدم العرب واختار من العرب مضر ، واختار من مضر قريشاً واختار من قريش بني هاشم ، واختارني من بني هاشم ، فأنا من خيار الأخيار » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { يوم ندعو كل أُناس بإمامهم } قال : إمام هدى وإمام ضلالة .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب في تاريخه ، عن أنس رضي الله عنه في قوله : { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } قال : بنبيهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه مثله .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } قال : بكتاب أعمالهم .
وأخرج ابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } قال : يدعى كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم » .
وأخرج الترمذي وحسنه والبزار وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } قال : « يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ، ويُمَدّ لَهُ في جسمه ستين ذراعاً ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من نور يتلألأ ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون : اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا حتى يأتيهم فيقول : أبشروا . . . لكل رجل منكم مثل هذا .
وأما الكافر ، فيسوّد له وجهه ويُمَدّ له في جسمه ستين ذراعاً على صورة آدم ، ويلبس تاجاً من نار فيراه أصحابه فيقولون : نعوذ بالله من شر هذا . . . اللهم لا تأتنا بهذا . قال فيأتيهم . فيقول : ربنا أخّرْه فيقول : ابعدكم الله ، فإن لكل رجل منكم مثل هذا » .
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس فسأله رجل : أرأيت قوله تعالى : { ومن كان في هذه أعمى .(6/301)
. . فهو في الآخرة أعمى } فقال ابن عباس رضي الله عنهما : لم تصب المسألة ، اقرأ ما قبلها { ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر } حتى بلغ { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً } فقال ابن عباس رضي الله عنهما : فمن كان أعمى عن هذا النعيم الذي قَدْ رَأَى وعايَنَ ، فهو في أمر الآخرة التي لم تُرَ ولَمْ تعاين { أعمى وأضل سبيلاً } .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { ومن كان } في الدنيا { أعمى } عما يرى من قدرتي من خلق السماء والأرض والجبال والبحار والناس والدواب وأشباه هذا { فهو } عما وصفت له في الآخرة ولم يره { أعمى وأضل سبيلاً } يقول : أبعد حجة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس : من عمي عن قدرة الله في الدنيا فهو في الآخرة أعمى .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن قتادة في الآية قال : من عمي عما يراه من الشمس والقمر والليل والنهار وما يرى من الآيات ولم يصدق بها ، فهو عما غاب عنه من آيات الله أعمى وأضل سبيلاً .(6/302)
وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)
أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : إن أمية بن خلف وأبا جهل بن هشام ورجالاً من قريش ، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : تعال فاستلم آلهتنا وندخل معك في دينك ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه فراق قومه ويحب إسلامهم ، فرقّ لهم فأنزل الله { وإن كادوا ليفتنونك . . . } إلى قوله { نصيراً } .
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي ، عن باذان عن جابر بن عبد الله مثله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر فقالوا : لا ندعك تستلمه حتى تستلم آلهتنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما عليّ لو فعلت والله يعلم مني خلافه؟ فأنزل الله { وإن كادوا ليفتنونك . . . } إلى قوله { نصيراً } » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف يقول له المشركون : استلم آلهتنا كي لا تضرك فكاد يفعل فأنزل الله { وإن كادوا ليفتنونك . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير رضي الله عنه ، أن قريشاً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : إن كنت أُرْسِلْتَ إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم لنكون نحن أصحابك ، فركن إليهم فأوحى الله إليه { وإن كادوا ليفتنونك . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال : أنزل الله { والنجم إذا هوى } [ النجم : 1 ] فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { أفرأيتم اللات والعزى } [ النجم : 19 ] فألقى عليه الشيطان كلمتين : لك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى . فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم ما بقي من السورة وسجد ، فأنزل الله { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك . . . } الآية . فما زال مغموماً مهموماً حتى أنزل الله تعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي . . . } [ الحج : 52 ] الآية .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن ثقيفاً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أجّلْنا سنة حتى نهدي لآلهتنا ، فإذا قبضنا الذي يهدى للآلهة أحرزناه ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة . فهم أن يؤجلهم فنزلت { وإن كادوا ليفتنونك . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ضعف الحياة وضعف الممات } يعني ، ضعف عذاب الدنيا والآخرة .
وأخرج البيهقي في كتاب عذاب القبر ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { ضعف الحياة } قال : هو عذاب القبر .
وأخرج البيهقي عن عطاء رضي الله عنه في قوله : { وضعف الممات } قال : عذاب القبر .(6/303)
وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77) أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : كانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يسكنون الشام ، فمالك والمدينة؟ فَهَمَّ أن يشخص فأنزل الله تعالى { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض } الآية .
وأخرج ابن جرير عن حضرمي رضي الله عنه ، أنه بلغه أن بعض اليهود قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أرض الأنبياء أرض الشام ، وإن هذه ليست بأرض الأنبياء . فأنزل الله تعالى { وإن كادوا ليستفزونك . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر ، عن عبد الرحمن بن غنم رضي الله عنه : أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : « إن كنت نبياً فالْحَقْ بالشام ، فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا فغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام ، فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض . . . } إلى قوله : { تحويلاً } فأمره بالرجوع إلى المدينة وقال : فيها محياك وفيها مماتك وفيها تبعث . وقال له جبريل عليه السلام : سل ربك . . . فإن لكل نبي مسألة . فقال : ما تأمرني أن أسأل؟ قال : { قل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً } فهؤلاء نزلن عليه في رجعته من تبوك .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض } قال : همّ أهل مكة بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وقد فعلوا بعد ذلك فأهلكهم الله تعالى يوم بدر ، ولم يلبثوا بعده إلا قليلاً حتى أهلكهم الله يوم بدر ، وكذلك كانت سنة الله تعالى في الرسل عليهم الصلاة والسلام إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وإذاً لا يلبثون خلافَكَ إلا قليلاً } قال : يعني بالقليل يوم أخذهم ببدر ، فكان ذلك هو القليل الذي كان كثيراً بعده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : القليل ثمانية عشر شهراً .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : دلوك الشمس : غروبها . تقول العرب : إذا غربت الشمس : دلكت الشمس .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن علي رضي الله عنه قال : دلوكها ، غروبها .
وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :(6/304)
« { أقم الصلاة لدلوك الشمس } قال : لزوال الشمس » .
وأخرج البزار وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي بسند ضعيف ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : { دلوك الشمس } زوالها .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : { دلوك الشمس } زياغها بعد نصف النهار .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : دلوكها ، زوالها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { لدلوك الشمس } قال : إذا فاء الفيء .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أتاني جبريل عليه السلام لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر » .
وأخرج ابن جرير عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس ، ثم تلا { أقم الصلاة لدلوك الشمس } .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وابن مردويه ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : كنت أقود مولاي قيس بن السائب فيقول لي : أدلكت الشمس؟ فإذا قلت نعم ، صلى الظهر .
وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر عند دلوك الشمس .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله : { إلى غسق الليل } قال : العشاء الآخرة .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : { غسق الليل } اجتماع الليل وظلمته .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : { غسق الليل } بدو الليل .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { إلى غسق الليل } قال : ما الغسق؟ قال : دخول الليل بظلمته . قال فيه زهير بن أبي سلمى :
ظلت تجوب يداها وهي لاهبة ... حتى إذا جنح الإظلام في الغسق
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال : { دلوك الشمس } حين تزيغ . و { غسق الليل } غروب الشمس .
وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { دلوك الشمس } إذا زالت عن بطن السماء و { غسق الليل } غروب الشمس . والله سبحانه أعلم .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وقرآن الفجر } قال : صلاة الصبح .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه { وقرآن الفجر } قال : صلاة الفجر .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه في قوله : { إن قرآن الفجر كان مشهوداً } قال : تشهده الملائكة والجن .
وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله : { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً } قال : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع فيها .(6/305)
وأخرج عبد الرزاق والبخاري ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر » ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه : اقرؤوا إن شئتم { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والطبراني ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : يتدارك الحرسان من ملائكة الله تعالى ، حارس الليل وحارس النهار عند صلاة الصبح ، اقرؤوا إن شئتم { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً } ثم قال : تنزل ملائكة الليل وملائكة النهار .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير والطبراني وابن مردويه ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن قرآن الفجر كان مشهوداً } قال : « يشهده الله وملائكة الليل وملائكة النهار » .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه { إن قرآن الفجر كان مشهوداً } قال : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار .
وأخرج ابن أبي شيبة عن القاسم عن أبيه قال : دخل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه المسجد لصلاة الفجر ، فإذا قوم قد أسندوا ظهورهم إلى القبلة فقال : نحّوا عن القبلة . . . لا تحولوا بين الملائكة وصلاتها ، فإن هاتين الركعتين صلاة الملائكة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة ، عن علقمة والأسود رضي الله عنهما قال : التهجد بعد نومة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : نسخ قيام الليل إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { نافلة لك } يعني ، خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقيام الليل وكتب عليه .
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في سننه ، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ثلاث هن عليّ فرائض وهن لكم سنة : الوتر والسواك وقيام الليل » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ومحمد بن نصر والبيهقي في الدلائل ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { نافة لك } قال : لم تكن النافلة لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة من أجل أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فما عمل من عمل مع المكتوب فهو نافلة له سوى المكتوب من أجل أنه لا يعمل ذلك في كفارة الذنوب فهي نوافل له وزيادة ، والناس يعملون ما سوى المكتوب في كفارة ذنوبهم فليس للناس نوافل ، إنما هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .(6/306)
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه مثله .
وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه مثله .
وأخرج محمد بن نصر عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } قال : لا تكون نافلة الليل إلا للنبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر ، عن قتادة رضي الله عنه { نافلة لك } قال : تطوّعاً وفضيلة لك .
وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن أبي أمامة رضي الله عنه في قوله : { نافلة لك } قال : كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نافلة ولكم فضيلة . وفي لفظ إنما كانت النافلة خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج الطيالسي وابن نصر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب في تاريخه ، عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال : إذا توضأ الرجل المسلم فأحسن الوضوء ، فإن قعد - قعد مغفوراً له ، وإن قام يصلي كانت له فضيلة . قيل له : نافلة؟ قال : إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم ، كيف يكون له نافلة وهو يسعى في الخطايا والذنوب!؟ ولكن فضيلة .
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء كل أمة تتبع نبيها ، يقولون : يا فلان ، اشفع لنا . حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } وسئل عنه قال : هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « المقام المحمود ، الشفاعة » .
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طرق ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : مقام الشفاعة .
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود فقال : « هو الشفاعة » .
وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تَلٍّ ، ويكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي أن أقول ما شاء الله أن أقول ، فذلك المقام المحمود » .(6/307)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق علي بن حسين قال : أخبرني رجل من أهل العلم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « تمد الأرض يوم القيامة مدّ الأديم ولا يكون لبشر من بني آدم فيها إلا موضع قدمه ، ثم أدعى أول الناس فأخر ساجداً ، ثم يؤذن لي فأقول : يا رب ، أخبرني هذا لجبريل وجبريل عن يمين الرحمن ، والله ما رآه جبريل قط قبلها أنك أرسلته إلي . وجبريل عليه السلام ساكت لا يتكلم حتى يقول الرب : صدقت . . . ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول : أي رب ، عبادك عبدوك في أطراف الأرض . فذلك المقام المحمود » .
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه والبيهقي في البعث والخطيب في المتفق والمفترق ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : يجمع الناس في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا قياماً ، لا تكلم نفس إلا بإذنه ينادي : يا محمد ، فيقول : لبيك وسعديك والخير في يديك والشرّ لَيْسَ إليك ، والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت . فهذا المقام المحمود « .
وأخرج البخاري وابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن ، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم عليه السلام فيقول : لَسْتُ بصاحب ذلك ، ثم موسى عليه السلام فيقول : كذلك ، ثم محمد صلى الله عليه وسلم فيشفع ، فيقضي الله بين الخلائق فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة « فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم .
وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » إني لأقوم المقام المحمود . قيل : وما المقام المحمود؟ قال : ذلك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلاً ، فيكون أول من يكسى إبراهيم عليه السلام ، فيقول : اكسوا خليلي . فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما ، ثم يقعد مستقبل العرش . ثم أوتَى بكسوة فألبسها فأقوم عن يمينه مقاماً لا يقومه أحد ، فيغبطني به الأولون والآخرون ، ثم يفتح نهر من الكوثر إلى الحوض « .
وأخرج ابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : » ما المقام المحمود الذي ذكر لك ربك؟ قال : يحشر الله الناس يوم القيامة عراة غرلاً ، كهيئتكم يوم ولدتم . . . هالهم الفزع الأكبر وكظمهم الكرب العظيم ، وبلغ الرشح أفواههم وبلغ بهم الجهد والشدة ، فأكون أول مدعى وأول معطى ، ثم يدعى إبراهيم عليه السلام قد كسي ثوبين أبيضين من ثياب الجنة ، ثم يؤمر فيجلس في قبل الكرسي . ثم أقوم عن يمين العرش . . . فما من الخلائق قائم غيري ، فأتكلم فيسمعون وأشهد فيصدقون « .(6/308)
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : « يجلسه على السرير » .
وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ - آدم فمن سواه - إلا تحت لوائي ، وأنا أوّل من تَنْشَقُّ عنه الأرض ولا فخر . . . فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم عليه السلام فيقولون : أنت أبونا فاشفع لنا إلى ربك . فيقول : إني أذنبت ذنباً أهبطت منه إلى الأرض ، ولكن ائتوا نوحاً . فيأتون نوحاً فيقول : إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا ، ولكن اذهبوا إلى إبراهيم . فيأتون إبراهيم فيقول : ائتوا موسى . فيأتون موسى عليه الصلاة والسلام فيقول : إني قتلت نفساً ، ولكن ائتوا عيسى . فيأتون عيسى عليه السلام فيقول : إني عُبِدْتُ من دون الله ، ولكن ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم . فيأتوني فأنطلق معهم فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها ، فيقال : من هذا؟ فأقول : محمد . فيفتحون لي ويقولون : مرحباً . فأخرّ ساجداً فيلهمني الله عز وجل من الثناء والحمد والمجد ، فيقال : ارفع رأسك . . . سل تُعْطَ ، واشفع تُشَفّعْ ، وقل يسمع لقولك . فهو المقام المحمود الذي قال الله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد رضي الله عنه في قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : يخرج الله قوماً من النار من أهل الإيمان والقبلة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فذلك المقام المحمود .
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، أنه ذكر حديث الجهنّميّين فقيل له : ما هذا الذي تحدث والله تعالى يقول : { إنك من تدخل النار فقد أخزيته } [ آل عمران : 192 ] { وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها } [ السجدة : 20 ] فقال : هل تقرأ القرآن؟ قال : نعم . قال : فهل سمعت فيه بالمقام المحمود؟ قال : نعم . قال : فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم الذي يخرج الله به من يخرج .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : يأذن الله تعالى في الشفاعة ، فيقوم روح القدس جبريل عليه السلام ، ثم يقوم إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام ، ثم يقوم عيسى أو موسى عليهما السلام ، ثم يقوم نبيكم صلى الله عليه وسلم واقفاً ليشفع ، لا يشفع أحد بعده أكثر مما شفع ، وهو المقام المحمود الذي قال الله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } .(6/309)
وأخرج ابن مردويه ، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا سألتم الله فاسألوه أن يبعثني المقام المحمود الذي وعدني » .
وأخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ، آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حَلّتْ له شفاعتي يوم القيامة » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان رضي الله عنه قال : يقال له : سل تعطه - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - واشفع تشفع ، وادع تجب . فيرفع رأسه فيقول : أمتي . مرتين أو ثلاثاً ، فقال سلمان رضي الله عنه : يشفع في كل من في قلبه مثقال حبة حنطة من إيمان أو مثقال شعيرة من إيمان أو مثقال حبة خردل من إيمان . قال سلمان رضي الله عنه : فذلكم المقام المحمود « .
وأخرج الديلمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : » قيل : يا رسول الله ، ما المقام المحمود؟ قال : ذلك يوم ينزل الله تعالى عن عرشه ، فيئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه « .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : يجلسه بينه وبين جبريل عليه السلام ، ويشفع لأمته . فذلك المقام المحمود .
وأخرج الديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : يجلسني معه على السرير « .
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خيِّر بين أن يكون عبداً نبياً أو ملكاً نبياً ، فأومأ إليه جبريل عليه السلام أن تواضع ، فاختار أن يكون عبداً نبياً . فأعطى به النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين : أنه أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع . فكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } قال : يجلسه معه على عرشه .(6/310)
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)
أخرج أحمد والترمذي وصححه ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه ، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل والضياء في المختارة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، ثم أمر بالهجرة فأنزل الله تعالى { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً } .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وقل رب أدخلني مدخل صدق . . . } الآية . قال : أخرجه الله من مكة { مخرج صدق } وأدخله المدينة { مدخل صدق } قال : وعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان ، فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله تعالى وحدوده وفرائضه وإقامة كتاب الله تعالى ، فإن السلطان عزة من الله تعالى جعلها بين عباده ، ولولا ذلك لغار بعضهم على بعض وأكل شديدهم ضعيفهم .
وأخرج الخطيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : والله لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن .
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة ، عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في الآية قال : جعل الله { مدخل صدق } المدينة { ومخرج صدق } مكة و { سلطاناً نصيراً } الأنصار .
وأخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه قرأ « أدخلني مَدْخَلَ صدق وأخرجني مَخْرَجَ صدق » بفتح الميم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { أدخلني مدخل صدق } يعني ، الموت { وأخرجني مخرج صدق } يعني ، الحياة بعد الموت .(6/311)
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلثمائة نصب ، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول : { جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً } { وجاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد } [ سبأ : 49 ] .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن المنذر ، عن جابر رضي الله عنه قال : « دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ثلثمائة وستون صنماً فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكبت لوجهها وقال : { جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً } » .
وأخرج الطبراني في الصغير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعلى الكعبة ثلثمائة وستون صنماً ، فشد لهم إبليس أقدامها بالرصاص ، فجاء ومعه قضيب فجعل يهوي به إلى كل صنم منها فيخرّ لوجهه فيقول : { جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً } حتى مر عليها كلها » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { إن الباطل كان زهوقاً } قال : ذاهباً .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وقل جاء الحق } قال : القرآن { وزهق الباطل } قال : هلك ، وهو الشيطان . وفي قوله : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة } قال : الله تعالى جعل هذا القرآن { شفاء ورحمة للمؤمنين } إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه { ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه .
وأخرج ابن عساكر عن أويس القرني رضي الله عنه قال : لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان ، قضاء الله الذي قضى { شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } .(6/312)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ونأى بجانبه } قال : تباعد منا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { كان يؤوساً } قال : قنوطاً . وفي قوله : { قل كل يعمل على شاكلته } قال : على ناحيته .
وأخرج هناد وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { على شاكلته } قال : على نيته .(6/313)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ويسألونك عن الروح } قال : يهود يسألونه .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة وهو متكئ على عسيب ، فمر بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح . وقال بعضهم : لا تسألوه . فسألوه فقالوا : يا محمد ، ما الروح؟ فما زال يتوكأ على العسيب ، وظننت أنه يوحى إليه فأنزل الله { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } .
وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن المنذر وابن حبان وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه ، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قالت قريش لليهود : أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل ، فقالوا : سلوه عن الروح ، فسألوه فنزلت { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } قالوا : أوتينا علماً كثيراً : أوتينا التوراة ، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً . فأنزل الله تعالى { قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً } [ الكهف : 109 ] .
وأخرج ابن مردويه من طريق العوفي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : « أخبرنا ، ما الروح؟ وكيف تعذب الروح التي في الجسد؟ وإنما الروح من الله ولم يكن نزل عليه فيه شيء فلم يجر إليهم شيئاً ، فأتاه جبريل عليه السلام فقال له : { قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقالوا : من جاءك بهذا؟ قال : جبريل . قالوا : والله ما قاله لك إلا عدوّ لنا . فأنزل الله تعالى { قل من كان عدوّا لجبريل . . . } [ البقرة : 97 ] الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد ، وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله : { ويسألونك عن الروح } قال : هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه ، لكل وجه منها سبعون ألف لسان . . . لكل لسان منها سبعون ألف لغة ، يسبح الله تعالى بتلك اللغات ، يخلق الله تعالى من كل تسبيحة ملكاً يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ويسألونك عن الروح } قال : هو ملك واحد له عشرة آلاف جناح ، جناحان منهما ما بين المشرق والمغرب له ألف وجه ، لكل وجه لسان وعينان وشفتان يسبحان الله تعالى إلى يوم القيامة .(6/314)
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الروح أمر من أمر الله ، وخلق من خلق الله وصورهم على صور بني آدم ، وما ينزل من السماء من ملك إلا ومعه واحد من الروح . ثم تلا { يوم يقوم الروح والملائكة صفاً } [ النبأ : 38 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن عكرمة رضي الله عنه قال : سئل ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } لا تنال هذه المنزلة ، فلا تزيدوا عليها . قولوا كما قال الله وعلّم نبيه صلى الله عليه وسلم { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن عبد الله بن بريدة رضي الله عنه قال : لقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم وما يعلم الروح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن زياد ، أنه بلغه أن رجلين اختلفا في هذه الآية { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } فقال أحدهما : إنما أريد بها أهل الكتاب وقال الآخر : بل إنه محمد صلى الله عليه وسلم . فانطلق أحدهما إلى ابن مسعود رضي الله عنه فسأله فقال : ألست تقرأ سورة البقرة؟ فقال : بلى . فقال : وأي العلم ليس في سورة البقرة؟ إنما أريد بها أهل الكتاب .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ويسألونك عن الروح } قال : { الروح } ملك .
وأخرج ابن عساكر ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن أم الحكم الثقفي رضي الله عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة ، إذ عرض له اليهود فقالوا : يا محمد ، ما الروح؟ وبيده عسيب نخل فاعتمد عليه - ورفع راسه إلى السماء - ثم قال : { ويسألونك عن الروح . . . . } إلى قوله : { قليلاً } قال ابن عساكر : عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أم الحكم الثقفي قيل إن له صحبة .
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : { الروح } خلق مع الملائكة لا يراهم الملائكة ، كما لا ترون أنتم الملائكة . { الروح } حرف استأثر الله تعالى بعلمه ولم يطلع عليه أحداً من خلقه . وهو قوله تعالى : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } .
وأخرج أبو الشيخ عن سلمان رضي الله عنه قال : الإنس والجن عشرة أجزاء : فالانس جزء ، والجن تسعة أجزاء . والملائكة والجن عشرة أجزاء : فالجن من ذلك جزء ، والملائكة تسعة . والملائكة والروح عشرة أجزاء : فالملائكة من ذلك جزء ، والروح تسعة أجزاء .(6/315)
والروح والكروبيون عشرة أجزاء : فالروح من ذلك جزء ، والكروبيون تسعة أجزاء .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير ، عن عطاء بن يسار قال : نزلت بمكة { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } « فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، أتاه أحبار اليهود فقالوا : يا محمد ، ألم يبلغنا أنك تقول : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } أفعنيتنا أم قومك؟ قال : كلاًّ قد عنيت . قالوا : فإنك تتلو أنا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي في علم الله قليل ، وقد آتاكم الله ما عملتم به انتفعتم » فأنزل الله { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام . . . } [ لقمان : 27 ] إلى قوله : { إن الله سميع بصير } [ لقمان : 28 ] .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { وما أوتيتم من العلم } قال : يا محمد ، والناس أجمعون .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً } يعني اليهود .(6/316)
وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87)
أخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس قال : « لما قدم وفد اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فقالوا : » أبيت اللعن : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله . . . !! إنما يقال هذا للملك ولست ملكاً . . . أنا محمد بن عبد الله . فقالوا : إنا لا ندعوك باسمك . قال : فأنا أبو القاسم . فقالوا : يا أبا القاسم ، انا قد خبأنا لك خبيئاً . فقال : سبحان الله . . . ! إنما يفعل هذا بالكاهن ، والكاهن والمتكهن والكهانة في النار . فقال له أحدهم : فمن يشهد لك أنك رسول الله؟ فضرب بيده إلى حفنة حصا فأخذها فقال : هذا يشهد أني رسول الله فسبّحْنَ في يده فقلن : نشهد أنك رسول الله . فقالوا له : أسمعنا بعض ما أنزل عليك . فقرأ { والصافات صفاً } حتى انتهى إلى قوله : { فأتبعه شهاب ثاقب } [ الصافات : 1-10 ] فإنه لساكن ما ينبض منه عرق ، وإن دموعه لتسبقه إلى لحيته ، فقالوا له : إنا نراك تبكي . . . ! أمن خوف الذي بعثك تبكي!؟ قال : بل من خوف الذي بعثني أبكي ، إنه بعثني على طريق مثل حد السيف ، إن زغت عنه هلكت . ثم قرأ { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً } « .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن سيرفع . قيل : كيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في المصاحف . . . !؟ قال : يسرى عليه في ليلة واحدة فلا يترك منه آية في قلب ولا مصحف إلا رفعت ، فتصبحون وليس فيكم منه شيء . ثم قرأ { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك } .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ليسريَنَّ على القرآن في ليلة فلا يترك آية في مصحف أحد إلا رفعت .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : يسرى على القرآن ليلاً فيذهب به من أجواف الرجال ، فلا يبقى في الأرض منه شيء .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : اقرؤوا القرآن قبل أن يرفع ، فإنه لا تقوم الساعة حتى يرفع . قالوا : هذه المصاحف ترفع ، فكيف بما في صدور الناس . . . . !؟ قال : يعدى عليه ليلاً فيرفع من صدورهم ، فيصبحون فيقولون : لكأنا كنا نعلم شيئاً ، ثم يقعون في الشعر .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » يُدرس الإسلام كما يدرس وشْيُ الثوب ، حتى لا يدرى ما صيام ولا صدقة ولا نسك . ويسرى على كتاب الله في ليلة ، فلا يبقى في الأرض منه آية ويبقى الشيخ الكبير والعجوز يقولون : أدركنا آبائنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها « .(6/317)
وأخرج الخطيب في تاريخه ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : يوشك أن يدرس الإسلام كما يدرس وَشْي الثوب ، ويقرأ الناس القرآن لا يجدون له حلاوة ، فيبيتون ليلة فيصبحون وقد أسري بالقرآن وما قبله من كتاب ، حتى ينتزع من قلب شيخ كبير وعجوز كبير ، فلا يعرفون وقت صلاة ولا صيام ولا نسك . . . . حتى يقول القائل منهم : إنا سمعنا الناس يقولون : لا إله إلا الله ، فنحن نقول لا إله إلا الله .
وأخرج ابن أبي داود وابن أبي حاتم ، عن شمر بن عطية رضي الله عنه قال : يسرى على القران في ليلة فيقوم المتهجدون في ساعاتهم فلا يقدرون على شيء ، فيفزعون إلى مصاحفهم فلا يقدرون عليها ، فيخرج بعضهم إلى بعض فيلتقون فيخبر بعضهم بعضاً بما قد لقوا .
وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يأتي الناس زمان يُرْسَلُ إلى القرآن ويرفع من الأرض » .
وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : لا تقوم الساعة حتى يرفع القرآن من حيث نزل ، له دوي حول العرش كدوي النحل ، يقول : أُتْلَى ولا يُعْمَلُ بي .
وأخرج محمد بن نصر ، عن الليث بن سعد رضي الله عنه قال : إنما يرفع القرآن حين يقبل الناس على الكتب ويكبّون عليها ويتركون القرآن .
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « أطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإن ذهبت فعليكم بكتاب الله . . . أحلوا حلاله وحرّموا حرامه ، فإنه سيأتي على الناس زمان يسرى على القرآن في ليلة فَيُنْسَخُ من القلوب والمصاحف » .
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : يسرى على كتاب الله فيرفع إلى السماء ، فلا يبقى على الأرض من القرآن ولا من التوراة والإنجيل والزبور ، فينزع من قلوب الرجال فيصبحون في الصلاة لا يدرون ما هم فيه .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والديلمي ، عن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يسرى على كتاب الله ليلاً فيصبح الناس ليس في الأرض ولا في جوف مسلم منه آية » .
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تقوم الساعة حتى يرفع الذِكْرُ والقرآن » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما قالا : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :(6/318)
« يا أيها الناس ، ما هذه الكتب التي بلغني أنكم تكتبونها مع كتاب الله؟ يوشك أن يغضب الله لكتابه فَيُسْرَى عليه ليلاً لا يترك في قلب ولا ورق منه حرفاً إلا ذهب به . فقيل : يا رسول الله ، فكيف بالمؤمنين والمؤمنات؟ قال : من أراد الله به خيراً أبقى في قلبه لا إله إلا الله » .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه عن جده قال : يسرى على القرآن في جوف الليل ، يجيء جبريل عليه السلام فيذهب به ، ثم قرأ { ولئن شئنا لنذهبن . . . } الآية .(6/319)
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود بن سيحان ونعيمان بن أُصَي ومجزئ بن عمر وسلام بن مشكم فقالوا : يا محمد ، هذا الذي جئت به حق من عند الله؟ فانا لا نراه متناسقاً كما تتناسق التوراة . فقال لهم : أما والله إنكم لتعرفون أنه من عند الله قالوا : انا نجيئك بمثل ما تأتي به . فأنزل الله { قل لئن اجتمعت الإنس والجن } الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن . . . } الآية . قال : يقول : لو برزت الجن وأعانهم الإنس فتظاهروا ، لم يأتوا بمثل هذا القرآن .(6/320)
وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)
أخرج ابن جرير وابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب ورجلا من بني عبد الدار وأبا البختري - أخا بني أسد - والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيهاً ومنبهاً ابني الحجاج السهميين ، اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه : أن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك ، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً وهو يظن أنهم قد بدا لهم في أمره بدء ، وكان عليهم حريصاً يجب رشدهم ويعز عليه عنتهم ، حتى جلس إليهم فقالوا : « يا محمد ، إنا قد بعثنا إليك لنعذرك ، وإنا والله . . . ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة ، فما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك . فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً؛ وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سوّدناك علينا؛ وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا؛ وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي - فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بي ما تقولون . . . ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا فيئكم ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً وأنزل عليَّ كتاباً وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً ، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم . . . . فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة؛ وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم . فقالوا : يا محمد ، فإن كنت غير قابل منّا ما عرضنا عليك ، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلاداً ولا أقل مالاً ولا أشد عيشاً منا ، فاسأل ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، وليبسط لنا بلادنا وليجر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا من قد مضى من آبائنا ، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب ، فإنه كان شيخاً صدوقاً فنسألهم عما تقول حق هو أم باطل؟ فإن صنعت ما سألناك وصدقوك ، صدقناك وعرفنا به منزلتك من عند الله ، وإنه بعثك رسولاً .(6/321)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بهذا بعثت ، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به ، فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم . فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم . قالوا : فإن لم تفعل لنا فخر لنفسك فاسأل ربك أن يبعث ملكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك ، وتسأله أن يجعل لك جناناً وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة ويغنيك عما نراك تبتغي - فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه - حتى نعرف منزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنا بفاعل . . . . ما أنا بالذي يسأل ربه هذا . . . وما بُعثتُ إليكم بهذا ، ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراً ، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة؛ وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم . قالوا : فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ، فانا لن نؤمن لك إلا أن تفعل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك . قالوا : يا محمد ، قد علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك ونطلب منك ما نطلب ، فيتقدم إليك ويعلمك ما تراجعنا به ويخبرك بما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به ، فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن ، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبداً فقد أعذرنا إليك يا محمد أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا . وقال قائلهم : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً . فلما قالوا ذلك ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية فقال : يا محمد ، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ، ثم سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا بها منزلتك عند الله فلم تفعل ذلك ، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب . فوالله ما أؤمن لك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً ثم ترقى فيه وأنا أنظر ، حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول ، وايم الله لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك . ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً أسفاً لما فاته مما كان طمع فيه من قومه حين دعوه ، ولما رأى من متابعتهم إياه . وأنزل عليه فيما قال له عبد الله بن أبي أمية : { وقالوا لن نؤمن لك . . . } إلى قوله : { بشراً رسولاً } وأنزل عليه في قولهم لن نؤمن بالرحمن(6/322)
{ كذلك أرسلناك في أمة قد خلت . . . . } [ الرعد : 30 ] الآية . وأنزل عليه فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الجبال ، وبعث من مضى من آبائهم الموتى { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال . . . . } [ الرعد : 31 ] الآية .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن بن جبير رضي الله عنه في قوله : { وقالوا لن نؤمن لك } قال : نزلت في أخي أم سلمة ، عبد الله بن أبي أمية .
وأخرح ابن جرير عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه ، أنه قرأ { حتى تفجر لنا } خفيفة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } أي ببلدنا هذا .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ينبوعاً } قال : عيوناً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : الينبوع ، هو الذي يجري من العين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { أو تكون لك جنة من نخيل وعنب } يقول : ضيعة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً } قال : قطعاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً } قال : عياناً .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { أو يكون لك بيت من زخرف } قال : من ذهب .
وأخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وأبو نعيم في الحلية ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : لم أكن أحسن ما الزخرف حتى سمعتها في قراءة عبد الله { أو يكون لك بيت من زخرف } قال : من ذهب .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : الزخرف ، الذهب .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه } قال : من عند رب العالمين إلى فلان بن فلان ، يصبح عند كل رجل منا صحيفة عند رأسه موضوعة يقرؤها .(6/323)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وأبو نعيم في المعرفة ، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أنس رضي الله عنه قال : « قيل : يا رسول الله ، كيف يحشر الناس على وجوههم؟ قال : الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم » .
واخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه قال : « قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { الذين يحشرون على وجوههم } [ الفرقان : 34 ] الآية . فقالوا : يا نبي الله وكيف يمشون على وجوههم؟ قال : أرأيت الذي أمشاهم على أقدامهم؟ أليس قادراً على أن يمشيهم على وجوههم؟؟ . . . » .
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه ، وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في البعث ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف مشاة ، وصنف ركبان ، وصنف على وجوههم . قيل : يا رسول الله ، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال : إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم . أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك » .
وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث ، عن أبي ذر رضي الله عنه أنه تلا هذه الاية { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً } فقال : حدثني الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : « أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج : فوج طاعمين كاسين راكبين ، وفوج يمشون ويسعون ، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن مردويه والحاكم ، عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنكم تحشرون رجالاً وركباناً ، وتجرون على وجوهكم ههنا ، ونحى بيده نحو الشام » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { عمياً } قال : لا يرون شيئاً يسرهم { وبكماً } قال : لا ينطقون بحجة { وصماً } قال : لا يسمعون شيئاً يسرهم .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تغبطن فاجراً بنعمة ، فإن من ورائه طالباً حثيثاً » وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً } .
وأخرج البيهقي في الشعب ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الدنيا خضرة حلوة؛ من اكتسب فيها مالاً من غير حله وأنفقه في غير حله ، أحلّه دار الهوان . ورُبَّ متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة . يقول الله : { كلما خبت زدناهم سعيراً } » .(6/324)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { مأواهم جهنم } يعني ، أنهم وقودها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق علي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { كلما خبت } قال : سكنت .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { كلما خبت زدناهم سعيراً } . قال : كلما طفئت أسعرت وأوقدت .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { كلما خبت زدناهم سعيراً } قال : كلما أحرقتهم سعر بهم حطباً ، فإذا أحرقتهم فلم يبق منهم شيء صارت حمراء تتوهج . فذلك خبؤها ، فإذا بدلوا خلقاً جديداً عاودتهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { كلما خبت زدناهم سعيراً } يقول : كلما احترقت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب .
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { كلما خبت } قال : الخبء ، الذي يطفأ مرة ويشعل أخرى . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :
وتخبو النار عن أدنى أذاهم ... وأضرمها إذا ابتردوا سعيراً
وأخرج ابن الأنباري عن أبي صالح في قوله : { كلما خبت } قال : معناه كلما حميت .(6/325)
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)
أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله : { خزائن رحمة ربي } قال : الرزق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله : { إذا لأمسكتم خشية الإنفاق } قال : إذن ما أطعمتم أحداً شيئاً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { خشية الإنفاق } قال : الفقر ، وفي قوله : { وكان الإنسان قتوراً } قال : بخيلاً .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { خشية الإنفاق } قال : خشية الفاقة { وكان الإنسان قتوراً } قال : بخيلاً ممسكاً .(6/326)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)
أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } قال : اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين ونقص من الثمرات .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { تسع آيات بينات } قال : يده وعصاه ولسانه والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم .
وأخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه ، والنسائي وابن ماجة وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن قانع والحاكم وصححه ، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل ، عن صفوان بن عسال : « أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه : انطلق بنا إلى هذا النبي نسأله ، فأتياه فسألاه عن قول الله : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله ، ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة . أو قال : ولا تفروا من الزحف ، شك شعبة ، وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت ، فقبلا يديه وقالا : نشهد أنك نبي . قال : فما يمنعكما أن تسلما؟! . . . قالا : إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي ، وإنا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغضب ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل عن قول الله تعالى : { وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً } قال : مخالفاً . وقال : الأنبياء أكرم من أن تُلعَنَ أو تُسَبّ .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ { فاسأل بني إسرائيل } يقول : سأل موسى فرعون بني إسرائيل أن أرسلهم معي . قال مالك بن دينار : وإنما كتبوا « فسل » بلا ألف ، كما كتبوا قال : « قَلَ » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن علي رضي الله عنه أنه كان يقرأ { لقد علمت } يعني بالرفع . قال علي : والله ما علم عدوّ الله ، ولكن موسى هو الذي علم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ { لقد علمت } بالنصب - يعني فرعون - ثم تلا { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } [ النمل : 14 ] .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { مثبوراً } قال : ملعوناً .
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله .
وأخرج الشيرازي في الألقاب وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { مثبوراً } قال : قليل العقل .
وأخرج الطستي عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { مثبوراً } قال : ملعوناً ، محبوساً عن الخير . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت عبد الله بن الزبعرى يقول :
إذ أتاني الشيطان في سنة النو ... م ومن مال ميلة مثبوراً
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { لفيفاً } قال : جميعاً .(6/327)
وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)
أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنه قرأ { وقرآناً فرقناه } مثقلة . قال : نزل القرآن إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة ، فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً ، أحدث الله لهم جواباً . ففرقه الله في عشرين سنة .
وأخرج ابن أبي حاتم ومحمد بن نصر وابن الأنباري في المصاحف من طريق الضحاك ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزل القرآن جملة واحد من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا ، فنجمته السفرة على جبريل عشرين ليلة ، ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة . فقال المشركون : لولا نزل عليه القرآن جملة واحد . فقال الله { كذلك لنثبت به فؤادك } [ الفرقان : 32 ] أي أنزلناه عليك متفرقاً ليكون عندك جواب ما يسألونك عنه ، ولو أنزلناه عليك جملة واحدة ثم سألوك لم يكن عندك جواب ما يسألونك عنه .
وأخرج البزار والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزل القرآن جملة واحدة حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ، ونزله جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم بجواب كلام العباد وأعمالهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر من طريق أبي العالية ، عن ابن عباس أنه قرأها مثقلة ، يقول : أنزل آية آية .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان ، عن عمر رضي الله عنه قال : تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات ، فإن جبريل كان ينزل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم خمساً خمساً .
وأخرج ابن عساكر من طريق أبي نضرة قال : كان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يعلمنا القرآن خمس آيات بالغداة وخمس آيات بالعشي ، ويخبر أن جبريل نزل بالقرآن خمس آيات خمس آيات .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قرأ { وقرآناً فرقناه } مخففاً ، يعني بيّناه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { وقرآناً فرقناه } قال : فصلناه { على مكث } بأمد { يخرون للأذقان } يقول : للوجوه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { على مكث } في ترسل .
وأخرج ابن الضريس عن قتادة في قوله : { وقرآناً فرقناه } الآية . قال : لم ينزل في ليلة ولا ليلتين ولا شهر ولا شهرين ولا سنة ولا سنتين ، وكان بين أوله وآخره عشرون سنة ، أو ما شاء الله من ذلك .
وأخرج ابن الضريس من طريق قتادة ، عن الحسن رضي الله عنه قال : كان يقال : أنزل القرآن على نبي الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين بمكة وعشراً بعد ما هاجر .(6/328)
وكان قتادة يقول : عشر بمكة وعشر بالمدينة .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { إن الذين أوتوا العلم من قبله } هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل الله على محمد .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { من قبله } من قبل النبي صلى الله عليه وسلم { إذا يتلى } ما أنزل عليهم من عند الله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد { إذا يتلى عليهم } قال : كتابهم .
وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عبد الأعلى التيمي قال : إن من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق ، أن قد أوتي من العلم ما لا ينفعه؛ لأن الله نعت أهل العلم فقال : { ويخرون للأذقان يبكون } .
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الجراح ، عن أبي حازم : « أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه جبريل وعنده رجل يبكي ، فقال : من هذا؟ قال : فلان . قال جبريل : إنا نزن أعمال بني آدم كلها إلا البكاء ، فإن الله يطفئ بالدمعة نهوراً من نيران جهنم » .
وأخرج الحكيم الترمذي ، عن النضر بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو أن عبداً بكى في أمة من الأمم ، لأنجى الله تلك الأمة من النار ببكاء ذلك العبد؛ وما من عمل إلا له وزن وثواب إلا الدمعة ، فإنها تطفئ بحوراً من النار . وما اغرورقت عين بمائها من خشية الله ، إلا حرم الله جسدها على النار ، وإن فاضت على خده لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن الجعد أبي عثمان قال : بلغنا أن داود عليه السلام قال : « إلهي . . . ما جزاء من فاضت عيناه من خشيتك؟ . . . قال : جزاؤه أن أؤمنه يوم الفزع الأكبر » .(6/329)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن عائشة رضي الله عنها قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالدعاء فجعل يقول : يا الله . . . يا رحمن . . . فسمعه أهل مكة فأقبلوا عليه ، فأنزل الله { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ذات يوم ، فدعا ربه فقال في دعائه : يا الله . . . يا رحمن . . . فقال المشركون : انظروا إلى هذا الصابئ ، ينهانا أن ندعو إلهين وهو يدعو إلهين . فأنزل الله { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } الآية » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن إبراهيم النخعي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في حرث في يده جريدة ، فسأله اليهود عن الرحمن - وكان لهم كاهن باليمامة يسمونه الرحمن - فأنزلت { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن مكحول : « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتهجد بمكة ذات ليلة يقول في سجوده : يا رحمن . . . يا رحيم . . . فسمعه رجل من المشركين ، فلما أصبح قال لأصحابه : انظروا ما قال ابن أبي كبشة ، يزعم الليلة الرحمن الذي باليمن - وكان باليمن رجل يقال له رحمن - فنزلت { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن . . . } الآية » .
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق نهشل بن سعيد ، عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى . . . . } إلى آخر الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هو أمان من السرق » .
وإن رجلاً من المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها ، حيث أخذ مضجعه فدخل عليه سارق ، فجمع ما في البيت وحمله - والرجل ليس بنائم - حتى انتهى إلى الباب فوجد الباب مردوداً ، فوضع الكارة ففعل ذلك ثلاث مرات ، فضحك صاحب الدار ثم قال : إني أحصنت بيتي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { أياً ما تدعوا } قال : باسم من أسمائه ، والله أعلم .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والطبراني والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا تجهر بصلاتك . . . } الآية . قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة متوار ، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع ذلك المشركون سبّوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم { ولا تجهر بصلاتك } أي بقراءتك ، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن { ولا تخافت بها } عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك { واتبغ بين ذلك سبيلاً } يقول : بين الجهر والمخافتة .(6/330)
وأخرج ابن إسحق وابن جرير والطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي ، تفرقوا عنه وأبوا أن يستمعوا منه ، فكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو وهو يصلي ، استرق السمع دونهم فرقاً منهم ، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ، ذهب خشية أذاهم فلم يستمع . فإن خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يستمع الذين يستمعون من قراءته شيئاً . فأنزل الله { ولا تجهر بصلاتك } فيتفرقوا عنك { ولا تخافت بها } فلا تسمع من أراد أن يسمعها ممن يسترق ذلك ، لعله يرعوي إلى بعض ما يستمع فينتفع به { وابتغ بين ذلك سبيلاً } .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة بمكة فيؤذي ، فأنزل الله { ولا تجهر بصلاتك } .
وأخرج ابن أبي شيبة في الصنف ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت جهر بقراءته ، فكان المشركون يؤذونه ، فنزلت { ولا تجهر بصلاتك . . . } الآية .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى يجهر بصلاته ، فآذى ذلك المشركين فأخفى صلاته هو وأصحابه . فلذك قال الله : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } وقال : في الأعراف { واذكر ربك في نفسك } [ الأعراف : 205 ] الآية .
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } قال : كان الرجل إذا دعا في الصلاة رفع صوته .
وأخرج الطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان مسيلمة الكذاب قد تسمّى الرحمن ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى فجهر ببسم الله الرحمن الرحمن ، قال المشركون : يذكر إله اليمامة . فأنزل الله { ولا تجهر بصلاتك } .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، عن سعيد رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع صوته ببسم الله الرحمن الرحيم . وكان مسيلمة قد تسمّى الرحمن ، فكان المشركون إذا سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : قد ذكر مسيلمة إله اليمامة ، ثم عارضوه بالمكاء والتصدية والصفير . فأنزل الله { ولا تجهر بصلاتك . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن شق ذلك على المشركين ، فيؤذون النبي صلى الله عليه وسلم بالشتم - وذلك بمكة - فأنزل الله : يا محمد { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } لا تخفض صوتك حتى لا تسمع اذنيك { وابتغ بين ذلك سبيلاً } يقول : اطلب الاعلان والجهر ، وبين التخافت والجهر طريقاً .(6/331)
. . لا جهراً شديداً ولا خفضاً حتى لا تسمع أذنيك . فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ترك هذا كله .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان ، عن محمد بن سيرين قال : نبئت أن أبا بكر رضي الله عنه كان إذا قرأ خفض . وكان عمر رضي الله عنه إذا قرأ جهر . فقيل لأبي بكر رضي الله عنه : لم تصنع هذا؟ قال : أناجي ربي وقد علم حاجتي . وقيل لعمر رضي الله عنه : لم تصنع هذا؟ قال : اطرد الشيطان وأوقظ الوسنان . فلما نزلت { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } قيل لأبي بكر رضي الله عنه : ارفع شيئاً . وقيل لعمر رضي الله عنه : اخفض شيئاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال : كان أبو بكر رضي الله عنه إذا صلى من الليل خفض صوته جداً ، وكان عمر رضي الله عنه إذا صلى رفع صوته جداً . فقال عمر رضي الله عنه : يا أبا بكر ، لو رفعت من صوتك شيئاً . وقال أبو بكر رضي الله عنه : يا عمر ، لو خفضت من صوتك شيئاً . فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بأمرهما فأنزل الله { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها . . . } الآية . فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهما فقال : « يا أبا بكر ، ارفع من صوتك شيئاً . وقال لعمر رضي الله عنه : اخفض من صوتك شيئاً » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف ، والبخاري ومسلم وأبو داود في الناسخ ، والبزار والنحاس وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : إنما نزلت هذه الآية { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } في الدعاء .
وأخرج ابن جرير والحاكم ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : نزلت هذه الآية في التشهد { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن عائشة رضي الله عنها في قوله : { ولا تجهر بصلاتك } قال : نزلت في المسألة والدعاء .
وأخرج محمد بن نصر وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء وآذاه المشركون ، فنزل { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } .(6/332)
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في تاريخه وابن المنذر وابن مردويه ، عن دراج أبي السمح : أن شيخاً من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } إنما نزلت في الدعاء ، لا ترفع صوتك في دعائك فتذكر ذنوبك فتسمع منك فتعير بها » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن منيع وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا تجهر بصلاتك } قال : نزلت في الدعاء ، كانوا يجهرون بالدعاء : اللهم ارحمني . فلما نزلت ، أمروا أن يخافتوا ولا يجهروا .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر ، عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال : كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : اللهم ارزقنا إبلاً وولداً . فنزلت هذه الآية { ولا تجهر بصلاتك } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ولا تجهر بصلاتك } قال : ذلك في الدعاء والمسألة .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا تجهر بصلاتك } ولا تصلِّ مراياة الناس { ولا تخافت بها } قال : لا تدعها مخافة الناس .
وأخرج ابن عساكر عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } قال : لا تُصلِّها رياء ولا تدعها حياء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا تجهر بصلاتك } لا تجعلها كلها جهراً { ولا تخافت بها } قال : لا تجعلها كلها سراً .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف ، عن أبي رزين رضي الله عنه قال : في قراءة عبد الله بن عمر { ولا تخافت } بصوتك ولا تعال به .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير ، عن ابن مسعود قال : لم يخافت من أسمع أذنيه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال : العلم خير من العمل ، وخير الأمور أوسطها ، والحسنة بين تلك السيئتين ، وذلك لأن الله تعالى يقول : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي قلابة قال : خير الأمور أوسطها .(6/333)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال : إن اليهود والنصارى قالوا { اتخذا الله ولداً } [ البقرة : 116 ] وقالت العرب : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك . وقال الصابئون والمجوس : لولا أولياء الله لذل ، فأنزل الله هذه الآية { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ولم يكن له ولي من الذل } قال : لم يخف أحداً ولم يبتغ نصر أحد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله : { وكبره تكبيراً } قال : كبره أنت يا محمد على ما يقولون تكبيراً .
وأخرج أحمد والطبراني ، عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « آية العز : { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً . . . } » الآية كلها .
وأخرج أبو يعلى وابن السني ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويدي في يده ، فأتى على رجل رث الهيئة فقال : أي فلان ، ما بلغ بك ما أرى؟ قال : السقم والضر . قال : ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر؟ . . . قل : توكلت على الحي الذي لا يموت ، و { الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً } فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حسنت حالته ، فقال : مهيم؟ فقال : لم أزل أقول الكلمات التي علمتني » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الفرج ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن إسماعيل بن أبي فديك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما كربني أمر إلا تمثل لي جبريل عليه السلام فقال : يا محمد ، قل توكلت على الحي الذي لا يموت و { الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم يعلم أهله هذه الآية { الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً } إلى آخرها . الصغير من أهله والكبير .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبد الكريم بن أبي أمية قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغلام من بني هاشم إذا أفصح سبع سنوات { الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً } .
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد الكريم ، عن عمرو بن شعيب رضي الله عنه قال : كان الغلام إذا أفصح من بني عبد المطلب ، علمه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية سبع مرات { الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً } الآية .(6/334)
وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .
وأخرج ابن السني والديلمي ، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : « إذا أخذت مضجعك فقولي : الحمد لله الكافي . . . سبحان الله الأعلى . . . حسبي الله وكفى ما شاء الله . . . قضى ، سمع الله لمن دعا ، ليس من الله ملجأ ولا وراء الله ملتجأ . . . توكلت على ربي وربكم . . . ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها . . . إن ربي على صراط مستقيم { الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً } من يقولها عند منامه ثم ينام وسط الشياطين والهوام فلا تضره » .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن التوراة كلها في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ، ثم تلا { لا تجعل مع الله إلهاً آخر } والله أعلم .(6/335)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق علي ، عن ابن عباس في قوله : { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيماً } قال : أنزل الكتاب عدلاً قيماً ولم يجعل له عوجاً ملتبساً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً } قال : هذا من التقديم والتأخير ، أنزل على عبده الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله : { قيماً } قال : مستقيماً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { لينذر بأساً شديداً } قال : عذاباً شديداً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { من لدنه } أي من عنده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً } يعني ، الجنة . وفي قوله : { وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً } قال : هم اليهود والنصارى .(6/336)
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأبو البختري في نفر من قريش ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه وإنكارهم ما جاء به من النصيحة ، فأحزنه حزناً شديداً . . . فأنزل الله { فلعلك باخع نفسك } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { فلعلك باخع نفسك } قال : قاتل نفسك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { فلعلك باخع نفسك } قال : قاتل نفسك .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { فلعلك باخع نفسك } قال : قاتل نفسك { إن لم يؤمنوا بهذا الحديث } قال : القرآن : { أسفاً } قال : حزناً إن لم يؤمنوا .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { أسفاً } قال : جزعا .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً } قال : حزناً عليهم ، نهى الله نبيه أن يأسف على الناس في ذنوبهم .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف ، عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { فلعلك باخع نفسك } ما الباخع؟ فقال : يقول : قاتل نفسك . قال فيه لبيد بن ربيعة :
لعلك يوماً ان فقدت مزارها ... على بعده يوماً لنفسك باخع(6/337)
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } قال : ما عليها من شيء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } قال : الرجال .
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } قال : الرجال .
وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة ، عن ابن عباس في قوله : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } قال : العلماء زينة الأرض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } قال : هم الرجال العباد العمال لله بالطاعة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم في التاريخ ، « عن ابن عمر قال : تلا رسول الله صلى الله علية وسلم هذه الآية { لنبلوهم أيهم أحسن عملاً } فقلت : ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال : » ليبلوكم أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرعكم في طاعة الله « » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { لنبلوهم } قال : لنختبرهم { أيهم أحسن عملاً } قال : أيهم أتم عقلاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : { لنبلوهم أيهم أحسن عملاً } قال : أشدهم للدنيا تركا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في قوله : { لنبلوهم أيهم أحسن عملاً } قال : أزهدهم في الدنيا .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً } قال : يهلك كل شيء عليها ويبيد .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { صعيداً جرزاً } قال : الصعيد ، التراب . والجزر ، التي ليس فيها فروع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { جرزاً } قال : يعني بالجرز ، الخراب . والله أعلم .(6/338)
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : { الكهف } هو غار في الوادي .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي ، عن ابن عباس قال : { الرقيم } الكتاب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي ، عن ابن عباس قال : { الرقيم } وادٍ دون فلسطين قريب من أيلة .
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج ، عن ابن عباس قال : والله ما أدري ما الرقيم ، لكتاب أم بنيان؟
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن مجاهد قال : { الرقيم } منهم من يقول كتاب قصصهم ، ومنهم من يقول الوادي .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن أبي صالح قال : { الرقيم } لوح مكتوب .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال : { الرقيم } لوح من حجارة ، كتبوا فيه قصة أصحاب الكهف وأمْرهم ، ثم وضع على باب الكهف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : { الرقيم } حين رقمت أسماؤهم في الصخرة ، كتب الملك فيها أسماؤهم وكتب أنهم هلكوا في زمان كذا وكذا في ملك ريبوس ، ثم ضربها في سور المدينة على الباب ، فكان من دخل أو خرج قرأها . فذلك قوله : { أصحاب الكهف والرقيم } .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم والزجاجي في أماليه وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : لا أدري ما الرقيم ، وسألت كعباً فقال : اسم القرية التي خرجوا منها .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال : كل القرآن أعلمه ، إلا أربعاً : غسلين ، وحناناً ، والأواه ، والرقيم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال : { الرقيم } الكلب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا } يقول : الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب ، أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً } كانوا بقولهم أعجب آياتنا ، ليسوا بأعجب آياتنا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً } قال : ليسوا بأعجب آياتنا ، كانوا من أبناء الملوك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر قال : كان أصحاب الكهف صيارفة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن النعمان بن بشير أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن أصحاب الرقيم : « أن ثلاثة نفر دخلوا إلى الكهف ، فوقع من الجبل حجر على الكهف فأوصد عليهم ، فقال قائل منهم : تذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله أن يرحمنا .(6/339)
فقال أحدهم : نعم ، قد عملت حسنة مرة . . . إنه كان لي عمال استأجرتهم في عمل لي ، كل رجل منهم بأجر معلوم . فجاءني رجل ذات يوم وذلك في شطر النهار فاستأجرته بقدر ما بقي من النهار بشطر أصحابه الذين يعملون بقية نهارهم ذلك ، كل رجل منهم نهاره كله . فرأيت من الحق أن لا أنقصه شيئاً مما استأجرت عليه أصحابه . فقال رجل منهم : يعطي هذا مثل ما يعطيني ولم يعمل إلا نصف نهاره!! فقلت له : إني لا أبخسك شيئاً من شرطك ، وإنما هو مالي أحكم فيه بما شئت . فغضب وترك أجره ، فلما رأيت ذلك عزلت حقه في جانب البيت ما شاء الله ، ثم مر بي بعد ذلك بقر فاشتريت له فصيلاً من البقر حتى بلغ ما شاء الله ، ثم مر بي الرجل بعد حين وهو شيخ ضعيف وأنا لا أعرفه ، فقال لي : إن لي عندك حقاً . فلم أذكره حتى عرّفني ذلك ، فقلت له : نعم . . . إياك أبغي . فعرضت عليه ما قد أخرج الله له من ذلك الفصيل من البقر ، فقلت له : هذا حقك من البقر . فقال لي : يا عبد الله ، لا تسخر بي . . . إن لا تتصدق علي أعطني حقي . فقلت : والله ما أسخر منك : إن هذا لحقك . فدفعته إليه ، اللهم فإن كنت تعلم أني قد كنت صادقا وأني فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا هذا الحجر . فانصدع حتى رأوا الضوء وأبصروا .
وقال الآخر : قد عملت حسنة مرة ، وذلك أنه كان عندي فضل فأصاب الناس شدة فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفاً ، فقلت : لا والله ، ما هو دون نفسك . فأبت عليَّ ثم رَجَعَتْ فذكّرتني بالله ، فأبيت عليها وقلت : لا والله ، ما هو دون نفسك . فأبت عليّ ثم رجَعَت فذكّرتني بالله فأبيت عليها وقلت : لا والله ، ما هو دون نفسك . فأبت عليّ فذكَرَتْ ذلك لزوجها فقال : أعطيه نفسك وأغني عيالك . فلما رأت ذلك سمحت بنفسها ، فلما هممت بها قالت : إني أخاف الله رب العالمين . فقلت لها : تخافين الله في الشدّة ولم أخفه في الرخاء؟ فأعطيتها ما استغنت هي وعيالها . اللهم فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا هذا الحجر ، فانصدع الحجر حتى رأوا الضوء وأيقنوا الفرج .
ثم قال الثالث : قد عملت حسنة مرة ، كان لي أبوان شيخان كبيران قد بلغهما الكبر ، وكانت لي غنم فكنت أرعاها . . . وأختلف فيما بين غنمي وبين أبوي أطعمهما وأشبعهما وأرجع إلى غنمي ، فلما كان ذات يوم أصابني غيث شديد فحبسني فلم أرجع إلا مؤخراً ، فأتيت أهلي فلم أدخل منزلي حتى حلبت غنمي ، ثم مضيت إلى أبوي أسقيهما فوجدتهما قد ناما ، فشق عليّ أن أوقظهما وشق عليّ أن أترك غنمي ، فلم أبرح جالساً ومحلبي على يدي حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا هذا الحجر .(6/340)
ففرّج الله عنهم وخرجوا إلى أهليهم راجعين « .
وأخرج أحمد وابن المنذر ، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : » أن ثلاثة نفر فيما سلف من الناس انطلقوا يرتادون لأهليهم ، فأخذتهم السماء فدخلوا غاراً فسقط عليهم حجر ، فجافّ حتى ما يرون منه خصاصة . فقال بعضهم لبعض : قد وقع الحجر وعفا الأثر ولا يعلم مكانكم إلا الله ، فادعوا الله عز وجل بأوثق أعمالكم . فقال رجل منهم :
اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان فكنت أحلب لهما في إنائهما فآتيهما ، فإذا وجدتهما راقدين قمت على رأسيهما كراهة أن أرد سنتهما في رأسيهما حتى يستيقظا متى استيقظا ، اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك ففرِّج عنا . فزال ثلث الحجر .
وقال الثاني : اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيراً على عمل يعمله فأتاني يطلب أجره وأنا غضبان فزبرته فانطلق وترك أجره فجمعته وثمرته حتى كان منه كل المال فأتاني يطلب أجره فدفعت إليه ذلك كله ، ولو شئت لم أعطه إلا أجره الأوّل ، اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك ، فافرج عنا . فزال ثلثا الحجر .
وقال الثالث : اللهم إن كنت تعلم أنه أعجبته امرأة فجعل لها جعلاً فلما قدر عليها وفر لها نفسها وسلّم لها جَعْلَها . اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك ، ففرّج عنا . فزال الحجر وخرجوا معاتيق يمشون « .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن المنذر ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : » بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون ، إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم ، فقال بعضهم لبعض : إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصّدْق ، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه . فقال واحد منهم :
اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير يعلم على فرق من أرز فذهب وتركه ، وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقراً ، وأنه أتاني يطلب أجره فقلت له : اعمد إلى تلك البقر فسقْها فقال لي : إنما لي عندك فرق من أرز . فقلت له : اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنّا . فانساخت عنهم الصخرة .
فقال الآخر : اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت آتيهما كل لية بلبن غنم لي ، فأبطأت عليهما ليلة فجئت وقد رقدا ، وعيالي يتضاغون من الجوع فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي ، فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا بشربتهما ، فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر ، فإن كُنْتَ تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنا . فانساخت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء .
فقال الآخر : اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إليّ ، وإني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار ، فطلبتها حتى قَدِرْتُ فأتيتها بها فدفعْتها إليها فأمكنتني من نفسها ، فلما قعدت بين رجليها قال : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه . فقمت وتركت المائة دينار ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنّا . ففرج الله عنهم فخرجوا « .(6/341)
وأخرج البخاري في تاريخه من حديث ابن عباس مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية غزوة المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف الذي ذكر الله في القرآن ، فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم! فقال له ابن عباس : ليس ذلك لك ، قد منع الله ذلك عمن هو خير منك . فقال : { لو اطلعت عليهم لَوَلَّيْتَ منهم فراراً ولَمُلِئْتَ منهم رعباً } فقال معاوية : لا أنتهي حتى أعلم علمهم . فبعث رجالاً فقال : اذهبوا فادخلوا الكهف فانظروا . فذهبوا ، فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحاً فأخرجتهم . فبلغ ذلك ابن عباس فأنشأ يحدث عنهم فقال : إنهم كانوا في مملكة ملك من الجبابرة يعبد الأوثان ، وقد أجبر الناس على عبادتها ، وكان وهؤلاء الفتية في المدينة ، فلما رأوا ذلك خرجوا من تلك المدينة فجمعهم الله على غير ميعاد ، فجعل بعضهم يقول لبعض : أين تريدون . . . ؟ أين تذهبون . . . !؟ فجعل بعضهم يخفي على بعض ، لأنه لا يدري هذا على ما خرج هذا ، ولا يدري هذا . فأخذوا العهود والمواثيق أن يخبر بعضهم بعضاً ، فإن اجتمعوا على شيء وإلا كتم بعضهم بعضاً . فاجتمعوا على كلمة واحدة { فقالوا ربنا رب السماوات والأرض . . . } إلى قوله : { مرفقاً } قال : فقعدوا فجاء أهلهم يطلبونهم لا يدرون أين ذهبوا ، فرفع أمرهم إلى الملك فقال : ليكونن لهؤلاء القوم بعد اليوم شأن . . . ناس خرجوا لا يدري أين ذهبوا في غير خيانة ولا شيء يعرف . . . !! فدعا بلوح من رصاص فكتب فيه أسماؤهم ثم طرح في خزانته . فذلك قول الله : { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم } والرقيم ، هو اللوح الذي كتبوا . فانطلقوا حتى دخلوا الكهف فضرب الله على آذانهم فقاموا . فلو أن الشمس تطلع عليهم لأحرقتهم ، ولولا أنهم يقلبون لأكلتهم الأرض . ذلك قول الله : { وترى الشمس . . . } الآية . قال : ثم إن ذلك الملك ذهب وجاء ملك آخر فعبد الله وترك تلك الأوثان ، وعدل بين الناس ، فبعثهم الله لما يريد { وقال قائل منهم كم لبثتم } فقال بعضهم : يوماً . وقال بعضهم يومين . وقال بعضهم أكثر من ذلك . فقال كبيرهم : لا تختلفوا ، فإنه لم يختلف قوم قطّ إلا هلكوا ، فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة .(6/342)
فرأى شارة أنكرها ورأى بنياناً أنكره ، ثم دنا إلى خباز فرمى إليه بدرهم وكانت دراهمهم كخفاف الربع - يعني ولد الناقة - فأنكر الخباز الدرهم فقال : من أين لك الدرهم؟ لقد وجدت كنزاً لتدلّني عليه أو لأرفعنك إلى الأمير . فقال : أَوَ تخوّفني بالأمير؟ وأتى الدهقان الأمير ، قال : من أبوك؟ قال : فلان . فلم يعرفه . قال : فمن الملك؟ قال : فلان . فلم يعرفه ، فاجتمع عليهم الناس فرفع إلى عالمهم فسأله فأخبره فقال : عليّ باللوح ، فجيء به فسمى أصحابه فلاناً وفلاناً . وهم مكتوبون في اللوح ، فقال للناس : إن الله قد دلكم على إخوانكم . وانطلقوا وركبوا حتى أتوا إلى الكهف ، فلما دنوا من الكهف قال الفتى : مكانكم أنتم حتى أدخل أنا على أصحابي ، ولا تهجموا فيفزعون منكم وهم لا يعلمون أن الله قد أقبل بكم وتاب عليكم . فقالوا لتخرجن علينا قال : نعم إن شاء الله . فدخل فلم يدروا أين ذهب ، وعمي عليهم فطلبوا وحرضوا فلم يقدروا على الدخول عليهم { فقالوا لنتخذن عليهم مسجداً } فاتخذوا عليهم مسجداً يصلون عليهم ويستغفرون لهم .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم ، عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان أصحاب الكهف أبناء ملوك ، رزقهم الله الإسلام فتعوذوا بدينهم واعتزلوا قومهم حتى انتهوا إلى الكهف ، فضرب الله على صماخاتهم فلبثوا دهراً طويلاً حتى هلكت أمتهم ، وجاءت أمة مسلمة وكان ملكهم مسلماً ، واختلفوا في الروح والجسد فقال قائل : يبعث الروح والجسد جميعاً . وقال قائل : يبعث الروح وأما الجسد فتأكله الأرض فلا يكون شيئاً ، فشق على ملكهم إختلافهم فانطلق فلبس المسوح وجلس على الرماد ، ثم دعا الله فقال : أي رب ، قد ترى إختلاف هؤلاء فابعث لهم آية تبين لهم ، فبعث الله أصحاب الكهف ، فبعثوا أحدهم ليشتري لهم طعاماً فدخل السوق ، فلما نظر جعل ينكر الوجوه ويعرف الطرق ، ورأى الإيمان ظاهراً بالمدينة . فانطلق وهو مستخف حتى أتى رجلاً يشتري منه طعاماً ، فلما نظر الرجل إلى الورق أنكرها . حسبت أنه قال : كأنها أخفاف الربيع - يعني الإبل الصغار - فقال الفتى : أليس ملككم فلان؟ قال الرجل : بل ملكنا فلان . فلم يزل ذلك بينهما حتى رفعه إلى الملك ، فنادى في الناس فجمعهم فقال : إنكم اختلفتم في الروح والجسد وإن الله قد بعث لكم آية ، فهذا رجل من قوم فلان - يعني ملكهم الذي قبله - فقال الفتى : انطلق بي إلى أصحابي . فركب الملك وركب معه الناس حتى انتهى إلى الكهف ، فقال الفتى : دعوني أدخل إلى أصحابي . فلما أبصروه وأبصرهم ضرب على آذانهم ، فلما استبطؤوه دخل الملك ودخل الناس معه ، فإذا أجساد لا يبلى منها شيء غير أنها لا أرواح فيها . فقال الملك : هذه آية بعثها الله لكم ، فغزا ابن عباس مع حبيب بن مسلمة فمروا بالكهف فإذا فيه عظام ، فقال رجل : هذه عظام أهل الكهف .(6/343)
فقال ابن عباس : ذهبت عظامهم أكثر من ثلثمائة سنة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : كان أصحاب الكهف أبناء عظماء أهل مدينتهم وأهل شرفهم ، خرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعاد ، فقال رجل منهم - هو أشبههم - : إني لأجد في نفسي شيئاً ما أظن أحداً يجده . قالوا : ما تجد؟ قال : أجد في نفسي أن ربي رب السموات والأرض . فقاموا جميعاً فقالوا : { ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلهاً لقد قلنا إذا شططاً } وكان مع ذلك من حديثهم وأمرهم ما قد ذكر الله في القرآن ، فأجمعوا أن يدخلوا الكهف وعلى مدينتهم إذ ذاك جبار يقال له ( دقيوس ) فلبثوا في الكهف ما شاء الله رقوداً ، ثم بعثهم الله فبعثوا أحدهم ليبتاع لهم طعاماً ، فلما خرج إذا هم بحظيرة على باب الكهف ، فقال : ما كانت هذه ههنا عشية أمس . فسمع كلاما من كلام المسلمين بذكر الله - وكان الناس قد أسلموا بعدهم وملك عليهم رجل صالح - فظن أنه أخطأ الطريق ، فجعل ينظر إلى مدينته التي خرج منها وإلى مدينتين وجاهها ، أسماؤهن : اقسوس وايديوس وشاموس . فيقول : ما أخطأت الطريق - هذه اقسوس وايديوس وشاموس!!! . . . فعمد إلى مدينته التي خرج منها ، ثم عمد حتى جاء السوق فوضع ورقة في يد رجل ، فنظر فإذا ورق ليست بورق الناس ، فانطلق به إلى الملك وهو خائف فسأله وقال : لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيوس ، فإني قد كنت أدعو الله أن يرينيهم وأن يعلمني مكانهم . ودعا مشيخة أهل القرية - وكان رجل منهم قد كان عنده أسماؤهم وأنسابهم - فسألهم فأخبروه ، فسأل الفتى فقال : صدق . وانطلق الملك وأهل المدينة معه لأن يدلهم على أصحابه ، حتى إذا دنوا من الكهف سمع الفتية حسّ الناس فقالوا : أتيتم . . . ظهر على صاحبكم ، فاعتنق بعضهم بعضاً وجعل يوصي بعضهم بعضاً بدينهم ، فلما دنا الفتى منهم أرسلوه ، فلما قدم إلى أصحابه ماتوا عند ذلك ميتة الحق . فلما نظر إليهم الملك شق عليه أن لم يقدر عليهم أحياء ، وقال : لا أدفنهم إذاً ، فائتوني بصندوق من ذهب . فأتاه آت منهم في المنام فقال : أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب ، فلا تفعل ودعنا في كهفنا ، فمن التراب خلقنا وإليه نعود . فتركهم في كهفهم وبنى على كهفهم مسجداً .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : جاء رجل من حواريي عيسى عليه السلام إلى مدينة أصحاب الكهف ، فأراد أن يدخلها فقيل : على بابها صنم لا يدخلها أحد إلا سجد له ، فكره أن يدخل فأتى حماماً فكان فيه قريباً من تلك المدينة وكان يعمل فيه يؤاجر نفسه من صاحب الحمام؛ ورأى صاحب الحمام في حمامه البركة والرزق وجعل يسترسل إليه وعلقه فتية من أهل المدينة ، فجعل يخبرهم عن خبر السماء والأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه ، وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة ، وكان يشترط على صاحب الحمام : أن الليل لي ولا تحول بيني وبين الصلاة إذا حضرت ، حتى أتى ابن الملك بامرأة يدخل بها الحمام فعيره الحواري فقال : أنت ابن الملك وتدخل مع هذه الكداء؟! .(6/344)
. . فاستحيا فذهب ، فرجع مرة أخرى فسبه وانتهره فلم يلتفت حتى دخل - ودخلت معه المرأة ، فباتا في الحمام جميعاً فماتا فيه . فأتى الملك فقيل له : قتل ابنك صاحب الحمام . فالتمس فلم يقدر عليه وهرب من كان يصحبه ، فسموا الفتية . فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم في زرع له وهو على مثل أمرهم ، فذكروا له أنهم التمسوا فانطلق معه ومعه كلب حتى آواهم الليل إلى الكهف فدخلوا فيه ، فقالوا : نبيت ههنا الليلة حتى نصبح إن شاء الله ثم تروا رأيكم . فضرب على آذانهم ، فخرج الملك بأصحابه يبتغونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف ، فكلما أراد الرجل منهم أن يدخل أرعب فلم يطق أحد أن يدخله ، فقال له قائل : ألست قلت : لو قدرت عليهم قتلتهم؟ قال : بلى . قال : فابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتوا عطشاً وجوعاً . ففعل . ثم صبروا زماناً ، ثم إن راعي غنم أدركه المطر عند الكهف فقال : لو فتحت هذا الكهف وأدخلت غنمي من المطر ، فلم يزل يعالجه حتى فتح لغنمه فادخلها فيه ، ورد الله أرواحهم في أجسادهم من الغد حين أصبحوا فبعثوا أحدهم بورق ليشتري لهم طعاماً ، فكلما أتى باب مدينتهم لا يرى أحد من ورقهم شيئاً إلا استنكرها ، حتى جاء رجلاً فقال : بعني بهذه الدراهم طعاماً . فقال : ومن أين لك هذه الدراهم؟ قال : إني رحت وأصحابي أمس فأتى الليل ثم أصبحنا فأرسلوني . قال : فهذه الدراهم كانت على عهد ملك فلان! . . . فأنى لك هذه الدراهم؟!! . . . فرفعه إلى الملك - وكان رجلاً صالحاً - فقال : ومن أين لك هذا الورق؟ قال : خرجت أنا وأصحابي أمس حتى إذا أدركنا الليل في كهف كذا وكذا ، ثم أمروني أن اشتري لهم طعاماً . قال : وأين أصحابك؟ قال : في الكهف . فانطلق معه حتى أتوا باب الكهف فقال : دعوني أدخل إلى أصحابي قبلكم . فلما رأوه ودنا منهم ، ضرب على أذنه وآذانهم فأرادوا أن يدخلوا فجعل كلما دخل رجل منهم رعب ، فلم يقدروا أن يدخلوا إليهم ، فبنوا عندهم مسجداً يصلون فيه .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أصحاب الكهف أعوان المهدي » .(6/345)
وأخرج الزجاجي في أماليه ، عن ابن عباس في قوله : { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم } قال : إن الفتية لما هربوا من أهليهم خوفاً على دينهم . فقدوهم فخبروا الملك خبرهم ، فأمر بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وألقاه في خزانته وقال : إنه سيكون لهم شأن ، وذلك اللوح هو الرقيم ، والله أعلم .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : { فضربنا على آذانهم } يقول : أرقدناهم { ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين } من قوم الفتية أهل الهدى وأهل الضلالة { أحصى لما لبثوا } أنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { أي الحزبين } قال : من قوم الفتية { أحصى لما لبثوا أمداً } قال : عدداً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً } يقول : ما كان لواحد من الفريقين علم ، لا لكفارهم ولا لمؤمنيهم .(6/346)
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : ما بعث الله نبياً إلا وهو شاب ، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب . وقرأ : { قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم } { وإذ قال موسى لفتاه } و { إنهم فتية آمنوا بربهم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله : { وزدناهم هدى } قال : إخلاصاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { وربطنا على قلوبهم } قال : بالإيمان . وفي قوله : { لقد قلنا إذاً شططا } قال : كذباً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { لقد قلنا إذا شططا } قال : جوراً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال : الشطط ، الخطأ من القول .(6/347)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)
أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عطاء الخراساني في قوله : { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله } قال : كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى ، فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله } قال : هي في مصحف ابن مسعود : وما يعبدون من دون الله ، فهذا تفسيرها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { فأووا إلى الكهف } قال : كان كهفهم بين جبلين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ويهيء لكم من أمركم مرفقاً } يقول : غذاء .(6/348)
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { تزاور } قال : تميل . وفي قوله : { تقرضهم } قال : تذرهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { تقرضهم } قال : تتركهم { وهم في فجوة منه } قال : المكان الداخل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { وهم في فجوة منه } قال : يعني بالفجوة ، الخلوة من الأرض . ويعني بالخلوة ، الناحية من الأرض .
