وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن أبي عبد الرحمن السلمي في قوله { أنزل علينا مائدة من السماء } قال : خبزاً وسمكاً .
وأخرج ابن الأنباري وأبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن جبير قال : نزلت المائدة وهي طعام يفور ، فكانوا يأكلون منها قعوداً ، فأحدثوا فرفعت شيئاً فأكلوا على الركب ، ثم أحدثوا فرفعت البتة .
وأخرج ابن الأنباري عن وهب بن منبه قال : كانت مائدة يجلس عليها أربعة آلاف فقالوا لقوم من وضعائهم : إن هؤلاء يلطخون ثيابنا علينا فلو بنينا لها دكاناً يرفعها ، فبنوا لها دكاناً فجعلت الضعفاء لا تصل إلى شيء ، فلما خالفوا أمر الله عز وجل رفعها عنهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ عن عطية العوفي قال : المائدة سمكة فيها من طعم كل طعام .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة . أن الخبز الذي أنزل مع المائدة كان من أرز .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال : نزل على عيسى ابن مريم والحواريين خوان عليه خبز وسمك ، يأكلون منه أينما تولوا إذا شاؤوا .
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري في كتاب الأضداد من طريق عكرمة عن ابن عباس في المائدة قال : كان طعاماً ينزل عليهم من السماء حيثما نزلوا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : هو الطعام ينزل عليهم حيث نزلوا .
وأخرج ابن جرير عن إسحاق بن عبد الله . أن المائدة نزلت على عيسى ابن مريم ، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات يأكلون منها ما شاؤوا ، فسرق بعضهم منها وقال : لعلها لا تنزل غداً فرفعت .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري وأبو الشيخ عن قتادة قال : ذكر لنا أنها كانت مائدة ينزل عليها الثمر من ثمار الجنة ، وأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا لغد بلاء أبلاهم الله به ، وكانوا إذا فعلوا شيئاً من ذلك أنبأهم به عيسى ، فخان القوم فيه فخبأوا وادَّخَروا لِغدٍ .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : أنزل على المائدة كل شيء إلا اللحم . والمائدة الخوان .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ميسرة وزاذان قالا : كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت الأيدي فيها بكل طعام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه سئل عن المائدة التي أنزلها الله من السماء على بني إسرائيل؟ قال : كان ينزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة ، فأكلوا ما شاؤوا من ضروب شتى ، فكانت يقعد عليها أربعة آلاف ، فإذا أكلوا أبدل الله مكان ذلك بمثله ، فلبثوا بذلك ما شاء الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { أنزل علينا مائدة من السماء } قال : هو مثل ضرب ولم ينزل عليهم شيء .(4/23)
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : مائدة عليها طعام أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا ، فأبوا أن ينزل عليهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن الحسن قال : لما قيل لهم { فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً } قالوا : لا حاجة لنا فيها فلم تنزل عليهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين } قال : ذكر لنا أنهم لما صنعوا في المائدة ما صنعوا حوِّلوا خنازير .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { فمن يكفر بعد منكم } بعد ما جاءته المائدة { فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين } يقول : أعذبه بعذاب لا أعذبه أحداً غير أهل المائدة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمرو قال : إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة والمنافقون وآل فرعون .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { إني منزلها } مثقلة .(4/24)
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)
أخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن أبي هريرة قال : يلقي الله عيسى والله لقاه في قوله { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } قال أبو هريرة « عن النبي صلى الله عليه وسلم : فلقاه الله { سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق } » . الآية كلها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ميسرة قال : لما { قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } أرعد كل مفصل منه حتى وقع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن صالح قال : لما قال { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } زال كل مفصل له من مكانه خيفة .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } متى يكون ذلك؟ قال : يوم القيامة ألا ترى أنه يقول { هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } [ المائدة : 119 ] .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } قال : لما رفع الله عيسى بن مريم إليه قالت النصارى ما قالت ، وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك ، فسأله عن قوله { قال سبحانك ما يكون لي } إلى قوله { وأنت على كل شيء شهيد } .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن طاوس في هذه الآية قال : احتج عيسى وربه والله وفقه { قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق } .
وأخرج أبو الشيخ من طريق طاوس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن عيسى حاجه ربه فحاج عيسى ربه ، والله لقاه حجته بقوله { أأنت قلت للناس . . . } الآية » .
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول « إذا كان يوم القيامة جمعت الأمم ودعي كل أناس بإمامهم ، قال : ويدعى عيسى فيقول لعيسى { يا عيسى أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } فيقول { سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق } إلى قوله { يوم ينفع الصادقين صدقهم } » .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } والناس يسمعون ، فراجعه بما قد رأيت ، فأقر له بالعبودية على نفسه ، فعلم من كان يقول في عيسى ما كان يقول أنه إنما كان يقول باطلاً .(4/25)
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { أن اعبدوا الله ربي وربكم } قال : سيدي وسيدكم .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً ، ثم قرأ { كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين } [ الأنبياء : 104 ] ثم قال : ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب أصحابي أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح { وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم } فيقال : أما هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم مذ فارقتهم » .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { كنت أنت الرقيب عليهم } قال : الحفيظ .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { كنت أنت الرقيب } قال : الحفيظ .(4/26)
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد والنسائي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي ذر قال : « صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها { إن تعذبهم فإنهم عبادك . . . } الآية . فلما أصبح قلت : يا رسول الله ، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت؟! قال : إني سألت ربي الشفاعة لأمتي فأعطانيها ، وهي نائلة إن شاء الله من لا يشرك بالله شيئاً » .
وأخرج ابن ماجة عن أبي ذر قال « قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } » .
وأخرج مسلم والنسائي وابن أبي الدنيا في حسن الظن وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن عمرو بن العاص « أن نبي الله تلا قول الله في إبراهيم { رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني . . . } [ إبراهيم : 36 ] الآية . وقال عيسى بن مريم { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } فرفع يديه فقال : اللهم أمتي أمتي وبكى . فقال الله : جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي ذر قال « بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة يشفع لأمته ، فكان يصلي بهذه الآية { إن تعذِّبهم فإنهم عبادك . . . } إلى آخر الآية . كان بها يسجد ، وبها يركع ، وبها يقوم ، وبها يقعد حتى أصبح » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي ذر قال : « قلت للنبي صلى الله عليه وسلم بأبي أنت وأمي يا رسول الله قمت الليلة بآية من القرآن ، ومعك قرآن لو فعل هذا بعضنا لوجدنا عليه؟ قال : دعوت لأمتي . قال : فماذا أجبت؟ قال : أجبت بالذي لو اطَّلع كثير منهم عليه تركوا الصلاة . قال : أفلا أبشر الناس؟ قال : بلى . فقال عمر : يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نكلوا عن العبادة ، فناداه أن ارجع فرجع ، وتلا الآية التي يتلوها { إن تعذِّبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } » .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { إن تعذبهم فإنهم عبادك } يقول : عبيدك قد استوجبوا العذاب بمقالتهم { وإن تغفر لهم } أي من تركت منهم ومد في عمره حتى أهبط من السماء إلى الأرض يقتل الدجال ، فنزلوا عن مقالتهم ووحدوك ، وأقروا إنا عبيد { وإن تغفر لهم } حيث رجعوا عن مقالتهم { فإنك أنت العزيز الحكيم } « .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { إن تعذبهم فإنهم عبادك } يقول : إن تعذبهم تميتهم بنصرانيتهم فيحق عليهم العذاب فإنهم عبادك { وإن تغفر لهم } فتخرجهم من النصرانية وتهديهم إلى الإسلام { فإنك أنت العزيز الحكيم } هذا قول عيسى عليه السلام في الدنيا .(4/27)
قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } قال : يقول هذا يوم ينفع الموحدين توحيدهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } قال : هذا فصل بين كلام عيسى وهذا يوم القيامة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة قال : متكلمان تكلما يوم القيامة . نبي الله عيسى ، وإبليس عدو الله ، فأما إبليس فيقول { إن الله وعدكم وعد الحق } [ إبراهيم : 42 ] إلى قوله { إلا أن دعوتكم فاستجبتم } لي وصدق عدو الله يومئذ ، وكان في الدنيا كاذبا ، وأما عيسى فما قص الله عليكم في قوله { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي } [ المائدة : 116 ] إلى آخر الآية : { قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } وكان صادقاً في الحياة الدنيا وبعد الموت .
قوله تعالى : { لله ملك السماوات } الآية .
أخرج أبوعبيد في فضائله عن أبي الزاهرية أن عثمان رضي الله عنه كتب في آخر المائدة « لله ملك السموات والأرض والله سميع بصير » .(4/28)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)
أخرج ابن الضريس في فضائل القرآن وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن كعب قال : فتحت التوراة { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } وختمت ب { الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً } الى قوله { وكبره تكبيراً } .
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } قال : هي في التوراة بستمائة آية .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض } حمد نفسه فأعظم خلقه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي . أنه أتاه رجل من الخوارج فقال : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون أليس كذلك؟ . قال : نعم . فانصرف عنه ثم قال : ارجع . فرجع فقال : أي قل إنما أنزلت في أهل الكتاب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أنه أتاه رجل من الخوارج فقرأ عليه { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور } الآية . ثم قال : أليس الذين كفروا بربهم يعدلون؟ قال : بلى . فانصرف عنه الرجل ، فقال له رجل من القوم : يا ابن ابزى إن هذا أراد تفسير الآية غير ما ترى إنه رجل من الخوارج . قال : ردوه علي . فلما جاء قال : أتدري فيمن أنزلت هذه الآية؟ قال : لا . قال : نزلت في أهل الكتاب فلا تضعها في غير موضعها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : نزلت هذه الآية في الزنادقة { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور } قال قالوا : إن الله لم يخلق الظلمة ، ولا الخنافس ، ولا العقارب ، ولا شيئاً قبيحاً ، وإنما خلق النور وكل شيء حسن ، فأنزل فيهم هذه الآية .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال : نزل جبريل مع سبعين ألف ملك معهم سورة الأنعام ، لهم زجل من التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد ، وقال : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض فكان فيه رد على ثلاثة أديان منهم ، فكان فيه رد على الدهرية لأن الأشياء كلها دائمة ، ثم قال { وجعل الظلمات والنور } فكان فيه رد على المجوس الذين زعموا أن الظلمة والنور هما المدبران ، وقال : { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } فكان فيه رد على مشركي العرب ، ومن دعا دون الله إلهاً .
وأخرج ابن جرير عن أبي روق قال : كل شيء في القرآن ( جعل ) فهو خلق .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { وجعل الظلمات والنور } قال : الكفر والإيمان .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور } قال : خلق الله السموات قبل الأرض ، والظلمة قبل النور ، والجنة قبل النار { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } قال : كذب العادلون بالله فهؤلاء أهل الشرك .(4/29)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وجعل الظلمات والنور } قال : الظلمات ظلمة الليل ، والنور نور النهار { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } قال : هم المشركون .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } قال : يشركون .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } قال : الآلهة التي عبدوها عدلوها بالله تعالى وليس لله عدل ، ولا ند ، وليس معه آلهة ، ولا اتخذ صاحبة ولا ولداً .(4/30)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { هو الذي خلقكم من طين } يعني آدم { ثم قضى أجلاً } يعني أجل الموت { وأجل مسمى عنده } أجل الساعة والوقوف عند الله .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { ثم قضى أجلاً } قال : أجل الدنيا . وفي لفظ : أجل موته { وأجل مسمى عنده } قال : الآخرة لا يعلمه إلا الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { قضى أجلاً } قال : هو النوم ، يقبض الله فيه الروح ثم يرجع إلى صاحبه حين اليقظة { وأجل مسمى عنده } قال : هو أجل موت الإِنسان .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { هو الذي خلقكم من طين } قال : هذا بدء الخلق ، خلق آدم من طين { ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين } [ السجدة : 8 ] { ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده } يقول : أجل حياتك إلى يوم تموت ، وأجل موتك إلى يوم البعث { ثم أنتم تمترون } قال : تشكون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ثم قضى أجلاً } قال : أجل الدنيا الموت { وأجل مسمى عنده } قال : الآخره البعث .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة والحسن في قوله { قضى أجلاً } قالا : أجل الدنيا منذ خلقت إلى أن تموت { وأجل مسمى عنده } قال : يوم القيامه .
وأخرج أبو الشيخ عن يونس بن يزيد الأيلي { قضى أجلاً } قال : ما خلق في ستة أيام { وأجل مسمى عنده } قال : ما كان بعد ذلك إلى القيامة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { ثم أنتم تمترون } قال : تشكون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن خالد بن معدان في قوله { ثم أنتم تمترون } يقول : في البعث .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين } يقول : ما يأتيهم من شيء من كتاب الله إلا أعرضوا عنه . وفي قوله { فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون } يقول : سيأتيهم يوم القيامة أنباء ما استهزأوا به من كتاب الله عز وجل .(4/31)
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { من قرن } قال : أمة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم } يقول : أعطيناهم ما لم نعطكم .
وأخرج أبن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق علي عن ابن عباس في قوله { وأرسلنا السماء عليهم مدراراً } يقول : يتبع بعضها بعضاً .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن هارون التميمي في قوله { وأرسلنا السماء عليهم مدراراً } قال : المطر في إبانه .(4/32)
وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم } يقول : لو أنزلنا من السماء صحفاً فيها كتاب فلمسوه بأيديهم لزادهم ذلك تكذيباً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس } يقول : في صحيفة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فلمسوه بأيديهم } يقول : فعاينوه معاينة ومسوه بأيديهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فلمسوه بأيديهم } قال : فمسوه ونظروا إليه لم يصدقوا به .(4/33)
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال « دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه إلى الإِسلام وكلمهم فابلغ إليهم فيما بلغني ، فقال له زمعة بن الأسود بن المطلب ، والنضر بن الحارث بي كلدة ، وعبدة بن عبد يغوث ، وأبي خلف بن وهب ، والعاصي بن وائل بن هشام : لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويرى معك ، فأنزل الله في ذلك من قولهم { وقالوا لولا أنزل عليه ملك . . . } الآية » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وقالوا لولا أنزل عليه ملك } قال : ملك في صورة رجل { ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر } قال : لقامت الساعة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر } يقول : لو أنزل الله ملكاً ثم لم يؤمنوا لعجَّل لهم العذاب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { ولو أنزلنا ملكاً } قال : ولو أتاهم ملك في صورته { لقضي الأمر } لأهلكناهم { ثم لا ينظرون } لا يؤخرون { ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً } يقول : لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة { وللبسنا عليهم ما يلبسون } يقول : لخلطنا عليهم ما يخلطون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً } قال : في صورة رجل ، وفي خلق رجل .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً } يقول : في صورة آدمي .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً } قال : لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل ، لم نرسله في صورة الملائكة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وللبسنا عليهم } يقول : شبهنا عليهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { وللبسنا عليهم ما يلبسون } يقول : شبهنا عليهم ما يشبهون على أنفسهم .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وللبسنا عليهم ما يلبسون } يقول : ما لبس قوم على أنفسهم إلا لبس الله عليهم ، واللبس إنما هو من الناس ، قد بين الله للعباد ، وبعث رسله ، واتخذ عليهم الحجة ، وأراهم الآيات ، وقدم إليهم بالوعيد .(4/34)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)
أخرج ابن المنذر وابي أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال « مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني بالوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، وأبي جهل بن هشام ، فهمزوه واستهزأوا به ، فغاظه ذلك ، فأنزل الله { ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون } » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { فحاق بالذين سخروا منهم } من الرسل { ما كانوا به يستهزؤون } يقول : وقع بهم العذاب الذي استهزأوا به .(4/35)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } قال : بئس - والله - ما كان عاقبة المكذبين ، دمر الله عليهم وأهلكهم ثم صيرهم إلى النار .
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سلمان في قوله { كتب على نفسه الرحمة } قال : إنا نجده في التوراة عطيفتين ، أن الله خلق السموات والأرض ثم جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق ، ثم خلق الخلق فوضع بينهم واحدة وأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة ، فيها يتراحمون ، وبها يتعاطفون ، وبها يتباذلون ، وبها يتزاورون ، وبها تحن الناقة ، وبها تنتج البقرة ، وبها تيعر الشاة ، وبها تتابع الطير ، وبها تتابع الحيتان في البحر ، فإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى ما عنده ، ورحمته أفضل وأوسع .
وأخرج أحمد ومسلم والبيهقي في الأسماء والصفات عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « خلق الله يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة ، منها رحمة يتراحم بها الخلق وتسع وتسعون ليوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة » .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لما قضى الله الخلق كتب كتاباً فوضعه عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت غضبي » .
وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لما خلق الله الخلق كتب كتاباً بيده على نفسه : إن رحمتي تغلب غضبي » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا فرغ الله من القضاء بين الخلق أخرج كتاباً من تحت العرش : إن رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة أو قبضتين فيخرج من النار خلق كثير لم يعلموا خيراً : مكتوب بين أعينهم عتقاء الله » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أن الله كتب كتاباً بيده لنفسه قبل أن يخلق السموات والأرض فوضعه تحت عرشه ، فيه : رحتمي سبقت غضبي » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن طاوس . أن الله لما خلق الخلق لم يعطف شيء منه على شيء حتى خلق مائة رحمة ، فوضع بينهم رحمة واحدة ، فعطف بعض الخلق على بعض .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة حسبته أسنده قال : إذا فرغ الله من القضاء بين خلقه ، أخرج كتاباً من تحت العرض فيه : إن رحمتي سبقت غضبي ، وأنا أرحم الراحمين .(4/36)
قال : فيخرج من النار مثل أهل الجنة ، أو قال مثلاً أهل الجنة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمرو قال : إن لله مائة رحمة ، فاهبط منها رحمة واحدة إلى أهل الدنيا يتراحم بها الجن ، والإنس ، وطائر السماء ، وحيتان الماء ، ودواب الأرض وهوامها ، وما بين الهواء ، واختزن عنده تسعاً وتسعين رحمة ، حتى إذا كان يوم القيامة اختلج الرحمة التي كان أهبطها إلى أهل الدنيا ، فحواها إلى ما عنده فجعلها في قلوب أهل الجنة وعلى أهل الجنة .
وأخرج ابن جرير عن أبي المخازق زهير بن سالم قال : قال عمر لكعب : ما أول شيء ابتدأه الله من خلقه؟ فقال كعب : كتب الله كتاباً لم يكتبه بقلم ولا مداد ، ولكن كتب بأصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت : أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتي غضبي .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن بالله عن أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « قال الله للملائكة : ألا أحدثكم عن عبدين من بني إسرائيل؟ أما أحدهما فيرى بنو إسرائيل أنه أفضلهما في الدين والعلم والخلق ، والآخر أنه مسرف على نفسه . فذكر عند صاحبه فقال : لن يغفر الله له . فقال ألم يعلم أني أرحم الراحمين ، ألم يعلم رحمتي سبقت غضبي وإني أوجبت لهذا العذاب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلا تألوا على الله » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة ، فجعل في الأرض منها رحمة فيها تعطف الوالدة على ولدها ، والبهائم بعضها على بعض ، وأخر تسعاً وتسعين إلى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة مائة رحمة » .
وأخرج مسلم وابن مردويه عن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة ، كل رحمة طباق ما بين السموات والأرض ، فجعل منها في الأرض رحمة ، فبها تعطف الوالدة على ولدها ، والوحش والطير بعضها على بعض ، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة » .(4/37)
وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { وله ما سكن في الليل والنهار } يقول : ما استقر في الليل والنهار . وفي قوله { قل أغير الله أتخذ ولياً } قال : أما الولي فالذي يتولاه ويقر له بالربوبية .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { فاطر السماوات والأرض } قال : بديع السموات والأرض .
وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن جرير وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس قال : كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال ، أحداهما : أنا فطرتها . يقول : أنا ابتدأتها .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فاطر السماوات والأرض } قال : خالق السموات والأرض .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { وهو يطعِم ولا يطعَم } قال : يرزق ولا يُرزق .
وأخرج النسائي وابن السني والحاكم والبيهقي في الشعب وابن مردويه عن أبي هريرة قال « دعا رجل من الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقنا معه ، فلما طعَم النبي صلى الله عليه وسلم وغسل يده قال : » الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ومنَّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا ، الحمد لله غير مودع ربي ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغني عنه ، الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام ، وسقانا من الشراب ، وكسانا من العرى ، وهدانا من الضلال ، وبصرنا من العمى ، وفضلنا على كثير من خلقه تفصيلاً ، الحمد لله رب العالمين « .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { من يصرف عنه يومئذ } قال : من يصرف عنه العذاب .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق بشر بن حاتم من طريق بشر بن السري عن هارون النحوي قال : في قراءة أبي { من يصرفه الله } .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله { وإن يمسسك بخير } يقول : بعافية .(4/38)
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : جاء النحام بي زيد ، وقردم بن كعب ، وبحرى بن عمرو ، فقالوا : يا محمد ما تعلم مع الله إلهاً غيره؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا إله إلا الله بذلك بعثت ، وإلى ذلك أدعو ، فأنزل الله في قولهم { قل أي شيء أكبر شهادة } الآية » .
وأخرج ابن آدم بن أبي أياس وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله { قل أي شيء أكبر شهادة } قال : أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يسأل قريشاً أي شيء أكبر شهادة ، ثم امره أن يخبرهم فيقول : الله شهيد بيني وبينكم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس { وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به } يعني أهل مكة { ومن بلغ } يعني من بلغه هذا القرآن فهو له نذير .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أنس قال : لما نزلت هذه الآية { وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به } كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر والنجاشي وكل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل ، وليس النجاشي الذي صلي عليه .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي بن كعب قال « أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسارى فقال لهم : هل دعيتم إلى الإسلام؟ قالوا : لا . فخلى سبيلهم ، ثم قرأ { وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } ثم قال : خلوا سبيلهم حتى يأتوا ما منهم من أجل أنهم لم يدعوا » .
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والخطيب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من بلغه القرآن فكأنما شافهته به ، ثم قرأ : { وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي في قوله { وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } قال : من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم . وفي لفظ : من بلغه القرآن حتى يفهمه ويعقله كان كمن عاين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه .
وأخرج آدم بن أبي أياس وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله { وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به } قال : العرب { ومن بلغ } قال : العجم .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن حسن بن صالح قال : سألت ليثاً هل بقي أحد لم تبلغه الدعوة؟ قال : كان مجاهد يقول : حيثما يأتي القرآن فهو داع وهو نذير ، ثم قرأ { لأنذركم به ومن بلغ } .(4/39)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول « بلغوا عن الله ، فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله » .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ من طريق قتادة عن الحسن « أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : يا أيها الناس بلغوا ولو آية من كتاب الله ، فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله أخذها أو تركها » .
وأخرج البخاري وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار » .
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب قال : كأن الناس لم يسمعوا القرآن قبل يوم القيامة حين يتلوه الله عليهم .(4/40)
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)
أخرج أبو الشيخ عن السدي { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم . . . } الآية . يعني يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم ، لأن نعته معهم في التوراة . { الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون } لأنهم كفروا به بعد المعرفة .(4/41)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : قال النضر وهو من بني عبد الدار : إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى ، فأنزل الله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون } .(4/42)
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ثم لم تكن فتنتهم } قال : معذرتهم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { ثم لم تكن فتنتهم } قال : حجتهم { إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } يعني المنافقين والمشركين قالوا وهم في النار : هلم فلنكذب فلعله أن ينفعنا . فقال الله { انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم } في القيامة { ما كانوا يفترون } يكذبون في الدنيا .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { ثم لم تكن فتنتهم } بالنصب { إلا أن قالوا والله ربنا } بالخفض .
وأخرج عبد بن حميد عن شعيب بن الحجاب . سمعت الشعبي يقرأ { والله ربنا } بالنصب . فقلت : إن أصحاب النحو يقرأونها { والله ربنا } بالخفض . فقال : هكذا أقرأنيها علقمة بن قيس .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن علقمة أنه قرأ { والله ربنا } والله يا ربنا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق علي عن ابن عباس في قوله { والله ربنا ما كنا مشركين } ثم قال { ولا يكتمون الله حديثاً } [ النساء : 42 ] قال : بجوارحهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { والله ربنا ما كنا مشركين } قال : قول أهل الشرك حين رأوا الذنوب تغفر ولا يغفر الله لمشرك { انظر كيف كذبوا على أنفسهم } قال : بتكذيب الله إياهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير . أنه كان يقرأ هذا الحرف { والله ربنا } بخفضها قال : حلفوا واعتذروا .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { انظر كيف كذبوا على أنفسهم } قال : باعتذارهم بالباطل والكذب { وضل عنهم ما كانوا يفترون } قال : ما كانوا يشركون به .(4/43)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)
أخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ومنهم من يستمع إليك } قال : قريش . وفي قوله { وجعلنا على قلوبهم أكنَّة } قال كالجعبة للنبل .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وجعلنا على قلوبهم أكنَّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً } قال : يسمعونه بآذانهم ولا يعون منه شيئاً ، كمثل البهيمة التي تسمع النداء ولا تدري ما يقال لها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { وجعلنا على قلوبهم أكنَّة } قال : الغطاء أكن قلوبهم { أن يفقهوه } فلا يفقهون الحق { وفي آذانهم وقراً } قال : صمم . وفي قوله { أساطير الأولين } قال : أساجيع الأولين .
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس في قوله { أساطير الأولين } قال : أحاديث الأولين .
وأخرج عبد بن حميد وأبن أبي حاتم وابن المنذر عن قتادة في قوله { أساطير الأولين } قال : كذب الأولين وباطلهم . والله أعلم .(4/44)
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)
أخرج الفريابي وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس { وهم ينهون عنه وينأون عنه } قال : نزلت في أبي طالب ، كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتباعد عما جاء به .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن القاسم من مخيمرة في قوله { وهم ينهون عنه وينأون عنه } قال : نزلت في أبي طالب ، كان ينهى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذى ولا يصدق به .
وأخرج ابن جرير عن عطاء بن دينار في قوله { وهم ينهون عنه وينأون عنه } قال : نزلت في أبي طالب ، كان ينهى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وينأى عما جاء به من الهدى .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { وهم ينهون عنه } قال : ينهون الناس عن محمد أن يؤمنوا به { وينأون عنه } يتباعدون عنه .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { وهم ينهون عنه وينأون عنه } يقول : لا يلقونه ولا يدعون أحداً يأتيه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن الحنفية في قوله { وهم ينهون عنه وينأون عنه } قال : كفار مكة كانوا يدفعون الناس عنه ولا يجيبون النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وهم ينهون عنه } قال : قريش عن الذكر { وينأون عنه } يقول : يتباعدون .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وهم ينهون عنه } قال : ينهون عن القرآن وعن النبي صلى الله عليه وسلم { وينأون عنه } يتباعدون عنه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي هلال في قوله { وهم ينهون عنه وينأون عنه } قال : نزلت في عمومة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا عشرة ، فكانوا أشد الناس معه في العلانية وأشد الناس عليه في السر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله { وهم ينهون عنه } قال : عن قتله { وينأون عنه } قال : لا يتبعونه .(4/45)
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)
أخرج أبو عبيد وابن جرير عن هرون قال : في حرف ابن مسعود { يا ليتنا نرد فلا نكذب } بالفاء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل } قال : من أعمالهم { ولو ردوا لعادوا لما نُهوا عنه } يقول : ولو وصل الله لهم دنيا كدنياهم التي كانوا فيها لعادوا إلى أعمالهم أعمال السوء التي كانوا نهوا عنها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل } يقول : بدت لهم أعمالهم في الآخرة التي افتروا في الدنيا .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال : فاخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى فقال { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } أي ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا .
وأخرج ابن جرير وأبن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } قال : وقالوا حين يردون { إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين } .(4/46)
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الحسرة الندامة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { يا حسرتنا } قال : الحسرة أن يرى أهل النار منازلهم من الجنة في الجنة ، فتلك الحسرة » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { يا حسرتنا } قال : ندامتنا { على ما فرَّطنا فيها } قال : ضيعنا من عمر الجنة { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم } قال : ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره إلا جاءه رجل قبيح الوجه ، أسود اللون ، منتن الريح ، عليه ثياب دنسة ، حتى يدخل معه قبره ، فإذا رآه قال له : ما أقبح وجهك! قال : كذلك كان عملك قبيحاً . قال : ما أنتن ريحك! قال : كذلك كان عملك منتناً . قال : ما أدنس ثيابك! فيقول : إن عملك كان دنساً . قال : من أنت؟ قال : أنا عملك . قال : فيكون معه في قبره ، فإذا بعث يوم القيامة قال له : إني كنت أحملك الدنيا باللذات والشهوات فأنت اليوم تحملني ، فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخله النار ، فذلك قوله { يحملون أوزارهم على ظهورهم } .
وأخرج أبن جرير وابن أبي حاتم عن عمرو بن قيس الملائي قال : إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله عمله في أحسن صورة وأطيب ريحاً ، فيقول له : هل تعرفني؟ فيقول : لا ، إلا أن الله قد طيب ريحك وحسن صورتك . فيقول : كذلك كنت في الدنيا . أنا عملك الصالح طالما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم ، وتلا { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا } [ مريم : 85 ] . وإن الكافر يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحاً ، فيقول : هل تعرفني؟ فيقول : لا . ألا أن الله قد قبح صورتك ونتن ريحك . فيقول : كذلك كنت في الدنيا ، أنا عملك السيء طالما ركبتني في الدنيا فأنا اليوم أركبك ، وتلا { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون } .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن قيس عن أبي مرزوق . مثله .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ألا ساء ما يزرون } قال : ما يعملون .(4/47)
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)
أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كل لعب لهو .(4/48)
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)
أخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والضياء في المختارة عن علي قال : قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به ، فأنزل الله { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي يزيد المدني « أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل ، فجعل أبو جهل يلاطفه ويسائله ، فمر به بعض شياطينه فقال : أتفعل هذا؟ قال : أي والله إني لأفعل به هذا ، وإني لاعلم أنه صادق ولكن متى كنا تبعاً لبني عبد مناف ، وتلا أبو يزيد { فإنهم لا يكذبونك . . . } الآية » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن أبي ميسرة قال « مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي جهل فقال : والله يا محمد ما نكذبك أنك عندنا لمصدق ولكنا نكذب بالذي جئت به ، فأنزل الله { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } » .
وأخرج ابن جرير عن أبي صالح في الآية قال : « جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس حزين ، فقال له : ما يحزنك؟ فقال » كذبني هؤلاء . فقال له جبريل : إنهم لا يكذبونك ، إنهم ليعلمون أنك صادق { ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } « » .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح قال : كان المشركون إذا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قال بعضهم لبعض فيما بينهم : إنه لنبي ، فنزلت هذه الآية { قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } « .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والضياء عن علي بن أبي طالب . أنه قرأ { فإنهم لا يكذبونك } خفيفة قال : لا يجيئون بحق هو أحق من حقك .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني عن ابن عباس . أنه قرأ { فإنهم لا يكذبونك } مخففة قال : لا يقدرون على أن لا تكون رسولاً ، وعلى أن لا يكون القرآن قرآناً ، فاما أن يكذبونك بألسنتهم فهم يكذبونك ، فذاك ، الا كذاب وهذا ، التكذيب .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب . أنه كان يقرؤها { فإنهم لا يكذبونك } بالتخفيف . يقول : لا يبطلون ما في يديك .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } قال : يعلمون أنك رسول الله ويجحدون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن . أنه قرأ عنده رجل { فإنهم لا يكذبونك } خفيفة فقال الحسن { فإنهم لا يكذبونك } وقال : إن القوم قد عرفوه ولكنهم جحدوا بعد المعرفة .(4/49)
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا } قال : يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم كما تسمعون ، ويخبره أن الرسل قد كذبت قبله فصبروا على ما كذبوا حتى حكم الله وهو خير الحاكمين .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { ولقد كذبت رسل من قبلك } قال : يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { ولقد كذبت رسل من قبلك . . . } الآية . قال يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم .(4/50)
وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض } والنفق السرب فتذهب فيه فتأتيهم بآية ، أو تجعل لهم سلماً { في السماء } فتصعد عليه { فتأتيهم بآية } أفضل مما أتيناهم به فافعل { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } يقول الله سبحانه : لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { نفقاً في الأرض } قال : سرباً { أو سلماً في السماء } قال : يعني الدرج .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : اخبرني عن قوله تعالى { تبتغي نفقاً في الأرض } قال : سرباً في الأرض فتذهب هرباً . قال : وهل تعرب العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت عدي بن زيد وهو يقول :
فدس لها على الانفاق عمرو ... بشكته وما خشيت كمينا
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله { إنما يستجيب الذين يسمعون } قال : المؤمنون { والموتى } قال : الكفار .
وأخرج عبد بن حميد وابن شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { إنما يستجيب الذين يسمعون } قال : المؤمنون للذكر { والموتى } قال : الكفار حين يبعثهم الله مع الموتى .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { إنما يستجيب الذين يسمعون } قال : هذا مثل المؤمن سمع كتاب الله فانتفع به وأخذ به وعقله ، فهو حي القلب حي البصر { والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم } [ الأنعام : 39 ] وهذا مثل الكافر أصم أبكم لا يبصر هدي ولا ينتفع به .(4/51)
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { إلا أمم أمثالكم } قال : أصنافاً مصنفة تعرف باسمائها .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم } يقول : الطير أمة ، والإنس أمة ، والجن أمة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { إلا أمم أمثالكم } قال : خلق أمثالكم .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في الآية قال : الذرة فما فوقها من ألوان ، ما خلق الله من الدواب .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس { ما فرَّطنا في الكتاب من شيء } يعني ما تركنا شيئاً إلا وقد كتبناه في أم الكتاب .
وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن قتادة { ما فرطنا في الكتاب من شيء } قال : من الكتاب الذي عنده .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان والخطيب في تالي التلخيص وابن عساكر عن عبد الله بن زيادة البكري قال : دخلت على ابني بشر المازنيين صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يرحمكما الله ، الرجل يركب منا الدابة فيضربها بالسوط أو يكبحها باللجام فهل سمعتما من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئاً؟ فقالا : لا . قال عبد الله : فنادتني امرأة من الداخل فقالت : يا هذا إن الله يقول في كتابه { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } فقالا : هذه أختنا وهي أكبر منا ، وقد أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ما فرطنا في الكتاب من شيء } قال : لم نغفل الكتاب ، ما من شيء إلا وهو في ذلك الكتاب .
وأخرج أبو الشيخ عن أنس بن مالك أنه سأل من يقبض أرواح البهائم؟ فقال : ملك الموت . فبلغ الحسن فقال : صدق أن ذلك في كتاب الله ، ثم تلا { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { ثم إلى ربهم يحشرون } قال : موت البهائم حشرها . وفي لفظ قال : يعني بالحشر الموت .
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : ما من دابة ولا طائر إلا ستحشر يوم القيامة ، ثم يقتص لبعضها من بعض حتى يقتص للجلحاء من ذات القرن .(4/52)
ثم يقال لهم كوني تراباً ، فعند ذلك يقول الكافر { يا ليتني كنت تراباً } [ النبأ : 40 ] وإن شئتم فاقرأوا { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم } إلى قوله { يحشرون } .
وأخرج ابن جرير عن أبي ذر قال « انتطحت شاتان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : يا أبا ذر أتدري فيما انتطحتا؟ قلت : لا . قال : لكن الله يدري وسيقضي بينهما . قال أبو ذر : لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علماً »(4/53)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم } قال : هذا مثل الكافر أصم أبكم لا يبصر هدى ولا ينتفع به ، صم عن الحق في الظلمات لا يستطيع منها خروجاً متسكع فيها .
أخرج أبو الشيخ عن أبي يوسف المدني قال : كل مشيئة في القرآن إلى ابن آدم منسوخة ، نسختها { من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم } .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله { فأخذناهم بالبأساء والضراء } قال : خوف السلطان ، وغلا السعر ، والله أعلم .(4/54)
فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم } قال : عاب الله عليهم القسوة عند ذلك فتضعضوا لعقوبة الله بارك الله فيكم ، ولا تعرضوا لعقوبة الله بالقسوة فإنه عاب ذلك على قوم قبلكم .(4/55)
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { فلما نسوا ما ذكروا به } قال : يعني تركوا ما ذكروا به .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { فلما نسوا ما ذكروا به } قال : ما دعاهم الله إليه ورسله أبوه وردوه عليهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فتحنا عليهم أبواب كل شيء } قال : رخاء الدنيا ويسرها على القرون الأولى .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فتحنا عليهم أبواب كل شيء } قال : يعني الرخاء وسعة الرزق .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { حتى إذا فرحوا بما أوتوا } قال : من الرزق { أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } قال : مهلكون متغير حالهم { فقطع دابر القوم الذين ظلموا } يقول : قطع أصل الذين ظلموا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن النضر الحارثي في قوله { أخذناهم بغتة } قال : أمهلوا عشرين سنة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { فإذا هم مبلسون } قال : المبلس المجهود المكروب الذي قد نزل به الشر الذي لا يدفعه ، والمبلس أشد من المستكبر ، وفي قوله { فقطع دابر القوم الذين ظلموا } قال : استؤصلوا .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد { فإذا هم مبلسون } قال : الاكتئاب . وفي لفظ قال : آيسون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : الإِبلاس تغيير الوجوه ، وإنما سمي إبليس لأن الله نكس وجهه وغيره .
وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والطبراني في الكبير وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا وهو مقيم على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج » ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء . . . . } الآية ، والآية التي بعدها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف ، وإذا أراد بقوم اقتطاعاً فتح لهم أو فتح عليهم باب خيانة { حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين } »(4/56)
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال : من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأي له ، ثم قرأ { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء } الآية . وقال الحسن : مكر بالقوم ورب الكعبة ، أعطوا حاجاتهم ثم أخذوا .
وأخرج ابن المنذر عن جعفر قال : أوحى الله إلى داود ، خفني على كل حال ، وأخوف ما تكون عند تظاهر النعم عليك ، لا أصرعك عندها ، ثم لا أنظر إليك .
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي حازم قال : إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره . قال : وكل نعمة لا تقرب من الله عز وجل فهي بلية .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة } قال : بغت القوم أمر الله ، ما أخذ الله قوماً قط إلا عند سلوتهم وغرتهم ونعيمهم ، فلا تغتروا بالله فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال : إن البعوضة تحيا ما جاعت فإذا شبعت ماتت ، وكذلك ابن آدم إذا امتلأ من الدنيا أخذه الله عند ذلك ، ثم تلا { حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة } .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { فقطع دابر القوم الذين ظلموا } قال : قطع أصلهم واستؤصلوا من ورائهم . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول زهير وهو يقول :
القائد الخيل منكوباً دوابرها ... محكومة بحكام العدو الأنفا(4/57)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49) قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { يصدفون } قال : يعدلون .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { يصدفون } قال : يعرضون عن الحق . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت سفيان بن الحارث وهو يقول :
عجبت لحكم الله فينا وقد بدا ... له صدفنا عن كل حق منزل
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { يصدفون } قال : يعرضون . وفي قوله { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة } قال : فجأة آمنين { أو جهرة } قال : وهم ينظرون وفي قوله { قل هل يستوي الأعمى والبصير } قال : الضال والمهتدي .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : كل فسق في القرآن فمعناه الكذب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { قل هل يستوي الأعمى والبصير } قال : الأعمى الكافر الذي عمي عن حق الله وأمره ونعمه عليه { والبصير } العبد المؤمن الذي أبصر بصراً نافعاً فوحد الله وحده ، وعمل بطاعة ربه ، وانتفع بما آتاه الله .(4/58)
وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)
أخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن مسعود قال « مر الملأ من قريش على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب ، وعمار ، وبلال ، وخباب ، ونحوهم من ضعفاء المسلمين ، فقالوا : يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك منّ الله عليهم من بيننا ، أو نحن نكون تبعاً لهؤلاء؟ أطردهم عنك فلعلك إن طردتهم أن نتبعك . فأنزل فيهم القرآن { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم } إلى قوله { والله أعلم بالظالمين } .
وأخرج أبن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال » مشى عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وقرظة بن عبد ، عمر ، وابن نوفل ، والحارث بن عامر بن نوفل ، ومطعم بن عدي بن الخيار بن نوفل ، في أشراف الكفار من عبد مناف إلى أبي طالب فقالوا : لو أن ابن أخيك طرد عنا هؤلاء الأعبد فانهم عبيدنا وعسفاؤنا كان أعظم له في صدورنا ، وأطوع له عندنا ، وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقه ، فذكر ذلك أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر بن الخطاب : لو فلعت يا رسول الله حتى ننظر ما يريدون بقولهم وما يصيرون إليه من أمرهم ، فأنزل الله { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم } إلى قوله { أليس الله بأعلم بالشاكرين } قالوا : وكانوا بلالاً ، وعمار بن ياسر ، وسالماً مولى أبي حذيفة ، وصبحاً مولى أسيد ، ومن الحلفاء ابن مسعود ، والمقداد بن عمرو ، وواقد بن عبد الله الحنظلي ، وعمرو بن عبد عمر ، وذو الشمالين ، ومرثد بن أبي مرثد ، وأشباههم ونزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء { وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا } الآية . فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر من مقالته ، فأنزل الله { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا } الآية « .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وأبو يعلى وأبو نعيم في الحلية وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن خباب قال » جاء الأقرع بن حابس التميمي ، وعيينة بن حصن الفزاري ، فوجدا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع بلال ، وصهيب ، وعمار ، وخباب ، في أناس ضعفاء من المؤمنين ، فلما رأوهم حوله حقروهم فأتوه فخلوا به ، فقالوا : انا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا العرب به فضلنا ، فإن وفود العرب ستأتيك فنستحي أن ترانا العرب قعوداً مع هؤلاء الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا ، فإذا نحن فرغنا فلتقعد معهم إن شئت . قال : نعم . قالوا : فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً ، فدعا بالصحيفة ودعا علياً ليكتب ونحن قعود في ناحية ، إذ نزل جبريل بهذه الآية { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } إلى قوله { فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة } فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده ، ثم دعا فأتيناه وهو يقول { سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة } فكنا نقعد معه ، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا ، فأنزل الله(4/59)
{ واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه . . . } [ الكهف : 28 ] الآية . قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد ، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها ، تركناه حتى يقوم « .
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن عمر بن عبد الله بن المهاجر مولى غفرة ، أنه قال في أسطوان التوبة : كان أكثر نافلة النبي صلى الله عليه وسلم إليها ، وكان إذا صلى الصبح انصرف إليها وقد سبق إليها الضعفاء ، والمساكين ، وأهل الضر ، وضيفان النبي صلى الله عليه وسلم والمؤلفة قلوبهم ، ومن لا مبيت له إلا المسجد . قال : وقد تحلقوا حولها حلقاً بعضها دون بعض فينصرف إليهم من مصلاه من الصبح ، فيتلو عليهم ما أنزل الله عليه من ليلته ، ويحدثهم ويحدثونه حتى إذا طلعت الشمس جاء أهل الطول والشرف والغني فلم يجدوا إليه مخلصاً ، فتاقت أنفسهم إليه وتاقت نفسه إليهم ، فأنزل الله عز وجل { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه . . . . } [ الكهف : 28 ] إلى منتهى الآيتين ، فلما نزل ذلك فيهم قالوا : يا رسول الله لو طردتهم عنا ونكون نحن جلساءك وإخوانك لا نفارقك ، فأنزل الله عز وجل { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } إلى منتهى الآيتين .
وأخرج الفربابي وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن سعد بن أبي وقاص قال : لقد نزلت هذه الآية في ستة ، أنا ، وعبد الله بن مسعود ، وبلال ، ورجل من هذيل ، واثنين ، قالوا : يا رسول الله أطردهم فانا نستحي أن نكون تبعاً لهؤلاء ، فوقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ، فأنزل الله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } إلى قوله { أليس الله بأعلم بالشاكرين } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال : المصلين بلال ، وابن أم عبد ، كانا يجالسان محمداً صلى الله عليه وسلم فقالت قريش تحقره لهما : لولاهما واشباههما لجالسناه ، فنهى عن طردهم حتى قوله { أليس الله بأعلم بالشاكرين } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال » كان رجال يستبقون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم بلال ، وصهيب ، وسلمان ، فيجيء أشراف قومه وسادتهم وقد أخذ هؤلاء المجلس فيجلسون ناحية فقالوا : صهيب رومي ، وسلمان فارسي ، وبلال حبشي ، يجلسون عنده ونحن نجيء فنجلس ناحية ، حتى ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انا سادة قومك وأشرافهم ، فلو أدنيتنا منك إذا جئنا؟ قال : فهم إن فعل ، فأنزل الله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم .(4/60)
. . } الآية .
وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال : كان أشراف قريش يأتون النبي صلى الله عليه وسلم وعنده بلال ، وسلمان ، وصهيب ، وغيرهم مثل ابن أم عبد ، وعمار ، وخباب ، فإذا أحاطوا به قال أشراف قريش : بلال حبشي ، وسلمان فارسي ، وصهيب رومي ، فلو نحاهم لأتيناه ، فأنزل الله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } يعني يعبدون ربهم بالغداة والعشي ، يعني الصلاة المكتوبة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال الصلاة المفروضة ، الصبح والعصر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم في قوله { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال : هم أهل الذكر لا تطردهم عن الذكر قال سفيان : هم أهل الفقر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { وكذلك فتنا بعضهم ببعض } يعني أنه جعل بعضهم اغنياء وبعضهم فقراء ، فقال الأغيناء للفقراء { أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا } يعني هؤلاء هداهم الله ، وإنما قالوا ذلك استهزاءً وسخرياً .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وكذلك فتنا بعضهم ببعض } يقول : ابتلينا بعضهم ببعض .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا } لو كان بهم كرامة على الله ما أصابهم هذا من الجهد .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس { وكذلك فتنا بعضهم ببعض . . . } الآية . قال : هم أناس كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم من الفقراء ، فقال أناس من أشراف الناس : نؤمن لك ، فإذا صلينا معك فأخر هؤلاء الذين معك فليصلوا خلفنا .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد ومسدد في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ماهان قال : أتى قوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : انا أصبنا ذنوباً عضاماً؟ فما رد عليهم شيئاً ، فانصرفوا فأنزل الله { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا . . . } الآية . فدعاهم فقرأها عليهم .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جرير قال : أخبرت أن قوله { سلام عليكم } قال : كانوا إذا دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم بدأهم فقال : سلام عليكم ، وإذا لقيهم فكذلك أيضاً .(4/61)
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله { وكذلك نفصل الآيات } قال : نبين الآليات .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ولتستبين سبيل المجرمين } قال : الذين يأمرونك بطرد هؤلاء .
قوله تعالى { قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين }
أخرج ابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم عن هزيل بن شرحبيل قال : جاء رجل إلى أبي موسى وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنة وابنة ابن وأخت؟ فقال : للابنة النصف ، وللأخت النصف ، وائت عبد الله فإنه سيتابعنا ، فأتى عبد الله فأخبره فقال { قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين } لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، للابنة النصف ، ولابنة الابن السدس ، وما بقي فللأخت .(4/62)
قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الشعبي أنه قرأ { يقضي الحق }
وأخرج الدارقطني في الافراد وابن مردويه عن أبي بن كعب قال « أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً { يقص الحق وهو خير الفاصلين } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس . أنه كان يقرأ { يقص الحق } ويقول { نحن نقص عليك أحسن القصص } [ لقمان : 34 ] .
وأخرج ابن الأنباري عن هرون قال : في قراءة عبد الله { يقص الحق } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد الأنباري عن هرون قال : في قراءة عبد الله { يقص الحق } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد أنه كان يقرأ { يقص الحق } وقال : لو كانت يقضي ، كانت بالحق .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله { لقضي الأمر بيني وبينكم } قال : لقامت الساعة .(4/63)
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وعنده مفاتح الغيب } قال : يقول خزائن الغيب .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وعنده مفاتح الغيب } قال : هن خمس { إن الله عنده علم الساعة : وينزل الغيث } إلى قوله { عليم خبير } .
وأخرج أحمد والبخاري ومحشيش بن أصرم في الاستقامة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله ، لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم متى تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ، ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله تبارك وتعالى » .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن مسعود قال : اعطى نبيكم كل شيء إلا مفاتيح الغيب الخمس ، ثم قال { إن الله عنده علم الساعة ، وينزل الغيث } [ لقمان : 34 ] إلى آخر الآية .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في قوله { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو } قال : هو قوله عز وجل { إن الله عنده علم الساعة ، وينزل الغيث } [ لقمان : 34 ] إلى آخر الآية .
قوله تعالى { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها }
أخرج مسدد في مسنده وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } قال : ما من شجرة على ساق إلا موكل بها ملك يعلم ما يسقط منها حين يحصيه ، ثم يرفع علمه وهو أعلم منه .
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن جحاده في قوله { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } قال : لله تبارك وتعالى شجرة تحت العرش ليس مخلوق إلا له فيها ورقة ، فإذا سقطت ورقته خرجت روحه من جسده ، فذلك قوله { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } .
وأخرج الخطيب في تاريخه بسند ضعيف عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من زرع على الأرض ، ولا ثمار على أشجار إلا عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم هذا رزق فلان بن فلان » ، وذلك قوله تعالى { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } .
قوله تعال { ولا حبة في ظلمات الأرض }
أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : إن تحت الأرض الثالثة وفوق الأرض الرابعة من الجن ما لو أنهم ظهروا لكم لم تروا معه نوراً ، على كل زاوية من زواياه خاتم من خواتم الله ، على كل خاتم ملك من الملائكة ، يبعث الله إليه في كل يوم ملكاً من عنده أن احتفظ بما عندك .(4/64)
قوله تعالى { ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين }
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن الحارث قال : ما في الأرض من شجرة صغيرة ولا كبيرة ، ولا كمغر زابرة رطبة ولا يابسة إلا عليها ملك موكل بها يأتي الله بعلمها ، رطوبتها إذا رطبت ، ويبسها إذا يبست كل يوم ، قال الأعمش : وهذا في الكتاب { ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } .
وأخرج أبو الشيخ عن كعب قال : ما من شجرة ولا موضع ابرة إلا وملك وكل بها يرفع علم ذلك إلى الله تعالى ، فإن ملائكة السماء أكثر من عدد التراب .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس . أنه تلا هذه الآية { ولا رطب ولا يابس } فقال ابن عباس : الرطب واليابس من كل شيء .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : خلق الله النور وهي الدواة ، وخلق الألواح فكتب فيها أمر الدنيا حتى تنقضي ما كان من خلق مخلوق أو رزق حلال أو حرام ، أو عمل برِّ أو فجور ، ثم قرأ هذه الآية { ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } ثم وكل بالكتاب حفظة ، ووكل بخلقه حفظة ، فتنسخ حفظة الخلق من الذكر ما كنتم تعملون في كل يوم وليلة ، فيجري الخلق على ما وكل به ، مقسوم على من وكل به ، فلا يغادر أحداً منهم فيجرون على ما في أيديهم مما في الكتاب ، فلا يغادر منه شيء قبل ما كنا نراه إلا كتب عملنا قال : ألستم بعرب؟ هل تكون نسخة إلا من شيء قد فرغ منه؟ ثم قرأ هذه الآية { انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } [ الجاثية : 29 ] .
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي عمران الجوني في قوله { قل إني على بينة من ربي } قال : على ثقة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : في قراءة عبد الله { يقضي الحق وهو أسرع الفاصلين } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأصمعي قال : قرأ أبو عمرو { ويقضي الحق } وقال : لا يكون الفصل إلا بعد القضاء .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق حسن بن صالح بن حي عن مغيرة عن إبراهيم النخعي أنه قرأ { يقضي الحق وهو خير الفاصلين } قال ابن حي : لا يكون الفصل إلا مع القضاء .(4/65)
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)
أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مع كل انسان ملك إذا نام يأخذ نفسه ، فإن أذن الله في قبض روحه قبضه وإلا رد إليه » ، فذلك قوله { يتوفاكم بالليل } .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن عكرمة في قوله { وهو الذي يتوفاكم بالليل } قال : يتوفى الأنفس عند منامها ، ما من ليلة الا والله يقبض الأرواح كلها فيسأل كل نفس عما عمل صاحبها من النهار ، ثم يدعو ملك الموت فيقول : اقبض هذا اقبض هذا ، وما من يوم إلا وملك الموت ينظر في كتاب حياة الناس . قائل يقول ثلاثاً ، وقائل يقول خمساً « .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وهو الذي يتوفاكم بالليل . . . . } الآية . قال : أما وفاتهم بالليل فمنامهم ، وأما ما جرحتم بالنهار فيقول : ما اكتسبتم بالنهار { ثم يبعثكم فيه } قال : في النهار . { ليقضي أجل مسمى } وهو الموت .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وهو الذي يتوفاكم بالليل } يعني بذلك نومهم { ويعلم ما جرحتم } قال : ما عملتم من الأثم بالنهار { ثم يبعثكم فيه } قال : في النهار ، والبعث اليقظة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ويعلم ما جرحتم } قال : ما كسبتم من الاثم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : قال عبد الله بن كثير في قوله { ليقضي أجل مسمى } قال : ليقضي الله إليهم مدتهم .(4/66)
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { ويرسل عليكم حفظة } قال : هم المعقبات من الملائكة ، يحفظونه ويحفظون عمله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { ويرسل عليكم حفظة } يقول : حفظة يا ابن آدم عليك عملك ورزقك وأجلك ، فإذا توفيت ذلك قبضت إلى ربك .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { توفته رسلنا } قال : اعوان ملك الموت من الملائكة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم في قوله { توفته رسلنا } قال : الملائكة تقبض الأنفس ، ثم يذهب بها ملك الموت . وفي لفظ : ثم يقبضها منهم ملك الموت بعد .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست يتناول من حيث شاء ، وجعلت له أعوان يتوفون الأنفس ثم يقبضها منهم .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله { توفته رسلنا } قال : إن ملك الموت له رسل ، فيلي قبضها الرسل ، ثم يدفعونها إلى ملك الموت .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن الكلبي قال : إن ملك الموت هو الذي يلي ذلك ، فيدفعه إن كان مؤمناً إلى ملائكة الرحمة وإن كافراً إلى ملائكة العذاب .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : ما من أهل بيت شعر ولا مدر إلا وملك الموت يطيف بهم كل يوم مرتين .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس . أنه سئل عن ملك الموت أهو وحده الذي يقبض الأرواح؟ قال : هو الذي يلي أمر الأرواح وله أعوان على ذلك ، ألا تسمع إلى قوله تعالى { حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم } [ الأعراف : 37 ] وقال : { توفته رسلنا وهم لا يفرطون } غير أن ملك الموت هو الرئيس ، وكل خطوة منه من المشرق إلى المغرب . قيل : أين تكون أرواح المؤمنين؟ قال : عند السدرة في الجنة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وهم لا يفرطون } يقول : لا يضيعون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قيس قال : دخل عثمان بن عفان على عبد الله بن مسعود فقال : كيف تجدك؟ قال : مردود إلى مولاي الحق . فقال : طبت والله أعلم .(4/67)
قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } يقول : من كرب البر والبحر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية } يقول : إذا أضل الرجل الطريق دعا الله { لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين } .(4/68)
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم } قال : يعني من أمرائكم { أو من تحت أرجلكم } يعني سفلتكم { أو يلبسكم شيعاً } يعني بالشيع الأهواء المختلفة { ويذيق بعضكم بأس بعض } قال : يسلط بعضكم على بعض بالقتل والعذاب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من وجه آخر عن ابن عباس في قوله { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم } قال : أئمة السوء { أو من تحت أرجلكم } قال : خدم السوء .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { عذاباً من فوقكم } قال : من قبل أمرائكم وأشرافكم { أو من تحت أرجلكم } قال : من قبل سفلتكم وعبيدكم .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مالك { عذاباً من فوقكم } قال : القذف { أو من تحت أرجلكم } قال : الخسف .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم } قال : الصيحة والحجارة والريح { أو من تحت أرجلكم } قال : الرجفة والخسف وهما عذاب أهل التكذيب { ويذيق بعضكم بأس بعض } قال : عذاب أهل الاقرار . ؟
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { عذاباً من فوقكم } قال : الحجارة { أو من تحت أرجلكم } قال : الخسف { أو يلبسكم شيعاً } قال : الاختلاف والاهواء المفترقة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : عذاب هذه الأمة أهل الاقرار بالسيف { أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض } وعذاب أهل التكذيب الصيحة والزلزلة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي ونعيم بن حماد في الفتن وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن جابر بن عبد الله قال : « لما نزلت هذه الآية { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم } قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعوذ بوجهك { أو من تحت أرجلكم } قال : أعوذ بوجهك { أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض } قال : هذا أهون أو أيسر » .
وأخرج ابن مردويه عن جابر قال : « لما نزلت { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعوذ بالله من ذلك { أو يلبسكم شيعاً } قال : هذا أيسر ولو استعاذه لأعاذه » .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه ونعيم بن حماد في الفتن وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم : « » في هذه الآية { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم } فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما انها كائنة ولم يأت تأويلها بعد « .(4/69)
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله { قل هو القادر . . . } الآية . قال : هن أربع وكلهن عذاب ، وكلهن واقع لا محالة ، فمضت اثنتان بعد وفاة رسول صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة ، فألبسوا شيعاً وذاق بعضهم بأس بعض ، وبقيت اثنتان واقعتان لا محالة ، الخسف والرجم .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : « لما نزلت هذه الآية { قل هو القادر } قام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ، ثم قال » اللهم لا ترسل على أمتي عذاباً من فوقهم ، ولا من تحت أرجلهم ، ولا تلبسهم شيعاً ، ولا تذق بعضهم بأس بعض ، فأتاه جبريل فقال : إن الله قد أجار أمتك أن يرسل عليهم عذاباً من فوقهم أو من تحت أرجلهم « » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دعوت ربي أن يدفع عن أمتي أربعاً ، فرفع عنهم اثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين : دعوت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء ، والغرق من الأرض ، وأن لا يلبسهم شيعاً ، وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض ، فرفع عنهم الرجم والغرق ، وأبى أن يرفع القتل والهرج » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن خزيمة وابن حبان عن سعد بن أبي وقاص « أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية ، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ، ودعا ربه طويلاً ثم انصرف إلينا فقال : سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة ، سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها » .
وأخرج ابن مردويه عن معاوية بن أبي سفيان قال : « خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : » تحدثون من آخركم وفاة؟ قلنا : أجل . قال : فإني من أوّلكم وفاة وتتبعوني أفناداً يهلك بعضكم بعضاً ، ثم نزع هذه الآية { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم } حتى بلغ { لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون } « » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة والبزار وابن حبان والحاكم وصححه واللفظ له وابن مردويه عن ثوبان « أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن ربي روي لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها ، وأعطاني الكنزين الأحمر والأبيض ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها ، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة فأعطانيها ، وسألته أن لا يسلط عليها عدواً من غيرهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها ، وقال : يا محمد إني إذاً قضيت قضاء لم يرد ، إني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكها بسنة عامة ، ولا أظهر عليهم عدواً من غيرهم فيستبيحهم بعامة ، ولو اجتمع من بين أقطارها حتى يكون بعضهم هو يهلك بعضاً وبعضهم هو يسبي بعضاً ، وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين ، ولن تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان ، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة ، وأنه قال : كلها يوجد في مائة سنة ، وسيخرج في أمتي كذابون ثلاثون ، كلهم يزعم أنه نبي الله ، وأنا خاتم الأنبياء لا نبي بعدي ، ولن يزال في أمتي طائفة يقاتلون على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله . قال وزعم أنه لا ينزع رجل من أهل الجنة شيئاً من ثمرها إلا أخلف الله مكانها مثلها ، وأنه قال : ليس دينار ينفقه رجل بأعظم أجراً من دينار ينفقه على عياله ، ثم دينار ينفقه على فرسه في سبيل الله ، ثم دينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله . قال : وزعم أن نبي الله عظم شأن المسألة وأنه إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم ، فيسألهم ربهم ما كنتم تعبدون؟ فيقولون : ربنا لم ترسل إلينا رسولاً ولم يأتنا امر . فيقول : أرأيتم إن أمرتكم بأمر تطيعوني؟ فيقولون : نعم . فيأخذ مواثيقهم على ذلك فيأمرهم أن يعمدوا لجهنم فيدخلونها ، فينطلقون حتى إذا جاءوها رأوا لها تغيظاً وزفيراً فهابوا ، فرجعوا إلى ربهم فقالوا : ربنا فرقنا منها . فيقول : ألم تعطوني مواثيقكم لتطيعن ، اعمدوا إليها فادخلوا . فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا فرجعوا ، فيقول : ادخلوها داخرين . قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : لو دخلوها أوّل مرة كان عليهم برداً وسلاماً » .(4/70)
وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن جابر بن عتيك قال : جاءنا عبد الله بن عمرو في بني معاوية وهي قرية من قرى الأنصار ، فقال لي : هل تدري أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجدكم هذا؟ قلت : نعم . وأشرت له إلى ناحية منه فقال : هل تدري ما الثلاث التي دعا بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه؟ قلت : نعم . فقال أخبرني بهن . قلت : دعا أن لا يظهر عليهم عدواً من غيرهم ، ولا يهلكهم بالسنين فاعطيها ، ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها .(4/71)
قال : صدقت لا يزال الهرج إلى يوم القيامة .
وأخرج أحمد والطبراني وابن مردويه عن أبي نضرة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال . « سألت ربي أربعاً فأعطاني ثلاثاً ومنعني واحدة ، سألت الله أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها ، وسألت الله أن لا يظهر عليهم عدواً من غيرهم فأعطانيها ، وسألت الله أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلك الأمم فأعطانيها ، وسألت الله أن لا يلبسهم شيعاً ويذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها » .
وأخرج أحمد والنسائي وابن مردويه عن أنس قال : « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سبحة الضحى ثمان ركعات ، فلما انصرف قال » إني صليت صلاة رغبة ورهبة ، سألت ربي ثلاثاً فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة ، سألته أن لا يبتلي أمتي بالسنين ففعل ، وسألته أن لا يظهر عليها عدوهم ففعل ، وسألته أن لا يلبسهم شيعاً فأبى عليّ « » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن حذيفة بن اليمان قال « خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حرة بني معاوية ، واتبعث أثره حتى ظهر عليها فصلى الضحى ثماني ركعات ، فأطال فيهن ثم التفت إلي فقال : إني سألت الله ثلاثاً فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة ، سألته أن لا يسلط على أمتي عدوّاً من غيرهم فأعطاني ، وسألته أن لا يهلكهم بغرق فأعطاني ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سألت ربي ثلاثاً فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة ، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنين ففعل ، وسألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدواً لها ففعل ، وسألت ربي أن لا يهلك أمتي بعضها ببعض فمنعنيها » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « صليت صلاة رغباً ورهباً ودعوت دعاء رغباً ورهباً حتى فرج لي عن الجنة ، فرأيت عناقيدها فهويت أن أتناول منها شيئاً فخوفت بالنار ، فسألت ربي ثلاثاً فأعطاني إثنتين وكف عني الثالثة ، سألته أن لا يظهر على أمتي عدوها ففعل ، وسألته أن لا يهلكها بالسنين ففعل ، وسألته أن لا يلبسها شيعاً ولا يذيق بعضها بأس بعض فكفها عني » .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن شداد قال : « فقد معاذ بن جبل أو سعد بن معاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده قائماً يصلي في الحرة ، فأتاه فتنحنح ، فلما انصرف قال : يا رسول الله رأيتك صليت صلاة لم تصل مثلها؟ قال » صليت صلاة رغبة ورهبة ، سألت ربي فيها ثلاثاً فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة ، سألته أن لا يهلك أمتي جوعاً ففعل ، ثم قرأ { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين . . . } [ الأعراف : 130 ] الآية . وسألته أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم ففعل ، ثم قرأ { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق } [ الفتح : 28 ] إلى آخر الآية ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني ، ثم قرأ { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم } إلى آخر الآية ، ثم قال : لا يزال هذا الذين ظاهراً على من ناوأهم « » .(4/72)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن خباب بن الأرت في قوله { أو يلبسكم شيعاً } قال : « راقب خباب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، حتى إذا كان في الصبح قال له : يا نبي الله لقد رأيتك تصلي هذه الليلة صلاة ما رأيتك تصلي مثلها؟ قال » أجل إنها صلاة رغبة ورهبة ، سألت ربي فيها ثلاث خصال فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة ، سألته أن لا يهلكنا بما أهلكت به الأمم قبلكم فأعطاني ، وسألته أن لا يسلط علينا عدواً من غيرنا فأعطاني ، وسألته أن لا يلبسنا شيعاً فمنعني « » .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق نافع بن خالد الخزاعي عن أبيه « أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود ، فقال : قد كانت صلاة رغبة ورهبة ، فسألت الله فيها ثلاثاً فأعطاني إثنتين وبقي واحدة ، سألت الله أن لا يصيبكم بعذاب أصاب به قبلكم فأعطانيها ، وسألت الله أن لا يسلط عليكم عدواً يستبيح بيضتكم فأعطانيها ، وسألته أن لا يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها » .
وأخرج الطبراني عن خالد الخزاعي وكان من أصحاب الشجرة قال : « صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلاة فأخف وجلس فأطال الجلوس ، فلما انصرف قلنا : يا رسول الله أطلت الجلوس في صلاتك؟ قال : » إنها صلاة رغبة ورهبة ، سألت الله فيها ثلاث خصال فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة ، سألته أن لا يسحتكم بعذاب أصاب من كان قبلكم فأعطانيها ، وسألته أن لا يسلط على بيضتكم عدواً فيجتاحها فأعطانيها ، وسألته أن لا يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها «
وأخرج نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن ضرار بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » في قوله { أو يلبسكم شيعاً } قال : أربع فتن : تأتي فتنة الأولى يستحل فيها الدماء ، والثانية يستحل فيها الدماء والأموال ، والثالثة يستحل فيها الدماء والأموال والفروج ، والرابعة عمياء مظلمة تمور مور البحر ، تنتشر حتى لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته « .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن شداد بن أوس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال » إن الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها ، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها ، وأني أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ، وإني سألت ربي أن لا يهلك قومي بسنة عامة ، وأن لا يلبسهم شيعاً ولا يذيق بعضهم بأس بعض . فقال : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة ، ولا أسلط عليهم عدواً من سواهم فيهلكوهم حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ، وبعضهم يقتل بعضاً ، وبعضهم يسبي بعضاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني أخاف على أمتي الأئمة المضلين ، فإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة « .(4/73)
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة وابن المنذر واللفظ له وابن مردويه عن معاذ بن جبل قال : « صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فأطال قيامها وركوعها وسجودها ، فلما انصرف قلت : يا رسول الله لقد أطلت اليوم الصلاة؟ فقال » إنها صلاة رغبة ورهبة ، إني سألت ربي ثلاثاً فأعطاني إثنتين ومنعني واحدة ، سألت ربي أن لا يسلط على أمتي عدواً من سواهم فيهلكهم عامة فأعطانيها ، وسألته أن لا يسلط عليهم سنة فتهلكهم عامة فأعطانيها ، ولفظ أحمد ، وابن ماجة ، وسألته أن لا يهلكهم غرقاً فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها « » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « سألت ربي لأمتي أربع خصال فأعطاني ثلاثاً ومنعني واحدة ، سألته أن لا تكفر أمتي واحدة فأعطانيها ، وسألته أن لا يظهر عليهم عدواً من غيرهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يعذبهم بما عذب به الأمم من قبلهم فأعطانيها ، وسألته لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها » .
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال « لما نزلت هذه الآية { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً } قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ ، فسأل ربه أن لا يرسل عليهم عذاباً من فوقهم ، أو من تحت أرجلهم ، ولا يلبس أمته شيعاً ويذيق بعضهم بأس بعض كما أذاق بني إسرائيل ، فهبط إليه جبريل فقال : يا محمد إنك سألت ربك أربعاً فأعطاك إثنتين ومنعك إثنتين ، لن يأتيهم عذاب من فوقهم ولا من تحت أرجلهم يستأصلهم ، فإنهما عذابان لكل أمة اجتمعت على تكذيب نبيها ورد كتاب ربها ، ولكنهم يلبسهم شيعاً ويذيق بعضهم بأس بعض وهذان عذابان لأهل الإِقرار بالكتب والتصديق بالأنبياء ولكن يعذبون بذنوبهم ، وأوحى الله إليه { فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون } [ الزخرف : 41 ] يقول : من أمتك ، أو نرينك الذي وعدناهم من العذاب وأنت حي فإنا عليهم مقتدرون .
فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم فراجع ربه فقال : أي مصيبة أشد من أن أرى أمتي يعذب بعضها بعضاً ، وأوحى إليه { آلمَ ، أحسب الناس أن يتركوا } [ العنكبوت : 1-2 ] الآيتين . فأعلمه أن أمته لم تخص دون الأمم بالفتن ، وأنها ستبتلى كما ابتليت الأمم ، ثم أنزل عليه { قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين } [ المؤمنون : 93 ] فتعوذ نبي الله فأعاذه الله لم ير من أمته إلا الجماعة والألفة والطاعة ، ثم أنزل عليه آية حذر فيها أصحاب الفتنة ، فأخبره أنه إنما يخص بنها ناس منهم من دون ناس فقال { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب } [ الأنفال : 25 ] فخص بها أقواماً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بعده ، وعصم بها أقواماً » .(4/74)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال : « لما نزلت { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً } الآية . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيوف ، فقالوا : ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله؟ قال : نعم . فقال بعض الناس : لا يكون هذا أبداً ، فأنزل الله { انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ، وكذب به قومك وهو الحق } إلى قوله { وسوف تعلمون } « » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قولة { عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم } قال : هذا للمشركين { أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض } قال : هذا للمسلمين .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن قانع في معجمه عن ابن إسحق عن عبد الله بن أبي بكر قال : قرأ عبد الله بن سهيل على أبيه { وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل } فقال : أما والله يا بني لو كنت إذ ذاك ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، فهمت منها إذ ذاك ما فهمت اليوم لقد كنت إذ ذاك أسلمت .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { وكذب به قومك } يقول : كذبت قريش بالقرآن { وهو الحق } وأما الوكيل : فالحفيظ . وأما { لكل نبإٍ مستقر } فكان نبأ القرآن استقر يوم بدر بما كان يعدهم من العذاب .
وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله { قل لست عليكم بوكيل } قال : نسخ هذه الآية ، آية السيف { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ الزخرف : 41 ] .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { لكل نبأ مستقر } يقول : حقيقة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه قرأ { لكل نبإٍ مستقر } قال : حبست عقوبتها حتى عمل ذنبها أرسلت عقوبتها .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { لكل نبإٍ مستقر وسوف تعلمون } يقول : فعل وحقيقة ، ما كان منه في الدنيا وما كان في الآخرة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { لكل نبإٍ مستقر وسوف تعلمون } قال : لكل نبأ حقيقة ، أما في الدنيا فسوف ترونه ، وأما في الآخرة فسوف يبدو لكم .(4/75)
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } ونحو هذا في القرآن قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة ، وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم } قال : نهاه الله أن يجلس مع الذين يخوصون في آيات الله يكذبون بها ، فإن نسى فلا يقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } قال : يستهزئون بها ، نهى محمد صلى الله عليه وسلم أن يقعد معهم إلا أن ينسى ، فإذا ذكر فليقم ، وذلك قول الله { فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين } .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } قال : الذين يكذبون بآياتنا يعني المشركين { وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى } بعد ما تذكر . قال : إن نسيت فذكرت فلا تجلس معهم { وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } قال : ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك { ولكن ذكرى لعلهم يتقون } ذكروهم ذلك وأخبروهم أنه يشق عليكم مساءتكم ، ثم أنزل الله { وقد نزل عليكم في الكتاب } [ النساء : 140 ] الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن فسبوه واستهزأوا به ، فأمرهم الله أن لا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن سيرين في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } قال : كان يرى أن هذه الآية نزلت في أهل الأهواء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر قال : لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن علي قال : أن أصحاب الأهواء من الذين يخوضون في آيات الله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عي ابن جريج قال : كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه ، فإذا سمعوا استهزأوا ، فنزلت { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم .(4/76)
. . . } الآية . قال فجعلوا إذا استهزأوا قام فحذروا ، وقالوا : لا تستهزأوا فيقوم ، فذلك قوله { لعلهم يتقون } إن يخوضوا فيقوم ، ونزل { وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } أن تقعد معهم ولكن لا تعقد ، ثم نسخ ذلك قوله بالمدينة { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم } [ النساء : 140 ] إلى قوله { إنكم إذاً مثلهم } [ النساء : 140 ] نسخ قوله { وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } الآية .
وأخرج الفريابي وأبو نصر السجزي في الإِبانة عن مجاهد في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } قال : هم أهل الكتاب ، نهى أن يقعد معهم إذا سمعهم يقولون في القرآن غير الحق .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي وائل قال : إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الكذب ليضحك بها جلساءه فيسخط الله عليه ، فذكر ذلك لإِبراهيم النخعي فقال : صدق ، أو ليس ذلك في كتاب الله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم . . . } الآية .
وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل قال : كان المشركون بمكة إذا سمعوا القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاضوا واستهزأوا ، فقال المسلمون : لا يصلح لنا مجالستهم نخاف أن نخرج حين نسمع قولهم ونجالسهم فلا نعيب عليهم ، فأنزل الله في ذلك { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم . . . } الآية .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا . . . } الآية . قال : نسختها هذه الآية التي في سورة النساء { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها } [ النساء : 140 ] الآية . ثم أنزل بعد ذلك { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] .
وأخرج النحاس في ناسخة عن ابن عباس في قوله { وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } قال : هذه مكية نسخت بالمدينة بقوله { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها } [ النساء : 140 ] الآية .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد { وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } إن قعدوا ولكن لا تقعد .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : لما هاجر المسلمون إلى المدينة جعل المنافقون يجالسونهم ، فإذا سمعوا القرآن خاضوا واستهزأوا كفعل المشركين بمكة ، فقال المسلمون : لا حرج علينا قد رخص الله لنا في مجالستهم ، وما علينا من خوضهم فنزلت بالمدينة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة قال : أتى عمر بن عبد العزيز بقوم قعدوا على شراب معهم رجل صائم ، فضربه وقال { لا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره } .(4/77)
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً } قال : مثل قوله { ذرني ومن خلقت وحيداً } [ المدثر : 11 ] .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن قتادة في قوله { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً } قال : ثم أنزل في سورة براءة فأمر بقتالهم ، فقال { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] فنسختها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { اتخذوا دينهم لعباً ولهواً } قال : أكلاً وشرباً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أن تبسل } قال : تفضح . وفي قوله { أبسلوا } قال : فضحوا .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { أن تبسل } قال : تسلم وفي قوله { أبسلوا بما كسبوا } قال : أسلموا بجرائرهم .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل أن تبسل نفس؟ قال : يعني أن تحبس نفسه بما كتبت في النار . قال وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت زهيراً وهو يقول :
وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع وقلبي مبسل علقاً
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { أن تبسل نفس } قال : تؤخذ فتحبس . وفي قوله { وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها } قال : لو جاءت بملء الأرض ذهباً لم يقبل منها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا } قال : أخذوا بما كسبوا .
وأخرج أبو الشيخ عن سفيان بن حسين أنه سأل عن قوله { أبسلوا } قال : اخذلوا أو أسلموا ، أما سمعت قول الشاعر :
فإن أقفرت منهم فأنهم بسل ...(4/78)
قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { قل أندعوا من دون الله } هذا مثل ضربه الله للآلهة وللدعاة الذين يدعون إلى الله ، كمثل رجل ضل عن الطريق تائهاً ضالاً إذ ناداه مناد فلان بن فلان هلم إلى الطريق ، وله أصحاب يدعونه يا فلان بن فلان هلم إلى الطريق ، فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه في هلكة ، وإن أجاب من يدعو إلى الهدى اهتدى إلى الطريق ، وهذه الداعية التي تدعو في البرية الغيلان . يقول : مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت فيستقبل الهلكة والندامة . وقوله { كالذي استهوته الشياطين في الأرض } يقول : أضلته وهم الغيلان ، يدعونه باسمه واسم أبيه وجده فيتبعها ويرى أنه في شيء ، فيصبح وقد ألقته في هلكه وربما أكلته أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشاً ، فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { قل أندعوا من دون الله . . . } الآية . قال : قال المشركون للمؤمنين : اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد . فقال الله { قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } فهذه الآلهة { ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله } فيكون مثلنا { كمثل الذي استهوته الشياطين في الأرض } يقول : مثلكم إن كفرتم بعد الإِيمان كمثل رجل كان مع قوم على الطريق فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض ، وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم يقولون ائتنا فإنا على الطريق فأبى أن يأتيهم ، فذلك مثل من تبعكم بعد المعرفة لمحمد ، ومحمد الذي يدعو إلى الطريق والطريق هو الإِسلام .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } قال : الأوثان . وفي قوله { كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران } قالِ : رجل حيران يدعو أصحابه إلى الطريق ، فذلك مثل من يضل بعد إذ هدى .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كالذي استهوته الشياطين . . . } الآية . قال : هو الرجل الذي لا يستجيب لهدي الله ، وهو رجل أطاع الشيطان وعمل في الأرض بالمعصية وجار عن الحق وضل عنه ، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى يزعمون أن الذي يأمرونه به هدى الله ، ويقول الله ذلك لأوليائهم من الإِنس بقول { إن الهدى هدى الله } والضلالة ما يدعوا إليه الجن . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال : خصومة علمها الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، يخاصمون بها أهل الضلالة .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبي إسحق قال : في قراءة عبد الله { كالذي استهواه الشيطان } .
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عن أبي إسحق قال : في قراءة عبد الله { يدعونه إلى الهدى بينا } .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال : في قراءة ابن مسعود { يدعونه إلى الهدى بينا } قال : الهدى الطريق ، أنه بين ، والله أعلم .(4/79)
وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72)
أخرج أبو الشيخ عن الأوزاعي قال : ما من أهل بيت يكون لهم مواقيت يعلمون الصلاة إلا بورك فيهم كما بورك في إبراهيم وآل إبراهيم .(4/80)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)
أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبد الله بن عمرو قال : « سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور؟ فقال » هو قرن ينفخ فيه « » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو أن أهل منى اجتمعوا على أن يقلوا القرن من الأرض ما أقلوه » .
وأخرج مسدد في مسنده وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود قال : الصور كهيئة القرن ينفخ فيه .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : الصور كهيئة البوق .
وأخرج ابن ماجة والبزار وابن أبي حاتم عن أبي سيعد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يزال صاحبا القرن ممسكين بالصور ينتظران متى يؤمران » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن طرف صاحب الصور مذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يَرْتَد إليه طرفه ، كأن عينيه كوكبان دريان » .
وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن ، وحنى جبهته ، وأصغى بسمعه ينتظر متى يؤمر؟ قالوا : كيف نقول يا رسول الله؟ قال : قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا » .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن المنذر والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم « قال : كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن ، وحنى الجبهة ، وأصغى بالأذن متى يؤمر فينفخ؟ قالوا : فما نقول يا رسول الله؟ قال : قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه ، وحنى جبهته ، وأصغى بسمعه ينتظر متى يؤمر فينفخ؟ قالوا : يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال : حسبنا الله ونعم الوكيل » .
وأخرج البزار والحاكم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من صباح إلا وملكان يناديان ، يقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً ، وملكان موكلان بالصور ينتظران متى يؤمران فينفخان ، وملكان يناديان : با باغي الخير هلم ، ويقول الآخر : يا باغي الشر أقصر ، وملكان يناديان يقول أحدهما : ويل للرجال من النساء وويل للنساء من الرجال » .(4/81)
وأخرج أحمد والحاكم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « النافخان في السماء الثانية رأس أحداهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب ، وينتظران متى يؤمران أن ينفخا في الصور فينفخا » .
وأخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ في العظمة بسند حسن عن عبد الله بن الحارث قال « كنت عند عائشة وعندها كعب الحبر ، فذكر إسرافيل فقالت عائشة : أخبرني عن إسرافيل؟ فقال كعب : عندكم العلم . . . ! قالت : أجل فأخبرني؟ قال : له أربعة أجنحة ، جناحان في الهواء ، وجناح قد تسربل به ، وجناح على كاهله ، والقلم على أذنه ، فإذا نزل الوحي كتب القلم ثم درست الملائكة ، وملك الصور جاث على إحدى ركبتيه وقد نصب الأخرى فالتقم الصور محنى ظهره ، وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور . فقالت عائشة : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول » .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال : خلق الله الصور من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة ، ثم قال للعرش : خذ الصور فتعلق به ، ثم قال : كن فكان إسرافيل ، فأمره أن يأخذ الصور فأخذه وبه ثقب بعدد كل روح مخلوقة ونفس منفوسة لا تخرج روحان من ثقب واحد ، وفي وسط الصور كوّة كاستدارة السماء والأرض ، وإسرافيل واضع فمه على تلك الكوّة ، ثم قال له الرب تعالى : قد وكلتك بالصور فأنت للنفخة والصيحة ، فدخل إسرافيل في مقدم العرش فأدخل رجله اليمنى تحت العرش وقدم اليسرى ، ولم يطرف منذ خلقه الله ينتظر متى يؤمر به .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي بكر الهذلي قال : إن ملك الصور وكل به أن إحدى قدميه لفي الأرض السابعة ، وهو جاث على ركبتيه شاخص بصره إلى إسرافيل ، ما طرف منذ خلقه الله تعالى ينتظر متى يشير إليه فينفخ في الصور .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يوم ينفخ في الصور } قال : يعني النفخة الأولى ، ألم تسمع أنه يقول { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى } [ الزمر : 68 ] يعني الثانية { فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر : 68 ] .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة أنه قرأ { يوم ينفخ في الصور } أي في الخلق .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { عالم الغيب والشهادة } يعني أن عالم الغيب والشهادة هو الذي ينفخ في الصور .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { عالم الغيب والشهادة } قال : السر والعلانية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : الشهادة ما قد رأيتم من خلقه ، والغيب ما غاب عنكم مما لم تروه .(4/82)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : آزر الصنم ، وأبو إبراهيم اسمه يازر ، وأمه اسمها مثلى ، وامرأته استمها سارة ، وسريته أم اسمعيل اسمها هاجر ، وداود بن أمين ، ونوح بن لمك ويونس بن متى .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : آزر لم يكن بأبيه ولكنه اسم صنم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : اسم أبيه تارح ، وأسم الصنم آزر .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } قال : ليس آزر بأبيه ولكن { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } وهن الآلهة ، وهذا من تقديم القرآن ، إنما هو إبراهيم بن تيرح .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سليمان التيمي أنه قرأ { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } قال : بلغني أنها أعوج ، وأنها أشد كلمة قالها إبراهيم لأبيه .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة } قال : كان يقول أعضد ، أتعتضد بالآلهة من دون الله لا تفعل؟ ويقول : إن أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر وإنما اسمه تارح . قال أبو زرعة : بهمزتين ( أءزر ) .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في الآية قال : آزر أبو إبراهيم .(4/83)
وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : الشمس والقمر والنجوم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : كشف ما بين السموات والأرض حتى نظر إليهن على صخرة ، والصخرة على حوت ، وهو الحوت الذي منه طعام الناس ، والحوت في سلسلة والسلسلة في خاتم العزة .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { ملكوت السماوات والأرض } قال : ملك السموات والأرض قال : سلطانهما .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : إنما هو ملك السموات والأرض ، ولكنه بلسان النبطية ملكوثا .
وأخرج آدم بن أبي اياس وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : آيات فرجت له السموات السبع ، فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش ، وفرجت له الأرضون السبع فنظر إلى ما فيهن .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : قام على صخرة ففرجت له السموات السبع حتى ننظر إلى العرش وإلى منزله من الجنة ، ثم فرجت له الأرضون السبع حتى نظر إلى الصخرة التي عليها الأرضون ، كذلك قوله { وآتيناه أجره في الدنيا } [ العنكبوت : 27 ] .
وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : رأيت ربي في أحسن صورة فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قال : قلت أنت أعلم أي رب . . . ! قال : فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي . قال : فعلمت ما في السموات والأرض ، ثم تلا هذه الآية { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين } ثم قال : يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال : قلت : في الدرجات والكفارات قال : وما الكفارات؟ قلت : نقل الأقدام إلى الجماعات ، والمجالس في المساجد خلاف الصلوات ، وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكروه ، فمن يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير ، ويكن من خطيئته كهيتئه يوم ولدته أمه ، وأما الدرجات فبذل السلام ، وإطعام الطعام ، والصلاة بالليل والناس نيام ، قال : قل اللهم إني أسألك الطيبات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني ، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعلموهن فإنهن حق » .
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(4/84)
« لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض أشرف على رجل على معصية من معاصي الله فدعا عليه فهلك ، ثم أشرف على آخر على معصية من معاصي الله فدعا فهلك ، ثم أشرف على آخر فذهب يدعو عليه ، فأوحى الله إليه : أن يا إبراهيم أنك رجل مستجاب الدعوة فلا تدع على عبادي ، فإنهم مني على ثلاث : إما أن يتوب فأتوب عليه ، وإما أن أخرج من صلبه نسمة تملأ الأرض بالتسبيح ، وإما أن أقبضه إلي فإن شئت عفوت وإن شئت عاقبت » .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن عطاء قال : لما رفع إبراهيم إلى ملكوت السموات أشرف على عبد يزني فدعا عليه فأهلك ، ثم رفع أيضاً فأشرف على عبد يزني فدعا عليه فأهلك ، ثم رفع أيضاً فأشرف على عبد يزني ، فأراد أن يدعو عليه فقال له ربه : على رسلك يا إبراهيم ، فإنك عبد مستجاب لك ، وإني من عبدي على إحدى ثلاث خلال : إما أن يتوب إلي فأتوب عليه ، وإما أن أخرج منه ذرية طيبة ، وإما أن يتمادى فيما هو فيه فأنا من ورائه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : رفع إبراهيم إلى السماء فنظر أسفل منه ، فرأى رجلاً على فاحشة فدعا فخسف به حتى دعا على سبعة كلهم يخسف به ، فنودي يا إبراهيم رفه عن عبادي ثلاث مرار إني من عبدي بين ثلاث ، اما أن يتوب فأتوب عليه ، وإما أن استخرج من صلبه ذرية مؤمنة ، وإما أن يكفر فحسبه جهنم .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طريق شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله وعليه وسلم قال « لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض أبصر عبداً على خطيئة فدعا عليه ، ثم أبصر عبداً على خطيئة فدعا عليه ، فأوحى الله إليه : يا إبراهيم إنك عبد مستجاب الدعوة فلا تدع على أحد فإني من عبدي على ثلاث : إما أن أخرج من صلبه ذرية تعبدني ، وإما أن يتوب في آخر عمره فأتوب عليه ، وإما أن يتولى فإن جهنم من ورائه » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن سلمان الفارسي قال : لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض رأى رجلاً على فاحشة فدعا عليه فهلك ، ثم رأى آخر على فاحشة فدعا عليه فهلك ، ثم رأى آخر على فاحشة فدعا عليه ، فأوحى الله إليه : أن يا إبراهيم مهلاً فإنك رجل مستجاب لك ، وإني من عبدي على ثلاث خصال : إما أن يتوب قبل الموت فأتوب عليه ، وإما أن أخرج من صلبه ذرية يذكروني ، وإما أن يتولى فجهنم من ورائه .(4/85)
وأخرج البيهقي في الشعب عن عطاء قال : لما رفع إبراهيم في ملكوت السموات رأى رجلاً يزني فدعا عليه فهلك ، ثم رفع فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فهلك ، ثم رفع فرأى رجلاً يزني فدعا فهلك ، ثم رأى رجلاً يزني فدعا فهلك . فقيل : على رسلك يا إبراهيم إنك عبد مستجاب لك ، وإني من عبدي على ثلاث : إما أن يتوب إلي فأتوب عليه ، وإما أن أخرج منه ذرية طيبة تعبدني ، وإما أن يتمادى فيما هو فيه فإن جهنم من ورائه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : يعني خلق السموات والأرض { وليكون من الموقنين } فإنه جلا له الأمر سره وعلانيته ، فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق ، فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب قال الله : إنك لا تستطيع هذا ، فرده الله كما كان قبل ذلك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال : ذكر لنا أن إبراهيم عليه السلام فر به من جبار مترف ، فجعل في سرب وجعل زرقه في أطرافه ، فجعل لا يمص أصبعاً من أصابعه إلا جعل الله له فيها رزقاً ، فلما خرج من ذلك السرب أراه الله ملكوت السموات والأرض ، وأراه شمساً وقمراً ونجوماً وسحاباً وخلقاً عظيماً ، وأراه ملكوت الأرض فرأى جبالاً وبحوراً وأنهاراً وشجراً ومن كل الدواب وخلقاً عظيماً { فلما جن عليه الليل رأى كوكباً } ذكر لنا أن الكوكب الذي رأى الزهرة طلعت عشاء { قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين } علم أن ربه دائم لا يزول { فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي } رأى خلقاً أكبر من الخلق الأوّل { فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الظالمين ، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر } أي أكبر خلقاً من الخلقين الأوّلين . وأبهى وأنور .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : كان من شأن إبراهيم عليه السلام أن أول ملك ملك في الأرض شرقها وغربها نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح ، وكانت الملوك الذين ملكوا الأرض كلها أربعة : بن كنعان وسليمان بن داود ، وذو القرنين ، وبختنصر . مسلمين وكافرين ، وإنه طلع كوكب على نمورد ، ذهب بضوء الشمس والقمر ففزع من ذلك ، فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة فسألهم عن ذلك! فقالوا : يخرج من ملكك رجل يكون على وجهه هلاكك وهلاك ملكك ، وكان مسكنه ببابل الكوفة فخرج من قريته إلى قرية أخرى ، وأخرج الرجال وترك النساء ، وأمر أن لا يولد مولود ذكر إلا ذبحه فذبح أولادهم .
ثم إنه بدت له حاجة في المدينة لم يأمن عليها إلا آزر أبا إبراهيم ، فدعاه فأرسله فقال له : أنظر لا تواقع أهلك .(4/86)
فقال له آزر أنا أضُنُّ بديني من ذلك ، فلما دخل القرية نظر إلى أهله فلم يملك نفسه إن وقع عليها ، ففر بها إلى قرية بين الكوفة والبصرة يقال لها ادر فجعلها في سرب ، فكان يتعهدها بالطعام وما يصلحها ، وإن الملك لما طال عليه الأمر قال : قول سحرة كذابين ارجعوا إلى بلدكم ، فرجعوا وولد إبراهيم فكان في كل يوم يمر به كأنه جمعة والجمعة كالشهر من سرعة شبابه ، ونسي الملك ذاك وكبر إبراهيم ولا يرى أن أحداً من الخلق غيره وغير أبيه وأمه ، فقال أبو إبراهيم لأصحابه : إن لي ابناً وقد خبأته فتخافون عليه الملك ان أنا جئت به؟ قالوا : لا فائت به . فانطلق فأخرجه ، فلما خرج الغلام من السرب نظر إلى الدواب والبهائم والخلق ، فجعل يسأل أباه فيقول : ما هذا؟ فيخبره عن البعير أنه بعير ، وعن البقرة أنها بقرة ، وعن الفرس أنها فرس ، وعن الشاة أنها شاة . فقال : ما لهؤلاء بد من أن يكون لهم رب .
وكان خروجه حين خرج من السرب بعد غروب الشمس ، فرفع رأسه إلى السماء فإذا هو بالكوكب وهو المشتري ، فقال : هذا ربي . فلم يلبث أن غاب قال : لا أحب رباً يغيب . قال ابن عباس : وخرج في آخر الشهر فلذلك لم ير القمر قبل الكوكب ، فلما كان آخر الليل رأى القمر بازغاً قد طلع قال : هذا ربي . فلما أفل يقول غاب { قال : لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين } فلما أصبح رأى الشمس بازغة { قال : هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون } قال الله له : اسلم . قال : أسلمت لرب العالمين .
فجعل إبراهيم يدعو قومه وينذرهم ، وكان أبوه يصنع الأصنام فيعطيها أولاده فيبيعونها ، وكان يعطيه فينادي من يشتري ما يضره ولا ينفعه ، فيرجع إخوته وقد باعوا أصنامهم ، ويرجع إبراهيم بأصنامه كما هي ، ثم دعا أباه فقال { يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً } [ مريم : 42 ] ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة فإذا هن في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم ، إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض ، كل صنم يليه أصغر منه حتى بلغوا باب البهو ، وإذا هم قد جعلوا طعاماً بين يدي الآلهة وقالوا : إذا كان حين نرجع رجعنا وقد برحت الآلهة من طعامنا فأكلنا ، فلما نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال : ألا تأكلون؟ فلما لم تجبه قال : ما لكم لا تنطقون؟
ثم إن إبراهيم أتى قومه فدعاهم ، فجعل يدعو قومه وينذرهم ، فحبسوه في بيت وجمعوا له الحطب حتى أن المرأة لتمرض فتقول : لئن عافاني الله لأجمعن لإبراهيم حطباً ، فلما جمعوا له وأكثروا من الحطب ، حتى إن كان الطير ليمر بها فيحترق من شدة وهجها وحرها ، فعمدوا إليه فرفعوه إلى رأس البنيان ، فرفع إبراهيم رأسه إلى السماء فقالت السماء والأرض والجبال والملائكة : ربنا إبراهيم يحرق فيك .(4/87)
قال أنا أعلم به ، فإن دعاكم فأغيثوه . وقال إبراهيم حين رفع رأسه إلى السماء : اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ، ليس أحد يعبدك غيري ، حسبي الله ونعم الوكيل . فقذفوه في النار ، فناداها فقال { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } [ الأنبياء : 69 ] وكان جبريل هو الذي ناداها . فقال ابن عباس : لو لم يتبع برداً سلاماً لمات إبراهيم من بردها ، ولم يبق يومئذ في الأرض نار إلا طفئت ظنت أنها هي تعنى ، فلما طفئت النار نظروا إلى إبراهيم ، فإذا هو ورجل آخر معه ورأس إبراهيم في حجره يمسح عن وجهه العرق ، وذكر أن ذلك الرجل ملك الظل ، فأنزل الله ناراً فانتفع بها بنو آدم ، وأخرجوا إبراهيم فأدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن السدي في قوله { رأى كوكباً } قال : هو المشتري ، وهو الذي يطلع نحو القبلة عن المغرب .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن علي في قوله { رأى كوكباً } قال : الزهرة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { فلما أفل } أي ذهب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { لا أحب الآفلين } قال : الزائلين .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { فلما أفلت } قال : فلما زالت الشمس عن كبد السماء . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت كعب بن مالك الأنصاري وهو يرثي النبي صلى الله عليه وسلم ويقول :
فتغير القمر المنير لفقده ... والشمس قد كسفت وكادت تأفل
قال : أخبرني عن قوله عز وجل { حنيفاً } قال : ديناً مخلصاً . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت حمزة بن عبد المطلب وهو يقول :
حمدت الله حين هدى فؤادي ... إلى الإسلام والدين الحنيف
وقال : أيضاً رجل من العرب يذكر بني عبد المطلب وفضلهم :
أقيموا لنادينا حنيفاً فانتمو ... لنا غاية قد نهتدي بالذوائب
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء في قوله { حنيفاً } قال : مخلصاً .
وأخرج مسلم والنسائي وابن مردويه عن عياض بن حمار المجاشعي « أنه شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم فسمعه يقول : إن الله أمرني أن أعلمكم ما جهلتم من دينكم مما علمني يومي هذا ، إن كل مال نحلته عبداً فهو له حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنه أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً » .
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين » .(4/88)
وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)
أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله { وحاجه قومه } يقول : خاصموه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أتحاجوني } قال : أتخاصمونني .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { أتحاجوني } مشددة النون .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله { وحاجه قومه } قال : دعوا مع الله إلهاً { أتحاجوني في الله وقد هدان } وقد عرفت ربي ، خوّفوه بآلهتهم أن يصيبه منها خبل فقال { ولا أخاف ما تشركون به } ثم قال { وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون } أيها المشركون { أنكم أشركتم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فأي الفريقين أحق بالأمن } قال : قول إبراهيم حين سألهم أي الفريقين أحق بالأمن ، ومن حجة إبراهيم! .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله { فأي الفريقين أحق بالأمن } أمن خاف غير الله ولم يخفه ، أم من خاف الله ولم يخف غيره؟ فقال الله { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } [ الأنعام : 82 ] .(4/89)
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني في الافراد وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن مسعود قال : « لما نزلت هذه الآية { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } شق ذلك على الناس فقالوا : يا رسول الله وأينا لا يظلم نفسه؟ قال » إنه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] إنما هو الشرك « .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي بكر الصديق . أنه سئل عن هذه الآية { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } قال : ما تقولون؟ قالوا : لم يظلموا . قال : حملتم الأمر على أشده ، بظلم : بشرك ، ألم تسمع إلى قول الله { إن الشرك لظلم عظيم } ؟ .
وأخرج أبو الشيخ عن عمر بن الخطاب { ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } قال : بشرك .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن حذيفة { ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } قال : بشرك .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن سلمان الفارسي . أنه سئل عن هذه الآية { ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } قال : إنما عنى به الشرك ، ألم تسمع الله يقول { إن الشرك لظلم عظيم } ؟ .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ من طرق عن أبي بن كعب في قوله { ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } قال : ذاك الشرك .