وأخرج ابن المنذر عن أبي مالك في قوله : { وهم في فجوة منه } قال : في ناحية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة { وتحسبهم } يا محمد { أيقاظاً وهم رقود } يقول : في رقدتهم الأولى { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال } قال : وهذا التقليب في رقدتهم الأولى ، كانوا يقلبون في كل عام مرة .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال } قال : ستة أشهر على ذي الجنب ، وستة أشهر على ذي الجنب .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عياض في قوله : { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال } قال : في كل عام مرتين .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { ونقلبهم } قال : في التسع سنين ليس فيما سواه .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير في قوله : { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال } قال : كي لا تأكل الأرض لحومهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { وكلبهم } قال : اسم كلبهم قطمور .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : اسم كلب أصحاب الكهف ، قطمير .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : قلت لرجل من أهل العلم : زعموا أن كلبهم كان أسداً ، قال : لعمر الله ما كان أسداً ، ولكنه كان كلباً أحمر خرجوا به من بيوتهم يقال له ، قطمور .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كثير النواء قال : كان كلب أصحاب الكهف أصفر .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سفيان قال : قال رجل بالكوفة يقال له : عبيد وكان لا يتهم بكذب ، قال : رأيت كلب أصحاب الكهف أحمر كأنه كساء انبجاني .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر ، عن عبيد السواق قال : رأيت كلب أصحاب الكهف صغيراً ، باسطاً ذراعيه بفناء باب الكهف ، وهو يقول : هكذا يضرب بأذنيه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدالله بن حميد المكي في قوله : { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } قال : جعل رزقه في لحس ذراعيه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق ، عن ابن عباس في قوله : { بالوصيد } قال : بالفناء .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : { بالوصيد } قال : بالباب .(6/349)
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في قوله : { بالوصيد } قال : بفناء باب الكهف .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { بالوصيد } قال : بالصعيد .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } قال : ممسك عليهم باب الكهف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال : كان لي صاحب شديد النفس ، فمر بجانب كهفهم فقال : لا أنتهي حتى أنظر إليهم ، فقيل له : لا تفعل . . . أما تقرأ { لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً } فأبى إلا أن ينظر ، فأشرف عليهم فابيضت عيناه وتغير شعره ، وكان يخبر الناس بعد يقول : عدتهم سبعة .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { أزكى طعاماً } قال : أحل ذبيحة ، وكانوا يذبحون للطواغيت .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : { أزكى طعاماً } يعني ، أطهر؛ لأنهم كانوا يذبحون الخنازير .(6/350)
وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { وكذلك أعثرنا عليهم } قال : أطلعنا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : دعا الملك شيوخاً من قومه فسألهم عن أمرهم فقالوا : كان ملك يدعى دقيوس ، وإن فتية فُقِدُوا في زمانه ، وأنه كتب أسماءهم في الصخرة التي كانت عند باب بالمدينة . فدعا بالصخرة فقرأها فإذا فيها أسماؤهم ، ففرح الملك فرحاً شديداً وقال : هؤلاء قوم كانوا قد ماتوا فبعثوا ، ففشا فيهم أن الله يبعث الموتى . فذلك قوله : { وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها } فقال الملك : لأتخذن عند هؤلاء القوم الصالحين مسجداً ، فلأعبدن الله فيه حتى أموت . فذلك قوله : { قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً } .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { قال الذين غلبوا على أمرهم } قال : هم الأمراء ، أو قال : السلاطين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : بنى عليهم الملك بيعة فكتب في أعلاها أبناء الأراكنة أبناء الدهاقين .(6/351)
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { سيقولون ثلاثة } قال : اليهود { ويقولون خمسة } قال : النصارى .
وأخرج ابن أبي حاتم وعبد الرزاق ، عن قتادة في قوله : { رجما بالغيب } قال : قذفا بالظن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مسعود رضي الله عنه في قوله { ما يعلمهم إلا قليل } قال : إنا من القليل ، كانوا سبعة .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن سعد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق ، عن ابن عباس في قوله : { ما يعلمهم إلا قليل } قال : إنا من القليل ، كانوا سبعة .
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند صحيح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ما يعلمهم إلا قليل } قال : أنا من القليل ، مكسلمينا وتمليخا ، وهو المبعوث بالورق إلى المدينة ، ومرطوس ونينونس ودردوتس وكفاشطهواس ومنطفوا سيسوس ، وهو الراعي . والكلب اسمه قطمير ، دون الكردي وفوق القبطي الألطم فوق القبطي . قال أبو عبد الرحمن : بلغني أن من كتب هذه الأسماء في شيء وطرحه في حريق سكن الحريق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : كل شي في القرآن قليل ، وإلا قليل فهو دون العشرة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { فلا تمار فيهم } يقول : حسبك ما قصصت عليك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهراً } قال : يقول : إلا ما أظهرنا لك من أمرهم { ولا تستفت فيهم منهم أحداً } قال : يقول لا تسأل اليهود عن أصحاب الكهف ، إلا ما قد أخبرناك من أمرهم .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { فلا تُمارِ فيهم } الآية . قال : حسبك ما قصصنا عليك .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق ، عن ابن عباس في قوله : { ولا تستفت فيهم منهم أحداً } قال : اليهود . والله أعلم .(6/352)
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)
أخرج ابن المنذرعن مجاهد ، أن قريشاً اجتمعت فقالوا : « يا محمد ، قد رغبت عن ديننا ودين آبائنا ، فما هذا الدين الذي جئت به؟ قال : هذا دين جئت به من الرحمن . فقالوا : إنا لا نعرف الرحمن ، إلا رحمن اليمامة - يعنون مسيلمة الكذاب - ثم كاتبوا اليهود فقالوا : قد نبغ فينا رجل يزعم أنه نبي ، وقد رغب عن ديننا ودين آبائنا ، ويزعم أن الذي جاء به من الرحمن . قلنا : لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة ، وهو أمين لا يخون . . وفيّ لا يغدر . . صدوق لا يكذب ، وهو في حسب وثروة من قومه ، فاكتبوا إلينا بأشياء نسأله عنها . فاجتمعت يهود فقالوا : إن هذا لوصفه وزمانه الذي يخرج فيه . فكتبوا إلى قريش : أن سلوه عن أمر أصحاب الكهف ، وعن ذي القرنين ، وعن الروح . فإن يكن الذي أتاكم به من الرحمن ، فإن الرحمن هو الله عز وجل ، وإن يكن من رحمن اليمامة فينقطع . فلما أتى ذلك قريشاً أتى الظفر في أنفسها فقالوا : يا محمد ، قد رغبت عن ديننا ودين آبائك . . . فحدثنا عن أمر أصحاب الكهف وذي القرنين والروح . قال : ائتوني غداً . ولم يستثن ، فمكث جبريل عنه ما شاء الله لا يأتيه ، ثم أتاه فقال : سألوني عن أشياء لم يكن عندي بها علم فأجيب حتى شق ذلك عليّ . قال : ألم ترنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة؟ - وكان في البيت جرو كلب - ونزلت { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً } من علم الذي سألتموني عنه أن يأتي قبل غد؟ ونزل ما ذكر من أصحاب الكهف ونزل { ويسألونك عن الروح . . . } [ الإسراء : 85 ] الآية » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف على يمين فمضى له أربعون ليلة ، فأنزل الله { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله } واستثنى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أربعين ليلة .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه ، عن ابن عباس أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة ، ثم قرأ { واذكر ربك إذا نسيت } قال : إذا ذكرت .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، عن ابن عباس في هذه الآية قال : إذا نسيت أن تقول لشيء؛ إني أفعله ، فنسيت أن تقول إن شاء الله ، فقل إذا ذكرت : إن شاء الله .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن أبي العالية في قوله : { واذكر ربك إذا نسيت } قال : تستثني إذا ذكرت .(6/353)
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في رجل حلف ونسي أن يستثني ، قال له : ثنياه إلى شهر ، وقرأ { واذكر ربك إذا نسيت } .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن دينار ، عن عطاء أنه قال : من حلف على يمين فله الثنيا حلب ناقة . وكان طاوس يقول : ما دام في مجلسه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم قال : يستثني « ما دام » في كلامه .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { واذكر ربك إذا نسيت } قال : إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت . قال : هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس لأحدنا أن يستثني إلا في صلة يمينه .
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه ، وإذا كان غير موصول فهو حانث .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من حلف فقال : إن شاء الله . فإن شاء مضى ، وإن شاء رجع غير حانث » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قال سليمان بن داود عليهما السلام : لأطوفن الليلة على تسعين امرأة ، تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله . فقال له الملك : قل إن شاء الله ، فلم يقل . فطاف فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان » .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده ، لو قال إن شاء الله ، لم يحنث وكان دركاً لحاجته » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عكرمة في قوله : { واذكر ربك إذا نسيت } قال : إذا غضبت .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات ، عن الحسن في قوله : { واذكر ربك إذا نسيت } قال : إذا لم تقل إن شاء الله .
وأخرج البيهقي من طريق المعتمر بن سليمان قال : سمعت أبا الحارث ، عن رجل من أهل الكوفة كان يقرأ القرآن في الآية قال : إذا نسي الإنسان أن يقول إن شاء الله ، فتوبته من ذلك أن يقول : { عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً } .(6/354)
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)
أخرج الخطيب في تاريخه عن حكيم بن عقال قال : سمعت عثمان بن عفان يقرأ : { ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين } منوّنة .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك ، فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض ، ثم تلا { ولبثوا في كهفهم . . . } الآية . ثم قال : كم لبث القوم؟ قالوا : ثلاثمائة وتسع سنين . قال : لو كانوا لبثوا كذلك ، لم يقل الله : { قل الله أعلم بما لبثوا } ولكنه حكى مقالة القوم فقال : { سيقولون ثَلاَثَة } إلى قوله : { رجماً بالغيب } وأخبر أنهم لا يعلمون قال : سيقولون { ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً } .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في حرف ابن مسعود « وقالوا لبثوا في كهفهم » الآية . يعني ، إنما قاله الناس . ألا ترى أنه قال : { قل الله أعلم بما لبثوا } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً } قال : هذا قول أهل الكتاب ، فرد الله عليهم { قل الله أعلم بما لبثوا } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الضحاك قال : لما نزلت هذه الآية { في كهفهم ثَلاَثمائَة } قيل : يا رسول الله ، أياماً ، أم شهوراً ، أم سنين؟ فأنزل الله { سنين وازدادوا تسعاً } .
وأخرج ابن مردويه من وجه آخر ، عن الضحاك عن ابن عباس موصولاً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً } يقول : عدد ما لبثوا .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { أبصر به وأسمع } قال : الله يقوله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { أبصر به وأسمع } قال : لا أحد أبصر من الله ولا أسمع تبارك وتعالى . والله أعلم بالصواب والحمد لله وحده .(6/355)
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)
أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { ملتحداً } قال : ملجأ .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف ، عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { ولن تجد من دونه ملتحداً } ما الملتحد؟ قال : المدخل في الأرض ، قال فيه خصيب الضمري :
يا لهف نفسي ولهف غير محدثه ... عليّ وما عن قضاء الله ملتحد
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان ، عن سلمان قال : جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : عيينة بن بدر ، والأقرع بن حابس ، فقالوا : يا رسول الله ، لو جلست في صدر المجلس وتغيبت عن هؤلاء وأرواح جبابهم - يعنون سلمان ، وأبا ذر وفقراء المسلمين ، وكانت عليهم جباب الصفوف - جالسناك أو حادثناك وأخذنا عنك ، فأنزل الله { واتل ما أوحي إليك من كتاب رَبك } إلى قوله : { أعتدنا للظالمين ناراً } يهددهم بالنار .
وأخرج أبو الشيخ عن سلمان قال : « قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله ، فقال : » الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي ، معكم المحيا والممات « » .
وأخرج عبد بن حميد عن سلمان قال : نزلت هذه الآية فيّ وفي رجل دخل على النبي صلى الله عليه وسلم - ومعي شن خوص - فوضع مرفقه في صدري فقال : تَنَحَّ . حتى ألقاني على البساط ، ثم قال : يا محمد ، إنا ليمنعنا كثيراً من أمرك هذا وضرباؤه ، أن ترى لي قدماً وسواداً ، فلو نَحّيْتَهُمْ إذا دخلنا عليك ، فإذا خرجنا أذنت لهم إذا شئت . فلما خرج أنزل الله { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم } إلى قوله : { وكان أمره فرطاً } .
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه ، « عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } فخرج يلتمسهم فوجد قوماً يذكرون الله ، فيهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد ، فلما رآهم جلس معهم وقال : » الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم « » .
وأخرج البزار عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا : « جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقرأ سورة الحجر وسورة الكهف ، فسكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم « » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق عمر بن ذر ، عن أبيه : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى نفر من أصحابه - منهم عبد الله بن رواحة - يذكرهم بالله ، فلما رآه عبدالله سكت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذكّر أصحابك . فقال : يا رسول الله ، أنت أحق . فقال : أما إنكم الملأ الذين أمرني أن أصبر نفسي معهم ، ثم تلا { واصبر نفسك } الآية » .(6/356)
وأخرج الطبراني في الصغير وابن مردويه من طريق عمر بن ذر : حدثني مجاهد عن ابن عباس قال : « مر النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن رواحة وهو يذكر أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » أما إنكم للملأ الذين أمرني الله أن أصبر نفسي معهم . ثم تلا { واصبر نفسك } الآية . قال : إنه ما جلس عدتكم إلا جلس معه عدتهم جليسهم من الملائكة ، إن سبّحوا الله سبحوه ، وإن حَمَدوا الله حمدوه ، وإن كبّروا الله كبروه . . . يصعدون إلى الرب وهو أعلم فيقولون : ربنا ، إن عبادك سبحوك فسبحنا ، وكبروك فكبرنا ، وحمدوك فحمدنا . فيقول ربنا : يا ملائكتي أشهدكم أني قد غفرت لهم . فيقولون : فيهم فلان الخطاء . فيقول : هم القوم لا يشقى بهم جليسهم « » .
وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال : « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاصّ يقص ، فأمسك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قصّ ، فلأن أقعد غدوة إلى أن تشرق الشمس ، أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب » .
وأخرج أبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وأبو نصر السجزي في الإبانة ، « عن أبي سعيد قال : أتى علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ناس من ضعفة المسلمين ، ورجل يقرأ علينا القرآن ويدعو لنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم ، ثم قال : بشر فقراء المسلمين بالنور التام يوم القيامة ، يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم ، مقدار خمسمائة عام . هؤلاء في الجنة يتنعمون وهؤلاء يحاسبون « » .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن ثابت قال : « كان سلمان في عصابة يذكرون الله ، فمر النبي فكفوا فقال : ما كنتم تقولون؟ قلنا : نذكر الله . قال : فإني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها . ثم قال : الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم » .
وأخرج أحمد عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه ، إلا ناداهم منادٍ من السماء أن : قوموا مغفوراً لكم ، قد بدلت سيئاتكم حسنات » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن نافع قال : أخبرني عبد الله بن عمر في هذه الآية { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم } أنهم الذين يشهدون الصلوات المكتوبة .(6/357)
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده في قوله : { واصبر نفسَكَ } الآية . قال : نزلت في صلاة الصبح وصلاة العصر .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عبيدالله بن عبدالله بن عدي بن الخيار في هذه الآية قال : هم الذين يقرأون القرآن .
وأخرج ابن مردويه من طريق جويبر عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } قال : نزلت في أمية بن خلف ، وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه الله من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة ، فأنزل الله { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } يعني ، من ختمنا على قلبه ، يعني التوحيد { واتبع هواه } يعني الشرك { وكان أمره فرطاً } يعني فرطا في أمر الله وجهالة بالله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن بريدة قال : دخل عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم حار وعنده سلمان عليه جبة من صوف ، فثار منه ريح العرق في الصوف ، فقال عيينة : يا محمد ، إذا نحن أتيناك فأخرج هذا وضرباءه من عندك؛ لا يؤذونا؛ فإذا خرجنا فأنت وهم أعلم . فأنزل الله { ولا تطع من أغفلنا قلبه } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال : « حدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تصدى لأمية بن خلف وهو ساه غافل عما يقال له ، فأنزل الله { ولا تطع من أغفلنا قَلبَه } الآية . فرجع إلى أصحابه وخلى عن أمية ، فوجد سلمان يذكرهم فقال : » الحمد لله الذي لم أفارق الدنيا حتى أراني أقواماً من أمتي أمرني أن أصبر نفسي معهم « » .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال : هم أهل الذكر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من طريق منصور ، عن إبراهيم في قوله : { واصبر نفسَكَ } الآية . قال : لا تطردهم عن الذكر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن أبي جعفر في الآية قال : أمر أن يصبر نفسه مع أصحابه يعلمهم القرآن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { مع الذين يدعون ربهم } قال : يعبدون ربهم . وقوله : { ولا تعد عيناك عنهم } يقول : لا تتعداهم إلى غيرهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هاشم في الآية قال : كانوا يتفاضلون في الحلال والحرام .
وأخرج الحكيم الترمذي ، عن سعيد بن جبير في قوله : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال : المفاضلة في الحلال والحرام .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان ، عن إبراهيم ومجاهد { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال : الصلوات الخمس .(6/358)
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : نزلت { ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } في عيينة بن حصن؛ قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لقد آذاني ريح سلمان الفارسي ، فاجعل لنا مجلساً معك لا يجامعنا فيه ، واجعل لهم مجلساً منك لا نجامعهم فيه . فنزلت .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { وكان أمره فرطاً } قال : ضياعاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { وقل الحق من ربكم } قال : الحق هو القرآن .
وأخرج حنيش في الاستقامة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس في قوله : { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } يقول : من شاء الله له الإيمان آمن ، ومن شاء الله له الكفر كفر ، وهو قوله : { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين } [ التكوير : 29 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } قال : هذا تهديد ووعيد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن رباح بن زياد قال : سألت عمر بن حبيب عن قوله : { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } قال : حدثني داود بن نافع أن مجاهداً كان يقول : فليس بمعجزي وعيد من الله .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { أحاط بهم سرادقها } قال : حائط من نار .
وأخرج أحمد والترمذي وابن أبي الدنيا في صفة النار ، وابن جرير وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « السرادق النار أربعة جدر كافة ، كل جدار منها أربعون سنة » .
وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه ، وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث ، عن يعلى بن أمية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « » إن البحر من جهنم « ثم تلا { ناراً أحاط بهم سرادقها } » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، عن قتادة أن الأحنف بن قيس كان لا ينام في السرادق ويقول : لم يذكر السرادق إلا لأهل النار .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { بماء كالمهل } ، قال : كعكر الزيت ، فإذا أقرب إليه سقطت فروة وجهه فيه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { كالمهل } يقول : أسود كعكر الزيت .
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عطية قال : سئل ابن عباس عن المهل قال : ماء غليظ كدردي الزيت .(6/359)
وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن جرير ، عن سعيد بن جبير في قوله : { كالمهل } قال : كدردي الزيت .
وأخرج عبد بن حميد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : المهل ، دردي الزيت .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك في قوله : { كالمهل } قال : المهل ، دردي الزيت .
وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، عن ابن مسعود أنه سئل عن المهل فدعا بذهب وفضة ، فإذا به قلما ذاب . قال : هذا أشبه شيء بالمهل الذي هو شراب أهل النار ، ولونه لون السماء ، غير أن شراب أهل النار أشد حراً من هذا .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { كالمهل } قال : القيح والدم أسود كعكر الزيت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : { كالمهل } قال : أسود ، وهي سوداء وأهلها سود .
وأخرج ابن المنذر عن خصيف قال : المهل ، النحاس إذا أذيب فهو أشد حراً من النار .
وأخرج عبد بن حميد عن الحكم في قوله : { كالمهل } قال : مثل الفضة إذا أذيبت .
وأخرج عبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير في قوله : { كالمهل } قال : أشد ما يكون حراً .
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال : هل تدرون ما المهل؟ مهل الزيت : يعني آخره .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وساءت مرتفقاً } قال : مجتمعاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { وساءت مرتفقاً } قال : منزلاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { وساءت مرتفقاً } قال : عليها مرتفقون على الحميم حين يشربون ، والإرتفاق هو المتكأ .(6/360)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)
أخرج ابن المبارك وابن أبي حاتم ، عن المقبري قال : بلغني أن عيسى ابن مريم كان يقول : يا ابن آدم ، إذا عملت الحسنة فاله عنها ، فإنها عند من لا يضيعها . ثم تلا { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً } وإذا عملت سيئة فاجعلها نصب عينيك .
وأخرج ابن مردويه عن سعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لو أن رجلاً من أهل الجنة اطلع فبدت أساوره ، لطمس ضوءه ضوء الشمس كما يطمس ضوء النجوم » .
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في البعث ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لو أن أدنى أهل الجنة حلية عدلت حليته بحلية أهل الدنيا جميعاً ، لكان ما يحليه الله به في الآخرة أفضل من حلية أهل الدنيا جميعاً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن كعب الأحبار قال : « إن لله ملكاً - وفي لفظ - : في الجنة ملك ، لو شئت أن أسميه لسميته ، يصوغ حلى أهل الجنة من يوم خلق إلى أن تقوم الساعة ، ولو أن حلياً منها أخرج لرد شعاع الشمس . وإن لأهل الجنة أكاليل من در ، لو أن إكليلاً منها دلي من السماء الدنيا لذهب بضوء الشمس كما تذهب الشمس بضوء القمر » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن عكرمة قال : إن أهل الجنة يحلون أسورة من ذهب ولؤلؤ وفضة ، هي أخف عليهم من كل شيء إنما هي نور .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله : { أساور من ذهب } قال : الأساور ، المسك .
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء » .
وأخرج النسائي والحاكم عن عقبة بن عامر ، « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمنع أهله الحلية والحرير ، ويقول : » إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوهما في الدنيا « » .
وأخرج الطيالسي والبخاري في تاريخه والنسائي والبزار وابن مردويه والبيهقي في البعث ، عن ابن عمرو قال : قال رجل : « يا رسول الله ، أخبرنا عن ثياب أهل الجنة . . أخلقاً تخلق أم نسجاً تنسج؟ قال : بل يشقق عنها ثمر الجنة » .
وأخرج ابن مردويه من حديث جابر نحوه .
وأخرج البيهقي عن أبي الخير مرثد بن عبدالله قال : في الجنة شجرة تنبت السندس ، منه يكون ثياب أهل الجنة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم ، عن الضحاك قال : الاستبرق ، الديباج الغليظ ، وهو بلغة العجم استبره .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عكرمة قال : الاستبرق ، الديباج الغليظ .(6/361)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير ، عن قتادة قال : الاستبرق الغليظ من الديباج .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن سابط قال : يبعث الله إلى العبد من أهل الجنة بالكسوة فتعجبه ، فيقول : لقد رأيت الجنان فما رأيت مثل هذه الكسوة قط! فيقول الرسول الذي جاء بالكسوة : إن ربك يأمر أن تهيئ لهذا العبد مثل هذه الكسوة ما شاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال : لو أن ثوباً من ثياب أهل الجنة نشر اليوم في الدنيا ، لصعق من ينظر إليه وما حملته أبصارهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سليم بن عامر قال : إن الرجل من أهل الجنة يلبس الحلة من حلل أهل الجنة فيضعها بين أصبعيه ، فما يرى منها شيء ، وإنه يلبسها فيتعفر حتى تغطي قدميه ، يكسى في الساعة الواحدة سبعين ثوباً . . . إن أدناها مثل شقيق النعمان ، وإنه يلبس سبعين ثوباً يكاد أن يتوارى ، وما يستطيع أحد في الدنيا أن يلبس سبعة أثواب ما يسعه عنقه .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي رافع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من كفن ميتاً ، كساه الله من سندس واستبرق الجنة » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الهيثم بن مالك الطائي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحوّل عنه ولا يمله ، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ثابت قال : بلغنا أن الرجل يتكئ في الجنة سبعين سنة ، عنده من أزواجه وخدمه وما أعطاه الله من الكرامة والنعيم ، فإذا حانت منه نظرة ، فإذا أزواج له لم يكن يراهن من قبل ذلك فيقلن : قد آن لك أن تجعل لنا منك نصيباً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الأرائك ، السرر في جوف الحجال . . . عليها الفرش منضود في السماء فرسخ .
وأخرج البيهقي في البعث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة ، فإن كان سرير بغير حجلة لم يكن أريكة؛ وإن كانت حجلة بغير سرير لم تكن أريكة ، فإذا اجتمعا كانت أريكة .
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن جرير ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { على الأرائك } قال : السرر عليها الحجال .
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد رضي الله عنه قال : الأرائك من لؤلؤ وياقوت .
وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في الوقف والابتداء ، عن الحسن رضي الله عنه قال : لم نكن ندري ما الأرائك حتى لقينا رجلاً من أهل اليمن ، فأخبرنا أن الأريكة عندهم الحجلة إذا كان فيها سرير .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي رجاء قال : سئل الحسن رضي الله عنه عن الأرائك فقال : هي الحجال ، أهل اليمن يقولون أريكة فلان .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه ، أنه سئل عن الأرائك فقال : هي الحجال على السرر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال : الأرائك ، الحجال فيها السرر .(6/362)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله : { جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب } قال : إن الجنة هي البستان ، فكان له بستان واحد وجدار واحد ، وكان بينهما نهر ولذلك كان جنتين ، فلذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي يليها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال : نهر أبي فرطس نهر الجنتين . قال ابن أبي حاتم : وهو نهر مشهور بالرملة .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً } قال : لم تنقص ، كل شجر الجنة أطعم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله : { وفجرنا خلالهما نهراً } يقول : وسطهما .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وكان له ثمر } يقول : مال .
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه قال : قرأها ابن عباس { وكان له ثمر } بالضم ، يعني أنواع المال .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { وكان له ثمر } قال : ذهب وفضة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن بشير بن عبيد ، أنه كان قرأ { وكان له ثمر } برفع الثاء ، وقال : الثمر ، المال والولدان والرقيق . والثمر : الفاكهة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي يزيد المدني ، أنه كان يقرؤها { وكان له ثمر } قال : الأصل والثمر ، الثمرة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ودخل جنته وهو ظالم لنفسه } يقول كفور لنعمة ربه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله : { قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً } يقول : تهلك { وما أظن الساعة قائمة ولئن } كانت قائمة ثم { رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً } .(6/363)
لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39)
أخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن عند الكرب : « الله الله ربي لا أشرك به شيئاً » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عروة أنه كان إذا رأى من ماله شيئاً يعجبه ، أو دخل حائطاً من حيطانه قال : { ما شاء الله لا قوة إلا بالله } ويتأول قول الله : { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن زياد بن سعد قال : كان ابن شهاب إذا دخل أمواله قال : { ما شاء الله لا قوة إلا بالله } ويتأول قوله : { ولولا إذ دخلت جنتك } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مطرف قال : كان مالك إذا دخل بيته قال : { ما شاء الله } قلت لمالك لم تقول هذا؟ قال : ألا تسمع الله يقول : { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن حفص بن ميسرة قال : رأيت على باب وهب بن منبه مكتوباً { ما شاء الله } وذلك قول الله : { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عمر بن مرة قال : إن من أفضل الدعاء قول الرجل : { ما شاء الله } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن إبراهيم بن أدهم قال : ما سأل رجل مسألة أنجح من أن يقول : { ما شاء الله } .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، عن يحيى بن سليم الطائفي ، عمن ذكره قال : طلب موسى عليه السلام من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال : { ما شاء الله } فإذا حاجته بين يديه فقال : يا رب أنا أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتنيها الآن؟ فأوحى الله إليه يا موسى ، أما علمت أن قولك : { ما شاء الله } أنجح ما طلبت به الحوائج .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي ، عن معاذ بن جبل : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ قال : ما هو؟ قال : لا حول ولا قوة إلا بالله » .
وأخرج ابن سعد وأحمد والترمذي وصححه والنسائي ، « عن قيس بن سعد بن عبادة أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه قال : فخرج عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم - وقد صليت ركعتين واضطجعت ، فضربني برجله وقال : » ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ قلت : بلى . قال : لا حول ولا قوة إلا بالله « » .
وأخرج أحمد ، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر :(6/364)
« يا أبا ذر ، ألا أعلمك كلمة من كنز الجنة؟ قال : بلى . قال : » قل لا حول ولا قوة إلا بالله « » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أكثر من قول « لا حول ولا قوة إلا بالله » فإنه كنز من كنوز الجنة .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن زيد بن ثابت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : « ألا أدلكم على كنز من كنوز الجنة؟ تكثرون من لا حول ولا قوة إلا بالله » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة » .
وأخرج أبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الشعب ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته » وقرأ { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله } .
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر ، عن أنس رضي الله عنه قال : من رأى شيئاً من ماله فأعجبه فقال : { ما شاء الله لا قوة إلا بالله } لم يصب ذلك المال آفة أبداً ، وقرأ { ولولا إذ دخلت جنتك } الآية . وأخرجه البيهقي في الشعب ، عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً .
وأخرج ابن مردويه ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أنعم الله عليه نعمة فأراد بقاءها ، فليكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله » ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله } .
وأخرج أحمد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش؟ قلت : نعم . قال : أن تقول : { لا قوة إلا بالله } » قال عمرو بن ميمون : قلت لأبي هريرة - رضي الله عنه - « لا حول ولا قوة إلا بالله » فقال : لا إنها في سورة الكهف { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله } .
وأخرج ابن منده في الصحابة من طريق حماد بن سلمة ، عن سماك ، عن جرير قال : خرجت إلى فارس فقلت : { ما شاء الله لا قوة إلا بالله } فسمعني رجل فقال : ما هذا الكلام الذي لم أسمعه من أحد منذ سمعته من السماء؟ فقلت : ما أنت وخبر السماء؟ قال : إني كنت مع كسرى فأرسلني في بعض أموره ، فخرجت ثم قدمت ، فإذا شيطان خلفني في أهلي على صورتي ، فبدأ لي ، فقال : شارطني على أن يكون لي يوم ولك يوم ، وإلا أهلكتك ، فرضيت بذلك ، فصار جليسي يحادثني وأحادثه ، فقال لي ذات يوم : إني ممن يسترق السمع والليلة نوبتي ، قلت : فهل لك أن أختبئ معك؟ قال : نعم .(6/365)
فتهيأ ثم أتاني فقال : خذ بمعرفتي ، وإياك أن تتركها فتهلك ، فأخذت بمعرفته فعرج بي حتى لمست السماء ، فإذا قائل يقول : « ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله » فسقطوا على وجوههم وسقطت ، فرجعت إلى أهلي فإذا أنا به يدخل بعد أيام ، فجعلت أقول : « ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله » قال : فيذوب لذلك حتى يصير مثل الذباب . ثم قال لي : قد حفظته فانقطع عنا .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن يحيى بن سليم الطائفي ، عن شيخ له قال : الكلمة التي تزجر بها الملائكة الشياطين حتى يسترقون السمع { ما شاء الله } .
وأخرج أبو نعيم في الحلية ، عن صفوان بن سليم قال : ما نهض ملك من الأرض حتى يقول : « لا حول ولا قوة إلا بالله » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا حول ولا قوة إلا بالله دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم » .
وأخرج ابن مردويه والخطيب والديلمي من طرق ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال : « أخبرني جبريل أن تفسير { لا حول ولا قوة إلا بالله } أنه لا حول عن معصية الله ، إلا بقوة الله ، ولا قوة على طاعة الله ، إلا بعون الله » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنها في « لا حول ولا قوّة إلا بالله » قال : لا حول بنا على العمل بالطاعة إلا بالله ، ولا قوة لنا على ترك المعصية إلا بالله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن زهير بن محمد أنه سئل ، عن تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله قال : لا تأخذ ما تحب إلا بالله ، ولا يمتنع مما تكره إلا بعون الله .(6/366)
فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)
أخرج ابن جرير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الحسبان العذاب .
وأخرج الطستي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { حسباناً من السماء } قال : ناراً . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت حسان بن ثابت وهو يقول :
بقية معشر صبت عليهم ... شآبيب من الحسبان شهب
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله : { حسباناً من السماء } قال : ناراً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فتصبح صعيداً زلقاً } قال : مثل الجزر .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { حسباناً من السماء } قال : عذاباً { فتصبح صعيداً زلقاً } أي قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء { أو يصبح ماؤها غوراً } أي ذاهباً قد غار في الأرض { وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه } قال يصفق { على ما أنفق فيها } متلهفاً على ما فاته .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { صعيداً زلقاً } قال : الصعيد الأملس ، والزلق التي ليس فيها نبات { وأحيط بثمره } قال : بثمر الجنتين فأهلكت { فأصبح يقلب كفيه } يقول : ندامة عليها { وهي خاوية على عروشها } قال : قلب أسفلها أعلاها .
وأخرج ابن المنذر ، عن الضحاك في قوله : { أحيط بثمره } قال : أحاط به أمر الله فهلك .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { ولم تكن له فئة } قال : عشيرة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ولم تكن له فئة } قال : عشيرة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ولم تكن له فئة } أي جند يعينونه { من دون الله وما كان منتصراً } أي ممتنعاً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مبشر بن عبيد قال : { الولاية } الدين والولاية ما أتولى .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن صهيب أن - النبي صلى الله عليه وسلم - لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها : « اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين فإنا نسألك خير هذه القرية ، وخير أهلها ، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها » .(6/367)
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)
أخرج ابن أبي حاتم والخطيب ، عن سفيان الثوري قال : كان يقال إنما سمي المال ، لأنه يميل بالناس ، وإنما سميت الدنيا لأنها دنت .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عياض بن عقبة أنه مات له ابن يقال له يحيى ، فلما نزل في قبره قال له رجل : والله إن كان لسيد الجيش فاحتسبه . فقال : وما يمنعني أن أحتسبه؟ وكان أمس من زينة الدنيا ، وهو اليوم من الباقيات الصالحات .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن علي بن أبي طالب قال : { المال والبنون } حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة ، وقد يجمعهما الله لأقوام .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { والباقيات الصالحات } قال سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله . والله أكبر .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « » استكثروا من الباقيات الصالحات « قيل : وما هن يا رسول الله؟ قال : » التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ولا حول ولا قوة إلا بالله « » .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن مردويه ، عن النعمان بن بشير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ألا وأن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر من الباقيات الصالحات » .
وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الصغير والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « » خذوا جنتكم « قيل : يا رسول الله أمن عدوّ قد حضر قال : لا . » بل جنتكم من النار قول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات محسنات وهن الباقيات الصالحات « » .
وأخرج الطبراني وابن شاهين في الترغيب في الذكر وابن مردويه ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله هن الباقيات الصالحات وهن يحططن الخطايا كما تحط الشجرة ورقها وهن من كنوز الجنة » .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس بن مالك قال : « مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشجرة يابسة ، فتناول عوداً من أعوادها فتناثر كل ورق عليها فقال : » والذي نفسي بيده ، إن قائلاً يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لتتناثر الذنوب عن قائلها ، كما يتناثر الورق عن هذه الشجرة «(6/368)
قال الله في كتابه : هن { الباقيات الصالحات } .
وأخرج أحمد ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تنفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن سمرة بن جندب : ما من الكلام شيء أحب إلى الله من الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر هن أربع فلا تكثر علي لا يضرك بأيهن بدأت .
وأخرج ابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن عجزتم عن الليل أن تكابدوه ، والعدوّ ، أن تجاهدوه ، فلا تعجزوا عن قول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن الباقيات الصالحات » .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خذوا جنتكم من النار ، قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنهن المقدمات ، وإنهن المؤخرات ، وهن المنجيات ، وهن الباقيات الصالحات » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر وابن مردويه ، عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه « » خذوا جنتكم « مرتين ، أو ثلاثاً ، قالوا : من عدوّ حضر؟ قال : » بل من النار . قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنهن يجئن يوم القيامة مقدمات ومحسنات ومعقبات وهن الباقيات الصالحات « » .
وأخرج ابن مردويه ، عن علي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الباقيات الصالحات من قال : لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله » .
وأخرج ابن مردويه من طريق الضحاك ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن يثبطكم الليل فلم تقوموه ، وعجزتم عن النهار ، فلم تصوموه ، وبخلتم بالمال فلم تعطوه ، وجبنتم عن العدوّ فلم تقاتلوه . فأكثروا من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فإنهن الباقيات الصالحات » .
وأخرج الطبراني ، « عن سعد بن جنادة قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم فأسلمت وعلمني { قل هو الله أحد } و { إذا زلزلت } و { قل يا أيها الكافرون } وعلمني هؤلاء الكلمات : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . وقال : » هن الباقيات الصالحات « » .
وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر ، عن عثمان بن عفان أنه سئل عن { الباقيات الصالحات } قال : هي لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله .(6/369)
وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير عن ابن عمر أنه سئل عن { الباقيات الصالحات } قال : لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله ولا حول ولا قوّة إلا بالله .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : { والباقيات الصالحات } قال : هي ذكر الله ، لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله وتبارك الله ولا حول ولا قوّة إلا بالله وأستغفر الله وصلى الله على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصلاة والصيام والحج والصدقة والعتق والجهاد والصلة وجميع أعمال الحسنات وهن الباقيات الصالحات التي تبقى لأهلها في الجنة .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد ، عن سعيد بن المسيب قال : كنا عند سعد بن أبي وقاص ، فسكت سكتة فقال : لقد قلت في سكتتي هذه خيراً مما سقى النيل والفرات . قلنا له : وما قلت؟ قال : قلت : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { والباقيات الصالحات } قال : الكلام الطيب .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الذين يذكرون من جلال الله من تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله ، يتعاطفن حول العرش ، لهن دوي كدوي النحل ، يذكرن بصاحبهن ، أو لا يحب أحدكم أن لا يزال عند الرحمن شيء يذكر به » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عبدالله بن أبي أوفى قال : « أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه لا يستطيع أن يأخذ من القرآن شيئاً ، وسأله شيئاً يجزئ من القرآن؟ فقال له : » قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله « » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم ، عن موسى بن طلحة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كلمات إذا قالهن العبد وضعهن ملك في جناحه ، ثم عرج بهن فلا يمر على ملأ من الملائكة إلا صلوا عليهن ، وعلى قائلهن ، حتى يوضعن بين يدي الرحمن ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلا بالله وسبحان الله أبرئه عن السوء » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن البصري قال : رأى رجل في المنام ، أن منادياً نادى في السماء ، أيها الناس خذوا سلاح فزعكم ، فعمد الناس وأخذوا السلاح حتى إن الرجل ليجيء وما معه عصا ، فنادى مناد من السماء ليس هذا سلاح فزعكم ، فقال رجل من الأرض ما سلاح فزعنا؟ فقال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(6/370)
« لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليّ من أتصدق بعددها دنانير » .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عبد الله بن عمرو قال : لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليّ من أن أحمل على عدتها من خيل بأرسانها .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، عن أبي هريرة قال : من قال من قبل نفسه الحمد لله رب العالمين كتب الله له ثلاثين حسنة ، ومحا عنه ثلاثين سيئة ، ومن قال : الله أكبر ، كتب الله له بها عشرين حسنة ، ومحا عنه بها عشرين سيئة ، ومن قال : لا إله إلا الله ، كتب الله له عشرين حسنة ، ومحا عنه بها عشرين سيئة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس أنه قال : في قوله : { والباقيات الصالحات } { والحسنات يذهبن السيئات } الصلوات الخمس .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { والباقيات الصالحات } قال : كل شيء من طاعة الله فهو من الباقيات الصالحات .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن قتادة أنه سئل ، عن { الباقيات الصالحات } فقال : كل ما أريد به وجه الله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { خير عند ربك ثواباً } قال : خير جزاء من جزاء المشركين .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وخير أملاً } قال : إن لكل عامل أملاً يؤمله ، وإن المؤمن خير الناس أملاً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وترى الأرض بارزة } قال : لا عمران فيها ولا علامة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وترى الأرض بارزة } قال : ليس عليها بناء ولا شجرة .
وأخرج ابن منده في التوحيد ، عن معاذ بن جبل : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله ينادي يوم القيامة يا عبادي ، أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين ، أحضروا حجتكم ويسروا جواباً ، فإنكم مسؤولون مُحَاسَبُون ، يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفاً على أطراف أنامل أقدامهم للحساب » .(6/371)
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
أخرج البزار ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين : ديوان فيه العمل الصالح ، وديوان فيه ذنوبه ، وديوان فيه النعم من الله عليه » .
وأخرج الطبراني ، عن سعد بن جنادة قال : « لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين نزلنا قفرا من الأرض ليس فيه شيء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » اجمعوا من وجد عوداً فليأت ، ومن وجد عظماً أو شيئاً فليأت به « قال : فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركاماً . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » أترون هذا؟ فكذلك تجتمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا ، فليتق الله رجل لا يذنب صغيرة ولا كبيرة فإنها محصاة عليه « » .
وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إياك ومحقرات الذنوب ، فإن لها من الله طالباً » .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة } قال : الصغيرة التبسم ، والكبيرة الضحك .
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في الآية قال : الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمنين ، والكبيرة القهقهة بذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ويقولون يا ويلتنا } الآية . قال : يشتكي القوم كما تسمعون . الإحصاء ، ولم يشتك أحد ظلماً ، فإياكم والمحقرات من الذنوب ، فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في الآية . قال : سئلوا حتى عن التبسم ، فقيل فيم تبسمت يوم كذا وكذا؟! .(6/372)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس قال : إن من الملائكة قبيلة يقال لهم الجن ، فكان إبليس منهم ، وكان يوسوس ما بين السماء والأرض ، فعصى فسخط الله عليه ، فمسخه الله شيطاناً رجيماً .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله : { إلا إبليس كان من الجن } قال : كان خازن الجنان فسمي بالجن .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة ، عن الضحاك قال : اختلف ابن عباس وابن مسعود في إبليس فقال أحدهما : كان من سبط من الملائكة يقال لهم الجن .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس قال : إن إبليس كان من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة وكان خازناً على الجنان ، وكان له سلطان السماء الدنيا ، وكان له مجمع البحرين ، بحر الروم وفارس ، أحدهما قبل المشرق ، والآخر قبل المغرب ، وسلطان الأرض ، وكان مما سولت نفسه مع قضاء الله ، أنه يرى أن له بذلك عظمة وشرفاً على أهل السماء ، فوقع في نفسه من ذلك كبر لم يعلم ذلك أحد إلا الله ، فلما كان عند السجود لآدم حين أمره الله أن يسجد لآدم ، استخرج الله كبره عند السجود ، فلعنه إلى يوم القيامة { وكان من الجن } قال ابن عباس : إنما سمي بالجنان ، لأنه كان خازناً عليها .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { إلا إبليس كان من الجن } قال : كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن ، وكان ابن عباس يقول : لو لم يكن من الملائكة ، لم يؤمر بالسجود ، وكان على خزانة السماء الدنيا .
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ في العظمة ، عن الحسن قال : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين ، وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم أصل الإنس .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن قال : قاتل الله أقواماً يزعمون أن إبليس كان من ملائكة الله ، والله تعالى يقول : { كان من الجن } .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن سعيد بن جبير في قوله : { كان من الجن } قال : من خزنة الجنان .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن الأنباري في الأضداد من وجه آخر ، عن سعيد بن جبير في قوله : { كان من الجن } قال : هم حي من الملائكة لم يزالوا يصوغون حلي أهل الجنة حتى تقوم الساعة .
وأخرج البيهقي في الشعب ، عن سعيد بن جبير في قوله : { كان من الجن } قال : من الجنانين الذين يعملون في الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن ابن شهاب في قوله : { إلا إبليس كان من الجن } قال : إبليس أبو الجن ، كما أن آدم أبو الإنس ، وآدم من الإنس وهو أبوهم .(6/373)
وإبليس من الجن وهو أبوهم ، وقد تبين للناس ذلك حين قال الله : { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : كان إبليس رئيساً من الملائكة في سماء الدنيا .
وأخرج ابن جرير ، عن سعيد بن منصور قال : كانت الملائكة تقاتل الجن ، فسبي إبليس ، وكان صغيراً فكان مع الملائكة فتعبد معها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن شهر بن حوشب قال : كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة ، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة ، عن قتادة في قوله : { إلا إبليس كان من الجن } قال : أجن من طاعة الله .
وأخرج أبو الشيخ ، عن سعيد بن جبير قال : لما لعن إبليس تغيرت صورته عن صورة الملائكة ، فجزع لذلك فرن رنة ، فكل رنة في الدنيا إلى يوم القيامة من رنته .
وأخرج أبو الشيخ ، عن نوف قال كان إبليس رئيس سماء الدنيا .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { ففسق عن أمر ربه } قال : في السجود لآدم .
وأخرج ابن المنذر ، عن الشعبي أنه سئل عن إبليس هل له زوجة؟ فقال : إن ذلك العرس ما سمعت به .
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { أفتتخذونه وذريته } قال : ولد إبليس خمسة : ثبر والأعور وزلنبور ومسوط وداسم ، فمسوط صاحب الصخب ، والأعور وداسم لا أدري ما يفعلان ، والثبر صاحب المصائب ، وزلنبور الذي يفرق بين الناس ، ويبصر الرجل عيوب أهله .
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : { أفتتخذونه وذريته } قال : باض إبليس خمس بيضات : زلنبور وداسم وثبر ومسوط والأعور ، فأما الأعور ، فصاحب الزنا ، وأما ثبر فصاحب المصائب ، وأما مسوط فصاحب أخبار الكذب ، يلقيها على أفواه الناس ولا يجدون لها أصلاً ، وأما داسم فهو صاحب البيوت إذا دخل بيته ولم يسلم دخل معه ، وإذا أكل أكل معه ويريه من متاع البيت ما لا يحصى موضعه ، وأما زلنبور فهو صاحب الأسواق ويضع رأسه في كل سوق بين السماء والأرض .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله : { أفتتخذونه وذريته } قال : هم أولاده يتوالدون كما يتوالد بنو آدم وهم أكثر عدداً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سفيان قال : باض إبليس خمس بيضات : وذريته من ذلك . قال : وبلغني أنه يجتمع على مؤمن واحد أكثر من ربيعة ومضر .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { بئس للظالمين بدلاً } قال بئسما استبدلوا بعبادة ربهم إذ أطاعوا إبليس لعنه الله تعالى .(6/374)
مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم } قال : يقول ما أشهدت الشياطين الذين اتخذتم معي هذا { وما كنت متخذ المضلين } قال : الشياطين { عضداً } قال : ولا اتخذتهم عضداً على شيء عضدوني عليه فأعانوني .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وما كنت متخذ المضلين عضداً } قال : أعواناً .
وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { وما كنت متخذ المضلين عضداً } قال : أعواناً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي ، عن ابن عباس في قوله : { وجعلنا بينهم موبقاً } يقول : مهلكاً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { موبقاً } يقول : مهلكاً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { موبقاً } قال : واد في جهنم .
وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث ، عن أنس في قوله : { وجعلنا بينهم موبقاً } قال : واد في جهنم من قيح ودم .
وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي ، عن ابن عمر في قوله : { وجعلنا بينهم موبقاً } قال : هو واد عميق في النار ، فرق الله به يوم القيامة بين أهل الهدى والضلالة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عمرو البكالي قال : الموبق الذي ذكر الله ، واد في النار بعيد القعر يفرق به يوم القيامة بين أهل الإسلام ، وبين من سواهم من الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة في قوله : { موبقاً } قال : هو نهر في النار يسيل ناراً ، على حافتيه حيات أمثال البغال الدهم ، فإذا ثارت إليهم لتأخذهم استغاثوا بالإقتحام في النار منها .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن كعب قال : إن في النار أربعة أودية يعذب الله بها أهلها : غليظ ، وموبق ، وأثام ، وغي .(6/375)
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)
أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { فظنوا أنهم مواقعوها } قال : علموا .
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن حبان والحاكم وصححه ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ينصب الكافر يوم القيامة مقدار خمسين ألف سنة كما لم يعمل في الدنيا ، وأن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة والله أعلم » .
وأخرج البخاري ومسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن علي رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلاً فقال : « » ألا تصليان « فقلت : يا رسول الله ، إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا . وانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئاً ، ثم سمعته بضرب فخذه ويقول : { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } قال : الجدل الخصومة ، خصومة القوم لآنبيائهم ، وردهم عليهم ما جاؤوا به ، وكل شيء في القرآن من ذكر الجدل ، فهو من ذلك الوجه ، فيما يخاصمونهم من دينهم ، يردون عليهم ما جاؤوا به ، والله أعلم .(6/376)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { إلا أن تأتيهم سنة الأوّلين } قال : عقوبة الأولين .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد أنه قرأ { أو يأتيهم العذاب قبلاً } قال : قبائل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { أو يأتيهم العذاب قبلاً } قال : فجأة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة أنه قرأ { أو يأتيهم العذاب قبلاً } أي عياناً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الأعمش في قوله : { قبلاً } قال : جهاراً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { أو يأتيهم العذاب قبلاً } قال : مقابلهم فينظرون إليه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ونسي ما قدمت يداه } أي نسي ما سلف من الذنوب الكثيرة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { بما كسبوا } يقول : بما علموا .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { بل لهم موعد } قال : الموعد يوم القيامة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي ، عن ابن عباس في قوله : { لن يجدوا من دونه موئلاً } قال : ملجأ .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله { لن يجدوا من دونه موئلاً } قال : مجوزاً . وفي قوله : { وجعلنا لمهلكهم موعداً } قال : أجلاً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن العباس بن عزوان أسنده في قوله : { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً } قال : قضى الله العقوبة حين عصي ، ثم أخرها حتى جاء أجلها ، ثم أرسلها .(6/377)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)
أخرج ابن عساكر من طريق ابن سمعان ، عن مجاهد قال : كان ابن عباس يقول في هذه الآية { وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح } يقول : لا أنفك ولا أزال { حتى أبلغ مجمع البحرين } يقول : ملتقى البحرين { أو أمضي حقباً } يقول : أو أمضي سبعين خريفاً { فلما بلغا مجمع بينهما } يقول : بين البحرين { نسيا حوتهما } يقول : ذهب منهما وأخطأهما ، وكان حوتاً مليحاً معهما يحملانه فوثب من المكتل إلى الماء فكان { سبيله في البحر سرباً } فأنسى الشيطان فتى موسى أن يذكره ، وكان فتى موسى يوشع بن نون { واتخذ سبيله في البحر عجباً } يقول : موسى عجب من أثر الحوت ودوراته التي غار فيها { قال ذلك ما كنا نبغي } قول موسى : فذاك حيث أخبرت أني أجد الخضر حيث يفارقني الحوت { فارتدا على آثارهما قصصاً } يقول : اتبع موسى ويوشع أثر الحوت في البحر وهم راجعان على ساحل البحر { فوجدا عبداً من عبادنا } يقول : فوجدا خضراً { آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً } قال الله تعالى : { وفوق كل ذي علم عليم } [ يوسف : 76 ] فصحب موسى الخضر وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس أن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل : قال ابن عباس : كذب عدوّ الله! . . . حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل ، فسئل : أي الناس أعلم؟ فقال : أنا . فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه : أن لي عبداً بمجمع البحرين وهو أعلم منك . قال موسى : يا رب ، كيف لي به؟ قال : تأخذ معك حوتاً تجعله في مكتل ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثَم . فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ، ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما ، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق ، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد { قال } موسى { لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً } قال : فكان للحوت سرباً ، ولموسى ولفتاه عجباً . فقال موسى { ذلك ما كنا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصاً } قال سفيان : يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ، ولا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش . قال : وكان الحوت قد أكل منه ، فلما قطر عليه الماء عاش . قال : فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى ، فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام؟ قال : أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل؟ قال : نَعَم أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً { قال إنك لن تستطيع معي صبراً } يا موسى ، إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلَمُهُ أنت ، وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه . فقال موسى { ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً } فقال له الخضر { فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً فانطلقا } يمشيان على ساحل البحر ، فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول ، فلما ركبا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال له موسى : قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلَهَا؟ . { لقد جئت شيئاً إمْرَا } فقال : { ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً } .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كانت الأولى من موسى نسياناً ، قال : وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة ، فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ، ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل ، إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر بيده فاقتلعه فقتله ، فقال له موسى : { أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً } قال : وهذه أشد من الأولى { قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض } قال : مائل ، فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه ، فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا { لو شئت لاتخذت عليه أجراً } فقال : { هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً } .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما » .(6/378)
قال سعيد بن جبير : وكان ابن عباس يقرأ « وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً » وكان يقرأ « وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين » .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق آخر ، عن سعيد بن جبير قال : إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال : سلوني .(6/379)
قلت : أي أبا عباس ، جعلني الله فداءك ، بالكوفة رجل قاص يقال له نوف ، يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل . قال : كذب عدوّ الله ، حدثني أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن موسى عليه السلام ذكر الناس يوماً ، حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولّى ، فأدركه رجل فقال : أي رسول الله ، هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال : لا . فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى . قيل : بلى . قال : أي رب ، فأين؟ قال : بمجمع البحرين . قال : أي رب ، اجعل لي علماً أعلم به ذلك . قال : خذ حوتاً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح ، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ، فقال لفتاه : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت . قال : ما كلفت كثيراً . قال : فبينا هو في ظل صخرة في مكان سريان أن تضرب الحوت وموسى نائم ، فقال فتاه : لا أوقظه . حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره . وتضرب الحوت حتى دخل البحر ، فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر . قال موسى { لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } قال : قد قطع الله عنك النصب ، فرجعا فوجدا خضراً على طنفسة خضراء على كبد البحر ، مسجى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه ، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال : هل بأرض من سلام . . . !؟ من أنت؟ قال : أنا موسى . قال : موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم . قال : فما شأنك؟ قال : جئت لتعلمني مما علمت رشداً . قال : أما يكفيك أن التوراة بيديك ، وأن الوحي يأتيك يا موسى؟ إن لي علماً لا ينبغي أن تعلمه ، وإن لك علماً لا ينبغي لي أعلمه . فأخذ طائر بمنقاره من البحر ، فقال : والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ الطير منقاره من البحر . حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغاراً تحمل أهل الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر ، فعرفوه فقالوا : عبد الله الصالح لا نحمله بأجر ، فخرقها ووتد فيها وتداً . قال موسى { أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمْراً قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً } كانت الأولى نسياناً والوسطى والثالثة عمداً { قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله } ووجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين ، فقال : { أقتلت نفساً زكية } لم تعمل الحنث . قال ابن عباس قرأها : { زكية } زاكية مسلمة ، كقولك : غلاماً زكياً . { فانطلقا فوجدا { جداراً يريد أن ينقض فأقامه } قال : بيده هكذا ، ورفع يده فاستقام { قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً } قال : أجراً تأكله { وكان وراءهم ملك } قرأها ابن عباس » وكان أمامهم ملك « يزعمون مدد بن ندد ، والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور { ملك يأخذ كل سفينة } صالحة { غصباً } فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ، ومنهم من يقول سدوها بالقار { فكان أبواه مؤمنين } وكان كافراً { فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً } أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه { فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً } هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر . » وزعم غير سعيد أنهما أُبْدِلا جارية « .(6/380)
وأخرج عبد بن حميد ومسلم وابن مردويه من وجه آخر ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده ، فقال القوم : إن نوفاً الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل ، فكان ابن عباس متكئاً فاستوى جالساً فقال : كذب نوف ، حدثني أبي بن كعب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول « رحمة الله علينا وعلى موسى ، لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ، لرأى من صاحبه عجباً » .
قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبياً من الأنبياء بدأ بنفسه فقال : « رحمة الله علينا وعلى صالح ، ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ، ثم قال : إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم ، إذ قال لهم : ما في الأرض أحد أعلم مني . فأوحى الله إليه : أن في الأرض من هو أعلم منك ، وآية ذلك أن تزوّد حوتاً مالحاً فإذا فقدته فهو حيت تفقده ، فتزوّد حوتاً مالحاً فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به ، فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ، ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } قال فتاه : إذا جاء نبي الله حدثته . فأنساه الشيطان ، فانطلقا فأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به ، فقال موسى : { لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } قال فتاه : يا نبي الله { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت } أن أحدثك { وما أَنْسَانِيهُ إلا الشيطان } { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } { قال ذلك ما كنا نبغي } فرجعا { على آثارهما قصصاً } يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة ، فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه ، فرفع رأسه فقال له : من أنت؟ قال : موسى . قال : من موسى؟ قال : موسى بني إسرائيل . قال : فما لك؟ قال : أخبرت أن عندك علماً فأردت أن أصحبك { قال إنك لن تستطيع معي صبراً } { قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً } { قال كيف تصبر على ما لم تحط به خبراً } قال : قد أمرت أن أفعله { قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة } فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها ، فقال له موسى : تخرقها { لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً } فانطلقا ، حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه ، فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال { أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً } قال : فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً فانطلقا حتى أتيا أهل قرية } وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما { فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه } قال له موسى مما نزل به من الجهد { لو شئت لاتخذت عليه أجراً قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً } فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال : حدثني : { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها .(6/381)
وأما الغلام ، فإنه كان طبع يوم طبع كافراً ، وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ، ولو عصياه شيئاً لأرهقهما طغياناً وكفراً ، فأراد ربك أن يبدلهما { خيراً منه زكاة وأقرب رحماً } فوقع أبوه على أمه فعلقت خيراً منه زكاة وأقرب رحماً .
وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال : جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم : إن نوفاً يزعم عن أبي بن كعب ، أن موسى النبي الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا ، فقال ابن عباس : كذب نوف . . . حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال : أي رب ، إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني . قال : نعم ، في عبادي من هو أعلم منك ، فنعت له مكانه فأذن له في لقيه ، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح ، قد قيل : إذا حيي هذا الحوت في مكان ، فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك . فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه ، فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ، ماء الحياة من شرب منه خلد ، ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي . فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } فانطلقا { فلما جاوزا قال } موسى { لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } قال الفتى وذكر { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً } قال ابن عباس : فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها ، فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسىعليه فرد عليه ثم قال له : ما جاء بك؟ إن كان لك في قومك لشغل؟ قال له موسى : جئتك لتعلمني مما علمت رشداً .(6/382)
{ قال إنك لن تستطيع معي صبراً } وكان رجلاً يعلم علم الغيب قد علم ذلك ، فقال موسى : بلى . قال : { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً } أي أن ما تعرف ظاهر ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم؟ { قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً } وإن رأيت ما يخالفني { قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً } فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما ، حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها ، فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما ، فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها ، أخرج منقاراً له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ، ثم أخذ لوحاً فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها ، فقال له موسى - ورأى أمراً أفظع به - { أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً قال لا تؤاخذني بما نسيت } أي بما تركت من عهدك { ولا ترهقني من أمري عسراً } ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية ، فإذا غلمان يلعبون . . . فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه ، فأخذ بيده وأخذ حجراً فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله ، فرآى موسى عليه السلام أمراً فظيعاً لا صبر عليه ، صبي صغير قتله لا ذنب له . . . !؟ { قال أقتلت نفساً زكية بغير نفس } أي صغيرة { لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً } أي قد عذرت في شأني { فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض } فهدمه ثم قعد يبنيه ، فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر ، فقال { لو شئت لاتخذت عليه أجراً } أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا ، واستضفناهم فلم يضيفونا ، ثم قعدت تعمل في غير صنيعة؟ ولو شئت لأعطيت عليه أجراً في عملك . { قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة } صالحة { غصباً } - في قراءة أبي بن كعب « كل سفينة صالحة » وإنما عيبها لطرده عنها فَسَلِمَتْ منه حين رأى العيب الذي صنعت بها { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً .(6/383)
فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً . وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري } أي ما فعلته عن نفسي { ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً } فكان ابن عباس يقول : ما كان الكنز إلا علماً « .
وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قام موسى خطيباً لبني إسرائيل فأبلغ في الخطبة ، وعرض في نفسه أن أحداً لم يؤت من العلم ما أوتي ، وعَلِمَ الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له : » يا موسى ، إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك . قال : فادللني عليه حتى أتعلم منه . قال : يدلك عليه بعض زادك « . فقال لفتاه يوشع { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً } قال : فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء ، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر ، وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر ، فلما جاوز أحضر الغداء فقال : { آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } فذكر الفتى { قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً } فذكر موسى ما كان عهد إليه ، إنه يدلك عليه بعض زادك . { قال ذلك ما كنا نبغي } أي هذه حاجتنا { فارتدا على آثارهما قصصاً } يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل ، فأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب { فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما عُلِّمت رشداً } فأقر له بالعلم { قال إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً } يقول : حتى أكون أنا أحدث ذلك لك { فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلَهَا } إلى قوله : { فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً } على ساحل البحر في غلمان يلعبون ، فعهد إلى أجودهم وأصبحهم { فقتله قال أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً } .(6/384)
قال ابن عباس : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فاستحى نبي الله موسى عند ذلك فقال : { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلَهَا } إلى قوله : { سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } قال : وهي في قراءة أبي بن كعب { يأخذ كل سفينة صالحة غصباً } فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك ، فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين } إلى قوله : { ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً } قال : فجاء طائر هذه الحمرة فبلغ فجعل بغمس منقاره في البحر ، فقال له : يا موسى ، ما يقول هذا الطائر؟ قال : لا أدري . قال : هذا يقول : ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص بمنقاري من جميع ما في هذا البحر » .
وأخرج الروياني وابن عساكر من وجه آخر ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل ، إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه ، فأوحى الله إليه : « إني قد علمت ما حدثت به نفسك ، فإن من عبادي رجلاً أعلم منك . . . يكون على ساحل البحر فأته فتعلم منه واعلم أن الآية الدالة لك على مكانه زادك الذي تزوّد به ، فأينما فقدته فهناك مكانه » .
ثم خرج موسى وفتاه قد حملا حوتاً مالحاً في مكتل وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتاً ، حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر ، فمضى موسى وجلس فتاه فشرب منها فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين ، ثم جرى فيه حتى وقع في البحر . فذلك قوله تعالى : { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } فانطلق حتى لحق موسى ، فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه { آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } قال : ففقد الحوت فقال : { إني نسيت الحوت } الآية . يعني فتى موسى { اتخذ سبيله في البحر عجباً قال ذلك ما كنا نبغي } إلى { قصَصَا } فانتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى فلم ير شيئاً ، ثم صعد فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم ، فسلم عليه موسى ، فرفع رأسه فقال : أنى السلام بهذا المكان . . . !؟ من أنت؟ قال : موسى بني إسرائيل . قال : فما كان لك في قومك شغل عني؟ قال : إني أمرت بك . فقال الخضر : { إنك لن تستطيع معي صبراً } { قال ستجدني إن شاء الله صابراً } الآية .(6/385)
{ قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً } فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر ، فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم ، فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه فخرق بها السفينة { قال أخرقتها لتغرق أَهْلَهَا } الآية . { قال ألم أقل } الآية . { قال لا تؤاخذني } الآية . { فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية } فوجدا صبياناً يلعبون يريدون القرية ، فأخذ الخضر غلاماً منهم وهو أحسنهم وألطفهم فقتله قال له موسى : { أقتلت نفساً زكية } الآية . { قال ألم أقل لَكَ } الآية . { قال إن سألتك } الآية . فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد فاستطعموهم فلم يطعموهم ، فرأى الجدار مائلاً فمسحه الخضر بيده فاستوى ، فقال : { لو شئت لاتخذت عليه أجراً } قال له موسى : قد ترى جهدنا وحاجتنا ، لو سألتهم عليه أجراً أعطوك فنتعشى به { قال هذا فراق بيني وبينك } قال : فأخذ موسى بثوبه فقال : أنشدك الصحبة ، إلا أخبرتني عن تأويل ما رأيت؟ قال : { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } الآية . خرقتها لأعيبها فلم تؤخذ فأصلحها أهلها فامتنعوا بها ، وأما الغلام ، فإن الله جعله كافراً وكان أبواه مؤمنين ، فلو عاش لأرهقهما { طغياناً وكفراً فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي ، عن ابن عباس قال : لما ظهر موسى وقومه على مصر ، أنزل قومه بمصر ، فلما استقرت بهم الدار أنزل الله { وذكرهم بأيام الله } [ إبراهيم : 5 ] فخطب قومه فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعم ، وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون ، وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض وقال : كلم الله موسى نبيكم تكليماً واصطفاني لنفسه وأنزل عليّ محبة منه ، وآتاكم من كل شيء سألتموه ، فنبيكم أفضل أهل الأرض وأنتم تقرون اليوم .
فلم يترك نعمة أنعمها الله عليهم إلا عرفهم إياها ، فقال له رجل من بني إسرائيل : فهل على الأرض أعلم منك يا نبي الله؟ قال : لا . فبعث الله جبريل إلى موسى فقال : إن الله يقول « وما يدريك أين أضع علمي؟ . . . بلى على ساحل البحر رجل أعلم » .
قال ابن عباس : هو الخضر . فسأل موسى ربه أن يريه إياه فأوحى الله إليه : أن ائت البحر فإنك تجد على ساحل البحر حوتاً ميتاً فخذه فادفعه إلى فتاك ، ثم الزم شط البحر فإذا نسيت الحوت وذهب منك فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب . فلما طال صعود موسى ونصب فيه ، سأل فتاه عن الحوت : { قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } لك .(6/386)
قال الفتى . لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا ، فأعجب ذلك فرجع حتى أتى الصخرة فوجد الحوت ، فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت ، وجعل الحوت لا يمس شيئاً من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة ، فجعل نبي الله يعجب من ذلك حتى انتهى الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر ، فلقي الخضر بها فسلّم عليه ، فقال الخضر : وعليك السلام . . . وأنى يكون هذا السلام بهذا الأرض . . . !؟ ومن أنت؟ قال : أنا موسى . فقال له الخضر : أصاحب بني إسرائيل؟ فرحب به وقال : ما جاء بك؟ قال : جئتك { على أن تعلمني مما علمت رشداً قال إنك لن تستطيع معي صبراً } يقول : لا تطيق ذلك . قال موسى : { ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً } فانطلق به وقال له : لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه . فذلك قوله : { حتى أحدث لك منه ذكراً } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخطيب وابن عساكر من طريق هرون بن عنترة ، عن أبيه عن ابن عباس قال : سأل موسى ربه فقال : « رب ، أي عبادك أحب إليك؟ قال : الذي يذكرني ولا ينساني . قال : فأي عبادك أقضى؟ قال : الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى . قال : فأيّ عبادك أعلم؟ قال : الذي يبتغي علم الناس إلى علمه ، عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى . قال : وقد كان حدث موسى نفسه أنه ليس أحد أعلم منه . قال : رب ، فهل أحد أعلم مني؟ قال : نعم . قال : فأين هو؟ قيل له : عند الصخرة التي عندها العين » .
فخرج موسى يطلبه حتى كان ما ذكر الله وانتهى موسى إليه عند الصخرة ، فسلم كل واحد منهما على صاحبه فقال له موسى : إني أريد أن تصحبني . قال : إنك لن تطيق صحبتي . قال : بلى . قال : فإن صحبتني { فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً } فسار به في البحر حتى انتهى إلى مجمع البحرين ، وليس في البحر مكان أكثر ماء منه . قال : وبعث الله الخطاف فجعل يستقي منه بمنقاره ، فقال لموسى : كم ترى هذا الخطاف رزأ بمنقاره من الماء؟ قال : ما أقل ما رزأ . . . قال : فإن علمي وعلمك في علم الله كقدر ما استقى هذا الخطاف من هذا الماء . وذكر تمام الحديث في خرق السفينة وقتل الغلام وإصلاح الجدار ، فكان قول موسى في الجدار لنفسه شيئاً من الدنيا ، وكان قوله في السفينة وفي الغلام لله عز وجل .
وأخرج الدارقطني في الأفراد وابن عساكر من طريق مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الخضر ابن آدم لصلبه ونسئ له في أجله حتى يكذب الدجال .(6/387)
وأخرج البخاري وأحمد والترمذي وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إنما سمي الخضر؛ لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء » .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إنما سمي الخضر خضراً؛ لأنه صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر ، عن مجاهد قال : إنما سمي الخضر ، لأنه إذا صلى اخضر ما حوله .
وأخرج ابن عساكر عن ابن إسحق قال : حدثنا أصحابنا أن آدم عليه السلام لما حضره الموت جمع بنيه فقال : يا بني ، إن الله سينزل على أهل الأرض عذاباً ، فليكن جسدي معكم في المغارة حتى إذا هبطتم فابعثوني وادفنوني بأرض الشام . فكان جسده معهم ، فلما بعث الله نوحاً ضم ذلك الجسد وأرسل الله الطوفان على الأرض فغرقت الأرض زماناً ، فجاء نوح حتى نزل وأوصى بنيه الثلاثة - وهم سام وحام ويافث - أن يذهبوا بجسده إلى الغار الذي أمرهم أن يدفنوه به . فقالوا : الأرض وحشية لا أنيس بها ولا نهتدي لطريق ، ولكن كفّ حتى يعظم الناس ويكثروا . فقال لهم نوح : إن آدم قد دعا الله أن يطيل عمر الذي يدفنه إلى يوم القيامة . فلم يزل جسد آدم حتى جاء الخضر عليه السلام هو الذي تولى دفنه ، فأنجز الله له ما وعده فهو يحيا ما شاء الله أن يحيا .
وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيب : « أن الخضر عليه السلام أمه رومية وأبوه فارسي » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لما لقي موسى الخضر ، جاء طير فألقى منقاره في الماء ، فقال الخضر لموسى : تدري ما يقول هذا الطائر؟ قال : وما يقول : قال : يقول : ما علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذ منقاري من الماء » .
وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي والبزار وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه ، عن أبي الدرداء في قوله : { وكان تحته كنز لهما } قال : أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم ، وأحلت لنا الغنائم وحرمت علينا الكنوز .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبزار ، عن أبي ذر رفعه قال : إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من ذهب مضمن ، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم نصب ، وعجبت لمن ذكر النار ثم ضحك ، وعجبت لمن ذكر الموت ثم غفل . لا إله إلا الله . . . محمد رسول الله .
وأخرج الشيرازي في الألقاب عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : كان اللوح الذي ذكر الله تعالى في كتابه { وكان تحته كنز لهما } حجراً منقوراً فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، عجباً لمن يعلم أن القدر حق كيف يحزن؟! .(6/388)
. . وعجباً لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح؟! . . . وعجباً لمن يرى الدنيا وغرورها وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها؟! لا إله إلا الله محمد رسول الله .
وأخرج الخرائطي في قمع الحرص وابن عساكر من طريق أبي حازم ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { وكان تحته كنز لهما } قال : لوح من ذهب مكتوب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، عجباً لمن يعرف الموت كيف يفرح . . . !؟ وعجباً لمن يعرف النار كيف يضحك . . . !؟ وعجباً لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها . . . ؟! وعجباً لمن أيقن بالقضاء والقدر كيف ينصب في طلب الرزق . . . !؟ وعجباً لمن يؤمن بالحساب كيف يعمل الخطايا . . . !؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله .
وأخرج ابن مردويه عن علي ، « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وكان تحته كنز لهما } قال : » لوح من ذهب مكتوب فيه : شهدت أن لا إله إلا الله ، شهدت أن محمداً رسول الله ، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن . . . !؟ عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح . . . !؟ عجبت لمن تفكر في تقلب الليل والنهار ويأمن فجأتهما حالاً فحالاً « » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { وكان تحته كنز لهما } قال : ما كان ذهباً ولا فضة ، كان صحفاً عليها .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان ، عن علي بن أبي طالب في قول الله عز وجل : { وكان تحته كنز لهما } قال : كان لوح من ذهب مكتوب فيه : لا إله الله إلا الله محمد رسول الله . . . عجباً لمن يذكر أن الموت حق كيف يفرح . . . ! وعجباً لمن يذكر أن النار حق كيف يضحك . . . ! وعجباً لمن يذكر أن القدر حق كيف يحزن . . . ! وعجباً لمن يرى الدنيا وتصرفها بأهلها حالاً بعد حال كيف يطمئن إليها . . .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { وكان أبوهما صالحاً } قال : كان يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها .
وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، عن ابن عباس في قوله : { وكان أبوهما صالحاً } قال : حفظ الصلاح لأبيهما وما ذكر عنهما صلاحاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن الله يصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده ويحفظه في ذريته والدويرات حوله ، فما يزالون في ستر من الله وعافية .
وأخرج ابن مردويه عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله يصلح بصلاح الرجل الصالح ولده وولد ولده وأهل دويرات حوله ، فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم » .
وأخرجه ابن المبارك وابن أبي شيبة عن محمد بن المنكدر موقوفاً .(6/389)
وأخرج أحمد في الزهد عن كعب قال : إن الله يخلف العبد المؤمن في ولده ثمانين عاماً .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس قال : بينما موسى يخاطب الخضر يقول : ألست نبي بني إسرائيل؟ فقد أوتيت من العلم ما تكتفي به ، وموسى يقول له : إني قد أمرت باتباعك . والخضر يقول : { إنك لن تستطيع معي صبراً } فبينما هو يخاطبه إذ جاء عصفور فوقع على شاطئ البحر . فنقر منه نقرة ثم طار فذهب ، فقال الخضر لموسى : يا موسى ، هل رأيت الطير أصاب من البحر؟ قال : نعم . قال : ما أصبتُ أنا وأنت من العلم في علم الله ، إلا بمنزلة ما أصاب هذا الطير من هذا البحر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين } قال : حتى إنتهي .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { مجمع البحرين } قال : بحر فارس والروم ، هما بحر المشرق والمغرب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس مثله .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي بن كعب في قوله : { مجمع البحرين } قال : أفريقية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله : { مجمع البحرين } قال : طنجة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { مجمع البحرين } قال : الكر والرس ، حيث يصبان في البحر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { أو أمضي حقباً } قال : دهراً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { أو أمضي حقباً } قال : سبعين خريفاً . وفي قوله : { فلما بلغا مجمع بينهما } قال : بين البحرين { نسيا حوتهما } قال : أضلاه في البحر { فاتخذ سبيله في البحر عجباً } قال : موسى يعجب من أثر الحوت ودوراته التي غاب فيها { فارتدا على آثارهما قصصاً } قال : اتباع موسى وفتاه أثر الحوت حيث يشق البحر راجعين .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { نسيا حوتهما } قال : كان مملوحاً مشقوق البطن .
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله : { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } قال : أثره يابس في البحر كأنه حجر .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما انجاب ماء منذ كان الناس ، غير بيت ماء الحوت دخل منه صار منجاباً كالكرة ، حتى رجع إليه موسى فرأى إمساكه قال : { ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصاً } أي ، يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى مدخل الحوت » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } قال : جاء فرأى جناحيه في الطين حين وقع في الماء .(6/390)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : { فاتخذ سبيله في البحر سرباً } قال : دخل الحوت في البطحاء بعد موته حين أحياه الله ، ثم اتخذ فيها سرباً حتى وصل إلى البحر . والسرب ، طريق حتى وصل إلى الماء وهي بطحاء يابسة في البر ، بعدما أكل منه دهراً طويلاً وهو زاده ، ثم أحياه الله .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس أن موسى عليه السلام شق الحوت وملحه وتغدى منه وتعشى ، فلما كان من الغد { قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال في قراءة أُبي « وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكر له » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : أتى الحوت على عين في البحر يقال لها عين الحياة ، فلما أصاب تلك العين ردّ الله إليه روحه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { فارتدا على آثارهما قصصاً } قال : عودهما على بدئهما .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { فوجدا عبداً من عبادنا } قال : لقيا رجلاً عالماً يقال له خضر .
وأخرج ابن عساكر عن أبي بن كعب : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « شممت ليلة أسري بي رائحة طيبة فقلت : يا جبريل ، ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال : ريح قبر الماشطة وابنيها وزوجها ، وكان بدء ذلك أن الخضر كان من أشراف بني إسرائيل ، وكان ممره براهب في صومعته فيطلع عليه الراهب فيعلمه الإسلام ، وأخذ عليه أن لا يعلمه أحداً . ثم إن أباه زوجه امرأة فعلمها الإسلام وأخذ عليها أن لا تعلمه أحداً ، وكان لا يقرب النساء ، ثم زوجه أخرى فعلمها الإسلام وأخذ عليها أن لا تعلمه أحداً ، ثم طلقها فأفشت عليه إحداهما وكتمت الأخرى ، فخرج هارباً حتى أتى جزيرة في البحر ، فرآه رجلان فأفشى عليه أحدهما وكتم الآخر . فقيل له : ومن رآه معك؟ قال : فلان . وكان في دينهم أن من كذب قتل ، فسئل فكتم ، فقتل الذي أفشى عليه ثم تزوج الكاتم عليه المرأة الماشطة ، فبينما هي تمشط ابنة فرعون إذ سقط المشط من يدها ، فقالت : تعس فرعون . فأخبرت الجارية أباها فأرسل إلى المرأة وابنيها وزوجها فأرادهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا ، فقال : إني قاتلكم . قال : أحببنا منك إن أنت قتلتنا أن تجعلنا في قبر واحد . فقتلهم وجعلهم في قبر واحد » .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما شممت رائحة أطيب منها وقد دخلت الجنة » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : إنما سمي الخضر ، لأنه كان إذا جلس في مكان اخْضَرّ ما حوله وكانت ثيابه خضراً .(6/391)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { آتيناه رحمة من عندنا } قال : أعطيناه الهدى والنبوة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : إنما سمي الخضر ، لأنه إذا قام في مكان نبت العشب تحت رجليه حتى يغطي قدميه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ركبا في السفينة } قال : إنما كانت معبراً في ماء الكر فرسخ في فرسخ .
وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ « ليغرق أهلها » بالياء .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : { لقد جئت شيئاً إمراً } يقول : منكراً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { شيئاً إمراً } يقول : منكراً .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { شيئاً إمراً } قال : عجباً . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر في قوله : { شيئاً إمراً } قال : عظيماً .
وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب في قوله : { لا تؤاخذني بما نسيت } قال : لم ينس ، ولكنها من معاريض الكلام .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي العالية ومن طريق حماد بن زيد ، عن شعيب بن الحجاب قالا : كان الخضر عبداً لا تراه الأعين ، إلا من أراد الله أن يريه إياه فلم يريه من القوم إلا موسى ، ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين خرق السفينة وبين قتل الغلام . قال حماد : وكانوا يرون أن موت الفجأة من ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز في قوله : { لقيا غلاماً } قال : كان غلاماً ابن عشرين سنة .
وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال : لما قتل الخضر الغلام ، ذعر موسى ذعرة منكرة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { نفساً زكية } قال : تائبة .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ [ قتلت نفساً زكية ] قال سعيد : زكية مسلمة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { نفساً زكية } قال : لم تبلغ الخطايا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية أنه كان يقرأ { زكية } يقول : تائبة .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الحسن في قوله : { نفساً زكية } قال : تائبة . يعني صبياً لم يبلغ .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { لقد جئت شيئاً نكراً } قال : النكر أنكر من العجب .
وأخرج أحمد عن عطاء قال : كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن قتل الصبيان ، فكتب إليه : إن كنت الخضر تعرف الكافر من المؤمن فاقتلهم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن يزيد بن جرير قال : كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن قتل الولدان ، ويقول في كتابه : إن العالم صاحب موسى قد قتل الوليد .(6/392)
قال يزيد : أنا كتبت كتاب ابن عباس بيدي إلى نجدة أنك كتبت تسأل عن قتل الولدان وتقول في كتابك أن العالم صاحب موسى قد قتل الوليد ، ولو كنت تعلم من الولدان ما علم ذلك العالم من ذلك الوليد ، قتلته ولكنك لا تعلم . . . قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم فاعتزلهم .
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم ، عن ابن أبي مليكة قال : سئل ابن عباس عن الولدان في الجنة قال : حسبك ما اختصم فيه موسى والخضر .
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن مردويه ، عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافراً ، ولو أدرك لأرهق أبويه طغياناً وكفراً » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً » .
وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً ، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً » .
وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { إن سألتك عن شيء بعدها } مهموزتين .
وأخرج أبو داود والترمذي وعبدالله بن أحمد والبزار وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه ، عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { من لدني عذراً } مثقلة .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن السدي في قوله : { أتيا أهل قرية } قال : كانت القرية تسمى باجروان كان أهلها لئاماً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال : أتيا الإبلة وهي أبعد أرض الله من السماء .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق قتادة ، عن ابن عباس في قوله : { أتيا أهل قرية } : قال : هي أبرقة . قال : وحدثني رجل أنها أنطاكية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أيوب بن موسى قال : بلغني أن المسألة للمحتاج حسنة ، ألا تسمع أن موسى وصاحبه استطعما أهلها؟
وأخرج النسائي وابن مردويه عن أبي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { فأبوا أن يضيفوهما } مشددة .
وأخرج الديلمي عن أبي بن كعب رفعه في قوله : { فأبوا أن يضيفوهما } قال : كانوا أهل قرية لئاماً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { يريد أن ينقض } قال : يسقط .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف ، عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه قرأ { فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض } فهدمه ثم قعد يبنيه .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { فأقامه } قال : رفع الجدار بيده فاستقام .(6/393)
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن هارون قال : في حرف عبد الله « لو شئت لتخذت عليه أجراً » .
وأخرج البغوي في معجمه وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ « لو شئت لتخذت عليه أجراً » مخففة .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن كعب القرظي قال : قال عمر بن الخطاب ورسول الله يحدثهم بهذا الحديث حتى فرغ من القصة : « يرحم الله موسى ، وددنا أنه لو صبر حتى يقص علينا من حديثهما » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « رحمة الله علينا وعلى موسى - فبدأ بنفسه - لو كان صبر لقص علينا من خبره ، ولكن قال : { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني } » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { فأردت أن أعيبها } قال : أخرقها .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ : « وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً » .
وأخرج ابن الأنباري عن أبي بن كعب رضي الله عنه ، أنه قرأ « يأخذ كل سفينة صالحة غصباً » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت تقرأ في الحرف الأول « كل سفينة صالحة غصباً » قال : وكان لا يأخذ إلا خيار السفن .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن أبي الزاهرية قال : كتب عثمان « وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال : كان اسم الغلام الذي قتله الخضر جيسور .
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ « وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين » .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة قال : في حرف أبي « وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { فخشينا } قال : فأشفقنا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال : هي في مصحف عبد الله « فخاف ربك أن يرهقهما طغياناً وكفراً » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً } قال : خشينا أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مطر في الآية قال : لو بقي كان فيه بوارهما واستئصالهما .(6/394)
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن قتادة قال : قال مطرف بن الشخير : إنا لنعلم أنهما قد فرحا به يوم ولد وحزنا عليه يوم قتل ، ولو عاش لكان فيه هلاكهما . فرضي رجل بما قسم الله له ، فإن قضاء الله للمؤمن خير من قضائه لنفسه ، وقضاء الله لك فيما تكره خير من قضائه لك فيما تحب .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن جريج في قوله : { خيراً منه زكاة } قال : إسلاماً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عطية في قوله : { خيراً منه زكاة } قال : ديناً { وأقرب رحماً } قال : مودة . فأبدلا جارية ولدت نبياً .
وأخرج ابن المنذر من طريق بسطام بن جميل ، عن عمر بن يوسف في الآية قال : أبدلهما جارية مكان الغلام ولدت نبيين .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وكان تحته كنز لهما } قال : كان كنز لمن قبلنا وحرم علينا ، وحرمت الغنيمة على ما كان قبلنا وأحلت لنا ، فلا تعجبن للرجل يقول : ما شأن الكنز أحل لمن قبلنا وحرم علينا؟ فإن الله يحل من أمره ما يشاء ويحرم ما يشاء ، وهي السنن والفرائض . . . تحل لأمة وتحرم على أخرى .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم ، عن خيثمة قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : طوبى لذرية مؤمن ، ثم طوبى لهم كيف يحفظون من بعده . وتلا خيثمة { وكان أبوهما صالحاً } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب قال : إن الله يصلح بالعبد الصالح القبيل من الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق شيبة ، عن سليمان بن سليم بن سلمة قال : مكتوب في التوراة « إن الله ليحفظ القرن إلى القرن إلى سبعة قرون ، وإن الله يهلك القرن إلى القرن إلى سبعة قرون » .
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال : إن الرب تبارك وتعالى قال في بعض ما يقول لبني إسرائيل : « إني إذا أطعت رضيت ، وإذا رضيت باركت وليس لبركتي ناهية ، وإذا عصيت غضبت ولعنتي تبلغ السابع من الولد » .
وأخرج أحمد عن وهب قال : يقول الله : « اتقوا غضبي فإن غضبي يدرك إلى ثلاثة آباء ، وأحبوا رضاي فإن رضاي يدرك في الأمة » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { وما فعلته عن أمري } قال : كان عبداً مأموراً مضى لأمر الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : قال موسى لفتاه يوشع بن نون { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين } فاصطادا حوتاً فاتخذاه زاداً وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها ، فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ، ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه : { آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً } يعني جهداً في السير .(6/395)
قال الفتى لموسى : { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } .
قال : فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب ، أن موسى دعا ربه فسأله ومعه ماء عذب في سقاء ، فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجراً أبيض أجوف ، فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف : هل يرى ذلك الرجل؟ حتى كاد يسيء الظن ، ثم رآه فقال : السلام عليك يا خضر . قال : عليك السلام يا موسى . قال : من حدثك أني أنا موسى . . . !؟ قال : حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر . قال : إني أريد أن أصحبك { على أن تعلمني مما علمت رشداً } وأنه تقدم إليه فنصحه فقال : { إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً } وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا ، فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه { قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً } إن عجلت عليّ في ثلاث فذلك حين أفارقك .
فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة ، فناداهم خضر : يا أصحاب السفينة ، هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم ، وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم : إنا نرى رجالاً في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصاً فلا تحملهم . فقال صاحب السفينة : إني أرى رجالاً على وجوههم النور ، لأحملنهم . فقال الخضر : بكم حملت هؤلاء؟ كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف . فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية : إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس بها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيباً لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء ، وإن موسى امتلأ غضباً { قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً } وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر ، فقال : أردت هلاكهم فتعلّم أنك أول هالك : فجعل موسى كلما ازداد غضباً استقر البحر ، وكلما سكن كان البحر كالدهر ، وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام : ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك؟ وإن الخضر أقبل عليه { قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً } وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال : { لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً } فلما انتهوا إلى القرية قال خضر : ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق ، وأن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال : إنما أردت الذي هو خير لك ، فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت .(6/396)
ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب ، عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله { قال أقتلت نفساً زكية بغير نفس } إلى قوله : { قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً } وإن خضراً أقبل عليه فقال : قد وفيت لك بما جعلت على نفسي { هذا فراق بيني وبينك } { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين } فكان لا يغضب أحداً إلا دعا عليه وعلى أبويه ، فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيراً منه وأبرّ بوالديه { وأقرب رحماً } .
{ وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما } فسمعنا أن ذلك الكنز كان علماً فورثا ذلك العلم .
وأخرج ابن جرير من طريق الحسن بن عمارة عن أبيه قال : قيل لابن عباس : لم نسمع - يعني موسى - يذكر من حديث فتاه وقد كان معه . فقال ابن عباس : فيما يذكر من حديث الفتى قال : شرب الفتى من الماء فخلد فأخذه العالم فطابق به سفينة ثم أرسله في البحر ، فإنها لتموج به إلى يوم القيامة . وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه . قال ابن كثير الحسن متروك وأبوه غير معروف .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن يوسف بن أسباط قال : بلغني أن الخضر قال لموسى لما أراد أن يفارقه : يا موسى ، تعلم العلم لتعمل به ولا تعلمه لتحدث به . وبلغني أن موسى قال للخضر : ادع لي . فقال الخضر : يسر الله عليك طاعته .
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال : قال الخضر لموسى حين لقيه : يا موسى ، انزع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة ، ولا تضحك من غير عجب ، والزم بيتك وابك على خطيئتك .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر ، عن أبي عبد الله - أظنه الملطي - قال : أراد موسى أن يفارق الخضر ، فقال له موسى : أوصني . قال : كن نفّاعاً ولا تكن ضراراً ، كن بشاشاً ولا تكن غضباناً ، ارجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة ، ولا تُعَيِّرُ امرأً بخطيئته وابك على خطيئتك يا ابن عمران .
وأخرج ابن عساكر عن وهب ، أن الخضر قال لموسى : يا موسى ، إن الناس يعذبون في الدنيا على قدر همومهم .
وأخرج العقيلي عن كعب قال : الخضر على منبر بين البحر الأعلى والبحر الأسفل ، وقد أمرت دواب البحر أن تسمع له وتطيع وتعرض عليه الأرواح غدوة وعشية .
وأخرج ابن شاهين عن خصيف قال : أربعة من الأنبياء أحياء : اثنان في السماء عيسى وإدريس . وإثنان في الأرض ، الخضر وإلياس . فأما الخضر ، فإنه في البحر . وأما صاحبه فإنه في البر .
وأخرج الخطيب وابن عساكر عن علي بن أبي طالب قال : بينا أنا أطوف ، إذا أنا برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول : يا من لا يشغله سمع عن سمع ، ويا مَنْ لا تغلطه المسائل ، ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك ، قلت : يا عبد الله ، أعد الكلام .(6/397)
قال : وسمعته؟ قلت : نعم . قال : والذي نفس الخضر بيده : - وكان هو الخضر - لا يقولهن عبد دبر الصلاة المكتوبة ، إلا غفرت ذنوبه وإن كانت مثل رمل عالج وعدد المطر وورق الشجر .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الحلية ، عن كعب الأحبار قال : إن الخضر بن عاميل ركب في نفر من أصحابه حتى بلغ الهند - وهو بحر الصين - فقال لأصحابه : يا أصحابي ، أدلوني . فدلوه في البحر أياماً وليالي ثم صعد ، فقالوا له : يا خضر ، ما رأيت؟ فلقد أكرمك الله وحفظ لك نفسك في لجة هذا البحر . فقال : استقبلني ملك من الملائكة فقال لي : أيها الآدمي الخطاء إلى أين؟ ومن أين؟ فقلت : إني أردت أن أنظر عمق هذا البحر . فقال لي : كيف وقد أهوى رجل من زمان داود عليه السلام لم يبلغ ثلث قعره حتى الساعة ، وذلك منذ ثلثمائة سنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن بقية قال : حدثني أبو سعيد قال : سمعت أن آخر كلمة أوصى بها الخضر موسى حين فارقه : إياك أن تعير مسيئاً بإساءته فتبتلى .
وأخرج الطبراني وابن عساكر عن أبي أسامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : « ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل ، أبصره رجل مكاتب فقال : تصدق عليّ بارك الله فيك . فقال الخضر : آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون ، ما عندي شيء أعطيكه . فقال المسكين : أسألك بوجه الله لما تصدقت علي ، فإني نظرت السماحة في وجهك ووجدت البركة عندك . فقال الخضر : آمنت بالله ، ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني . فقال المسكين : وهل يستقيم هذا؟! قال : نعم . الحق أقول ، لقد سألتني بأمر عظيم : أما أني لا أخيبك بوجه ربي تعالى . فقدّمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم ، فمكث عند المشتري زماناً لا يستعمله في شيء . فقال له : إنك إنما ابتعتني التماس خير عندي ، فأوصني أعمل بعمل . قال : أكره أن أشق عليك إنك شيخ كبير ضعيف . قال : ليس يشق عليّ قال : فقم فانقل هذه الحجارة . وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم ، فخرج الرجل لبعض حاجته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة ، فقال : أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه ، ثم عرض للرجل سفرة فقال : إني احتسبتك أميناً فاخلفني في أهلي خلافة حسنة . قال : فأوصني بعمل . قال : إني أكره أن أشق عليك . قال : ليس يشق عليّ قال : فاضرب من اللبن لنبني حتى أقدم عليك ، فمر الرجل لسفره فرجع وقد شيد بناؤه ، فقال : أسألك بوجه الله ، ما سبيلك وما أمرك؟ فقال : سألتني بوجه الله ووجه الله أوقعني في العبودية ، أنا الخضر الذي سمعت به . . . سألني مسكين صدقة ولم يكن عندي شيء أعطيه ، فسألني بوجه الله فأمكنته من نفسي فباعني . فأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر ، وقف يوم القيامة جلدة ولا لحم له ولا عظم ليتقصع . فقال الرجل : آمنت بالله! . . . شققت عليك يا نبي الله ولم أعلم . فقال : لا بأس ، أحسنت وأتقنت . فقال الرجل : بأبي أنت وأمي يا نبي الله ، احكم في أهلي ومالي بما أراك الله ، أو أخيّرك فأخلي سبيلك . فقال : أحب أن تخلي سبيلي أعبد ربي . فخلّى سبيله فقال الخضر : الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ثم نجاني منها » .(6/398)
وأخرج البيهقي في الشعب عن الحجاج بن فرافصة ، أن رجلين كانا يتبايعان عند عبد الله بن عمر ، فكان أحدهما يكثر الحلف ، فبينما هو كذلك إذ مرّ عليهما رجل فقام عليهما فقال للذي يكثر الحلف : مه يا عبد الله ، اتق الله ولا تكثر الحلف فإنه لا يزيد في رزقك ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف . قال : امض لما يعنيك . قال : ذا مما يعنيني - قالها ثلاث مرات وردّ عليه قوله - فلما أراد أن ينصرف قال : اعلم أن من آية الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك ، ولا يكن في قولك فضل على فضلك . ثم انصرف فقال عبد الله بن عمر : الحقه فاستكتبه هذه الكلمات . فقال : يا عبد الله ، اكتبني هذه الكلمات يرحمك الله . فقال الرجل : ما يقدر الله من أمر يكن فأعادهن عليه حتى حفظهن ثم شهده حتى وضع إحدى رجليه في المسجد ، فما أدري أرض لفظته أو سماء اقتلعته ، قال : كأنهم يرونه الخضر أو إلياس عليه السلام .
وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسندٍ واهٍ ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الخضر في البحر واليسع في البر ، يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ، ويحجان ويعتمران كل عام ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل » .
وأخرج ابن عساكر عن ابن أبي رواد قال : إلياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس ، ويحجان في كل سنة ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل .
وأخرج العقيلي والدارقطني في الأفراد وابن عساكر ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم ، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات : بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ، ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ، ما شاء الله لا حول ولا قوّة إلا بالله » .
قال ابن عباس : من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات ، أمنه الله من الغرق والحرق والسرق ومن الشياطين والسلطان والحية والعقرب .(6/399)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم : « يا محمد ، إنما تذكر إبراهيم وموسى وعيسى والنبيين أنك سمعت ذكرهم منّا ، فأخبرنا عن نبي لم يذكره الله في التوراة إلا في مكان واحد . قال : ومن هو؟ قالوا : ذو القرنين . قال : ما بلغني عنه شيء . فخرجوا فرحين وقد غلبوا في أنفسهم ، فلم يبلغوا باب البيت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات { ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكراً } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر مولى غفرة قال : دخل بعض أهل الكتاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه فقالوا : » يا أبا القاسم ، كيف تقول في رجل كان يسيح في الأرض؟ قال : لا علم لي به . فبينما هم على ذلك إذ سمعوا نقيضاً في السقف ، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم غمة الوحي ثم سري عنه فتلا { ويسألونك عن ذي القرنين } الآية . فلما ذكر السد قالوا : أتاك خبره يا أبا القاسم حسبك « .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » ما أدري أتبع كان لعيناً أم لا ، وما أدري أذو القرنين كان نبياً أم لا ، وما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا « .
وأخرج ابن مردويه » عن سالم بن أبي الجعد قال : سئل علي عن ذي القرنين : أنبي هو؟ فقال : سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : « هو عبد ناصح الله فنصحه » « .
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه من طريق أبي الطفيل ، أن ابن الكواء سأل علي بن أبي طالب عن ذي القرنين : أنبياً كان أم ملكاً؟ قال : لم يكن نبياً ولا ملكاً ، ولكن كان عبداً صالحاً أحب الله فأحبه ، ونصح لله فنصحه . . . بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه فمات ، ثم أحياه الله لجهادهم . ثم بعثه إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر فمات ، فأحياه الله لجهادهم . فلذلك سمي ذا القرنين ، وإن فيكم مثله .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : ذو القرنين نبي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأحوص بن حكيم عن أبيه ، » أن النبي صلى الله عليه وسلم : سئل عن ذي القرنين فقال : « هو ملك مسح الأرض بالإحسان » « .
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن خالد بن معدان الكلاعي » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذي القرنين فقال : « ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب » « .(6/400)
وأخرج ابن عبد الحكم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ ، عن عمر أنه سمع رجلاً ينادي بمنى : يا ذا القرنين ، فقال له عمر رضي الله عنه : ها أنتم قد سميتم بأسماء الأنبياء ، فما بالكم وأسماء الملائكة؟
وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير ، أن ذا القرنين ملك من الملائكة أهبطه الله إلى الأرض وآتاه من كل شيء سبباً .
وأخرج الشيرازي في الألقاب عن جبير بن نفير ، « أن أحباراً من اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : » حدثنا عن ذي القرنين إن كنت نبياً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو ملك مسح الأرض بالأسباب « » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : كان نذير واحد بلغ ما بين المشرق والمغرب ، ذو القرنين بلغ السدين وكان نذيراً ، ولم أسمع بحق أنه كان نبياً .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي الورقاء قال : قلت لعلي بن أبي طالب : ذو القرنين ما كان قرناه؟ قال : لعلك تحسب أن قرنيه ذهب أو فضة ، كان نبياً فبعثه الله إلى أناس فدعاهم إلى الله تعالى فقام رجل فضرب قرنه الأيسر فمات ، ثم بعثه الله فأحياه ، ثم بعثه إلى ناس فقام رجل فضرب قرنه الأيمن فمات ، فسماه الله ذا القرنين .
وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم بن علي بن عبد الله بن جعفر قال : إنما سمي ذو القرنين ذا القرنين ، لشجتين شجهما على قرنيه في الله ، وكان أسود .
وأخرج أبو الشيخ عن وهب بن منبه ، أن ذا القرنين أول من لبس العمامة ، وذاك أنه كان في رأسه قرنان كالظلفين متحركان فلبس العمامة من أجل ذلك ، وأنه دخل الحمام ودخل كاتبه معه فوضع ذو القرنين العمامة فقال لكاتبه : هذا أمر لم يطلع عليه خلق غيرك ، فإن سمعت به من أحد قتلتك . فخرج الكاتب من الحمام فأخذه كهيئة الموت ، فأتى الصحراء فوضع فمه بالأرض ثم نادى : ألا إن للملك قرنين . فأنبت الله من كلمته قصبتين ، فمر بهما راع فأعجب بهما فقطعهما واتخذهما مزماراً ، فكان إذا زمر خرج من القصبتين : ألا إن للملك قرنين . فانتشر ذلك في المدينة ، فأرسل ذو القرنين إلى الكاتب فقال : لتصدقني أو لأقْتُلَنّكَ . فقص عليه الكاتب القصة ، فقال ذو القرنين : هذا أمر أراد الله أن يبديه . فوضع العمامة عن رأسه .
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل ، عن عقبة بن عامر الجهني قال : « كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت ذات يوم فإذا أنا برجال من أهل الكتاب بالباب معهم مصاحف فقالوا : من يستأذن لنا على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : ما لي ولهم ، سألوني عما لا أدري؟ إنما أنا عبد لا أعلم إلا ما أعلمني ربي عز وجل .(6/401)
ثم قال : ابغني وضوءاً فأتيته بوضوء فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم انصرف فقال - وأنا أرى السرور والبشر في وجهه - أدخل القوم عليَّ ومن كان من أصحابي فأدخله أيضاً عليّ ، فأذنت لهم فدخلوا فقال : إن شئتم أخبرتكم بما جئتم تسألوني عنه من قبل أن تكلموا ، وإن شئتم فتكلموا قبل أن أقول . قالوا : بل فأخبرنا . قال : جئتم تسألوني عن ذي القرنين ، إن أول أمره أنه كان غلاماً من الروم ، أعطي ملكاً فسار حتى أتى ساحل أرض مصر فابتنى مدينة يقال لها « اسكندرية » فلما فرغ من شأنها بعث الله عز وجل إليه ملكاً فعرج به فاستعلى بين السماء ، ثم قال له : انظر ما تحتك . فقال : أرى مدينتي وأرى مدائن معها ، ثم عرج به فقال : انظر . فقال : قد اختلطت مع المدائن فلا أعرفها ، ثم زاد فقال انظر : قال : أرى مدينتي وحدها ولا أرى غيرها . قال له الملك : إنها تلك الأرض كلها ، والذي ترى يحيط بها هو البحر وإنما أراد ربّك أن يريك الأرض وقد جعل لك سلطاناً فيها ، فسر فيها فعلم الجاهل وثبت العالم ، فسار حتى بلغ مغرب الشمس ، ثم سار حتى بلغ مطلع الشمس ، ثم أتى السدين وهما جبلان لينان يزلق عنهما كل شيء ، فبنى السد ثم اجتاز يأجوج ومأجوج ، فوجد قوماً وجوههم وجوه الكلاب يقاتلون يأجوج ومأجوج ، ثم قطعهم فوجد أمة قصاراً يقاتلون القوم الذين وجوههم وجوه الكلاب ، ووجد أمة من الغرانيق يقاتلون القوم القصار ، ثم مضى فوجد أمة من الحيات تلتقم الحية منها الصخرة العظيمة ، ثم مضى إلى البحر الدائر بالأرض فقالوا : نشهد أن أمره هكذا كما ذكرت ، وإنا نجده هكذا في كتابنا « .
وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن الأشج صاحب كعب الأحبار ، أن ذا القرنين كان رجلاً طوافاً صالحاً ، فلما وقف على جبل آدم الذي هبط عليه ونظر إلى أثره هاله ، فقال له الخضر : - وكان صاحب لوائه الأكبر - ما لك أيها الملك؟ قال : هذا أثر الآدميين . . . أرى موضع الكفين والقدمين وهذه القرحة ، وأرى هذه الأشجار حوله قائمة يابسة يسيل منها ماء أحمر ، إن لها لشأناً . فقال له الخضر : - وكان قد أعطي العلم والفهم - أيها الملك ، ألا ترى الورقة المعلقة من النخلة الكبيرة قال : بلى . قال : فهي تخبرك بشأن هذا الموضع . - وكان الخضر يقرأ كل كتاب - فقال : أيها الملك ، أرى كتاباً فيه : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من آدم أبي البشر ، أوصيكم ذريتي وبناتي أن تحذروا عدوي وعدوكم إبليس الذي كان يلين كلامه وفجور أمنيته ، أنزلني من الفردوس إلى تربة الدنيا ، وألقيت على موضعي هذا لا يلتفت إليّ مائتي سنة بخطيئة واحدة ، حتى درست في الأرض وهذا أثري وهذه الأشجار من دموع عيني فعلي في هذه التربة أنزلت التوبة ، فتوبوا من قبل أن تندموا وبادروا من قبل أن يبادر بكم وقدموا من قبل أن يقدم بكم .(6/402)
فنزل ذو القرنين فمسح موضع جلوس آدم فإذا هو ثمانون ومائة ميل ، ثم أحصى الأشجار فإذا هي تسعمائة شجرة كلها من دموع آدم نبتت ، فلما قتل قابيل هابيل تحولت يابسة وهي تبكي دماً أحمر فقال ذو القرنين للخضر : ارجع بنا فلا طلبت الدنيا بعدها .
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر عن السدي قال : كان أنف الإسكندر ثلاثة أذرع .
وأخرج ابن عبد الحكم عن الحسن قال : كان أنف الإسكندر ثلاثة أذرع .
وأخرج ابن عبد الحكم وابن أبي حاتم والشيرازي في الألقاب ، عن عبيد بن يعلى قال : إنما سمي ذا القرنين لأنه كان له قرنان صغيران تواريهما العمامة .
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن وهب بن منبه أنه سئل عن ذي القرنين فقال : لم يوح إليه وكان ملكاً . قيل : فلم سمي ذا القرنين؟ فقال : اختلف فيه أهل الكتاب ، فقال بعضهم : ملك الروم وفارس ، وقال بعضهم : إنه كان في رأسه شبه القرنين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن بكر بن مضر ، أن هشام بن عبد الملك سأله عن ذي القرنين : أكان نبياً؟ فقال : لا ، ولكنه إنما أعطي ما أعطي بأربع خصال كان فيه : كان إذا قدر عفا ، وإذا وعد وفى ، وإذا حدث صدق ، ولا يجمع اليوم لغد .
وأخرج ابن عبد الحكم عن يونس ، بن عبيد قال : إنما سمي ذا القرنين ، لأنه كان له غديرتان من رأسه من شعر يطأ فيهما .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي العالية قال : إنما سمي ذا القرنين لأنه قرن ما بين مطلع الشمس ومغربها .
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر ، عن ابن شهاب قال : إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرن الشمس من مطلعها .
وأخرج عن قتادة قال : الإسكندر هو ذو القرنين .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق ابن إسحق ، عمن يسوق أحاديث الأعاجم من أهل الكتاب ممن قد أسلم فيما توارثوا من علمه ، أن ذا القرنين كان رجلاً صالحاً من أهل مصر ، اسمه مرزيا بن مرزية اليوناني من ولد يونن بن يافث بن نوح .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن عبيد بن عمير ، أن ذا القرنين حج ماشياً فسمع به إبراهيم فتلقاه .(6/403)
وأخرج الشيرازي في الألقاب ، عن قتادة قال : إنما سمي ذا القرنين ، لأنه كان له عقيصتان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ، أن ذا القرنين كان من سوّاس الروم يسوس أمرهم ، فخيّر بين ذلال السحاب وصعابها فاختار ذلالها ، فكان يركب عليها .
وأخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم والشيرازي في الألقاب وأبو الشيخ ، عن وهب بن منبه اليماني - وكان له علم الأحاديث الأولى - أنه كان يقول : كان ذو القرنين رجلاً من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره ، وكان اسمه الإسكندر وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس ، فلما بلغ وكان عبداً صالحاً قال الله له : « يا ذا القرنين ، إني باعثك إلى أمم الأرض منهم أمتان بينهما طول الأرض كلها ، ومنهم أمتان بينهما عرض الأرض كلها ، في وسط الأرض منهم الإنس والجن ويأجوج ومأجوج ، فأما اللتان بينهما طول الأرض ، فأمة عند مغرب الشمس يقال لها ناسك ، وأما الأخرى؛ فعند مطلعها يقال لها منسك ، وأما اللتان بينهما عرض الأرض فأمة في قطر الأرض الأيمن يقال لها هاويل ، وأما الأخرى التي في قطر الأرض الأيسر فأمة يقال لها تأويل . فلما قال الله له ذلك قال له ذو القرنين : يا إلهي ، أنت قد ندبتني لأمر عظيم لا يقدر قدره إلا أنت ، فأخبرني عن هذه الأمم التي تبعثني إليها ، بأي قوة أكابرهم ، وبأي جمع أكاثرهم ، وبأي حيلة أكايدهم ، وبأي لسان أناطقهم؟؟؟ وكيف لي بأن أحاربهم ، وبأي سمع أعي قولهم ، وبأي بصر أنفذهم ، وبأي حجة أخاصمهم ، وبأي قلب أعقل عنهم ، وبأي حكمة أدبر أمرهم ، وبأي قسط أعدل بينهم ، وبأي حلم أصابرهم ، وبأي معرفة أفصل بينهم ، وبأي علم أتقن أمرهم ، وبأي يد أسطو عليهم ، وبأي رجل أطؤهم ، وبأي طاقة أخصمهم ، وبأي جند أقاتلهم ، وبأي رفق أستألفهم . . . ؟؟؟ وإنه ليس عندي يا إلهي شيء مما ذكرت يقرن لهم ، ولا يقوى عليهم ولا يطيقهم ، وأنت الرب الرحيم الذي لا يكلف نفساً ولا يحملها إلا طاقتها ، ولا يعنتها ولا يفدحها بل يرأفها ويرحمها . فقال له الله عز وجل : إني سأطوقك ما حملتك ، أشرح لك صدرك فيتسع لكل شيء ، وأشرح لك فهمك فتفقه كل شيء ، وأبسط لك لسانك فتنطق بكل شيء ، وأفتح لك سمعك فتعي كل شيء ، وأمد لك بصرك فتنفذ كل شيء ، وأدبر لك أمرك فتتقن كل شيء ، وأحصر لك فلا يفوتك شيء ، وأحفظ عليك فلا يغرب عنك شيء ، وأشد ظهرك فلا يهدك شيء ، وأشد لك ركبك فلا يغلبك شيء ، وأشد لك قلبك فلا يروعك شيء ، وأشد لك عقلك فلا يهولك شيء ، وأبسط لك يديك فيسطوان فوق كل شيء ، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء . وأسخر لك النور والظلمة فأجعلهما جنداً من جنودك يهديك النور من أمامك وتحوطك الظلمة من ورائك .(6/404)
فلما قيل له ذلك انطلق يؤم الأمة التي عند مغرب الشمس ، فلما بلغهم وجد جمعاً وعدداً لا يحصيه إلا الله تعالى ، وقوة وبأساً لا يطيقه إلا الله ، وألسنة مختلفة وأموراً مشتبهة وأهواء مشتتة وقلوباً متفرقة ، فلما رأى ذلك كابرهم بالظلمة وضرب حولهم ثلاثة عساكر منها ، وأحاطت بهم من كل جانب وحاشدهم حتى جمعهم في مكان واحد ثم دخل عليهم بالنور ، فدعاهم إلى الله وعبادته . . . فمنهم من آمن ومنهم من صدّ عنه ، فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت في أفواههم وأنوفهم وآذانهم وأجوافهم ، ودخلت في بيوتهم ودورهم وغشيتهم من فوقهم ومن تحتهم ومن كل جانب منهم فماجوا فيها وتحيروا ، فلما أشفقوا أن يهلكوا فيها عجوا إليه بصوت واحد فكشف عنهم وأخذهم عنوة فدخلوا في دعوته ، فجند من أهل المغرب أمماً عظيمة فجعلهم جنداً واحداً ، ثم انطلق بهم يقودهم والظلمة تسوقهم من خلفهم وتحرسهم من حولهم ، والنور من أمامه يقوده ويدله وهو يسير في ناحية الأرض اليمنى ، وهو يريد الأمة التي في قطر الأرض الأيمن التي يقال لها هاويل . وسخر الله يده وقلبه ورأيه ونظره وائتماره فلا يخطئ إذا ائتمر وإذا عمل عملاً أتقنه ، فانطلق يقود تلك الأمم وهي تتبعه . . . فإذا انتهى إلى بحر أو مخاضة بنى سفناً من ألواح صغار أمثال البغال فنظمها في ساعة واحدة ثم حمل فيها جميع من معه من تلك الأمم وتلك الجنود ، فإذا قطع الأنهار والبحار فتقها ثم دفع إلى كل إنسان لوحاً فلا يكربه حمله ، فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهى إلى هاويل فعمل فيهم كعمله في ناسك ، فلما فرغ منهم مضى على وجهه في ناحية الأرض اليمنى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس فعمل فيها وجند منها جنوداً كفعله في الأمتين اللتين قبلهما ، ثم كر مقبلاً في ناحية الأرض اليسرى وهو يريد تأويل - وهي الأمة التي بحيال هاويل وهما متقابلتان ، بينهما عرض الأرض كلها - فلما بلغها عمل فيها وجند منها كفعله فيما قبلها ، فلما فرغ منها عطف منها إلى الأمم التي في وسط الأرض من الجن وسائر الإنس ويأجوج ومأجوج . فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع أرض الترك نحو المشرق ، قال له أمة من الإنس صالحة : يا ذا القرنين ، إن بين هذين الجبلين خلقاً من خلق الله . . . كثيراً فيهم مشابهة من الإنس ، وهم أشباه البهائم وهم يأكلون العشب ويفترسون الدواب والوحش كما يفترسها السباع ، ويأكلون خشاش الأرض كلها من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق الله في الأرض ، وليس لله خلق ينمو نماءهم في العام الواحد ، ولا يزداد كزيادتهم ولا يكثر ككثرتهم ، فإن كانت لهم كثرة على ما يرى من نمائهم وزيادتهم ، فلا شك أنهم سيملأون الأرض ويجلون أهلها ويظهرون عليها فيفسدون فيها ، وليست تمر بنا سنة منذ جاورناهم ورأيناهم إلا ونحن نتوقعهم وننظر أن يطلع إلينا أوائلهم من هذين الجبلين .(6/405)
. . فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً؟ قال : ما مكني فيه ربي خير ، فأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردماً ، اغدو إلى الصخور والحديد والنحاس حتى أرتاد بلادهم وأعلم علمهم وأقيس ما بين جبليهم .
ثم انطلق يؤمهم حتى دفع إليهم وتوسط بلادهم ، فإذا هم على مقدار واحد . . . أنثاهم وذكرهم مبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا ، لهم مخاليب في مواضع الأظفار من أيدينا ، ولهم أنياب وأضراس كأضراس السباع وأنيابها ، وأحناك كأحناك الإبل قوة ، يسمع له حركة إذا أكل كحركة الجرة من الإبل ، أو كقضم الفحل المسن أو الفرس القوي ، وهم صلب عليهم من الشعر في أجسادهم ما يواريهم وما يتقون به من الحر والبرد إذا أصابهم ، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان إحداهما وبرة ظهرها وبطنها ، والأخرى زغبة ظهرها وبطنها . . . تسعانه إذا لبسهما ، يلبس إحداهما ويفترش الأخرى ، ويصيف في إحداهما ويشتو في الأخرى ، وليس منهم ذكر ولا أنثى إلا وقد عرف أجله الذي يموت فيه ومنقطع عمره ، وذلك أنه لا يموت ميت من ذكورهم حتى يخرج من صلبه ألف ولد ، ولا تموت الأنثى حتى يخرج من رحمها ألف ولد ، فإذا كان ذلك أيقن بالموت وتهيأ له . وهم يرزقون التنين في زمان الربيع ويستمطرونه إذا تحينوه كما يستمطر الغيث لحينه ، فيقذفون منه كل سنة بواحد فيأكلونه عامهم كله إلى مثلها من قابل ، فيعينهم على كثرتهم وما هم فيه ، فإذا أمطروا أخصبوا وعاشوا وسهئوا ورؤي أثره عليهم فدرت عليهم الإناث وشبقت منهم الذكور ، وإذا أخطأهم هزلوا وأحدثوا وجفلت منهم الذكور وأحالت الإناث وتبين أثر ذلك عليهم ، وهم يتداعون تداعي الحمام ويعوون عوي الذئاب ويتسافدون حيثما التقوا تسافد البهائم .
ثم لما عاين ذلك منهم ذو القرنين ، انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما - وهي في منقطع أرض الترك مما يلي الشمس - فوجد بعد ما بينهما مائة فرسخ ، فلما أنشأ في عمله حفر له أساساً حتى بلغ الماء ، ثم جعل عرضه خمسين فرسخاً وجعل حشوه الصخور وطينه النحاس يذاب ثم يصب عليه ، فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض ، ثم علا وشرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب ، وجعل خلاله عرقاً من نحاس أصفر فصار كأنه محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد ، فلما فرغ منه وأحكم انطلق عامداً إلى جماعة الإنس والجن ، فبينما هو يسير إذ رفع إلى أمة صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون ، فوجد أمة مقسطة يقتسمون بالسوية ويحكمون بالعدل ويتأسون ويتراحمون . . . حالهم واحدة وكلمتهم واحدة وأخلاقهم مشتبهة وطريقتهم مستقيمة وقلوبهم مؤتلفة وسيرتهم مستوية وقبورهم بأبواب بيوتهم ، وليس على بيوتهم أبواب وليس عليهم أمراء وليس بينهم قضاة وليس فيهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف ، ولا يتفاوتون ولا يتفاضلون ولا يتنازعون ولا يستّبون ولا يقتتلون ولا يقحطون ولا يحردون ولا تصيبهم الآفات التي تصيب الناس ، وهم أطول الناس أعماراً وليس فيهم مسكين ولا فقير ولا فظ ولا غليظ .(6/406)
فلما رأى ذلك ذو القرنين من أمرهم أعجب منهم وقال لهم : أخبروني أيها القوم خبركم ، فإني قد أحصيت الأرض كلها . . . برها وبحرها ، وشرقها وغربها ، ونورها وظلمتها . . . فلم أجد فيها أحداً مثلكم . . . ! فأخبروني خبركم . قالوا : نعم ، سلنا عما تريد . قال : أخبروني ما بال قبوركم على أبواب بيوتكم؟ قال : عمداً فعلنا ذلك ، لئلا ننسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا . قال : فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب؟ قالوا : ليس فينا متّهم وليس فينا إلا أمين مؤتمن . قال : فما بالكم ليس عليكم أمراء؟ قالوا : ليس فينا مظالم . قال : فما بالكم ليس بينكم حكام؟ قالوا : لا نختصم . قال : فما بالكم ليس فيكم أغنياء؟ قالوا : لا نتكاثر . قال : فما بالكم ليس فيكم أشراف؟ قالوا : لا نتنافس . قال : فما بالكم لا تتفاوتون ولا تتفاضلون؟ قالوا : من قبل أنا متواصلون متراحمون . قال : فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا : من قبل ألفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا . قال : فما بالكم لا تقتتلون ولا تستّبون؟ قالوا : من قبل أنا غلبنا طبائعنا بالعزم وسُسْنا أنفسنا بالحلم . قال : فما بال كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا : من قبل أنا لا نتكاذب ولا نتخادع ، فلا يغتاب بعضنا بعضاً . قال : فأخبروني من أين تشابهت قلوبكم واعتدلت سيرتكم؟ قالوا : صحت صدورنا فنزع الله بذلك الغل والحسد من قلوبنا . قال : فما بالكم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟ قالوا : من قبل أنا نقسم بالسوية . قال : فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ؟ قالوا : من قبل الذل والتواضع . قال : فما بالكم جُعِلْتُم أطول الناس أعماراً؟ قالوا : من قبل أنا نتعاطى الحق ونحكم بالعدل . قال : فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا : لا نغفل عن الاستغفار . قال : فما بالكم لا تحردون؟ قالوا : من قبل أنا وطّنا أنفسنا للبلاء منذ كنا ، وأحببناه وحرصنا عليه فعرينا منه . قال : فما بالكم لا تصيبكم الآفات كما تصيب الناس؟ قالوا : لا نتوكل على غير الله ولا نعمل بأنواء النجوم . قال : حدثوني . . . أهكذا وجدتم آبائكم يفعلون؟ قالوا : نعم ، وجدنا آبائنا يرحمون مساكينهم ، ويواسون فقراءهم ويعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ويحلمون على من جهل عليهم ، ويستغفرون لم سبهم ، ويصلون أرحامهم ، ويردون أماناتهم ، ويحفظون وقتهم لصلاتهم ، ويوفون بعهودهم ، ويصدقون في مواعيدهم ، ولا يرغبون عن أكفائهم ولا يستنكفون عن أقاربهم ، فأصلح الله بذلك أمرهم وحفظهم به ما كانوا أحياء ، وكان حقاً عليه أن يخلفهم في تركتهم .(6/407)
فقال لهم ذو القرنين : لو كنتُ مقيماً لأقمت فيكم ، ولكني لم أؤمر بالإقامة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال : كان لذي القرنين صديق من الملائكة يقال له زرافيل ، وكان لا يزال يتعاهده بالسلام ، فقال له ذو القرنين : يا زرافيل ، هل تعلم شيئاً يزيد في طول العمر لنزداد شكراً وعبادة؟ قال : ما لي بذلك علم ، ولكن سأسأل لك عن ذلك في السماء . فعرج زرافيل إلى السماء فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم هبط ، فقال : إني سألت عما سألتني عنه فأخبرت أن لله عيناً في ظلمة هي أشد بياضاً من اللبن وأحلى من الشهد ، من شرب منها شربة لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت . قال : فجمع ذو القرنين علماء الأرض إليه فقال : هل تعلمون أن لله عيناً في ظلمة؟ فقالوا : ما نعلم ذلك . فقام إليه رجل شاب فقال : وما حاجتك إليها أيها الملك؟ قال : لي بها حاجة . قال : فإني أعلم مكانها . قال : ومن أين علمت مكانها؟ قال : قرأت وصية آدم عليه السلام فوجدت فيها : إن لله عيناً خلف مطلع الشمس في ظلمة ، ماؤها أشد بياضاً من اللبن وأحلى من الشهد ، من شرب منها شربة لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت .
فسار ذو القرنين من موضعه الذي كان فيه اثنتي عشرة سنة حتى انتهى إلى مطلع الشمس ، عسكر وجمع العلماء فقال : إني أريد أن أسلك هذه الظلمة بكم ، فقالوا : إنا نعيذك بالله أن تسلك مسلكاً لم يسلكه أحد من بني آدم قط قبلك . قال : لا بد أن أسلكها . قالوا : إنا نعيذك أن تسلك بنا هذه الظلمة ، فإنا لا نأمن أن ينفتق علينا بها أمر يكون فيه فساد الأرض . قال : لا بد أن أسلكها . قالوا : فشأنك . فسألهم أي الدواب أبصر؟ قالوا : الخيل . قال : فأي الخيل أبصر؟ قالوا : الإناث . قال : فأي الإناث أبصر؟ قالوا : الأبكار . فانتقى ستة آلاف فرس أنثى بكر ثم انتخب من عسكره ستة آلاف رجل ، فدفع إلى كل رجل منهم فرساً ، وولى الخضر منها على ألفي فارس ثم جعله على مقدمته ، ثم قال : سرْ أمامي . فقال له الخضر : أيها الملك ، إني لست آمن هذه الأمة الضلال فيتفرق الناس مني ، فدفع إليه خرزة حمراء فقال : إذا تفرق الناس فارم هذه الخرزة فإنها ستضيء لك وتصوت حتى تجمع إليك أهل الضلال ، واستخلف على الناس خليفة وأمره أن يقيم في عسكره اثنتي عشرة سنة ، فإن هو رجع إلى ذلك وإلا أمر الناس أن يتفرقوا في بلدانهم . ثم أمر الخضر فسار أمامه ، فكان الخضر إذا أتاه ذو القرنين رحل من منزله ونزل ذو القرنين في منزل الخضر الذي كان فيه ، فبينا الخضر يسير في تلك الظلمة إذ تفرق الناس عنه ، فطرح الخرزة من يده فإذا هي على شفير العين والعين في وادٍ فأضاء له ما حول البئر ، فنزل الخضر ونزع ثيابه ودخل العين فشرب منها واغتسل ثم خرج ، فجمع عليه ثيابه ثم أخذ الخرزة وركب وخالفه ذو القرنين في غير الطريق الذي أخذ فيه الخضر ، فساروا في تلك الظلمة في مقدار ست ليال وأيامهن ولم تكن ظلمة كظلمة الليل ، إنما كانت ظلمة كهيئة ضباب حتى خرجوا إلى أرض ذات نور ليس فيها شمس ولا قمر ولا نجم ، فعسكر ثم نزل الناس ثم ركب ذو القرنين وحده فسار حتى انتهى إلى قصر طوله فرسخ في فرسخ ، فدخل القصر فإذا هو بعمود على حافتي القصر ، وإذا طائر مذموم .(6/408)
. . بأنفه سلسلة معلقة في ذلك العود شبه الخطاف أو قريب من الخطاف ، فقال له الطير : من أنت؟ قال أنا ذو القرنين . قال له الطير : يا ذا القرنين ، أما كفاك ما وراءك حتى تناولت الظلمة؟ أنبئني يا ذا القرنين . قال : سل . قال : هل كثر بنيان من الجص والآجر في الناس؟ قال : نعم . فانتفخ الطير حتى سد ثلث ما بين الحائطين ، ثم قال : يا ذا القرنين أنبئني . قال : سل . قال : هل كثرت المعازف في الناس؟ قال : نعم . فانتفخ حتى سد ثلثي ما بين الحائطين ، ثم قال : يا ذا القرنين ، أنبئني . قال : سل . قال : هل كثرت شهادة الزور في الناس؟ قال : نعم . فانتفخ حتى سد ما بين الحائطين ، واجث ذو القرنين منه فرقاً ، قال له الطير : يا ذا القرنين ، لا تخف . . . أنبئني . قال : سل . قال : هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله؟ قال : لا . قال : هل ترك الناس الغسل من الجنابة؟ قال : لا . قال : فانضم ثلثاه . قال : يا ذا القرنين ، أنبئني . قال : سل . قال : هل ترك الناس المكتوبة؟ قال : لا . . . فانضم الطير حتى عاد كما كان ، ثم قال : يا ذا القرنين ، انطلق إلى تلك الدرجة فاصعدها فإنك ستلقى من تسأله ويخبرك . فسار حتى انتهى إلى درجة مدرجة فصعد عليها فإذا هو بسطح ممدود لا يرى طرفاه ، وإذا رجل شاب قائم شاخص ببصره إلى السماء واضع يده على فمه قد قدم رجلاً وأخر أخرى ، فسلم عليه ذو القرنين فرد عليه السلام ثم قال له : من أنت؟ قال : أنا ذو القرنين . قال : يا ذا القرنين ، أما كفاك ما وراءك حتى قطعت الظلمة ووصلت إلي؟ قال : ومن أنت؟ قال : أنا صاحب الصور ، قد قدمت رجلاً وأخرت أخرى ووضعت الصور على فمي ، وأنا شاخص ببصري إلى السماء أنتظر أمر ربي ، ثم تناول حجراً فدفعه فقال : انصرف ، فإن هذا الحجر سيخبرك بتأويل ما أردت .(6/409)
فانصرف ذو القرنين حتى أتى عسكره فنزل وجمع إليه العلماء فحدثهم بحديث القصر وحديث العمود والطير وما قال له وما رد عليه ، حديث صاحب الصور وأنه قد دفع إليه هذا الحجر وقال : إنه سيخبرني بتأويل ما جئت به ، فأخبروني عن هذا الحجر ، ما هو وأي شيء أراد بهذا؟ قال : فدعوا بميزان ووضع حجر صاحب الصور في إحدى الكفتين ووضع حجر مثله في الكفة الأخرى فرجح به ، ثم وضع معه حجر آخر رجح به ، ثم وضع مائة حجر فرجح بها حتى وضع ألف حجر فرجح بها ، فقال ذو القرنين : هل عند أحد منكم في هذا الحجر من علم؟ قال - والخضر قاعد بحاله لا يتكلم - فقال له : يا خضر ، هل عندك في هذا الحجر من علم؟ قال : نعم . قال : وما هو؟ قال الخضر : أيها الملك ، إن الله ابتلى العالم بالعالم وابتلى الناس بعضهم ببعض ، وإن الله ابتلاك بي وابتلاني بك . فقال له ذو القرنين : ما أراك إلا قد ظفرت بالأمر الذي جئت أطلبه . قال له الخضر : قد كان ذلك . قال : فائتني . فأخذ الميزان ووضع حجر صاحب الصور في إحدى الكفتين ووضع في الكفة الأخرى حجراً ، وأخذ قبضة من تراب فوضعها مع الحجر ثم رفع الميزان فرجح الحجر الذي معه التراب على حجر صاحب الصور ، فقالت العلماء : سبحان الله ربنا . . . ! وضعنا مع ألف حجر فمال بها ، ووضع الخضر معه حجراً واحداً وقبضة من تراب فمال به . . . !! فقال له ذو القرنين : أخبرني بتأويل هذا . قال : أخبرك . . . إنك مكنت من مشرق الأرض ومغربها فلم يكفك ذلك حتى تناولت الظلمة حتى وصلت إلى صاحب الصور ، وإنه لا يملأ عينك إلا التراب . قال : صدقت . ورحل ذو القرنين فرجع في الظلمة راجعاً ، فجعلوا يسمعون خشخشة تحت سنابك خيلهم فقالوا : أيها الملك ، ما هذه الخشخشة التي نسمع تحت سنابك خيلنا؟ قال : من أخذ منه ندم ومن تركه ندم ، فأخذت منه طائفة وتركت طائفة ، فلما برزوا به إلى الضوء نظروا فإذا هو بالزبرجد ، فندم الآخذ أن لا يكون ازداد وندم التارك أن لا يكون أخذ .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « رحم الله أخي ذا القرنين ، دخل الظلمة وخرج منها زاهداً . أما إنه لو خرج منها راغباً لما ترك منها حجراً إلا أخرجه » .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فأقام بدومة الجندل فعبد الله فيها حتى مات » .
ولفظ أبي الشيخ قال أبو جعفر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « رحم الله أخي ذا القرنين ، لو ظفر بالزبرجد في مبداه ما ترك منه شيئاً حتى يخرجه إلى الناس ، لأنه كان راغباً في الدنيا ، ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا لا حاجة له فيها » .(6/410)
وأخرج ابن إسحق والفريابي وابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت ، وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أن سئل عن ذي القرنين فقال : كان عبداً أحب الله فأحبه ، وناصح الله فناصحه ، فبعثه إلى قوم يدعوهم إلى الله فدعاهم إلى الله وإلى الإسلام ، فضربوه على قرنه الأيمن فمات ، فأمسكه الله ما شاء ثم بعثه . فأرسله إلى أمة أخرى يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام فضربوه على قرنه الأيسر فمات ، فأمسكه الله ما شاء ثم بعثه فسخر له السحاب وخيّره فيه فاختار صعبه على ذلوله - وصعبه الذي لا يمطر - وبسط له النور ومدّ له الأسباب وجعل الليل والنهار عليه سواء ، فبذلك بلغ مشارق الأرض ومغاربها .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه ، أن ذا القرنين لما بلغ الجبل الذي يقال له قاف ، ناداه ملك من الجبل : أيها الخاطئ ابن الخاطئ ، جئت حيث لم يجئ أحد من قبلك ولا يجيء أحد بعدك . فأجابه ذو القرنين : وأين أنا؟ قال له الملك : أنت في الأرض السابعة . فقال ذو القرنين : ما ينجيني؟ فقال : ينجيك اليقين . فقال ذو القرنين : اللهم ارزقني يقيناً . فأنجاه الله . قال له الملك : إنه ستأتي إلى قوم فتبني لهم سداً ، فإذا أنت بنيته وفرغت منه فلا تحدث نفسك أنك بنيته بحول منك أو قوة ، فيسلط الله على بنيانك أضعف خلقه فيهدمه . ثم قال له ذو القرنين : ما هذا الجبل؟ قال : هذا الجبل الذي يقال له قاف ، وهو أخضر والسماء بيضاء وإنما خضرتها من هذا الجبل ، وهذا الجبل أم الجبال والجبال كلها من عروقه ، فإذا أراد الله أن يزلزل قرية حرك منه عرقاً . ثم إن الملك ناوله عنقوداً من عنب وقال له : حبة ترويك وحبة تشبعك ، وكلما أخذت منه حبة عادت مكانها حبة .
ثم خرج من عنده فجاء البنيان الذي أراد الله ، فقالوا له : { يا ذا القرنين ، إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض } إلى قوله : { اجعل بينكم وبيهنم ردماً } .
قال عكرمة رضي الله عنه : هم منسك وناسك وتأويل وراحيل . وقال أبو سعيد رضي الله عنه : هم خمسة وعشرون قبيلة من وراء يأجوج ومأجوج .
وأخرج الحاكم عن معاوية رضي الله عنه قال : ملك الأرض أربعة : سليمان وذو القرنين ورجل من أهل حلوان ورجل آخر . فقيل له : الخضر؟ قال : لا .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : إن ذا القرنين ملك الأرض كلها إلا بلقيس صاحبة مأرب ، فإذا ذا القرنين كان يلبس ثياب المساكين ثم يدخل المدائن فينظر من عورتها قبل أن يقتل أهلها فأخبرت بذلك بلقيس فبعثت رسولاً ينظر إليه فيصوّر لها صورته في ملكه حين يقعد ، وصورته في ثياب المساكين .(6/411)
ثم جعلت كل يوم تطعم المساكين وتجمعهم ، فجاءها رسولها في صورته فجعلت إحدى صورتيه تليها والأخرى على باب الأسطوانة ، فكانت تطعم المساكين كل يوم ، فإذا فرغوا عرضتهم واحداً واحداً فيخرجون ، حتى جاء ذو القرنين في ثياب المساكين فدخل مدينتها ثم جلس مع المساكين إلى طعامها ، فقربت إليهم الطعام فلما فرغوا أخرجتهم واحداً واحداً وهي تنظر إلى صورته في ثياب المساكين ، حتى مر ذو القرنين فنظرت إلى صورته فقالت : أجلسوا هذا وأخرجوا من بقي من المساكين . فقال لها : لم أجلستني وإنما أنا مسكين . . . !؟ قالت : لا . . . أنت ذو القرنين ، هذه صورتك في ثياب المساكين ، والله لا تفارقني حتى تكتب لي أماناً بملكي أو أضرب عنقك . فلما رأى ذلك كتب لها أماناً فلم ينج أحد منه غيرها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : ملك ذو القرنين اثنتي عشرة سنة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن عبيدالله بن أبي جعفر رضي الله عنه قال : كان ذو القرنين في بعض مسيره فمر بقوم قبورهم على أبواب بيوتهم ، وإذا ثيابهم لون واحد وإذا هم رجال كلهم ليس فيهم امرأة ، فتوسم رجلاً منهم فقال له : لقد رأيت شيئاً ما رأيت في شيء من مسيري . . . ! قال : وما هو؟ فوصف له ما رأى منهم . قالوا : أما هذه القبور على أبوابنا ، فإنا جعلناها موعظة لقلوبنا تخطر على قلب أحدنا الدنيا فيخرج فيرى القبور ويرجع إلى نفسه فيقول : إلى هذا المصير وإليها صار من كان قبلي .
وأما هذه الثياب ، فإنه لا يكاد الرجل منا يلبس ثياباً أحسن من صاحبه إلا رأى له بذلك فضلاً على جليسه .
وأما قولك : رجال كلكم ليس معكم نساء ، فلعمري لقد خلقنا من ذكر وأنثى ، ولكن هذا القلب لا يشغل بشيء إلا شغل به ، فجعلنا نساءنا وذريتنا في قرية قريبة وإذا أراد الرجل من أهله ما يريد الرجل ، أتاها فكان معها الليلة والليلتين ثم يرجع إلى ما ههنا ، لأنا خلونا ههنا للعبادة . فقال : ما كنت لأعظكم بشيء أفضل مما وعظتم به أنفسكم ، سلني ما شئت . قال : من أنت؟ قال أنا ذو القرنين . قال : ما أسألك وأنت لا تملك لي شيئاً؟ قال : وكيف وقد آتاني الله من كل شيء سبباً؟ قال : أتقدر على أن تأتيني بما لم يقدر لي ولا تصرف عني ما قدر لي؟
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : لما بلغ ذو القرنين مطلع الشمس قال له ملكها : يا ذا القرنين ، صف لي الناس . قال : إن محادثتك من لا يعقل بمنزلة من يضع الموائد لأهل القبور ، ومحادثتك من يعقل بمنزلة من يبلّ الصخرة حتى تبتل ، أو يطبخ الحديد يلتمس أدمه ونقل الحجارة من رؤوس الجبال ، أيسر من محادثتك من لا يعقل .(6/412)
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وآتيناه من كل شيء سبباً } قال : علماً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فأتبع سبباً } قال : المنزل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { وآتيناه من كل شيء سبباً } قال : علماً . من ذلك تعليم الألسنة ، كان لا يعرف قوماً إلا كلمهم بلسانهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي هلال رضي الله عنه ، أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار : تقول أن ذا القرنين كان يربط خيله بالثنايا؟ قال له كعب رضي الله عنه : إن كنت قلت ذاك فإن الله قال : { وآتيناه من كل شيء سبباً } .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وآتيناه من كل شيء سبباً } قال : منازل الأرض وأعلامها .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { فأتبع سبباً } قال : منزلاً وطرفاً من المشرق إلى المغرب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { فأتبع سبباً } قال : هذه لأن الطريق كما قال فرعون لهامان { ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب } [ غافر : 36 ] أسباب السموات ، طريق السموات . قال : والشيء يكون اسمه واحداً وهو متفرق في المعنى . وقرأ { وتقطعت بهم الأسباب } [ البقرة : 166 ] قال : أسباب الأعمال .(6/413)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)
أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عثمان بن أبي حاضر ، أن ابن عباس رضي الله عنهما ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الآية في سورة الكهف « تغرب في عين حامية » قال ابن عباس رضي الله عنهما : فقلت لمعاوية رضي الله عنه : ما نقرؤها إلا { حمئة } فسأل معاوية عبدالله بن عمرو : كيف تقرؤها؟ فقال عبدالله : كما قرأتها . قال ابن عباس رضي الله عنهما : فقلت لمعاوية : في بيتي نزل القرآن ، فأرسل إلى كعب فقال له : أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال له كعب رضي الله عنه : سل أهل العربية فإنهم أعلم بها ، وأما أنا فإني أجد الشمس تغرب في التوراة في ماء وطين - وأشار بيده إلى المغرب - .
قال ابن أبي حاضر رضي الله عنه : لو أني عندكما أيدتك بكلام وتزداد به بصيرة في { حمئة } . قال ابن عباس : وما هو؟ قلت : فيما نأثر قول تبع فيما ذكر به ذا القرنين في كلفه بالعلم وإتباعه إياه :
قد كان ذو القرنين عمرو مسلماً ... ملكاً تدين له الملوك وتحسد
فأتى المشارق والمغارب يبتغي ... أسباب ملك من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها ... في عين ذي خلب وثاط حرمد
فقال ابن عباس : ما الخلب؟ قلت : الطين بكلامهم . قال : فما الثاط؟ قلت : الحمأة . قال : فما الحرمد؟ قلت : الأسود . فدعا ابن عباس رضي الله عنهما غلاماً فقال له : اكتب ما يقول هذا الرجل .
وأخرج الترمذي وابن جرير وابن مردويه ، عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { في عين حمئة } .
وأخرج الحاكم والطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ { في عين حمئة } .
وأخرج الحافظ عبد الغني بن سعيد رضي الله عنه في إيضاح الإشكال من طريق مصداع بن يحيى ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أقرأنيه أبي بن كعب رضي الله عنه كما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم { تغرب في عين حمئة } مخففة .
وأخرج ابن جرير من طريق الأعرج قال : كان ابن عباس رضي الله عنهما يقرؤها { في عين حمئة } ثم قرأها « ذات حمئة » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ { في عين حمئة } قال كعب رضي الله عنه : ما سمعت أحداً يقرؤها كما هي في كتاب الله غير ابن عباس ، فإنا نجدها في التوراة « تغرب في حمئة سوداء » .(6/414)
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر من طريق عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خالفت عمرو بن العاص عند معاوية في { حمئة } وحامية ، قرأتها { في عين حمئة } فقال عمرو : « حامية » فسألنا كعباً فقال : إنها في كتاب الله المنزل « تغرب في طينة سوداء » .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن حاضر ، عن ابن عباس قال : كنا عند معاوية فقرأ « تغرب في عين حامية » فقلت له : ما نقرؤها إلا { في عين حمئة } فأرسل معاوية إلى كعب فقال : أين تجد الشمس في التوراة تغرب؟ قال : أما العربية فلا علم لي بها ، وأما أنا فأجد الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين .
وأخرج سعيد بن منصور عن طلحة بن عبيد الله ، أنه كان يقرأ « في عين حامية » .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي ، عن ابن عباس « في عين حامية » يقول : حارة .
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وابن منيع وابو يعلى وابن جرير وابن مردويه ، عن عبدالله بن عمرو قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غابت فقال : « نار الله الحامية ، لو ما يزعها من أمر الله لأحرقت ما على الأرض » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن مردويه والحاكم وصححه ، عن أبي ذر قال : « كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار ، فرأى الشمس حين غربت فقال : أتدري أين تغرب؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : فإنها تغرب في عين حامية » غير مهموزة .
وأخرج سعيد بن منصور عن أبي العالية قال : بلغني أن الشمس تغرب في عين ، تقذفها العين إلى المشرق .
وأخرج أبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه ، عن ابن جريج في قوله : { ووجد عندها قوماً } قال : مدينة لها اثنا عشر ألفا باب ، لولا أصوات أهلها لسمع الناس دوي الشمس حين تجب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن أبي صالح قال : كان يقال : لولا لغط أهل الرومية سمع الناس وجبة الشمس حين تقع .
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن المسيب قال : لولا أصوات الصنافر لسمع وجبة الشمس حين تقع عند غروبها .(6/415)
قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : { قال أما من ظلم } قال : من أشرك .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { فسوف نعذبه } قال : القتل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : كان عذابه أن يجعلهم في بقر من صفر ، ثم توقد تحتهم النار حتى يتقطعوا فيها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وابن المنذر ، عن مسروق رضي الله عنه في قوله : { فله جزاء الحسنى } قال : الحسنى له جزاء .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وسنقول له من أمرنا يسراً } قال : معروفاً . والله تعالى أعلم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن ابن جريج في قوله : { حتى إذا بلغ مطلع الشمس } الآية . قال : حدثت عن الحسن عن سمرة بن جندب . . . قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « { لم نجعل لهم من دونها ستراً } أنها لم يبن فيها بناء قط ، كانوا إذا طلعت الشمس دخلوا أسراباً لهم حتى تزول الشمس » .
وأخرج الطيالسي والبزار في أماليه وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله : { تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً } قال : أرضهم لا تحتمل البناء ، فإذا طلعت الشمس تغور في المياه ، فإذا غابت خرجوا يتراعون كما ترعى البهائم . ثم قال الحسن : هذا حديث سمرة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : ذكر لنا أنهم بأرض لا يثبت لهم فيها شيء ، فهم إذا طلعت دخلوا في أسراب حتى إذا زالت الشمس خرجوا إلى حروثهم ومعايشهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل في الآية قال : ليست لهم أكناف ، إذا طلعت الشمس طلعت عليهم ، ولأحدهم أذنان يفترش واحدة ويلبس الأخرى .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وجدها تطلع على قوم } الآية . قال : يقال لهم الزنج .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : تطلع على قوم حمر قصار ، مساكنهم الغيران ، فيلقى لهم سمك أكثر معيشتهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { بما لديه خبراً } قال : علماً .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { حتى إذا بلغ بين السدين } قال : الجبلين ، أرمينية وأذربيجان .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : { قوماً لا يكادون يفقهون قولاً } قال : الترك .
وأخرج سعيد بن منصور عن تميم بن جذيم ، أنه كان يقرأ { لا يكادون يفقهون قولاً } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدالله بن مسعود قال :(6/416)
« أتينا نبي الله صلى الله عليه وسلم يوماً وهو في قبة آدم له ، فخرج إلينا فحمد الله ثم قال : » أبشركم أنكم ربع أهل الجنة . فقلنا : نعم يا رسول الله؟ فقال : أبشركم أنكم ثلث أهل الجنة . فقلنا : نعم يا نبي الله؟ قال : والذي نفسي بيده ، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ، إن مثلكم في سائر الأمم كمثل شعرة بيضاء في جنب ثور أسود ، أو شعرة سوداء في جنب ثور أبيض ، إن بعدكم يأجوج ومأجوج ، إن الرجل منهم ليترك بعده من الذرية ألفاً فما زاد ، وأن وراءهم ثلاث أمم : منسك وتاويل وتاريس لا يعلم عدتهم إلا الله « » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طريق البكالي ، عن عبدالله بن عمر قال : إن الله جزأ الملائكة والإنس والجن عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء منهم الملائكة ، وجزء واحد الجن والإنس . وجزأ الملائكة عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء منهم الكروبيون الذي يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، وجزء واحد لرسالاته ولخزائنه وما يشاء من أمره . وجزأ الإنس والجن عشرة أجزاء ، فتسعة منهم الجن ، والإنس جزء واحد فلا يولد من الإنس ولد إلا ولد من الجن تسعة . وجزأ الإنس عشرة أجزاء ، تسعة منهم يأجوج ومأجوج ، وجزء سائر الناس والسماء ذات الحبك . قال : السماء السابعة والحرم بحيالة العرش .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية ، أن يأجوج ومأجوج يزيدون على الإنس الضعفين ، وأن الجن يزيدون على الإنس الضعفين ، وأن يأجوج ومأجوج رجلان اسمهما يأجوج ومأجوج .
وأخرج عبد الرزاق ابن أبي حاتم عن قتادة قال : إن الله جزأ الإنس عشرة أجزاء ، تسعة منهم يأجوج ومأجوج ، وجزء سائر الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : صوّرت الدنيا على خمس صور ، على صورة الطير برأسه والصدر والجناحين والذنب ، فالمدينة ومكة واليمن الرأس ، والصدر مصر والشام ، والجناح الأيمن العراق ، وخلف العراق أمة يقال لها واق ، وخلف واق أمة يقال وقواق ، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا الله تعالى . والجناح الأيسر السند وخلف السند الهند ، وخلف الهند أمة يقال لها ناسك ، وخلف ذلك أمة يقال لها منسك ، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا الله تعالى . والذنب من ذات الحمام إلى مغرب الشمس ، وشر ما في الطير الذنب .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن عبدة بن أبي لبابة ، أن الدنيا سبعة أقاليم : فيأجوج ومأجوج في ستة أقاليم ، وسائر الناس في إقليم واحد .
وأخرج ابن جرير عن وهب بن جابر الحيواني قال : سألت عبدالله بن عمرو عن يأجوج ومأجوج : أمن آدم هم؟ قال : نعم ، ومن بعدهم ثلاث أمم لا يعلم عددهم إلا الله ، تاويل وتاريس ومنسك .(6/417)
وأخرج ابن جرير عن عبدالله بن عمرو قال : يأجوج ومأجوج لهم أنهار يلقون ما شاؤوا ، ونساء يجامعون ما شاؤوا ، وشجر يلقحون ما شاؤوا ، ولا يموت رجل إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ ، عن حسان بن عطية قال : يأجوج ومأجوج أمتان ، في كل أمة أربعمائة ألف أمة لا تشبه واحدة منهم الأخرى ، ولا يموت الرجل منهم حتى ينظر في مائة عين من ولده .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن كعب قال : خلق يأجوج ومأجوج ثلاث أصناف ، صنف أجسامهم كالأرز ، وصنف أربعة أذرع طول وأربعة أذرع عرض ، وصنف يفترشون آذانهم ويلتحفون بالأخرى يأكلون مشائم نسائهم .
وأخرج ابن المنذر عن خالد الأشج قال : إن بني آدم وبني إبليس ثلاثة أثلاث : فثلثان بنو إبليس وثلث بنو آدم ، وبنو آدم ثلاثة أثلاث : ثلثان يأجوج ومأجوج ، وثلث سائر الناس . والناس بعد ثلاث أثلاث ، ثلث الأندلس وثلث الحبشة وثلث سائر الناس العرب والعجم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : يأجوج ومأجوج ثنتان وعشرون قبيلة ، فسد ذو القرنين على إحدى وعشرين قبيلة وترك قبيلة ، وهم الأتراك .
وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب ، أنه سئل عن الترك فقال : هم سيارة ليس لهم أصل ، هم من يأجوج ومأجوج ، لكنهم خرجوا يغيرون على الناس فجاء ذو القرنين فسدّ بينهم وبين قومهم ، فذهبوا سيارة في الأرض .
وأخرج ابن المنذر عن حسان بن عطية قال : إن يأجوج ومأجوج خمس وعشرون أمة ، ليس منها أمة تشبه الأخرى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي المثنى الأملوكي قال : إن الله ذرأ لجهنم يأجوج ومأجوج ، لم يكن فيهم صديق قط ولا يكون أبداً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة عن عبدالله بن سلام قال : ما مات رجل من يأجوج ومأجوج إلا ترك ألف ذرية لصلبه فصاعداً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن يأجوج ومأجوج شبر وشبران ، وأطوالهم ثلاثة أشبار وهم من ولد آدم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والطبراني والبيهقي في البعث وابن مردويه وابن عساكر ، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ، ولا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً ، وإن من ورائهم ثلاث أمم : تاويل وتاريس ومنسك » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر قال : الجن والإنس عشرة أجزاء ، فتسعة أجزاء يأجوج ومأجوج ، وجزء واحد سائر الناس .
وأخرج النسائي وابن مردويه من طريق عمرو بن أوس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن يأجوج ومأجوج لهم نساء يجامعون ما شاؤوا ، وشجر يلقحون ما شاؤوا ، ولا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً » .(6/418)
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عدي وابن عساكر وابن النجار ، عن حذيفة قال : « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج فقال : يأجوج أمة ومأجوج أمة ، كل أمة بأربعمائة أمة . . . لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف رجل من صلبه ، كل قد حمل السلاح . قلت : يا رسول الله ، صفهم لنا . قال : هم ثلاثة أصناف ، صنف منهم أمثال الأرز . قلت : وما الأرز؟ قال : شجر بالشام ، طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء » .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هؤلاء الذين لا يقوم لهم ولا حديد ، وصنف منهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه ، ومن مات منهم أكلوه ، مقدمتهم بالشام وساقتهم يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية » .
وأخرج نعيم بن حماد في الفتن وابن مردويه بسند واه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بعثني الله ليلة أسري بي إلى يأجوج ومأجوج ، فدعوتهم إلى دين الله وعبادته فأبوا أن يجيبوني ، فهم في النار مع من عصى من ولد آدم وولد إبليس » .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي بكر النسفي ، « أن رجلاً قال : » يا رسول الله ، قد رأيت سد يأجوج ومأجوج . قال : انعته لي . قال : كالبرد المحبر ، طريقة سوداء وطريقة سوداء . قال : قد رأيته « » .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم ، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا ، فستفتحونه غداً ولا يستثني . فإذا أصبحوا وجدوه قد رجع كما كان ، فإذا أراد الله بخروجهم على الناس ، قال الذي عليهم : ارجعوا فستفتحونه إن شاء الله - ويستثني - فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه ، فيحفرونه ويخرجون على الناس فيستقون المياه ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء ، فيقولون : قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء قسوة وعلواً . فيبعث الله عليهم نغفاً في أعناقهم فيهلكون » .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فوالذي نفس محمد بيده ، إن دواب الأرض لتَسْمَن وتبطر وتشكر شكراً من لحومهم » .
وأخرج البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش قالت : استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر وجهه وهو يقول : « لا إله إلا الله . . . ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه - وحلق - قلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : نعم ، إذا كثر الخبث » .(6/419)
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه - وعقد بيده تسعين » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن حبيب الأرجاني في قوله : { إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض } قال : كان فسادهم أنهم كانوا يأكلون الناس .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فهل نجعل لك خرجاً } قال : أجراً عظيماً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : ما صنع الله فهو السد ، وما صنع السد الناس فهو السد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ما مكني فيه ربي خير } قال : الذي أعطاني ربي هو خير من الذي تبذلون لي من الخراج .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أجعل بينكم وبينهم ردماً } قال : هو كأشد الحجاب .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { زبر الحديد } قال : قطع الحديد .
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن نافع بن الأزرق قال : أخبرني عن قوله { زبر الحديد } قال : قطع الحديد . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه وهو يقول :
تلظى عليهم حين شد حميمها ... بزبر الحديد والحجارة شاجر
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { بين الصدفين } قال : الجبلين .
وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي ، أنه كان يقرأ { بين الصدفين } بفتحتين ، قال : يعني بين الجبلين .
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن ، أنه كان يقرأ { بين الصدفين } بضمتين .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { بين الصدفين } قال : رأس الجبلين .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { قطراً } قال : النحاس .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { قطراً } قال : نحاساً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : { آتوني أفرغ عليه قطراً } قال : نحاسا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : { آتوني أفرغ عليه قطراً } قال : نحاسا ليلزم بعضه بعضاً .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { فما اسطاعوا أن يظهروه } قال : ما استطاعوا أن يرتقوه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن جريج في قوله : { فما اسطاعوا أن يظهروه } يقول : أن يعلوه { وما استطاعوا له نقباً } قال : من أسفله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : { فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء } قال : جعله طريقاً كما كان .(6/420)
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء } قال : لا أدري الجبلين يعني به أم ما بينهما .
وأخرج سعيد بن منصور عن الربيع بن خيثم ، أنه كان يقرأ { جعله دكاء } ممدوداً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : قال علي بن أبي طالب ، إن يأجوج ومأجوج خلف السد ، لا يموت الرجل منهم حتى يولد له ألف لصلبه ، وهم يغدون كل يوم على السد فيلحسونه وقد جعلوه مثل قشر البيض ، فيقولون : نرجع غداً ونفتحه ، فيصبحون وقد عاد إلى ما كان عليه قبل أن يلحس ، فلا يزالون كذلك حتى يولد فيهم مولود مسلم ، فإذا غدوا يلحسون قال لهم : قولوا بسم الله ، فإذا قالوا بسم الله فأرادوا أن يرجعوا حين يمسون ، فيقولون : نرجع غداً فنفتحه . فيصبحون وقد عاد إلى ما كان عليه فيقول : قولوا إن شاء الله . فيقولون : إن شاء الله . فيصبحون وهو مثل قشر البيض فينقبونه فيخرجون منه على الناس ، فيخرج أول من يخرج منهم سبعون ألفاً عليهم التيجان ، ثم يخرجون من بعد ذلك أفواجاً فيأتون على النهر مثل نهركم هذا - يعني الفرات - فيشربونه حتى لا يبقى منه شيء ، ثم يجيء الفوج منهم حتى ينتهوا إليه فيقولون : لقد كان ههنا ماء مرة ، وذلك قول الله : { فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء } والدكّ ، التراب { وكان وعد ربي حقاً } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن كعب قال : إن يأجوج ومأجوج ينقرون السد بمناقرهم ، حتى إذا كادوا أن يخرقوه قالوا : نرجع إليه غداً فنفرغ منه ، فيرجعون إليه وقد عاد كما كان ، فيرجعون فهم كذلك ، وإذا بلغ الأمر ألقي على بعض ألسنتهم يقولون : نأتي إن شاء الله غداً ، فنفرغ منه فيأتونه وهو كما هو فيخرقونه فيخرجون ، فيأتي أولهم على البحيرة فيشربون ما كان فيها من ماء ، ويأتي أوسطهم عليها فيلحسون ما كان فيها من الطين ، ويأتي آخرهم عليها فيقولون : قد كان ههنا مرة ماء . فيرمون بسهامهم نحو السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون : قهرنا من في الأرض وظهرنا على من في السماء ، فيدعو عليهم عيسى ابن مريم فيقول :
اللهم لا طاقة لنا بهم ولا يد ، فاكفناهم بما شئت . فيبعث الله عليهم دوداً يقال له النغف ، فيأخذهم في أقفائهم فيقتلهم حتى تنتن الأرض من ريحهم ، ثم يبعث الله عليهم طيراً فتنقل أبدانهم إلى البحر ، ويرسل الله إليهم السماء أربعين يوماً فينبت الأرض ، حتى أن الرمانة لتشبع أهل البيت .
وأخرج ابن المنذر عن كعب قال : عرض أسكفة يأجوج ومأجوج التي تفتح لهم أربعة وعشرون ذراعاً تحفيها حوافر خيلهم ، والعليا اثنا عشر ذراعاً تحفيها أسنة رماحهم .(6/421)
وأخرج ابن المنذر عن عبدالله بن عمرو قال : إذا خرج يأجوج ومأجوج ، كان عيسى ابن مريم في ثلثمائة من المسلمين في قصر بالشام ، يشتد عليهم أمرهم فيدعون الله أن يهلكهم فيسلط عليهم النغف فتنتن الأرض منهم ، فيدعون الله أن يطهر الأرض منهم فيرسل الله مطراً فيسيل منهم إلى البحر ، ثم يخصب الناس حتى أن العنقود يشبع منه أهل البيت .
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه ، عن عبدالله بن عمرو قال : يأجوج ومأجوج يمر أولهم بنهر مثل دجلة ، ويمر آخرهم فيقول : قد كان في هذا النهر مرة ماء ، ولا يموت رجل إلا ترك ألفاً من ذريته فصاعداً ، ومن بعدهم ثلاثة أمم ما يعلم عدتهم إلا الله : تاريس وتاويل وناسك أو منسك .
وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه وابن عساكر ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في السد قال : « يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم : ارجعوا . . . فستخرقونه غداً . قال : فيعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله ، قال الذي عليهم : ارجعوا فستخرقونه غداً إن شاء الله - واستثنى - فيرجعون وهو كهيئته حين تركوه فيخرقونه ويخرجون على الناس فيسقون المياه ، وينفر الناس منهم فيرمون سهامهم في السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون : قهرنا أهل الأرض وغلبنا في السماء قسوة وعلوّاً ، فيبعث الله عليهم نغفاً في أقفائهم فيهلكهم .
قال : والذي نفسي بيده ، إن دواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكراً من لحومهم » .
وأخرج الحاكم وصحه عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا أعلم بما مع الدجال منه ، معه نهران أحدهما نار تأجج في عين من رآه ، والآخر ماء أبيض فإن أدركه أحد منكم فليغمض ويشرب من الذي يراه ناراً فإنه ماء بارد ، وإياكم والآخر فإنه الفتنة ، واعلموا أنه مكتوب بين عينيه » كافر « يقرؤه من يكتب ومن لا يكتب ، وإن إحدى عينيه ممسوحة عليها ظفرة ، إنه يطلع من آخر أمره على بطن الأردن على ثنية أفيق ، وكل أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ببطن الأردن ، وأنه يقتل من المسلمين ثلثا ويهزم ثلثا ويبقى ثلث ويجن عليهم الليل فيقول بعض المؤمنين لبعض : ما تنتظرون أن تلحقوا إخوانكم في مرضاة ربكم؟ من كان عنده فضل طعام فليغدُ به على أخيه ، وصلّوا حتى ينفجر الفجر ، وعجلوا الصلاة ، ثم أقبلوا على عدوكم .
فلما قاموا يصلون ، نزل عيسى ابن مريم أمامهم فصلى بهم ، فلما انصرف قال : هكذا فرّجوا بيني وبين عدو الله فيذوب ، وسلط الله عليهم من المسلمين فيقتلونهم ، حتى أن الشجر والحجر لينادي : يا عبدالله ، يا عبد الرحمن . . . يا مسلم ، هذا يهودي فاقتله . فيقتلهم الله ويُنْصر المسلمون فيكسرون الصليب ويقتلون الخنزير ويضعون الجزية ، فبينما هم كذلك أخرج الله يأجوج ومأجوج ، فيشرب أولهم البحيرة ويجيء آخرهم وقد انتشفوه ولم يدعوا فيه قطرة فيقولون : ظهرنا على أعدائنا ، قد كان ههنا أثر ماء . فيجيء نبي الله وأصحابه وراءه حتى يدخلوا مدينة من مدائن فلسطين يقال لها » لد « فيقولون : ظهرنا على من في الأرض ، فتعالوا نقاتل من في السماء ، فيدعو الله نبيه عند ذلك فيبعث الله عليهم قرحة في حلوقهم فلا يبقى منهم بشر ، فيؤذي ريحهم المسلمين فيدعو عيسى ، فيرسل الله عليهم ريحاً فتقذفهم في البحر أجمعين » .(6/422)
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الزاهرية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مقفل المسلمين من الملاحم دمشق ، ومقفلهم من الدجال بيت المقدس ، ومقفلهم من يأجوج ومأجوج بيت الطور على الناس » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } قال : ذلك حين يخرجون على الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } قال : هذا أول يوم القيامة ، ثم ينفخ في الصور على أثر ذلك .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق هارون بن عنترة ، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله : { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } قال : الجن والإنس يموج بعضهم في بعض .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن هرون بن عنترة ، عن شيخ من بني فزارة في قوله : { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } قال : إذا ماج الجن والإنس بعضهم في بعض ، قال إبليس : أنا أعلم لكم علم هذا الأمر ، فيظعن إلى المشرق فيجد الملائكة قد نطقوا الأرض ، ثم يظعن إلى المغرب فيجد الملائكة قد نطقوا الأرض ، ثم يظعن يميناً وشمالاً حتى ينتهي إلى أقصى الأرض فيجد الملائكة قد نطقوا الأرض فيقول : ما من محيص ، فبينما هو كذلك إذ عرض له طريق كأنه شواظ ، فأخذ عليه هو وذريته . فبينما هو كذلك إذ هجم على النار فخرج إليه خازن من خزان النار فقال : يا إبليس ، ألم تكن لك المنزلة عند ربك؟ ألم تكن في الجنان؟ فيقول : ليس هذا يوم عتاب ، لو أن الله افترض عليّ عبادةً لعبدتُه عبادة لم يعبده أحد من خلقه . فيقول : إن الله قد فرض عليك فريضة . فيقول : ما هي؟ فيقول : يأمرك أن تدخل النار . فيتلكأ عليه فيقول به وبذريته بجناحه فيقذفهم في النار ، فتزفر جهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا لركبتيه .(6/423)
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعاً } قال : كانوا عمياً عن الحق فلا يبصرونه ، صماً عنه فلا يسمعونه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { لا يستطيعون سمعاً } قال : لا يعقلون سمعاً . والله أعلم .(6/424)
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء } قال : ظن كفرة بني آدم أن يتخذوا الملائكة من دونه أولياء .
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر ، عن علي بن أبي طالب أنه قرأ { أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء } قال أبو عبيد : بجزم السين وضم الباء .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة ، أنه قرأ { أفحسب الذين كفروا } يقول : أفحسبهم ذلك .(6/425)
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
أخرج عبد الرزاق والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه من طريق مصعب بن سعد ، قال : سألت أبي { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً } أهم الحرورية؟ قال : لا ، هم اليهود والنصارى . أما اليهود ، فكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم . وأما النصارى ، فكذبوا بالجنة وقالوا : لا طعام فيها ولا شراب . والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه . وكان سعد يسميهم الفاسقين .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن مصعب قال : قلت لأبي { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً } الحرورية هم؟ قال : لا ، ولكنهم أصحاب الصوامع ، والحرورية قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي خميصة عبدالله بن قيس قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول في هذه الآية { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً } إنهم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في السواري .
وأخرج ابن مردويه عن أبي الطفيل قال : سمعت علي بن أبي طالب ، وسأله ابن الكواء فقال : مَنْ { هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً } ؟ قال : فجرة قريش .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق ، عن علي أنه سئل عن هذه الآية { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً } قال : لا أظن إلا أن الخوارج منهم .
وأخرج البخاري ومسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة » .
وقال : « اقرأوا إن شئتم { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } » .
وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليؤتين يوم القيامة بالعظيم الطويل الأكول الشروب ، فلا يزن عند الله تبارك تعالى جناح بعوضة ، اقرؤوا إن شئتم { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس عن كعب قال : يمثل القرآن لمن كان يعمل به في الدنيا يوم القيامة كأحسن صورة رآها وجهاً أحسنه وأطيبه ريحاً ، فيقوم بجنب صاحبه فكلما جاءه روع هدأ روعه وسكنه وبسط له أمله ، فيقول له : جزاك الله خيراً من صاحب ، فما أحسن صورتك . . . ! وأطيب ريحك! فيقول له : أما تعرفني؟ تعال فاركبني فطالما ركبتك في الدنيا ، أنا عملك . . . إن عملك كان حسناً فترى صورتي حسنة ، وكان طيباً فترى ريحي طيبة . فيحمله فيوافي به الرب تبارك وتعالى فيقول : يا رب ، هذا فلان - وهو أعرف به منه - قد شغلته في أيام حياته في الدنيا ، طالما اظمأت نهاره وأسهرت ليله فشفعني فيه .(6/426)
فيوضع تاج الملك على رأسه ويكسى حلة الملك فيقول : يا رب ، قد كنت أرغب له عن هذا وأرجو له منك أفضل من هذا . فيعطى الخلد بيمينه والنعمة بشماله ، فيقول : يا رب ، إن كل تاجر قد دخل على أهله من تجارته . فيشفع في أقاربه .
وإذا كان كافراً مثل له عمله في أقبح صورة رآها وأنتنه ، فكلما جاءه روع زاده روعاً فيقول : قبحك الله من صاحب ، فما أقبح صورتك وما أنتن ريحك . . . ! فيقول : من أنت؟ قال : أما تعرفني؟ أنا عملك ، إن عملك كان قبيحاً فترى صورتي قبيحة ، وكان منتناً فترى ريحي منتنة . فيقول : تعال حتى أركبك فطالما ركبتني في الدنيا . فيركبه فيوافي به الله فلا يقيم له وزناً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، عن عمير قال : يؤتى بالرجل العظيم الطويل يوم القيامة فيوضع في الميزان فلا يزن عند الله جناح بعوضة ، ثم تلا { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } .
وأخرج هناد عن كعب بن عجرة في قوله : { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } قال : يجاء بالرجل يوم القيامة فيوزن فلا يزن حبة حنطة ، ثم يوزن فلا يزن شعيرة ، ثم يوزن فلا يزن جناح بعوضة . ثم قرأ { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } يقول : ليس لهم وزن .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « سلوا الله الفردوس فإنها سرة الجنة ، وإن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش » .
وأخرج البخاري ومسلم وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة » .
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقي في البعث وابن مردويه ، عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن في الجنة مائة درجة ، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، والفردوس أعلاها درجة ومن فوقها يكون العرش ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس » .
وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في البعث ، عن معاذ بن جبل : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الجنة مائة درجة ، كل منها ما بين السماء والأرض ، وأعلاها الفردوس وعليها يكون العرش ، وهي أوسط شيء في الجنة ومنها تفجر أنهار الجنة ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبزار والطبراني ، عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(6/427)
« جنة الفردوس هي ربوة الجنة العليا التي هي أوسطها وأحسنها » .
وأخرج البزار عن العرباض بن سارية : إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : « الفردوس أعلى درجة في الجنة ، وفيها يكون عرش الرحمن ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة . وجنة عدن قصبة الجنة ، وفيها مقصورة الرحمن ومنها يسمع أطيط العرش ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الفردوس مقصورة الرحمن ، فيها خيار الأنهار والأثمار » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : الفردوس بستان بالرومية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : الفردوس هو الكرم بالنبطية ، وأصله فرداساً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عبدالله بن الحارث ، أن ابن عباس سأل كعباً عن الفردوس قال : هي جنات الأعناب بالسريانية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير : الفردوس ، يعني الجنة . قال : والجنة بلسان الرومية ، الفردوس .
وأخرج النجاد في جزء التزاحم ، عن أبي عبيدة بن الجراح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الجنة مائة درجة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض . والفردوس أعلى الجنة ، فإذا سألتم الله عز وجل فسلوه الفردوس » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { لا يبغون عنها حولا } قال : متحوّلاً .(6/428)
قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي } يقول : علم ربي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي } يقول : ينفد ماء البحر قبل أن ينفد كلام الله وحكمته .
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي البختري قال : صحب سلمان رجل ليتعلم منه فانتهى إلى دجلة وهي تطفح ، فقال له سلمان : أنزل فاشرب . فشرب ، قال له : ازدد ، فازداد . قال : كم نقصت منها؟ قال : ما عسى أن أنقص من هذه؟ قال سلمان : فكذلك العلم ، تأخذ منه ولا تنقصه .(6/429)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس في قوله : { فمن كان يرجو لقاء ربه } الآية . قال : نزلت في المشركين الذين عبدوا مع الله إلهاً غيره ، وليست هذه في المؤمنين .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي الدنيا في الإخلاص ، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم عن طاوس قال : قال رجل : يا نبي الله ، إني أقف مواقف أبتغي وجه الله ، وأحب أن يرى موطني . فلم يردّ عليه شيئاً حتى نزلت هذه الآية { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي موصولاً عن طاوس عن ابن عباس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كان من المسلمين من يقاتل وهو يحب أن يرى مكانه ، فأنزل الله { فمن كان يرجو لقاء ربه } الآية .
وأخرج ابن منده وأبو نعيم في الصحابة وابن عساكر من طريق السدي الصغير ، عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام أو تصدق فذكر بخير ارتاح فزاد في ذلك لمقالة الناس ، فلامه الله فنزل في ذلك { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } .
وأخرج هناد في الزهد ، عن مجاهد قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أتصدق بالصدقة وألتمس بها ما عند الله ، وأحب أن يقال لي خيراً : فنزلت { فمن كان يرجو لقاء ربه } الآية .
وأخرج هناد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي ، عن سعيد في قوله : { فمن كان يرجو لقاء ربه } قال : ثواب ربه . { فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك } قال : لا يرائي { بعبادة ربه أحداً } .
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر ، عن سعيد بن جبير في قوله : { فمن كان يرجو لقاء ربه } قال : من كان يخشى البعث في الآخرة { فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } من خلقه .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إن ربكم يقول : أنا خير شريك ، فمن أشرك معي في عمله أحداً من خلقي تركت العمل كله له ولم أقبل إلا ما كان لي خالصاً » .
ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } « .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كثير بن زياد قال : قلت للحسن قول الله : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } قال : في المؤمن نزلت . قلت : أشرك بالله؟ قال : لا ، ولكن أشرك بذلك العمل عملاً يريد الله به والناس ، فذلك يرد عليه .(6/430)
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الواحد بن زيد قال : قلت للحسن : أخبرني عن الرياء؟ أشرك هو؟ قال : نعم يا بني ، وما تقرأ { فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } .
وأخرج الطبراني عن شداد بن أوس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
« إذا جمع الله الأولين والآخرين ببقيع واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي ، قال : أنا خير شريك ، كل عَمل عُمل لي في دار الدنيا كان لي فيه شريك ، فأنا أدعه اليوم ولا أقبل اليوم إلا خالصاً . ثم قرأ { إلا عباد الله المخلصين } [ الصافات : 40 ] { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } » .
وأخرج ابن سعد وأحمد والترمذي وابن ماجة والبيهقي ، عن أبي سعد بن أبي فضالة الأنصاري - وكان من الصحابة - : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إذا جمع الله الأوّلين والآخرين ليوم لا ريب فيه ، نادى منادٍ : من كان أشرك في عمل عمله لله أحداً ، فليطلب ثوابه من عند غير الله ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة ، « أن رجلاً قال : » يا رسول الله ، الرجل يجاهد في سبيل الله وهو يبتغي عرضاً من الدنيا؟ قال : لا أجر له . فأعظم الناس هذه فعاد الرجل ، فقال : لا أجر له « » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الإخلاص وابن مردويه والحالكم وصححه والبيهقي ، عن شداد بن أوس قال : كنا نعد الرياء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر .
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي ، عن شداد بن أوس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من صلى يرائي فقد أشرك ، ومن صام يرائي فقد أشرك ، ومن تصدق يرائي فقد أشرك . ثم قرأ { فمن كان يرجو لقاء ربه } الآية » .
وأخرج الطيالسي وأحمد وابن مردويه ، عن شداد بن أوس رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « أنا خير قسيم لمن أشرك بي ، من أشرك بي شيئاً فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به ، أنا عنه غني » .
وأخرج البزار وابن منده والبيهقي وابن عساكر ، « عن عبد الرحمن بن غنم أنه قيل له : » أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من صام رياء فقد أشرك ، ومن صلى رياء فقد أشرك ، ومن تصدق رياء فقد أشرك؟؟ قال : بلى ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية { فمن كان يرجو لقاء ربه } فشق ذلك على القوم واشتد عليهم فقال : ألا أفرجها عنكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال : هي مثل الآية في الروم { وما آتيتم من رباً ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله } [ الروم : 39 ] فمن عمل رياء لم يُكْتَبْ لا له ولا عليه « » .(6/431)
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل يصلي لمكان رجل » .
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي ، عن شداد بن أوس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية . قلت : أتشرك أمتك من بعدك؟ قال : نعم ، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ، ولكن يراؤون الناس بأعمالهم . قلت : يا رسول الله ، فالشهوة الخفية؟ قال : يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه ويواقع شهوته » .
وأخرج أحمد ومسلم وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه قال : « أنا خير الشركاء ، فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا بريء منه ، وهو الذي أشرك » .
وأخرج أحمد والبيهقي عن محمود بن لبيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر . قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال : الرياء ، يقول الله يوم القيامة : إذا جزي الناس بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء » .
وأخرج البزار والبيهقي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تعرض أعمال بني آدم بين يدي الله عز وجل يوم القيامة في صحف مختتمة ، فيقول الله : ألقوا هذا واقبلوا هذا . فتقول الملائكة : يا رب ، والله ما رأينا منه إلا خيراً . فيقول : إن عمله كان لغير وجهي ولا أقبل اليوم من العمل إلا ما أريد به وجهي » .
وأخرج البزار وابن مردويه والبيهقي بسند لا بأس به ، عن الضحاك بن قيس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يقول الله : أنا خير شريك ، فمن أشرك معي أحداً فهو لشريكي . يا أيها الناس ، أخلصوا الأعمال لله فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له ، ولا تقولوا هذا لله وللرحم ، فإنه للرحم وليس لله منه شيء » .
وأخرج الحاكم وصححه « عن عبد الله بن عمرو ، أنه قال : » يا رسول الله ، أخبرني عن الجهاد والغزو ، قال : يا عبد الله : إن قاتلت صابراً محتسباً بعثك الله صابراً محتسباً ، وإن قاتلت مرائياً مكاثراً على أي حال قاتلت أو قتلت ، بعثك الله على تلك الحال « » .
وأخرج أحمد والدارمي والنسائي والروياني وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه ، عن يحيى بن الوليد بن عبادة عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(6/432)
« من غزا وهو لا ينوي في غزاته إلا عقالاً ، فله ما نوى » .
وأخرج الحاكم « عن يعلى بن منبه قال : » كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعثني في سراياه ، فبعثني ذات يوم وكان رجل يركب فقلت له : إرحل . قال : ما أنا بخارج معك . قلت : لم؟ قال : حتى تجعل لي ثلاثة دنانير . قلت : الآن حين ودعت النبي صلى الله عليه وسلم ما أنا براجع إليه ، إرحل ولك ثلاثة دنانير . فلما رجعت من غزاتي ذكرت ذلك للنبي فقال : أعطها إياه فإنها حظه من غزاته « » .
وأخرج أبو داود والنسائي والطبراني بسند جيد ، عن أبي أمامة قال : « جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا شيء له . فأعادها ثلاث مرات يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا شيء له . ثم قال : إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه » .
وأخرج الطبراني بسند لا بأس به ، عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها إلا ما ابتغى به وجه الله عز وجل » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وابن ماجة والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من يسمع يسمع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبد الله بن عمر : وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من قام بخطبة لا يلتمس بها إلا رياء وسمعة ، أوقفه الله عز وجل يوم القيامة في موقف رياء وسمعة » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من يرائي يرائي الله به ، ومن يسمع يسمع الله به » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمود بن لبيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إياكم وشرك السرائر . قالوا : وما شرك السرائر؟ قال : أن يقوم أحدكم يريد صلاته جاهداً لينظر الناس إليه ، فذلك شرك السرائر » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : من صلى صلاة والناس يرونه ، فليصل إذا خلا مثلها ، وإلا فإنما هي استهانة يستهين بها ربه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة مثله .
وأخرج البيهقي عن عمرو بن عبسة قال : إذا كان يوم القيامة ، جيء بالدنيا فيميز منها ما كان لله وما كان لغير الله رمي به في نار جهنم .(6/433)
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى الأشعري قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : « أيها الناس ، اتقوا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل . فقالوا : وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله! قال : قولوا : اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفر لما لا نعلم » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عبادة بن الصامت قال : يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال : ميزوا ما كان لله فيميز ، ثم يقول : ألقوا سائرها في النار .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن معاذ بن جبل : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن يسيراً من الرياء شرك ، وإن من عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة ، وإن الله يحب الأبرار الأخفياء الأتقياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا ، وإن حضروا لم يدعوا ولم يعرفوا ، قلوبهم مصابيح الدجى ، يخرجون من كل غبراء مظلمة » .
وأخرج البيهقي وضعفه عن أبي الدرداء ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الإتقاء على العمل أشد من العمل ، إن الرجل ليعمل فيكتب له عمل صالح معمول به في السر ، يضعف أجره سبعين ضعفاً ، فلا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ، فيكتب علانية ويمحى تضعيف أجره كله ، ثم لا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس الثانية ويحب أن يذكر ويحمد عليه فيمحى من العلانية ويكتب رياء ، فاتقى الله امرؤ صان دينه فإن الرياء شرك » .
وأخرج أحمد والبيهقي عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن أحسن أوليائي عندي منزلة ، رجل ذو حظ من صلاة . . . أحسن عبادة ربه في السر وكان غامضاً في الناس لا يشار إليه بالأصابع ، عجلت منيته وقل تراثه وقلت بواكيه » .
وأخرج ابن سعد وأحمد والبيهقي ، عن أبي هند الداري : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من قام مقام رياء أو سمعة ، رايا الله به يوم القيامة وسمع به » .
وأخرج البيهقي عن عمر بن النضر قال : بلغني أن في جهنم وادياً تعوّذ منه جهنم كل يوم أربعمائة مرةٍ أعد ذلك للمرائين من القراء .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « تعوّذ بالله من جب الحزن ، قيل من يسكنه؟ قال : المراؤون بأعمالهم » .
وأخرج البيهقي عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يقول الله عز وجل : كل من عمل عملاً أراد به غيري فأنا منه بريء » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اتقوا الشرك الأصغر ، قالوا : وما الشرك الأصغر؟ قال : الرياء يوم يجازي الله العباد بأعمالهم ، يقول : اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا ، انظروا . . . هل تصيبون عندهم جزاء؟ » .(6/434)
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن محمد بن الحنفية قال : كل ما لا يبتغى به وجه الله يضمحل .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد ، عن أبي العالية قال : قال لي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : يا أبا العالية ، لا تعمل لغير الله فيكلك الله عز وجل إلى عملت له .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ربيع بن خُثيم قال : ما لم يرد به وجه الله عز وجل يضمحل .
وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن ، عن إسماعيل بن أبي رافع قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ألا أخبركم بسورة ملأ عظمتها ما بين السماء والأرض ، شيعها سبعون ألف ملك؟ سورة الكهف ، من قرأها يوم الجمعة غفر الله له بها إلى الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام من بعدها ، وأعطى نوراً يبلغ السماء ، ووقي من فتنة الدجال . ومن قرأ الخمس آيات من خاتمتها حين يأخذ مضجعه من فراشه ، حفظ وبعث من أي الليل شاء » .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن معاوية بن أبي سفيان ، أنه تلا هذه الآية { فمن كان يرجو لقاء ربه } الآية . قال : إنها آخر آية نزلت من القرآن .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي حكيم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو لم ينزل على أمتي إلا خاتمة سورة الكهف لكفتهم » .
وأخرج ابن راهويه والبزار وابن مردويه والحاكم وصححه والشيرازي في الألقاب ، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من قرأ في ليلة { فمن كان يرجو لقاء ربه } الآية ، كان له نور من عدن أبين إلى مكة حشوه الملائكة » .
وأخرج ابن الضريس عن أبي الدرداء قال : من حفظ خاتمة الكهف ، كان له نور يوم القيامة من لدن قرنه إلى قدمه . والله أعلم بالصواب .(6/435)
كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس في قوله : { كهيعص } قال : كبير ، هاد ، أمين ، عزيز ، صادق . وفي لفظ : كاف بدل كبير .
وأخرج عبد الرزاق وآدم بن أبي إياس وعثمان بن سعيد الدارمي في التوحيد ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس { كهيعص } قال : كاف من كريم ، وهاء من هاد ، وياء من حكيم ، وعين من عليم ، وصاد من صادق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة { كهيعص } هو الهجاء المقطع الكاف من الملك ، والهاء من الله ، والياء والعين من العزيز ، والصاد من المصوّر .
وأخرج ابن مردويه عن الكلبي ، أنه سئل عن { كهيعص } فحدث عن أبي صالح عن أم هانئ ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « كاف ، هاد ، عالم ، صادق » .
وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي وابن ماجة وابن جرير ، عن فاطمة بنت علي قالت : كان ابن عباس يقول في { كهيعص } و ( حم ) و ( يس ) وأشباه هذا ، هو اسم الله الأعظم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { كهيعص } قسم أقسم الله به وهو من أسماء الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : { كهيعص } قال : يقول : أنا الكبير الهادي عليّ أمين صادق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله : { كهيعص } قال : الكاف من الملك ، والهاء من الله ، والعين من العزيز ، والصاد من الصمد .
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله : { كهيعص } قال : الكاف مفتاح اسمه كافي ، والهاء مفتاح اسمه هادي ، والعين مفتاح اسمه عالم ، والصاد مفتاح اسمه صادق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله : { كهيعص } قال : يا من يجير ولا يجار عليه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن قتادة في قوله : { كهيعص } قال : اسم من أسماء القرآن . والله أعلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن يعمر ، أنه كان يقرأ { ذكر رحمة ربك عبده زكريا } بنقل ، يقول : لما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء . فقال : { ذكر رحمة ربك } .
وأخرج أحمد وأبو يعلى والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « كان زكريا نجاراً » .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر ، عن ابن عباس قال : إن زكريا بن دان أبا يحيى كان من أبناء الأنبياء الذين كانوا يكتبون الوحي ببيت المقدس .(6/436)
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { إذ نادى ربه نداء خفياً } قال : لا يريد رياء .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { إذ نادى ربه نداء خفياً } أي بقلبه سراً . قال قتادة : إن الله يحب الصوت الخفي ، والقلب النقي .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن ابن مسعود قال : كان آخر أنبياء بني إسرائيل زكريا بن إدريس من ذرية يعقوب دعا ربه سراً ، قال : { رب إني وهن العظم مني } إلى قوله : { خفت الموالي من ورائي } وهم العصبة { يرثني ويرث } نبوة { آل يعقوب } { فنادته الملائكة } وهو جبريل { إن الله يبشرك بغلام اسمه يحيى } فلما سمع النداء ، جاءه الشيطان فقال : يا زكريا ، إن الصوت الذي سمعت ليس من الله ، إنما هو من الشيطان يسخر بك ، فشك وقال : { أنى يكون لي غلام } يقول : من أين يكون؟ { وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر } ! قال الله : { قد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { وهن العظم مني } يقول : ضعف .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وهن العظم مني } قال : نحول العظم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ولم أكن بدعائك رب شقياً } قال : قد كنت تُعَودني الإجابة فيما مضى .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عيينة في قوله : { ولم أكن بدعائك رب شقياً } يقول : سعدت بدعائك وإن لم تعطني .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن العاص قال : أملى عليّ عثمان بن عفان من فيه { وإني خفت الموالي } بنقلها يعني بنصب الخاء والفاء وكسر التاء يقول قلت : { الموالي } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وإني خفت الموالي من ورائي } قال : الورثة ، وهم عصبة الرجل .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وإني خفت الموالي من ورائي } قال : العصبة من آل يعقوب ، وكان من ورائه غلام ، وكان زكريا من ذرية يعقوب ، وفي لفظ : أيوب .
وأخرج الفريابي ، عن ابن عباس قال : كان زكريا لا يولد له ، فسأل ربه؟ فقال : { رب هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب } قال : يرثني مالي ، ويرث من آل يعقوب النبوة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : { يرثني ويرث من آل يعقوب } قال : نبوته وعلمه . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يرحم الله أخي زكريا ، ما كان عليه من ورثة ، ويرحم الله لوطاً ، إن كان ليأوي إلى ركن شديد » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { يرثني ويرث من آل يعقوب } فيقول : يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب .(6/437)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن صالح في قوله : { ويرث من آل يعقوب } قال : النبوة يكون نبياً كما كان أبوه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله : { ويرث من آل يعقوب } قال : السنة والعلم .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد ، عن يحيى بن يعمر أنه قرأها : { وإني خفت الموالي من ورائي } مشددة بنصب الخاء ، وكسر التاء ، وقرأها : { يرثني ويرث من آل يعقوب } .
وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ { يرثني ويرث من آل يعقوب } .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم أنه قرأ { يرثني } مثقل مرفوع .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب قال : قال داود عليه السلام : « يا رب هب لي ابناً » فولد له ابن خرج عليه ، فبعث إليه داود جيشاً فقال : « إن أخذتموه سليماً فابعثوا إلي رجلاً أعرف السرور في وجهه ، وإن قتلتموه فابعثوا إلي رجلاً أعرف الشرّ في وجهه » فقتلوه فبعثوا إليه رجلاً أسود ، فلما رآه علم أنه قتل ، فقال : رب سألت أن تهب لي ابناً ، فخرج علي؟! فقال : إنك لم تستثن . قال محمد بن كعب : لم يقل كما قال زكريا : { واجعله رب رضياً } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال : لما دعا زكريا ربه أن يهب له غلاماً هبط جبريل عليه السلام - فبشره بيحيى . فقال زكريا عندها : { أنى يكون لي غلام } وأخبر بكبر سنه ، وعلة زوجته ، فأخذ جبريل عوداً يابساً ، فجعله بين كفي زكريا ، فقال : ادرجه بين كفيك ، ففعل ، فإذا في رأسه عود بين ورقتين يقطر منهما الماء . فقال جبريل : إن الذي أخرج هذا الورق من هذا العود ، قادر أن يخرج من صلبك ، ومن امرأتك العاقر غلاماً .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، عن ابن عباس في قوله : { لم نجعل له من قبل سميا } قال : لم يسم أحد يحيى قبله .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد ، عن قتادة في قوله : { لم نجعل له من قبل سميا } قال : لم يسم أحد يحيى قبله .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن عكرمة مثله .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { لم نجعل له من قبل سميا } قال : لم تلد العواقر مثله ولداً .
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { لم نجعل له من قبل سميا } قال : مثلاً .
وأخرج أحمد في الزهد ، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { لم نجعل له من قبل سميا } قال : شبيهاً .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء مثله .(6/438)
وأخرج البخاري في تاريخه ، عن يحيى بن خلاد الزرقي ، أنه لما ولد أتي به النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه وقال : لأسمينه اسماً لم يسم بعد يحيى بن زكريا فسماه يحيى .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : لا أدري كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذا الحرف { عتياً } أو عييا .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء والحاكم ، عن ميمون بن مهران : أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس؟ فقال : أخبرني عن قول الله : { وقد بلغت من الكبر عتيا } ما العتي؟ قال : البؤس من الكبر قال الشاعر :
إنما يعذر الوليد ولا يعذر ... من كان في الزمان عتيا
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وقد بلغت من الكبر عتيا } قال : نحول العظم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وقد بلغت من الكبر عتيا } يقول : هرماً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد { وقد بلغت من الكبر عتيا } قال : العتي الذي قد عتا من الولد فيما يرى في نفسه لا ولادة فيه .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم ، عن الثوري قال : بلغني أن زكريا كان ابن سبعين سنة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن المبارك { وقد بلغت من الكبر عتيا } قال : ستين سنة .
وأخرج الرامهرمزي في الإسناد ، عن وهب بن منبه { وقد بلغت من الكبر عتيا } قال : هذه المقالة وهو ابن ستين أو خمس وستين .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم أنه قرأ عتيا برفع العين .
وأخرج عبد بن حميد ، عن يحيى بن وثاب أنه قرأها { عتيا } وصليا ، بكسر العين والصاد .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عبد الله بن عقيل أنه قرأ « وقد بلغت من الكبر عسيا » بالسين ورفع العين .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والحاكم ، عن نوف في قوله : { قال رب اجعل لي آية } قال : أعطني آية أنك قد استجبت لي . فقال : { آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً } قال ختم على لسانه وهو صحيح سوي ليس به من مرض ، فلم يتكلم ثلاثة أيام .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله : { ألا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً } قال : اعتقل لسانه من غير مرض .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { ثلاث ليال سويا } قال : من غير خرس .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة والضحاك مثله .
وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد في قوله : { ثلاث ليال سويا } قال : صحيحاً لا يمنعك الكلام مرض .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في الآية قال : حبس لسانه فكان لا يستطيع أن يكلم أحداً ، وهو في ذلك يسبح ويقرأ التوراة ، فإذا أراد كلام الناس لم يستطع أن يكلمهم .(6/439)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : { فخرج على قومه من المحراب } قال : المحراب مصلاه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { فأوحى إليهم } قال : كتب لهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن الحكم { فأوحى إليهم } قال : كتب لهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { فأوحى إليهم } قال فأشار زكريا .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب { فأوحى إليهم أن سبحوا } قال : أشار إليهم إشارة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير { فأوحى إليهم } قال : أومأ إليهم .
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، عن ابن عباس في قوله : { فأوحى إليهم أن سبحوا } قال : صلوا .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية في قوله : { بكرة وعشيا } قال : أمرهم بالصلاة بكرة وعشيا .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن قتادة { فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا } قال : البكرة ، صلاة الفجر ، وعشيا ، صلاة العصر .(6/440)
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)
أخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } قال : بجد { وآتيناه الحكم صبياً } قال : الفهم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { خذ الكتاب بقوة } يقول : اعمل بما فيه من فرائضه .
وأخرج ابن المنذر ، عن مالك بن دينار قال : سألنا عكرمة عن قوله : { وآتيناه الحكم صبياً } قال : اللب .
وأخرج أبو نعيم وابن مردويه والديلمي ، عن ابن عباس ، « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وآتيناه الحكم صبياً } قال : أعطي الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين » .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زائد الزهد وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وآتيناه الحكم صبياً } قال : وهو ابن ثلاث سنين .
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والخرائطي وابن عساكر ، عن معمر بن راشد في قوله : { وآتيناه الحكم صبياً } قال : بلغني أن الصبيان قالوا ليحيى بن زكريا : اذهب بنا نلعب ، قال : ما للعب خلقت . فهو قوله : { وآتيناه الحكم صبياً } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد من طريق معمر ، عن قتادة قال : جاء الغلمان إلى يحيى بن زكريا فقال : ما للعب خلقت . قال : فأنزل الله { وآتيناه الحكم صبياً } .
وأخرجه ابن عساكر ، عن معاذ بن جبل مرفوعاً .
وأخرج الحاكم في تاريخه من طريق سهل بن سعيد عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال الغلمان ليحيى بن زكريا : اذهب بنا نلعب ، فقال يحيى : ما للعب خلقنا! اذهبوا نصلي . فهو قول الله : { وآتيناه الحكم صبياً } .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من قرأ القرآن قبل أن يحتلم ، فقد أوتي الحكم صبياً » .
وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس موقوفاً .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والزجاجي في أماليه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : { وحناناً } قال : لا أدري ما هو ، إلا أني أظنه تعطف الله على خلقه بالرحمة .
وأخرج ابن جرير ، عن سعيد بن جبير قال : سألت ابن عباس عن قوله : { وحناناً } فلم يجر فيها شيئاً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : { وحناناً من لدنا } قال : رحمة من عندنا .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله : { وحناناً من لدنا } قال : رحمة من عندنا .(6/441)
قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت طرفة بن العبد البكري وهو يقول :
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض لشر أهون من بعض
وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد { وحناناً من لدنا } قال : تعطفاً من ربه عليه .
وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن { وحناناً من لدنا } قال : الرحمة .
وأخرج عبد بن حميد ، عن الربيع { وحناناً من لدنا } قال : { رحمة من عندنا } لا يملك عطاءها أحد غيرنا .
وأخرج الحكيم الترمذي ، عن سعيد الجهني في قوله : { وحناناً من لدنا } قال : الحنان المحبب .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن قتادة { وحناناً من لدنا } قال : رحمة من عندنا { وزكاة } قال صدقة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وزكاة } قال : بركة . وفي قوله : { وكان تقياً } قال : طهر فلم يعمل بذنب .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن قوله : { وكان تقياً } قال : لم يعصه ولم يهم بها .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ولم يكن جباراً عصياً } قال : كان سعيد بن المسيب يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم « ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب ، إلا يحيى بن زكريا » قال قتادة : وقال الحسن : قال النبي صلى الله عليه وسلم « ما أذنب يحيى بن زكريا قط ولا هم بامرأة » .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر ، عن ابن عباس في قوله : { ذكر رحمة ربك عبده زكريا } قال : ذكره الله برحمته منه حيث دعاه { إذ نادى ربه نداء خفياً } يعني دعا ربه { دعاء خفياً } في الليل ، لا يسمع أحداً ، أو يسمع أذنيه . فقال : { رب إني وهن العظم مني } يعني ضعف العظم مني { واشتعل الرأس شيباً } يعني غلب البياض السواد { ولم أكن بدعائك رب شقياً } أي لم أدعك قط فخيبتني فيما مضى ، فتخيبني فيما بقي ، فكما لم أشق بدعائي فيما مضى ، فكذلك لا أشقى فيما بقي ، عوّدتني الإجابة من نفسك . { وإني خفت الموالي من ورائي } فلم يبق لي وارث ، وخفت العصبة أن ترثني { فهب لي من لدنك ولياً } يعني من عندك ولداً { يرثني } يعني يرث محرابي ، وعصاي وبرنس العربان ، وقلمي الذي أكتب به الوحي { ويرث من آل يعقوب } النبوّة { واجعله رب رضياً } يعني مرضياً عندك زاكياً بالعمل ، فاستجاب الله له ، فكان قد دخل في السن هو وامرأته . فبينا هو قائم يصلي في المحراب ، حيث يذبح القربان ، إذا هو برجل عليه البياض حياله ، وهو جبريل فقال : { يا زكريا إن الله يبشرك بغلام اسمه يحيى } هو اسم من أسماء الله ، اشتق من حي سماه الله فوق عرشه { لم نجعل له من قبل سميا } لم يجعل لزكريا من قبل يحيى ولد له { هل تعلم له سميا } يعني هل تعلم له ولداً ، ولم يكن لزكريا قبله ولد ، ولم يكن قبل يحيى أحد يسمى يحيى قال : وكان اسمه حياً ، فلما وهب الله لسارة إسحق ، فكان اسمها يسارة ، ويسارة من النساء التي لا تلد ، وسارة من النساء : الطالقة الرحم التي تلد فسماها الله سارة وحول الياء من سارة إلى حي فسماه يحيى ، فقال : { رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً } خاف أنها لا تلد .(6/442)
قال : { كذلك قال ربك } { يا زكريا هو عليّ هين وقد خلقتك من قبل } أن أهب لك يحيى { ولم تك شيئاً } وكذلك أقدر على أن أخلق من الكبير والعاقر . وذلك أن إبليس أتاه فقال : يا زكريا ، دعاؤك كان خفياً فأجبت بصوت رفيع ، وبشرت بصوت عال ، ذلك صوت من الشيطان ، ليس من جبريل ، ولا من ربك . { قال رب اجعل لي آية } حتى أعرف أن هذه البشرى منك . { قال آيتك أَلا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً } يعني صحيحاً من غير خرس . فحاضت زوجته ، فلما طهرت طاف عليها فاستحملت ، فأصبح لا يتكلم وكان إذا أراد التسبيح والصلاة أطلق الله لسانه فإذا أراد أن يكلم الناس؛ اعتقل لسانه فلا يستطيع أن يتكلم ، وكانت عقوبة له لأنه بشر بالولد فقال : { أَنى يكون لي غلام } فخاف أن يكون الصوت من غير الله { فخرج على قومه من المحراب } يعني من مصلاه الذي كان يصلي فيه . فأوحى إليهم بكتاب كتبه بيده { أن سبحوا بكرة وعشياً } يعني صلوا صلاة الغداة والعصر ، فولد له يحيى على ما بشره الله نبياً تقياً صالحاً { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } يعني بجد وطاعة واجتهاد وشكر وبالعمل بما فيه { وآتيناه الحكم } يعني الفهم { صبياً } صغيراً وذلك أنه مر على صبية أتراب له ، يلعبون على شاطئ نهر بطين وبماء ، فقالوا : يا يحيى تعالَ حتى نلعب ، فقال : سبحان الله! أو للعب خلقنا؟! { وحناناً } يعني ورحمة { منا } وعطفاً { وزكاة } يعني وصدقة على زكريا { وكان تقياً } يعني مطهراً مطيعاً لله { وبراً بوالديه } كان لا يعصيهما { ولم يكن جباراً } يعني قتال النفس التي حرم الله قتلها { عصياً } يعني عاصياً لربه . { وسلام عليه } يعني حين سلم الله عليه { يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً } .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن القاسم قال : قال مالك : بلغني أن عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا عليهما السلام ابنا خالة ، وكان حملهما جميعاً معاً ، فبلغني أن أم يحيى ، قالت لمريم : إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك . قال مالك : أرى ذلك لتفضيل الله عيسى ، لأن الله جعله يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ولم يكن ليحيى عيشة إلا عشب الأرض ، وإن كان ليبكي من خشية الله ، حتى لو كان على خده القار لأذابه ، ولقد كان الدمع اتخذ في وجهه مجرى .(6/443)
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن خزيمة والدارقطني في الأفراد وأبو نصر السجزي في الإبانة والطبراني ، عن ابن عباس قال : « كنا في حلقة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم نتذاكر فضائل الأنبياء ، فذكرنا نوحاً وطول عبادته ، وذكرنا إبراهيم وموسى وعيسى فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : » ما تذاكرون بينكم « فذكرنا له ، فقال : أما إنه لا ينبغي أن يكون أحد خيراً من يحيى بن زكريا أما سمعتم الله كيف وصفه في القرآن { يا يحيى خذ الكتاب بقوّة } إلى قوله : { وكان تقياً } لم يعمل سيئة قط ولم يهم بها » .
وأخرج ابن عساكر عن ابن شهاب : « أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوماً وهم يتذاكرون فضل الأنبياء فقال قائل : موسى كلمه الله تكليماً ، وقال قائل : عيسى روح الله وكلمته ، وقال قائل : إبراهيم خليل الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » أين الشهيد ابن الشهيد يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب يحيى بن زكريا « » .
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والحاكم وابن مردويه ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ ، أو هم بخطيئة ، إلا يحيى بن زكريا ، لم يهم بخطيئة ولم يعملها » .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم والحاكم عن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب ، إلا ما كان من يحيى بن زكريا » .
وأخرج أحمد في الزهد وابن عساكر ، عن يحيى بن جعدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يحيى بن زكريا ، ما هم بخطيئة ولا حاكت في صدره امرأة » .
وأخرج ابن عساكر عن ضمرة بن حبيب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ما بعلت النساء عن ولد ينبغي له أن يقول : أنا أفضل من يحيى بن زكريا لم يحك في صدره خطيئة ولم يهم بها » .
وأخرج ابن عساكر عن علي بن أبي طلحة رفعه قال : ما ارتكض في النساء من جنين ينبغي له أن يقول : أنا أفضل من يحيى بن زكريا ، لأنه لم يحك في صدره خطيئة ولم يهم بها « .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن الحسن قال : إن عيسى ويحيى التقيا فقال يحيى لعيسى : استغفر لي أنت خير مني فقال له عيسى : بل أنت خير مني ، سلم الله عليك ، وسلمت أنا على نفسي ، فعرف والله فضلها .(6/444)
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والحاكم والضياء ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الحسن والحسين سيداً شباب أهل الجنة - إلا ابني الخالة - عيسى ابن مريم ، ويحيى بن زكريا » .
وأخرج الحاكم من طريق سمرة ، عن كعب قال : كان يحيى لا يقرب النساء ولا يشتهيهن ، وكان شاباً حسن الوجه ، لين الجناح ، قليل الشعر ، قصير الأصابع ، طويل الأنف ، أقرن الحاجبين ، رقيق الصوت ، كثير العبادة ، قوياً في الطاعة .
وأخرج البيهقي في الشعب وضعفه وابن عساكر ، عن أبي بن كعب : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن من هوان الدنيا على الله ، أن يحيى بن زكريا قتلته امرأة » .
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن الزبير قال : من أنكر البلاء ، فإني لا أنكره ، لقد ذكر لي أنما قتل يحيى بن زكريا في زانية .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريقه : أنا أبو يعقوب الكوفي ، عن عمرو بن ميمون ، عن أبيه ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به رأى زكريا في السماء فسلم عليه فقال له : « يا أبا يحيى ، خبرني عن قتلك كيف كان؟ ولم قتلك بنو إسرائيل؟ قال : يا محمد ، إن يحيى كان خير أهل زمانه ، وكان أجملهم وأصبحهم وجهاً ، وكان كما قال الله : { سيداً وحصوراً } وكان لا يحتاج إلى النساء ، فهويته امرأة ملك بني إسرائيل وكانت بغية فأرسلت إليه ، وعصمه الله وامتنع يحيى وأبى عليها ، وأجمعت على قتل يحيى ، وَلَهُم عيد يجتمعون في كل عام ، وكانت سنة الملك أن يوعد ولا يخلف ولا يكذب ، فخرج الملك للعيد فقامت امرأته فشيعته ، وكان بها معجباً ، ولم تكن تسأله فيما مضى ، فلما أن شيعته قال الملك : سليني فما تسأليني شيئاً إلا أعطيتك ، قالت : أريد دم يحيى بن زكريا . قال لها : سليني غيره . قالت : هو ذاك . قال : هو لك ، فبعثت جلاوزتها إلى يحيى وهو في محرابه يصلي ، وأنا إلى جانبه أصلي ، فذبح في طست ، وحمل رأسه ودمه إليها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فما بلغ من صبرك؟ قال : ما انفتلت من صلاتي ، فلما حمل رأسه إليها ووضع بين يديها ، - فلما أمسوا - خسف الله بالملك وأهل بيته وحشمه ، فلما أصبحوا قالت بنو إسرائيل : لقد غضب إله زكريا لزكريا ، فتعالوا حتى نغضب لملكنا ، فنقتل زكريا ، فخرجوا في طلبي ليقتلوني ، فجاءني النذير ، فهربت منهم وإبليس أمامهم يدلهم علي : فلما أن تخوفت أن لا أعجزهم ، عرضت لي شجرة فنادتني فقالت : إلي إلي ، وانصدعت لي ، فدخلت فيها ، وجاء إبليس حتى أخذ بطرف ردائي ، والتأمت الشجرة وبقي طرف ردائي خارجاً من الشجرة ، وجاء بنو إسرائيل ، فقال إبليس : أما رأيتموه دخل هذه الشجرة! هذا طرف ردائه دخل به الشجرة ، فقالوا : نحرق هذه الشجرة ، فقال إبليس : شقوه بالمنشار شقاً .(6/445)
قال : فشققت مع الشجرة بالمنشار . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا زكريا ، هل وجدت له مساً أو وَجعاً؟ قال : لا ، إنما وجدت تلك الشجرة جعل الله روحي فيها « .
وأخرج ابن عساكر ، عن وهب بن منبه أن زكريا هرب ودخل جوف شجرة ، فوضع على الشجرة المنشار وقطع بنصفين ، فلما وقع المنشار على ظهره أنَّ ، فأوحى الله » يا زكريا إما أن تكف عن أنينك ، أو أقلب الأرض ومن عليها « فسكت حتى قطع نصفين .
وأخرج أحمد في الزهد وابن عساكر عن يزيد بن ميسرة قال : كان طعام يحيى بن زكريا الجراد وقلوب الشجر ، وكان يقول : من أنعم منك يا يحيى؟ طعامك الجراد وقلوب الشجر .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن عساكر ، عن أبي إدريس الخولاني وابن المبارك وأحمد في الزهد وأبو نعيم ، عن مجاهد قالا : كان طعم يحيى بن زكريا العشب ، وإن كان ليبكي من خشية الله ، حتى لو كان القار على عينه لأحرقه! ولقد كانت الدموع اتخذت مجرى في وجهه .
وأخرج ابن عساكر ، عن يونس بن ميسرة قال : مر يحيى بن زكريا على دينار فقال : قبح هذا الوجه يا دينار ، يا عبد العبيد ، ومعبد الأحرار .
وأخرج البيهقي في سننه ، عن مجاهد قال : سأل يحيى بن زكريا ربه؟ قال : رب ، اجعلني أسلم على ألسنة الناس ، ولا يقولون فيّ إلا خيراً . فأوحى الله إليه : » يا يحيى لم أجعل هذا لي ، فكيف أجعله لك؟ « .
وأخرج أحمد والبيهقي في الشعب وابن عساكر ، عن ثابت البناني قال : بلغنا أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا ، فرأى عليه معاليق من كل شيء ، فقال له يحيى : ما هذه؟! قال : هذه الشهوات التي أصيب بها بنو آدم . قال له يحيى : هل لي فيها شيء؟ قال : لا . قال : فهل تصيب مني شيئاً؟ قال : ربما شبعت ، فثقلناك عن الصلاة والذكر . قال : هل غيره؟ قال : لا . قال : لا جرم ، لا أشبع أبداً .
وأخرج ابن عساكر من طريق علي بن زيد بن جدعان ، عن علي بن الحسين ، عن الحسين بن علي قال : كان ملك مات وترك امرأته وابنته ، فورث ملكه أخوه ، فأراد أن يتزوج امرأة أخيه ، فاستشار يحيى بن زكريا في ذلك ، وكانت الملوك في ذلك الزمان يعلمون بأمر الأنبياء ، فقال له : لا تتزوّجها فإنها بغي ، فبلغ المرأة ذلك ، فقالت : ليقتلن يحيى أو ليخرجن من ملكه . فعمدت إلى ابنتها فصيغتها ، ثم قالت اذهبي إلى عمك عند الملأ ، فإنه إذا رآك سيدعوك ، ويجلسك في حجره ويقول : سليني ما شئت ، فإنك لن تسأليني شيئاً إلا أعطيتك ، فإذا قال لك قولي : فقولي لا أسألك شيئاً إلا رأس يحيى ، وكانت الملوك إذا تكلم أحدهم بشيء على رؤوس الملأ ، ثم لم يمض له ، نزع من ملكه .(6/446)
ففعلت ذلك ، فجعل يأتيه الموت من قتله يحيى ، وجعل يأتيه الموت من خروجه من ملكه ، فاختار ملكه ، فقتله ، فساخت بأمها الأرض . قال ابن جدعان : فحدثت بهذا الحديث ابن المسيب ، فقال : أما أخبرك كيف كان قتل زكريا؟ قلت : لا . قال : إن زكريا حيث قتل ابنه ، انطلق هارباً منهم ، واتبعوه حتى أتى على شجرة ذات ساق ، فدعته إليها فانطوت عليه ، وبقيت من ثوبه هدبة تلعبها الريح ، فانطلقوا إلى الشجرة فلم يجدوا أثره عندها ، فنظروا تلك الهدبة ، فدعوا المنشار ، فقطعوا الشجرة فقطعوه فيها .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمرو قال : التي قتلت يحيى بن زكريا امرأة ورثت الملك عن آبائها ، فأتيت برأس يحيى وهي على سريرها ، فقال للأرض خذيها فأخذتها وسريرها فذهب بها .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر ، عن عبد الله بن الزبير : أن ملكاً أراد أن يتزوج ابنة أخيه ، فاستفتى يحيى بن زكريا؟ فقال : لا تحل لك . فسألت قتله؟ فبعث إليه - وهو في محرابه يصلي - فذبحوه ، ثم حزوا رأسه وأتوا به الملك ، فجعل الرأس يقول : لا يحل لك ما تريد .
وأخرج ابن عساكر عن ابن شوذب قال : قال يحيى بن زكريا للذي جاء يحز رأسه : أما تعلم أني نبي؟ قال : بلى ، ولكني مأمور .
وأخرج الحاكم وابن عساكر ، عن ابن عباس قال : أوحى الله إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً وإني قاتل بابن ابنتك سبيعن ألفا وسبعين ألفاً .
وأخرج ابن عساكر ، عن شمر بن عطية قال : قتل على الصخرة التي في بيت المقدس سبعون نبياً منهم يحيى بن زكريا .
وأخرج ابن عساكر عن قرة قال : ما بكت السماء على أحد ، إلا على يحيى بن زكريا ، والحسين بن علي ، وحمرتها بكاؤها .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن خالد بن ثابت الربعي قال : لما قتل فجرة بني إسرائيل - يحيى بن زكريا ، أوحى الله إلى نبي من أنبيائهم : أن قل لبني إسرائيل « إلى متى تجترئون على أن تعصوا أمري ، وتقتلوا رسلي؟ وحتى متى أضمكم في كنفي؟ كما تضم الدجاجة أولادها في كنفها ، فتجترئون علي! اتقوا ، لا أؤاخذاكم بكل دم كان بين ابني آدم ويحيى بن زكريا ، واتقوا ، أن أصرف عنكم وجهي ، فإني إن صرفت عنكم وجهي لا أقبل عليكم إلى يوم القيامة » .
وأخرج أحمد عن سعيد بن جبير قال : لما قتل يحيى عليه السلام قال : بعض أصحابه لصاحب له : ابعث إلي بقميص نبي الله يحيى أشمه ، فبعث به إليه ، فإذا سداه ولحمته ليف! .(6/447)
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، عن يونس بن عبيد قال : بلغنا أنه كان رجل يجور على مملكته ويعدي عليهم ، فائتمروا بقتله ، فقالوا : نبي الله زكريا بين أظهرنا ، فلو أتيناه فأتوا منزله ، فإذا فتاة جميلة رائعة قد أشرق لها البيت حسناً ، فقالوا : من أنتِ؟ قالت : امرأة زكريا . فقالوا فيما بينهم : كنا نرى نبي الله لا يريد الدنيا ، فإذا هو عنده امرأة من أجمل النساء ، ثم إنهم رأوه في عمل عند قوم ويعمل لهم ، حتى إذا حضر غداؤه قرب رغيفين ، فأكل ولم يدعهم ، ثم قام فعمل بقية عمله ، ثم علق خفيه على عنقه والمسحاة والكساء ، قال : ما حاجتكم؟ قالوا : قد جئنا لأمر ، ولقد كاد يغلبنا ما رأينا ، على ما جئنا له . قال : فهاتوا؟ قالوا : أتينا منزلك ، فإذا امرأة جميلة رائعة! وكنا نرى نبي الله لا يريد الدنيا ، فقال : إني إنما تزوجت امرأة جميلة رائعة ، لأكف بها بصري ، وأحفظ بها فرجي ، فخرج نبي الله مما قالوا . قالوا : ورأيناك قدمت رغيفين ، فأكلت ولم تدعنا؟! قال : إن القوم استأجروني على عمل ، فخشيت أن أضعف عن عملهم ، ولو أكلتم معي لم يكفني ولم يكفكم ، فخرج نبي الله مما قالوا . قالوا : ورأيناك وضعت خفيك على عنقك ، والمسحاة والكساء . فقال : إن هذه الأرض جديدة ، وكرهت أن أنقل تراب هذه في هذه ، فخرج نبي الله مما قالوا . قالوا : إن هذا الملك يجور علينا ويظلمنا ، وقد ائتمرنا لقتاله . قال : أي قوم ، لا تفعلوا ، فإن إزالة جبل من أصله أهون من إزالة ملك مؤجل . والله أعلم .(6/448)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { إذ انتبذت } أي انفردت { من أهلها مكاناً شرقياً } قال : قبل المشرق شاسعاً متنحياً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً } قال : مكاناً أظلتها الشمس أن يراها أحد منهم .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : إنما اتخذت النصارى المشرق قبلةً ، لأن مريم اتخذت من أهلها مكاناً شرقياً ، فاتخذوا ميلاده قبلة ، وإنما سجدت اليهود على حرف ، حين نتق فوقهم الجبل ، فجعلوا يتخوفون وهم ينظرون إليه ، يتخوفون أن يقع عليهم ، فسجدوا سجدة رضيها الله فاتخذوها سنة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : إن أهل الكتاب ، كتب عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه ، وما صرفهم عنه إلا قول ربك : { فانتبذت من أهلها مكاناً شرقياً } قال : خرجت منهم مكاناً شرقياً ، فصلوا قبل مطلع الشمس .
وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما بلغت مريم ، فإذا هي في بيتها منفصلة ، إذ دخل عليها رجل بغير إذن ، فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت : { إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } قال : { إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكياً } قالت : { أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً } قال : { كذلك قال ربك } فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول : { أنى يكون لي غلام } وتغفلها جبريل ، فنفخ في جيب درعها ، ونهض عنها ، واستمر بها حملها ، فقالت : إن خرجت نحو المغرب ، فالقوم يصلون نحو المغرب ، ولكن أخرج نحو المشرق ، حيث لا يراني أحد ، فخرجت نحو المشرق ، فبينما هي تمشي ، إذ جاءها المخاض ، فنظرت هل تجد شيئاً تستتر به؟ فلم تر إلا جذع النخلة ، فقال : أستتر بهذا الجذع من الناس . وكان تحت الجذع نهر يجري ، فانضمت إلى النخلة ، فلما وضعته ، خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجداً لوجهه . وفزع إبليس ، فخرج فصعد فلم ير شيئاً ينكره ، وأتى المشرق فلم ير شيئاً ينكره ، وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر ، فلم ير شيئاً ينكره . فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة ، فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته ، وإذا بالملائكة قد أحدقوا بهَا ، وبابنها وبالنخلة فقال : ههنا حدث الأمر ، فمال إليهم فقال : أي شيء هذا الذي حدث؟ فكلمته الملائكة فقالوا : نبي ولد بغير ذكر . قال : أما والله لأضِلَّنَ به أكثر العالمين . أضل اليهود فكفروا به ، وأضل النصارى فقالوا : هو ابن الله . قال : وناداها ملك من تحتها { قد جعل ربك تحتك سرياً } قال إبليس : ما حملت أنثى إلا بعلمي ، ولا وضعته إلا على كفي ، ليس هذا الغلام! لم أعلم به حين حملته أمه ، ولم أعلم به حين وضعته .(6/449)
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس وعن مرة بن مسعود - رضي الله عنهما - قالا : خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيض أصابها ، فلما طهرت إذ هي برجل معها { فتمثل لها بشراً } ففزعت ، وقال : { إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } فخرجت وعليها جلبابها فأخذ بكمها ، فنفخ في جيب درعها ، - وكان مشقوقاً من قدامها - فدخلت النفخة صدرها ، فحملت فأتتها أختها امرأة زكريا ليلة تزورها ، فلما فتحت لها الباب التزمتها ، فقالت امرأة زكريا : يا مريم ، أشعرت أني حبلى . قالت مريم : أشعرت أيضاً أني حبلى ، فقالت امرأة زكريا : فإني وجدت ما في بطني يسجد للذي في بطنك . فذاك قوله : { مصدقاً بكلمة من الله } فولدت امرأة زكريا يحيى . ولما بلغ أن تضع مريم خرجت إلى جانب المحراب { فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ، قالت يا ليتني مت قبل هذا } الآية { فناداها } جبريل { من تحتها ألاَّ تحزني } فلما ولدته ذهب الشيطان فأخبر بني إسرائيل : إن مريم ولدت ، فلما أرادوها على الكلام ، أشارت إلى عيسى فتكلم فقال : { إني عبد الله آتاني الكتاب } الآيات . فلما ولد لم يبق في الأرض صنم إلا خرَّ لوجهه .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر ، عن الضحاك رضي الله عنه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { واذكر في الكتاب مريم } يقول : قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب { إذ انتبذت } يعني خرجت { من أهلها مكاناً شرقياً } قال : كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق { فاتخذت من دونهم حجاباً } وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة ، ويبشرها بعيسى ، وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت ، وجعلت بينها وبين قومها { حجاباً } يعني جبلاً فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس { فأرسلنا إليها روحنا } يعني جبريل { فتمثل لها بشراً } في صورة الآدميين { سوياً } يعني معتدلاً شاباً أبيض الوجه جعداً قططاً حين اخضر شاربه ، فلما نظرت إليه قائماً بين يديها { قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل ، وكان من خدم بيت المقدس ، فخافت أن يكون الشيطان قد استزله ، فمن ثم قالت : { إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } يعني إن كنت تخاف الله . قال جبريل : وتبسم { إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً } يعني لله مطيعاً من غير بشر . { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر } يعني زوجاً { ولم أك بغياً } أي مومسة .(6/450)
قال جبريل : { كذلك } يعني هكذا { قال ربك هو على هين } يعني خلقه من غير بشر . { ولنجعله آية للناس } يعني عبرة ، والناس هنا للمؤمنين خاصة ، ورحمة لمن صدق بأنه رسول الله . { وكان أمراً مقضياً } يعني كائناً أن يكون من غير بشر . فدنا جبريل فنفخ في جيبها ، فدخلت النفخة جوفها ، فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة ، ووضعته كما تضع النساء ، فأصابها العطش ، فأجرى الله لها جدولاً من الأردن ، فذلك قوله : { قد جعل ربك من تحتك سرياً } والسري ، الجدول . وحمل الجذع من ساعته { رطباً جنياً } فناداها من تحتها جبريل { هزي إليك بجذع النخلة } لم يكن على رأسها سقف ، وكانت قد يبست منذ دهر طويل ، فأحياها الله لها وحملت ، فذلك قوله : { تساقط عليك رطباً جنياً } يعني طرياً بغباره { فكلي } من الرطب { واشربي } من الجدول { وقري عيناً } بولدك . فقال : فكيف بي إذا سألوني من أين هذا؟ . . قال لها جبريل : { فإما ترين } يعني فإذا رأيت { من البشر أحداً } فأعنتك في أمرك { فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } يعني صمتاً في أمر عيسى { فلن أكلم اليوم إنسياً } في أمره . حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه . قال : ففقدوا مريم من محرابها ، فسألوا يوسف ، فقال : لا علم لي بها ، وأن مفتاح محرابها مع زكريا . فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه ، فاتهموه فأخذوه ووبخوه ، فقال رجل : إني رأيتها في موضع كذا ، فخرجوا في طلبها ، فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته ، فانطلقوا إليه فذلك قول الله : { فأتت به قومها تحمله } قال ابن عباس : لما رأت بأن قومها قد أقبلوا إليها ، احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به ، فذلك قوله : { فأتت به قومها تحمله } أي لا تخاف ريبة ولا تهمة ، فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته ، وجعل التراب على رأسه ، وإخوتها وآل زكريا { فقالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً } يعني عظيماً { يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً } يعني زانية . فأنَّى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالحة؟! { فأشارت إليه } تقول لهم : أن كلموه ، فإنه سيخبركم { فإني نذرت للرحمن صوماً } أن لا أكلمكم في أمره ، فإنه سيعبر عني ، فيكون لكم آية وعبرة { قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً } يعني من هو في الخرق طفلاً لا ينطق ، فأنطقه الله فعبر عن أمه ، وكان عبرة لهم فقال : { إني عبد الله } فلما أن قالها ، ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين ، فكان أول من صدق به فقال : إني أشهد أنك عبد الله ورسوله . لتصديق قول الله : { ومصدقاً بكلمة من الله } فقال عيسى : { آتاني الكتاب وجعلني نبياً } إليكم { وجعلني مباركاً أينما كنت } قال ابن عباس - رضي الله عنهما : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(6/451)
« البركة التي جعلها الله لعيسى ، أنه كان معلماً مؤدباً حيثما توجه » { وأوصاني بالصلاة والزكاة } يعني وأمرني { وبراً بوالدتي } فلا أعقها . قال ابن عباس حين قال : { وبراً بوالدتي } قال : زكريا : الله أكبر! فأخذه فضمه إلى صدره ، فعلموا أنه خلق من غير بشر { ولم يجعلني جباراً شقياً } يعني متعظماً سفاكاً للدم . { والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً } يقول الله : { ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون } يعني يشكون بقوله لليهود ، ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس .
وأخرج ابن أبي شيبة . عن أبي حاتم ، وأبو نعيم ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : قالت مريم : كنت إذا خلوت حدثني عيسى وكلمني وهو في بطني ، وإذا كنت مع الناس سبح في بطني وكبر وأنا أسمع .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : حين حملت وضعت .
وأخرج ابن عساكر ، عن الحسن رضي الله عنه قال : بلغني أن مريم حملت لسبع أو تسع ساعات ، ووضعته من يومها .
وأخرج ابن عساكر من طريق عكرمة رضي الله عنه ، عن ابن عباس قال : وضعت مريم لثمانية أشهر ، ولذلك لا يولد مولود لثمانية أشهر إلا مات لئلا تسب مريم بعيسى .
وأخرج الحاكم ، عن زيد العمى قال : ولد عيسى يوما عاشوراء .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، عن نوف قال : كانت مريم عليها السلام فتاة بتولاً ، وكان زكريا زوج أختها كفلها فكانت معه ، فكان يدخل عليه يسلم عليها ، فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء ، فدخل عليها زكريا مرة ، فقربت إليه بعض ما كانت تقرب { قال يا مريم أنى لك هذا ، قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، هنالك دعا زكريا ربه } [ آل عمران : 38 - 39 ] إلى قوله : { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمراً } [ آل عمران : 42 ] { سوياً } صحيحاً . { فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم } كتب لهم { أن سبحوا بكرة وعشياً } قال : فبينما هي جالسة في منزلها ، إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب ، فلما أن رأته قالت : { إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } قال فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل عليه السلام قال : { إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً } إلى قوله : { وكان أمراً مقضياً } فنفخ في جيبها جبريل ، فحملت حتى إذا أثقلت وجعت ما يجع النساء ، وكانت في بيت النبوة ، فاستحيت وهربت حياء من قومها ، فأخذت نحو المشرق ، وأخذ قومها في طلبها ، فجعلوا يسألون رأيتم فتاة كذا وكذا؟ فلا يخبرهم أحد . وأخذها { المخاض إلى جذع النخلة } فتساندت إلى النخلة قالت : { يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً } قال : حيضة من حيضة { فناداها من تحتها } قال : جبريل من أقصى الوادي { ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً } قال : جدولاً { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً } فلما قال لها جبريل : اشتد ظهرها وطابت نفسها ، فقطعت سرته ولفته في خرقة وحملته ، فلقي قومها راعي بقر ، وهم في طلبها .(6/452)
قالوا : يا راعي ، هل رأيت فتاة كذا وكذا؟ قال : لا ولكن رأيت الليلة من بقري شيئاً لم أره منها قط فيما خلا! قال : رأيتها باتت سجداً نحو هذا الوادي ، فانطلقوا حيث وصف لهم ، فلما رأتهم مريم جلست وجعلت ترضع عيسى ، فجاؤوا حتى وقفوا عليها { فقالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً } قال : أمراً عظيماً { فأشارت إليه } أن كلموه ، فعجبوا منها : قالوا : { كيف نكلم من كان في المهد صبياً } { قال إني عبد الله آتاني الكتاب } والمهد حجرها ، فلما قالوا ذلك : ترك عيسى ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم { قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً } { وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً ، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً } قال : واختلف الناس فيه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعمر بن الخطاب لم أستحب النصارى الحجب على مذابحهم؟ قال : إنما يستحب النصارى الحجب على مذابحهم ومناسكهم ، لقول الله سبحانه وتعالى : { فاتخذت من دونهم حجاباً } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله : { فأرسلنا إليها روحنا } قال : بعث الله إليها ملكاً فنفخ في جيبها ، فدخل في الفرج .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { فأرسلنا إليها روحنا } قال : جبريل .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير في قوله : { فأرسلنا إليها روحنا } الآية قال : نفخ جبريل في درعها ، فبلغت حيث شاء الله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عطاء بن يسار : إن جبريل أتاها في صورة رجل فكشف الحجاب ، فلما رأته تعوذت منه ، فنفخ في جيب درعها فبلغت ، فذكر ذلك في المدينة ، فهجر زكريا وترك ، وكان قبل ذلك يستفتى ويأتيه الناس ، حتى إن كان ليسلم على الرجل فما يكلمه .
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أبي بن كعب في قوله : { فتمثل لها بشراً سوياً } قال : تمثل لها روح عيسى في صورة بشر فحملته . قال : حملت الذي خاطبها ، دخل في فيها .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي وائل في قوله : { قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } قال : لقد علمت مريم أن التقي ذو نهية .(6/453)
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله : { قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً } قال : إنما خشيت أن يكون إنما يريدها عن نفسها . { قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً } زعموا أنه نفخ في جيب درعها وكمها .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم أنه قرأ { لأهب لك } مهموزة بالألف ، وفي قراءة عبد الله « ليهب لك » بالياء .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { غلاماً زكياً } قال : صالحاً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { ولم أك بغياً } قال زانية .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله : { مكاناً قصياً } قال نائياً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { مكاناً قصياً } قال : قاصياً وفي قوله : { فأجاءها المخاض } قال : ألجأها .
وأخرج الطستي ، عن ابن عباس : أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل : { فأجاءها المخاض } قال : ألجأها قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت حسان بن ثابت وهو يقول :
إذا شددنا شدة صادقة ... فأجأناكم إلى سفح الجبل
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { فأجاءها المخاض } قال : اضطرها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله : { فأجاءها المخاض } قال فأداها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة } قال : كان جذعاً يابساً .
وأخرج عبد بن حميد من طريق هلال بن خباب ، عن أبي عبيد الله { فأجاءها المخاض إلى جذع } نخلة يابسة قد جيء به ليبنى به بيت يقال له بيت لحم ، فحركته فإذا هو نخلة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي قدامة قال : أنبت لمريم نخلة ، تعلق بها كما تعلق المرأة بالمرأة عند الولادة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : { وكنت نسياً منسياً } قال : لم أخلق ولم أك شيئاً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عكرمة في قوله : { وكنت نسياً منسياً } قال : حيضة ملقاة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { وكنت نسياً منسياً } قال : حيضة .
وأخرج عبد بن حميد ، عن نوف البكالي ، عن الضحاك في قوله : { وكنت نسياً منسياً } قال حيضة ملقاة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وكنت نسياً منسياً } قال : تقول لا أعرف ولا أدري من أنا .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله : { وكنت نسياً منسياً } قال : هو السقط والله تعالى أعلم بالصواب .(6/454)
وأخرج أبو عبيد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن علقمة أنه قرأ « فخاطبها من تحتها » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { فناداها من تحتها } قال : جبريل ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة ، قال الذي ناداها هو جبريل .
وأخرج عبد بن حميد ، عن الضحاك وعمرو بن ميمون مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن البراء { فناداها من تحتها } قال : ملك .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { فناداها من تحتها } قال : جبريل من أسفل الوادي .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { فناداها من تحتها } قال : عيسى .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن { فناداها من تحتها } قال : هو عيسى .
واخرج ابن المنذر ، عن أبي بن كعب قال الذي خاطبها : هو الذي حملته في جوفها ، دخل من فيها .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر ، عن زر بن حبيش أنه قرأ { فناداها من تحتها } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة { فناداها من تحتها } أي الملك من تحت النخلة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن قال : من قرأ من تحتها فهو جبريل ، ومن قرأ من تحتها ، فهو عيسى .
وأخرج عبد بن حميد ، عن أبي بكر بن عياش قال : قرأ عاصم بن أبي النجود { فناداها من تحتها } بالنصب قال : وقال عاصم : من قرأ بالنصب فهو عيسى ، ومن قرأها بالخفض ، فهو جبريل .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : { جعل ربك تحتك سرياً } قال : نبياً وهو عيسى .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن جرير بن حازم قال : سألني محمد بن عباد بن جعفر ما يقول أصحابكم في قوله؟ { قد جعل ربك تحتك سرياً } قال : فقلت له : سمعت قتادة يقول : الجدول . قال : فأخبر قتادة عني فإنما نزل القرآن بلغتنا إنه الرجل السري .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : { قد جعل ربك تحتك سرياً } يريد نفسه أي سرى أسرى منه ، قيل فالذين يقولون السري البحر قال : ليس كذلك لو كان كذلك لكان يكون إلى جنبها ولا يكون النهر تحتها .
وأخرج الطبراني وابن مردويه وابن النجار ، عن ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن السري الذي قال الله لمريم : { قد جعل ربك تحتك سرياً } نهر ، أخرجه الله لها لتشرب منه » .
وأخرج الطبراني في الصغير وابن مردويه ، عن البراء بن عازب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :(6/455)
« { قد جعل ربك تحتك سرياً } قال : النهر » .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن البراء في قوله : { قد جعل ربك تحتك سرياً } قال : هو الجدول ، وهو النهر الصغير .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { قد جعل ربك تحتك سرياً } قال : نهر عيسى .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن عثمان بن محصن قال : سئل ابن عباس عن قوله : { سرياً } قال : الجدول . أما سمعت قول الشاعر وهو يقول :
سلم تر الدالي منه أزورا ... إذا يعج في السري هرهرا
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والطستي ، عن ابن عباس : أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل : { تحتك سرياً } قال : السري النهر الصغير ، وهو الجدول . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت قول الشاعر :
سهل الخليقة ماجد ذو نائل ... مثل السريّ تمده الأنهار
وأخرج عبد بن حميد ، عن الضحاك في قوله : { سريا } قال : الجدول .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عمرو بن ميمون وإبراهيم النخعي مثله .
وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة أن الحسن تلا هذه الآية ، وإلى جنبه حميد بن عبد الرحمن الحميري { قد جعل ربك تحتك سرياً } قال : إن كان لسريا ، وإن كان لكريماً فقال حميد : يا أبا سعيد ، إنه الجدول فقال له : لم تزل تعجبنا مجالستك ، ولكن غلبتنا عليك الأمراء .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة قال : السري الماء .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { سرياً } قال : نهراً بالسريانية .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { سرياً } قال نهراً بالقبطية .
وأخرج ابن عساكر ، عن سفيان بن حسين في قوله : { قد جعل ربك تحتك سرياً } قال : تلاها الحسن فقال : كان والله { سرياً } يعني عيسى - عليه السلام - فقال له خالد بن صفوان : يا أبا سعيد ، إن العرب تسمي الجدول السري ، فقال : صدقت .(6/456)
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : { وهزي إليك بجذع النخلة } قال : حركيها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف ، عن مجاهد { وهزي إليك بجذع النخلة } قال : كانت عجوة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ، عن البراء أنه قرأ « يساقط عليك » بالياء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قرأ « يساقط عليك » بالياء يعني الجذع .
وأخرج عبد بن حميد ، عن مسروق أنه قرأ { تساقط عليك رطباً جنياً } بالتاء .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم أنه قرأ { تساقط } مثقلة بالتاء .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، عن طلحة الإيابي أنه قرأ { تساقط عليك رطباً } مثقلة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي نهيك أنه قرأ « تسقط عليك رطباً » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { رطباً جنياً } قال : طرياً .
وأخرج الخطيب في تالي التلخيص ، عن ابن عباس في قوله : { تساقط عليك رطباً جنياً } قال : بغباره .
وأخرج ابن الأنباري والخطيب ، عن أبي حباب مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي روق قال : انتهت مريم إلى جذع ليس له رأس ، فأنبت الله له رأساً ، وأنبت فيه رطباً وبسراً ومدبباً وموزاً ، فلما هزت النخلة ، سقط عليها من جميع ما فيها .
وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد ، عن أبي قدام قال : أنبتت لمريم نخلة تعلق بها كما تعلق المرأة عند الولادة .
وأخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم معاً في الطب النبوي والعقيلي وابن عدي وابن مردويه وابن عساكر ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام ، وليس من الشجر شجرة تلقح غيرها » وقال صلى الله عليه وسلم : « أطعموا نساءكم الولَّد الرطب ، فإن لم يكن رطب ، فتمر فليس من الشجر شجرة أكرم من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران » .
وأخرج ابن عساكر ، عن أبي سعيد الخدري قال : « سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مماذا خلقت النخلة؟ قال : » خلقت النخلة والرمان والعنب من فضل طينة آدم عليه السلام « » .
وأخرج ابن عساكر ، عن سلمة بن قيس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أطعموا نساءكم في نفاسهن التمر ، فإنه من كان طعامها في نفاسها التمر : خرج ولدها ولداً حليماً ، فإنه كان طعام مريم ، حيث ولدت عيسى ، ولو علم الله طعاماً هو خير لها من التمر لأطعمها إياه » .
وأخرج عبد بن حميد ، عن شقيق قال : لو علم الله أن شيئاً للنفساء خير من الرطب لأمر مريم به .(6/457)
وأخرج عبد بن حميد ، عن عمرو بن ميمون قال ، ليس للنفساء خير من الرطب ، أو التمر وقال : إن الله قال : { وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً } .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن الربيع بن خيثم قال : ليس للنفساء عندي دواء مثل الرطب ، ولا للمريض مثل العسل .
وأخرج ابن عساكر ، عن الشعبي قال : كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب أن رسلاً أتتني من قبلك ، فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليقة لشيء من الخير! تخرج مثل أذان الحمير ، ثم تشقق عن مثل اللؤلؤ الأبيض ، ثم تصير مثل الزمرد الأخضر ، ثم تصير مثل الياقوت الأحمر ، ثم تينع وتنضج فتكون كأطيب فالوذج أكل ، ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم ، وزاداً للمسافر ، فإن لم تكن رسلي صدقتني ، فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة ، فكتب إليه عمر أن رسلك قد صدقتك ، هذه الشجرة عندنا : وهي التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى .(6/458)
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)
أخرج ابن مردويه وابن المنذر وابن عساكر ، عن ابن عباس في قوله : { إني نذرت للرحمن صوماً } قال : صمتاً .
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي مثله .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه ، عن أنس بن مالك أنه كان يقرأ { إني نذرت للرحمن صوماً } صمتاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأها { إني نذرت للرحمن صوماً } صمتاً وقال : ليس إلا أن حملت فوضعت .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : { إني نذرت للرحمن صوماً } قال : كان من بني إسرائيل من إذا اجتهد صام من الكلام ، كما يصوم من الطعام ، إلا من ذكر الله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن حارثة بن مضرب قال : كنت عند ابن مسعود فجاء رجلان ، فسلم أحدهما ، ولم يسلم الآخر ، ثم جلسا . فقال القوم : ما لصاحبك لم يسلم؟ قال : إنه نذر صوماً لا يكلم اليوم إنسياً . فقال عبد الله : بئس ما قلت! إنما كانت تلك المرأة ، فقالت ذلك ، ليكون عذراً لها إذا سئلت؟ - وكانوا ينكرون أن يكون ولد من غير زوج إلا زنا - فتكلم وأمر بالمعروف وإنه عن المنكر فإنه خير لك .