وأخرج ابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس . أن عمر بن الخطاب كان إذا دخل بيته نشر المصحف يقرأه ، فدخل ذات يوم فقرأ سورة الأنعام ، فأتى على هذه الآية { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } إلى آخر الآية ، فانتقل وأخذ رداءه ثم أتى أبي بن كعب ، فقال : يا أبا المنذر أتيت على هذه الآيه { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } وقد نرى أنا نظلم ونفعل ونفعل؟ فقال : يا أمير المؤمنين ان هذا ليس بذاك . يقول الله { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] إنما ذلك الشرك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس { ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } قال : بشرك .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد { ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } قال : بعبادة الأوثان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } يقول : لم يخلصوا إيمانهم بشرك .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن علي بن أبي طالب في قوله { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } قال : نزلت هذه الآية في إبراهيم وأصحابه خاصة ، ليس في هذه الأمة .(4/90)
وأخرج أحمد والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن جرير بن عبد الله قال : « خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما برزنا من المدينة إذا راكب يوضع نحونا ، فانتهى إلينا فسلم ، فقال له النبي صلى الله وعليه وسلم » من أين أقبلت؟ فقال : من أهلي وولدي وعشيرتي أريد رسول الله . قال : أصبته . قال : علمني ما الإِيمان؟ قال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت . قال : قد أقررت . ثم إن بعيره دخلت يده في شبكة جردان فهوى ووقع الرجل على هامته فمات . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا من الذين عملوا قليلاً وأجروا كثيراً ، هذا من الذين قال الله { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } إني رأيت حور العين يدخلن في فيه من ثمار الجنة ، فعلمت أن الرجل مات جائعا « » .
وأخرج الحكيم الترمذي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ساره ، إذ عرض له أعرابي فقال : والذي بعثك بالحق لقد خرجت من بلادي وتلادي لأهتدي بهداك وآخذ من قولك فاعرض علي ، فأعرض عليه الإِسلام فقبل ، فازدحمنا حوله فدخل خف بكره في ثقب جردان ، فتردى الأعرابي فانكسرت عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسمعتم بالذي عمل قليلاً وأجر كثيراً هذا منهم؟ أسمعتم بالذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم هذا منهم؟ » .
وأخرج أبن أبي حاتم عن بكر بن سوادة قال : حمل رجل من العدوّ على المسلمين فقتل رجلاً ، ثم حمل فقتل آخر ، ثم حمل فقتل آخر ، ثم قال : أينفعني الإِسلام بعد هذا؟ قالوا : ما ندري ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : نعم . فضرب فرسه فدخل فيهم ، ثم حمل على أصحابه فقتل رجلاً ، ثم آخر ، ثم قتل . قال : فيرون أن هذه الآية نزلت فيه { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم التيمي « أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فسكت حتى جاء رجل فأسلم ، فلم يلبث إلا قليلاً حتى قاتل فاستشهد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا منهم من الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمم » .
وأخرج البغوي في معجمه وابن حاتم وابن قانع والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن سخبرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من ابتلي فصبر ، وأعطي فشكر ، وظلم فغفر ، وظلم فاستغفر ، ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم فقيل : يا رسول الله ما له؟ قال { أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } » .(4/91)
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس في قوله { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } قال : ذاك في الخصومة التي كانت بينه وبين قومه ، والخصومة التي كانت بينه وبين الجبار الذي يسمى نمرود .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } قال : خصمهم .
وأخرج أبو الشيخ من طريق مالك بن أنس عن زيد بن أسلم في قوله { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } قال : خصمهم .
وأخرج أبو الشيخ من طريق مالك بن أنس عن زيد بن أسلم في قوله { نرفع درجات من نشاء } قال : بالعلم .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال : إن للعلماء درجات كدرجات الشهداء .(4/92)
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي حرب بن أبي الأسود قال : أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر فقال : بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم تجده في كتاب الله ، وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده . قال ألست تقرأ سورة الأنعام { ومن ذريته داود وسليمان } حتى بلغ { ويحيى وعيسى } قال : أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب؟ قال : صدقت .
وأخرج أبو الشيخ والحاكم والبيهقي عن عبد الملك بن عمير قال : دخل يحيى بن يعمر على الحجاج ، فذكر الحسين فقال الحجاج : لم يكن من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم : فقال يحيى : كذبت . فقال لتأتيني على ما قلت ببينة . فتلا { ومن ذريته داود وسليمان } إلى قوله { وعيسى وإلياس } فأخبر تعالى أن عيسى من ذرية إبراهيم بأمه . قال صدقت .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب قال : الخال والد ، والعم ، والد ، نسب الله عيسى إلى أخواله قال { ومن ذريته } حتى بلغ إلى قوله { وزكريا ويحيى وعيسى } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحاً هدينا من قبل } ثم قال في إبراهيم { ومن ذريته داود وسليمان } إلى قوله { وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلا فضلنا على العالمين } ثم قال في الأنبياء الذين سماهم الله في هذه الآية { فبهداهم اقتده } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { واجتبيناهم } قال أخلصناهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } قال : يريد هؤلاء الذين قال : هديناهم وفضلناهم .(4/93)
أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)
أخرج ابن أبي حاتم عن حوثرة بن بشير . سمعت رجلاً سأل الحسن عن قوله { الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوّة } من هم يا أبا سعيد؟ قال : هم الذين في صدر هذه الآية .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله { أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم } قال : الحكم اللب .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فإن يكفر بها هؤلاء } يعني أهل مكة يقول : أن يكفروا بالقرآن { فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين } يعني أهل المدينة والأنصار .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فإن يكفر بها هؤلاء } قال : أهل مكة كفار قريش { فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين } وهم الأنبياء الذين قص الله على نبيه الثمانية عشر ، الذين قال الله { فبهداهم اقتده } .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي رجاء العطاردي في قوله { فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين } قال : هم الملائكة .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : كان أهل الإيمان قد تبوّأوا الدار والإِيمان قبل أن يقدم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أنزل الله الآيات جحد بها أهل مكة ، فقال الله { فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين } .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب في الآية قال : إن يكفر بها أهل مكة فقد وكلنا بها أهل المدينة من الأنصار .(4/94)
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)
أخرج سعيد بن منصور والبخاري والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتدى بهداهم ، وكان يسجد في ص . ولفظ ابن أبي حاتم عن مجاهد : سألت ابن عباس عن السجدة التي في ص؟ فقرأ هذه الآية وقال : أمر نبيكم أن يقتدى بداود عليه السلام .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : قص الله عليه ثمانية عشر نبياً ، ثم أمره أن يقتدي بهم .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم . أنه قرأ { فبهداهم اقتده } بين الهاء إذا وصل ولا يدغمها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس . في قوله { قل لا أسألكم عليه أجراً } قال : قل لهم يا محمد لا أسألكم على ما أدعوكم إليه عرضاً من عرض الدنيا . والله أعلم .(4/95)
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وما قدروا الله حق قدره } قال : هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم ، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير فقد قدر الله حق قدره ، ومن لم يؤمن بذلك فلم يؤمن بالله حق قدره { إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } يعني من بني إسرائيل ، قالت اليهود يا محمد أنزل الله عليك كتاباً؟ قال : نعم . قالوا : والله ما أنزل الله من السماء كتاباً فأنزل الله قل يا محمد { من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس } إلى قوله { ولا آباؤكم قل الله } أنزله .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله { وما قدروا الله حق قدره } قال : وما علموا كيف هو حيث كذبوه .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك في قوله { وما قدروا الله حق قدره } قال : ما عظموه حق عظمته .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } قال : قالها مشركو قريش .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } قال : قال فنحاص اليهودي : ما أنزل الله على محمد من شيء .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله { إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء } قال : نزلت في مالك بن الصيف .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف ، فخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي « أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟ وكان حبراً سميناً ، فغضب وقال : والله ما أنزل الله على بشر من شيء . فقال له أصحابه : ويحك . . . ! ولا على موسى؟ قال : ما أنزل الله على بشر من شيء ، فأنزل الله { وما قدروا الله حق قدره . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال : جاء ناس من يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتب فقالوا : يا أبا القاسم ألا تأتينا بكتاب من السماء كما جاء به موسى ألواحاً؟ فأنزل الله تعالى { يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء } [ النساء : 153 ] الآية . فجثا رجل من اليهود فقال : ما أنزل الله عليك . ولا على موسى ، ولا على عيسى ، ولا على أحد شيئاً ، فأنزل الله { وما قدروا الله حق قدره .(4/96)
. . } الآية .
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال : أمر الله محمداً أن يسأل أهل الكتاب عن أمره وكيف يجدونه في كتبهم ، فحملهم حسدهم أن يكفروا بكتاب الله ورسله فقالوا { ما أنزل الله على بشر من شيء } فأنزل الله { وما قدروا الله حق قدره . . . } الآية . ثم قال : يا محمد هلم لك إلى الخبير ، ثم أنزل { الرحمن فاسأل به خبيراً } [ الفرقان : 59 ] { ولا ينبئك مثل خبير } [ فاطر : 14 ] .
وأخرج البيهقي عن الشعب عن كعب قال : إن الله يبغض أهل البيت اللحمين والحبر السمين .
وأخرج البيهقي عن جعدة الجشمي قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ورجل يقص عليه رؤيا ، فرأى رجلاً سميناً فجعل بطنه بشيء في يده ، ويقول « لو كان بعض هذا في غير هذا لكان خير الملك » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً } قال : هم اليهود { وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم } قال : هذه للمسلمين .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً } في يهود فيما أظهروا من التوراة وأخفوا من محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد أنه قرأ { تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً } وعلمتم معشر العرب { ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم } قال : هم اليهود ، آتاهم الله علماً فلم يقتدوا به ولم يأخذوا به ولم يعملوا به ، فذمهم الله في عملهم ذلك .(4/97)
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وهذا كتاب أنزلناه مبارك } قال : هو القرآن الذي أنزله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { مصدق الذي بين يديه } أي من الكتب التي قد خلت قبله .
وأخرج أبن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { ولتنذر أم القرى } قال : مكة ومن حولها . قال : يعني ما حولها من القرى إلى المشرق والمغرب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء وعمرو بن دينار قالا : بعث الله رياحاً فشققت الماء فأبرزت موضع البيت على حشفة بيضاء ، فمد الله الأرض منها ، فذلك هي أم القرى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { أم القرى } قال : مكة ، وإنما سميت أم القرى لأنها أول بيت وضع بها .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله { ولتنذر أم القرى } قال : هي مكة . قال : وبلغني أن الأرض دحيت من مكة .
وأخرج ابن مردويه عن بريدة قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم « أم القرى مكة » .(4/98)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)
أخرج الحاكم في المستدرك عن شرحبيل بن سعد قال : نزلت في عبد الله بن أبي سرح { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحيَ إلي ولم يوح إليه شيء . . . } الآية . فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فر إلى عثمان أخيه من الرضاعة ، فغيبه عنده حتى اطمأن أهل مكة ، ثم استأمن له .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي خلف الأعمى قال : كان ابن أبي سرح يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي ، فأتى أهل مكة فقالوا : يا ابن أبي سرح كيف كتبت لابن أبي كبشة القرآن؟ قال : كنت أكتب كيف شئت ، فأنزل الله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحيَ إلي ولم يوح إليه شيء } قال : نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي ، أسلم وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، فكان إذا أملى عليه ( سميعاً عليماً ) كتب ( عليماً حكيماً ) وإذا قال ( عليماً حكيماً ) كتب ( سميعاً عليماً ) فشك وكفر وقال : إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحى إليّ .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحيَ إلي ولم يوح إليه شيء } قال : نزلت في مسيلمة الكذاب ونحوه ممن دعا إلى مثل ما دعا إليه ، ومن قال : { سأنزل مثل ما أنزل الله } قال : نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { ومن أظلم . . . } الآية . قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في مسيلمة .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { ومن أظلم . . . } الآية . قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في مسيلمة .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحيَ إلي ولم يوح إليه شيء } قال : نزلت في مسيلمة فيما كان يسجع ويتكهن به ، ومن { قال : سأنزل مثل ما أنزل الله } قال : نزلت في عبد الله بن سعد ابن أبي سرح ، كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فكان فيما يملى ( عزيز حكيم ) فيكتب ( غفور رحيم ) فيغيره ، ثم يقرأ عليه كذا وكذا لما حوّل فيقول : نعم سواء ، فرجع عن الإسلام ولحق بقريش .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : لما نزلت { والمرسلات عرفاً فالعاصفات عصفاً } [ المرسلات : 12 ] قال النضر وهو من بني عبد الدار : والطاحنات طحناً والعاجنات عجنا .(4/99)
وقولاً كثيراً ، فأنزل الله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحيَ إلي ولم يوح إليه شيء . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : ما من القرآن شيء إلا قد عمل به من كان قبلكم وسيعمل به من بعدكم ، حتى كنت لأمر بهذه الآية { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } ولم يعمل هذا أهل هذه القبلة حتى كان المختار بن أبي عبيدة .
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : آيتان يبشر بهما الكافر عند موته { ولو ترى إذ الظالمون } إلى قوله { تستكبرون } .
وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال « بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قاعداً ، وتلا هذه الآية { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون } ثم قال : والذي نفس محمد بيده ما من نفس تفارق الدنيا حتى ترى مقعدها من الجنة والنار ، ثم قال : إذا كان عند ذلك صف سماطان من الملائكة نظموا ما بين الخافقين كأن وجوههم الشمس فينظر إليهم ما يرى غيرهم ، وإن كنتم ترون أنه ينظر إليكم مع كل ملك منهم أكفان وحنوط ، فإذا كان مؤمناً بشروه بالجنة ، وقالوا : اخرجي أيتها النفس الطيبة إلى رضوان الله وجنته فقد أعد الله لك من الكرامة ما هو خير لك من الدنيا وما فيها ، فما يزالون يبشرونه ويحفون به فهم ألطف وأرأف من الوالدة بولدها ، ويسلون روحه من تحت كل ظفر ومفصل ، ويموت الأول فالأول ، ويبرد كل عضو الأول فالأول ، ويهون عليه وان كنتم ترونه شديداً حتى تبلغ ذقنه ، فلهو أشد كرامة للخروج حينئذ من الولد حين يخرج من الرحم ، فيبتدرها كل ملك منهم أيهم يقبضها ، فيتولى قبضها ملك الموت ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون } [ السجدة : 11 ] قال : فيتلقاها باكفان بيض ثم يحتضنها إليه فهو أشد لها لزوماً من المرأة لولدها ، ثم يفوح لها فيهم ريح أطيب من المسك ، يتباشرون بها ويقولون : مرحبا بالريح الطيبة والروح الطب ، اللهم صل عليه روحاً وصل عليه جسداً خرجت منه فيصعدون بها ، ولله خلق في الهواء لا يعلم عدتهم إلا هو ، فيفوح لها فيهم ريح أطيب من المسك ، فيصلون عليها ويتباشرون بها ويفتح لها أبواب السماء ، ويصلي عليها كل ملك من كل سماء تمر به حتى توقف بين يدي الملك الجبار ، فيقول الجبار عز وجل : مرحباً بالنفس الطبية وبجسد خرجت منه ، وإذا قال الرب عز وجل للشيء : مرحبا . رحب له كل شيء وذهب عنه كل ضيق ، ثم يقول : اذهبوا بهذه النفس الطيبة فادخلوها الجنة ، وأروها مقعدها ، واعرضوا عليها ما أعد لها من النعيم والكرامة ، ثم اهبطوا بها إلى الأرض فإني قضيت أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ، فوالذي نفس محمد بيده هي أشد كراهة للخروج منها حين كانت تخرج من الجسد ، وتقول : اين تذهبون بي إلى ذلك الجسد الذي كنت فيه؟ فيقولون : إنّا مأمورون بهذا فلا بد لك منه . فيهبطون به على قدر فراغهم من غسله وأكفانه ، فيدخلون ذلك الروح بين الجسد وأكفانه ، فما خلق الله تعالى كلمة تكلم بها حميم ولا غير حميم إلا وهو يسمعها ، إلا أنه لا يؤذن له في المراجعة ، فلو سمع أشد الناس له حباً ومن أعزهم كان عليه يقول : على رسلكم ما يعجلكم وأذن له في الكلام للعنه ، وإنه يسمع خفق نعالهم ونفض أيديهم إذا ولوا عنه .
ثم يأتيه عند ذلك ملكان فظان غليظان يسميان منكراً ونكيراً ومعهما عصا من حديد لو اجتمع عليها الجن والانس ما أقلوها وهي عليهما يسير ، فيقولان له : أقعد بإذن الله ، فإذا هو مستو قاعداً فينظر عند ذلك إلى خلق كريه فظيع ينسبه ما كان رأى عند موته . . . ! فيقولان له من ربك؟ فيقول : الله . فيقولون : فما دينك؟ فيقول الإِسلام ، ثم ينتهرانه عند ذلك انتهارة شديدة ، ثم يقولان : فمن نبيك؟ فيقول : محمد صلى الله عليه وسلم ويعرق عند ذلك عرقاً يبتل ما تحته من التراب ، ويصير ذلك العرق أطيب من ريح المسك ، وينادي عند ذلك من السماء نداء خفياً صدق عبدي فلينفعه صدقه ، ثم يفسح له في قبره مد بصره ، ويبتذله فيه الريحان ، ويستر بالحرير ، فإن كان معه من القرآن شيء كفاه نوره ، وإن لم يكن معه جعل له نور مثل نور الشمس في قبره ، ويفتح له أبواب وكوى إلى الجنة فينظر إلى مقعده منها مما كان عاين حين صعد به ، ثم يقال : نم قرير العين ، فما نومه ذلك إلى يوم يقوم إلا كنومة ينامها أحدكم شهية لم يرو منها ، يقوم وهو يمسح عينيه ، فكذلك نومه فيه إلى يوم القيامة .
وإن كان غير ذلك إذا نزل به ملك الموت صف له سماطان من الملائكة نظموا ما بين الخافقين ، فيخطف بصره إليهم ما يرى غيرهم ، وإن كنتم ترون أنه ينظر إليكم ويشدد عليه ، وإن كنتم ترون أنه يهون عليه فيلعنونه ، ويقولون : أخرجي أيتها النفس الخبيثة فقد أعد الله لك من النكال والنقمة والعذاب كذا وكذا ساء ما قدمت لنفسك ، ولا يزالون يسلونها في غضب وتعب وغلظ وشدة من كل ظفر وعضو ، ويموت الأول فالأول ، وتنشط نفسه كما يصنع السفود ذو الشعب بالصوف حتى تقع الروح في ذقنه ، فلهي أشد كراهية للخروج من الولد حين يخرج من الرحم مع ما يبشرونه بأنواع النكال والعذاب حتى تبلغ ذقنه ، فليس منهم ملك إلا وهو يتحاماه كراهية له ، فيتولى قبضها ملك الموت الذي وكل بها فيتلقاها ، أحسبه قال : بقطعه من بجاد أنتن ما خلق الله وأخشنه ، فيلقى فيها ويفوح لها ريح أنتن ما خلق الله ويسد ملك الموت منخريه ويسدون آنافهم ويقولون : اللهم العنها من روح والعنه جسداً خرجت منه ، فإذا صعد بها غلقت أبواب السماء دونها ، فيرسلها ملك الموت في الهواء حتى إذا دنت من الأرض انحدر مسرعاً في أثرها ، فيقبضها بحديدة معه يفعل بها ذلك ثلاث مرات ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } [ الحج : 31 ] والسحيق البعيد . ثم ينتهي بها فتوقف بين يدي الملك الجبار فيقول : لا مرحباً بالنفس الخبيثة ولا بجسد خرجت منه ، ثم يقول : انطلقوا بها إلى جهنم فأروها مقعدها منها واعرضوا عليها ما أعددت لها من العذاب والنقمة والنكال .
ثم يقول الرب : اهبطوا بها إلى الأرض فإني قضيت أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى . فيهبطون بها على قدر فراغهم منها ، فيدخلون ذلك الروح بين جسده وأكفانه ، فما خلق الله حميماً ولا غير حميم من كلمة يتكلم بها لا وهو يسمعها إلا أنه لا يؤذن له في المراجعة ، فلو سمع أعز الناس عليه وأحبهم إليه يقول : أخرجوا به وعجلوا وأذن له في المراجعة للعنه . وود أنه ترك كما هو لا يبلغ به حفوته إلى يوم القيامة .
فإذا دخل قبره جاءه ملكان أسودان أرزقان فظان غليظان ، ومعهما مرزبة من حديد وسلاسل وأغلال ومقامع الحديد ، فيقولان له : اقعد بإدن الله . فإذا هو مستوٍ قاعد سقطت عنه أكفانه ، ويرى عند ذلك خلفاً فظيعاً ينسى به ما رأى قبل ذلك فيقولان له : من ربك؟ فيقول : أنت . فيفزعان عند ذلك فزعة . ويقبضان ويضربانه ضربة بمطرقة الحديد فلا يبقى منه عضو إلا وقع على حدة ، فيصيح عند ذلك صيحة فما خلق الله من شيء ملك أو غيره إلا يسمعها إلا الجن والإِنس ، فيلعنونه عند ذلك لعنة واحدة وهو قوله { أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } [ البقرة : 159 ] والذي نفس محمد بيده لو اجتمع على مطرقتهما الجن والإِنس ما أقلوها وهي عليهما يسير ، ثم يقولان عد بإذن الله ، فإذا هو مستو قاعداً فيقولان : من ربك؟ فيقول : لا أدري . فيقولان : فمن نبيك؟ فيقول : سمعت الناس يقولون محمد . فيقولان : فما تقول أنت؟ فيقول : لا أدري . فيقولان : لا دريت . ويعرق عند ذلك عرقاً يبتل ما تحته من التراب ، فلهو أنتن من الجيفة فيكم ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه فيقولان له : نم نومة المسهر . فلا يزال حيات وعقارب أمثال أنياب البخت من النار ينهشنه ، ثم يفتح له باب فيرى مقعده من النار ، وتهب عليه أرواحها وسمومها ، وتلفح وجهه النار غدوّاً وعشياً إلى يوم القيامة » .(4/100)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { غمرات الموت } قال : سكرات الموت .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { والملائكة باسطوا أيديهم } قال : هذا عند الموت . والبسط! الضرب . يضربون وجوههم وأدبارهم .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { والملائكة باسطوا أيديهم } قال : ملك الموت عليه السلام .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { والملائكة باسطوا أيديهم } قال : بالعذاب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن قيس قال : إن لملك الموت أعواناً من الملائكة ، ثم تلاث هذه الآية { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن وهب قال : إن الملائكة الذين يقرنون بالناس هم الذين يتوفونهم ويكتبون لهم آجالهم ، فإذا كان يوم كذا وكذا توفته ، ثم نزع { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم } فقيل لوهب : أليس قد قال الله { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } [ السجدة : 11 ] قال : نعم ، إن الملائكة إذا توفوا نفساً دفعوها إلى ملك الموت وهو كالعاقب يعني العشار الذي يؤدي إليه من تحته .
وأخرج الطستي وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس رضي الله عنهما . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { عذاب الهون } قال : الهوان الدائم الشديد . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :
أنا وجدنا بلاد الله واسعه ... تنجى من الذل والمخزات والهون
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { عذاب الهون } قال : الهوان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { عذاب الهون } قال : الذي يهينهم .(4/101)
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال : قال النضر بن الحارث : سوف تشفع لي اللات والعزى ، فنزلت { ولقد جئتمونا فرادى } الآية كلها .
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن عائشة . أنها قرأت قول الله { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } فقالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله واسوأتاه . . . ! إن الرجال والنساء سيحشرون جميعاً ينظر بعضهم إلى سوأة بعض؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه ، لا ينظر الرجال إلى النساء ولا النساء إلى الرجال ، شغل بعضهم عن بعض » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } قال : كيوم ولد ، يرد كل شيء نقص منه من يوم ولد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه « سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول : إذا كان يوم القيامة حشر الناس حفاة عراة غرلاً » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله { وتركتم ما خوّلناكم } قال : من المال والخدم { وراء ظهوركم } قال : في الدنيا .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال : يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنه بذخ فيقول له تبارك وتعالى : أين ما جمعت؟ فيقول له يا رب جمعته وتركته أوفر ما كان فيقول : فأين ما قدمت لنفسك؟ فلا يراه قدم شيئاً ، وتلا هذه الآية { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم } .
وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن بريدة رضي الله عنه قال : كان عند ابن زياد أبو الأسود الديلمي وجبير بن حية الثقفي ، فذكروا هذا الحرف { لقد تقطع بينكم } فقال أحدهما : بيني وبينك أول من يدخل علينا ، فدخل يحيى بن يعمر ، فسألوه فقال : بينكم بالرفع .
وأخرج أبو الشيخ عن الأعرج أنه قرأ { لقد تقطع بينكم } بالرفع يعني وصلكم .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ { لقد تقطع بينكم } بالنصب أي ما بينكم من المواصلة التي كانت بينكم في الدنيا .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه { لقد تقطع بينكم } قال : ما كان بينهم من الوصل .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عكرمة قال : لما تزوج عمر رضي الله عنه أم كلثوم رضي الله عنها بنت علي اجتمع عليه أصحابه فباركوا له دعوا له ، فقال : لقد تزوجتها وما بي حاجة إلى النساء ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إن كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، فاحببت أن يكون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم نسب » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون } يعني الأرحام والمنازل .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { لقد تقطع بينكم } قال : تواصلكم في الدنيا .(4/102)
إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فالق الحب والنوى } يقول : خلق الحب والنوى .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فالق الحب والنوى } قال : يفلق الحب والنوى عن النبات .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فالق الحب والنوى } قال : الشقان اللذان فيهما .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله { فالق الحب والنوى } الشق الذي في النواة والحنطة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { فالق الحب والنوى } قال : فالق الحبة عن السنبلة ، وفالق النواة عن النخلة .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله { يخرج الحي من الميت } قال : النخلة من النواة والسنبلة من الحبة { ومخرج الميت من الحي } قال : النواة من النخلة والحبة من السنبلة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي } قال : الناس الأحياء من النطف والنطفة ميتة تخرج من الناس الأحياء ، ومن الأنعام والنبات كذلك أيضاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فأنى تؤفكون } قال : كيف تكذبون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { فأنى تؤفكون } قال : أنى تصرفون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { فأنى تؤفكون } قال : كيف تضل عقولكم عن هذا .(4/103)
فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فالق الإصباح } قال : خلق الليل والنهار .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فالق الإصباح } قال : يعني بالاصباح ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فالق الإصباح } قال : اضاءة الفجر .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قوله { فالق الإصباح } قال : فالق الصبح .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله { فالق الإصباح } قال : فالق النور نور النهار .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وجاعل الليل سكناً } قال : يسكن فيه كل طير ودابة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والشمس والقمر حسباناً } يعني عدد الأيام والشهور والسنين .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { والشمس والقمر حسباناً } قال : يدوران في حساب .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة { حسباناً } قال : ضياء .
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في قوله { والشمس والقمر حسباناً } قال : الشمس والقمر في حساب ، فإذا خلت أيامها فذلك آخر الدهر ، وأول الفزع الأكبر .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة بسند واهٍ عن ابن عباس قال : خلق الله بحراً دون السماء بمقدار ثلاث فراسخ ، فهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله لا يقطر منه قطرة ، جار في سرعة السهم تجري فيه الشمس والقمر والنجوم ، فذلك قوله { كل في فلك يسبحون } [ الأنبياء : 33 ] والفلك دوران العجلة في لجة غمر ذلك البحر ، فإذا أحب الله أن يحدث الكسوف خرت الشمس عن العجلة فتقع في غمر ذلك البحر ، فإذا أراد أن يعظم الآية وقعت كلها فلا يبقى على العجلة منها شيء ، وإذا أراد دون ذلك وقع النصف منها أو الثلث أو الثلثان في الماء ، ويبقى سائر ذلك على عجلة ، وصارت الملائكة الموكلون بها فرقتين ، فرقة يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة ، وفرقة يقبلون إلى العجلة فيجرونها إلى الشمس ، فإذا غربت رفع بها إلى السماء السابعة في سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من أين تؤمر بالطلوع ، ثم ينطلق بها ما بين السماء السابعة وبين أسفل درجات الجنان في سرعة طيران الملائكة ، فتنحدر حيال المشرق من سماء إلى سماء ، فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الصبح ، فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذلك حين تطلق الشمس قال : وخلق الله عند المشرق حجاباً من الظلمة فوضعها على البحر السابع مقدار عدة الليالي في الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم القيامة ، فإذا كان عند غروب الشمس أقبل ملك قد وكل بالليل ، فقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب ثم يستقبل الغرب ، فلا يزال يرسل تلك الظلمة من خلل أصابعه قليلاً قليلاً وهو يراعي الشفق ، فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها ، ثم ينشر جناحيه فيبلغان قطري الأرض وكنفي السماء ، فتشرق ظلمة الليل بجناحيه فإذا حان الصبح ضم جناحه ، ثم يضم الظلمة كلها بعضها إلى بعض بكفيه من المشرق ، ويضعها على البحر السابع بالمغرب .(4/104)
وأخرج أبو الشيخ بسند واه عن سلمان قال : الليل موكل به ملك يقال له شراهيل : فإذا حان وقت الليل أخذ خرزة سوداء فدلاها من قبل المغرب ، فإذا نظرت إليها الشمس وجبت في أسرع من طرفة العين ، وقد أمرت الشمس أن لا تغرب حتى ترى الخرزة ، فإذا غربت جاء الليل فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيء ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء فيعلقها من قبل المطلع ، فإذا رآها شراهيل مد إليه خرزته ، وترى الشمس الخرزة البيضاء فتطلع وقد أمرت أن لا تطلع حتى تراها ، فإذا طلعت جاء النهار .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر لذكر الله » .
وأخرج الخطيب في كتاب النجوم عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « أحب عباد الله إلى الله رعاء الشمس والقمر ، الذين يحببون عباد الله إلى الله ويحببون الله إلى عباده » .
وأخرج ابن شاهين والطبراني والحاكم والخطيب عن عبد الله بن أبي أوفى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والاظلة لذكر الله » .
وأخرج أحمد في الزهد والخطيب عن أبي الدرداء قال : إن أحب عباد الله إلى الله لرعاة الشمس والقمر .
وأخرج الحاكم في تاريخه والديلمي بسند ضعيف عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : التاجر الامين ، والإِمام المقتصد ، وراعي الشمس والنهار » .
وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد عن سلمان الفارسي قال : سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله : رجل لقي أخاه فقال : إني أحبك في الله وقال الآخر مثل ذلك ، ورجل ذكر الله ففاضت عيناه من مخافة الله ، ورجل يتصدق بيمينه يخفيها من شماله ، ورجل دعته أمراة ذات حسب وجمال إلى نفسها فقال إني أخاف الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد من حبها ، ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة ، ورجل إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت على حلم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مسلم بن يسار قال : كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم « اللهم فالق الأصباح ، وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ، اقضِ عني الدين ، وأغنني من الفقر ، وأمتعني بسمعي وبصري ، وقوّني في سبيلك » .(4/105)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)
أخرج ابن أبي حاتم عن عباس في قوله { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } قال : يضل الرجل وهو الظلمة والجور عن الطريق .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والخطيب في كتاب النجوم عن عمر بن الخطاب قال : تعلموا من النجوم ما تهتدون به في بركم وبحركم ثم امسكوا ، فإنها والله ما خلقت إلا زينة للسماء ورجوماً للشياطين وعلامات يهتدى بها ، وتعلموا من النسبة ما تصلون به أرحامكم ، وتعلموا ما يحل لكم من النساء ويحرم عليكم ثم امسكوا .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والخطيب في كتاب النجوم عن قتادة قال : إن الله إنما جعل هذه النجوم لثلاث خصال : جعلها زينة للسماء ، وجعلها يهتدي بها ، وجعلها رجوماً للشياطين ، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال رأيه ، وأخطأ حظه ، وأضاع نصيبه ، وتكلف ما لا علم له به ، وإن ناساً جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة ، من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ، ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ، ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والطوير والقصير والحسن والدميم ، ولو أن أحداً علم الغيب لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه أسماء كل شيء .
وأخرج ابن مردويه والخطيب عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا » .
وأخرج الخطيب عن مجاهد قال : لا بأس أن يتعلم الرجل من النجوم ما يتهتدي به في البر والبحر ، ويتعلم منازل القمر .
وأخرج ابن أبي حاتم والمرهبي في فضل العلم عن حميد الشامي قال : النجوم هي علم آدم عليه السلام .
وأخرج المرهبي عن الحسن بن صالح قال : سمعت عن ابن عباس أنه قال : ذلك علم ضيعه الناس النجوم .
وأخرج الخطيب عن عكرمة . أنه سأل رجلاً عن حساب النجوم وجعل الرجل يتحرج أن يخبره؟ فقال : عكرمة : سمعت ابن عباس يقول : علم عجز الناس عنه ، وددت أني علمته! قال الخطيب : مراده الضرب المباح الذي كانت العرب تختص به .
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن عبد الله بن حفص قال : خصت العرب بخصال بالكهانة والقيافة والعيافة والنجوم والحساب ، فهدم الإِسلام الكهانة وثبت الباقي بعد ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن القرظي قال : والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء من نجم ولكن يتبعون الكهنة ، وْيتخذون النجوم علة .(4/106)
وأخرج أبو داود والخطيب عن سمرة بن جندب أنه خطب ، فذكر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال « أما بعد فإن ناساً يزعمون أن كسوف الشمس ، وكسوف هذا القمر ، وزوال هذه النجوم عن مواضعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض ، وإنهم قد كذبوا ولكنها آيات من آيات الله يعتبر بها عباده لينظر من يحدث له منهم توبة » .
وأخرج الخطيب عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لا تسألوا عن النجوم ، ولا تفسروا القرآن برأيكم ، ولا تسبوا أحداً من أصحابي ، فإن ذلك الايمان المحض » .
وأخرج ابن مردويه والخطيب عن علي قال « نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم ، وأمرني باسباغ الطهور » .
وأخرج ابن مردويه والمرهبي والخطيب عن أبي هريرة قال « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم » .
وأخرج الخطيب عن عائشة قالت « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم » .
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية والخطيب عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا ذكر أصحابي فامسكوا ، وإذا ذكر القدر فامسكوا ، وإذا ذكر النجوم فامسكوا » .
وأخرج أبو يعلى وابن مردويه والخطيب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أخاف على أمتي خصلتين : تكذيباً بالقدر وتصديقاً بالنجوم ، وفي لفظ : وحذقا بالنجوم » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « من اقتبس علماً من النجوم أقتبس شعبة من السحر ، زاد ما زاد » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة والخطيب عن ابن عباس قال : إن قوماً ما ينظرون في النجوم ويحسبون ابراجاً ، وما أرى الذين يفعلون ذلك من خلاق .
وأخرج الخطيب عن ميمون بن مهران قال : قلت لابن عباس أوصني . قال : أوصيك بتقوى الله وإياك وعلم النجوم فإنه يدعو إلى الكهانة ، وإياك أن تذكر أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بخير فَيُكِبُّكَ الله على وجهك في جهنم فإن الله أظهر بهم هذا الدين ، وإياك والكلام في القدر فإنه ما تكلم فيه اثنان إلا اثماً أو اثم أحدهما .
وأخرج الخطيب في كتاب النجوم بسند ضعفه عن عطاء قال : قيل لعلي بن أبي طالب : هل كان للنجوم أصل؟ قال : نعم ، كان نبي من الأنبياء يقال له يوشع بن نون . فقال له قومه : انا لا نؤمن بك حتى تعلمنا بدء الخلق وآجاله ، فأوحى الله تعالى إلى غمامة فأمطرتهم ، واستنقع على الجبل ماء صافياً ، ثم أوحى الله إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في ذلك الماء ، ثم أوحى إلى يوشع بن نون أن يرتقي هو وقومه على الجبل ، فارتقوا الجبل فقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق وآجاله ، بمجاري الشمس والقمر والنجوم ، وساعات الليل والنهار ، فكان أحدهم يعلم متى يموت ، ومتى يمرض ، ومن ذا الذي يولد له ، ومن ذا الذي لا يولد له .(4/107)
قال : فبقوا كذلك برهة من دهرهم ، ثم إن داود عليه السلام قاتلهم على الكفر ، فأخرجوا إلى داود في القتال من لم يحضر أجله ، ومن حضر أجله خلفوه في بيوتهم ، فكان يقتل من أصحاب داود ولا يقتل من هؤلاء أحد ، فقال داود رب ها أنا أقاتل على طاعتك ويقاتل هؤلاء على معصيتك ، فيقتل أصحابي ولا يقتل من هؤلاء أحد؟! فأوحى الله إليه : أني كنت علمتهم بدء الخلق وآجاله ، وإنما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله ، ومن حضر أجله خلفوه في بيوتهم ، فمن ثم يقتل من أصحابك ولا يقتل منهم أحد .
قال داود : يا رب على ماذا علمتهم؟ قال : على مجاري الشمس والقمر والنجوم ، وساعات الليل والنهار ، فدعا الله فحبست الشمس عليهم ، فزاد في النهار فاختلطت الزيادة بالليل والنهار ، فلم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط عليهم حسابهم . قال علي رضي الله عنه : فمن ثم كره النظر في النجوم .
وأخرج المرهبي في فضل العلم عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : لما فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خيبر دعا بقوسه واتكأ على سيتها ، وحمد الله وذكر ما فتح الله على نبيه ونصره ، ونهى عن خصال عن مهر البغي ، وعن خاتم الذهب ، وعن المياثر الحمر ، وعن لبس الثياب القسي ، وعن ثمن الكلب ، وعن أكل لحوم الحمر الأهلية ، وعن الصرف الذهب بالذهب والفضة بالفضة بينهما فضل ، وعن النظر في النجوم « .
وأخرج المرهبي عن مكحول قال : قال ابن عباس : لا تُعَلِمْ النجوم فانها تدعوا إلى الكهانة .
وأخرج ابن مردويه من طريق الحسن عن العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لقد طهر الله هذه الجزيرة من الشرك ما لم تضلهم النجوم « .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » إن متعلم حروف أبي جاد وراء في النجوم ليس له عند الله خلاق يوم القيامة « .
أما قوله تعالى : { وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة } .
أخرج ابن مردويه عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : » نصب آدم بين يديه ثم ضرب كتفه اليسرى ، فخرجت ذريته من صلبه حتى ملأوا الأرض « .
قوله تعالى : { فمستقر ومستودع } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله { فمستقر ومستودع } قال : المستقر ما كان في الرحم ، والمستودع ما استودع في أصلاب الرجال والدواب .(4/108)
وفي لفظ : المستقر ما في الرحم وعلى ظهر الأرض وبطنها مما هو حي ومما قد مات . وفي لفظ : المستقر ما كان في الأرض ، والمستودع ما كان في الصلب .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله { فمستقر ومستودع } قال : مستقرها في الدنيا ومستودعها في الآخرة .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني عن ابن مسعود قال : المستقر الرحم ، والمستودع المكان الذي تموت فيه .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن مسعود قال : إذا كان أجل الرجل بأرض أتيحت له إليها الحاجة ، فإذا بلغ أقصى أثره قبض . فتقول الأرض يوم القيامة : هذا ما استودعتني .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن وقتادة في قوله { فمستقر ومستودع } قالا : مستقر في القبر ، ومستودع في الدنيا أوشك أن يلحق بصاحبة .
وأخرج أبو الشيخ عن عوف قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أنبئت بكل مستقر ومستودع من هذه الأمة إلى يوم القيامة كما علم آدم الأسماء كلها . »
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : من اشتكى ضرسه فليضع يده عليه وليقرأ { وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة } الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم { فمستقر } بنصب القاف .
وأخرج عبد الرزاق عن سعيد بن جبير قال : قال لي ابن عباس : أتزوجت؟ قلت لا ، وما ذاك في نفسي اليوم . قال : إن كان في صلبك وديعة فستخرج .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { قد فصلنا الآيات } يقول : بينا الأيات { لقوم يفقهون } .(4/109)
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن البراء بن عازب { قنوان دانية } قال : قريبة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { قنوان دانية } قال : قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { قنوان } الكبائس ، والدانية المنصوبة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قنوان دانية } قال : تهدل العذوق من الطلع .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { قنوان } قال : عذوق النخل { دانية } قال : متهدلة ، يعني متدلية .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { مشتبهاً وغير متشابه } قال : مشتبهاً ورقه مختلفاً ثمره .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله { انظروا إلى ثمره إذا أثمر } قال : رطبه وعنبه .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { انظروا إلى ثمره } بنصب الثاء والميم { وينعه } بنصب الياء .
وأخرج أبو الشيخ عن محمد مسعر قال : فرضاً على الناس إذا أخرجت الثمار أن يخرجوا وينظروا إليها . قال الله { انظروا إلى ثمره إذا أثمر } .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء { وينعه } قال : نضجه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { وينعه } قال : نضجه .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { وينعه } قال : نضجه وبلاغه . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :
إذا ما مشت وسط النساء تأوّدت ... كما اهتز عصن ناعم أنبت يانع(4/110)
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم } قال : والله خلقهم { وخرقوا له بنين وبنات بغير علم } قال : تخرصوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وخرقوا له بنين وبنات } قال : عباس في قوله { وخرقوا له بنين وبنات } قال : جعلوا له بنين وبنات .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وخرقوا } قال : كذبوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وخرقوا له بنين وبنات } قال : قالت العرب : الملائكة بنات الله ، وقالت اليهود والنصارى : المسيح وعُزير ابنا الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وخرقوا له بنين وبنات } قال : كذبوا له ، أما اليهود والنصارى فقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وأما مشركو العرب فكانوا يعبدون اللات والعزى فيقولون العزى بنات الله { سبحانه وتعالى عما يصفون } أي عما يكذبون .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { وخرقوا له بنين وبنات } قال : وصفوا لله بنين وبنات افتراء عليه . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت حسان بن ثابت يقول :
اخترق القول بها لاهيا ... مستقبلاً أشعث عذب الكلام
وأخرج أبو الشيخ عن يحيى بن يعمر . أنه كان يقرأها { وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم } خفيفة ، يقول جعلوا لله خلقهم .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن . أنه قرأ { وخلقهم } مثقلة . يقول : هو خلقهم .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في الآية قال : خرقوا ما هو إنما خرقوا خفيفة ، كان الرجل إذا كذب الكذبة فينادي القوم قيل : خرقها .(4/111)
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)
أخرج ابن أبي حاتم والعقيلي وابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { لا تدركه الأبصار } قال « لو أن الإِنس والجن والشياطين والملائكة منذ خُلِقُوا إلى أن فُنُوا صُفُّوا صفاً واحداً ما أحاطوا بالله أبداً . قال الذهبي : هذا حديث منكر » .
وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه واللالكائي في السنة عن ابن عباس قال : رأى محمد ربه . قال عكرمة : فقلت له : أليس الله يقول { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } قال : لا أم لك . ! ذلك نوره وإذا تجلى بنوره لا يدركه شيء . وفي لفظ : إنما ذلك إذا تجلى بكيفيته لم يقم له بصر .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { لا تدركه الأبصار } قال : لا يحيط بصر أحد بالله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عكرمة عن ابن عباس قال « إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه . فقال له رجل عند ذلك : أليس قال الله { لا تدركه الأبصار } فقال له عكرمة : ألست ترى السماء؟ قال : بلى قال : فكلها تُرَى » .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة { لا تدركه الأبصار } قال : هو أجلُّ من ذلك وأعظم أن تدركه الأبصار .
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن الحسن في قوله { لا تدركه الأبصار } قال : في الدنيا . وقال الحسن : يراه أهل الجنة في الجنة ، يقول الله { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } [ القيامة : 22 ] قال : ينظرون إلى وجه الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } يقول : لا يراه شيء وهو يرى الخلائق .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسمعيل بن علية في قوله { لا تدركه الأبصار } قال : هذا في الدنيا .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ واللالكائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي قال : سمعت أبا الحصين يحيى بن الحصين قارىء أهل مكة يقول { لا تدركه الأبصار } قال : أبصار العقول .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { لا تدركه الأبصار } قال : « قالت امرأة : استشفع لي يا رسول الله على ربك قال » هل تدرين على من تستشفعين؟ إنه ملأ كرسيه السموات والأرض ثم جلس عليه ، فما يفضل منه من كل أربع أصابع ، ثم قال : إن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد ، فذلك قوله { لا تدركه الأبصار } ينقطع به بصره قبل أن تبلغ أرجاء السماء زعموا أن أول من يعلم بقيام الساعة الجن ، تذهب فإذا ارجاؤها قد سقطت لا تجد منفذاً تذهب في المشرق والمغرب واليمن والشام « » .(4/112)
قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { قد جاءكم بصائر } أي بينة { فمن أبصر فلنفسه } أي من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه { ومن عمي } أي من ضل { فعليها } الله أعلم . قوله تعالى : { وليقولوا درست } .
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس . أنه كان يقرأ هذا الحرف « دارست » بالألف مجزومة السين منتصبة التاء ، قال : قارأت .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس درست قال : قرأت وتعلمت .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس « دارست » قال : خاصمت جادلت تلوت .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله « وليقولوا دارست » قال : فاقهت ، وقرأت على يهود وقرأوا عليك .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عمرو بن دينار قال : سمعت عبد الله بن الزبير يقول : إن صبياناً ههنا يقرأون { دارست } وإنما هي { درست } يعني بفتح السين وجزم التاء ، ويقرأون { وحرم على قرية } [ الأنبياء : 95 ] وإنما هي { وحرام } ويقرأون { في عين حمئة } وإنما هي { حامية } قال عمرو : وكان ابن عباس يخالفه فيهن كلهن .
وأخرج ابن مردويه والحاكم وصححه عن أبي بن كعب قال : اقرأني رسول الله صلى الله وعليه وسلم { وليقولوا درست } يعني بجزم السين ونصب التاء .
وأخرج أبو الشيخ من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس دارست يقول : قارأت اليهود وفاقهتهم . وفي حرف أُبي « وليقولوا درس » أي تعلم .
وأخرج أبو عبيد وابن جرير عن هرون قال : في حرف أبي بن كعب وابن مسعود { وليقولوا درس } يعني النبي صلى الله عليه وسلم قرأ .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قرأ { درست } قال : علمت .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي إسحق الهمداني قال : في قراءة ابن مسعود { درست } بغير ألف بنصب السين ووقف التاء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن الحسن . أنه كان يقرأ { وليقولوا درست } أي انمحت وذهبت .
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن . أنه كان يقرأ { درست } مشددة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس . أنه كان يقرأ « أدارست » ويتمثل :
دارس كطعم الصاب والعلقم ... وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس { وليقولوا درست } قالوا : قرأت وتعلمت ، تقول ذلك له قريش .
قوله تعالى : { وأعرض عن المشركين } .
أخرج أبو الشيخ عن السدي { وأعرض عن المشركين } قال : كف عنهم ، وهذا منسوخ نسخه القتال { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] .(4/113)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)
أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { ولو شاء الله ما أشركوا } يقول الله تبارك وتعالى : لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وما أنت عليهم بوكيل } أي بحفيظ .(4/114)
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله . . . } الآية . قال : قالوا : يا محمد لتنتهين عن سبِّ أو شتم آلهتنا أو لَنَهْجُوَنَّ ربَّك . فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم { فيسبوا الله عدواً بغير علم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال « لما حضر أبا طالب الموت قالت قريش : انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنأمره أن ينهي عنا ابن أخيه ، فانا نستحي أن نقتله بعد موته ، فتقول العرب : كان يمنعه . فلما مات قتلوه ، فانطلق أبو سفيان ، وأبو جهل ، والنضر بن الحارث ، وأمية وأبي ابنا خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعمرو بن العاصي ، والأسود بن البختري ، وبعثوا رجلاً منهم يقال له المطلب ، فقالوا : استأذن لنا علي بن أبي طالب ، فأتى أبا طالب فقال : هؤلاء مشيخة قومك يريدون الدخول عليك؟ فأذن لهم عليه فدخلوا ، فقالوا : يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا ، وأن محمداً قد آذانا وآذى آلهتنا ، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ولندعه وإلهه ، فدعا فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبو طالب : هؤلاء قومك وبنو عمك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ما يريدون؟ قالوا : نريد أن تدعنا وآلهتنا ولندعك وإلهك . قال النبي صلى الله عليه وسلم : أرأيتم أن أعطيتكم هذا هل أنتم معطيّ كلمة إن تكلمتم بها ملكتم بها العرب ودانت لكم بها العجم الخراج؟ قال أبو جهل : وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها فما هي؟! قال : قولوا : لا إله إلا الله فأبوا واشمأزوا . قال أبو طالب : قل غيرها فإن قومك قد فزعوا منها . قال : يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها حتى يأتوا بالشمس فيضعوها في يدي ، ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها إرادة أن يؤيسهم ، فغضبوا وقالوا : لتكفن عن شتم آلهتنا أو لنشتمك ونشتم من يأمرك ، فأنزل الله { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم } « » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال : كان المسلمون يسبون أصنام الكفار ، فيسب الكفار الله ، فأنزل الله { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله } .
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم في قوله { كذلك زينا لكل أمة عملهم } قال : زين الله لكل أمة عملهم الذي يعملون به حتى يموتوا عليه .(4/115)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : أنزلت في قريش { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم } يا معشر المسلمين { أنها إذا جاءت لا يؤمنون } إلا إن يشاء الله فيجبرهم على الإِسلام .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال « كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فقالوا : يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصاً يضرب بها الحجر ، وأن عيسى كان يُحيي الموتى ، وأن ثمود كان لهم ناقة ، فأتنا من الآيات حتى نصدقك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي شيء تحبون أن آتيكم به؟ قالوا : تجعل لنا الصفا ذهباً . قال : فإن فعلت تصدقوني؟ قالوا : نعم . والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ، فجاءه جبريل فقال له : إن شئت أصبح ذهباً . فإن لم يصدقوا عند ذلك لنعذبنهم ، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم؟ فقال : بلى يتوب تائبهم . فأنزل الله { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } إلى قوله { يجهلون } » .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية } في المستهزئين هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية ، فنزل فيهم { وأقسموا بالله } حتى { ولكن أكثرهم يجهلون } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : القسم يمين ، ثم قرأ { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : القسم يمين .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها } قال : سألت قريش محمداً صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية فاستحلفهم ليؤمنن بها { قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم } قال : ما يدريكم ، ثم أوجب عليه أنهم لا يؤمنون { ونقلب أفئدتهم } قال : نحول بينهم وبين الأيمان لو جاءتهم كل آية كما حلنا بينهم وبينه أول مرة { ونذرهم في طغيانهم يعمهون } قال : يترددون .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ من وجه آخر عن مجاهد في قوله { وما يشعركم } قال : وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت ، ثم استقبل يخبر فقال : أنها إذا جاءت لا يؤمنون .
وأخرج أبو الشيخ عن النضر بن شميل قال : سأل رجل الخليل بن أحمد عن قوله { وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون } فقال : إنها لعلها ألا ترى أنك تقول : اذهب إنك تأتينا بكذا وكذا ، يقول : لعلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة } قال : لما جحد المشركون ما أنزل الله لم تثبت قلوبهم على شيء ، وردت عن كل أمر .(4/116)
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { ونقلب أفئدتهم . . . } الآية . قال : جاءهم محمد بالبينات فلم يؤمنوا به ، فقلبنا أبصارهم وأفئدتهم ولو جاءتهم كل آية مثل ذلك لم يؤمنوا إلا أن يشاء الله .
وأخرج ابن المبارك وأحمد في الزهد وابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإِيمان وابن عسكر عن أم الدرداء . أن أبا الدرداء لما احتضر جعل يقول : من يعمل لمثل يومي هذا : من يعمل لمثل ساعتي هذه ، من يعمل لمثل مضجعي هذا ، ثم يقول { ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون } ثم يغمى عليه ، ثم يفيق فيقولها حتى قبض .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً } قال : معاينة { ما كانوا ليؤمنوا } أي أهل الشقاء { إلا أن يشاء الله } أي أهل السعادة الذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإِيمان .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة { وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً } أي فعاينوا ذلك معاينة .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد { وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً } قال : أفواجاً قبيلاً .(4/117)
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)
أخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإِنس . قال : يا نبي الله وهل للإِنس شياطين؟ قال : نعم { شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً } ؟ » .
وأخرج أحمد وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم « تعوذ شياطين الانس والجن . قلت : يا رسول الله وللانس شياطين؟ قال : نعم » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوّاً شياطين الإنس والجن } قال : إن للجن شياطين يضلونهم مثل شياطين الإِنس يضلونهم ، فيلتقي شيطان الإِنس وشيطان الجن فيقول هذا لهذا : أضلله بكذا وأضلله بكذا . فهو قوله { يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً } وقال ابن عباس : الجن هم الجان وليسوا بشياطين ، والشياطين ولد إبليس وهم لا يموتون إلا مع إبليس ، والجن يموتون فمنهمم المؤمن ومنهم الكافر .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود قال : الكهنة هم شياطين الإِنس .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يوحي بعضهم إلى بعض } قال : شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإِنس ، فإن الله تعالى يقول { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } [ الأنعام : 121 ] .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة في قوله { شياطين الإِنس والجن } قال : من الإِنس شياطين ومن الجن شياطين . { يوحي بعضهم إلى بعض } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { زخرف القول غروراً } يقول : بوراً من القول .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { زخرف القول غروراً } يقول : بوراً من القول .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { زخرف القول غروراً } قال : يحسن بعضهم لبعض القول ليتبعوهم في فتنتهمم .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو نصر السجزي في الابانة وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال : شياطين الجن يوحون إلى شياطين الانس كفار الإِنس { زخرف القول غروراً } قال : تزيين الباطل بالألسنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { زخرف القول } قال : زخرفوه وزينوه { غروراً } قال : يغرون به الناس والجن .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد في الآية قال : الزخرف المزين حيث زين لهم هذا الغرور كما زين إبليس لآدم ما جاء به ، وقاسمه إنه لمن الناصحين .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ولتصغى } لتميل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس { ولتصغى إليه أفئدة } قال : تزيغ { وليقترفوا } قال : ليكتسبوا .(4/118)
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة } قال : لتميل إليه قلوب الكفار { وليرضوه } قال : يحبوه { وليقرفوا ما هم مقترفون } يقول : ليعملوا ما هم عاملون .
وأخرج الطستي وابن الأنباري عن ابن عباس أن نافر بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى { زخرف القول غروراً } قال : باطل القول غروراً قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت أوس بن حجر وهو يقول :
لم يغروكم غروراً ولكن ... يرفع الال جمعكم والدهاء
وقال زهير بن أبي سلمى :
فلا يغرنك دنيا ان سمعت بها ... عند امرىء سروه في الناس مغرور
قال : فأخبرني عن قوله { ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون } ما تصغي؟ قال : ولتميل إليه . قال فيه الفطامي :
وإذا سمعن هما هما رفقة ... ومن النجوم غوابر لم تخفق
أصغت إليه هجائن بخدودها ... آذانهن إلى الحداة السوّق
قال : أخبرني عن قوله { وليقترفوا ما هم مقترفون } قال : ليكتسبوا ما هم مكتسبون فإنهم يوم القيامة يجازون بأعمالهم . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول :
وإني لآتي ما أتيت وإنني ... لما اقترفت نفسي عليّ لراهب(4/119)
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)
أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً } قال : مبيناً
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مالك بن أنس عن ربيعة قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل الكتاب وترك فيه موضعاً للسنة ، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك فيها موضعاً للرأي .(4/120)
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً } قال : صدقاً فيما وعد ، وعدلاً فيما حكم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نصر السجزي في الابانة عن محمد بن كعب القرظي في قوله { لا مبدل لكلماته } قال : لا تبديل لشيء . قاله في الدنيا والآخرة ، كقوله { ما يبدل القول لدي } [ سورة ق : 29 ] .
وأخرج ابن مردويه عن أبي اليمان جابر بن عبد الله قال « دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم فتح مكة ومعه مخصرة ولكل قوم صنم يعبدونه ، فنجعل يأتيها صنماً صنماً ويطعن في صدر الصنم بعصا ثم يعقره ، كلما صرع صنماً أتبعه الناس ضرباً بالفؤوس حتى يكسرونه ويطرحونه خارجاً من المسجد ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول { وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم } » .
وأخرج ابن مردويه وابن النجار عن أنس بن مالك « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً } قال » لا إله إلا الله « » .
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال « كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوّذُ الحسن والحسين رضي الله عنهما : أعيذكما بكلمات الله التامة من شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة ، ثم يقول : كان أبوكم إبراهيم يعوّذ بها إسمعيل وإسحق » .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن خولة بن حكيم « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من نزل منزلاً فقال : أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق ، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك » .
وأخرج مسلم والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال : « جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال » يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة؟ قال : أما إنك لو قلت حيث أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم تضرك « » .
وأخرج أبو داود والنسائي وابن أبي الدنيا والبيهقي عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند مضجعه « اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ بناصيته اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم ، اللهم لا يهزم جندك ، ولا يخلف وعدك ، ولا ينفع ذا الجد من الجد ، سبحانك وبحمدك » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن محمد بن يحيى بن حبان « ان الوليد بن الوليد شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرق حديث النفس بالليل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أويت إلى فراشك فقل : أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ، ومن شر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ، فإنه لن يضرك وحريٌّ أن لا يقربك » .(4/121)
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي التياح قال : قال رجل لعبد الرحمن بن خنبش : كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كادته الشياطين؟ قال : نعم ، تحدرت الشياطين من الجبال والأودية يريدون رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزع منهم ، وجاءه جبريل فقال : يا محمد قل . قال : ما أقول؟ قال : قل « أعوذ بكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وبرأ وذرأ ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ، ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ، ومن شر فتن الليل والنهار ، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن . قال : فطفئت نار الشياطين وهزمهم الله عز وجل » .
وأخرج النسائي والبيهقي عن ابن مسعود قال : لما كان ليلة الجن أقبل عفريت من الجن في يده شعلة من نار ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن ، فلا يزداد إلا قرباً فقال له جبريل : أَلاَ أعلمك كلمات تقولهن ينكب منها لفيه وتطفأ شعلته؟ قل « أعوذ بوجه الله الكريم ، وكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يهرج فيها ، ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ، ومن شر فتن الليل والنهار ، ومن شر طوارق الليل ، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن . فقالها فانكب لفيه وطفئت شعلته » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مكحول « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة تلقته الجن بالشرر يرمونه ، فقال جبريل : تعوّذ يا محمد . فتعوّذ بهؤلاء فدحروا عنه فقال : أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما نزل من السماء وما يعرج منها ، ومن شر ما بث في الأرض وما يخرج منها ، ومن شر الليل والنهار ، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن » .(4/122)
فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)
أخرج أبو داود والترمذي وحسنه والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : أنأكل مما قتلنا ولا نأكل مما يقتل الله؟ فأنزل الله { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين } إلى قوله { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه } فإنه حلال { إن كنتم بآياته مؤمنين } يعني بالقرآن مصدقين { وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه } يعني الذبائح { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } يعني ما حرم عليكم من الميتة { وإن كثيراً } من مشركي العرب { ليضلون بأهوائهم بغير علم } يعني في أمر الذبائح وغيره { إن ربك هو أعلم بالمعتدين } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وقد فصل لكم } يقول : بين لكم { ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } أي من الميتة والدم ولحم الخنزير .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { وقد فصل لكم } مثقلة بنصب الفاء { ما حرم عليكم } برفع الحاء وكسر الراء { وإن كثيراً ليضلون } برفع الياء .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس { وذروا ظاهر الإثم } قال : هو نكاح الأمهات والبنات { وباطنه } قال : هو الزنا .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وذروا ظاهر الإثم وباطنه } قال : الظاهر منه { لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } [ النساء : 22 ] و { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم } [ النساء : 23 ] الآية ، والباطن الزنا .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وذروا ظاهر الإثم وباطنه } قال : علانيته وسره .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وذروا ظاهر الإثم وباطنه } قال : ما يحدث به الإنسان نفسه مما هو عامله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله { وذروا ظاهر الإثم وباطنه } قال : نهى الله عن ظاهر الاثم وباطنه أن يعمل به .(4/123)
وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : المشركون . وفي لفظ قالت اليهود : لا تأكلون مما قتل الله وتأكلون مما قتلتم أنتم ، فأنزل الله { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك قال : قال المشركون لأصحاب محمد : هذا الذي تذبحون أنتم تأكلونه ، فهذا الذي يموت من قتله؟ قالوا : الله . . . قالوا : فما قتل الله تحرمونه وما قتلتم أنتم تحلونه؟ فأنزل الله { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم عليه وإنه لفسق } . الآية .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } أرسلت فارس إلى قريش أن خاصموا محمداً . فقالوا له : ما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال ، وما ذبح الله بمسمار من ذهب يعني الميته فهو حرام ، فنزلت هذه الآية { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } قال : الشياطين من فارس وأوليائهم من قريش .
وأخرج أبو داود في ناسخه عن عكرمة « أن المشركين ليجادلوكم » قال : الشياطين من فارس وأولياؤهم قريش .
وأخرج أبو داود في ناسخه عن عكرمة « أن المشركين دخلوا على نبي الله صلى الله عليه وسلم قالوا : أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها؟ قال : الله قتلها . قالوا : فتزعم أن ما قَتَلْتَ أنت وأصحابك حلال ، وما قتله الله حرام؟ فأنزل الله { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } يعني الميتة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : يوحي الشياطين إلى أوليائهم من المشركين أن يقولوا تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله؟ فقال : إن الذي قتلتم يذكر اسم الله عليه ، وإن الذي مات لم يذكر اسم الله عليه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال » قالوا : يا محمد أما ما قتلتم وذبحتم فتأكلونه ، وأما ما قتل ربكم فتحرمونه؟ فأنزل الله { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم } في كل ما نهيتكم عن أنكم إذاً لمشركون « .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة قال : عمد عدو الله إبليس إلى أوليائه من أهل الضلالة فقال لهم : خاصموا أصحاب محمد في الميتة فقولوا : أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون ، وأما ما قتل الله فلا تأكلون ، وأنتم زعمتم أنكم تتبعون أمر الله؟ فأنزل الله { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } وأنا والله ما نعلمه كان شركاً قط إلا في إحدى ثلاث : أن يدعى مع الله إلهاً آخر ، أو يسجد لغير الله ، أو تسمى الذبائح لغير الله .(4/124)
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } قال : إبليس أوحى إلى مشركي قريش .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال : من ذبح فنسي أن يسمي فليذكر اسم الله عليه وليأكل ولا يدعه للشيطان إذا ذبح على الفطرة ، فإن اسم الله في قلب كل مسلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك . في الرجل يذبح وينسى أن يسمي قال : لا بأس به . قيل : فأين قوله { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } قال : إنما ذبحت بدينك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } قال : نهى عن ذبائح كانت تذبحها قريش على الأوثان ، وينهى عن ذبائح المجوس .
وأخرج عبد بن حميد عن راشد بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ذبيحة المسلم حلال سمى أو لم يسم ما لم يتعمد ، والصيد كذلك » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عروة قال : « كان قوم أسلموا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقدموا بلحم إلى المدينة يبيعونه ، فتحنثت أنفس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منه ، وقالوا : لعلهم لم يسموا . فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال » سموا أنتم وكلوا « » .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : إذا ذبح المسلم ونسي أن يذكر اسم الله فليأكل ، فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله .
وأخرج ابن عدي والبيهقي وضعَّفه عن أبي هريرة قال : « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت لرجل من يذبح وينسى أن يسمي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم م » اسم الله على كل مسلم « » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن طاوس قال : مع المسلم ذكر الله ، فإن ذبح ونسي أن يسمي فليسم وليأكل ، فإن المجوسي لو سمى الله على ذبيحته لم تؤكل .
وأخرج أبو داود والبيهقي في سننه وابن مردويه عن ابن عباس { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } فنسخ واستثنى من ذلك فقال { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم }(4/125)
[ المائدة : 5 ] .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال : كلوا ذبائح المسلمين وأهل الكتاب مما ذكر اسم الله عليه .
وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين . في الرجل يذبح وينسى أن يسمي . قال : لا يأكل .
وأخرج النحاس عن الشعبي قال : لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « قال إبليس : يا رب كل خلقك بينت رزقه ففيم رزقي؟ قال : فيما لم يذكر اسمي عليه » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن معمر قال : بلغني أن رجلاً سأل ابن عمر عن ذبيحة اليهودي والنصراني؟ فتلا عليه { أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب } [ المائدة : 5 ] وتلا { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } وتلا عليه { وما أهلَّ به لغير الله } [ البقرة : 173 ] قال : فجعل الرجل يردد عليه فقال ابن عمر : لعن الله اليهود والنصارى وكفرة الأعراب فان هذا وأصحابه يسألوني ، فإذا لم أوافقهم انشأوا يخاصموني .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال : أنزل الله في القرآن { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } ثم نسخها الرب عز وجل ورحم المسلمين { اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } [ المائدة : 5 ] فنسخها بذلك وأحل طعام أهل الكتاب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وإن أطعتموهم } يعني في أكل الميتة استحلالاً { إنكم لمشركون } مثلهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه سئل عن قوله { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } فقيل تزعم الخوارج إنها في الأمراء؟ قال : كذبوا إنما أنزلت هذه الآية في المشركين ، كانوا يخاصمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون : أما ما قتل الله فلا تأكلوا منه يعني الميتة وأما ما قلتم أنتم فتأكلون منه . فأنزل الله { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } إلى قوله { إنكم لمشركون } قال : لئن أكلتم الميتة وأطعتموهم إنكم لمشركون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قيل له : أن المختار يزعم أنه يوحى إليه قال : صدق { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي زميل قال : كنت قاعداً عند ابن عباس وحج المختار بن أبي عبيد ، فجاء رجل فقال : يا أبا عباس زعم أبو إسحق أنه أوحي إليه الليلة؟ فقال ابن عباس : صدق . فنفرت وقلت : يقول ابن عباس صدق . . . ! فقال ابن عباس : هما وحيان ، وحي الله ووحي الشيطان ، فَوَحَى الله إلى محمد وَوَحَى الشيطانُ إلى أوليائه ، ثم قرأ { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } .(4/126)
أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { أو من كان ميتاً فأحييناه } قال : كان كافراً ضالاً فهديناه { وجعلنا له نوراً } هو القرآن { كمن مثله في الظلمات } الكفر والظلالة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { أو من كان ميتاً } قال : ضالاً { فأحييناه } فهديناه { وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس } قال : هدى { كمن مثله في الظلمات } قال : في الضلالة أبداً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله { أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس } قال : نزلت في عمار بن ياسر .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس } قال : عمر بن الخطاب { كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } يعني أبا جهل بن هشام .
وأخرج ابن المنذر وابي أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم في قوله { أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به الناس كمن مثله في الظلمات } قال : أنزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل بن هشام ، كانا ميتين في ضلالتهما فأحيا الله عمر بالإِسلام وأعزه وأقر أبا جهل في ضلالته وموته ، وذلك أن رسول الله صلى عليه وسلم دعا فقال : « اللهم أعز الإِسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { أومن كان ميتاً فأحييناه } قال : عمر بن الخطاب رضي الله عنه { كمن مثله في الظلمات } قال : أبو جهل بن هشام .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي سنان { أومن كان ميتاً فأحييناه } قال : نزلت في عمر بن الخطاب .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس } قال : هذا المؤمن معه من الله بينة ، وبها يعمل وبها يأخذ وإليها ينتهي وهو كتاب الله { كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } قال : مثل الكافر في ضلالته متحير فيها متسكع فيها لا يجد منها مخرجاً ولا منفذاً .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس { وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس } قال : القرآن .(4/127)
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)
أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها } قال : نزلت في المستهزئين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها } قال : سلطنا شرارها فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { أكابر مجرميها } قال : عظماؤها .(4/128)
وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)
أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج { وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتيَ رسل الله } وذلك أنهم قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم حين دعاهم إلى ما دعاهم إليه من الحق : لو كان هذا حقاً لكان فينا من هو أحق أن يأتي به من محمد { وقالوا : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] .
أما قوله تعالى : { الله أعلم حيث يجعل رسالاته } .
أخرج أحمد عن ابن مسعود قال : إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه ، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن أبي حسن قال : أبصر رجل ابن عباس وهو يدخل من باب المسجد ، فلما نظر إليه راعه فقال : من هذا؟ قالوا : ابن عباس ابن عم رسول الله . قال { الله أعلم حيث يجعل رسالاته } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { سيصيب الذين أجرموا } قال : أشركوا { صغار } قال : هوان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { صغار } قال : ذلة .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { بما كانوا يمكرون } قال : بدين الله ونبيه وعباده المؤمنين .(4/129)
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)
أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي جعفر المدائني رجل من بني هاشم وليس هو محمد بن علي قال : « سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أكيس؟ قال : » أكثرهم ذكراً للموت وأحسنهم لما بعده استعداداً . قال : وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام } قالوا : كيف يشرح صدره يا رسول الله؟ قال : نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح له . قالوا فهل لذلك من إمارة يعرف بها؟ قال : الإِنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت « » .
وأخرج عبد بن حميد عن الفضيل « أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت قول الله { من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام } فكيف الشرح؟ قال : إذا أراد الله بعبد خيراً قذف في قلبه النور فانفسح لذلك صدره ، فقال : يا رسول الله هل لذلك من آية يعرف بها؟ قال : نعم . قال : فما آية ذلك؟ قال : التجافي عن دار الغرور ، والإِنابة إلى دار الخلود ، وحسن الإِستعداد للموت قبل نزول الموت » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذكر الموت عن الحسن قال : « لما نزلت هذه الآية { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام } قام رجل إلى رسول الله صلى الله وسلم فقال : هل لهذه الآية علم تعرف به؟ قال » نعم ، الإِنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل أن ينزل « » .
وأخرج ابن شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } قال « إذا أدخل الله النورَ القلبَ انشرحَ وانفسحَ . قالوا : فهل لذلك من آية يعرف بها؟ قال : الإِنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والإِستعداد للموت قبل نزول الموت » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : قال رجل : « يا رسول الله أي المؤمنين أكيس؟ قال » أكثرهم للموت ذكراً ، وأحسنهم له استعداداً . ثم تلا رسول الله صلى الله وعليه وسلم { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام } قلت : وكيف يشرح صدره للإِسلام؟ قال : هو نور يقذف فيه ، إن النور إذا وقع في القلب انشرح له الصدر وانفسح . قالوا : يا رسول الله هل لذلك من علامة يعرف بها؟ قال : نعم ، الإِنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والإِستعداد للموت قبل الموت . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئس القوم لا يقومون لله بالقسط ، بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط « » .(4/130)
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن المسور وكان من ولد جعفر بن أبي طالب قال : « تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام } قالوا : يا رسول الله ما هو هذا الشرح؟ قال : نور يقذف به في القلب ينفسح له القلب . قالوا : فهل لذلك من إمارة يعرف بها؟ قال : نعم ، الإِنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور والإِستعداد للموت قبل الموت » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام } يقول يوسع قلبه للتوحيد والإِيمان به { ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً } يقول : شاكاً { كأنما يصّعَّد في السماء } يقول : كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء فكذلك لا يقدر على أن يدخل التوحيد والإِيمان قلبه حتى يدخله الله في قلبه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي الصلت الثقفي . أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية { ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً } بنصب الراء ، وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول الله { حرجاً } بالخفض . فقال عمر : أبغوني رجلاً من كنانة وأجعلوه راعياً ، ولكن مدلجيا . فأتوه به فقال له عمر : يا فتى ما الحرجة فيكم؟ قال : الحرجة فينا : الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء . فقال عمر : كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم . أنه قرأ { ضيقاً حرجاً } بكسر الراء .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة { ضيقاً حرجاً } أي ملتبساً .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج { ضيقاً حرجاً } أي بلا إله إلا الله لا يستطيع أن يدخلها في صدره ، لا يجد لها في صدره مساغاً .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد { كأنما يصعد في السماء } من شدة ذلك عليه .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً } يقول : من أراد الله أن يضله يضيق عليه حتى يجعل الإِسلام عليه ضيقاً والإِسلام واسع ، وذلك حين يقول : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } [ الحج : 78 ] يقول : ما في الإِسلام من ضيق .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء الخرساني في قوله { يجعل صدره ضيقاً حرجاً } قال : ليس للخير فيه منفذ { كأنما يصعد في السماء } يقول : مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { كذلك يجعل الله الرجس } قال : الرجس ما لا خير فيه .(4/131)
وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فصلنا الآيات } قال : بينا الآيات . وفي قوله { لهم دار السلام } قال : الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن زيد قال : السلام : هو الله .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي { لهم دار السلام } قال : الله هو السلام ، وداره الجنة .(4/132)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { قد استكثرتم من الإِنس } يقول : في ضلالتكم إياهم ، يعني أضللتم منهم كثيراً . وفي قوله { قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله } قال : إن هذه الآية لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه لا ينزلهم جنة ولا ناراً .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله { يا معشر الجن قد استكثرتم من الإِنس } قال : استكثرتم ربكم أهل النار يوم القيامة { وقال أولياؤهم من الإِنس ربنا استمتع بعضنا ببعض } قال الحسن : وما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن القيامة { وقال أولياؤهم من الإِنس ربنا استمتع بعضنا ببعض } قال الحسن : وما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن الجن أمرت وعملت الإِنس .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله { ربنا استمتع بعضنا ببعض } قال : الصحابة في الدنيا { وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } قال : الموت .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله { ربنا استمتع بعضنا ببعض } قال : كان الرجل في الجاهلية ينزل بالأرض فيقول : أعوذ بكبير هذا الوادي . فذلك استمتاعهم فاعتذروا به يوم القيامة { وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } قال : الموت .(4/133)
وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً } قال : ظالمي الجن وظالمي الإِنس ، وقرأ { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين } [ الزخرف : 36 ] قال : ونسلط ظلمة الجن على ظلمة الإِنس .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً } قال : يولي الله بعض الظالمين بعضاً في الدنيا ، يتبع بعضهم بعضاً في النار .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً } قال : إنما يولي الله بين الناس بأعمالهم فالمؤمن ولي المؤمن من أين كان وحيثما كان ، والكافر ولي الكافر من أين كان وحيثما كان ، ليس الإيمان بالله بالتمني ولا بالتحلي ، ولعمري لو عملت بطاعة الله ولم تعرف أهل طاعة الله ما ضرك ذلك ، ولو عملت بمعصية الله وتوليت أهل طاعة الله ما نفعك ذلك شيئاً .
وأخرج أبو الشيخ عن منصور بن أبي الأسود قال : سألت الأعمش عن قوله { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً } ، ما سمعتهم يقولون فيه؟ قال : سمعتهم يقولون إذا فسد الناس أُمِّرَ عليهم شرارهم .
وأخرج ابن أبي حاتم أبو الشيخ من مالك بن دينار قال : قرأت في الزبور : إني أنتقم من المنافق بالمنافق ، ثم أنتقم من المنافقين جميعاً ، وذلك في كتاب الله قول الله { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون } .
وأخرج الحاكم في التاريخ والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق يحيى بن هاشم ، ثنا يونس بن أبي إسحق عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كما تكونون كذلك يؤمر عليكم » قال البيهقي : هذا منقطع ويحيى ضعيف .
وأخرج البيهقي عن كعب الأحبار قال : إن لكل زمان ملكاً يبعثه الله على نحو قلوب أهله ، فإذا أراد صلاحهم بعث عليهم مصلحاً ، وإذا أراد هلكتهم بعث عليهم مترفهم .
وأخرج البيهقي عن الحسن أن بني إسرائيل سألوا موسى فقالوا : سل لنا ربك يبين لنا علم رضاه عنا وعلم سخطه ، فسأله فقال : يا موسى أنبئهم إن رضاي عنهم أن استعمل عليهم خيارهم ، وأن سخطي عليهم أن استعمل عليهم شرارهم .
وأخرج البيهقي من طريق عبد الملك بن قريب الأصمعي ، ثنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال : حدثت أن موسى أو عيسى قال : يا رب ما علامة رضاك عن خلقك؟ قال : أن أنزل عليهم الغيث إبان زرعهم وأحبسه إبان حصادهم ، واجعل أمورهم إلى حلمائهم ، وفيئهم في أيدي سمحائهم . قال : يا رب فما علامة السخط؟ قال : أن أنزل عليهم الغيث إبان حصادهم وأحبسه إبان زرعهم ، واجعل أمورهم إلى سفهائهم ، وفيئهم في أيدي بخلائهم . والله تعالى أعلم .(4/134)
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { يا معشر الجن والإِنس ألم يأتكم رسل منكم } قال : ليس في الجن رسل إنما الرسل في الإِنس والنذارة في الجن ، وقرأ { فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين } [ الأحقاف : 29 ] .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { رسل منكم } قال : رسل الرسل { ولوا إلى قومهم منذرين } [ الأحقاف : 29 ] .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك . أنه سئل عن الجن هل كان فيهم نبي قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ألم تسمع إلى قول الله { يا معشر الجن والإِنس ألم يأتكم رسل منكم } يعني بذلك أن رسلاً من الإِنس ورسلاً من الجن { قالوا بلى } .(4/135)
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133)
أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة عن الضحاك قال : الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون .
وأخرج ابن المنذر عن ليث قال : بلغني أن الجن ليس لهم ثواب .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ليث بن أبي سليم قال : مسلمو الجن لا يدخلون الجنة ولا النار ، وذلك أن الله أخرج أباهم من الجنة فلا يعيده ولا يعيد ولده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن أبي ليلى قال : للجن ثواب ، وتصديق ذلك في كتاب الله { ولكل درجات مما عملوا } .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه . مثله .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : الخلق أربعة : فخلق في الجنة كلهم ، وخلق في النار كلهم ، وخلقان في الجنة والنار . فأما الذين في الجنة كلهم فالملائكة ، وأما الذين في النار كلهم فالشياطين ، وأما الذين في الجنة والنار فالجن والإِنس ، لهم الثواب وعليهم العقاب .
وأخرج الحكيم والترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني والحاكم واللالكلائي في السنة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ثعلبة الخشني . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « الجن على ثلاثة أصناف : صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال : الجن ولد إبليس ، والإِنس ولد آدم ، ومن هؤلاء مؤمنون ومن هؤلاء مؤمنون ، وهم شركاؤهم في الثواب والعقاب ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمناً فهو ولي الله ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافراً فهو شيطان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن أنعم قال : الجن ثلاثة أصناف : صنف لهم الثواب وعليهم العقاب ، وصنف طيارون فيما بين السماء والأرض ، وصنف حيات وكلاب . والإِنس ثلاثة أصناف : صنف يظلهم الله بظل عرشه يوم القيامة ، وصنف هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ، وصنف في صور الناس على قلوب الشياطين .
وأخرج ابن جرير عن وهب بن منبه . أنه سئل عن الجن هل يأكلون ويشربون ويموتون ويتناكحون؟ فقال : هم أجناس ، فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون ، ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون ، وهي هذه التي منها السعالي والغول وأشباه ذلك .
وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن جابر قال : ما من أهل بيت من المسلمين إلا وفي سقف بيتهم أهل بيت من الجن من المسلمين ، إذا وضع غداؤهم نزلوا فتغدوا معهم ، وإذا وضع عشاؤهم نزلوا فتعشوا معهم .
قوله تعالى : { كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين } .
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : الذرية الأصل ، والذرية النسل .(4/136)
إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأمل وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري قال : اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر ، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر ، إن أسامة لطويل الأمل . . . ! والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي وطننت أن شفري يلتقيان حتى أقبض ، ولا رفعت طرفي وظننت إني واضعة حتى أقبض ، ولا لقمت لقمة فظننت أني أسيغها حتى أغص بالموت . يا بني آدم إن كنتم تعقلون فَعِدُوا أنفسكم في الموتى ، والذي نفسي بيده { إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين } .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { وما أنتم بمعجزين } قال : بسابقين .(4/137)
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { على مكانتكم } قال : على ناحيتكم .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي مالك { على مكانتكم } يعني على جديلتكم وناحيتكم .(4/138)
وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { وجعلوا لله مما ذرأ } الآية . قال : جعلوا لله من ثمارهم ومائهم نصيباً وللشيطان والأوثان نصيباً ، فأن سقط من ثمرة ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه ، وإن سقط مما جعلوا للشيطان في نصيب الله ردوه إلى نصيب الشيطان ، فإن انفجر من سقى ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه ، وإن انفجر من سقى ما جعلوا للشيطان في نصيب الله سرحوه ، فهذا ما جعل لله من الحرث وسقي الماء ، وأما ما جعلوه للشيطان من الأنعام فهو قول الله { ما جعل الله من بحيرة } [ المائدة : 103 ] الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً } الآية . قال : كانوا إذا احترثوا حرثاً أو كانت لهم ثمرة جعلوا لله منه جزأ وجزأ للوثن ، فما كان من حرث أو ثمرة ، أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه ، فإن سقط منه شيء مما سمي للصمد ردوه إلى ما جعلوه للوثن ، وإن سبقهم الماء الذي جعلوه للوثن فسقي شيئاً مما جعلوه لله جعلوه للوثن وإن سقط شيء من الحرث والثمرة الذي جعلوه لله فاختلط بالذي جعلوه للوثن قالوا : هذا فقير ولم يردوه إلى ما جعلوا لله ، وإن سبقهم الماء الذي سموا لله فسقي ما سموا للوثن تركوه للوثن ، وكانوا يحرمون من أنعامهم البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحامي ، فيجعلونه للأوثان ويزعمون أنهم يحرمونه لله .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث } قال : يسمون لله جزأ من الحرث ، ولشركائهم وأوثانهم جزأ فما ذهبت به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم وتركوه وقالوا : إن الله عن هذا غني ، وما ذهبت به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه ، والأنعام التي سموا لله : البحيرة والسائبة .(4/139)
وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم } قال : زينوا لهم من قتل أولادهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم } قال : شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خيفة العيلة .(4/140)
وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر } قال : الحجر ما حرموا من الوصيلة ، وتحريم ما حرموا .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر } قال : ما جعلوا لله ولشركائهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة { وحرث حجر } قال : حرام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر } قال : إنما احتجروا ذلك الحرث لآلهتهم . وفي قوله { لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم } قالوا : يحتجرها عن النساء ويجعلها للرجال ، وقالوا : إن شئنا جعلنا للبنات فيه نصيباً وإن شئنا لم نجعل ، وهذا أمر افتروه على الله .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم } يقولون : حرام أن نطعم إلا من شئنا { وأنعام حرمت ظهورها } قال : البحيرة والسائبة والحامي { وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها } قال : لا يذكرون اسم الله عليها إذا ولدوها ولا إن نحروها .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وائل في قوله { وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها } قال : لم يكن يحج عليها وهي البحيرة .
وأخرج أبو الشيخ عن أبان بن عثمان . أنه قرأها { هذه أنعام وحرث حجر } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس . أنه كان يقرأها « وحرث حرج » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن الزبير أنه قرأ « أنعام وحرث حرج » .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { بزعمهم } بنصب الزاي فيهما .
وأخرج أبو عبيد وابن الأنباري في المصاحف عن هرون قال : في قراءة عبد الله « هذه أنعام وحرث حرج » .
وأخرج ابن الأنباري عن الحسن أنه كان يقرأ « وحرث حجر » بضم الحاء .(4/141)
وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139)
أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا } قال : اللبن .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا } قال : السائبة والبحيرة { ومحرم على أزواجنا } قال : النساء { سيجزيهم وصفهم } قال : قولهم الكذب في ذلك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا } قال : ألبان البحائر كانت للذكور دون النساء ، وإن كانت ميتة اشترك فيها ذكرهم وأنثاهم { سيجزيهم وصفهم } أي كذبهم .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا } قال : كانت الشاة إذا ولدت ذكراً ذبحوه فكان للرجال دون النساء ، وإن كانت أنثى تركوها فلم تذبح ، وإن كانت ميتة كانوا فيه شركاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { وقالوا ما في بطون هذه الأنعام } الآية قال : اللبن كانوا يحرمونه على إناثهم ويشربونه ذكرانهم ، كانت الشاة إذا ولدت ذكراً ذبحوه فكان للرجال دون النساء ، وإن كانت أنثى تركت فلم تذبح ، وإن كانت ميتة فهم شركاء .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم . أنه قرأ { وإن تكن ميتة } بالتاء منصوبة منوّنة .
وأخرج البخاري في تاريخه عن عائشة قالت : يعمد أحدكم إلى المال فيجعله للذكور من ولده ، إن هذا إلا كما قال الله { خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا } .(4/142)
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)
أخرج البخاري وعبد بن حميد وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً } إلى قوله { وما كانوا مهتدين } .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم } قال : نزلت فيمن كان يئد البنات من مضر وربيعة ، كان الرجل يشترط على امرأته إنك تئدين جارية وتستحبين أخرى ، فإذا كانت الجارية التي توأد غداً من عند أهله أو راح وقال : أنت علي كأمي إن رجعت إليك ولم تئديها ، فترسل إلى نسوتها فيحفرن لها حفرة فيتداولنها بينهن ، فإذا بصرن به مقبلاً دسسنها في حفرتها وسوّين عليها التراب .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم } قال : هذا صنع أهل الجاهلية ، كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السباء والفاقة ويغذو كلبه . وفي قوله { وحرموا ما رزقهم الله } قال : جعلوا بحيرة وسائبة ووصيلة وحامياً تحكماً من الشيطان في أموالهم ، وجزأوا من مواشيهم وحروثهم ، فكاق ذلك من الشيطان افتراء على الله .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي رزين أنه قرأ { قد ضلوا قبل ذلك وما كانوا مهتدين } .(4/143)
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات } قال : المعروشات ما عرش الناس { وغير معروشات } ما خرج في الجبال والبرية من الثمرات .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { معروشات } قال : بالعيدان والقصب { وغير معروشات } قال : الضاحي .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { معروشات } قال : الكرم خاصة .
وأخرج من وجه آخر عن ابن عباس { معروشات } ما يعرش من الكرم وغير ذلك { وغير معروشات } ما لا يعرش منها .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله { متشابهاً } قال : في المنظر { وغير متشابه } قال : في المطعم .
وأخرج ابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : ما سقط من السنبل .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : نسخها العشر ونصف العشر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن عطية العوفي في قوله { وأتوا حقه يوم حصاده } قال : كانوا إذا حصدوا وإذا ديس وإذا غربل أعطوا منه شيئاً ، فنسخها العشر ونصف العشر .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن المنذر عن سفيان قال : سألت السدي عن هذه الآية { وأتوا حقه يوم حصاده } قال : هي مكية نسخها العشر ونصف العشر . قلت له : عمن؟ قال : عن العلماء .
وأخرج النحاس وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ، الرجل يعطى زرعه ، ويعلف الدابة ، ويعطى اليتامى والمساكين ، ويعطى الضغث .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن .
وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك قال : نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : كانوا يعطون من اعتربهم شيئاً سوى الصدقة .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن مجاهد في قوله { وأتوا حقه يوم حصاده } قال : إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل ، فإذا طيبته وكرسته فحضرك المساكين فاطرح لهم منه ، فإذا دسته وذريته فحضرك المساكين فاطرح لهم منه ، فإذا ذريته وجمعته وعرفت كيله فاعزل زكاته ، وإذا بلغ النخل فحضرك المساكين فاطرح لهم من التفاريق والبسر ، فإذا جددته فحضرك المساكين فاطرح له منه ، فإذا جمعته وعرفت كيله فاعزل زكاته .(4/144)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران ويزيد بن الأصم قال : كان أهل المدينة إذا صرموا النخل يجيئون بالعذق فيضعونه في المسجد ، فيجيء السائل فيضربه بالعصا فيسقط منه . فهو قوله { وأتوا حقه يوم حصاده } .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حماد بن أبي سليمان في قوله وأتوا حقه يوم حصاده قال كانوا يطعمون منه رطباً .
وأخرج أبو عبيد وأبو داود في ناسخه وابن المنذر عن الحسن في قوله { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : هو الصدقة من الحب والثمار .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن أنس . أن رجلاً من بني تميم قال : يا رسول الله أنا رجل ذو مال كثير وأهل وولد وحاضرة ، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع؟ قال « تخرج زكاة مالك فإنها طهرة تطهرك ، وتصل أقاربك ، وتعرف حق السائل والجار والمسكين » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي قال : إن في المال حقاً سوى الزكاة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية في قوله { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : كانوا يعطون شيئاً سوى الزكاة ، ثم إنهم تباذروا واسرفوا ، فأنزل الله { ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ، وجد نخلاً فقال : لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته ، فاطعم حتى أمسى وليست له ثمرة ، فأنزل الله { ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر مولى غفرة قال : ليس شيء أنفقته في طاعة الله اسرافاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : لو أنفقت مثل أبي قيس ذهباً في طاعة الله لم يكن إسرافاً ولو أنفقت صاعاً في معصية الله كان إسرافاً .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله { ولا تسرفوا } قال : لا تمنعوا الصدقة فتعصوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عون بن عبد الله في قوله { إنه لا يحب المسرفين } قال : الذي يأكل مال غيره .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : عشوره . وقال للولاة { لا تسرفوا } لا تأخذوا ما ليس لكم بحق { إنه لا يحب المسرفين } فأمر هؤلاء أن يؤدوا حقه وأمر الولاه أن لا يأخذوا إلا بالحق .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله : { ولا تسرفوا } قال : لا تعطوا أموالكم وتقعدوا فقراء .(4/145)
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب في قوله { كلوا من ثمره إذا أثمر } قال : من رطبه وعنبه وما كان ، فإذا كان يوم الحصاد فاعطوا حقه يوم حصاده { ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } قال : السرف أن لا يعطى في حق .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير عن أبي بشر قال : أطاف الناس باياس بن معاوية فقالوا : ما السرف؟ قال : ما تجاوزت به أمر الله فهو سرف . قال سفيان بن حسين : وما قصرت به عن أمر الله فهو سرف .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : الصدقة التي فيه « ذكر لنا نبي الله صلى الله عليه وسلم سن فيما سقت السماء ، أو العين السائحة ، أو سقى النيل ، أو كان بعلاً : العشر كاملاً ، وفيما سقى بالرشا نصف العشر ، وهذا فيما يكال من الثمر . قال : وكان يقال : إذا بلغت الثمرة خمسة أوسق وهو ثلثمائة صاع فقد حقت فيه الزكاة . قال : وكانوا يستحبون أن يعطى مما لا يكال من الثمرة على نحو ما يكال منها » .
وأخرج ابن أبي حاتم والنحاس وابن عدي والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : الزكاة المفروضة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وآتوا حقه يوم حصاده } يعني الزكاة المفروضة يوم يكال ويعلم كيله .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه والبيهقي عن طاووس { وآتوا حقه يوم حصاده } قال : الزكاة .(4/146)
وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وأبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : الحمولة ما حمل عليه من الإِبل ، والفرش صغار الإِبل التي لا تحمل .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : الحمولة الكبار من الإِبل ، والفرش الصغار من الإِبل .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { ومن الأنعام حمولة وفرشاً } قال : الإِبل خاصة ، والحمولة ما حمل عليه ، والفرش ما أكل منه .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { حمولة وفرشاً } قال : الفرش الصغار من الأنعام . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت أمية بن أبي الصلت وهو يقول :
ليتني كنت قبل ما قد رآني ... في قلال الجبال أرعى الحمولا
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الحمولة الإِبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه ، والفرش الغنم .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية في قوله { حمولة وفرشاً } قال : الحمولة الإِبل والبقر ، والفرش الضان والمعز .(4/147)
ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عباس قال : الأزواج الثمانية من الإِبل والبقر والضأن والمعز .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ثمانية أزواج . . . } الآية . يقول : أنزلت لكم ثمانية أزواج الآية ، من هذا الذي عددن ذكراً وأنثى .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { ثمانية أزواج } قال : الذكر والأنثى زوجان .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ثمانية أزواج } قال : في شأن ما نهى الله عنه عن البحيرة والسائبة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ليث بن أبي سليم قال : الجاموس والبختي من الأزواج الثمانية .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله { ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين } قال : فهذه أربعة أزواج { قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين } يقول : لم أحرم شيئاً من ذلك { أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين } يعني هل تشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى ، فلم تحرمون بعضاً وتحلون بعضاً؟ { نبئوني بعلم إن كنتم صادقين } يقول : كله حلال : يعني ما تقدم ذكره مما حرمه أهل الجاهلية .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله { أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين } قال : ما حملت الرحم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ءآلذكرين حرم . . . } الآية . قال : إنما ذكر هذا من أجل ما حرموا من الأنعام ، وكانوا يقولون : الله أمرنا بهذا . فقال { فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم } .(4/148)
قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)
أخرج عبد بن حميد عن طاوس قال : إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون أشياء ويستحلون أشياء ، فنزلت { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا ، فبعث الله نبيه ، وأنزل كتابه ، وأحل حلاله ، وحرم حرامه ، فما أحل فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو منه ، ثم تلا هذه الآية { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً } إلى آخر الآية .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً } فقال : ما خلا هذا فهو حلال .
وأخرج البخاري وأبو داود وابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ عن عمرو بن دينار قال : قلت لجابر بن زيد : إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر؟ فقال : قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس ، وقرأ { قل لا أجد فيما أوحي إلى . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ليس من الدواب شيء حرام إلا ما حرم الله في كتابه { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً . . . } الآية .
وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر . أنه سئل عن أكل القنفذ؟ فقرأ { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً } الآية . فقال شيخ عنده : سمعت أبا هريرة يقول : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال « خبيث من الخبائث . فقال ابن عمر : إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو كما قال » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة . أنها كانت إذا سُئلت عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير تلت { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً } الآية .
وأخرج أحمد والبخاري والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس . أن شاة السودة بنت زمعة ماتت ، فقالت : يا رسول الله ماتت فلانة تعني الشاة قال : فلولا أخذتم مسكها؟ قالت : يا رسول الله أنأخذ مسك شاة قد ماتت . . . ! فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم قل { لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة } وإنكم لا تطعمونه ، وإنما تدبغونه حتى تنتفعوا به ، فأرسلت إليها فسلختها ثم دبغته ، فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها « .(4/149)
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس . أنه قرأ هذه الآية { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة } إلى آخر الآية . وقال : إنما حرم من الميتة ما يؤكل منها وهو اللحم ، فاما الجلد ، والقد ، والسن ، والعظم ، والشعر ، والصوف ، فهو حلال .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا أودجوا الدابة ، وأخذوا الدم فأكلوه ، قالوا : هو دم مسفوح .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة قال : حرم الدم ما كان مسفوحاً ، فأما لحم يخالطه الدم فلا بأس به .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال : لولا هذه الآية { أو دماً مسفوحاً } لاتبع المسلمون من العروق ما تتبع منه اليهود .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { أو دماً مسفوحاً } قال : المسفوح الذي يهراق ، ولا بأس بما كان في العروق منها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال له : آكل الطحال؟ قال : نعم . قال : إن عامتها دم؟ قال : إنما حرم الله الدم المسفوح .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مجلز . في الدم يكون في مذبح الشاة ، أو الدم يكون على أعلى القدر؟ قال : لا بأس ، إنما نهى عن الدم المسفوح .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر وعائشة قالا : لا بأس بأكل كل ذي شيء إلا ما ذكر الله في هذه الآية { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً } الآية .
وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي . أنه سئل عن لحم الفيل والأسد ، فتلا { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن ابن الحنفية . أنه سئل عن أكل الجريت فقال { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً . . . } الآية .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه سئل عن ثمن الكلب والذئب والهر وأشباه ذلك؟ فقال { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم } [ المائدة : 101 ] كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون أشياء فلا يحرمونه ، وأن الله أنزل كتاباً فأحل فيه حلالاً وحرم فيه حراماً ، وأنزل في كتابه { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير } .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر قال « نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر » .(4/150)
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي ثعلبة قالة « حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جاءٍ فقال : أكلت الحمر ، ثم جاءه جاء فقال : أفنيت الحمر؟ فأمر منادياً فنادى في الناس : إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس ، فاكفئت القدور وانها لتفور باللحم » .
وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي ثعلبة الخشي « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع » .
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس قال « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن كل ذي ناب من السباع ، وعن كل ذي مخلب من الطير » .
وأخرج أبو داود عن خالد بن الوليد قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر ، فأتوا اليهود فشكوا أن الناس قد أشرفوا إلى حظائرهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها ، حرام عليكم حمير الأهلية وخيلها وبغالها ، وكل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير » .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنة عن جابر قال « حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر الحمر الإِنسية ، ولحوم البغال ، وكل ذي ناب من السباع ، وذي مخلب من الطير ، والمجثمة ، والحمار الإِنسي » .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع ، وحرم المجثمة ، والخلسة ، والنهبة » .
وأخرج الترمذي عن العرباض ابن سارية « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن كل ذي ناب من السبع ، وعن كل ذي مخلب من الطير ، وعن لحم الحمر الأهلية » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مكحول قال « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ، وعن الحبالى أن يقربن ، وعن بيع المغانم يعني حتى تقسم وعن أكل كل ذي ناب من السباع » .
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق القاسم ومكحول عن أبي أمامة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن أكل الحمار الأهلي ، وعن أكل كل ذي ناب من السباع ، وأن توطأ الحبالى حتى تضعن ، وعن أن تباع السهام حتى تقسم ، وأن تباع التمرة حتى يبدو صلاحها ، ولعن يومئذ الواصلة ، والموصولة ، والواشمة ، والموشومة ، والخامشة وجهها ، والشاقة جيبها » .(4/151)
وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة عن جابر بن عبد الله « أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الهرة وأكل ثمنها » .
وأخرج أبو داود عن عبد الرحمن بن شبل « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الضب » .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر قال : « سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الضب؟ فقال » لست آكله ولا أحرمه « » .