وأخرج ابن الأنباري ، عن الشعبي قال : في قراءة أبي بن كعب { إني نذرت للرحمن صوماً } صمتاً .(6/459)
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
أخرج سعيد بن منصور وابن عساكر ، عن ابن عباس في قوله : { فأتت به قومها تحمله } قال : بعد أربعين يوماً بعد ما تعافت من نفاسها .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { لقد جئت شيئاً فرياً } قال : عظيماً .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، عن قتادة في قوله : { لقد جئت شيئاً فرياً } قال : عظيماً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن عبد العزيز قال : كان في زمان بني إسرائيل في بيت المقدس عند عين سلوان عين ، فكانت المرأة إذا قارفت ، أتوها بها فشربت منها ، فإن كانت بريئة لم تضرها ، وإلا ماتت . فلما حملت مريم أتوها بها على بغلة فعثرت بها ، فدعت الله أن يعقم رحمها ، فعقم من يومئذ ، فلما أتتها شربت منها فلم تزدد إلا خيراً ، ثم دعت الله أن لا يفضح بها امرأة مؤمنة ، فغارت العين .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، « عن المغيرة بن شعبة قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران فقالوا : أرأيت ما تقرأون؟ يا أخت هارون ، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا : قال : فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : » ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم « » .
وأخرج الخطيب وابن عساكر ، عن مجاهد في قوله : { يا أخت هارون } الآية . قال كانت من أهل بيت يعرفون بالصلاح ، ولا يعرفون بالفساد في الناس ، وفي الناس من يعرف بالصلاح ويتوالدون به ، وآخرون يعرفون بالفساد ويتوالدون به ، وكان هارون مصلحاً محبباً في عشيرته ، وليس بهرون أخي موسى ، ولكن هرون آخر . ذكر لنا أنه تبع جنازته يوم مات أربعون ألفاً من بني إسرائيل كلهم يسمون هرون .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سفيان في قوله : { يا أخت هارون } قال : سمعنا أنه اسم وافق اسماً .
واخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين قال : نبئت أن كعباً قال : إن قوله : { يا أخت هارون } ، ليس بهرون أخي موسى ، فقالت له عائشة : كذبت . فقال : يا أم المؤمنين ، إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله : فهو أعلم وأخبر ، وإلا ، فإني أجد بينهما ستمائة سنة ، فسكتت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة في قوله : { يا أخت هارون } قال : نسبت إلى هرون بن عمران لأنها كانت من سبطه ، كقولك يا أخا الأنصار .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي قال : كانت من سبط هرون ، فقيل لها : { يا أخت هارون } فدعيت إلى سبطه ، كالرجل يقول للرجل : يا أخا بني ليث يا أخا بني فلان .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { يا أخت هارون } قال : كان هرون من قوم سوء زناة فنسبوها إليهم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي بكر بن عيش قال : في قراءة أبي قالوا : يا ذا المهد .(6/460)
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)
أخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { فأشارت إليه } أن كلموه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { فأشارت إليه } قال : أمرتهم بكلامه . وفي قوله : { في المهد } قال في الحجر .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عمرو بن ميمون قال : إن مريم لما ولدت أتت به قومها ، فأخذوا لها الحجارة ليرموها ، فأشارت إليه فتكلم فتركوه .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة . قال : { المهد } المرباة . قال إبراهيم : المرباة ، المرجحة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن هلال بن يساف قال : لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : صاحب جريج ، وعيسى ، وصاحب الحبشية .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال : تكلم في المهد أربعة : عيسى ، وصاحب يوسف ، وصاحب جريج ، وابن ماشطة ابنة فرعون .(6/461)
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)
أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عكرمة في قوله : { قال إني عبد الله آتاني الكتاب } الآية . قال : قضى فيما قضى أن أكون كذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أنس قال : كان عيسى قد درس الإنجيل وأحكمه في بطن أمه . فذلك قوله : { إني عبد الله آتاني الكتاب } .
وأخرج الإسماعيلي في معجمه وأبو نعيم في الحلية وابن لال في مكارم الأخلاق وابن مردويه وابن النجار في تاريخه ، عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « قول عيسى عليه السلام { وجعلني مباركاً أين ما كنت } قال : جعلني نفاعاً للناس أين اتجهت » .
وأخرج ابن عدي وابن عساكر ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { وجعلني مباركاً أين ما كنت } قال : معلماً ومؤدباً .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وجعلني مباركاً أين ما كنت } قال : معلماً للخير .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : الذي يعلم الناس الخير يستغفر له كل دابة حتى الحوت في البحر .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { وجعلني مباركاً } قال : هادياً مهدياً .
وأخرج البيهقي في الشعب وابن عساكر ، عن مجاهد { وجعلني مباركاً } قال : نفاعاً للناس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن نوف ( وبراً بوالدتي ) أي ليس لي أب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { ولم يجعلني جباراً شقياً } يقول : عصياً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان قال : الجبار الشقي الذي يُقبلُ على الغضب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن العوام بن حوشب قال : إنك لا تكاد تجد عاقاً ، إلا تجده جباراً ، ثم قرأ { وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال : فقرات ابن آدم ثلاث : يوم ولد ، ويوم يموت ، ويوم يبعث ، وهي التي ذكر عيسى في قوله : { والسلام عليّ } الآية .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق مجاهد ، عن ابن عباس قال : ما تكلم عيسى بعد الآيات التي تكلم بها حتى بلغ مبلغ الصبيان .
وأخرج ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ، أن الله أطلق لسان عيسى مرة أخرى في صباه ، فتكلم ثلاث مرات ، حتى بلغ ما يبلغ الصبيان يتكلمون ، فتكلم محمداً بتحميد لم تسمع الآذان بمثله ، حيث أنطقه طفلاً ، فقال : اللهم أنت القريب في علوك ، المتعالي في دنوك ، الرفيع على كل شيء من خلقك ، أنت الذي نفذ بصرك في خلقك ، وحارت الأبصار دون النظر إليك ، أنت الذي أشرقت بضوء نورك دجى الظلام ، وتلألأت بعظمتك أركان العرش نوراً ، فلم يبلغ أحد بصفته صفتك ، فتباركت اللهم خالق الخلق بعزتك ، مقدر الأمور بحكمتك مبتدئ الخلق بعظمتك ثم أمسك الله لسانه حتى بلغ .(6/462)
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { ذلك عيسى ابن مريم قول الحق } قال : الله عز وجل ، الحق .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { الذي فيه يمترون } قال : اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر ، أخرج من كل قوم عالمهم فتشاوروا في عيسى حين رُفِعَ ، فقال أحدهم : هو الله هبط إلى الأرض فأحيى من أحيى وأمات من أمات ، ثم صعد إلى السماء ، وهم اليعقوبية فقالت الثلاثة : كذبت . ثم قال اثنان منهم للثالث : قل فيه . فقال : هو ابن الله ، وهم النسطورية . فقال اثنان : كذبت . ثم قال أحد الإثنين للآخر : قل فيه . قال : هو ثالث ثلاثة : الله إله ، وعيسى إله ، وأمه إله . وهم الإسرائيلية وهم ملوك النصارى . فقال الرابع : كذبت . . هو عبد الله ورسوله وروحه من كلمته ، وهم المسلمون ، فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قال ، فاقتتلوا فظهر على المسلمين . فذلك قول الله { ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس } [ آل عمران : 21 ] قال قتادة : وهم الذين قال الله { فاختلف الأحزاب من بينهم } قال : اختلفوا فيه فصاروا أحزاباً ، فاختلف القوم ، فقال المرء المسلم : أنشدكم . . . هل تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام ، وأن الله لا يطعم الطعام؟ قالوا : اللهم نعم . قال : فهل تعلمون أن عيسى كان ينام ، وأن الله لا ينام؟ قالوا : اللهم نعم . فخصمهم المسلمون فانسل القوم ، فذكر لنا أن اليعقوبية ظهرت يومئذ ، وأصيب المسلمون ، فأنزل الله في ذلك القرآن { فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم } [ مريم : 37 ] .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { فاختلف الأحزاب من بينهم } قال : هم أهل الكتاب .(6/463)
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { أسمع بهم وأبصر } يقول الكفار يومئذ أسمع شيء وأبصره ، وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة في قوله : { أسمع بهم وأبصر } قال : اسمع قوم وأبصر قوم { يوم يأتوننا } قال : ذلك والله يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي حاتم في قوله : { أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا } قال : والله ذلك يوم القيامة ، سمعوا حين لم ينفعهم السمع ، وأبصروا حين لم ينفعهم البصر .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « » إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ ، فيشرفون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه ، ثم يقال يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ ، فيشرفون وينظرون ويقولون : نعم هذا الموت وكلهم قد رآه ، فيؤمر به فيذبح ، فيقال : يا أهل الجنة خلود بلا موت ، ويا أهل النار خلود بلا موت « ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة } وأشار بيده وقال : » أهل الدنيا في غفلة « » .
وأخرج النسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وأنذرهم يوم الحسرة } قال : ينادى يا أهل الجنة ، فيشرفون ، وينادى يا أهل النار ، فيشرفون وينظرون ، فيقال : ما تعرفون هذا؟ فيقولون : نعم ، فيجاء بالموت في صورة كبش أملح ، فيقال : هذا الموت فيقرب ويذبح ، ثم يقال : يا أهل الجنة ، خلود لا موت ، ويا أهل النار ، خلود ولا موت ، ثم قرأ { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر } .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وأنذرهم يوم الحسرة } قال : يصوّر الله الموت في صورة كبش أملح ، فيذبح فييأس أهل النار من الموت فيما يرجونه ، فتأخذهم الحسرة من أجل الخلود في النار .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله : { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر } قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، يأتي الموت في صورة كبش أملح حتى يوقف بين الجنة والنار ، ثم ينادي مناد يا أهل الجنة ، هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ، ولا يبقى أحد في عليين ولا في أسفل درجة من الجنة إلا نظر إليه ، ثم ينادي يا أهل النار ، هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ، فلا يبقى أحد في ضحضاح من النار ولا أسفل درك من جهنم إلا نظر إليه ، ثم يذبح بين الجنة والنار ، ثم ينادي يا أهل الجنة ، هو الخلود أبد الآبدين .(6/464)
ويا أهل النار هو الخلود أبد الآبدين ، فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتاً من فرحة ماتوا ، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتاً من شهقة ماتوا ، فذلك قوله : { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر } يقول : إذا ذبح الموت .
وأخرج ابن جرير من طريق علي ، عن ابن عباس يوم الحسرة ، هو من أسماء يوم القيامة . وقرأ { أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله } [ الزمر : 56 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز : أنه كتب إلى عامله بالكوفة ، أما بعد : فإن الله كتب على خلقه حين خلقهم الموت ، فجعل مصيرهم إليه ، فقال : فيما أنزل في كتابه الصادق الذي أنزله بعلمه ، وأشهد ملائكته على خلقه أنه يرث الأرض ومن عليها وإليه يرجعون .(6/465)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)
أخرج أبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « حق الوالد على ولده أن لا يسميه إلا بما سمى إبراهيم أباه يا أبت ولا يسميه باسمه » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { لأرجمنك } قال : لأشتمنك { واهجرني ملياً } قال : حيناً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { واهجرني ملياً } قال : اجتنبني سالماً قبل أن يصيبك مني عقوبة .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة مثله .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن قتادة في قوله : { واهجرني ملياً } قال : سالماً .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { واهجرني ملياً } قال : حيناً .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف ، عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله : { واهجرني ملياً } ما الملي؟ قال : طويلاً ، قال فيه المهلهل :
وتصدعت شم الجبال لموته ... وبكت عليه المرملات ملياً
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله : { إنه كان بي حفياً } قال : لطيفاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { إنه كان بي حفياً } قال : عوده الإجابة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { ووهبنا له إسحق ويعقوب } قال : يقول وهبنا له إسحق ولداً ، ويعقوب ابن ابنه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وجعلنا لهم لسان صدق علياً } قال الثناء الحسن .(6/466)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)
أخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { إنه كان مخلصاً } بنصب اللام .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وكان رسولاً نبياً } قال : النبي وحده الذي تكلم ، وينزل عليه ولا يرسل ، ولفظ ابن أبي حاتم الأنبياء الذين ليسوا برسل يوحى إلى أحدهم ، ولا يرسل إلى أحدهم ، والرسل الأنبياء الذين يوحى إليهم ويرسلون .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { جانب الطور الأيمن } قال : جانب الجبل الأيمن { وقربناه نجيا } قال : نجا بصدقه .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية في قوله : { وقربناه نجياً } قال : قربه حتى سمع صرير القلم .
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن ميسرة { وقربناه نجياً } قال : أدني حتى سمع صرير القلم في الألواح وهو يكتب التوراة .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير { وقربناه نجياً } قال : أردفه جبريل ، حتى سمع صرير القلم والتوراة تكتب له .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي { وقربناه نجياً } قال : ادخل في السماء فكلم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن مجاهد في قوله : { وقربناه نجياً } قال بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب ، حجاب نور وحجاب ظلمة ، حجاب نور وحجاب ظلمة ، حجاب نور وحجاب ظلمة ، فما زال موسى يقرب حتى كان بينه وبينه حجاب ، فلما رأى مكانه وسمع صريف القلم { قال رب أرني أنظر إليك } [ الأعراف : 143 ] .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وهناد في الزهد ، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس { وقربناه نجياً } حتى سمع صريف القلم يكتب في اللوح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن معد يكرب قال : لما قرب الله موسى نجياً بطور سينا قال : يا موسى ، إذا خلقت لك قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة تعين على الخير ، فلم أخزن عنك من الخير شيئاً ، ومن أخزن عنه هذا ، فلم أفتح له من الخير شيئاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً } قال : كان هرون أكبر من موسى ولكن إنما وهب له نبوّته .(6/467)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)
أخرج الحاكم من طريق سمرة عن كعب قال : كان إسماعيل نبي الله الذي سماه صادق الوعد ، وكان رجلاً فيه حدة مجاهداً أعداء الله ، ويعطيه الله النصر عليهم ، والظفر ، وكان شديد الحرب على الكفار ، لا يخاف في الله لومة لائم ، صغير الرأس ، غليظ العنق ، طويل اليدين والرجلين ، يضرب بيديه ركبتيه وهو قائم ، صغير العينين ، طويل الأنف ، عريض الكتف ، طويل الأصابع ، بارز الخلق ، قوي شديد عنيف على الكفار ، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة ، وكانت زكاته القربات إلى الله من أموالهم ، وكان لا يعد أحداً شيئاً إلا أنجزه ، فسماه الله { صادق الوعد } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج { إنه كان صادق الوعد } قال : لم يعد ربه عدة قط إلا أنفذها .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سفيان الثوري قال : بلغني أن إسماعيل وصاحباً له أتيا قرية ، فقال له صاحبه : إما أن أجلس وتدخل فتشتري طعاماً زادنا ، وإما أن أدخل فاكفيك ذلك ، فقال له إسماعيل : بل ادخل أنت وأنا أجلس أنتظرك ، فدخل ثم نسي فخرج ، فأقام مكانه حتى كان الحول من ذلك اليوم ، فمر به الرجل ، فقال له : أنت ههنا حتى الساعة؟ قال : قلت لك لا أبرح حتى تجيء ، فقال تعالى : { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد } .
وأخرج ابن جرير ، عن سهل بن سعد قال : أن إسماعيل عليه السلام وعد رجلاً أن يأتيه ، فجاء ونسي الرجل ، فظل به إسماعيل ، وبات حتى جاء الرجل من الغد ، فقال : ما برحت من ههنا؟ قال : لا ، قال : إني نسيت ، قال : لم أكن لأبرح حتى تأتيني . ولذلك { كان صادق الوعد } .
وأخرج مسلم عن واثلة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة » .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أنا سيد الخلائق يوم القيامة في اثني عشر نبياً منهم إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب » .
وأخرج الحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال : أول من نطق بالعربية ووضع الكتاب على لفظه ومنطقه ثم جعله كتاباً واحداً - مثل بسم الله الرحمن الرحيم - الوصول - حتى فرق بينه ولده إسماعيل .
وأخرج ابن سعد ، عن عقبة بن بشير ، أنه سأل محمد بن علي من أول من تكلم بالعربية؟ قال : إسماعيل بن إبراهيم ، وهو ابن ثلاثة عشرة سنة . قلت : فما كان كلام الناس قبل ذلك؟ قال العبرانية .
وأخرج ابن سعد ، عن الواقدي ، عن غير واحد من أهل العلم ، أن إسماعيل ألهم من يوم ولد لسان العرب ، وولد إبراهيم أجمعون على لسان إبراهيم .
وأخرج ابن سعد ، عن علي بن رباح اللخمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كل العرب من ولد إسماعيل » .
وأخرج ابن سعد ، عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة قال : قبر أم إسماعيل تحت الميزاب ، بين الركن والبيت .(6/468)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)
أخرج الحكم عن سمرة قال : كان إدريس أبيض طويلاً ضخم البطن عريض الصدر قليل شعر الجسد كثير شعر الرأس ، وكانت إحدى عينيه أعظم من الأخرى ، وكانت في صدره نكتة بيضاء من غير برص ، فلما رأى الله من أهل الأرض ما رأى من جورهم واعتدائهم في أمر الله ، رفعه الله إلى السماء السادسة ، فهو حيث يقول { ورفعناه مكاناً علياً } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أن إدريس أقدم من نوح ، بعثه الله إلى قومه ، فأمرهم الله أن يقولوا لا إله إلا الله ، ويعملوا بما شاء ، فأبوا ، فأهلكهم الله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { ورفعناه مكاناً علياً } قال : كان إدريس خياطاً . وكان لا يغرز إلا قال : سبحان الله ، فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل منه عملاً ، فاستأذن ملك من الملائكة ربه ، فقال يا رب ائذن لي فاهبط إلى إدريس . فأذن له ، فأتى إدريس فسلم عليه ، وقال : إني جئتك لأحدثك ، فقال : كيف تحدثني وأنت ملك وأنا إنسان ، ثم قال إدريس هل بينك وبين ملك الموت شيء؟ قال الملك : ذاك أخي من الملائكة ، فقال : هل يستطيع أن ينسئني عند الموت؟ قال : أما أن يؤخر شيئاً أو يُقّدِّمَهُ فلا ، ولكن سأكلمه لك ، فيرفق بك عند الموت ، فقال : اركب بين جناحي ، فركب إدريس ، فصعد إلى السماء العليا ، فلقي ملك الموت إدريس بين جناحيه ، فقال له الملك إن لي إليك حاجة ، قال : علمت حاجتك ، تكلمني في إدريس وقد محي اسمه من الصحيفة ، ولم يبق من أجله إلا نصف طرفة عين ، فمات إدريس بين جناحي الملك .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : سألت كعباً عن رفع إدريس { مكاناً علياً } فقال : كان عبداً تقياً رفع له من العمل الصالح ما رفع لأهل الأرض في زمانه ، فعجب الملك الذي كان يصعد عليه عمله ، فاستأذن ربه قال : رب ، ائذن لي آتي عبدك هذا فأزوره ، فأذن له ، فنزل قال : يا إدريس ، أبشرْ ، فإنه رفع لك من العمل الصالح ما لا رفع لأهل الأرض ، قال : وما علمك؟! قال إني ملك . قال : وإن كنت ملكاً؟ قال : فإني على الباب الذي يصعد عليه عملك . قال : أفلا تشفع إلى ملك الموت ، فيؤخر من أجلي لأزداد شكراً وعبادة؟ قال الملك : { لن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها } [ المنافقون : 11 ] قال : قد علمت ، ولكنه أطيب لنفسي ، فحمله الملك على جناحه ، فصعد به إلى السماء فقال : يا ملك الموت ، هذا عبد تقي ، نبي رفع له من العمل الصالح ما لا يرفع لأهل الأرض ، وإني أعجبني ذلك ، فاستأذنت ربي عليه ، فلما بشرته بذلك ، سألني لأشفع له إليك لتؤخر له من أجله؛ ليزداد شكراً وعبادة .(6/469)
قال : ومن هذا؟ قال : إدريس ، فنظر في كتاب معه حتى مر باسمه ، فقال : والله ما بقي من أجل إدريس شيء ، فمحاه ، فمات مكانه .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { ورفعناه مكاناً علياً } قال : رفع إلى السماء السادسة فمات فيها .
وأخرج الترمذي وصححه وابن المنذر وابن مردويه ، عن قتادة في قوله : { ورفعناه مكاناً علياً } قال : حدثنا أنس بن مالك ، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : « لما عرج بي رأيت إدريس في السماء الرابعة » .
وأخرج ابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم { ورفعناه مكاناً علياً } قال : في السماء الرابعة .
وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد رضي الله عنه ، والربيع مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في الآية قال : رفع إدريس كما رفع عيسى ولم يمت .
وأخرج ابن أبي حاتم بسند حسن ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إدريس هو إلياس .
وأخرج ابن المنذر ، عن عمر مولى غفرة يرفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن إدريس كان نبياً تقياً زكياً ، وكان يقسم دهره على نصفين : ثلاثة أيام يعلم الناس الخير ، وأربعة أيام يسيح في الأرض ، ويعبد الله مجتهداً . وكان يصعد من عمله وحده إلى السماء من الخير مثل ما يصعد من جميع أعمال بني آدم ، وإن ملك الموت أحبه في الله ، فأتاه حين خرج للسياحة فقال له : يا نبي الله ، إني أريد أن تأذن لي في صحبتك . فقال له إدريس - وهو لا يعرفه - إنك لن تقوى على صحبتي . قال : بلى ، إني أرجو أن يقويني الله على ذلك ، فخرج معه يومه ذلك حتى إذا كان من آخر النهار مر براعي غنم ، فقال ملك الموت لإدريس : يا نبي الله ، إنا لا ندري حيث نمسي ، فلو أخذنا جفرة من هذه الغنم فأفطرنا عليها؟ فقال له إدريس : لا تعد إلى مثل هذا ، تدعوني إلى أخذ ما ليس لنا ، من حيث نمسي يأتي الله برزق! فلما أمسى أتاه الله بالرزق الذي كان يأتيه ، فقال لملك الموت : تقدم فكل . فقال ملك الموت : لا والذي أكرمك بالنبوة ما أشتهي . فأكل إدريس وقاما جميعاً إلى الصلاة ، ففتر إدريس وكل ومل ونعس ، وملك الموت لا يفتر ولا يمل ولا ينعس ، فعجب منه وقال : قد كنت أظن أني أقوى الناس على العبادة فهذا أقوى مني! فصغرت عنده عبادته عندما رأى منه . ثم أصبحا فساحاً ، فلما كان آخر النهار مرا بحديقة عنب فقال ملك الموت لإدريس : يا نبي الله ، لو أخذنا قطفاً من هذا العنب لأنا لا ندري حيث نمسي .(6/470)
فقال إدريس : ألم أنهك عن هذا وأنت حيث تمسي يأتينا الله برزق! فلما أمسى أتاه الله الرزق الذي كان يأتيه فأكل إدريس ، فقال لملك الموت هلم فكل . فقال : لا والذي أكرمك بالنبوة يا نبي الله ، لا أشتهي . فعجب! ثم قاما إلى الصلاة ففتر إدريس أيضاً ، وكل ومل ، وملك الموت لا يكلّ ولا يفتر ولا ينعس . فقال له عند ذلك إدريس : لا والذي نفسي بيده ما أنت من بني آدم! فقال له ملك الموت عنده ذلك : أجل لست من بني آدم . فقال له إدريس : فمن أنت؟ قال : أنا ملك الموت . فقال له إدريس : أمرتَ فيَّ بأمر؟ فقال له : لو أمرت فيك بأمر ما ناظرتك ، ولكني أحبك في الله ، وصحبتك له . فقال له إدريس : يا ملك الموت ، إنك معي ثلاثة أيام بلياليها لم تقبض روح أحد من الخلق؟ قال : بلى والذي أكرمك بالنبوة يا نبي الله ، إني معك من حين رأيت ، وإني أقبض نفس من أمرت بقبض نفسه في مشارق الأرض ومغاربها ، وما الدنيا عندي إلا بمنزلة المائدة بين يدي الرجل ، يمد يده ليتناول منها ما شاء . فقال له إدريس : يا ملك الموت ، أسألك بالذي أحببتني له وفيه ألا قضيت لي حاجة أسألكها؟ فقال له ملك الموت : سلني ما أحببت يا نبي الله . فقال : أحب أن تذيقني الموت ، وتفرق بين روحي وجسدي حتى أجد طعم الموت ، ثم ترد إلي روحي . فقال له ملك الموت - عليه السلام - : ما أقدر على ذلك ، إلا أن استأذن فيه ربي ، فقال له إدريس - عليه السلام - فاستأذنه في ذلك . فعرج ملك الموت إلى ربه ، فأذن له ، فقبض نفسه وفرق بين روحه وجسده ، فلما سقط إدريس عليه السلام ميتاً ، رد الله إليه روحه ، وطفق يمسح وجهه وهو يقول : يا نبي الله ، ما كنت أريد أن يكون هذا حظك من صحبتي! فلما أفاق ، قال له ملك الموت : يا نبي الله ، كيف وجدت؟ قال : يا ملك الموت ، قد كنت أحدث وأسمع ، فإذا هو أعظم مما كنت أحدث وأسمع! ثم قال : يا ملك الموت ، أريد منك حاجة أخرى قال : وما هي؟ قال : تريني النار حتى أنظر إلى لمحة منها . فقال له ملك الموت : وما لك وللنار ، إني لأرجو أن لا تراها ، ولا تكون من أهلها ، قال : بلى أريد ذلك؛ ليكون أشد لرهبتي وخوفي منها! فانطلق إلى باب من أبواب جهنم فنادى بعض خزنتها فأجابوه ، وقالوا : من هذا؟ قال : أنا ملك الموت - فارتعدت فرائصهم - قالوا : أمرت فينا بأمر؟ فقال : لو أمرت فيكم بأمر ما ناظرتكم ، ولكن نبي الله إدريس - عليه السلام - سألني أن تروه لمحة من النار .(6/471)
ففتحوا له قدر ثقب المخيط فأصابه من حرها ولهبها وزفيرها ما صعق! فقال ملك الموت : أغلقوا! فأغلقوا ، فمسح ملك الموت وجهه وهو يقول : يا نبي الله ، ما كنت أحب أن يكون هذا حظك من صحبتي . فلما أفاق قال له ملك الموت : يا نبي الله ، كيف رأيت؟ قال : يا ملك الموت ، كنت أحدث وأسمع ، فإذا هو أعظم مما كنت أحدث وأسمع! فقال له : يا ملك الموت ، قد بقيت لي حاجة أخرى لم يبق غيرها . قال : وما هي؟ قال : تريني لمحة من الجنة . قال له ملك الموت - عليه السلام : يا نبي الله أبشر! فإنك إن شاء الله من خيار أهلها ، وأنها إن شاء الله مقيلك ومصيرك . فقال : يا ملك الموت ، إني أحب أن أنظر إليها ، ولعل ذلك أن يكون أشد لشوقي وحرصي وطلبي! فذهب به إلى باب من أبواب الجنة ، فنادى بعض خزنتها فأجابوه ، فقالوا : من هذا؟ قال : ملك الموت . فارتعدت فرائصهم ، وقالوا : أمرت فينا بشيء؟ فقال : لو أمرت فيكم بشيء ما ناظرتكم ، ولكن نبي الله إدريس - عليه السلام - سأل أن ينظر إلى لمحة من الجنة فافتحوا . فلما فتح أصابه من بردها وطيبها وريحانها ما أخذ بقلبه فقال : يا ملك الموت ، إني أحب أن أدخل الجنة فآكل أكلة من ثمارها ، وأشرب شربة من مائها ، فلعل ذلك أن يكون أشد لطلبتي ورغبتي وحرصي . فقال : ادخل . فدخل فأكل من ثمارها ، وشرب من مائها . فقال له ملك الموت ، اخرج يا نبي الله ، قد أصبت حاجتك حتى يردك الله مع الأنبياء يوم القيامة . فاحتضن بساق شجرة من شجر الجنة وقال : ما أنا بخارج منها ، وإن شئت أن أخاصمك خاصمتك . فأوحى الله إلى ملك الموت ، قاضه الخصومة . فقال له ملك الموت : ما الذي تخاصمني به يا نبي الله؟ فقال إدريس : قال الله تعالى { كل نفس ذائقة الموت } [ آل عمران : 185 ] فقد ذقت الموت الذي كتبه الله على خلقه مرة واحدة . وقال الله : { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً } [ مريم : 76 ] وقد وردتها ، أفأردها مرة بعد مرة؟ وإنما كتب الله ورودها على خلقه مرة واحدة ، وقال لأهل الجنة : { وما هم منها بمخرجين } [ الحجر : 48 ] أفأخرج من شيء ساقه الله إليّ؟ فأوحى الله إلى ملك الموت ، خصمك عبدي إدريس ، وعزتي وجلالي : إن في سابق علمي قبل أن أخلقه أنه لا موت عليه إلا الموتة التي ماتها ، وأنه لا يرى جهنم إلا الورد الذي وردها ، وأنه يدخل الجنة في الساعة التي دخلها ، وأنه ليس بخارج منها ، فدعه يا ملك الموت ، فقد خصمك وإنه احتج عليك بحجة قوية . فلما قر قرار إدريس في الجنة ، وألزمه الله دخولها قبل الخلائق ، عجب الملائكة إلى ربهم فقالوا : ربنا خلقتنا قبل إدريس بكذا وكذا ، ألف سنة ، ولم نعصك طرفة عين ، وإنما خلقت إدريس منذ أيام قلائل ، فأدخلته الجنة قبلنا؟ فأوحى الله إليهم : يا ملائكتي ، إنما خلقتكم لعبادتي وتسبيحي وذكري ، وجعلت فيها لذتكم ، ولم أجعل لكم لذة في مطعم ولا مشرب ولا في شيء سواها ، وقوّيتكم عليها ، وجعلت في الأرض الزينة والشهوات واللذات والمعاصي والمحارم ، وإنه اجتنب ذلك كله من أجلي ، وآثر هواي على هواه ، ورضاي ومحبتي على رضاه ومحبته ، فمن أراد منكم أن يدخل مدخل إدريس فليهبط إلى الأرض ، فليعبدني بعبادة إدريس ، ويعمل بعمل إدريس ، فإن عمل مثل إدريس أدخله مدخل إدريس ، وإن غير أو بدل استوجب مدخل الظالمين .(6/472)
فقالت الملائكة : ربنا لا نطلب ثواباً ، ولا تصيبنا بعقاب ، رضينا بمكاننا منك يا رب ، وفضيلتك إيانا . وانتدب ثلاثة من الملائكة : هاروت وماروت ، وملك آخر رضوا به ، فأوحى الله إليهم : « أما إذا اجتمعتم على هذا فاحذروا إن نفعكم الحذر ، فإني أنذركم ، اعلموا أن أكبر الكبائر عندي أربع : - فما عملتم سواها غفرته لكم ، وإن عملتموها لم أغفر لكم » . قالوا وما هي؟ قال : أن لا تعبدوا صنماً ولا تسفكوا دماً ولا تشربوا خمراً ولا تطؤوا محرماً . فهبطوا إلى الأرض على ذلك ، فكانوا في الأرض على مثل ما كان عليه إدريس : يقيمون أربعة أيام في سياحتهم ، وثلاثة أيام يعلمون الناس الخير ، ويدعونهم إلى عبادة الله تعالى وطاعته . حتى ابتلاهم الله بالزهرة ، وكانت من أجمل النساء . فلما نظروا إليها افتتنوا بها - أراد الله ولما سبق عليهم في علمه مع خذلان الله إياهم - فنسوا ما تقدم إليهم ، فسألوها نفسها . قالت لهم : نعم . ولكن لي زوج لا أقدر على ما تريدون مني إلا أن تقتلوه ، وأكون لكم . فقال بعضهم لبعض : إنا قد أمرنا أن لا نسفك دماً ، ولا نطأ محرماً ، ولكن نفعل هذا مع هذا ، ثم نتوب من هذا كله . فلما أحس الثالث بالفتنة ، عصمه الله من ذلك كله بالسماء فدخلها فنجا ، وأقام هاروت وماروت لما كتب عليهما ، فنشدا على زوجها فقتلاه . فلما أراداها ، قالت : لي صنم أعبده ، وأنا أكره معصيته وخلافه ، فإن أردتما ، فاسجدا له سجدة واحدة . فدعتهما الفتنة إلى ذلك ، فقال أحدهما لصاحبه : إنا قد أمرنا أن لا نسفك دماً ولا نطأ محرماً ، ولكنا نفعله ، ثم نتوب من جميعه ، فسجدوا لذلك الصنم . فلما أراداها قالت لهما : قد بقيت لي حاجة أخرى قالا : وما هي؟ قالت : لي شراب لا يطيب لي من العيش إلا به . قالا : وما هو؟ قالت : الخمر . فدعتهما الفتنة إلى ذلك ، فقال أحدهما لصاحبه : إنا قد أمرنا أن لا نشرب خمراً فقال الآخر : إنا قد أمرنا أن لا نسفك دماً ، ولا نطأ محرماً ، ولكنا نفعله ، ثم نتوب من جميعه .(6/473)
فشربا الخمر . فلما أراداها قالت : قد بقيت لي حاجة أخرى . قالا : وما هي؟ قالت : تعلماني الذي تعرجان به إلى السماء . فعلماها إياه ، فلما تكلمت به عرجت إلى السماء ، فلما انتهت إلى السماء مسخت نجماً ، فلما ابتليا بما ابتليا به ، عرجا إلى السماء ، فغلقت أبواب السماء دونهما ، وقيل لهما أن السماء لا يدخلها خطاء ، فلما منعا من دخول السماء ، وعلما أنهما قد افتتنا وابتليا ، عجا إلى الله بالدعاء والتضرع والإبتهال ، فأوحى الله إليهما : حل عليكما سخطي ، ووجبت فيما تعرضتما ، واستوجبتما ، وقد كنتما مع ملائكتي في طاعتي وعبادتي ، حتى عصيتما فصرتما بذلك إلى ما صرتما إليه من معصيتي وخلاف أمري ، فاختارا إن شئتما عذاب الدنيا وإن شئتما عذاب الآخرة . فعلما أن عذاب الدنيا وإن طال فمصيره إلى زوال ، وأن عذاب الآخرة ليس له زوال ولا انقطاع ، فاختارا عذاب الدنيا ، فهما ببابل معلقين منكوسين مقرنين إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق داود بن أبي هند ، عن بعض أصحابه قال : كان ملك الموت صديقاً لإدريس عليه السلام ، فقال له إدريس يوماً : يا ملك الموت ، قال : لبيك . قال : أمتني ، فأرني كيف الموت؟ قال له ملك الموت : سبحان الله يا إدريس! ، إنما يفر أهل السموات والأرض من الموت ، وتسألني أن أريك كيف الموت؟ قال : إني أحب أن أراه ، فلما ألح عليه قال له : يا إدريس ، أنا عبد مملوك مثلك ، وليس إليّ من الأمر شيء . قال : فصعد ملك الموت فقال : رب إن عبدك سألني أن أريه الموت كيف هو؟ قال الله له : فأمته . فقال له ملك الموت : يا إدريس ، إنما يفر الخلق من الموت ، قال : فأرني . فلما مات بقي ملك الموت لا يستطيع أن يرد نفسه إليه ، فقال : يا رب ، قد ترى ما إدريس فيه؟ فرد الله إليه روحه ، فمكث ما شاء حياً ، ثم قال يا ملك الموت : أدخلني الجنة فأنظر إليها؟ قال له : يا إدريس ، إنما أنا عبد مملوك مثلك ليس إليّ من الأمر شيء ، فألح عليه فقال ملك الموت : يا رب ، إن عبدك إدريس قد ألح عليّ فسألني أن أدخله الجنة فيراها؟ وقد قلت له : إنما أنا عبد مثلك ، وليس إليّ من الأمر شيء . قال الله : فأدخله الجنة قال : إن الله علم من إدريس ما لا أعلم أنا ، فاحتمله ملك الموت فأدخله الجنة ، فكان فيها ما شاء الله ، فقال له ملك الموت : اخرج بنا . قال : لا . قال الله : { أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى } [ الصافات : 58 ] وقال الله : { وما هم منها بمخرجين } [ الحجرات : 48 ] وما أنا بخارج منها . قال ملك الموت : يا رب ، قد تسمع ما يقول عبدك إدريس . قال الله له : صدق عبدي هو أعلم منك ، فاخرج منها ودعه فيها .(6/474)
فقال الله : { ورفعناه مكاناً علياً } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً ، ورفعناه مكاناً علياً } [ مريم : 57 - 58 ] قال : كان إدريس أول نبي بعثه الله في الأرض . وإنه كان يعمل فيرفع عمله مثل نصف أعمال الناس ، ثم إن ملكاً من الملائكة أحبه فسأل الله أن يأذن له فيأتيه ، فأذن له فأتاه فحدثه بكرامته على الله فقال : يا أيها الملك ، أخبرني كم بقي من أجلي لعلي أجتهد لله في العمل . قال : يا إدريس ، لا يعلم هذا إلا الله . قال : فهل تستطيع أن تصعد بي إلى السماء؟؛ فأنظر في ملك الله؛ فأجتهد لله في العمل . قال : لا . إلا أن تشفع ، فتشفع فأمر به ، فحمله تحت جناحيه فصعد به حتى إذا بلغ السماء السادسة ، استقبل ملك الموت نازلاً من عند الله فقال : يا ملك الموت ، أين تريد؟ قال : أقبض نفس إدريس . قال : وأين أمرت أن تقبض نفسه؟ قال : في السماء السادسة . فذهب الملك ينظر إلى إدريس ، فإذا هو برجليه يخفقان قد مات ، فوضعه في السماء السادسة .(6/475)
أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين } قال : هذه تسمية الأنبياء الذين ذكرهم . أما من ذرية آدم : فإدريس ونوح ، وأما من حمل مع نوح : فإبراهيم - وأما ذرية إبراهيم : فإسماعيل ، وإسحق ، ويعقوب . وأما بني اسرئيل : فموسى ، وهارون ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { واجتبينا } قال خلصنا .
وأخرج عبد بن حميد ، عن قيس بن سعد قال : جاء ابن عباس حتى قام على عبيد بن عمير وهو يقص فقال : { واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً } [ مريم : 42 ] { واذكر في الكتاب إسماعيل } [ مريم : 54 ] الآية { واذكر في الكتاب إدريس } الآية . حتى بلغ { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين } قال ابن عباس : { ذكرهم بأيام الله } [ إبراهيم : 6 ] وأثن على من أثنى الله عليه .
وأخرج ابن أبي الدنيا في البكاء ، وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب : أنه قرأ سورة مريم فسجد ، ثم قال : هذا السجود فأين البكاء؟ .(6/476)
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { فخلف من بعدهم خلف } قال : هم اليهود والنصارى .
وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد { فخلف من بعدهم خلف } قال : من هذه الأمة يتراكبون في الطرق ، كما تراكب الأنعام لا يستحيون من الناس ، ولا يخافون من الله في السماء .
وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد في قوله : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة } قال : عند قيام الساعة - ذهاب صالح أمة محمد - ينزو بعضهم إلى بعض في الآزقة زناة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله : { أضاعوا الصلاة } يقول : تركوا الصلاة .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود في قوله : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة } قال : ليس إضاعتها تركها قد يضيع الإنسان الشيء ولا يتركه ، ولكن إضاعتها إذا لم يصلها لوقتها .
وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم في قوله : { أضاعوا الصلاة } قال : صلوها لغير وقتها .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن القاسم بن مخيمرة في قوله : { أضاعوا الصلاة } قال : أخروا الصلاة عن ميقاتها ولو تركوها كفروا .
وأخرج ابن أبي حاتم والخطيب في المتفق والمفترق ، عن عمر بن عبد العزيز في قوله : { أضاعوا الصلاة } قال : لم يكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا المواقيت .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن كعب قال : والله إني لأجد صفة المنافقين في التوراة : شرابين للقهوات : تباعين للشهوات ، لعانين للكعبات ، رقادين عن العتمات ، مفرطين في الغدوات ، تراكين للصلوات تراكين للجمعات ، ثم تلا هذه الآية { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن الأشعث قال : أوحى الله إلى داود عليه السلام أن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عني محجوبة .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : اغتسلت أنا وآخر ، فرآنا عمر بن الخطاب ، وأحدنا ينظر إلى صاحبه ، فقال : إني لأخشى أن تكونا من الخلف الذين قال الله فيهم : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً } .
وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن أبي سعيد الخدري : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتلا هذه الآية { فخلف من بعدهم خلف } فقال : يكون خلف من عبد ستين سنة { أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } ثم يكون خَلَفٌ : يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم ، ويقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن ومنافق وفاجر » .
وأخرج أحمد والحاكم وصححه ، عن عقبة بن عامر سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « » سيهلك من أمتي أهل الكتاب وأهل اللين « قلت يا رسول الله ، ما أهل اللين؟ قال : قوم يتبعون الشهوات ويضيعون الصلوات » .(6/477)
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه ، عن عائشة أنها كانت ترسل بالصدقة لأهل الصدقة وتقول : لا تعطوا منها بربرياً ، ولا بربرية ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « هم الخلف الذين قال الله : { فخلف من بعدهم خلف } » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « » يكون في أمتي من يقتل على الغضب ، ويرتشي في الحكم ، ويضيع الصلوات ، ويتبع الشهوات ، ولا تردّ له راية « قيل : يا رسول الله ، أمؤمنون هم؟ قال : بالإيمان يقرؤون » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { فسوف يلقون غياً } قال : خسراً .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث من طرق ، عن ابن مسعود في قوله : { فسوف يلقون غياً } قال : الغي نهر أو واد في جهنم من قيح بعيد القعر خبيث الطعم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات .
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في البعث ، عن البراء بن عازب في الآية قال : الغي ، واد في جهنم بعيد القعر منتن الريح .
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في البعث ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفاً ثم تنتهي إلى غي وأثام ، قلت : وما غي وأثام؟ قال : نهران في أسفل جهنم يسيل فيها صديد أهل النار ، وهما اللذان ذكر الله في كتابه { فسوف يلقون غياً } { ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } [ الفرقان : 68 ] » .
وأخرج ابن مردويه من طريق نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الغي واد في جهنم » .
وأخرج البخاري في تاريخه ، عن عائشة في قوله : { غياً } قالت : نهر في جهنم .
وأخرج ابن المنذر ، عن شقي بن ماتع قال : إن في جهنم وادياً يسمى { غياً } يسيل دماً وقيحاً ، فهو لمن خلق له .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { يلقون غياً } قال : سوءاً { إلا من تاب } قال : من ذنبه { وآمن } قال : بربه { وعمل صالحاً } قال : بينه وبين الله .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { لا يسمعون فيها لغواً } قال باطلاً .
وأخرج عبد بن حميد وهناد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { لا يسمعون فيها لغواً } قال : لا يستبون . وفي قوله : { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً } قال : ليس فيها بكرة ولا عشي يؤتون به على النحو الذي يحبون من البكرة والعشي .(6/478)
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً } قال : يؤتون به في الآخرة على مقدار ما كانوا يؤتون به في الدنيا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الوليد بن مسلم قال : سألت زهير بن محمد ، عن قوله : { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً } قال : ليس في الجنة ليل ولا شمس ولا قمر ، هم في نور أبداً ، ولهم مقدار الليل والنهار ، يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب ، وإغلاق الأبواب ، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من طريق أبان عن الحسن ، وأبي قلابة قالا : قال رجل يا رسول الله ، هل في الجنة من ليل؟ قال : وما هيجك على هذا؟! قال : سمعت الله يذكر في الكتاب { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً } فقلت الليل من البكرة ، والعشي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « ليس هناك ليل ، وإنما هو ضوء نور ، يرد الغدو على الرواح ، والرواح على الغدوّ ، وتأتيهم طرف الهدايا من الله ، لمواقيت الصلوات التي كانوا يصلون فيها في الدنيا ، وتسلم عليهم الملائكة » .
وأخرج ابن المنذر ، عن يحيى بن أبي كثير قال : كانت العرب في زمانها إنما لها أكلة واحدة ، فمن أصاب أكلتين ، سمي فلاناً الناعم . فأنزل الله تعالى يرغب عباده فيما عنده { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن قال : كانوا يعدون النعيم ، أن يتغدى الرجل ، ثم يتعشى . قال الله لأهل الجنة : { ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من غداة من غدوات الجنة ، كل الجنة غدوات ، إلا أن يزف إلى وليّ الله تعالى فيها زوجة من الحور العين أدناهن التي خلقت من زعفران » .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم أنه قرأ { تلك الجنة التي نورث } بالنون مخففة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن شوذب في قوله : { تلك الجنة التي نورث من عبادنا } قال : ليس من أحد إلا وله في الجنة منزل وأزواج ، فإذا كان يوم القيامة ، ورث الله المؤمن كذا وكذا منزلاً من منازل الكفار . فذلك قوله : { من عبادنا } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن داود بن أبي هند في قوله : { من كان تقياً } قال : موحداً .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : « ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا »(6/479)
فنزلت : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } إلى آخر الآية . زاد ابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم ، فكان ذلك الجواب لمحمد .
وأخرج ابن مردويه ، عن أنس قال : « سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي البقاع أحب إلى الله وأيها أبغض إلى الله؟ قال : ما أدري حتى أسأل جبريل ، وكان قد أبطأ عليه فقال : لقد أبطأت عليّ حتى ظننت أن بربي عليّ موجدة! . . . فقال : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال : « أبطأ جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً ثم أنزل ، فقال له النبي - صلى الله عليهه وسلم - » ما نزلت حتى اشتقت إليك « فقال له جبريل : » أنا كنت إليك أشوق ولكني مأمور « فأوحى الله إلى جبريل أن قل له : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } » .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي قال : احتبس جبريل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة حتى حزن واشتد عليه ، فشكا إلى خديجة ، فقالت خديجة : لعل ربك قد ودعك أو قلاك ، فنزل جبريل بهذه الآية : { ما ودعك ربك وما قلى } [ الضحى : 2 ] قال : يا جبريل ، احتبست عني حتى ساء ظني ، فقال جبريل : { وما نتنزل إلا بأمر ربك } .
وأخرج ابن جرير ، عن مجاهد قال : « لبث جبريل عن النبي - صلى الله عليه وسلم اثني عشرة ليلة ، فلما جاءه قال : » لقد رثت حتى ظن المشركون كل ظن « فنزلت الآية .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد قال : » أبطأت الرسل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أتاه جبريل فقال : « ما حبسك عني » قال : كيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم ، ولا تنقون براجمكم ، ولا تأخذون شواربكم ولا تستاكون وقرأ { وما نتنزل إلا بأمر ربك } « .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : احتبس جبريل ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، وحزن فأتاه جبريل وقال : يا محمد : { وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا } يعني من الدنيا { وما خلفنا } يعني من الآخرة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة { له ما بين أيدينا } قال : الدنيا { وما خلفنا } قال : الآخرة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير - رضي الله عنه - { له ما بين أيدينا } قال : من أمر الآخرة { وما خلفنا } من أمر الدنيا { وما بين ذلك } ما بين الدنيا والآخرة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { وما بين ذلك } قال : ما بين النفختين .(6/480)
وأخرج هناد وابن المنذر ، عن أبي العالية { وما بين ذلك } قال : ما بين النفختين .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي { وما كان ربك نسياً } قال : { ما كان ربك } لينساك يا محمد .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبزار والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه والحاكم وصححه ، عن أبي الدرداء رفع الحديث قال : ما أحل الله في كتابه فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عافية ، فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً . ثم تلا { وما كان ربك نسيا } .
وأخرج ابن مردويه من حديث جابر مثله .
وأخرج الحاكم عن سلمان « سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن [ ] والفراء فقال : » الحلال ما أحل الله في كتابه ، والحرام ما حرم الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه « » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { هل تعلم له سميا } قال : هل تعلم للرب مثلاً أو شبها .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - { هل تعلم له سميا } قال : ليس أحد يسمى الرحمن غيره .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { هل تعلم له سميا } يا محمد هل تعلم لإلهك من ولد؟ .
وأخرج الطستي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { هل تعلم له سمياً } قال : هل تعلم له ولداً؟ قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت الشاعر وهو يقول :
أما السمي فأنت منه مكثر ... والمال مال يغتدي ويروح(6/481)
وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74) قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)
أخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { ويقول الإنسان } الآية قال : قالها العاصي بن وائل .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم أنه قرأ { لسوف أخرج } برفع الألف { أولا يذكر الإنسان } خفيفة بنصب الياء ورفع الكاف .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { جثياً } قال : قعوداً . وفي قوله { عتياً } قال : معصية .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { عتيا } قال : عصيا .
وأخرج الحاكم ، عن ابن عباس قال : لا أدري كيف قرأ النبي صلى الله عليه وسلم { عتياً } أو { جثياً } فإنهما جميعاً بالضم .
وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد والبيهقي في البعث ، عن عبدالله بن باباه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كأني أراكم بالكوم دون جهنم جاثين » .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم أنه قرأ { جثياً } برفع الجيم { وعتياً } برفع العين وصليا برفع الصاد .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { حول جهنم جثياً } قال : قياماً .
وأخرج ابن المنذر . عن ابن جريج { ثم لننزعن } قال لنبدأن .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ثم لننزعن } الآية : قال : { لننزعن من كل } أهل دين قادتهم ورؤوسهم في الشر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : { أيهم أشد على الرحمن عتياً } قال : في الدنيا .
وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي الأحوص { ثم لننزعن من كل شيعة } الآية . قال : يبدأ بالأكابر فالأكابر جرماً .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في البعث ، عن ابن مسعود قال : يحشر الأوّل على الآخر ، حتى إذا تكاملت العدة أثارهم جميعاً ، ثم بدأ بالأكابر فالأكابر جرماً ، ثم قرأ { فوربك لنحشرنهم } إلى قوله : { عتياً } . وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي ، عن مجاهد في قوله : { لننزعن من كل شيعة } قال : من كل أمة أشد على الرحمن { عتياً } قال : كفراً .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً } يقول : إنهم أولى بالخلود في جهنم .
وأخرج الحرث بن أبي أسامة وابن جرير بسند حسن عن ابن عباس قال : إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم ، وزيد في سعتها كذا وكذا ، وجمع الخلائق بصعيد واحد ، جنهم وإنسهم ، فإذا كان ذلك اليوم قيضت هذه السماء الدنيا عن أهلها على وجه الأرض ، ولأهل السماء وحدهم أكثر من أهل الأرض جنهم وإنسهم بضعف ، فإذا نثروا على وجه الأرض ، فزعوا إليهم فيقولون : أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم ويقولون : سبحان ربنا! ليس فينا وهو آت .(6/482)
ثم تقاض السماء الثانية ، ولأهل السماء الثانية وحدهم ، أكثر من أهل السماء الدنيا ، ومن جميع أهل الأرض ، بضعف جنهم وإنسهم ، فإذا نثروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض فيقولون : أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم ، ويقولون : سبحان ربنا! ليس فينا وهو آت ، ثم تقاض السموات : سماء سماء ، كلما قيضت سماء عن أهلها ، كانت أكثر من أهل السموات التي تحتها ، ومن جميع أهل الأرض بضعف ، فإذا نثروا على أهل الأرض ، يفزع إليهم أهل الأرض ، فيقولون لهم مثل ذلك ، فيرجعون إليهم مثل ذلك ، حتى تقاض السماء السابعة ، فلأهل السماء السابعة ، أكثر من أهل ست سموات ، ومن جميع أهل الأرض بضعف ، فيجيء الله فيهم ، والأمم جثيّ صفوف ، فينادي مناد : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ، ليقم الحمادون لله على كل حال ، فيقومون ، فيسرحون إلى الجنة ، ثم ينادي الثانية : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ، أين الذين كانت { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون } [ السجدة : 16 ] فيقومون فيسرحون إلى الجنة ، ثم ينادي الثالثة ، ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم؟ أين الذين { لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار } [ النور : 37 ] فيقومون فيسرحون إلى الجنة . فإذا أخذ كل من هؤلاء ثلاثة ، خرج عنق من النار فأشرف على الخلائق له عينان تبصران ولسان فصيح فيقول : إني وكلت منكم بثلاثة : بكل جبار عنيد ، فتلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم ، فتحبس بهم في جهنم ، ثم تخرج ثانية فتقول : إني وكلت منكم بمن آذى الله تعالى ورسوله ، فتلقطهم من الصفوف لقط الطير حَبَّ السمسم ، فتحبس بهم في جهنم ، ثم تخرج ثالثة فتقول : إني وكلت بأصحاب التصاوير ، فتلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم ، فتحبس بهم في جهنم ، فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة ، ومن هؤلاء ثلاثة : نشرت الصحف ، ووضعت الموازين ، ودعي الخلائق للحساب .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث ، عن أبي سمية قال : اختلفنا في الورود فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن ، وقال بعضهم : يدخلونها جميعاً { ثم ينجي الله الذين اتقوا } فلقيت جابر بن عبدالله ، فذكرت له فقال : وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه صمتاً ، إن لم أكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمن برداً وسلاماً ، كما كانت على إبراهيم ، حتى أن للنار ضجيجاً من بردهم { ثم ينجّي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثياً } » .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث ، عن مجاهد قال : خاصم نافع بن الأزرق ابن عباس فقال ابن عباس : الورود الدخول : وقال نافع : لا .(6/483)
فقرأ ابن عباس { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } [ الأنبياء : 98 ] وقال : وردوا أم لا ، وقرأ { يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار } [ هود : 98 ] أوردوا أم لا ، أما أنا وأنت فسندخلها ، فانظر هل نخرج منها أم لا .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وإن منكم إلا واردها } قال : يردُهَا البَرّ والفاجر . ألم تسمع قوله : { فأوردهم النار وبئس الورد المورود } [ هود : 98 ] وقوله : { ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً } [ مريم : 86 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس : أن رجالاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يطلبون العاص بن وائل بدين فأتوه يتقاضونه ، فقال : ألستم تزعمون أن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً ومن كل الثمرات؟ قالوا : بلى . قال : فإن موعدكم الآخرة . والله لأوتين مالاً وولداً ، ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به . فقال الله : { أفرأيت الذي كفر بآياتنا } الآيات .
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن قال : كان لرجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - دين على رجل من المشركين فأتاه يتقاضاه ، فقال ألست مع هذا الرجل؟ قال : نعم . قال أليس يزعم أن لكم جنة وناراً وأموالاً وبنين؟ قال : بلى . قال : اذهب ، فلست بقاضيك إلا ثمة . فأنزلت { أفرأيت الذي كفر بآياتنا } إلى قوله : { ويأتينا فرداً } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { أطلع الغيب } يقول : أطلعه الله الغيب؟ يقول : ما له فيه { أم اتخذ عند الرحمن عهداً } بعمل صالح قدمه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { أم اتخذ عند الرحمن عهداً } قال : لا إله إلا الله ، يرجو بها . والله أعلم .(6/484)
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ونرثه ما يقول } قال : ماله وولده .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ونرثه ما يقول } قال : ماله وولده ، وذاك الذي قال العاص بن وائل .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ونرثه ما يقول } قال : ما عنده . وهو قوله : { لأوتين مالاً وولداً } في حرف ابن مسعود { ونرثه ما عنده ويأتينا فرداً } لا مال له ولا ولد .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي نهيك أنه قرأ { كلا سيكفرون بعبادتهم } برفع الكاف . قال : يعني الآلهة كلها ، إنهم { سيكفرون بعبادتهم } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { ويكونون عليهم ضداً } قال : أعواناً .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { ويكونون عليهم ضداً } قال : أوثانهم يوم القيامة في النار ، تكون عليهم عوناً ، يعني أوثانهم تخاصمهم وتكذبهم يوم القيامة في النار .
وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما - في قوله : { ويكونون عليهم ضداً } قال : حسرة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة مثله .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ويكونون عليهم ضداً } قال : قرناء في النار يلعن بعضهم بعضاً ، ويتبرأ بعضهم من بعض .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : { ويكونون عليهم ضداً } قال : أعداء .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله : { ويكونون عليهم ضداً } ما الضد؟ قال : قال فيه حمزة بن عبد المطلب :
وان تكونوا لهم ضداً نكن لكم ... ضدا بغلباء مثل الليل مكتوم(6/485)
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً } قال : تغويهم إغواء .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { تؤزهم } قال : تحرض المشركين على محمد وأصحابه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { تؤزهم أزاً } تشليهم أشلاء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { تؤزهم أزاً } قال : تزعجهم إزعاجاً إلى معاصي الله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : { ألم تر أنَّا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً } قال : كقوله : { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً } [ الزخرف : 36 ] .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف ، عن ابن عباس : أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { تؤزهم أزاً } قال : توقدهم وقوداً . قال فيه الشاعر :
حكيم أمين لا يبالي بخلبة ... إذا أزه الأقوام لم يترمرم
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { إنما نعد لهم عداً } يقول : أنفاسهم التي يتنفسون في الدنيا ، فهي معدودة ، كسنهم وآجالهم .
وأخرج عبد بن حميد ، عن أبي جعفر محمد بن علي في قوله : { إنما نعد لهم عداً } قال : كل شيء حتى النفس .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث ، عن ابن عباس في قوله : { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } قال : ركباناً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن أبي هريرة { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } قال : على الإبل .
وأخرج عبد بن حميد ، عن أبي سعيد رضي الله عنه { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } قال : على نجائب رواحلها من زمرد وياقوت ، ومن أي لون شاء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن قتادة - رضي الله عنه - في قوله : { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } قال : إلى الجنة .
وأخرج عبد بن حميد ، عن الربيع { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } قال : يفدون إلى ربهم ، فيكرمون ويعطون ويحيون ويشفعون .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق : راغبين ، وراهبين ، واثنان على بعير ، وثلاثة على بعير ، وأربعة على بعير ، وعشرة على بعير ، وتحشر بقيتهم النار ، تقيل معهم حيث قالوا ، وتبيت معهم حيث باتوا » .
وأخرج ابن مردويه ، عن علي ، « عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } قال : أما والله ما يحشرون على أقدامهم ، ولا يساقون سوقاً ، ولكنهم يؤتون من الجنة ، لم تنظر الخلائق إلى مثلها : رحالها الذهب ، وأزمتها الزبرجد ، فيقعدون عليها ، حتى يقرعوا باب الجنة » .(6/486)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبدالله بن أحمد وفي زوائد المسند وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في البعث ، عن علي رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } فقال : أما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم ، ولا يساقون سوقاً ، ولكنهم يؤتون بنوق من نوق الجنة ، لم تنظر الخلائق إلى مثلها ، عليها رحال الذهب ، وأزمتها الزبرجد ، فيركبون عليها ، حتى يطرقوا باب الجنة .
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق ، « عن علي قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً } قلت : يا رسول الله ، هل الوفد إلا الركب؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده إنهم إذا خرجوا من قبورهم استقبلوا بنوق بيض لها أجنحة وعليها رحال الذهب شرك نعالهم نور يتلألأ ، كل خطوة منها مثل مد البصر ، وينتهون إلى باب الجنة ، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء ، على صفائح الذهب وإذا شجرة على باب الجنة ينبع من أصلها عينان ، فإذا شربوا من إحدى العينين فتغسل ما في بطونهم من دنس ، ويغتسلون من الأخرى ، فلا تشعث أبشارهم ولا أشعارهم بعدها أبداً ، فيضربون بالحلقة على الصفيحة ، فلو سمعت طنين الحلقة يا علي ، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل ، فتستخفها العجلة ، فتبعث قيمها فيفتح له الباب ، فإذا رآه خر له ساجداً ، فيقول : ارفع رأسك فإنما أنا قيمك ، وكلت بأمرك . فيتبعه ويقفو أثره ، فتستخف الحوراء العجلة ، فتخرج من خيام الدر والياقوت ، حتى تعتنقه ، ثم تقول : أنت حبي ، وأنا حبك وأنا الراضية ، فلا أسخط أبداً ، وأنا الناعمة فلا أبأس أبداً ، وأنا الخالدة فلا أموت أبداً ، وأنا المقيمة فلا أظعن أبداً ، فيدخل بيتاً من أساسه إلى سقفه مائة ألف ذراع بني على جندل اللؤلؤ والياقوت طرائق حمر ، وطرائق خضر ، وطرائق صفر ، ما منها طريقة تشاكل صاحبتها . وفي البيت سبعون سريراً ، على كل سرير سبعون فراشاً ، عليها سبعون زوجة ، على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من وراء الحلل ، يقضي جماعهن في مقدار ليلة من لياليكم هذه ، تجري من تحتهم الأنهار؛ أنهار مطردة { أنهار من ماء غير آسن } [ محمد : 15 ] صاف ليس فيه كدور { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } [ محمد : 15 ] ولم يخرج من ضروع الماشية . { وأنهار من خمر لذة للشاربين } [ محمد : 15 ] لما يعصرها الرجال بأقدامها . { وأنهار من عسل مصفى } [ محمد : 15 ] لم يخرج من بطون النحل ، فيستحلي الثمار فإن شاء أكل قائماً ، وإن شاء أكل قاعداً ، وإن شاء أكل متكئاً ، فيشتهي الطعام فيأتيه طير بيض أجنحتها فيأكل من جنوبها ، أي لون شاء ، ثم تطير فتذهب ، فيدخل الملك فيقول : { سلام عليكم } [ الزمر : 73 ] { تلكم الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون } [ الأعراف : 43 ] » .(6/487)
وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق مسلم بن جعفر البجلي قال : سمعت أبا معاذ البصري : أن علياً قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده ، إنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون بنوق لها أجنحة عليها رحال الذهب ، شرك نعالهم نور تلألأ ، كل خطوة منها مد البصر ، فينتهون إلى شجرة ، ينبع من أصلها عينان ، فيشربون من احداهما ، فيغسل ما في بطونهم من دنس ، ويغتسلون من الأخرى ، فلا تشعث أبشارهم ، ولا أشعارهم بعدها أبداً ، وتجري عليهم نضرة النعيم ، فيأتون باب الجنة ، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب ، فيضربون بالحلقة على الصفحة ، فيسمع لها طنين فيبلغ كل حوراء : أن زوجها قد أقبل ، فتبعث قيمها فيفتح له ، فإذا رآه خر له ساجداً فيقول : ارفع رأسك إنما أنا قيمك وكلت بأمرك ، فيتبعه ويقفو أثره ، فتستخف الحوراء العجلة فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه ثم تقول : أنت حبي وإنا حبك ، وأنا الخالدة التي لا أموت ، وأنا الناعمة التي لا أبأس ، وأنا الراضية التي لا أسخط ، وأنا المقيمة التي لا أظعن ، فيدخل بيتاً من أسه إلى سقفه مائة ألف ذراع ، بناؤه على جندل اللؤلؤ طرائق : أصفر وأحمر وأخضر ، ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها ، في البيت سبعون سريراً ، على كل سرير سبعون حشية ، على كل حشية سبعون زوجة ، على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من باطن الحلل ، يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه ، الأنهار من تحتهم تطرد : { أنهار من ماء غير آسن } [ محمد : 15 ] قال : صاف لا كدر فيه ، { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه } [ محمد : 15 ] قال : لم يخرج من ضروع الماشية ، { وأنهار من خمر لذة للشاربين } [ محمد : 15 ] قال : لم تعصرها الرجال بأقدامها ، { وأنهار من عسل مصفى } [ محمد : 15 ] قال : لم يخرج من بطون النحل فيستحلي الثمار ، فإن شاء أكل قائماً وإن شاء أكل قاعداً ، وإن شاء أكل متكئاً . ثم تلا { ودانية عليهم ظلالها } [ الإنسان : 14 ] الآية . فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض وربما قال : أخضر ، فترفع أجنحتها فيأكل من جنوبها أي الألوان شاء ، ثم يطير فيذهب فيدخل الملك فيقول : { سلام عليكم } { تلكم الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون } » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث ، عن ابن عباس في قوله : { ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً } قال : عطاشاً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن قتادة في قوله : { ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً } قال : ظماء إلى النار .(6/488)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد : { ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً } قال : متقطعة أعناقهم من العطش .
وأخرج ابن المنذر ، عن أبي هريرة : { ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً } قال : عطاشاً .
وأخرج هناد ، عن الحسن مثله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس في قوله : { إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } قال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وتبرأ من الحول والقوّة ، ولا يرجو إلا الله .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } قال : المؤمنون يومئذ بعضهم لبعض شفعاء .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن مقاتل بن حيان { إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } قال : العهد الصلاح .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } قال : من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أدخل على مؤمن سروراً فقد سرني ، ومن سرني فقد اتخذ عند الرحمن عهداً ، ومن اتخذ عند الرحمن عهداً فلا تمسه النار . إن الله لا يخلف الميعاد » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن ابن مسعود أنه قرأ { إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } قال : إن الله يقول يوم القيامة : « من كان له عندي عهد فليقم ، فلا يقوم إلا من قال هذا في الدنيا . قولوا اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا إنك أن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير ، وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعله لي عندك عهداً تؤديه إلي يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد » .
وأخرج الطبراني في الأوسط ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من جاء بالصلوات الخمس يوم القيامة - قد حافظ على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها لم ينقص منها شيئاً - جاء وله عند الله عهد أن لا يعذبه ، ومن جاء قد انتقص منهن شيئاً ، فليس له عند الله عهد ، إن شاء رحمه وإن شاء عذبه » .
وأخرج الحكيم الترمذي ، عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من قال في دبر كل صلاة - بعدما سلم - هؤلاء الكلمات : كتبه ملك في رق فختم بخاتم ، ثم دفعها إليّ يوم القيامة ، فإذا بعث الله العبد من قبره ، جاءه الملك ومعه الكتاب ينادي : أين أهل العهود؟ حتى تدفع إليهم ، والكلمات أن تقول : اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم - إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك ، فلا تكلني إلى نفسي ، فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير ، وإني لا أثق إلا برحمتك ، فاجعل رحمتك لي عهداً عندك تؤديه إلي يوم القيامة : إنك لا تخلف الميعاد » وعن طاوس : أنه أمر بهذه الكلمات فكتبت في كفنه .(6/489)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { لقد جئتم شيئاً إدّاً } قال : قولاً عظيماً . وفي قوله : { تكاد السماوات يتفطرن منه } الآية . قال : إن الشرك فزعت منه السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق ، إلا الثقلين ، وكادت تزول منه لعظمة الله : وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك ، كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين . وفي قوله : { وتخر الجبال هدّاً } قال : هدماً .
وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عون ، عن ابن مسعود قال : إن الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان ، هل مر بك اليوم أحد ذكر الله؟ فإذا قال نعم ، استبشر . قال عون : أفيسمعن الزور إذا قيل ، ولا يسمعن الخير؟! هي للخير اسمع . وقرأ { وقالوا اتخذ الرحمن ولداً } الآيات .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة ، عن محمد بن المنكدر قال : بلغني أن الجبلين إذا أصبحا ، نادى أحدهما صاحبه يناديه باسمه فيقول : أي فلان ، هل مر بك ذاكر لله؟ فيقول : نعم . فيقول : لقد أقر الله عينك ، ولكن ما مر بي ذاكر لله عز وجل اليوم .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن أبي أمامة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ « تكاد السموات ينفطرن » بالياء والنون { وتخر الجبال } بالتاء .
وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { يتفطرن منه } قال : الانفطار الانشقاق .
وأخرج أبو الشيخ ، عن الضحاك في قوله : { تكاد السماوات يتفطرن منه } قال : يتشققن من عظمة الله .
وأخرج ابن المنذر ، عن هرون قال : في قراءة ابن مسعود { تكاد السماوات يتفطرن } بالياء .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ، عن عبدالله بن عوف : إنه لما هاجر إلى المدينة؛ وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة منهم : شيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف ، فأنزل الله { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً } .
وأخرج ابن مردويه والديلمي ، عن البراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليّ : « قل : اللهم اجعل لي عندك عهداً ، واجعل لي عندك ودّاً ، واجعل لي في صدور المؤمنين مودة » فأنزل الله { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً } قال : فنزلت في علي .
وأخرج الطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : نزلت في علي بن أبي طالب { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً } قال : محبة في قلوب المؤمنين .
وأخرج الحكيم الترمذي وابن مردويه ، « عن علي قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله : { سيجعل لهم الرحمن وداً } ما هو؟ قال : المحبة ، في قلوب المؤمنين ، والملائكة المقربين . يا علي ، إن الله أعطى المؤمن ثلاثاً . المنة والمحبة والحلاوة والمهابة في صدور الصالحين » .(6/490)
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير ، عن ابن عباس في قوله : { سيجعل لهم الرحمن وداً } قال : محبة في الناس في الدنيا .
وأخرج هناد ، عن الضحاك { سيجعل لهم الرحمن وداً } قال : محبة في صدور المؤمنين .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وهناد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { سيجعل لهم الرحمن وداً } قال : يحبهم ويحبونه .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا أحب الله عبداً ، نادى جبريل : إني قد أحببت فلاناً ، فأحبه . فينادي في السماء ، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض ، فذلك قول الله : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً } وإذا أبغض الله عبداً ، نادى جبريل : إني قد أبغضت فلاناً ، فينادي في أهل السماء ، ثم تنزل له البغضاء في أهل الأرض » .
وأخرج ابن مردويه ، عن ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « » إن العبد ليلتمس مرضاة الله ، فلا يزال كذلك ، فيقول الله لجبريل : إن عبدي فلاناً يلتمس أن يرضيني ، فرضائي عليه ، فيقول جبريل : رحمة الله على فلان ، ويقوله حملة العرش ، ويقوله الذين يلونهم ، حتى يقوله : أهل السموات السبع ، ثم يهبط إلى الأرض « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي الآية التي أنزل الله في كتابه { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً } » وإن العبد ليلتمس سخط الله ، فيقول الله : يا جبريل ، إن فلاناً يسخطني ، ألا وإن غضبي عليه؛ فيقول جبريل : غضب الله على فلان ، ويقوله حملة العرش ، ويقوله من دونهم ، حتى يقوله أهل السموات السبع ، ثم يهبط إلى الأرض « » .
وأخرج عبد بن حميد ، عن كعب قال : أجد في التوراة : أنه لم تكن محبة لأحد من أهل الأرض ، حتى تكون بدؤها من الله تعالى؛ ينزلها على أهل الأرض ، ثم قرأت القرآن فوجدت فيه { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً } .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، عن ابن عباس بسند ضعيف : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله أعطى المؤمن ثلاثة : المقة والملاحة والمودة والمحبة في صدور المؤمنين » ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً } .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد سلام عليك أما بعد : فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله ، فإذا أحبه الله حببه إلى عباده ، وإن العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله ، فإذا أبغضه الله بغضه إلى عباده .(6/491)
وأخرج الحكيم الترمذي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لكل عبد صيت ، فإن كان صالحاً وضع في الأرض ، وإن كان سيئاً وضع في الأرض » .
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن المقة من الله ، والصيت من السماء ، فإذا أحب الله عبداً قال لجبريل : إني أحب فلاناً ، فينادي جبريل : إن ربكم يحب فلاناً فأحبوه ، فتنزل له المحبة في الأرض ، وإذا أبغض عبداً قال لجبريل : إني أبغض فلاناً ، فأبغضه ، فينادي جبريل : إن ربكم يبغض فلاناً فابغضوه ، فيجري له البغض في الأرض » .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله : { وتنذر به قوماً لداً } قال : فجاراً .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : { لداً } قال : صماً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله : { لداً } قال : خصماء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن قتادة في قوله : { قوماً لداً } قال : جدلاً بالباطل .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة { قوماً لداً } قال : هم قريش .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد { لداً } قال : لا يستقيمون .(6/492)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { هل تحس منهم من أحد } قال : هل ترى منهم من أحد .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم أنه قرأ { هل تحس منهم } برفع التاء وكسر الحاء ورفع السين ولا يدغمها .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله تعالى : { هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً } قال : هل ترى عيناً أو تسمع صوتاً .
وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن في الآية قال : ذهب القوم فلا صوت ولا عين .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { ركزاً } قال : صوتاً .
وأخرج الطستي في مسائله ، عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله : { ركزاً } فقال : حساً . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر :
وقد توجس ركزاً متفقد ندس ... بنية الصوت ما في سمعه كذب(6/493)
طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11)
أخرج ابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما أنزل عليه الوحي ، كان يقوم على صدور قدميه إذا صلى ، فأنزل الله : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
وأخرج ابن مردويه وابن جرير ، عن ابن عباس قال : قالوا لقد شقي هذا الرجل بربه ، فأنزل الله : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
وأخرج ابن عساكر ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا قام من الليل يربط نفسه بحبل؛ كي لا ينام فأنزل الله عليه { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يربط نفسه ، ويضع إحدى رجليه على الأخرى ، فنزلت : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
وأخرج ابن مردويه ، عن علي رضي الله عنه قال : لما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً } [ المزمل : 1 ] قام الليل كله حتى تورمت قدماه ، فجعل يرفع رجلاً ، ويضع رجلاً ، فهبط عليه جبريل ، فقال : { طه } يعني : الأرض بقدميك يا محمد { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } وأنزل { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } .
وأخرج البزار بسند حسن ، عن علي قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يراوح بين قدميه ، يقوم على كل رجل ، حتى نزلت { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن الربيع بن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله { طه } يعني طأ الأرض يا محمد ، { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
وأخرج ابن مردويه ، عن بان عباس في قوله : { طه } قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربما قرأ القرآن إذا صلى ، قام على رجل واحدة ، فأنزل الله { طه } برجليك { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك قال : لما أنزل الله القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - قام به وأصحابه ، فقال له كفار قريش : ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى به . فأنزل الله { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { طه } قال : يا رجل .
وأخرج الحارث بن أبي أسامة وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { طه } بالنبطية أي { طا } يا رَجُل .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { طه } بالنبطِيَّةِ أي { طا } يا رجل .(6/494)
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { طه } قال : هو كقولك يا رجل .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عكرمة قال : { طه } يا رجل بالنبطية .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال : { طه } بالنبطية يا رجل .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك قال : { طه } يا رجل بالنبطية .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال : { طه } يا رجل . بالسريانية .
وأخرج الحاكم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { طه } قال : هو كقولك يا محمد بلسان الحبش .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله : { طه } قال : هو كقولك يا رجل : بلسان الحبشة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي صالح في قوله : { طه } قال : كلمة عربت .
وأخرج عن مجاهد ، قال : { طه } فواتح السور .
وأخرج عن محمد بن كعب { طه } قال : الطاء من ذي الطول .
وأخرج ابن مردويه ، عن أبي الطفيل قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لي عشرة أسماء عند ربي قال أبو الطفيل : حفظت منها ثمانية : محمد وأحمد وأبو القاسم والفاتح والخاتم والماحي والعاقب والحاشر ، وزعم سيف أن أبا جعفر قال : الاسمان الباقيان { طه } ويس .
وأخرج ابن مردويه والحاكم وصححه ، عن زر قال : قرأ رجل على ابن مسعود { طه } مفتوحة فأخذها عليه عبدالله { طه } مكسورة فقال له الرجل : إنها بمعنى ضع رجلك . فقال عبد الله : هكذا قرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهكذا أنزلها جبريل .
وأخرج ابن عساكر ، « عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : أول سورة تعلمتها من القرآن { طه } وكنت إذا قرأت { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } قال النبي صلى الله عليه وسلم : » لا شقيت يا عائش « » .
وأخرج البيهقي في الدلائل ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } وكان يقوم الليل على رجليه فهي لغة لعك إن قلت لعكي يا رجل ، لم يلتفت وإذا قلت { طه } التفت إليك .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عروة بن خالد - رضي الله عنه - قال : سمعت الضحاك ، وقال رجل من بني مازن بن مالك : ما يخفى علي شيء من القرآن ، وكان قارئاً للقرآن شاعراً . فقال له الضحاك : أنت تقول ذلك؟ أخبرني ما { طه } ؟ قال : هي من أسماء الله الحسنى . نحو : طسم ، وحم ، فقال الضحاك : إنما هي بالنبطية يا رجل .
وأخرج ابن المنذر وابن مسعود ، عن ابن عباس قال : { طه } قسم أقسمه الله ، وهو من أسماء الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } يقول : في الصلاة هي مثل قوله :(6/495)
{ فاقرؤوا ما تيسر منه } [ المزمل : 20 ] قال : وكانوا يعلقون الحبال بصدروهم في الصلاة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } يا رجل { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } لا والله ، ما جعله الله شقياً ، ولكن جعله الله رحمة ونوراً ودليلاً إلى الجنة { إلا تذكرة لمن يخشى } قال : إن الله أنزل كتابه وبعث رسله رحمة رحم بها العباد لِيذْكُر ذاكر وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله ، وهو ذكر أنزله الله ، فيه حلاله وحرامه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب { وما تحت الثرى } ما تحت سبع أرضين .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : { الثرى } كل شيء مبتل .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي : { وما تحت الثرى } قال : هي الصخرة التي تحت الأرض السابعة ، وهي صخرة خضراء ، وهو سجين الذي فيه كتاب الكفار .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الضحاك قال : الثرى ما حفر من التراب مبتلاً .
وأخرج أبو يعلى عن جابر بن عبدالله : أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ، ما تحت هذه الأرض؟ قال : الماء . قيل : فما تحت الماء؟ قال : ظلمة . قيل : فما تحت الظلمة؟ قال : الهواء . قيل : فما تحت الهواء؟ قال : الثرى . قيل : فما تحت الثرى؟ قال : انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق .
وأخرج ابن مردويه ، عن جابر بن عبدالله قال : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، إذ عارضنا رجل مترجب - يعني طويلاً - فدنا من النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بخطام راحلته فقال : أنت محمد؟ قال : نعم . قال : إني أريد أن أسألك عن خصال لا يعلمها أحد من أهل الأرض ، إلا رجل أو رجلان؟ فقال : سل عما شئت . قال : يا محمد ، ما تحت هذه؟ - يعني الأرض - قال : خلق . قال : فما تحتهم؟ قال : أرض . قال : فما تحتها؟ قال : خلق؟ قال : فما تحتهم؟ قال : أرض ، حتى انتهى إلى السابعة . قال : فما تحت السابعة؟ قال : صخرة . قال : فما تحت الصخرة؟ قال : الحوت . قال : فما تحت الحوت؟ قال : الماء . قال : فما تحت الماء؟ قال : الظلمة . قال : فما تحت الظلمة؟ قال : الهواء . قال : فما تحت الهواء؟ قال : الثرى . قال : فما تحت الثرى؟ ففاضت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبكاء؟ فقال : انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق أيها السائل ، ما المسؤول بأعلم من السائل . قال : صدقت ، أشهد أنك رسول الله يا محمد ، أما إنك لو ادعيت تحت الثرى شيئاً ، لعلمت أنك ساحر كذاب ، أشهد أنك رسول الله ، ثم ولى الرجل . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « أيها الناس ، هل تدرون ما هذا؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا جبريل » .(6/496)
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { يعلم السر وأخفى } قال : السر ما أسره ابن آدم في نفسه { وأخفى } ما خفي ابن آدم مما هو فاعلة ، قبل أن يعلمه ، فإنه يعلم ذلك كله ، فعلمه فيما مضى من ذلك ، وما بقي علم واحد وجميع الخلائق عنده في ذلك ، كنفس واحدة وهو كقوله : { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } [ لقمان : 28 ] .
وأخرج الحاكم وصححه ، عن ابن عباس في قوله : { يعلم السر وأخفى } قال : السر ما علمته أنت ، وأخفى ما قذف الله في قلبك مما لم تعلمه .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وأبو الشيخ في العظمة ، والبيهقي بلفظ : يعلم ما تسر في نفسك ، ويعلم ما تعمل غداً .
وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، عن قتادة في قوله : { يعلم السر وأخفى } قال : أخفى من السر ما حدثت به نفسك ، وما لم تحدث به نفسك أيضاً مما هو كائن .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { يعلم السر وأخفى } قال : الوسوسة ، والسر العمل الذي تسرون من الناس .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن الحسن قال : السر ما أسر الرجل إلى غيره ، وأخفى من ذلك ما أسر في نفسه .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير في الآية . قال : السر ما تسر في نفسك ، وأخفى من السر ، ما لم يكن بعد وهو كائن .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن عكرمة في الآية . قال : السر ما حدث به الرجل أهله ، وأخفى ما تكلمت به في نفسك .
وأخرج عبد بن حميد ، عن الضحاك في قوله : { يعلم السر وأخفى } قال : السر ما أسررت في نفسك { وأخفى } ما لم تحدث به نفسك .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة ، عن زيد بن أسلم في قوله : { يعلم السر وأخفى } قال : يعلم أسرار العباد { وأخفى } سره فلا نعلمه والله أعلم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { إني آنست ناراً } أي أحسست ناراً . { أو أجد على النار هدى } قال : من يهديني .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله : { أو أجد على النار هدى } قال : من يهديني إلى الطريق ، وكانوا شاتين فضلوا الطريق .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : { أو أجد على النار هدى } يقول : من يدل على الطريق .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { أو أجد على النار هدى } قال : يهديه الطريق .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة في قوله : { أو أجد على النار هدى } قال : هادٍ يهديني إلى الماء .(6/497)
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن وهب بن منبه قال : لما رأى موسى النار ، انطلق يسير ، حتى وقف منها قريباً ، فإذا هو بنار عظيمة : تفور من ورق شجرة خضراء شديدة الخضرة ، يقال لها العليق ، لا تزداد النار فيما يرى إلا عظماً وتضرماً ، ولا تزداد الشجرة على شدة الحريق ، إلا خضرة وحسناً! فوقف ينظر لا يدري ما يصنع ، إلا أنه قد ظن أنها شجرة تحترق ، وأوقد إليها موقد ، فنالها فاحترقت ، وإنه إنما يمنع النار ، شدة خضرتها ، وكثرة مائها ، وكثافة ورقها ، وعظم جذعها ، فوضع أمرها على هذا ، فوقف وهو يطمع أن يسقط منها شيء فيقتبسه ، فلما طال عليه ذلك ، أهوى إليها بضغث في يده وهو يريد أن يقتبس من لهبها ، فلما فعل ذلك موسى مالت نحوه كأنها تريده ، فاستأخر عنها وهاب ، ثم عاد فطاف بها ، ولم تزل تطمعه ويطمع بها ، ثم لم يكن شيء بأوشك من خمودها ، فاشتد عند ذلك عجبه وفكر موسى في أمرها ، فقال : هي نار ممتنعة لا يقتبس منها ، ولكنها تتضرم في جوف شجرة فلا تحرقها ، ثم خمودها على قدر عظمها في أوشك من طرفة عين . فلما رأى ذلك موسى قال : إن لهذه شأناً . ثم وضع أمرها على أنها مأمورة أو مصنوعة ، لا يدري من أمرها ولا بما أمرت ولا من صنعها ولا لم صنعت ، فوقف متحيراً لا يدري أيرجع أم يقيم؟ فبينا هو على ذلك ، إذ رمى بطرفه نحو فرعها فإذا هو أشد مما كان خضرة ساطعة في السماء ، ينظر إليها يغشى الظلام ، ثم لم تزل الخضرة تنوّر وتصفر وتبيض حتى صارت نوراً ساطعاً عموداً بين السماء والأرض ، عليه مثل شعاع الشمس ، تكل دونه الأبصار ، كلما نظر إليه يكاد يخطف بصره ، فعند ذلك اشتد خوفه وحزنه ، فرد يده على عينيه ، ولصق بالأرض وسمع الحنين والوجس . إلا أنه سمع حينئذ شيئا لم يسمع السامعون بمثله عظماً! فلما بلغ موسى الكرب واشتد عليه الهول نودي من الشجرة ، فقيل : يا موسى ، فأجاب سريعاً ، وما يدري من دعاه؟ وما كان سرعة إجابته إلا استئناساً بالإنس ، فقال لبيك مراراً إني لأسمع صوتك ، وأحس حسك ، ولا أرى مكانك ، فأين أنت؟ قال : أنا فوقك ومعك وخلفك وأقرب إليك من نفسك . فلما سمع هذا موسى علم أنه لا ينبغي هذا إلا لربه ، فأيقن به ، فقال : كذلك أنت يا إلهي ، فكلامك اسمع أم رسولك؟ قال : بل أنا الذي أكلمك فادن مني ، فجمع موسى يديه في العصا ، ثم تحامل حتى استقل قائماً ، فرعدت فرائصه حتى اختلفت ، واضطربت رجلاه ، وانقطع لسانه وانكسر قلبه ، ولم يبق منه عظم يحمل آخر ، فهو بمنزلة الميت ، إلا أن روح الحياة تجري فيه ، ثم زحف على ذلك وهو مرعوب ، حتى وقف قريباً من الشجرة التي نودي منها فقال له الرب تبارك وتعالى : { ما تلك بيمينك يا موسى } قال : هي عصاي .(6/498)
قال : ما تصنع بها؟ - ولا أحد أعلم منه بذلك - قال موسى : { أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى } قد علمتها ، وكان لموسى في العصا مآرب ، كان لها شعبتان ومحجن تحت الشعبتين ، فإذا طال الغصن حناه بالمحجن ، وإذا أراد كسره لواه بالشعبتين ، وكان يتوكأ عليها ويهش بها ، وكان إذا شاء ألقاها على عاتقه ، فعلق بها قوسه وكنانته ومرجامه ومخلاته وثوبه ، وزاداً إن كان معه ، وكان إذا ارتع في البرية حيث لا ظل له ركزها ، ثم عرض بالوتد بين شعبتيها ، وألقى فوقها كساءه فاستظل بها ما كان مرتعاً ، وكان إذا ورد ماء يقصر عنه رشاؤه وصل بها ، وكان يقاتل بها السباع عن غنمه . قال له الرب { ألقها يا موسى } فظن موسى أنه يقول : ارفضها . فألقاها على وجه الرفض ، ثم حانت منه نظرة ، فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون يرى! يلتمس كأنه يبتغي شيئاً يريد أخذه ، يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلتقمها ، ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها ، عينان توقدان ناراً ، وقد عاد المحجن عرقاً فيه شعر مثل النيازك ، وعاد الشعبتان فهما مثل القليب الواسع فيه أضراس وأنياب لها صريف ، فلما عاين ذلك موسى { ولى مدبراً ولم يعقب } [ النمل : 10 ] فذهب حتى أمعن ورأى أنه قد أعجز الحية ، ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم { نودي يا موسى } أن ارجع حيث كنت ، فرجع وهو شديد الخوف فقال : خذها بيمينك ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى . قال : وكان على موسى حينئذ مدرعة فجعلها في يده ، فقال له ملك : أرأيت يا موسى لو أذن الله بما تحاذر؟ أكانت المدرعة تغني عنك شيئاً قال : لا . ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت . فكشف عن يده ثم وضعها على فم الحية ، ثم سمع حس الأضراس والأنياب ، ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها ، وإذا يده في موضعها الذي كان يضعها إذا تؤكأ بين الشعبتين . قال له ربه : « ادن » . فلم يزل يدنيه - حتى شد ظهره بجذع الشجرة . فاستقر وذهبت عنه الرعدة ، وجمع يديه في العصا ، وخضع برأسه وعنقه ثم قال له : إني قد أقمتك اليوم في مقام لا ينبغي لبشر بعدك أن يقوم مقامك . . . إذ أدنيتك وقربتك حتى سمعت كلامي ، وكنت بأقرب الأمكنة مني ، فانطلق برسالتي ، فإنك بعيني وسمعي ، وإن معك يدي وبصري ، وإني قد ألبستك جبة من سلطاني ، لتكمل بها القوّة في أمري ، فأنت جند عظيم من جنودي ، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي ، بطر من نعمتي ، وأمن مكري ، وغرته الدنيا حتى جحد حقي ، وأنكر ربوبيتي ، وعد من دوني ، وزعم أنه لا يعرفني ، وإني لأقسم بعزتي : لولا العذر والحجة التي وضعت بيني وبين خلقي .(6/499)
. . لبطشت به بطشة جبار - يغضب لغضبه السموات والأرض والجبال والبحار - فإن أمرت السماء حصبته ، وإن أمرت الأرض ابتلعته ، وإن أمرت البحار غرقته ، وإن أمرت الجبال دمرته ، ولكنه هان عليّ وسقط من عيني ، وَسعَهُ حلمي ، واستغنيت بما عندي ، وحق لي أني أنا الغني لا غني غيري ، فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وتوحيدي ، وإخلاص اسمي ، وذكره بآياتي ، وحذره نقمتي وبأسي ، وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي { وقل له } فيما بين ذلك : { قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى } وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة ، ولا يروعنك ما ألبسته من لباس الدنيا ، فإن ناصيته بيدي ليس يطرف ولا ينطق ولا يتنفس إلا بإذني ، وقل له : أجب ربك فإنه واسع المغفرة فإنه قد أمهلك أربعمائة سنة؛ في كلها أنت مبارزه بالمحاربة ، تتشبه وتتمثل به وتصد عباده عن سبيله ، وهو يمطر عليك السماء ، وينبت لك الأرض ، لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب ، ولو شاء أن يجعل لك ذلك أو يسلبكه فعل ، ولكنه ذو أناة وحلم عظيم ، وجاهده بنفسك وأخيك ، وأنتما محتسبان بجهاده ، فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قبل له بها فعلت ، ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه : أن الفئة القليلة ، ولا قليل مني تغلب الفئة الكبيرة بإذني ، ولا يعجبنكما زينته ولا ما متع به ، ولا تمدا إلى ذلك أعينكما ، فإنها زهرة الحياة الدنيا ، وزينة المترفين ، وإني لو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ، يعلم فرعون - حين ينظر إليها - أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت ، ولكن أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما ، وكذلك أفعل بأوليائي ، وقد نما ما حويت لهم من ذلك ، فإني لأذودهم عن نعيمها ورخائها؛ كما يذود الراعي الشفيق غنمه من مواقع الهلكة ، وإني لأجنبهم شكوها وغنمها ، كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة ، وما ذاك لهوَانِهم عليّ ، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالماً موفراً لم تكلمه الدنيا ولم يطغه الهوى ، واعلم أنه لم يتزين إليّ العباد بزينة . . . هي أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا ، فإنه زينة المتقين عليهم منه : لباس يعرفون به من السكينة والخشوع { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } [ الفتح : 29 ] « أولئك هم أوليائي حقاً فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك ، وذلل لهم قلبك ولسانك ، واعلم أنه من أهان لي ولياً أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة ، وبادأني وعرض لي نفسه ودعاني إليها ، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي ، فيظن الذي يحاربني أو يعاديني أن يعجزني ، أو يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني ، وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة؟! لا أكل نصرتهم إلى غيري » قال : فأقبل موسى إلى فرعون في مدينة قد جعل حولها الأسد في غيضة قد غرسها ، والأسد فيها مع ساستها إذا أرسلها على أحد أكلته ، وللمدينة أربعة أبواب في الغيضة ، فأقبل موسى من الطريق الأعظم الذي يراه فرعون ، فلما رأته الأسد صاحت صياح الثعالب ، فأنكر ذلك الساسة وفرقوا من فرعون ، فأقبل موسى حتى انتهى إلى الباب الذي فيه فرعون فقرعه بعصاه وعليه جبة من صوف وسراويل ، فلما رآه البوّاب عجب من جراءته فتركه ولم يأذن له ، فقال هل تدري باب من أنت تضرب؟! إنما أنت تضرب باب سيدك .(6/500)
قال : أنت وأنا وفرعون عبيد لربي ، فأنا ناصره ، فأخبر البوّاب الذي يليه من البوابين ، حتى بلغ ذلك أدناهم ودونه سبعون حاجباً ، كل حاجب منهم تحت يده من الجنود ما شاء الله ، حتى خلص الخبر إلى فرعون فقال : أدخلوه عليّ ، فأدخل فلما أتاه قال له فرعون : أعرفك؟ قال : نعم . قال : { ألم نربك فينا وليداً } [ الشعراء : 18 ] قال : فرد إليه موسى الذي رد . قال : فرعون خذوه . فبادر موسى { فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين } [ الشعراء : 32 ] فحملت على الناس فانهزموا منها ، فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً ، قتل بعضهم بعضاً ، وقام فرعون منهزماً حتى دخل البيت فقال لموسى : { اجعل بيننا وبينك موعداً } ننظر فيه . قال : موسى : لم أؤمر بذلك ، إنما أمرت بمناجزتك ، وإن أنت لم تخرج إليّ دخلت عليك . فأوحى الله إلى موسى : أن اجعل بينك وبينه أجلاً ، وقل له : أن يجعله هو . قال فرعون : اجعله إلى أربعين يوماً ففعل . قال : وكان فرعون لا يأتي الخلاء إلا في كل أربعين يوماً مرة ، فاختلف ذلك اليوم أربعين مرة . قال : وخرج موسى من المدينة ، فلما مر بالأسد خضعت له بأذنابها ، وسارت مع موسى تشيعه ، ولا تهيجه ، ولا أحداً من بني إسرائيل .(7/1)
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
أخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن علي رضي الله عنه في قوله : { فاخلع نعليك } قال : كانتا من جلد حمار ميت ، فقيل له اخعلهما .
وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن رضي الله عنه قال : ما بال خلع النعلين في الصلاة؟ إنما أمر موسى بخلع نعليه ، إنهما كانا من جلد حمار ميت .
وأخرج عبد بن حميد ، عن كعب رضي الله عنه في قوله : { فاخلع نعليك } قال : كان نعلا موسى من جلد حمار ميت ، فأراد ربك أن يمسه القدس كله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الزهري في قوله : { فاخلع نعليك } قال : كانتا من جلد حمار أهلي .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه قال : كانت نعلا موسى التي قيل له اخعلهما : من جلد خنزير .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله : { فاخلع نعليك } قال كي تمس راحة قدميك الأرض الطيبة .
وأخرج الطبراني ، عن علقمة؛ أن ابن مسعود أتى أبا موسى الأشعري منزله ، فحضرت الصلاة فقال أبو موسى - رضي الله عنه - تقدم يا أبا عبد الرحمن ، فإنك أقدم سناً وأعلم . قال : لا . بل تقدم أنت ، فإنما أتيناك في منزلك ، فتقدم أبو موسى رضي الله عنه فخلع نعليه ، فلما صلى قال له ابن مسعود : - رضي الله عنه - لم خلعت نعليك؟ أبالواد المقدس أنت؟ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الخفين والنعلين .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { إنك بالواد المقدس } قال : المبارك { طوى } قال : اسم الوادي .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة - رضي الله عنه - في قوله : { بالواد المقدس } قال : الطاهر .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { بالواد المقدس } قال : واد بفلسطين قدس مرتين .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله : { بالواد المقدس طوى } يعني الأرض المقدسة ، وذلك أنه مر بواديها ليلاً فطوي . يقال : طويت وادي كذا وكذا ، والطاوي من الليل وارتفع إلى أعلى الوادي ، وذلك نبي الله موسى عليه السلام .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { إنك بالواد المقدس } قال المبارك : { طوى } قال : اسم الوادي .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مبشر بن عبيد { طوى } بغير نون وادٍ بإيلة زعم أنه طوي بالبركة مرتين .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { طوى } قال : طا الوادي .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي نجيح رضي الله عنه في قوله : { طوى } قال طا الأرض حافياً كما تدخل الكعبة حافياً .(7/2)
يقول : من بركة الوادي ، هذا قول سعيد بن جبير . قال : وكان مجاهد رضي الله عنه يقول : { طوى } اسم الوادي .
وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { بالواد المقدس طوى } قال : واد قدس مرتين واسمه { طوى } .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم أنه قرأ { طوى } برفع الطاء وبنون فيها .
وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « مكتوب على باب الجنة : إنني أنا الله لا إله إلا أنا لا أعذب من قالها » .
وأخرج ابن سعد وأبو يعلى والحاكم والبيهقي في الدلائل ، عن أنس رضي الله عنه قال : خرج عمر متقلداً بالسيف لقيه رجل من بني زهرة فقال له : أين تغدو يا عمر ، قال : أريد أن أقتل محمداً . قال : وكيف تأمن بني هاشم وبني زهرة؟ فقال له عمر : ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك! قال : أفلا أدلك على العجب؟! إن أختك وختنك قد صبآ وتركا دينك ، فمشى عمرا زائراً حتى أتاهما ، وعندهما خباب ، فلما سمع خباب بحس عمر ، توارى في البيت ، فدخل عليهما فقال : ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم وكانوا يقرأون { طه } فقالا : ما عدا حديثاً تحدثنا به . قال : فلعلكما قد صبأتما . فقال له خنته : يا عمر ، إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديداً : فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها ، فنفخها نفخة بيده فدمى وجهها . فقال عمر : أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرأه ، فقالت أخته : إنك رجس وإنه { لا يمسه إلا المطهرون } [ الواقعة : 79 ] فقم فتوضأ ، فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ { طه } حتى انتهى إلى { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري } فقال عمر : دلوني على محمد ، فلما سمع خباب قول عمر ، خرج من البيت فقال : أبشر يا عمر ، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك - ليلة الخميس - « اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ، أو بعمر بن هشام » فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج أبو نعيم في الحلية ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن جبريل - عليه السلام - قال : « قال الله عز وجل { إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني } » من جاءني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالإخلاص دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن عذابي « » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { وأقم الصلاة لذكري } قال : إذا صلى عبد ذكر ربه .(7/3)
وأخرج عبد بن حميد ، عن إبراهيم في قوله : { وأقم الصلاة لذكري } قال : حين تذكر .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن مردويه ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها ، فإن الله قال أقم الصلاة لذكري » .
وأخرج الترمذي وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « لما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر أسري ليلة حتى أدركه الكرى ، أناخ فعرس ثم قال : » يا بلال ، أكلأنا الليلة « قال : فصلى بلال ثم تساند إلى راحلته مستقبل الفجر ، فغلبته عيناه فنام ، فلم يستيقظ أحد منهم حتى ضربتهم الشمس ، وكان أولهم استيقاظاً النبي صلى الله عليه وسلم فقال : » أي بلال « فقال بلال : بأبي أنت يا رسول الله ، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، فقال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - » اقتادوا « ثم أناخ فتوضأ وأقام الصلاة ثم صلى مثل صلاته للوقت في تمكث ، ثم قال : » من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ، فإن الله قال : { أقم الصلاة لذكري } « وكان ابن شهاب يقرؤها » للذكرى « .
وأخرج الطبراني وابن مردويه ، عن عبادة بن الصامت قال : » سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل غفل عن الصلاة حتى طلعت الشمس أو غربت ما كفارتها؟ قال : « يتقرب إلى الله ويحسن وضوءه ويصلي فيحسن الصلاة ويستغفر الله فلا كفارة لها إلا ذلك » إن الله يقول : { أقم الصلاة لذكري } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر ، عن سمرة بن يحيى قال : نسيت صلاة العتمة حتى أصبحت ، فغدوت إلى ابن عباس فأخبرته فقال : قم فصلها ، ثم قرأ { أقم الصلاة لذكري } .
وأخرج عبد بن حميد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إذا نسيت صلاة فاقضها متى ما ذكرت .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن الشعبي وإبراهيم في قوله : { أقم الصلاة لذكري } قالا : صلِّها إذا ذكرتها وقد نسيتها .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن إبراهيم قال : من نام عن صلاة أو نسيها ، يصلي متى ذكرها عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ثم قرأ { أقم الصلاة لذكري } قال : إذا ذكرتها فصلها في أي ساعة كنت .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : « أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية فنزلنا دهاساً من الأرض - والدهاس الرمل - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : من يكلؤنا؟ قال بلال : أنا ، فناموا حتى طلعت عليهم الشمس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » افعلوا كما كنتم تفعلون « كذلك لمن نام أو نسي .
وأخرج ابن أبي شيبة ، عن أبي جحيفة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفره الذي ناموا فيه ، حتى طلعت الشمس ثم قال : » إنكم كنتم أمواتاً فرد الله إليكم أرواحكم ، فمن نام عن الصلاة أو نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ، وإذا استيقظ « .(7/4)
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { إن الساعة آتية أكاد أخفيها } يقول : لا أظهر عليها أحداً غيري .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { إن الساعة آتية أكاد أخفيها } قال : أكاد أخفيها من نفسي .
وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { أكاد أخفيها } قال : من نفسي .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن الأنباري ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قرأ « أكاد أخفيها من نفسي » . يقول : لأنها لا تخفى من نفس الله أبداً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه قال : ليس من أهل السموات والأرض أحد إلا وقد أخفى الله عنه علم الساعة ، وهي في قراءة ابن مسعود « أكاد أخفيها عن نفسي » . يقول : أكتمها من الخلائق حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي لفعلت .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه قال : في بعض القراءة « أكاد أخفيها عن نفسي » . قال : لعمري ، لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ، ومن الأنبياء والمرسلين .
وأخرج عبد بن حميد ، عن أبي صالح في قوله : { أكاد أخفيها } قال : يخفيها من نفسه .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن الأنباري ، عن ورقاء قال : أقرأنيها سعيد بن جبير { أكاد أخفيها } يعني بنصب الألف وخفض الفاء . يقول : أظهرها . ثم قال أما سمعت قول الشاعر :
دأت شهرين ثم شهراً دميكاً ... ما دميكين يخفيان عميرا
وأخرج ابن الأنباري ، عن الفراء قال : في قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه « أكاد أخفيها من نفسي فكيف أطلعكم عليها » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { لتجزى كل نفس بما تسعى } قال : لتعطى ثواب ما تعمل .
أخرج ابن أبي حاتم ، عن الشعبي رضي الله عنه وابن شبرمة قال : إنما سمي هوى ، لأنه يهوي بصاحبه إلى النار .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس : عصا موسى - قال - : أعطاه إياها ملك من الملائكة ، إذ توجه إلى مدين فكانت تضيء له بالليل ، ويضرب بها الأرض فيخرج له النبات ، ويهش بها على غنمه ورق الشجر .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : { هي عصاي أتوكأ عليها } قال : إذا مشى مع غنمه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله : { وأهش بها على غنمي } قال : أضرب بها الشجر فيتساقط منه الورق على غنمي .(7/5)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عمرو بن ميمون في قوله : { وأهش بها على غنمي } قال : الهش أن يخبط الرجل بعصاه الشجر ، فيتساقط الورق .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عمرو بن ميمون قال : الهش ، العصا بين الشعبتين ، ثم يحركها حتى يسقط الورق ، والخبط ، أن يخبط حتى يسقط الورق .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مالك بن أنس قال : الهش ، أن يضع الرجل المحجن في الغصن ، ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره ، ولا يكسر العود ، فهذا الهش ولا يخبط .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : { وأهش بها على غنمي } قال : أخبط بها الشجر . { ولي فيها مآرب أخرى } قال : حاجات أخرى .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولي فيها مآرب أخرى } قال : حوائج .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { مآرب أخرى } قال : حاجات ومنافع .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { مآرب أخرى } يقول : حوائج أخرى ، أحمل عليها المزود والسقاء .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ولي فيها مآرب أخرى } قال : كانت تضيء له بالليل ، وكانت عصا آدم عليه السلام .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس : { فألقاها فإذا هي حية تسعى } ولم تكن قبل ذلك حية ، فمرت بشجرة فأكلتها ، ومرت بصخرة فابتلعتها ، فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها ف { ولى مدبراً } [ النمل : 10 ] فنودي أن يا موسى خذها فلم يأخذها ثم نودي الثانية أن { خذها ولا تخف } فقيل له في الثالث : { إنك من الآمنين } [ القصص : 31 ] فأخذها .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { سنعيدها سيرتها الأولى } قال : حالتها الأولى .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { سنعيدها سيرتها الأولى } قال : هيئتها الأولى : { واضمم يدك إلى جناحك } قال : أدخل كفك تحت عضدك { تخرج بيضاء من غير سوء } قال : من غير برص .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { من غير سوء } قال : من غير برص .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه قال : أخرجها كأنها مصباح ، فعلم موسى أنه قد لقي ربه ، ولهذا قال تعالى : { لنريك من آياتنا الكبرى } .(7/6)
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)
أخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر ، عن أسماء بنت عميس قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإزاء ثبير وهو يقول : « أشرق ثبير أشرق ثبير اللهم إني أسألك بما سألك أخي موسى أن تشرح لي صدري وأن تيسر لي أمري وأن تحل عقدة من لساني { يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً } .
وأخرج السلفي في الطيوريات بسند واه ، عن أبي حعفر محمد بن علي قال : » لما نزلت { واجعل لي وزيراً من أهلي ، هارون أخي اشدد به أزري } كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جبل ، ثم دعا ربه وقال « اللهم اشدد أزري بأخي علي » فأجابه إلى ذلك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { واحلل عقدة من لساني } قال : عجمة بجمرة نار أدخلها في فيه ، عن أمر امرأة فرعون تدرأ به عنه عقوبة فرعون حين أخذ موسى بلحيته ، وهو لا يعقل . قال : هذا عدوّ لي ، فقالت امرأته : إنه لا يعقل .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : { واجعل لي وزيراً من أهلي ، هارون أخي } قال : كان أكبر من موسى .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عطية في قوله : { اشدد به أزري } قال ظهري .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : { اشدد به أزري } يقول : اشدد به أمري وقوّني به ، فإن لي به قوّة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وأشركه في أمري } قال : نُبِئَ هرون ساعتئذ حين نبئ موسى عليهما السلام .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عروة أن عائشة سمعت رجلاً يقول : إني لأدري أي أخ في الدنيا كان أنفع لأخيه : موسى حين سأل لأخيه النبوّة . فقالت : صدق والله .
وأخرج الحاكم ، عن وهب قال : كان هرون فصيحاً بين النطق يتكلم في تؤدة ويقول بعلم وحلم ، وكان أطول من موسى طولاً ، وأكبرهما في السن ، وأكثرهما لحماً ، وأبيضهما جسماً ، وأعظمهما ألواحاً ، وكان موسى جعداً آدم طوالاً ، كأنه من رجال شنوأة ، ولم يبعث الله نبياً إلا وقد كان عليه شامة النبوّة في يده اليمنى ، إلا أن يكون نبينا - صلى الله عليه وسلم - فإن شامة النبوّة كانت بين كتفيه .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأ { كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً } بنصب الكاف الأولى في كلهن .
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش : أنه كان يجزم هذه الكافات كلها .(7/7)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { فاقذفيه في اليم } قال هو النيل .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وألقيت عليك محبة مني } قال : كان كل من رآه ألقيت عليه منه محبة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سلمة بن كهيل - رضي الله عنه - في قوله : { وألقيت عليك محبة مني } قال : حببتك إلى عبادي .
وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة في قوله : { وألقيت عليك محبة مني } قال : حيث نظرت آسية وجه موسى ، فرأت حسناً وملاحة ، فعندها قالت لفرعون : { قرة عين لي ولك لا تقتلوه } [ القصص : 9 ] .
وأخرج الحكيم الترمذي ، عن أبي رجاء في قوله : { وألقيت عليك محبة مني } قال : الملاحة والحلاوة .
وأخرج ابن عساكر ، عن قتادة في قوله : { وألقيت عليك محبة مني } قال : حلاوة في عيني موسى ، لم ينظر إليه خلق إلا أحبه .
وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد - رضي الله عنه - قال : كنت مع عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - فتلقاه الناس يسلمون عليه ويحيونه ويثنون عليه ويدعون له - فيضحك ابن عمر - فإذا انصرفوا عنه ، أقبل علي فقال : إن الناس ليجيئون حتى لو كنت أعطيهم الذهب والفضة ما زادوا عليه ، ثم تلا هذه الآية { وألقيت عليك محبة مني } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي نهيك - رضي الله عنه - في قوله : { ولتصنع على عيني } قال : ولتعمل على عيني .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي عمران الجوني رضي الله عنه في قوله : { ولتصنع على عيني } قال : تربى بعين الله .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ولتصنع على عيني } قال : ولتغذى على عيني .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في الآية يقول : أنت بعيني إذ جعلتك أمك في التابوت ثم في البحر { إذ تمشي أختك } .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب ، عن ابن عمر : « سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ . يقول الله : { وقتلت نفساً فنجيناك من الغم } » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { فنجيناك من الغم } قال : من قتل النفس { وفتناك فتوناً } قال : أخلصناك إخلاصاً .
وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وفتناك فتوناً } قال : ابتليناك إبتلاء .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وفتناك فتوناً } قال : ابتليناك ببلاء نعمة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وفتناك فتوناً } قال : اختبرناك اختباراً .(7/8)
وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد في قوله : { وفتناك فتوناً } قال : بلاء إلقاؤه في التابوت ، ثم في اليم ، ثم التقاط آل فرعون إياه ، ثم خروجه خائفاً يترقب .
وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده ، وعبد بن حميد ، والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : سألت ابن عباس عن قول الله تعالى لموسى عليه السلام : { وفتناك فتوناً } فسألت عن الفتون ما هو؟ فقال : استأنف النهار يا ابن جبير ، فإن لها حديثاً طويلاً ، فلما أصبحت غدوت على ابن عباس ، لأتنجز ما وعدني من حديث الفتون فقال : تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله عز وجل - وعد إبراهيم عليه السلام - من أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكاً . فقال بعضهم : إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك ما يشكون فيه ، ولقد كانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب ، فلما هلك قالوا : ليس هذا كان وعد الله إبراهيم . قال فرعون : فكيف ترون؟ فائتمروا وأجمعوا أمرهم ، على أن يبعث رجالاً - معه الشفار - يطوفون في بني إسرائيل : فلا يجدون مولوداً إلا ذبحوه ، ففعلوا فلما رأوا أن الكبار يموتون بآجالهم ، وإن الصغار يذبحون قالوا : يوشك أن يفني بنو إسرائيل ، فتصيروا تباشروا الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم ، فاقتلوا عاماً كل مولود ذكر ، فتقل أبناؤهم . ودعوا عاماً لا تقتلوا منهم أحداً ، فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار؛ فإنهم لن يكثروا فتخافون مكاثرتهم إياكم ، ولن يفنوا بمن تقتلون فتحتاجون إليهم ، فاجمعوا أمرهم على ذلك ، فحملت أم موسى بهرون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان ، فولدت علانية آمنة ، حتى إذا كان في قابل حملت بموسى ، فوقع في قلبها الهم والحزن ، فذلك من الفتون يا ابن جبير ، لما دخل عليه في بطن أمه ما يراد به ، فأوحى الله إليها : أن : { لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } [ القصص : 7 ] وأمرها إذا ولدته أن تجعله في تابوت ، ثم تلقيه في اليم ، فلما ولدت فعلت ما أمرت به ، حتى إذا توارى عنها ابنها - أتاها الشيطان - وقالت في نفسها : ما فعلت بابني؟! لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إليّ من أن ألقيه إلى دواب البحر وحيتانه . فانطلق به الماء حتى أوفى به عند مستقى جواري امرأة فرعون ، فرأينه فأخذنه فهممن أن يفتحن الباب ، فقال بعضهن لبعض : إن في هذا لمالاً ، وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه ، فحملنه بهيئته لم يحركن منه شيئاً ، حتى دفعنه إليها ، فلما فتحته رأت فيه الغلام ، فألقي عليها محبة لم تلق منها على أحد من البشر قط ، { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } [ القصص : 10 ] من ذكر كل شيء ، إلا من ذكر موسى ، فلما سمع الذباحون بأمره ، أقبلوا إلى امرأة فرعون بشفارهم يريدون أن يذبحوه ، وذلك من الفتون يا ابن جبير ، فقالت للذباحين : إن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل ، وإني آتي فرعون فأستوهبه منه ، فإن وهبه لي فقد أحسنتم وأجملتم ، وإن أمر بذبحه لم ألمكم ، فلما أتت به فرعون قالت :(7/9)
{ قرة عين لي ولك لا تقتلوه } [ القصص : 9 ] قال فرعون : يكون لك ، وأمَّا لي فلا حاجة لي فيه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « والذي يحلف به ، لو أقر فرعون بأن يكون قرة عين له ، كما قالت امرأته لهداه الله به ، كما هدى به امرأته ولكن الله - عز وجل - حرمه ذلك ، فأرسلت إلى من حولها من كل امرأة لها لبن لتختار له ظئراً ، فكلما أخذته امرأة منهن لترضعه ، لم يقبل ثديها حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمنتع من اللبن ، فيموت فأحزنها ذلك ، فأمرت به فأخرج إلى السوق ، ومجمع الناس ترجو أن تجد له ظئراً يأخذ منها ، فلم يفعل ، وأصبحت أم موسى والهاً ، فقالت لأخته : قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكراً؟ أحي أم قد أكلته الدواب؟ ونسيت الذي كان وعد الله { فبصرت به أخته عن جنب وهم لا يشعرون } والجنب أن يسمو بصر الإنسان إلى شيء بعيد وهو إلى جنبه ، وهو لا يشعر به ( فقالت ) - من الفرح حين أعياهم الظوائر - { هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون } فأخذوها ، فقالوا : وما يدريك ما نصحهم له؟ هل يعرفونه حتى شكوا في ذلك؟ وذلك من الفتون يا ابن جبير . فقالت : نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في جانب الملك رجاء شفقته . فتركوها فانطلقت إلى أمه فأخبرتها الخبر فجاءت ، فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصه حتى امتلأ جنباه ريا ، وانطلق البشرى إلى امرأة فرعون يبشرونها : إنا قد وجدنا لابنك ظئراً . فأرسلت إليها فأتيت بها وبه ، فلما رأت ما يصنع قالت لها : امكثي عندي أرضعي ابني هذا - فإني لم أحب حبه شيئاً قط - قالت : لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع ، فإن طابت نفسك أن تعطينيه؟ فأذهب به إلى بيتي فيكون معي لا آلوه خيراً فعلت ، وإلا فإني غير تاركة بيتي وولدي . فذكرت أم موسى ما كان الله عز وجل وعدها ، فتعاسرت على امرأة فرعون لذلك ، وأيقنت أن الله عز وجل منجز وعده . فرجعت بابنها من يومها ، فأنبته الله نباتاً حسناً ، وحفظه لما قد قضى فيه ، فلم يزل بنو إسرائيل - وهم يجتمعون في ناحية القرية - يمتنعون به من الظلم والسخرة منذ كان فيهم ، فلما ترعرع ، قالت امرأة فرعون لأم موسى : أريد أن تريني ابني ، فوعدتها يوماً تزورها فيه به .(7/10)
فقالت لخزانها وجواريها وقهارمتها : لا يبقى منكم اليوم واحد إلا استقبل ابني بهدية وكرامة أرى ذلك فيه ، وأنا باعثة أميناً يحضر ما صنع كل إنسان منكم ، فلم تزل الهدايا والنحل والكرامة تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل عليها ، فلما دخل عليها أكرمته ونحلته وفرحت به وأعجبها ، ونحلت أمه لحسن أثرها عليه ، ثم قالت لأنطلقن به إلى فرعون فلينحلنه وليكرمنه . فلما دخلت به عليه وجعلته في حجره ، فتناول موسى لحية فرعون فمدها إلى الأرض ، فقالت له الغواة - من أعداء الله - : ألا ترى إلى ما وعد الله إبراهيم؟ إنه يرثك ويصرعك ويعلوك . فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه . وذلك من الفتون يا ابن جبير ، بعد كل بلاء ابتلي به ، وأريد به فتوناً . فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون ، فقالت : ما بدا لك في هذا الصبي الذي وهبته لي؟ قال : ألا ترينه يزعم أنه يصرعني ويعلوني!؟ قالت له : اجعل بيني وبينك أمراً تعرف فيه الحق؛ ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقربهن إليه ، فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين علمت أن يعقل ، وإن هو تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين ، فاعلم أن أحداً لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل . فلما قرب إليه الجمرتين واللؤلؤتين أخذ الجمرتين ، فانتزعهما منه مخافة أن يحرقا بدنه . فقال للمرأة : لا يذبح . وصرفه الله عنه بعد أن كان هم به ، وكان الله بالغ أمره فيه ، فلما بلغ أشده - وكان من الرجال - لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ، ولا بسخرة حتى امتنعوا كل الإمتناع . فبينما هو يمشي في ناحية المدينة ، إذا هو برجلين يقتتلان - أحدهما من بني إسرائيل والآخر من آل فرعون - فاستغاثة الإسرائيلي على الفرعوني ، فغضب موسى واشتد غضبه ، لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل ، وحفظه لهم : لا يعلم إلا أن ذلك من الرضاع من أم موسى ، إلا أن يكون الله تعالى أطلع موسى من ذلك على ما لم يطلع غيره عليه ، فوكز موسى الفرعوني فقتله ، وليس يراهما أحد إلا الله ، وموسى والإسرائيلي . ( فقال ) موسى : حين قتل الرجل { هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين } [ القصص : 15 ] ثم { قال ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له ، وأصبح في المدينة خائفاً يترقب } [ القصص : 17 ] الأخبار ، فأتى فرعون فقيل له : إن بني إسرائيل قتلوا رجلاً من آل فرعون ، فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم . فقال ائتوني به ومن شهد عليه ، فإن الملك - وإن كان صفوه مع قومه لا يستقيم له ، أن يقيد بغير بينة ولا ثبت ، فاطلبوا علم ذلك آخذ لكم بحقكم ، فبينما هم يطوفون فلا يجدون بينة ولا ثبتاً ، إذا موسى من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونياً آخر ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني ، فصادف موسى قد ندم على ما كان من وكزه الذي رأى ، فغضب من الإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم وقال :(7/11)
{ إنك لغوي مبين } [ القصص : 18 ] فنظر الإسرائيلي إلى موسى حين قال له ما قال - فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس - فخاف بعدما قال له : { إنك لغوي مبين } [ القصص : 18 ] أن يكون إياه أراد ، وإنما الفرعوني { فقال يا موسى ، أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس } [ القصص : 19 ] وإنما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى؛ فليقتله فيتداركا ، فانطلق الفرعوني إلى قومه ، فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي حين يقول : { أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس } [ القصص : 19 ] فأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى ، فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هينتهم يطلبون موسى وهم لا يخافون أن يفوتهم ( وجاء رجل ) من شيعة موسى { من أقصى المدينة } [ القصص : 20 ] فاختصر طريقاً قريباً حتى سبقهم إلى موسى فأخبره الخبر ، وذلك من الفتون يا ابن جبير ، فخرج موسى متوجهاً نحو مدين ، لم يلق بلاء مثل ذلك ، وليس له بالطريق علم إلا حسن ظنه بربه ، فإنه { قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } [ القصص : 22 ] { ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان } [ القصص : 23 ] يعني فلم تسقيا غنمهما قال : { ما خطبكما } [ القصص : 23 ] معتزلتين لا تسقيان مع الناس؟ قالتا : ليست لنا قوة نزاحم القوم ، وإنما ننتظر فضول حياضهم { فسقى لهما } [ القصص : 24 ] فجعل يغرف في الدلو ماءً كثيراً حتى كانتا أول الرعاة فراغاً - فانصرفتا إلى أبيهما بغنمهما ، وانصرف موسى إلى شجرة فاستظل بها { فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } فاستنكر أبو الجاريتين سرعة صدورهما بغنمهما حفلاً بطاناً وقال : إن لكما اليوم لشأناً : فحدثتاه بما صنع موسى . فأمر إحداهما أن تدعوه له ، فأتته فدعته . فلما كلمه { قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين } [ القصص : 25 ] ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان ، ولسنا في مملكته . قالت ابنته : { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } [ القصص : 26 ] فحملته الغيرة أن قال : وما يدريك ما قوته؟ وما أمانته؟ قالت : أما قوته : فما رأيت منه حين سقى لنا ، لم أر رجلاً قط أقوى في ذلك السقي منه حين سقى لنا . وأمانته : فإنه نظر حين أقبلت إليه وشخصت له ، فلما علم أني امرأة ، صوب رأسه ولم يرفعه ، ولم ينظر إليّ حين أقبلت إليه ، حتى بلغته رسالتك . فقال لي : امشي خلفي وانعتي لي الطريق ، فلم يقل هذا إلا وهو أمين ، فسري عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت . فقال : هل لك { أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين ، على أن تأجرني ثماني حجج ، فإن أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشق عليك } [ القصص : 27 ] ففعل وكانت على موسى ثماني حجج واجبة ، وكانت سنتان عدة منه ، فقضى الله عدته فأتمها عشراً .(7/12)
قال سعيد : فسألني رجل من أهل النصرانية من علمائهم : هل تدري أي الأجلين قضى موسى؟ قلت : لا . وأنا يومئذ لا أعلم . فلقيت ابن عباس ، فذكرت له الذي قال النصراني فقال : أما كنت تعلم أن ثمانياً واجبة؟ لم يكن موسى لينتقص منها ، وتعلم أن الله تعالى كان قاضياً عن موسى عدته التي وعد؟ فإنه قضى عشراً ، فأخبرت النصراني فقال : الذي أخبرك بهذا هو أعلم منك . قلت؛ أجل وأولى! ( سار موسى بأهله ) ورأى من أمر النار ما قص الله عليك في القرآن ، وأمر العصا ويده فشكا إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل ، وعقدة لسانه - فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام - فسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون؛ ليكون له ردءاً ، ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به ، فأتاه الله سؤاله فحل عقدة من لسانه ، وأوحى إلى هارون ، وأمره أن يلقى موسى ، فاندفع موسى بالعصا ، ولقي هارون فانطلقا جميعاً إلى فرعون ، فأقاما ببابه حيناً لا يؤذن لهما ، ثم أذن لهما بعد حجاب شديد فقالا : { إنا رسولا ربك } فقال : { ومن ربكما يا موسى } فأخبراه بالذي قص الله في القرآن . قال : فما تريدان؟ وذكره القتيل فاعتذر بما قد سمعت قال : أريد أن تؤمن بالله وترسل معي بني إسرائيل . فأبى عليه ذلك . وقال : ائت بآية إن كنت من الصادقين فألقى عصاه ، فتحوّلت حية عظيمة فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون ، - فلما رأى فرعون أنها قاصدة إليه - خافها فاقتحم عن سريره واستغاث بموسى : ( أن يكفها عنه ففعل ، وأخرج يده من جيبه بيضاء من غير سوء ) يعني برص ، ثم أعادها إلى كمه فصارت إلى لونها الأول . فاستشار الملأ فيما رأى ، فقالوا له : { هذان ساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى } يعنون ملكهم الذي هم فيه ، والعيش ، فأبوا على موسى أن يعطوه شيئاً مما طلب . وقالوا له : اجمع لهم السحرة - فإنهم بأرضنا كثير - حتى تغلب بسحرهم سحرهما { فأرسل فرعون في المدائن حاشرين } [ الشعراء : 54 ] فحشر له كل ساحر متعالم ، فلما أتوا فرعون قالوا : بم يعمل هذا الساحر . قالوا : يعمل بالحيات والحبال . وقالوا : فلا والله ، ما في الأرض قوم يعملون بالحيات والحبال والعصي بالسحر ما نعمل به! فما أجرنا إن غلبناه؟ قال لهم : أنتم أقاربي وخاصتي ، وأنا صانع بكم كل شيء أحببتم ، فتواعدوا ليوم الزينة { وأن يحشر الناس ضحى } قال سعيد : فحدثني ابن عباس : أن يوم الزينة - اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة - وهو يوم عاشوراء ، فلما اجتمعوا في صعيد واحد . قال الناس بعضهم لبعض : اذهبوا بنا فلنحضر هذا الأمر و { نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين }(7/13)
[ الشعراء : 40 ] - يعنون بذلك موسى وهارون استهزاء بهما - فقالوا : يا موسى - لقدرتهم بسحرهم - { إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين } [ الأعراف : 115 ] قال : ألقوا { فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون } [ الأعراف : 44 ] فرأى موسى من سحرهم ما أوجس منه خيفة . فأوحى الله إليه { أن ألق عصاك } [ القصص : 31 ] فلما ألقاها صارت ثعباناً عظيماً فاغرة فاها ، فجعل العصا بدعوة موسى تلتبس بالحبال ، حتى صارت [ ] جرداً إلى الثعبان ، حتى تدخل فيه حتى ما أبقت عصا ولا حبلاً إلا ابتلعته ، فلما عاين السحرة ذلك قالوا : لو كان هذا سحراً لم تبتلع من سحرنا كل هذا! ولكن هذا من أمر الله عز وجل . فآمنا بالله ، وبما جاء به موسى ، ونتوب إلى الله عز وجل مما كنا فيه ، فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه ، فظهر الحق وبطل ما كانوا يعملون { فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين } [ الأعراف : 119 ] وامرأة فرعون بارزة متبذلة - تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون - فمن رآها - من آل فرعون ظن أنها تبذلت شفقة على فرعون وأشياعه ، وإنما كان حزنها وهمها لموسى . فلما طال مكث موسى لمواعد فرعون الكاذبة ، كلما جاء بآية وعد عندها أن يرسل معه بني إسرائيل ، فإذا كشف ذلك عنه ، نكث عهده واختلف وعده ، حتى أمر موسى بقومه ، فخرج بهم ليلاً . فلما أصبح فرعون ورأى أنهم قد مضوا بعث في المدينة وحولها حاشرين ، فتبعهم جنود عظيمة كثيرة ، وأوحى الله إلى البحر : إذا ضربك عبدي موسى فانفرق له اثني عشر فرقاً ، حتى يجوز موسى ومن معه ، ثم التق بعد على من بقي من قوم فرعون وأشياعه . فنسي موسى أن يضرب بعصاه ، فدفع إلى البحر وله قصيف؛ مخافة أن يضربه بعصاه وهو غافل فيصير عاصياً { فلما تراءى الجمعان } وتقاربا { قال أصحاب موسى إنا لمدركون } [ الشعراء : 61 ] فافعل ما أمرك به ربك فإنك لم تكذب ولم تكذب . قال : وعدني ربي إذا انتهيت إلى البحر أن ينفرق لي حتى أجوز ، ثم ذكر بعد ذلك العصا ، فضرب البحر - حين دنا أوائل جند فرعون - من أواخر جند موسى فانفرق البحر - كما أمره الله وكما وعد موسى ، فلما جاز أصحاب موسى كلهم ، ودخل أصحاب فرعون كلهم ، التقى البحر عليهم كما أمره الله عز وجل ، فما أن جاوز البحر { قال أصحاب موسى إنا لمدركون } [ الشعراء : 61 ] إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق ، ولا نأمن هلاكه! فدعا ربه فأخرجه له ببدنه من البحر ، حتى استيقنوا . ثم مروا بعد ذلك { على قوم يعكفون على أصنام لهم ، قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة . قال إنكم قوم تجهلون ، إن هؤلاء مُتَبَّرٌ ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون } [ الأعراف : 138 ] قد رأيتم من العبر ما يكفيكم وسمعتم به ، فمضى حتى أنزلهم منزلاً ، ثم قال لهم : أطيعوا هارون فإني قد استخلفته عليكم ، وإني ذاهب إلى ربي ، وأجلهم ثلاثين يوماً أن يرجع إليهم فيها ، فلما أتى ربه وأراد أن يكلمه في ثلاثين يوماً - فصامهن ليلهن ونهارهن - كره أن يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم ، فتناول موسى من نبات الأرض شيئاً فمضغه .(7/14)
فقال له ربه : - حين أتاه - لم أفطرت؟ وهو أعلم بالذي كان . قال : يا رب ، إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح . قال : وما علمت يا موسى ، أن ريح فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك! ارجع حتى تصوم عشرة أيام ثم ائتني . ففعل موسى الذي أمره الله به ، فلما رأى قوم موسى أنه لم يأتهم للأجل ساءهم ذلك . وقد كان هارون خطبهم وقال له : إنكم خرجتم من مصر وعندكم ودائع لقوم فرعون وعوار ، ولكم فيهم مثل ذلك ، وأنا أرى أن تحتسبوا ما كان لكم عندهم ، ولا أحل لكم وديعة استودعتموها أو عارية ، ولسنا نرى أداء شيء من ذلك إليهم ، ولا مُمْسِكيه . فحفر حفرة وأمر كل قوم عندهم شيء من ذلك من متاع أو حلية بأن يدفنوه في الحفرة ، ثم أوقد عليه النار فأحرقه وقال : لا يكون لنا ولا لهم . وكان السامري رجلاً من قوم يعبدون البقر ، ليس من بني إسرائيل ، جار لهم ، فاحتمل مع بني إسرائيل حين احتملوا ، فقضى له أن رأى أثر الفرس ، فقبض منه قبضة فمر بهارون فقال له هارون : يا سامري . ألا تلقي ما في يديك؟ - وهو قابض عليه لا يراه أحد [ ] طوال ذلك - فقال : هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر ، فلا ألقيها لشيء ، إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها ، أن يكون ما أريد . قال : فألقاها ودعا له هارون . فقال : أريد أن يكون عجلاً ، فاجتمع ما كان في الحفرة من متاع : نحاس أو حديد أو حلى ، فصار عجلاً أجوف ليس فيه روح له خوار . فقال ابن عباس : والله ما كان له صوت ، ولكن الريح كانت تدخل في دبره وتخرج من فيه ، فكان ذلك الصوت من ذلك . فتفرق بنو إسرائيل فقالت فرقة : يا سامري ، ما هذا فإنك أنت أعلم به؟ فقال : هذا ربكم ، ولكن موسى أخطأ الطريق . فقالوا : لا نكذب بهذا { حتى يرجع إلينا موسى } [ طه : 91 ] فإن يك ربنا لم يكن ضيعنا وعجزنا حين رأيناه ، وإن لم يكن ربنا فإننا نتبع قول موسى . وقال فرقة : هذا من عمل الشيطان ، وليس ربنا ولا نصدق به ولا نؤمن به . وأشرب فرقة في قلوبهم التصديق بما قال السامري في العجل : وأعلنوا التكذيب و { قال لهم هارون يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن } وليس بهكذا .(7/15)
قالوا : فما بال موسى وعدنا ثلاثين ليلة ، ثم أخلفنا فهذه أربعون ليلة : فقال سفهاؤهم : أخطأ ربه فهو يطلبه ويتبعه ، فلما كلم الله موسى وقال ما قال له ، وأخبره بما لقي قومه من بعده ، { فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً } [ الأعراف : 150 ] فقال لهم ما سمعتم في القرآن { وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه } [ الأعراف : 150 ] من الغضب غير أنه عذر أخاه ، واستغفر ربه ، ثم انصرف إلى السامري فقال له : ما حملك على ما صنعت؟ فقال : { قبضت قبضة من أثر الرسول } وفطنت وعميت عليكم { فقذفتها وكذلك سوّلت لي نفسي } { قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس } إلى قوله : { في اليم نسفاً } ولو كان إلهاً لم يخلص إلى ذلك! فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة ، واغتبط الذين كان رأيهم رأي هارون ، فقالوا : يا موسى ، سل ربك أن يفتح لنا باب توبة نعملها ونكفر عنا ما عملنا { فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً } [ الأعراف : 155 ] لذلك لا يألوا لخير خيار بني إسرائيل ، ومن لم يشرك في العجل ، فانطلق بهم ليسأل ربهم التوبة ، فرجفت الأرض بهم فاستحيا موسى عليه السلام من قومه ، ووفده حين فعل بهم ذلك فقال : { رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء } [ الأعراف : 155 ] الآية . ومنهم من قد اطلع الله منه على ما أشرب قلبه العجل والإيمان به؛ فلذلك رجفت بهم الأرض . فقال : { رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون } [ الأعراف : 155 ] إلى قوله : { والإنجيل } [ الأعراف : 156 ] فقال : رب سألتك التوبة لقومي فقلت : إن رحمتك كتبتها لقوم غير قومي ، فليتك أخرتني حتى أخرج في أمة ذلك الرجل المرحومة . قال الله عز وجل : فإن توبتهم ، أن يقتل كل رجل منهم كل من لقي من والد أو ولد ، فيقتله بالسيف ولا يبالي من قبل ذلك الموطن فتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون ، وما اطلع الله عليهم من ذنوبهم فاعترفوا بها . وفعلوا ما أمروا به فغفر الله للقاتل والمقتول ، ثم سار بهم موسى متوجهاً نحو الأرض المقدسة ، فأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب ، وأمرهم بالذي أمره الله أن يبلغهم من الوظائف ، فثقلت عليهم وأبوا أن يقروا بها ، حتى نتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة ، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم ، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون ينظرون الأرض ، والكتاب الذي أخذوه بأيديهم ، وهم ينظرون إلى الجبل مخافة أن يقع عليهم ، ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة ، فوجدوا فيها مدينة جبارين ، خلقهم خلق منكر ، وذكروا من ثمارهم أمراً عجيباً من عظمها! فقالوا : يا موسى { إن فيها قوماً جبارين } [ المائدة : 22 ] لا طاقة لنا اليوم بهم ، ولا ندخلها ما داموا فيها { فإن يخرجوا منها فإنا داخلون } قال رجلان من الجبارين : آمنا بموسى ، فخرجا إليه فقالا : نحن أعلم بقومنا إن كنتم تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم ، فإنهم ليس لهم قلوب ولا منعة عندهم ،(7/16)
{ فادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون } [ المائدة : 23 ] ويقول أناس إنهما من قوم موسى ، وزعم سعيد أنهما من الجبارين ، آمنا بموسى . يقول : { من الذين يخافون أنعم الله عليهما } [ المائدة : 33 ] وإنما يعني بذلك الذين يخافهم بنو إسرائيل . فقالوا : { يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون } [ المائدة : 24 ] فأغضبوا موسى فدعا عليهم ، فسماهم فاسقين ، ولم يدع عليهم قبل ذلك ، لما رأى فيهم من المعصية وإساءتهم - حتى كان يومئذ - فدعا عليهم فاستجاب الله له ، وسماهم كما سماهم موسى فاسقين { فحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض } [ المائدة : 26 ] يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار ، ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وجعل لهم ثياباً لا تبلى ولا تتسخ ، وجعل بين ظهرانيهم حجراً مربعاً ، وأمر موسى فضربه بعصاه { فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً } [ البقرة : 60 ] في كل ناحية ثلاث عيون ، وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها ، لا يرتحلون بها من مرحلة إلا وجدوا ذلك الحجر منهم بالمكان الذي كان منهم بالمنزل الأوّل . رفع الحديث ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصدق ذلك عندي : أن معاوية بن أبي سفيان سمع من ابن عباس هذا الحديث ، فأنكر عليه : أن يكون الفرعوني هو الذي أفشى على موسى أمر القتيل . وقال : إنما أفشى عليه الإسرائيلي ، فأخذ ابن عباس بيده فانطلق إلى سعد بن مالك الزهري فقال : أرأيت يوم حدثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتيل موسى من آل فرعون ، من أفشى عليه؟ الإسرائيلي أو الفرعوني؟ قال : أفشى عليه الفرعوني ، بما سمع من الإسرائيلي الذي شهد ذلك وحضره .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { فلبثت سنين في أهل مدين } [ طه : 40 ] قال : عشر سنين { ثم جئت على قدر يا موسى } [ طه : 40 ] قال على موعد .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ثم جئت على قدر } قال : الميقات .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ثم جئت على قدر } قال : على موعد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله : { ولا تنيا في ذكري } قال لا تضعفا .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن قتادة - رضي الله عنه - مثله .
وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد - رضي الله عنه - مثله .
وأخرج الطستي ، عن ابن عباس : أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله - عز وجل - { ولا تنيا عن ذكري } قال : ولا تضعفا عن أمري .(7/17)
قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت الشاعر وهو يقول :
إني وجدك ما ونيت وإنني ... أبغي الفكاك له بكل سبيل
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله : { ولا تنيا } قال : لا تبطئا .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن علي رضي الله عنه في قوله : { فقولا له قولاً ليناً } قال : كنه .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : { فقولا له قولاً ليناً } قال : كنِّياه .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سفيان الثوري : { فقولا له قولاً ليناً } قال : كنياه يا أبا مرة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن { فقولا له قولاً ليناً } قال اعذرا إليه ، وقولا له : إن لك رباً ولك معاداً وإن بين يديك جنة وناراً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الفضل بن عيسى الرقاشي أنه تلا هذه الآية { فقولا له قولاً ليناً } فقال : يا من يتحبب إلى من يعاديه ، فكيف بمن يتولى ويناديه؟ .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { لعله يتذكر } قال : هل يتذكر .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { إنا نخاف أن يفرط علينا } قال : يعجل { أو أن يطغى } قال : يعتدي .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { إنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى } قال : عقوبة منه .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى } قال : أسمع ما يقول { وأرى } ما يجاوبكما ، فأوحي إليكما فتجاوباه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم بسند جيد ، عن ابن مسعود قال : لما بعث الله موسى إلى فرعون ، قال : رب ، أي شيء أقول؟ قال : قل أهيا شراً هيا . قال الأعمش : تفسير ذلك ، الحي قبل كل شيء ، والحي بعد كل شيء .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن ابن عباس قال : لما بعث الله موسى إلى فرعون قال : « لا يغرنكما لباسه الذي ألبسته ، فإن ناصيته بيدي ، فلا ينطق ولا يطرف إلا بإذني ، ولا يغرنكما ما متع به من زهرة الدنيا وزينة المترفين ، فلو شئت أن أزينكما من زينة الدنيا بشيء ، يعرف فرعون أن قدرته تعجز عن ذلك لفعلت ، وليس ذلك لهوانكما علي ، ولكني ألبستكما نصيبكما من الكرامة على أن لا تنقصكما الدنيا شيئاً ، وإني لأذود أوليائي عن الدنيا ، كما يذود الراعي إبله عن مبارك الغيرة ، وإني لأجنبهم كما يجنب الراعي إبله عن مراتع الهلكة ، أريد أن أنور بذلك صدورهم ، وأطهر بذلك قلوبهم فيَّ ، سيماهم الذين يعرفون وأمرهم الذي يفتخرون به ، وأعلم : أنه من أخاف لي ولياً فقد بارزني ، وأنا الثائر لأوليائي يوم القيامة » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبخاري ومسلم وابن مردويه من طريق ابن عباس ، عن أبي سفيان بن حرب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى هرقل « من محمد رسول الله ، إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في الشعب ، عن قتادة قال : التسليم على أهل الكتاب إذا دخلت عليهم بيوتهم أن تقول : السلام على من اتبع الهدى .(7/18)
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى } قال : من كذب بكتاب الله ، وتولى عن طاعة الله .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس في قوله : { الذي أعطى كل شيء خلقه } قال : خلق لكل شيء روحه ، ثم { هدى } قال : هداه لمنكحه ، ومطعمه ، ومشربه ، ومسكنه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { أعطى كل شيء خلقه } يقول : مثله ، أعطى الإنسان انسانة ، والحمار حمارة ، والشاة شاته : { ثم هدى } إلى الجماع .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن الحسن في قوله : { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } قال : أعطى كل شيء ما يصلحه ثم هداه له .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد - رضي الله عنه - في قوله : { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } قال : سوى خلق كل دابة ثم هداها لما يصلحها وعلمها إياه ، لم يجعل خلق الناس كخلق البهائم ، ولا خلق البهائم كخلق الناس ، ولكن { خلق كل شيء فقدره تقديراً } [ الفرقان : 2 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { أعطى كل شيء خلقه } قال : أعطى كل ذي خلق ما يصلحه من خلقه ، ولم يجعل الإنسان في خلق الدابة ، ولا الدابة في خلق الكلب ، ولا الكلب في خلق الشاة ، وأعطى كل شيء ما ينبغي له من النكاح ، وهيأ كل شيء على ذلك ، ليس منها شيء يملك شيئاً في فعاله ، في الخلق والرزق والنكاح { ثم هدى } قال : هدى كل شيء إلى رزقه وإلى زوجته .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { أعطى كل شيء خلقه } قال : أعطى كل شيء صورته { ثم هدى } قال : لمعيشته .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله : { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } قال : ألم تر إلى البعير كيف يقوم لصاحبه ينتظره! حتى يجيء هذا منه! .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { ثم هدى } قال : كيف يأتي الذكر الأنثى .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن سابط قال : ما أبهمت البهائم ، فلم تبهم عن أربع : تعلم أن الله ربها ، ويأتي الذكر الأنثى ، وتهتدي لمعايشها ، وتخاف الموت .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { قال فما بال القرون الأولى } يقول : فما حال القرون .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { لا يضل ربي } قال : لا يخطئ .(7/19)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { لا يضل ربي ولا ينسى } قال : هما شيء واحد .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { لا يضل ربي ولا ينسى } قال : { لا يضل ربي } الكتاب { ولا ينسى } ما فيه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي المليح قال : الناس يعيبون علينا الكتاب ، وقال الله تعالى : { علمها عند ربي في كتاب } .
وأخرج ابن سعد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي هلال قال : كنا عند قتادة فذكروا الكتاب وسألوه عن ذلك؟ فقال : وما بأس بذلك . أليس الله الخبير يخبر؟ قال : { فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب } .(7/20)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54)
أخرج ابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { فأخرجنا به أزواجاً } يقول : أصنافاً فكل صنف من نبات الأرض أزواج . النخل زوج صنف ، والأعناب زوج صنف ، وكل شيء تنبته الأرض أزواج .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { من نبات شتى } قال : مختلف وفي قوله : { لأولي النهى } قال : لأولي التقى .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { لأولي النهى } قال : لذوي الحجا والعقول .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { لأولي النهى } قال : لأولي الورع .
وأخرج ابن المنذر ، عن سفيان رضي الله عنه في قوله : { لأولي النهى } قال : الذين ينتهون عما نهوا عنه .(7/21)
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن عطاء الخراساني قال : إن الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه ، فيذره على النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة ، وذلك قوله منها خلقناكم وفيها نعيدكم .
وأخرج أحمد والحاكم ، عن أبي أمامة قال : « لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } » بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله « » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { تارة أخرى } قال مرة أخرى .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، ن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { مكاناً سوى } قال : منصفاً بينهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { مكاناً سوى } قال : نصفاً بيني وبينك .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه في قوله : { مكاناً سوى } قال : عدلاً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { مكاناً سوى } قال : مكاناً مستوياً يتبين الناس سواء فيه . لا يكون صوت ، ولا شيء يتغيب بعض ذلك ، عن بعض مستوحين يرى .(7/22)
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { موعدكم يوم الزينة } قال : يوم عاشوراء .
وأخرج ابن المنذر ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من صام يوم الزينة أدرك ما فاته من صيام تلك السنة ، ومن تصدق يومئذ بصدقة أدرك ما فاته من صدقة تلك السنة » يعني يوم عاشوراء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { قال موعدكم يوم الزينة } قال : هو يوم عيد كان لهم .
وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { قال موعدكم يوم الزينة } قال : هو عيدهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : { موعدكم يوم الزينة } قال : يوم السوق .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه قال : { موعدكم يوم الزينة } قال : يوم العيد : يوم يتفرغ الناس من الأعمال ، ويشهدون ويحضرون ويرون .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وأن يحشر الناس ضحى } قال : يجتمعون لذلك الميعاد الذي واعدوه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي نهيك أنه قرأ « وأن تحشر الناس ضحى » بالتاء وأن تشحر الناس أنت قال : فرعون يحشر قومه .(7/23)
قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ويذهبا بطريقتكم المثلى } قالوا : أولو العقل والشرف والأسنان .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ووكيع في الغرور ، عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله : { ويذهبا بطريقتكم المثلى } قال باشرافكم .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { ويذهبا بطريقتكم المثلى } قال : يذهبا بالذي أنتم عليه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وقد أفلح اليوم من استعلى } قال : من غلب .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { تلقف ما صنعوا } قال : ألقاها موسى فتحوّلت حية تأكل حبالهم وما صنعوا .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا أخذتم الساحر فاقتلوه » ثم قرأ { ولا يفلح الساحر حيث أتى } قال : لا يأمن حيث وجد .(7/24)
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عكرمة : أن سحرة فرعون كانوا تسعمائة فقالوا لفرعون : إن يكونا هذان ساحرين ، فإنا نغلبهم ، فإنه لا أسحر منا ، وإن كان من رب العالمين ، فلما كان من أمرهم { خروا سجداً } أراهم الله في سجودهم منازلهم التي إليها يصيرون فعندها قالوا : { لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات } إلى قوله : { والله خير وأبقى } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن القاسم بن أبي بزة قال : لما وقعوا سجداً رأوا أهل النار ، وأهل الجنة وثواب أهليهما فقالوا : { لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وما أكرهتنا عليه من السحر } قال : أخذ فرعون أربعين غلاماً من بني إسرائيل ، فأمر أن يعلموا السحر بالعوماء ، وقال : علموهم تعليماً لا يغلبهم أحد في الأرض . قال ابن عباس : فهم من الذين قالوا : { إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله : { والله خير وأبقى } قال : خير منك أن أطيع وأبقى منك عذاباً إن عصي .
وأخرج مسلم وأحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على هذه الآية { إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » أما أهلها الذين هم أهلها ، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، وأما الذين ليسوا بأهلها ، فإن النار تميتهم إماتة ، ثم يقوم الشفعاء فيشفعون ، فيؤتى بهم ضبائر على نهر يقال له الحياة أو الحيوان فينبتون كما ينبت القثاء في حميل السبيل والله أعلم « » .
وأخرج الطبراني ، عن أبي الدرداء ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « ثلاث من كن فيه ، لم ينل الدرجات العلى : من تكهن ، أو استقسم ، أو رده من سفره طيرة » .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب ، عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من كان وصلة لأخيه إلى سلطان في مبلغ بر ، أو مدفع مكروه ، رفعه الله في الدرجات » .
وأخرج ابن المبارك في الزهد وأبو نعيم في الحلية ، عن عون بن عبد الله قال : إن الله ليدخل خلقاً الجنة فيعطيهم حتى يملوا ، وفوقهم ناس في { الدرجات العلى } فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون : يا ربنا إخواننا كنا معهم فبم فضلتهم علينا؟ فيقال : هيهات . . ! إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون ، ويظمؤون حين تروون ، ويقومون حين تنامون ، ويستحصون حين تختصون .
وأخرج أحمد في الزهد ، عن ابن عمير قال : إن الرجل وعبده يدخلان الجنة ، فيكون عبده أرفع درجة منه ، فيقول : يا رب هذا كان عبدي في الدنيا؟! فيقال : إنه كان أكثر ذكراً لله تعالى منك .
وأخرج أبو داود وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الذري في أفق السماء ، وأن أبا بكر وعمر منهم وانعما » .(7/25)
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)
أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب في قوله : { فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً } قال : يابساً ليس فيه ماء ولا طين .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { طريقاً في البحر يبساً } قال : يابساً .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج قال : قال أصحاب موسى : هذا فرعون قد أدركنا ، وهذا البحر قد عمنا . فأنزل الله { لا تخاف دركاً ولا تخشى } من البحر غرقاً ولا وحلاً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { لا تخاف دركاً } قال : من آل فرعون { ولا تخشى } من البحر غرقاً .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : { فغشيهم من اليم } قال البحر .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { ولا تطغوا فيه } قال : الطغيان فيه أن يأخذه بغير حله .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم في قوله : { فيحل عليكم غضبي } قال : فينزل عليكم غضبي .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الأعمش أنه قرأ { من يحلل عليه غضبي } بكسر اللام على تفسير من يجب عليه غضبي .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي مجلز في قوله : { ومن يحلل عليه غضبي } قال : إن غضبه خلق من خلقه يدعوه فيكلمه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { فقد هوى } قال : شقي .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سقي بن ماتع : أن في جهنم قصراً يرمى الكافر من أعلاه ، فيهوي في جهنم أربعين ، قبل أن يبلغ الصلصال ، فذلك قوله : { ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { وإني لغفار لمن تاب } قال : من الشرك { وآمن } . قال : وحد الله { وعمل صالحاً } قال : أدى الفرائض { ثم اهتدى } قال : لم يشك .
وأخرج سعيد بن منصور والفريابي ، عن ابن عباس في قوله : { وإني لغفار } الآية . قال : تاب من الذنب ، وآمن من الشرك . وعمل صالحاً فيما بينه وبين ربه { ثم اهتدى } علم أن لعمله ثواباً يجزى عليه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { ثم اهتدى } قال : ثم استقام لفرقة السنة والجماعة .
وأخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور والبيهقي في الشعب من طريق عمرو بن ميمون ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : فعجل موسى إلى ربه فقال الله : { وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى } قال : فرأى في ظل العرش رجلاً فعجب له . فقال : من هذا يا رب؟ قال : لا أحدثك حديثه لكن سأحدثك بثلاث فيه : كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ، ولا يعق والديه ، ولا يمشي بالنميمة .(7/26)
وأخرج ابن مردويه ، عن وهب بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله لما وعد موسى أن يكلمه ، خرج للوقت الذي وعده ، فبينما هو يناجي ربه ، إذ سمع خلفه صوتاً ، فقال إلهي إني أسمع خلفي صوتاً ، قال : لعل قومك ضلوا ، قال : إلهي ، من أضلهم؟ قال : السامري . قال : كيف أضلهم؟ قال : صاغ لهم { عجلاً جسداً له خوار } قال : إلهي هذا السامري صاغ لهم العجل : فمن نفخ فيه الروح حتى صار له خوار؟ قال : أنا يا موسى ، قال : فبعزتك ، ما أَضَلَّ قومي أحد غيرك . قال : صدقت . قال : يا حكيم الحكماء ، لا ينبغي حكيم أن يكون أحكم منك » .
وأخرج ابن جرير في تهذيبه ، عن راشد بن سعد قال : إن موسى لما قدم على ربه - واعد قومه أربعين ليلة - قال : يا موسى ، إن قومك قد افتتنوا من بعدك . قال : يا رب كيف يفتنون؟ وقد نجيتهم من فرعون ، ونجيتهم من البحر ، وأنعمت عليهم ، وفعلت بهم؟! قال : يا موسى إنهم اتخذوا من بعدك عجلاً له خوار قال : يا رب ، فمن جعل فيه الروح؟ قال : أنا . قال : فأنت يا رب أضللتهم . قال : يا موسى ، يا رأس النبيين ، ويا أبا الحكام ، إني رأيت ذلك في قلوبهم ، فيسرته لهم .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، عن علي رضي الله عنه قال : لما تعجل موسى إلى ربه ، عمد السامري فجمع ما قدر عليه من حلي بني إسرائيل فضربه عجلاً ، ثم ألقى القبضة في جوفه ، فإذا هو عجل جسد له خوار فقال لهم السامري : { هذا إلهكم وإله موسى } فقال لهم هارون : { يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً } فلما أن رجع موسى أخذ رأس أخيه ، فقال له هارون ما قال ، فقال موسى للسامري : { ما خطبك } فقال : { قبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي } فعمد موسى إلى العجل ، فوضع عليه المبارد فبرده وهو على شطر نهر ، فما شرب أحد من ذلك الماء - ممن كان يعبد ذلك العجل - إلا اصفر وجهه مثل الذهب! فقالوا : يا موسى ، ما توبتنا؟ قال : يقتل بعضكم بعضاً ، فأخذوا السكاكين ، فجعل الرجل يقتل أباه وأخاه وابنه ، لا يبالي من قتل ، حتى قتل منهم سبعون ألفاً! فأوحى الله إلى موسى : مرهم فليرفعوا أيديهم ، فقد غفرت لمن قتل ، وتبت على من بقي .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما هجم فرعون على البحر وأصحابه - وكان فرعون على فرس أدهم حصان ، هاب الحصان أن يقتحم البحر ، فمثل له جبريل على فرس أنثى ، فلما رآها الحصان هجم خلفها ، وعرف السامري جبريل - لأن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه - فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه ، في واحدة لبناً ، وفي الأخرى عسلاً ، وفي الأخرى سمناً ، فلم يزل يغذوه حتى نشأ ، فلما عاينه في البحر عرفه ، فقبض قبضة من أثر فرسه .(7/27)
قال أخذ من تحت الحافر قبضة ، وألقى في روع السامري : إنك لا تلقيها على شيء فتقول كن كذا إلا كان ، فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر ، فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر ، أغرق الله آل فرعون . قال موسى لأخيه هارون { اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } ومضى موسى لموعد ربه ، وكان مع بني إسرائيل حلي من حلي آل فرعون ، فكأنهم تأثموا منه ، فأخرجوه لتنزل النار فتأكله ، فلما جمعوه قال السامري : بالقبضة هكذا ، فقذفها فيه ، وقال : كن عجلاً جسداً له خوار فصار { عجلاً جسداً له خوار } فكان يدخل الريح من دبره ، ويخرج من فيه يسمع له صوت! فقال { هذا إلهكم وإله موسى فعكفوا } على العجل يعبدونه . فقال هارون : { يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري } { قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كان السامري رجلاً من أهل ماجرما ، وكان من قوم يعبدون البقر ، فكان يحب عبادة البقر في نفسه ، وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل ، فلما فصل موسى إلى ربه قال لهم هارون : إنكم قد حملتم { أوزاراً من زينة القوم } آل فرعون ومتاعاً وحلياً فتطهروا منها ، فإنها رجس ، وأوقد لهم ناراً ، فقال : اقذفوا ما معكم من ذلك فيها ، فجعلوا يأتون بما معهم فيقذفون فيها ، ورأى السامري أثر فرس جبريل ، فأخذ تراباً من أثر حافره ، ثم أقبل إلى النار ، فقال لهارون يا نبي الله ، ألقي ما في يدي؟ قال : نعم . ولا يظن هارون إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحلي والأمتعة فقذفه فيها فقال : كن { عجلاً جسداً له خوار } ، فكان للبلاء والفتنة . فقال : { هذا إلهكم وإله موسى } { فعكفوا عليه } وأحبوه حباً لم يحبوا مثله شيئاً قط : يقول الله : { فنسي } أي ترك ما كان عليه من الإسلام ، يعني السامري { أفلا يرون أَلاَّ يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً } وكان اسم السامري : موسى بن ظفر وقع في أرض مصر ، فدخل في بني إسرائيل ، فلما رأى هارون ما وقعوا فيه قال : { يا قوم ، إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } فأقام هارون فيمن معه من المسلمين مخافة أن يقول له موسى : { فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي } وكان له سامعاً مطيعاً .(7/28)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن هارون مر بالسامري وهو يتنحت العجل فقال له : ما تصنع؟ قال : اصنع ما لا يضر ولا ينفع! فقال هارون : اللهم أعطه ما سأل على نفسه ، ومضى هارون فقال السامري : اللهم إني أسألك أن يخور ، فخار . فكان إذا خار سجدوا له ، وإذا خار رفعوا رؤوسهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن بني إسرائيل استعاروا حليا من القبط ، فخرجوا به معهم ، فقال لهم هارون : قد ذهب موسى إلى السماء اجمعوا هذا الحلي حتى يجيء موسى ، فيقضي فيه ما قضى ، فجمع ثم أذيب ، فلما ألقى السامري القبضة تحول { عجلاً جسداً له خوار } فقال : { هذا إلهكم وإله موسى فنسي } قال : إن موسى ذهب يطلب ربه ، فضل فلم يعلم مكانه وهو هذا .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن علي رضي الله عنه قال : إن جبريل لما نزل فصعد بموسى إلى السماء ، بصر به السامري من بين الناس ، فقبض قبضة من أثر الفرس ، وحمل جبريل موسى خلفه حتى إذا دنا من باب السماء صعد ، وكتب الله الألواح ، وهو يسمع صرير الأقلام في الألواح ، فلما أخبره أن قومه قد فتنوا من بعده ، نزل موسى فأخذ العجل فأحرقه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان السامري من أهل كرمان .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي رضي الله عنه قال انطلق موسى إلى ربه فكلمه قال له : { ما أعجلك عن قومك يا موسى } { قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى } قال : { فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري } فلما خبره خبرهم قال : يا رب ، هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل . أرأيت الروح من نفخها فيه؟ قال الرب : أنا . قال : يا رب . فأنت إذاً أضللتهم . ثم رجع { موسى إلى قومه غضبان أسفاً } قال : حزيناً { قال يا قوم ألم يَعِدَكُم ربكم وعداً حسناً } إلى قوله : { ما أخلفنا موعدك بملكنا } يقول : بطاقتنا { ولكنا حملنا أوزاراً من زينة القوم } يقول : من حلي القبط : { فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلاً جسداً خوار } { فعكفوا عليه يعبدونه } وكان يخور ويمشي . فقال لهم هارون : { يا قوم إنما فتنتم به } يقول ابتليتم بالعجل . قال : { فما خطبك يا سامري } ما بالك . إلى قوله : { وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليك عاكفاً لنحرقنه } قال : فأخذه فذبحه ثم خرقه بالمبرد . يعني سحكه ، ثم ذراه في اليم . فلم يبق نهر يجري يومئذ إلا وقع فيه منه شيء ، ثم قال لهم موسى : اشربوا منه ، فشربوا .(7/29)
فمن كان يحبه خرج على شاربيه الذهب ، فذلك حين يقول : { وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } قال : فلما سقط في أيدي بني إسرائيل حين جاء موسى { ورأوا أنهم قد ضلوا ، قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين } فأبى الله أن يقبل توبة بني إسرائيل؛ إلا بالحال التي كرهوا أنهم كرهوا أن يقاتلوهم ، حين عبدوا العجل { فقال موسى يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم ، فاقتلوا أنفسكم } فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف ، فكان من قتل من الفريقين شهيداً ، حتى كثر القتل ، حتى كادوا أن يهلكوا ، حتى قتل منهم سبعون ألفاً ، وحتى دعا موسى وهارون : ربنا هلكت بنو إسرائيل ، ربنا البقية . . . البقية ، فأمرهم أن يضعوا السلاح ، وتاب عليهم ، فكان من قتل منهم . . . . كان شهيداً ، ومن بقي كان مكفراً عنه ، فذلك قوله تعالى : { فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم } ثم إن الله تعالى أمر موسى : أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ، فوعدهم موعداً { فاختار موسى سبعين رجلاً } ثم ذهب ليعتذروا من عبادة العجل ، فلما أتوا ذلك ، قالوا : { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } فإنك قد كلمته فأرناه { فأخذتهم الصاعقة } فماتوا فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول : رب . ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم؟ { رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } فأوحى الله إلى موسى أن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل . فذلك حين يقول موسى : { إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { أفطال عليكم العهد } يقول : الوعد وفي قوله : { فأخلفتم موعدي } يقول : عهدي وفي قوله : { ما أخلفنا موعدك بملكنا } بأمر ملكنا { ولكنا حملنا أوزاراً } قال : أثقالاً من زينة القوم ، وهي الحلي الذي استعاروه من آل فرعون { فقذفناها } قال : فألقيناها { فكذلك ألقى السامري } قال : كذلك صنع { فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار } قال : حفيف الريح فيه . فهو خواره ، والعجل ولد البقرة .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { بملكنا } قال : بأمرنا .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ما أخلفنا موعدك بملكنا } قال : بطاقتنا .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { بملكنا } قال : بسلطاننا .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر ، عن يحيى أنه قرأ { بملكنا } وملكنا . واحد .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله : { هذا إلهكم وإله موسى فنسي } قال : نسي موسى أن يذكر لكم : إن هذا إلهه!