وأخرج مالك والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن خالد بن الوليد « أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة ، فأتى بضب محنوذ ، فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، فقال : بعض النسوة أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل ، فقالوا : هو ضب يا رسول الله ، فرفع يده فقلت : أحرام هو يا رسول الله؟ قال : لا ولكن لم يكن بأرض قومي فاجدني أعافه . قال خالد : فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ثابت بن وديعة قال : « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش فأصبنا ضباباً ، فشويت منها ضباً فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته بين يديه ، فأخذ عوداً فعد به أصابعه ، ثم قال » إن أمة من بن إسرائيل مسخت دواب في الأرض ، وإني لا أدري أي الدواب هي ، فلم يأكل ولم ينه « » .
وأخرج أبو داود عن خالد بن الحويرث « أن عبد الله بن عمرو كان بالصفاح ، وأن رجلاً جاء بأرنب قد صادها فقال له : ما تقول؟ قال : قد جيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها ، وزعم أنها تحيض » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس قال : انفجنا أرنباً ونحن بمر الظهران ، فسعى القوم فلغبوا وأخذتها ، فجئت بها إلى أبي طلحة فذبحها ، فبعث بوركيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبلها .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وضعفه وابن ماجة عن خزيمة بن جزيء السلمي قال « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضبع فقال : ويأكل الضبع أحد؟ وسألته عن أكل الذئب قال : ويأكل الذئب أحد في خير؟ وفي لفظ لابن ماجة : قلت يا رسول الله جئتك لأسألك عن أجناس الأرض ما تقول في الثعلب؟ قال : ومن يأكل الثعلب؟ قلت : ما تقول في الضب؟ قال : لا آكله ولا أحرمه . قلت : ولم يا رسول الله؟ قال : فقدت أمة من الأمم ورأيت خلقاً رابني . قلت : يا رسول الله ما تقول في الأرنب؟ قال : لا آكله ولا أحرمه . قلت ولم يا رسول الله؟ قال : نبئت أنها تدمى » .(4/152)
وأخرج ابن ماجة عن ابن عمر قال : من يأكل الغراب وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاسقاً والله ما هو من الطيبات .
وأخرج أبو داود والترمذي من طريق إبراهيم بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده قال « أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حباري » .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي موسى قال : « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم دجاج » .
وأخرج أبو داود والترمذي وصححه النسائي وابن ماجة عن عبد الرحمن بن أبي عمار قال : قلت لجابر : الضبع أصيد هي؟ قال : نعم قلت : آكلها؟ قال : نعم قلت : أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم .(4/153)
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } قال : هو الذي ليس بمنفرج الأصابع ، يعني ليس بمشقوق الأصابع منها الإبل والنعام .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } قال : هو البعير والنعامة .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { حرمنا كل ذي ظفر } قال : كان يقول : هو البعير والنعامة في أشياء من الطير والحيتان .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد { حرمنا كل ذي ظفر } قال : كل شيء لم تفرج قوائمه من البهائم ، وما انفرج أكلته اليهود . قال : أنفذت قوائم الدجاج والعصافير فيهود تأكله ، ولم تفرج قائمة البعير خفه ، ولا خف النعامة ، ولا قائمة الورينة ، فلا تأكل اليهود الإبل ولا النعام ولا الورينة ، ولا كل شيء لم تفرج قائمته ، كذلك ولا تأكل حمار الوحش .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } قال : الديك منه .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج { حرمنا كل ذي ظفر } قال : كل شيء لم تفرج قوائمه من البهائم ، وما انفرجت قوائمه أكلوه ، ولا يأكلون البعير ، ولا النعامه ، ولا البط ، ولا الوزر ، ولا حمار الوحش .
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه عن جابر بن عبدالله « سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال : قاتل الله اليهود ، لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوها » .
وأخرج ابن مردويه عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها » .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قاتل الله اليهود ، حرم الله عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها » .
وأخرج أبو داود وابن مردويه عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله اليهود ثلاثاً ، إن الله حرم عليهم الشحوم ثلاثاً ، إن الله حرم عليهم الشحوم ، فباعوها وأكلوا أثمانها ، وإن الله لم يحرم على قوم أكل شيء إلا حرم عليهم ثمنه » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ومن الإِبل والبقر حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما } يعني ما علق بالظهر من الشحم { أو الحوايا } هو المبعر .(4/154)
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما } قال : حرم الله عليهم الثرب وشحم الكليتين .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : إنما حرم عليهم الثرب ، وشحم الكلية ، وكل شحم كان ليس في عظم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح في قوله { إلا ما حملت ظهورهما } قال : الإِلية { أو الحوايا } قال : المبعر { أو ما اختلط بعظم } قال : الشحم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله { أو الحوايا } قال : المباعر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { أو الحوايا } قال : المرابض والمباعر { أو ما اختلط بعظم } قال : ما ألزق بالعظم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : الحوايا المرابض التي تكون فيها الامعاء تكون وسطها وهي بنات اللبن ، وهي في كلام العرب تدعى : المرابض .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { أو ما اختلط بعظم } قال : الإِلية اختلط شحم الالية بالعصعص فهو حلال ، وكل شحم القوائم والجنب والرأس والعين والإذن ، يقولون ، قد اختلط ذلك بعظم فهو حلال لهم ، إنما حرم عليهم الثرب وشحم الكلية ، وكل شيء كان كذلك ليس في عظم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { ذلك جزيناهم ببغيهم } قال : إنما حرم الله ذلك عليهم عقوبة ببغيهم ، فشدد عليهم بذلك وما هو بخبيث .(4/155)
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فإن كذبوك } قال : اليهود .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : كانت اليهود يقولون في اللحم : إنما حرمه إسرائيل فنحن نحرمه . فذلك قوله { فإن كذبوك فقل ربكم . . } الآية . والله أعلم .(4/156)
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله . . . } الآية . قال : هذا قول قريش : إن الله حرم هذا يعنون البحيرة والسائبة والوصيلة والحام .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس . أنه قيل له : إن ناساً يقولون : إن الشر ليس بقدر . فقال ابن عباس : بيننا وبين أهل القدر هذه الآية { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا } إلى قوله { قل فللّه الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين } قال ابن عباس : والعجز والكيس من القدر .
وأخرج أبو الشيخ عن علي بن زيد قال : انقطعت حجة القدرية عند هذه الآية { فللّه الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين } .
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة { قل فللّه الحجة البالغة } قال : السلطان .(4/157)
قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { قل هلم شهداءكم } قال : أروني شهداءكم .
وأخرج أبن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { الذين يشهدون أن الله حرم هذا } قال : البحائر والسوائب .(4/158)
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)
أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال : من سره أن ينظر إلى وصية محمد التي عليها خاتماً فليقرأ هؤلاء الآيات { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى قوله { لعلهم يتقون } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم م « أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث؟ ثم تلا { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى ثلاث آيات ، ثم قال فمن وفى بهن فأجره على الله ، ومن انتقص منهن شيئاً فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته ، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه » .
وأخرج عبد بن حميد وأبو عبيد وابن المنذر عن منذر الثوري قال : قال الربيع بن خيثم : أيسرك أن تلقى صحيفة من محمد صلى الله عليه وسلم بخاتم؟ قلت : نعم فقرأ هؤلاء الآيات من آخر سورة الأنعام { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى آخر الآيات .
وأخرج ابن شيبة وابن الضريس وابن المنذر عن كعب قال : أول ما نزل من التوراة عشر آيات ، وهي العشر التي أنزلت من آخر الأنعام { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى آخرها .
وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبد الله بن عدي بن الخيار قال : سمع كعب رجلاً يقرأ { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً } فقال كعب : والذي نفس كعب بيده أنها لأوّل آية في التوراة ، بسم الله الرحمن الرحيم { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى آخر الآيات .
وأخرج ابن سعد عن مزاحم بن زفر قال : قال رجل للربيع بن خيثم : أوصني . قال : ائتني بصحيفة ، فكتب فيها { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } الآيات . قال إنما أتيتك لتوصيني؟! قال : عليك بهولاء .
وأخرج أبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن علي بن أبي طالب قال « لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج إلى منى وأنا معه وأبو بكر ، وكان أبو بكر رجلاً نسابة ، فوقف على منازلهم ومضاربهم بمنى ، فسلم عليهم وردوا السلام ، وكان في القوم مفروق بن عمرو ، وهانىء بن قبيصة ، والمثنى بن حارثة ، والنعمان بن شريك ، وكان أقرب القوم إلى أبي بكر مفروق ، وكان مفروق قد غلب عليهم بياناً ولساناً ، فالتفت إلى رسول الله صلى عليه وسلم فقال له : إلام تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر يظله بثوبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ادعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واني رسول الله ، وإن تأووني وتنصروني وتمنعوني حتى أؤدي حق الله الذي أمرني به ، فإن قريشاً قد تظاهرت على أمر الله ، وكذبت رسوله ، واستغنت بالباطل عن الحق ، والله هو الغني الحميد . قال له : وإلام تدعو أيضاً يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً } إلى قوله { تتقون } فقال له مفروق : وإلام تدعو أيضاً يا أخا قريش فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض ، ولو كان من كلامهم لعرفناه ، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله يأمر بالعدل والإِحسان } [ النحل : 90 ] الآية . فقال له مفروق : دعوت والله يا قريشي إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك؟ وقال هانىء بن قبيصة : قد سمعت مقالتك واستحسنت قولك يا أخا قريش ، ويعجبني ما تكلمت به ، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم تلبثوا إلا يسيراً حتى يمنحكم الله بلادهم وأموالهم يعني أرض فارس وأنهار كسرى ويفرشكم بناتهم ، أتسبحون الله وتقدسونه؟ فقال له النعمان بن شريك : اللهم وإن ذلك لك يا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً } [ الأحزاب : 45 ] الآيه . ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضاً على يد أبي بكر » .(4/159)
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } قال : من خشية الفاقة . قال : وكان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته مخافة الفاقة عليها والسبا { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } قال : سرها وعلانيتها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس { ولا تقتلوا أولادكم من إملاق } قال : خشية الفقر { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } قال : كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأساً في السر ويستقبحونه في العلانية ، فحرَّم الله الزنا في السر والعلانية .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها } قال : العلانية { وما بطن } قال : السر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمران بن حصين « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أرأيتم الزاني والسارق وشارب الخمر ما تقولون فيهم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هن فواحش وفيهن عقوبة » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حازم الرهاوي أنه سمع مولاه يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(4/160)
« مسئلة الناس من الفواحش » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن جابر قال : بلغني من الفواحش التي نهى الله عنها في كتابه تزويج الرجل المرأة ، فإذا نفضت له ولدها طلقها من غير ريبة .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها } قال : نكاح الأمهات والبنات { وما بطن } قال : الزنا .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها } قال : ظلم الناس { وما بطن } قال : الزنا والسرقة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ولا تقتلوا النفس } يعني نفس المؤمن التي حرم الله قتلها إلا بالحق .
وأخرج أحمد والنسائي وابن قانع والبغوي والطبراني وابن مردويه عن سلمة بن قيس الأشجعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع « ألا إنما هي أربع : لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تزنوا ، ولا تسرقوا ، فما أنا بأشح عليهن مني إذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية في قوله { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } قال طلب التجارة فيه والربح منه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } قال : يبتغي لليتيم في ماله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } قال : التي هي أحسن أن يأكل بالمعروف ، إن افتقر وإن واستغنى فلا يأكل . قال الله { ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف } [ النساء : 6 ] فسئل عن الكسوة؟ فقال : لم يذكر الله كسوة وإنما ذكر الأكل .
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة { ولا تقربوا مال اليتيم } قال : ليس له أن يلبس من ماله قلنسوه ولا عمامة ولكن يده مع يده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله { حتى يبلغ أشده } قال : الأشد الحلم إذا كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن قيس في قوله { حتى يبلغ أشده } قال : خمس عشرة سنة .
وأخرج أبو الشيخ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن . أنه كان يقول في هذه الآية : الأشد الحلم لقوله { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح } [ النساء : 6 ] .
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال : الأشد : الحلم .
وأخرج ابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { أوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها } فقال : من أوفى على يديه في الكيل والميزان والله يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما لم يؤاخذ ، وذلك تأويل وسعها .(4/161)
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله { وأوفوا الكيل والميزان بالقسط } يعني العدل { لا نكلف نفساً إلا وسعها } يعني إلا طاقتها .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله { بالقسط } قال : بالعدل .
وأخرج الترمذي وضعفه وابن عدي وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا معشر التجار إنكم قد وليتم أمراً هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم : المكيال والميزان » .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما نقص قوم المكيال والميزان إلا سلط الله عليهم الجوع » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله { وإذا قلتم فاعدلوا } قال : قولوا الحق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى } يعني ولو كان قرابتك فقل فيه الحق .(4/162)
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)
أخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل } قال : اعلموا انما السبيل سبيل واحد جماعة الهدى ومصيره الجنة ، وأن إبليس اشترع سبلاً متفرقة جماعها الضلالة ومصيرها النار .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ، ثم قال « هذا سبيل الله مستقيماً ، ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله ، ثم قال : وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } » .
وأخرج أحمد وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن جابر بن عبد الله قال « كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطاً هكذا أمامه فقال : هذا سبيل الله ، وخطين عن يمينه وخطين عن شماله وقال : هذا سبيل الشيطان . ثم وضع يده في الخط الأوسط وتلا { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه . . . } الآية » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جبير وابن مردويه عن ابن مسعود « أن رجلاً سأله ما الصراط المستقيم؟ قال : تركنا محمد صلى الله وعليه وسلم في أدناه وطرفه الجنة وعن يمينه جواد وعن شماله جواد ، وثم رجال يدعون من مر بهم ، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار ، ومن أخذ على الصراط المستقيم انتهى به إلى الجنة ، ثم قرأ ابن مسعود { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه } الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ولا تتبعوا السبيل } قال : الظلالات .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ولا تتبعوا السبل } قال : البدع والشبهات .(4/163)
ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { تماماً على الذي أحسن } قال : على المؤمنين المحسنين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر وفي قوله { تماماً على الذي أحسن } قال : تماماً لما قد كان من إحسانه إليه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { تماماً على الذي أحسن } قال : تماماً لنعمه عليهم وإحسانه إليهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { تماماً على الذي أحسن } قال : من أحسن في الدنيا تمَّم الله ذلك له في الآخرة . وفي لفظ : تمت له كرامة الله يوم القيامة . وفي قوله { وتفصيلاً لكل شيء } أي تبياناً لكل شيء ، وفيه حلاله وحرامه .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن هرون قال : قراءة الحسن « تماما على المحسنين » .
وأخرج ابن الأنباري عن هرون قال : في قراءة عبد الله « تماماً على الذين أحسنوا » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { تفصيلاً لكل شيء } قال : ما أمروا به وما نهوا عنه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : لما ألقى موسى الألواح لفي الهدى والرحمة وذهب التفصيل .(4/164)
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وهذا كتاب أنزلناه مبارك } قال : هو القرآن الذي أنزله الله على محمد { فاتبعوه واتقوا } يقول : فاتبعوا ما أحل فيه واتقوا ما حرم .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن الضريس ومحمد بن نصر والطبراني عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن شافع مشفع وما حل مصدق من جعله أماماً قاده إلى الجنة ، ومن جعل خلفه ساقه إلى النار .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس عن أبيه عن جده « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يمثل القرآن يوم القيامة رجلاً فيؤتى الرجل قد حمله فخالف أمره ، فيقف له خصماً فيقول : يا رب حملته إياي فبئس حاملي تعدى حدودي ، وضيع فرائضي ، وركب معصيتي ، وترك طاعتي ، فما يزال يقذف عليه بالحجج حتى يقال : فشأنك ، فيأخذ بيده فما يرسله حتى يكبه على منخره في النار ، ويؤتى بالرجل الصالح قد كان حمله وحفظ أمره ، فيتمثل له خصماً دونه فيقول : يا رب حملته إياي فحفظ حدودي ، وعمل بفرائضي ، واجتنب معصيتي ، واتبع طاعتي ، فما يزال يقذف له بالحجج حتى يقال له : شأنك به ، فيأخذ بيده فما يرسله حتى يلبسه حلة الاستبرق ، ويعقد عليه تاج الملك ، ويسقيه كأس الخمر » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس عن أبي موسى الأشعري قال : إن هذا القرآن كائن لكم ذكراً وكائن عليكم وزراً فتعلموه واتبعوه ، فإنكم أن تتعبوا القرآن يورد بكم رياض الجنة ، وان يتبعكم القرآن يزج في أقفائكم حتى يوردكم إلى النار .(4/165)
أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } قال : اليهود والنصارى خاف أن تقوله قريش .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { على طائفتين من قبلنا } قال : هم اليهود والنصارى { وإن كنا عن دراستهم } قال : تلاوتهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم } قال : هذا قول كفار العرب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { فقد جاءتكم بينة من ربكم } يقول : قد جاءتكم بينة لسان عربي مبين حين لم يعرفوا دراسة الطائفتين .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وصدف عنها } قال : أعرض عنها .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله { يصدفون } قال : يعرضون .(4/166)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } قال : عند الموت { أو يأتي ربك } قال : يوم القيامة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة } قال : بالموت { أو يأتي ربك } قال : يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله { أو يأتي ربك } قال : يوم القيامة في ظلل من الغمام .
أخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده والترمذي وأبو يعلى وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { يوم يأتي بعض آيات ربك } قال » طلوع الشمس من مغربها « » .
وأخرج الطبراني وابن عدي وابن مردويه عن أبي هريرة « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { يوم يأتي بعض آيات ربك } قال » طلوع الشمس من مغربها « » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي سعيد الخدري { يوم يأتي بعض آيات ربك } قال : طلوع الشمس من مغربها .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والطبراني عن ابن مسعود في قوله { يوم يأتي بعض آيات ربك } قال : طلوع الشمس من مغربها .
وأخرج سعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني عن ابن مسعود { يوم يأتي بعض آيات ربك } قال : طلوع الشمس والقمر من مغربهما مقترنين كالبعيرين القرنيين ، ثم قرأ { وجمع الشمس والقمر } [ القيامة : 9 ] .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { يوم يأتي بعض آيات ربك } قال : طلوع الشمس من مغربها .
وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم « لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها ، ثم قرأ الآية » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن جرير وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ثلاث إذا خرجت لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل : الدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي عن عبد الله بن عمرو قال : حفظت من رسول الله صلى عليه وسلم « أن أوّل الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة ضحى ، فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها ، ثم قال عبدالله وكان قرأ الكتب : وأظن أولهما خروجاً الشمس من مغربها ، وذلك أنها كلما خرجت أتت تحت العرش ، فسجدت وأستأذنت في الرجوع فيأذن لها في الرجوع ، حتى إذا بدا لله أن تطلع عن مغربها فعلت كما كانت تفعل ، أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع فلم يرد عليها شيء ، ثم تستأذن في الرجوع فلا يرد عليها شيء ، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب ، وعرفت أنه إن أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق قالت : رب ما أبعد المشرق من لي بالناس؟ حتى إذا صار الأفق كأنه طوق استأذنت في الرجوع فيقال لها : من مكانك فاطلعي .(4/167)
فطلعت على الناس من مغربها ، ثم تلا عبدالله هذه الآية { لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً } .
وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال : « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ فقال : تطول تلك الليلة حتى تكون قدر ليلتين ، فبينما الذين كانوا يصلون فيها فيعملون كما كانوا والنجوم لا ترى قد قامت مقامها ، ثم يرقدون ثم يقومون فيعملون ثم يرقدون ، ثم يقومون فيطل عليهم جنوبهم حتى يتطاول عليهم الليل فيفزع الناس ولا يصبحون ، فبينما هم ينتظرون طلوع الشمس من مشرقها إذا هي طلعت من مغربها ، فإذا رآها الناس آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم »
وأخرج عبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر قال : « كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار وعليه بردعة وقطيفة وذاك عند غروب الشمس فقال : يا أبا ذر أتدري أين تغيب هذه؟ قلت : الله ورسوله أعلم . . . ! قال : فإنها تغرب في عين حمئة تنطلق حتى تخر لربها ساجدة تحت العرش ، فإذا حان خروجها أذن لها فتخرج فتطلع ، فإذا أراد أن يطلعها من حيث تغرب حبسها فتقول : يا رب ان سيري بعيد؟ فيقول لها : اطلعي من حيث غربت . فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل } فهو آية لا ينفع مشركاً إيمانه عند الآيات ، وينفع أهل الإِيمان عند الآيات إن كانوا اكتسبوا خيراً قبل ذلك قال ابن عباس : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية من العيشات فقال لهم « يا عباد الله توبوا إلى الله بقراب ، فإنكم توشكون أن تروا الشمس من قبل المغرب ، فإذا فعلت ذلك حبست التوبة ، وطوى العمل ، وختم الإِيمان . فقال الناس : هل لذلك من آية يا رسول الله؟ فقال : آية تلكم الليلة أن تطول كقدر ثلاث ليال ، فيستيقظ الذين يخشون ربهم فيصلون له ، ثم يقضون صلاتهم والليل كأنه لم ينقض ، فيضطجعون حتى إذا استيقظوا والليل مكانه ، فإذا رأوا ذلك خافوا أن يكون ذلك بين يدي أمر عظيم ، فإذا أصبحوا فطال عليهم طلوع الشمس ، فبينما هم ينتظرونها إذ طلعت عليهم من قبل المغرب ، فإذا فعلت ذلك لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل ذلك » .(4/168)
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { يوم يأتي بعض آيات ربك . . . } الآية . قال ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول « بادروا بالأعمال ستاً : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، والدخان ، ودابة الأرض ، وخويصة أحدكم وأمر العامة . القيامة ، ذكر لنا أن قائلاً قال : يا نبي الله ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ قال : تطول تلك الليلة حتى تكون قدر ليلتين . فيقوم المتهجدون لحينهم الذي كانوا يصلون فيه ، فيصلون حتى يقضوا صلاتهم والنجوم مكانها لا تسري ، ثم يأتون فرشهم فيرقدون حتى تكل جنوبهم ، ثم يقومون فيصلون حتى يتطاول عليهم الليل فيفزع الناس ، ثم يصبحون ولا يصبحون إلا عصراً عصراً ، فبينما هم ينتظرونها من مشرقها إذ فجئتهم من مغربها » .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً } قال : لا ينفعها الإِيمان إن آمنت ولا تزداد في عمل ان لم تكن عملته .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { أو كسبت في إيمانها خيراً } يقول : كسبت في تصديقها عملاً صالحاً ، هؤلاء أهل القبلة وإن كانت مصدقة لم تعمل قبل ذلك خيراً فعملت بعد أن رأت الآية لم يقبل منها ، وإن عملت قبل الآية خيراً ثم عملت بعد الآية خيراً قبل منها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله { أو كسبت في إيمانها خيراً } يعني المسلم الذي لم يعمل في إيمانه خيراً ، وكان قبل الآية مقيماً على الكبائر .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عبدالله بن عمرو قال : يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما الآيات خرزات منظومات في سلك ، انقطع السلك فتبع بعضها بعضاً » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الإِمارات خرزات منظومات بسلك ، فإذا انقطع السلك نبع بعضه » .(4/169)
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الآيات خرز منظومات في سلك يقطع السلك فيتبع بعضها بعضاً » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة قال : لو أن رجلاً ارتبط فرساً في سبيل الله ، فانتحبت مهراً منذ أول الآيات ما ركب المهر حتى يرى آخرها .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة قال : إذا رأيتم أول الآيات تتابعت .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي هريرة قال : الآيات كلها في ثمانية أشهر .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي العالية قال : الآيات كلها ستة أشهر .
وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن عبدالله بن عمرو قال : أن الشمس إذا غربت سلمت وسجدت وأستأذنت فيؤذن لها ، حتى إذا كان يوماً غربت فسلمت وسجدت واستأذنت فلا يؤذن لها ، فتقول : يا رب إن المشرق بعيد وإني ان لا يؤذن لي لا أبلغ؟ قال : فتحبس ما شاء الله ، ثم يقال لها . اطلعي من حيث غربت فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل الآية .
وأخرج البيهقي في البعث عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : الآية التي لا ينفع نفساً إيمانها إذا طلعت الشمس من مغربها .
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن عبدالله بن أبي أوفى « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ليأتين على الناس ليلة بقدر ثلاث ليال من لياليكم هذه ، فإذا كان ذلك يعرفها المصلون يقوم أحدهم فيقرأ حزبه ثم ينام ، ثم يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام ، ثم يقوم فبينما هم كذلك ماج الناس بعضهم في بعض فقالوا : ما هذا؟! فيفزعون إلى المساجد ، فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها ، فضج الناس ضجة واحدة حتى إذا صارت في وسط السماء رجعت طلعت من مطلعها ، وحينئذ لا ينفع نفساً إيمانها » .
وأخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والطبراني وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي وابن مردويه عن صفوان بن عسال عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله جعل بالمغرب باباً عرضه سبعون عاماً ، مفتوحاً للتوبة لا يغلق ما لم تطلع الشمس من مغربها قبله ، فذلك قوله { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها } ولفظ ابن ماجة : فإذا طلعت من نحوه لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا » .
وأخرج الطبراني عن صفوان بن عسال قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانشأ يحدثنا أن للتوبة باباً عرض ما بين مصراعيه ما بين المشرق والمغرب لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { يوم يأتي بعض آيات ربك .(4/170)
. . } الآية .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه » .
وأخرج عبد بن حميد والطبراني عن ابن مسعود قال : التوبة معروضة على ابن آدم ما لم يخرج إحدى ثلاث : ما لم تطلع الشمس من مغربها ، أو تخرج الدابة ، أو يخرج يأجوج ومأجوج . وقال : مهما يأتِ عليكم عام فالآخر شر .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي عن معاوية بن أبي سفيان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها » .
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإِيمان وابن مردويه من طريق مالك بن يخامر السكسكي عن عبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن عمرو بن العاص « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الهجرة خصلتان : إحداهما أن تهجر السيئات ، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله ، ولا تنقطع الهجرة ما تقبل التوبة ، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب ، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : مضت الآيات غير أربعة : الدجال ، والدابة ، ويأجوج ، وطلوع الشمس من مغربها ، والآية التي يختم الله بها الأعمال . طلوع الشمس من مغربها ، ثم قرأ { يوم يأتي بعض آيات ربك . . . } الآية قال : فهي طلوع الشمس من مغربها .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صبيحة تطلع الشمس من مغربها يصير في هذه الأمة قردة وخنازير ، وتطوى الدواوين ، وتجف الأقلام ، لا يزاد في حسنه ولا ينقص من سيئه ، ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عائشة قالت : إذا خرج أول الآيات طرحت الأقلام ، وطويت الصحف ، وحبست الحفظة ، وشهدت الأجساد على الأعمال .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بادروا بالأعمال ستاً : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، والدخان ، ودابة الأرض ، وخويصة أحدكم ، وأمر العامة ، قال قتادة : خويصة أحدكم : الموت . وأمر العامة : الساعة » .
وأخرج ابن ماجة عن أنس عن رسول الله صلى عليه وسلم قال(4/171)
« بادروا بالأعمال ستاً : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، ودابة الأرض ، والدجال ، وخويصة أحدكم ، وأمر العامه » .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « العظام سبع ، مضت واحدة وهي الطوفان وبقيت فيكم ست : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدجال ، ودابة الأرض ، ويأجوج ومأجوج ، والصور » .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تقوم الساعة حتى يلتقي الشيخان الكبيران فيقول أحدهما لصاحبه : متى ولدت؟ فيقول : زمن طلعت الشمس من مغربها » .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : كنا نحدِّث أن الآيات يتابعن تتابع النظام في الخيط عاماً فعاماً .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن عمرو قال : الآيات خرزات منظومات في سلك ، انقطع السلك فتبع بعضهن بعضاً .
وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الآيات بعد المائتين » .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود قال : أن الناس بعد الآية يصلون ويصومون ويحجون ، فيتقبل الله ممن كان يتقبل منه قبل الآية ، ومن لم يتقبل منه قبل الآية لم يتقبل منه بعد الآية .
وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها » .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر قال : يبيت الناس يسرون إلى جمع ، وتبيت دابة الأرض تسري إليهم ، فيصبحون وقد جعلتهم بين رأسها وذنبها ، فما من مؤمن الا تمسحه ، ولا منافق ولا كافر الا تخطمه ، وان التوبة لمفتوحة ، ثم يخرج الدخان فيأخذ المؤمن منه كهيئة الزكمة ، ويدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالشيء الخفيف ، وان التوبة لمفتوحة ، ثم تطلع الشمس من مغربها .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي في البعث عن حذيفة بن أسيد قال : أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من علية ونحن نتذاكر فقال « ماذا تذكرون؟قلنا : نتذاكر الساعة . قال فإنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات : الدخان ، والدجال ، وعيسى ابن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن أو اليمن تطرد الناس إلى المحشر ، تنزل معهم إذا نزلوا وتقيل معهم إذا قالوا » .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو قال : إن يأجوج ومأجوج ما يموت الرجل منهم حتى يولد له من صلبه ألف فصاعداً ، وان من ورائهم ثلاث أمم ما يعلم عدتهم إلا الله تعالى : منسك ، وتأويل ، وتاريس ، وان الشمس إذا طلعت كل يوم أبصرها الخلق كلهم ، فإذا غربت خرت ساجدة فتسلم وتستأذن فلا يؤذن لها ، ثم تستأذن فلا يؤذن لها ، ثم الثالثة فلا يؤذن لها فتقول : يا رب إن عبادك ينظروني والمدى بعيد؟ فلا يؤذن لها حتى إذا كان قدر ليلتين أو ثلاث قيل لها : اطلعي من حيث غربت فتطلع فيراها أهل الأرض كلهم ، وهي فيما بلغنا أول الآيات { لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل } فيذهب الناس فيتصدقون بالذهب الأحمر فلا يؤخذ منهم ، ويقال : لو كان بالأمس .(4/172)
وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي عن عبد الله بن مسعود أنه قال ذات يوم لجلسائه : أرأيتم قول الله عز وجل { تغرب في عين حمئة } [ الكهف : 86 ] ماذا يعني بها؟ قالوا : الله أعلم! قال : فإنها إذا غربت سجدت له وسبحته وعظمته وكانت تحت العرش ، فإذا حضر طلوعها سجدت له وسبحته وعظمته واستأذنته فيؤذن لها ، فإذا كان اليوم الذي تحبس فيه سجدت له وسبحته وعظمته ، ثم استأذنته فيقال لها : أثبتي . فإذا حضر طلوعها سجدت له وسبحته وعظمته ، ثم استأذنته فيقال لها : أثبتي . فتحبس مقدار ليلتين قال : ويفزع إليها المتهجدون ، وينادي الرجل جاره يا فلان ما شأننا الليلة ، لقد نمت حتى شبعت ، وصليت حتى أعيت؟! ثم يقال لها : إطلعي من حيث غربت . فذاك { يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل . . . } الآية .
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس قال : خطبنا عمر فقال : أيها الناس سيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم ، ويكذبون بالدجال ، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا .
وأخرج البخاري في تاريخه وأبو الشيخ في العظمة وابن عساكر عن كعب قال : إذا أراد الله أن تطلع الشمس من مغربها أدارها بالقطب ، فجعل مشرقها مغربها ومغربها مشرقها .
وأخرج ابن مردويه بسند واه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « خلق الله عند المشرق حجاباً من الظلمة على البحر السابع على مقدار ليالي الدنيا كلها ، فإذا كان غروب الشمس أقبل ملك من الملائكة قد وكل بالليل ، فيقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب ثم يستقبل المغرب ، فلا يزال يرسل تلك الظلمة من خلال أصابعه قليلاً قليلاً وهو يراعي الشفق ، فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها ، ثم ينشر جناحيه فيبلغان أقطار الأرض وأكناف السماء ، فيجاوزان ما شاء الله أن يجاوزا في الهواء ، فيشق ظلمة الليل بجناحيه بالتسبيح والتقديس لله حتى يبلغ المغرب على قدر ساعات الليل ، فإذا بلغ المغرب انفجر الصبح من المشرق ضم جناحيه وضم الظلمة بعضها إلى بعض بكفيه ، حتى يقبض عليها بكف واحدة مثل قبضته حين تناولها من الحجاب بالمشرق ، ثم يضعها عن المغرب على البحر السابع فمن هناك تكون ظلمة الليل ، فإذا حوّل ذلك الحجاب من المشرق إلى المغرب نفخ في الصور ، فضوء النهار من قبل الشمس وظلمة الليل من قبل ذلك الحجاب .
فلا تزال الشمس تجري من مطلعها إلى مغربها حتى يأتي الوقت الذي جعله الله لتوبة عباده ، فتستأذن الشمس من أين تطلع ويستأذن القمر من أين يطلع فلا يؤذن لهما ، فيحسبان مقدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر ، فلا يعرف مقدار حبسهما إلا قليل من الناس وهم بقية أهل الأرض وحملة القرآن ، يقرأ كل رجل منهم ورده في تلك الليلة ، حتى إذا فرغ منه نظر فإذا ليلته على حالها ، فيعود فيقرأ ورده فإذا فرغ منه نظر فإذا الليلة على حالها ، فيعود فيقرأ ورده فإذا فرغ منه نظر فإذا الليلة على حالها ، فلا يعرف طول تلك الليلة إلا حملة القرآن ، فينادي بعضهم بعضاً ، فيجتمعون في مساجدهم بالتضرع والبكاء والصراخ بقية تلك الليلة ومقدار تلك الليلة مقدار ثلاث ليال ، ثم يرسل الله جبريل عليه السلام إلى الشمس والقمر ، فيقول : إن الرب عزل وجل أمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منها فإنه لا ضوء لكما ولا نور . فتبكي الشمس والقمر من خوف يوم القيامة وخوف الموت ، فترجع الشمس والقمر فتطلعان من مغربهما .
فبينما الناس كذلك يبكون ويتضرعون إلى الله عز وجل والغافلون في غفلاتهم إذ نادى مناد : ألا أن باب التوبة قد أغلق والشمس والقمر قد طلعا من مغاربهما ، فينظر الناس فإذا بهما أسودان كالعكمين لا ضوء لهما ولا نور ، فذلك قوله { وجمع الشمس والقمر } [ القيامة : 9 ] فيرتفعان مثل البعيرين المقرونين المعقودين ، ينازع كل واحد منهما صاحبه استباقاً ، ويتصايح أهل الدنيا ، وتذهل الأمهات ، وتضع كل ذات حمل حملها ، فأما الصالحون والأبرار فإنه ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب لهم عبادة ، وأما الفاسقون والفجار فلا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب عليهم حسرة ، فإذا بلغت الشمس والقمر سرة السماء وهو منصفها جاءهما جبريل عليه السلام فأخذ بقرونهما فردهما إلى المغرب ، فلا يغربهما في مغاربهما ولكن يغربهما في باب التوبة .
فقال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وما باب التوبة؟ فقال : يا عمر خلق الله باباً للتوبة خلف المغرب وهو من أبواب الجنة ، له مصراعان من ذهب مكللان بالدر والياقوت والجوهر ، ما بين المصراع إلى المصراع مسيرة أربعين عاماً للراكب المسرع ، فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربها ، ولم يتب عبد من عباد الله توبة نصوحاً من لدن آدم إلى ذلك اليوم إلا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب ثم ترفع إلى الله ، فقال معاذ بن جبل : يا رسول الله وما التوبة النصوح؟ قال : أن يندم العبد على الذنب الذي أصاب فيهرب إلى الله منه ، ثم لا يعود إليه حتى يعود اللبن في الضرع . قال : فيغربهما جبريل في ذلك الباب ثم يرد المصراعين ، فيلتئم ما بينهما ويصيران كأنهما لم يكن فيهما صدع قط ولا خلل ، فإذا أغلق باب التوبة لم تقبل لعبد بعد ذلك توبة ولم تنفعه حسنة يعملها بعد ذلك إلا ما كان قبل ذلك ، فإنه يجري لهم وعليهم بعد ذلك ما كان يجري لهم قبل ذلك ، فذلك قوله تعالى { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً } .
فقال أبي بن كعب : يا رسول الله فداك أبي وأمي فكيف بالشمس والقمر بعد ذلك ، وكيف بالناس والدنيا . . . ؟! قال : يا أبي إن الشمس والقمر يكسيان بعد ذلك ضوء النور ، ثم يطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك ، وأما الناس فإنهم حين رأوا ما رأوا من تلك الآية وعظمها ، يلحون على الدنيا فيعمرونها ويجرون فيها الأنهار ، ويغرسون فيها الأشجار ، ويبنون فيها البنيان ، فاما الدنيا فإنه لو نتج مهراً لم يركب حتى تقوم الساعة من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى يوم ينفخ في الصور » .(4/173)
وأخرج نعيم بن حماد في الفتن والحاكم في المستدرك وضعفه عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « بين أذني الدجال أربعون ذراعاً ، وخطوة حمارة مسيرة ثلاثة أيام ، يخوض البحر كما يخوض أحدكم الساقية ، ويقول : أنا رب العالمين ، وهذه الشمس تجري باذني أتريدون أن أحبسها؟ فتحبس الشمس حتى يجعل اليوم كالشهر والجمعة ، ويقول : أتريدون أن أسيرها؟ فيقولون : نعم . فيجعل اليوم كالساعة ، وتأتيه المرأة فتقول : يا رب أحي لي أخي وابني وزوجي ، حتى انها تعانق شيطاناً وبيوتهم مملوءة شياطين ، ويأتيه الأعرابي فيقول : يا رب أحي لنا ابلنا وغنمنا ، فيعطيهم شياطين أمثال ابلهم وغنمهم سواء بالسن والسمة ، فيقولون : لو لم يكن هذا ربنا لم يحي لنا موتانا؟! ومعه جبل من فرق وعراق اللحم حار لا يبرد ، ونهر حار ، وجبل من جنان وخضرة ، وجبل من نار ودخان يقول : هذه جنتي ، وهذه ناري ، وهذا طعامي ، وهذا شرابي . واليسع عليه السلام معه ينذر الناس يقول : هذا المسيح الكذاب فاحذروه لعنه الله .
ويعطيه الله من السرعة والخفة ما لا يلحقه الدجال ، فإذا قال : أنا رب العالمين . قال له الناس : كذبت ، ويقول ، اليسع : صدق الناس . فيمر بمكة فإذا هو بخلق عظيم فيقول : من أنت؟ فيقول أنا ميكائيل بعثني الله لأمنعه من حرمه ، ويمر بالمدينة فإذا هو بخلق عظيم ، فيقول من أنت؟ فيقول : أنا جبريل بغثني الله لأمنعه من حرم رسوله .
فيمر الدجال بمكة فإذا رأى ميكائيل ولى هارباً ويصيح ، فيخرج إليه من مكة منافقوها ومن المدينة كذلك ، ويأتي النذير إلى الذين فتحوا القسطنطينية ، ومن تألف من المسلمين ببيت المقدس قال : فيتناول الدجال ذلك الرجل فيقول : هذا الذي يزعم أني لا أقدر عليه فاقتلوه ، فَيُنْشَر ثم يقول : أنا أحييه قم ولا يأذن الله لنفس غيرها فيقول : أليس قد أمتُّك ثم أَحْيَيْتُك؟ فيقول : الآن ازددت فيك يقيناً ، بشرني رسول الله صلى الله عليه وسلم انك تقتلني ثم أحيا باذن الله ، فيوضع على جلده صفائح من نحاس فلا يحيك فيه سلاحهم ، فيقول اطرحوه في ناري ، فيحوّل الله ذلك الجبل على النذير جناناً ، فيشك الناس فيه ويبادر إلى بيت المقدس ، فإذا صعد على عقبة أفيق وقع ظله على المسلمين فيوترون قسيهم لقتاله ، فاقواهم من برك أو جلس من الجوع والضعف ويسمعون النداء : جاءكم الغوث . فيقولون : هذا صوت رجل شبعان .
وتشرق الأرض بنور ربها ، وينزل عيسى ابن مريم ويقول : يا معشر المسلمين احمدوا ربكم وسبحوه ، فيفعلون ويريدون الفرار ، فيضيق الله عليهم الأرض فإذا أتوا باب لد في نصف ساعة فيوافقون عيسى ، فإذا نظر إلى عيسى يقول : أقم الصلاة . فيقول الدجال : يا نبي الله قد أقيمت الصلاة . . . ؟! فيقول : يا عدو الله زعمت انك رب العالمين فلمن تصلي؟ فيضربه بمقرعة فيقتله ، فلا يبقى أحد من أنصاره خلف شيء إلا نادى : يا مؤمن هذا دجَّال فاقتله ، فيمتعوا أربعين سنة لا يموت أحد ولا يمرض أحد ، ويقول الرجل لغنمه ولدوابه : اذهبوا فارعوا وتمر الماشية بين الزرعين لا تأكل منه سنبلة ، والحيات والعقارب لا تؤذي أحداً ، والسبع على أبواب الدور لا يؤذي أحداً ويأخذ الرجل المدَّ من القمح فيبدره بلا حرث فيجيء منه سبعمائة مد .
فيمكثون في ذلك حتى يكسر سد يأجوج ومأجوج ، فيموجون ويفسدون ويستغيث الناس فلا يستجاب لهم ، وأهل طور سينا هم الذين فتح الله عليهم فيدعون ، فيبعث الله دابة من الأرض ذات قوائم ، فتدخل في آذانهم فيصبحون موتى أجمعين ، وتنتن الأرض منهم فيؤذون الناس بنتنهم أشد من حياتهم ، فيستغيثون بالله ، فيبعث الله ريحاً يمانية غبراء ، فيصير على الناس غماً ودخاناً وتقع عليهم الزكمة ، ويكشف ما بهم بعد ثلاث وقد قذف جميعهم في البحر ، ولا يلبثون إلا قليلاً حتى تطلع الشمس من مغربها ، وجفت الأقلام وطويت الصحف ، ولا يقبل من أحد توبة ، ويخر إبليس ساجداً ينادي : إلهي مرني أن أسجد لمن شئت ، وتجتمع إليه الشياطين فتقول يا سيدنا إلى من تفزع؟ فيقول : إنما سألت ربي أن ينظرني إلى يوم البعث وقد طلعت الشمس من مغربها وهذا الوقت المعلوم .
وتصير الشياطين ظاهرة في الأرض حتى يقول الرجل : هذا قريني الذي يغويني فالحمد لله الذي أخزاه ، ولا يزال أبليس ساجداً باكياً حتى تخرج الدابة فتقتله وهو ساجد ويتمتع المؤمنون بعد ذلك أربعين سنة لا يتمنون شيئاً إلا أعطوه حتى تتم أربعون سنة بعد الدابة ، ثم يعود فيهم الموت ويسرع فلا يبقى مؤمن ، ويبقى الكفار يتهارجون في الطرق كالبهائم حتى ينكح الرجل أمه في وسط الطريق يقوم واحد عنها وينزل واحد ، وأفضلهم يقول : لو تنحيتم عن الطريق كان أحسن ، فيكون على مثل ذلك حتى لا يولد أحد من نكاح ، ثم يعقم الله النساء ثلاثين سنة ، ويكونون كلهم أولاد زنا شرار الناس عليهم تقوم الساعة » .(4/174)
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا طلعت الشمس من مغربها خر إبليس ساجداً ينادي ويجهر : إلهي مرني أسجد لمن شئت؟ فتجتمع إليه زبانيته فيقولون : يا سيدهم ما هذا التضرع؟! فيقول : إنما سألت ربي أن ينظرني إلى الوقت المعلوم وهذا الوقت المعلوم . قال : وتخرج دابة الأرض من صدع في الصفا ، فأول خطوة تضعها بانطاكية ، فتأتي إبليس فتخطمه » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : إذا طلعت الشمس من مغربها ذهب الرجل إلى المال كنزه ، فيستخرجه فيحمله على ظهره فيقول : من له في هذه؟ فيقال له : أفلا جئت به بالأمس؟ فلا يقبل منه ، فيجيء إلى المكان الذي احتفره فيضرب به الأرض ويقول : ليتني لم أرك .
وأخرج ابن أبي شيبة عن جندب بن عبد الله البجلي قال : استأذنت على حذيفة ثلاث مرات فلم يأذن لي فرجعت ، فإذا رسوله قد لحقني فقال : ما ردك؟ قلت ظننت أنك نائم . قال : ما كنت لأنام حتى أنظر من أين تطلع الشمس؟ قال ابن عون : فحدثت به محمداً فقال : قد فعله غير واحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي أسامة قال : إن صبح يوم القيامة يطول تلك الليلة كطول ثلاث ليال ، فيقوم الذين يخشون ربهم فيصلون ، حتى إذا فرغوا من صلاتهم أصبحوا ينظرون إلى الشمس من مطلعها ، فإذا هي قد طلعت من مغربها . والله أعلم .(4/175)
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : اختلفت اليهود والنصارى قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم فتفرقوا ، فلما بعث محمد أنزل عليه { إن الذين فرقوا دينهم . . . } الآية .
وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله { إن الذين فرقوا دينهم } قال : اليهود والنصارى ، تركوا الإِسلام والدين الذين أمروا به ، وكانوا { شيعاً } فرقاً . أحزاباً : مختلفة { لست منهم في شيء } نزلت بمكة ، ثم نسخها { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } [ النساء : 40 ] الآية .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس وكانوا شيعاً قال : مللاً شتى .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة في قوله { إن الذين فرقوا دينهم . . . } الآية . قال هم في هذه الأمة .
وأخرج الحكيم الترمذي وابن جرير والطبراني والشيرازي في الألقاب وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً } قال : هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً } قال : هم الحرورية .
وأخرج ابن أبي حاتم والنحاس وابن مردويه عن أبي غالب « أنه سئل عن هذه الآية { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً } فقال : حدثني أبو أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم الخوارج » .
وأخرج الحكيم الترمذي وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه وأبو نصر السجزي في الابانة والبيهقي في شعب الإِيمان عن عمر بن الخطاب « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : يا عائشة { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً } هم أصحاب البدع ، وأصحاب الأهواء ، وأصحاب الضلالة من هذه الأمة ليست لهم توبة ، يا عائشة إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ليس لهم توبة ، أنا منهم بريء وهم منى براء » .
وأخرج عبد بن حميد وعن ابن مسعود . أنه كان يقرأ { إن الذين فرقوا } بغير ألف .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب أنه قرأها { إن الذين فارقوا دينهم } بالألف .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة « سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ { فارقوا دينهم } » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إن الذين فرقوا دينهم } قال : هم اليهود والنصارى .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله { إن الذين فرقوا دينهم } قال : اليهود .(4/176)
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { إن الذين فرقوا دينهم } قال : تركوا دينهم ، وهم اليهود والنصارى { وكانوا شيعاً } قال : فرقاً { لست منهم في شيء } قال : لم تؤمر بقتالهم ، ثم نسخت فأمر بقتالهم في سورة براءة .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي الأحوص في قوله { لست منهم في شيء } قال : برىء منهم نبيكم صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مرة الطيب قال : ليس أمري أن لا يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ، ثم قرأ هذه الآية { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء } .
وأخرج ابن منيع في مسنده وأبو الشيخ عن أم سلمة قالت : ليتقين امرؤ أن لا يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ، ثم قرأت هذه الآية { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : رأيت يوم قتل عثمان ذراع أمراة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قد أخرجت من بين الحائط والستر ، وهي تنادي : ألا إن الله ورسوله بريئان من الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً .
وأخرج الحكيم الترمذي عن أفلح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه قال « أخوف ما أخاف على أمتي ثلاث : ضلالة الأهواء ، واتباع الشهوات في البطن والفرج ، والعجب » .(4/177)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)
أخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال : « لما نزلت { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } قال رجل من المسلمين : يا رسول الله لا إله إلا الله حسنة؟ قال » نعم ، أفضل الحسنات « » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود { من جاء بالحسنة } قال : لا إله إلا الله .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { من جاء بالحسنة } قال : لا إله إلا الله .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة أراه رفعه { من جاء بالحسنة } قال : لا إله إلا الله .
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : نزلت هذه الآية { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } وهم يصومون ثلاثة أيام من الشهر ويؤدون عشر أموالهم ، ثم نزلت الفرائض بعد ذلك صوم رمضان والزكاة .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن حبان عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال « أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أقول : والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت . فقلت له : قد قلته يا رسول الله . قال : فإنك لا تستطيع ذلك ، صم وافطر ، ونم وقم ، وصم من الشهر ثلاثة أيام ، فإن الحسنة بعشر أمثالها ، وذلك كصيام الدهر » .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صام ثلاثة أيام من كل شهر فذلك صيام الدهر ، فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } اليوم بعشرة أيام » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه « عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله علمني عملاً يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال : إذا عملت سيئة فاعمل حسنة ، فإنها عشر أمثالها . قلت : يا رسول الله لا إله إلا الله من الحسنات؟ قال : هي أحسن الحسنات » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنه قال : ما تقولون من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها لمن هي؟ قلنا للمسلمين . قال : لا والله ما هي إلا للأعراب خاصة ، فاما المهاجرون فسبعمائة .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } قال : إنما هي للأعراب ، ومضعفة للمهاجرين بسبعمائة ضعف .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر قال : نزلت هذه الآية في الاعراب { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } والاضعاف للمهاجرين . وفي لفظ : فقال رجل : يا أبا عبد الرحمن ما للمهاجرين؟ قال : ما هو أفضل من ذلك(4/178)
{ إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويُؤْتِ من لدنه أجراً عظيماً } [ النساء : 41 ] وإذا قال الله لشيء عظيم فهو عظيم .
وأخرج أحمد عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من اغتسل يوم الجمعة ، واستاك ، ومس من طيب إن كان عنده ، ولبس من أحسن ثيابه ، ثم خرج حتى يأتي المسجد ولم يتخط رقاب الناس ، ثم رجع ما شاء الله أن يركع ، ثم أنصت إذا الإِمام فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته ، كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها ، وكان أبو هريرة يقول : ثلاثة أيام زيادة ، إن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ومن جاء بالحسنة . . . } الآية . قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول « إذا هم العبد بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، وإذا هم بسيئة ثم عملها كتبت له سيئة » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه « من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة إلى أضعاب كثيرة ، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له واحدة أو يمحوها الله ، ولا يهلك على الله إلا هالك » .
وأخرج أحمد ومسلم وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يقول الله عز وجل : من عمل حسنة فله عشر أمثالها وأزيد ، ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو اغفر ، ومن عمل قراب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي شيئاً جعلت له مثلها مغفرة ، ومن اقترب إليَّ شبراً اقتربت إليه ذراعاً ، ومن اقترب إلى ذراعاً اقتربت إليه باعاً ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة » .
وأخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى وقوله الحق : إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة ، وإذا عملها فاكتبوها بعشر أمثالها ، وإذا هم بسيئة فلا تكتبوها ، فإن عملها فاكتبوها بمثلها ، فإن تركها فاكتبوها له حسنة ، ثم قرأ { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } » .
وأخرج أبو يعلى عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشراً ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شيء ، فإن عملها كتبت عليه سيئة » .
وأخرج الطبراني عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الجمعة كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ، وذلك لأن الله تعالى قال : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها » .(4/179)
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يحضر الجمعة ثلاثة نفر : رجل حضرها يلغو فهو حظه منها ، ورجل حضرها يدعو فإن شاء الله أعطاه وإن شاء منعه ، ورجل حضرها بانصات وسكوت ، ولم يتخُط رقبة مسلم ، ولم يؤذ أحداً ، فهي كفارة له إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام ، وذلك لأن الله يقول { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان يجده ، ثم أتى المسجد فلم يؤذ أحداً ، ولم يتخط أحداً ، كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الثانية وزيادة ثلاثة أيام ، لأن الله تعالى يقول » الحسنة بعشر أمثالها « » .
وأخرج ابن مردويه عن عثمان بن أبي العاصي قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » الحسنة بعشر أمثالها « » .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال « أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام الدهر ثلاثة أيام من كل شهر ، فإن الحسنه بعشر أمثالها » .
وأخرج ابن مردويه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر كله ، يوم بعشرة أيام { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } وأخرجه الخطيب عن علي موقوفاً » .
وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله جعل حسنة ابن آدم عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم ، والصوم لي وأنا أجزي به » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن حبان عن ابن عمرو « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خصلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة هما يسير ، ومن يعمل بهما قليل ، يسبح الله دبر كل صلاة عشراً ، ويحمد عشراً ، ويكبر عشراً ، فذلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان ، ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ، ويحمد ثلاثاً وثلاثين ، ويسبح ثلاثاً وثلاثين ، فذلك مائة باللسان وألف في الميزان ، وأيّكم يعمل في اليوم ألفين وخمسمائة سيئة؟ » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عبيدة بن الجراح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من عاد مريضاً ، أو أماط أذى عن طريق ، فحسنة بعشر أمثالها » .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : تعلموا القرآن واتلوه فإنكم تؤجرون به بكل حرف منه عشر حسنات ، أما أني لا أقول آلم عشر ولكن ألف ولام وميم ثلاثون حسنة ، ذلك بأن الله عز وجل يقول { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } .(4/180)
وأخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن خريم بن فاتك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « الناس أربعة والأعمال ستة . فموجبتان ، ومثل بمثل ، وعشرة أضعاف ، وسبعمائة ضعف ، فمن مات كافراً وجبت له النار ، ومن مات مؤمناً وجبت له الجنة ، والعبد يعمل بالسيئة فلا يجزى إلا بمثلها ، والعبد يهم بالحسنة فيكتب له حسنة ، والعبد يعمل بالحسنة فتكتب له عشراً ، والعبد ينفق النفقة في سبيل الله فيضاعف له سبعمائة ضعف ، والناس أربعة : فموسع عليه في الدنيا وموسع عليه في الآخرة ، وموسع عليه في الدنيا ومقتر عليه في الآخرة ، ومقتر عليه في الدنيا وموسع عليه في الآخرة ، ومقتر عليه في الدنيا والآخرة » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل حسنة يعملها العبد المسلم بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له بعشر أمثالها إلى سبعمائة وسبع أمثالها » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله ليعطي بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة ، ثم قرأ { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } » .
وأخرج أبو داود الطيالسي وابن حبان والبيهقي في الشعب عن أبي عثمان قال : كنا مع أبي هريرة في سفر ، فحضر الطعام فبعثنا إلى أبي هريرة ، فجاء الرسول فذكر أنه صائم ، فوضع الطعام ليؤكل ، فجاء أبو هريرة فجعل يأكل ، فنظروا إلى الرجل الذي أرسلوه فقال : ما تنظرون إلي ، قد والله أخبرني أنه صائم؟! قال : صدق ثم قال أبو هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « صوم شهر الصبر ، وثلاثة أيام من الشهر صوم الدهر ، فانا صائم في تضعيف الله ومفطر في تخفيفه ، ولفظ ابن حبان : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الشهر وقد صمت ثلاثة أيام من كل شهر كله وإني الشهر كله صائم ، ووجدت تصديق ذلك في كتاب الله { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } » .
وأخرج الطيالسي وأحمد والبيهقي في الشعب عن الأزرق بن قيس عن رجل من بني تميم قال : كنا على باب معاوية ومعنا أبو ذر فذكر أنا صائم ، فلما دخلنا ووضعت الموائد جهل أبو ذر يأكل ، فنظرت إليه فقال : ما لك؟! قلت : ألم تخبر أنك صائم؟ قال : بلى أقرأت القرآن؟ قلت : نعم .(4/181)
قال : لعلك قرأت المفرد منه ولم تقرأ المضعف { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر حسنة » قال : صوم الدهر يذهب مغلة الصدر . قلت : وما مغلة الصدر؟ قال : رجز الشيطان .
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي أيوب الأنصاري « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فذاك صيام الدهر » .
وأخرج أحمد والبيهقي عن جابر بن عبد الله « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من صام رمضان وستة أيام من شوال فكأنما صام السنة كلها » .
وأخرج البزار والبيهقي عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « صيام شهر بعشرة أشهر ، وستة أيام بعده بشهرين ، فلذك تمام السنة ، يعني رمضان وستة أيام بعده » .
وأخرج ابن ماجة عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } » .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : كانت أولى خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة « أنه قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليضعفن أحدكم ، ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ، ثم ليقولن له ربه ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه : ألم يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مالاً وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك؟ فينظر يميناً وشمالاً فلا يرى شيئاً ، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم . فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ، ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها يُجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والسلام على رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الحمد لله أحمده وأستعينه نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ان أحسن الحديث كتاب الله ، قد أفلح من زينه الله في قلبه ، وأدخله في الإِسلام بعد الكفر ، واختاره على ما سواه من أحاديث الناس أنه أحسن الحديث وأبلغه ، أحبوا من أحب الله ، أحبوا الله من كل قلوبكم ، ولا تملوا كلام الله تعالى وذكره ، ولا تقسوا عنه قلوبكم فإنه من كل يختار الله ويصطفي فقد سماه خيرته من الأعمال ، ومصطفاه من العباد ، والصالح من الحديث ، ومن كل ما أتى الناس من الحلال والحرام ، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، واتقوا الله حق تقاته ، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم ، وتحابوا بروح الله بينكم ، إن الله يغضب أن ينكث عهده ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته » .(4/182)
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)
أخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { ديناً قيماً } بكسر القاف ونصب الياء مخففة .
وأخرج أحمد وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن ابزى عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال « أصبحنا على فطرة الإِسلام ، وكلمة الاخلاص ، ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وملة أبينا إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ، وإذا أمسى قال ذلك » .(4/183)
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)
أخرج أبو الشيخ عن قتادة قال : ذكر لنا أن أبا موسى قال : وددت أن كل مسلم يقرأ هذه الآية مع ما يقرأ من كتاب الله { قل إن صلاتي ونسكي . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله { قل إن صلاتي } قال : صلاتي المفروضة { ونسكي } قال : يعني الحج .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير { إن صلاتي ونسكي } قال : ذبيحتي .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة { إن صلاتي ونسكي } قال : حجي ومذبحي .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ونسكي } قال : ذبيحتي في الحج والعمرة .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ونسكي } قال ضحيتي . وفي قوله { وأنا أول المسلمين } قال : من هذه الأمة .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها كل ذنب عملته ، وقولي : إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين . : يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة فأهل ذلك أنتم أم للمسلمين عامة؟ قال : بل للمسلمين عامة » .(4/184)
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولا ترز وازرة وزر أخرى } قال : لا يؤخذ أحد بذنب غيره .
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليس على ولد الزنا من وزر أبويه شيء ، لا تزر وازرة وزر أخرى » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مليكة قال : توفيت أم عمرو بنت أبان بن عثمان فحضرت الجنازة ، فسمع ابن عمر بكاء فقال : ألا تنهي هؤلاء عن البكاء ، فإن رسول الله صلى عليه وسلم قال « إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه » فأتيت عائشة فذكرت ذلك لها ، فقالت : والله إنك لتخبرني عن غير كاذب ولأمتهم ولكن السمع يخطىء ، وفي القرآن ما يكفيكم { ولا تزر وازرة وزر أخرى } .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن عروة قال : سئلت عائشة عن ولد الزنا فقالت : ليس عليه من خطيئة أبويه شيء ، وقرأت { ولا تزر وازرة وزر أخرى } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال : ولد الزنا خير الثلاثة ، إنما هذا شيء قاله كعب هو شر الثلاثة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ولا تزر وازرة وزر أخرى } قال : لا يحمل الله على عبد ذنب غيره ، ولا يؤاخذه إلا بعمله .(4/185)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض } قال : أهلك القرون واستخلفنا فيها من بعدهم { ورفع بعضكم فوق بعض درجات } قال : في الرزق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { جعلكم خلائف الأرض } قال : يستخلف في الأرض قوماً بعد قوم وقوماً بعد قوم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله { ورفع بعضكم فوق بعض درجات } يعني في الفضل والغنى { ليبلوكم فيما آتاكم } يقول ليبتليكم فيما أعطاكم ، ليبلوا الغني والفقير ، والشريف والوضيع ، والحر والعبد .(4/186)
المص (1)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { آلمص } قال : أنا الله أفصل .
وأخرج ابن جرير عن سعيد في قوله { آلمص } قال : أنا الله أفصل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن ابن عباس في قوله { آلمص } وطه ، وطسم ، ويس ، وص ، وحم ، وحم عسق ، وق ، ون ، وأشباه هذا فإنه قسم أقسم الله به ، وهي من أسماء الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { آلمص } قال : هو المصوّر .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي في قوله { آلمص } قال : الالف من الله ، والميم من الرحمن ، والصاد من الصمد .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك { آلمص } قال : أنا الله الصادق .(4/187)
كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس { فلا يكن في صدرك حرج منه } قال : الشك . وقال لأعرابي : ما الحرج فيكم؟ قال : الشك اللنهس .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { فلا يكن في صدرك حرج منه } قال : شك .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك { فلا يكن في صدرك حرج منه } قال : ضيق .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } أي هذا القرآن .(4/188)
فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم ، ثم قرأ { فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين } .
وأخرج ابن جرير عن مسعود مرفوعاً . مثله .(4/189)
فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس { فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين } قال : نسأل الناس عما أجابوا المرسلين ، ونسأل المرسلين عما بلغوا { فَلْنَقُصَّنَّ عليهم بعلم } قال : يوضع الكتاب يوم القيامة ، فيتكلم بما كانوا يعملون .
وأخرج عبد بن حميد عن قوله { فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين } قال : أحدهما الأنبياء وأحدهما الملائكة { فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين } قال : ذلك قول الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فلنسألن الذين أرسل إليهم } يقول : الناس نسألهم عن لا إله إلا الله { ولنسألن المرسلين } قال : جبريل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في قوله { فلنسألن الذين أرسل إليهم } قال : هل بلغكم الرسل { ولنسألن المرسلين } قال : ماذا ردوا عليكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم أبي عبد الرحمن . انه تلا هذه الآية فقال : يسأل العبد يوم القيامة عن أربع خصال . يقول ربك : ألم اجعل لك جسداً ففيم أبليته؟ الم اجعل لك علماً ففيم عملت بما علمت؟ ألم أجعل لك مالاً ففيم أنفقته في طاعتي أم في معصيتي؟ ألم اجعل لك عمراً ففيم أفنيته؟
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن وهيب بن الورد قال : بلغني أن أقرب الخلق إلى الله اسرافيل والعرش على كاهله ، فإذا نزل الوحي دلى اللوح من نحو العرش ، فيقرع جبهة اسرافيل فينظر فيه ، فيرسل إلى جبريل فيدعوه فيرسله ، فإذا كان يوم القيامة دعي اسرافيل فَيُؤْتَى به ترتعد فرائصه ، فيقال له : ما صنعت فيما أدى إليك اللوح؟ فيقول : أي رب أديته إلى جبريل . فَيُدْعَى جبريل فيؤتى به ترتعد فرائصه ، فيقال له : ما صنعت فيما أدى إليك إسرافيل؟ فيقول : أي رب بلغت الرسل . فيدعى بالرسل ترتعد فرائصهم ، فيقال لهم : ما صنعتم فيما أدى إليكم جبريل؟ فيقولون : أي رب بلغنا الناس . قال : فهو قوله { فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين } .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي سنان قال : أقرب الخلق إلى الله اللوح وهو معلق بالعرش ، فإذا أراد الله أن يوحي بشيء كتب في اللوح ، فيجيء اللوح حتى يقرع جبهة إسرافيل ، وإسرافيل قد غطى وجهه بجناحيه لا يرفع بصره اعظاماً لله ، فينظر فيه فإن كان إلى أهل السماء دفعه إلى ميكائيل ، وإن كان إلى أهل الأرض دفعه إلى جبريل ، فأول من يحاسب يوم القيامة ، اللوح يدعى به ترعد فرائصه ، فيقال له : هل بلغت؟ فيقول : نعم . فيقول ربنا : من يشهد لك؟ فيقول : اسرافيل . فيدعى إسرافيل ترعد فرائصه ، فيقال له : هل بلغك اللوح؟ فإذا قال نعم قال اللوح : الحمد لله الذي نجاني من سوء الحساب ، ثم كذلك .(4/190)
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال : إذا كان يوم القيامة يقول الله عز وجل : يا إسرافيل هات ما وكلتك به . فيقول : نعم يا رب في الصور كذا وكذا ثقبة ، وكذا روح الإِنس منها كذا وكذا ، وللجن منها كذا وكذا ، وللشياطين منها كذا وكذا ، وللوحوش منها كذا وكذا ، وللطير منها كذا كذا ، وللبهائم منها كذا وكذا ، وللهوام منها كذا وكذا ، وللحيتان منها كذا وكذا ، فيقول الله عز وجل : خذه من اللوح . فإذا هو مثلاً بمثل لا يزيد ولا ينقص ، ثم يقول عز وجل : هات ما وكلتك يا ميكائيل . فيقول : نعم يا رب أنزلت من السماء كذا وكذا كيلة ، وزنة كذا وكذا مثقالاً ، وزنة كذا وكذا قيراطاً ، وزنة كذا وكذا خردلة ، وزنة كذا وكذا درة ، أنزلت في سنة كذا وكذا كذا وكذا ، وفي شهر كذا وكذا كذا وكذا ، وفي جمعة كذا وكذا كذا وكذا ، وفي يوم كذا وكذا كذا وكذا ، وفي ساعة كذا وكذا كذا وكذا أنزلت للزرع منه كذا وكذا ، وأنزلت للشياطين منه كذا وكذا ، وأنزلت للانس منه كذا وكذا ، وأنزلت للبهائم كذا وكذا ، وأنزلت للوحوش كذا وكذا ، وللطير كذا وكذا ، وللحيتان كذا وكذا ، وللهوام كذا وكذا . فذلك كله كذا وكذا ، فيقول : خذه من اللوح . فإذا هو مثلاً بمثل لا يزيد ولا ينقص ، ثم يقول : يا جبريل هات ما وكلتك به . فيقول نعم يا رب أنزلت على نبيك فلان كذا وكذا آية في كذا وكذا ، في جعمة كذا وكذا ، في يوم كذا وكذا ، وأنزلت على نبيك فلان كذا وكذا آية ، وكذا وكذا سورة ، فيها كذا وكذا آية ، فذلك كذا وكذا آية ، فذلك كذا وكذا حرفاً ، وأهلكت كذا وكذا مدينة ، وخسفت بكذا وكذا . فيقول : خذه من اللوح . فإذا هو مثلاً بمثل لا يزيد ولا ينقص . ثم يقول هات ما وكلتك به يا عزرائيل . فيقول : نعم يا رب قبضت روح كذا وكذا إنسي ، وكذا وكذا جني ، وكذا وكذا شيطان ، وكذا وكذا غريق ، وكذا وكذا حريق ، وكذا وكذا كافر ، وكذا وكذا شهيد ، وكذا وكذا هديم ، وكذا وكذا لديغ ، وكذا وكذا في سهل ، وكذا وكذا في جبل ، وكذا وكذا طير ، وكذا وكذا هوام ، وكذا وكذا وحش ، فذلك كذا وكذا جملته كذا وكذا ، فيقول : خذه من اللوح . فإذا هو مثلاً بمثل لا يزد ولا ينقص .
وأخرج أحمد عن معاوية بن حيدة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن ربي دَاعِيَّ وأنه سائلي هل بلغت عبادي ، وإني قائل رب إني قد بلغتهم فليبلغ الشاهد منكم الغائب ، ثم إنكم تدعون مفدمة أفواهكم بالفدام ، إن أول ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن طاوس .(4/191)
أنه قرأ هذه الآية فقال الإِمام يسأل عن الناس ، والرجل يسأل عن أهله ، والمرأة تسأل عن بيت زوجها ، والعبد يسأل عن مال سيده .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإِمام يسأل عن الناس ، والرجل يسأل عن أهله ، والمرأة تسأل عن بيت زوجها ، والعبد يسأل عن مال سيده » .
وأخرج ابن حبان وأبو نعيم عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته » .
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فأعدوا للمسائل جواباً . قالوا : وما جوابها؟ قال : أعمال البر » .
وأخرج الطبراني في الكبير عن المقدام « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يكون رجل على قوم إلا جاء يقدمهم يوم القيامة ، بين يديه راية يحملها وهم يتبعونه ، فيسأل عنه ويسألون عنه » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من أمير يؤمر على عشرة إلا سُئِلَ عنهم يوم القيامة » .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : أن الله سائل كل ذي رعية عما استرعاه أقام أمر الله فيهم أم أضاعه ، حتى أن الرجل ليسأل عن أهل بيته .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم « أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة ينظر في صلاته فإن صلحت فقد أفلح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر » .(4/192)
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)
أخرج اللالكائي في السنة والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب قال « بينا نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم في أناس إذ جاء رجل ليس عليه سحناء سفر ، وليس من أهل البلد ، يتخطى حتى ورك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجلس أحدنا في الصلاة ، ثم وضع يده على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ما الإِسلام؟ قال : الإِسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأن تقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتحج وتعتمر ، وتغتسل من الجنابة ، وتتم الوضوء ، وتصوم رمضان ، قال : فإن فعلت هذا فأنا مسلم؟ قال نعم . قال : صدقت يا محمد قال : ما الإِيمان؟ قال : الإِيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وتؤمن بالجنة والنار والميزان ، وتؤمن بالبعث بعد الموت ، وتؤمن بالقدر خيره وشره . قال : فإذا فعلت هذا فأنا مؤمن؟ قال : نعم . قال : صدقت » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { والوزن يومئذ الحق } قال : العدل { فمن ثقلت موازينه } قال : حسناته { ومن خفت موازينه } قال : حسناته .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن عبد الله بن العيزار قال : إن الإِقدام يوم القيامة لمثل النبل في القرن ، والسعيد من وجد لقدميه موضعاً ، وعند الميزان ملك ينادي : ألا إن فلان بن فلان ثقلت موازينه وسعد سعادة لن يشقي بعدها أبداً ، ألا إن فلان خَفَّتْ موازنيه وشقى شقاء لن يسعد بعده أبداً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { والوزن يومئذ الحق } قال : توزن الأعمال .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال : إنما يوزن من الأعمال خواتيمها ، فمن أراد الله به خيراً ختم له بخير عمله ، ومن أراد به شراً ختم له بشر عمله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحارث الأعور قال : إن الحق ليثقل على أهل الحق كثقله في الميزان ، وأن الحق ليخف على أهل الباطل كخفته في الميزان .
وأخرج ابن المنذر واللالكائي عن عبد الملك بن أبي سليمان قال : ذكر الميزان عند الحسن فقال : له لسان وكفتان .
وأخرج أبو الشيخ عن كعب قال : يوضع الميزان بين شجرتين عند بيت المقدس .
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير واللالكائي عن حذيفة قال : صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام ، يرد بعضهم على بعض فيؤخذ من حسنات الظالم فترد على المظلوم ، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فردت على الظالم .
وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي في قوله { والوزن يومئذ الحق } قال : أخبرني أبو صالح عن ابن عباس أنه قال : له لسان وكفتان يوزن ، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ومنازلهم في الجنة بما كانوا بآياتنا يظلمون .(4/193)
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة في قوله { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون } قال : للنبي صلى الله عليه وسلم بعض أهله : يا رسول الله هل يذكر الناس أهليهم يوم القيامة؟ قال « أما في ثلاث مواطن فلا : عند الميزان ، وعند تطاير الصحف في الأيدي ، وعند الصراط » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : يحاسب الناس يوم القيامة ، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحده دخل النار ، ثم قرأ { فمن ثقلت موازينه } الآيتين . ثم قال . إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ، ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف ، فوقفوا على الأعراف .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإِخلاص عن علي بن أبي طالب قال : من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه يوم القيامة ، ومن كان باطنه أرجح من ظاهره ثقل ميزانه يوم القيامة .
وأخرج أبو الشيخ عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يوضع الميزان يوم القيامة فيوزن الحسنات والسيئات ، فمن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة ، ومن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار » .
وأخرج البزار وابن مردويه واللالكائي والبيهقي عن أنس رفعه قال : إن ملكاً موكل بالميزان ، فيؤتى بالعبد يوم القيامة فيوقف بين كفتي الميزان ، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق : سعد فلان بن قلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً ، وإن خفت ميزانه نادى الملك : شقى فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والآجري في الشريعة والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن عائشة . أنها ذكرت النار فبكت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مالك . . ؟! قالت : ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال : أما في ثلاث مواطن فلا يذكر أحداً حيث توضع الميزان حتى يعلم اتخف ميزانه أم تثقل ، وعند تطاير الكتب حين يقال { هاؤم اقرأوا كتابيه } [ الحاقة : 19 ] حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أو من وراء ظهره ، وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم حافتاه كلاليب كثيرة وحسك كثير يحبس الله بها من شاء من خلقه حتى يعلم أينجو أم لا » .
وأخرج الحاكم وصححه عن سليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت ، فتقول الملائكة : يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول الله : لمن شئت من خلقي . فتقول الملائكة : سبحانك . . . ! ما عبدناك حق عبادتك ، ويوضع الصراط مثل حد الموسى ، فتقول الملائكة : من تنحى على هذا؟ فيقول : من شئت من خلقي . فيقولون : سبحانك . . . ! ما عبدناك حق عبادتك » .(4/194)
وأخرج ابن المبارك في الزهد والآجري في الشريعة واللالكائي عن سلمان قال : يوضع الميزان وله كفتان لو وضع في إحداهما السموات والأرض ومن فيهن لوسعه ، فتقول الملائكة : من يزن هذا؟ فيقول : من شئت من خلقي . فتقول الملائكة : سبحانك . . . ! ما عبدناك حق عباتك .
وأخرج ابن مردويه عن عائشة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خلق الله كفتي الميزان مثل السماء والأرض . فقالت الملائكة : يا ربنا من تزن بهذا؟ قال : أزن به من شئت . وخلق الله الصراط كحد السيف فقالت الملائكة : يا ربنا من تجيز على هذا؟ قال : أجيز عليه من شئت » .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال : الميزان له لسان وكفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات ، فيؤتى بالحسنات في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان ، فتثقل على السيئات فتؤخذ فتوضع في الجنة عند منازله ، ثم يقال للمؤمن : الحق بعملك . فينطلق إلى الجنة فيعرف منازله بعمله ، ويؤتى بالسيئات في أقبح صوره فتوضع في كفة الميزان ، فتخف والباطل خفيف فتطرح في جهنم إلى منازله فيها ، ويقال له : الحق بعملك إلى النار . فيأتي النار فيعرف منازله بعمله وما أعد الله له فيها من ألوان العذاب . قال ابن عباس : فلهم أعرف بمنازلهم في الجنة والنار بعملهم من القوم ينصرفون يوم الجمعة راجعين إلى منازلهم .
وأخرج الترمذي وحسنه والبيهقي في البعث عن أنس قال : « سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال » أنا فاعل . قلت : يا رسول الله أين أطلبك؟ قال : أطلبني أول ما تطلبني على الصراط . قلت : فإن لم ألقك على الصراط؟ قال : فاطلبني عند الميزان . قلت : فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال : فاطلبني عند الحوض ، فإني لا أخطىء هذه الثلاثة مواطن « » .
وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه واللالكائي والبيهقي في البعث عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر ، فيقول : أتنكر من هذا شيئاً ، أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول : لا يا رب . فيقول : أفلك عذراً وحسنة؟ فيهاب الرجل فيقول : لا يا رب . فيقول : بلى إن لك عندنا حسنة ، وأنه لا أظلم عليك اليوم . فيخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال : إنك لا تظلم . فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ، ولا يثقل مع اسم الله شيء » .(4/195)
وأخرج أحمد بسند حسن عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم « توضع الموازين يوم القيامة فيؤتي بالرجل فيوضع في كفه ويوضع ما أحصى عليه فتمايل به الميزان فيبعث به إلى النار فإذا أدبر به ، صائح يصيح عند الرحمن : لا تعجلوا لا تعجلوا فإنه قد بقي له . فيؤتى ببطاقة فيها : لا إله إلا الله . فتوضع مع الرجل في كفة حتى تميل به الميزان » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والنميري في كتاب الأعلام عن عبد الله بن عمرو قال « إن لآدم عليه السلام من الله عز وجل موقفاً في فسح من العرش ، عليه ثوبان أخضران كأنه سحوق ، ينظر إلى من ينطلق به من ولده إلى الجنة ، وينظر إلى من ينطلق به من ولده إلى النار ، فبينا آدم على ذلك إذ نظر إلى رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينطلق به إلى النار ، فينادي آدم : يا أحمد . فيقول : لبيك يا أبا البشر . فيقول هذا رجل من أمتك ينطلق به إلى النار ، فأشد المئزر وأسرع في أثر الملائكة وأقول : يا رسل ربي قفوا . فيقولون : نحن الغلاظ الشداد الذين لا نعصي الله ما أمرنا ونفعل ما نؤمر . فإذا أيس النبي صلى الله عليه وسلم قبض على لحيته بيده اليسرى واستقبل العرش بوجهه ، فيقول : يا رب قد وعدتني أن لا تخزيني في أمتي؟ فيأتي النداء من عند العرش : أطيعوا محمداً وردوا هذا العبد إلى المقام . فأخرج من حجزتي بطاقة بيضاء كالأنملة ، فألقيها في كفة الميزان اليمنى وأنا أقول : بسم الله . فترجح الحسنات على السيئات ، فينادي سعد وسعد جده وثقلت موازينه : انطلقوا به إلى الجنة ، فيقول : يا رسل ربي قفوا حتى أسأل هذا العبد الكريم على ربه . فيقول : بأبي أنت وأمي ما أحسن وجهك وأحسن خلقك من أنت؟ فقد : أقلتني عثرتي . فيقول : أنا نبيك محمد ، وهذه صلاتك التي كنت تصلي علي ، وافتك أحوج ما تكون إليها » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر عن النبي صى الله عليه وسلم قال « أول ما يوضع في ميزان العبد نفقته على أهله » .
وأخرج البخاري ومسلم والترميذي والنسائي وابن ماجة واللالكائي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « والذي نفسي بيده لو جيء بالسموات والأرض ومن فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان ، ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن » .(4/196)
وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار وأبو يعلى والطبراني والبيهقي بسند جيد عن أنس قال : لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال « ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال : بلى يا رسول الله . قال عليك بحسن الخُلق وطول الصمت ، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ميمون بن مهران قال : قلت لأم الدرداء : أما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً؟ قالت : نعم ، دخلت عليه فسمعته يقول « أول ما يوضع في الميزان الخُلق الحسن » .
وأخرج أبو داود والترمذي وصححه وابن حبان واللالكائي عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من شيء يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خُلق حسن » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب قال : أعطيت ناقة في سبيل الله ، فأردت أن أشتري من نسلها ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال « دعها تأتي يوم القيامة هي وأولادها جميعاً في ميزانك » .
وأخرج أبو نعيم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قضى لأخيه حاجة كنت واقفاً عند ميزانه ، فإن رجح وإلا شفعت » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن مغيث بن سميّ وعن مسروق قالا : تعبَّد راهب في صومعة ستين سنة ، فنظر يوماً في غب سماء فقال : لو نزلت فإني لا أرى أحداً فشربت من الماء وتوضأت ثم رجعت إلى مكاني ، فتعرضت له امرأة فتكشفت له ، فلم يملك نفسه إن وقع عليها ، فدخل بعض تلك الغدران يغتسل فيه ، وأدركه الموت وهو على تلك الحال ، ومر به سائل فأوما إليه أن خذ الرغيف رغيفاً كان في كسائه ، فأخذ المسكين الرغيف ومات ، فجيء بعمل ستين سنة فوضع في كفة ، وجيء بخطيئته فوضعت في كفة ، فرجحت بعمله حتى جيء بالرغيف ، فوضع مع عمله فرجح بخطيئته .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن سفينة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « بخ بخ خمس ما أثقلهن في الميزان . سبحان الله ، ولا إله إلا الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، وفرط صالح يفرطه المسلم » .
وأخرج أبو يعلى وابن حبان عن عمرو بن حريث « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما أنفقت عن خادمك من عمله كان لك أجره في موازينك » .
وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(4/197)
« من توضأ فمسح بثوب نظيف فلا بأس به ومن لم يفعل فهو أفضل ، لأن الوضوء يوزن يوم القيامة مع سائر الأعمال » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن المسيب أنه كره المنديل بعد الوضوء ، وقال : هو يوزن .
وأخرج الترمذي والبيهقي في شعب الإِيمان عن الزهري قال : إنما كره المنديل بعد الوضوء لأن كل قطره توزن .
وأخرج المرهبي في فضل العلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودماء الشهداء ، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء » .
وأخرج الديلمي من حديث ابن عمر وابن عمرو . مثله .
وأخرج عبد البر في فضل العلم عن إبراهيم النخعي قال : يجاء بعمل الرجل فيوضع في كفة ميزانه يوم القيامة فيخف ، فيجاء بشيء أمثال الغمام فيوضع في كفة ميزانه فترجح ، فيقال له : أتدري ما هذا؟ فيقول : لا . فيقال له : هذا فضل العلم الذي كنت تعلمه الناس .
وأخرج ابن المبارك في الزهد عن حماد بن أبي سليمان قال : يجيء رجل يوم القيامة فيرى عمله محتقراً ، فبينما هو كذلك إذ جاءه مثل السحاب حتى يقع في ميراثه ، فيقال : هذا ما كنت تعلم الناس من الخير فورث بعدك فأجرت فيه .
وأخرج ابن المبارك عن أبي الدرداء قال : من كان الأجوفان همه خسر ميزانه يوم القيامه .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ليث قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : أمة محمد أثقل الناس في الميزان ، ذلت ألسنتهم بكلمة ثقلت على من كان قبلهم : لا إله إلا الله .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أيوب قال : سمعت من غير واحد من أصحابنا : أن العبد يوقف على الميزان يوم القيامة فينظر في الميزان ، وينظر إلى صاحب الميزان فيقول صاحب الميزان : يا عبد الله أتفقد من عملك ذلك شيئاً؟ فيقول : نعم . فيقول : ماذا؟ فيقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . فيقول صاحب الميزان : هي أعظم من أن توضع في الميزان . قال موسى بن عبيدة : سمعت أنها تأتي يوم القيامة تجادل عمن كان يقولها في الدنيا جدال الخصم .
وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي الأزهر زهير الأنماري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه قال « اللهمَّ أغفر لي ، وأخسَّ شيطاني ، وفكَّ رهاني ، وثَقِّلْ ميزاتي ، واجعلني في النديّ الأعلى » .(4/198)
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله { ولقد خلقناكم ثم صورناكم } قال : خلقوا في أصلاب الرجال ، وصوروا في أرحام النساء .
وأخرج الفريابي عق ابن عباس في الآية قال : خلقوا في ظهر آدم ، ثم صوروا في الأرحام .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في الآية عن ابن عباس قال : أما قوله { خلقناكم } فآدم { ثم صورناكم } فذريته .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ولقد خلقناكم } قال : آدم { ثم صورناكم } قال : في ظهر آدم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { ولقد خلقناكم ثم صورناكم } قال : خلق الله آدم من طين ، ثم صوركم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاماً ، ثم كسى العظام لحماً .
وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن الكلبي { ولقد خلقناكم ثم صورناكم } قال : خلق الإِنسان في الرحم ، ثم صوره فشق سمعه وبصره وأصابعه .(4/199)
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } قال : حسد عدو الله إبليس آدم على ما أعطاه الله من الكرامة ، وقال : أنا ناري وهذا طيني ، فكان بدء الذنوب الكبر ، استكبر عدو الله أن يسجد لآدم فأهلكه الله بكبره وحسده .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح قال : خلق إبليس من نار العزة ، وخلقت الملائكة من نور العزة .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { خلقتني من نار وخلقته من طين } قال : قاس إبليس وهو أول من قاس .
وأخرج أبو نعيم في الحلية والديلمي عن جعفر بن محمد عن جده « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال أو من قاس أمر الدين برأيه إبليس . قال الله له : اسجد لآدم . فقال { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } قال جفعر : فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس لأنه اتبعه بالقياس » .(4/200)
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)
أخرج أبو الشيخ عن السدي { فما يكون لك أن تتكبر فيها } يعني فما ينبغي لك أن تتكبر فيها .(4/201)
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم واللالكائي في السنة عن ابن عباس { فبما أغويتني } قال : أضللتني .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق بقية عن أرطاة عن رجل من أهل الطائف في قوله { فبما أغويتني } قال : عرف إبليس أن الغواية جاءته من قبل الله فآمن بالقدر .
وأخرج ابن شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } قال : الحق .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله { لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم } قال طريق مكة .
وأخرج عبد بي حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عون بن عبد الله { لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم } قال طريق مكة .
وأخرج أبو الشيخ من طريق عون عن ابن مسعود . مثله .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : ما من رفقة تخرج إلى مكة إلا جهز إبليس معهم بمثل عدتهم .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في الآية يقول : أقعد لهم فأصدهم عن سبيلك .
وأخرج أحمد والنسائي وابن حبان والطبراني والبيهقي في شعب الإِيمان عن سبرة ابن الفاكه « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الشيطان قعد لابن آدم في طرقه ، فقعد له بطريق الإِسلام فقال : تسلم وتذر دينك ودين آبائك؟ فعصاه فأسلم ، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال له : أتهاجر وتذر أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كالفرس في طوله؟ فعصاه فهاجر ، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال : هو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال؟ فعصاه فجاهد . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك منهم فمات أو وقصته دابته فمات كان حقاً على الله أن يدخله الجنة » .(4/202)
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { ثم لآتينهم من بين أيديهم } قال : أشككهم في آخرتهم { ومن خلفهم } فأرغبهم في دنياهم { وعن أيمانهم } أشبه عليهم أمر دينهم { وعن شمائلهم } استن لهم المعاصي وأخف عليهم الباطل { ولا تجد أكثرهم شاكرين } قال : موحدين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { ثم لآتينهم من بين أيديهم } من قبل الدنيا { ومن خلفهم } من قبل الآخره { وعن أيمانهم } من قبل حسناتهم { وعن شمائلهم } من قبل سيئاتهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ثم لآيتنَّهم من بين أيديهم } قال لهم : أن لا بعث ولا جنة ولا نار ومن خلفهم من أمر الدنيا فزينها لهم ودعاهم إليها { وعن أيمانهم } من قبل حسناتهم ابطأهم عنها { وعن شمائلهم } زين لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها ، أتاك يا ابن آدم من قبل وجهك غير أنه لم يأتك من فوقك ، لا يستطيع أن يكون بينك وبين رحمة الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير واللالكائي في السنة عن ابن عباس في الآية قال : لم يستطع أن يقول : من فوقهم . علم أن الله فوقهم . وفي لفظ : لأن الرحمة تنزل من فوقهم .
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال : يأتيك يا ابن آدم من كل جهة غير أنه لا يستطيع أن يحول بينك وبين رحمة الله ، إنما تأتيك الرحمة من فوقك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال : قال إبليس : لآتينَّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن إيمانهم وعن شمائلهم . قال الله : أنزل عليهم الرحمة من فوقهم .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح في قوله { ثم لآتينهم من بين أيديهم } من سبل الحق { ومن خلفهم } من سبل الباطل { وعن أيمانهم } من أمر الآخره { وعن شمائلهم } من الدنيا .
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم عن ابن عمر قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هذه الدعوات حين يصبح وحين يمسي « اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي » .(4/203)
قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قال أخرج منها مذءوماً } قال : ملوماً { مدحوراً } قال : مقيتاً .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { مذءوماً } قال : مذموماً { مدحوراً } قال : منفياً .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { مذءوماً } قال : منفياً { مدحوراً } قال : مطروداً .
وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { مذءوماً } قال : معيباً { مدحوراً } قال : منفياً .(4/204)
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)
أخرج ابن جرير عن محمد بن قيس قال : نهى الله آدم وحوّاء أن يأكلا من شجرة واحدة في الجنة ، فجاء الشيطان فدخل في جوف الحية ، فكلم حوّاء ووسوس إلى آدم فقال : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ، فقطعت حوّاء الشجرة فدميت الشجرة وسقط عنهما رياشهما الذي كان عليهما { وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدوّ مبين } ، لم أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال : يا رب أطعمتني حواء . قال لحوّاء : لم أطعمتيه؟ قالت : أمرتني الحية . قال للحية : لم أمرتها؟ قالت : أمرني إبليس . قال : ملعون مدحور ، أما أنت ياحوّاء كما أدميت الشجرة تدمين في كل هلال ، وأما أنت يا حية فأقطع قوائمك فتمشين جراً على وجهك ، وسيشدخ رأسك من لقيك بالحجر ، اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ .
وأخرج ابن المنذر عن أبي غنيم سعيد بن حدين الحضرمي قال : لما أسكن الله آدم وحوّاء الجنة خرج آدم يطوف في الجنة ، فاغتنم إبليس غيبته فأقبل حتى بلغ المكان الذي فيه حوّاء ، فصفر بقصبة معه صفيراً سمعته حواء ، وبينها وبينه سبعون قبة بعضها في جوف بعض ، فأشرفت حواء عليه فجعل يصفر صفيراً لم يسمع السامعون بمثله من اللذة والشهوة والسماع حتى ما بقي من حواء عضو مع آخر إلا تخلج ، فقالت : أنشدك بالله العظيم لما أقصرت عني فإنك قد أهلكتني ، فنزع القصبة ثم قلبها فصفر صفيراً آخر ، فجاش البكاء والنوح والحزن بشيء لم يسمع السامعون بمثله حتى قطع فؤادها بالحزن والبكاء ، فقالت : أنشدك بالله العظيم لما أقصرت عني ، ففعل فقالت له : ما هذا الذي جئت به؟ أخذتني بأمر الفرح وأخذتني بأمر الحزن . قال : ذكرت منزلتكما من الجنة وكرامة الله إياكما ففرحت لكما بمكانكما ، وذكرت إنكما تخرجان منها فبكيت لكما وحزنت عليكما ، ألم يقل لكما ربكما متى تأكلان من هذه الشجرة تموتان وتخرجان منها؟ أنظري إليّ يا حواء ، فإذا أنا أكلتها فإن أنا مت أو تغير من خلقي شيء فلا تأكلا منها ، أقسم لكما بالله إني لكما من الناصحين . فانطلق إبليس حتى تناول من تلك الشجرة فأكل منها ، وجعل يقول : يا حواء انظري هل تغير من خلقي شيء أم هل مت قد أخبرتك ما أخبرتك . ثم أدبر منطلقاً .
وأقبل آدم من مكانه الذي كان يطوف به من الجنة فوجدها منكبة على وجهها حزينة ، فقال لها آدم : ما شأنك . . . ؟! قالت أتاني الناصح المشفق قال : ويحك . . . ! لعله إبليس الذي حذرناه الله؟ قالت : يا آدم والله لقد مضى إلى الشجرة فأكل منها وأنا أنظر فما مات ولا تغير من جسده شيء ، فلم تزل به تدليه بالغرور حتى مضى آدم وحواء إلى الشجرة ، فأهوى آدم بيده إلى الثمرة ليأخذها ، فناداه جميع شجر الجنة : يا آدم لا تأكلها فإنك إن أكلتها تخرج منها ، فعزم آدم على المعصية فأخذ ليتناول الشجرة ، فجعلت الشجرة تتطاول ثم جعل يمدّ يده ليأخذها ، فلما وضع يده على الثمرة اشتدت ، فلما رأى الله منه العزم على المعصية أخذها وأكل منها ، وناول حواء فأكلت ، فسقط منها لباس الجمال الذي كان عليها في الجنة ، وبدت لهما سوءاتهما ، وابتدرا يستكنان بورق الجنة يخصفان عليهما من ورق الجنة ويعلم الله يُنظر أيهما .(4/205)
فأقبل الرب في الجنة فقال : يا آدم أين أنت أخرج؟ قال : يا رب أنا ذا أستحي أخرج إليك . قال : فلعلك أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال : يا رب هذه التي جعلتها معي أغوتني . قال : فمتى تختبىء يا آدم؟ أو لم تعلم أن كل شيء لم يا آدم ، وأنه لا يخفى عليّ شيء في ظلمة ولا في نهار؟ قال : فبعث إليهما ملائكة يدفعان في رقابهما حتى أخرجوهما من الجنة ، فأوقفا عريانين وإبليس معهما بين يدي الله ، فعند ذلك قضى عليهما وعلى إبليس ما قضى ، وعند ذلك أهبط إبليس معهما ، وتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ، وأهبطوا جميعاً .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن وهب بن منبه في قوله { ليبدي لهما ما وُوريَ عنهما من سوءاتهما } قال : كان على كل واحد منهما نور لا يبصر كل واحد منهما عورة صاحبه ، فلما أصابا الخطيئة نزع منهما .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : ليهتك لباسهما وكان قد علم أن لهما سوءة لما كان يقرأ من كتب الملائكة ، ولم يكن آدم يعلم ذلك ، وكان لباسهما الظفر .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أتاهما إبليس قال : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين تكونا مثله يعني مثل الله عز وجل فلم يصدقاه حتى دخل في جوف الحية فكلمهما .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه كان يقرأ { إلا أن تكونا ملكين } بكسر اللام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أنه كان يقرأ { الا أن تكونا ملكين } بنصب اللام من الملائكة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله { إلا أن تكونا ملكين } قال : ذكر تفضيل الملائكة فضلوا بالصور ، وفضلوا بالأجنحة ، وفضلوا بالكرامة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه قال : إن في الجنة شجرة لها غصنان أحدهما تطوف به الملائكة ، والآخر قوله { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين } يعني الملائكة الذين يطوفون بذلك الغصن .(4/206)
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس . أنه كان يقرأ هذه الآية { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين } فإن أخطأكما أن تكونا ملكين لم يخطئكما أن تكونا خالدين ، فلا تموتان فيها أبداً { وقاسمهما } قال : حلف لهما { إني لكما لمن الناصحين } .
وأخرج بن أبي حاتم عن السدي في قوله { أو تكونا من الخالدين } يقول : لا تموتون أبداً . وفي قوله { وقاسمهما } قال : حلف لهما بالله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين } قال : حلف لهما بالله حتى خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله . قال لهما : إني خلقت قبلكما وأعلم منكما فاتبعاني أرشدكما قال قتادة : وكان بعض أهل العلم يقول : من خادعنا بالله خدعنا .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال : في بعض القراءة { وقاسمهما بالله إني لكما لمن الناصحين } .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب في قوله { فدلاهما بغرور } قال : مناهما بغرور .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما } وكانا قبل ذلك لا يريانها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عكرمة قال : لباس كل دابة منها ولباس الإِنسان الظفر ، فأدركت آدم التوبة عند ظفره .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس قال : كان لباس آدم وحواء كالظفر ، فلما أكلا من الشجرة لم يبق عليهما إلا مثل الظفر { وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } قال : ينزعان ورق التين فيجعلانه على سوءاتهما .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما أسكن الله آدم الجنة كساه سربالاً من الظفر ، فلما أصاب الخطيئة سلبه السربال فبقي في أطراف أصابعه .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : كان لباس آدم الظفر بمنزلة الريش على الطير ، فلما عصى سقط عنه لباسه وتركت الأظفار زينة ومنافع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال : كان لباس آدم في الجنة الياقوت فلما عصى تقلص فصار الظفر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : كان آدم طوله ستون ذراعاً ، فكساه الله هذا الجلد وأعانه بالظفر يحتك به .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وطفقا يخصفان } قال : يرقعان كهيئة الثوب .(4/207)
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وطفقا يخصفان عليهما } قال : أقبلا يغطيان عليهما .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { يخصفان عليهما من ورق الجنة } قال : يوصلان عليهما من ورق الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله { وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } قال : يأخذان ما يواريان به عورتهما .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي { وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة } قال : آدم : رب انه حلف لي بك ، ولم أكن أظن أن أحداً من خلقك يحلف بك إلا صادقاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قالا } قال : آدم وحواء { رَبنا ظلمنا أنفسنا } يعني ذنباً أذنبناه فغفره لهما .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا . . . } الآية . قال : هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك . مثله .
وأخرج أحمد في الزهد وأبو الشيخ عن قتادة قال : إن المؤمن ليستحي ربه من الذنب إذا وقع به ، ثم يعلم بحمد الله أين المخرج يعلم أن المخرج في الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل ، فلا يحتشمن رجل من التوبة ، فإنه لولا التوبة لم يخلص أحد من عباد الله ، وبالتوبة أدرك الله أباكم الرئيس في الخير من الذنب حين وقع به .
وأخرج أبو الشيخ عن كريب قال : دعاني ابن عباس فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبدالله إلى فلان حبر تيما حدثني عن قوله { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } فقال : هو مستقره فوق الأرض ، ومستقره في الرحم ، ومستقره تحت الأرض ، ومستقره حيث يصير إلى الجنة أو النار .(4/208)
يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم } قال : كان أناس من العرب يطوفون بالبيت عراة فلا يلبس أحدهم ثوباً طاف فيه { ورياشاً } قال : المال .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله { قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم } قال : نزلت في الحمس من قريش ، ومن كان يأخذ مأخذها من قبائل العرب الأنصار : الأوس ، والخزرج ، وخزاعة ، وثقيف ، وبني عامر بن صعصعة ، وبطون كنانة بن بكر كانوا لا يأكلون اللحم ، ولا يأتون البيوت إلا من أدبارها ، ولا يضطربون وبراً ولا شعراً ، إنما يضطربون الادم ويلبسون صبيانهم الرهاط ، وكانوا يطوفون عراة إلا قريشاً ، فإذا قدموا طرحوا ثيابهم التي قدموا فيها ، وقالوا : هذه ثيابنا التي تطهرنا إلى ربنا فيها من الذنوب والخطايا ، ثم قالوا لقريش : من يعيرنا مئزراً؟ فإن لم يجدوا طافوا عراة ، فإذا فرغوا من طوافهم أخذوا ثيابهم التي كانوا وضعوا .
وأخرج ابن جرير عن عروة بن الزبير في قوله { لباساً يواري سوءاتكم } قال : الثياب { ورياشاً } قال : المال { ولباس التقوى } قال : خشية الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن علي في قوله { لباساً يواري سوءاتكم } قال : لباس العامة { وريشاً } قال : لباس الزينة { ولباس التقوى } قال : الإِسلام .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله { وريشاً } قال : المال واللباس والعيش والنعيم . وفي قوله { ولباس التقوى } قال : الإِيمان والعمل الصالح { ذلك خير } قال : الإِيمان والعمل خير من الريش واللباس .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ورياشاً } يقول : مالا .
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس ثوباً جديداً قال « الحمد لله الذي كساني من الرياش ما أواري به عورتي وأتجمل به في الناس » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : الرياش : الجمال .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { وريشاً } قال : الرياش : المال قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول :
فرشني بخير طال ما قد ربيتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبري
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { لباساً يواري سوءاتكم وريشاً } قال : هو اللباس { ولباس التقوى } قال : هو الإِيمان ، وقد أنزل الله اللباس ، ثم قال : خير اللباس التقوى .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد .(4/209)
أنه قرأها { وريشاً ولباس التقوى } بالرفع .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { وريشاً } بغير ألف { ولباس التقوى } بالرفع .
وأخرج ابن مردويه عن عثمان « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ { ورياشاً } ولم يقل : وريشاً .
وأخرج ابن جرير عن زر بن حبيش . إنه قرأها » ورياشاً « .
وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن معبد الجهني في قوله { ولباس التقوى } قال : هو الحياء ، ألم تر أن الله قال { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى } فاللباس الذي يواري سوءاتكم : هو لبوسكم ، والرياش المعاش ، ولباس التقوى : الحياء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ولباس التقوى } قال : يتقي الله فيواري عورته ، ذلك لباس التقوى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { ولباس التقوى } قال : ما يلبس المتقون يوم القيامة { ذلك خير } من لباس أهل الدنيا .
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء في قوله { ولباس التقوى ذلك خير } قال : ما يلبس المتقون يوم القيامة خير مما يلبس أهل الدنيا .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ولباس التقوى } قال : السمت الحسن في الوجه .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ما من عبد عمل خيراً أو شراً إلا كسى رداه عمله حتى يعرفوه ، وتصديق ذلك في كتاب الله { ولباس التقوى ذلك خير . . . } الآية « .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال : رأيت عثمان على المنبر قال : يا أيها الناس اتقوا الله في هذه السرائر ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول » والذي نفس محمد بيده ما عمل أحد عملاً قط سراً إلا ألبسه الله رداه علانية إن خيراً فخير وإن شراً فشر « ثم تلا هذه الآية { ورياشاً } ولم يقل وريشاً { ولباس التقوى ذلك خير } قال : السمت الحسن .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { لباساً يواري سوءاتكم } قال : هي الثياب { ورياشاً } قال : المال { ولباس التقوى } قال : الإِيمان { ذلك خير } يقول : ذلك خير من الرياش واللباس يواري سوءاتكم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ينزع عنهما لباسهما } قال : التقوى . وفي قوله { إنه يراكم هو وقبيله } قال : الجن والشياطين .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن منبه { ينزع عنهما لباسهما } قال : النور .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { وقبيله } قال : نسله .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } قال : والله ان عدواً يراك من حيث لا تراه لشديد المؤنة إلا من عصم الله .(4/210)
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال : سأل أن يرى ولا يرى ، وأن يخرج من تحت الثرى ، وإنه متى شاب عاد فتى فأجيب .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مطرف . أنه كان يقول : لو أن رجلاً رأى صيداً والصيد لا يراه فختله ألم يوشك أن يأخذه؟ قالوا : بلى . قال : فإن الشيطان يرانا ونحن لا نراه ، وهو يصيب منا .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال : أيّما رجل منكم تخيل له الشيطان حتى يراه فلا يَصُدَّنَّ عنه ، وليمضِ قدماً فإنهم منكم أشد فرقاً منكم منهم ، فإنه إن صد عنه ركبه وإن مضى هرب منه . قال مجاهد : فانا ابتليت به حتى رأيته ، فذكرت قول ابن عباس ، فمضيت قدماً فهرب .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن نعيم بن عمر قال : الجن لا يرون الشياطين بمنزلة الإِنس .(4/211)
وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { وإذا فعلوا فاحشة قالوا : وجدنا عليها آباءنا } قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة فنهوا عن ذلك .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وإذا فعلوا فاحشة } قال : فاحشتهم أنهم كانوا يطوفون حول البيت عراة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وإذا فعلوا فاحشة . . . } الآية . قال : كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة ، فإذا قيل لهم لم تفعلون ذلك؟ قالوا : وجدنا عليها آباءنا وأمرنا الله بها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : كان المشركون الرجال يطوفون بالبيت بالنهار عراة والنساء بالليل عراة ، ويقولون : إنا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ، فلما جاء الإِسلام وأخلاقه الكريمة نهوا عن ذلك .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال : والله ما أكرم الله عبداً قط على معصيته ولا رضيها له ولا أمر بها ، ولكن رضي لكم بطاعته ونهاكم عن معصيته .(4/212)
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { قل أمر ربي بالقسط } قال : بالعدل { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد } قال : إلى الكعبة حيث صليتم في كنيسة أو غيرها { كما بدأكم تعودون } قال : شقي أو سعيد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون } يقول : اخلصوا له الدين كما بدأكم في زمان آدم حيث فطرهم على الإِسلام يقول : فادعوه كذلك لا تدعوا لها غيره وأمرهم أن يخلصوا له الدين والدعوة والعمل ، ثم يوجهوا وجوههم إلى البيت الحرام .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كما بدأكم تعودون . . . } الآية . قال : إن الله بدأ خلق بني آدم مؤمناً وكافراً ، كما قال { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } [ التغابن : 2 ] ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمناً وكافراً .
وأخرج ابن جرير عن جابر في الآية قال : يبعثون على ما كانوا عليه ، المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { كما بدأكم تعودون } { فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب في قوله { كما بدأكم تعودون } قال : من ابتدأ الله خلقه على الهدى والسعاده صيره إلى ما ابتدأ عليه خلقه ، كما فعل بالسحرة ابتدأ خلقهم على الهدى والسعادة حتى توفاهم مسلمين ، وكما فعل بإبليس ابتدأ خلقه على الكفر والضلالة وعمل بعمل الملائكة فصيره الله إلى ما ابتدأ خلقه عليه من الكفر . قال الله تعالى { وكان من الكافرين } [ البقرة : 34 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كما بدأكم تعودون } يقول : كما خلقناكم أول مرة كذلك تعودون .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله { كما بدأكم تعودون } قال : كما بدأكم ولم تكونوا شيئاً فأحياكم ، كذلك يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله { كما بدأكم تعودون } قال : خلقهم من التراب وإلى التراب يعودون . قال : وقيل في الحكمة : ما فخر من خلق من التراب وإلى التراب يعود ، وما تكبر من هو اليوم حي وغداً يموت ، وأن الله وعد المتكبرين أن يضعهم ويرفع المستضعفين . فقال { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } [ طه : 55 ] ثم قال { فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كما بدأكم تعودون } قال : إن تموتوا يحسب المهتدي أنه على هدى ويحسب الغني أنه على هدى ، حتى يتبين له عند الموت وكذلك تبعثون يوم القيامة .(4/213)
وذلك قوله { ويحسبون أنهم مهتدون } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير { كما بدأكم تعودون } قال : كما كتب عليكم تكونون { فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الظلالة } .
وأخرج أبو الشيخ عن عمر بن أبي معروف قال : حدثني رجل ثقة في قوله { كما بدأكم تعودون } قال : قلفاً بظرا .
وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل بن وهب العبدي . أن تأويل هذه الآية { كما بدأكم تعودون } تكون في آخر هذه الأمة .
وأخرج البخاري في الضعفاء عن عبد الغفور بن عبد العزيز بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن جده « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى يمسخ خلقاً كثيراً ، وإن الإِنسان يخلو بمعصيته فيقول الله تعالى استهانة بي ، فيمسخه ثم يبعثه يوم القيامة إنساناً يقول { كما بدأكم تعودون } ثم يدخله النار » .(4/214)
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)
أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس : أن النساء كن يطفن عراة إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة ، وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله
وأخرج عبد حميد عن سعيد بن جبير قال : كان الناس يطوفون بالبيت عراة يقولون : لا نطوف في ثياب اذنبنا فيها ، فجاءت امرأة فألقت ثيابها وطافت ، ووضعت يدها على قلبها وقالت :
اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحله
فنزلت هذه الآية { خذوا زينتكم عند كل مسجد } إلى قوله { والطيبات من الرزق } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { خذوا زينتكم عند كل مسجد } قال : كان رجال يطوفون بالبيت عراة فأمرهم الله بالزينة ، والزينة اللباس ، وهو ما يواري السوءة وما سوى ذلك من جيّد البز والمتاع .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { خذوا زينتكم عند كل مسجد } قال : ما وارى العورة ولو عباءة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في قوله { خذوا زينتكم عند كل مسجد } قال : الثياب .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن طاوس قال : الشملة من الزينة .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : كان المشركون يطوفون بالبيت عراة ، يأتون البيوت من ظهورها فيدخلونها من ظهورها ، وهم حي من قريش يقال لهم الحمس ، فأنزل الله { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة حتى ان كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة ، فأنزل الله { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } قال : كانوا يطوفون عراة بالليل ، فأمرهم الله تعالى أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : كانت العرب إذا حجوا فنزلوا أدنى الحرم ، نزعوا ثيابهم ووضعوا رداءهم ودخلوا مكة بغير رداء ، إلا أن يكون للرجل منهم صديق من الحمس فيعيره ثوبه ويطعمه من طعامه ، فأنزل الله { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } .
وأخرج ابن حميد وأبو الشيخ عن عطاء قال : كان المشركون في الجاهلية يطوفون بالبيت عراة ، فأنزل الله { خذوا زينتكم عند كل مسجد } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كان حي من أهل اليمن يطوفون بالبيت وهم عراة ، إلا أن يستعير أحدهم مئزراً من ميازر أهل مكة فيطوف فيه ، فأنزل الله { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } .(4/215)
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن طاوس في الآية قال : لم يأمرهم بلبس الحرير والديباج ، ولكنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة ، وكانوا إذا قدموا يضعون ثيابهم خارجاً من المسجد ثم يدخلون ، وكان إذا دخل رجل وعليه ثيابه يضرب وتنزع منه ثيابه ، فنزلت هذه الآية { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } .
وأخرج ابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خذوا زينة الصلاة قالوا : وما زينة الصلاة؟ قال : البسوا نعالكم فصلوا فيها » .
وأخرج العقيلي وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله { خذوا زينتكم عند كل مسجد } قال « صلوا في نعالكم » .
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مما أكرم الله به هذه الأمة لبس نعالهم في صلاتهم » .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في خفافهم ولا نعالهم » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحداً ، ليجعلهما بين رجليه أو لِيُصَلِّ فيهما » .
وأخرج أبو يعلى بسند ضعيف عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « زين الصلاة الحذاء » .
وأخرج البزار بسند ضعيف عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خالفوا اليهود وصلوا في نعالكم ، فإنهم لا يصلون في خفافهم ولا في نعالهم » .
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من تمام الصلاة الصلاة في النعلين » .
وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم ، فقال : يا معشر الأنصار حمِّرُوا وصفِّروا وخالفوا أهل الكتاب . قيل يا رسول الله إن أهل الكتاب . يتسرولون ولا يأتزرون؟ فقال رسول الله : تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب . قلنا : يا رسول الله إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون؟ فقال : تخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب ، قلنا يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم فقال : قصوا سبالكم ووفِرُوا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس « أنه سئل أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال : نعم » .(4/216)
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : وجهني على بن أبي طالب إلى اين الكواء وأصحابه وعليَّ قميص رقيب وحلة ، فقالوا لي : أنت ابن عباس وتلبس مثل هذه الثياب؟! فقلت : أول ما أخاصمكم به قال الله { قل من حَرَّمَ زينة الله التي أخرج لعباده } [ الأعراف : 32 ] و { خذوا زينتكم عند كل مسجد } وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس في العيدين بردي حبرة .
وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال : لما خرجت الحرورية أتيت علياً فقال : ائت هؤلاء القوم . فلبست أحسن ما يكون من حلل اليمن ، فأتيتهم فقالوا : مرحباً بك يا ابن عباس ما هذه الحلة؟! قلت : ما تعيبون عليّ؟ لقد رأيت على رسول الله صلى عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل .
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه ، فإن الله عز وجل أحق من تزين له ، فإن لم يكن ثوبان فليتزر إذا صلى ، ولا يشتمل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود » .
وأخرج الشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء » .
وأخرج أبو داود والبيهقي عن بريدة قال « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل في لحاف لا يتوشح به ، ونهى أن يصلي الرجل في سراويل وليس عليه رداء » .
وأخرج ابن ماجة عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن أحسن ما زرتم الله به في قبوركم ومساجدكم البياض » .
وأخرج أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم ، وكفنوا فيها موتاكم » .
وأخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألبسوا ثياب البياض فإنها أطهر وأطيب ، وكفنوا فيها موتاكم » .
وأخرج أبو داود عن أبي الأحوص عن أبيه قال : « أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب دون ، فقال : ألك مال؟ قال : نعم . قال : من أي المال؟ قال : قد آتاني الله من الإِبل والغنم والخيل والرقيق . قال : فإذا آتاك الله فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته » .
وأخرج الترمذي وحسنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله يحب أن يرى نعمته على عبده » .(4/217)
وأخرج أحمد ومسلم عن عبدالله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان ، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر . قال رجل : يا رسول الله انه يعجبني أن يكون ثوبي غسيلاً ، ورأسي دهيناً ، وشراك نعلي جديداً ، وذكر أشياء حتى ذكر علاقة سوطه فمن الكبر ذاك يا رسول الله؟ قال : لا ، ذاك الجمال ، إن الله عز وجل جميل يحب الجمال ، ولكن الكبر من سفه الحق وازدرى الناس » .
وأخرج ابن سعد عن جندب بن مكيث قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم الوفد لبس أحسن ثيابه ، وأمر عليه أصحابه بذلك » .
وأخرج أحمد عن سهل بن الحنظلية قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « إنكم قادمون على إخوانكم ، فأصلحوا رحالكم واصلحوا لباسكم حتى تكونوا في الناس كأنكم شامة ، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش » .
أما قوله تعالى : { وكلوا واشربوا } الآية .
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال : احل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفاً ومخيلة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفاً أو مخيلة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إنه لا يحب المسرفين } قال : في الطعام والشراب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { ولا تسرفوا } قال : في الثياب والطعام والشراب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ولا تسرفوا } قال : لا تأكلوا حراماً ، ذلك إسراف .
وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة ولا سرف ، فإن الله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده » .
وأخرج البيهقي وضعفه عن عائشة قالت « رآني النبي صلى الله عليه وسلم وقد أكلت في اليوم مرتين ، فقال : يا عائشة أما تحبين أن يكون لك شغل إلا في جوفك؟ الأكل في اليوم مرتين من الإِسراف ، والله لا يحب المسرفين » .
وأخرج ابن ماجة وابن مردويه والبيهقي عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إن من الإِسراف أن تأكل كل ما اشتهيت » .
وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن قال : دخل عمر على ابنه عبدالله بن عمر إذا عندهم لحم ، فقال : ما هذا اللحم؟ قال : اشتهيته : قال وكلما اشتهيت شيئاً أكلته؟! كفى بالمرء : إسرافاً أن يأكل كلما اشتهى .(4/218)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عباس قال : كل ما شئت ، واشرب ما شئت ، والبس ما شئت ، إذا أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة .
وأخرج أبو الشيخ عن وهب بن منبه قال : من السرف أن يكتسي الإِنسان ويأكل ويشرب ما ليس عنده .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير . أنه سئل ما الإِسراف في المال؟ قال : أن يرزقك الله مالاً حلالاً فتنفقه في حرام حرمه عليك .
وأخرج ابن ماجة عن سلمان . أنه أكره على طعام يأكله فقال : حسبي أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة » .
وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجة عن ابن عمر قال : تجشى رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال « كف جشاك عنا ، فإن أطولكم جوعاً يوم القيامة أكثركم شبعاً في دار الدنيا » .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه النسائي وابن حبان وابن السني في الطب والحاكم وصححه وأبن نعيم في الطب والبيهقي في شعب الإِيمان عن المقدام بن معدي كرب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطن ، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة ، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه » .
وأخرج ابن السني وأبو نعيم في الطب النبوي عن عبد الرحمن بن المرقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله لم يخلق وعاء إذا ملىء شراً من بطن ، فإن كان لا بد فاجعلوا ثلثاً للطعام وثلثاً للشراب ، وثلثاً للريح » .
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أصل كل داء البردة » .
وأخرج ابن السني وأبو نعيم من حديث أبي سعيد الخدري . مثله .
وأخرج أبو نعيم عن عمر بن الخطاب قال : إياكم والبطنة في الطعام والشراب فإنها مفسدة للجسد ، مورثة للسقم ، مكسلة عن الصلاة ، وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح للجسد ، وأبعد من السرف ، وأن الله تعالى ليبغض الحبر السمين ، وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن أرطاة قال : اجتمع رجال من أهل الطب عند ملك من الملوك ، فسألهم ما رأس دواء المعدة؟ فقال كل رجل منهم قولاً وفيهم رجل ساكت ، فلما فرغوا قال : ما تقول أنت؟ قال : ذكروا أشياء وكلها تنفع بعض النفع ولكن ملاك ذلك ثلاثة أشياء : لا تأكل طعاماً أبداً إلا وأنت تشتهيه ، ولا تأكل لحماً يُطْبَخُ لك حتى تنعم إنضاجه ، ولا تبتلع لقمة أبداً حتى تمضغها مضغاً شديداً لا يكون على المعدة فيها مؤونة .(4/219)
وأخرج البيهقي عن إبراهيم بن علي الموصلي قال : أخرج من جميع الكلام أربعة الآف كلمة ، وأخرج منها أربعمائة كلمة ، وأخرج منها أربعون كلمة ، وأخرج منها أربع كلمات ، أولها لا تثقن بالنساء ، والثانية لا تحمل معدتك ما لا تطيق ، والثالثة لا يغرنك المال ، والرابعة يكفيك من العلم ما تنتفع به .
وأخرج أبو محمد الخلال عن عائشة « أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تشتكي ، فقال لها : يا عائشة الازم دواء والمعدة بيت الادواء ، وعودوا بدنا ما اعتاد » .
وأخرج البيهقي عن ابن محب عن أبيه قال : المعدة حوض الجسد والعروق تشرع فيه ، فما ورد فيها بصحة صدر بصحة ، وما ورد فيها بسقم صدر بسقم .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن السني وأبو نعيم معافى الطب النبوي والبيهقي في شعب الإِيمان وضعفه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « المعدة حوض البدن والعروق إليها واردة ، فإذا صحت المعدة صدرت العروف بالصحة ، وإذا فسدت المعدة صدرت العروق بالسقم » .(4/220)
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون ، فأنزل الله { قل من حرم زينة الله } فأمروا بالثياب أن يلبسوها { قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة } قال : ينتفعون بها في الدنيا لا يتبعهم فيها إثم يوم القيامة .
وأخرج وكيع في الغرر عن عائشة . أنها سئلت عن مقانع القز؟ فقالت : ما حرم الله شيئاً من الزينة .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك { قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة } قال : المشركون يشاركون المؤمنين في زهرة الدنيا وهي خالصة يوم القيامة للمؤمنين دون المشركين .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس والطيبات من الرزق قال : الودك واللحم والسمن .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد قال : كان قوم يحرمون من الشاة لبنها ولحمها وسمنها ، فأنزل الله { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } قال : والزينة الثياب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { والطيبات من الرزق } قال : هو ما حرم أهل الجاهلية عليهم في أموالهم البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحامي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها ، وهو قول الله { قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً } [ يونس : 59 ] وهو هذا ، فأنزل الله { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا } يعني شارك المسلمون الكفار في الطيبات في الحياة الدنيا ، فأكلوا من طيبات طعامها ولبسوا من جياد ثيابها ، ونكحوا من صالح نسائها ، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا ، وليس للمشركين فيها شيء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : الزينة تخلص يوم القيامة لمن آمن في الدنيا .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم قال : سمعت الحجاج بن يوسف يقرأ { قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة } بالرفع . قال عاصم : ولم يبصر الحجاج اعرابها ، وقرأها عاصم بالنصب { خالصة } .(4/221)
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن } قال : ما ظهر العرية وما بطن الزنا ، كانوا يطوفون بالبيت عراة .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا أحد أغير من الله ، فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن مردويه عن المغيرة بن شعبة قال : قال سعد بن عبادة : لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « أتعجبون من غيرة سعد فوالله لأنا أَغْيَرُ مِنْ سعد ، والله أغْيَرُ مني ، ومن أجله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا شخص أغير من الله » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله أما تغار؟ قال « والله إني لأغار ، والله أغْيَرُ مني ، ومن غيرته نهى عن الفواحش » .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن } قال : ما ظهر منها الاغتسال بغير سترة .
وأخرج عبد الرزاق عن يحيى بن أبي كثير « أن رجلاً قال : يا رسول الله إني أصبت حداً فأقمه عليَّ . فجلده ثم صعد المنبر والغضب يعرف في وجهه ، فقال : أيها الناس إن الله حرم عليكم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فمن أصاب منها شيئاً فليستتر بستر الله ، فإنه من يرفع إلينا من ذلك شيئاً نقمة عليه » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي جعفر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إني غيور ، وإن إبراهيم كان غيوراً ، وما من امرىء لا يغار إلا منكوس القلب » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { والإِثم } قال : المعصية والبغي . قال : إن تبغى على الناس بغير حق .(4/222)
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)
أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب في تالي التلخيص وابن النجار في تاريخه عن أبي الدرداء قال : « تذاكرنا زيادة العمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا : من وصل رحمه أنسىء في أجله . فقال » إنه ليس بزائدة في عمره ، قال الله { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } ولكن الرجل يكون له الذرية الصالحة فيدعون الله له من بعده فيبلغه ذلك ، فذلك الذي ينسأ في أبده ، وفي لفظ : فيلحقه دعاؤهم في قبره ، فذلك زيادة العمر « » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي عروبة قال : كان الحسن يقول : ما أحمق هؤلاء القوم . . . ! يقولون . اللهم أطل عمره ، والله يقول { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر من طريق الزهري عن ابن المسيب قال : لما طعن عمر قال كعب : لو دعا الله عمر لأَخَّر في أجله . فقيل له : أليس قد قال الله { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } ؟ فقال كعب : وقد قال الله { وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب } [ فاطر : 11 ] قال الزهري : وليس أحد إلا له عمر مكتوب ، فرأى أنه ما لم يحضر أجله فإن الله يؤخر ما شاء وينقص { فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } .
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن كعب قال : كان في بني إسرائيل ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر وإذا ذكرنا عمر ذكرناه ، وكان إلى جنبه يوحى إليه ، فأوحى الله إلى النبي أن يقول له : أعهد عهدك واكتب إلى وصيتك فإنك ميت إلى ثلاثة أيام ، فأخبره النبي بذلك ، فلما كان في اليوم الثالث وقع بين الجدر وبين السرير ، ثم جار إلى ربه فقال : اللهم إن كنت تعلم أني كنت أعدل في الحكم ، وإذا اختلفت الأمور ابتعت هداك ، وكنت فزدني في عمري حتى يكبر طفلي وتربوا أمتي . فأوحى الله إلى النبي : أنه قد قال كذا وكذا وقد صدق : وقد زدته في عمره خمس عشرة سنة ، ففي ذلك ما يكبر طفله وتربو أمته ، فلما طعن عمر قال كعب : لئن سأل عمر ليبقينه ، فأخبر بذلك عمر فقال : اللهم اقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم .
وأخرج ابن سعد عن ابن أبي مليكة قال : لما طعن عمر جاء كعب ، فجعل يبكي بالباب ويقول قال : والله لو أن أمير المؤمنين يقسم على الله أن يؤخره لأخَّرَهُ ، فدخل ابن عباس عليه فقال : يا أمير المؤمنين هذا كعب يقول كذا وكذا؟ قال : إذاً والله لا أسأله .(4/223)
وأخرج البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة عن أبيه عن جده قال : جاء سعد بن أبي وقاص فقال : يا رب إن لي بنين صغاراً فأخِّر عني الموت حتى يبلغوا ، فأخر عنه الموت عشرين سنة .
وأخرج أحمد عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من سره النسأ في الأجل والزياده في الرزق فليصل رحمه » .
وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم « من ولي من أمر أمتي شيئاً فحسنت سريرته رزق الهيبة من قلوبهم ، وإذا بسط يده لهم بالمعروف رزق المحبة منهم ، وإذا وفر عليهم أموالهم وفر الله عليه ماله ، وإذا أنصف الضعيف من القوي قوّى الله سلطانه ، وإذا عدل مدَّ في عمره » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : من اتقى ربه ، ووصل رحمه ، نسىء له في عمره ، وربا ماله ، وأحبه أهله .(4/224)
يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)
أخرج ابن جرير عن أبي سيار السلمي فقال : إن الله تبارك وتعالى جعل آدم وذريته في كفه فقال { يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ، ثم نظر إلى الرسل فقال { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم } [ المؤمنون : 51 ] { وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } [ المؤمنون : 53 ] ثم بثهم .(4/225)
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)
أخرج الفريابي وابن جرير وأبو الشيخ وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب } قال : ما قدر لهم من خير وشر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب } قال : من الأعمال ، من عمل خيراً جزى به ومن عمر شراً جزى به .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله و { نصيبهم من الكتاب } قال : ما كتب عليهم من الشقاء والسعادة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب } قال : قوم يعملون أعمالاً لا بد لهم أن يعملوها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب } قال : ما سبق من الكتاب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { نصيبهم من الكتاب } قال : ما وعدوا فيه من خير أو شر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب } قال : رزقه وأجله وعمله .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح في قوله { نصيبهم من الكتاب } قال : من العذاب .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله { ينالهم نصيبهم من الكتاب } قال مما كتب لهم من الرزق .(4/226)
قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { قد خلت } قال : قد مضت { كلما دخلت أمة لعنت أختها } قال : كلما دخلت أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الدين ، يلعن المشركون المشركين ، واليهود اليهود ، والنصارى النصارى ، والصابئون الصابئين ، والمجوس المجوس ، تلعن الآخرة الأولى { حتى إذا ادَّاركوا فيها جميعاً قالت أخراهم } الذين كانوا في آخر الزمان { لأولاهم } الذين شرعوا لهم ذلك الدين { ربنا هؤلاء أضلونا . . . قال لكل ضعف } للأولى والآخرة { وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل } وقد ضللتم كما ضللنا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { عذاباً ضعفاً } قال : مضاعفاً { قال لكل ضعف } قال : مضاعف وفي قوله { فما كان لكم علينا من فضل } قال : تخفيف من العذاب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مجلز في قوله { وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل } يقول : بيَّن لكم ما صنع بنا من العذاب حين عصينا ، وحذرتم فما فضلكم علينا .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : قال الحسن : الجن لا يموتون . فقلت له : ألم يقل الله { في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإِنس } وإنما يكون ما خلا ما قد ذهب . والله تعالى أعلم .(4/227)
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لا تفتح لهم أبواب السماء } يعني لا يصعد إلى الله من عملهم شيء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { لا تفتح لهم أبواب السماء } قال : لا تفتح لهم لعمل ولا دعاء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { لا تفتح لهم أبواب السماء } قال : عَيَّرَتها الكفار ، إن السماء لا تفتح لأرواحهم وهي تفتح لأرواح المؤمنين .
وأخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب قال « قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم » لا يفتح لهم « بالياء » .
وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى عليه وسلم قال : الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل صالحاً قال : أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، أخرجي حميدة وابشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء السابعة ، فإذا كان الرجل السوء قال : أخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، أخرجي ذميمة وابشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج ، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها فيقال : من هذا؟ فيقال فلان . . . فيقال : لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، ارجعي ذميمة فإنها لا تفتح لك أبواب السماء . فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر » .
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة في المصنف واللالكائي في السنة والبيهقي في البعث عن أبي موسى الأشعري قال : تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحاً من المسك ، فيصعد بها الملائكة الذين يتوفونها ، فتلقاهم ملائكة دون السماء فيقولون : من هذا معكم؟ فيقولون فلان ، ويذكرونه بأحسن عمله ، فيقولون : حياكم الله وحيا من معكم ، فيفتح له أبواب السماء فيصعد به من الباب الذي كان يصعد عمله منه . فيشرق وجهه فيأتي الرب ولوجهه برهان مثل الشمس . قال : وأما الكافر فتخرج نفسه وهي أنتن من الجيفة ، فيصعد بها الملائكة الذين يتوفونها ، فتلقاهم ملائكة دون السماء فيقولون : من هذا؟! فيقولون فلان ، ويذكرونه باسوأ عمله ، فيقولون : ردوه فما ظلمه الله شيئاً . فيرد إلى أسفل الأرضين إلى الثرى ، وقرأ أبو موسى { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } .
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وهناد بن السري وعبد بن حميد وأبو داود في سننه وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في كتاب عذاب القبر عن البراء بن عازب قال(4/228)
« خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله ، وكان على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكث به في الأرض ، فرفع رأسه فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً ، ثم قال : إنَّ العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأنَّ وجوههم الشمس ، معهم أكفان من كفن الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان . فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء وإن كنتم ترون غير ذلك ، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها ، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ، فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على الأرض ، فيصعدون بها فلا يمرون على ملإٍ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب؟! فيقولون : فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون له فيفتح لهم ، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعه ، فيقول الله : اكتبوا كتاب عبدي في عليين واعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ، فتعاد روحه في جسده .
فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك؟ فيقول : ربي الله . فيقولان له : ما دينك؟ فيقول : ديني الإِسلام . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول : هو رسول الله . فيقولان له : وما عملك؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت . فينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة ، فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول : ابشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول له : من أنت ، فوجهك الوجه يجيء بالخير؟! فيقول : أنا عملك الصالح فيقول : رب أقم الساعة ، رب أقم الساعة حتى ارجع إلى أهلي ومالي .
قال : وإن العبد الكافر إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا ، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح ، فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب ، فتفرق في جسده فينتزعها كما يتنزع السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملإٍ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث؟! فيقولون : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتح فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تفتح لهم أبواب السماء } فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى ، فتطرح روحه طرحاً ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } [ الحج : 31 ] .
فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان ، فيجلسانه فيقولان له : من ربك؟ فيقول : هاه هاه . . . ! فيقولان له : ما دينك؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . . . ! فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هاه هاه لا أدري . . . ! فينادي مناد من السماء : إن كذب عبدي فافرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف في أضلاعه ، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح ، فيقول : ابشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت فوجهك الوجه ، يجيء بالشر؟! فيقول : أنا عملك الخبيث . فيقول : رب لا تقم الساعة » .(4/229)
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { لا تفتح لهم أبواب السماء } قال : لا يصعد لهم كلام ولا عمل .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير { لا تفتح لهم أبواب السماء } قال : لا يرفع لهم عمل ولا دعاء .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج { لا تفتح لهم أبواب السماء } قال : لأرواحهم ولا أعمالهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { لا تفتح لهم أبواب السماء } قال : الكافر إذا أخذ روحه ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء ، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط ، فضربته ملائكة الأرض فارتفع ، فضربته ملائكة السماء الدنيا فهبط إلى أسفل الأرضين ، وإذا كان مؤمناً روّح روحه ، وفتحت له أبواب السماء ، فلا يمر بملك إلا حياه وسلم عليه حتى ينتهي إلى الله ، فيعطيه حاجته ثم يقول الله : ردوا روح عبدي فيه إلى الأرض فإني قضيت من التراب خلقه وإلى التراب يعود ومنه يخرج .
قوله تعالى { حتى يلج الجمل في سم الخياط } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { حتى يلج الجمل } قال : ذو القوائم { في سم الخياط } قال : خرق الإِبرة .
وأخرج سعيد بن منصور والفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والطبراني في الكبير عن ابن مسعود في قوله { حتى يلج الجمل } قال : زوج الناقة .(4/230)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن الحسن في قوله { حتى يلج الجمل } قال : ابن الناقة الذي يقوم في المربد على أربع قوائم .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس . أنه كان يقرأ { الجمل } يعني بضم الجيم وتشديد الميم ، وقال : الجمل الحبل الغليظ ، وهو من حبال السفن .
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف وأبو الشيخ عن مجاهد قال : قراءة ابن مسعود « حتى يلج الجمل الأصفر في سم الخياط » .
وأخرج ابن المنذر عن مصعب قال : إن قرئت الجمل فإنا نعرف طيراً يقال له الجمل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد حتى { يلج الجمل في سم الخياط } قال : الجمل حبل السفينة ، وسم الخياط ثقبة .
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال : الجمل الحبل الذي يصعد به إلى النخل ، الميم مرفوعة مشددة .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن في الآية قال : حتى يدخل البعير في خرق الإِبرة .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر . أنه سئل عن سم الخياط؟ قال : الجمل في ثقب الإِبرة .(4/231)
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { لهم من جهنم مهاد } قال : الفرش { ومن فوقهم غواش } قال : اللحف .
وأخرج هناد وابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي . مثله .
وأخرج أبو الحسن القطان في الطوالات وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم « يكسى الكافر لوحين من نار في قبره ، فذلك قوله { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } » .
وأخرج ابن مردويه عن عائشة « أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية لهم في جهنم مهاد ومن فوقهم غواش قال : هي طبقات من فوقه وطبقات من تحته لا يدري ما فوقه أكثر أو ما تحته ، غير أنه ترفعه الطبقات السفلى وتضعه الطبقات العليا ويضيق فيما بينهما حتى يكون بمنزلة الزج في القدح » .(4/232)
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال : فينا والله أهل بدر نزلت هذه الآية { ونزعنا ما في صدورهم من غل } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله { ونزعنا ما في صدروهم من غل } قال : هي العداوة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يحبس أهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا ، فيدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غل » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال : إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا ، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان ، فيشربون من إحداهما فينزع ما في صدورهم من غل ، فهو الشراب الطهور ، واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم ، فلن يشعثوا ولن يشحبوا بعدها أبداً .
وأخرج ابن جرير عن أبي نضرة قال : يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يقتص لبعضهم من بعض حتى يدخلوا الجنة حين يدخلونها ولا يطلب أحد أحداً بقلامة ظفر ظلمها إياه ، ويحبس أهل النار دون النار ، حتى يقتص لبعضهم من بعض ، فيدخلون النار حين يدخلونها ولا يطلب أحد منهم أحداً بقلامة ظفر ظلمها إياه .
أما قوله تعالى { وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا } .
أخرج النسائي وابن أبي الدنيا وابن جرير في ذكر الموت وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل أهل النار يرى منزله من الجنة ، يقول : لو هدانا الله فيكون حسرة عليهم ، وكل أهل الجنة يرى منزله من النار ، فيقول : لولا أن هدانا الله » فهذا شكرهم .
وأخرج سعيد بن منصور وأبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي هاشم قال : كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز أن من قبلنا من أهل البصرة قد أصابهم من الخير خير حتى خفت عليهم . فكتب إليه عمر : قد فهمت كتابك ، وأن الله لما أدخل أهل الجنة رضي منهم بأن قالوا { الحمد لله الذي هدانا لهذا } فمر من قبلك أن يحمدوا الله .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والدارمي ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } قال « نودوا : أن صحوا فلا تسقموا ، وأنعموا فلا تبأسوا ، وشبوا فلا تهرموا ، واخلدوا فلا تموتوا » .(4/233)
وأخرج هناد وابن جرير وعبد بن حميد عن أبي سعيد قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً ، وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبداً ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً ، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً ، فذلك قوله { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } قال : ليس من مؤمن ولا كافر إلا وله في الجنة والنار منزل مبين ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ودخلوا منازلهم ، رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها ، فقيل : هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ، ثم يقال : يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون . فيقتسم أهل الجنة منازلهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي معاذ البصري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « والذي نفسي بيده أنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون بنوق بيض لها أجنحة عليها رحال الذهب ، شرك نعالهم نور يتلألأ ، كل خطوة منها مد البصر ، فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان ، فيشربون من إحداهما فتغسل ما في بطونهم من دنس ، ويغتسلون من الأخرى فلا تشعث أبصارهم ولا أشعارهم بعدها أبداً ، وتجري عليهم نضرة النعيم فينتهون إلى باب الجنة ، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب ، فيضربون بالحلقة على الصفحة فيسمع لها طنين ، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل ، فتبعث قَيِّمَهَا فيفتح له ، فإذا رآه خرّ له ساجداً فيقول : ارفع رأسك إنما أنا قَيِّمُكَ وُكِّلْتُ بأمرك ، فيتبعه ويقفو أثره ، فيستخف الحوراء العجلة ، فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه ، ثم تقول : أنت حبي وأنا حبك ، وأنا الخالدة التي لا أموت ، وأنا الناعمة التي لا أبأس ، وأنا الراضية التي لا أسخط ، وأنا المقيمة التي لا أظعن . فدخل بيتاً من رأسه إلى سقفه مائة ألف ذراع ، بناؤه على جندل اللؤلؤ طرائق أصفر وأحمر وأخضر ، ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها ، في البيت سبعون سريراً على كل سرير سبعون حشية ، على كل حشية سبعون زوجة ، على كل زوجة سبعون حلة يُرَى مخ ساقها من باطن الحلل ، يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم ، هذه الأنهار من تحتهم تطرد أنهاراً من ماء غير آسن ، فإن شاء أكل قائماً ، وإن شاء أكل قاعداً ، وإن شاء أكل متكئاً . ثم تلا { ودانية عليهم ظلالها وَذُلِّلت قطوفها تذليلاً } [ الأعراف : 8-9 ] فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض ، فترفع أجنحتها فيأكل من جنوبها أي الألوان شاء ، ثم تطير فتذهب ، فيذهب الملك فيقول : سلام عليكم { تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } »(4/234)
وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً } قال : من النعيم والكرامة { فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً } قال : من الخزي والهوان والعذاب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال : وجد أهل الجنة ما وُعِدُوا من ثواب ، ووجد أهل النار ما وُعِدوا من عذاب .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر « أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف قليب بدر من المشركين فقال : قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتهم ما وعد ربكم حقاً؟ فقال له الناس : أليسوا أمواتاً؟! فقال : إنهم يسمعون كما تسمعون » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { وبينهما حجاب } قال : هو السور وهو الأعراف ، وإنما سمي الأعراف لأن أصحابه يعرفون الناس .
أما قوله تعالى : { وعلى الأعراف رجال } .
أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن حذيفة قال : الأعراف سور بين الجنة والنار .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس قال : الأعراف هو الشيء المشرف .
وأخرج الفريابي وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : الأعراف سور له عرف كعرف الديك .
وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : الأعراف حجاب بين الجنة والنار ، سور له باب .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : الأعراف جبال بين الجنة والنار ، فهم على أعرافها يقول : على ذرها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال : الأعراف في كتاب الله عُمقاناً سقطاناً . قال ابن لهيعة : واد عميق خلف جبل مرتفع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : زعموا أنه الصراط .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن الأعراف تل بين الجنة والنار ، جلس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : الأعراف سور بين الجنة والنار .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : يعني بالأعراف السور الذي ذكر الله في القرآن ، وهو بين الجنة والنار .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : يحاسب الناس يوم القيامة ، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ، ثم قرأ { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم }(4/235)
[ الأعراف : 49 ] ثم قال : إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح . قال : ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف ، فوقفوا على الصراط ثم عرض أهل الجنة وأهل ، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا : سلام عليكم ، وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم رأوا أصحاب النار { قالوا : ربنا لا تجعلنا من القوم الظالمين } فتعوّذوا بالله من منازلهم ، فأما أصحاب الحسنات فإنهم يعطون ناراً يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم ، ويعطى كل عبد مؤمن نوراً وكل أمة نوراً ، فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة ، فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون قالوا : ربنا أتمم لنا نورنا . وأما أصحاب الأعراف فإن النور كان في أيديهم فلم ينزع من أيديهم ، فهنالك يقول الله { لم يدخلوها وهم يطمعون } فكان الطمع دخولاً . قال ابن مسعود : إن العبد إذا عمل حسنة كتبه له بها عشر ، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة ، ثم يقول : هلك من غلب وحدانه أعشاره .
وأخرج ابن جرير عن حذيفة قال : أصحاب الأعراف ، قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله من النار ، وهم آخر من يدخل الجنة قد عرفوا أهل الجنة وأهل النار .
وأخرج ابن جرير عن حذيفة قال : « إن أصحاب الأعراف : تكافأت أعمالهم فقصرت بهم حسناتهم عن الجنة ، وقصرت بهم سيئاتهم عن النار فجعلوا على الأعراف يعرفون الناس بسيماهم ، فلما قضى بين العباد أذن لهم في طلب الشفاعة ، فأتوا آدم فقالوا : يا آدم أنت أبونا اشفع لنا عند ربك . فقال : هل تعلمون أحداً خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وسبقت رحمة الله إليه غضبه ، وسجدت له الملائكة غيري؟ فيقولون : لا . فيقول : ما علمت كنه ما أستطيع أن أشفع لكم ، ولكن ائتوا ابني إبراهيم . فيأتون إبراهيم فيسألونه أن يشفع لهم عند ربه ، فيقول : هل تعلمون أحداً اتخذه الله خليلاً؟ هل تعلمون أحداً أحرقه قومه في الله غيري؟ فيقولون : لا . فيقول : ما علمت كنه ما أستطيع أن أشفع لكم ، ولكن ائتوا ابني موسى . فيأتون موسى فيقول : هل تعلمون من أحد كلمه الله تكليماً وقرَّبه نجيا غيري؟ فيقولون : لا . فيقول : ما علمت كنه ما أستطيع أن أشفع لكم ، ولكن ائتوا عيسى . فيأتونه فيقولون : اشفع لنا عند ربك : فيقول هل تعلمون أحداً خلقه الله من غير آب غيري؟ فيقول : هل تعلمون من أحد كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله غيري؟ فيقولون : لا . فيقول : أنا حجيج نفسي ، ما علمت كنه ما أستطيع أن أشفع لكم ، ولكن ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى عليه وسلم : فيأتونني فاضرب بيدي على صدري ، ثم أقول » أنا لها ، ثم أمشي حتى أقف بين يدي العرش فأثني على ربي ، فيفتح لي من الثناء ما لم يسمع السامعون بمثله قط ، ثم اسجد فيقال لي : يا محمد ارفع رأسك سل تعطه ، واشفع تشفع ، فارفع رأسي فأقول : يا رب أمتي فيقول : هم لك ، فلا يبقى نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا غبطني يومئذ بذلك المقام وهو المقام المحمود ، فآتي بهم باب الجنة ، فاستفتح فيفتح لي ولهم ، فيذهب بهم إلى نهر يقال له نهر الحياة ، حافتاه قُضب من ذهب مكلل باللؤلؤ ، ترابه المسك وحصباؤه الياقوت ، فيغتسلون منه فتعود إليهم ألوان أهل الجنة وريح أهل الجنة ، ويصيرون كأنهم الكواكب الدرية ، وتبقى في صدروهم شامات بيض يعرفون بها يقال لهم : مساكين أهل الجنة « » .(4/236)
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وهناد بن السري وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في البعث عن حذيفة قال : أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، غدرت بهم سيئاتهم عن النار وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة ، جعلوا على سور بين الجنة والنار حتى يقضي بين الناس ، فبينما هم كذلك إذا طلع عليهم ربهم ، فقال لهم : قوموا فادخلوا الجنة فإني غفرت لكم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله { وعلى الأعراف } قال : هو السور الذي بين الجنة والنار ، وأصحابه رجال كانت لهم ذنوب عظام ، وكان جسيم أمرهم لله ، يقومون على الأعراف يعرفون أهل النار بسواد الوجوه وأهل الجنة ببياض الوجوه ، فإذا نظروا إلى أهل الجنة طمعوا أن يدخلوها ، وإذا نظروا إلى أهل النار تعوَّذوا بالله منها فأدخلهم الله الجنة ، فذلك قوله { أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة } [ الأعراف : 49 ] يعني أصحاب الأعراف { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } [ الأعراف : 49 ] .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « توضع الميزان يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات ، فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة ، ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار ، قيل : يا رسول الله فمن استوت حسناته وسيئاته؟ قال أصحاب الأعراف { لم يدخلوها وهم يطمعون } » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي زرعة بن عمرو بن حرير قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف؟ فقال « هم آخر من يفصل بينهم من العباد ، فإذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد قال : أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ولم تدخلوا الجنة ، فأنتم عتقائي فارعوا من الجنة حيث شئتم » .
وأخرج البيهقي في البعث عن حذيفة أراه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يجمع الناس يوم القيامة ، فيؤمر بأهل الجنة إلى الجنة ويؤمر بأهل النار إلى النار ، ثم يقال لأصحاب الأعراف : ما تنتظرون؟ قالوا : ننتظر أمرك . فيقال لهم : إن حسناتكم تجاوزت بكم النار أن تدخلوها ، وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم فدخلوا الجنة بمغفرتي ورحمتي » .(4/237)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { وعلى الأعراف رجال } قال : الأعراف حائط بين الجنة والنار ، وذكر لنا أن ابن عباس كان يقول : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فلم تفضّل حسناتهم على سيئاتهم ولا سيئاتهم على حسناتهم فحبسوا هنالك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فوقفوا هنالك على السور ، فإذا رأوا أصحاب الجنة عرفوهم ببياض وجوههم ، وإذا رأوا أصحاب النار عرفوهم بسواد وجهوهم ثم قال { لم يدخلوها وهم يطمعون } في دخولها ، ثم قال : إن الله أدخل أصحاب الأعراف الجنة .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبدالله بن الحرث بن نوفل قال : أصحاب الأعراف أناس تستوي حسناتهم وسيئاتهم ، فيذهب بهم إلى نهر يقال له الحياة ، تربته ورس وزعفران وحافتاه قصب من ذهب مكلل باللؤلؤ ، فيغتسلون منه فتبدو في نحورهم شامة بيضاء ، ثم يغتسلون ويزدادون بياضاً ، ثم يقال لهم : تمنوا ما شئتم . فيتمنون ما شاؤوا فيقال : لكم مثل ما تمنيتم سبعين مرة . فأولئك مساكين الجنة .
وأخرج هناد بن السري وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق عبدالله بن الحارث عن ابن عباس قال : الأعراف السور الذي بين الجنة والنار وهو الحجاب ، وأصحاب الأعراف بذلك المكان ، فإذا أراد الله أن يعفو عنهم انطلق بهم إلى نهر يقال له نهر الحياة ، حافتاه قصب ذهب مكلل باللؤلؤ تربته مسك ، فيكونون فيه ما شاء الله حتى تصفو ألوانهم ، ثم يخرجون في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها ، فيقول الله لهم : سلوا فيسألون حتى تبلغ أمنيتهم ، ثم يقال لهم : لكم ما سألتم ومثله سبعون ضعفاً ، فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها ويسمون مساكين أهل الجنة .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن منيع والحارث بن أبي أسامه في مسنديهما وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد والخرائطي في مساوىء الأخلاق والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبد الرحمن المزني قال : « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف؟ فقال : هم قوم قتلوا في سبيل الله في معصية آبائهم ، فمنعهم من النار قتلهم في سبيل الله ، ومنعهم من الجنة معصية آبائهم » .
وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري قال :(4/238)
« سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف؟ فقال » هم رجال قتلوا في سبيل الله وهم عصاة لآبائهم ، فمنعتهم الشهادة أن يدخلوا النار ومنعتهم المعصية أن يدخلوا الجنة ، وهم على سور بين الجنة والنار حتى تذبل لحومهم وشحومهم حتى يفرغ الله من حساب الخلائق ، فإذا فرغ من حساب خلقه فلم يبق غيرهم ، تغمَّدهم منه برحمة فأدخلهم الجنة برحمته « » .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال » هم قوم قتلوا في سبيل الله وهم لآبائهم عاصون ، فمنعوا الجنة بمعصيتهم آبائهم ومنعوا النار بقتلهم في سبيل الله « » .
وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده وابن جرير وابن مردويه عن عبدالله بن مالك الهلالي عن أبيه قال قائل : « يا رسول الله ما أصحاب الأعراف؟ قال » هم قوم خرجوا في سبيل الله بغير إذن آبائهم فاستشهدوا ، فمنعتهم الشهادة أن يدخلوا النار ومنعتهم معصية آبائهم أن يدخلوا الجنة ، فهم آخر من يدخل الجنة « » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أصحاب الأعراف قوم خرجوا غزاة في سبيل الله وآبائهم وأمهاتهم ساخطون عليهم ، وخرجوا من عندهم بغير إذنهم ، فأوقفوا عن النار بشهادتهم وعن الجنة بمعصيتهم آباءهم » .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه من طريق محمد بن المنكدر عن رجل من مزينة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أصحاب الأعراف؟ فقال إنهم قوم خرجوا عصاة بغير إذن آبائهم ، فقتلوا في سبيل الله » .
وأخرج البيهقي في البعث عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب ، فسألناه عن ثوابهم فقال : على الأعراف وليسوا في الجنة مع أمة محمد ، فسألناه وما الأعراف؟ قال : حائط الجنة ، تجري في الأنهار وتنبت فيه الأشجار والثمار » .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في الأضداد وأبو الشيخ والبيهقي في البعث عن أبي مجلز قال : الأعراف مكان مرتفع عليه رجال من الملائكة ، يعرفون أهل الجنة بسيماهم وأهل النار بسيماهم ، وهذا قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار { ونادوا أصحاب الجنة } قال : أصحاب الأعراف ينادون أصحاب الجنة { أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون } في دخولها . قيل : يا أبا مجلز ، الله يقول { رجال } وأنت تقول : الملائكة؟ قال : إنهم ذكور ليسوا بإناث .
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : أصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء .(4/239)
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة عن الحسن قال : أصحاب الأعراف قوم كان فيهم عجب قال قتادة : وقال مسلم بن يسار : هم قوم كان عليهم دين .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم } الكفار بسواد الوجوه وزرقة العيون ، وسيما أهل الجنة مبيضة وجوههم .
وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال : أخبرت أن ربك أتاهم بعدما أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، قال : ما حبسكم محبسكم هذا؟ قالوا : أنت ربنا ، وأنت خلقتنا ، وأنت أعلم بنا! فيقول : علام فارقتم الدنيا؟ فيقولون : على شهادة أن لا إله إلا الله . قال لهم ربهم : لا أوليكم غيري ، إن حسناتكم جوزت بكم النار وقصرت بكم خطاياكم عن الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : من استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : من استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ والبيهقي في البعث عن مجاهد في أصحاب الأعراف قال : هم قوم قد استوت حسناتهم وسيئاتهم ، وهم على سور بين الجنة والنار ، وهم على طمع من دخول الجنة ، وهم داخلون .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله { لم يدخلوها وهم يطمعون } قال : والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدها بهم .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار أنه سئل عن قوله { لم يدخلوها وهم يطمعون } قال : سلمت عليهم الملائكة وهم لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها حين سلمت .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي قال : أصحاب الأعراف يعرفون الناس بسيماهم ، وأهل النار بسواد وجوههم وأهل الجنة ببياض وجوههم ، فإذا مروا بزمرة يذهب بهم إلى الجنة قالوا : سلام عليكم ، وإذا مروا بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا : ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين .
وأخرج أحمد في الزهد عن قتادة قال سالم مولى أبي حذيفة : وددت أني بمنزلة أصحاب الأعراف .(4/240)
وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار } قال : تجرد وجوههم للنار ، فإذا رأوا أهل الجنة ذهب ذلك عنهم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله { وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار } فرأوا وجوههم مسودة وأعينهم مرزقة { قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز { وإذا صرفت أبصارهم } قال : إذا صرفت أبصار أهل الجنة { تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } .(4/241)
وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ونادى أصحاب الأعراف رجالاً } قال : في النار { يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم } وتكبركم { وما كنتم تستكبرون } قال الله لأهل التكبر { أهولاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة } يعني أصحاب الأعراف { أدخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { يعرفونهم بسيماهم } قال : سواد الوجوه وزرقة العيون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي مجلز في قوله { ونادى أصحاب الأعراف رجالاً } قال : هذا حين دخل أهل الجنة الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ونادى أصحاب الأعراف } قال : مرَّ بهم ناس من الجبارين عرفوهم بسيماهم ، فناداهم أصحاب الأعراف { قالوا : ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون ، أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة } قال : هم الضعفاء .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله { أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة أدخلوا الجنة } قال : دخلوا الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس في قوله { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } قال : كان رجال في النار قد أقسموا بالله لا ينال أصحاب الأعراف من الله رحمة ، فاكذبهم الله فكانوا آخر أهل الجنة دخولاً ، فيما سمعناه عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .(4/242)
وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس . أنه سئل أي الصدقة أفضل؟ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أفضل الصدقة سقي الماء ، ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا : أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله » .
وأخرج أحمد عن سعد بن عبادة « أن أمَةً ماتت فقال : يا رسول الله أتصدق عليها؟ قال نعم . قال : فأي الصدقة أفضل؟ قال : سقي الماء » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { ونادى أصحاب الجنة . . . } الآية . قال : ينادي الرجل أخاه فيقول : يا أخي أغثني فإني قد احترقت فأفض عليّ من الماء . فيقال : أجبه . فيقول { إن الله حرَّمهما على الكافرين } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { افيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله } قال : من الطعام .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال : لما مرض أبو طالب قالوا له : لو أرسلت إلى ابن أخيك فيرسل إليك بعنقود من جنة لعلَّه يشفيك ، فجاءه الرسول وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : إن الله حرَّمهما على الكافرين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله } قال : يستسقونهم ويستطعمونهم . وفي قوله { إن الله حرَّمهما على الكافرين } قال : طعام الجنة وشرابها .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد والبيهقي في شعب الإِيمان عن عقيل بن شهر الرياحي قال : شرب عبد الله بن عمر ماء بارداً فبكى فاشتد بكاؤه ، فقيل له : ما يبكيك؟! قال : ذكرت آية في كتاب الله { وحيل بينهم وبين ما يشتهون } [ سبأ : 54 ] فعرفت أن أهل النار لا يشتهون إلا الماء البارد ، وقد قال الله عز وجل { أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله } .
وأخرج البخاري وابن مردويه عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يلقى إبراهيم أباه يوم القيامة وعلى وجهه قترة وغبرة ، فيقول : يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني فأي خزي أخزى من أبي إلا بعد في النار ، فيقول الله : إني حرَّمت الجنة على الكافرين » .(4/243)
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا } يقول : نتركهم في النار كما تركوا لقاء يومهم هذا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : نسيهم الله من الخير ولم ينسهم من الشر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فاليوم ننساهم } قال : نؤخِّرهم في النار .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { فاليوم ننساهم } قال : نتركهم من الرحمة { كما نسوا لقاء يومهم هذا } قال : كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي مالك قال : إن في جهنم لآباراً ، من ألقيَ فيها نسي ، يتردى فيها سبعين عاماً قبل أن يبلغ القرار .(4/244)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { هل ينظرون إلا تأويله } قال : عاقبته .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { يوم يأتي تأويله } قال : جزاؤه { يقول الذين نسوه من قبل } أعرضوا عنه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يوم يأتي تأويله } قال : يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { يوم يأتي تأويله } قال : عواقبه مثل وقعة بدر والقيامة وما وعد فيه من موعد .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس في الآية قال : لا يزال يقع من تأويله أمر حتى يتم تأويله يوم القيامة ، حتى يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فيتم تأويله يومئذ ، ففي ذلك أنزل { يوم يأتي تأويله } حيث أثاب الله أولياءه وأعداءه ثواب أعمالهم . يقول يومئذ { الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق } إلى آخر الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { يوم يأتي تأويله } قال : تحقيقه . وقرأ { هذا تأويل رؤياي من قبل } [ يوسف : 100 ] قال : هذا تحقيقها ، وقرأ { وما يعلم تأويله إلا الله } [ آل عمران : 7 ] قال : ما يعلم تحقيقه إلا الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وضل عنهم ما كانوا يفترون } قال : ما كانوا يكذبون في الدنيا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ما كانوا يفترون } أي يشركون .(4/245)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)
أخرج أبو الشيخ عن سميط قال : دلنا ربنا تبارك وتعالى على نفسه في هذه الآية { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء والخطيب في تاريخه عن الحسن بن علي قال : أنا ضامن لمن قرأ هذه العشرين آية أن يعصمه الله من كل سلطان ظالم ، ومن كل شيطان مريد ، ومن كل سبع ضار ، ومن كل لص عاد : آية الكرسي ، وثلاث آيات من الأعراف { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض } وعشراً من أول الصافات ، وثلاث آيات من الرحمن { يا معشر الجن } [ الرحمن : 33 ] وخاتمة سورة الحشر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن إسحق بن كعب بن عجرة قال : نزلت هذه الآية { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } [ آل عمران : 7 ] لقي ركب عظيم لا يرون أنهم من العرب ، فقالوا لهم : من أنتم؟ قالوا : من الجنة ، خرجنا من المدينة أخرجتنا هذه الآية .
وأخرج أبو الشيخ عن عبيد بن أبي مرزوق قال : من قرأ عند نومه { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض . . . } الآية . بسط عليه ملك جناحه حتى يصبح ، وعوفي من السرق .
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن قيس صاحب عمر بن عبد العزيز قال : مرض رجل من أهل المدينة فجاءه زمرة من أصحابه يعوذونه ، فقرأ رجل منهم { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض . . . } الآية كلها . وقد أصمت الرجل ، فتحرك ثم استوى جالساً ، ثم سجد يومه وليلته حتى كان من الغد من الساعة التي سجد فيها قال له أهله : الحمد لله الذي عافاك . قال : بعث إلى نفسي ملك يتوفاها ، فلما قرأ صاحبكم الآية التي قرأ ، سجد الملك وسجدت بسجوده فهذا حين رفع رأسه ، ثم مال فقضى .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { خلق السماوات والأرض في ستة أيام } لكل يوم منها اسم : أبي جاد ، هواز ، حطى ، كلمون ، صعفص ، قرشات .
وأخرج سمويه في فوائده عن زيد بن أرقم قال : إن الله عزَّ وجلَّ خلق السموات والأرض في ستة أيام ، قال : كل يوم مقداره ألف سنة .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد قال : بدء الخلق العرش والماء والهواء ، وخلقت الأرض من الماء ، وكان بدء الخلق يوم الأحد ويوم الإِثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وجميع الخلق في يوم الجمعة ، وتهودت اليهود يوم السبت ، ويوم من الستة أيام كألف سنة مما تعدون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : إن الله بدأ خلق السموات والأرض وما بينهما يوم الأحد ، ثم استوى على العرش يوم الجمعة في ثلاث ساعات ، فخلق في ساعة منها الشموس كي يرغب الناس إلى ربهم في الدعاء والمسألة ، وخلق في ساعة النتن الذي يقع على ابن آدم إذا مات لكي يقبر .(4/246)
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن حيان الأعرج قال : كتب يزيد بن أبي سلم إلى جابر بن زيد يسأله عن بدء الخلق؟ قال : العرش والماء والقلم ، والله أعلم أي ذلك بدأ قبل .
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال : بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ، وجعل كل يوم ألف سنة .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : « يا أبا هريرة إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم استوى على العرش فخلق التربة يوم السبت ، والجبال يوم الأحد ، والشجر يوم الاثنين ، وآدم يوم الثلاثاء ، والنور يوم الأربعاء ، والدواب يوم الخميس ، وآدم يوم الجمعة ، في اخر ساعة من النهار » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ثم استوى على العرش } قال : يوم السابع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار قال : إن الله حين خلق الخلق استوى على العرش فسبَّحه العرش .
وأخرج ابن مردويه واللالكائي في السنة عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها في قوله { ثم استوى على العرش } قالت : الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والاقرار به ايمان ، والجحود به كفر .
وأخرج اللالكائي عن ابن عيينة قال : سئل ربيعة عن قوله { استوى على العرش } كيف استوى؟ قال : الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، ومن الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق . وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عبد الله بن صالح بن مسلم قال : سئل ربيعة . . . فذكره .
وأخرج اللالكائي عن جعفر بن عبد الله قال : جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال له : يا أبا عبد الله استوى على العرش كيف استوى؟ قال : فما رأيت مالكاً وجد من شيء كموجدته من مقالته وعلاه الرُّحَضاء يعني العرق وأطرق القوم قام : فسرى عن مالك فقال : الكيف غير معقول ، والاستواء منه غير مجهول ، والايمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وإني أخاف أن تكون ضالاً وأمر به فأخرج .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن وهب قال : كنا عند مالك بن أنس ، فدخل رجل فقال : يا أبا عبد الله { الرحمن على العرش استوى } كيف استواؤه؟ فاطرق مالك وأخذته الرحضاء ، ثم رفع رأسه فقال { الرحمن على العرش استوى } كما وصف نفسه ، ولا يقال له كيف ، وكيف عنه مرفوع ، وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه .(4/247)
قال : فأخرج الرجل .
وأخرج البيهقي عن أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت سفيان بن عيينه يقول : كلما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه .
وأخرج البيهقي عن إسحق بن موسى قال : سمعت ابن عيينه يقول : ما وصف الله به نفسه فتفسيره قراءته ، ليس إلا لأحد أن يفسره إلا الله تعالى ورسله صلوات الله عليهم .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عيسى قال : لما استوى على العرش خر ملك ساجداً ، فهو ساجد إلى أن تقوم الساعة ، فإذا كان يوم القيامة رفع رأسه فقال : سبحانك ما عبدتك حق عبادتك إلا اني لم أشرك بك شيئاً ، ولم اتخذ من دونك ولياً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { يغشي الليل النهار } قال : يغشي الليل النهار فيذهب بضوئه ، ويطلبه سريعاً حتى يدركه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { حثيثاً } قال : سريعاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { يغشى الليل النهار } قال : يلبس الليل النهار .
أما قوله { والشمس والقمر والنجوم } .
أخرج الطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الشمس والقمر والنجوم خلقن من نور العرش » .
أخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينه في قوله { ألا له الخلق والأمر } قال : الخلق : ما دون العرش ، والأمر : ما فوق ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن سفيان بن عيينه قال : الخلق : هو الخلق ، والأمر ، هو الكلام .
وأخرج ابن جرير عن عبد العزيز الشامي عن أبيه وكانت له صحبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه فقد كفر وحبط ما عمل : ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئاً فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله { ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين } » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية } قال : السر . { إنه لا يحب المعتدين } في الدعاء ولا في غيره .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال : التضرع : علانية ، والخفية : سر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ادعوا ربكم تضرعاً } يعني مستكيناً { وخفية } يعني في خفض وسكون في حاجاتكم من أمر الدنيا والآخرة { إنه لا يحب المعتدين } يقول : لا تدعوا على المؤمن والمؤمنه بالشر : اللهمَّ اخزه والعنه ونحو ذلك ، فإن ذلك عدوان .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي مجلز في قوله { إنه لا يحب المعتدين } قال : لا تسألوا منازل الأنبياء .(4/248)
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم : كان يرى أن الجهر بالدعاء الاعتداء .
وأخرج عبد بن حميد وأبو والشيخ عن قتادة { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض } إلى قوله { تبارك الله رب العالمين } قال : لما أنبأكم الله بقدرته وعظمته وجلاله ، بيَّن لكم كيف تدعونه على تفئه ذلك فقال { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين } قال : تعلموا إن في بعض الدعاء اعتداء فاجتنبوا العدوان والاعتداء إن استطعتم ولا قوة إلا بالله . قال : وذكر لنا أن مجالد بن مسعود أخا بني سليم سمع قوماً يعجون في دعائهم ، فمشى إليهم فقال : أيها القوم لقد أصبتم فضلاً على من كان قبلكم أو لقد هلكتم ، فجعلوا يتسللون رجلاً رجلاً حتى تركوا بقعتهم التي كانوا فيها قال : وذكر لنا أن ابن عمر أتى على قوم يرفعون أيديهم فقال : ما يتناول هؤلاء القوم؟ فوالله لو كانوا على أطول جبل في الأرض ما ازدادوا من الله قرباً . قال قتادة : وإن الله إنما يتقرب إليه بطاعته ، فما كان من دعائكم الله فليكن في سكينة ، ووقار ، وحسن سمت ، وزي وهدي ، وحسن دعة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن مغفل . أنه سمع ابنه يقول : اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها . فقال : أي بني سل الله الجنة وتعوّذ به من النار ، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول « سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور » .
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعد بن أبي وقَّاص . أنه سمع ابناً له يدعو ويقول : اللهمَّ إني أسألك الجنة ونعيمها واستبرقها ونحو هذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها ، فقال : لقد سألت الله خيراً وتعوّذت به من شر كثير ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء » وقرأ هذه الآية { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين } وأن بحسبك أن تقول : اللهم إني أسلك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل .
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في الآية قال : إياك أن تسأل ربك أمراً قد نهيت عنه أو ما ينبغي لك .
وأخرج ابن المبارك وابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن قال : لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم ، وذلك أن الله يقول { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية } وذلك أن الله ذكر عبداً صالحاً فرضي له قوله ، فقال { إذ نادى ربه نداء خفياً } [ مريم : 2 ] .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في الآية قال : إن من الدعاء اعتداء ، يكره رفع الصوت والنداء والصياح بالدعاء ، ويؤمر بالتضرع والاستكانة .(4/249)
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } قال : بعدما أصلحها الأنبياء وأصحابهم .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي بكر بن عياش . أنه سئل عن قوله { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } فقال : إن الله بعث محمداً إلى أهل الأرض وهم في فساد فأصلحهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو من المفسدين في الأرض .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي سنان في قوله { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } قال : أحللت حلالي ، وحرمت حرامي ، وحددت حدودي ، فلا تعتدوها .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { وادعوه خوفاً وطمعاً } قال : خوفاً منه ، وطمعاً لما عنده { إن رحمة الله قريب من المحسنين } يعني من المؤمنين ، ومن لم يؤمن بالله فهو من المفسدين .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مطر الوراق قال : تنجزوا موعود الله بطاعة الله ، فإنه قضى إن رحمته قريب من المحسنين .(4/250)
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)
أخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { وهو الذي يرسل الرياح } على الجماع { بشراً } خفيفة بالباء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال : إن الله يرسل الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض من حيث يلتقيان فيخرجه من ثَمَّ ، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء ، ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب ، ثم يمطر السحاب بعد ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { بشراً بين يدي رحمته } قال : يستبشر بها الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله اليماني أنه كان يقرأها { بشراً } من قبل مبشرات .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { بين يدي رحمته } قال : هو المطر . وفي قوله { كذلك نخرج الموتى } قال : وكذلك تخرجون ، كذلك النشور كما يخرج الزرع بالماء .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وكذلك نخرج الموتى } قال : إذا أراد الله أن يخرج الموتى تمطر السماء حتى تشقق عنهم الأرض ، ثم يرسل الأرواح فيهوي كل روح إلى جسده ، فكذلك يحيي الله الموتى بالمطر كاحيائه الأرض .(4/251)
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والبلد الطيب . . . } الآية . قال : هذا مثل ضربه الله للمؤمن يقول : هو طيب وعمله طيب ، كما أن البلد الطيب ثمرها طيب ، والذي خبث ضرب مثلاً للكافر كالبلد السبخة المالحة التي لا يخرج منها البركة ، والكافر هو الخبيث وعمله خبيث .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { والبلد الطيب . . . والذي خبث } قال : كل ذلك في الأرض السباخ وغيرها ، مثل آدم وذريته فيهم طيب وخبيث .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { والبلد الطيب } قال : هذا مثل المؤمن سمع كتاب الله فوعاه وأخذ به ، وعمل به ، وانتفع به ، كمثل هذه الأرض أصابها الغيث فأنبتت وأمرعت { والذي خبث } قال : هذا مثل الكافر لم يعقل القرآن ، ولم يعمل به ، ولم يأخذ به ، ولم ينتفع به ، فهو كمثل الأرض الخبيثة أصابها الغيث فلم تنبت شيئاً ولم تمرع .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال : هذا مثل ضربه للقلوب يقول : ينزل الماء فيخرج البلد الطيب نباته بإذن الله { والذي خبث } هي السبخة لا يخرج نباتها إلا نكداً ، فكذلك القلوب لما نزل القرآن بقلب المؤمن آمن به وثبت الإِيمان في قلبه ، وقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق منه بشيء ينفعه ، ولم يثبت فيه من الإِيمان شيء إلا ما لا ينفعه ، كما لم يخرج هذا البلد إلا ما لم ينفع من النبات والنكد : الشيء القليل الذي لا ينفع .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { والبلد الطيب يخرج نباته } بنصب الياء ورفع الراء .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { والبلد الطيب . . . } الآية . قال الطيب ينفعه المطر فينبت { والذي خبث } السباخ لا ينفعه المطر { لا يخرج نباته إلا نكداً } هذا مثل ضربه الله لآدم وذريته كلهم ، إنما خلقوا من نفس واحدة فمنهم من آمن بالله وكتابه فطاب ، ومنهم من كفر بالله وكتابه فخبث .
وأخرج ابن جرير عن قتادة { والبلد الطيب } الآية . قال : هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم « مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير ، أصاب أرضاً فكانت منها بقية قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به » .(4/252)
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أول نبي أرسل نوح » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم وابن عساكر عن يزيد الرقاشي قال : إنما سمي نوح عليه السلام نوحاً لطول ما ناح على نفسه .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال : إنما سمي نوحاً لأنه كان ينوح على نفسه .
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن مقاتل وجويبر . أن آدم حين كبر ورقَّ عظمه قال : يا رب إلى متى أكد وأسعى؟ قال : يا آدم حتى يولد لك ولد مختون . فولد له نوح بعد عشرة أبطن ، وهو يومئذ ابن ألف سنة إلا ستين عاماً ، فكان نوح بن لامك بن متوشلخ بن إدريس ، وهو اخنوخ بن يرد بن مهلايبل ابن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم ، وكان اسم نوح السكن ، وإنما سمي نوح السكن لأن الناس بعد آدم سكنوا إليه فهو أبوهم ، وإنما سمي نوحاً لأنه ناح على قومه ألف سنة إلا خمسن عاماً يدعوهم إلى الله ، فإذا كفروا بكى وناح عليهم .
وأخرج ابن عساكر عن وهب قال : كان بين نوح وآدم عشرة آباء ، وكان بين إبراهيم ونوح عشرة آباء .
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كان بين آدم ونوح عشرة قرون ، كلهم على شريعة من الحق .
وأخرج ابن عساكر عن نوف الشامي قال : خمسة من الأنبياء من العرب : محمد ، ونوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، عليهم الصلاة والسلام .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس . أن نوحاً بعث في الألف الثاني ، وأن آدم لم يمت حتى ولد له نوح في آخر الألف الأول ، وكان قد فشت فيهم المعاصي ، وكثرت الجبابرة ، وعتوا عتوّاً كبيراً ، وكان نوح يدعوهم ليلاً ونهاراً ، سراً وعلانية ، صبوراً حليماً ولم يلق أحد من الأنبياء أشد مما لقي نوح ، فكانوا يدخولن عليه فيخنقونه ويضرب في المجالس ويطرد ، وكان لا يدع على ما يصنع به أن يدعوهم ، ويقول : يا رب اغفر لقومي فانهم لا يعلمون ، فكان لا يزيدهم ذلك إلا فراراً منه ، حتى إنه ليكلم الرجل منهم فيلف رأسه بثوبه ويجعل أصابعه في أذنيه لكيلا يسمع شيئاً من كلامه ، فذلك قوله الله { جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم } [ نوح : 7 ] ثم قاموا من المجلس فاسرعوا المشي ، وقالوا : امضوا فإنه كذاب . واشتد عليه البلاء ، وكان ينتظر القرن بعد القرن ، والجيل بعد الجيل ، فلا يأتي قرن إلا وهو أخبث من الأول وأعتى من الأول ، ويقول الرجل منهم : قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا ، فلم يزل هكذا مجنوناً ، وكان الرجل منهم إذا أوصى عند الوفاة يقول لأولاده : احذروا هذا المجنون فإنه قد حدثني آبائي : إن هلاك الناس على يدي هذا .(4/253)
فكانوا كذلك يتوارثون الوصية بينهم ، حتى إن كان الرجل ليحمل ولده على عاتقه ، ثم يقف به وعليه فيقول : يا بني ان عشت ومت أنا فاحذروا هذا الشيخ ، فلما طال ذلك به وبهم { قالوا : يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين } [ هود : 32 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن قتادة . أن نوحاً بعث من الجزيرة ، وهوداً من أرض الشحر أرض مهرة ، وصالحاً من الحجر ، ولوطاً من سدوم ، وشعيباً من مدين ، ومات إبراهيم وآدم وإسحق ويوسف بأرض فلسطين ، وقتل يحيى بن زكريا بدمشق .
وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال : كانوا يضربون نوحاً حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو نعيم وابن عساكر من طريق مجاهد عن عبيد بن عمير قال : إن كان نوح ليضربه قومه حتى يغمى عليه ، ثم يفيق فيقول : اهد قومي فإنهم لا يعلمون ، وقال شقيق : قال عبد الله : لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم « وهو يمسح الدم عن وجهه وهو يحكي نبياً من الأنبياء وهو يقول : اللهمَّ اهد قومي فإنهم لا يعلمون » .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم من وجه آخر عن عبيد بن عمير الليثي . نحوه .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : كان قوم نوح يخنقونه حتى تترقى عيناه ، فإذا تركوه قال : اللهمَّ اغفر لقومي فإنهم جهلة .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن ماجة عن ابن مسعود قال « كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء قد ضربه قومه وهو يمسح الدم عن جبينه ويقول : اللهمَّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي مهاجر الرقي قال : لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً في بيت من شعر ، فيقال له : يا نبي الله ابن بيتا . فيقول : أموت اليوم أموت غداً .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن وهيب بن الورد قال : بنى نوح بيتاً من قصب فقيل له : لو بنيت غير هذا؟ فقال : هذا كثير لمن يموت .
وأخرج ابن أبي الدنيا والعقيلي وابن عساكر والديلمي عن عائشة مرفوعاً « نوح كبير الأنبياء ، لم يخرج من خلاء فقط إلا قال : الحمد لله الذي أذاقني طعمه وأبقى في منفعته ، وأخرج مني أذاه .
وأخرج البخاري في تاريخه عن ابن مسعود قال : بعث الله نوحاً فما أهلك أمته إلا الزنادقة ، ثم نبي فنبي والله لا يهلك هذه الأمة إلا الزنادقة » .(4/254)
وأخرج أبو الشيخ عن سعد بن حسن قال : كان قوم نوح عليه السلام يزرعون في الشهر مرتين ، وكانت المرأة تلد أول النهار فيتبعها ولدها في آخره .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : ما عذب قوم نوح ، حتى ما كان في الأرض سهل ولا جبل إلا له عامر يعمره وحائز يحوزه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم . أن أهل السهل كان قد ضاق بهم وأهل الجبل ، حتى ما يقدر أهل السهل أن يرتقوا إلى الجبل ولا أهل الجبل أن ينزلوا إلى أهل السهل في زمان نوح . قال : حسوا .
وأخرج أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن وهب بن منبه قال : كان نوح أجمل أهل زمانه ، وكان يلبس البرقع ، فاصابتهم مجاعة في السفينة ، فكان نوح إذا تجلى بوجهه لهم شبعوا .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان وابن عساكر عن ابن عباس قال « لما حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بوادي عسفان فقال : لقد مر بهذا الوادي هود وصالح ونوح على بكرات حمر خطمها الليف ، أُزُرُهُمْ العباء وأرديتهم النمار ، يلبون يحجون البيت العتيق » .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمرو « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى ، وصام داود نصف الدهر ، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر وأفطر الدهر » .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والبزار والحاكم وابن مردويه والبيهقي والصفات عن عبد الله بن عمرو « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن نوحاً لما حضرته الوفاة قال لابنه : إني قاصر عليك الوصية ، آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين ، آمرك بلا إله إلا الله ، فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعن في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن ، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة لقصمتهن لا إله إلا الله وسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء ، وبها يرزق كل شيء وأنهاك عن الشرك الأكبر » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أعلمكم ما علم نوح ابنه؟ قالو : بلى ، قال : آمرك أن تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، فإن السموات لو كانت في كفة لرجحت بها ، ولو كانت حلقة قصمتها ، وآمرك بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة الخلق وتسبيح الخلق ، وبها يرزق الخلق » .(4/255)
قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك { قال الملأ } يعني الاشراف من قومه .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي { أَوَ عجبتم أَن جاءكم ذكر ربكم } قال : بيان من ربكم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق الضحَّاك عن ابن عباس { إنهم كانوا قوماً عمين } قال : كفاراً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { إنهم كانوا قوماً عمين } قال : عن الحق .(4/256)
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)
أخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله { وإلى عاد أخاهم هوداً } قال : ليس بأخيهم في الدين ولكنه أخوهم في النسب ، فلذلك جعله أخاه لأنه منهم .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن الشرفي بن قطامى قال : هود اسمه عابر بن شالخ بن ارفشخد بن سام بن نوح .
وأخرج ابن منذر عن ابن جريج قال : يزعمون أن هوداً من بني عبد الضخم من حضرموت .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريق عطاء عن ابن عباس قال : كان هوداً أول من تكلم بالعربيه ، وولد لهود أربعة : قحطان ، ومقحط ، وقاحط ، وفالغ ، فهو أبو مظر ، وقحطان أبو اليمن ، والباقون ليس لهم نسل .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ومن طريق إبن اسحق عن رجال سماهم ومن طريق الكلبي قالوا جميعاً : إن عاداً كانوا أصحاب أوثان يعبدونها ، اتخذوا أصناماً على مثال ودَّ ، وسواع ، ويغوث ، ونسر ، فاتخذوا صنماً يقال له : صمود ، وصنماً له : الهتار ، فبعث الله إليهم هوداً ، وكان هود من قبيلة يقال لها الخلود ، وكان أوسطهم نسباً وأصبحهم وجهاً ، وكان في مثل أجسادهم أبيض بعد أبادي ، العنفقة ، طويل اللحية ، فدعاهم إلى الله ، وأمرهم أن يوحدوه وأن يكفوا عن ظلم الناس ، ولم يأمرهم بغير ذلك ، ولم يدعهم إلى شريعة ولا إلى صلاة ، فأبوا ذلك وكذبوه ، وقالوا : من أشد قوّة؟ فذلك قوله تعالى { وإلى عاد أخاهم هوداً } كان من قومهم ولم يكن أخاهم في الدين { قال يا قوم اعبدوا الله } يعني وحدوا الله { ولا تشركوا به شيئاً ما لكم } يقول : لكم { من إله غيره أفلا تتقون } يعني فكيف لا تتقون { واذكروا إذ جعلكم خلفاء } يعني سكاناً { في الأرض من بعد قوم نوح } فكيف لا تعتبرون فتؤمنوا وقد علمتم ما نزل بقوم نوح من النقمة حين صعوه؟! { واذكروا آلاء الله } يعني هذه النعم { لعلكم تفلحون } أي كي تفلحوا ، وكانت منازلهم بالأحقاف ، والأحقاف : الرمل . فيما بين عمان حضرموت باليمن ، وكانوا مع ذلك قد أفسدوا في الأرض كلها ، وقهروا أهلها بفضل قوّتهم التي آتاهم الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن خثيم قال : كانت عاد ما بين اليمن إلى الشام مثل الذر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي . إن عاداً كانوا باليمن بالأحقاف ، والأحقاف : هي الرمال . وفي قوله { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح } قال : ذهب بقوم نوح { واستخلفكم بعدهم وزادكم في الخلق بسطة } قال : الطول .
وأخرج ابن عساكر عن وهب قال : كان الرجل من عاد ستين ذراعاً بذراعهم ، وكان هامة الرجل مثل القبة العظيمة ، وكان عين الرجل ليفرخ فيها السباع ، وكذلك مناخرهم .(4/257)
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { وزادكم في الخلق بسطة } قال : ذكر لنا أنهم كانوا أثني عشر ذراعاً طوالاً .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو قال : كان الرجل ممن كان قبلكم بين منكبيه ميل .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس قال : كان الرجل في خلقه ثمانون باعاً ، وكانت البرة فيهم ككلية البقر ، والرمانة الواحدة يقعد في قشرها عشرة نفر .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { وزادكم في الخلق بسطة } قال : شدة .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراع من الحجارة لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن ينقلوه ، وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها .
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن ثور بن زيد الديلمي قال : قرأت كتاباً : انا شداد بن عاد ، انا الذي رفعت العماد ، وانا الذي سددت بدراً عن بطن واد ، وانا الذي كنزت كنزاً في البحر على تسع أذرع لا يخرجه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن بكار عن ثور بن زيد قال : جئت اليمن فإذا أنا برجل لم أر أطول منه قط فعجبت . قالوا : تعجب من هذا؟ قلت : والله ما رأيت أطول من ذا قط . . . ! قالوا فوالله لقد وجدنا ساقاً أو ذراعاً فذرعناها بذراع هذا ، فوجدناها ست عشرة ذراعاً .
وأخرج الزبير بن بكار عن زيد بن أسلم قال : كان في الزمن الأول تمضي أربعمائة سنة ولم يسمع فيها بجنازة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { آلاء الله } قال : نعم الله . وفي قوله { رجس } قال : سخط .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { قد وقع عليكم من ربكم رجس } قال : جاءهم منه عذاب ، والرجس : كله عذاب في القرآن .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله رجس وغضب؟ قال : الرجس : اللعنه ، والغضب : العذاب . قال : وهل تعرف ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر وهو يقول :
إذا سنة كانت بنجد محيطة ... وكان عليهم رجسها وعذابها(4/258)
فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)
أخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : لما أوحى الله إلى العقيم أن تخرج على قوم عاد فتنتقم له منهم ، فخرجت بغير كيل على قدر منخر ثور حتى رجفت الأرض ما بين المشرق والمغرب ، فقال الخزان : رب لن نطيقها ولو خرجت على حالها لأهلكت ما بين مشارق الأرض ومغاربها ، فأوحى الله إليها : أن ارجعي . فرجعت فخرجت على قدر خرق الخاتم وهي الحقلة ، فأوحى الله إلى هود : أن يعتزل بمن معه من المؤمنين في حظيرة ، فاعتزلوا وخطَّ عليهم خطاً ، وأقبلت الريح فكانت لا تدخل حظيرة هود ولا تجاوز الخط ، وإنما يدخل عليهم منها بقدر ما تلذ به أنفسهم وتلين عليه الجلود ، وإنها لَتَمَرُّ من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة ، وأوحى الله إلى الحيات والعقارب : أن تأخذ عليهم الطرق فلم تدع عادياً يجاوزهم .
وأخرج ابن عساكر عن وهب قال : لما أرسل الله الريح على عاد اعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلين عليه الجلود وتلتذه الأنفس ، وإنها لتمر بالعادي فتحمله بين السماء والأرض وتدمغه بالحجارة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { وقطعنا دابر الذين كذبوا } قال : استأصلناهم .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن هزين بن حمزة قال : سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يريه رجلاً من قوم عاد ، فكشف الله له عن الغطاء ، فإذا رأسه بالمدينة ورجلاه بذي الحليفة ، أربعة أميال طوله .
وأخرج ابن عساكر من طريق سالم بن أبي الجعد عن عبد الله قال : ذكر الأنبياء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما ذكر هود قال « ذاك خليل الله » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن عساكر عن ابن عباس قال : لما حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بوادي عسفان فقال « لقد مر به هوداً وصالح على بكرات حمر خطمهن الليف ، ازرهم العباء وأرديتهم النمار يلبون ويحجون البيت العتيق » .
وأخرج ابن عساكر عن ابن سابط قال : بين المقام والركن وزمزم قُبِرَ تسعة وسبعون نبياً ، وان قبر نوح وهود وشعيب وصالح وإسمعيل في تلك البقعة .
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن إسحق بن عبد الله بن أبي فروة قال : ما يعلم قبر نبي من الأنبياء إلا ثلاثة : قبر اسمعيل فإنه تحت الميزاب بين الركن والبيت ، وقبر هود فإنه في حقف تحت جبل من جبال اليمن عليه شجرة وموضعه أشد الأرض حراً ، وقبر رسول الله صلى عليه وسلم فإن هذه قبورهم حق .(4/259)
وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن عساكر عن علي بن أبي طالب قال : قبر هود بحضرموت في كثيب أحمر ، عند رأسه سدرة .
وأخرج ابن عساكر عن عثمان بن أبي العاتكة قال : قبلة مسجد دمشق قبر هود عليه السلام .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال : كان عمر هود أربعمائة واثنتين وسبعين سنة .
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : عجائب الدنيا أربعة : مرآة كانت معلقة بمنارة الاسكندرية ، فكان يجلس الجالس تحتها فيبصر من بالقسطنطينية وبينهما عرض البحر ، وفرس كان من نحاس بأرض الأندلس قائلاً بكفه كذا باسطاً يده أي ليس خلفي مسلك فلا يطأ تلك البلاد أحد إلا أكلته النمل ، ومنارة من نحاس عليها راكب من نحاس بأرض عاد ، فإذا كانت الأشهر الحرم هطل منه الماء فشرب الناس وسقوا وصبوا في الحياض ، فإذا انقطعت الأشهر الحرم انقطع ذلك الماء ، وشجرة من نحاس عليها سودانية من نحاس بأرض رومية ، إذا كان أوان الزيتون صفرت السودانية التي من نحاس فتجيء كل سودانية من الطيارات بثلاث زيتونات ، زيتونتين برجليها ، وزيتونة بمنقارها ، حتى تلقيه على تلك السودانية النحاس ، فيعصر أهل رومية ما يكفيهم لأدامهم وسرجهم شتويتهم إلى قابل .(4/260)
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)
أخرج أبو الشيخ عن مطلب بن زياد قال : سألت عبد الله بن أبي ليلى عن اليهودي والنصراني يقال له أخ؟ قال : الأخ في الدار ، الا ترى قول الله { وإلى ثمود أخاهم صالحاً } .
وأخرج سنيد وابن جرير والحاكم من طريق حجاج عن أبي بكر عن عبد الله عن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « كانت ثمود قوم صالح ، اعمرهم الله في الدنيا فأطال أعمارهم حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر فينهدم والرجل منهم حي ، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتاً فنحتوها وجابوها وخرقوها ، وكانوا في سعة من معايشهم فقالوا : يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله . فدعا صالح ربه فأخرج لهم الناقة ، فكان شربها يوماً وشربهم يوماً معلوماً ، فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن السماء وحلبوها لبناً ملأوا كل اناء ووعاء وسقاء ، حتى إذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء فلم تشرب منه شيئاً فملأوا كلَّ اناء ووعاء وسقاء .
فأوحى الله إلى صالح : إن قومك سيعقرون ناقتك . فقال لهم : فقالوا : ما كنا لنفعل . . . ! فقال لهم : أن لا تعقروها أنتم يوشك أن يولد فيكم مولود يعقرها . قالوا : فما علامة ذلك المولود ، فوالله لا نجده إلا قتلناه؟ قال : فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر . وكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان لاحدهما ابن يرغب به عن المناكح ، وللآخر ابنة لا يجد لها كفؤا ، فجمع بينهما مجلس فقال أحدهما لصاحبه : ما يمنعك أن تزوج ابنك؟ قال : لا أجد له كفؤا ، قال : فإن ابنتي كفء له فانا أزوجك . فزوجه ، فولد بينهما مولود . وكان في المدينة ثمانية رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، فلما قال لهم صالح : إنما يعقرها مولود فيكم . اختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية ، وجعلوا معهن شرطاً كانوا يطوفون في القرية فإذا نظروا المرأة تمخض نظروا ما ولدها؟ إن كان غلاماً قلبنه فنظرن ما هو؟ وإن كانت جارية أعرضن عنها .
فلما وجدوا ذلك المولود صرخت النسوة : هذا الذي يريد صالح رسول الله ، فأراد الشرط أن يأخذوه فحال جداه بينهم وقالوا : لو أن صالحاً أراد هذا قتلناه ، فكان شر مولود وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة ، ويشب في الجمعة شباب غيره في الشهر ، ويشب في الشهر شباب غيره في السنة ، فاجتمع الثمانية الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون وفيهم الشيخان ، فقالوا : استعمل علينا هذا الغلام لمنزلته وشرف جديه فكانوا تسعة ، وكان صالح لا ينام معهم في القرية ، كان يبيت في مسجده ، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم ، وإذا أمسى إلى مسجده فبات فيه .
قال حجاج ، وقال ابن جريج : لما قال لهم صالح : إنه سيولد غلام يكون هلاككم على يديه قالوا : فكيف تأمرنا؟ قال : آمركم بقتلهم : فقتلوهم إلا واحداً قال : فلما بلغ ذلك المولود قالوا : لو كنا لم نقتل أولادنا لكان لكل رجل منا مثل هذا ، هذا عمل صالح ، فأتمروا بينهم بقتله وقالوا : نخرج مسافرين والناس يروننا علانية ، ثم نرجع من ليلة كذا من شهر كذا وكذا فنرصده عند مصلاه فنقتله فلا يحسب الناس إلا أنا مسافرون كما نحن ، فاقبلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصدونه ، فأرسل الله عليهم الصخرة فرضختهم فاصبحوا رضخاً ، فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك منهم فإذا هم رضخ ، فرجعوا يصيحون في القرية : أي عباد الله أما رضي صالح إن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم؟! فاجتمع أهل القرية على قتل الناقة أجمعين ، وأحجموا عنها إلا ذلك ابن العاشر .
ثم رجع الحديث إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وأرادوا أن يمكروا بصالح ، فمشوا حتى أتوا على شرب طريق صالح فاختبأ في ثمانية ، وقالوا : إذا خرج علينا قتلناه وأتينا أهله فبيتناهم ، فأمر الله الأرض فاستوت عليهم ، فاجتمعوا ومشوا إلى الناقة وهي على حوضها قائمة ، فقال الشقي لأحدهم ، ائتها فاعقرها . فاتاها فتعاظمه ذلك فاضرب عن ذلك ، فبعث آخر فأعظمه ذلك ، فجعل لا يبعث رجلاً إلا تعاظمه أمرها حتى مشى إليها وتطاول فضرب عرقوبيها فوقعت تركض ، فرأى رجل منهم صالحاً فقال : ادرك الناقة فقد عقرت . فأقبل وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه يا نبي الله إنما عقرها فلان إنه لا ذنب لنا .
قال : فانظروا هل تدركون فصليها؟ فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب . فخرجوا يطلبونه ، فلما رأى الفصيل أمه تضطرب أتى جبلاً يقال له القارة قصير ، فصعد وذهبوا ليأخذوه ، فأوحى الله إلى الجبل ، فطال في السماء حتى ما تناله الطير ، ودخل صالح القرية فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ، ثم استقبل صالحاً فرغا رغوة ، ثم رغا أخرى ، ثمم رغا أخرى فقال صالح لقومه : لكل رغوة أجل فتمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ، الا أن آية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة ، واليوم الثاني محمرة ، واليوم الثالث مسودة ، فلما أصبحوا إذا وجوههم كأنها قد طليت بالخلوق صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم ، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يوم من الأجل وحضركم العذاب ، فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنها خضبت بالدماء ، فصاحوا وضجوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب ، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يومان من الأجل وحضركم العذاب ، فلما أصبحوا اليوم الثالث فإذا وجوههم مسودة كأنها طليت بالقار ، فصاحوا جميعاً ألا قد حضركم العذاب فتكفنوا وتحنطوا .
وكان حنوطهم الصبر والمغر وكانت أكفانهم الانطاع ، ثم ألقوا أنفسهم بالأرض فجعلوا يقلبون أبصارهم فينظرون إلى السماء مرة وإلى الأرض مرة فلا يدرون من أين يأتيهم العذاب ، من فوقهم من السماء أم من تحت أرجلهم من الأرض خسفاً أو قذفاً ، فلما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء له صوت في الأرض ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم ، فاصبحوا في ديارهم جاثمين » .(4/261)
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي الطفيل قال : قال ثمود لصالح : ائتنا بآية إن كنت من الصادقين . قال : اخرجوا ، فخرجوا إلى هضبة من الأرض فإذا هي تمخض كما تمخض الحامل ، ثم إنها انفرجت فخرجت الناقة من وسطها ، فقال لهم صالح { هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم } فلما ملوها عقروها { فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب } [ هود : 65 ] .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة . أن صالحاً قال لهم حين عقروا الناقة : تمتعوا ثلاثة أيام ثم قال لهم : آية عذابكم أن تصبح وجوهكم غداً مصفرة ، وتصبح اليوم الثاني محمرة ، ثم تصبح الثالث مسودة . فأصبحت كذلك . . . ! فما كان اليوم الثالث أيقنوا بالهلاك ، فتكفنوا وتحنطوا ، ثم أخذتهم الصيحة فاهمدتهم . وقال عاقر الناقة : لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين . فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون : ترضين . . . ؟ فتقول : نعم والصبي ، حتى رضوا أجمعين فعقروها .
وأخرج أحمد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن جابر بن عبد الله « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر قام فخطب الناس فقال : يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم عن الآيات ، فإن قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث إليهم آية فبعث الله إليهم الناقة ، فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ، ويحتلبون من لبنها مثل الذي كانوا يأخذون من مائها يوم غبها وتصدر من هذا الفج ، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام ، وكان وعداً من الله غير مكذوب ، ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان منهم تحت مشارق الأرض ومغاربها إلا رجلاً كان في حرم الله ، فمنعه حرم الله من عذاب الله . فقيل : يا رسول الله من هو؟ قال : أبو رغال . فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه » .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه من حديث ابن الطفيل مرفوعاً . مثله .
وأخرج أحمد وابن المنذر عن أبي كبشة الأنماري قال : لما كان في غزوة تبوك تسارع قوم إلى أهل الحجر يدخلون عليهم ، فنودي في الناس ، إن الصلاة جامعة؛ فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول(4/262)
« علام يدخلون على قوم غضب الله عليهم؟ فقال رجل : نعجب منهم يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا انبئكم بأعجب من ذلك ، رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وبما هو كائن بعدكم ، استقيموا وسددوا فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئاً ، وسيأتي الله بقوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئاً » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة . أن ثمود لما عقروا الناقة تغامزوا وقالوا : عليكم الفصيل . فصعد الفصيل القارة جبلاً حتى إذا كان يوماً استقبل القبلة وقال : يا رب أمي ، يا رب أمي ، يا رب أمي ، فأرسلت عليهم الصيحة عند ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن أبي الهذيل قال : لما عقرت الناقة صعد بكرها فوق جبل فرغا ، فما سمعه شيء إلا همد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : لما قتل قوم صالح الناقة قال لهم صالح : ان العذاب آتيكم . قالوا له : وما علامة ذلك؟ قال : إن تصبح وجوهكم أول يوم محمرة ، وفي اليوم الثاني مصفرة ، وفي اليوم الثالث مسودة . فلما أصبحوا أول يوم احمرت وجوههم ، فلما كان اليوم الثاني اصفرت وجوههم ، فلما كان اليوم الثالث أصبحت وجوههم مسودة ، فأيقنوا بالعذاب فتحنطوا وتكفنوا وأقاموا في بيوتهم ، فصاح بهم جبريل صيحة فذهبت أرواحهم .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال : إن الله بعث صالحاً إلى ثمود فدعاهم فكذبوه ، فسألوا أن يأتيهم بآية ، فجاءهم بالناقة لها شرب ولهم شرب يوم معلوم ، فاقروا بها جميعاً فكانت الناقة لها شرب فيوم تشرب فيه الماء نهر بين جبلين فيزحمانه ففيها أثرها حتى الساعة ، ثم تأتي فتقف لهم حتى يحتلبوا اللبن فترويهم ويوم يشربون الماء لا تأتيهم ، وكان معها فصيل لها فقال لهم صالح : إنه يولد في شهركم هذا مولود يكون هلاككم على يديه ، فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر فذبحوا أبناءهم ، ثم ولد للعاشر ابن فأبى أن يذبح ابنه ، وكان لم يولد له قبله شيء ، وكان أبو العاشر أحمر أزرق ، فنبت نباتاً سريعاً ، فإذا مر بالتسعة فرأوه قالوا : لو كان ابناؤنا احياء كانوا مثل هذا : فغضب التسعة على صالح .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { ولا تمسوها بسوء } قال : لا تعقروها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وتنحتون الجبال بيوتاً } قال : كانوا ينقبون في الجبال البيوت .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وعتوا عن أمر ربهم } قال : غلوا في الباطل . وفي قوله { فأخذتهم الرجفة } قال : الصيحة .(4/263)
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { فأصبحوا في دارهم } يعني العسكر كله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله { فأصبحوا في دارهم جاثمين } قال : ميتين .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { فأصبحوا في دارهم جاثمين } قال : ميتين .
وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن الحسن قال : لما عقرت ثمود الناقة ذهب فصيلها حتى صعد تلاً فقال : يا رب أين أمي رغا رغوة فنزلت الصيحة فأهدتهم .
وأخرج أحمد في الزهد عن عمار قال : إن قوم صالح سألوا الناقة فأتوها فعقروها ، وان بني إسرائيل سألوا المائدة فنزلت فكفروا بها ، وإن فتنتكم في الدينار والدرهم .