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه { فنسي } قال هم يقولونه ، قومه : أخطأ الرب العجل { أفلا يرون أَلاَّ يرجع إليهم قولاً } قال : العجل { ولا يملك لهم ضراً } قال : ضلالة .(7/30)
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن زيد في قوله : { قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعن } قال : تدعهم .
وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في الآية قال : أمره موسى أن يصلح ، ولا يتبع سبيل المفسدين ، فكان من إصلاحه أن ينكر العجل . فذلك قوله : { أن لا تتبعن أفعصيت أمري } كذلك أيضاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : { إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل } قال : خشيت أن يتبعني بعضهم ويتخلف بعضهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل } قال : قد كره الصالحون الفرقة قبلكم .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : { ولم ترقب قولي } قال : لم تنتظر قولي وما أنا صانع وقائل . قال : وقال ابن عباس رضي الله عنهما { لم ترقب قولي } لم تحفظ قولي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { قال فما خطبك يا سامري } قال : لم يكن اسمه ، ولكنه كان من قرية اسمها سامرة { قال بصرت بما لم يبصروا به } يعني فرس جبريل .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم ، أنه قرأ { بما لم يبصروا به } بالياء ورفع الصاد .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { فقبضت قبضة من أثر الرسول } قال : من تحت حافر فرس جبريل { فنبذتها } قال : نبذ السامري على حلية بني إسرائيل فانقلبت عجلاً .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { فقبضت قبضة من أثر الرسول } قال : قبض السامري قبضة من أثر الفرس فصره في ثوبه .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن الحسن أنه كان يقرؤها « فقبصت » بالصاد . قال : والقبص بأطراف الأصابع .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي الأشهب قال : كان الحسن يقرؤها « فقبصت قبصة » بالصاد ، يعني بأطراف أصابعه ، وكان أبو رجاء يقرؤها « فقبصت قبصة » بالصاد ، هكذا بجميع كفيه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : القبضة ملء الكف ، والقبصة بأطراف الأصابع .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم ، أنه قرأ { فقبضت قبضة } بالضاد على معنى القبض .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس } قال : عقوبة له { وإن لك موعداً لن تخلفه } قال : لن تغيب عنه .(7/31)
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً } قال : أقمت { لنحرقنه } قال : بالنار { ثم لننسفنه في اليم نسفاً } قال : لنذرينه في البحر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ { لنحرقنه } خفيفة . يقول : إن الذهب والفضة لا يحرقان بالنار ، يسحل بالمبرد ثم يلقى على النار فيصير رماداً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : في بعض القراءة « لنذبحنه ثم لنحرقنه » خفيفة . قال قتادة : وكان له لحم ودم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نهيك الأزدي ، أنه قرأ { لنحرقنه } بنصب النون وخفض الراء وخففها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : اليم ، البحر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال : اليم ، النهر .(7/32)
إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { وسع كل شيء علماً } يقول : ملأ .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي زيد في قوله : { وقد آتيناك من لدنا ذكراً } قال : القرآن .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { يحمل يوم القيامة وزراً } قال : إثماً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وساء لهم يوم القيامة حملاً } يقول : بئس ما حملوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : { وساء لهم يوم القيامة حملاً } قال : ليس هي ، وسألهم موصولة ينبغي أن يقطع ، فإنك إن وصلت لم تفهم وليس بها خفاء ، ساءلهم حملاً { خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملاً } قال : حمل السوء وبوئ صاحبه النار . قال : وإنما هي { وساء لهم } مقطوعة وساء بعدها لهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ، أن رجلاً أتاه فقال : أرأيت قوله : { ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً } وأخرى عمياً . قال : إن يوم القيامة فيه حالات : يكونون في حال زرقاً وفي حال عمياً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { يتخافتون بينهم } قال : يتسارّون .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { إذ يقول أمثلهم طريقة } قال : أعلمهم في نفسه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { إذ يقول أمثلهم طريقة } قال : أعدلهم من الكفار { إن لبثتم } أي في الدنيا { إلا يوماً } لما تقاصرت في أنفسهم .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : قالت قريش : يا محمد ، كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة؟ فنزلت { ويسألونك عن الجبال } الآية .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { فيذرها قاعاً } قال : مستوياً { صفصفاً } قال : لا نبات فيه { لا ترى فيها عوجاً } قال : وادياً { ولا أمتاً } قال : رابية .
وأخرج الطستي عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل : { فيذرها قاعاً صفصفاً } قال : القاع ، الأملس . والصفصف ، المستوي ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :
ملمومة شهباء لو قذفوا بها ... شماريخ من رضوى إذا عاد صفصفا
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة ، أنه سئل عن قوله : { قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً } قال : كان ابن عباس يقول : هي الأرض الملساء التي ليس فيها رابية مرتفعة ولا انخفاض .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله : { قاعاً صفصفاً } قال : مستوياً { لا ترى فيها عوجاً } قال : خفضاً { ولا أمتاً } قال : إرتفاعاً .(7/33)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله : { صفصفاً } قال : القاع : الأرض ، والصفصف : المستوية { لا ترى فيها عوجاً } قال : صدعاً . { ولا أمتاً } قال : أكمة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { لا ترى فيها عوجاً } قال : ميلاً { ولا أمتاً } قال : الأمت ، الأثر مثل الشراك .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : العوج ، الإرتفاع ، والأمت ، المبسوط .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في الآية قال : يعني بالأمت ، حفراً .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : { لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً } ما الأمت؟ قال : الشي الشاخص من الأرض ، قال فيه كعب بن زهير :
فأبصرت لمحة من رأس عكرشة ... في كافر ما به أمت ولا شرف
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : يحشر الله الناس يوم القيامة في ظلمة تطوى السماء وتتناثر النجوم وتذهب الشمس والقمر ، وينادي مناد فيسمع الناس الصوت يأتونه . فذلك قول الله : { يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله : { يتبعون الداعي لا عوج له } قال : لا عوج عنه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { لا عوج له } لا يميلون عنه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { لا تسمع إلا همساً } قال : الصوت الخفي .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { فلا تسمع إلا همساً } قال : صوت وطء الأقدام .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله : { فلا تسمع إلا همساً } قال : أصوات أقدامهم .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وسعيد في قوله : { فلا تسمع إلا همساً } قال : وطء الأقدام .
وأخرج عبد بن حميد عن حصين بن عبد الرحمن قال : كنت قاعداً عند الشعبي فمرت علينا إبل قد كان عليها جص فطرحته ، فسمعت صوت أخفافها فقال : هذا الهمس .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { فلا تسمع إلا همساً } قال : هو خفض الصوت بالكلام ، يحرك لسانه وشفتيه ولا يسمع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله : { إلا همساً } قال : سر الحديث وصوت الأقدام . والله أعلم .(7/34)
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وعنت الوجوه } قال : ذلت .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { وعنت الوجوه } قال : خشعت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { وعنت الوجوه } قال : استأسرت ، صاروا أسارى كلهم .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية { وعنت الوجوه } قال : خضعت .
وأخرج الطستي عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل : { وعنت الوجوه للحي القيوم } قال : استسلمت وخضعت يوم القيامة . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :
ليبك عليك كل عان بكربه ... وآل قصيّ من مقل وذي وفر
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وعنت الوجوه } قال : الركوع والسجود .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن طلق بن حبيب رضي الله عنه في قوله : { وعنت الوجوه للحي القيوم } قال : هو وضعك جبهتك وكفيك وركبتيك وأطراف قدميك في السجود .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جرير رضي الله عنه في قوله : { وقد خاب من حمل ظلماً } قال : شركاً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وقد خاب من حمل ظلماً } قال : شركاً . وفي قوله : { فلا يخاف ظلماً ولا هضماً } قال : { ظلماً } أن يزاد في سيئاته . { ولا هضماً } قال : لا ينقص من حسناته .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله : { فلا يخاف ظلماً ولا هضماً } قال : لا يخاف أن يظلم فيزاد في سيئاته ، ولا يهضم من حسناته .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { فلا يخاف ظلماً } قال : أن يزاد عليه أكثر من ذنوبه { ولا هضماً } قال : أن ينتقص من حسناته شيئاً .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا هضماً } قال : غصباً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { أو يحدث لهم ذكراً } قال : القرآن { ذكراً } قال : جداً وورعاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه جبريل بالقرآن ، أتعب نفسه في حفظه حتى يشق على نفسه ، يتخوف أن يصعد جبريل ولم يحفظه فينسى ما علمه .(7/35)
فقال الله : { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } وقال : { لا تحرك به لسانك لتعجل به } [ القيامة : 16 ] .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } يقول : لا تعجل حتى نبينه لك .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن الحسن قال : لطم رجل امرأته فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب قصاصاً ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص ، فأنزل الله { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علماً } فوقف النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت { الرجال قوّامون على النساء } [ النساء : 34 ] الآية .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن الحسن ، أنه قرأ { من قبل أن يقضى إليك وحيه } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ولا تعجل بالقرآن } قال : لا تمله على أحد حتى نتمه لك .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { من قبل أن يقضى إليك وحيه } قال : تبيانه .
وأخرج الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً ، والحمد لله على كل حال » .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن مسعود : أنه كان يدعو : اللهم زدني إيماناً وفقهاً ويقيناً وعلماً .(7/36)
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الصغير ، وابن منده في التوحيد ، والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنما سمي الإنسان : لأنه عهد إليه فنسي .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن عساكر ، عن أبي أمامة الباهلي قال : لو أن أحلام بني آدم جمعت منذ يوم خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فوضعت في كفة وحلم آدم في كفة ، لرجح حلمه بأحلامهم . ثم قال الله : { ولم نجد له عزماً } قال : حفظاً .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن قال : كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده . قال الله : { فنسي ولم نجد له عزماً } .
وأخرج عبد الغني بن سعيد في تفسيره ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { ولقد عهدنا إلى آدم } قال : أن لا يقرب الشجرة .
وأخرج ابن جرير وابن منده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولم نجد له عزماً } قال : حفظاً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فنسي } قال : فترك { ولم نجد له عزماً } يقول : لم نجعل له عزماً .
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن قول الله : { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تَسؤْكُم } [ المائدة : 101 ] قال : كان رجال من المهاجرين في أنسابهم شيء ، فقالوا يوماً ، والله لوددنا أن الله أنزل قرآناً في نسبنا . فأنزل الله ما قرأت ، ثم قال لي : إن صاحبكم هذا - يعني علي بن أبي طالب - إن ولِّي زهد ، ولكني أخشى عجب نفسه أن يذهب به . قلت : يا أمير المؤمنين ، إن صاحبنا من قد علمت . . . والله ما نقول أنه غيَّر ولا غدَل ولا أسخط رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام صحبته ، فقال : ولا في بنت أبي جهل . وهو يريد أن يخطبها على فاطمة ، قلت : قال الله في معصية آدم عليه السلام { ولم نجد له عزماً } وصاحبنا لم يعزم على إسخاط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الخواطر التي لم يقدر على دفعها عن نفسه . وربما كانت من الفقيه في دين الله العالم بأمر الله ، فإذا نبه عليها رجع وأناب . فقال : يا ابن عباس ، منْ ظَنّ أنه يرد بحوركم فيغوص فيها حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزاً .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، عن ابن عباس أنه قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين ، لم يذكر الرجل ولم ينس؟ فقال : إن على القلب طخاة كطخاة القمر ، فإذا تغشت القلب نسي ابن آدم ما كان يذكر ، فإذا انجلت ذكر ما نسي .(7/37)
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لا تأكلوا بشمائلكم ولا تشربوا بشمائلكم ، فإن آدم أكل بشماله فنسي فأورث ذلك النسيان .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عطية { ولم نجد له عزماً } قال : حفظا لما أمر به .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { ولم نجد له عزماً } قال : صبراً .
وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب قال : لو وزن حلم آدم بحلم العالمين لوزنه .
أخرج ابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير قال : لم يكن آدم من أولي العزم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { فنسي } قال : ترك ما قدم إليه ولو كان منه نسيان ما كان عليه شيء؛ لأن الله قد وضع عن المؤمنين النسيان والخطأ ، ولكن آدم ترك ما قدم إليه من أكل الشجرة .(7/38)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)
أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } قال : عنى به شقاء الدنيا ، فلا تلقى ابن آدم إلا شقياً ناصباً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة قال : لم يقل فتشقيان؛ لأنها دخلت معه فوقع المعنى عليهما جميعاً وعلى أولادهما ، كقوله : { يا أيها النبي إذا طلقتم } [ الطلاق : 1 ] و { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } [ التحريم : 1- 2 ] فدخلوا في المعنى معه وإنما كلم النبي وحده .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر ، عن سعيد بن جبير رضي الله عنهما قال : إن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض استقبله ثور أبلق ، فقيل له : اعمل عليه . فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول : هذا ما وعدني ربي { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى } ثم نادى حواء : أحواء ، أنت عملت في هذا؟ فليس أحد من بني آدم يعمل على ثور إلا قال : حوّاء دخلت عليهم من قبل آدم عليه السلام .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } قال : لا يصيبك فيها عطش ولا حر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله : { لا تظمأ } قال : لا تعطش { ولا تضحى } قال : لا يصيبك فيها حر .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله : { وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } قال : لا تعرق فيها من شدة الشمس . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت الشاعر يقول :
رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأما بالعشيّ فيخصر
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله : { ولا تضحى } قال : لا يصيبك حر الشمس .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، وهي شجرة الخلد » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : لما أسكن الله آدم الجنة وزوجته ونهاه عن الشجرة ، رأى غصونها متشعبة بعضها على بعض ، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم وهي الثمرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته ، فلما أراد إبليس أن يستزلهما دخل الحية ، وكانت الحية لها أربع قوائم كأنها بختية من أحسن دابة خلقها الله ، فلما دخلت الحية الجنة خرج من جوفها إبليس فأخذ من الشجرة التي نهى الله آدم وزوجته عنها فجاء بها إلى حواء فقال : انظري إلى هذه الشجرة ، ما أطيب ريحها! وأطيب طعمها وأحسن لونها! فأخذتها حواء فأكلتها ثم ذهبت بها إلى آدم فقالت : انظر إلى هذه الشجرة ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها! .(7/39)
. فأكل منها آدم { فبدت لهما سوآتهما } ، فدخل آدم في جوف الشجرة فناداه ربه : أين أنت؟ قال : ها أناذا يا رب . قال : ألا تخرج؟ قال : أستحي منك يا رب . قال : اهبط إلى الأرض . ثم قال : يا حواء ، غررت عبدي؟ فإنك لا تحملين حملاً إلا حملتِ كرْهاً ، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مراراً .
وقال للحية : أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غرّ عبدي . . . أنت ملعونة لعنة تتحوّل قوائمك في بطنك ولا يكون لك رزق إلا التراب ، أنت عدو بني آدم وهم أعداؤك ، أينما لقيت أحداً منهم أخذت بعقبيه وحيث ما لقيك أحد منهم شرخ رأسك . قيل لوهب : وهل كانت الملائكة تأكل؟ قال : يفعل الله ما يشاء .
وأخرج الحكيم الترمذي عن علقمة قال : اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الذي كأنه ميل ، فإنه جنها ولا يضر أحدكم كافراً قتل أو مسلماً .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان ، عن أبي عبد الله المغربي قال : تفكر إبراهيم عليه السلام في شأن آدم قال : يا رب ، خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك ، ثم بذنب واحد ملأت أفواه الناس حتى يقولوا : { وعصى آدم ربه فغوى } فأوحى الله إليه : يا إبراهيم ، أما علمت أن مخالفة الحبيب على الحبيب شديدة؟(7/40)
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)
أخرج الطبراني والخطيب في المتفق والمفترق وابن مردويه عن أبي الطفيل ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : { فمن اتبع هداي } .
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من اتبع كتاب الله ، هداه الله من الضلالة في الدنيا ووقاه سوء الحساب يوم القيامة » وذلك أن الله يقول : { فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان من طرق ، عن ابن عباس قال : أجار الله تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الآخرة . ثم قرأ : { فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } قال : لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده ، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في كتاب عذاب القبر ، عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً في قوله : { معيشة ضنكا } قال : عذاب القبر . ولفظ عبد الرزاق قال : يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه . ولفظ ابن أبي حاتم عن ضمة القبر .
وأخرج البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : إن المعيشة الضنك : أن يسلط عليه تسعة وتسعون تنيناً تنهشه في القبر .
وأخرج البزار وابن أبي حاتم عن أبي هريرة ، « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { فإن له معيشة ضنكاً } قال : المعيشة الضنك التي قال الله : » إنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية تنهش لحمه حتى تقوم الساعة « » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم من وجه آخر ، عن أبي هريرة « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { فإن له معيشة ضنكاً } قال : » عذاب القبر « » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت والحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « المؤمن في قبره في روضة خضراء ، ويرحب له قبره سبعين ذراعاً ، ويضيء حتى يكون كالقمر ليلة البدر . . . هل تدرون فيما أنزلت { فإن له معيشة ضنكاً } ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : عذاب الكافر في قبره ، يسلط عليه تسعة وتسعون تنيناً . . . هل تدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية ، لكل حية سبعة رؤوس يخدشونه ويلسعونه وينفخون في جسمه إلى يوم يبعثون » .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في كتاب عذاب القبر ، عن ابن مسعود قال : إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديق ذلك من كتاب الله ، إن المؤمن إذا وضع في قبره أجلس فيه فيقال له : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبته الله فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم .(7/41)
فيوسع له في قبره ويروّح له فيه . ثم قرأ عبد الله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } فإذا مات الكافر أجلس في قبره فيقال له : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول : لا أدري . قال : فيضيق عليه قبره ويعذب فيه . ثم قرأ : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { معيشة ضنكاً } قال : الشقاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { معيشة ضنكاً } قال : شدة عليه في النار .
وأخرج الطستي عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { معيشة ضنكاً } قال : الضنك ، الشديد من كل وجه . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :
والخيل قد لحقت بنا في مارق ... ضنك نواحيه شديد المقدم
وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني والبيهقي ، عن ابن مسعود في قوله : { فإن له معيشة ضنكاً } قال : عذاب القبر .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن مسعود مثله .
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن أبي صالح والربيع مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الحسن قال : المعيشة الضنك ، خصم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { معيشة ضنكاً } قال : يقول : كل مال أعطيته عبداً من عبادي قلّ أو كثر لا يطيعني فيه فلا خير فيه ، وهو الضنك في المعيشة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : { معيشة ضنكاً } قال : ضيقة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : { معيشة ضنكاً } قال : الضنك ، من المعيشة إذا وسع الله على عبده أن يجعل معيشته من الحرام ، فيجعله الله عليه ضيقاً في نار جهنم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن دينار في قوله : { معيشة ضنكاً } قال : يحول الله رزقه في الحرام ، فلا يطعمه إلا حراماً حتى يموت فيعذبه عليه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : { معيشة ضنكاً } قال : العمل السيء والرزق الخبيث .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : { معيشة ضنكاً } قال : في النار شوك وزقوم وغسلين والضريع ، وليس في القبر ولا في الدنيا معيشة ، ما المعيشة والحياة إلا في الآخرة .
وأخرج البيهقي عن مجاهد { معيشة ضنكاً } ضيقة يضيق عليه قبره .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { فإن له معيشة ضنكاً } قال : رزقاً { ونحشره يوم القيامة أعمى } قال : عن الحجة { قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً } قال : في الدنيا { قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } قال : تترك في النار .(7/42)
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله : { ونحشره يوم القيامة أعمى } قال : ليس له حجة .
وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عكرمة في قوله : { ونحشره يوم القيامة أعمى } قال : عمي عليه كل شيء إلا جهنم . وفي لفظ قال : لا يبصر إلا النار .
وأخرج هناد عن مجاهد في قوله : { لم حشرتني أعمى } قال : لا حجة له .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { أتتك آياتنا فنسيتها } يقول : تركتها أن تعمل بها . { وكذلك اليوم تنسى } قال : في النار . والله أعلم .(7/43)
وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)
أخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله : { وكذلك نجزي من أسرف } قال : من أشرك .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { أفلم يهد لهم } قال : ألم نبين لهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { أفلم يهد لهم } قال : أفلم نبين لهم { كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم } نحو عاد وثمود ومن أهلك من الأمم . وفي قوله : { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجل مسمى } قال : هذا من مقاديم الكلام يقول : لولا كلمة من ربك وأجل مسمى لكان لزاماً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً } قال : لكان أخذاً ، ولكنا أخرناهم إلى يوم بدر وهو اللزوم ، وتفسيرها { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجل مسمى } لكان لزاماً ، ولكنه تقديم وتأخير في الكلام .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : الأجل المسمى ، الكلمة التي سبقت من ربك { لكان لزاماً وأجل مسمى } قال : أجل مسمى الدنيا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { لكان لزاماً } قال : موتاً .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } قال : هي الصلاة المكتوبة .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس } قال : هي صلاة الفجر { وقبل غروبها } قال : صلاة العصر { ومن آناء الليل } قال : صلاة المغرب والعشاء { وأطراف النهار } قال : صلاة الظهر .
وأخرج الطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن جرير ، « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } قال : » { قبل طلوع الشمس } صلاة الصبح { وقبل غروبها } صلاة العصر « » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } قال : كان هذا قبل أن تفرض الصلاة .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان وابن مردويه ، عن جرير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، فافعلوا » ثم قرأ : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي ، عن عمارة بن رومية : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(7/44)
« لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها » .
وأخرج الحاكم عن فضالة بن وهب الليثي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : « حافظ على العصرين . قلت : وما العصران؟ قال : صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها » .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله : { ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار } قال : بعد الصبح وعند غروب الشمس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : { لعلك ترضى } قال : الثواب فيما يزيدك الله على ذلك .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبد الرحمن ، أنه قرأ { لعلك ترضى } برفع التاء .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن راهويه والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والخرائطي في مكارم الأخلاق ، وأبو نعيم في المعرفة عن أبي رافع قال : « أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيفاً ولم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم ما يصلحه ، فأرسلني إلى رجل من اليهود أن بعنا أو أسلِفْنا دقيقاً إلى هلال رجب . فقال : لا ، إلا برهن . فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : أما والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ، ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه ، اذهب بدرعي الحديد ، فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم } كأنه يعزيه عن الدنيا » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله : { ولا تمدن عينيك } الآية . قال : تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن أخوف ما أخاف عليكم ، ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا . قالوا : وما زهرة الدنيا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بركات الأرض » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { زهرة الحياة الدنيا } قال : زينة الحياة الدنيا { لنفتنهم فيه } قال : لنبتليهم فيه { ورزق ربك خير وأبقى } قال : مما متع به هؤلاء من زهرة الدنيا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ورزق ربك خير وأبقى } يقول : رزق الجنة .
وأخرج المرهبي في فضل العلم عن زياد الصدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من طلب العلم تكفل الله برزقه » .
وأخرج المرهبي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من غدا في طلب العلم ، أظلت عليه الملائكة ، وبورك له في معيشته ولم ينقص من رزقه وكان عليه مباركاً » .(7/45)
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { وأمر أهلك بالصلاة } قال : قومك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في قوله : { لا نسألك رزقاً } قال : لا نكلفك الطلب .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عروة ، أنه كان إذا دخل على أهل الدنيا فرأى من دنياهم طرفاً ، فإذا رجع إلى أهله فدخل الدار قرأ { ولا تمدن عينيك } إلى قوله : { نحن نرزقك } ثم يقول : الصلاة . . . الصلاة رحمكم الله .
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر وابن النجار ، عن أبي سعيد الخدري قال : « لما نزلت { وأمر أهلك بالصلاة } » كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيء إلى باب عليّ صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول : الصلاة رحمكم الله { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً } [ الأحزاب : 33 ] « » .
وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ثابت قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابت أهله خصاصة نادى أهله بالصلاة : صلوا . . . صلوا . . . » قال ثابت : وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد عن معمر ، عن رجل من قريش قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على أهله بعض الضيق في الرزق ، أمر أهله بالصلاة ثم قرأ { وأمر أهلك بالصلاة . . . } الآية » .
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر والطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح ، عن عبد الله بن سلام قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق ، أمرهم بالصلاة وتلا { وأمر أهلك بالصلاة . . . } الآية » .
وأخرج مالك والبيهقي عن أسلم قال : كان عمر بن الخطاب يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي ، حتى إذا كان آخر الليل أيقظ أهله للصلاة ويقول لهم : الصلاة . . . الصلاة . . . ويتلو هذه الآية : { وأمر أهلك بالصلاة } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة قال : قال لنا أبي : إذا رأى أحدكم شيئاً من زينة الدنيا وزهرتها ، فليأت أهله وليأمر أهله بالصلاة وليصطبر عليها ، فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم . . . . } وقرأ إلى آخر الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { والعاقبة للتقوى } قال : هي الجنة . والله أعلم .(7/46)
وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى } قال : التوراة والإنجيل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية قال : الهالك في الفترة والمعتوه والمولود يقول : رب لم يأتني كتاب ولا رسول . وقرأ هذه الآية { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { أصحاب الصراط السوي } قال : العدل .(7/47)
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)
أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة ، « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون } قال : » من أمر الدنيا « » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم ، عن ابن جريج في قوله : { اقترب للناس حسابهم } قال : ما يوعدون .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ما يأتيهم من ذكر من ربهم } يقول : ما ينزل عليهم شيء من القرآن . وفي قوله : { لاهية قلوبهم } قال : غافلة . وفي قوله : { وأسروا النجوى الذين ظلموا } يقول : أسروا الذين ظلموا النجوى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { وأسروا النجوى } قال : أسروا نجواهم بينهم { هل هذا إلا بشر مثلكم } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم { أفتأتون السحر } يقولون : إن متابعة محمد صلى الله عليه وسلم متابعة السحر . وفي قوله : { قال ربي يعلم القول } قال : الغيب وفي قوله : { بل قالوا أضغاث أحلام } قال : أباطيل أحلام .
وأخرج ابن منده وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي في سننه وابن عدي ، عن جندب البجلي أنه قتل ساحراً كان عند الوليد بن عقبة ثم قال : { أفتأتون السحر وأنتم تبصرون } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { بل قالوا أضغاث أحلام } أي فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها { بل افتراه بل هو شاعر } كل هذا قد كان منه { فليأتنا بآية كما أرسل الأوّلون } كما جاء موسى وعيسى بالبينات والرسل { ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها } أي أن الرسل كانوا إذا جاؤوا قومهم بالآيات فلم يؤمنوا لم ينظروا .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : « قال أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كان ما تقول حقاً ويسرك أن نؤمن ، فحوّل لنا الصفا ذهباً . فأتاه جبريل فقال : إن شئت كان الذي سألك قومك ، ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم ينظروا؛ وإن شئت استأنيت بقومك . قال : بل أستأني بقومي » فأنزل الله { ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { أفهم يؤمنون } قال : يصدقون بذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام } يقول : لم نجعلهم جسداً ليس يأكلون الطعام ، إنما جعلناهم جسداً يأكلون الطعام .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { وما كانوا خالدين } قال : لا بد لهم من الموت أن يموتوا . وفي قوله : { ثم صدقناهم الوعد } إلى قوله : { وأهلكنا المسرفين } قال : هم المشركون .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس في قوله : { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم } قال : فيه شرفكم .(7/48)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { كتاباً فيه ذكركم } قال : فيه حديثكم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن في قوله : { كتاباً فيه ذكركم } قال : فيه دينكم ، أمسك عليكم دينكم بكتابكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { كتاباً فيه ذكركم } يقول : فيه ذكر ما تعنون به وأمر آخرتكم ودنياكم .
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي ، عن ابن عباس قال : بعث الله نبياً من حمير يقال له شعيب ، فوثب إليه عبد فضربه بعصا فسار إليهم بختنصر فقاتلهم فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء ، وفيهم أنزل الله { وكم أهلكنا من قرية كانت ظالمة } إلى قوله : { خامدين } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن الكلبي { وكم قصمنا من قرية } قال : هي حصون بني أزد .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وكم قصمنا من قرية } قال : أهلكناها . وفي قوله : { لا تركضوا } قال : لا تفروا . وفي قوله : { لعلكم تسألون } قال : تتفهمون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال : كانوا إذا أحسوا بالعذاب وذهبت عنهم الرسل من بعد ما أنذروهم فكذبوهم ، فلما فقدوا الرسل وأحسوا بالعذاب أرادوا الرجعة إلى الإيمان وركضوا هاربين من العذاب ، فقيل لهم؛ لا تركضوا . فعرفوا أنه لا محيص لهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { إذا هم منها يركضون } قال : يفرون .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وارجعوا إلى ما أترفتم فيه } يقول : ارجعوا إلى دنياكم التي أترفتم فيها { لعلكم تسألون } من دنياكم شيئاً استهزاء بهم . وفي قوله : { فما زالت تلك دعواهم } قال : لما رأوا العذاب وعاينوه ، لم يكن لهم هجيري إلا قولهم : { إنا كنا ظالمين } حتى دمر الله عليهم وأهلكهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : { وارجعوا إلى ما أترفتم فيه } قال : ارجعوا إلى دوركم وأموالكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { فما زالت تلك دعواهم } قال : هم أهل حصون ، كانوا قتلوا نبيهم فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم . وفي قوله : { حتى جعلناهم حصيداً خامدين } قال : بالسيف ضربت الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب قال : حدثني رجل من المحررين قال : كان باليمن قريتان ، يقال لإحداهما حضور ، والأخرى فلانة ، فبطروا وأترفوا حتى كانوا يغلقون أبوابهم ، فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه ، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم فجهز إليهم جيشاً فقاتلوهم فهزموا جيشه ، ثم رجعوا منهزمين إليه فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأول فهزموهم أيضاً ، فلما رأى بختنصر ذلك غزاهم هو بنفسه فقاتلوه فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون ، فسمعوا منادياً يقول : { لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم } فرجعوا فسمعوا منادياً يقول : يا لثارات النبي ، فقتلوا بالسيف فهي التي قال الله : { وكم قصمنا من قرية } إلى قوله : { خامدين } .(7/49)
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { حتى جعلناهم حصيداً } قال : الحصاد { خامدين } قال : كخمود النار إذا طفئت .
وأخرج الطستي عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : { خامدين } قال : ميتين . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول :
خلوا ثيابهم على عوراتهم ... فهم بأفنية البيوت خمود(7/50)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين } يقول : ما خلقناهما عبثاً ولا باطلاً .(7/51)
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عكرمة في قوله : { لو أردنا أن نتخذ لهواً } قال : اللهو ، الولد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { لو أردنا أن نتخذ لهواً } الآية . يقول : لو أردت أن أتخذ ولداً لأتخذت من الملائكة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله : { لو أردنا أن نتخذ لهواً } قال : النساء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : اللهو بلسان اليمن ، المرأة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { لو أردنا أن نتخذ لهواً } قال : اللهو بلغة أهل اليمن ، المرأة . وفي قوله : { إن كنا فاعلين } أي ، إن ذلك لا يكون ولا ينبغي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله : { لو أردنا أن نتخذ لهواً } قال : نساء { لاتخذناه من لدنا } قال : من الحور العين .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { لو أردنا أن نتخذ لهواً } قال : لعباً .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { لاتخذناه من لدنا } قال : من عندنا { إن كنا فاعلين } أي ما كنا فاعلين . يقول : وما خلقنا جنة ولا ناراً ولا موتاً ولا بعثاً ولا حساباً ، وكل شيء في القرآن { إن } فهو إنكار .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { بل نقذف بالحق } قال : القرآن { على الباطل } قال : اللبس { فإذا هو زاهق } قال : هالك .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { ولكم الويل مما تصفون } قال : هي والله لكل واصف كذب إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { ومن عنده } قال : الملائكة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { ولا يستحسرون } يقول : لا يرجعون .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ولا يستحسرون } قال : لا يحسرون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله : { ولا يستحسرون } قال : لا يعيون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ولا يستحسرون } قال : لا ينقطعون من العبادة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الشعب ، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل رضي الله عنه ، أنه سأل كعباً عن قوله : { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } أما شغلهم رسالة؟ أما شغلهم عمل؟ فقال : جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس ، ألست تأكل وتشرب ، وتجيء وتذهب ، وتتكلم وأنت تتنفس؟ فكذلك جعل لهم التسبيح .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } قال : جعلت أنفاسهم تسبيحاً .
وأخرج أبو الشيخ عن يحيى بن أبي كثير قال : خلق الله الملائكة صمداً ليس لهم أجواف .(7/52)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون } قال : يحيون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون } يقول : ينشرون الموتى من الأرض ، يقول : يحيونهم من قبورهم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { أم اتخذوا آلهة من الأرض } يعني مما اتخذوا من الحجارة والخشب . وفي قوله : { لو كان فيهما آلهة إلا الله } قال : لو كان معهما آلهة إلا الله { لفسدتا فسبحان الله رب العرش } يسبح نفسه تبارك وتعالى إذا قيل عليه البهتان .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { لا يسأل عما يفعل } قال : بعباده { وهم يسألون } قال : عن أعمالهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } قال : لا يسأل الخلاق عما يقضي في خلقه ، والخلق مسؤولون عن أعمالهم .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر ، عن ابن عباس قال : ما في الأرض قوم أبغض إليّ من القدرية ، وما ذلك إلا لأنهم لا يعلمون قدرة الله تعالى . قال الله : { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } .
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن في بعض ما أنزل الله في الكتب : إني أنا الله لا إله إلا أنا ، قدرت الخير والشر فطوبى لمن قدرت على يده الخير ويسّرْتُه له ، وويل لمن قدرت على يده الشر ويسرته له . . إني أنا الله لا إله إلا أنا لا أُسْأَل عما أفعل وهم يسألون ، فويل لمن قال وكيف » .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ميمون بن مهران قال : لما بعث الله موسى وكلمه وأنزل عليه التوراة قال : اللهم إنك رب عظيم ، لو شئت أن تطاع لأطِعْت ، ولو شئت أن لا تُعْصَى ما عُصِيت ، وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعصى! فكيف هذا يا رب؟ فأوحى الله إليه : « إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون » .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن نوف البكالي قال : قال عزير فيما يناجي ربه : « يا رب ، تخلق خلقاً { تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء } [ الأعراف : 155 ] فقال له : يا عزير ، أعرض عن هذا . فأعاد ، فقيل له : لتعرضن عن هذا وإلا محوتك من النبوّة ، إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون » .
وأخرج البيهقي عن داود بن أبي هند ، أن عزيراً سأل ربه عن القدر فقال : سألتني عن علمي ، عقوبتك أن لا أسميك في الأنبياء .(7/53)
وأخرج الطبراني من طريق ميمون بن مهران ، عن ابن عباس قال : لما بعث الله موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة قال : اللهم إنك رب عظيم ولو شئت أن تطاع لأطعت ، ولو شئت أن لا تُعْصى ما عُصِيت ، وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعصى ، فكيف يا رب!؟ فأوحى الله إليه : إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون . فانتهى موسى .
فلما بعث الله عزيراً وأنزل عليه التوراة بعد ما كان رفعها عن بني إسرائيل ، حتى قال : من قال : إنه ابن الله؟ قال : اللهم إنك رب عظيم ، ولو شئت أن تطاع لأُطِعْت ، ولو شئت أن لا تُعْصى ما عُصِيت ، وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعصى ، فكيف يا رب!؟ فأوحى الله أني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون . فأبت نفسه حتى سأل أيضاً فقال : أتستطيع أن تصرّ صرة من الشمس؟ قال : لا . قال : أفتستطيع أن تجيء بمكيال من ريح؟ قال : لا . قال : أفتستطيع أن تجيء بمثقال من نور؟ قال : لا . قال : أفتستطيع أن تجيء بقيراط من نور؟ قال : لا . قال : فهكذا إن لا تقدر على الذي سألت إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، أما أني لا أجعل عقوبتك إلا أن أمحو اسمك من الأنبياء فلا تذكر فيهم . فمحي اسمه من الأنبياء فليس يذكر فيهم وهو نبي .
فلما بعث الله عيسى ورأى منزلته من ربه وعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ، قال : اللهم إنك رب عظيم ، لو شئت أن تُطاع لأطِعْت ، ولو شئت أن لا تعصى ما عُصيت ، وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعصى! فكيف هذا يا رب؟ فأوحى الله إليه : إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، وأنت عبدي ورسولي وكلمتي ألقيتك إلى مريم وروح مني ، خلقتك من تراب ثم قلت لك كن فكنت ، لئن لم تنته لأفعلن بك كما فعلت بصاحبك بين يديك . . . إني لا أسال عما أفعل وهم يسألون . فجمع عيسى من تبعه وقال : القدر سرّ الله فلا تكلفوه .(7/54)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم } يقول : هاتوا بينتكم على ما تقولون { هذا ذكر من معي } يقول : هذا القرآن فيه ذكر الحلال والحرام { وذكر من قبلي } يقول : فيه ذكر أعمال الأمم السالفة وما صنع الله بهم وإلى ما صاروا { بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون } عن كتاب الله { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } قال : أرسلت الرسل بالإخلاص والتوحيد لله ، لا يقبل منهم حتى يقولوه ويقروا به ، والشرائع تختلف في التوراة شريعة وفي الإنجيل شريعة وفي القرآن شريعة ، حلال وحرام فهذا كله في الإخلاص لله وتوحيد الله .(7/55)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه قال : قالت اليهود : إن الله عز وجل صاهر الجن فكانت بينهم الملائكة . فقال الله تكذيباً لهم { بل عباد مكرمون } أي الملائكة ليس كما قالوا ، بل هم عباد أكرمهم الله بعبادته { لا يسبقونه بالقول } يثني عليهم { ولا يشفعون } قال : لا تشفع الملائكة يوم القيامة { إلا لمن ارتضى } قال : لأهل التوحيد .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { إلا لمن ارتضى } قال : لمن رضي عنه .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { إلا لمن ارتضى } قال : قول لا إله إلا الله .
واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { إلا لمن ارتضى } قال : الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إله إلا الله .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في البعث ، عن جابر رضي الله عنه : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول الله { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } فقال : » إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي « » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ليلة أسري بي مررت بجبريل ، وهو بالملأ الأعلى ملقى كالحلس البالي من خشية الله » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : { ومن يقل منهم } يعني من الملائكة { إني إله من دونه } قال : ولم يقل ذلك أحد من الملائكة إلا إبليس ، دعا إلى عبادة نفسه وشرع الكفر .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ومن يقل منهم إني إله من دونه . . . } الآية . قال : إنما كانت هذه خاصة لإبليس .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { كانتا رتقاً ففتقناهما } قال : فتقت السماء بالغيث ، وفتقت الأرض بالنبات .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { كانتا رتقاً } قال : لا يخرج منهما شيء { ففتقناهما } قال : فتقت السماء بالمطر وفتقت الأرض بالنبات .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية من طريق عبدالله بن دينار ، عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رجلاً أتاه فسأله عن { السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما } قال : اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله ثم تعالَ فأخبرني ما قال . فذهب إلى ابن عباس فسأله قال : نعم ، كانت السماء رتقاء لا تمطر وكانت الأرض رتقاء لا تنبت ، فلما خلق الله الأرض فتق هذه بالمطر وفتق هذه بالنبات .(7/56)
فرجع الرجل على ابن عمر فأخبره فقال ابن عمر : الآن علمت أن ابن عباس قد أوتي في القرآن علماً ، صدق ابن عباس هكذا كانت .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { كانتا رتقاً } قال : ملتصقتين .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد حميد وابن المنذر وأبو الشيخ ، عن عكرمة قال : سئل ابن عباس عن الليل ، كان قبل أم النهار؟ قال : الليل . ثم قرأ { إن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما } فهل تعلمون كان بينهما إلا ظلمة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { كانتا رتقاً ففتقناهما } قال : فتق من الأرض ست أرضين معها ، فتلك سبع أرضين بعضهن تحت بعض ، ومن السماء سبع سموات منها معها ، فتلك سبع سموات بعضهن فوق بعض ولم تكن الأرض والسماء مماستين .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله : { كانتا رتقاً ففتقناهما } قال : كانت السماء واحدة ففتق منها سبع سموات ، وكانت الأرض واحدة ففتق منها سبع أرضين .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة في قوله : { كانتا رتقاً ففتقناهما } قال : كانتا جمعاً ففصل الله بينهما بهذا الهواء .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : كانت السموات والأرضون ملتزقتين ، فلما رفع الله السماء وابتزها من الأرض ، فكان فتقها الذي ذكر الله .
وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات ، « عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : » قلت : يا رسول الله ، إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني ، فأنبئني عن كل شيء ، قال : كل شيء خلق من الماء « » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أبي العالية رضي الله عنه في قوله : { وجعلنا من الماء كل شيء حي } قال : نطفة الرجل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { وجعلنا من الماء كل شيء حي } قال : خلق كل شيء من الماء ، وهو حياة كل شيء .(7/57)
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً } قال : بين الجبال .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { فجاجاً } أي أعلاماً { سبلاً } أي طرقاً .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : { وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً } قال : مرفوعاً { وهم عن آياتها معرضون } قال : الشمس والقمر والنجوم من آيات السماء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ، « أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ما يوم الجمعة؟ قال : خلق الله في ساعتين منه الليل والنهار » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { كل في فلك } قال : دوران { يسبحون } قال : يجرون .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { كل في فلك } قال : فلكة كفلكة المغزل { يسبحون } قال : يدورون في أبواب السماء ما تدور الفلكة في المغزل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { كل في فلك } قال : هو فلك السماء .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حسان بن عطية قال : الشمس والقمر والنجوم مسخرة في فلك بين السماء والأرض .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { كل في فلك } قال : الفلك الذي بين السماء والأرض من مجاري النجوم والشمس والقمر . وفي قوله : { يسبحون } قال : يجرون .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر ، عن الكلبي رضي الله عنه قال : كل شيء يدور فهو فلك .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { كل في فلك يسبحون } النجوم والشمس والقمر . قال : كفلكة المغزل ، قال : هو مثل حسبان ، قال : فلا يدور الغزل إلا بالفلكة ، ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل ، ولا يدور الرحى إلا بالحسبان ، ولا يدور الحسبان إلا بالرحى ، كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدرن إلا به ولا يدور إلا بهن ، قال : والحسبان والفلك يصيران إلى شيء واحد ، غير أن الحسبان في الرحى كالفلكة في المغزل .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { كل في فلك } قال : الفلك كهيئة حديدة الرحى .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { كل في فلك يسبحون } قال : يجرون في فلك السماء كما رأيت .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه { كل في فلك يسبحون } قال : هو الدوران .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه { كل في فلك يسبحون } قال : المغزل قال كما تدور الفلكة في المغزل .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه { كل في فلك يسبحون } قال : وكان عبدالله يقرأ « كل في فلك يعملون » .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { كل في فلك يسبحون } قال : يجرون .(7/58)
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)
أخرج ابن المنذر عن جريج قال : لما نعى جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه قال : يا رب ، فمن لأمتي فنزلت { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنه قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر رضي الله عنه في ناحية المدينة ، فجاء فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى فوضع فاه على جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يقبله ويبكي ويقول : بأبي وأمي طبت حياً وطبت ميتاً ، فلما خرج مرّ بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقول : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يموت حتى يقتل الله المنافقين وحتى يخزي الله المنافقين . قال : وكانوا قد استبشروا بموت النبي صلى الله عليه وسلم فرفعوا رؤوسهم فقال : أيها الرجل ، أربع على نفسك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات . . . ألم تسمع الله يقول : { إنك ميت وإنهم ميتون } [ الزمر : 30 ] وقال : { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون } قال : ثم أتى المنبر فصعده فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ، إن كان محمد صلى الله عليه وسلم إلهكم الذي تعبدون ، فإن محمداً قد مات؛ وإن كان إلهكم الذي في السماء ، فإن إلهكم لم يمت ثم تلا { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } [ آل عمران : 144 ] حتى ختم الآية . ثم نزل وقد استبشر المسلمون بذلك واشتد فرحهم وأخذت المنافقين الكآبة .
قال عبدالله بن عمر : فوالذي نفسي بيده ، لكأنما كانت على وجوهنا أغطية فكشفت .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن عائشة قالت : دخل أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وقد مات ، فقبله وقال : وانبياه! . . . واخليلاه! . . . واصفياه! . . . ثم تلا { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } الآية . وقوله : { إنك ميت وإنهم ميتون } .(7/59)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم واللالكائي في السنة ، عن ابن عباس في قوله : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } قال : نبتليكم بالشدة والرخاء والصحة والسقم ، والغنى والفقر ، والحلال والحرام ، والطاعة والمعصية ، والهدى والضلالة . والله أعلم .(7/60)
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : « مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يتحدثان ، فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان : هذا نبي بني عبد مناف . فغضب أبو سفيان فقال : ما تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبي . فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم فرجع إلى أبي جهل فوقع به وخوّفه وقال : ما أراك منتهياً حتى يصيبك ما أصاب عمك . وقال لأبي سفيان : أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية » فنزلت هذه الآية { وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزواً } الآية .(7/61)
خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن عكرمة قال : لما نفخ في آدم الروح ماد في رأسه فعطس فقال : الحمد لله . فقالت الملائكة : يرحمك الله ، فذهب لينهض قبل أن تمور في رجليه فوقع فقال الله : { خلق الإنسان من عجل } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : أول ما نفخ فيه الروح نفخ في رأسه ثم في ركبتيه ، فذهب ليقوم قال : { خلق الإنسان من عجل } .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { خلق الإنسان من عجل } قال : آدم حين خلق بعد كل شيء آخر النهار من يوم خلق الخلق ، فلما أجرى الروح في عينيه ولسانه ورأسه ولم يبلغ أسفله ، قال : يا رب ، استعجل بخلقي قبل غروب الشمس .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : نفخ الرب تبارك وتعإلى الروح في نافوخ آدم ، فأبصر ولم يعقل حتى إذا بلغ الروح قلبه ونظر فرأى الجنة ، فعرف أنه إن قام دخلها ولم يبلغ الروح أسفله فتحرك ، فذلك قوله تعالى : { خلق الإنسان من عجل } .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { خلق الإنسان من عجل } قال : خلق عجولاً . والله أعلم .(7/62)
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)
أخرج البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما منكم أحد إلا سيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه حجاب يحجبه ولا ترجمان يترجم له ، فيقول : ألم أوتك مالاً؟ فيقول : بلى . فيقول : ألم أرسل إليك رسولاً؟ فيقول : بلى . فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ، وينظر عن يساره فلا يرى إلا النار ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار ، فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فبكلمة طيبة » .(7/63)
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { قل من يكلؤكم } قال : يحرسكم . وفي قوله : { ولا هم منا يصحبون } قال : لا ينصرون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { ولا هم منا يصحبون } قال : لا ينصرون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { قل من يكلؤكم } قال : يحفظكم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { ولا هم منا يصحبون } قال : لا يجارون .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { ولا هم منا يصحبون } قال : لا يمنعون .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم } يعني الآلهة { ولا هم منا يصحبون } يقول : لا يصحبون من الله بخير . وفي قوله : { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } قال : كان الحسن يقول : ظهور النبي صلى الله عليه وسلم على من قاتله أرضاً أرضاً وقوماً قوماً ، وقوله : { أفهم الغالبون } أي ليسوا بغالبين ، ولكن الرسول هو الغالب . وفي قوله : { قل إنما أنذركم بالوحي } أي بهذا القرآن { ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون } يقول : إن الكافر أصم عن كتاب الله ، لا يسمعه ولا ينتفع به ولا يعقله كما يسمعه أهل الإيمان . وفي قوله : { ولئن مستهم نفحة } يقول : لئن أصابتهم عقوبة .(7/64)
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)
أخرج أحمد والترمذي وابن جرير في تهذيبه ، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، « عن عائشة أن رجلاً قال : » يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم ، فكيف أنا منهم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك ، وعقابك إياهم ، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلاً لك ، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك ولا عليك؛ وإن عقابك إياك فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل . فجعل الرجل يبكي ويهتف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما تقرأ كتاب الله { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } فقال الرجل : يا رسول الله ، ما أجد لي ولهم شيئاً خيراً من مفارقتهم . . . أشهدك أنهم أحرار « » .
وأخرج الحكيم الترمذي ي نوادر الأصول وابن أبي حاتم ، عن رفاعة بن رافع الزرقي قال : « قال رجل : يا رسول الله ، كيف ترى في رقيقنا نضربهم؟ فقال : توزن ذنوبهم وعقوبتكم إياهم ، فإن كانت عقوبتكم أكثر من ذنوبهم أخذوا منكم . قال : أفرأيت سبّنا إياهم؟ قال : توزن ذنوبهم وأذاكم إياهم ، فإن كان أذاكم إياهم أكثر أعطوا منكم . قال : أرأيت يا رسول الله ولدي أضربهم؟ قال : إنك لا تتهم في ولدك ولا تطيب نفسك ، تشبع ويجوعون وتكسى ويعرون » .
وأخرج الحكيم عن زيد بن أسلم قال : « قال رجل : يا رسول الله ، ما تقول في ضرب المماليك؟ قال : إن كان ذلك في كنهه ، وإلا أقيد منكم يوم القيامة . قيل : يا رسول الله ، ما تقول في سبهم؟ قال : مثل ذلك . قال : يا رسول الله ، فإنا نعاقب أولادنا ونسبهم! قال : إنهم ليسوا أولادكم؛ لأنكم لا تتهمون على أولادكم » .
وأخرج الحكيم عن زياد بن أبي زياد قال : « قال رجل : يا رسول الله ، إن لي مالاً وإن لي خدماً ، وإني أغضب فأعرم وأشتم وأضرب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : توزن ذنوبه بعقوبتك ، فإن كانت سواء فلا لك ولا عليك؛ وإن كانت العقوبة أكثر فإنما هو شيء يؤخذ من حسناتك يوم القيامة . فقال الرجل : أوه . . . أوه! . . . يؤخذ من حسناتي؟! أشهدك يا رسول الله أن مماليكي أحرار ، أنا لا أمسك شيئاً يؤخذ من حسناتي له . قال : فحسبت ماذا؟ ألم تسمع إلى قوله تعالى : { ونضع الموازين القسط } الآية » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والبيهقي في البعث ، عن ابن مسعود قال : يجاء بالناس يوم القيامة إلى الميزان فيتجادلون عنده أشد الجدال .(7/65)
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { ونضع الموازين القسط . . . } الآية . قال : هو كقوله : { والوزن يومئذ الحق } [ الأعراف : 8 ] .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد أنه كان يقرأ « وإن كان مثقال حبة من خردل آتينا بها » بمد الألف . قال : جازينا بها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عاصم بن أبي النجود ، أنه كان يقرأ { وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها } على معنى جئنا بها لا يمد أتينا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { وإن كان مثقال حبة } قال : وزن حبة . وفي قوله : { وكفى بنا حاسبين } قال : محصين .(7/66)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء } ويقول : خذوا هذه الواو واجعلوها ههنا { والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء } قال : انزعوا هذه الواو واجعلوها في { الذين يحملون العرش ومن حوله } [ غافر : 7 ] .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان } قال : التوراة .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان } قال : الفرقان ، التوراة حلالها وحرامها مما فرق الله بين الحق والباطل .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان } قال : الفرقان ، الحق آتاه الله موسى وهارون فرق بينهما وبين فرعون ، فصل بينهم بالحق . وقرأ { وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان } [ الأنفال : 41 ] قال : يوم بدر .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، عن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « قال الله تبارك وتعالى : وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين ، فمن خافني في الدنيا أمنته في الآخرة » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وهذا ذكر مبارك أنزلناه } أي هذا القرآن .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران قال : خصلتان فيهما البركة : القرآن والمطر . وتلا { وأنزلنا من السماء ماء } { وهذا ذكر مبارك } والله أعلم .(7/67)
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { ولقد آتينا إبراهيم رشده } قال : هديناه صغيراً . وفي قوله : { ما هذه التماثيل } قال : الأصنام .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : { ولقد آتينا إبراهيم رشده } يقول : آتيناه هداه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { التي أنتم لها عاكفون } قال : عابدون . وفي قوله : { قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين } أي على دين ، وإنا متبعوهم على ذلك .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب ، عن علي بن أبي طالب أنه مر على قوم يلعبون بالشطرنج فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لأن يمس أحدكم جمراً حتى يطفأ خير له من أن يمسها .
وأخرج ابن عساكر عن علي قال : لا يسلم على أصحاب النردشير والشطرنج .(7/68)
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مروا عليه فقالوا : يا إبراهيم ، ألا تخرج معنا؟ قال : إني سقيم ، وقد كان بالأمس قال : { تالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين } فسمعه ناس منهم ، فلما خرجوا انطلق إلى أهله فأخذ طعاماً ثم انطلق إلى آلهتهم فقرّبه إليهم فقال : ألا تأكلون؟ فكسرها إلا كبيرهم ، ثم ربط في يده الذي كسر به آلهتهم ، فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا فإذا هم بآلهتهم قد كسرت ، وإذا كبيرهم في يده الذي كسر به الأصنام ، قالوا : من فعل هذا بآلهتنا؟ فقال الذين سمعوا إبراهيم قال : { تالله لأكيدن أصنامكم } سمعنا فتى يذكرهم . فجادلهم عند ذاك إبراهيم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { وتالله لأكيدن أصنامكم } قال : قول إبراهيم حين استتبعه قومه إلى عيدهم فأبى وقال : إني سقيم ، فسمع منه وعيده أصنامهم رجل منهم استأخر ، وهو الذي قال : { سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم } ، وجعل إبراهيم الفأس التي أهلك بها أصنامهم مسندة إلى صدر كبيرهم الذي تُرِك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة ، أن أبا إبراهيم خليل الرحمن كان يعمل هذه الأصنام ثم يشكها في حبل ويحمل إبراهيم على عنقه ويدفع إليه المشكوك يدور يبيعها ، فجاء رجل يشتري فقال له إبراهيم : ما تصنع بهذا حين تشتريه؟ قال : أسجد له . قال له إبراهيم : أنت شيخ تسجد لهذا الصغير! إنما ينبغي للصغير أن يسجد للكبير فعندها { قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وتالله لأكيدن أصنامكم } قال : ترى أنه قال ذلك من حيث لا يسمعون { فجعلهم جذاذاً } قال : قطعاً { إلا كبيراً لهم } يقول : إلا كبير آلهتهم وأنفسها وأعظمها في أنفسهم . { لعلهم إليه يرجعون } قال : كايدهم بذلك لعلهم يتذكرون أو يبصرون . وفي قوله : { قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون } قال : كرهوا أن يأخذوه بغير بينة . وفي قوله : { أنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم . . . } إلى قوله : { أنتم الظالمون } قال : وهذه هي الخصلة التي كايدهم بها { ثم نكسوا على رؤوسهم } قال : أدركت القوم غيرة سوء فقالوا : { لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { جذاذاً } قال : حطاماً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { جذاذاً } قال : فتاتاً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : { بل فعله كبيرهم هذا } قال : عظيم آلهتهم .
وأخرج أبو داود والترمذي وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(7/69)
« لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث كلهن في الله : قوله إني سقيم ولم يكن سقيماً ، وقوله لسارة أختي ، وقوله : { بل فعله كبيرهم هذا } » .
وأخرج أبو يعلى عن أبي سعيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يأتي الناس إبراهيم فيقولون له : اشفع لنا إلى ربك . فيقول : إني كذبت ثلاث كذبات . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله ، قوله : { إني سقيم } [ الصافات : 89 ] وقوله : { بل فعله كبيرهم هذا } وقوله لسارة إنها أختي » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله : { فرجعوا إلى أنفسهم } قال : نظر بعضهم إلى بعض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد { ثم نكسوا على رؤوسهم } قال : في الرأي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله : { أف } يعني الرديء من الكلام .(7/70)
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)
أخرج ابن جرير عن مجاهد قال : تلوت هذه الآية على عبدالله بن عمر فقال : أتدري يا مجاهد من الذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار؟ قلت : لا . قال : رجل من أعراب فارس ، يعني الأكراد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم عليه السلام ما جمع وألقي في النار ، جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله؟ فكان أمر الله أسرع ، قال الله : { كوني برداً وسلاماً } فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت .
وأخرج أحمد والطبراني وأبو يعلى وابن أبي حاتم ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن في الأرض دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ ، فإنه كان ينفخ على إبراهيم » فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله .
وأخرج ابن مردويه عن أم شريك ، « أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ وقال : » كانت تنفخ على إبراهيم « » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، أخبرنا معمر عن قتادة عن بعضهم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « كانت الضفدع تطفئ النار عن إبراهيم ، وكانت الوزغ تنفخ عليه ، ونهى عن قتل هذا وأمر بقتل هذا » .
وأخرجه ابن المنذر فقال : أخبرنا أبو سعيد الشامي عن أبان عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تسبوا الضفدع ، فإن صوته تسبيح وتقديس وتكبير ، إن البهائم استأذنت ربها في أن تطفئ النار عن إبراهيم فأذن للضفادع ، فتراكبت عليه فأبدلها الله بحر النار برد الماء » .
وأخرج أبو يعلى وأبو نعيم وابن مردويه والخطيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما ألقي إبراهيم في النار قال : اللهم إنك في السماء واحد ، وأنا في الأرض واحد أعبدك » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر ، عن ابن عمرو قال : أول كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ، حسبنا الله ونعم الوكيل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار فكان فيها إما خمسين وإما أربعين ، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها ، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : لما ألقي إبراهيم خليل الرحمن في النار قال الملك خازن المطر : يا رب ، إن خليلك إبراهيم رجا أن يؤذن له فيرسل المطر ، فكان أمر الله أسرع من ذلك فقال : { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت .(7/71)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال : الذي قال حروقه ، هبون . فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { قلنا يا نار } قال : كان جبريل هو الذي قالها .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها { سلاماً } لمات إبراهيم من بردها ، فلم يبق في الأرض يومئذ نار إلا طفئت ، ظننت أنها هي تعنى .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن علي في قوله : { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً } قال : لولا أنه قال : { وسلاماً } لقتله بردها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن شمر بن عطية قال : لما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار ، نادى الملك الذي يرسل المطر : رب ، خليلك رجا أن يؤذن له فيرسل المطر . فقال الله : { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } فلم يبق في الأرض يومئذ نار إلا بردت .
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد من طريق أبي هلال ، عن بكر بن عبدالله المزني قال : لما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار ، جاءت عامة الخليقة فقالت : « يا رب ، خليلك يلقى في النار فائذن لنا نطفئ عنه . قال : هو خليلي ليس لي في الأرض خليل غيره ، وأنا آلهه ليس له إله غيري ، فإن استغاثكم فأغيثوه ، وإلا فدعوه » قال : وجاء ملك القطر قال : « يا رب ، خليلك يلقى في النار فائذن لي أن أطفئ عنه بالقطر . قال : هو خليلي ليس لي في الأرض خليل غيره ، وأنا إلهه ليس له إله غيري ، فإن استعان بك فأعنه وإلا فدعه » . قال : فلما ألقي في النار دعا بدعاء نسيه أبو هلال فقال الله عز وجل : { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } قال : فبردت في المشرق والمغرب فما أنضجت يومئذ كراعاً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير ، عن قتادة قال : قال كعب : ما انتفع أحد من أهل الأرض يومئذ بنار ولا أحرقت النار يومئذ شيئاً ، إلا وثاق إبراهيم .
وقال قتادة : لم تأت دابة يومئذ إلا أطفأت عنه النار ، إلا الوزغ .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : يذكرون أن جبريل كان مع إبراهيم في النار يمسح عنه العرق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية قال : لما ألقي إبراهيم في النار قعد فيها ، فأرسلوا إلى ملكهم فجاء ينظر متعجباً . . . ! فطارت منه شرارة فوقعت على إبهام رجله فاشتعل كما تشتعل الصوفة .(7/72)
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : خرج إبراهيم من النار يعرق لم تحرق النار إلا وثاقه ، فأخذوا شيخاً منهم فجعلوه على نار كذلك فاحترق .
وأخرج عبد بن حميد عن سليمان بن صرد . وكان قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - أن إبراهيم لما أرادوا أن يلقوه في النار ، جعلوا يجمعون له الحطب فجعلت المرأة العجوز تحمل على ظهرها ، فيقال لها : أين تريدين؟ فتقول : أذهب إلى هذا الذي يذكر آلهتنا . فلما ذهب به ليطرح في النار { قال إني ذاهب إلى ربي سيهدين } [ الصافات : 99 ] فلما طرح في النار قال : حسبي الله ونعم الوكيل . فقال الله : { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } فقال أبو لوط - وكان عمه - إن النار لم تحرقه من أجل قرابته مني . فأرسل الله عنقاً من النار فأحرقته .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير ، عن علي بن أبي طالب في قوله : { قلنا يا نار كوني برداً } قال : بردت عليه حتى كادت تؤذيه ، حتى قيل : { وسلاماً } قال : لا تؤذيه .
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يقل : { وسلاماً } لقتله البرد .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : إن أحسن شيء قاله أبو إبراهيم لما رفع عنه الطبق وهو في النار ، وجده يرشح جبينه فقال عند ذلك : نعم الرب ربك يا إبراهيم .
وأخرج ابن جرير عن شعيب الجبائي قال : ألقي إبراهيم في النار وهو ابن ست عشرة سنة ، وذبح إسحاق وهو ابن سبع سنين .
وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي ، عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار قال : يا إبراهيم ، ألك حاجة؟ قال : أما إليك فلا .
وأخرج ابن جرير عن أرقم ، أن إبراهيم عليه السلام قال : حين جعلوا يوثقونه ليلقوه في النار : « لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك » .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله : { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً } قال : السلام لا يؤذيه بردها ، ولولا أنه قال : { سلاماً } لكان البرد أشد عليه من الحر .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله : { فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين } قال : ألقوا شيخاً في النار منهم لأن يصيبوا نجاته كما نجا إبراهيم فاحترق .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مالك في قوله : { إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين } قال : الشام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب في قوله : { إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين } قال : الشام . وما من ماء عذب إلا يخرج من تلك الصخرة التي ببيت المقدس ، يهبط من السماء إلى الصخرة ثم يتفرق في الأرض .
وأخرج ابن عساكر عن عبدالله بن سلام قال : بالشام من قبور الأنبياء ألفا قبر وسبعمائة قبر ، وإن دمشق معقل الناس في آخر الزمان من الملاحم .(7/73)
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس ، قال لوط : كان ابن أخي إبراهيم عليهما السلام .
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال : لما هرب إبراهيم من كوثي وخرج من النار ، ولسانه يومئذ سرياني ، فلما عبر الفرات من حران غيّر الله لسانه فقلب عبرانياً حيث عبر الفرات ، وبعث نمرود في نحو أثره وقال : لا تدعوا أحداً يتكلم بالسريانية إلا جئتموني به ، فلقوا إبراهيم يتكلم بالعبرانية فتركوه ولم يعرفوا لغته .
وأخرج ابن عساكر عن حسان بن عطية قال : أغار ملك نبط على لوط عليه السلام فسباه وأهله ، فبلغ ذلك إبراهيم فأقبل في طلبه في عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر ، فالتقى هو وتلك النبط في صحراء معفور ، فعبى إبراهيم ميمنة وميسرة وقلباً ، وكان أول من عبى الحرب هكذا ، فاقتتلوا فهزمهم إبراهيم واستنقذ لوطاً وأهله .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية { ونجيناه } يعني إبراهيم { ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين } قال : هي الأرض المقدسة التي بارك الله فيها للعالمين؛ لأن كل ماء عذب في الأرض منها يخرج ، يعني من أصل الصخرة التي في بيت المقدس ، يهبط من السماء إلى الصخرة ثم يتفرق في الأرض .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر ، عن قتادة رضي الله عنه { ونجيناه ولوطاً } قال : كانا بأرض العراق ، فانجيا إلى أرض الشام . وكان يقال : الشام عماد دار الهجرة ، وما نقص من الأرض زيد في الشام ، وما نقص من الشام زيد في فلسطين . وكان يقال : هي أرض المحشر والمنشر ، وفيها ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام وبها يهلك الله شيخ الضلالة الدجال .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { إلى الأرض التي باركنا فيها } قال : الشام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب رضي الله عنه في قوله : { إلى الأرض التي باركنا فيها } قال : إلى حران .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { ووهبنا له إسحاق } قال : ولداً { ويعقوب نافلة } قال : ابن ابن .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه { ووهبنا له إسحاق } قال : أعطاه { ويعقوب نافلة } قال : عطية .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي في الآية قال : دعا بالحق فاستجيب له وزيد يعقوب .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحكم قال : النافلة ابن الابن .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وجعلناهم أئمة يهدون } الآية . قال : جعلهم الله أئمة يقتدى بهم في أمر الله .(7/74)
وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)
أخرج ابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي قال : كان في قوم لوط عشر خصال يعرفون بها : لعب الحمام ، ورمي البندق ، والمكاء ، والخذف في الأنداء ، وتسبيط الشعر ، وفرقعة العلك ، واسبال الإزار ، وحبس الأقبية ، وإتيان الرجال ، والمنادمة على الشراب ، وستزيد هذه الأمة عليها .
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وابن عساكر ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ستة من أخلاق قوم لوط في هذه الأمة : الجلاهق ، والصفر ، والبندق ، والخذف ، وحل إزار القباء ، ومضغ العلك .
وأخرج إسحاق بن بشر والخطيب وابن عساكر ، عن الحسن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « عشر خصال عملتها قوم لوط ، بها اهلكوا ، وتزيدها أمتي بخلة : إتيان الرجال بعضهم بعضاً ، ورميهم بالجلاهق ، والخذف ، ولعبهم الحمام ، وضرب الدفوف ، وشرب الخمور ، وقص اللحية ، وطول الشارب ، والصفر ، والتصفيق ، ولباس الحرير ، وتزيدها أمتي بخلة : إتيان النساء بعضهم بعضاً » .
وأخرج ابن عساكر عن الزبير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كل سنن قوم لوط قد فقدت إلا ثلاثاً : جر نعال السيوف ، وقصف الأظفار ، وكشف العورة » .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : { وأدخلناه في رحمتنا } قال : في الإسلام .(7/75)
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)
أخرج الحاكم عن وهب قال : داود بن إيشا بن عويد بن عابر من ولد يهوذا بن يعقوب ، وكان قصيراً أزرق قليل الشعر طاهر القلب .
وأخرج ابن جرير عن مرة رضي الله عنه في قوله : { إذ يحكمان في الحرث } قال : كان الحرث نبتاً ، فنفشت فيه ليلاً فاختصموا فيه إلى داود فقضى بالغنم لأصحاب الحرث ، فمروا على سليمان فذكروا ذلك له فقال : لا تدفع الغنم . فيصيبون منها ويقوم هؤلاء على حرثهم ، فإذا عاد كما كان ردوا عليهم فنزلت { ففهمناها سليمان } .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والحاكم و البيهقي في سننه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله : { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم } قال : كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم ، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم ، فقال سليمان : أغير هذا يا نبي الله؟ قال : وما ذاك؟ قال : تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان ، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها ، حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم لصاحبه ودفعت الغنم إلى صاحبها . فذلك قوله : { ففهمناها سليمان } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مسروق قال : الحرث الذي { نفشت فيه غنم القوم } إنما كان كرماً نفشت فيه غنم القوم فلم تدع فيه ورقة ولا عنقوداً من عنب إلا أكلته ، فأتوا داود فأعطاهم رقابها ، فقال سليمان : إن صاحب الكرم قد بقي له أصل كرمه وأصل أرضه ، بل تؤخذ الغنم فيعطاها أهل الكرم فيكون لهم لبنها وصوفها ونفعها ، ويعطى أهل الغنم الكرم فيعمرونه ويصلحونه حتى يعود كالذي كان ليلة نفشت فيه الغنم ، ثم يعطى أهل الغنم غنمهم وأهل الكرم كرمهم .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وداود وسليمان } إلى قوله : { وكنا لحكمهم شاهدين } يقول : كنا لما حكما شاهدين ، وذلك أن رجلين دخلا على داود : أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم ، فقال صاحب الحرث : إن هذا أرسل غنمه في حرثي فلم تبق من حرثي شيئاً . فقال له داود : اذهب فإن الغنم كلها لك . فقضى بذلك داود ، ومر صاحب الغنم بسليمان فأخبره بالذي قضى به داود ، فدخل سليمان على داود فقال : يا نبي الله ، إن القضاء سوى الذي قضيت . فقال : كيف؟ قال سليمان : إن الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه في كل عام ، فله من صاحب الغنم أن ينتفع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتى يستوفي ثمن الحرث ، فإن الغنم لها نسل كل عام . فقال داود : قد أصبت ، القضاء كما قضيت . ففهمها الله سليمان .
وأخرج ابن جرير وعبد الرزاق عن مجاهد في الآية قال : أعطاهم داود رقاب الغنم بالحرث ، وحكم سليمان بجزة الغنم وألبانها لأهل الحرث ، وعليهم رعاؤها ويحرث لهم أهل الغنم حتى يكون الحرث كهيئته يوم أكل ، ثم يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم .(7/76)
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : النفش بالليل والهمل بالنهار . ذكر لنا أن غنم القوم وقعت في زرع ليلاً فرفع ذلك إلى داود ، فقضى بالغنم لأصحاب الزرع فقال سليمان : ليس كذلك ، ولكن له نسلها ورسلها وعوارضها وجزازها ، حتى إذا كان من العام المقبل كهيئته يوم أكل ، دفعت الغنم إلى أربابها وقبض صاحب الزرع زرعه . قال الله : { ففهمناها سليمان } .
وأخرج ابن جرير عن قتادة والزهري في الآية قال : نفشت غنم في حرث قوم فقضى داود أن يأخذوا الغنم ففهمها الله سليمان ، فلما أخبر بقضاء داود قال : لا ، ولكن خذوا الغنم ولكم ما خرج من رسلها وأولادها وأصوافها إلى الحول .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت امرأة عابدة من بني إسرائيل ، وكانت تبتلت وكان لها جاريتان جميلتان ، وقد تبتلت المرأة لا تريد الرجال ، فقالت إحدى الجاريتين للأخرى : قد طال علينا هذا البلاء ، أما هذه فلا تريد الرجال ولا نزال بشر ما كنا لها ، فلو أنا فضحناها فرجمت فصرنا إلى الرجال . فأتيا ماء البيض فأتياها وهي ساجدة ، فكشفتا عن ثوبها ونضحتا في دبرها ماء البيض ، وصرختا : إنها قد بغت . وكان من زنى فيهم حدّه الرجم ، فرفعت إلى داود وماء البيض في ثيابها فأراد رجمها ، فقال سليمان : ائتوا بنار ، فإنه إن كان ماء الرجال تفرق؛ وإن كان ماء البيض اجتمع . فأتي بنار فوضعها عليه فاجتمع فدرأ عنها الرجم ، فعطف داود على سليمان فأحبه .
ثم كان بعد ذلك أصحاب الحرث وأصحاب الشياه ، فقضى داود عليه السلام بالغنم لأصحاب الحرث فخرجوا وأخرجت الرعاة معهم الكلاب فقال سليمان : كيف قضى بينكم؟ فأخبروه فقال : لو وليت أمرهم لقضيت بغير هذا القضاء . فقيل لداود عليه السلام : إن سليمان يقول كذا وكذا . فدعاه فقال : كيف تقضي بينهم؟ فقال : أدفع الغنم إلى أصحاب الحرث هذا العام فيكون لهم أولادها وسلالها وألبانها ومنافعها ، ويذر أصحاب الحرث الحرث هذا العام ، فإذا بلغ الحرث الذي كان عليه أخذ هؤلاء الحرث ودفعوا إلى هؤلاء الغنم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { نفشت } قال : رعت .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله : { نفشت } قال : النفش ، الرعي بالليل . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول لبيد :
بدلن بعد النفش الوجيفا ... وبعد طول الحزن الصريفا
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي شيبة وأحمد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ،(7/77)
« عن حرام بن محيصة ، أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدت فيه ، فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : » على أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار ، وإن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها « » .
وأخرج ابن مردويه « عن عائشة رضي الله عنها أن ناقة البراء بن عازب رضي الله عنه دخلت حائطاً لقوم فأفسدت عليهم ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : على أهل الحائط حفظ حائطهم بالنهار ، وعلى أهل المواشي حفظ مواشيهم بالليل ، ثم تلا هذه الآية { وداود وسليمان } الآية . ثم قال : نفشت ليلاً » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه ، أنه قرأ « فافهمناها سليمان » .
وأخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه قال : كان الحكم بما قضى به سليمان ، ولم يعب داود في حكمه .
وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أهون أهل النار عذاباً ، رجل يطأ جمرة يغلي منها دماغه . فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : وما جرمه يا رسول الله؟ قال : كانت له ماشية يغشى بها الزرع ويؤذيه ، وحرم الله الرزع وما حوله غلوة سهم ، فاحذروا أن لا ستحب الرجل ما له في الدنيا ويهلك نفسه في الآخرة » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بينما امرأتان معهما ابنان لهما ، جاء الذئب فأخذ أحد الابنين ، فتحاكما إلى داود فقضى له للكبرى فخرجتا فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما . فقالت الصغرى : يرحمك الله ، هو ابنها لا تشقه . فقضى به للصغرى » .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن امرأة حسناء من بني إسرائيل راودها عن نفسها أربعة من رؤسائهم فامتنعت على كل واحد منهم ، فاتفقوا فيما بينهم عليها ، فشهدوا عليها عند داود أنها مكنت من نفسها كلباً لها قد عوّدته ذلك منها ، فأمر برجمها . فلما كان عشية ذلك اليوم جلس سليمان واجتمع معه ولدان مثله فانتصب حاكماً ، وتزيا أربعة منهم بزي أولئك وآخر بزي المرأة ، وشهدوا عليها بأنها مكنت من نفسها كلباً . فقال سليمان : فرقوا بينهم . فسأل أولهم : ما كان لون الكلب؟ فقال : أسود . فعزله واستدعى الآخر فسأله عن لونه فقال : أحمر ، وقال الآخر أغبش ، وقال الآخر أبيض . فأمر عند ذلك بقتلهم ، فحكي ذلك لداود فاستدعى من فوره أولئك الأربعة فسألهم متفرقين عن لون ذلك الكلب فاختلفوا فيه فأمر بقتلهم .