وأخرج أبو الشيخ عن وهب قال : إن صالحاً لما نجا هو والذين معه قال : يا قوم إن هذه دار قد سخط الله عليها وعلى أهلها فأظعنوا وألحقوا بحرم الله وأمنه ، فاهلوا من ساعتهم بالحج ، وانطلقوا حتى وردوا مكة ، فلم يزالوا حتى ماتوا ، فتلك قبورهم في غربي الكعبة .(4/264)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)
أخرج ابن عساكر عن سليمان بن صرد قال : أبو لوط هو عم إبراهيم .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس قال : أرسل لوط إلى المؤتفكات ، وكانت قوى لوط أربع مدائن : سدوم ، وأمورا ، وعامورا ، وصبوير . وكان في كل قرية مائة ألف مقاتل ، وكانت أعظم مدائنهم سدوم ، وكان لوط يسكنها ، وهي من بلاد الشام ومن فلسطين مسيرة وليلة ، وكان إبراهيم خليل الرحمن عم لوط بن هاران بن تارح ، وكان إبراهيم ينصح قوم لوط ، وكان الله قد أمهل قوم لوط فخرقوا حجاب الإِسلام ، وانتهكوا المحارم ، وأتوا الفاحشة الكبرى ، فكان إبراهيم يركب على حماره حتى يأتي مدائن قوم لوط فينصحهم فيأبون أن يقبلوا ، فكان بعد ذلك يجيء على حماره فينظر إلى سدوم . فيقول : يا سدوم أي يوم لك من الله سدوم ، إنما أنهاكم أن لا تتعرضوا لعقوبة الله ، حتى بلغ الكتاب أجله ، فبعث الله جبريل في نفر من الملائكة فهبطوا في صورة الرجال حتى انتهوا إلى إبراهيم وهو في زرع له يثير الأرض ، فلما بلغ الماء إلى سكته من الأرض ركز مساحته في الأرض فصلى خلفها ركعتين ، فنظرت الملائكة إلى إبراهيم فقالوا : لو كان الله يبتغي أن يتخذ خليلاً لاتخذ هذا العبد خليلاً ، ولا يعلمون أن الله قد اتخذه خليلاً .
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في ذم الملاهي والشعب وابن عساكر عن ابن عباس في قوله { أَتأتون الفاحشة } قال : أدبار الرجال .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي وابن عساكر عن عمرو بن دينار في قوله { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } قال : ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط .
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم والبيهقي وابن عساكر عن أبي صخرة جامع بن شداد رفعه قال « كان اللواط في قوم لوط ، في النساء قبل أن يكون في الرجال بأربعين سنة » .
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن طاوس . أنه سئل عن الرجل يأتي المرأة في عجيزتها؟ قال : إنما بدء قوم لوط ذاك ، صنعته الرجال بالنساء ثم صنعته الرجال بالرجال .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن علي . أنه قال على المنبر : سلوني فقال ابن الكواء : تؤتي النساء في أعجازهن؟ فقال علي : سفلت سفل الله بك ، ألم تسمع إلى قوله { أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين } .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان الذي حملهم على إتيان الرجال دون النساء أنهم كانت لهم ثمار في منازلهم وحوائطهم وثمار خارجة على ظهر الطريق ، وإنهم أصابهم قحط وقلة من الثمار ، فقال بعضهم لبعض : إنكم إن منعتم ثماركم هذه الظاهرة من أبناء السبيل كان لكم فيها عيش .(4/265)
قالوا : بأي شيء نمنعها؟ قالوا : اجعلوا سنتكم من أخذتم في بلادكم غريباً سننتم فيه أن تنكحوه واغرموه أربعة دراهم فإن الناس لا يظهرون ببلادكم إذا فعلتم ذلك ، فذلك الذي حملهم على ما ارتبكوا من الأمر العظيم الذي لم يسبقهم إليه أحد من العالمين .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريق محمد بن إسحق عن بعض رواة ابن عباس قال : إنما كان بدء عمل قوط لوط أن إبليس جاءهم عند ذكرهم ما ذكروا في هيئة صبي أجمل صبي رآه الناس ، فدعاهم إلى نفسه فنكحوه ، ثم جروا على ذلك .
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ والبيهقي وابن عساكر عن حذيفة قال : إنما حق القول على قوم لوط حين استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي وابن عساكر عن أبي حمزة قال : قلت لمحمد بن علي : عذب الله نساء قوم لوط بعمل رجالهم؟ قال : الله أعدل من ذلك ، استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { إنهم أناس يتطهرون } قال : من أدبار الرجال وأدبار النساء .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { إنهم أناس يتطهرون } قال : من أدبار الرجال وأدبار النساء استهزاء بهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة { إنهم أناس يتطهرون } قال : عابوهم بغير عيب ، وذموهم بغير ذم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إلا امرأته كانت من الغابرين } قال : من الباقين في عذاب الله { وأمطرنا عليهم مطراً } قال : أمطر الله على بقايا قوم لوط حجارة من السماء فأهلكتهم .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن الزهري إن لوطاً لما عذب الله قومه لحق بإبراهيم ، فلم يزل معه حتى قبضه الله إليه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب في قوله { وأمطرنا عليهم مطراً } قال : على أهل بواديهم وعلى رعاتهم وعلى مسافريهم ، فلم ينفلت منهم أحد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب في قوله { وأمطرنا عليهم مطراً } قال : الكبريت والنار .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن أبي عروبة قال : كان قوم لوط أربعة آلاف ألف .
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله من تولى غير مواليه ، ولعن الله من غير تخوم الأرض ، ولعن الله من كمه أعمى عن السبيل ، ولعن الله من لعن والديه ، ولعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من وقع على بهيمة ، ولعن الله من عمل عمل قوم لوط ثلاث مرات » .(4/266)
وأخرج احمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن من أخوف ما أخاف على أمتى عمل قوم لوط » .
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أربعة يصبحون في غضب الله ويمسون في سخط الله . قيل من هم يا رسول الله؟ قال : المتشبهون من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال ، والذي يأتي البهيمة ، والذي يأتي الرجل » .
وأخرج عبد الرزاق وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي نضرة . أن ابن عباس سئل ما حدُّ اللوطي؟ قال : ينظر أعلى بناء في القرية فيلقي منه منكساً ، ثم يتبع بالحجارة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والبيهقي عن يزيد بن قبس : إن علياً رجم لوطياً .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ابن شهاب قال : اللوطي يرجم أحصن أم لم يحصن ، سنة ماضية .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والبيهقي عن إبراهيم قال : لو كان أحد ينبغي له أن يرجم مرتين لرجم اللوطي .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيد الله بن عبد الله بن معمر قال : علة الرجم قتلة قوم لوط .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن وإبراهيم قالا : حدُّ اللوطي حد الزاني ، إن كان قد أحصن فالرجم وإلا فالحد .
وأخرج البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت : أول من اتهم بالأمر القبيح يعني عمل قوم لوط اتهم به رجل على عهد عمر رضي الله عنه ، فأمر عمر بعض شباب قريش أن لا يجالسوه .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن الوضين بن عطاء عن بعض التابعين قال : كانوا يكرهون أن يحد الرجل النظر إلى وجه الغلام الجميل .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن بقية قال بعض التابعين : ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار من الغلام الأمرد يقعد إليه .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن بن ذكوان قال : لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صوراً كصور النساء ، وهم أشد فتنة من العذارى .(4/267)
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن النجيب بن السدي قال : كان يقال لا يبيت الرجل في بيت مع المرد .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن المبارك قال : دخل سفيان الثوري الحمام ، فدخل عليه غلام صبيح فقال : أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطاناً ، ومع كل غلام بضعة عشر شيطاناً .
وأخرج ابن أبي الدنيا والحكيم الترمذي والبيهقي عن ابن سيرين قال : ليس شيء من الدواب يعمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ابن سهل قال : سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم اللوطيون على ثلاثة أصناف : صنف ينظرون ، وصنف يصافحون ، وصنف يعملون ذلك العمل .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن مجاهد قال : لو أن الذي يعمل ذلك العمل يعني عمل قوم لوط اغتسل بكل قطرة في السماء وكل قطرة في الأرض لم يزل نجساً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن جابر بن زيد قال : حرمة الدبر أشد من حرمة الفرج .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة عي النبي صلى الله عليه وسلم قال « لعن الله سبعة من خلقه فوق سبع سموات ، فردد لعنته على واحدة منها ثلاثاً ولعن بعد كل واحدة لعنة لعنة . قال : ملعون ملعون ملعون من عمل عمل قوم لوط ، ملعون من أتى شيئاً من البهائم ، ملعون من جمع بين امرأة وابنتها ، ملعون من عقَّ والديه ، معلون من ذبح لغير الله ، ملعون من غير حدود الأرض ، ملعون من تولى غير مواليه » .
وأخرج ابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من عمل عمل قوم لوط فارجموا الفاعل والمفعول به » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة في المصنف وأبو داود عن ابن عباس . في البكر يوجد على اللوطية؟ قال : يرجم .
وأخرج عبد الرزاق عن عائشة « أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم حزيناً فقالت : يا رسول الله وما الذي يحزنك؟ قال : شيء تخوّفته على أمتي أن يعملوا بعدي بعمل قوم لوط » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي حصين . أن عثمان أشرف على الناس يوم الدار فقال : أما علمتم أنه لا يحل دم امرىء مسلم إلا أربعة : رجل قتل فقتل ، أو رجل زنى بعدما أحصن ، أو رجل ارتد بعد إسلامه ، أو رجل عمل عمل قوم لوط .(4/268)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)
أخرج ابن عساكر من طريق إسحق بن بشر قال : أخبرني عبيد الله بن زياد بن سمعان عن بعض من قرأ الكتب قال : إن أهل التوراة يزعمون أن شعيباً اسمه في التوراة ميكائيل ، واسمه بالسريانية جزى بن بشخر ، وبالعبرانية شعيب بن بشخر بن لاوي بن يعقوب عليه السلام .
وأخرج ابن عساكر من طريق إسحق بن بشر عن الشرقي ابن القطامي وكان نسابة عالماً بالأنساب قال : هو ثيروب بالعبرانية ، وشعيب بالعربية ابن عيفا بن يوبب بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام . يوبب بوزن جعفر أوله مثناة تحتية وبعد الواو موحدتان .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان شعيب نبياً ورسولاً من بعد يوسف ، وكان من خبره وخبر قومه ما ذكر الله في القرآن { وإلى مدين أخاهم شعيباً قال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } فكانوا مع ما كان فيهم من الشرك أهل بخس في مكايلهم وموازينهم مع كفرهم بربهم وتكذيبهم نبيهم ، وكانوا قوماً طغاة بغاة يجلسون على الطريق فيبخسون الناس أموالهم حتى يشترونه ، وكان أوّل من سن ذلك هم ، وكانوا إذا دخل عليهم الغريب يأخذون دراهمه ويقولون دراهمك هذه زيوف فيقطعونها ثم يشرونها منه بالبخس يعني بالنقصان ، فذلك قوله { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } وكانت بلادهم بلاد ميرة يمتار الناس منهم ، فكانوا يقعدون على الطريق فيصدون الناس عن شعيب يقولون : لا تسمعوا منه فإنه كذاب يفتنكم ، فذلك قوله { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } الناس أن اتبعتم شعيباً فتنكم ، ثم إنهم تواعدوه فقالوا : يا شعيب لنخرجنك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا أي إلى دين آبائنا ، فقال عند ذلك { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإِصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت } [ هود : 88 ] وهو الذي يعصمني { وإليه أنيب } [ هود : 88 ] يقول : إليه ارجع . ثم قال { أولو كنا كارهين } يقول : إلى الرجعة إلى دينكم إن رجعنا إلى دينكم { فقد افترينا على الله كذباً . . . وما يكون لنا } يقول : وما ينبغي لنا أن نعود فيها بعد إذ نجانا الله منها { إلا أن يشاء الله ربنا } فخاف العاقبة فرد المشيئة إلى الله تعالى فقال { إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما } ما ندري ما سبق لنا { عليه توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين } يعني الفاصلين قال ابن عباس : كان حليماً صادقاً وقوراً ، وكان رسول الله صلى عليه وسلم إذا ذكر شعيباً يقول « ذاك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه فيما دعاهم إليه ، وفيما ردوا عليه وكذبوه وتواعدوه بالرجم والنفي من بلادهم »(4/269)
وتواعد كبراؤهم ضعفاءهم قالوا { لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون } فلم ينته شعيب أن دعاهم ، فلما عتوا على الله { أخذتهم الرجفة } وذلك أن جبريل نزل فوقف عليهم ، فصاح صيحة رجفت منها الجبال والأرض فخرجت أرواحهم من أبدانهم ، فذلك قوله { فأخذتهم الرجفة } وذلك أنهم حين سمعوا الصيحة قاموا قياماً وفزعوا لها ، فرجفت بهم الأرض فرمتهم ميتين .
وأخرج إسحق وابن عساكر عن عكرمة والسدي قالا : ما بعث الله نبياً مرتين إلا شعيباً . مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة ، ومرة أخرى إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظلة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } قال : لا تظلموا الناس .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } قال : لا تظلموهم { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } قال : كانوا يوعدون من أتى شعيباً وغشيه وأراد الإِسلام .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } قال : كانوا يجلسون في الطريق فيخبرون من أتى عليهم أن شعيباً كذاب ، فلا يفتننَّكم عن دينكم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولا تقعدوا بكل صراط } قال : طريق { توعدون } قال : تخوّفون الناس أن يأتوا شعيباً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } قال : بكل سبيل حق { وتصدون عن سبيل الله } قال : تصدون أهلها { وتبغونها عوجا } قال : تلتمسون لها الزيغ .
وأخرج ابن جرير وابي أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } قال : العاشر { وتصدون عن سبيل الله } قال : تصدون عن الإِسلام { وتبغونها عوجاً } قال : هلاكاً .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وتبغونها } قال : تبغون السبيل عوجا قال : عن الحق .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } قال : هم العشار .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره شك أبو عالية قال : « أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسريَ به على خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته . قال » ما هذا يا جبريل؟ قال : هذا مثل أقوام من أمتك يعقدون على الطريق فيقطعونه ، ثم تلا { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } « » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { وما يكون لنا أن نعود فيها } قال : ما ينبغي لنا أن نعود في شرككم { بعد إذ نجانا الله إلا أن يشاء الله ربنا } والله لا يشاء الشرك ، ولكن يقول : إلا أن يكون الله قد علم شيئاً فإنه قد وسع كل شيء علماً .(4/270)
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن زيد بن أسلم : أنه قال في القدرية والله ما قالوا كما قال الله ولا كما قال النبيون ولا كما قال أصحاب الجنة ولا كما قال أصحاب النار ولا كما قال أخوهم إبليس . قال الله { وما تشاؤون إلا أن يشاء } [ الإِنسان : 30 ] وقال شعيب { وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله } وقال أصحاب الجنة { الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } [ الأعراف : 43 ] وقال أصحاب النار { ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } [ الزمر : 71 ] وقال إبليس { رب بما أغويتني } [ الحجر : 39 ] .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في الوقف والابتداء والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : ما كنت أدري ما قوله { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } حتى سمعت ابنة ذي يزي تقول : تعال أفاتحك : يعني أقاضيك .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ربنا افتح } يقول : اقض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : الفتح : القضاء . لغة يمانية إذا قال أحدهم : تعال أقاضيك القضاء قال : تعال أفاتحك .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { كأن لم يغنوا فيها } قال : كأن لم يعمروا فيها .
وأخرج ابي جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كأن لم يغنوا فيها } قال : كأن لم يعيشوا فيها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { كأن لم يغنوا فيها } يقول : كأن لم يعيشوا فيها .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة { فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم } قال : ذكر لنا أن نبي الله شعيباً أسمع قومه ، وأن نبي الله صالحاً أسمع قومه كما أسمع والله نبيكم محمد قومه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فكيف آسى } قال : أحزن .
وأخرج ابن عساكر عن مبلة بن عبد الله قال : بعث الله جبريل إلى أهل مدين شطر الليل ليأفكهم بمغانيهم ، فألفى رجلاَ قائماً يتلو كتاب الله ، فهاله أن يهلكه فيمن يهلك ، فرجع إلى المعراج فقال : اللهمَّ أنت سبوح قدوس بعثتني إلى مدين لإِفك مدائنهم فأصبت رجلاً قائماً يتلو كتاب الله ، فأوحى الله : ما أعرفني به هو فلان بن فلان ، فابدأ به فإنه لم يدفع عن محارمي إلا موادعاً .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس . أن شعيباً كان يقرأ من الكتب التي كان الله أنزلها على إبراهيم عليه السلام .(4/271)
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما ، قبر إسمعيل وشعيب . فقبر إسمعيل في الحجر ، وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود .
وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه . أن شعيباً مات بمكة ومن معه من المؤمنين فقبورهم في غربي الكعبة ، بين دار الندوة وبين باب بني سهم .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب عن مالك بن أنس قال : كان شعيب خطيب الأنبياء .
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم عن ابن إسحق قال : ذكر لي يعقوب بن أبي سلمة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر شعيباً قال : ذلك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه ، فيما يرادهم به ، فلما كذبوه وتوعدوه بالرجم والنفي من بلاده وعتوا على الله ، أخذهم عذاب يوم الظلة ، فبلغني أن رجلاً من أهل مدين يقال له عمرو بن حلها فما رآها قال : »
يا قوم إن شعيباً مرسل فذروا ... عنكم سميراً وعمران بن شداد
إني أرى عينة يا قوم قد طلعت ... تدعو بصوت على ضمانة الواد
وإنه لا يروي فيه ضحى غد ... إلا الرقيم يحشى بين أنجاد
« وسمير وعمران كاهناهم ، والرقيم كلبهم » .(4/272)
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة } قال : مكان الشدة الرخاء { حتى عفوا } قال : كثروا وكثرت أموالهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ثم بدلنا مكان السيئة } قال : الشر { الحسنة } قال : الرخاء والعدل والولد { حتى عفوا } يقول : حتى كثرت أموالهم وأولاهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { حتى عفوا } قال : جمعوا .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء } قال : قالوا قد آتى على آبائنا مثل هذا فلم يكن شيئاً { فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون } قال : بغت القوم أمر الله ، وما أخذ الله قوماً قط إلا عند سكوتهم وغرتهم ونعمتهم ، فلا تغتروا بالله إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون .(4/273)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ولو أن أهل القرى آمنوا } قال : بما أنزل { واتقوا } قال : ما حرم الله { لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } يقول : لأعطتهم السماء بركتها والأرض نباتها .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق معاذ بن رفاعة عن موسى الطائفي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء ، وأخرجه من بركات الأرض » .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق معاذ بن رفاعة عن موسى الطائفي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء ، وأخرجه من بركات الأرض » .
وأخرج البزار والطبراني بسقد ضعيف عن عبد الله بن أم حرام قال : صليت القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول « أكرموا الخبز فان الله أنزله من بركات السماء ، وسخر له بركات الأرض ، ومن يتبع ما يسقط من السفرة غفر له » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال : كان أهل قرية أوسع الله عليهم حتى كانوا يستنجون بالخبز ، فبعث عليهم الجوع حتى أنهم يأكلون ما يتغذون به .(4/274)
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)
أخرج أبو الشيخ عن أبي نضرة قال : يستحب إذا قرأ الرجل هذه الآية { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون } يرفع بها صوته .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : لا تتخذوا الدجاج والكلاب فتكونوا من أهل القرى ، وتلا { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً } .(4/275)
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)
أخرج ابن أبي حاتم عن هشام بن عروة قال : كتب رجل إلى صاحب له : إذا أصبت من الله شيئاً يسرك فلا تأمن أن يكون فيه من الله مكر { فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون }
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أن الله تبارك وتعالى قال للملائكة « ما هذا الخوف الذي قد بلغكم وقد أنزلتكم المنزلة التي لم أنزلها غيركم؟ قالوا : ربنا لا نأمن مكرك ، لا يأمن مكرك إلا القوم الخاسرون » .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن علي بن أبي حليمة قال : كان ذر بن عبد الله الخولاني إذا صلى العشاء يختلف في المسجد ، فإذا أراد أن ينصرف رفع صوته بهذه الآية { فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن إسمعيل بن رافع قال : من الأمن لمكر الله إقامة العبد على الذنب يتمنى على الله المغفرة .(4/276)
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100)
أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { أو لم يهد } قال : أو لم يبين .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عي مجاهد في قوله { أو لم يهد } قال : يبين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { للذين يرثون الأرض من بعد أهلها } قال : المشركون .(4/277)
تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابي أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي بن كعب في قوله { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } قال : كان في علم الله يوم أقروا له بالميثاق من يكذب به ومن يصدق .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } قال : مثل قوله { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } [ الأنعام : 28 ] .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } قال : ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهاً .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع في قوله { ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين } قال : لقد علمه فيهم أيهم المطيع من العاصي حيث خلقهم في زمان آدم . قال : وتصديق ذلك حين قال لنوح { يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم } [ هود : 48 ] ففي ذلك قال { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون } [ الأنعام : 28 ] وفي ذلك { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } [ الإِسراء : 15 ] .
وأخرج الشيخ عن مقاتل بن حيان في قوله { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم } [ الأعراف : 172 ] قال : أخرجهم مثل الذر فركب فيهم العقول ، ثم استنطقهم فقال لهم { ألست بربكم } [ الأعراف : 172 ] قالوا جميعاً : بلى فأقروا بألسنتهم وأسر بعضهم الكفر في قلوبهم يوم الميثاق ، فهو قوله { ولقد جاءتهم رسلهم } بعد البلاغ { بالبينات فما كانوا ليؤمنوا } بعد البلوغ { بما كذبوا } يعني يوم الميثاق { كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين } .(4/278)
وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } قال : الوفاء .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } يقول : فما ابتلاهم به ثم عافاهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } قال : هو ذاك العهد يوم أخذ الميثاق .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } قال : لما ابتلاهم بالشدة والجهد والبلاء ثم أتاهم بالرخاء والعافية ، ذم الله أكثرهم عند ذلك فقال { وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } .
وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } قال : الميثاق الذي أخذه في ظهر آدم .
وأخرج ابن المنذر عن أبي بن كعب في قوله { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } قال : علم الله يومئذ من يفي ممن لا يفي فقال { وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } قال : الذي أخذ من بني آدم في ظهر آدم لم يفوا به { وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } قال : القرون الماضية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } قال : وذلك أن الله إنما أهلك القرى لأنهم لم يكونوا حفظوا ما أوصاهم به .(4/279)
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : إنما سمي موسى لأنه ألقي بين ماء وشجر ، فالماء بالقبطية : مو ، والشجر : سى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كان فرعون فارسياً من أهل اصطخر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن لهيعة . إن فرعون كان من أبناء مصر .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن المنكدر قال : عاش فرعون ثلاثمائة سنة ، منها مائتان وعشرون سنة لم ير فيها ما يقذي عينيه ، ودعاه موسى ثمانين سنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة . أن فرعون كان قبطياً ولد زنا ، طوله سبعة أشبار .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : كان فرعون علجاً من همدان .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال : قال موسى عليه السلام : يا رب أمهلت فرعون أربعمائة سنة وهو يقول : أنا ربكم الأعلى ، ويكذب بآلائك ، ويجحد رسلك . فأوحى الله إليه : أنه كان حسن الخلق ، سهل الحجاب ، فأحببت أن أكافئه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : أول من خضب بالسواد فرعون .
وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم بن مقسم الهذلي قال : مكث فرعون أربعمائة سنة لم يصدع له رأس .
وأخرج عن أبي الأشرس قال : مكث فرعون أربعمائة سنة ، الشباب يغدو فيه ويروح .
وأخرج الخطيب عن الحكم بن عتيبة قال : أول من خضب بالسواد فرعون حيث قال له موسى : إن أنت آمنت بالله سألته أن يرد عليك شبابك ، فذكر ذلك لهامان فخضبه هامان بالسواد . فقال له موسى : ميعادك ثلاثة أيام . فلما كانت ثلاثة أيام فصل خضابه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان يغلق دون فرعون ثمانون باباً ، فما يأتي موسى باباً إلا انفتح له ، ولا يكلم أحداً حتى يقوم بين يديه .(4/280)
وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)
أخرج أبو الشيخ عن مجاهد . انه كان يقرأ { حقيق عليّ أن لا أقول } .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { فألقى عصاه } قال : ذكر لنا أن تلك العصا عصا آدم ، اعطاه اياها ملك حين توجه إلى مدين ، فكانت تضيء له بالليل ويضرب بها الأرض بالنهار ، فيخرج له رزقه ويهش بها على غنمه ، قال الله عز وجل { فإذا هي ثعبان مبين } قال : حية تكاد تساوره .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن المنهال قال : ارتفعت الحية في السماء ميلاً ، فأقبلت إلى فرعون فجعلت تقول : يا موسى مرني بما شئت . وجعل فرعون يقول : يا موسى أسألك بالذي أرسلك قال : وأخذه بطنه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لقد دخل موسى على فرعون وعليه زرمانقة من صوف ما تجاوز مرفقه ، فاستؤذن على فرعون فقال : ادخلوه . فدخل فقال : إن ألهي أرسلني إليك . فقال للقوم حوله : ما علمت لكم من إله غيري خذوه . قال إني قد جئتك بآية { قال فائت بها إن كنت من الصادقين ، فألقى عصاه } فصارت ثعباناً ما بين لحييه ما بين السقف إلى الأرض ، وأدخل يده في جيبه فأخرجها مثل البرق تلتمع الأبصار فخروا على وجوههم ، وأخذ موسى عصاه ثم خرج ليس أحد من الناس إلا يفر منه ، فلما أفاق وذهب عن فرعون الروع قال للملأ حوله : ماذا تأمرون؟ قالوا : أرجئه وأخاه لا تأتنا به ولا يقربنا ، وأرسل في المدائن حاشرين ، وكانت السحرة يخشون من فرعون ، فلما أسرع إليهم قالوا : قد احتاج إليكم إلهكم قال : إن هذا فعل كذا وكذا . قالوا : إن هذا ساحر يسحر ، أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين؟ قال : ساحر يسحر الناس ولا يسحر الساحر الساحر؟ قال : نعم وإنكم إذاً لمن المقربين .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم قال : كانت عصا موسى من عوسج ، ولم يسخر العوسج لأحد بعده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : عصا موسى اسمها ماشا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مسلم قال : عصا موسى هي الدابة يعني دابة الأرض .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله { فإذا هي ثعبان مبين } قال : الحية الذكر .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق معمر عن قتادة في قوله { فإذا هي ثعبان مبين } قال : تحوّلت حية عظيمة . قال معمر ، قال غيره : مثل المدينة .
وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي قال : حية صفراء ذكر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب ابن منبه قال : كان بين لحيي الثعبان الذي من عصا موسى إثنا عشر ذراعاً .(4/281)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن فرقد السبخي قال : كان فرعون إذا كانت له حاجة ذهبت به السحرة مسيرة خمسين فرسخاً ، فإذا قضى حاجته جاءوا به ، حتى كان يوم عصا موسى فإنها فتحت فاها فكان ما بين لحييها أربعين ذراعاً ، فأحدث يومئذ أربعين مرة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { فإذا هي ثعبان مبين } قال : الذكر من الحيات فاتحة فمها واضعة لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجهت نحو فرعون لتأخذه ، فلما رآها ذعر منها ووثب فأحدث ولم يكن يحدث قبل ذلك ، وصاح : يا موسى خذها وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل . فأخذها موسى فصارت عصا .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد { ونزع يده } قال : الكف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { يريد أن يخرجكم } قال : يستخرجكم من أرضكم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { ارجئه } قال : أخِّره .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قالوا { ارجئه وأخاه } قالف احبسه وأخاه .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله { وأرسل في المدائن حاشرين } قال : الشرط .(4/282)
وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : كانت السحرة سبعين رجلاً أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء . وفي لفظ : كانوا سحرة في أول النهار وشهداء آخر النهار حين قتلوا .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب قال : كان سحرة فرعون اثني عشر ألفاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن إسحق قال : جمع له خمسة عشر ألف ساحر .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي ثمامة قال : سحرة فرعون سبعة عشر الفاً . وفي لفظ تسعة عشر ألفاً .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال : كان السحرة بضعة وثلاثين ألفاً ليس منهم رجل إلا معه حبل أو عصا ، فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن القاسم بن أبي بزة قال : سحرة فرعون كانوا سبعين ألف ساحر ، فألقوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصا حتى جعل موسى يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ، فأوحى الله إليه : يا موسى ألقِ عصاك . فألقى عصاه فإذا هي ثعبان فاغر فاه فابتلع حبالهم وعصيهم ، فألقى السحرة عند ذلك سجداً فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال : كانت السحرة الذين توفاهم الله مسلمين ثمانين ألفاً .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج قال : السحرة ثلاثمائة من قرم ، ثلاثمائة من العريش ، ويشكون في ثلاثمائة من الاسكندرية .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { قالوا إنَّ لنا لأجراً } أي ائن لنا لعطاء وفضيلة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { فلما ألقوا } قال : ألقوا حبالاً غلاظاً وخشباً طوالاً ، فأقبلت تخيل إليه من سحرهم أنها تسعى .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك } قال : أوحى الله إلى موسى أن ألق ما في يمينك ، فألقى عصاه فأكلت كل حية ، فلما رأوا ذلك سجدوا .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك } فألقى عصاه فتحولت حية ، فأكلت سحرهم كله وعصيهم وحبالهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { تلقف ما يأفكون } قال : يكذبون .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله { تلقف ما يأفكون } قال : تسترط حبالهم وعصيهم .(4/283)
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : ذكر لنا أن السحرة قالوا حين اجتمعوا : إن يك ما جاء به سحراً فلن يغلب ، وإن يك من الله فسترون . فلما ألقى عصاه أكلت ما افكوا من سحرهم وعادت كما كانت علموا أنه من الله ، فألقوا عند ذلك ساجدين قالوا : آمنا برب العالمين .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال : التقى موسى وأمير السحرة ، فقال له موسى ، أرأيتك إن غلبتك اتؤمن بي ، وتشهد أن ما جئت به حق؟ قال الساحر : لآتينَّ غداً بسحر لا يغلبه سحر ، فوالله لئن غلبتني لأومنن بك ولأشهدن أنك حق وفرعون ينظر إليهم ، وهو قول فرعون : إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة إذ التقيتما لتظاهر أفتخرجا منها أهلها؟ .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فوقع الحق } قال : ظهر { وبطل ما كانوا يعملون } قال : ذهب الإِفك الذي كانوا يعملون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وألقى السحرة ساجدين } قال : رأوا منازلهم تبنى لهم وهم في سجودهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي قال : لما خرَّ السحرة سجداً رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة } إذ التقيتما لتظاهر افتخرجا منها أهلها { لأقطعن أيديكم . . . } الآية : قال قتلهم وقطعهم كما قال .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن إسحق قال : كان من رؤوس السحرة الذين جمع فرعون لموسى فيها بلغني سابور ، وعاذور ، وحطحط ، ومصفى . أربعة هم الذين آمنوا حين رأوا ما رأوا من سلطان الله ، فآمنت معهم السحرة جميعاً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان أول من صلب فرعون ، وهو أول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : لما ألقوا ما في أيديهم من السحر ، ألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ، فتحت فَماً لها مثل الرحى فوضعت مشفرها على الأرض ورفعت المشفر الآخر فاستوعبت كل شيء ألقوه من حبالهم وعصيهم ، ثم جاء إليها فأخذها فصارت عصا كما كانت ، فخرت بنو إسرائيل سجداً وقالوا : آمنا برب موسى وهارون قال { آمنتم له قبل أن آذن لكم } الآية . قال : فكان أول من قطع من خلاف وأول من صلب في الأرض فرعون .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } قال : يداً من ههنا ورجلاً من ههنا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أنهم كانوا أول النهار سحرة وآخره شهداء .(4/284)
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس . أنه كان يقرأ { ويذرك وآلهتك } قال : عبادتك ، وقال : إنما فرعون يُعبد ولا يَعبد .
وأخرج ابن الأنباري عن الضحاك . مثله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس « ويذرك وآلهتك » قال : يترك عبادتك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد { ويذرك وآلهتك } قال : وعبادتك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك . أنه قال : كيف تقرأون هذه الآية { ويذرك } قالوا : ويذرك وآلهتك . فقال الضحاك : إنما هي آلهتك أي عبادتك ، ألا ترى أنه يقول أنا ربكم الأعلى؟
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله { ويذرك وآلهتك } قال : قال ابن عباس ليس يعنون الأصنام ، إنما يعنون بآلهتك تعظيمك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { ويذرك وآلهتك } قال : ليس يعنون به الأصنام إنما يعنون تعظيمه .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سليمان التيمي قال : قرأت على بكر بن عبد الله { ويذرك وآلهتك } قال بكر : أتعرف هذا في العربيه؟ فقلت : نعم . فجاء الحسن فاستقرأني بكر ، فقرأتها كذلك فقال الحسن { ويذرك وآلهتك } فقلت للحسن : أو كان يعبد شيا؟ قال : أي والله ان كان ليعبد . قال سليمان التيمي : بلغني أنه كان يحمل في عنقه شيئاً يعبده قال : وبلغني أيضاً عن ابن عباس أنه كان يعبد البقر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { ويذرك وآلهتك } قال : كان فرعون له آلهة يعبدها سراً .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما آمنت السحرة اتبع موسى ستمائة ألف من بن إسرائيل .(4/285)
قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا } قال : من قبل ارسال الله إياك ومن بعده .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه في الآية قال : قالت بنو إسرائيل لموسى : كان فرعون يكلفنا اللبن قبل أن تأتينا ، فلما جئت كلفنا اللبن مع التبن أيضاً ، فقال موسى : أي رب أهلك فرعون حتى متى تبقيه . فأوحى الله إليهم : إنهم لم يعملوا الذنب الذي اهلكهم به .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا } قال : أما قبل أن يبعث حزاً لعدو الله فرعون حاز أنه يولد في هذا العام غلام يسلبك ملكك . قال : فتتبع أولادهم في ذلك العام بذبح الذكور منهم ثم ذبحهم أيضاً بعدما جاءهم موسى ، وهذا قول بني إسرائيل يشكون إلى موسى . فقال لهم موسى { عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن بنا أهل البيت يفتح ويختم ، فلا بد أن تقع دولة لبني هاشم فانظروا فيمن تكونوا من بن هاشم ، وفيهم نزلت { عسى ربكم أن يهلك عدوّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعلمون } » .(4/286)
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين } قال : السنون الجوع .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين } قال الجوائح { ونقص من الثمرات } دون ذلك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين } قال : أخذهم الله بالسنين بالجوع عاماً فعاماً { ونقص من الثمرات } فأما السنون فكان ذلك في باديتهم وأهل مواشيهم ، وأما نقص الثمرات فكان في أمصارهم وقراهم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن رجاء بن حيوة في قوله { ونقص من الثمرات } قال : حتى لا تحمل النخلة إلا بسرة واحدة .
وأخرج الحكيم والترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما أخذ الله آل فرعون بالسنين يبس كل شيء لهم ، وذهبت مواشيهم حتى يبس نيل مصر ، واجتمعوا إلى فرعون فقالوا له : إن كنت كما تزعم فأتنا في نيل مصر بماء . قال : غدوة يصبحكم الماء . فلما خرجوا من عنده قال : أي شيء صنعت . . . ! انا أقدر على أن أجري في نيل مصر ماء ، غدوة أصبح فيكذبونني . فلما كان في جوف الليل قام واغتسل ولبس مدرعة صوف ، ثم خرج حافياً حتى أتى نيل مصر فقام في بطنه فقال : اللهم إنك تعلم أني أعلم أنك تقدر على أن نملأ نيل مصر ماء فأملاه ، فما علم إلا بخرير الماء يقبل ، فخرج وأقبل النيل يزخ بالماء لما أراد الله بهم من الهلكة .(4/287)
فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فإذا جاءتهم الحسنة } قال : العافية والرخاء { قالوا لنا هذه } ونحن أحق بها { وإن تصبهم سيئة } قال : بلاء وعقوبة { يطيروا بموسى } قال : يتشاءموا به .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ألا إنما طائرهم } قال مصائبهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { ألا إنما طائرهم عند الله } قال : الأمر من قبل الله .
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { ألا إنما طائرهم عند الله } يقول : الأمر من قبل الله ، ما أصابكم من أمر الله فمن الله بما كسبت أيديكم .(4/288)
وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { وقالوا مهما تأتنا به من آية } قال : إن ما تأتنا به من آية قال : وهذه فيها زيادة ما .(4/289)
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الطوفان : الموت » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عطاء قال { الطوفان } الموت .
وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال { الطوفان } الموت على كل حال .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال { الطوفان } الغرق .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال { الطوفان } أن يمطروا دائماً بالليل والنهار ثمانية أيام ، والقمل الجراد الذي ليس له أجنحة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : { الطوفان } أمر من آمر ربك ، ثم قرأ { فطاف عليها طائف من ربك } [ القلم : 9 ] .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أرسل الله على قوم فرعون الطوفان وهو المطر فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا المطر ، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه فكشف عنهم ، فأنبت الله لهم في تلك السنة شيئاً لم ينبته قبل ذلك من الزرع والكلأ ، فقالوا : هذا ما كنا نتمنى ، فأرسل الله عليهم الجراد فسلطه عليهم ، فلما رأوه عرفوا أنه لا يبقي الزرع قالوا مثل ذلك ، فدعا ربه فكشف عنهم الجراد ، فداسوه وأحرزوه في البيوت فقالوا : قد أحرزنا ، فأرسل الله عليهم القمل : وهو السوس الذي يخرج من الحنطة ، فكان الرجل يخرج بالحنطة عشرة أجربة إلى الرحا فلا يرد منها بثلاثة أقفزة ، فقالوا مثل ذلك ، فكشف عنهم فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل ، فبينا موسى عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع من نهر فقال : يا فرعون ما تلقى أنت وقومك من هذا الضفدع؟ فقال : وما عسى أن يكون عند هذا الضفدع؟ فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ، وما منهم من أحد يتكلم إلا وثب ضفدع في فيه ، وما من شيء من آنيتهم إلا وهي ممتلئة من الضفادع . فقالوا مثل ذلك ، فكشف عنهم فلم يفوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فصارت أنهارهم دماً ، وصارت آبارهم دماً ، فشكوا إلى فرعون ذلك فقال : ويحكم قد سحركم؟! فقالوا : ليس نجد من مائنا شيئاً في اناء ولا بئر ولا نهر إلا ونجده طعم الدم العبيط . فقال فرعون : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنهم الدم فلم يفوا .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فأرسلنا عليهم الطوفان } وهو المطر حتى خافوا الهلاك ، فأتوا موسى فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا المطر ، فانا نؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم المطر ، فأنبت الله به حرثهم وأخصبت بلادهم ، فقالوا : ما نحب أنا لم نمطر ولن نترك إلهنا ونؤمن بك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل .(4/290)
فأرسل الله عليهم الجراد فأسرع في فساد زروعهم وثمارهم ، قالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الجراد ، فانا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل . فدعا ربه فكشف عنهم الجراد ، وكان قد بقي من زرعهم ومعائشهم بقايا ، فقالوا : قد بقي لنا ما هو كافينا فلن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم القمل وهو الدبا فتتبع ما كان ترك الجراد ، فجزعوا وخشوا الهلاك فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الدبا فإنا سنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه فكشف عنهم الدبا فقالوا : ما نحن لك بمؤمنين ، ولا مرسلين معك بني إسرائيل . فأرسل عليهم الضفادع فملأ بيوتهم منها ، ولقو منها أذى شديداً لم يلقوا مثله فيما كان قبله ، كانت تثب في قدورهم فتفسد عليهم طعامهم وتطفىء نيرانهم ، قالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الضفادع فقد لقينا منها بلاء وأذى ، فانا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل . فدعا ربه فكشف عنهم الضفادع ، فقالوا : لا نؤمن لك ، ولا نرسل معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم الدم فجعلوا لا يأكلون إلا الدم ولا يشربون إلا الدم ، قالوا يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الدم ، فانا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل . فدعا ربه فكشف عنهم الدم ، فقالوا : يا موسى لن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل . فكانت آيات مفصلات بعضها أثر بعض لتكون لله الحجة عليهم ، فأخذهم الله بذنوبهم فأغرقهم في اليم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فأرسلنا عليهم الطوفان } قال : الماء والطاعون والجراد . قال : تأكل مسامير رتجهم : يعني أبوابهم وثيابهم ، والقمل الدبا ، والضفادع تسقط على فرشهم وفي أطعمتهم ، والدم يكون في ثيابهم ومائهم وطعامهم .
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء قال : بلغني أن الجراد لما سلط على بني إسرائيل أكل أبوابهم حتى أكل مساميرهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الجراد نترة من حوت في البحر .
وأخرج العقيلي في كتاب الضعفاء وأبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الجراد؟ فقال : إن مريم سألت الله أن يطعمها لحماً لا دم فيه فاطعمها الجراد » .
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن أبي أمامة الباهلي(4/291)
« أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن مريم بنت عمران سألت ربها أن يطعمها لحماً لا دم فيه فاطعمها الجراد ، فقالت : اللهم اعشه بغير رضاع ، وتابع بينه بغير شياع يعني الصون قال الذهبي : اسناده أنظف من الأول » .
وأخرج البيهقي في سننه عن زينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : إن نبياً من الأنبياء سأل الله لحم طير لا ذكاة له ، فرزقه الله الحيتان والجراد .
وأخرج أبو داود وابن ماجة وأبو الشيخ في العظمة والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن سلمان قال : « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد؟ فقال » أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه « » .
وأخرج أبو بكر البرقي في معرفة الصحابة والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي زهير النميري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تقاتلوا الجراد فإنه جند من جند الله الأعظم » قال البيهقي : هذا إن صح أراد به إذا لم يتعرض لإِفساد المزارع ، فإذا تعرض له جاز دفعه بما يقع به الدفع من القتال والقتل ، أو أراد تعذر مقاومته بالقتال والقتل .
وأخرج البيهقي من طريق الفضيل بن عياض عن مغيرة عن ابراهيم عن عبد الله قال : وقعت جرادة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : الا نقتلها يا رسول الله؟ فقال « من قتل جرادة فكأنما قتل غوريا » قال البيهقي : هذا ضعيف بجهالة بعض رواته ، وانقطاع ما بين إبراهيم وابن مسعود .
وأخرج الحاكم في تاريخه والبيهقي بسند فيه مجهول عن ابن عمر قال : وقعت جرادة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتملها فإذا مكتوب في جناحها بالعبرانية : لا يعني جنيني ولا يشبع آكلي ، نحن جند الله الأكبر لنا تسع وتسعون بيضة ، ولو تمت لنا المائة لأكلنا الدنيا بما فيها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم « اللهم أهلك الجراد اقتل كبارها ، وأمت صغارها ، وأفسد بيضها ، وسدَّ أفواهها عن مزارع المسلمين وعن معايشهم إنك سميع الدعاء ، فجاءه جبريل فقال : إنه قد استجيب لك في بعض » قال البيهقي : هذا حديث منكر .
وأخرج الطبراني وإسمعيل بن عبد الغافر الفارسي في الأربعين والبيهقي عن الحسين بن علي قال : « كنا على مائدة أنا ، وأخي محمد بن الحنفية ، وبني عمي عبد الله بن عباس ، وقثم ، والفضل ، فوقعت جرادة فأخذها عبد الله بن عباس ، فقال للحسين : تعلم ما مكتوب على جناح الجرادة؟ فقال : سألت أبي فقال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي » على جناح الجرادة مكتوب : إني أنا لا الله لا إله إلا أنا رب الجرادة ورازقها ، إذا شئت بعثتها رزقاً لقوم ، وإن شئت على قوم بلاء . فقال ابن عباس : هذا والله من مكنون العلم « » .(4/292)
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عكرمة قال : قال لي ابن عباس : مكتوب على الجرادة بالسريانية : إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي ، الجراد جند من جندي أسلطه على من أشاء من عبادي .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن المسيب قال : لما خلق الله آدم فضَّل من طينته شيء فخلق من الجراد .
وأخرج عن سعيد بن أبي الحسن . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال { الطوفان } المطر { والجراد } هذا الجراد . { والقمل } الدابة التي تكون في الحنطة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر قال : القمل : الجراد الذي لا يطير .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : القمل : هو القمل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد قال : زعم بعض الناس في القمل أنها البراغيث .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حبيب بن أبي ثابت قال : القمل : الجعلان .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { والقمل والضفادع } قال : القمل : الدبا . والضفادع : هي هذه . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم ، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول :
يبادرون النحل من أنها ... كأنهم في الشرف القمل
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال : القمل : الجنادب بنات الجراد .
وأخرج أبو الشيخ عن عفيف عن رجل من أهل الشام قال : القمل : البراغيث .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كانت الضفادع برية ، فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف نفسها في القدر وهي تغلي ، وفي التنانير وهي تفور ، فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : لم يكن شيء أشد على آل فرعون من الضفادع ، كانت تأتي القدور وهي تغلي فتلقي أنفسها فيها ، فأورثها الله برد الماء والثرى إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال : لا تقتلوا الضفادع فانها لما أرسلت على آل فرعون انطلق ضفدع منها فوقع في تنور فيه نار ، طلبت بذلك مرضاة الله فأبدلهن الله أبرد شيء نعلمه الماء ، وجعل نعيقهن التسبيح .
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي . أن طبيباً ذكر ضفدعاً في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله .(4/293)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : سالت النيل دماً فكان الاسرائيلي يستقي ماء طيباً ويستقي الفرعوني دماً ، ويشتركان في اناء واحد فيكون ما يلي الاسرائيلي ماء طيباً وما يلي الفرعوني دماً .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : أرسل الله عليهم الدم فكانوا لا يغترفون من مائهم إلا دماً أحمر ، حتى لقد ذكر لنا أن فرعون كان يجمع بين الرجلين على الاناء الواحد القبطي والإِسرائيلي ، فيكون ما يلي الإِسرائيلي ماء وما يلي القبطي دماً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله { والدم } قال : سلط الله عليهم الرعاف .
وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن نوف الشامي قال : مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات ، الجراد والقمل والضفادع والدم فيأبون أن يسلموا .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة أربعين سنة يريهم الآيات ، الجراد والقمل والضفاع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { آيات مفصلات } قال : كانت آيات مفصلات بعضها على أثر بعض ليكون لله الحجة عليهم .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { آيات مفصلات } قال : يتبع بعضها بعضاً ، تمكث فيهم سبتاً إلى سبت ثم ترفع عنهم شهراً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كان بين كل آيتين من هذه الآيات ثلاثون يوماً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال : كانت الآيات التسع في تسع سنين ، في كل سنة آية .(4/294)
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)
أخرج ابن مردويه عن عائشة « عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الرجز } العذاب » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أمر موسى بني إسرائيل فقال : ليذبح كل رجل منكم كبشاً ، ثم ليخضب كفه في دمه ، ثم ليضرب على بابه . فقالت القبط لبني إسرائيل : لم تجعلون هذا الدم على بابكم؟ قالوا : إن الله يرسل عليكم عذاباً فنسلم وتهلكون . قال القبط : فما يعرفكم الله إلا بهذه العلامات؟ قالوا : هكذا أمرنا نبينا . فأصبحوا وقد طعن من قوم فرعون سبعون ألفاً ، فأمسوا وهم لا يتدافنون . فقال فرعون عند ذلك { ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل } والرجز : الطاعون . فدعا ربه فكشفه عنهم ، فكان أوفاهم كلهم فرعون قال : اذهب ببني إسرائيل حيث شئت .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : ألقى الله الطاعون على آل فرعون فشغلهم بذلك حتى خرج موسى ، فقال موسى لبني إسرائيل : اجعلوا أكفكم في الطين والرماد ، ثم ضعوه على أبوابكم كما يجتنبكم ملك الموت . قال فرعون : أما يموت من عبيدنا أحد؟ قالوا : لا . قال : أليس هذا عجباً أنا نؤخذ ولا يؤخذون . . . !
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { لئن كشفت عنا الرجز } قال : الطاعون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة قال { الرجز } العذاب .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { إلى أجل هم بالغوه } قال : الغرق .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فلما كشفنا عن الرجز } قال : العذاب { إلى أجل هم بالغوه } قال : عدد مسمى معهم من أيامهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { إذا هم ينكثون } قال : ما أعطوا من العهود .(4/295)
فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)
أخرج أبو الشيخ عن الضحاك في الآية قال : فانتقم الله منهم بعد ذلك فأغرقهم في اليم .
وأخرج ابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال { اليم } البحر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال { اليم } هو البحر .
قوله تعالى { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها } .
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن الحسن في قوله { مشارق الأرض ومغاربها } قال : هي أرض الشام .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن قتادة في قوله { مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها } قال : هي أرض الشام .
وأخرج أبو الشيخ عن عبد الله بن شوذب في قوله { مشارق الأرض ومغاربها } قال : فلسطين .
وأخرج ابن عساكر عن زيد بن أسلم في قوله { التي باركنا فيها } قال : قرى الشام .
وأخرج ابن عساكر عن كعب الأحبار قال : إن الله تعالى بارك في الشام من الفرات إلى العريش .
وأخرج ابن عساكر عن أبي الأغبش ، وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم « أنه سئل عن البركة التي بورك في الشام أين مبلغ حده؟ قال : أول حدوده عريش مصر ، والحد الآخر طرف التنية ، والحد الآخر الفرات ، والحد الآخر جعل فيه قبر هود النبي عليه السلام » .
وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن أبي سفيان قال : إن ربك قال لإِبراهيم عليه السلام : أعمر من العريش إلى الفرات الأرض المباركة ، وكان أول من اختتن وقرى الضيف .
وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه قال : دمشق بناها غلام إبراهيم الخليل عليه السلام ، وكان حبشياً وهبه له نمرود بن كنعان حين خرج إبراهيم من النار ، وكان اسم الغلام دمشق فسماها على اسمه ، وكان إبراهيم جعله على كل شيء له ، وسكنها الروم بعد ذلك بزمان .
وأخرج ابن عساكر عن أبي عبد الملك الجزري قال : إذا كانت الدنيا في بلاء وقحط كان الشام في رخاء وعافية ، وإذا كان الشام في بلاء وقحط كانت فسلطين في رخاء وعافية ، وإذا كانت فلسطين في بلاء وقحط كان بين المقدس في رخاء وعافية ، وقال : الشام مباركة ، وفلسطين مقدسة ، وبيت المقدس قدس ألف مرة .
وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : قلت لأبي سلام الأسود ما نقلك من حمص إلى دمشق؟ قال : بلغني أن البركة تضعف بها ضعفين .
وأخرج ابن عساكر عن مكحول . أنه سأل رجلاً أين تسكن؟ قال : الغوطة .(4/296)
قال له مكحول : ما يمنعك أن تسكن دمشق؟ فإن البركة فيها مضعفة .
وأخرج ابن عساكر عن كعب قال : مكتوب في التوراة أن الشام كنز الله عز وجل من أرضه بها كنز الله من عباده ، يعني بها قبور الأنبياء إبراهيم وإسحق ويعقوب .
وأخرج ابن عساكر عن ثابت بن معبد قال : قال الله تعالى : يا شام أنت خيرتي من بلدي أسكنك خيرتي من عبادي .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي والروياني في مسنده وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن زيد بن ثابت قال : كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع إذ قال « طوبى للشام . قيل له : ولم؟ قال : أن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليهم » .
وأخرج البزار والطبراني بسند حسن عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إنكم ستجندون أجناداً ، جنداً بالشام ومصر والعراق واليمن . قلنا : فَخِرْ لنا يا رسول الله . قال : عليكم بالشام فإن الله قد تكفل لي بالشام » .
وأخرج البزار والطبراني بسند ضعيف عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إنكم ستجندون أجناداً . فقال رجل : يا رسول الله خِرْ لي . فقال : عليك بالشام فإنها صفوة الله من بلاده فيها خيرة الله من عباده ، فمن رغب عن ذلك فليلحق بنجدة فإن الله تكفل لي بالشام وأهله » .
وأخرج أحمد وابن عساكر عن عبد الله بن حوالة الأزدي . أنه قال : يا رسول الله خرْ لي بلداً أكون فيه . فقال « عليك بالشام ان الله يقول : يا شام أنت صفوتي من بلادي أدخل فيك خيرتي من عبادي . ولفظ أحمد . فإنه خيرة الله من أرضه يجتبي إليه خيرته من عباده ، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله » .
وأخرج ابن عساكر عن وائلة بن الأسقع « سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول : عليكم بالشام فانها صفوة بلاد الله يسكنها خيرته من عباده ، فمن أبى فليلحق بيمنه ويسق من غدره ، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله » .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم عن عبد الله بن حوالة الأزدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إنكم ستجندون أجناداً بالشام ، وجنداً بالعراق ، وجنداً باليمن . فقال الحوالي : خر لي يا رسول الله . قال : عليكم بالشام ، فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره ، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال : يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلا لحق بالشام .
وأخرج ابن عساكر عن عون بن عبد الله بن عتبة قال : قرأت فيما أنزل الله على بعض الأنبياء : إن الله يقول : الشام كنانتي ، فإذا غضبت على قوم رميتهم منها بسهم .(4/297)
وأخرج ابن عساكر والطبراني عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم « ستفتح على أمتي من بعدي الشام وشيكاً ، فإذا فتحها فاحتلها فأهل الشام مرابطون إلى منتهى الجزيرة ، فمن احتل ساحلاً من تلك السواحل فهو في جهاد ، ومن احتل بيت المقدس وما حوله فهو في رباط » .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه وابن ماجة وابن عساكر عن قرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، لا تزال طائفة من أمتي منصورين على الناس لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة » .
وأخرج ابن عساكر عن ضمرة بن ربيعة قال : سمعت أنه لم يبعث نبي إلا من الشام ، فإن لم يكن منها أسريَ به إليها .
وأخرج الحافظ وأبو بكر النجاد في جزء التراجم عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « بينا أنا نائم رأيت عمود الإِسلام احتمل من تحت رأسي ، فظننت أنه مذهوب به ، فاتبعته بصري فعمد به إلى الشام ، ألا فإن الإِيمان حين تقع الفتن بالشام » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الشام أرض المحشر والمنشر » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي أيوب الأنصاري قال : ليهاجرن الرعد والبرق والبركان إلى الشام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن القاسم بن عبد الرحمن قال : مد الفرات على عهد عبد الله ، فكره الناس ذلك فقال : يا أيها الناس لا تكرهوا مده فإنه يوشك أن يلتمس فيه طست من ماء فلا يوجد ، وذلك حيث يرجع كل ماء إلى عنصره ، فيكون الماء وبقية المؤمنين يومئذٍ بالشام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال : أحب البلاد إلى الله الشام ، وأحب الشام إليه القدس ، وأحب القدس إليه جبل نابلس ، ليأتين على الناس زمان يتماسحونه كالحبال بينهم .
وأخرج الطبراني وابن عساكر عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « دخل إبليس العراق فقضى منها حاجته ، ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بيسان ، ثم دخل مصر فباض فيها وفرخ وبسط عبقرية » .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر قال : دخل الشيطان بالمشرق فقضى قضاءه ، ثم خرج يريد الأرض المقدسة الشام فمنع ، فخرج على ساق حتى جاء المغرب فباض بيضه وبسط بها عبقرية .
وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه قال : إني لأجد تردد الشام في الكتب ، حتى كأنه ليس الله حاجة إلا بالشام .
وأخرج أحمد وابن عساكر عن ابن عمر(4/298)
« أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا . قالوا : وفي نجدنا . وفي لفظ : وفي مشرقنا . قال : هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان . زاد ابن عساكر في رواية : وبها تسعة اعشار الشر » .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر وقال : قال رسول الله صلى عليه وسلم « الخير عشرة أعشار تسعة بالشام وواحد في سائر البلدان ، والشر عشرة اعشار واحد بالشام وتسعة في سائر البلدان ، وإذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم » .
وأخرج الطبراني وابن عساكر عن عبد الله بن مسعود قال : قسم الله الخير فجعله عشرة أعشار ، فجعل تسعة اعشاره بالشام وبقيته في سائر الأرضين ، وقسم الشر فجعله عشرة أعشار ، فجعل تسعة اعشاره بالشام وبقيته في سائر الأرضين .
وأخرج ابن عساكر عن كعب الأحبار قال : نجد هذه الأرض في كتاب الله تعالى على صفة النسر فالرأس الشام ، والجناحان المشرق والمغرب ، والذنب اليمن ، فلا يزال الناس بخير ما بقي الرأس ، فإذا نزع الرأس هلك الناس ، والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا تبقى جزيرة من جزائر العرب إلا وفيهم مقنب خيل من الشام يقاتلونهم على الإِسلام لولاهم لكفروا .
وأخرج ابن عساكر عن إياس بن معاوية قال : مثلت الدنيا على طائر فمصر والبصرة والجناحان ، والجزيرة الجؤجؤ ، والشام الرأس ، واليمن الذنب .
وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه قال : رأس الأرض الشام .
وأخرج ابن عساكر عن كعب قال : إني لاجد في كتاب الله المنزل : إن خراب الأرض قبل الشام بأربعين عاماً .
وأخرج ابن عساكر عن بحير بن سعد قال : تقيم الشام بعد خراب الأرض أربعين عاماً .
وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ستخرج نار من حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس . قلنا يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال : عليكم بالشام » .
وأخرج ابن عساكر عن كعب قال : يوشك أن تخرج نار من اليمن تسوق الناس إلى الشام ، تغدوا معهم إذا غدوا ، وتقيل معهم إذا قالوا ، وتروح معهم إذا راحوا ، فإذا سمعتم بها فاخرجوا إلى الشام .
وأخرج تمام في فوائده وابن عساكر عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي ، فاتبعته بصري فإذا هو نور ساطع فعمد به إلى الشام ، ألا وان الإِيمان إذا وقعت الفتن بالشام » .
وأخرج أبو الشيخ عن الليث بن سعد في قوله { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها } قال : هي مصر ، وهي مباركة في كتاب الله .(4/299)
وأخرج ابن عبد الحكم في تاريخ مصر ومحمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين دخلوا مصر عن عبد الله بن عمرو قال : مصر أطيب أرض الله تراباً وأبعده خراباً ، ولن يزال فيها بركة ما دام في شيء من الأرضين بركة .
وأخرج ابن عبد الحكم عن عبد الله بن عمرو قال : من أراد أن يذكر الفردوس أو ينظر إلى مثلها في الدنيا فلينظر إلى أرض مصر حين تخضر زروعها وتنور ثمارها .
وأخرج ابن عبد الحكم عن كعب الأحبار قال : من أراد أن ينظر شبه الجنة فلينظر إلى أرض مصر إذا أزهرت .
وأخرج ابن عبد الحكم عن ابن لهيعة قال : كان عمرو بن العاصي يقول : ولاية مصر جامعة لعدل الخلافة .
وأخرج ابن عبد الحكم عن عبد الله بن عمرو بن العاصي . . . . قال : خلقت الدنيا على خمس صور على صورة الطير برأسه وصدره وجناحيه وذنبه ، فالرأس مكة والمدينة واليمن ، والصدر الشام ومصر ، والجناح الأيمن العراق ، والجناح الأيسر السند والهند ، والذنب من ذات الحمام إلى مغرب الشمس ، وشر ما في الطير الذنب .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن نوف قال : إن الدنيا مثلت على طير فإذا انقطع جناحاه وقع ، وإن جناحي الأرض مصر والبصرة ، فإذا خربا ذهبت الدنيا .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وتمت كلمة ربك الحسنى } قال : ظهور قوم موسى على فرعون وتمكين الله لهم في الأرض وما ورثهم منها .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب عن موسى بن علي عن أبيه قال : كانت بنو إسرائيل بالربع من آل فرعون ووليهم فرعون أربعمائة وأربعين سنة ، فاضعف الله ذلك لبني اسرائيل فولاهم ثمانمائة عام وثمانين عاماً . قال : وإن كان الرجل ليعمر ألف سنة في القرون الأولى ، وما يحتلم حتى يبلغ عشرين ومائة سنة .
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال : لو أن الناس إذ ابتلوا من سلطانهم بشيء صبروا ودعوا الله لم يلبثوا أن يرفع الله ذلك عنهم ، ولكنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه ، والله ما جاؤوا بيوم خير قط ، ثم تلا هذه الآية { وتمت كلمة ربك الحسنى على بني اسرائيل بما صبروا } .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الحسن في الآية قال : ما أوتيت بنو اسرائيل ما أوتيت إلا بصبرهم ، وما فزعت هذه الأمة إلى السيف قط فجاءت بخير .
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال : إذا جاء أمر لا كفاء لك به فاصبر وانتظر الفرج من الله .
وأخرج أحمد عن بيان بن حكيم قال : جاء رجل إلى أبي الدرداء فشكا إليه جاراً له قال : اصبر فإن الله سيجيرك منه ، فما لبث أن أتى معاوية فحباه وأعطاه ، فأتى أبا الدرداء فذكر ذلك له قال : إن ذلك لك منه جزاء .(4/300)
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة { ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه } قال : إن الله تعالى لا يملي للكافر إلا قليلاً حتى يوبقه بعمله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وما كانوا يعرشون } قال : يبنون .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وما كانوا يعرشون } قال : يبنون البيوت والمساكن ما بلغت ، وكان عنبهم غير معروش . والله أعلم .(4/301)
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم } قال : على لخم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله { فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم } قال : هم لخم وجذام .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم } قال : تماثيل بقر من نحاس ، فلما كان عجل السامري شبه لهم أنه من تلك البقر ، فلذلك كان أول شأن العجل لتكون لله عليهم حجة فينتقم منهم بعد ذلك .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } قال : يا سبحان الله . . . ! قوم أنجاهم الله من العبودية ، وأقطعهم البحر ، وأهلك عدوهم ، وأراهم الآيات العظام ، ثم سألوا الشرك صراحية .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين ، فمررنا بسدرة فقلت : يا رسول الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط ، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم « الله أكبر ، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني من طريق كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده قال : « غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ونحن ألف ونيف ، ففتح الله له مكة وحنينا ، حتى إذا كنا بين حنين والطائف مررنا بشجرةٍ دنوا عظيمة سدرة كان يناط بها السلام فسميت ذات أنواط ، وكانت تُعبد من دون الله ، فلما رآها رسول الله صلى عليه وسلم صرف عنها في يوم صائف إلى ظل هو أدنى منها ، فقال له رجل يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال رسول الله صلى عليه وسلم » إنها السنن قلتم . والذي نفس محمد بيده كما قالت بنو إسرائيل { اجعل لنا آلهاً كما لهم آلهة } « » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { متبر } قال : خسران .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { متبر } قال : هالك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل } قال : المتبر المخسر ، وقال المتبر والباطل سواء كله واحد كهيئة غفور رحيم ، والعرب تقول : إنه البائس المتبر ، وإنه البائس المخسر .(4/302)
وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر } قال : ذو القعده ، وعشر من ذي الحجة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سليمان التيمي قال : زعم حضرمي أن الثلاثين ليلة التي وعد موسى ذو القعدة ، والعشر التي تمم الله بها الأربعين ليلة عشر ذي الحجة .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : ما من عمل في أيام من السنة أفضل منه في العشر من ذي الحجة ، وهي العشر التي أتمها الله لموسى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر } يعني ذا القعده وعشراً من ذي الحجة ، خلف موسى أصحابه واستخلف عليهم هرون ، فمكث على الطور أربعين ليلة وأنزل عليه التوراة في الألواح ، فقربه الرب نجياً وكلمه وسمع صريف القلم ، وبلغنا أنه لم يحدث في الأربعين ليلة حتى هبط من الطور .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة } قال : ذو القعدة { وأتممناها بعشر } قال : عشر ذي الحجة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر } قال : إن موسى قال لقومه : إن ربي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه وأخلف هرون فيكم ، فلما فصل موسى إلى ربه زاده الله عشراً ، فكانت فتنتهم في العشر التي زاده الله ، فلما مضى ثلاثون ليلة كان السامري أبصر جبريل ، فأخذ من أثر الفرس قبضة من تراب فقال حين مضى ثلاثون ليلة : يا بني إسرائيل إن معكم حلياً من حلى آل فرعون وهو حرام عليكم فهاتوا ما عندكم فنحرقها ، فأتوه بما عندهم من حليهم ، فأوقد ناراً ثم ألقى الحلى في النار ، فلما ذاب الحلى ألقى تلك القبضة من التراب في النار فصار عجلاً جسداً له خوار ، فخار خورة واحدة لم يثن فقال السامري : إن موسى ذهب يطلب ربكم وهذا إله موسى ، فذلك قوله { هذا إلهكم وإله موسى فنسي } [ طه : 88 ] يقول : انطلق يطلب ربه فضل عنه وهو هذا ، فقال الله تبارك وتعالى لموسى وهو يناجيه { قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً } [ طه : 85 - 86 ] قال يعني حزيناً .
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال : قال الرب تبارك وتعالى لموسى عليه السلام « مرْ قومك أن ينيبوا إلي ويدعوني في العشر يعني عشر ذي الحجة فإذا كان اليوم العاشر فليخرجوا إليَّ أُغْفِرْ لهم » قال وهب : اليوم الذي طلبته اليهود فأخطأوه ، وليس عدد أصوب من عدد العرب .(4/303)
وأخرج الديلمي عن ابن عباس رفعه « لما أتى موسى ربه وأراد أن يكلمه بعد الثلاثين يوماً وقد صام ليلهن ونهارهن ، فكره أن يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم ، فتناول من نبات الأرض فمضغه ، فقال له ربه : لم أفطرت وهو أعلم بالذي كان قال : أي رب كرهت أن أكلمك إلا وفي طيب الريح . قال : أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك ، ارجع فصم عشرة أيام ثم إيتني . ففعل موسى الذي أمره ربه فلما كلم الله موسى قال له ما قال .
أما قوله تعالى : { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه } .
وأخرج البزار وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لما كلم الله موسى يوم الطور كلمه بغير الكلام الذي كلمه يوم ناداه ، فقال له موسى : يا رب أهذا كلامك الذي كلمتني به؟ قال : يا موسى إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ، ولي قوة الألسن كلها وأقوى من ذلك ، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا : يا موسى صف لنا كلام الرحمن . فقال : لا تستطيعونه ، ألم تروا إلى أصوات الصواعق الذي يقبل في أحلى حلاوة سمعتموه ، فذاك قريب منه وليس به « .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عطاء بن السائب قال : كان لموسى عليه السلام قبة طولها ستمائة ذراع ، يناجي فيها ربه عز وجل .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن كعب قال : لما كلم الله موسى قال : يا رب أهكذا كلامك؟ قال : يا موسى إنما أكلمك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسنة كلها ، ولو كلمتك بكنه كلامي لم تك شيئاً .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن كعب قال : لما كلم الله موسى كلمه بالألسنة كلها قبل كلامه يعني كلام موسى فجعل يقول : يا رب لا أفهم حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه بمثل صوته ، فقال : يا رب هكذا كلامك؟ قال : لا ، لو سمعت كلامي أي على وجهه لم تك شيئاً . قال يا رب هل في خلقك شيء شبه كلامك؟ قال : لا ، وأقرب خلقي شبهاً بكلامي أشد ما سمع الناس من الصواعق .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال : قيل لموسى عليه السلام ما شبهت كلام ربك مما خلق؟ فقال موسى : الرعد الساكن .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قال : إنما كلم الله موسى بقدر ما يطيق من كلامه ، ولو تكلم بكلامه كله لم يطقه شيء ، فمكث موسى أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات من نور رب العالمين .(4/304)
وأخرج الديلمي عن أبي هريرة رفعه ، لما خرج أخي موسى إلى مناجاة ربه كلمه ألف كلمة ومائتي كلمة ، فأول ما كلمه بالبربرية أن قال : يا موسى ونفسي معبراً : أي أنا الله الأكبر . قال موسى : يا رب أعطيت الدنيا لأعدائك ومنعتها أولياءك فما الحكمة في ذلك؟ فأوحى الله إليه : أعطيتها أعدائي ليتمرغوا ، ومنعتها أوليائي ليتضرعوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عجلان قال : كلم الله موسى بالألسنة كلها ، وكان فيما كلمه لسان البربر فقال كلمنه بالبربرية : أنا الله الكبير .
وأخرج سعيد بن منصور وابي المنذر والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يوم كلم الله موسى كان عليه جبة صوف ، وكساء صوف ، وسراويل صوف ، وكمه صوف ، ونعلان من جلد حمار غير ذكي » .
وأخرج أبو الشيخ عن عبد الرحمن بن معاوية قال : لما كلم موسى ربه عز وجل مكث أربعين يوماً لا يراه أحد إلا مات من نور رب العالمين .
وأخرج أبو الشيخ عن عروة بن رويم قال : كان موسى لم يأت النساء منذ كلمه ربه ، وكان قد ألبس على وجهه بوقع فكاق لا ينظر إليه أحد إلا مات فكشف لها عن وجهه ، فأخذتها من غشيته مثل شعاع الشمس ، فوضعت يدها على وجهها وخرت لله ساجدة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال : كلم الله موسى من ألف مقام ، فكان كلما كلمه رأى النور على وجهه ثلاثة أيام قال : وما قرب موسى امرأة مذ كلمه ربه .
وأخرج ابن المنذر عن عروة بن رويم اللخمي قال : قالت امرأة موسى لموسى : إني أيم منك مذ أربعين سنة فأمتعني بنظرة . فرفع البرقع عن وجهه فغشى وجهه نور التمع بصرها ، فقالت ادع الله أن يجعلني زوجتك في الجنة . قال : على أن لا تزوّجي بعدي وأن لا تأكلي إلا من عمل يديك . قال : فكانت تتبع الحصادين ، فإذا رأوا ذلك تخاطوا لها ، فإذا أحست بذلك تجاوزته .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو خيثمة في كتاب العلم والبيهقي عن ابن عباس قال : قال موسى عليه السلام حين كلم ربه : أي رب أي عبادك أحب إليك؟ قال : أكثرهم لي ذكراً . قال : أي عبادك أحكم؟ قال : الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس . قال رب أي عبادك أغنى؟ قال : الراضي بما أعطيته .
وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي عن الحسن .(4/305)
أن موسى عليه السلام سأل ربه جماعاً من الخير فقال : أصحب الناس بما تحب أن تصحب به .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبيهقي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم « أن الله تبارك وتعالى ناجى موسى عليه السلام بمائة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام ، فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم لما وقع في مسامعه من كلام الرب عز وجل ، فكان فيما ناجاه إن قال : يا موسى إنه لم يتصنع المتصنعون بمثل الزهد في الدنيا ، ولم يتقرب إليّ المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم ، ولم يتعبد المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي . فقال موسى : يا رب ويا إله البرية كلها ، ويا مالك يوم الدين ، ويا ذا الجلال والإِكرام ، ماذا أعددت لهم؟ وماذا جزيتهم؟ قال : أما الزاهدون في الدنيا فإني أبيحهم جنتي حتى يتبوَّأوا فيها حيث شاؤوا ، وأما الورعون عما حرمت عليهم فإذا كان يوم القيامة لم يبق عبد إلا ناقشته الحساب وفتشت عما في يديه إلا الورعون فأني أستحيهم ، وأجلهم ، وأكرمهم ، وأدخلهم الجنة بغير حساب ، وأما الباكون من خشيتي فأولئك لهم الرفيق الأعلى لا يشاركهم في أحد » .
وأخرج أبو يعلى وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « قال موسى : يا رب علمني شيئاً أذكرك به وأدعوك به . قال : قل يا موسى لا إله إلا الله . قال : يا رب كل عبادك يقول هذا . . . ! قال : قل لا إله إلا الله . قال : لا إله إلا أنت يا رب ، إنما أريد شيئاً تخصني به . قال يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ، ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله » .
وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء عن عطاء بن يسار قال : قال موسى عليه السلام : يا رب من أهلك الذين هم أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك؟ قال : هم البريئة أيديهم ، الطاهرة قلوبهم ، الذين يتحابون بجلالي ، الذين إذا ذكرت ذكروا بي ، وذا ذكروا ذكرت بذكرهم ، الذين يسبغون الوضوء في المكاره ، وينيبون إلى ذكري كما تنيب النسور إلى وكورها ، ويكلفون بحبي كما يكلف الصبي بحب الناس ، ويغضبون لمحارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حزب .
وأخرج أحمد عن عمر أن القصير قال : قال موسى بن عمران : أي رب أين أبغيك؟ قال : ابغني عند المنكسرة قلوبهم ، إني أدنو منهم كل يوم باعاً ولولا ذلك انهدموا .
وأخرج ابن المبارك وأحمد عن عمار بن ياسر . أن موسى عليه السلام قال : يا رب حدثني بأحب الناس إليك قال : ولم .(4/306)
. . ؟ قال : لأحبه لحبك أياه . فقال : عبد في أقصى الأرض سمع به عبد آخر في أقصى الأرض لا يعرفه ، فإن أصابته مصيبة فكأنما أصابته ، وإن شاكته شوكة فكأنما شاكته ما ذاك إلا لي ، فذلك أحب خلقي إلي . قال : يا رب خلقت خلقاً تدخلهم النار أو تعذبهم؟ فأوحى الله إليه : كلهم خلقي ، ثم قال : ازرع زرعاً . فزرعه . فقال : اسقه فسقاه ، ثم قال : قم عليه فقام عليه فحصده ورفعه ، فقال : ما فعل زرعك يا موسى؟ قال : فرغت منه ورفعته : قال : ما تركت منه شيئاً؟ قال : ما لا خير فيه . قال : كذلك أنا لا أعذب إلا من لا خير فيه .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم « أن موسى عليه السلام قال : يا رب أخبرني بأكرم خلقك عليك . قال : الذي يسرع إلى هواي إسراع النسر إلى هواه ، والذي يكلف بعبادي الصالحين كما يكلف الصبي بالناس ، والذي يغضب إذا انتهكت محارمي غضب النمر لنفسه ، فإن النمر إذا غضب لم يبال أَقَلَّ الناس أم كثروا . وأخرجه ابن أبي شيبة عن عروه موقوفاً » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال : سأل موسى عليه السلام ربه عزَّ وجل فقال : أي عبادك أغنى؟ قال : الذي يقنع بما يؤتى . قال : فأي عبادك أحكم؟ قال : الذي يحكم للناس بما يحكم لنفسه قال : فأي عبادك أعلم؟ قال : أخشاهم .
وأخرج أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنة وأبو نعيم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن موسى عليه السلام كان يمشي ذات يوم في الطريق ، فناداه الجبار عز وجل : يا موسى ، فالتفت يميناً وشمالاً فلم ير أحداً . . . ! ثم ناداه الثانية : يا موسى بن عمران فالتفت يميناً وشمالاً فلم ير أحداً وارتعدت فرائصه ثم نودي الثالثه يا موسى بن عمران إنني أنا الله لا إله إلا أنا فقال : لبيك لبيك ، فخر لله تعالى ساجداً فقال : ارفع رأسك يا موسى بن عمران ، فرفع رأسه فقال : يا موسى إن أحببت أن تسكن في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي كن لليتيم كالأب الرحيم ، وكن للأرملة كالزوج العطوف ، يا موسى بي عمران أرحم ترحم ، يا موسى كما تدين تدان ، يا موسى نبي بني إسرائيل أنه من لقيني وهو جاحد صلى الله عليه وسلم أدخلته النار . فقال : ومن أحمد؟ فقال : يا موسى وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أكرم عليَّ منه ، كتبت اسمه مع اسمي في العرش قبل أن أخلق السموات والأرض والشمس والقمر بألفي سنة ، وعزتي وجلالي إن الجنة محرمة على جميع خلقي حتى يدخلها محمد وأمته . قال موسى ، ومن أمة أحمد؟ قال : أمته الْحَمَّادون يحمدون صعوداً وهبوطاً وعلى كل حال ، يشدون أوساطهم ويطهرون أطرافهم ، صائمون بالنهار رهبان بالليل ، أقبل منهم اليسير وأدخلهم الجنة بشهادة أن لا إله إلا الله . قال : إجعلني نبي تلك الأمة . قال : نبيها منها . قال : إجعلني من أمة ذلك النبي . قال : استقدمت واستأخر يا موسى ولكن سأجمع بينك وبينه في دار الجلال » .(4/307)
وأخرج أبو نعيم عن وهب قال : قال موسى عليه السلام إلهي ما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه؟ قال : يا موسى أظله يوم القيامة بظل عرشي ، وأجعله في كنفي . قال : يا رب أي عبادك أشقى؟ قال : من لا تنفعه موعظة ، ولا يذكرني إذا خلا .
وأخرج أبو نعيم عن كعب قال : قال موسى : يا رب ما جزاء من آوى يتيماً حتى يستغني أو كفل أرملة؟ قال : أسكنه جنتي وأظله يوم لا ظل إلا ظلي .
وأخرج ابن شاهين في الترغيب عن أبي بكر الصدريق رضي الله عنه قال : قال موسى عليه السلام : يا رب ما لمن عزى الثكلى؟ قال : أظله بظلي يوم لا ظل إلا ظلي .
وأخرج آدم بن أبي أياس في كتاب العلم عن عبد الله بن مسعود قال : لما قرب موسى نجياً أبصر في ظل العرش رجلاً فغبطه بمكانه ، فسأل عنه فلم يخبر باسمه وأخبر بعمله ، فقال له : هذا رجل كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ، بر بالوالدين لا يمشي بالنميمة . فقال الله : يا موسى ما جئت تطلب؟ قال جئت أطلب الهدى يا رب . قال : قد وجدت يا موسى . قال : رب أغفر لي ما مضى من ذنوبي وما غبر وما بين ذلك وما أنت أعلم به مني ، وأعوذ بك من وسوسة نفسي وسوء عملي . فقيل له : قد كفيت يا موسى . قال : رب أي العمل أحب إليك أن أعمله؟ قال : اذكرني يا موسى . قال : رب أي عبادك أتقى؟ قال : الذي يذكرني ولا ينساني . قال رب أي عبادك أغنى؟ قال الذي يقنع بما يؤتى قال : رب أي عبادك أفضل؟ قال : الذي يقض بالحق ولا يتبع الهوى قال : رب أي عبادك أعلم؟ قال : الذي يطلب علم الناس إلى علمه لعله يسمع كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى . قال : رب أي عبادك أحب إليك عملاً؟ قال : الذي لا يكذب لسانه ، ولا يزني فرجه ، ولا يفجر قلبه . قال : رب ثم أي على أثر هذا؟ قال : قلب مؤمن في خلق حسن قال : رب أي عبادك أبعض إليك؟ قال : قلب كافر في خلق سيِّىء . قال : رب ثم أي عمل أثر هذا؟ قال جيفة بالليل بطال بالنهار .(4/308)
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الجلد . أن الله أوحى إلى موسى عليه السلام : إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك ، وكن عند ذكري خاشعاً مطمئناً ، وإذا ذكرتني فاجعل لسانك وراء قلبك ، وإذا قمت بين يدي فقم مقام العبد الحقير الذليل ، وذمَّ نفسك فهي أولى بالذم ، وناجني حين تناجيني بقلب وجل ولسان صادق .
وأخرج أحمد عن قسي رجل من أهل الكتاب قال : إن الله أوحى إلى موسى عليه السلام : يا موسى إن جاءك الموت وأنت على غير وضوء فلا تلومن إلا نفسك . قال : وأوحى إليه أن الله تبارك وتعالى يدفع بالصدقة سبعين باباً من السوء ، مثل الغرق والحرق والسرق وذات الجنب . قال : وقال له : والنار؟ قال : والنار .
وأخرج أحمد عن كعب الأحبار قال : أوحى الله إلى موسى : أن عَلِّم الخير وتعلمه فأني منوّر لمعلم الخير ومتعلمه في قبورهم حتى لا يستوحشوا لمكانهم .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة قال : لما ارتقى موسى طور سينا رأى الجبار في أصبعه خاتماً قال : يا موسى ما هذا؟ وهو أعلم به قال : شيء من حلي الرجال يا رب . قال فهل عليه شيء من أسمائي مكتوب أو كلامي؟ قال : لا . قال : فاكتب عليه { لكل أجل كتاب } [ الرعد : 38 ] .
وأخرج الحكيم الترمذي عن عطاء قال : قال موسى عليه السلام : يا رب أيتمت الصبي من أبويه وتدعه هكذا؟ قال : يا موسى : أما ترضى بي كافلاً . !
وأخرج ابن المبارك عن عطاء قال : قال موسى : يا رب أي عبادك أحب إليك؟ قال : أعلمهم بي .
وأخرج أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن وهب قال : قال موسى : يا رب إنهم سيسألنني كيف كان بدؤك؟ قال : فأخبرهم إني أنا الكائن قبل كل شيء ، والمكوّن لكل شيء ، والكائن بعد كل شيء .
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الجلد . أن موسى عليه السلام سأل ربه قال : أي رب أنزل عليَّ آية محكمة أسير بها في عبادك . فأوحى إليه : يا موسى أن أذهب فما أحببت أن يأتيه عبادي إليك فأته إليهم .
وأخرج أحمد عن قتادة . أن موسى عليه السلام قال : أي رب أي شيء وضعت في الأرض أقل؟ قال : العدل أقل ما وضعت في الأرض .
وأخرج أحمد عن عمرو بن قيس قال : قال موسى عليه السلام : يا رب أي الناس أتقى؟ قال : الذي يذكر ولا ينسى . قال : فأي الناس أعلم؟ قال : الذي يأخذ من علم الناس إلى علمه .
وأخرج أحمد وأبو نعيم عن وهب بن منبه قال : قال موسى عليه السلام : يا رب أي عبادك أحب إليك؟ قال : من أذكر برؤيته .(4/309)
قال : أي رب أي عبادك أحب إليك؟ قال : الذين يعودون المرضى ، ويعزون الثكلى ، ويشيعون الهلكى .
وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال : لما قيل للجبال أنه يريد أن يتجلى تطاولت الجبال كلها وتواضع الجبل تجلى له .
وأخرج البيهقي في الشعب من طريق أحمد بن أبي الحواري عن أبي سليمان قال : إن الله اطلع في قلوب الآدميين فلم يجد قلباً أشد تواضعاً من قلب موسى عليه السلام فخصه بالكلام لتواضعه . قال . وقال غير أبي سليمان : أوحى الله إلى الجبال : إني مكلم عليك عبداً من عبيدي . فتطاولت الجبال ليكلمه عليها وتواضع الطور . قال إن قدر شيء كان ، قال : فكلمه عليه لتواضعه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن العلاء بن كثيِّر قال : إن الله تعالى قال : يا موسى أتدري لم كلمتك؟ قال : لا يا رب قال : لأني لم أخلق خلقاً تواضع لي تواضعك .
وأخرج أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن نوف البكالي قال : أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل منكم ، قال : فشمخت الجبال كلها إلا جبل الطور فإنه تواضع . قال : أرضى بما قسم لي فكان الأمر عليه . وفي لفظ إن قدر لي شيء فسيأتيني ، فأوحى الله : إني سأنزل عليك بتواضعك لي ورضاك بقدرتي .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي خالد الأحمق قال : لما كلم الله تعالى موسى عرض إبليس على الجبل ، فإذا جبريل قد وافاه فقال : أخّر يا لعين ايش تعمل ههنا؟! قال : جئت أتوقع من موسى ما توقعت من أبيه . فقال له جبريل : أخر يا لعين . ثم قعد جبريل يبكي حيال موسى ، فأنطق الله الجبة فقالت : يا جبريل ايش هذا البكاء؟ قال : إني في القرب من الله ، وإني لأشتهي أن اسمع كلام الله كما يسمعه موسى . قالت الجبة : يا جبريل أنا جبة موسى ، وأنا على جلد موسى ، أنا أقرب إلى موسى أو أنت ، يا جبريل أنا لا أسمع ما تسمعه أنت .(4/310)
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { قال رب أرني } يقول : أعطني أنظر إليك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة { قال رب أرني أنظر إليك } قال : لما سمع الكلام طمع في الرؤية .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : حين قال موسى لربه تبارك وتعالى { رب أرني أنظر إليك } قال الله له : يا موسى إنك لن تراني . قال : يقول ليس تراني . قال : لا يكون ذلك أبداً يا موسى إنه لا يراني أحد فيحيا . فقال موسى : رب أن أراك ثم أموت أحبُ إليَّ من أن لا أراك ثم أحيا . فقال الله لموسى : يا موسى أنظر إلى الجبل العظيم الطويل الشديد { فإن استقر مكانه } يقول : فإن ثبت مكانه لم يتضعضع ولم ينهد لبعض ما يرى عظمى { فسوف تراني } أنت لضعفك وذلتك ، وإن الجبل تضعضع وأنهد بقوّته وشدته وعظمه فأنت أضعف وأذل .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { رب أرني أنظر إليك } قال « قال الله عز وجل : يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ، ولا يابس إلا تدهده ، ولا رطب إلا تفرق ، وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم » .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإنه أكبر منك وأشد خلقاً . قال { فلما تجلى ربه للجبل } فنظر إلى الجبل لا يتمالك وأقبل الجبل يندك على أوّله ، فلما رأى موسى ما يصنع الجبل خرَّ موسى صعقاً .
وأخرج أبو مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لما أوحى الله إلى موسى بن عمران : إني مكلمك على جبل طور سيناء ، صار من مقام موسى إلى جبل طور سيناء أربعة فراسخ في أربعة فراسخ ، رعد وبرق وصواعق فكانت ليلة قر ، فجاء موسى حتى وقف بين يدي صخرة جبل صور سيناء ، فإذا هو بشجرة خضراء ، الماء يقطر منها وتكاد النار تلفح من جوفها ، فوقف متعجباً فنودي من جوف الشجرة : يا ميشا . فوقف موسى مستمعاً للصوت . . . ؟! فقال موسى : من هذا الصوت العبراني يكلمني؟! فقال الله له : يا موسى إني لست بعبراني ، إني أنا الله رب العالمين . فكلم الله موسى في ذلك المقام بسبعين لغة ، ليس منها لغة إلا وهي مخالفة للغة الأخرى ، وكتب له التوراة في ذلك المقام ، فقال موسى : إلهي أرني أنظر إليك . قال : يا موسى إنه لا يراني أحد إلا مات . فقال موسى : إلهي أرني إليك وأموت فأجاب موسى جبل طور سيناء : يا موسى بن عمران لقد سألت أمراً عظيماً ، لقد ارتعدت السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن ، وزالت الجبال واضطربت البحار لعظم ما سألت يا ابن عمران . فقال موسى وأعاد الكلام : رب أرني أنظر إليك . فقال : يا موسى أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فإنك تراني { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخرّ موسى صعقاً } مقدار جمعة ، فلما أفاق موسى مسح التراب عن وجهه وهو يقول { سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين } فكان موسى بعد مقامه لا يراه أحد إلا مات ، واتخذ موسى على وجهه البرقع فجعل يكلم الناس بقفاه ، فبينا موسى ذات يوم في الصحراء فإذا هو بثلاثة نفر يحفرون قبراً حتى انتهوا إلى الضريح ، فجاء موسى حتى أشرف عليهم فقال لهم : لمن تحفرون هذا القبر؟ قالوا له : الرجل كأنه أنت أو مثلك أو في طولك أو نحوك . فلو نزلت فقدرنا عليك هذا الضريح . فنزل موسى فتمدد في الضريح ، فأمر الله الأرض فانطبقت عليه » .(4/311)
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك . أن النبي صلى الله عليه وسلم « قرأ هذه الآية { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً } قال » هكذا ، وأشار بأصبعيه ووضع طرف إبهامه على أنملة الخنصر . وفي لفظ : على المفصل الأعلى من الخنصر ، فساخ الجبل { وخرّ موسى صعقاً } وفي لفظ : فساخ الجبل في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة « » .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه من طريق ثابت عن أنس « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { فلما تجلى ربه للجبل } قال » أظهر مقدار هذا ، ووضع الإِبهام على خنصر الأصبع الصغرى ، فقال حميد : يا أبا محمد ما تريد إلى هذا؟ فضرب في صدره وقال : من أنت يا حميد ، وما أنت يا حميد؟! يحدثني أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقول أنت؟ ما تريد إلى هذا؟ « » .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : الجبل الذي أمر الله ينظر إليه : الطور .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس { فلما تجلى ربه للجبل } قال : ما تجلى إلا قدر الخنصر { جعله دكاً } قال : تراباً { وخرّ موسى صعقاً } قال : مغشياً عليه .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لما تجلى الله لموسى كان يبصر دبيب النملة على الصفا في الليلة الظلماء من مسيرة عشرة فراسخ » .(4/312)
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس بن مالك . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل ، فوقعت ثلاثة بالمدينة ، أحد ، وورقان ، ورضوى . وبمكة حراء ، وثبير ، وثور » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لما تجلى الله لموسى تطايرت سبعة جبال . ففي الحجاز منها خمسة وفي اليمن إثنان ، وفي الحجاز أحد ، وثبير وحراء ، وثور ، وورقان ، وفي اليمن حصور ، وصير » .
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب في قوله { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً } قال : اسمع موسى قال له : إني أنا الله قال : وذاك عشية عرفة ، وكان الجبل بالموقف فانقطع على سبع قطع : قطعة سقطت بين يديه وهو الذي يقوم الإِمام عنده في الموقف يوم عرفة ، وبالمدينة ثلاثة طيبة ، وأحد ، ورضوى ، وطور سيناء بالشام . وإنما سمي الطور : لأنه طار في الهواء إلى الشام .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله « { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً } قال » أخرج خنصره « » .
وأخرج ابن مردويه عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاء } مثقلة ممدودة » .
وأخرج ابن مردويه والحاكم وصححه عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { دكاً } منوّنة ولم يمده » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن معاوية بن قرة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « فلما تجلى ربه للجبل طارت لعظمته ستة أجبل ، فوقعن بالمدينة : أحد ، وورقان ، ورضوى ، ووقع بمكة ثور ، وثبير ، وحراء » .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس . أن موسى لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه ، فسأله فقال { لن تراني ولكن انظر إلى الجبل } قال : فحف حول الجبل بالملائكة ، وحف حول الملائكة بنار ، وحف حول النار بملائكة ، وحف حولهم بنار ، ثم تجلى ربك للجبل تجلى منه مثل الخنصر ، فجعل الجبل دكاً وخر موسى صعقاً ، فلم يزل صعقاً ما شاء الله ، ثم إنه أفاق فقال { سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين } يعني أوّل المؤمنين من بني إسرائيل .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فلما تجلى ربه للجبل } قال : كشف بعض الحجب .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة أنه كان يقرأ هذا الحرف { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً } قال : كان حجراً أصم ، فلما تجلى له صار تلاً تراباً دكاً من الدكوات .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن سفيان في قوله { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً } قال : ساخ الجبل إلى الأرض حتى وقع البحر فهو يذهب بعد .(4/313)
وأخرج أبو الشيخ عن أبي معشر قال : مكث موسى أربعين ليلة لا ينظر إليه أحد إلا مات من نور رب العالمين ، ومصداق ذلك في كتاب الله { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً } قال : تراباً .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عروة بن رويم قال : كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى على الطور صماً ملساً ليس فيها كهوف ولا شقوق ، فلما تجلى الله لموسى على الطور صار الطور دكاً ، وتفطرت الجبال فصارت فيها هذه الكهوف والشقوق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله { دكاً } قال : الأرض المستوية .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة { جعله دكاً } قال : دك بعضه بعضاً .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { وخر موسى صعقاً } قال : غشي عليه إلا أن روحه في جسده { فلما أفاق قال } لعظم ما رأى { سبحانك } تنزيهاً لله من أن يراه { تبت إليك } رجعت عن الأمر الذي كنت عليه { وأنا أول المؤمنين } يقول : أول المصدقين الآن لا يراك أحد .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { وأنا أوّل المؤمنين } يقول : أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وخر موسى صعقاً } أي ميتاً { فلما أفاق } قال : ردَّ الله عليه روحه ونفسه { قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المومنين } أنه لن تراك نفس فتحيا وإليها يفزع كل عالم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { تبت إليك } قال : من سؤالي إياك الرؤية { وأنا أول المؤمنين } قال : أول قومي إيماناً .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي العالية في قوله { وأنا أوّل المؤمنين } قال : قد كان إذن قبله مؤمنون ولكن يقول : أنا أول من آمن بأنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن مردويه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا تخيروني من بين الأنبياء ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوِزيَ بصعقة الطور » .(4/314)
قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)
أخرج أبو الشيخ عن ابن شودب قال : أوحى الله إلى موسى أتدري لم اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي؟ قال : لا يا رب . قال إنه لم يتواضع لي تواضعك أحد .
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال : قال موسى : يا رب دلني على عمل إذا عملته كان شكراً لك فيما اصطنعت إلى قال : يا موسى قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . قال : فكان موسى أراد من العمل ما هو أنهك لجسمه مما أمر به ، فقال له : يا موسى لو أن السموات السبع والأرضين السبع وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن .
قوله تعالى { وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء } .
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : كتبت التوراة بأقلام من ذهب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال : كتب الله الألواح لموسى وهو يسمع صريف الأقلام في الألواح .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة ، كان طول اللوح إثني عشر ذراعاً » .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج قال : أخبرت أن الألواح من زبرجد ومن زمرد الجنة ، أمر الرب تعالى جبريل فجاء بها من عدن ، وكتبها بيده بالقلم الذي كتب به الذكر ، واستمد الرب من نهر النور وكتب به الألواح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كانوا يقولون : كانت الألواح من ياقوتة ، وانا أقول : إنما كانت من زبرجد وكتابها الذهب ، كتبها الله بيده فسمع أهل السموات صريف القلم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية قال : كانت ألواح موسى من برد .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : كانت الألواح من زمرد أخضر ، أمر الرب تعالى جبريل فجاء بها من عدن ، فكتب الرب بيده بالقلم الذي كتب به الذكر ، واستمد الرب من نهر النور وكتب به الألواح .
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء قال : كتب الله التوراة لموسى بيده وهو مسند ظهره إلى الصخرة يسمع صريف القلم ، في ألواح من زمرد ليس بينه وبينه إلا الحجاب .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : إن الله لم يمس شيئاً إلا ثلاثة : خلق آدم بيده ، وغرس الجنة بيده ، وكتب التوراة بيده .(4/315)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن حكيم بن جابر قال : أخبرت أن الله تبارك وتعالى لم يمس من خلقه بيده شيئاً إلا ثلاثة : غرس الجنة بيده وجعل ترابها الورس والزعفران وجبالها المسك ، وخلق آدم بيده ، وكتب التوراة لموسى بيده .
وأخرج عبد بن حميد عن وردان بن خالد قال خلق الله آدم بيده ، وخلق جبريل بيده ، وخلق القلم بيده ، وخلق عرشه بيده ، وكتب الكتاب الذي عنده لا يطلع عليه غيره بيده ، وكتب التوراة بيده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أعطيَ موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد ، فيها تبيان لكل شيء وموعظة ، فلما جاء بها فرأى بن إسرائيل عكوفاً على عبادة العجل ، رمى بالتوراة من يده فتحطمت ، فرفع الله منها ستة أسباع وبقي سبع .
وأخرج عبد بن حميد عن مغيث الشامي قال : بلغني أن الله تعالى لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء : الجنة غرسها بيده ، وآدم خلقه بيده ، والتوراة كتبها بيده .
وأخرج الطبراني في السنة عن ابن عمر قال : خلق الله آدم بيده ، وخلق جنة عدن بيده ، وكتب التوراة بيده ، ثم قال لسائر الأشياء : كن فكان .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي { وكتبنا له في الألواح من كل شيء } أمروا به ونهوا عنه .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء } قال : مما أمروا به ونهوا عنه .
وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه وضعفه الذهبي عن ابن عباس قال : إن الله يقول في كتابه لموسى { إني اصطفيتك على الناس } [ الأعراف : 144 ] . { وكتبنا له في الألواح من كل شيء } قال : فكان يرى أن جميع الأشياء قد أثبتت له كما ترون أنتم علماءكم ، فلما انتهى إلى ساحل البحر لقي العالم فاستنطقه ، فأقر له بفضل علمه ولم يحسده الحديث .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس . أن موسى لما كربه الموت قال : هذا من أجل آدم قد كان الله جعلنا في دار مثوى لا نموت فخطا آدم انزلنا هنا . فقال الله لموسى : ابعث إليك آدم فتخاصمه؟ قال : نعم . فلما بعث الله آدم سأله موسى فقال : لولا أنت لم نكن ههنا . فقال له آدم : قد أتاك الله من كل شيء موعظة وتفصيلاً أفلست تعلم أنه { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } [ الحديد : 22 ] قال : موسى بلى فخصمه آدم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان الله عز وجل كتب في الألواح ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، وذكر أمته وما ذخر لهم عنده ، وما يسر عليهم في دينهم وما وسع عليهم فيما أحل لهم .(4/316)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران قال : فيما كتب الله لموسى في الألواح : يا موسى لا تحلف بي كاذباً فإني لا أزكي عمل من حلف بي كاذباً .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه في قوله { وكتبنا له في الألواح من كل شيء } قال : كتب له اعبدني ولا تشرك بي شيئاً من أهل السماء ولا من أهل الأرض فإن كل ذلك خلقي ، فإذا أشرك بي غضبت ، وإذا غضبت لعنت ، وإن لعنتي تدرك الرابع من الولد ، وإني إذا أطعت رضيت ، وإذا رضيت باركت والبركة مني تدرك الأمة بعد الأمة ، ولا تحلف باسمي كاذباً فإني لا أزكي من حلف باسمي كاذباً ، ووقر والديك فإنه من وقر والديه مددت له عمره ووهبت له ولداً يبره ، ومن عق والديه قصرت له في عمره ووهب له ولداً يعقه ، واحفظ السبت فإنه آخر يوم فرغت فيه من خلقي ، ولا تزن ، ولا تسرق ، ولا تولّ وجهك عن عدوي ، ولا تزن بامرأة جارك الذي يأمنك ، ولا تغلب جارك على ماله ، ولا تخلفه على امرأته .
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي حرزة القاص ، ان العشر الآيات التي كتب الله تعالى لموسى في الألواح : أن اعبدني ولا تشرك بي شيئاً ، ولا تحلف باسمي كاذباً فإني لا أزكي ولا أطهر من حلف باسمي كاذباً ، واشكر لي ولوالديك أنسألك في أجلك وأقيك المتالف ، ولا تسرق ولا تزن فأحجب عنك نور وجهي ، وتغلق عن دعائك أبواب سماواتي ، ولا تغدر بحليل جارك ، واحب للناس ما تحب لنفسك ، ولا تشهد بما لم يعِ سمعك ويفقه قلبك ، فإني واقف أهل الشهادات على شهادتهم يوم القيامة ثم سائلهم عنها ، ولا تذبح لغيري لا يَصعد إلى من قربان أهل الأرض إلا ما ذكر عليه اسمي .
وأخرج البيهقي عن عطاء قال : بلغني أن فيما أنزل الله على موسى عليه السلام : لا تجالسوا أهل الاهواء فيحدثوا في قلبك ما لم يكن .
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية وابن لال في مكارم الأخلاق عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « كان فيما أعطى الله موسى في الألواح الأول في أول ما كتب عشرة أبواب : يا موسى لا تشرك بي شيئاً فقد حق القول مني لتلفحن وجوه المشركين النار ، واشكر لي ولوالديك أقك المتالف وانسأ في عمرك وأحييك حياة طيبة وأقلبك إلى خير منها ، ولا تقتل النفس التي حرمت إلا بالحق فتضيق عليك الأرض برحبها والسماء باقطارها وتبوء بسخطي والنار ، ولا تحلف باسمي كذباً ولا آثماً فإني لا أطهر ولا أركي من لم ينزهني ويعظم أسمائي ، ولا تحسد الناس على ما أعطيتهم من فضيلي ، ولا تنفس عليهم نعمتي ورزقي فإن الحاسد عدو نعمتي راد لقضائي ساخط لقسمتي التي أقسم بين عبادي ، ومن لم يكن كذلك فلست منه وليس مني ، ولا تشهد بما لم يع سمعك ويحفظ عقلك وتعقد عليه قلبك ، فإني واقف أهل الشهادات على شهادتهم يوم القيامة ثم سائلهم عنها سؤلاً حثيثاً ، ولا تزن ، ولا تسرق ، ولا تزن بحليلة جارك فأحجب عنك وجهي ، وتغلق عنك أبواب السماء ، وأحبب للناس ما تحب لنفسك ، ولا تذبحن لغيري فإني لا أقبل من القربان إلا ما ذكر عليه اسمي وكان لخالصاً لوجهي ، وتفرغ لي يوم السبت وفرغ لي نفسك وجميع أهل بيتك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله جعل السبت لموسى عيداً ، واختار لنا الجمعة فجعلها لنا عيداً » .(4/317)
وأخرج أبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال : مما كتب الله لموسى في الألواح لا تتمن مال أخيك ولا أمراة أخيك .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن وهب بن منبه قال : مكتوب في التوراة : شوّقناكم فلم تشتافوا ، ونُحْنَا لكم فلم تبكوا ، ألا وان لله ملكاً ينادي في السماء كل ليلة : بشر القتَّالين بأن لهم عند الله سيفاً لا ينام وهو نار جهنم ، أبناء الأربعين رزع قددنا حصاده ، أبناء الخمسين هلموا إلى الحساب لا عذر لكم ، أبناء الستين ماذا قدمتم وماذا أخرتم ، أبناء السبعين ما تنتظرون ألا ليت الخلق لم يخلقوا فإذا خلقوا علموا لما خلقوا ، ألا أتتكم الساعة فخذوا حذركم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال : قال موسى : رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون يوم القيامة ، الآخرون في الخلق والسابقون في دخول الجنة فاجعلهم أمتي : قال : تلك أمة أحمد . قال : رب أني أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر ويقاتلون فضول الضلالة حتى يقاتلوا الأعور والكذاب فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في قلوبهم يقرأونها قال قتادة : وكان من قبلكم إنما يقرأون كتابهم نظراً ، فإذا رفعوها لم يحفظوا منها شيئاً ولم يعوه ، وإن الله اعطاكم ايتها الأمة من الحفظ شيئاً لم يعطه أحداً من الأمم قبلكم ، فالله خصكم بها وكرامة أكرمكم بها قال : فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد .(4/318)
قال : رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويؤجرون عليها قال قتادة : وكان من قبلكم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها ناراً فأكلتها وإن ردت تركت فأكلتها السباع والطير ، وإن الله أخذ صدقاتكم من غنيكم لفقيركم رحمة رحمكم بها وتخفيفاً خفف به عنكم فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب أني أجد في الألواح أمة إذا همَّ أحدم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فاجعلهم أمتي . قالت تلك أمة أحمد . قال : رب إني أجد في الألواح أمة إذا همَّ أحدهم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها فإن عملها كتبت سيئة واحدة فاجعلهم أمتي . قال تلك أمة أحمد . قال : رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم فاجعلهم أمتي . قال تلك أمة أحمد . قال قتادة : فذكر لنا أن نبي الله موسى نبذ الألواح وقال : اللهم إذاً فاجعلني من أمة أحمد . قال فاعطى اثنتين لم يعطهما { قال : يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي } [ الأعراف : 144 ] قال : فرضي نبي الله ، ثم أعطى الثانية { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } [ الأعراف : 159 ] قال : فرضي نبي الله موسى كل الرضا .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال موسى : يا رب أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم أمتي . قال تلك أمة أحمد . قال : رب أجد في الألواح أمة إذا همَّ بالحسنة كتبت له حسنة وإذا عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بالسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه وإذا عملها كتبت سيئة واحدة فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : رب أجد في الألواح أمة هم المشفعون والمشفع لهم فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال رب أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم يوم القيامة فاجعلهم أمتي . قالت تلك أمة أحمد . قال : رب أجد في الألواح أمة ينصرون على من ناوأهم حتى يقاتلوا الأعور الدجال فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد . قال : فانتبذ الألواح من يده وقال : رب فاجعلني من أمة أحمد . فأنزل الله { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } [ الأعراف : 159 ] فرضي نبي الله موسى عليه السلام .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : فيما ناجى موسى ربه فيما وهب الله لمحمد وأمته حيث قرأ التوراة وأصاب فيها نعت النبي وأمته قال : يا رب من هذا النبي الذي جعلته وأمته أولاً وآخراً؟ قال : هذا محمد النبي الأمي العربي الحرمي التهامي من ولد قاذر بن اسمعيل ، جعلته أوّلاً في المحشر ، وجعلته آخراً ختمت به الرسل ، يا موسى ختمت بشريعته الشرائع ، وبكتابه الكتب ، وبسنته السنن ، وبدينه الأديان .(4/319)
قال : يا رب إنك اصطفيتني وكلمتني؟ قال : يا موسى إنك صفيّ وهو حبيبي أبعثه يوم القيامة على كوم أجعل حوضه أعرض الحياض وأكثرهم وارداً وأكثرهم تبعاً قال : رب لقد كرمته وشرفته . قال : يا موسى حق لي أن أكرمه وأفضله وأفضل أمته ، لأنهم يؤمنون بي وبرسلي كلهم وكلمتي كلها وبغيبي كله ما كان فيهم شاهداً يعني النبي صلى لله عليه وسلم ومن بعد موته إلى يوم القيامة . قال : يا رب هذا نعتهم؟ قال : نعم . قال : يا رب وهبت لهم الجمعة أو لأمتي؟ قال : بل لهم الجمعة دون أمتك . قال : يا رب إني نظرت في التوراة إلى نعت قوم غير محجلين فمن هم ، أمن بني إسرائيل هم أمن من غيرهم؟ قال : تلك أمة أحمد الغر المحجلون من آثار الوضوء . قال : يا رب إني وجدت في التوراة قوماً يمرون على الصراط كالبرق والريح فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة قوماً يصلون الصلوات الخمس فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة قوماً يتزرون إلى أنصافهم فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت قوماً يراعون الشمس مناديهم في جوّ السماء فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : رب إني وجدت في التوراة قوماً الحسنة منهم بعشرة والسيئة بواحدة فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم شاهرين سيوفهم لا ترد لهم حاجة؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة قوماً إذا أرادوا أمراً استخاروك ثم ركبوه فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني أجد في التوراة نعت قوم يشفع محسنهم في مسيئهم فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يحجون البيت الحرام لا ينأون عنه أبداً لا يقضون منه وطراً ابداً فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد .
قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم قربانهم دماؤهم فمن هم؟ قال تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يقاتلون في سبيلك صفوفاً زحوفاً يفرغ عليهم الصبر افراغاً فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يذنب أحدهم الذنب فيتوضأ فيغفر له ، ويصلي فتجعل الصلاة له نافلة بلا ذنب فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد .(4/320)
قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يشهدون لرسلك بما بلغوا فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يجعلون الصدقة في بطونهم فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم العنائم لهم حلال وهي محرمة على الأمم فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم جعلت الأرض لهم طهوراً ومسجداً فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت نعت قوم الرجل منهم خير من ثلاثين ممن كان قبلهم فمن هم؟ تلك أمة أحمد يا موسى الرجل من الأمم السالفة أعبد من الرجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بثلاثين ضعفاً ، وهم خير منه بثلاثين ضعفاً بايمانه بالكتب كلها .
قال : يا رب إني وجدت نعت قوم يأوون إلى ذكرك ويتحابون عليه كما تأوي النسور إلى وكورها فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت إذا غضبوا هللوك وإذا تنازعوا سبحوك فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يغضبون لك كما يغضب النمر الحرب لنفسه فمن هم؟ قال : تلك أحمد . قال يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تفتح أبواب السماء لأعمالهم وأرواحهم وتباشر بهم الملائكة فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تتباشر بهم الأشجار والجبال بممرهم عليها لتسبيحهم لك وتقديسهم لك فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم وهبت لهم الاسترجاع عند المصيبة ، ووهب لهم عند المصيبة الصلاة والرحمة والهدى فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تصلي عليهم أنت وملائكتك فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يدخل محسنهم الجنة بغير حساب ، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً ، وظالمهم يغفر له فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب فاجعلني منهم . قال : يا موسى أنت منهم وهم منك لأنك على ديني وهم على ديني ، ولكن قد فضلتك برسالاتي وبكلامي فكن من الشاكرين .
قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يبعثون يوم القيامة قد ملأت صفوفهم ما بين المشرق والمغرب صفوفاً يهوّن عليهم الموقف لا يدرك فضلهم أحد من الأمم فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم تقبضهم على فرشهم وهم شهداء عندك فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم لا يخافون فيك لومة لائم فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد .(4/321)
قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم أذلة على المؤمنين أعزة على الكفارين فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم صديقهم أفضل الصديقين فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب لقد كرمته وفضلتهُ . قال : يا موسى هو كذلك نبي وصفي وحبيبي وأمته خير أمة .
قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم محرمة على الأمم الجنة إن يدخلوها حتى يدخلها نبيهم وأمته فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب لبني إسرائيل ما بالهم؟ قال : يا موسى إن قومك من بني إسرائيل يبدلون دينك من بعدك ، ويغيرون كتابك الذي أنزلت عليك ، وأن أمة محمد لا يغيرون سنته ولا يبطلون الكتاب الذي أنزلت عليه إلى أن تقوم الساعة ، فلذلك بلغتهم سنام كرامتي ، وفضلتهم على الأمم ، وجعلت نبيهم أفضل الأنبياء . أولهم في الحشر ، وأوّلهم في انشقاق الأرض ، وأولهم شافعاً ، وأوّلهم مشفعاً .
قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم حلماء علماء كادوا أن يبلغوا بفقههم حتى يكونوا أنبياء فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا موسى أعطوا العلم الأول والآخر . قال : يا رب إني وجدت في التوراة قوماً توضع المائدة بين أيديهم فما يرفعونها حتى يغفر لهم فمن هم؟ قال : أولئك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم يلبس أحدهم الثوب فما ينفضه حتى يغفر لهم فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني وجدت في التوراة نعت قوم إذا استووا على ظهور دوابهم حمدوك فيغفر لهم فمن هم؟ قال : تلك أمة أحمد ، أوليائي يا موسى الذي انتقم بهم من عبدة النيران والأوثان .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن موسى لما نزلت عليه التوراة وقرأها فوجد فيها ذكر هذه الأمة قال : يا رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون فاجعلها أمتي . قال تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم فاجعلها أمتي . قال تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونه ظاهراً فاجعلها أمتي . قال تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني أجد في الألواح أمة يأكلون الفيء فاجعلها أمتي . قال تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني أجد في الألواح أمة يجعلون الصدقة في بطونهم يؤجرون عليها فاجعلها أمتي . قال تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني أجد في الألواح أمة إذاً هم أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، وإن عملها كتبت له عشر حسنات فاجعلها أمتي . قال تلك أمة أحمد . قال : يا رب إني أجد في الألواح أمة يؤتون العلم الأول والعلم الآخر ، فيقتلون قرون الضلالة والمسيح الدجال فاجعلها أمتي . قال تلك أمة أحمد . قال : يا رب فاجعلني من أمة أحمد ، فاعطي عند ذلك خصلتين { فقال : يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين } قال : قد رضيت يا رب » .(4/322)
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عبد الرحمن المغافري أن كعب الأحبار رأى حبر اليهود يبكي فقال له : ما يبكيك؟ قال : ذكرت بعض الأمور فقال له كعب : أنشدك بالله لئن أخبرتك ما أبكاك لتصدقني؟ قال : نعم . قال : أنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة ، فقال : رب إني أجد أمة في التوراة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر ، ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال ، فقال : موسى رب أجعلهم أمتي . قال : هم أمة أحمد؟ قال الحبر : نعم . قال كعب : فأنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة ، فقال : رب إني أجد أمة هم الحمادون رعاة الشمس المحكمون ، إذا أرادوا أمراً قال افعله إن شاء الله فاجعلهم أمتي . قال : هم أمة أحمد؟ قال الحبر : نعم . قال كعب : فأنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة ، فقال : يا رب إني أجد أمة إذا أشرف أحدهم على شرف كبر الله ، وإذا هبط وادياً حمد الله ، الصعيد لهم طهور ، والأرض لهم مسجداً حيثما كانوا يتطهرون من الجنابة ، طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء ، غر محجلون من آثار الوضوء فاجعلهم أمتي . قال : هم أمة أحمد؟ قال الحبر نعم .
قال كعب : انشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة ، فقال : رب إني أجد أمة مرحومة ضعفاء يرثون الكتاب ، واصطفيتهم { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } [ فاطر : 32 ] ولا أجد أحداً منه إلا مرحوماً فاجعلهم أمتي . قال : هم أمة أحمد؟ قال الحبر : نعم . قال كعب : أنشدك بالله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة ، فقال : رب إني أجد في التوراة أمة مصاحفهم في صدورهم يلبسون الوان ثياب أهل الجنة ، يصفّون في صلاتهم كصفوف الملائكة أصواتهم في مساجدهم كدوي النحل ، لا يدخل النار منهم أحد إلا من بري من الحسنات مثل ما بري الحجر من ورق الشجر فاجعلهم أمتي . قال هم أمة أحمد؟ قال الحبر : نعم . فلما عجب موسى من الخير الذي أعطاه الله محمداً وأمته قال : يا ليتني من أمة أحمد ، فأوحى الله إليه ثلاث آيات يرضيه بهن { يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي } [ الأعراف : 144 ] الآية فرضي موسى كل الرضا .(4/323)
وأخرج أبو نعيم عن سعيد بن أبي هلال أن عبد الله بن عمرو قال لكعب : أخبرني عن صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته؟ قال : أجدهم في كتاب الله : أن أحمد وأمته حمَّادون يحمدون الله على كل خير وشر ، يكبرون الله على كل شرف يسبحون الله في كل منزل ، نداؤهم في جو السماء ، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل على الصخر ، يصفون في الصلاة كصفوف الملائكة ، وصفَّون في القتال كصفوفهم في الصلاة ، وإذا غزوا في سبيل الله كانت الملائكة بين أيديهم ومن خلفهم برماح شداد ، إذا حضروا الصفّ في سبيل الله كان الله عليهم مظلاً كما تظل النسور على وكورها ، لا يتأخرون زحفاً أبداً حتى يحضرهم جبريل عليه السلام .
وأخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل عن محمد بن يزيد الثقفي قال : اصطحب قيس بن خرشة وكعب الأحبار ، حتى إذا بلغا صفين وقف كعب ثم نظر ساعة ، ثم قال : ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله؟ فقال قيس : ما يدريك فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به؟! فقال كعب : ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة الذي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن خالد الربعي قال : قرأت في كتاب الله المنزل أن عثمان بن عفان رافع يديه إلى الله يقول : يا رب قتلني عبادك المؤمنون .
وأخرج أحمد في الزهد عن خالد الربعي قال : قرأت في التوراة إتق الله يا ابن آدم ، وإذا شبعت فاذكر الجائع .
وأخرج أحمد عن قتادة قال : بلغنا أنه مكتوب في التوراة ابن آدم ارحم ترحم إنه من لا يَرحم لا يُرحم ، كيف ترجو أن ارحمك وأنت لا ترحم عبادي؟
وأخرج أحمد وأبو نعيم في الحلية عن مالك بن دينار قال : قرأت في التوراة يا ابن آدم لا تعجز أن تقوم بين يدي في صلاتك باكياً فإني أنا الله الذي اقترتب لقلبك وبالغيب رأيت نوري . قال مالك : يعني الحلاوة والسرور الذي يجد المؤمن .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال : أربعة أحرف في التوراة مكتوب من لم يشاور يندم ، ومن استغنى استأثر ، والفقر الموت الأحمر وكما تدين تدان .
وأخرج أحمد وأبو نعيم عن خيثمة قال : مكتوب في التوراة ابن آدم تفرغ لعبادتي املأ قلبك غنى وأسدّ فقرك ، وإن لا تفعل املأ قلبك شغلاً ولا أسد فقرك .
وأخرج أحمد في الزهد عن بيان قال : بلغني أن في التوراة مكتوب ابن آدم كسيرة تكفيك ، وخرقة تواريك ، وحجر يأويك « .(4/324)
وأخرج أحمد عن وهيب المكي قال : بلغني أنه مكتوب في التوراة يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت اذكرك إذا غضبت فلا أمحقك مع من أمحق ، وإذا ظلمت فارض بنصرتي لك فإن نصرتي لك خير من نصرتك لنفسك .
وأخرج أحمد عن الحسن بن أبي الحسن قال : انتهت بنو اسرائيل إلى موسى عليه السلام فقالوا : إن التوراة تكبر علينا فأنبئنا بجماع من الأمر فيه تخفيف . فاوحى الله إليه : ما سألك قومك؟ قال : يا رب أنت أعلم . قال : إنما بعثتك لتبلغني عنهم وتبلغهم عني . قال : فإنهم سألوني جماعاً من الأمر فيه تخفيف ، ويزعمون أن التوراة تكبر عليهم فقال الله عز وجل : قل لهم لا تظالموا في المواريث ، ولا يدخلن عليكم عبد بيتاً حتى يستأذن ، وليتوضأ من الطعام ما يتوضأ للصلاة ، فاستخفوها يسيراً ثم إنهم لم يقوموا بها . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك « تقبلوا إلي بستٍ أتقبل لكم بالجنة ، من حدث فلا يكذب ، ومن وعد فلا يخلف ، ومن ائتمن فلا يخون ، احفظوا أيديكم وأبصاركم وفروجكم » .
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : قرأت في التوراة من يزدد علماً يزدد وجفاً . وقال : مكتوب في التوراة من كان له جار يعمل بالمعاصي فلم ينهه فهو شريكه .
وأخرج أحمد عن قتادة قال : إن التوراة مكتوباً يا ابن آدم تذكرني وتنساني ، وتدعو إلي وتفر مني ، وأرزقك وتعبد غيري .
وأخرج عبد الله وابنه عن الوليد بن عمر قال : بلغني أنه مكتوب في التوراة ابن آدم حرك يديك افتح لك باباً من الرزق ، وأطعني فيما آمرك فما أعلمني بما يصلحك .
وأخرج عبد الله عن عقبة بن زينب قال : في التوراة مكتوب لا تتوكل على ابن آدم فإن ابن آدم لليس ولكن توكل على الحي الذي لا يموت ، وفي التوراة مكتوب مات موسى كليم الله فمن ذا الذي لا يموت؟
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال : وجدت فيما أنزل الله على موسى أن من أحب الدنيا أبغضه الله ، ومن أبغض الدنيا أحبه الله ، ومن أكرم الدنيا أهانه الله ، ومن أهان الدنيا أكرمه الله .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة قال : مكتوب في التوراة ليكن وجهك بسطاً وكلمتك طيبة تكن أحب إلى الناس من الذين يعطونهم العطاء .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة قال : بلغني أنه مكتوب في التوراة كما تَرحمون تُرحمون .
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال : والذي فلق البحر لبني إسرائيل في التوراة مكتوب : يا ابن آدم اتق ربك ، وابرر والديك ، وصل رحمك ، أمدَّ لك في عمرك ، وأيسر لك يسرك ، واصرف عنك عسرك .(4/325)
وأخرج ابن أبي شيبة عن كردوس الثعلبي قال : مكتوب في التوراة اتق توقه إنما التوقي في التقوى ، ارحموا ترحموا توبوا يتاب عليكم .
وأخرج الحكيم في نوادر الأصول عن أبي الجوزاء قال : قرأت في التوراة أن سرَّك أن تحيا وتبلغ علم اليقين فاحتمل في كل حين أن تغلب شهوات الدنيا ، فإن من يغلب شهوات الدنيا يفرق الشيطان من ظله .
وأخرج الطبراني في السنة وأبو الشيخ عن كعب قال : لما أراد الله أن يكتب لموسى التوراة قال : يا جبريل ادخل الجنة فائتني بلوحين من شجرة الجنة ، فدخل جبريل فاستقبلته شجرة من شجر الجنة من ياقوت الجنة ، فقطع منها لوحين فتابعته على ما أمره الرحمن تبارك وتعالى ، فأتى بهما الرحمن فأخذهما بيده ، فعاد اللوحان نوراً لما مسّهما الرحمن تبارك وتعالى ، وتحت العرش نهر يجري من نور لا يدري حملة العرش أين يجيء ولا أين يذهب منذ خلق الله الخلق ، فلما استمد منه الرحمن جف فلم يجر ، فلما كتب لموسى التوراة بيده ناول اللوحين موسى ، فلما أخذهما موسى عاداً حجارة ، فلما رجع إلى بني إسرائيل والى هرون وهو مغضب أخذ بلحيته ورأسه يجره إليه فقال له هرون : يا ابن آدم { إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني } [ الأعراف : 155 ] ومع ذلك إني خفت أن آتيك فتقول : فرقت بين بني إسرائيل ولم تنتظر قولي ، فاستغفر موسى ربه تبارك وتعالى ، واستغفر لأخيه وقد تكسرت الألواح لما ألقاها من يده .
وأخرج أحمد في الزهد عن كعب الأحبار . أن موسى عليه السلام كان يقول في دعائه : اللهم ليّن قلبي بالتوراة ولا تجعل قلبي قاسياً كالحجر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال : سأل موسى جماعاً من العمل؟ فقيل له : انظر ما تريد أن يصاحبك به الناس فصاحب الناس به .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { فخذها بقوّة } قال : بجد وحزم { سأوريكم دار الفاسقين } قال : دار الكفار .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { فخذها بقوّة } قال : بجد { وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } قال : أمر موسى أن يأخذوها بأشد مما أمر به قومه .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { فخذها بقوة } قال : إن الله تعالى يحب أن يؤخذ أمره بقوة وجد .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله { فخذها بقوة } قال : بطاعة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { فخذها بقوة } يعني بجد واجتهاد { وأمر قومك يأخذوا بأحسنها } قال : بأحسن ما يجدون منها .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { سأوريكم دار الفاسقين } قال مصيرهم في الآخرة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { دار الفاسقين } قال : منازلهم في الدنيا .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله { سأوريكم دار الفاسقين } قال : جهنم .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { سأوريكم دار الفاسقين } قال : رفعت لموسى حتى نظر إليها .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله { سأوريكم دار الفاسقين } قال : مصر .(4/326)
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون } يقول سأصرفهم عن أن يتفكروا في آياتي .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله { سأصرف عن آياتي } قال : عن خلق السموات والأرض والآيات التي فيها ، سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها أو يعتبروا فيها .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سفيان بن عيينة في قوله { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } أنزع عنهم فهم القرآن .(4/327)
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله { واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً } قال : حين دفنوها ألقي عليها السامري قبضة من تراب من أثر فرس جبريل عليه السلام .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { من حليهم عجلاً جسداً له خوار } قال : استعاروا حلياً من آل فرعون ، فجمعه السامري فصاغ منه عجلاً فجعله الله جسداً لحماً ودماً له خوار .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { عجلاً جسداً له خوار } قال : يعني له صياح . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول :
كان بني معاوية بن بكر ... إلى الإِسلام ضاحية تخور
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : خار العجل خورة لم يثن ، ألم تر أن الله قال { ألم يروا أنه لا يكلمهم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { له خوار } قال : الصوت .(4/328)
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { ولما سقط في أيديهم } قال : ندموا .(4/329)
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق ابن عباس في قوله { أسفاً } قال : حزيناً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً } قال : حزيناً على ما صنع قومه من بعده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { غضبان اسفاً } قال : حزيناً وفي الزخرف { فلما آسفونا } [ الزخرف : 55 ] يقول : اغضبونا . والأسف على وجهين : الغضب والحزن .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { أسفاً } قال : جزعاً .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء قال : الأسف : منزلة وراء الغضب أشد من ذلك .
وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب قال : الأسف : الغضب الشديد .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « ايزحم الله موسى ليس المعاين كالمخبر ، أخبره ربه تبارك وتعالى أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح ، فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح فتكسر ما تكسر » .
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال : كان موسى عليه السلام إذا غضب اشتعلت قلنسوته ناراً .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : لما ألقى موسى الألواح تكسرت ، فرفعت إلا سدسها .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : كتب الله لموسى في الألواح فيها { موعظة وتفصيلاً لكل شيء } [ الأعراف : 145 ] فلما ألقاها رفع الله منها ستة أسباعها وبقي سبع ، يقول الله { وفي نسختها هدى ورحمة } [ الأعراف : 154 ] يقول : فيما بقي منها .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أوتي رسول الله صلى عليه وسلم السبع المثاني وهي الطوال وأوتي موسى ستاً ، فلما ألقى الألواح رفعت أثنتان وبقيت أربع .
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في قوله { وألقى الألواح } قال : ذكر أنه رفع من الألواح خمسة أشياء ، وكان لا ينبغي أن يعلمه الناس { إن الله عنده علم الساعة } [ لقمان : 34 ] إلى آخر الآية .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد وسعيد بن جبير قال : كانت الألواح من زمرد ، فلما ألقاها موسى ذهب التفصيل وبقي الهدى .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : اخبرت أن الواح موسى كانت تسعة ، فرفع منها لوحان وبقي سبعة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولا تجعلني مع القوم الظالمين } قال : مع أصحاب العجل .(4/330)
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أيوب قال : تلا أبو قلابة هذه الآية { إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين } قال : هو جزاء لكل مفتر إلى يوم القيامة أن يذله الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله { وكذلك نجزي المفترين } قال : كل صاحب بدعة ذليل .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن سفيان بن عيينة قال : لا تجد مبتدعاً إلا وجدته ذليلاً ، الم تسمع قول الله { إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا } .
وأخرج أبو الشيخ عن سفيان بن عيينه قال : ليس في الأرض صاحب بدعة إلا وهو يجد ذلة تغشاه ، وهو في كتاب الله . قالوا : أين هي؟ قال أما سمعتم إلى قوله { إن الذين اتخذوا العجل . . . } الآية؟ قالوا : يا أبا محمد هذه لأصحاب العجل خاصة . . . ! قال : كلا ، اقرأ ما بعدها { وكذلك نجزي المفترين } فهي لكل مفتر ومبتدع إلى يوم القيامة .(4/331)
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود . أنه سئل عن الرجل يزني بالمرأة ثم يتزوجها ، فتلا { والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم }(4/332)
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : اعطى الله موسى التوراة ف سبعة الواح من زبرجد فيها تبيان لكل شيء وموعظة التوراة مكتوبة ، فلما جاء بها فرأى بني إسرائيل عكوفاً على العجل ، فرمى التوراة من يده فتحطمت ، وأقبل على هرون فأخذ برأسه ، فرفع الله منها ستة أسباع وبقي سبع { ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون } قال : فيما بقي منها .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن مجاهد . أن سعيد بن جبير قال : كانت الألواح من زمرد ، فلما ألقاها موسى ذهب التفصيل وبقي الهدى والرحمة ، وقرأ { وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء } [ الأعراف : 145 ] وقرأ { ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة } قال : ولم يذكر التفصيل ههنا .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا } قال : اختارهم ليقوموا مع هرون على قومه بأمر الله { فلما أخذتهم الرجفة } تناولتهم الصاعقة حين أخذت قومهم .
وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي سعد عن مجاهد { واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة } بعد أن خرج موسى بالسبعين من قومه يدعون الله ويسألونه أن يكشف عنهم البلاء فلم يستجب لهم ، علم موسى أنهم قد أصابوا من المعصية ما أصاب قومهم . قال أبو سعد : فحدثني محمد بن كعب القرضي قال : فلم يستجب لهم من أجل أنهم لم ينهوهم عن المنكر ولم يأمروهم بالمعروف ، فأخذتهم الرجفة فماتوا ثم احياها الله .
وأخرج عبد بن حميد عن الفضل بن عيسى ابن أخي الرقاشي . إن بني إسرائيل قالوا : ذات يوم لموسى : ألست ابن عمنا ومنا وتزعم أنك كلمت رب العزة ، فانا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ، فلما أن أبوا إلا ذلك أوحى الله إلى موسى : ان اختر من قومك سبعين رجلاً . فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً خيرة ، ثم قال لهم : اخرجوا . فلما برزوا جاءهم ما لا قبل لهم به فأخذتهم الرجفة ، قالوا : يا موسى ردنا . فقال لهم موسى : ليس لي من الأمر شيء سألتم شيئاً فجاءكم فماتوا جميعاً ، قيل : يا موسى ارجع . قال : رب إلى أين الرجعة؟ { قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } [ الأعراف : 155 ] إلى قوله { فسأكتبها للذين يتقون . . . } [ الأعراف : 155 ] الآية . قال عكرمة : كتبت الرحمة يومئذ لهذه الأمة .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي رضي الله عنه قال : لما حضر أجل هرون أوحى الله إلى موسى : أن انطلق أنت وهرون وابن هرون إلى غار في الجبل فأنا قابض روحه ، فانطلق موسى وهرون وابن هرون ، فما انتهوا إلى الغار دخلوا فإذا سري ، فاضطجع عليه موسى ثم قام عنه فقال : ما أحسن هذا المكان يا هرون ، فاضطجع هرون فقبض روحه ، فرجع موسى وابن هرون إلى بني إسرائيل حزينين .(4/333)
فقالوا له : اين هرون؟ قال : مات . قالوا : بل قتلته ، كنت تعلم أنا نحبه . فقال لهم موسى : ويلكم أقتل أخي وقد سألته الله وزيراً ، ولو أني أردت قتله أكان ابنه يدعني!؟ قالوا له : بلى قتلته حسدتناه . قال : فاختاروا سبعين رجلاً فانطلق بهم ، فمرض رجلان في الطريق فخط عليهما خطاً ، فانطلق موسى وابن هرون وبنو إسرائيل حتى انتهوا إلى هرون ، فقال : يا هرون من قتلك؟ قال : لم يقتلني أحد ولكني مت قالوا : ما تقضي يا موسى ادع لنا ربك يجعلنا أنبياء . قال : فأخذتهم الرجفة فصعقوا وصعق الرجلان اللذان خلفوا ، وقام موسى يدعو ربه { لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } فأحياهم الله فرجعوا إلى قومهم أنبياء .(4/334)
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { واختار موسى قومه } الآية . قال : كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلاً فاختار سبعين رجلاً فبرز بهم ، فكان ليدعو ربكم فيما دعوا الله أن قالوا : اللهمَّ اعطنا ما لم تعطه أحداً بعدنا ، فكره الله ذلك من دعائهم ، فأخذتهم الرجفة قال موسى { لو شئت أهلكتهم من قبل . . . إن هي إلا فتنتك } يقول : إن هو إلا عذابك تصيب به من تشاء وتصرفه عمن تشاء .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن نوف الحميري قال : لما اختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقات ربه قال الله لموسى : أجعل لكم الأرض مسجداً وطهوراً ، واجعل السكينة معكم في بيوتكم ، واجعلكم تقرأون التوراة من ظهور قلوبكم فيقرأها الرجل منكم والمرأة ، والحر والعبد ، والصغير والكبير ، فقال : موسى : إن الله قد جعل لكم الأرض مسجداً وطهوراً . قالوا : لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس . قال : ويجعل السكينة معكم في بيوتكم . قالوا : لا نريد إلا كما كانت في التابوت . قال : ويجعلكم تقرأون التوراة عن ظهور قلوبكم ، فيقرأها الرجل منكم والمرأة ، والحر والعبد ، والصغير والكبير . قالوا : لا نريد أن نقرأها إلا نظراً . قال الله { فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة } إلى قوله { المفلحون } قال موسى : أتيتك بوفد قومي فجعلت وفادتهم لغيرهم اجعلني نبي هذه الأمة . قال : إن نبيهم منهم . قال : اجعلني من هذه الأمة . قال : إنك لن تدركهم . قال : رب أتيتك بوفد قومي فجعلت وفادتهم لغيرهم . قال : فأوحى الله إليه { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } [ الأعراف : 159 ] قال : فرضي موسى . قال نوف : ألا تحمدون رباً شهد غيبتكم ، وأخذ لكم بسمعكم ، وجعل وفادة غيركم لكم؟ .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن نوف البكالي . أن موسى لما اختار من قومه سبعين رجلاً قال لهم : فِدوا الى الله وسلوه فكانت لموسى مسألة ولهم مسألة ، فلما انتهى إلى الطور المكان الذي وعده الله به قال لهم موسى : سلوا الله . قالوا { أرنا الله جهرة } [ النساء : 153 ] قال : ويحكم . . . ! تسألون الله هذا مرتين؟ قال : هي مسألتنا أرنا الله جهرة فأخذتهم الرجفة فصعقوا ، فقال موسى : أي رب جئتك سبعين من خيار بني إسرائيل ، فأرجع إليهم وليس معي منهم أحد ، فكيف أصنع ببني إسرائيل ، أليس يقتلونني؟ فقيل له : سل مسألتك : قال : أي رب إني أسألك أن تبعثهم . فبعثهم الله فذهبت مسألتهم ومسألته ، وجعلت تلك الدعوة لهذه الأمة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي سعيد الرقاشي في قوله { واختار موسى قومه سبعين رجلاً } قال : كانوا قد جاوزوا الثلاثين ولم يبلغوا الأربعين ، وذلك أن من جاوز الثلاثين فقد ذهب جهله وصباه ، ومن بلغ الأربعين لم يفقد من عقله شيئاً .(4/335)
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا } قال : لتمام الموعد . وفي قوله { فلما أخذتهم الرجفة } قال : ماتوا ثم أحياهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي العالية في قوله { إن هي إلا فتنتك } قال : بليتك .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { إن هي إلا فتنتك } قال : مشيئتك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : قال موسى : يا رب إن هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل أرأيت الروح من نفحها فيه؟ قال الرب : أنا . قال : رب فأنت إذاً أضللتهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن راشد بن سعد . أن موسى لما أتى ربه لموعده قال : يا موسى ، إن قومك افتتنوا من بعدك . قال : يا رب وكيف يفتنون وقد أنجيتهم من فرعون ، ونجيتهم من البحر ، وأنعمت عليهم؟ قال : يا موسى إنهم اتخذوا من بعدك عجلاً جسداً له خوار . قال : يا رب فمن جعل فيه الروح؟ قال : أنا . قال : فأنت أضللتهم يا رب . قال : يا موسى ، يا رأس النبيين ، يا أبا الحكماء ، إني رأيت ذلك في قلوبهم فيسرته لهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي عمر العدني في مسنده وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : إن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم يرضوا بالعجل ، ولم ينهوا عنه .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة قال : ذكر لنا أن أولئك السبعين كانوا يلبسون ثياب الطهرة ثياب يغزله وينسجه العذارى ، ثم يتبرزون صبيحة ليلة المطر إلى البرية فيدعون الله فيها ، فوالله ما سأل القوم يومئذ شيئاً إلا أعطاه الله هذه الأمة .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن . أن السبعين الذين اختار موسى من قومه كانوا يعرفون بخضاب السواد .(4/336)
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس في قوله { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة } قال : فلم يعطها موسى { قال عذابي أصيب به من أشاء } إلى قوله { المفلحون } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة } قال : فكتب الرحمة يومئذ لهذه الأمة .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جرير { واكتب لها في هذه الدنيا حسنه } قال : مغفرة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عن ابن عباس في قوله { إنا هدنا إليك } قال : تبنا إليك .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير في قوله { إنا هدنا إليك } قال : تبنا .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وجزة السعدي وكان من أعلم الناس بالعربية قال : لا والله لا أعلمها في كلام أحد من العرب { هدنا } قيل : فكيف قال : هدنا بكسر الهاء؟ يقول : ملنا .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن وقتادة في قوله { ورحمتي وسعت كل شيء } قالا : وسعت في الدنيا البر والفاجر ، وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة .
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء في قوله { ورحمتي وسعت كل شيء } قال : رحمته في الدنيا على خلقه كلهم يتقلبون فيها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سماك بن الفضل . أنه ذكر عنده أي شيء أعظم ، فذكروا السموات والأرض وهو ساكت فقالوا : ما تقول يا أبا الفضل؟ فقال : ما من شيء أعظم من رحمته ، قال الله تعالى { ورحمتي وسعت كل شيء } .
وأخرج أحمد وأبو داود عن جندب بن عبد الله البجلي قال : جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها ، ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نادى : اللهمَّ ارحمني ومحمداً ولا تشرك في رحمتنا أحداً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لقد حظرت رحمة واسعة ، أن الله خلق مائة رحمة ، فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنّها وإنسها وبهائمها ، وعنده تسعة وتسعون » .
وأخرج أحمد ومسلم عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن لله مائة رحمة ، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق ، وبها تعطف الوحوش على أولادها ، وأخر تسع وتسعون إلى يوم القيامة » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان موقوفاً وابن مردويه عن سلمان قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « أن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السموات والأرض ، كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض ، فأهبط منها رحمة إلى الأرض ، فيها تراحم الخلائق ، وبها تعطف الوالدة على ولدها ، وبها يشرب الطير والوحوش من الماء ، وبها تعيش الخلائق ، فإذا كان يوم القيامة انتزعها من خلقه ثم أفاضها على المتقين ، وزاد تسعاً وتسعين رحمة ، ثم قرأ { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون } » .(4/337)
وأخرج الطبراني عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه ، الأحمق في معيشته ، والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه ، والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « افتخرت الجنة والنار ، فقالت النار : يا رب ، يدخلني الجبابرة والملوك والأشراف . وقالت الجنة : يا رب ، يدخلني الفقراء والضعفاء والمساكين . فقال الله للنار : أنت عذابي أصيب بك من أشاء ، وقال للجنة : أنت رحمتي وسعت كل شيء ، ولكل واحدة منكما ملؤها » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي بكر الهذلي قال : لما نزلت { ورحمتي وسعت كل شيء } قال إبليس : يا رب ، وأنا من الشيء . فنزلت { فسأكتبها للذين يتقون . . . } الآية . فنزعها الله من إبليس .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال : لما نزلت { ورحمتي وسعت كل شيء } قال : إبليس : وأنا من الشيء . فنسخها الله ، فأنزل { فسأكتبها للذين يتقون } إلى آخر الآية .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال : لما نزلت { ورحمتي وسعت كل شيء } قال : إبليس : أنا من كل شيء . قال الله { فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة } قالت يهود : فنحن نتقي ونؤتي الزكاة . قال الله { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي } فعزلها الله عن إبليس وعن اليهود ، وجعلها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة نحوه .
وأخرج البيهقي في الشعب عن سفيان بن عيينة قال : لما نزلت هذه الآية { ورحمتي وسعت كل شيء } مد إبليس عنقه فقال : أنا من الشيء . فنزلت { فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } فمدت اليهود والنصارى أعناقها فقالوا : نحن نؤمن بالتوراة والإِنجيل ، ونؤدي الزكاة . فاختلسها الله من إبليس واليهود والنصارى ، فجعلها لهذه الأمة خاصة فقال { الذين يتبعون . . . } الآية .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبزار في مسنده وابن مردويه عن ابن عباس قال : سأل موسى ربه مسألة فأعطاها محمداً صلى الله عليه وسلم . قوله { واختار موسى قومه } إلى قوله { فسأكتبها للذين يتقون } فأعطى محمداً صلى الله عليه وسلم كل شيء . سأل موسى ربه في هذه الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فسأكتبها للذين يتقون } قال : كتبها الله لهذه الأمة .(4/338)
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال : دعا موسى فبعث الله سبعين ، فجعل دعاءه حين دعاه آمن بمحمد ، واتبعه قوله { فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين ، . . . فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين يتبعون محمداً } .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { فسأكتبها للذين يتقون } قال يتقون الشرك .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير { فسأكتبها للذين يتقون } قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال موسى : يا ليتني أخرت في أمة محمد . فقالت اليهود لموسى : أيخلق ربك خلقاً ثم يعذبهم؟ فأوحى الله إليه : يا موسى ارزع . قال : قد زرعت . قال : أحصد . قال : قد حصدت . قال : دس . قال : قد دست . قال : ذر . قال : قد ذريت . قال : فما بقي؟ قال : ما بقي شيء فيه خير . قال : كذلك لا أعذب من خلقي إلا من لا خير فيه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . أنه سئل عن أبي بكر وعمر فقال : إنهما من السبعين الذين سألهم موسى بن عمران فاخراً حتى أعطيهما محمداً صلى الله عليه وسلم . قال : وتلا هذه الآية { واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا . . . } الآية .
وأخرج ابن مردويه عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا كان يوم الجمعة نزل جبريل عليه السلام إلى المسجد الحرام ، فركز لواءه بالمسجد الحرام وغدا بسائر الملائكة إلى المساجد التي يجمع فيها يوم الجمعة ، فركزوا ألويتهم وراياتهم بأبواب المساجد ، ثم نشروا قراطيس من فضة وأقلاماً من ذهب ، ثم كتبوا الأول فالأول من بكَّر إلى الجمعة ، فإذا بلغ من في المسجد سبعين رجلاً قد بكروا طووا القراطيس ، فكان أولئك السبعون كالذين اختارهم موسى من قومه ، والذين اختارهم موسى من قومه كانوا أنبياء » .
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا راح منا إلى الجمعة سبعون رجلاً كانوا كسبعين موسى الذين وفدوا إلى ربهم أو أفضل » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم النخعي في قوله { النبي الأمي } قال : كان لا يكتب ولا يقرأ .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { الرسول النبي الأمي } قال : هو نبيكم صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يكتب .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال « خرج علينا رسول الله صلى عليه وسلم يوماً كالمودع فقال : أنا محمد النبي الأمي ، أنا محمد النبي الأمي ، أنا محمد النبي الأمي ، ولا نبي بعدي ، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه ، وعلمت خزنة النار وحملة العرش ، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم ، فإذا ذهب بي فعليكم كتاب الله ، أحلوا حلاله وحرِّموا حرامه » .(4/339)
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، وان الشهر كذا وكذا ، وضرب بيده ست مرات وقبض واحدة » .
وأخرج أبو الشيخ من طريق مجالد . قال حدثني عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال : ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى قرأ وكتب ، فذكرت هذا الحديث للشعبي فقال : صدق ، سمعت أصحابنا يقولون ذلك .
قوله تعالى : { الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإِنجيل } .
أخرج ابن سعد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإِنجيل } قال : يجدون نعته وأمره ونبوّته مكتوباً عندهم .
وأخرج ابن سعد عن قتادة قال : بلغنا أن نعت رسول الله صلى عليه وسلم في بعض الكتب محمد رسول الله ليس بفظ ولا غليظ ولا صخوب في الأسواق ، ولا يجزى بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحمادون على كل حال .
وأخرج ابن سعد وأحمد عن رجل من الأعراب قال : جلبت حلوية إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغت من بيعتي قلت : لألقين هذا الرجل ولأسمعن منه . فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشيان ، فتبعتهما حتى أتيا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنشدك بالذي أنزل التوراة ، هل تجدني في كتابك ذا صفتي ومخرجي؟ فقال برأسه هكذا؛ أي لا . فقال ابنه : أي والذي أنزل التوراة إن لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . فقال : أقيموا اليهودي عن أخيكم ، ثم ولي كفنه والصلاة عليه » .
وأخرج ابن سعد والبخاري وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً } [ الأحزاب : 45 ] وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله .(4/340)
ويفتح به أعينا عمياً ، وآذاناً صماً ، وقلوباً غلفاً .
وأخرج ابن سعد والدارمي في مسنده والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبد الله بن سلام قال : صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً } [ الأحزاب : 45 ] وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله . ويفتح به أعينا عمياً ، وآذاناً صماً ، وقلوباً غلفا .
وأخرج الدارمي عن كعب قال : في السطر الأول : محمد رسول الله عبدي المختار ، لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام . وفي السطر الثاني : محمد رسوله الله أمته الحمادون ، يحمدون الله في السراء والضراء ، يحمدون الله في كل منزلة ويكبرونه على كل شرف ، رعاة الشمس يصلون الصلاة إذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كناسة ، ويأتزرون على أوساطهم ، ويوضئون أطرافهم ، وأصواتهم بالليل في جوّ السماء كأصوات النحل .
وأخرج ابن سعد والدارمي وابن عساكر عن أبي فروة عن ابن عباس . إنه سأل كعب الأحبار كيف قد نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ، فقال كعب : نجده محمد بن عبد الله ، يولد بمكة ويهاجر إلى طابة ، ويكون ملكه بالشام ، وليس بفحاش ولا سخاب في الأسواق ، ولا يكافىء بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، أمته الحمادون يحمدون الله في كل سراء ، ويكبرون الله على كل نجد ، ويوضئون أطرافهم ، ويأتزرون في أوساطهم ، يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم ، دويهم في مساجدهم كدوي النحل ، يسمع مناديهم في جوّ السماء .
وأخرج أبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن أم الدرداء قالت : قلت لكعب : كيف تجدون صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة؟ قال : نجده موصوفاً فيها محمد رسول الله اسمه المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، وأعطى المفاتيح ليبصر الله به أعيناً عوراً ، ويسمع به آذاناً صماً ، ويقيم به السنة معوجة حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يعين المظلوم ويمنعه من أن يستضعف .
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة وأبو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صفتي أحمد المتوكل مولده بمكة ومهاجره إلى طيبة ، ليس بفظ ولا غليظ ، يجزي بالحسنة الحسنة ولا يكافىء بالسيئة ، أمته الحمادون يأتزرون على أنصافهم ، ويوضئون أطرافهم ، أناجيلهم في صدورهم ، يصفون للصلاة كما يصفون للقتال ، قربانهم الذي يتقربون به إلى دمائهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار » .(4/341)
وأخرج أبو نعيم عن كعب قال : إن أبي كان من أعلم الناس بما أنزل الله على موسى ، وكان لم يدخر عني شيئاً مما كان يعلم ، فلما حضره الموت دعاني فقال لي : يا بني ، إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئاً مما كنت أعلمه ، إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما : نبي يبعث قد أظل زمانه فكرهت أن أخبرك بذلك ، فلا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه ، وقد جعلتهما في هذه الكوة التي ترى وطينت عليهما ، فلا تعرضن لهما ولا تنظرن فيهما حينك هذا ، فإن الله إن يرد بك خيراً ويخرج ذلك النبي تتبعه ، ثم أنه مات فدفناه فلم يكن شيء أحب إليّ من أن أنظر في الورقتين ، ففتحت الكوة ثم استخرجت الورقتين؟ فإذا فيهما : محمد رسول الله خاتم النبيين لا نبي بعده ، مولده بمكة ومهاجره بطيبة ، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ويجزي بالسيئة الحسنة ويعفو ويصفح ، وأمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال ، تذلل ألسنتهم بالتكبير وينصر نبيهم على كل من ناوأه ، يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم ، أناجيلهم في صدروهم وتراحمهم بينهم تراحم بني الأم ، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم .
فمكث ما شاء الله ثم بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة ، فأخرت حتى استثبت ، ثم بلغني أنه توفي وأن خليفته قد قام مقامه ، وجاءتنا جنوده فقلت : لا أدخل في هذا الدين حتى أنظر سيرتهم وأعمالهم ، فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدمت علينا عمال عمر بن الخطاب ، فلما رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع الله لهم على الأعداء علمت أنهم هم الذين كنت أنتظر ، فوالله إني لذات ليلة فوق سطحي ، فإذا رجل من المسلمين يتلو قول الله { يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً . . . } [ النساء : 47 ] الآية . فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاي ، فما كان شيء أحب إليّ من الصباح فغدوت على المسلمين .
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن علي بن أبي طالب « أن يهودياً كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم دنانير ، فتقاضى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : ما عندي ما أعطيك . قال : فإني لا أفارقك يا محمد حتى تعطيني . قال : إذن أجلس معك يا محمد فجلس معه فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والغداة ، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتهددون اليهودي ويتوعدونه ، فقالوا : يا رسول الله ، يهودي يحبسك؟ قال : منعني ربي أن أظلم معاهداً ولا غيره ، فلما ترحل النهار أسلم اليهودي وقال : شطر مالي في سبيل الله ، أما ولله ما فعلت الذي فعلت بك إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة : محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا متزين بالفحشاء ولا قوّال للخنا » .(4/342)
وأخرج ابن سعد عن الزهري . « أن يهودياً قال : ما كان بقي شيء من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة إلا رأيته إلا الحلم ، وإني أسلفته ثلاثين ديناراً في ثمر إلى أجل معلوم ، فتركته حتى إذا بقي من الأجل يوم أتيته فقلت : يا محمد ، اقضني حقي فإنكم معاشر بني عبد المطلب مطل . فقال عمر : يا يهودي الخبيث ، أما والله لولا مكانه لضربت الذي فيه عيناك ، فقال رسول الله صلى عليه وسلم » غفر الله لك يا أبا حفص ، نحن كنا إلى غير هذا منك أحوج إلى أن تكون أمرتني بقضاء ما عليّ ، وهو إلى أن تكون أعنته على قضاء حقه أحوج فلم يزده جهلي عليه إلا حلماً . قال : يا يهودي ، إنما يحل حقك غداً ، ثم قال : يا أبا حفص ، أذهب به إلى الحائط الذي كان سأل أوّل يوم ، فإن رضيه فاعطه كذا وكذا صاعاً وزده لما قلت له كذا وكذا صاعاً وزده ، فإن لم يرض فاعط ذلك من حائط كذا وكذا ، فأتى بي الحائط فرضي تمره فأعطاه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أمره من الزيادة ، فلما قبض اليهودي تمره قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله ، وأنه والله ما حملني على ما رأيتني صنعت يا عمر إلا أني قد كنت رأيت في رسول الله صفته في التوراة كلها إلا الحلم ، فاختبرت حلمه اليوم فوجدته على ما وصف في التوراة ، وإني أشهدك أن هذا التمر وشطر مالي في فقراء المسلمين . فقال عمر : فقلت : أو بعضهم؟ فقال : أو بعضهم . قال : وأسلم أهل بيت اليهودي كلهم إلا شيخ كان بان مائة سنة فعسا على الكفر « » .
وأخرج ابن سعد عن كثيِّر بن مرة قال : إن الله يقول : لقد جاءكم رسول ليس بوهن ولا كسل ، يفتح أعيناً كانت عمياً ، ويسمع آذاناً كانت صماً ، ويختن قلوباً كانت غلفاً ، ويقيم سنة كانت عوجاء ، حتى يقال : لا إله إلا الله .
وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة قال : « أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس فقال » أخرجوا إليَّ أعلمكم فقالوا : عبد الله بن صوريا . فخلا به رسول الله صلى عليه وسلم ، فناشده بدينه وبما أنعم به عليهم ، وأطعمهم من المن والسلوى ، وظللهم به من الغمام ، أتعلم أني رسول الله؟ قال : اللهمَّ نعم ، وإن القوم ليعرفون ما أعرف ، وإن صفتك ونعتك المبين في التوراة ولكنهم حسدوك . قال : فما يمنعك أنت؟ قال : أكره خلاف قومي ، وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم « » .(4/343)
وأخرج الطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن الفلتان بن عاصم قال : « كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم » أتقرأ التوراة؟ قال : نعم قال : والإِنجيل؟ قال : نعم . فناشده هل تجدني في التوراة والإِنجيل؟ قال : نجد نعتاً مثل نعتك ومثل هيئتك ومخرجك ، وكنا نرجو أن تكون منا ، فلما خرجت تخوَّفنا أن تكون هو أنت ، فنظرنا فإذا ليس أنت هو . قال : ولم ذاك؟ قال : إن معه من أمته سبعين ألفاً ليس عليهم حساب ولا عذاب ، وإنما معك نفر يسير . قال : والذي نفسي بيده لأنا هو ، إنهم لأمتي وأنهم لأكثر من سبعين ألفاً وسبعين ألفاً « » .
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بعثت قريش النظر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط ، وغيرهما إلى يهود يثرب وقالوا لهم : سلوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم ، فقدموا المدينة فقالوا : أتيناكم لأمر حدث فينا ، منا غلام يتيم يقول قولاً عظيماً ، يزعم أنه رسول الرحمن قالوا : صفوا لنا نعته . فوصفوا لهم قالوا : فمن تبعه منكم؟ قالوا : سفلتنا . فضحك حبر منهم فقال : هذا النبي الذي نجد نعته ونجد قومه أشد الناس له عداوة .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب قال : كان في بني إسرائيل رجل عصى الله تعالى مائتي سنة ، ثم مات فأخذوه فألقوه على مزبلة ، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام : أن أخرج فصلِّ عليه قال : يا رب ، بنو إسرائيل شهدوا أنه عصاك مائتي سنة ، فأوحى الله إليه : هكذا كان لأنه كان كلما نشر التوراة ، ونظر إلى اسم محمد صلى الله عليه وسلم قبَّله وضعه على عينيه وصلى عليه ، فشكرت له ذلك وغفرت ذنوبه وزوّجته سبعين حوراء .
وأخرج ابن سعد والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم مكتوب في الإِنجيل لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويصفح .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال « قدم الجارود بن عبد الله على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وقال : والذي بعثك بالحق لقد وجدت وصفك في الإِنجيل ولقد بشَّر بك ابن البتول » .
وأخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق موسى بن يعقوب الربعي عن سهل مولى خيثمة قال : قرأت في الإِنجيل نعت محمد صلى الله عليه وسلم : إنه لا قصير ولا طويل أبيض ذو طمرين ، بين كتفيه خاتم ، يكثر الاحتباء ولا يقبل الصدقة ، ويركب الحمار والبعير ، ويحتلب الشاة ويلبس قميصاً مرقوعاً ، ومن فعل ذلك فقد برىء من الكبر ، وهو يفعل ذلك وهو من ذرية اسمعيل عليه السلام .(4/344)
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : أوحى الله تعالى إلى شعيب « إني باعث نبياً أمياً أفتح به آذاناً صماً ، وقلوباً غلفاً ، وأعيناً عمياً ، مولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام ، عبدي المتوكل المصطفى المرفوع الحبيب المتحبب المختار ، لا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح رحيماً بالمؤمنين ، يبكي للبهيمة المثقلة ويبكي لليتيم في حجر الأرملة ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا متزين بالفحش ، ولا قوّال للخنا ، يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته ، ولو يمشي على القصب الرعراع يعني اليابس لم يسمع من تحت قدميه ، أبعثه مبشراً ونذيراً ، أسدده لكل جميل وأهب له كل خلق كريم ، أجعل السكينة لباسه ، والبرَّ شعاره ، والمغفرة والمعروف حليته ، والحق شريعته ، والهدى إمامه ، والإِسلام ملته ، وأحمد اسمه ، أهدي به من بعد الضلالة ، وأعلم به بعد الجهالة ، وأرفع به بعد الخمالة ، وأسمي به بعد النكرة ، وأكثر به بعد القلة ، وأغنى به بعد العيلة ، وأجمع به بعد الفرقة ، وأؤلف به بين قلوب ، وأهواء متشتتة وأمم مختلفة ، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، آمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ، وتوحيداً لي وإيماناً بي وإخلاصاً لي وتصديقاً لما جاءت به رسلي ، وهم رعاة الشمس .
طوبى لتلك القلوب والوجوه والأرواح التي أخلصت لي ، أُلهمهم التسبيح والتكبير والتمجيد والتوحيد في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم ، ويصفُّون في مساجدهم كما تصف الملائكة حول عرشي ، هم أوليائي وأنصاري ، أنتقم بهم من أعدائي عبدة الأوثان ، يصلون لي قياماً وقعوداً وسجوداً ، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ألوفاً ، ويقاتلون في سبيلي صفوفاً وزحوفاً ، اختم بكتبهم الكتب ، وشريعتهم الشرائع ، وبدينهم الأديان ، من أدركهم فلم يؤمن بكتابهم ويدخل في دينهم وشريعتهم فليس مني وهو مني بريء ، واجعلهم أفضل الأمم ، واجعلهم أمة وسطاء شهداء على الناس ، إذا عضبوا هللوني ، وإذا قبضوا كبَّروني ، وإذا تنازعوا سبَّحوني ، يطهرون الوجوه والأطراف ، ويشدون الثياب إلى الأنصاف ، ويهللون على التلال والأشراف ، قربانهم دماؤهم ، وأناجيلهم صدورهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، مناديهم في جو السماء ، لهم دوي كدوي النحل ، طوبى لمن كان معهم وعلى دينهم ومناهجهم وشريعتهم ، ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم » .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن وهب بن منبه قال : إن الله أوحى في الزبور « يا داود إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد صادقاً نبياً لا أغضب عليه أبداً ولا يعصيني أبداً ، وقد غفرت له أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأمته مرحومة أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء ، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل ، حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء ، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة كما افترضت على الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم ، يا داود إني فضَّلت محمداً وأمته على الأمم ، أعطيتهم ست خصال لم أعطها غيرهم من الأمم ، لا أؤاخذهم بالخطأ والنسيان ، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إذا استغفروني منه غفرته ، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم أضعافاً مضاعفة ، ولهم عندي أضعاف مضاعفة وأفضل من ذلك ، وأعطيتهم على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم ، فإن دعوني استجبت لهم ، فإما أن يروه عاجلاً وإما أن أصرف عنهم سوءاً وإما أن أؤخره لهم في الآخرة ، يا داود من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقاً بها فهو معي في جنتي وكرامتي ، ومن لقيني وقد كذب محمداً وكذب بما جاء به واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صباً ، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره ، ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار » .(4/345)
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبدالله بن عمرو قال : أجد في الكتب أن هذه الأمة تحب ذكر الله كما تحب الحمامة وكرها ، ولهم أسرع إلى ذكر الله من الإِبل إلى وردها يوم ظمئها .
قوله تعالى : { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } الآية .
أخرج الطبراني عن حبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده « أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل من الأعراب يستفتيه عن الرجل ، ما الذي يحل له والذي يحرم عليه في ماله ونسكه وماشيته وعنزه وفرعه من نتاج إبله وغنمه؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحلَّ لك الطيبات وحرم عليك الخبائث إلا أن تفتقر إلى طعام فتأكل منه حتى تستغني عنه . قال : ما فقري الذي آكل ذلك إذا بلغته؟ أمْ ما غناي الذي يغنيني عنه؟ قال : إذا كنت ترجو نتاجاً فتبلغ بلحوم ماشيتك إلى نتاجك ، أو كنت ترجو عشاء تصيبه مدركاً فتبلغ إليه بلحوم ماشيتك ، وإذا كنت لا ترجو من ذلك شيئاً فاطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه . قال الأعرابي : وما عشائي الذي أدعه إذا وجدته؟ قال : إذا رويت أهلك غبوقاً من اللبن فاجتنب ما حرم عليك من الطعام ، وأما مالك فإنه ميسور كله ليس منه حرام غير أن في نتاجك من إبلك فرعاً ، وفي نتاجك من غنمك فرعاً تغذوه ماشيتك ، حتى تستغني ، ثم إن شئت فاطعمه أهلك وإن شئت تصدَّق بلحمه ، وأمره أن يعقر من الغنم في كل مائة عشراً » .(4/346)
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن جريج في قوله { ويحل لهم الطيبات } قال : الحلال { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } قال : التثقيل الذي كان في دينهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ويحرم عليهم الخبائث } قال : كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلون من المحرمات من المآكل التي حرَّمها الله . وفي قوله { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } قال : هو ما كان أخذ الله عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { ويضع عنهم إصرهم } قال : عهدهم ومواثيقهم في تحريم ما أحلَّ الله لهم .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } يقول : يضع عنهم عهودهم ومواثيقهم التي أخذت عليهم في التوراة والإِنجيل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ويضع عنهم إصرهم } قال : التشديد في العبادة ، كان أحدهم يذنب الذنب فيكتب على باب داره : إن توبتك أن تخرج أنت وأهلك ومالك إلى العدو فلا ترجع حتى يأتي الموت على آخركم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ويضع عنهم إصرهم } قال : ما غلظ على بني إسرائيل من قرض البول من جلودهم إذا أصابهم ونحوه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب في قوله { والأغلال التي كانت عليهم } قال : الشدائد التي كانت عليهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { ويضع عنه إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } قال : تشديد شدد على القوم ، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بالتجاوز عنهم .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير { ويضع عنهم إصرهم } قال : ما غلظوا على أنفسهم من قطع أثر البول ، وتتبع العروق في اللحم وشبهه .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { ويضع عنهم إصرهم } قال : عهدهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { عزروه } يعني عَظَّموه وَوَقَّروه .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله { وعزَّروه ونصروه } قال : بالسيف .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { وعزَّروه } يقول : نصروه . قال : فأما نصره وتعزيزه وقد سبقتم به ، ولكن خيركم من آمن واتبع النور الذي أنزل معه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاده { وعزَّروه } قال : شددوا أمره وأعانوا رسوله ونصروه .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { وعزروه } مثقلة .(4/347)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)
أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الأحمر والأسود فقال { يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً } .
وأخرج البخاري وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : « كانت بين أبي بكر وعمر محاورة ، فاغضب أبو بكر عمر ، فانصرف عمر عنه مغضباً . فأتبعه أبو بكر فسأله أن يستغفر له ، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه ، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وندم عمر على ما كان منه ، فأقبل حتى سلَّم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقصَّ الخبر ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : » هل أنتم تاركو لي صاحبي ، إني قلت { يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً } فقلتم : كذبت . وقال أبو بكر : صدقت « .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { يؤمن بالله وكلمته } قال : عيسى .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { يؤمن بالله وكلماته } على الجماع .(4/348)
وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)
أخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال موسى : يا رب ، أجد أمة انجيلهم في قلوبهم؟ قال : تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد . قال : يا رب ، أجد أمة يصلون الخمس تكون كفارة لما بينهن؟ قال : تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد . قال : يا رب أجد أمة يعطون صدقات أموالهم ثم ترجع فيهم فيأكلون؟ قال : تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد . قال : يا رب ، اجعلني من أمة أحمد . فأنزل الله كهيئة المرضية لموسى { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي ليلى الكندي قال : قرأ عبدالله بن مسعود « ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون » فقال رجل : ما أحب إني منهم . فقال عبدالله : لم ما يزيد صالحوكم على أن يكونوا مثلهم؟
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله { ومن قوم موسى أمة } الآية . قال : بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثني عشر سبطاً ، تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم ، ففتح الله له نفقاً في الأرض فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين ، فهم هنالك حنفاء مستقبلين يستقبلون قبلتنا . قال ابن جريج : قال ابن عباس : فذلك قوله { وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً } [ الإِسراء : 104 ] ووعد الآخرة عيسى ابن مريم . قال ابن عباس : ساروا في السرب سنة ونصفاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال : افترقت بنو إسرائيل بعد موسى إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة ، وافترقت النصارى بعد عيسى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة ، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة ، فأما اليهود فإن الله يقول { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } وأما النصارى فإن الله يقول { منهم أمة مقتصدة } [ المائدة : 66 ] فهذه التي تنجو ، وأما نحن فيقول { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } [ الأعراف : 181 ] فهذه التي تنجو من هذه الأمة .
وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل قال : إن مما فضل الله به محمداً صلى الله عليه وسلم أنه عاين ليلة المعراج قوم موسى الذين من وراء الصين ، وذلك أن بني إسرائيل حين عملوا بالمعاصي وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس ، دعوا ربهم وهم بالأرض المقدسة فقالوا : اللهمَّ أخرجنا من بين أظهرهم ، فاستجاب لهم فجعل لهم سرباً في الأرض فدخلوا فيه ، وجعل معهم نهراً يجري وجعل لهم مصباحاً من نور بين أيديهم ، فساروا فيه سنة ونصفاً وذلك من بيت المقدس إلى مجلسهم الذي هم فيه ، فأخرجهم الله إلى أرض تجتمع فيها الهوام والبهائم والسباع مختلطين بها ، ليس فيها ذنوب ولا معاص ، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ومعه جبريل ، فآمنوا به وصدقوه وعلَّمهم الصلاة وقالوا : إن موسى قد بشَّرهم به .(4/349)
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } قال : بينكم وبينهم نهر من سهل ، يعني من رمل يجري .
وأخرج ابن أبي حاتم عن صفوان بن عمرو قال : هم الذين قال الله { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق } يعني سبطان من أسباط بني إسرائيل يوم الملحمة العظمى ينصرون الإِسلام وأهله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال : إن لله عباداً من وراء الأندلس كما بيننا وبين الأندلس لا يرون أن الله عصاه مخلوق ، رضراضهم الدر والياقوت وجبالهم الذهب والفضة ، لا يزرعون ولا يحصدون ولا يعملون عملاً ، لهم شجر على أبوابهم لها أوراق عراض هي لبوسهم ، ولهم شجر على أبوابهم لها ثمر ، فمنها يأكلون .
قوله تعالى : { فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً } .
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { فانبجست } قال : انفجرت .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزَّ وجلَّ { فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً } قال : أجرى الله من الصخرة اثنتي عشرة عيناً ، لكل سبط عين يشربون منها . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم . أما سمعت بشر بن أبي حازم يقول :
فاسلبت العينان مني بواكف ... كما انهل من واهي الكلى المتبجس(4/350)
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال : دخلت على ابن عباس وهو يقرأ هذه الآية { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } قال : يا عكرمة ، هل تدري أي قرية هذه؟ قلت : لا . قال : هي أيلة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب { واسألهم عن القرية } قال : هي طبرية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد واسألهم عن القرية قال : هي قرية يقال لها مقنا بين مدين وعينونا .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { واسألهم عن القرية } قال : هي مدين .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { إذ يعدون في السبت } قال : يظلمون .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { شرعاً } يقول : من كل مكان .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { شرعاً } قال : ظاهرة على الماء .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { شرعاً } قال : واردة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر } قال : هي قرية على شاطىء البحر بين مصر والمدينة يقال لها أيلة ، فحرَّم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم ، فكانت تأتيهم يوم سبتهم شرعاً في ساحل البحر ، فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها ، فمكثوا كذلك ما شاء الله ، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم ، فنهتهم طائفة فلم يزدادوا إلا غيّاً . فقالت طائفة من النهاة : تعلمون أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب { لم تعظون قوماً الله مهلكهم } وكانوا أشد عضباً من الطائفة الأخرى ، وكل قد كانوا ينهون ، فما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان قالتا : لم تعظون؟ والذين { قالوا : معذرة إلى ربكم } وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { واسألهم عن القرية . . . } الآية . قال : إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم يوم الجمعة ، فخالفوا إلى السبت فعظَّموه وتركوا ما أمروا به ، فلما ابتدعوا السبت ابتلوا فيه ، فحرمت عليهم الحيتان ، وهي قرية يقال لها مدين بين أيلة والطور ، فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر ، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر حتى مثله من السبت المقبل ، فإذا جاء السبت عادت شرعاً ، ثم إن رجلاً منهم أخذ حوتاً فحزمه بخيط ثم ضرب له وتداً في الساحل وربطه وتركه في الماء ، فلما كان الغد جاء فأخذه فأكله سراً ، ففعلوا ذلك وهم ينظرون لا يتناهون إلا بقية منهم ، فنهوهم حتى إذا ظهر ذلك في الأسواق علانية قالت طائفة للذين ينهونهم { لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً } قالوا { معذرة إلى ربكم } في سخطنا أعمالهم { ولعلهم يتقون } فكانوا أثلاثاً .(4/351)
ثلثاً نهى ، وثلثاً قالوا { لم تعظون } وثلثاً أصحاب الخطيئة ، فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم ، فأصبح الذين نهوا ذات غداة في مجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم ، وقد باتوا من ليلتهم وغلقوا عليهم دورهم ، فجعلوا يقولون : إن للناس شأناً فانظروا ما شأنهم ، فاطلعوا في دورهم فإذا القوم قد مسخوا يعرفون الرجل بعينه وأنه لقرد ، والمرأة بعينها وانها لقردة .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عكرمة قال : جئت ابن عباس يوماً وهو يبكي ، وإذا المصحف في حجره فقلت : ما يبكيك يا ابن عباس؟ فقال : هؤلاء الورقات . وإذا في سورة الأعراف قال : تعرف أيلة؟ قلت : نعم . قال : فإنه كان بها حي من يهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ، ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا عليها بعد كد ومؤنة شديدة ، وكانت تأتيهم يوم السبت شرعاً بيضاً سمانا كأنها الماخض ، فكانوا كذلك برهة من الدهر ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال : إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيام . فقالت : ذلك طائفة منهم ، وقالت طائفة : بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها في يوم السبت ، فعدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها ، واعتزلت طائفة ذات اليمين ، وتنحَّت واعتزلت طائفة ذات اليسار ، وسكتت وقال الأيمنون : ويلكم . . . ؟ لا تتعرضوا لعقوبة الله ، وقال الأيسرون { لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً } قال الأيمنون : { معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون } ان ينتهوا فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا ، وأن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم . فمضوا على الخطيئة وقال الأيمنون : قد فعلتم يا أعداء الله ، والله لنبايننَّكم الليلة في مدينتكم . والله ما أراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب ، فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا فلم يجابوا ، فوضعوا سلما وعلوا سور المدينة رجلاً ، فالتفت إليهم فقال : أي عباد الله قردة والله تعاوى لها أذناب . . . ! ففتحوا فدخلوا عليهم فعرفت القردة أنسابها من الانس ولا تعرف الانس أنسابها من القردة ، فجعلت القرود تأتي نسيبها من الانس فتشم ثيابه وتبكي ، فيقول ألم ننهكم فتقول برأسها : أي نعم . ثم قرأ ابن عباس { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس } قال : أليم وجيع . قال : فارى الذين نهوا قد نجوا ولا أرى الآخرين ذكروا ، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها . قلت : أي جعلني الله فداك ، ألا ترى أنهم كرهوا ما هم عليه وخالفوهم ، وقالوا { لم تعظون قوماً الله مهلكهم } قال : فأمر بي فكسيت ثوبين غليظين .(4/352)
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : كانت قرية على ساحل البحر يقال لها ايلة ، وكان على ساحل البحر صنمان من حجارة مستقبلان الماء ، يقال لأحدهما لقيم والآخر لقمانة ، فأوحى الله إلى السمك ، أن حج يوم السبت إلى الصنمين ، وأوحى إلى أهل القرية : أني قد أمرت السمك أن يحجوا إلى الصنمين يوم السبت فلا تعرضوا للسمك يوم لا يمتنع منكم ، فإذا ذهب السبت فشأنكم به فصيدوه ، فكان إذا طلع الفجر يوم السبت أقبل السمك شرعاً إلى الصنمين لا يمتنع من آخذ يأخذه ، فظهر يوم السبت شيء من السمك في القرية فقالوا : نأخذه يوم السبت فنأكله يوم الأحد ، فلما كان يوم السبت الآخر ظهر أكثر من ذلك ، فلما كان السبت الآخر ظهر السمك في القرية ، فقام إليهم قوم منهم فوعظوهم فقالوا : اتقوا الله . فقام آخرون فقالوا { لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون } فلما كان سبت من تلك الأسبات فشى السمك في القرية ، فقال الذين نهوا عن السوء فقالوا : لا نبيت معكم الليلة في هذه القرية . فقيل لهم : لو أصبحتم فانقلبتم بذراريكم ونسائكم . قالوا : لا نبيت معكم الليلة في هذه القرية ، فإن أصبحنا غدونا فاخرجنا ذرارينا وأمتعتنا من بين ظهرانيكم وكان القوم شاتين ، فلما أمسوا أغلقوا أبوابهم فلما أصبحوا لم يسمع القوم لهم صوتاً ولم يروا سرجاً خرج من القرية . . . ! قالوا : قد أصاب أهل القرية شر . . . ! فبعثوا رجلاً منهم ينظر إليهم ، فلما أتى القرية إذا الأبواب مغلقة عليهم ، فاطلع في دار فإذا هم قرود كلهم ، المرأة أنثى والرجل ذكر ، ثم اطلع في دار أخرى فإذا هم كذلك الصغير صغير والكبير كبير ، ورجع إلى القوم فقال : يا قوم نزل بأهل القرية ما كنتم تحذرون ، أصبحوا قردة كلهم لا يستطيعون أن يفتحوا الأبواب ، فدخلوا عليه فإذا هم قردة كلهم ، فجعل الرجل يومىء إلى القرد منهم أنت فلان ، فيومىء برأسه : نعم . وهم يبكون فقالوا : أبعدكم الله قد حذرناكم هذا ، ففتحوا لهم الأبواب فخرجوا فلحقوا بالبرية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : نجا الناهون وهلك الفاعلون ، ولا أدري ما صنع بالساكتين .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : والله لئن أكون علمت أن القوم الذين قالوا { لم تعظون قوماً } نجوا مع الذين نهوا عن السوء أحب إلى ما عدل به . وفي لفظ : من حمر النعم . ولكني أخاف أن تكون العقوبة نزلت بهم جميعاً .(4/353)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : قال ابن عباس : ما أدري انجا الذين قالوا لم تعظون قوماً أم لا؟ قال : فما زلت أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا فكساني حلة .
وأخرج عبد بن حميد عن ليث بن أبي سليم قال : مسخوا حجارة الذين قالوا { لم تعظون قوماً الله مهلكهم } .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله { واسألهم عن القرية . . . } الآية . قال : كان حوتاً حرمه الله عليهم في يوم وأحله لهم فيما سوى ذلك ، فكان يأتيهم في اليوم الذي حرَّمه الله عليهم كأنه المخاض ما يمتنع من أحد ، فجعلوا يهمون ويمسكون وقلما رأيت أحداً أكثر الأهتمام بالذنب إلا واقعه ، فجعلوا يهمون ويمسكون حتى أخذوه فأكلوا بها والله أوخم أكلة أكلها قوم قط أبقاه خزياً في الدنيا وأشده عقوبة في الآخرة ، وأيم الله للمؤمن من أعظم حرمة عند الله من حوت ، ولكن الله عز وجل جعل موعد قوم الساعة والساعة أدهى وأمر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال : أخذ موسى عليه السلام رجلاً يحمل حطباً يوم السبت ، وكان موسى يسبت فصلبه .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : احتطب رجل في السبت ، وكان داود عليه السلام يسبت فصلبه .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي بكر بن عياش قال : كان حفظي عن عاصم « بعذاب بئيس » على معنى فعيل ، ثم دخلني منها شك فتركت روايتها عن عاصم وأخذتها عن الأعمش « بعذاب بئيس » على معنى فعيل .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { بعذاب بئيس } قال : لا رحمة فيه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { بعذاب بئيس } قال : وجيع .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { بعذاب بئيس } قال : أليم بشدة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : نودي الذي اعتدوا في السبت ثلاثة أصوات ، نودوا يا أهل القرية فانتبهت طائفة ، ثم نودوا يا أهل القرية فانتبهت طائفة أكثر من الأولى ، ثم نودوا يا أهل القرية فانتبه الرجال والنساء والصبيان ، فقال الله لهم { كونوا قردة خاسئين } [ البقرة : 65 ] فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون : يا فلان ألم ننهكم؟ فيقولون برؤوسهم : أي بلى .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير وماهان الحنفي قال : لما مسخوا جعل الرجل يشبه الرجل وهو قرد ، فيقال : أنت فلان . . . ؟! فيومىء إلى يديه بما كسبت يداي .
وأخرج ابن بطة عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل » .
وأخرج أبو الشيخ عن سفيان قال : قالوا لعبد الله بن عبد العزيز العمري في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : تأمر من لا يقبل منك؟ قال : يكون معذرة ، وقرأ { قالوا معذرة إلى ربكم } .(4/354)
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وإذ تأذن ربك . . . } الآية . قال : الذين يسومونهم سوء العذاب محمد وأمته إلى يوم القيامة ، وسوء العذاب الجزية .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { وإذ تأذن ربك } الآية . قال : هم اليهود ، بعث عليهم العرب يجبونهم الخراج فهو سوء العذاب ، ولم يكن من نبي جبا الخراج إلا موسى ، جباه ثلاث عشرة سنة ثم كفَّ عنه ولا النبي صلى الله عليه وسلم . وفي قوله { وقطعناهم . . . } الآية . قال : هم اليهود بسطهم الله في الأرض ، فليس في الأرض بقعة إلا وفيها عصابة منهم وطائفة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وإذ تأذن ربك } يقول : قال ربك : ليبعثن عليهم قال : على اليهود والنصارى إلى يوم القيامة { من يسومهم سوء العذاب } فبعث الله عليهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم يأخذون منهم الجزية وهم صاغرون { وقطعناهم في الأرض أمماً } قال : يهود { منهم الصالحون } وهم مسلمة أهل الكتاب { ومنهم دون ذلك } قال : اليهود { وبلوناهم بالحسنات } قال : الرخاء والعافية { والسيئات } قال : البلاء والعقوبة .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قول الله { وقطعناهم في الأرض أمماً } ما الأمم؟ قال : الفرق ، وقال فيه بشر بن أبي حازم :
من قيس غيلان في ذوائبها ... منهم وهم بعد قادة الأمم
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } قال : بالخصب والجدب .(4/355)
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية { فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى } قال : أقوام يقبلون على الدنيا فيأكلونها ويتبعون رخص القرآن ويقولون : سيغفر لنا ، ولا يعرض لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه ، ويقولون : سيغفر لنا .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فخلف من بعدهم خلف } قال : النصارى { يأخذون عرض هذا الأدنى } قال : ما أشرف لهم شيء من الدنيا حلالاً أو حراماً يشتهونه أخذوه ويتمنون المغفرة ، وإن يجدوا آخر مثله يأخذونه .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { فخلف من بعدهم خلف . . . } الآية . يقول : يأخذون ما أصابوا ويتركون ما شاؤوا من حلال أو حرام ، ويقولون سيغفر لنا .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { فخلف من بعدهم خلف } قال : خلف سوء { ورثوا الكتاب } بعد أنبيائهم ورسلهم أورثهم الله الكتاب وعهد إليهم { يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا } قال : آمانيٌّ تمنوها على الله وغرة يغترون بها { وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه } ولا يشغلهم شيء عن شيء ولا ينهاهم شيء عن ذلك ، كلما أشرف لهم شيء من الدنيا أخذوه ولا يبالون حلالاً كان أو حراماً .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب ، عن سعيد بن جبير في قوله { يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا } قال : كانوا يعملون بالذنوب ، ويقولون : سيغفر لنا .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء في قوله { يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا } قال : يأخذون ما عرض لهم من الدنيا ، ويقولون : نستغفر الله ونتوب إليه .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال : كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضياً إلا ارتشى في الحكم ، فإذا قيل له يقول : سيغفر لي .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الجلد قال : يأتي على الناس زمان تخرب صدورهم من القرآن ، وتتهافت وتبلى كما تبلى ثيابهم ، لا يجدون لهم حلاوة ولا لذاذة ، إن قصروا عما أُمروا به قالوا : إن الله غفور رحيم ، وإن عملوا بما نهوا عنه قالوا : سيغفر لنا إنا لا نشرك بالله شيئاً أمرهم كله طمع ليس فيه خوف ، لبسوا جلود الضان على قلوب الذئاب أفضلهم في نفسه المدهن .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال : المؤمن يعلم أن ما قال الله كما قال الله ، والمؤمن أحسن عملاً وأشدَّ الناس خوفاً لو أنفق جبلاً من مال ما أمن دون أن يعاين ، لا يزداد صلاحاً وبرّاً وعبادة إلا ازداد فرقاً يقول : ألا أنجو . . . ؟ والمنافق يقول : سواد الناس كثير وسيغفر لي ولا بأس عليَّ ، فيسيء العمل ويتمنى على الله .(4/356)
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق } فيما يوجهون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون إليها ولا يتوبون منها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ودرسوا ما فيه } قال : علموا ما في الكتاب لم يأتوه بجهالة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله { والذين يمسكون بالكتاب } قال : هي لأهل الأيمان منهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { والذين يمسكون بالكتاب } قال : من اليهود والنصارى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { والذين يمسكون بالكتاب } قال : الذي جاء به موسى عليه السلام .(4/357)
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة } يقول : رفعناه وهو قوله { ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم } [ النساء : 154 ] فقال { خذوا ما آتيناكم بقوة } وإلا أرسلته عليكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإذ نتقنا الجبل } قال : رفعته الملائكة فوق رؤوسهم فقيل لهم { خذوا ما آتيناكم بقوة } فكانوا إذا نظروا إلى الجبل قالوا : سمعنا وأطعنا ، وإذا نظروا إلى الكتاب قالوا : سمعنا وعصينا .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : إني لأعلم لم تسجد اليهود على حرف قال الله { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم } قال : لتأخذن أمري أو لأرمينكم به ، فسجدوا وهم ينظرون إليه مخافة أن يسقط عليهم ، فكانت سجدة رضيها الله تعالى فاتخذوها سنة .
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال : أتى ابن عباس يهودي ونصراني فقال لليهودي :
ما دعاكم أن تسجدوا بجباهكم؟ فلم يدر ما يجيبه ، فقال : سجدتم بجباهكم لقول الله { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة } فخررتم لجباهكم تنظرون إليه ، وقال للنصراني : سجدتم إلى الشرق لقول الله { انتبذت به مكاناً شرقياً } [ مريم : 16 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : إن هذا الجبل ، جبل الطور ، هو الذي رفع على بني إسرائيل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وإذ نتقنا الجبل } قال : كما تنتق الزبدة أخرجنا الجبل .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ثابت بن الحجاج قال : جاءتهم التوراة جملة واحدة ، فكبر عليهم فأبوا أن يأخذوه حتى ظلَّل الله عليهم الجبل ، فأخذوه عند ذلك .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة { وإذ نتقنا الجبل } قال : انتزعه الله من أصله ثم جعله فوق رؤوسهم ، ثم قال : لتأخذن أمري أو لأرمينكم به .
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن الكلبي قال : كتب هرقل ملك الروم إلى معاوية يسأله عن الشيء ولا شيء ، وعن دين لا يقبل الله غيره ، وعن مفتاح الصلاة ، وعن غرس الجنة ، وعن صلاة كل شيء ، وعن أربعة فيهم الروح ولم يركضوا في اصلاب الرجال ولا ارحام النساء ، وعن رجل لا أب له ، وعن رجل لا قوم له ، وعن قبر جرى بصاحبه ، وعن قوس قزح ، وعن بقعة طلعت عليها الشمس مرة لم تطلع عليها قبلها ولا بعدها ، وعن ظاعن ظعن مرة لم يظعن قبلها ولا بعدها ، وعن شجرة نبتت بغير ماء ، وعن شيء يتنفس لا روح له ، وعن اليوم وأمس وغد وبعد غد ما أجزاؤها في الكلام ، وعن الرعد والبرق وصوته ، وعن المجرة ، وعن المحو الذي في القمر؟ فقيل له : لست هناك وإنك متى تخطىء شيئاً في كتابك إليه يغتمزه فيك ، فاكتب إلى ابن عباس .(4/358)
فكتب إليه فأجابه ابن عباس : أما الشيء : فالماء ، قال الله { وجعلنا من الماء كل شيء حي } واما لا شيء : فالدنيا تبيد وتفنى ، وأما الدين الذي لا يقبل الله غيره : فلا إله إلا الله ، وأما مفتاح الصلاة : فالله أكبر ، وأما غرس الجنة . فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وأما صلاة كل شيء : فسبحان الله وبحمده ، وأما الأربعة التي فيها الروح ولم يرتكضوا في أصلاب الرجال ولا أرحام النساء : فآدم ، وحواء ، وعصا موسى ، والكبش الذي فدى الله به إسحق ، واما الرجل الذي لا أب له : فعيسى ابن مريم ، وأما الرجل الذي لا قوم له : فآدم ، وأما القبر الذي جرى بصاحبه : فالحوت حيث سار بيونس في البحر ، وأما قوس قزح : فأمان الله لعباده من الغرق ، وأما البقعة التي طلعت عليها الشمس ولم تطلع عليها قبلها ولا بعدها : فالبحر حيث انفلق لبني إسرائيل ، وأما الظاعن الذي ظعن مرة لم يظعن قبلها ولا بعدها : فجبل طور سيناء ، كان بينه وبين الأرض المقدسة أربع ليال ، فلما عصت بنو إسرائيل أطاره الله بجناحين من نور فيه ألوان العذاب ، فأظله الله عليهم وناداهم مناد إن قبلتم التوراة كشفته عنكم وإلا ألقيته عليكم ، فأخذوا التوراة معذورين فرده الله إلى موضعه ، فذلك قوله { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة . . . } الآية ، وأما الشجرة التي نبتت من غير ماء : فاليقطينة التي أنبتت على يونس ، وأما الذي تنفس بلا روح فالصبح . قال الله { والصبح إذا تنفس } [ التكوير : 18 ] ، وأما اليوم : فعمل ، وأما أمس : فمثل ، وأما غد : فأجل وبعد غد فأمل ، وأما البرق : فمخاريق بأيدي الملائكة تضرب بها السحاب ، وأما الرعد : فاسم الملك الذي يسوق السحاب وصوته زجره ، وأما المجرة : فأبواب السماء ومنها تفتح الأبواب ، وأما المحو الذي في القمر فقول الله { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل } [ الإِسراء : 12 ] ولولا ذلك المحو لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل . فبعث بها معاوية إلى قيصر ، وكتب إليه جواب مسائله . فقال قيصر : ما يعلم هذا إلا نبي أو رجل من أهل بيت نبي . والله تعالى أعلم .(4/359)
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { وإذ أخذ ربك من بني آدم . . . } الآية . قال : خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنه ربه ، وكتب أجله ورزقه ومصيبته ، ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة الذر فأخذ مواثيقهم أنه ربهم ، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن ابن عباس في قوله { وإذ أخذ ربك من بني آدم . . . } الآية . قال : لما خلق الله آدم أخذ ذريته من ظهره كهيئة الذر ، ثم سماهم بأسمائهم فقال : هذا فلان بن فلان يعمل كذا وكذا ، وهذا فلان بن فلان يعمل كذا وكذا ، ثم أخذ بيده قبضتين فقال : هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم واللالكائي في السنة عن ابن عباس في قوله { وإذ أخذ ربك } الآية . قال : إن الله خلق آدم ثم أخرج ذريته من صلبه مثل الذر ، فقال لهم : من ربكم؟ فقالوا : الله ربنا . ثم أعادهم في صلبه حتى يولد كل من أخذ ميثاقه لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم الساعة .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : لما أهبط آدم عليه السلام حين أهبط بدحناء ، فمسح الله ظهره فأخرج كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ، ثم قال : ألست بربكم؟ قالوا : بلى . فيومئذ جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : مسح الله على صلب آدم فأخرج من صلبه ما يكون من ذريته إلى يوم القيامة ، وأخذ ميثاقهم أنه ربهم وأعطوه ذلك ، فلا يسأل أحد كافر ولا غيره من ربك؟ إلا قال : الله .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ واللالكائي في السنة عن عبد الله بن عمرو في قوله { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم } قال : أخذهم من ظهرهم كما يؤخذ بالمشط من الرأس .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن منده في كتاب الرد على الجهمية وأبو الشيخ عن ابن عباس في الآية قال : أخرج ذريته من صلبه كأنهم الذر في آذىء من الماء .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في الآية قال : إن الله ضرب بيمينه على منكب آدم فخرج منه مثل اللؤلؤ في كفه ، فقال : هذا للجنة . وضرب بيده الأخرى على منكبه الشمال فخرج منه سواد مثل الحمم فقال : هذا ذرء النار . قال : وهي هذه الآية { ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإِنس } [ الأعراف : 179 ] .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في الآية قال : مسح الله ظهر آدم وهو ببطن نعمان - واد إلى جنب عرفة - فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ، ثم أخذ عليهم الميثاق وتلا « أن يقولوا يوم القيامة » هكذا قرأها يقولوا بالياء .(4/360)
وأخرج أبو الشيخ عن عبد الكريم بن أبي أمية قال : أخرجوا من ظهره مثل طريق النمل .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب قال : أقروا له بالإِيمان والمعرفة الأرواح قبل أن يخلق أجسادها .
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن كعب قال : خلق الله الأرواح قبل أن يخلق الأجساد ، فأخذ ميثاقهم .
وأخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله تعالى { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم } قالوا : لما أخرج الله آدم من الجنة قبل تهبيطه من السماء ، مسح صفحة ظهره اليمنى فأخرج منه ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذر ، فقال لهم : ادخلوا الجنة برحمتي . ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر ، فقال : ادخلوا النار ولا أبالي . فذلك قوله : أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، ثم أخذ منهم الميثاق فقال { ألست بربكم قالوا بلى } فأعطاه طائفة طائعين وطائفة كارهين على وجه التقية ، فقال : هو والملائكة { شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنَّا كنا عن هذا غافلين ، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل } قالوا : فليس أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف الله أنه ربه ، وذلك قوله عز وجل { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً } [ آل عمران : 83 ] وذلك قوله { فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين } [ الأنعام : 149 ] يعني يوم أخذ الميثاق .
وأخرج ابن جرير عن أبي محمد رجل من أهل المدينة قال : سألت عمر بن الخطاب عن قوله { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم } قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال « خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه ، ثم أجلسه فمسح ظهره بيده اليمنى فأخرج ذراً ، فقال : ذرء ذرأتهم للجنة ، ثم مسح ظهره بيده الأخرى - وكلتا يديه يمين - فقال : ذرء ذرأتهم للنار يعملون فيما شئت من عمل ، ثم اختم لهم بأسوأ أعمالهم فأدخلهم النار » .
وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن منده في كتاب الرد على الجهمية واللالكائي وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر في تاريخه عن أبي بن كعب في قوله { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم } إلى قوله { بما فعل المبطلون } جميعاً فجعلهم أرواحاً في صورهم ، ثم استنطقهم فتكلموا ، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق { وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى } قال : فإني أشهد عليكم السموات السبع ، وأشهد عليكم أباكم آدم { أن تقولوا يوم القيامة } انَّا لم نعلم بهذا ، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري ولا تشركوا بي شيئاً ، إني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي ، وأنزل عليكم كتبي قالوا : شهدنا بأنك ربنا وإلهنا ، لا رب لنا غيرك ولا إله لنا غيرك ، فأقروا ورفع عليهم آدم ينظر إليهم ، فرأى الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك ، فقال : يا رب لولا سوّيت بين عبادك؟ قال : إني أحببت أن أشكر .(4/361)
ورأى الأنبياء فيهم مثل السرج عليهم النور ، وخصوا بميثاق آخر في الرسالة والنبوة أن يبلغوا وهو قوله { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم } [ الأحزاب : 7 ] الآية وهو قوله { فطرة الله التي فطر الناس عليها } [ الروم : 30 ] وفي ذلك قال { وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } [ الأعراف : 102 ] وفي ذلك قال { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل } [ الأعراف : 101 ] قال : فكان في علم الله يومئذ من يكذب به ومن يصدق به ، فكان روح عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عهدها وميثاقها في زمن آدم ، فأرسله الله إلى مريم في صورة بشر فتمثل لها بشراً سوياً . قال : أبي فدخل من فيها .
وأخرج مالك في الموطأ وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والآجري في الشريعة وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه واللالكائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن مسلم بن يسار الجهني ، أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم . . . } الآية . فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال « أن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون . فقال الرجل : يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال : إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الله الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار » .
وأخرج أحمد والنسائي وابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة ، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه كالذر ، ثم كلمهم قبلاً قال { ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } إلى قوله { المبطلون } » .(4/362)
وأخرج ابن جرير وابن منده في كتاب الرد على الجهمية عن عبد الله بن عمرو قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم } قال » أخذ من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس . فقال لهم { ألست بربكم قالوا بلى } قالت الملائكة { شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنَّا كنا عن هذا غافلين } « .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن منده وأبو الشيخ في العظمة وابن عساكر عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال » إن الله لما خلق آدم مسح ظهره فخرت منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ، ونزع ضلعاً من أضلاعه فخلق منه حواء ، ثم أخذ عليهم العهد { ألست بربكم قالوا بلى } ثم اختلس كل نسمة من بني آدم بنوره في وجهه ، وجعل فيه البلوى الذي كتب أنه يبتليه بها في الدنيا من الأسقام ، ثم عرضهم على آدم فقال : يا آدم هؤلاء ذريتك . وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع الأسقام ، فقال آدم : يا رب لم فعلت هذا بذريتي؟ قال : كي تشكر نعمتي . وقال آدم : يا رب من هؤلاء الذين أراهم أظهر الناس نوراً؟ قال : هؤلاء الأنبياء من ذريتك . قال : من هذا الذي أراه أظهرهم نوراً؟ قال : هذا داود يكون في آخر الأمم . قال : يا رب كم جعلت عمره؟ قال : ستين سنة . قال : يا رب كم جعلت عمري؟ قال : كذا وكذا . قال : يا رب فزده من عمري أربعين سنة حتى يكون عمره مائة سنة . قال : أتفعل يا آدم؟ قال : نعم يا رب . قال : فيكتب ويختم إنَّا كتبنا وختمنا ولم نغير . قال : فافعل أي رب . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلما جاء ملك الموت إلى آدم ليقبض روحه قال : ماذا تريد يا ملك الموت؟ قال : أريد قبض روحك . قال : ألم يبق من أجلي أربعون سنة؟ قال : أو لم تعطها ابنك داود؟ قال : لا . قال : فكان أبو هريرة يقول : نسي آدم ونسيت ذريته ، وجحد آدم فجحدت ذريته « .
وأخرج ابن جرير عن جويبر قال : مات ابن الضحاك بن مزاحم ابن ستة أيام ، فقال : إذا وضعت ابني في لحده فأبرز وجهه وحل عقده ، فإن ابني مجلس ومسؤول . فقلت : عمَّ يسأل؟! قال : عن ميثاق الذي أقرَّ به في صلب آدم ، حدثني ابن عباس : أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ، فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وتكفل لهم بالأرزاق ، ثم أعادهم في صلبه فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطي الميثاق يومئذ ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به نفعه الميثاق الأوّل ، ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يقر به لم ينفعه الميثاق الأول ، ومن مات صغيراً قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة .(4/363)
وأخرج عبد بن حميد عن سلمان قال : إن الله لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذارىء إلى يوم القيامة ، فكتب الآجال والأرزاق والأعمال والشقوة والسعادة ، فمن علم السعادة فعل الخير ومجالس الخير ، ومن علم الشقاوة فعل الشر ومجالس الشر .
وأخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن أبي أمامة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خلق الله الخلق وقضى القضية ، وأخذ ميثاق النبيين وعرشه على الماء ، فأخذ أهل اليمين بيمينه وأخذ أهل الشمال بيده الأخرى - وكلتا يدي الرحمن يمين - فقال : يا أصحاب اليمين . فاستجابوا له ، فقالوا : لبيك ربنا وسعديك . قال { ألست بربكم قالوا بلى } قال : يا أصحاب الشمال . فاستجابوا له ، فقالوا : لبيك ربنا وسعديك . قال { ألست بربكم قالوا بلى } فخلط بعضهم ببعض فقال قائل منهم : رب لم خلطت بيننا؟! قال { ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون } [ المؤمنون الآية 63 ] . { أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } ثم ردهم في صلب آدم ، فأهل الجنة أهلها ، وأهل النار أهلها ، فقال قائل : يا رسول الله فما الأعمال؟ قال : » يعمل كل قوم لمنازلهم « . فقال عمر بن الخطاب : إذا نجتهد » .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور ، ثم عرضهم على آدم فقال : أي رب من هؤلاء؟ قال : هؤلاء ذريتك . فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه ، فقال : أي رب من هذا؟! فقال : رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود . قال : أي رب وكم جعلت عمره؟ قال : ستين سنة قال : أي رب زده من عمري أربعين سنة . فلما انقضى عمر آدم جاء ملك الموت فقال : أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال : أو لم تعطها ابنك داود؟ قال : فجحد فجحدت ذريته ، ونسي فنسيت ذريته » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الشكر وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن الحسن قال : لما خلق الله آدم عليه السلام ، وأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى ، وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى فدبوا على وجه الأرض ، منهم الأعمى والأصم والأبرص والمقعد والمبتلى بأنواع البلاء ، فقال آدم : يا رب ألا سويت بين ولدي؟ قال : يا آدم إني أردت أن أشكر ثم ردهم في صلبه .(4/364)
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن قتادة والحسن قالا : لما عرضت على آدم ذريته فرأى فضل بعضهم على بعض قال : أي رب أفهلا سوّيت بينهم؟ قال : إني أحب أن أشكر ، يرى ذو الفضل فضله فيحمدني ويشكرني .