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن أبي نجيح قال : قال سليمان عليه السلام : أوتينا ما أوتي الناس ولم يؤتوا ، وعلمنا ما علم الناس ولم يعلموا .(7/78)
فلم يجد شيئاً أفضل من ثلاث كلمات : الحلم في الغضب ، والرضا والقصد في الفقر ، والغنى وخشية الله في السر والعلانية .
وأخرج أحمد عن يحيى بن أبي كثير قال : قال سليمان عليه السلام لابنه : يا بني ، إياك وغضب الملك الظلوم فإن غضبه كغضب ملك الموت .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن خيثمة قال : قال سليمان عليه السلام : جربنا العيش لينه وشديده فوجدناه يكفي منه أدناه .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ، عن يحيى بن أبي كثير قال : قال سليمان لابنه : يا بني ، لا تكثر الغيرة على أهلك فترمى بالسوء من أجلك وإن كانت بريئة . يا بني ، إن من الحياء صمتاً ومنه وقاراً يا بني ، إن أحببت أن تغيظ عدوك فلا ترفع العصا عن ابنك . يا بني ، كما يدخل الوتد بين الحجرين وكما تدخل الحية بين الحجرين ، كذلك تدخل الخطيئة بين البيعين .
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : بلغنا أن سليمان قال لابنه : امش وراء الأسد ولا تمش وراء امرأة .
وأخرج أحمد عن يحيى بن أبي كثير قال : قال سليمان لابنه : يا بني ، إن من سوء العيش نقلاً من بيت إلى بيت . وقال لابنه : عليك بخشية الله فإنها غلبت كل شيء .
وأخرج أحمد عن بكر بن عبدالله ، أن داود عليه السلام قال لابنه سليمان : أي شيء أبرد ، وأي شيء أحلى ، وأي شيء أقرب ، وأي شيء أبعد ، وأي شيء أقل ، وأي شيء أكثر ، وأي شيء آنس ، وأي شيء أوحش؟؟ قال : أحلى شيء روح الله من عباده ، وأبرد شيء عفو الله عن عباده ، وعفو العباد بعضهم عن بعض . وآنس شيء الروح تكون في الجسد ، وأوحش شيء الجسد تنزع منه الروح ، وأقل شيء اليقين ، وأكثر شيء الشك ، وأقرب شيء الآخرة من الدنيا ، وأبعد شيء الدنيا من الآخرة .
وأخرج أحمد عن يحيى بن أبي كثير قال : قال سليمان لابنه : لا تقطعن أمراً حتى تؤامر مرشداً ، فإذا فعلت ذلك فلا تحزن عليه . وقال : يا بني ، ما أقبح الخطيئة مع المسكنة! وأقبح الضلالة بعد الهدى! وأقبح من ذلك رجل كان عابداً فترك عبادة ربه .
وأخرج أحمد عن قتادة قال : قال سليمان عليه السلام : عجباً للتاجر : كيف يخلص يحلف بالنهار وينام بالليل؟؟
وأخرج أحمد عن يحيى بن أبي كثير قال : قال سليمان لابنه : يا بني ، إياك والنميمة فإنها كحد السيف .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق حماد بن سلمة ، عن حميد الطويل : أن إياس بن معاوية لما استقضى ، آتاه الحسن فرآه حزيناً فبكى إياس فقال : ما يبكيك؟! فقال : يا أبا سعيد ، بلغني أن القضاة ثلاثة : رجل اجتهد فأخطأ فهو في النار ، ورجل مال به الهوى فهو في النار ، ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة .(7/79)
فقال الحسن : إن فيما قص الله من نبأ داود ما يرد ذلك . ثم قرأ { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث } حتى بلغ { وكلاً آتينا حكماً وعلماً } فأثنى على سليمان ولم يذم داود .
ثم قال : أخذ الله على الحكام ثلاثة : أن لا يشتروا بآياته ثمناً قليلاً ، ولا يتبعوا الهوى ، ولا يخشوا الناس . ثم تلا هذه الآية { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض } [ ص : 26 ] الآية وقال { فلا تخشوا الناس واخشون } [ المائدة : 44 ] وقال { ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً } [ المائدة : 44 ] .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة ، عن قتادة في قوله : { وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير } قال : يصلين مع داود إذا صلى { وعلمناه صنعة لبوس لكم } قال : كانت صفائح ، فأول من مدها وحلقها داود عليه السلام .
وأخرج عن السدي في قوله : { وعلمناه صنعة لبوس لكم } قال : هي دروع الحديد { لتحصنكم من بأسكم } قال : من رتع السلاح فيكم .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم ، أنه قرأ « لنحصنكم » بالنون .
وأخرج الفريابي عن سليمان بن حيان قال : كان داود إذا وجد فترة ، أمر الجبال فسبحت حتى يشتاق .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « كان عمر آدم ألف سنة ، وكان عمر داود ستين سنة . فقال آدم : أي رب ، زده من عمري أربعين سنة . فأكمل لآدم ألف سنة وأكمل لداود مائة سنة » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي الدنيا في ذكر الموت والحاكم وصححه ، عن ابن عباس قال : مات داود عليه السلام يوم السبت فجأة ، فعكفت الطير عليه تظله .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كان سليمان عليه السلام يوضع له ستمائة ألف كرسي ، ثم يجيء أشراف الناس فيجلسون مما يليه ، ثم يجيء أشراف الجن فيجلسون مما يلي أشراف الإنس ، ثم يدعو الطير فتظلهم ، ثم يدعو الريح فتحملهم فيسير مسيرة شهر في الغداة الواحدة .
وأخرج الحاكم عن محمد بن كعب قال : بلغنا أن سليمان عليه السلام كان عسكره مائة فرسخ ، خمسة وعشرون منها للإنس وخمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير ، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب ، فيها ثلثمائة حرة وسبعمائة سرية ، فأمر الريح العاصف فرفعته فأمر الريح فسارت به ، فأوحى الله إليه « أني أزيد في ملكك أن لا يتكلم أحد بشيء إلا جاءت الريح فأخبرتك » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدالله بن عبيد بن عمير قال : كان سليمان يأمر الريح فتجتمع كالطود العظيم ، ثم يأمر بفراشه فيوضع على أعلى مكان منها ، ثم يدعو بفرس من ذوات الأجنحة فترتفع حتى تصعد على فراشه ، ثم يأمر الريح فترتفع به كل شرف دون السماء ، فهو يطأطئ رأسه ما يلتفت يميناً ولا شمالاً تعظيماً لله وشكراً لما يعلم من صغر ما هو فيه في ملك الله ، يضعه الريح حيث يشاء أن يضعه .(7/80)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : كان لسليمان مركب من خشب وكان فيه ألف ركن ، في كل ركن ألف بيت يركب معه فيه الجن والإنس ، تحت كل ركن ألف شيطان يرفعون ذلك المركب ، فإذا ارتفع جاءت الريح الرخاء فسارت به وساروا معه فلا يدري القوم إلا قد أظلهم من الجيوش والجنود .
وأخرج ابن عساكر عن السدي في قوله : { ولسليمان الريح عاصفة } قال : الريح الشديدة { تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها } قال : أرض الشام .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ولسليمان الريح } الآية . قال : ورث الله لسليمان داود فورثه نبوته وملكه ، وزاده على ذلك أنه سخر له الرياح والشياطين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قرأ { ولسليمان الريح } يقول : سخرنا له الريح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { ومن الشياطين من يغوصون له } قال : يغوصون في الماء .
وأخرج الطبراني والديلمي عن ابن مسعود قال : « ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رقية الحية فقال : اعرضها علي . فعرضها عليه بسم الله شجنية قرنية ملحة بحر قفطا . فقال : هذه مواثيق أخذها سليمان على الهوام ولا أرى بها بأساً » .
وأخرج الحاكم عن الشعبي قال : أرخ بنو إسحاق من مبعث موسى إلى ملك سليمان .(7/81)
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)
أخرج الحاكم من طريق سمرة عن كعب قال : كان أيوب بن أموص نبي الله الصابر طويلاً جعد الشعر واسع العينين حسن الخلق ، وكان على جبينه مكتوب : المبتلى الصابر ، وكان قصير العنق عريض الصدر غليظ الساقين والساعدين ، كان يعطي الأرامل ويكسوهم جاهداً ناصحاً لله .
وأخرج الحاكم عن وهب قال : أيوب بن أموص بن رزاح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل .
وأخرج ابن سعد عن الكلبي قال : أول نبي بعث إدريس ، ثم نوح ثم إبراهيم ، ثم إسماعيل وإسحاق ، ثم يعقوب ثم يوسف ثم لوط ثم هود ، ثم صالح ثم شعيب ثم موسى وهارون ، ثم إلياس ثم اليسع ثم يونس ثم أيوب .
وأخرج ابن عساكر عن وهب قال : كان أيوب أعبد أهل زمانه وأكثرهم مالاً ، فكان لا يشبع حتى يشبع الجائع ، وكان لا يكتسي حتى يكسي العاري ، وكان إبليس قد أعياه أمر أيوب لقوته فلا يقدر عليه ، وكان عبداً معصوماً .
وأخرج أحمد في الزهد وابن عساكر ، عن وهب أنه سئل : ما كانت شريعة قوم أيوب؟ قال : التوحيد وإصلاح ذات البين . وإذا كانت لأحد منهم حاجة خر لله ساجداً ثم طلب حاجته . قيل : فما كان ماله؟ قال : كان له ثلاثة آلاف فدان ، مع كل فدان عبد ، مع كل عبد وليدة ومع كل وليدة أتان وأربعة عشرة ألف شاة ، ولم يبت ليلة له إلا وضيف وراء بابه ، ولم يأكل طعامه إلا ومعه مسكين .
وأخرج البيهقي في الشعب عن سفيان الثوري قال : ما أصاب إبليس من أيوب في مرضه إلا الأنين .
وأخرج ابن عساكر عن عقبة بن عامر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم .
« قال الله لأيوب : تدري ما جرمك إليّ حتى ابتليتك؟ فقال : لا يا رب . قال : لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين » .
وأخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : إنما كان ذنب أيوب ، أنه استعان به مسكين على ظلم يدرؤه عنه فلم يعنه ، ولم يأمر بمعروف وينه الظالم عن ظلم المسكين فابتلاه الله .
وأخرج ابن عساكر عن الليث بن سعد قال : كان السبب الذي ابتلي فيه أيوب ، أنه دخل أهل قريته على ملكهم - وهو جبار من الجبابرة - وذكر بعض ما كان ظلمه الناس ، فكلموه فأبلغوا في كلامه ورفق أيوب في كلامه له مخافة منه لزرعه ، فقال الله : « اتقيت عبداً من عبادي من أجل زرعك؟ » فأنزل الله به ما أنزل من البلاء .
وأخرج ابن عساكر عن أبي إدريس الخولاني ، قال : أجدب الشام ، فكتب فرعون إلى أيوب : أن هلم إلينا فإن لك عندنا سعة .(7/82)
فأقبل بخيله وماشيته وبنيه فأقطعهم ، فدخل شعيب فقال فرعون : أما تخاف أن يغضب غضبة فيغضب لغضبه أهل السموات والأرض والجبال والبحار؟ فسكت أيوب ، فلما خرجا من عنده أوحى الله إلى أيوب : أوسكت عن فرعون لذهابك إلى أرضه؟ استعد للبلاء . قال : فديني؟ قال : أسلمه لك . قال : لا أبالي .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم وابن عساكر ، عن يزيد بن ميسرة قال : لما ابتلى الله أيوب بذهاب المال والأهل والولد ، فلم يبق له شيء ، أحسن الذكر والحمد لله رب العالمين . ثم قال : أحمدك رب الذي أحسنت إليّ . . . . قد أعطيتني المال والولد لم يبق من قلبي شعبة إلا قد دخلها ذلك ، فأخذت ذلك كله مني وفزعت قلبي ، فليس يحول بيني وبينك شيء لا يعلم عدوي إبليس الذي وصفت إلا حسدني ، فلقي إبليس من ذها شيئاً منكراً .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية ، عن عبدالله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان فجاءا يوماً فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد ، فقال أحدهما للآخر : لو كان الله علم من أيوب خيراً ما ابتلاه بهذا ، فجزع أيوب من قولهما جزعاً لم يجزع من شيء قط مثله ، قال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعاً ، وأنا أعلم مكان جائع فصدقني . فصدّق من في السماء وهما يسمعان ، ثم خر ساجداً وقال : اللهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني . فما رفع رأسه حتى كشف الله عنه .
وأخرح ابن عساكر عن الحسن قال : ضرب أيوب بالبلاء ، ثم بالبلاء بعد البلاء بذهاب الأهل والمال ، ثم ابتلي في بدنه ، ثم ابتلي حتى قذف في بعض مزابل بني إسرائيل ، فما يعلم أيوب دعا الله يوماً أن يكشف ما به ليس إلا صبراً وإحتساباً ، حتى مر به رجلان فقال أحدهما لصاحبه : لو كان الله في هذا حاجة ما بلغ به هذا كله . فسمع أيوب فشق عليه فقال : رب { مسني الضر } ثم رد ذلك إلى ربه فقال : { وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم } قال : { وآتيناه أهله } في الدنيا { ومثلهم معهم } في الآخرة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وآتيناه أهله ومثلهم معهم } قال : قيل له : يا أيوب ، إن أهلك لك في الجنة ، فإن شئت آتيناك بهم ، وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوّضناك مثلهم . قال : لا ، بل اتركهم لي في الجنة ، فتركوا له في الجنة وعوّض مثلهم في الدنيا .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن نوف البكالي في قوله : { وآتيناه أهله ومثلهم معهم } قال : إني أدخرهم في الآخرة وأعطي مثلهم في الدنيا .(7/83)
فحدث بذلك مطرف فقال : ما عرفت وجهها قبل اليوم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني ، عن الضحاك قال : بلغ ابن مسعود أن مروان قال في هذه الآية : { وآتيناه أهله ومثلهم معهم } قال : أوتي بأهل غير أهله ، فقال ابن مسعود : بل أوتي بأعيانهم ومثلهم معهم .
وأخرج ابن المنذر عن الحسن في قوله : { وآتيناه أهله ومثلهم معهم } قال : لم يكونوا ماتوا ولكنهم غيبوا عنه ، فأتاه أهله { ومثلهم معهم } في الآخرة .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله : { وآتيناه أهله ومثلهم معهم } قال : أحياهم بأعيانهم وزاد إليهم مثلهم .
وأخرج ابن جرير عن الحسن وقتادة في قوله : { وآتيناه أهله ومثلهم معهم } قال : أحيا الله له أهله بأعيانهم وزاده الله مثلهم .
وأخرج ابن جرير عن الحسن { ومثلهم معهم } قال : من نسلهم .
وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن قال : ما كان بقي من أيوب عليه السلام إلا عيناه وقلبه ولسانه ، فكانت الدواب تختلف في جسده؛ ومكث في الكناسة سبع سنين وأياماً .
وأخرج أحمد عن نوف البكالي قال : مر نفر من بني إسرائيل بأيوب فقالوا : ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه . فسمعها أيوب فعند ذلك قال : { مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } وكان قبل ذلك لا يدعو .
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : لقد مكث أيوب مطروحاً على كناسة سبع سنين وأشهراً ما يسأل الله أن يكشف ما به وما على وجه الأرض ، خلق أكرم من أيوب ، فيزعمون أن بعض الناس قال : لو كان لرب هذا فيه حاجة ما صنع به هذا . فعند ذلك دعا .
وأخرج ابن جريرعن وهب بن منبه قال : لم يكن بأيوب الأكلة ، إنما يخرج منه مثل ثدي النساء ثم يتفقأ .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } قال : إنه لما مسه الضر أنساه الله الدعاء أن يدعوه فيكشف ما به من ضر ، غير أنه كان يذكر الله كثيراً ولا يزيده البلاء في الله إلا رغبة وحسن إيقان ، فلما انتهى الأجل وقضى الله أنه كاشف ما به من ضر أذن له في الدعاء ويسرّه له ، كان قبل ذلك يقول تبارك وتعالى : « لا ينبغي لعبدي أيوب أن يدعوني ثم لا أستجيب له » فلما دعا استجاب له وأبدله بكل شيء ذهب له ضعفين ، رد أهله ومثلهم معهم ، وأثنى عليه فقال : { إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أوّاب } .
وأخرج ابن جرير عن ليث قال : أرسل مجاهد رجلاً يقال له قاسم إلى عكرمة يسأله عن قول الله لأيوب { وآتيناه أهله ومثلهم معهم } فقال : قيل له : إن أهلك لك في الآخرة ، فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا؛ وإن شئت كانوا لك في الآخرة وآتيناك مثلهم في الدنيا .(7/84)
فقال : يكونون في الآخرة وأوتى مثلهم في الدنيا . فرجع إلى مجاهد فقال : أصاب .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي في قوله : { رحمة من عندنا وذكرى للعابدين } وقوله : { رحمة منا وذكرى لأولي الألباب } [ ص : 43 ] قال : إنما هو من أصابه بلاء فذكر ما أصاب أيوب فليقل : إنه قد أصاب من هو خير مني نبي من الأنبياء .
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : بقي أيوب على كناسةٍ لبني إسرائيل سبع سنين وأشهراً تختلف فيه الدواب .
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : إن أيوب آتاه الله تعالى مالاً وولداً وأوسع عليه ، فله من الشياه والبقر والغنم والإبل . وإن عدو الله إبليس قيل له : « هل تقدر أن تفتن أيوب؟ قال : رب ، إن أيوب أصبح في دنيا من مال وولد فلا يستطيع إلا شكرك ، فسلطني على ماله وولده فسترى كيف يطيعني ويعصيك . فسلط على ماله وولده فكان يأتي الماشية من ماله من الغنم فيحرقها بالنيران ، ثم يأتي أيوب وهو يصلي متشبهاً براعي الغنم فيقول : يا أيوب ، تصلي لرب؟ ما ترك الله لك من ماشيتك شيئاً من الغنم إلا أحرقها بالنيران . وكنت ناحية فجئت لأخبرك . فيقول أيوب : اللهم أنت أعطيت وأنت أخذت ، مهما يبق شيء أحمدك على حسن بلائك . فلا يقدر منه على شيء مما يريد ، ثم يأتي ماشيته من البقر فيحرقها بالنيران . ثم يأتي أيوب فيقول له ذلك ، ويرد عليه أيوب مثل ذلك . وكذلك فعل بالإبل حتى ما ترك له ماشية حتى هدم البيت على ولده ، فقال : يا أيوب ، أرسل الله على ولدك من هدم عليهم البيوت حتى يهلكوا! فيقول أيوب مثل ذلك . وقال : رب هذا حين أحسنت إلي الإحسان كله قد كنت قبل اليوم يشغلني حب المال بالنهار ويشغلني حب الولد بالليل شفقة عليهم ، فالآن أفرغ سمعي لك وبصري وليلي ونهاري بالذكر والحمد والتقديس والتهليل . فينصرف عدو الله من عنده ولم يصب منه شيئاً مما يريد . ثم إن الله تعالى قال : كيف رأيت أيوب؟ قال إبليس : إن أيوب قد علم أنك سترد عليه ماله وولده ، ولكن سلطني على جسده فإن أصابه الضر فيه أطاعني وعصاك . فسلط على جسده ، فأتاه فنفخ فيه نفخة أقرح من لدن قرنه إلى قدمه ، فأصابه البلاء بعد البلاء حتى حمل فوضع على مزبلة كناسة لبني إسرائيل ، فلم يبق له مال ولا ولد ولا صديق ولا أحد يقربه غير رحمة صبرت عليه ، تصدق عليه وتأتيه بطعام وتحمد الله معه إذا حمده ، وأيوب على ذلك لا يفر من ذكر الله والتحميد والثناء على الله والصبر على ما ابتلاه الله ، فصرخ إبليس صرخة جمع فيها جنوده من أقطاء الأرضين جزعاً من صبر أيوب ، فاجتمعوا إليه وقالوا له : اجتمعنا إليك ، ما أحزنك؟! ما أعياك؟ قال : أعياني هذا العبد الذي سألت ربي أن يسلطني على ماله وولده ، فلم أدع له مالاً ولا ولداً فلم يزدد بذلك إلا صبراً وثناء على الله تعالى وتحميداً له ، ثم سلطت على جسده فتركته قرحة ملقاة على كناسة بني إسرائيل لا تقربه إلا امرأته ، فقد افتضحت بربي فاستعنت بكم لتعينوني عليه .(7/85)
فقالوا له : أين مكرك؟ أين علمك الذي أهلكت به من مضى؟ قال : بطل ذلك كله في أيوب ، فأشيروا علي . قالوا : نشير عليك ، أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة؟ من أين أتيته؟ قال : من قبل امرأته . قالوا : فشأنك بأيوب من قبل امرأته ، فإنه لا يستطيع أن يعصيها وليس أحد يقربه غيرها . قال : أصبتم . فانطلق حتى أتى امرأته وهي تصدق ، فتمثل لها في صورة رجل فقال : أين بعلك يا أمة الله؟ قالت : ها هو ذاك يحك قروحه ويتردد الدود في جسده . فلما سمعها طمع أن تكون كلمة جزع ، فوضع في صدرها فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعم والمال والدواب ، وذكرها جمال أيوب وشبابه وما هو فيه من الضر ، وإن ذلك لا ينقطع عنهم أبداً فصرخت ، فلما صرخت علم أن قد جزعت فأتاها بسخلة فقال : ليذبح هذا إلى أيوب ويبرأ . فجاءت تصرخ : يا أيوب ، يا أيوب . . . . حتى متى يعذبك ربك؟ ألا يرحمك؟ أين المال؟ أين الشباب؟ أين الولد؟ أين الصديق؟ أين لونك الحسن الذي بلي وتلدد فيه الدواب . . ؟ اذبح هذه السخلة واسترح . قال : أيوب : أتاكِ عدو الله فنفخ فيك فوجد فيك رفقاً فأجبِتِه ، ويلكِ أرأيتِ ما تبكين عليه مما تذكرين مما كنا فيه من المال والولد والصحة والشباب من أعطانيه؟ قالت : الله . . قال : فكم متعنا؟ قالت : ثمانين سنة . قال : فمذ كم ابتلانا الله بهذا البلاء الذي ابتلانا به؟ قالت : سبع سنين وأشهراً . قال : ويلكِ . . . والله ما عدلت ولا أنصفت ربك ، إلا صبرت حتى نكون في هذا البلاء الذي ابتلانا ربنا ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة! والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة حيت أمرتني أن أذبح لغير الله . طعامك وشرابك الذي أتيتني به عليّ حرام أن أذوق شيئاً مما تأتي به بعد إذ قلتِ لي هذا ، فاعزبي عني فلا أراكِ . فطردت فذهبت ، فقال الشيطان : هذا قد وطّن نفسه ثمانين سنة على هذا البلاء الذي هو فيه ، فباء بالغلبة ورفضه . ونظر إلى أيوب قد طرد امرأته وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق ، ومرّ به رجلان وهو على تلك الحال ولا والله ، ما على ظهر الأرض يومئذ أكرم على الله من أيوب فقال أحد الرجلين لصاحبه : لو كان الله في هذا حاجة ما بلغ به هذا .(7/86)
فلم يسمع أيوب شيئاً كان أشد عليه من هذه الكلمة فقال : رب ، { مسني الضر } ثم رد ذلك إلى الله فقال : { وأنت أرحم الراحمين } فقيل له : { اركض برجلك هذا مغتسل بارد } [ ص : 42 ] فركض برجله فنبعت عين ماء فاغتسل منها فلم يبق من دائه شيء ظاهر إلا سقط ، فأذهب الله عنه كل ألم وكل سقم وعاد إليه شبابه وجماله أحسن ما كان ، ثم ضرب برجله فنبعت عين أخرى ، فشرب منها فلم يبق في جوفه داء إلا خرج . فقام صحيحاً وكسي حلة فجعل يلتفت فلا يرى شيئاً مما كان له من أهل ومال إلا وقد أضعفه الله له ، حتى ذكر لنا أن الماء الذي اغتسل به تطاير على صدره جراد من ذهب ، فجعل يضمه بيده فأوحى الله إليه : « يا أيوب ، ألم أغنك عن هذا؟ قال : بلى ، ولكنها بركتك فمن يشبع منها »؟ فخرج حتى جلس على مكان مشرف ، ثم إن امرأته قالت : أرأيت إن كان طردني ، إلى من أكله؟ أدعه يموت جوعاً أو يضيع فتأكله السباع؟ لأرجعن إليه . فرجعت فلا كناسة ترى ولا تلك الحال التي كانت ، وإذا الأمور قد تغيرت فجعلت تطوف حيث الكناسة وتبكي ، وذلك بعين أيوب ، وهابت صاحب الحلة أن تأتيه فتسأل عنه . فأرسل إليها أيوب فدعاها فقال : ما تريدين يا أمة الله؟ فبكت وقالت : أريد ذلك المبتلى الذي كان ملقى على الكناسة ، لا أدري أضاع أم ما فعل! قال لها أيوب : ما كان منكِ؟ فبكت وقال : بعلي ، فهل رأيته؟ فقال : وهل تعرفيته إذا رأيته؟ قالت : وهل يخفى على أحد رآه؟ ثم جعلت تنظر إليه ويعرّفها به ، ثم قالت : أما إنه كان أشبه خلق الله بك إذ كان صحيحاً . قال : فإني أيوب الذي أمرتني أن أذبح للشيطان ، وإني أطعت الله وعصيت الشيطان ودعوت الله فرّد علي ما ترين .
ثم إن الله رحمها لصبرها معه على البلاء فأمره تخفيفاً عنها أن يأخذ جماعة من الشجر فيضربها ضربة واحدة تخفيفاً عنها بصبرها معه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر ، عن وهب قال : لم يكن الذي أصاب أيوب الجذام ولكنه أصابه أشد من ذلك ، كان يخرج في جسده مثل ثدي المرأة ثم يتفقأ .
وأخرج أبو نعيم وابن عساكر عن الحسن قال : إن كانت الدودة لتقع من جسد أيوب فيأخذها إلى مكانها ويقول : كلي من رزق الله .
وأخرج الحاكم والبيهقي في الشعب وابن عساكر ، عن ابن عباس أن امرأة أيوب قالت له : والله قد نزل بي من الجهد والفاقة ما إن بعت قرني برغيف فأطعمتك ، وإنك رجل مجاب الدعوة فادع الله أن يشفيك . فقال : ويحك . . . كنا في النعماء سبعين عاماً فنحن في البلاء سبع سنين .
وأخرج ابن أبي الدنيا وعبدالله بن أحمد في زوائد الزهد وابن عساكر ، عن طلحة بن مطرف قال : قال إبليس : ما أصبت من أيوب شيئاً قط أفرح به ، إلا أني كنت إذا سمعت أنينه علمت أني أوجعته .(7/87)
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر ، عن مجاهد قال : أن أول من أصابه الجدري أيوب عليه السلام .
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
« إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه ، كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد . قال : وما ذاك؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف عنه ما به . فلما جاء إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك ، فقال أيوب : لا أدري ما تقول ، غير أن الله يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتباعدان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فاؤلف بينهما كراهة أن يذكر الله لا في حق . وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن { اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب } [ ص : 42 ] فاستبطأته فأتته فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان ، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك ، هل رأيت نبي الله المبتلى؟ والله على ذاك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذ كان صحيحاً . قال : فإني أنا هو . قال : وكان له اندران ، اندر للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح ، أفرغت فيه الذهب حتى فاض ، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض » .
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله : { ووهبنا له أهله ومثلهم معهم } قال : رد الله امرأته وزاد في شبابها حتى ولدت له ستة وعشرين ذكراً ، وأهبط الله إليه ملكاً فقال : يا أيوب ، ربك يقرئك السلام بصبرك على البلاء ، فاخرج إلى اندرك . فبعث الله سحابة حمراء فهبطت عليه بجراد الذهب والملك قائم يجمعه ، فكانت الجراد تذهب فيتبعها حتى يردها في أندره . قال الملك : يا أيوب ، أو ما تشبع من الداخل حتى تتبع الخارج؟ فقال : إن هذه بركة من بركات ربي ولست أشبع منها .
وأخرج أحمد والبخاري والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « بينا أيوب يغتسل عرياناً خر عليه جراد من ذهب ، فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه : » يا أيوب ، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال : بلى وعزتك ، ولكن لا غنى لي عن بركتك « .(7/88)
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لما عافى الله أيوب أمطر عليه جراداً من ذهب ، فجعل يأخذه بيده ويجعله في ثوبه ، فقيل له : يا أيوب ، أما تشبع؟ قال : ومن يشبع من فضلك ورحمتك؟ » .
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك ، عن ابن عباس أن أيوب عاش بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنفية ، وعلى ذلك مات ، وتغيروا بعد ذلك وغيروا دين إبراهيم كما غيره من كان قبلهم .
وأخرج الحاكم عن وهب قال : عاش أيوب ثلاثاً وتسعين سنة وأوصى عند موته إلى ابنه حرمل ، وقد بعث الله بعده بشر بن أيوب نبياً وسماه ذا الكفل ، وكان مقيماً بالشام عمره حتى مات ابن خمس وسبعين سنة ، وأن بشراً أوصى إلى ابنه عبدان ثم بعث الله بعدهم شعيباً .
وأخرج ابن عساكر عن أبي عبدالله الجدلي قال : كان أيوب عليه السلام يقول : « اللهم إني أعوذ بك من جار عينه تراني وقلبه يرعاني ، إن رأى حسنة أطفأها وإن رأى سيئة أذاعها » .
وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي في الشعب عن مجاهد قال : يؤتى بثلاثة يوم القيامة : بالغني ، والمريض ، والعبد المملوك ، فيقال للغني : ما منعك من عبادتي؟ فيقول : يا رب ، أكثرت لي من المال فطغيت . فيؤتى بسليمان عليه السلام في ملكه فيقول : أنت كنت أشد شغلاً من هذا؟ فيقول : لا ، بل هذا . قال : فإن هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني .
ثم يؤتى بالمريض فيقول : ما منعك من عبادتي؟ فيقول : شغلت على جسدي ، فيؤتى بأيوب في ضره فيقول : أنت كنت أشد ضراً من هذا؟ قال : لا ، بل هذا . قال : فإن هذا لم يمنعه ذلك أن عبدني .
ثم يؤتى بالمملوك فيقول : ما منعك من عبادتي؟ فيقول : يا رب ، جعلت علي أرباباً يملكونني . فيؤتى بيوسف في عبوديته فيقول : أنت كنت أشد عبودية أم هذا؟ قال : لا بل هذا قال : فإن هذا لم يمنعه أن عبدني . والله أعلم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وذا الكفل } قال : رجل صالح غير نبي ، تكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم له ويقضي بينهم بالعدل ، ففعل ذلك فسمي { ذا الكفل } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : لما كبر اليسع قال : لو أني استخلفت رجلاً على الناس يعمل عليهم في حياتي ، حتى أنظر كيف يعمل فجمع الناس فقال : من يتكفل لي بثلاث : أستخلفه يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب؟ قال : فقام رجل تزدريه العين فقال : أنا .(7/89)
فقال : أنت تصوم النهار وتقوم الليل ولا تغضب؟ قال : نعم . قال : فردّه من ذلك اليوم وقال مثلها في اليوم الآخر ، فسكت الناس وقام ذلك الرجل فقال : أنا . فاستخلفه . قال : فجعل إبليس يقول للشياطين : عليكم بفلان ، فأعياهم ذلك فقال : دعوني وإياه . . . فأتاه في صورة شيخ كبير فقير فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة - وكان لا ينام من الليل والنهار إلا تلك النومة - فدق الباب فقال : من هذا؟ قال : شيخ كبير مظلوم . قال : فقام ففتح الباب ، فجعل يكثر عليه فقال : إن بيني وبين قومي خصومة وإنهم ظلموني وفعلوا بي وفعلوا . . . وجعل يطول عليه حتى حضره وقت الرواح وذهبت القائلة ، وقال : إذا رحت فائتني آخذ لك بحقك . فانطلق وراح وكان في مجلسه ، فجعل ينظر هل يرى الشيخ الكبير المظلوم ، فلم يره فقام يبغيه ، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس فينتظره فلا يراه ، فلما راح إلى بيته جاء فدق عليه الباب فقال : من هذا؟ قال : الشيخ الكبير المظلوم ، ففتح له فقال : ألم أقل لك إذا قعدت فائتني؟ قال : إنهم أخبث قوم . قال : إذا رحت فائتني ، ففاتته القائلة فراح فجعل ينظر ولا يراه ، وشق عليه النعاس فلما كان تلك الساعة جاء فقال له الرجل : ما وراءك؟ قال : إني قد أتيته أمس فذكرت له أمري . فقال : لا والله لقد أمرنا أن لا يدع أحداً يقربه . فلما أعياه نظر فرأى كوّة في البيت فتسوّر منها فإذا هو في البيت ، فإذا هو يدق الباب من داخل فاستيقظ الرجل فقال : يا فلان ، ألم آمرك؟ قال : من قبلي والله لم تؤت ، فانظر من أين أتيت . فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه وإذا برجل معه في البيت فعرفه فقال له : عدو الله؟! قال : نعم ، أعييتني في كل شيء ففعلت ما ترى لأغضبك . فسماه الله { ذا الكفل } لأنه تكفل بأمر فوفى به .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان قاض في بني إسرائيل فحضره الموت فقال : من يقوم مقامي على أن لا يغضب؟ فقال رجل : أنا فسمي { ذا الكفل } فكان ليله جميعاً يصلي ثم يصبح صائماً فيقضي بين الناس ، وله ساعة يقيلها فكان بذلك فأتاه الشيطان عند نومته فقال له أصحابه : ما لك؟ قال : إنسان مسكين له على رجل حق قد غلبني عليه . فقالوا : كما أنت حتى يستيقظ . قال وهو فوق نائم : فجعل يصيح عمداً حتى يغضبه . فسمع فقال : ما لك؟ قال : إنسان مسكين لي على رجل حق . قال : اذهب فقل له يعطيك . قال : قد أبى . قال : اذهب أنت إليه . فذهب ثم جاء من الغد فقال : ما لك؟ قال : ذهبت إليه فلم يرفع بكلامك رأساً .(7/90)
قال : اذهب إليه أنت . فذهب ثم جاء من الغد حين قال فقال له أصحابه : أخرج فعل الله بك تجيء كل يوم حين ينام لا تدعه ينام؟ فجعل يصيح : من أجل أني إنسان مسكين؟ لو كنت غنياً . . . فسمع أيضاً قال : ما لك؟ قال : ذهبت إليه فضربني . قال : امش حتى أجيء معك ، فهو ممسك بيده فلما رآه ذهب معه نثر يده منه فذهب ففر .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن عبد الله بن الحارث قال : قال نبي من الأنبياء لمن معه : أيكم يكفل لي أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب ، ويكون معي في درجتي ويكون بعدي في مقامي؟ قال شاب من القوم : أنا . ثم أعاد فقال الشاب : أنا ، ثم أعاد فقال الشاب أنا ، ثم أعاد فقال الشاب أنا ، فلما مات قام بعده في مقامه فأتاه إبليس بعدما قال ليغضبه يستعديه فقال لرجل : اذهب معه . فجاء فأخبره أنه لم ير شيئاً ، ثم أتاه فأرسل معه آخر فجاءه فأخبره أنه لم ير شيئاً ، ثم أتاه فقام معه فأخذ بيده فانفلت منه ، فسمي { ذا الكفل } لأنه كفل أن لا يغضب .
وأخرج ابن سعيد النقاش في كتاب القضاة ، عن ابن عباس قال : كان نبي جمع أمته فقال : أيكم يتكفل لي بالقضاء بين أمتي ، على أن لا يغضب؟ فقام فتى فقال : أنا يا رسول الله ، ثم عاد فقال الفتى أنا ، ثم قال لهم الثالثة أيكم يتكفل لي بالقضاء بين الناس على أن لا يغضب؟ فقال الفتى أنا فاستخلفه ، فأتاه الشيطان بعد حين وكان يقضي حتى إذا انتصف النهار ، ثم رجع ثم راح فأتاه الشيطان نصف النهار وهو نائم ، فناداه حتى أيقظه فاستعداه فقال : إن كتابك رده ولم يرفع به رأساً ثنتين وثلاثاً ، فأخذ الرجل بيده ثم مشى معه ساعة ، فلما رأى الشيطان ذلك نزع يده من يده ثم فر فسمي { ذا الكفل } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن حجيرة الأكبر ، أنه بلغه أنه كان ملك من ملوك بني إسرائيل عتى في ملكه ، فلما حضرته الوفاة أتاه رؤوسهم فقالوا : استخلف علينا ملكاً نفزع إليه . فجمع إليه رؤوسهم فقال : من رجل تكفل لي بثلاث وأوليه ملكي؟ فلم يتكلم إلا فتى من القوم قال أنا . قال : اجلس . ثم قالها ثانية فلم يتكلم أحد إلا الفتى ، قال : تكفل لي بثلاث وأوليك ملكي؟ قال : نعم . قال : تقوم الليل فلا ترقد ، وتصوم النهار فلا تفطر ، وتحكم فلا تغضب . قال : نعم . قال : قد وليتك ملكي ، فلما أن كان مكانه قام الليل وصام النهار وحكم فلا يعجل ولا يغضب ، يغدو فيجلس لهم فتمثل له الشيطان في صورة رجل ، فأتاه وقد تحين مقيله فقال : أعدني على رجل ظلمني .(7/91)
فأرسل معه رسولاً فجعل يطوف به وذو الكفل ينظره حتى فاتته رقدته ، ثم انسل من وسط الناس فأتاه رسول فأخبره ، فراح للناس فجلس لهم فقال الشيطان : لعله يرقد الليل ولم يصم النهار ، فلما أمسى صلى صلاته التي كان يصلي ، ثم أتاه الغد وقد تحين مقيله فقال : أعدني على صاحبي . فأرسل معه وانتظره وتبطأ حتى فات ذو الكفل رقدته ، ثم أتاه الرسول فأخبره فراح ولم ينم فقال الشيطان : الليلة يرقد . فأمسى يصلي صلاته كما كان يصلي . ثم أتاه فقال : قد صنعت به ما صنعت لعله يغضب . قال : أعدني على صاحبي . فقال : ألم أرسل معك رسولاً؟ قال : بلى . . . ولكن لم أجده . فقال له ذو الكفل : انطلق فأنا ذاهب معك . فانطلق فطاف به ثم قال له : أتدري من أنا؟ قال : لا . قال : أنا الشيطان ، كنت تكفلت لصاحبك بأمر فأردت أن تدع بعضه ، وإن الله قد عصمك .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ما كان ذو الكفل بنبي ، ولكن كان في بني إسرائيل رجل صالح يصلي كل يوم مائة صلاة . فتوفي فتكفل له ذو الكفل من بعده . فكان يصلي كل يوم مائة صلاة فسمي ذا الكفل .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق سعيد مولى طلحة ، عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « كان ذو الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله ، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها ، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت . فقال : ما يبكيك؟ أكرهتك؟ . . . قالت : لا ، ولكنه عمل ما عملته قط وما حملني عليه إلا الحاجة . فقال : تفعلين أنت هذا وما فعلته ، اذهبي فهي لك . وقال : والله لا أعصي الله بعدها أبداً . فمات من ليلته فأصبح مكتوباً على بابه : إن الله قد غفر لذي الكفل » .
وأخرجه ابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمرو : قال فيه ذو الكفل .(7/92)
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
أخرج ابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس في قوله : { وذا النون إذ ذهب مغاضباً } يقول : غضب على قومه { فظن أن لن نقدر عليه } يقول : أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره . قال : وعقوبته أخذ النون إياه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الضحاك في قوله : { وذا النون إذ ذهب مغاضباً } قال : مغاضباً لقومه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن قيس قال : كانت تكون أنبياء جميعاً يكون عليهم واحد ، فكان يوحى إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم : أرسل فلان إلى بني فلان ، فقال الله : { إذ ذهب مغاضباً } قال : مغاضباً لذلك النبي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { فظن أن لن نقدر عليه } قال : ظن أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه .
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { إذ ذهب مغاضباً } قال : انطلق آبقا { فظن أن لن نقدر عليه } فكان له سلف من عمل صالح فلم يدعه الله ، فبه أدركه .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { فظن أن لن نقدر عليه } قال : ظن أن لن نعاقبه بذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في قوله : { فظن أن لن نقدر عليه } قال : أن لن نقضي عليه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : { فظن أن لن نقدر عليه } يقول : ظن أن الله لن يقضي عليه عقوبة ولا بلاء في غضبه الذي غضب على قومه وفراقه إياهم .
وأخرج عبد بن حميد عن عبدالله بن الحارث قال : لما التقم الحوت يونس نبذ به إلى قرار الأرض ، فسمع تسبيح الأرض فذاك الذي حاجه فناداه .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { فظن أن لن نقدر عليه } قال : ظن أن لن نعاقبه { فنادى في الظلمات } قال : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت { أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } قال الملائكة : صوت معروف في أرض غريبة .
وأخرج ابن جرير عن قتادة والكلبي { فظن أن لن نقدر عليه } قالا : ظن أن لن نقضي عليه العقوبة .
وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { فنادى في الظلمات } قال : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب وعمرو بن ميمون وقتادة مثله .(7/93)
وأخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن جبير مثله .
وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في كتاب الفرج بعد الشدة ، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه { فنادى في الظلمات } قال : ظلمة الليل وظلمة بطن الحوت وظلمة البحر .
وأخرج ابن جرير عن سالم بن أبي الجعد قال : أوحى الله تعالى إلى الحوت أن « لا تضر له لحماً ولا عظماً » ثم ابتلع الحوت حوت آخر ، قال : { فنادى في الظلمات } قال : ظلمة الحوت ، ثم حوت ، ثم ظلمة البحر .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : كل تسبيح في القرآن صلاة ، إلا قوله : { سبحانك إني كنت من الظالمين } .
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات من طريق الكلبي ، عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن معاوية قال له يوماً : إني قد ضربتني أمواج القرآن البارحة في آيتين لم أعرف تأويلهما ففزعت إليك . قال : وما هما؟ قال : قول الله : { وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه } وأنه يفوته إن أراده ، وقول الله : { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا } [ يوسف : 110 ] كيف هذا يظنون أنه قد كذبهم ما وعدهم؟
فقال ابن عباس : أما يونس ، فظن أن لن تبلغ خطيئته أن يقدر الله عليه فيها العقاب ولم يشك أن الله إن أراده قدر عليه .
وأما الآية الأخرى ، فإن الرسل استيأسوا من إيمان قومهم وظنوا أن من عصاهم لرضا في العلانية قد كذبهم في السر ، وذلك لطول البلاء عليهم ولم تستيئس الرسل من نصر الله ، ولم يظنوا أنهم كذبهم ما وعدهم . فقال معاوية : فرجت عني يا ابن عباس فرج الله عنك .
وأخرج ابن أبي حاتم ن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما دعا يونس قومه أوحى الله إليه أن العذاب يصبحهم ، فقال لهم فقالوا : ما كذب يونس وليصبحنا العذاب ، فتعالوا حتى نخرج سخال كل شيء فنجعلها من أولادنا لعل الله أن يرحمهم . فأخرجوا النساء مع الولدان وأخرجوا الإبل مع فصلانها ، وأخرجوا البقر مع عجاجيلها وأخرجوا الغنم مع سخالها فجعلوه أمامهم ، وأقبل العذاب . . . فلما رأوه جأروا إلى الله ودعوا ، وبكى النساء والولدان ورغت الإبل وفصلانها وخارت البقر وعجاجيلها وثغت الغنم وسخالها فرحمهم الله فصرف ذلك العذاب عنهم ، وغضب يونس فقال : كذبت ، فهو قوله : { إذ ذهب مغاضباً } فمضى إلى البحر ، وقوم رست سفينتهم فقال : احملوني معكم فحملوه ، فأخرج الجعل فأبوا أن يقبلوه منه فقال : إذاً أخرج عنكم . فقبلوه ، فلما لجت السفينة في البحر أخذهم البحر والأمواج ، فقال لهم يونس : اطرحوني تنجوا . قالوا : بل نمسكك ننجوا . قال : فساهموني - يعني قارعوني - فساهموه ثلاثاً فوقعت عليه القرعة ، فأوحى إلى سمكة يقال لها النجم من البحر الأخضر ، أن « شقي البحار حتى تأخذي يونس ، فليس يونس لك رزقاً ولكن بطنك له سجن ، فلا تخدشي له جلداً ولا تكسري له عظماً » فجاءت حتى استقبلت السفينة ، فقارعوه الثالثة فوقعت عليه القرعة فاقتحم الماء ، فالتقمته السمكة فشقت به البحار حتى انتهت به إلى البحر الأخضر .(7/94)
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما التقم الحوت يونس ذهب به حتى أوقفه بالأرض السابعة ، فسمع تسبيح الأرض فهيجه على التسبيح فقال : { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فأخرجته حتى ألقته على الأرض بلا شعر ولا ظفر مثل الصبي المنفوس ، فأنبتت عليه شجرة تظله ويأكل من تحتها من حشرات الأرض ، فبينا هو نائم تحتها إذ تساقط ورقها قد يبست . فشكا ذلك إلى ربه فقال : تحزن على شجرة يبست ولا تحزن على مائة ألف أو يزيدون يعذبون؟ .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في الفرج وابن مردويه ، عن أنس رفعه : أن يونس حين بدا له أن يدعو الله بالكلمات حين ناداه في بطن الحوت قال : اللهم { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فأقبلت الدعوة تحف بالعرش فقالت الملائكة : هذا صوت ضعيف معروف في بلاد غريبة! فقال : أما تعرفون ذلك؟ قال : يا رب ، ومن هو؟ قال : ذاك عبدي يونس . قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوه مجابة؟! قال : نعم . قالوا : يا رب ، أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ قال : بلى . فأمر الحوت فطرحه بالعراء فأنبت الله عليه اليقطينة « .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وعبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر ، عن علي رضي الله عنه مرفوعاً : ليس لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ، سبح الله في الظلمات .
وأخرج أحمد والترمذي والنسائي والحكيم في نوادر الأصول ، والحاكم وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم والبزار وابن مردويه والبيهقي في الشعب ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له « .
وأخرج ابن جرير عن سعد رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » اسم الله الذي دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى ، دعوة يونس بن متى . قلت : يا رسول الله ، هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال : هي ليونس خاصة وللمؤمنين إذا دعوا بها ، ألم تسمع قول الله : { وكذلك ننجي المؤمنين } فهو شرط من الله لمن دعاه « .(7/95)
وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « هذه الآية مفزع للأنبياء { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } نادى بها يونس في ظلمة بطن الحوت » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال : اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } .
وأخرج الحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « هل أدلكم على اسم الله الأعظم؟ دعاء يونس { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فأيما مسلم دعا ربه به في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك ، أعطي أجر شهيد . وإن برأ برأ مغفوراً له » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب » .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما : « أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على ثنية فقال : ما هذه؟ قالوا : ثنية كذا وكذا . قال : كأني أنظر إلى يونس على ناقة خطامها ليف وعليه جبة من صوف وهو يقول : لبيك اللهم لبيك! . . . » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى - نسبة إلى أبيه - أصاب ذنباً ثم اجتباه ربه » .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن مردويه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يقولن أحدكم أنا خير من يونس بن متى » .
وأخرج البخاري ومسلم وابن مردويه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى » والله أعلم .(7/96)
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وأصلحنا له زوجه } قال : كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخرائطي في مساوئ الأخلاق وابن عساكر ، عن عطاء بن أبي رباح في قوله : { وأصلحنا له زوجه } قال : كان في خلقها سوء وفي لسانها طول - وهو البذاء - فأصلح الله ذلك منها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله : { وأصلحنا له زوجه } قال : كان في خلقها شيء .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن عساكر ، عن سعيد بن جبير في قوله : { وأصلحنا له زوجه } قال : كانت لا تلد .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وأصلحنا له زوجه } قال : كانت لا تلد .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { وأصلحنا له زوجه } قال : وهبنا له ولداً منها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { وأصلحنا له زوجه } قال : كانت عاقراً فجعلها الله ولوداً ووهب له منها يحيى . وفي قوله : { وكانوا لنا خاشعين } قال : أذلاء .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن جريج في قوله : { ويدعوننا رغباً ورهباً } قال : { رغباً } طمعاً وخوفاً ، وليس ينبغي لأحدهما أن يفارق الآخر .
وأخرج ابن المبارك عن الحسن في قوله : { ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين } قال : الخوف الدائم في القلب .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله : { ويدعوننا رغباً ورهباً } قال : ما دام خوفهم ربهم فلم يفارق خوفه قلوبهم ، إن نزلت بهم رغبة خافوا أن يكون ذلك استدراجاً من الله لهم ، وإن نزلت بهم رهبة خافوا أن يكون الله عز وجل قد أمر بأخذهم لبعض ما سلف منهم .
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل : { ويدعوننا رغباً ورهباً } قال : { رهباً } هكذا ، وبسط كفيه » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عبد الله بن حكيم قال : خطبنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فإني أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو له أهل ، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين } .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { وكانوا لنا خاشعين } قال : متواضعين .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك { وكانوا لنا خاشعين } قال : الذلة لله .(7/97)
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كتب قيصر إلى معاوية : سلام عليك ، أما بعد . . . فأنبئني بأكرم عباد الله عليه وأكرم إمائه عليه . فكتب إليه :
أما بعد . . . كتبت إلي تسألني فقلت : أمّا أكرم عباده عليه فآدم ، خلقه بيده وعلّمه الأسماء كلها . وأمّا أكرم إمائه عليه فمريم بنت عمران { التي أحصنت فرجها } .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : { فنفخنا فيها من روحنا } قال : نفخ في جيبها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال : نفخ في فرجها .(7/98)
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { إن هذه أمتكم أمة واحدة } قال : إن هذا دينكم ديناً واحداً .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة { إن هذه أمتكم أمة واحدة } أي دينكم دين واحد وربكم واحد والشريعة مختلفة .
وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي { إن هذه أمتكم أمة واحدة } قال : لسانكم لسان واحد .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : { وتقطعوا أمرهم بينهم } قال : { تقطعوا } اختلفوا في الدين .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ، أنه قرأ « وحرم على قرية » .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن الزبير قال : إن صبياناً ههنا يقرؤون « وحرم على قرية » وإنما هي { وحرام على قرية } .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه كان يقرأ { وحرام على قرية } بالألف .
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس في قوله : { وحرام على قرية أهلكناها } قال : وجب إهلاكها . قال : دمرناها { أنهم لا يرجعون } قال : إلى الدنيا .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ « وحرم على قرية » قال : وجب على قرية { أهلكناها أنهم لا يرجعون } كما قال : { ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون } [ يس : 31 ] .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وسعيد بن جبير مثله .
وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ هذا الحرف « وحرم على قرية » فقيل لسعيد : أي شيء حرم؟ قال : يحرم .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة « وحرم » قال : وجب { على قرية أهلكناها } قال : كتبنا عليها الهلاك في دينها { أنهم لا يرجعون } عما هم عليه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة « وحرم » قال : وجب بالحبشية .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { وحرام على قرية } أي وجب عليها أنها إذا أهلكت لا ترجع إلى دنياها .(7/99)
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)
أخرج عبد بن حميد عن عاصم ، أنه قرأ { حتى إذا فتحت } خفيفة { يأجوج ومأجوج } مهموزة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله : { وهم من كل حدب ينسلون } قال : جميع الناس من كان مكان جاؤوا منه يوم القيامة فهو حدب .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : { من كل حدب ينسلون } قال : من كل أكمة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { من كل حدب } قال : شرف { ينسلون } قال : يقبلون .
وأخرج الطستي عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق سأله قال له : أخبرني عن قوله : { من كل حدب ينسلون } قال : ينشرون من جوف الأرض من كل ناحية . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت طرفة وهو يقول :
فأما يومهم فيوم سوء ... تخطفهن بالحدب الصقور
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج } قال : هذا مبتدأ يوم القيامة .
وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه قرأ « من كل جدث » بالجيم والثاء ، مثل قوله : { فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } [ يس : 51 ] وهي القبور .
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري : سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول : « يفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون على الناس كما قال الله : { من كل حدب ينسلون } فيغشون الناس وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم ، ويضمون إليهم مواشيهم ويشربون مياه الأرض حتى يتركوه يبساً ، حتى إن بعضهم ليمر بذلك النهر فيقول : قد كان ههنا مرة ماء . حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أخذ في حصن أو مدينة ، قال قائلهم : هؤلاء أهل الأرض ، قد فرغنا منهم وبقي أهل السماء . قال : يهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء فترجع إليه مخضبة دماً للبلاء والفتنة ، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله دوداً في أعناقهم كنغف الجراد يخرج في أعناقه ، فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس ، فيقول المسلمون : ألا رجل يشري لنا نفسه فينظر ما فعل هؤلاء العدو؟ فيتجرد رجل منهم محتسباً نفسه قد أوطنها على أنه مقتول ، فينزل فيجدهم موتى بعضهم على بعض! فينادي معشر المسلمين ، أبشروا إن الله قد كفاكم عدوكم . فيخرجون من مدائنهم وحصونهم ويسرحون مواشيهم فما يكون لها مرعى إلا لحومهم ، فتشكر عنه أحسن ما شكرت عن شيء من النبات أصابته قط » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(7/100)
« لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى ، فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم ، فقال : لا علم لي بها ، فردوا أمرهم إلى موسى فقال : لا علم لي بها ، فردوا أمرهم إلى عيسى فقال : أما وجبتهُّا فلا يعلم بها أحد إلا الله ، وفيما عهد إليّ ربي أن الدجال خارج ومعي قضيبان ، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص فيهلكه الله إذا رآني ، حتى أن الحجر والشجر يقول : يا مسلم ، إن تحتي كافراً فتعال فاقتله . فيهلكهم الله ، ثم يرجع الناس إلى بلادهم لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ، ولا يمرون على ماء إلا شربوه ، ثم رجع الناس يشكونهم فأدعو الله عليهم فيهلكهم ويميتهم حتى تجري الأرض من نتن ريحهم ، وينزل الله المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر . وفيما عهد إلي ربي ، إذا كان ذلك أن الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفجأهم بولادتها ليلاً أو نهاراً » .
قال ابن مسعود : فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله : { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق } الآية . قال : جميع الناس من مكان كانوا جاؤوا منه يوم القيامة فهو حدب .
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق خالد بن عبد الله بن حرملة ، عن حذيفة قال : « خطب رسول الله صلى عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب فقال : إنكم تقولون لا عدوّ لكم ، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدواً حتى يأتي يأجوج ومأجوج عراض الوجوه صغار العيون ، صهب الشفار ، من كل حدب ينسلون . . . كأن وجوههم المجان المطرقة » .
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن أبي يزيد قال : رأى ابن عباس صبياناً ينزو بعضهم على بعض يلعبون ، فقال ابن عباس : هكذا يخرج يأجوج ومأجوج .
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث ، عن النّواس بن سمعان قال : « ذكر رسول الله صلى عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه رفع ، حتى ظننا أنه في ناحية النخل فقال : غير الدجال أخوفني عليكم ، فإن خرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم؛ وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه ، والله خليفتي على كل مسلم . إنه شاب جعد قطط عينه طافئة ، وإنه تخرج خيله بين الشام والعراق ، فعاث يميناً وشمالاً ، يا عباد الله اثبتوا : قلنا : يا رسول الله ، ما لبثه في الأرض؟ قال : أربعون يوماً ، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة ، وسائر الأيام كأيامكم . قلنا : يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي هو كسنة ، أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال : لا . . . أقدروا له قدره . قلنا : يا رسول الله ، ما أسرعه في الأرض؟ قال : كالغيث يشتد به الريح ، فيمر بالحي فيدعوهم فيستجيبون له ، فيأمر السماء فتمطر ، والأرض فتنبت ، وتروح عليهم سارحتهم وهي أطول ما كان دراً ، وأمده خواصر وأشبعه ضروعاً ، ويمرّ بالحي فيدعوهم فيردون عليه قوله ، فتتبعه أموالهم فيصبحون ممحلين ليس لهم من أموالهم شيء ، ويمر بالخربة فيقول لها : أخرجي كنوزك .(7/101)
فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، ويأمر برجل فيقتل فيضربه ضربة بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ، ثم يدعوه فيقبل إليه .
فبينما هم على ذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ، واضعاً يده على أجنحة ملكين فيتبعه فيدركه فيقتله عند باب لدّ الشرقي ، فبينما هم كذلك أوحى الله إلى عيسى ابن مريم : أني قد أخرجت عباداً من عبادي لا يدان لك بقتالهم ، فحرز عبادي إلى الطور . فيبعث الله يأجوج ومأجوج كما قال الله : { وهم من كل حدب ينسلون } فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل عليهم نغفاً في رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة ، فيهبط عيسى وأصحابه إلى الأرض فيجدون نتن ريحهم ، فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم طيراً كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ، ويرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا بر أربعين يوماً فتغسل الأرض حتى تتركها زلفة ، ويقال للأرض : أنبتي ثمرتك فيومئذ يأكل النفر من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل ، حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر تكفي الفخذ ، والشاة من الغنم تكفي البيت ، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله ريحا طيبة تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة « .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » لو نتجت فرس عند خروجهم ما ركب فلوها حتى تقوم الساعة « .
وأخرج ابن جرير عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » أول الآيات : الدجال ، ونزول عيسى ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا ، وتبيت معهم إذا باتوا ، والدخان ، والدابة ، ويأجوج ومأجوج . قال حذيفة : قلت : يا رسول الله ، ما يأجوج ومأجوج؟ قال : يأجوج ومأجوج أمم ، كل أمة أربعمائة ألف أمة . . . لا يموت الرجل منهم حتى يرى ألف عين تطوف بين يديه من صلبه ، وهم ولد آدم ، فيسيرون إلى خراب الدنيا ويكون مقدمتهم بالشام وساقتهم بالعراق ، فيمرون بأنهار الدنيا فيشربون الفرات ودجلة وبحيرة طبرية ، حتى يأتوا بيت المقدس فيقولون : قد قتلنا أهل الدنيا فقاتلوا من في السماء ، فيرمون بالنشاب إلى السماء فترجع نشابتهم مخضبة بالدم ، فيقولون : قد قتلنا من في السماء . وعيسى والمسلمون بجبل طور سينين فيوحي الله إلى عيسى : أن أحرز عبادي بالطور وما يلي أيلة ، ثم إن عيسى يرفع يديه إلى السماء ويؤمن المسلمون فيبعث الله عليهم دابة يقال لها ، النغف . تدخل في مناخرهم فيصبحون موتى من حاق الشام إلى حاق المشرق ، حتى تنتن الأرض من جيفهم ، ويأمر الله السماء فتمطر كأفواه القرب فتغسل الأرض من جيفهم ونتنهم ، فعند ذلك طلوع الشمس من مغربها « .(7/102)
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : يخرج يأجوج ومأجوج فيموجون في الأرض فيفسدون فيها . ثم قرأ ابن مسعود { وهم من كل حدب ينسلون } قال : ثم يبعث الله عليهم دابة مثل النغف فتلج في أسماعهم ومناخرهم فيموتون منها ، فتنتن الأرض منهم فيرسل الله ماء فيطهر الأرض منهم .
وأخرج ابن جرير من طريق عطية قال : قال أبو سعيد : يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحداً إلا قتلوه ، إلا أهل الحصون فيمرون على البحيرة فيشربونها ، فيمر المار فيقول : كأنه كان ههنا ماء! فيبعث الله عليهم النغف حتى يكسر أعناقهم فيصيروا خبالاً ، فيقول أهل الحصون : لقد هلك أعداء الله . فيرسلون رجلاً لينظر ويشرط عليهم إن وجدهم أحياء أن يرفعوه ، فيجدهم قد هلكوا . فينزل الله ماء من السماء فيقذف بهم في البحر فتطهر الأرض منهم ، ويغرس الناس بعدهم الشجر والنخل وتخرج الأرض ثمرها كما كانت تخرج في زمن يأجوج ومأجوج .
وأخرج ابن جرير عن كعب قال : إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ، فإذا كان الليل قالوا : نجي غداً نخرج . فيعيده الله كما كان فيجيئون غداً فيحفرون حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ، فإذا كان الليل قالوا : نجي فنخرج ، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله تعالى كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول : نجيء غداً فنخرج إن شاء الله . فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه فيخرقون ثم يخرجون ، فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها ، ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون : كان ههنا مرة ماء . ويفر الناس منهم ولا يقوم لهم شيء ، ويرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون : غلبنا أهل الأرض وأهل السماء ، فيدعو عليهم عيسى عليه السلام فيقول : اللهم لا طاقة ولا يد لنا بهم فاكفناهم بما شئت . فيرسل الله عليهم دوداً يقال له : « النغف » فتقرس رقابهم ، ويبعث الله عليهم طيراً فتأخذهم بمناقيرها فتلقيهم في البحر ، ويبعث الله تعالى عيناً يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم ، وينبتها حتى أن الرمانة ليشبع منها السكن قيل : وما السكن يا كعب؟ قال : أهل البيت . قال : فبينا الناس كذلك إذ أتاهم الصراخ ، أن ذا السويقتين أتى البيت يريده . فيبعث عيسى طليعة سبعمائة أو بين السبعمائة والثمانمائة ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق يبعث الله ريحاً يمانية طيبة فيقبض فيها روح كل مؤمن ، ثم يبقى محاح من الناس فيتسافدون كما تتسافد البهائم ، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينظرها متى تضع .(7/103)
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : ما كان منذ كانت الدنيا رأس مائة سنة ، إلا كان عند رأس المائة أمر . قال : فتحت يأجوج ومأجوج . وهم كما قال الله : { من كل حدب ينسلون } فيأتي أوّلهم على نهر عجاج فيشربونه كله حتى ما يبقى منه قطرة ، ويأتي آخرهم فيمر فيقول : قد كان ههنا مرة ماء ، فيفسدون في الأرض ويحاصرون المؤمنين في مدينة إليا ، فيقولون : لم يبق في الأرض أحد إلا قد ذبحناه . . . هلموا نرمي من في السماء . فيرمون في السماء فترجع إليهم سهامهم في نصلها الدم ، فيقولون : ما بقي في الأرض ولا في السماء أحد إلا وقد قتلناه . فيقول المؤمنون : يا روح الله ، ادع الله عليهم . فيدعو عليهم فيبعث الله في آذانهم النغف فيقتلهم جميعاً في ليلة واحدة ، حتى تنتن الأرض من جيقهم فيقول المؤمنون : يا روح الله ، ادع الله فإنا نخشى أن نموت من نتن جيفهم . فيدعو الله فيرسل عليهم وابلاً من السماء فيجعلهم سيلاً ، فيقذفهم في البحر .
وأخرج ابن جرير عن حذيفة رضي الله عنه قال : لو أن رجلاً اقتنى فلواً بعد خروج يأجوج ومأجوج ، لم يركبه حتى تقوم الساعة .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري وأبو يعلى وابن المنذر ، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج » .
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد { واقترب الوعد الحق } قال : اقترب يوم القيامة .
وأخرج عن الربيع { واقترب الوعد الحق } قال : قامت عليهم الساعة .(7/104)
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو داود في ناسخه والحاكم وصححه من طرق ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير ، يعبدون من دون الله . فنزلت { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } عيسى وعزير والملائكة .
وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء عبد الله بن الزبعرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : تزعم أن الله أنزل عليه هذه الآية { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } قال ابن الزبعرى : قد عبدت الشمس ، والقمر والملائكة ، وعزير وعيسى ابن مريم ، كل هؤلاء في النار مع آلهتنا ، فنزلت { ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون } [ الزخرف : 57 ] ثم نزلت { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن مردويه والطبراني من وجه آخر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } شق ذلك على أهل مكة . وقالوا : شتم الآلهة . فقال ابن الزبعرى : أنا أخصم لكم محمداً ، ادعوه لي فدعي . فقال : يا محمد ، هذا شيء لآلهتنا خاصة؟ أم لكل عبد من دون الله؟ قال : بل لكل من عبد من دون الله فقال ابن الزبعرى : خصمت . ورب هذه البنية ، يعني الكعبة ، ألست تزعم يا محمد ، أن عيسى عبد صالح ، وأن عزيراً عبد صالح ، وأن الملائكة صالحون؟ قال : بلى . قال : فهذه النصارى تعبد عيسى . وهذه اليهود . تعبد عزيراً ، وهذه بنو مليح تعبد الملائكة ، فضج أهل مكة وفرحوا! فنزلت { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } عزير وعيسى والملائكة { أولئك عنها مبعدون } ونزلت { ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون } [ الزخرف : 57 ] قال : وهو الصحيح .
وأخرج البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت هذه الآية { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } ثم نسختها { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } يعني عيسى ومن كان معه .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك { إنكم وما تعبدون من دون الله } يعني الآلهة ومن يعبدها .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { حصب جهنم } قال : وقودها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما { حصب جهنم } قال : شجر جهنم .(7/105)
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { حصب جهنم } قال : حطب جهنم بالزنجية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله : { حصب جهنم } قال : حطب جهنم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه { حصب جهنم } قال : يقذفون فيها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { حصب جهنم } قال : حطبها . قال بعض القراء « حطب جهنم » من قراءة عائشة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك { حصب جهنم } يقول : إن جهنم تحصب بهم ، وهو الرمي : يقول : يرمي بهم فيها .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : « حضب جهنم » بالضاد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في صفة النار ، والطبراني والبيهقي في البعث ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا بقي في النار من يخلد فيها ، جعلوا في توابيت من حديد نار ، فيها مسامير من حديد نار ، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت من حديد ، ثم قذفوا في أسفل الجحيم فما يرى أحدهم أنه يعذب في النار غيره . ثم قرأ مسعود رضي الله عنه { لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } قال : عيسى والملائكة وعزير » .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { أولئك عنها مبعدون } قال : عيسى وعزير والملائكة .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أصبغ ، عن علي في قوله : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } الآية . قال : كل شيء يعبد من دون الله في النار ، إلا الشمس والقمر وعيسى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } قال : أولئك أولياء الله ، يمرون على الصراط مراً هو أسرع من البرق فلا تصيبهم و { يسمعون حسيسها } ويبقى الكفار فيها حبيساً .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه ، عن النعمان بن بشير : أن علياً قرأ { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } فقال : أنا منهم وعمر منهم وعثمان منهم والزبير منهم وطلحة منهم وسعد وعبد الرحمن منهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن أبي عثمان النهدي في قوله : { لا يسمعون حسيسها } قال : حيات على الصراط تلسعهم ، فإذا لسعتهم قالوا : حس . . حس .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة ، « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { لا يسمعون حسيسها } قال : حيات على الصراط تقول : حس حس » .(7/106)
وأخرج ابن مردويه وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } قال : السعادة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير ، عن محمد بن حاطب قال : سئل علي عن هذه الآية { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } قال : هو عثمان وأصحابه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { لا يسمعون حسيسها } يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس أهل النار إذا نزلوا منازلهم من الجنة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سفيان { لا يسمعون حسيسها } قال : صوتها .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري قالا : قال في سورة الأنبياء { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } إلى قوله : { وهم فيها لا يسمعون } ثم استثنى فقال : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } فقد عبدت الملائكة من دون الله وعزير وعيسى .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : يقول ناس من الناس : إن الله قال : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } يعني من الناس أجمعين ، وليس كذلك إنما يعني من يعبد الله تعالى ، وهو لله مطيع مثل عيسى وأمه وعزير والملائكة . واستثنى الله تعالى هؤلاء من الآلهة المعبودة التي هي مع من يعبدها في النار .
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة النار ، عن ابن عباس في قوله : { لا يحزنهم الفزع الأكبر } قال : أذا أطبقت جهنم على أهلها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { لا يحزنهم الفزع الأكبر } يعني النفخة الآخرة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير في قوله : { لا يحزنهم الفزع الأكبر } قال : النار إذا أطبقت على أهلها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن الحسن { لا يحزنهم الفزع الأكبر } قال : إذا أطبقت النار عليهم ، يعني على الكفار .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن { لا يحزنهم الفزع الأكبر } قال : انصراف العبد حين يؤمر به إلى النار .
وأخرج ابن جرير في قوله : { لا يحزنهم الفزع الأكبر } قال : حين تطبق جهنم . وقال : حين ذبح الموت .
وأخرج البزار وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن للمهاجرين منابر من ذهب يجلسون عليها يوم القيامة قد أمنوا من الفزع » .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : « بشر المدلجين في الظلم بمنابر من نور يوم القيامة ، يفزع الناس ولا يفزعون » .
وأخرج الطبراني في الأوسط ، عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول : « المتحابون في الله في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله على منابر من نور ، يفزع الناس ولا يفزعون » .(7/107)
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أمَّ قوماً وهم به راضون ، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة ، وعبد أدى حق الله وحق مواليه » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : { وتتلقاهم الملائكة } قال : تتلقاهم الملائكة الذين كانوا قرناءهم في الدنيا يوم القيامة ، فيقولون : نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : { هذا يومكم الذي كنتم توعدون } قال : هذا قبل أن يدخلوا الجنة .
وأخرج عبد بن حميد عن علي في قوله : { كطي السجل } قال : ملك .
وأخرج عبد بن حميد عن عطية قال : السجل ، اسم ملك .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله : { يوم نطوي السماء كطي السجل } قال : السجل ملك ، فإذا صعد بالاستغفار قال : اكتبوها نوراً .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك ، وكان هاروت وماروت من أعوانه ، وكان له كل يوم ثلاث لمحات ينظرهن في أم الكتاب ، فنظر نظرة لم تكن له ، فأبصر فيها خلق آدم وما فيه من الأمور فأسّر ذلك إلى هاروت وماروت ، فلما قال تعالى : { إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } [ البقرة : 30 ] قال : ذلك استطالة على الملائكة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن السدي قال : السجل ملك موكل بالصحف ، فإذا مات دفع كتابه إلى السجل فطواه ورفعه إلى يوم القيامة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في الآية قال : السجل ، الصحيفة .
وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده في المعرفة ، وابن مردويه والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل ، كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن المنذر وابن عدي وابن عساكر ، عن ابن عباس قال : كان لرسول الله صلى عليه وسلم كاتب يسمى السجل ، وهو قوله : { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب } .
وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر ، عن ابن عباس قال : السجل ، هو الرجل ، زاد ابن مردويه بلغة الحبشة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { كطي السجل للكتب } قال : كطي الصحيفة على الكتاب .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { كما بدأنا أوّل خلق نعيده } يقول : نهلك كل شيء كما كان أوّل مرة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد في قوله : { كما بدأنا أوّل خلق نعيده } قال : عراة حفاة غرلاً .(7/108)
وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت : « دخل عليّ رسول الله صلى عليه وسلم وعندي عجوز من بني عامر فقال : من هذه العجوز يا عائشة؟ فقلت : إحدى خالاتي . فقالت : ادع الله أن يدخلني الجنة . فقال : إن الجنة لا يدخلها العجوز . فأخذ العجوز ما أخذها فقال : إن الله تعالى ينشئهن خلقاً غير خلقهن ، ثم قال : تحشرون حفاة عراة غلفاً . فقالت : حاشا لله من ذلك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بلى . إن الله تعالى قال : { كما بدأنا أوّل خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين } فأول من يكسى إبراهيم خليل الرحمن » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : يبعثهم الله يوم القيامة على قامة آدم وجسمه ، ولسانه السريانية ، عراة حفاة غرلاً كما ولدوا .(7/109)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } القرآن { أن الأرض } قال : أرض الجنة .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } قال : يعني بالذكر ، كتبنا في القرآن من بعد التوراة ، و { الأرض } أرض الجنة .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } يعني بالذكر ، التوراة ، ويعني بالزبور ، الكتب من بعد التوراة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { ولقد كتبنا في الزبور } قال : الكتب . { من بعد الذكر } قال : التوراة .
وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه ، عن ابن عباس في الآية قال : الزبور ، التوراة والإنجيل والقرآن ، والذكر الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء والأرض ، أرض الجنة .
وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن جرير ، عن سعيد بن جبير في قوله : { ولقد كتبنا في الزبور } قال : الزبور ، التوراة والإنجيل والقرآن { من بعد الذكر } قال : الذكر الذي في السماء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال : الزبور ، الكتب . والذكر ، أم الكتاب عند الله ، والأرض الجنة .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : الزبور ، الكتب التي أنزلت على الأنبياء ، والذكر ، أم الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } قال : أرض الجنة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { ولقد كتبنا في الزبور } الآية . قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السموات والأرض ، أن يورث أمة محمد الأرض ويدخلهم الجنة ، وهم { الصالحون } وفي قوله : { لبلاغاً لقوم عابدين } قال : عالمين .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } قال : أرض الجنة ، يرثها الذين يصلون الصلوات الخمس في الجماعات .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم ، عن الشعبي في قوله : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر } قال : في زبور داود { من بعد } ذكر موسى التوراة { أن الأرض يرثها } قال : الجنة .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : كتب الله في زبور داود بعد التوراة .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله : { أن الأرض يرثها } قال : الجنة .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : { أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } قال : الجنة وقرأ { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء } [ الزمر : 74 ] قال : فالجنة مبتدؤها في الأرض ثم تذهب درجاً علوّا .(7/110)
والنار مبتدؤها في الأرض ، وبينهما حجاب ، سور ما يدري أحد ما ذاك السور . وقرأ { باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } [ الحديد : 13 ] قال : ودرجها تذهب سفالاً في الأرض ، ودرج الجنة تذهب علوّاً في السماء .
وأخرج ابن جرير ، عن صفوان قال : سألت عامر بن عبد الله أبا اليمان ، هل لأنفس المؤمنين مجتمع؟ فقال : يقول الله : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } قال : هي الأرض التي تجمع إليها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قال الله تعالى : { أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } فنحن الصالحون » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن جرير في قوله : { إن في هذا لبلاغاً } قال : كل ذلك يقال : إن في هذه السورة ، وفي هذا القرآن لبلاغاً .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد في قوله : { إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين } قال : إن في هذا لمنفعة وعلماً { لقوم عابدين } ذلك البلاغ .
وأخرج ابن جرير ، عن كعب الأحبار { إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين } قال : لأمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير ، عن كعب في قوله : { إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين } قال : صوم شهر رمضان ، والصلوات الخمس .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر ، عن أبي هريرة { إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين } قال : في الصلوات الخمس شغلاً للعبادة .
وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية { لبلاغاً لقوم عابدين } قال : هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، عن محمد بن كعب { إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين } قال : الصلوات الخمس .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه { لقوم عابدين } قال : الذين يحافظون على الصلوات الخمس في الجماعة .
وأخرج عن قتادة رضي الله عنه { لقوم عابدين } قال : عاملين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب؛ من المسخ والخسف والقذف .
وأخرج مسلم ، « عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله ، ادع على المشركين . قال : » إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة « » .(7/111)
وأخرج أبو نعيم في الدلائل ، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين » .
وأخرج أحمد وأبو داود والطبراني ، عن سلمان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي ، أو لعنته لعنة ، فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما تغضبون ، وإنما بعثني رحمة للعالمين ، وأجعلها عليه صلاة يوم القيامة » .
وأخرج البيهقي في الدلائل ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما أنا رحمة مهداة » .
وأخرج عبد بن حميد ، « عن عكرمة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله ، ألا تلعن قريشاً بما أتوا إليك؟ فقال : » لم أبعث لعاناً إنما بعثت رحمة « يقول الله : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } .(7/112)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)
أخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { على سواء } قال : على مهل .(7/113)
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)
أخرج ابن أبي شيبة وابن عساكر ، عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال : لما أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين } يقول : هذا الملك .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبيهقي في الدلائل ، عن الشعبي قال : لما سلم الحسن بن علي - رضي الله عنه - الأمر إلى معاوية ، قال له معاوية : قم فتكلم ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن هذا الأمر تركته لمعاوية . إرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين } ثم استغفر ونزل .
وأخرج البيهقي ، عن الزهري قال : خطب الحسن رضي الله عنه فقال : أما بعد : أيها الناس إن الله هداكم بأوّلنا ، وحقن دمائكم بآخرنا ، وإن لهذا الأمر مدة والدنيا دول ، وإن الله تعالى قال لنبيه : { وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون } إلى قوله : { ومتاع إلى حين } الدهر كله . وقوله : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } [ الإنسان : 1 ] الدهر : الدهر كله . وقوله : { تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها } [ إبراهيم : 25 ] قال : هي النخلة من حين تثمر إلى أن تصرم . وقوله : { ليسجننه حتى حين } [ يوسف : 35 ] .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { وإن أدري لعله فتنة لكم } يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة ، أن يؤخر عنكم لمدتكم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : { قل رب احكم بالحق } قال : لا يحكم الله إلا بالحق ، ولكن إنما يستعجل بذلك في الدنيا ، يسأل ربه على قومه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، عن قتادة : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا شهد قتالاً قال : { رب احكم بالحق } .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن قتادة قال : كانت الأنبياء تقول : { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين } [ الأعراف : 89 ] فأمر الله نبيه أن يقول : { رب احكم بالحق } أي اقض بالحق . وكان رسول الله - صلى عليه وسلم - يعلم أنه على الحق ، وأن عدوّه على الباطل ، وكان إذا لقي العدوّ قال : { رب احكم بالحق } والله أعلم .(7/114)