وأخرج أحمد في الزهد عن بكر . مثله .
وأخرج ابن جرير والبزار والطبراني والآجري في الشريعة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن هشام بن حكيم « أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أَتُبتدأ الأعمال أم قد قضي القضاء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » إن الله أخذ ذرية آدم من ظهورهم ، ثم أشهدهم على أنفسهم ، ثم أفاض بهم في كفيه فقال : هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار . فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة ، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار « » .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله أخرج ذرية آدم من صلبه حتى ملأوا الأرض وكانوا هكذا ، فضم إحدى يديه على الأخرى » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سألت ربي فأعطاني أولاد المشركين خدماً لأهل الجنة ، وذلك أنهم لم يدركوا ما أدرك آباؤهم من الشرك ، وهم في الميثاق الأوّل » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ فيقول : نعم . فيقول : قد أردت منك أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا أن تشرك بي » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن علي بن حسين . أنه كان يعزل ويتأوّل هذه الآية { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : « سمعت النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل؟ فقال » لا عليكم أن لا تفعلوا ، إن تكن مما أخذ الله منها الميثاق فكانت على صخرة نفخ فيها الروح « » .
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم عن أنس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال « لو أن الماء الذي يكون منه الولد صب على صخرة لأخرج الله منها ما قدر ، ليخلق الله نفساً هو خالقها » .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود . أنه سئل عن العزل؟ فقال : لو أخذ الله ميثاق نسمة من صلب رجل ثم أفرغه على صفا لأخرجه من ذلك الصفا ، فإن شئت فأعزل وإن شئت فلا تعزل .(4/365)
وأخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي قال : كانوا يقولون : إن النطفة التي قضى الله فيها الولد لو وقعت على صخرة لأخرج الله منها الولد .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وأبو الشيخ عن فاطمة بنت حسين قالت : لما أخذ الله الميثاق من بني آدم جعله في الركن ، فمن الوفاء بعهد الله استلام الحجر .
وأخرج أبو الشيخ عن جعفر بن محمد قال : كنت مع أبي محمد بن علي فقال له رجل : يا أبا جعفر ما بدء خلق هذا الركن؟ فقال : إن الله لما خلق الخلق قال لبني آدم { ألست بربكم؟ قالوا بلى } فأقروا ، وأجرى نهراً أحلى من العسل وألين من الزبد ، ثم أمر القلم فاستمد من ذلك النهر ، فكتب إقرارهم وما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثم ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر ، فهذا الإِستلام الذي ترى إنما هو بيعه على إقرارهم الذي كانوا أقروا به .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : ضرب الله متن آدم فخرجت كل نفس مخلوقة للجنة بيضاء نقية ، فقال : هؤلاء أهل الجنة ، وخرجت كل نفس مخلوقة للنار سوداء فقال : هؤلاء أهل النار أمثال الخردل في صور الذر ، فقال : يا عباد الله أجيبوا الله : يا عباد الله أطيعوا الله . قالوا : لبيك اللهم أطعناك ، اللهم أطعناك ، اللهم أطعناك . وهي التي أعطى الله إبراهيم في المناسك : لبيك اللهم لبيك . فأخذ عليهم العهد بالإِيمان به ، والإِقرار والمعرفة بالله وأمره .
وأخرج الجندي في فضائل مكة وأبو الحسن القطان في الطوالات والحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان وضعفه عن أبي سعيد الخدري قال : حججنا مع عمر بن الخطاب ، فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك ، ثم قبله فقال له علي بن أبي طالب : يا أمير المؤمنين إنه يضر وينفع قال : بم . . . ؟ قال : بكتاب الله عز وجل قال : وأين ذلك من كتاب الله؟ قال الله { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم } إلى قوله { بلى } خلق الله آدم ومسح على ظهره فقررهم بأنه الرب وإنهم العبيد ، وأخذ عهودهم ومواثيقهم وكتب ذلك في رق ، وكان لهذا الحجر عينان ولسان ، فقال له ، افتح فاك . ففتح فاه فألقمه ذلك الرق ، فقال : أشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة ، وإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق ، يشهد لمن يستلمه بالتوحيد » فهو يا أمير المؤمنين يضر وينفع . فقال عمر : أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا حسن .(4/366)
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { وإذ أخذ ربك . . . } الآية . قال : أخذهم في كفه كأنهم الخردل الأولين والآخرين ، فقبلهم في يده مرتين أو ثلاثاً ، يرفع ويطأطئها ما شاء الله من ذلك ، ثم ردهم في أصلاب آبائهم حتى أخرجهم قرناً بعد قرن ، ثم قال بعد ذلك { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } [ الأعراف : 102 ] الآية . ثم نزل بعد ذلك { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ، وميثاقه الذي واثقكم به } [ المائدة : 7 ] .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن عمر قال : لما خلق الله آدم نفضه نفض المزود فخر منه مثل النغف ، فقبض منه قبضتين فقال لما في اليمين : في الجنة ، وقال لما في الأخرى : في النار .
وأخرج ابن سعد وأحمد عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم أخذ الخلق من ظهره فقال : هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي . فقال رجل : يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال : على مواقع القدر » .
وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر ، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحممة ، فقال للذي في يمينه : إلى الجنة ولا أبالي ، وقال للذي في كتفه اليسرى : إلى النار ولا أبالي » .
وأخرج البزار والطبراني والآجري وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله جل ذكره يوم خلق آدم قبض من صلبه قبضتين ، فوقع كل طيب في يمينه وكل خبيث بيده الأخرى ، فقال : هؤلاء أصحاب الجنة ولا أبالي وهؤلاء أصحاب النار ولا أبالي ، ثم أعادهم في صلب آدم فهم ينسلون على ذلك إلى الآن » .
وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في القبضتين « هذه في الجنة ولا أبالي » .
وأخرج البزار والطبراني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في القبضتين « هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه . قال : فتفرق الناس وهم لا يختلفون في القدر » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والآجري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لما خلق الله آدم ضرب بيده على شق آدم الأيمن ، فأخرج ذرأ كالذر فقال : يا آدم هؤلاء ذريتك من أهل الجنة ، ثم ضرب بيده على شق آدم الأيسر فأخرج ذرأ كالحمم ، ثم قال : هؤلاء ذريتك من أهل النار » .(4/367)
وأخرج أحمد عن أبي نضر . فإن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له أبو عبد الله ، دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي فقالوا له : ما يبكيك؟ قال : سمعت رسول الله يقول « إن الله قبض بيمينه قبضة وأخرى باليد الأخرى ، فقال : هذه لهذه وهذه لهذه ولا أبالي ، فلا أدري في أي القبضتين أنا؟ » .
وأخرج ابن مردويه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله قبض قبضة فقال : للجنة برحمتي ، وقبض قبضة فقال : إلى النار ولا أبالي » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك قال : إن الله أخرج من ظهر آدم يوم خلقه ما يكون إلى يوم القيامة ، فأخرجهم مثل الذر ثم قال { ألست بربكم قالوا بلى } قالت الملائكة : شهدنا . ثم قبض قبضة بيمينه فقال : هؤلاء في الجنة . ثم قبض قبضة أخرى فقال : هؤلاء في النار ولا أبالي .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله { أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } قال : عن الميثاق الذي أخذ عليهم { أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل } فلا يستطيع أحد من خلق الله من الذرية { أن يقولوا إنما أشرك آباؤنا } ونقضوا الميثاق { وكنا ( نحن ) ذرية من بعدهم أفتهلكنا } بذنوب آبائنا وبما فعل المبطلون . والله تعالى أعلم .(4/368)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)
أخرج الفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن مسعود { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } قال : هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن أبر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : هو بلعم بن باعوراء . وفي لفظ : بلعام بن عامر الذي أوتي الاسم كان في بني إسرائيل .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا . . . } الآية . قال : هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم ، تعلم اسم الله الأكبر ، فلما نزل بهم موسى أتاه بنو عمه وقومه فقالوا : إن موسى رجل جديد ومعه جنود كثيرة ، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا ، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه . قال : إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه مضت دنياي وآخرتي ، فلم يزالوا به حتى دعا عليهم ، فسلخ مما كان فيه . وفي قوله { إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث } قال : إن حمل الحكمة لم يحملها وإن ترك لم يهتد لخير ، كالكلب إن كان رابضاً لهث وإن طرد لهث .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه . . . } الآية . قال : هو رجل أعطى ثلاث دعوات يستجاب له فيهن ، وكان له امرأة له منها ولد فقالت : اجعل لي منها واحدة . قال : فلك واحدة ، فما الذي تريدين؟ قالت : ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل . فدعا الله فجعلها أجمل امرأة في بني إسرائيل ، فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئاً آخر ، فدعا الله أن يجعلها كلبة ، فصارت كلبة ، فذهبت دعوتان ، فجاء بنوها فقالوا : ليس بنا على هذا قرار ، قد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها ، فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليه ، فدعا الله فعادت كما كانت ، فذهبت الدعوات الثلاث وسميت البسوس .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : هو رجل يدعى بلعم من أهل اليمن ، آتاه الله آياته فتركها .
وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن عمر { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } قال : هو أمية بن أبي الصلت الثقفي . وفي لفظ : نزلت في صاحبكم أمية بن أبي الصلت .
وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال : « قدمت الفارغة أخت أمية بن أبي الصلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة ، فقال لها » هل تحفظين من شعر أخيك شيئاً؟ قالت : نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا فارعة إن مثل أخيك كمثل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها « » .(4/369)
وأخرج ابن عساكر عن ابن شهاب قال : قال أمية بن أبي الصلت :
ألا رسول لنا منا يخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس نجرانا
قال : ثم خرج أمية إلى البحرين ، وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام أمية بالبحرين ثماني سنين ، ثم قدم فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة من أصحابه ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإِسلام ، وقرأ عليه بسم الله الرحمن الرحيم { يس والقرآن الحكيم } [ يس : 1 - 2 ] حتى فرغ منها وثب أمية يجر رجليه ، فتبعته قريش تقول : ما تقول يا أمية؟ قال : أشهد أنه على الحق . قالوا : فهل تتبعه؟ قال : حتى أنظر في أمره . ثم خرج أمية إلى الشام وقدم بعد وقعة بدر يريد أن يسلم ، فلما أخبر بقتلى بدر ترك الإِسلام ورجع إلى الطائف . فمات بها ، قال : ففيه أنزل الله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن نافع بن عاصم بن عروة ابن مسعود قال : إني لفي حلقة فيها عبد الله بن عمر ، فقرأ رجل من القوم الآية التي في الأعراف { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } فقال : أتدرون من هو؟ فقال بعضهم : هو صيفي بن الراهب . وقال بعضهم : هو بلعم رجل من بني إسرائيل . فقال : لا . فقالوا : من هو؟ قال : أمية بن أبي الصلت .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الشعبي في هذه الآية { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } قال : قال ابن عباس : هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن باعورا ، وكانت الأنصار تقول : هو ابن الراهب الذي بنى له مسجد الشقاق ، وكانت ثقيف تقول : هو أمية بن أبي الصلت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : هو صيفي بن الراهب .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال : هو نبي في بني إسرائيل يعني بلعم ، أوتي النبوّة فرشاه قومه على أن يسكت ، ففعل وتركهم على ما هم عليه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { فانسلخ منها } قال : نزع منه العلم . وفي قوله { ولو شئنا لرفعناه بها } قال : رفعه الله بعلمه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مالك بن دينار قال : بعث نبي الله موسى بلعام بن باعورا إلى ملك مدين يدعوهم إلى الله ، وكان مجاب الدعوة وكان من علماء بني إسرائيل ، فكان موسى يقدمه في الشدائد فاقطعه وأرضاه فترك دين موسى وتبع دينه ، فأنزل الله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } .(4/370)
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب في قوله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا } قال : كان يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } قال : هذا مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدى فأبى أن يقبله وتركه { ولو شئنا لرفعناه بها } قال : لو شئنا لرفعناه بإيتائه الهدى فلم يكن للشيطان عليه سبيل ، ولكن الله يبتلي من يشاء من عباده { ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه } قال : أبى أن يصحب الهدى { فمثله كمثل الكلب . . . } الآية . قال : هذا مثل الكافر ميت الفؤاد كما أميت فؤاد الكلب .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } قال : أناس من اليهود والنصارى والحنفاء ممن أعطاهم الله من آياته وكتابه { فانسلخ منها } فجعله مثل الكلب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ولو شئنا لرفعناه بها } قال : لدفعنا عنه بها { ولكنه أخلد إلى الأرض } قال : سكن { إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث } إن تطرده بدابتك ورجليك وهو مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ولكنه أخلد إلى الأرض } قال : ركن نزع .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { إن تحمل عليه } قال : أن تسع عليه .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله { إن تحمل عليه يلهث } قال : الكلب منقطع الفؤاد لا فؤاد له مثل الذي يترك الهدى لا فؤاد له ، إنما فؤاده منقطع كان ضالاً قبل وبعد .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن المعتمر قال : سئل أبو المعتمر عن هذه الآية { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } فحدث عن سيار أنه كان رجلا يقال له بلعام ، وكان قد أوتي النبوّة ، وكان مجاب الدعوة ، ثم أن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام فرعب الناس منه رعباً شديداً ، فأتوا بلعام فقالوا : ادع الله على هذا الرجل قال : حتى أؤامر ربي؟ فوامر في الدعاء عليهم ، فقيل له : لا تدع عليهم فإن فيهم عبادي وفيهم نبيهم ، فقال لقومه : قد وأمرت في الدعاء عليهم وإني قد نهيت . قال : فاهدوا إليه هدية فقبلها ، ثم راجعوه فقالوا : ادع الله عليهم . فقال : حتى أوامر ، فوامر فلم يحار إليه شيء .(4/371)
فقال : قد وأمرت فلم يحار إلى شيء . فقالوا : لو كره ربك أن تدعو عليهم لنهاك كما نهاك الأولى ، فأخذ يدعو عليهم ، فإذا دعا جرى على لسانه الدعاء على قومه ، فإذا أرسل أن يفتح على قومه جرى على لسانه أن يفتح على موسى وجيشه ، فقالوا : ما نراك إلا تدعو علينا . . . ! قال : ما يجري على لساني إلا هكذا ، ولو دعوت عليهم ما استجيب لي ، ولكن سأدلكم على أمر عسى أن يكون فيه هلاكهم ، إن الله يبغض الزنا وإن هم وقعوا بالزنا هلكوا فاخرِجُوا النساء فإنهم قوم مسافرون ، فعسى أن يزنوا فيهلكوا ، فأخْرَجُوا النساء تستقبلهم فوقعوا بالزنا ، فسلط الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } قال : كان اسمه بلعم ، وكان يحسن اسماً من أسماء الله ، فغزاهم موسى في سبعين ألفاً ، فجاءه قومه فقالوا : ادع الله عليهم - وكانوا إذا غزاهم أحد أتوه فدعا عليهم فهلكوا - وكان لا يدعو حتى ينام فينظر ما يؤمر به في منامه ، فنام فقيل له : ادع الله لهم ولا تدع عليهم ، فاستقيظ فأبى أن يدعو عليهم فقال لهم : زينوا لهم النساء فإنهم إذا رأوهن لم يصبروا حتى يصيبوا من الذنوب فتدالوا عليهم .(4/372)
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)
أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الخطبة « الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله » .
وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن جابر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته « نحمد الله ونثني عليه بما هو أهله ، ثم يقول : من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، ثم يقول : بعثت أنا والساعة كهاتين » .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور يومئذ شيء اهتدى ، ومن اخطأه ضل ، فلذلك أقول : جف القلم على علم الله » .(4/373)
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولقد ذرأنا } قال : خلقنا .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن { ولقد ذرأنا لجهنم } قال : خلقنا لجهنم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله لما ذرأ لجهنم من ذرأ ، كان ولد الزنا ممن ذرأ لجهنم » .
وأخرج الحكيم الترمذي وابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وأبو يعلى وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خلق الله الجن ثلاثة أصناف . صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض ، وصنف كالريح في الهواء ، وصنف عليهم الحساب والعقاب . وخلق الله الإِنس ثلاثة أصناف . صنف كالبهائم ، قال الله { لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل } وجنس أجسادهم أجساد بني آدم ، وأرواحهم أرواح الشياطين ، وصنف في ضل الله يوم لا ظل إلا ظله » .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { ولقد ذرأنا لجهنم } قال : لقد خلقنا لجهنم { لهم قلوب لا يفقهون بها } قال : لا يفقهون شيئاً من أمر الآخرة { ولهم أعين لا يبصرون بها } الهدى { ولهم آذان لا يسمعون بها } الحق ، ثم جعلهم كالأنعام ، ثم جعلهم شراً من الأنعام فقال { بل هم أضل } ثم أخبر أنهم الغافلون . والله أعلم .(4/374)
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)
أخرج البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو عوانة وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو عبد الله بن منده في التوحيد وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً ، من أحصاها دخل الجنة ، إنه وتر يحب الوتر » .
وأخرج أبو نعيم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لله مائة اسم غير اسم ، من دعا بها استجاب الله له دعاءه » .
وأخرج الدارقطني في الغرائب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قال : قال الله عز وجل : لي تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة » .
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس وابن عمر قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة غير واحد ، من أحصاها دخل الجنة » .
وأخرج الترمذي وابن المنذر وابن حبان وابن منده والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً ، من أحصاها دخل الجنة ، إنه وتر يحب الوتر ، هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارىء ، المصور ، الغفّار ، القهّار ، الوهّاب ، الرزّاق ، الفتّاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العلي ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوي ، المتين ، الولي ، الحميد ، المحصي ، المبدىء ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحي ، القيوم ، الواجد ، الماجد ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدم ، المؤخر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، البر ، التوّاب ، المنتقم ، العفو ، الرؤوف ، مالك ، الملك ، ذو الجلال والإِكرام ، الوالي ، المتعال ، المقسط ، الجامع ، الغني ، المغني ، المانع ، الضار ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الدعاء والطبراني كلاهما وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لله تسعة وتسعين اسماً ، من أحصاها دخل الجنة ، اسأل الله الرحمن ، الرحيم ، الإِله الرب ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارىء ، المصوّر ، الحليم ، العليم ، السميع ، البصير ، الحي ، القيوم ، الواسع ، اللطيف ، الخبير ، الحنان ، المنان ، البديع ، الغفور ، الودود ، الشكور ، المجيد ، المبدىء ، المعيد ، النور ، البادىء ، وفي لفظ : القائم ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، العفوّ ، الغفّار ، الوهّاب ، الفرد ، وفي لفظ : القادر ، الأحد ، الصمد ، الوكيل ، الكافي ، الباقي ، المغيث ، الدائم ، المتعالي ، ذا الجلال ، والإِكرام ، المولى ، النصير ، الحق ، المبين ، الوارث ، المنير ، الباعث ، القدير ، وفي لفظ : المجيب ، المحيي ، المميت ، الحميد ، وفي لفظ : الجميل ، الصادق ، الحفيظ ، المحيط ، الكبير ، القريب ، الرقيب ، الفتّاح ، التوّاب ، القديم ، الوتر ، الفاطر ، الرزاق ، العلاَّم ، العلي ، العظيم ، الغني ، المليك ، المقتدر ، الإِكرام ، الرؤوف ، المدبر ، المالك ، القاهر ، الهادي ، الشاكر ، الكريم ، الرفيع ، الشهيد ، الواحد ، ذا الطول ، ذا المعارج ، ذا الفضل ، الكفيل ، الجليل » .(4/375)
وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس وابن عمر قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لله تسعة وتسعون اسماً ، من أحصاها دخل الجنة وهي في القرآن » .
وأخرج أبو نعيم عن محمد بن جعفر قال : سألت أبي جعفر بن محمد الصادق عن الأسماء التسعة والتسعين التي من أحصاها دخل الجنة؟ فقال : هي في القرآن ، ففي الفاتحة خمسة أسماء . يا ألله ، يا رب ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا مالك . وفي البقرة ثلاثة وثلاثون اسماً : يا محيط ، يا قدير ، يا عليم ، يا حكيم ، يا علي ، يا عظيم ، يا تواب ، يا بصير ، يا ولي ، يا واسع ، يا كافي ، يا رؤوف ، يا بديع ، يا شاكر ، يا واحد ، يا سميع ، يا قابض ، يا باسط ، يا حي ، يا قيوم ، يا غني ، يا حميد ، يا غفور ، يا حليم ، يا إله ، يا قريب ، يا مجيب ، يا عزيز ، يا نصير ، يا قوي ، يا شديد ، يا سريع ، يا خبير . وفي آل عمران : يا وهَّاب ، يا قائم ، يا صادق ، يا باعث ، يا منعم ، يا متفضل . وفي النساء : يا رقيب ، يا حسيب ، يا شهيد ، يا مقيت ، يا وكيل ، يا علي ، يا كبير . وفي الأنعام : يا فاطر ، يا قاهر ، يا لطيف ، يا برهان . وفي الأعراف : يا محيي ، يا مميت . وفي الأنفال : يا نعم المولى ، يا نعم النصير . وفي هود : يا حفيظ ، يا مجيد ، يا ودود ، يا فعال لما يريد . وفي الرعد : يا كبير ، يا متعال . وفي إبراهيم : يا منَّان ، يا وارث . وفي الحجر : يا خلاق . وفي مريم : يا فرد . وفي طه : يا غفّار . وفي قد أفلح : يا كريم . وفي النور : يا حق ، يا مبين . وفي الفرقان : يا هادي . وفي سبأ : يا فتَّاح . وفي الزمر : يا عالم . وفي غافر : يا غافر ، يا قابل التوبة ، يا ذا الطول ، يا رفيع . وفي الذاريات : يا رزاق ، يا ذا القوة ، يا متين . وفي الطور : يا بر . وفي اقتربت : يا مليك ، يا مقتدر . وفي الرحمن : يا ذا الجلال والإِكرام ، يا رب المشرقين ، يا رب المغربين ، يا باقي ، يا مهيمن . وفي الحديد : يا أول ، يا آخر ، يا ظاهر ، يا باطن . وفي الحشر : يا ملك ، يا قدوس ، يا سلام ، يا مؤمن ، يا مهيمن ، يا عزيز ، يا جبار ، يا متكبر ، يا خالق ، يا بارىء ، يا مصوّر .(4/376)
وفي البروج : يا مبدىء ، يا معيد . وفي الفجر : يا وتر . وفي الإِخلاص : يا أحد ، يا صمد .
وأخرج البيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أصابه هم أو حزن فليقل : اللهم إني عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك ، ناصيتي في يدك ، ماض فيّ حكمك ، عدل فيّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور بصري ، وذهاب همي ، وجلاء حزني ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما قالهن مهموم قط إلا أذهب الله همه وأبدله بهمه فرجاً . قالوا : يا رسول الله أفلا نتعلم هذه الكلمات؟ قال : بلى ، فتعلموهن وعلموهن » .
وأخرج البيهقي عن عائشة . أنها قالت : يا رسول الله علمني اسم الله الذي إذا دعى به أجاب . قال لها « قومي فتوضئي وادخلي المسجد فصلي ركعتين ، ثم ادعي حتى أسمع . ففعلت ، فلما جلست للدعاء قال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم وفقها . فقالت : اللهم إني أسألك بجميع أسمائك الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم ، وأسألك باسمك العظيم الأعظم الكبير الأكبر الذي من دعاك به أجبته ، ومن سألك به أعطيته . قال النبي صلى الله عليه وسلم : أصبته أصبته » .
قوله تعالى : { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } .
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الإِلحاد التكذيب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } قال : اشتقوا العزى من العزيز ، واشتقوا اللات من الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في الآية قال : الإِلحاد المضاهاة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش أنه قرأ { يلحدون } بنصب الياء والحاء من اللحد ، وقال تفسيرها يدخلون فيها ما ليس منها .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { وذروا الذين يلحدون في أسمائه } قال : يشركون .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة { يلحدون في أسمائه } قال : يكذبون في أسمائه .(4/377)
وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق } قال : ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم قال « هذه أمتي بالحق يحكمون ويقضون ويأخذون ويعطون » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله « { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق } قال : بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأها » هذه لكم ، وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها ، { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } [ الأعراف الآية 159 ] « » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق } قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن من أمتي قوماً على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم متى ما نزل » .
وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال : لتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة ، يقول الله { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } فهذه هي التي تنجو من هذه الأمة .(4/378)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي { سنستدرجهم } يقول : سنأخذهم { من حيث لا يعلمون } قال : عذاب بدر .
وأخرج أبو الشيخ عن يحيى بن المثنى { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } قال : كلما أحدثوا ذنباً جددنا لهم نعمة تنسيهم الاستغفار .
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن سفيان في قوله { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } قال : نسبغ عليهم النعم ونمنعهم شكرها .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي { وأملي لهم إن كيدي متين } يقول : كف عنهم وأخرهم على رسلهم ان مكري شديد ، ثم نسخها الله فأنزل الله { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كيد الله العذاب والنقمة .(4/379)
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قام على الصفا ، فدعا قريشاً فخذا فخذا : يا بني فلان يا بني فلان ، يحذرهم بأس الله ووقائع الله إلى الصباح ، حتى قال قائلهم : إن صاحبكم هذا لمجنون بات يهوت حتى أصبح ، فأنزل الله { أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين } .(4/380)
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)
أخرج أحمد وابن أبي شيبة في المصنف عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « رأيت ليلة أسريَ بي ، فلما انتهينا إلى السماء السابعة نظرت فوقي فإذا أنا برعد وبرق وصواعق . قال : وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم قلت : من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء أكلة الربا ، فلما نزلت إلى السماء الدنيا ، فنظرت إلى أسفل مني فإذا أنا برهج ودخان وأصوات ، فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال : هذه الشياطين يحرجون على أعين بني آدم أن لا يتفكروا في ملكوت السموات والأرض ، ولولا ذلك لرأوا العجائب » .(4/381)
مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب . انه خطب بالجابية فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . فقال له فتى بين يديه كلمة بالفارسية ، فقال عمر لمترجم يترجم له : ما يقول؟ قال : يزعم أن الله لا يضل أحداً . فقال عمر : كذبت يا عدو الله ، بل الله خلقك وهو أضلك ، وهو يدخلك النار إن شاء الله ، ولولا ولث عقد لضربت عنقك ، فتفرق الناس وما يختلفون في القدر . والله أعلم .(4/382)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : قال حمل بن أبي قشير ، وسمول بن زيد ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً كما تقول ، فإنا نعلم ما هي؟ فأنزل الله { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي } إلى قوله { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { يسألونك عن الساعة أيان مرساها } أي متى قيامتها { قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو } قال : قالت قريش : يا محمد أسر إلينا الساعة لما بيننا وبينك من القرابة . قال : { يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله } قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول « تهج الساعة بالناس : والرجل يسقي على ماشيته ، والرجل يصلح حوضه ، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه ، والرجل يقيم سلعته في السوق ، قضاء الله لا تأتيكم إلا بغتة » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : { أيان مرساها } قال : منتهاها .
وأخرج أحمد عن حذيفة قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال { علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو } ولكن أخبركم بمشاريطها ، وما يكون بين يديها ، إن بين يديها فتنة وهرجا . قالوا : يا رسول الله الفتنة قد عرفناها الهرج ما هو؟ قال : بلسان الحبشة القتل » .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال : « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة وأنا شاهد فقال » لا يعلمها إلا الله ولا يجليها لوقتها إلا هو ، ولكن سأخبركم بمشاريطها ما بين يديها من الفتن والهرج . فقال رجل : وما الهرج يا رسول الله؟ قال : بلسان الحبشة القتل ، وأن تجف قلوب الناس ، ويلقي بينهم التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحداً ، ويرفع ذو الحجا ويبقى رجراجة من الناس ، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً « » .
وأخرج مسلم وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر « تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله ، وأقسم بالله ما على ظهر الأرض يوم من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة » .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الشعبي قال : لقي عيسى جبريل فقال : السلام عليك يا روح الله . قال : وعليك يا روح الله . قال : يا جبريل متى الساعة؟ فانتفض جبريل في أجنحته ، ثم قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة ، أو قال { لا يجليها لوقتها إلا هو } .(4/383)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { لا يجليها لوقتها إلا هو } يقول : لا يأتي بها إلا الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هو يجليها لوقتها لا يعلم ذلك إلا الله .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { ثقلت في السماوات والأرض } قال : ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ثقلت في السماوات والأرض } قال : ثقل علمها على أهل السموات والأرض إنهم لا يعلمون ، وقال الحسن ، إذا جاءت ثقلت على أهل السموات والأرض ، يقول : كبرت عليهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله { ثقلت في السماوات والأرض } قال : إذا جاءت انشقت السماء ، وانتثرت النجوم ، وكوّرت الشمس ، وسيرت الجبال ، وما يصيب الأرض ، وكان ما قال الله ، فذلك ثقلها بهما .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { لا تأتيكم إلا بغتة } قال : فجأة آمنين .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تقوم الساعة على رجل أكلته في فيه فلا يلوكها ولا يسيغها ولا يلفظها ، وعلى رجلين قد نشرا بينهما ثوباً يتبايعانه فلا يطويانه ولا يتبايعانه » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : لا تقوم الساعة حتى ينادي مناد : يا أيها الناس أتتكم الساعة ثلاثاً .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي في قوله { لا يجليها لوقتها إلا هو } يقول : لا يرسلها لوقتها إلا هو { ثقلت في السماوات والأرض } يقول : خفيت في السموات والأرض ، فلم يعلم قيامها متى تقوم ملك مقرب ولا نبي مرسل { لا تأتيكم إلا بغتة } قال : تبغتهم تأتيهم على غفلة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { كأنك حفي عنها } قال : استحفيت عنها السؤال حتى علمتها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله { كأنك حفي عنها } قال أحدهما : عالم بها ، وقال الآخر : يجب أن يسأل عنها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { كأنك حفي عنها } قال : استحفيت عنها السؤال حتى علمتها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله { كأنك حفي عنها } قال أحدهما : عالم بها ، وقال الآخر : يجب أن يسأل عنها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { يسألونك كأنك حفي عنها } يقول : كأنك عالم بها أي لست تعلمها .(4/384)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { كأنك حفي عنها } قال : لطيف بها . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس { يسألونك كأنك حفي عنها } يقول : كان بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم ، قال ابن عباس : لما سأل الناس محمداً صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمداً حفي بهم ، فأوحى الله إليه : إنما علمها عنده استأثر بعلمها ، فلم يطلع عليها ملكاً ولا رسولاً .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك { يسألونك كأنك حفي عنها } قال : كأنك حفي بهم حين يأتونك يسألونك .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { يسألونك كأنك حفي } بسؤالهم قال : كأنك تحب أن يسألوك عنها .
وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن دينار قال : كان ابن عباس يقرأ « كأنك حفيء بها » .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله { يسألونك كأنك حفي عنها } قال : كأنك يعجبك أن يسألوك عنها لنخبرك بها فأخفاها منه فلم يخبره ، فقال { فيم أنت من ذكراها } [ النازعات : 43 ] وقال { أكاد أخفيها } [ طه : 15 ] وقراءة أُبي { أكاد أخفيها من نفسي } .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا متى الساعة؟ فقال الله { يسألونك كأنك حفي عنها } .(4/385)
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير } قال : لعلمت إذا اشتريت شيئاً ما أربح فيه فلا أبيع شيئاً إلا ربحت فيه { وما مسني السوء } قال : ولا يصيبني الفقر .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج في قوله { قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً } قال : الهدى والضلالة { ولو كنت أعلم الغيب } متى أموت { لاستكثرت من الخير } قال : العمل الصالح .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله { وما مسني السوء } قال : لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون .(4/386)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)
أخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد ، فقال : سميه عبد الحارث فإنه يعيش ، فسمته عبد الحارث فعاش ، فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سمرة بن جندب في قوله { فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء } قال : سمياه عبد الحارث .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أُبي بن كعب قال : لما حملت حواء وكان لا يعيش لها ولد آتاها الشيطان ، فقال : سمياه عبد الحارث يعيش لكما ، فسمياه عبد الحارث فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أُبي بن كعب قال : لما حملت حواء أتاها الشيطان ، فقال : أتطيعيني ويسلم لك ولدك؟ سميه عبد الحارث فلم تفعل ، فولدت فمات ، ثم حملت فقال لها مثل ذلك : فلم تفعل ، ثم حملت الثالث فجاءها فقال لها : إن تطيعيني سلم لك ، وإلا فإنه يكون بهيمة ، فهيبها ، فأطاعته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : ولد لآدم ولد فسماه عبد الله ، فأتاهما إبليس فقال : ما سميتما ابنكما هذا؟ قال : عبد الله ، وكان ولد لهما قبل ذلك ولد فسمياه عبد الله . فقال إبليس : أتظنان أن الله تارك عبده عندكما؟ ووالله ليذهبن به كما ذهب بالآخر ولكن أدلكما على اسم يبقى لكما ما بقيتما فسمياه عبد شمس فسمياه ، فذلك قوله تعالى { أيشركون ما لا يخلق شيئاً } الشمس لا تخلق شيئاً إنما هي مخلوقة . قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خدعها مرتين » . قال زيد : خدعهما في الجنة ، وخدعهما في الأرض .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : لما أهبط الله آدم وحواء ألقى في نفسه الشهوة لامرأته ، فتحرك ذلك منه فأصابها ، فليس إلا أن أصابها حملت ، فليس إلا أن حملت تحرك ولدها في بطنها ، فقالت : ما هذا؟ فجاءها إبليس فقال لها : إنك حملت فتلدين . قالت : ما ألد؟ قال : ما هل ترين إلا ناقة أو بقرة أو ماعزة أو ضانية هو بعض ذلك ، ويخرج من أنفك أو من عينك أو من اذنك . قالت : والله ما مني من شيء إلا وهو يضيق عن ذلك! قال : فاطيعيني وسميه عبد الحارث - وكان اسمه في الملائكة الحارث - تلدي مثلك ، فذكرت ذلك لآدم فقال : هو صاحبنا الذي قد علمت . فمات ثم حملت بآخر ، فجاءها فقال : أطيعيني أو قتلته فإني أنا قتلت الأول ، فذكرت ذلك لآدم فقال مثل قوله الأوّل ، ثم حملت بالثالث فجاءها فقال لها مثل ما قال ، فذكرت ذلك لآدم فكأنه لم يكره ذلك ، فسمته عبد الحارث فذلك قوله { جعلا له شركاء فيما آتاهما } .(4/387)
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : حملت حواء ، فأتاها إبليس فقال : إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة ، لتطيعيني أو لأجعلن له قربى أيل فيخرج من بطنك فيشقه ، ولأفعلن ولأفعلن - فخوّفهما - سمياه عبد الحارث ، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً ، ثم حملت فأتاهما أيضاً فقال مثل ذلك ، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً ، ثم حملت فأتاهما فذكر لهما فادركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث ، فذلك قوله { جعلا له شركاء فيما آتاهما } .
وأخرج عبد بن حميد عن السدي قال : إن أول اسم سمياه عبد الرحمن فمات ، ثم سمياه صالحاً فمات ، يعني آدم وحواء .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كانت حواء تلد لآدم أولاد . فتعبدهم لله ، وتسميه عبد الله وعبيد الله ونحو ذلك فيصيبهم الموت ، فأتاها إبليس وآدم فقال : إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه لعاش ، فولدت له رجلاً فسماه عبد الحارث ، ففيه أنزل الله { وهو الذي خلقكم من نفس واحدة } إلى آخر الآية .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن في الآية قال : كان هذا في بعض أهل الملل وليس بآدم .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس أنه قرأها { حملت حملاً خفيفاً فمرت به } .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن سمرة في قوله { حملت حملاً خفيفاً } .
قال : خفيفاً لم يستبن ، فمرت به لما استبان حملها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فمرت به } قال : فشكت أحملت أم لا .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن أيوب قال : سئل الحسن عن قوله { حملت حملاً خفيفاً فمرت به } قال : فشكت أحملت أم لا .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن أيوب قال : سئل الحسن عن قوله { حملت حملاً خفيفاً فمرت به } قال : لو كنت عربياً لعرفتها ، إنما هي استمرت بالحمل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { حملت حملاً خفيفاً } قال : هي من النطفة { فمرت به } يقول : استمرت .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { فمرت به } قال : فاستمرت به .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فمرت به } قال : فاستمرت بحمله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فمرت به } قال : فاستمرت بحمله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران في قوله { فمرت به } قال : استخفته .(4/388)
وأخرج أبو الشيخ عن السدي { فلما أثقلت } قال : كبر الولد في بطنها .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح في قوله { لئن آتيتنا } قال : أشفقا أن يكون بهيمة ، فقالا : لئن آتيتنا بشراً سوياً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : أشفقا أن لا يكون إنساناً .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { لئن آتيتنا صالحاً } قال : غلاماً سوياً .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله { فجعلا له شركاء } قال : كان شركا في طاعة ، ولم يكن شركا في عباده .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { فجعلا له شركاً } بكسر الشين .
وأخرج عبد بن حميد عن سفيان { جعلا له شركاء } قال : أشركاه في الاسم قال : وكنية إبليس أبو كدوس .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن السدي قال : هذا من الموصل والمفصول قوله { جعلا له شركاء فيما آتاهما } في شأن آدم وحوّاء ، يعني في الأسماء { فتعالى الله عما يشركون } يقول : عما يشرك المشركون ولم يعيِّنهما .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ما أشرك آدم أن أولها شكر وآخرها مثل ضربه لمن بعده .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { فتعالى الله عما يشركون } هذه فصل بين آية آدم خاصة في آلهة العرب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حاتم عن أبي مالك في الآية قال : هذه مفصولة اطاعاه في الولد { فتعالى الله عما يشركون } هذه لقوم محمد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { جعلا له شركاء } قال : كان شركاً في طاعته ولم يكن شركاً في عبادته ، وقال : كان الحسن يقول : هم اليهود والنصارى ، رزقهم الله أولاداً فهوّدوا ونصروا .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { فتعالى الله عما يشركون } قال : يعني بها ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله { فتعالى الله عما يشركون } قال : هو الانكاف أنكف نفسه يقول : عظم نفسه ، وانكفته الملائكة وما سبح له .
وأخرج ابن حميد وأبو الشيخ عن الحسن في الآية قال : هذا في الكفار ، يدعون الله فإذا آتاهما صالحاً هوّدا ونصرا ، ثم قال { أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون } يقول : يطيعون ما لا يخلق شيئاً وهي الشياطين لا تخلق شيئاً وهي تخلق { ولا يستطيعون لهم نصراً } يقول : لمن يدعوهم .(4/389)
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)
أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال : يجاء بالشمس والقمر حتى يلقيان بين يدي الله ، ويجاء بمن كان يعبدهما فيقال { ادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين } .(4/390)
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { وتراهم ينظرون إليك } قال : هؤلاء المشركون .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون } ما تدعوهم إليه من الهدى .(4/391)
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)
أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والنسائي والنحاس في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن الزبير قال : ما نزلت هذه الآية إلا في أخلاق الناس { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } وفي لفظ : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني في الأوسط وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عمر في قوله تعالى { خذ العفو } قال : أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من اخلاق الناس .
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق عن إبراهيم بن أدهم قال : لما أنزل الله { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أمرت أن آخذ العفو من أخلاق الناس » .
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي قال : « لما أنزل الله { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ما هذا يا جبريل؟ قال : لا أدري حتى أسأل العالم . . . ! فذهب ثم رجع فقال : إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك « » .
وأخرج ابن مردويه عن جابر قال : « لما نزلت هذه الآية { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } قال النبي صلى الله عليه وسلم » يا جبريل ما تأويل هذه الآية؟ قال : حتى أسأل . فصعد ثم نزل فقال : يا محمد إن الله يأمرك أن تصفح عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا ادلكم على أشرف أخلاق الدنيا والآخرة؟ قالوا : وما ذاك يا رسول الله؟ قال : تعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك « » .
وأخرج ابن مردويه عن قيس بن سعد بن عبادة قال : لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمزة بن عبد المطلب قال « والله لأمثلن بسبعين منهم . فجاءه جبريل بهذه الآية { خذ الغفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } فقال : يا جبريل ما هذا؟ قال : لا أدري . . . ! ثم عاد فقال : إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتعطي من حرمك » .
وأخرج ابن مردويه عن عائشة في قول الله { خذ العفو } قال : ما عفى لك من مكارم الأخلاق .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { خذ العفو } من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تجسيس { وأمر بالعرف } قال : بالمعروف .(4/392)
وأخرج البخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال : قدم عُيينة بن حصن بن بدر ، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس - وكان من النفر الذين يدنيهم عمر ، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولاً أكانوا أو شباباً - فقال عيينة لابن أخيه : يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه؟ قال : سأستأذن لك عليه . قال ابن عباس : فاستأذن الحر لعُيينة فأذن له عمر ، فلما دخل قال : هي يا ابن الخطاب ، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب عن مالك بن أنس عن عبد الله بن نافع . أن سالم بن عبد الله مر على عير لأهل الشام وفيها جرس ، فقال : إن هذا ينهى عنه فقالوا : نحن أعلم بهذا منك إنما يكره الجلجل الكبير ، وأما مثل هذا فلا بأس به ، فبكى سالم وقال { وأعرض عن الجاهلين } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } قال : خلق أمر الله به نبيه ودله عليه .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أدلك على خير أخلاق الأوّلين والآخرين؟ قال : قلت يا رسول الله نعم . قال : تعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك » .
وأخرج البيهقي عن عقبة بن عامر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة ، تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك » .
وأخرج البيهقي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صل من قطعك ، واعف عمن ظلمك » .
وأخرج البيهقي عن عائشة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صل من قطعك ، واعف عمن ظلمك » .
وأخرج البيهقي عن عائشة . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ألا أدلكم على كرائم الأخلاق للدنيا والآخرة؟ أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتجاوز عمن ظلمك » .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أدلكم على مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : صل من قطعك ، واعط من حرمك ، واعف عمن ظلمك » .(4/393)
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي من طريقه عن معمر عن أبي إسحق الهمداني عن ابن أبي حسين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أدلكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك ، قال البيهقي : هذا مرسل حسن » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لن ينال عبد صريح الإِيمان حتى يصل من قطعه ، ويعفو عمن ظلمه ، ويغفر لمن شتمه ، ويحسن إلى من أساء إليه » .
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن مكارم الأخلاق عند الله أن تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } » .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : رضي الله بالعفو وأمر به .
وأخرج أحمد والطبراني عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « أفضل الفضائل أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتصفح عمن شتمك » .
وأخرج السلفي في الطيوريات عن نافع أن ابن عمر . كان إذا سافر أخرج معه سفيهاً يرد عنه سفاهة السفهاء .
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن ابن شوذب قال : كنا عند مكحول ومعنا سليمان بن موسى ، فجاء رجل واستطال على سليمان وسليمان ساكت ، فجاء أخ لسليمان فرد عليه ، فقال مكحول : لقد ذل من لا سفيه له .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { خذ العفو } قال : خذ ما عفي لك من أموالهم ما أتوك به من شيء فخذه ، وكان هذا قبل أن تنزل براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { خذ العفو } قال : خذ الفضل أنفق الفضل { وأمر بالعرف } يقول بالمعروف .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأرزق قال له : أخبرني { خذ العفو } قال : خذ الفضل من أموالهم ، أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ لك . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول :
يعفو عن الجهل والسوآت كما ... يدرك غيث الربيع ذو الطرد
وأخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن السدي في قوله { خذ العفو } قال : الفضل من المال ، نسخته الزكاة .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال : نزلت هذه الآية { خذ العفو } فكان الرجل يمسك من ماله ما يكفيه ويتصدق بالفضل ، فنسخها الله بالزكاة { وأمر بالعرف } قال : بالمعروف { وأعرض عن الجاهلين } قال : نزلت هذه الآية قبل أن تفرض الصلاة والزكاة والقتال ، أمره الله بالكف ثم نسخها القتال ، وأنزل { أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } [ الحج : 39 ] الآية .(4/394)
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)
أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : « لما نزلت { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } [ الأعراف : 199 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » كيف يا رب والغضب ، فنزل { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ . . . } الآية « » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ } قال : علم الله أن هذا العدو مبتغ ومريد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفثه ونفخه . قال : همزه الموتة ، ونفثه الشعر : ونفخه الكبرياء » .(4/395)
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { إنَّ الذين اتقوا } قال : هم المؤمنون .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { إذا مسهم طيف من الشيطان } قال : الغضب .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الطيف : الغضب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قرأ { إذا مسهم طائف من الشيطان } بالألف { تذكروا } قال : هَم بفاحشة فلم يعملها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا } يقول : إذا زلوا تابوا .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان من طريق وهب بن جرير عن أبيه قال : كنت جالساً عن الحسن إذ جاءه رجل فقال : يا أبا سعيد ما تقول في العبد يذنب الذنب ثم يتوب؟ قال : لم يزدد بتوبته من الله إلا دنواً . قال : ثم عاد في ذنبه ثم تاب؟ قال : لم يزدد بتوبته إلا شرفاً عند الله . قال : ثم قال لي : ألم تسمع ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : وما قال؟ قال « مثل المؤمن مثل السنبلة تميل أحياناً وتستقيم أحياناً - وفي ذلك تكبر - فإذا حصدها صاحبها حمد أمره كما حمد صاحب السنبلة بره ، ثم قرأ { إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } » .
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب قال : إن الله لم يسم عبده المؤمن كافراً ، ثم قرأ { إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا } فقال : لم يسمه كافراً ولكن سماه متقياً .
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ { إذا مسهم طائف } بالألف .
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش عن إبراهيم ويحيى بن وثاب قرأ أحدهما طائف ، والآخر طيف .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه قرأ { إذا مسهم طائف } بالألف .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : الطائف اللمة من الشيطان { تذكروا فإذا هم مبصرون } يقول : إذا هم منتهون عن المعصية ، آخذون بأمر الله ، عاصون للشيطان وإخوانهم . قال : إخوان الشياطين { يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون } قال : لا الإِنس عما يعملون السيئات ولا الشياطين تمسك عنهم { وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها } يقول : لولا أحدثتها لولا تلقيتها فأنشأتها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس { وإخوانهم يمدونهم في الغي } قال : هم الجن يوحون إلى أوليائهم من الإِنس { ثم لا يقصرون } يقول : لا يسامون { وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها } يقول : هلا افتعلتها من تلقاء نفسك .(4/396)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد { وإخوانهم من الشياطين يمدونهم في الغي } قال : استجهالاً وفي قوله { لولا اجتبيتها } قال : ابتدعتها .
وأخرج الحكيم الترمذي عن عمر بن الخطاب قال : « أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أعرف الحزن في وجهه ، فأخذ بلحيتي فقال » إنا لله وإنا إليه راجعون ، أتاني جبريل آنفاً فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون . قلت : أجل ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فما ذاك يا جبريل؟! فقال : إن أمتك مفتتنة بعدك بقليل من الدهر غير كثير ، قلت : فتنة كفر أو فتنة ضلالة؟ قال : كل ذلك سيكون . قلت : ومن أين ذاك وأنا تارك فيهم كتاب الله . . . ! قال : بكتاب الله يضلون ، وأول ذلك من قبل قرائهم وأمرائهم ، يمنع الأمراء الناس حقوقهم فلا يعطونها فيقتتلون ، وتتبع القراء أهواء الأمراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ، قلت : يا جبريل فيم يسلم من سلم منهم؟ قال : بالكف والصبر إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه « » .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة { قل إنما أتبع ما يوحى إليَّ من ربي } قال : هذا القرآن { هذا بصائر من ربكم } أي بينات فاعقلوه { وهدى ورحمة } لمن آمن به وعمل به ثم مات عليه .(4/397)
وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن أبي هريرة في قوله { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } قال : نزلت في رفع الأصوات ، وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } يعني في الصلاة المفروضة .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : صلّى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ خلفه قوم ، فنزلت { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ في الصلاة أجابه من وراءه ، إذا قال : بسم الله الرحمن قالوا مثل ما يقول حتى تنقضي فاتحة الكتاب والسورة ، فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم نزلت { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا . . . } الآية . فقرأ وأنصتوا .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد قال : قرأ رجل من الأنصار خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، فأنزلت { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن مغفل أنه سئل أَكُلُّ من سمع القرآن يُقْرَأْ وجب عليه الاستماع والإِنصات؟ قال : لا . قال : إنما نزلت هذه الآية { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } في قراءة الإِمام ، إذا قرأ الإِمام فاستمع له وأنصت .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود . أنه صلى بأصحابه فسمع ناساً يقرأون خلفه ، فلما انصرف قال : أما آن لكم أن تفهموا ، أما آن لكم أن تعقلوا { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } كما أمركم الله .
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي وائل عن ابن مسعود أنه قال في القراءة خلف الإِمام : انصت للقرآن كما أُمرت فإن في الصلاة شغلاً وسيكفيك ذاك الإِمام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال : من قرأ خلف الإِمام فقد أخطأ الفطرة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن ثابت قال : لا قراءة خلف الإِمام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنما جعل الإِمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فانصتوا » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كان له إمام فقراءته له قراءة » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : أول ما أحدثوا القراءة خلف الإِمام ، وكانوا لا يقرأون .(4/398)
وأخرج ابن جرير عن الزهري قال : نزلت هذه الآية في فتى من الأنصار ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ شيئاً قرأه ، فنزلت { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي العالية « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بأصحابه فقرأ قرأ أصحابه خلفه ، فنزلت هذه الآية { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } فسكت القوم وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر قال : كانت بنو إسرائيل إذا قرأت أئمتهم جاوبوهم ، فكره الله ذلك لهذه الأمة ، قال { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن إبراهيم قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ورجل يقرأ ، فنزلت { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن طلحة بن مصرف في قوله { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } قال : ليس هؤلاء بالأئمة الذين أمرنا بالإِنصات لهم .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق أبي هريرة قال : كانوا يتكلمون في الصلاة ، فنزلت { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود « أنه سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فلم يرد عليه - وكان الرجل قبل ذلك يتكلم في صلاته ويأمر بحاجته - فلما فرغ رد عليه ، وقال : إن الله يفعل ما يشاء وإنها نزلت { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } » .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة ، فجاء القرآن { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في سننه عن عبد الله بن مغفل قال : كان الناس يتكلمون في الصلاة ، فأنزل الله هذه الآية { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلام في الصلاة .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عطاء قال : بلغني أن المسلمين كانوا يتكلمون في الصلاة كما يتكلم اليهود والنصارى حتى نزلت { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة قال : كانوا يتكلمون في الصلاة أول ما أمروا بها ، كان الرجل يجيء وهم في الصلاة فيقول لصاحبه : كم صليتم؟ فيقول : كذا وكذا ، فأنزل الله هذه الآية { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } فأمروا بالاستماع والإِنصات ، علم أن الإِنصات هو أحرى أن يستمع العبد ويعيه ويحفظه ، علم أن لن يفقهوا حتى ينصتوا ، والإِنصات باللسان والاستماع بالأذنين .(4/399)
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال : كانوا يتكلمون في الصلاة ، فأنزل الله { وإذا قرىء القرآن . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له } قال : نزلت في صلاة الجمعة ، وفي صلاة العيدين ، وفيما جهر به من القراءة في الصلاة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : المؤمن في سعة من الاستماع إليه إلا في صلاة الجمعة ، وفي صلاة العيدين ، وفيما جهر به من القراءة في الصلاة .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } قال : نزلت في رفع الأصوات خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، وفي الخطبة لأنها صلاة ، وقال : من تكلم يوم الجمعة والإِمام يخطب فلا صلاة له .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في هذه الآية { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } قال : هذا في الصلاة ، والخطبة يوم الجمعة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : وجب الإِنصات في اثنتين ، في الصلاة والإِمام يقرأ ، ويوم الجمعة والإِمام يخطب .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما أوجب الإِنصات يوم الجمعة؟ قال : قوله { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } قال : ذاك زعموا في الصلاة وفي الجمعة؟ قلت : والإِنصات يوم الجمعة كالإِنصات في القراءة سواء . قال : نعم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن في قوله { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } قال : عند الصلاة المكتوبة ، وعند الذكر .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي قال : كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار ، فأنزل الله { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له . . . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له . . . } الآية . قال : في الصلاة ، وحين ينزل الوحي عن الله عز وجل .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد . أنه كره إذا مر الإِمام بآية خوف أو آية رحمة أن يقول أحد من خلفه شيئاً قال : السكوت .
وأخرج أبو الشيخ عن عثمان بن زائدة . أنه كان إذا قرىء عليه القرآن غطى وجهه بثوبه ، ويتأوّل من ذلك قول الله { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } فيكره أن يشغل بصره وشيئاً من جوارحه بغير استماع .
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإِيمان بسند حسن عن أبي هريرة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة ، ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة » .(4/400)
وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : أمره الله أن يذكره ونهاه عن الغفلة ، أما بالغدوّ : فصلاة الصبح ، والآصال : بالعشي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر قال : الآصال : ما بين الظهر والعصر .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله { وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } [ الأعراف : 204 ] قال : هذا إذا أقام الإِمام الصلاة فاستمعوا له وأنصتوا { واذكر ربك } أيها المنصت { في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول } قال : لا تجهر بذاك { بالغدوّ والآصال } بالبكر والعشي { ولا تكن من الغافلين } .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير في قوله { واذكر ربك في نفسك } قال : يقول الله « إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي ، وإذا ذكرني عبدي وحْده ذكرته وحدي ، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ أحسن منهم وأكرم » .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد { بالغدوّ } قال : آخر الفجر صلاة الصبح { والآصال } آخر العشي صلاة العصر ، وكل ذلك لها وقت أول الفجر وآخره ، وذلك مثل قوله في سورة آل عمران { بالعشي والإِبكار } [ آل عمران : 41 ] ميل الشمس إلى أن تغيب ، والإِبكار أول الفجر .
وأخرج عبد بن حميد عن معرف بن واصل قال : سمعت أبا وائل يقول لغلامه عند مغيب الشمس : آصلنا .
وأخرج البزار والطبراني عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { ولا تكن من الغافلين } قال : ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل عن الفارين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن بكير بن الأخنس قال : ما أتى يوم الجمعة على أحد وهو لا يعلم أنه يوم الجمعة إلا كتب من الغافلين .
وأخرج الطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الغفلة في ثلاث . عن ذكر الله ، ومن حين يصلي الصبح إلى طلوع الشمس ، وأن يغفل الرجل عن نفسه في الدين حتى يركبه » .(4/401)
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)
أخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي العريان المجاشعي عن ابن عباس . أنه ذكر سجود القرآن فقال : الأعراف والرعد والنحل وبنو إسرائيل ومريم والحج سجدة واحدة ، والنمل والفرقان والم تنزيل وحم تنزيل وص ، وليس في المفصل سجود .
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء قال : عد علي بن العباس عشر سجدات في القرآن . الأعراف ، والرعد ، والنحل ، وبني إسرائيل ، ومريم ، والحج الأولى منها ، والفرقان ، والنمل ، وتنزيل السجدة ، وحم السجدة .
وأخرج ابن ماجة والبيهقي في سننه عن أبي الدرداء قال « سجدت مع النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء . الأعراف ، والرعد ، والنحل ، وبني إسرائيل ، ومريم ، والحج سجدة ، والفرقان ، وسليمان سورة النمل ، والسجدة ، وص وسجدة الحواميم » .
وأخرج أبو داود وابن ماجة والدارقطني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عمرو بن العاص « أن النبي صلى الله عليه وسلم أَقْرَأَهُ خَمْسَ عشرة سجدة في القرآن ، منها ثلاث من المفصل وفي سورة الحج سجدتين » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والبيهقي عن ابن عمرو قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن ، فيقرأ السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكاناً لوضع جبهته » .
وأخرج مسلم وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأُمِرْتُ بالسجود فأبيتُ فليَ النار » .
وأخرج البيهقي عن ابن سيرين قال : سئلت عائشة عن سجود القرآن؟ فقالت : حق لله يؤديه أو تطوّع تطوّعه ، وما من مسلم سجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة ، أو حط عنه بها خطيئة ، أو جمعهما له كلتيهما .
وأخرج البيهقي عن مسلم بن يسار قال : إذا قرأ الرجل السجدة فلا يسجد حتى يأتي على الآية كلها ، فإذا أتى عليه رفع يديه وكبر وسجد .
وأخرج أبو داود والبيهقي عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن ، فإذا مر بالسجدة كبَّر ، وسجد وسجدنا معه .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي والدارقطني والبيهقي عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن بالليل يقول في السجدة مراراً « سَجَدَ وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته ، فتبارك الله أحسن الخالقين » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن قيس بن السكن قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره »(4/402)
قال : وبلغني أن داود عليه السلام كان يقول : سجد وجهي متعفراً في التراب لخالقي وحق له ، ثم قال : سبحان الله ما أشبه كلام الأنبياء بعضهم ببعض .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول في سجوده : اللهم لك سجد سوادي وبك آمن فؤادي ، اللهم ارزقني علماً ينفعني وعلماً يرفعني .
وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة أنه كان يقول إذا قرأ السجدة : سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً ، سبحان الله وبحمده ثلاثاً .
وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال : لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال : كانوا يكرهون إذا أتوا على السجدة أن يجاوزوها حتى يسجدوا .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع قراءة آخر سورة الأعراف في كل جمعة على المنبر » .(4/403)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال : « لما كان يوم بدر قتل أخي عمير ، وقتلت سعيد بن العاصي وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكتيعة ، فأتيت به النبي فقال » اذهب فاطرحه في القبض . فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي ، فما جاوزت إلا يسيراً حتى نزلت سورة الأنفال . فقال لي رسول الله : اذهب فخذ سيفك « » .
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه « عن سعد قال : قلت : يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين فهل لي هذا السيف؟ قال : إن هذا السيف لا لك ولا لي ضعه . فوضعته ثم رجعت قلت : عسى يعطى هذا السيف اليوم من لا يبلى بلائي ، إذا رجل يدعوني من ورائي قلت : قد أنزل الله في شيء؟ قال : كنت سألتني هذا السيف وليس هو لي وإني قد وهب لي فهو لك » ، وأنزل الله هذه الآية { يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } .
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال : نزلت في أربع آيات . بر الوالدين ، والنفل ، والثلث ، وتحريم الخمر .
وأخرج الطيالسي والبخاري في الأدب المفرد ومسلم والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص قال : « نزلت في أربع آيات من كتاب الله ، كانت أمي حلفت أن لا تأكل ولا تشرب حتى أفارق محمداً صلى الله عليه وسلم : فأنزل الله { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً } [ لقمان : 15 ] ، والثانية أني كنت أخذت سيفاً أعجبني فقلت : يا رسول الله هب لي هذا ، فنزلت { يسئلونك عن الأنفال } ، والثالثة إني مرضت فأتاني رسول الله فقلت : يا رسول الله إني أريد أن أقسم مالي أفأوصي بالنصف؟ قال : » لا . فقلت : الثلث . . . ؟ فسكت فكان الثلث بعده جائزاً ، والرابعة اني شربت الخمر مع قوم من الأنصار فضرب رجل منهم أنفي بلحيي جمل ، فأتيت النبي ، فأنزل الله تحريم الخمر « » .
وأخرج عبد بن حميد والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعد قال : « أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة عظيمة فإذا فيها سيف ، فأخذته فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : نفلني هذا السيف فأنا من علمت . فقال » رده من حيث أخذته فرجعت به حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لأمتني نفسي ، فرجعت إليه فقلت : اعطنيه . فشدَّ لي صوته وقال : رده من حيث أخذته . فأنزل الله { يسئلونك عن الأنفال } « » .(4/404)
وأخرج ابن مردويه عن سعد قال : نفلني النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر سيفا ، ونزل في النفل .
وأخرج الطيالسي وأبو نعيم في المعرفة من طريق مصعب بن سعد عن سعد قال : أصبت سيفاً يوم بدر ، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله نفلنيه ، فقال « ضعه من حيث أخذته ، فنزلت { يسئلونك عن الأنفال } وهي قراءة عبد الله هكذا الأنفال » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم والبيهقي في سننه عن أبي أمامة قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال؟ فقال : فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل فساءت فيه أخلاقنا ، فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن براءة ، يقول : عن سواء .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال « خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدراً ، فالتقى الناس فهزم الله العدوّ ، فانطلقت طائفة في آثارهم منهزمون يقتلون ، واكبت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه ، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدوّ منه غرة ، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم : نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب . وقال الذين خرجوا في طلب العدوّ : لستم بأحق بها منا ، نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم . وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم : لستم بأحق بها منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وخفنا أن يصيب العدوّ منه غرة واشتغلنا به ، فنزلت { يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدوّ ونفل الربع ، وإذا أقبل راجعاً وكل الناس نفل الثلث ، وكان يكره الأنفال ويقول : ليرد قويُّ المسلمين على ضعيفهم » .
وأخرج إسحق بن راهويه في مسنده وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال « بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فنصرها الله وفتح عليها ، فكان من أتاه بشيء نفله من الخمس ، فرجع رجال كانوا يستقدمون ويقتلون ويأسرون ويقتلون وتركوا الغنائم خلفهم فلم ينالوا من الغنائم شيئاً . فقالوا : يا رسول الله ما بال رجال منا يستقدمون ويأسرون ، وتخلف رجال لم يصلوا بالقتال فنفلتهم من الغنيمة؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل { يسئلونك عن الأنفال } الآية . فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ردوا ما أخذتم واقتسموه بالعدل والسوية فإن الله يأمركم بذلك . قالوا : قد احتسبنا وأكلنا؟ قال : احتسبوا ذلك » .(4/405)
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده « أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر فنزلت { يسئلونك عن الأنفال } » .
وأخرج ابن مردويه عن أبيه عن جده قال : لم ينفل النبي صلى الله عليه وسلم بعد إذ أنزلت عليه { يسئلونك عن الأنفال } إلا من الخمس ، فإنه نفل يوم خيبر من الخمس .
وأخرج ابن مردويه عن حبيب بن مسلمة الفهري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفل الثلث بعد الخمس .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : لما كان يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم « من قتل قتيلاً فله كذا وكذا ، ومن أسر أسيراً فله كذا وكذا . فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات ، وأما الشبان فتسارعوا إلى القتل والغنائم ، فقالت المشيخة للشبان : أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردأً ولو كان منكم شيء لَلَجَأْتم إلينا ، فاختصموا إلى النبي ، فنزلت { يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } فقسم الغنائم بينهم بالسوية » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس قال : « لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » من قتل قتيلاً فله كذا ، ومن جاء بأسير فله كذا . فجاء أبو اليسر بن عمرو الأنصاري بأسيرين ، فقال : يا رسول الله إنك قد وعدتنا . فقام سعد بن عبادة فقال : يا رسول الله إنك إن أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شيء ، وإنه لم يمنعنا من هذا زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو ، وإنما قمنا هذا المقام محافظة عليك أن يأتوك من ورائك ، فتشاجروا فنزل القرآن { يسئلونك عن الأنفال } وكان أصحاب عبد الله يقرأونها { يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فيما تشاجرتم به } فسلموا الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل القرآن { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } [ الأنفال : 41 ] إلى آخر الآية « » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية ، فمكث ضعفاء الناس في العسكر ، فأصاب أهل السرية غنائم ، فقسمها رسول الله بينهم كلهم ، فقال أهل السرية : يقاسمنا هؤلاء الضعفاء وكانوا في العسكر لم يشخصوا معنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » وهل تنصرون إلا بضعفائكم؟ « فأنزل الله { يسئلونك عن الأنفال } » .(4/406)
وأخرج ابن مردويه عن عائشة « أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف من بدر وقدم المدينة ، أنزل الله عليه سورة الأنفال ، فعاتبه في إحلال غنيمة بدر ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمها بين أصحابه لما كان بهم من الحاجة إليها واختلافهم في النفل ، يقول الله { يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } فردها الله على رسوله فقسمها بينهم على السواء ، فكان في ذلك تقوى الله وطاعته ، وطاعة رسوله وصلاح ذات البين » .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد « إنهم سألوا النبي عن الخمس بعد الأربعة الأخماس؟ فنزلت { يسئلونك عن الأنفال } » .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة { يسئلونك عن الأنفال } قال : كان هذا يوم بدر .
وأخرج النحاس في ناسخه عن سعيد بن جبير . « ان سعداً ورجلاً من الأنصار خرجاً يتنفلان ، فوجدا سيفاً ملقى فخرّا عليه جميعاً ، فقال سعد : هو لي . وقال الأنصاري : هو لي . قال : لا أسلمه حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتياه فقصا عليه القصة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ليس لك يا سعد ولا للأنصاري ولكنه لي ، فنزلت { يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله } يقول : سلما السيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نسخت هذه الآية فقال { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } [ الأنفال : 41 ] « » .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنحاس في ناسخه عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد ، فغنموا ابلاً كثيراً فصارت سهمانهم اثني عشر بعيراً ونفلوا بعيراً بعيراً » .
وأخرج ابن عساكر من طريق مكحول عن الحجاج بن سهيل النصري وقيل إن له صحبة قال : لما كان يوم بدر قاتلت طائفة من المسلمين وثبتت طائفة عند رسول الله ، فجاءت الطائفة التي قاتلت بالاسلاب وأشياء أصابوها ، فقسمت الغنيمة بينهم ولم يقسم للطائفة التي لم تقاتل . فقالت الطائفة التي لم تقاتل : اقسموا لنا . فأبت وكان بينهم في ذلك كلام ، فأنزل الله { يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } فكان صلاح ذات بينهم إن ردوا الذي كانوا أعطوا ما كانوا أخذوا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } قال « الأنفال : المغانم ، كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء ، ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به ، فمن حبس منه إبرة أو سلكاً فهو غلول .(4/407)
فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها شيئاً . فأنزل الله { يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال } لي جعلتها لرسولي ليس لكم منه شيء { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } إلى قوله { إن كنتم مؤمنين } ثم أنزل الله { واعلموا أنما غنمتم من شيء } [ الأنفال : 41 ] الآية . ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله ، ولذي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، والمهاجرين في سبيل الله ، وجعل أربعة أخماس الناس فيه سواء . للفرس سهمان ، ولصاحبه سهم ، وللراجل سهم « .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { يسئلونك عن الأنفال } قال : هي الغنائم ، ثم نسخها { واعلموا أنما غنمتم من شيء } [ الأنفال : 41 ] الآية .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير والنحاس وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن القاسم بن محمد قال : سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن الأنفال؟ فقال : الفرس من النفل ، والسلب من النفل ، فأعاد المسئلة فقال ابن عباس : ذلك أيضاً ، ثم قال الرجل : الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي؟ فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه ، فقال ابن عباس : هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر . وفي لفظ : فقال : ما أحوجك إلى من يضربك كما فعل عمر بصبيغ العراقي ، وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على عقبيه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال : الأنفال : المغانم ، أمروا أن يصلحوا ذات بينهم فيها ، فيرد القوي على الضعيف .
وأخرج عبد بن حميد والنحاس وابن المنذر وابن جرير وأبو الشيخ عن عطاء في قوله { يسئلونك عن الأنفال } هو ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال ، من عبد أو دابة أو متاع فذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع به ما شاء .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن محمد بن عمرو قال : أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن الأنفال؟ فقال : تسألوني عن الأنفال وإنه لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن المسيب » أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينفل إلا من الخمس « .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن المسيب قال : ما كانوا ينفلون إلا الخمس .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن المسيب قال : لا نفل في غنائم المسلمين إلا في خمس الخمس .
وأخرج عبد الرزاق عن أنس . أن أميراً من الأمراء أراد أن ينفله قبل أن يخمسه ، فأبى أنس أن يقبله حتى يخمسه .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : هي في قراءة ابن مسعود » يسئلونك الأنفال « .(4/408)
وأخرج ابن مردويه من طريق شقيق عن ابن مسعود أنه قرأ { يسئلونك عن الأنفال } .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي { يسئلونك عن الأنفال } قال : الفيء ، ما أصيب من أموال المشركين مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فهو للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله { يسئلونك عن الأنفال } قال : ما أصابت السرايا .
وأخرج ابن أبي شيبة والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن مجاهد وعكرمة قالا : كانت الأنفال لله والرسول حتى نسخها آية الخمس { واعلموا أنما غنمتم من شيء } [ الأنفال : 41 ] الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الأعمش قال : كان أصحاب عبد الله يقرؤنها « يسئلونك الأنفال » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } قال : هذا تحريج من الله على المؤمنين أن يتقوا الله ، وأن يصلحوا ذات بينهم حيث اختلفوا في الأنفال .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وأصلحوا ذات بينكم } قال : لا تستبوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال : كان صلاح ذات بينهم إن ردت الغنائم ، فقسمت بين من ثبت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من قاتل وغنم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله { وأطيعوا الله ورسوله } قال : طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة .
وأخرج أبو يعلى وأبو الشيخ والحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أنس قال « بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه ، فقال عمر : ما أضحكك يا رسول الله؟ قال : رجلان جثيا من أمتي بين يدي رب العزة فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخي . قال الله : أعط أخاك مظلمته . قال : يا رب لم يبق من حسناتي شيء . قال : يا رب يحمل عني من أوزاري . وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ، ثم قال : إن ذلك ليوم عظيم ، يوم يحتاج الناس إلى أن يتحمل عنهم من أوزارهم . فقال الله للطالب : ارفع بصرك فانظر في الجنان ، فرفع رأسه فقال : يا رب أرى مدائن من فضة وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا لأي صديق هذا لأي شهيد هذا؟! قال : هذا لمن أعطى الثمن ، قال : يا رب من يملك ثمنه؟ قال : أنت . قال : بماذا؟ قال : بعفوك عن أخيك . قال : يا رب قد عفوت عنه . قال : خذ بيد أخيك فأدخله الجنة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتقوا الله وأصلحوا ذاتْ بينكم ، فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة » .(4/409)
وأخرج ابن أبي حاتم عن أم هانىء أخت علي بن أبي طالب قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم « أخبرك أن الله تبارك وتعالى وتقدس يجمع الأوّلين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد ، فمن يدري أي الطرفين؟ فقالت : الله ورسوله أعلم . . . ! ثم ينادي مناد من تحت العرش يا أهل التوحيد . فيشرئبون ، ثم ينادي : يا أهل التوحيد . ثم ينادي الثالثة إن الله قد عفا عنكم ، فيقوم الناس قد تعلق بعضهم ببعض في ظلامات الدنيا ، ثم ينادي : يا أهل التوحيد يعفو بعضكم عن بعض وعلى الله الثواب » .
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا كان يوم القيامة نادى مناد : يا أهل التوحيد إن الله قد عفا عنكم ، فليعف بعضكم عن بعض وعلي الثواب » .(4/410)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } قال : فرقت قلوبهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } قال : المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه ، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله ، ولا يتوكلون على الله ، ولا يصلون إذا غابوا ، ولا يؤدون زكاة أموالهم ، فاخبر الله أنهم ليسوا بمؤمنين ، ثم وصف المؤمنين فقال { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } فأدوا فرائضه .
وأخرج الحكيم الترمذي وابن جرير وأبو الشيخ من طريق شهر بن حوشب عن أبي الدرداء قال : إنما الوجل في القلب كاحتراق السعفة يا شهر أما تجد قشعريرة؟ قلت : بلى . قال : فادع عندها فإن الدعاء يستجاب عند ذلك .
وأخرج الحكيم الترمذي عن عائشة قالت : ما الوجل في قلب المؤمن إلا كضرمة السعفة ، فإذا وجد أحدكم فليدع عند ذلك .
وأخرج الحكيم الترمذي عن ثابت البناني قال : قال فلان : إني لأعلم متى يستجاب لي . قالوا : ومن أين يعلم ذاك؟ قال : إذا اقشعر جلدي ، ووجل قلبي ، وفاضت عيناي ، فذاك حين يستجاب لي .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإِيمان عن السدي في قوله { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } قال : هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية ، فيقال له : اتق الله . فيجل قلبه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { زادتهم إيماناً } قال : تصديقاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس في قوله { زادتهم إيماناً } قال : زادتهم خشية .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { زادتهم إيماناً } قال : الإِيمان يزيد وينقص ، وهو قول وعمل .
وأخرج أبو الشيخ عن سفيان بن عيينة قال : نطق القرآن بزيادة الإِيمان ونقصانه قوله { زادتهم إيماناً } فهذه زيادة الأيمان ، وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه .
وأخرج الحكيم الترمذي عن عمر بن الخطاب قال : لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح إيمان أبي بكر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وعلى ربهم يتوكلون } يقول : لا يرجون غيره .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن سعيد بن جبير قال : التوكل على الله جماع الإِيمان .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : التوكل جماع الإِيمان .
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال : التوكل على الله نصف الإِيمان .(4/411)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
أخرج أبو الشيخ عن حسان بن عطية قال : إن الايمان في كتاب الله صار إلى العمل فقال { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون } ثم صيرهم إلى العمل فقال { الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أولئك هم المؤمنون حقاً } قال : برئوا من الكفر .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { أولئك هم المؤمنون حقاً } قال : خالصاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { أولئك هم المؤمنون حقاً } قال : استحقوا الايمان بحق فاحقه الله لهم .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق يحيى بن الضريس عن أبي سنان قال : سئل عمرو بن مرة عن قوله { أولئك هم المؤمنون حقاً } قال : انما نزل القرآن بلسان العرب كقولك : فلان سيد حقاً وفي القوم سادة ، وفلان شاعر حقاً وفي القوم شعراء .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي روق في قوله { أولئك هم المؤمنون حقاً } قال : كان قوم يسرون الكفر ويظهرون الإِيمان ، وقوم يسرون الايمان ويظهرونه ، فأراد الله أن يميز بين هؤلاء وهؤلاء فقال { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } حتى انتهى إلى قوله { أولئك هم المؤمنون حقاً } الذين يسرون الايمان ويظهرونه لا هؤلاء الذين يسرون الكفر ويظهرون الايمان .
وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن مرة في قوله { أولئك هم المؤمنون حقاً } قال : فضل بعضهم على بعض وكلٌ مؤمنون .
وأخرج الطبراني « عن الحارث بن مالك الأنصاري . انه مر برسول الله فقال له » كيف أصبحت يا حارث؟ قال : أصبحت مؤمناً حقاً . قال : انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة ، فما حقيقة إيمانك؟ فقال : عزفت نفسي عن الدنيا فاسهرت ليلي ، واظمأت نهاري ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها . قال : يا حارث عرفت فالزم ثلاثاً « » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { لهم درجات } يعني فضائل ورحمة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { لهم درجات عند ربهم } قال : أعمال رفيعة .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { لهم درجات } قال : أهل الجنة بعضهم فوق بعض ، فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه ، ولا يرى الذي هو أسفل أنه فضل عليه أحد .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ومغفرة قال : بترك الذنوب { ورزق كريم } قال الأعمال الصالحة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : إذا سمعت الله يقول { ورزق كريم } فهي الجنة .(4/412)
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي أيوب الأنصاري قال : « قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت فقال » ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا ، فخرجنا فلما سرنا يوماً أو يومين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعادّ ففعلنا ، فإذا نحن ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بعدّتنا ، فسر بذلك وحمد الله وقال : عدة أصحاب طالوت . فقال : ما ترون في القوم فانهم قد أخبروا بمخرجكم؟ فقلنا : يا رسول الله لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم إنما خرجنا للعير ، ثم قال : ما ترون في قتال القوم؟ فقلنا مثل ذلك ، فقال المقداد : لا تقولوا كما قال أصحاب موسى لموسى { اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون } [ المائدة : 24 ] فأنزل الله { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون } إلى قوله { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين - اما القوم واما العير - طابت أنفسنا ، ثم إنا اجتمعنا مع القوم فصففنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أنشدك وعدك . فقال ابن رواحة : يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك - ورسول الله أفضل من أن نشير عليه - إن الله أجل وأعظم من أن تَنْشُدَهُ وعده . فقال : يا ابن رواحة لأنْشُدَنَّ اللهَ وعده فإن الله لا يخلف الميعاد ، فأخذ قبضة من التراب فرمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوه القوم فانهزموا ، فأنزل الله { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } [ الأنفال : 17 ] فقلنا وأسرنا . فقال عمر : يا رسول الله ما أرى أن تكون لك اسرى ، فانما نحن داعون مؤلفون؟ فقلنا معشر الأنصار : انما يحمل عمر على ما قال حسد لنا . فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ ، ثم قال : ادعو إلي عمر فدعي له ، فقال له : إن الله قد أنزل عليَّ { ما كان لنبي أن تكون له أسرى } [ الأنفال : 56 ] الآية « » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن مردويه عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبيه عن جده قال « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر ، حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال : كيف ترون؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله بلغنا انهم كذا وكذا ، ثم خطب الناس فقال : كيف ترون؟ فقال عمر مثل قول أبي بكر ، ثم خطب الناس فقال : كيف ترون؟ فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله ايانا تريد .(4/413)
. . ؟ فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لَنَسيرَنَّ معك ، ولا نكونَنَّ كالذين قالوا لموسى { اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون } [ المائدة : 24 ] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكم متبعون ، ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره ، فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له ، فصل حبال من شئت ، واقطع حبال من شئت ، وعاد من شئت ، وسالم من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت . فنزل القرآن على قول سعد { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } إلى قوله { ويقطع دابر الكافرين } وإنما رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غنيمة مع أبي سفيان فأحدث الله إليه القتال « .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } قال : كذلك أخرجك ربك إلى قوله { يجادلونك في الحق } قال : القتال .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } قال : خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر { وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون } قال : لطلب المشركين { يجادلونك في الحق بعدما تبين } انك لا تصنع إلا ما أمرك الله به { كأنما يساقون إلى الموت } حين قيل هم المشركون .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء العدوّ ، وقال له سعد بن عبادة ما قال وذلك يوم بدر ، أمر الناس فتعبوا للقتال وأمرهم بالشوكة ، فكره ذلك أهل الايمان ، فأنزل الله { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } إلى قوله { وهم ينظرون } أي كراهية لقاء المشركين .
وأخرج البزار وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف قال : نزل الإِسلام بالكره والشدّة فوجدنا خير الخير في الكره ، خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فأسكننا سبخة بين ظهراني حرة فجعل الله لنا في ذلك العلا والظفر ، وخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر على الحال التي ذكر الله { وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون } إلى قوله { وهم ينظرون } فجعل الله لنا في ذلك العلا والظفر فوجدنا خير الخير في الكره .
وأخرج ابن جرير عن الزبيري قال : كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر { كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون } خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير .(4/414)
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)
أخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب وموسى بن عقبة قالا « مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل ابن الحضرمي شهرين ، ثم أقبل أبو سفيان بن حرب في عير لقريش من الشام ومعها سبعون راكباً من بطون قريش كلها وفيهم مخرمة بن نوفل ، وعمرو بن العاص ، وكانوا تجاراً بالشام ومعهم خزائن أهل مكة ، ويقال : كانت عيرهم ألف بعير ولم يكن لأحد من قريش أوقية فما فوقها إلا بعث بها مع أبي سفيان إلا حويطب بن عبد العزى ، فلذلك كان تخلف عن بدر فلم يشهده ، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقد كانت الحرب بينهم قبل ذاك ، وقتل ابن الحضرمي وأسر الرجلين عثمان والحكم ، فلما ذكر عير أبي سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عدي بن أبي الزغباء الأنصاري من بني غنم وأصله من جهينة وبسبس - يعني ابن عمرو - إلى العير عينا له ، فسارا حتى أتيا حياً من جهينة قريباً من ساحل البحر ، فسألوهم عن العير وعن تجار قريش ، فأخبروهما بخبر القوم ، فرجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فاستنفر المسلمين للعير وذلك في رمضان .
وقدم أبو سفيان على الجهنيين وهو متخوّف من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال : أحسوا من محمد فأخبروه خبر الراكبين عدي بن أبي الزغباء وبسبب ، وأشاروا له إلى مناخهما فقال أبو سفيان : خذوا من بعر بعيرهما ففته فوجد فيه النوى ، فقال : هذه علائف أهل يثرب وهذه عيون محمد وأصحابه ، فساروا سراعاً خائفين للطلب ، وبعث أبو سفيان رجلاً من بني غفار يقال له ضمضم بن عمرو إلى قريش أن انفروا فاحموا عيركم من محمد وأصحابه فإنه قد استنفر أصحابه ليعرضوا لنا ، وكانت عاتكة بنت عبد المطلب ساكنة بمكة وهي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت مع أخيها العباس بن عبد المطلب ، فرأت رؤيا قبل بدر وقبل قدوم ضمضم عليهم ففزعت منها ، فأرسلت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب من ليلتها ، فجاءها العباس فقالت : رأيت الليلة رؤيا قد أشفقت منها وخشيت على قومك منها الهلكة . قال : وماذا رأيت؟ قالت : لن أحدثك حتى تعاهدني أنك لا تذكرها ، فإنهم إن سمعوها آذونا وأسمعونا ما لا نحب ، فلما عاهدها العباس فقالت : رأيت راكباً أقبل من أعلى مكة على راحلته يصيح بأعلى صوته : يا آل غدر اخرجوا في ليلتين أو ثلاث ، فأقبل يصيح حتى دخل المسجد على راحلته ، فصاح ثلاث صيحات ومال عليه الرجال والنساء والصبيان ، وفزع له الناس أشد الفزع قال : ثم أراه مثل على ظهر الكعبة على راحلته ، فصاح ثلاث صيحات فقال : يا آل غدر ويا آل فجر اخرجوا في ليلتين أو ثلاث ، ثم أراه مثل على ظهر أبي قبيس كذلك يقول : يا آل غدر ويا آل فجر حتى أسمع من بين الأخشبين من أهل مكة ، ثم عمد إلى صخرة فنزعها من أصلها ، ثم أرسلها على أهل مكة فأقبلت الصخرة لها حس شديد حتى إذا كانت عند أصل الجبل ارفضت ، فلا أعلم بمكة داراً ولا بيتاً إلا وقد دخلتها فلقة من تلك الصخرة ، فقد خشيت على قومك .
ففزع العباس من رؤياها ، ثم خرج من عندها فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة من آخر تلك الليلة - وكان الوليد خليلاً للعباس - فقص عليه رؤيا عاتكة وأمره أن لا يذكرها لأحد ، فذكرها الوليد لأبيه عتبة ، وذكرها عتبة لأخيه شيبة ، فارتفع الحديث حتى بلغ أبا جهل بن هشام واستفاض في أهل مكة ، فلما أصبحوا غدا العباس يطوف بالبيت ، فوجد في المسجد أبا جهل ، وعتبة ، وشيبة بن ربيعة ، وأمية ، وأبي ابني خلف ، وزمعة بن الأسود ، وأبا البختري ، في نفر من قريش يتحدثون ، فلما نظروا إلى العباس ناداه أبو جهل : يا أبا الفضل إذا قضيت طوافك فهلم إلينا ، فلما قضى طوافه جاء فجلس إليهم فقال له أبو جهل : ما رؤيا رأتها عاتكة؟! فقال : ما رأت من شيء . فقال أبو جهل : أما رضيتم يا بني هاشم كذب الرجال حتى جئتمونا بكذب النساء ، انا وإياكم كفرسي رهان فاستبقنا المجد منذ حين ، فلما تحاكت الركب قلتم منا نبي فما بقي إلا أن تقولوا منا نبية ، فما أعلم في قريش أهل بيت أكذب امرأة ولا رجل منكم ، وأذاه أشد الأذى وقال أبو جهل : زعمت عاتكة أن الراكب قال : اخرجوا في ليلتين أو ثلاث ، فلو قد مضت هذه الثلاث تبينت قريش كذبكم وكتبت سجلاً إنكم أكذب أهل بيت في العرب رجلاً وامرأة ، أما رضيتم يا بني قصي إن ذهبتم بالحجابة والندوة والسقاية واللواء والوفادة حتى جئتمونا بنبي منكم؟ فقال العباس : هل أنت مُنْتَه ٍفإن الكذب منك ومن أهل بيتك؟ فقال من حضرهما : ما كنت يا أبا الفضل جهولاً خرقاً . ولقي العباس من عاتكة فيما أفشى عليها من رؤياها أذى شديداً .
فلما كان مساء الليلة التي رأت عاتكة فيها الرؤيا ، جاءهم الراكب الذي بعث أبو سفيان ، وهو ضمضم بن عمرو الغفاري فصاح وقال : يا آل غالب بن فهر انفروا فقد خرج محمد وأهل يثرب يعترضون لأبي سفيان فاحرزوا عيركم ، ففزعت قريش أشد الفزع وأشفقوا من رؤيا عاتكة ، وقال العباس : هذا زعمتم كذا وكذب عاتكة فنفروا على كل صعب وذلول ، وقال أبو جهل : أيظن محمد أن يصيب مثل ما أصاب بنخلة ، سيعلم أنمنع عيرنا أم لا . فخرجوا بخمسين وتسعمائة مقاتل ، وساقوا مائة فرس ، ولم يتركوا كارهاً للخروج يظنون أنه في قهر محمد وأصحابه ، ولا مسلماً يعلمون اسلامه ، ولا أحداً من بني هاشم إلا من لا يتهمون إلا أشخصوه معهم ، فكان ممن أشخصوا العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحارث ، وطالب بن أبي طالب ، وعقيل بن أبي طالب في آخرين ، فهنالك يقول طالب بن أبي طالب : » إما يخرجن طالب بمقنب من هذه المقانب في نفر مقاتل يحارب وليكن المسلوب غير السالب والراجع المغلوب غير الغالب فساروا حتى نزلوا الجحفة نزلوها عشاء يتزودون من الماء ومنهم رجل من بني عبد المطلب بن عبد مناف يقال له جهيم بن الصلت بن مخرمة فوضع حهيم رأسه فأغفى ثم فزع فقال لأصحابه : هل رأيتم الفارس الذي وقف علي آنفا ؟ فقالوا : لا إنك مجنون
فقال : قد وقف علي فارس آنفا ! فقال : قتل أبو جهل وعتبة وشيبة وزمعة وأبو البختري وأمية بن خلف فعد أشرافا من كفار قريش
فقال له أصحابه : إنما لعب بك الشيطان ورفع حديث جهيم إلى أبي جهل فقال : قد جئتم بكذب بني المطلب مع كذب بني هاشم سيرون غدا من يقتل
ثم ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم عير قريش جاءت من الشام وفيها أبو سفيان بن حري ومخرمة بن نوفل وعمرو بن العاصي وجماعة من قريش فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلك حين خرج إلى بدر على نقب بني دينار ورجع حين رجع من ثنية الوداع فنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نفر ومعه ثلثمائة وسبعة عشر رجلا وفي رواية ابن فليح : ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا وأبطأ عنه كثير من أصحابه وتربصوا وكانت أول وقعة أعز الله فيها الإسلام فخرج في رمضان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدمه المدينة ومعه المسلمون لا يريدون إلا العير فسلك على نقب بني دينار والمسلمون غير معدين من الظهر إنما خرجوا على النواضح يعتقب الرجل منهم على البعير الواحد وكان زميل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة فهم معه ليس مهعهم إلا بعير واحد فساروا حتى إذا كانوا بعرق الظبية لقيهم راكب من قبل تهامة - والمسلمون يسيرون - فوافقه نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أبي سفيان ؟ فقال : لا علم لي به
فلما يئسوا من خبره فقالوا له : سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : وفيكم رسول الله(4/415)
صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : نعم
قال : أيكم هو ؟ فأشاروا له إليه فقال الأعرابي : أنت رسول الله كما تقول ؟ قال : نعم
قال : إن كنت رسول الله كما تزعم فحدثني بما في بطن ناقتي هذه ؟ فغضب رجل من الأنصارمن بني عبد الأشهل يقال له سلمة بن سلامة بن وقش فقال للأعرابي : وقعت على ناقتك فحملت منك
فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال سلمة حين سمعه أفحش فأعرض عنه ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلقاه خبر ولا يعلم بنفرة قريش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشيروا علينا في أمرنا ومسيرنا ؟ فقال أبو بكر : يا رسول اله أنا أعلم الناس بمسافة الأرض أخبرنا عدي بن أبي الزغباء أن العير كانت بوادي كذا وكذا فكانا وإياهم فرسخان إلى بدر
ثم قال : أشيروا علي ؟ فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله إنها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت والله لتقاتلنك فتأهب لذلك أهبته وأعدد له عدته
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشيروا علي ؟ فقال المقداد بن عمرو : إنا لا نقول لك كما قال أصحاب موسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون المائدة الآية 24 ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون
فقال رسول الله : أشيروا علي ؟ فلما رأى سعد بن معاذ كثرة استشارة النبي أصحابه فيشيرون فيرجع إلى المشورة ظن سعد أنه يستنطق الأنصار شفقا أن لا يستحوذوا معه على ما يريد من أمره فقال سعد بن معاذ لعلك يا رسول الله تخشى أن لا تكون الأنصار يريدون مواساتك ولا يرونها حقا عليهم إلا بأن يروا عدوا في بيوتهم وأولادهم ونسائهم وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم : يا رسول الله فاظعن حيث شئت وخذ من أموالنا ما شئت ثم أعطنا ما شئت وما أخذته منا أحب إلينا مما تركت وما ائتمرت من أمر فأمرنا بأمرك فيه تبع فوالله لو سرت حتى تبلغ البركة من ذي يمن لسرنا معك
فلما قال ذلك سعد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيروا على اسم الله فإني قد رأيت مصارع القوم فعمد لبدر
وخفض أبو سفيان فلصق بساحل البحر وكتب إلى قريش حين خالف مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى أن قد أحرز ما معه وأمرهم أن يرجعوا فإنما أخرجتم لتحرزوا ركبكم فقد أحرز لكم فلقيهم هذا الخبر بالجحفة
فقال أبو جهل : والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم فيها ونطعم من حضرنا من العرب فإنه لن يرانا أحد فيقاتلنا
فكره ذلك الأخنس بن شريق فأحب أن يرجعوا وأشار عليهم بالرجعة فأبوا وعصوا وأخذتهم حمية الجاهلية فلما يئس الأخنس من رجوع قريش أكب على بني زهرة فأطاعوه فرجعوا فلم يشهد أحد منهم بدرا واغتبطوا برأي الأخنس وتبركوا به فلم يزل فيهم مطاعا حتى مات وأرادت بنو هاشم الرجوع فيمن رجع فاشتد عليهم أبو جهل وقال : والله لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل أدنى شيء من بدر ثم بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وبسبسا الأنصاري في عصابة من أصحابه فقال لهم : اندفعوا إلى هذه الظراب وهي في ناحية بدر فإني أرجو أن تجدوا الخبر عند القليب الذي يعلى الظراب فانطلقوا متوشحي السيوف فوجدوا وارد قريش عند القليب الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا غلامين أحدهما لبني الحجاج بن الأسود والآخر لأبي العاصي يقال له أسلم وأفلت أصحابهما قبل قريش فأقبلوا بهما حتى أتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في معرشة دون الماء فجعلوا يسألون العبدين عن أبي سفيان وأصحابه لا يرون إلا أنهم لهم فطفقا يحدثانهم عن قريش ومن خرج منهم وعن رؤوسهم فيكذبونهما وهم أكره شيء للذي يخبرانه وكانوا يطمعون بأبي سفيان وأصحابه ويكرهون قريشا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يصلي يسمع ويرى الذي يصنعون بالعبدين فجعل العبدان إذا أذلقوهما بالضرب يقولان نعم هذا أبو سفيان والركب كما قال الله تعالى أسفل منكم قال الله إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا الأنفال الآية42 قال فطفقوا إذا قال العبد إن هذه قريش قد جاءتكم كذبوهما وإذا قالا هذا أبو سفيان تركوهما
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صنيعهم بهما سلم من صلاته وقال : ماذا أخبراكم ؟ قالوا : أخبرانا أن قريشا قد جاءت
قال : فإنهما قد صدقا والله إنكم لتضربونهما إذا صدقا وتتركونهما إذا كذبا خرجت قريش لتحرز ركبها وخافوكم عليهم ثم دعا رسول الله العبدين فسألهما ؟ فأخبراه بقريش وقالا : لا علم لنا بأبي سفيان فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كم القوم ؟ قالا : لا ندري والله هم كثير
فزعموا أن رسول الله قال : من أطعمهم أمس ؟ فسميا رجلا من القوم
قال : كم نحر لهم ؟ قالا : عشر جزائر
قال : فمن أطعمهم أول أمس ؟ فسميا رجلا آخر من القوم
قال : كم نحر لهم ؟ قالا : تسعا
فزعموا أن رسول الله قال : القوم ما بين التسعمائة والألف يعتبر ذلك بتسع جزائر ينحرونها يوما وعشر ينحرونها يوما
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أشيروا علي في المسير ؟ فقام الحباب بن المنذر أحد بني سلمة فقال : يا رسول الله أنا عالم بها وبقلبها إن رأيت أن تسير إلى قليب منها قد عرفتها كثيرة الماء عذبة فتنزل إليها ونسبق القوم إليها ونغور ما سواها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيروا فإن الله قد وعدكم إحدى الطائفتين أنها لكم فوقع في قلوب ناس كثير الخوف وكان فيهم من تخاذل من تخويف الشيطان فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون مسابقين إلى الماء وسار المشركون سراعا يريدون الماء فأنزل الله عليهم في تلك الليلة مطرا واحدا فكان على المشركين بلاء شديدا منعهم أن يسيروا وكان على المسلمين ديمة خفيفة لبد لهم المسير والمنزل وكانت بطحاء فسبق المسلمون إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل فاقتحم القوم في القليب فما حوها حتى كثر ماؤها وصنعوا حوضا عظيما ثم غوروا ما سواه من المياه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه مصارعهم إن شاء الله بالغداة
وأنزل الله إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام الأنفال الآية 11
ثم صف رسول الله على الحياض فلما طلع المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم إني أسألك ما وعدتني - ورسول الله صلى الله عليه وسلم ممسك بعضد أبي بكر يقول : اللهم إني أسألك ما وعدتني - فقال أبو بكر : أبشر فوالذي نفسي بيده لنيجزن الله لك ما وعدك
فاستنصر المسلمون الله واستعانوه فاستجاب الله لنبيه وللمسلمين وأقبل المشكون ومعهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يحدثهم أن بني كنانة وراءهم قد أقبلوا لنصرهم وأنه لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم لما أخبرهم من مسير بني كنانة وأنزل الله ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس الأنفال الآية 47 هذه الآية والتي بعدها
وقال رجال من المشركين لما رأوا قلة من مع محمد صلى الله عليه وسلم : غر هؤلاء دينهم
فأنزل الله ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم الطلاق الآية 3
وأقبل المشركون حتى نزلوا وتعبوا للقتال والشيطان معهم لا يفارقهم فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال له : هل لك أن تكون سيد قريش ما عشت ؟ قال عتبة فأفعل ماذا ؟ قال : تجير بين الناس وتحمل دم ابن الحضرمي وبما أصاب محمد من تلك العير فإنهم لا يطلبون من محمد غير هذه العير ودم هذا الرجل
قال عتبة : نعم قد فعلت ونعما قلت ونعما دعوت إليه فاسع في عشيرتك فأنا أتحمل بها
فسعى حكيم في أشراف قريش بذلك يدعوهم فيه وركب عتبة جملا له فسار عليه في صفوف المشركين في أصحابه فقال : يا قوم أطيعوني فإنكم لا تطلبون عندهم غير دم ابن الحضرمي وما أصابوا من عيركم تلك وأنا أتحمل بوفاء ذلك ودعوا هذا الرجل فإن كان كاذبا ولي قتله غيركم من العرب فإن فيهم رجالا لكم فيهم قرابة قريبة وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أبيه وأخيه أو ابن أخيه أو ابن عمه فيورث ذلك فيهم احنا وضغائن وإن كان هذا الرجل ملكا كنتم في ملك أخيكم وإن كان نبيا لم تقتلون النبي فتيسئوا به ولن تخلصوا إليهم حتى يصيبوا أعدادهم ولا آمن أن يكون لكم الدبرة عليهم فحسده أبو جهل على مقالته وأبى الله إلا أن ينفذ أمره وعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي - وهو أخو المقتول - فقال : هذا عتبة يخذل بين الناس وقد تحمل بدية أخيك يزعم أنك قابلها أفلا تسحيون من ذلك أن تقبلوا الدية ؟ فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو ينظر إلى عتبة : إن يكن عند أحد من القوم خير فهو عند صاحب الجمل الأحمر وإن يطيعوه يرشدوا
فلما حرض أبو جهل قريشا على القتال أمر النساء يعولن عمر
فقمن يصحن : واعمراه واعمراه
! تحريضا على القتال فاجتمعت قريش على القتال فقال عتبة لأبي جهل : سيعلم اليوم أي الأمرين أرشد
وأخذت قريش مصاف هذا القتال وقالوا لعمير بن وهب : اركب فاحذر محمدا وأصحابه
فقعد عمير على فرسه فأطاف برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم رجع إلى المشركين فقال : حذرتهم بثلثمائة مقاتل زادوا شيئا أو نقصوا شيئا وحذرت سبعين بعيرا ونحو ذلك ولكن أنظروني حتى أنظر هل لهم مدد أو كمين فأطاف حولهم وبعثوا خيلهم معه فأطافوا حولهم ثم رجعوا فقالوا : لا مدد لهم ولا كمين وإنما هم أكلة جزور وقالوا لعمير حرش بين القوم فحمل عمير على الصف بمائة فارس
واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه : لا تقاتلوا حتى أؤذنكم وغشيه نوم فغلبه فلما نظر بعض القوم إلى بعض جعل أبو بكر يقول : يا رسول الله قد دنا القوم ونالوا منا
! فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراه الله إياهم في منامه قليلا وقلل المسلمين في أعين المشركين حتى طمع بعض القوم في بعض ولو أراه عددا كثيرا لفشلوا وتنازعوا في الأمر كما قال الله وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فوعظهم وأخبرهم أن الله قد أوجب الجنة لمن استشهد اليوم
فقام عمير بن الحمام من عجين كان يعجنه لأصحابه حين سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن لي الجنة إن قتلت ؟ قال : نعم
فشد على أعداء الله مكانه فاستشهد وكان أول قتيل قتل ثم أقبل الأسود بن عبد الأسد المخزومي يحلف بآلهته ليشربن من الحوض الذي صنع محمد وليهدمنه فلما دنا من الحوض لقيه حمزة بن عبد المطلب فضرب رجله فقطعها فأقبل يحبو حتى وقع في جوف الحوض وأتبعه حمزة حتى قتله ثم نزل عتبة بن ربيعة عن جمله ونادى : هل من مبارز ولحقه أخوه شيبة والوليد ابنه فناديا يسألان المبارزة فقام إليهم ثلاثة من الأنصار فاستحيا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فناداهم أن ارجعوا إلى مصافكم وليقم إليهم بنو عمهم
فقام حمزة وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب فقتل حمزة عتبة وقتل عبيدة شيبة وقتل علي الوليد وضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها فاستنقذه حمزة وعلي فحمل حتى توفي بالصفراء وعند ذلك نذرت هند بنت عتبة لتأكلن من كبد حمزة إن قدرت عليها فكان قتل هؤلاء النفر قبل إلتقاء الجمعين
وعج المسلمون إلى الله يسألونه النصر حين رأوا القتال قد نشب ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إلى الله يسأله ما وعده ويسأله النصر ويقول : اللهم إن ظهر على هذه العصابة ظهر الشرك ولم يقم لك دين وأبو بكر يقول : يا رسول الله والذي نفسي بيده لينصرنك الله وليبيضن وجهك فأنزل الله جندا في أكناف العدو فقال رسول الله : قد أنزل الله نصره : ونزلت الملائكة عليهم السلام أبشر يا أبا بكر فإني قد رأيت جبريل معتجرا يقود فرسا بين السماء والأرض فلما هبط إلى الأرض جلس عليها فتغيب عني ساعة ثم رأيت على شفته غبارا
وقال أبو جهل : اللهم انصر خير الدينين اللهم ديننا القديم ودين محمد الحديث ونكص الشيطان على عقبيه حين رأى الملائكة عليهم السلام وتبرأ من نصرة أصحابه وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملء كفه من الحصباء فرمى بها وجوه المشركين فجعل الله تلك الحصباء عظيما شأنها لم يترك من المشركين رجلا إلا ملأت عينيه والملائكة عليهم السلام يقتلونهم ويأسرونهم ويجدون النفر كل رجل منهم مكبا على وجهه لا يدري أن يتوجه يعالج التراب ينزعه من عينيه
ورجعت قريش إلى مكة منهزمين مغلوبين وأذل الله بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين فلم يبق بالمدينة منافق ولا يهودي إلا وهو خاضع عنقه لوقعة بدر وكان ذلك يوم الفرقان يوم فرق الله بين الشرك والإيمان وقالت اليهود تيقنا : أنه النبي الذي نجد نعته في التوراة والله لا يرفع راية بعد اليوم إلا ظهرت
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فدخل من ثنية الوداع ونزل القرآن يعرفهم الله نعمته فيما كرهوا من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقال كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون هذه الآية وثلاث آيات معها وقال فيما استجاب للرسول للمؤمنين إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم الأنفال الآية 9 الآية
وأخرى معها وأنزل فيما غشيهم من النعاس إذ يغشيكم النعاس الأنفال الآية 11 الآية
ثم أخبرهم بما أوحى إلى الملائكة من نصرهم فقال إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم الأنفال الآية 12 الآية والتي بعدها
وأنزل في قتل المشركين والقبضة التي رمى بها رسول الله فلم تقلتوهم ولكن الله قتلهم الأنفال الآية 17 الآية والتي بعدها
وأنزل في استفتاحهم إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح الأنفال الآية 19 ثم أنزل يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله في سبع آيات منها وأنزل في منازلهم إذ أنتم بالعدوة الدنيا الأنفال الآية 42 الآية والتي بعدها وأنزل فيما تكلم به من رأى قلة المسلمين غر هؤلاء دينهم الأنفال الآية 49 الآية وأنزل في قتلى المشركين ومن اتبعهم ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الأنفال الآية 50 الآية وثمان آيات معها(4/416)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين } قال « أقبلت عير أهل مكة من الشام فبلغ أهل المدينة ذلك ، فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد العير ، فبلغ أهل مكة ذلك فخرجوا فأسرعوا السير إليها لكي لا يغلب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان الله عز وجل وعدهم إحدى الطائفتين ، وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة وأخصر نفراً ، فلما سبقت العير وفاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم ، فكره القوم مسيرهم لشوكة القوم ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بينهم وبين الماء رملة دعصة ، فأصاب المسلمين ضعف شديد ، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس بينهم ، يوسوسهم تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون مجنبين ، وأمطر الله عليهم مطراً شديداً فشرب المسلمون وتطهروا ، فأذهب الله عنهم رجز الشيطان واشف الرمل من إصابة المطر ، ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم ، وأمد الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بألف من الملائكة عليهم السلام ، فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنبة ، وميكائيل في خمسمائة من الملائكة مجنبة ، وجاء إبليس في جند معه راية في صورة رجال من بني مدلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال الشيطان للمشركين { لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم } [ الأنفال : 48 ] فلما اصطف القوم قال أبو جهل : اللهم أولانا بالحق فانصره . ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال : يا رب إن تهلك هذه العصابة في الأرض فلن تعبد في الأرض أبداً . فقال له جبريل : خذ قبضة من التراب فأرم به وجوههم ، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة فولوا مدبرين ، وأقبل جبريل عليه السلام فلما رآه إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين ، انتزع إبليس يده ثم ولى مدبراً وشيعته فقال الرجل : يا سراقة أتزعم أنك لنا جار؟ فقال : إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله والله شديد العقاب ، فذلك حين رأى الملائكة » .(4/417)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } قال : الطائفتان احداهما أبو سفيان أقبل بالعير من الشام ، والطائفة الأخرى أبو جهل بن هشام معه نفر من قريش ، فكره المسلمون الشوكة والقتال وأحبوا أن يلتقوا العير ، وأراد الله ما أراد .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم } قال : هي عير أبي سفيان ، ودّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إن العير كانت لهم وإن القتال صرف عنهم .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { ويقطع دابر الكافرين } أي يستأصلهم .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر : عليك العير ليس دونها شيء ، فناداه العباس رضي الله عنه وهو في وثاقه أسير : أنه لا يصلح لك . قال : ولم؟ قال : لأن الله إنما وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك . قال : صدقت .(4/418)
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو عوانة وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال « حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلثمائة رجل وبضعة عشر رجلاً ، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة ، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم مد يده وجعل يهتف بربه : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإِسلام لا تعبد في الأرض . فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه ، فأتاه أبو بكر رضي الله عنه ، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله تعالى { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } .
فلما كان يومئذ والتقوا هزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلاً ، واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً رضي الله عنهم؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة ، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوّة لنا على الكفار ، وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضداً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت : ما رأى أبو بكر ، ولكني أرى أن تمكنني من فلان قريب لعمر فأضرب عنقه حتى يعلم الله تعالى أنه ليس في قلوبنا مودة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم . فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر رضي الله عنه ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء ، فلما كان من الغد قال عمر رضي الله عنه : فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه وهما يبكيان . فقلت : يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك ، فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما . . . ؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم : الذي عرض على أصحابك من أخذ الفداء قد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة الشجرة قريبة ، وأنزل الله تعالى { ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } [ الأنفال : 67 ] إلى قوله { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم } من الفداء ثم أحل لهم الغنائم ، فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء ، فقتل منهم سبعون ، وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه . فأنزل الله تعالى { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم } [ آل عمران : 165 ] بأخذكم الفداء . قال ابن عباس رضي الله عنهما : بينما رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالصوت فوقه وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه ، فخر مستلقياً فنظر إليه فإذا هو قد خطم وشق وجهه كضربة السوط ، فاحضر ذلك أجمع ، فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : صدقت ، ذاك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين » .(4/419)
وأخرج ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال : نزل جبريل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر رضي الله عنه ، ونزل ميكائيل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الميسرة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة رضي الله عنه « أن رسول الله قال يوم بدر : هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب » .
وأخرج سنيد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال : ما أمد النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذه الألف التي ذكر الله تعالى في الأنفال ، وما ذكر الثلاثة آلاف أو الخمسة آلاف إلا بشرى ، ثم أمدوا بالألف ما أمدوا بأكثر منه .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه وكان من أهل بدر قال : « جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال » من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها . قال : وكذلك من شهد بدراً من الملائكة « » .
وأخرج أبو الشيخ عن عطية بن قيس رضي الله عنه قال : وقف جبريل عليه السلام على فرس أخضر أنثى قد علاه الغبار ، وبيد جبريل عليه السلام رمح وعليه درع فقال : يا محمد إن الله بعثني إليك فأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى فهل رضيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { مردفين } يقال : المدد .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { مردفين } يقال : المدد .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { مردفين } قال : وراء كل ملك ملك .(4/420)
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي رضي الله عنه قال : كان ألف مردفين وثلاثة آلاف منزلين فكانوا أربعة آلاف ، وهم مدد المسلمين في ثغورهم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { مردفين } قال : ممدين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله { مردفين } قال : متتابعين ، أمدهم الله تعالى بألف ، ثم بثلاثة ، ثم أكملهم خمسة آلاف { وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم } قال : يعني نزول الملائكة عليهم السلام قال : وذكر لنا أن عمر رضي الله عنه قال : أما يوم بدر فلا نشك أن الملائكة عليهم السلام كانوا معنا ، وأما بعد ذلك فالله أعلم .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه { مردفين } قال : بعضهم على أثر بعض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وما جعله الله إلا بشرى } قال : إنما جعلهم الله يستبشر بهم .(4/421)
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)
أخرج أبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن علي رضي الله عنه قال : ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت الشجرة حتى أصبح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب رضي الله عنه في قوله { إذ يغشاكم النعاس أمنة منه } قال : بلغنا أن هذه الآية أنزلت في المؤمنين يوم بدر ، فيما أغشاهم الله من النعاس أمنة منه .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { أمنة } قال : أمنا من الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال : النعاس في الرأس ، والنوم في القلب .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : كان النعاس أمنة من الله ، وكان النعاس نعاسين . نعاس يوم بدر ، ونعاس يوم أحد .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه في قوله { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } قال : طس كان يوم بدر .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } قال : المطر : أنزله عليهم قبل النعاس فاطفأ بالمطر الغبار ، والتبدت به الأرض ، وطابت به أنفسهم ، وثبتت به أقدامهم .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال : بعث الله السماء وكان الوادي دهساً ، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبد الأرض ولم يمنعهم المسير ، وأصاب قريشاً ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ من طريق ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما . أن المشركين غلبوا المسلمين في أول أمرهم على الماء ، فظمىء المسلمون وصلوا مجنبين محدثين فكانت بينهم رمال ، فألقى الشيطان في قلوبهم الحزن وقال : أتزعمون أن فيكم نبياً وإنكم أولياء الله وتصلون مجنبين محدثين؟ فأنزل الله من السماء ماء فسال عليهم الوادي ماء ، فشرب المسلمون وتطهروا وثبتت أقدامهم وذهبت وسوسته .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { رجز الشيطان } قال : وسوسته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وليربط على قلوبكم } قال : بالصبر { ويثبت به الأقدام } قال : كان ببطن الوادي دهاس ، فلما مطر اشتد الرملة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { ويثبت به الأقدام } قال : حتى يشتد على الرمل ، وهو وجه الأرض .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تلك الليلة ليلة بدر ، ويقول : اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد ، وأصابهم تلك الليلة مطر شديد ، فذلك قوله { ويثبت به الأقدام } .(4/422)
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)
أخرج ابن أبي حاتم أخبرنا أبو بدر عباد بن الوليد المغبري فيما كتب إلي قال : سمعت أبا سعيد أحمد بن داود الحداد يقول : إنه لم يقل الله لشيء أنه معه إلا للملائكة يوم بدر . قال : إني معكم بالنصر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال : لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : قال أبي : يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وان أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « إن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا عليها نزلوا على الماء يوم بدر فغلبوا المؤمنين عليه ، فأصاب المؤمنين الظمأ فجعلوا يصلون مجنبين ومحدثين؟ فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزن فقال لهم : أتزعمون أن فيكم النبي صلى الله عليه وسلم وإنكم أولياء الله وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلون مجنبين ومحدثين؟ حتى تعاظم ذلك في صدور أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فأنزل الله من السماء ماء حتى سال الوادي ، فشرب المؤمنون ، وملأوا الأسقية ، وسقوا الركاب ، واغتسلوا من الجنابة ، فجعل الله في ذلك طهوراً وثبت أقدامهم ، وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة ، فبعث الله المطر عليها فلبدها حتى اشتدت وثبت عليها الأقدام ، ونفر النبي صلى الله عليه وسلم بجميع المسلمين وهم يومئذ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، منهم سبعون ومائتان من الأنصار وسائرهم من المهاجرين ، وسيد المشركين يومئذ عتبة بن ربيعة لكبر سنه .
فقال عتبة : يا معشر قريش إني لكم ناصح وعليكم مشفق لا أدخر النصيحة لكم بعد اليوم ، وقد بلغتم الذي تريدون وقد نجا أبو سفيان فارجعوا وأنتم سالمون ، فإن يكن محمد صادقاً فأنتم أسعد الناس بصدقه ، وإن يك كاذباً فأنتم أحق من حقن دمه . فالتفت إليه أبو جهل فشتمه وفج وجهه وقال له : قد امتلأت أحشاؤك رعباً . فقال له عتبة : سيعلم اليوم من الجبان المفسد لقومه .
فنزل عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، حتى إذا كانوا أقرب أسنة المسلمين قالوا : ابعثوا إلينا عدتنا منكم نقاتلهم . فقام غلمة من بني الخزرج فاجلسهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : يا بني هاشم أتبعثون إلى أخويكم - والنبي منكم - غلمة بني الخزرج؟ فقام حمزة بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبيدة بن الحارث ، فمشوا إليهم في الحديد فقال عتبة : تكلموا نعرفكم ، فإن تكونوا أكفاءنا نقاتلكم . فقال حمزة رضي الله عنه : أنا أسد الله وأسد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له عتبة : كفء كريم . فوثب إليه شيبة فاختلفا ضربتين فضربه حمزة فقتله ، ثم قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة فاختلفا ضربتين فضربه علي رضي الله عنه فقتله ، ثم قام عبيدة فخرج إليه عتبة فاختلفا ضربتين فجرح كل واحد منهما صاحبه ، وكر حمزة على عتبة فقتله ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال » اللهم ربنا أَنْزَلْتَ عليَّ الكتاب وأمرتني بالقتال ووعدتني النصر ولا تخلف الميعاد « فأتاه جبريل عليه السلام ، فأنزل عليه { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } [ آل عمران : 124 ] فأوحى الله إلى الملائكة { إني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } فقتل أبو جهل في تسعة وستين رجلاً ، وأسر عقبة بن أبي معيط فقتل صبراً ، فوفى ذلك سبعين وأسر سبعون .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن بعض بني ساعدة قال : سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه بعدما أصيب بصره يقول : لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى ، فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس ، وأوحى الله : إليهم إني معكم فثبتوا الذين آمنوا ، وتثبيتهم أن الملائكة عليهم السلام تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول : ابشروا فإنهم ليسوا بشيء والله معكم كروا عليهم ، فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه وقال : إني بريء منكم وهو في صورة سراقة ، وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول : لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه كان على موعد من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ثم قال : واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمداً وأصحابه في الحبال ، فلا تقتلوا وخذوهم أخذاً » .(4/423)
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال « لما حضر القتال ورسول الله صلى الله عليه وسلم رافع يديه يسأل الله النصر ، ويقول : اللهم إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك ، ولا يقوم لك دين ، وأبو بكر رضي الله عنه يقول : والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك ، فأنزل الله عز وجل ألفاً من الملائكة مردفين عند أكتاف العدو ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبشر يا أبا بكر هذا جبريل عليه السلام معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض ، فلما نزل إلى الأرض تغيب عني ساعة ثم نزل على ثناياه النقع ، يقول : أتاك نصر الله إذ دعوته » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال : كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة عليهم السلام ممن قتلوهم بضرب على الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به .(4/424)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { فاضربوا فوق الأعناق } يقول : الرؤوس .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطية رضي الله عنه في قوله { فاضربوا فوق الأعناق } قال : اضربوا الأعناق .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { فاضربوا فوق الأعناق } يقول : اضربوا الرقاب .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { واضربوا منهم كل بنان } قال : كل مفصل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي رضي الله عنه في قوله { واضربوا منهم كل بنان } قال : أضرب منه الوجه والعين ، وارمه بشهاب من نار .
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى { واضربوا منهم كل بنان } قال : أطراف الأصابع وبلغة هذيل الجسد كله . قال : فأنشدني في كلتيهما؟ قال : نعم ، أما أطراف الأصابع فقول عنترة العبسي :
فنعم فوارس الهيجاء قومي ... إذا علق الأعنة بالبنان
وقال الهذلي في الجسد :
لها أسد شاكي البنان مقذف ... له لبد أظفاره لم تقلم
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي داود المازني رضي الله عنه قال : بينا أنا أتبع رجلاً من المشركين يوم بدر ، فاهويت إليه بسيفي فوقع رأسه قبل أن يصل سيفي إليه ، فعرفت أن قد قتلته غيري .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } قال : ما وقعت يومئذ ضربة إلا برأس أو وجه أو مفصل .(4/425)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)
أخرج البخاري في تاريخه والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن نافع رضي الله عنه أنه سأل ابن عمر رضي الله عنهما قال : إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا ولا ندري من الفئة أمامنا أو عسكرنا؟ فقال لي : الفئة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : إن الله تعالى يقول { إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار } قال : إنما أنزلت هذه الآية في أهل بدر لا قبلها ولا بعدها .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قوله { ومن يولهم يومئذ دبره } قال : إنها كانت لأهل بدر خاصة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي نضرة رضي الله عنه في قوله { ومن يولهم يومئذ دبره } الآية . قال : نزلت يوم بدر ولم يكن لهم أن ينحازوا ، ولو انحازوا لم ينحازوا إلا للمشركين .
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لا تغرنكم هذه الآية فإنها كانت يوم بدر ، وأنا فئة لكل مسلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : ذاكم يوم بدر لأنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : نزلت في أهل بدر خاصة ، ما كان لهم أن يهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتركوه .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله { ومن يولهم يومئذ دبره } قال : إنما كانت يوم بدر خاصة ، ليس الفرار من الزحف من الكبائر .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { ومن يولهم يومئذ دبره } قال : ذاك في يوم بدر .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال : إنما كان يوم بدر ولم يكن للمسلمين فئة ينحازون إليها .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه { ومن يولهم يومئذ دبره } قال : يرون أن ذلك في بدر ، ألا ترى أنه يقول { ومن يولهم يومئذ دبره } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه قال : أوجب الله تعالى لمن فر يوم بدر النار . قال : ومن يولهم يومئذ دبره إلى قوله { فقد باء بغضب من الله } فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال(4/426)
{ إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم } [ آل عمران : 155 ] ثم كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين فقال { ثم وليتم مدبرين } [ التوبة : 25 ] . { ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء } [ التوبة : 27 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { ومن يولهم يومئذ دبره } قال : يعني يوم بدر خاصة منهزماً { إلا متحرفاً لقتال } يعني مستطرداً يريد الكرة على المشركين { أو متحيزاً إلى فئة } يعني أو ينحاز إلى أصحابه من غير هزيمة { فقد باء بغضب من الله } يقول : استوجب سخطاً من الله { ومأواه جهنم وبئس المصير } فهذا يوم بدر خاصة ، كأن الله شدد على المسلمين يومئذ ليقطع دابر الكافرين ، وهو أول قتال قاتل فيه المشركين من أهل مكة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال : المتحرف : المتقدم في أصحابه ، إنه يرى غرة من العدو فيصيبها ، والمتحيز : الفار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وكذلك من فر اليوم إلى أميره وأصحابه قال : وإنما هذه وعيد من الله تعالى لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يفروا ، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم ثبتهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه في قوله { ومن يولهم يومئذ دبره } قال : هذه منسوخة بالآية التي في الأنفال { الآن خفف الله عنكم } [ الأنفال : 66 ] .
وأخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الفرار من الزحف من الكبائر لأن الله تعالى قال { ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال } الآية .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : الفرار من الزحف من الكبائر .
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد واللفظ له وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : « كنا في غزاة ، فحاص الناس حيصه قلنا : كيف نلقى النبي صلى الله عليه وسلم وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟! فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر ، فخرج فقال » من القوم . . . ؟ فقلنا : نحن الفرارون . فقال : لا بل أنتم العكارون . فقبلنا يده فقال : أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين ، ثم قرأ { إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة } « » .
وأخرج ابن مردويه عن أمامة رضي الله عنها مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كنت أوضىء النبي صلى الله عليه وسلم أفرغ على يديه ، إذ دخل عليه رجل فقال : يا رسول الله أريد اللحوق بأهلي فأوصني بوصية أحفظها عنك .(4/427)
قال « لا تفر يوم الزحف ، فإنه من فرَّ يوم الزحف فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير » .
وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من فر من اثنين فقد فر .
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : « لما نزلت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار . . . } الآية . قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم » قاتلوا كما قال الله « » .
وأخرج أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه استعاذ من سبع موتات . موت الفجأة ، ومن لدغ الحية ، ومن السبع ، ومن الغرق ، ومن الحرق ، ومن أن يخر عليه شيء ، ومن القتل عند فرار الزحف » .
وأخرج أحمد عن أبي اليسر رضي الله عنه « أن رسول الله كان يدعو بهؤلاء الكلمات السبع يقول : اللهم إني أعوذ بك من الهرم ، وأعوذ بك من الغم والغرق والحرق ، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً ، وأعوذ بك أن أموت لديغاً » .
وأخرج ابن سعد وأبو داود والترمذي والبيهقي في الأسماء والصفات عن بلال بن يسار عن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه عن جده « أنه سمع رسول الله يقول : من قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف » .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله « من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ثلاثاً غفرت ذنوبه وإن كان فر من الزحف » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مثله موقوفاً ، وله حكم الرفع . والله تعالى أعلم .(4/428)
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فلم تقتلوهم } قال : لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين قال هذا قتلت وهذا قتلت { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } قال : محمد صلى الله عليه وسلم حين حصب الكفار .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وما رميت إذ رميت } قال : رماهم يوم بدر بالحصباء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال : ما وقع شيء من الحصباء إلا في عين رجل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } قال : هذا يوم بدر ، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصيات فرمى بحصاة بين أظهرهم ، فقال : شاهت الوجوه فانهزموا .
وأخرج ابن عساكر عن محكول رضي الله عنه قال : لما كرَّ علي وحمزة على شيبة بن ربيعة ، غضب المشركون وقالوا : اثنان بواحد؟! فاشتغل القتال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اللهم إنك أمرتني بالقتال ووعدتني النصر ولا خلف لوعدك ، وأخذ قبضة من حصى فرمى بها في وجوههم فانهزموا بإذن الله تعالى ، فذلك قوله { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال « لما كان يوم بدر سمعنا صوتاً وقع من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت في طست ، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الحصباء وقال : شاهت الوجوه . فانهزمنا ، فذلك قول الله تعالى { وما رميت إذ رميت } الآية » .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال : « سمعت صوت حصيات وقعن من السماء يوم بدر كأنهن وقعن في طست ، فلما اصطف الناس أخذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى بهن في وجوه المشركين فانهزموا ، فذلك قوله { وما رميت إذ رميت } قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه » ناولني قبضة من حصباء . فناوله فرمى بها في وجوه القوم ، فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء ، فنزلت هذه الآية { وما رميت إذ رميت } الآية « » .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي رضي الله عنهما قالا : لما دنا القوم بعضهم من بعض ، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم وقال : شاهت الوجوه .(4/429)
فدخلت في أعينهم كلهم ، وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ، وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } إلى قوله { سميع عليم } « .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد أخذ أبي بن خلف يركض فرسه حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واعترض رجال من المسلمين لأبي بن خلف ليقتلوه ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم » استأخروا فاستأخروا ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حربته في يده ، فرمى بها أبي بن خلف وكسر ضلعاً من أضلاعه ، فرجع أبي بن خلف إلى أصحابه ثقيلاً فاحتملوه حين ولوا قافلين ، فطفقوا يقولون : لا بأس ، فقال أبي حين قالوا له ذلك : والله لو كانت بالناس لقتلتهم ، ألم يقل إني أقتلك إن شاء الله؟ فانطلق به أصحابه ينعشونه حتى مات ببعض الطريق فدفنوه ، قال ابن المسيب رضي الله عنه : وفي ذلك أنزل الله تعالى { وما رميت إذ رميت . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب والزهري رضي الله عنهما قالا : أنزلت في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبي بن خلف بالحربة وهو في لامته ، فخدشه في ترقوته فجعل يتدأدأ عن فرسه مراراً حتى كانت وفاته بها بعد أيام ، قاسى فيها العذاب الأليم موصولاً بعذاب البرزخ المتصل بعذاب الآخرة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الزهري رضي الله عنه في قوله { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } قال : حيث رمى أبي بن خلف يوم أحد بحربته فقيل له : إن يك الأجحش . قال : أليس قال : أنا أقتلك؟ والله لو قالها لجميع الخلق لماتوا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه « أن رسول الله - يوم ابن أبي الحقيق - دعا بقوس : فأتى بقوس طويلة فقال : جيئوني بقوس غيرها . فجاءوه بقوس كيداء ، فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصن ، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق في فراشه ، فأنزل الله { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } » .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله { ولكن الله رمى } أي لم يكن ذلك برميتك لولا الذي جعل الله تعالى من نصرك وما ألقى في صدور عدوك منها حتى هزمتهم { وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً } أي يعرف المؤمنين من نعمته عليهم في إظهارهم عدوّهم مع كثرة عدوّهم وقلة عددهم ، ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته .(4/430)
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن منده والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير . أن أبا جهل قال حين التقى القوم : اللهم اقطعنا للرحم وأتانا بما لا نعرف فاحنه الغداة . فكان ذلك استفتاحاً منه ، فنزلت { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } الآية .
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { إن تستفتحوا } يعني المشركين ، إن تستنصروا فقد جاءكم المدد .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية رضي الله عنه قال : قال أبو جهل يوم بدر : اللهم انصر إحدى الفئتين ، وأفضل الفئتين ، وخير الفئتين . فنزلت { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } .
وأخرج أبو عبيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ « إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنهم فئتهم من الله شيئاً » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } قال : كفار قريش في قولهم : ربنا افتح بيننا وبين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ففتح بينهم يوم بدر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } قال : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء في يوم بدر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله { وإن تنتهوا } قال : عن قتال محمد صلى الله عليه وسلم { وإن تعودوا نعد } قال : إن تستفتحوا الثانية افتح لمحمد صلى الله عليه وسلم { وأن الله مع المؤمنين } قال : مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { وإن تعودوا نعد } يقول : نعد لكم بالأسر والقتل .(4/431)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وهم لا يسمعون } قال : عاصون .(4/432)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22)
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله { إن شر الدواب عند الله } قال : هم الكفار .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إن شر الدواب عند الله } قال : هم نفر من قريش من بني عبد الدار .
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { الصم البكم الذين لا يعقلون } قال : لا يتبعون الحق .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : أنزلت في حي من أحياء العرب من بني عبد الدار .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث وقومه .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { إن شر الدواب عند الله } قال : الدواب الخلق ، وقرأ { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة } [ فاطر : 45 ] . { وما من دابة في الأرض إلا على رزقها } [ هود : 6 ] قال : هذا يدخل في هذا .(4/433)
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله { ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم } أي لأعد لهم قولهم الذي قالوا بألسنتهم ولكن القلوب خالفت ذلك منهم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { ولو أسمعهم } بعد أن يعلم أن لا خير فيهم ما نفعهم بعد أن ينفذ علمه بأنهم لا ينتفعون به .
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في الآية قال : قالوا : نحن صم عما يدعونا إليه محمد لا نسمعه بكم لا نجيبه فيه بتصديق ، قتلوا جميعاً بأحد ، وكانوا أصحاب اللواء يوم أحد .(4/434)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إذا دعاكم لما يحييكم } قال : هو هذا القرآن فيه الحياة والتقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله { إذا دعاكم لما يحييكم } أي للحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل ، وقوّاكم بها بعد الضعف ، ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم .
وأخرج ابن أبي شيبة وحشيش بن أصرم في الاستقامة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } قال : يحول بين المؤمن وبين الكفر ومعاصي الله ، ويحول بين الكافر وبين الإِيمان وطاعة الله .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية { يحول بين المرء وقلبه } قال » يحول بين المؤمن والكفر ، ويحول بين الكافر وبين الهدى « » .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } قال : يحول بين الكافر وبين أن يعي باباً من الخير أو يعمله أو يهتدي له .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } قال : علمه يحول بين المرء وقلبه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي غالب الخلجي قال : سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قول الله { يحول بين المرء وقلبه } قال : يحول بين المؤمن وبين معصيته التي تستوجب بها الهلكة ، فلا بد لابن آدم أن يصيب دون ذلك ، ولا يدخل على قلبه الموبقات التي يستوجب بها دار الفاسقين ، ويحول بين الكافر وبين طاعته ما يستوجب ما يصيب أولياءه من الخير شيئاً ، وكان ذلك في العلم السابق الذي ينتهي إليه أمر الله تعالى ، وتستقر عنده أعمال العباد .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي غالب قال : « سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله { يحول بين المرء وقلبه } قال : قد سبقت بها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وصف لهم عن القضاء قال لعمر رضي الله عنه وغيره ممن سأله من أصحابه » اعمل فكل ميسر . قال : وما ذاك التيسير؟ قال : صاحب النار ميسر لعمل النار ، وصاحب الجنة ميسر لعمل الجنة « » .
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . أنه سمع غلاماً يدعو : اللهم إنك تحول بين المرء وقلبه فحل بيني وبين الخطايا فلا أعمل بسوء منها . فقال عمر رضي الله عنه : رحمك الله ، ودعا له بخير .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله { يحول بين المرء وقلبه } قال : في القرب منه .(4/435)
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)
أخرج أحمد والبزار وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر عن مطرف قال : قلنا للزبير : يا أبا عبد الله ضيعتم الخليفة حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه؟ فقال : الزبير رضي الله عنه : إنا قرأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعمر وعثمان رضي الله عنهم { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } ، ولم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت فينا حيث وقعت .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ونعيم بن حماد في الفتن وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن الزبير رضي الله عنه قال : لقد قرأنا زماناً وما نرى إنا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } قال : البلاء ، والأمر الذي هو كائن .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه في قوله { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } قال : نزلت في علي وعثمان وطلحة والزبير .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه في الآية قال : أما والله لقد علم أقوام حين نزلت أنه سيخص بها قوم .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : علم - والله - ذو الألباب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية أنه سيكون فتن .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال : نزلت في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال : هذه نزلت في أهل بدر خاصة ، فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا ، فكان من المقتولين طلحة والزبير وهما من أهل بدر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } قال : أخبرت أنهم أصحاب الجمل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } قال : تصيب الظالم والصالح عامة .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } قال : هي يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { واتقوا فتنة . . . } الآية . قال : أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب .(4/436)
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)
أخرج ابن المنذر وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { واذكروا إذ أنتم قليل . . . } الآية . قال : كان هذا الحي أذل الناس ذلاً ، وأشقاه عيشاً ، وأجوعه بطوناً ، وأعراه جلوداً ، وأبينه ضلالة ، معكوفين على رأس حجر بين فارس والروم . لا والله ما في بلادهم يحسدون عليه ، من عاش منهم عاش شقياً ، ومن مات منهم ردى في النار ، يؤكلون ولا يأكلون . لا والله ما نعلم قبيلا ًمن حاضر الأرض يومئذ كان أشر منزلاً منهم حتى جاء الله بالإِسلام فمكن به في البلاد ، ووسع به في الرزق ، وجعلكم به ملوكاً على رقاب الناس ، وبالإِسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا لله نعمه فإن ربكم منعم يحب الشكر ، وأهل الشكر في مزيد من الله عز وجل .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { يتخطفكم الناس } قال : في الجاهلية بمكة فآواكم إلى الإِسلام .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب رضي الله عنه في قوله { يتخطفكم الناس } قال : الناس إذ ذاك : فارس والروم .
وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم والديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس رضي الله عنهما « عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس } قيل : يا رسول الله ومن الناس؟ قال » أهل فارس « » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله { فآواكم } قال : إلى الأنصار بالمدينة { وأيدكم بنصره } قال : يوم بدر .(4/437)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه . أن أبا سفيان خرج من مكة ، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا . فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان : إن محمداً صلى الله عليه وسلم يريدكم ، فخذوا حذركم ، فأنزل الله { لا تخونوا الله والرسول } الآية .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن قتادة رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية { لا تخونوا الله والرسول } في أبي لبابة بن عبد المنذر ، سألوه يوم قريظة ما هذا الأمر؟ فأشار إلى حلقه أنه الذبح ، فنزلت قال أبو لبابة رضي الله عنه : ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله .
وأخرج سنيد وابن جرير عن الزهري رضي الله عنه في قوله { لا تخونوا الله والرسول . . . } الآية . قال « نزلت في أبي لبابة رضي الله عنه ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلى حلقه أنه الذبح ، فقال أبو لبابة رضي الله عنه : لا والله لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب عليّ ، فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى خر مغشياً عليه ، ثم تاب الله عليه فقيل له : يا أبا لبابة قد تيب عليك . قال : لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني . فجاء فحله بيده » .
وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا لبابة رضي الله عنه إلى قريظة وكان حليفاً لهم ، فأومأ بيده أي الذبح ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمرأة أبي لبابة . أيصلي ويصوم ويغتسل من الجنابة؟ فقالت : إنه ليصلي ويصوم ويغتسل من الجنابة ويحب الله ورسوله . فبعث إليه فأتاه فقال : يا رسول الله والله إني لأصلي وأصوم وأغتسل من الجنابة . وإنما نهست إلى النساء والصبيان فوقعت لهم ما زالت في قلبي حتى عرفت أني خنت الله ورسوله » .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول } قال : نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه نسختها الآية التي في براءة { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } [ التوبة : 102 ] .
وأخرج ابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه قال « لما كان شأن بني قريظة ، بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه فيمن كان عنده من الناس ، انتهى إليهم وقعوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس أبلق ، فقالت عائشة رضي الله عنها : فلكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح الغبار عن وجه جبريل عليه السلام ، فقلت : هذا دحية يا رسول الله؟ قال : هذا جبريل .(4/438)
فقال : يا رسول الله ما يمنعك من بني قريظة أن تأتيهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فكيف لي بحصنهم؟ فقال جبريل عليه السلام : إني أدخل فرسي هذا عليهم ، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً معروراً ، فلما رآه علي رضي الله عنه قال : يا رسول الله لا عليك أن لا تأتيهم فإنهم يشتمونك . فقال : كلا إنها ستكون تحية ، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا أخوة القردة والخنازير . فقالوا : يا أبا القاسم ما كنت فحاشاً . . . ؟! فقالوا : لا ننزل على حكم محمد صلى الله عليه وسلم ولكننا ننزل على حكم سعد بن معاذ ، فنزلوا فحكم فيهم : أن تقتل مقاتلتهم ، وتسبى ذراريهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بذلك طرقني الملك سحراً ، فنزل فيهم { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } نزلت في أبي لبابة رضي الله عنه ، أشار إلى بني قريظة حين قالوا : ننزل على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه ، لا تفعلوا فإنه الذبح وأشار بيده إلى حلقه « .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لا تخونوا الله } قال : بترك فرائضه { والرسول } بترك سنته وارتكاب معصيته { وتخونوا أماناتكم } يقول : لا تنقصوها والأمانة التي ائتمن الله عليها العباد .
وأخرج ابن جرير عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية في قتل عثمان رضي الله عنه .
وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه في قوله { لا تخونوا الله والرسول } هو الإِخلال بالسلاح في المغازي .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ رضي الله عنه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ما منكم من أحد إلا وهو يشتمل على فتنة لأن الله يقول { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله من مضلات الفتن .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة } قال : فتنة الاختبار اختبرهم وقرأ قول الله تعالى { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } [ الأنبياء : 35 ] .(4/439)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يجعل لكم فرقاناً } قال : نجاة .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يجعل لكم فرقاناً } قال : نصراً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { يجعل لكم فرقاناً } يقول : مخرجاً في الدنيا والآخرة .(4/440)
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)
أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والخطيب عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك } قال : تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق - يريدون النبي صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم : بل اقتلوه ، وقال بعضهم : بل أخرجوه . فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فبات علي رضي الله عنه على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون علياً رضي الله عنه يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبحوا ثاروا إليه ، فلما رأوه علياً رضي الله عنه رد الله مكرهم فقالوا : أين صاحبك هذا؟ قال : لا أدري . . . ! فاقتصوا أثره ، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا في الجبل ، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاث ليال .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما . أن نفراً من قريش ومن أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة ، واعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل ، فلما رأوه قالوا : من أنت؟ قال : شيخ من أهل نجد ، سمعت بما اجتمعتم له فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم مني رأي ونصح . قالوا : أجل فادخل فدخل معهم فقال : انظروا في شأن هذا الرجل - فوالله - ليوشكن أن يواتيكم في أمركم بأمره . فقال قائل : احبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء : زهير ونابغة ، فإنما هو كأحدهم فقال عدوّ الله الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي ، والله ليخرجن رائد من محبسه لأصحابه ، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم ثم يمنعوه منكم ، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم فانظروا في غير هذا الرأي . فقال قائل : فأخرجوه من بين أظهركم فاستريحوا منه ، فإنه إذا خرج لم يضركم ما صنع وأين وقع ، وإذا غاب عنكم أذاه استرحتم منه فإنه إذا خرج لم يضركم ما صنع وكان أمره في غيركم . فقال الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي ، ألم تروا حلاوة قوله ، وطلاقة لسانه ، وأخذه القلوب بما تستمع من حديث؟ والله لئن فعلتم ثم استعرض العرب لتجتمعن إليه ، ثم ليسيرن إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم . قالوا : صدق - والله - فانظروا رأياً غير هذا . فقال أبو جهل : والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره .(4/441)
قالوا : وما هذا؟ قال : تأخذوا من كل قبيلة غلاماً وسطاً شاباً مهداً ، ثم يعطى كل غلام منهم سيفاً صارماً ، ثم يضربوه به - يعني ضربة رجل واحد - فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل كلها ، فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلهم ، وإنهم إذا أرادوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه . فقال الشيخ النجدي : هذا - والله - هو الرأي ، القول ما قال الفتى لا أرى غيره ، فتفرقوا على ذلك وهم مجتمعون له . فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ، وأخبره بمكر القوم ، فلم يبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته تلك الليلة ، وأذن الله له عند ذلك في الخروج وأمرهم بالهجرة وافترض عليهم القتال ، فأنزل الله { أُذن للذين يقاتلون } [ الحج : 39 ] فكانت هاتان الآيتان أول ما نزل في الحرب ، وأنزل بعد قدومه المدينة يذكره نعمته عليه { وإذ يمكر بك الذين كفروا } الآية .
وأخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال « لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له عمه أبو طالب : هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال : يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني . قال : من حدثك بهذا؟ قال : ربي . قال : نعم الرب ربك استوص به خيراً . . . ! قال : أنا استوصي به بل هو يستوصي بي » .
وأخرج ابن جرير من طريق عبيد بن عمير رضي الله عنه عن المطلب بن أبي وداعة « أنا أبا طالب قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما يأتمر بك قومك؟ قال : يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني . قال : من حدثك بهذا؟ قال : ربي . قال : نعم الرب ربك فاستوص به خيراً . . . ! قال : أنا أستوصي به بل هو يستوصي بي : فنزلت { وإذ يمكر بك الذين كفروا } » .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه { وإذ يمكر بك الذين كفروا } قال : هي مكية .
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : « سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأيام ، سئل عن يوم السبت فقال » هو يوم مكر وخديعة « . قالوا : وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال : فيه مكرت قريش في دار الندوة إذ قال الله { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { ليثبتوك } يعني ليوثقوك .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : دخلوا دار الندوة يأتمرون بالنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : لا يدخل عليكم أحد ليس منكم ، فدخل معهم الشيطان في صورة شيخ من أهل نجد ، فتشاوروا فقال أحدهم : نخرجه : فقال الشيطان : بئسما رأى هذا هو قد كاد أن يفسد فيما بينكم وهو بين أظهركم فكيف إذا أخرجتموه فأفسد الناس ثم حملهم عليكم يقاتلونكم .(4/442)
قالوا : نعم ما رأى هذا . . . ! فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فخرج هو وأبو بكر رضي الله عنه إلى غار في جبل يقال له ثور ، وقام علي بن أبي طالب على فراش النبي صلى الله عليه وسلم وباتوا يحرسونه يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبحوا ثاروا إليه فإذا هم بعلي رضي الله عنه . فقالوا : أين صاحبك؟ فقال : لا أدري . . . ! فاقتصوا أثره حتى بلغوا الغار ثم رجعوا ، ومكث فيه هو وأبو بكر رضي الله عنه ثلاث ليال .
وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة رضي الله عنه . أن قريشاً اجتمعت في بيت وقالوا : لا يدخل معكم اليوم إلا من هو منكم ، فجاء إبليس فقال له : من أنت؟ قال : شيخ من أهل نجد وأنا ابن أختكم . فقالوا : ابن أخت القوم منهم . فقال بعضهم : أوثقوه . فقال : أيرضى بنو هاشم بذلك؟ فقال بعضهم : أخرجوه . فقال : يؤويه غيركم . فقال أبو جهل : ليجتمع من كل بني أب رجل فيقتلوه . فقال إبليس : هذا الأمر الذي قال الفتى . فأنزل الله تعالى هذه الآية { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك } إلى آخر الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك } قال : كفار قريش أرادوا ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من مكة .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : شرى علي رضي الله عنه نفسه ولبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه ، وكان المشركون يحسبون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت من قريش تريد أن تقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا يرمقون علياً ويرونه النبي صلى الله عليه وسلم ، وجعل علي رضي الله عنه يتصور فإذا هو علي رضي الله عنه ، فقالوا : إنك للئيم ، إنك لتتصوّر وكان صاحبك لا يتصوّرك ولقد استنكرناه منك .
وأخرج الحاكم وصححه عن علي بن الحسين رضي الله عنه وقال في ذلك :
وقيت بنفسي خير من وطىء الحصى ... ومن طاف بالبيت العتيق والحجر
رسول الإِله خاف أن يمكروا به ... فنجاه ذو الطول الإِله من المكر
وبات رسول الله في الغار آمنا ... وفي حفظ من الله وفي ستر
وبت اراعيه وما يتهمونني ... وقد وطنت نفسي على القتل والاسر(4/443)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال « قتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبراً عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، وكان المقداد أسر النضر فلما أمر بقتله قال المقداد : يا رسول الله أسيري . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول : وفيه أنزلت هذه الآية { وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين } » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : كان النضر بن الحارث يختلف إلى الحيرة فيسمع سجع أهلها وكلامهم ، فلما قدم إلى مكة سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن فقال : { قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ، إن هذا إلا أساطير الأولين } .(4/444)
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34)
أخرج البخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال أبو جهل بن هشام { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } فنزلت { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : ذكر لنا أنها أنزلت في أبي جهل بن هشام .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك } قال : نزلت في النضر بن الحارث .
وأخرج ابن جرير عن عطاء قال : نزلت في النضر { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } { وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب } [ ص : 16 ] . { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة } [ الأنعام : 94 ] و { سأل سائل بعذاب واقع } [ المعارج : 1 ] قال عطاء رضي الله عنه : لقد نزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله .
وأخرج ابن مروديه عن بريدة رضي الله عنه قال : رأيت عمرو بن العاص واقفاً على فرس يوم أحد وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فاخسف بي وبفرسي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون : لبيك لا شريك لك لبيك . فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : قد ، قد . ويقولون : لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ، ويقولون : غفرانك غفرانك . فأنزل الله تعالى { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم . . . } الآية . فقال ابن عباس رضي الله عنه : كان فيهم أمانان النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار ، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار { وما لهم ألا يعذبهم الله } قال : هو عذاب الآخرة وذلك عذاب الدنيا .
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن رومان ومحمد بن قيس قالا : قالت قريش بعضها لبعض : محمد صلى الله عليه وسلم أكرمه الله من بيننا { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء . . . } الآية . فلما أمسوا ندموا على ما قالوا فقالوا : غفرانك اللهم . فأنزل الله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } إلى قوله { لا يعلمون } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن أبزى رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فأنزل الله { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فأنزل الله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } فلما خرجوا أنزل الله { وما لهم ألا يعذبهم الله .(4/445)
. . } الآية فأذن في فتح مكة ، فهو العذاب الذي وعدهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطية رضي الله عنه في قوله { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } يعني المشركين حتى يخرجك منهم { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } قال : يعني المؤمنين ، ثم أعاد المشركين فقال { وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } يقول : لو استغفروا وأقروا بالذنوب لكانوا مؤمنين . وفي قوله { وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام } يقول : وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } قال : بين أظهرهم { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } يقول : وما كان الله معذبهم وهو لا يزال الرجل منهم يدخل في الإِسلام .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } قال : وهم يدخلون في الإِسلام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار رضي الله عنه قال : سئل سعيد بن جبير رضي الله عنه عن الاستغفار؟ فقال : قال الله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } يقول : يعملون على الغفران ، وعلمت أن ناساً سيدخلون جهنم ممن يستغفرون بألسنتهم ممن يدعي الإِسلام وسائر الملل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة والحسن رضي الله عنهما في قوله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } قالا : نسختها الآية التي تليها { وما لهم ألا يعذبهم الله } فقوتلوا بمكة فأصابهم فيها الجوع والحصر .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي مالك رضي الله عنه { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } يعني أهل مكة { وما كان الله معذبهم } وفيهم المؤمنون يستغفرون .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن قتادة رضي الله عنه قال : إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم ، أما داءكم فذنوبكم ، وأما دواؤكم فالاستغفار .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن كعب رضي الله عنه قال : إن العبد ليذنب الذنب الصغير فيحتقره ولا يندم عليه ولا يستغفر منه ، فيعظم عند الله حتى يكون مثل الطود ، ويذنب الذنب فيندم عليه ويستغفر منه فيصغر عند الله عز وجل حتى يعفو له .
وأخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(4/446)
« أنزل الله علي أمانين لأمتي { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة » .
وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان فيكم أمانان مضى أحدهما وبقي الآخر .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا يزالون معصومين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم ، فأمان قبضه الله تعالى إليه ، وأمان بقي فيكم قوله { وما كان الله ليعذبهم . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه والحاكم وابن عساكر عن أبي موسى رضي الله عنه قال : إنه قد كان فيكم أمانان ، مضى أحدهما وبقي الآخر { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد مضى لسبيله ، وأما الاستغفار فهو كائن إلى يوم القيامة .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان في هذه الأمة أمانان : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاستغفار ، فذهب أمان - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبقي أمان ، يعني الاستغفار .
وأخرج أحمد عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله » .
وأخرج أحمد والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الشيطان قال : وعزتك يا رب ، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم . قال الرب : وعزتي وجلالي ، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني » .
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من أكثر من الاستغفار ، جعل الله له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والنسائي وابن ماجة عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً » .
وأخرج الحكيم الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن استطعتم أن تكثروا من الاستغفار فافعلوا ، فإنه ليس شيء أنجح عند الله ولا أحب إليه منه » .
وأخرج أحمد في الزهد عن مغيث بن أسماء رضي الله عنه قال : كان رجل ممن كان قبلكم يعمل بالمعاصي ، فبينما هو ذات يوم يسير إذ تفكر فيما سلف منه فقال : اللهم غفرانك .(4/447)
فادركه الموت على تلك الحال فغفر له .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : طوبى لمن وجد في صحيفته بنداً من الاستغفار .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : من قال : أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه خمس مرات ، غفر له وإن كان عليه مثل زبد البحر .
وأخرج أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال « انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى رسول الله ، فقام فلم يكد يركع ، ثم ركع فلم يكد يسجد ، ثم سجد فلم يكد يرفع ، ثم رفع وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك ، ثم نفخ في آخر سجوده ، ثم قال : رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم ، رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك . ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وقد انمخضت الشمس » .
وأخرج الديلمي عن عثمان ابن أبي العاص قال : قال رسول الله « في الأرض أمانان : أنا امان ، والاستغفار أمان ، وأنا مذهوب بي ويبقى أمان الاستغفار ، فعليكم بالاستغفار عند كل حدث وذنب » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } قال : ما كان الله ليعذب قوماً وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } يقول : وفيهم من قد سبق له من الله الدخول في الإِيمان : وهو الاستغفار . وقال للكافر { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } [ آل عمران : 179 ] فيميز الله أهل السعادة من أهل الشقاوة { وما لهم ألا يعذبهم الله } فعذبهم يوم بدر بالسيف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } ثم استثنى أهل الشرك فقال { وما لهم ألا يعذبهم الله } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والنحاس وأبو الشيخ عن الضحاك { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } قال : المشركين الذين بمكة { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } قال : المؤمنين بمكة { وما لهم ألا يعذبهم الله } قال : كفار مكة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { وما لهم ألا يعذبهم الله } قال : عذابهم فتح مكة .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه { وما لهم ألا يعذبهم الله } وهم يجحدون آيات الله ويكذبون رسله ، وإن كان فيهم ما يدعون .(4/448)
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله { وهم يصدون عن المسجد الحرام } أي من آمن بالله وعبده أنت ومن اتبعك . { وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون } الذين يخرجون منه ويقيمون الصلاة عنده ، أي أنت ومن آمن بك .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إن أولياؤه إلا المتقون } قال : من كانوا حيث كانوا .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والطبراني والحاكم وصححه عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه . « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه : » اجمع لي قومك ، فجمعهم فلما حضروا باب النبي صلى الله عليه وسلم دخل عمر رضي الله عنه عليه فقال : قد جمعت لك قومي . فسمع ذلك الأنصار فقالوا : قد نزل في قريش الوحي . فجاء المستمع والناظر ما يقال لهم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقام بين أظهرهم فقال : هل فيكم من غيركم؟ قالوا : نعم ، فينا حليفنا وابن أختنا وموالينا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : حليفنا منا ، وابن أختنا منا ، ومولانا منا ، أنتم تسمعون أن أوليائي منكم إلا المتقون ، فإن كنتم أولئك فذلك ، وإلا فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالأثقال فيعرض عنكم « » .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن أوليائي يوم القيامة المتقون وإن كان نسب أقرب من نسب ، فلا يأتيني الناس بالأعمال ، وتأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم فأقول هكذا وهكذا إلا وأعرض في كل عطفيه » .
وأخرج ابن مردويه والطبراني والبيهقي في سننه عن أنس رضي الله عنه قال : « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من آلك؟ فقال : كل تقي ، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن أولياؤه إلا المتقون } » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن آل فلان ليسوا لي بأولياء ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين » .
وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن أولى الناس بي المتقون ، من كانوا وحيث كانوا » .(4/449)
وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : كانت قريش يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف ، يستهزءون ويصفرون ويصفقون ، فنزلت { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } .
وأخرج أبو الشيخ عن نبيط - وكان من الصحابة رضي الله عنه - في قوله { وما كان صلاتهم عند البيت . . . } الآية . قال : كانوا يطوفون بالبيت الحرام وهم يصفرون .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة تصفر وتصفق ، فأنزل الله { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } قال : والمكاء الصفير ، وإنما شبهوا بصفير الطير وتصدية التصفيق ، وأنزل فيهم { قل من حرم زينة الله } [ الأعراف : 32 ] الآية .
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { إلا مكاء وتصدية } قال : المكاء ، صوت القنبرة . والتصدية ، صوت العصافير وهو التصفيق . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة وهو بمكة ، كان يصلي قائماً بين الحجر والركن اليماني ، فيجيء رجلان من بني سهم يقوم أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ، ويصيح أحدهما كما يصيح المكاء ، والآخر يصفق بيديه تصدية العصافير ليفسد عليه صلاته . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ ققال : نعم ، أما سمعت حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه يقول :
نقوم إلى الصلاة إذا دعينا ... وهمتك التصدي والمكاء
وقال آخر من الشعراء في التصدية :
حتى تنبهنا سحيراً ... قبل تصدية العصافير
وأخرج ابن المنذر من طريق عطية عن ابن عباس رضي الله عنه قال : المكاء ، الصفير . كان أحدهما يضع يده على الأخرى ثم يصفر .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إلا مكاء وتصدية } قال : المكاء الصفير ، والتصدية التصفيق .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : المكاء الصفير ، والتصدية التصفيق .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : المكاء ، إدخال أصابعهم في أفواههم . والتصدية ، الصفير يخلطون بذلك كله على محمد صلى الله عليه وسلم صلاته .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : المكاء ، الصفير على نحو طير أبيض يقال له المكاء يكون بأرض الحجاز ، والتصدية التصفيق .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { إلا مكاء } قال : كانوا يشبكون أصابعهم ويصفرون فيهن { وتصدية } قال : صدهم الناس .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان المشركون يطوفون بالبيت على الشمال وهو قوله { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } فالمكاء ، مثل نفخ البوق . والتصدية ، طوافهم على الشمال .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } قال : يعني أهل بدر ، عذبهم الله بالقتل والاسر .(4/450)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)
أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل كلهم من طريقه قال : حدثني الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حيان ، وعاصم بن عمرو بن قتادة ، والحصين بن عبد الرحمن بن عمر ، قالوا : لما أصيبت قريش يوم بدر ورجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره ، مشى عبد الله بن ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، في رجال من قريش إلى من كان معه تجارة . فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال على حربه فلعلنا أن ندرك منه ثأراً . ففعلوا . ففيهم كما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنزل الله { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله } إلى قوله { والذين كفروا إلى جهنم يحشرون } .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله } قال : نزلت في أبي سفيان بن حرب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم . . . } إلى قوله { أولئك هم الخاسرون } قال : في نفقة أبي سفيان على الكفار يوم أحد .
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سعيد بن جبير في قوله { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل . . . } الآية . قال : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة يقاتل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى من استجاش من العرب ، فأنزل الله هذه الآية ، وهم الذين قال فيهم كعب بن مالك رضي الله عنه :
وجئنا إلى موج من البحر وسطه ... أحابيش منهم حاسر ومقنع
ثلاثة آلاف ونحن نصية ... ثلاث مئين إن كثرن فأربع
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحكم بن عتيبة في قوله { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله } قال : نزلت في أبي سفيان ، أنفق على مشركي قريش يوم أحد أربعين أوقية من ذهب ، وكانت الأوقية يومئذ اثنين وأربعين مثقالاً من ذهب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله } وهو محمد صلى الله عليه وسلم { فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة } يقول : ندامة يوم القيامة .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في قوله { والذين كفروا إلى جهنم يحشرون } يعني النفر الذين مشوا إلى أبي سفيان ، وإلى من كان له مال من قريش في تلك التجارة ، فسألوهم أن يقووهم بها على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن شهر بن عطية رضي الله عنه { ليميز الله الخبيث من الطيب } قال : يميز يوم القيامة ما كان لله من عمل صالح في الدنيا ، ثم تؤخذ الدنيا بأسرها فتلقى في جهنم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { فيركمه جميعاً } قال : يجمعه جميعاً .(4/451)
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)
وأخرج ابن أحمد ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال « لما جعل الله الإِسلام في قلبي ، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ابسط يدك فلأبايعك . فبسط يمينه فقبضت يدي . قال : مالك . . . ؟! قلت : أردت أن اشترط . قال : قال : تشترط قلت : ان يغفر لي . قال : أما علمت أن الإِسلام يهدم ما كان قبله ، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وأن الحج يهدم ما كان قبله » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس رضي الله عنه قال : لا يؤخذ الكافر بشيء صنعه في كفره إذا أسلم ، وذلك أن الله تعالى يقول { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فقد مضت سنة الأوّلين } قال : في قريش وغيرها يوم بدر والأمم قبل ذلك .(4/452)
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)
أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال : ثم وضع مقاسم الفيء واعلمه . قال { واعلموا أنما غنمتم من شيء } بعد الذي مضى من بدر { فأن لله خمسه وللرسول . . . } إلى آخر الآية .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { واعلموا أنما غنمتم من شيء } قال : المخيط من شيء .
وأخرج ابن المنذر عن ابن أبي نجيح رضي الله عنه قال : إنما المال ثلاثة : مغنم ، أو فيء ، أو صدقة . فليس فيه درهم إلا بين الله موضعه . قال في المغنم { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله } تحرجاً عليهم ، وقال في الفيء { كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم } [ الحشر : 7 ] وقال في الصدقة { فريضة من الله والله عليم حكيم } [ التوبة : 60 ] .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم عن قيس بن مسلم الجدلي قال : سألت الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب بن الحنفية عن قول الله { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } قال : هذا مفتاح كلام ، لله الدنيا والآخرة { وللرسول ولذي القربى } فاختلفوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين السهمين . قال قائل : سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة ، وقال قائل : سهم النبي للخليفة من بعده . واجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله تعالى ، فكان كذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خمس الغنيمة ، فضرب ذلك الخمس في خمسة ، ثم قرأ { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } قال : قوله { فأن لله خمسه } مفتاح كلام { لله ما في السموات وما في الأرض } [ البقرة : 284 ] فجعل الله سهم الله والرسول واحداً { ولذي القربى } فجعل هذين السهمين قوّة في الخيل والسلاح ، وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعطيه غيره ، وجعل الأربعة أسهم الباقية ، للفرس سهمين ، ولراكبه سهم ، وللراجل سهم .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فأن لله خمسه } يقول : هو لله ، ثم قسم الخمس خمسة أخماس { وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس .(4/453)
فأربعة منها بين من قاتل عليها ، وخمس واحد يقسم على أربعة أخماس ، فربع لله ولرسوله ولذي القربى - يعني قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم - فما كان لله وللرسول ، فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأخذ النبي من الخمس شيئاً ، والربع الثاني لليتامى ، والربع الثالث للمساكين ، والربع الرابع لابن السبيل ، وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية رضي الله عنه في قوله { واعلموا أنما غنمتم من شيء . . . } الآية . قال : كان يجاء بالغنيمة فتوضع ، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم ، فيعزل سهماً منه ويقسم أربعة أسهم بين الناس - يعني لمن شهد الوقعة - ثم يضرب بيده في جميع السهم الذي عزله ، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة ، فهو الذي سمى لله تعالى : لا تجعلوا لله نصيباً ، فإن لله الدنيا والآخرة ، ثم يعمد إلى بقية السهم فيقسمه على خمسة أسهم . سهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { واعلموا أنما غنمتم من شيء . . . } قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم وذو قرابته لا يأكلون من الصدقات شيئاً لا يحل لهم ، فللنبي صلى الله عليه وسلم خمس الخمس ، ولذي قراباته خمس الخمس ، ولليتامى مثل ذلك ، وللمساكين مثل ذلك ، ولابن السبيل مثل ذلك .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن المنذر عن الشعبي رضي الله عنه قال : كان سهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعى الصفى ، إن شاء عبداً وإن شاء فرساً ، يختاره قبل الخمس ، ويضرب له بسهمه ان شهد وإن غاب ، وكانت صفية ابنة حيي من الصفى .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه في الآية قال : خمس الله والرسول واحد ، إن كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل فيه ويصنع فيه ما شاء الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن مطعم رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول شيئاً من الأرض أو وبرة من بعير فقال : والذي نفسي بيده مالي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم » .
وأخرج ابن المنذر من طريق أبي مالك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ما افتتح على خمسة أخماس . فأربعة منها لمن شهده ، ويأخذ الخمس خمس الله فيقسمه على ستة أسهم .(4/454)
فسهم لله ، وسهم للرسول ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل سهم الله في السلاح والكراع وفي سبيل الله ، وفي كسوة الكعبة وطيبها وما تحتاج إليه الكعبة ، ويجعل سهم الرسول في الكراع والسلاح ونفقة أهله ، وسهم ذي القربى لقرابته ، يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم مع سهمهم مع البأس ، ولليتامى والمساكين وابن السبيل ثلاثة أسهم ، يضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن شاء وحيث شاء ، ليس لبني عبد المطلب في هذه الثلاثة إلا سهم ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم سهمه مع سهام الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن حسين المعلم قال : سألت عبد الله بن بريدة رضي الله عنه في قوله { فأن لله خمسه وللرسول } قال : الذي لله لنبيه ، والذي للرسول لأزواجه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن السدي رضي الله عنه { ولذي القربى } قال : هم بنو عبد المطلب .
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما . إن نجدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى الذين ذكر الله ، فكتب إليه : انا كنا نرى أناهم ، فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا : قريش كلها ذوو قربى .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما . أن نجدة الحروري أرسل إليه يسأله عن سهم ذي القربى الذين ذكر الله ، فكتب إليه : إنا كنا نرى اناهم ، فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا : ويقول : لمن تراه . فقال ابن عباس رضي الله عنهما : هو لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان عمر رضي الله عنه عرض علينا من ذلك عرضاً رأينا دون حقنا . فرددناه عليه وأبينا أن نقبله ، وكان عرض عليهم أن يعين ناكحهم ، وأن يقضي عن غارمهم ، وأن يعطي فقيرهم ، وأبى أن يزيدهم على ذلك .
وأخرج ابن المنذر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سألت علياً رضي الله عنه فقلت : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كيف كان صنع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الخمس نصيبكم؟ فقال : أما أبو بكر رضي الله عنه فلم تكن في ولايته أخماس ، وأما عمر رضي الله عنه فلم يزل يدفعه إليّ في كل خمس حتى كان خمس السوس وجند نيسابور . فقال وأنا عنده : هذا نصيبكم أهل البيت من الخمس ، وقد أحل ببعض المسلمين واشتدت حاجتهم فقلت : نعم . فوثب العباس بن عبد المطلب فقال : لا تعرض في الذي لنا . فقلت : ألسنا أحق من المسلمين وشفع أمير المؤمنين؟ فقبضه ، فوالله ما قبضناه ولا صدرت عليه في ولاية عثمان رضي الله عنه ، ثم أنشأ علي رضي الله عنه يحدث فقال : إن الله حرم الصدقة على رسوله فعوضه سهماً من الخمس عوضاً عما حرم عليه ، وحرمها على أهل بيته خاصة دون أمته فضرب لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهماً عوضاً مما حرم عليهم .(4/455)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « رغبت لكم عن غسالة الأيدي ، لأن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم » .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر « أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال « قسم رسول الله سهم ذي القربى على بني هاشم وبني المطلب ، قال : فمشيت أنا وعثمان بن عفان حتى دخلنا عليه ، فقلنا : يا رسول الله ، هؤلاء اخوانك من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم ، أرأيت اخواننا من بني المطلب ، أعطيتهم دوننا وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة في النسب؟ فقال : إنهم لم يفارقونا في الجاهلية والإِسلام » .
وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : آل محمد صلى الله عليه وسلم الذين أعطوا الخمس . آل علي ، وآل عباس ، وآل جعفر ، وآل عقيل .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال : كان آل محمد لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { واعلموا أنما غنمتم من شيء } يعني من المشركين { فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى } يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم { واليتامى والمساكين وابن السبيل } يعني الضيف ، وكان المسلمون إذا غنموا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أخرجوا خُمْسَهُ فيجعلون ذلك الخمس الواحد أربعة أرباع ، فربعه لله وللرسول ولقرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، فما كان لله فهو للرسول والقرابة وكان للنبي صلى الله عليه وسلم نصيب رجل من القرابة ، والربع الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم ، والربع الثالث للمساكين ، والربع الرابع لابن السبيل ، ويعمدون إلى التي بقيت فيقسمونها على سهمانهم ، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم رد أبو بكر رضي الله تعالى عنه نصيب القرابة ، فجعل يحمل به في سبيل الله تعالى ، وبقي نصيب اليتامى والمساكين وابن السبيل .
وأخرج ابن أبي شيبة والبغوي وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان « عن رجل من بلقين عن ابن عم له قال : قلت : يا رسول الله ، ما تقول في هذا المال؟ قال » لله خمسه ، وأربعة أخماسه لهؤلاء - يعني المسلمين - قلت : فهل أحد أحق به من أحد؟ قال : لا ، ولو انتزعت سهماً من جنبك لم تكن بأحق به من أخيك المسلم « » .(4/456)
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ وابن مردوبه والبيهقي في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل قبل أن تنزل فريضة الخمس في المغنم ، فلما نزلت { واعلموا أنما غنمتم من شيء . . . } الآية . ترك التنفل وجعل ذلك في خمس الخمس ، وهو سهم الله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مالك بن عبد الله الحنفي رضي الله عنه قال : كنا جلوساً عند عثمان رضي الله عنه قال : من ههنا من أهل الشام؟ فقمت؟ فقال : أبلغ معاوية إذا غنم غنيمة أن يأخذ خمسة أسهم فيكتب على كل سهم منها : لله ثم ليقرع فحيثما خرج منها فليأخذه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي رضي الله عنه { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } قال : سهم الله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم واحد .
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال : في المغنم خمس لله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم بالصفى ، كان يصطفى له في المغنم خير رأس من السبي إن سبي وإلا غيره ، ثم يخرج الخمس ، ثم يضرب له بسهمه شهد أو غاب مع المسلمين بعد الصفى .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن السائب رضي الله عنه . أنه سئل عن قوله { واعلموا أنما غنمتم من شيء } وقوله { ما أفاء الله على رسوله } [ الحشر : 7 ] ما الفيء ، وما الغنيمة؟ قال : إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم فأخذوهم عنوة ، فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو غنيمة ، وأما الأرض : فهو فيء .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سفيان قال : الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوة ، فهو لمن سمى الله وأربعة أخماس لمن شهدها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه أنه سئل : كيف كان رسول الله يصنع في الخمس؟ قال : كان يحمل الرجل سهماً في سبيل الله ، ثم الرجل ، ثم الرجل .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم شيء واحد في المغنم يصطفيه لنفسه ، أما خادم واما فرس ، ثم نصيبه بعد ذلك من الخمس .
وأخرج ابن مردويه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : سلمنا الأنفال لله ورسوله ، ولم يخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً ، ونزلت بعد { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين الخمس فيما كان من كل غنيمة بعد بدر .(4/457)
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، ألا توليني ما خصنا الله به من الخمس؟ فولانيه .
وأخرج الحاكم وصححه عن علي رضي الله عنه قال : ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس ، فوضعته مواضعه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مكحول رضي الله عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا سهم من الخيل إلا لفرسين ، وإن كان معه ألف فرس إذا دخل بها أرض العدوّ ، قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر للفارس سهمين وللراجل سهم » .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر رضي الله عنهما « ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفارس سهمين ، وللراجل سهما » .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه . أوصى بالخمس وقال : أوصي بما رضي الله به لنفسه ، ثم قال { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأَن لله خمسه } .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل رضي الله عنه في قوله { إن كنتم آمنتم بالله } يقول : أقرُّوا بحكمي { وما أنزلنا على عبدنا } يقول : وما أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم في القسمة { يوم الفرقان } يوم بدر { يوم التقى الجمعان } جمع المسلمين وجمع المشركين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يوم الفرقان } قال : هو يوم بدر ، وبدر : ماء بين مكة والمدينة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يوم الفرقان } قال : هو يوم بدر ، فرق الله بين الحق والباطل .
وأخرج سعيد بن منصور ومحمد بن نصر والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله { يوم الفرقان يوم التقى الجمعان } قال : كانت بدر لسبع عشرة مضت من شهر رمضان .
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان في صبيحتها ليلة الجمعة ، لسبع عشرة مضت من رمضان .
وأخرج ابن جرير عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة مضت من رمضان .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتل في آي من القرآن ، فكان أوّل مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً ، وكان رئيس المشركين يومئذ عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، فالتقوا يوم الجمعة ببدر لسبع أو ست عشرة ليلة مضت من رمضان ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً ، والمشركون بين الألف والتسعمائة ، وكان ذلك يوم الفرقان : يوم فرق الله بين الحق والباطل ، فكان أول قتيل قتل يومئذ مهجع مولى عمر ورجل من الأنصار ، وهزم الله يومئذ المشركين فقتل منهم زيادة على سبعين رجلاً وأسر منهم مثل ذلك .(4/458)
وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر عن أبيه قال : كانت بدر لسبع عشرة من رمضان في يوم جمعة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . أنه سئل أي ليلة كانت ليلة بدر؟ فقال : هي ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة بقيت من رمضان .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عامر بن ربيعة البدري قال : كان يوم بدر يوم الاثنين لسبع عشرة من رمضان .(4/459)
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { إذ أنتم بالعدوة الدنيا } قال : شاطىء الوادي { والركب أسفل منكم } قال : أبو سفيان .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { إذ أنتم بالعدوة الدنيا . . . } الآية . قال : العدوة الدنيا : شفير الوادي الأدنى ، والعدوة القصوى : شفير الوادي الأقصى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله { والركب أسفل منكم } قال : كان أبو سفيان أسفل الوادي في سبعين راكباً . ونفرت قريش وكانت تسعمائة وخمسين ، فبعث أبو سفيان إلى قريش وهم بالجحفة : إني قد جاوزت القوم فارجعوا . قالوا : والله لا نرجع حتى نأتي ماء بدر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { والركب أسفل منكم } قال : أبو سفيان وأصحابه مقبلين من الشام تجاراً لم يشعروا بأصحاب بدر ، ولم يشعر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بكفار قريش ، ولا كفار قريش ، بهم حتى التقوا على ماء بدر ، فاقتتلوا فغلبهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأسروهم .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في قوله { وهم بالعدوة القصوى } من الوادي إلى مكة { والركب أسفل منكم } يعني أبا سفيان وغيره ، وهي أسفل من ذلك نحو الساحل { ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد } أي ولو كان على ميعاد منكم ومنهم ، ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم ما التقيتم { ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً } أي ليقضي ما أراد بقدرته من اعزاز الإِسلام وأهله واذلال الكفر وأهله من غير ملأ منكم ، ففعل ما أراد من ذلك بلطفه ، فأخرجه الله ومن معه إلى العير لا يريد غيرها ، وأخرج قريشاً من مكة لا يريدون إلا الدفع عن عيرهم ، ثم ألف بين القوم على الحرب وكانوا لا يريدون إلا العير ، فقال في ذلك { ليقضي الله أمراً كان مفعولاً } ليفصل بين الحق والباطل { ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة } أي ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الآيات والعبر ، ويؤمن من آمن على مثل ذلك .(4/460)
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { إذ يريكهم الله في منامك قليلاً } قال : أراه الله إياهم في منامه قليلاً ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك وكان تثبيتاً لهم .
وأخرج ابن إسحق وابن المنذر عن حيان بن واسع بن حيان عن أشياخ من قومه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر ورجع إلى العريش ، فدخله ومعنا أبو بكر رضي الله عنه ، وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ، ثم انتبه فقال : أبشر يا أبا بكر ، أتاك نصر الله . هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر } قال : لاختلفتم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولكن الله سلم } أي أتم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولكن الله سلم } يقول : سلم لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوّهم .(4/461)
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : لقد قللوا في أعيينا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي : تراهم سبعين؟ قال : لا ، بل مائة ، حتى أخذنا رجلاً منهم فسألناه؟ قال : كنا ألفاً .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم } قال : حضض بعضهم على بعض .(4/462)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)
أخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تتمنوا لقاء العدوّ وأسالوا الله العافية ، فإن لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله كثيراً ، فإذا جلبوا وصيحوا فعليكم بالصمت » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال : ما من شيء أحب إلى الله من قراءة القرآن والذكر ، ولولا ذلك ما أمر الله الناس بالصلاة والقتال : ألا ترون أنه قد أمر الناس بالذكر عند القتال فقال { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال : افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون ، عند الضراب بالسيوف .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر رضي الله عنه قال : أشد الأعمال ثلاثة : ذكر الله على كل حال ، وانصافك من نفسك ، ومواساة الأخ في المال .
وأخرج عبد الرزاق عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون لعلكم ستبلون بهم وسلوا الله العافية ، فإذا جاءوكم يبرقون ويرجفون ويصيحون بالأرض ، الأرض جلوساً ثم قولوا : اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تقتلهم أنت ، فإذا دنوا منكم فثوروا إليهم واعلموا أن الجنة تحت البارقة » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء رضي الله عنه قال : وجب الانصات والذكر عند الرجف ، ثم تلا { واذكروا الله كثيراً } .
وأخرج ابن عساكر عن عطاء بن أبي مسلم رضي الله عنه قال : « لما ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه قال ابن رواحة : يا رسول الله مرني بشيء أحفظه عنك؟ قال » إنك قادم غداً بلداً السجود به قليل فأكثر السجود . قال : زدني . قال : اذكر الله فإنه عون لك على ما تطلب . قال : زدني . قال : يا ابن رواحة فلا تعجزن إن أسأت عشراً أن تحسن واحدة . فقال ابن رواحة رضي الله عنه : لا أسألك عن شيء بعدها « » .
وأخرج الحاكم وصححه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثِنيتان لا تردان ، الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي موسى رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره الصوت عند القتال » .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن قيس بن عباد رضي الله عنه قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال .
وأخرج ابن أبي شيبة عن قيس بن عباد رضي الله عنه قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يستحبون خفض الصوت عند ثلاث . عند القتال ، وعند القرآن ، وعند الجنائز .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره رفع الصوت عند ثلاث . عند الجنازة ، وإذا التقى الزحفان ، وعند قراءة القرآن » .(4/463)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } قال : يقول : لا تختلفوا فتجبنوا ويذهب نصركم .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وتذهب ريحكم } قال : نصركم ، وقد ذهب ريح أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أُحد .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { وتذهب ريحكم } قال : الريح النصر ، لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدوّ ، وإذا كان كذلك لم يكن لهم قوام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن النعمان بن مقرن رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عند القتال لم يقاتل أول النهار وآخره إلى أن تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر .(4/464)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس } يعني المشركين الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال : لما خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقيان والدفوف ، فأنزل الله تعالى { ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً } الآية .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً } قال : أبو جهل وأصحابه يوم بدر .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال « كان مشركو قريش الذين قاتلوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر خرجوا ولهم بغي وفخر ، وقد قيل لهم يومئذ : ارجعوا فقد انطلقت عيركم وقد ظفرتم ، فقالوا : لا والله حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا ، وذُكِرَ لنا أن نبي الله قال يومئذ : اللهم إن قريشاً قد أقبلت بفخرها وخيلائها لتجادل رسولك ، وذكر لنا أنه قال يومئذ : { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم . . . } » .(4/465)
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)
أخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم } قال : قريش يوم بدر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من بني مدلج في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال الشيطان { لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم } وأقبل جبريل عليه السلام على إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين فلما رأى جبريل انتزع يد ، وولى مدبراً هو وشيعته ، فقال الرجل : يا سراقة انك جار لنا؟! فقال { إني أرى ما لا ترون } وذلك حين رأى الملائكة { إني أخاف الله والله شديد العقاب } قال : ولما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين فقال المشركون : وما هؤلاء { غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم } .
وأخرج الواقدي وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما تواقف الناس أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ، ثم سري عنه فبشر الناس بجبريل عليه السلام في جند من الملائكة ميمنة الناس ، وميكائيل في جند آخر ميسرة ، وإسرافيل في جند آخر ألف ، وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يجير المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس ، فلما أبصر عدوّ الله الملائكة { نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون } فتشبت به الحارث ، وانطلق إبليس لا يرى حتى سقط في البحر ورفع يديه وقال : يا رب موعدك الذي وعدتني .
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الدلائل عن رفاعة بن رافع الأنصار رضي الله عنه قال : لما رأى إبليس ما يفعل الملائكة بالمشركين يوم بدر أشفق أن يخلص القتل إليه ، فتشبث به الحارث بن هشام وهو يظن أنه سراقة بن مالك ، فوكز في صدر الحارث فألقاه ثم خرج هارباً حتى ألقى نفسه في البحر ، فرفع يديه فقال : اللهم إني أسألك نظرتك إياي .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بمكة { سيهزم الجمع ويولون الدبر } [ القمر : 45 ] فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أي جمع يهزم؟! - وذلك قبل بدر - فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش ، نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم مصلتاً بالسيف ويقول : { سيهزم الجمع ويولون الدبر } فكانت بيوم بدر ، فأنزل الله فيهم { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } [ المؤمنون : 24 ] الآية .(4/466)
وأنزل الله { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } [ إبراهيم : 28 ] الآية . ورماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوسعهم الرمية ، وملأت أعينهم وأفواههم حتى أن الرجل ليقتل وهو يقذي عينيه وفاه ، فأنزل الله { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } [ الأنفال : 17 ] وأنزل الله في إبليس { فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون } وقال عتبة بن ربيعة وناس معه من المشركين يوم بدر { غر هؤلاء دينهم } فأنزل الله { إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله { إني أرى ما لا ترون } قال : أرى جبريل عليه السلام معتجراً بردائه يقود الفرس بين يدي أصحابه ما ركبه .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { إني أرى ما لا ترون } قال : ذكر لنا أنه رأى جبريل تنزل معه الملائكة ، فعلم عدو الله أنه لا يدان له بالملائكة ، وقال { إني أخاف الله } وكذب عدو الله ما به مخافة الله ، ولكن علم أنه لا قوّة له به ولا منعة له .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن معمر قال : ذكروا أنهم أقبلوا على سراقة بن مالك بعد ذلك ، فأنكر أن يكون شيء من ذلك .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عبادة بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال : كان الذي رآه نكص حين نكص الحارث بن هشام ، أو عمرو بن وهب الجمحي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إذ يقول المنافقون } قال : وهم يومئذ في المسلمين .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله { إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض } قال : هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي رضي الله عنه قال : هم قوم كانوا أقروا بالإِسلام وهم بمكة ، ثم خرجوا مع المشركين يوم بدر ، فلما رأوا المسلمين قالوا { غر هؤلاء دينهم } .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن الشعبي رضي الله عنه في الآية قال : كان أناس من أهل مكة تكلموا بالإِسلام فخرجوا مع المشركين يوم بدر ، فلما رأوا وفد المسلمين قالوا { غر هؤلاء دينهم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن إسحق رضي الله عنه في قوله { إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض } قال : هم الفئة الذين خرجوا مع قريش ، احتبسهم آباؤهم فخرجوا وهم على الارتياب ، فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا { غر هؤلاء دينهم } حين قدموا على ما قدموا عليه من قلة عددهم وكثرة عدوّهم ، وهم فئة من قريش مسمون خمسة : قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزوميان ، والحارث بن زمعة ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن منبه .(4/467)
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } قال : الذين قتلهم الله ببدر من المشركين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : آيتان يبشر بهما الكافر عند موته { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وأدبارهم } قال : وأشباههم ولكن الله كريم يكني .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله { ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } قال : نعمة الله : محمد صلى الله عليه وسلم ، أنعم الله بها على قريش فكفروا فنقله إلى الأنصار .(4/468)
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)
أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : نزلت { إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون } في ستة رهط من اليهود منهم ابن تابوت .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم } قال : قريظة يوم الخندق مالأوا على محمد صلى الله عليه وسلم أعداءه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فشرد بهم من خلفهم } قال : نكل بهم من بعدهم .
وأخرج ابن جريرعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فشرد بهم من خلفهم } قال : نكل بهم من وراءهم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فشرد بهم من خلفهم } قال : نكل بهم الذين خلفهم .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { فشرد بهم من خلفهم } قال : أنذرهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فشرد بهم من خلفهم } قال : اصنع بهم كما تصنع بهؤلاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { لعلهم يذكرون } يقول : لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن شهاب رضي الله عنه قال : دخل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قد وضعت السلاح وما زلنا في طلب القوم فاخرج فان الله قد أذن لك في قريظة ، وأنزل فيهم { وإما تخافن من قوم خيانة } الآية .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وإما تخافن من قوم خيانة } قال : قريظة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { وإما تخافن من قوم خيانة . . . } الآية . قال : من عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن خفت أن يختانوك ويغدروا فتأتيهم فانبذ إليهم على سواء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين رضي الله عنه قال : لا تقاتل عدوّك حتى تنبذ إليهم على سواء { إن الله لا يحب الخائنين } .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان عن سليم بن عامر رضي الله عنه قال : كان بين معاوية وبين الروم عهد ، وكان يسير حتى يكون قريباً من أرضهم ، فإذا انقضت المدة أغار عليهم ، فجاءه عمرو بن عبسة فقال : الله أكبر وفاء لا غدر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمرها أو ينبذ إليهم على سواء » قال : فرجع معاوية بالجيوش .
وأخرج البيهقي في شعب الايمان عن ميمون بن مهران رضي الله عنه قال : ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء . من عاهدته فوفى بعهده مسلماً كان أو كافراً فإنما العهد لله ، ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها مسلماً كان أو كافراً ، ومن ائتمنك على أمانة فأدها إليه مسلماً كان أو كافراً .(4/469)
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إنهم لا يعجزون } يقول : لا يفوتونا .(4/470)
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
أخرج أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأب يعقوب اسحق بن إبراهيم القراب في كتاب فضل الرمي . والبيهقي في شعب الإِيمان عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر « وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ، ألا أن القوة الرمي ألا أن القوّة الرمي قالها ثلاثاً » .
وأخرج ابن المنذر عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } ألا إن القوّة الرمي ثلاثاً ، إن الأرض ستفتح لكم وتكفون المؤنة ، فلا يعجزنَّ أحدكم أن يلهو باسهمه » .
وأخرج البيهقي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه . أنه تلا هذه الآية { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة } قال : ألا أن القوّة الرمي .
وأخرج ابن المنذر عن مكحول رضي الله عنه قال : ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة ، فتعلموا الرمي فإني سمعت الله تعالى يقول { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة } قال : فالرمي من القوّة .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة } قال : الرمي والسيوف والسلاح .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في قوله { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة } قال : أمرهم بإعداد الخيل .
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في شعب الإِيمان عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل } قال : القوّة ذكور الخيل ، والرباط الإِناث .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة } قال : القوّة ذكور الخيل ، ورباط الخيل الإِناث .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه في الآية قال : القوّة الفرس إلى السهم فما دونه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم } قال : تخزون به عدو الله وعدوكم .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما « أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم وهم يرمون ، فقال : رميا بني إسمعيل لقد كان أبوكم رامياً » .
وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(4/471)
« إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة . صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير ، والذي يجهز به في سبيل الله ، والذي يرمي به في سبيل الله . وقال : ارموا واركبوا وان ترموا خير من أن تركبوا ، وقال : كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثة ، رمية عن قوسه ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته أهله فإنهن من الحق ، ومن علم الرمي ثم تركه فهي نعمة كفرها » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في شعب الإِيمان عن حرام بن معاوية قال : كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا يجاورنكم خنزير ، ولا يرفع فيكم صليب ، ولا تأكلوا على مائدة يشرب عليها الخمر ، وأدبوا الخيل ، وامشوا بين الفرقتين .
وأخرج البزار والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقوم من أسلم يرمون فقال « ارموا بني اسمعيل فإن أباكم كان رامياً ، ارموا وأنا مع ابن الأدرع . فأمسك القوم فسألهم؟ فقالوا : يا رسول الله من كنت معه غلب . قال : ارموا وأنا معكم كلكم » .
وأخرج أحمد والبخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون في السوق فقال « ارموا يا بني اسمعيل فإن أباكم كان رامياً ، ارموا وأنا مع بني فلان - لاحد الفريقين - فأمسكوا بأيديهم فقال : ارموا . . . ! قالوا : يا رسول الله كيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ قال : ارموا وأنا معكم كلكم » .
وأخرج الحاكم وصححه عن محمد بن إياس بن سلمة عن أبيه عن جده « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على ناس ينتضلون فقال : حسن اللهم مرتين أو ثلاثاً ، ارموا وأنا مع ابن الأدرع . فأمسك القوم قال : ارموا وأنا معكم جميعاً ، فلقد رموا عامة يومهم ذلك ثم تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضاً » .
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم والقراب في فضل الرمي عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل شيء من لهو الدنيا باطل إلا ثلاثة . انتضالك بقوسك ، وتأديبك فرسك ، وملاعبتك أهلك فإنها من الحق ، وقال عليه السلام : انتضلوا واركبوا وان تنتضلوا أحب إليَّ ، إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة . صانعه محتسباً ، والمعين به ، والرامي به في سبيل الله تعالى » .
وأخرج الحاكم وصححه والقراب عن أبي نجيح السلمي رضي الله عنه قال : حاصرنا قصر الطائف ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من رمى بسهم في سبيل الله فله عدل محرر » قال : فبلغت يومئذ ستة عشر سهماً .
وأخرج ابن ماجة والحاكم والقراب عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه(4/472)
« سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من رمى العدوّ بسهم فبلغ سهمه أو أخطأ أو أصاب فعدل رقبة » .
وأخرج الحاكم عن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه قال : لما كان يوم بدر قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا أكثبوكم فارموا بالنبل واستبقوا نبلكم » .
وأخرج الحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد : أنبلوا سعد ، أرم يا سعد رمى الله لك ، فداك أبي وأمي » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة بنت سعد رضي الله عنها عن أبيها أنه قال :
ألا هل أتى رسول الله أني ... حميت صحابتي بصدور نبلي
وأخرج الثقفي في فوائده عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تحضر الملائكة من اللهو شيئاً إلا ثلاثة . لهو الرجل مع امرأته ، وإجراء الخيل ، والنضال » .
وأخرج ابن عدي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الملائكة تشهد ثلاثاً . الرمي ، والرهان ، وملاعبة الرجل أهله » .
وأخرج أبو عبيدة في كتاب الخيل عن أبي الشعثاء جابر بن يزيد رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ارموا واركبوا الخيل ، وان ترموا أحب إليَّ ، كل لهو لهاية المؤمن باطل إلا ثلاث خلال . رميك عن قوسك ، وتأديبك فرسك ، وملاعبتك أهلك فإنهن من الحق » .
وأخرج النسائي والبزار والبغوي والبارودي والطبراني والقراب وأبو نعيم والبيهقي والضياء عن عطاء بن أبي رباح قال : رأيت جابر بن عبدالله وجابر بن عمير الأنصاري يرتميان ، فمل أحدهما فجلس فقال الآخر : كسلت . . . ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « كل شيء ليس من ذكر الله فهو لغو وسهو إلا أربع خصال . مشي الرجل بين الغرضين ، وتأديب فرسه ، وملاعبته أهله ، وتعليم السباحة » .
وأخرج القراب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة . الرامي ، والممد به ، والمحتسب له » .
وأخرج القراب عن حذيفة رضي الله عنه قال : كتب عمر رضي الله عنه إلى الشام : أيها الناس ارموا واركبوا والرمي أحب إلي من الركوب ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إن الله يدخل بالسهم الواحد الجنة من عمله في سبيله ، ومن قوّي به في سبيل الله عز وجل » .
وأخرج القراب عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « نعم لهو المؤمن الرمي ، ومن ترك الرمي بعدما علمه فهو نعمة تركها » .(4/473)
وأخرج القراب عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : لا أترك الرمي أبداً ولو كانت يدي مقطوعة بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول » من تعلم الرمي ثم تركه فقد عصاني « .
وأخرج القراب عن مكحول يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال » كل لهو باطل إلا ركوب الخيل ، والرمي ، ولهو الرجل مع امرأته ، فعليكم بركوب الخيل والرمي ، والرمي أحبهما إليَّ « .
وأخرج القراب من طريق مكحول عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال » اللهو في ثلاث : تأديبك فرسك ، ورميك بقوسك ، وملاعبتك أهلك « .
وأخرج القراب من طريق مكحول . أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أهل الشام : أن علموا أولادكم السباحة والفروسية .
وأخرج القراب عن سليمان التيمي قال » كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يكون الرجل سابحاً رامياً « .
وأخرج القراب عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » من رمى بسهم في سبيل الله فأصاب أو أخطأ أو قصر فكأنما أعتق رقبة كانت فكاكاً له من النار « .
وأخرج القراب عن أبي نجيح السلمي رضي الله عنه قال : حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الطائف ، فسمعته يقول » من رمى بسهم في سبيل الله قصر أو بلغ كانت له درجة في الجنة « .
وأخرج القراب عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » قاتلوا أهل الصقع ، فمن بلغ منهم فله درجة في الجنة . قالوا : يا رسول الله ما الدرجة؟ قال : ما بين الدرجتين خمسمائة عام « .
وأخرج الطبراني والقراب عن أبي عمرة الأنصاري رضي الله عنه » سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ أو قصر كان السهم نوراً يوم القيامة « .
وأخرج ابن عدي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » أحب اللهو إلى الله إجراء الخيل ، والرمي بالنبل ، ولعبكم مع أزواجكم « .
وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن سعد رضي الله عنه قال : عليكم بالرمي فإنه خير ، أو من خير لهوكم .
وأخرج أبو عوانة عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : تعلموا الرمي فإنه خير لعبكم .
وأخرج البزار عن جابر رضي الله عنه » أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قوم وهم يرمون فقال : ارموا بني إسمعيل فإن أباكم كان رامياً « .
وأخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه(4/474)
« أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة جحدها » .
وأخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تحضر الملائكة من لهوكم إلا الرهان والنضال » .
وأخرج البزار بسند حسن عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من رمى رمية في سبيل الله قصر أو بلغ كان له مثل أجر أربعة أناس من ولد اسمعيل اليوم » .
وأخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من رمى بسهم في سبيل الله كان له نور يوم القيامة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل لهو يكره إلا ملاعبة الرجل امرأته ، ومشيه بين الهدفين ، وتعليمه فرسه » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الرمي والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي رافع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تعلموا الرمي فإن ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة » .
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من مشى بين العرضين كان له بكل خطوة حسنة » .
وأخرج الطبراني في الصغير عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما على أحدكم إذا ألح به همه أن يتقلد قوسه فينفي بها همه » .
وأخرج البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « علموا أبناءكم السباحة والرمي ، والمرأة المغزل » .
وأخرج ابن منده في المعرفة عن بكر بن عبدالله بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « علموا أبناءكم السباحة والرمي ، والمرأة المغزل » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من شاب شيبة في الإِسلام كانت له نوراً يوم القيامة ، ومن رمى بسهم في سبيل الله كان له عدل رقبة » .
وأخرج عبد الرزاق عن أبي أمامة رضي الله عنه . أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « من شاب شيبة في الإِسلام كان له نوراً يوم القيامة ، ومن رمى بسهم في سبيل الله أخطأ أو أصاب كان له عدل رقبة من ولد إسمعيل » .(4/475)
وأخرج أحمد عن مرة بن كعب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من بلغ العدو بسهم رفعه الله به درجة بين الدرجتين مائة عام ، ومن رمى بسهم في سبيل الله كان كمن أعتق رقبة » .
وأخرج الخطيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله ليدخل بالسهم الواحد الجنة ثلاثة : صانعه محسباً صنعته ، والرامي به ، والمقوي به » .
وأخرج الواقدي عن مسلم بن جندب رضي الله عنه قال : أول من ركب الخيل إسمعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، وإنما كانت وحشاً لا تطاق حتى سخرت له « .
وأخرج الزبير بن بكار في الأنساب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الخيل وحشاً لا تطاق حتى سخرت له » .
وأخرج الزبير بن بكار في الأنساب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الخيل وحشاً لا تركب ، فأول من ركبها اسمعيل عليه السلام ، فبذلك سميت العراب .
وأخرج أحمد بن سليمان والنجاد في جزئه المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت الخيل وحشاً كسائر الوحوش ، فلما أذن الله تعالى لإِبراهيم واسمعيل برفع القواعد من البيت قال الله عز وجل : إني معطيكما كنزاً ادخرته لكما ، ثم أوحى الله إلى اسمعيل عليه السلام : إن أخرج فادع بذلك الكنز ، فخرج اسمعيل عليه السلام إلى أجناد وكان موطناً منه وما يدري ما الدعاء ولا الكنز ، فألهمه الله الدعاء فلم يبق على وجه الأرض فرس إلا أجابته فأمكنته من نواصيها وذللها له ، فاركبوها واعدوها فإنها ميامين ، وإنها ميراث أبيكم اسمعيل عليه السلام .
وأخرج الثعلبي عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لما أراد الله أن يخلق الخيل قال للريح الجنوب : إني خالق منك خلقاً فاجعله عزاً لأوليائي ، ومذلة على أعدائي ، وجمالاً لأهل طاعتي فقالت الريح : اخلق فقبض منها قبضة فخلق فرساً فقال له : خلقتك عربياً ، وجعلت الخير معقوداً بناصيتك ، والغنائم مجموعة على ظهرك ، عطفت عليك صاحبك وجعلتك تطير بلا جناح ، فأنت للطلب وأنت للهرب ، وسأجعل على ظهرك رجالاً يسبحوني ويحمدوني ويهللوني ، تسبحن إذا سبحوا وتهللن إذا هللوا وتكبرن إذا كبروا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من تسبيحة أو تحميدة أو تكبيرة يكبرها صاحبها فتسمعه الا تجيبه بمثلها ، ثم قال : سمعت الملائكة صنعة الفرس وعاينوا خلقها ، قالت : رب نحن ملائكتك نسبحك ونحمدك فماذا لنا؟ فخلق الله لها خيلاً بلقاً أعناقها كأعناق البخت ، فلما أرسل الله الفرس إلى الأرض واستوت قدماه على الأرض ، صهل فقيل : بوركت من دابة أذل بصهيلك المشركين ، أذل به أعناقهم ، وأملأ به آذانهم ، وارعب به قلوبهم ، فلما عرض الله على آدم من كل شيء قال له : اختر من خلقي ما شئت؟ فاختار الفرس قال له : اخترت لعزكَ وعز ، ولدك ، خالداً ما خلدوا وباقياً ما بقوا ، بركتي عليك وعليهم ما خلقت خلقاً أحب إليّ منك ومنهم » .(4/476)
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله عنهما . مثله سواء .
وأخرج مالك والبخاري ومسلم والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الخيل لثلاثة لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر . فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة ، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كان له حسنات ، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفاً أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له فهي لذلك أجر ، ورجل ربطها تغنياً ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر ، ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء لأهل الإِسلام فهي على ذلك وزر » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، والخيل ثلاثة : خيل أجر ، وخيل وزر ، وخيل ستر . فأما خيل ستر فمن اتخذها تعففاً وتكرماً وتجملاً ولم ينس حق بطونها وظهورها في عسره ويسره ، وأما خيل الأجر فمن ارتبطها في سبيل الله فإنها لا تغيب في بطونها شيئاً إلا كان له أجر حتى ذكر أرواثها وأبوالها ، ولا تعدو في واد شوطاً أو شوطين إلا كان في ميزانه ، وأما خيل الوزر فمن ارتبطها تبذخاً على الناس فإنها لا تغيب في بطونها شيئاً إلا كان وزر عليه حتى ذكر أرواثها وأبوالها ، ولا تعدو في واد شوطاً أو شوطين إلا كان عليه وزر » .
وأخرج مالك وأحمد بن حنبل والطيالسي وابن شيبة البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عروة البارقي رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة . قيل : يا رسول الله وما ذاك؟ قال : الأجر والغنيمة » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال « رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرسه باصبعه ويقول : الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة » .(4/477)
وأخرج النسائي وأبو مسلم الكشي في سننه عن سلمة بن نفيل رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، قيل : يا رسول الله وما ذاك؟ قال : الأجر والغنيمة » .
وأخرج الطبراني والآجري في كتاب النصيحة عن أبي كبشة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها ، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة » .
وأخرج الطبراني عن سوادة بن الربيع الجرمي رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني بذود ، وقال « عليك بالخيل فإن الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة » .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الخيل في نواصيها الخير والمغنم إلى يوم القيامة ، ونواصيها أذناها وأذنابها مذابها » .
وأخرج ابن سعد في الطبقات وابن منده في الصحابة عن يزيد بن عبدالله بن غريب المليكي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الخيل معقود في نواصيها الخير والنيل إلى يوم القيامة ، وأهلها معانون عليها ، والمنفق عليها كباسط كفيه في الصدقة لا يقبضها ، وأبوالها وأرواثها عند الله يوم القيامة كذكي المسك » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الخيل معقود في نواصيها الخير أبداً إلى يوم القيامة ، فمن ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليها احتساباً في سبيل الله فإن شبعها وجوعها وريَّها وظمأها وأبوالها وأرواثها فلاح في موازينه يوم القيامة ، ومن ربطها رياء وسمعة وفخراً ومرحاً فإن شبعها وجوعها وريها وظمأها وأرواثها وأبوالها خسران في موازينه يوم القيامة » .
وأخرج أبو بكر بن عاصم في الجهاد والقاضي عمر بن الحسن الاشناني في بعض تاريخه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها ، فخذوا بنواصيها وادعوا بالبركة وقلدوها ولا تقلدوها إلا وتار » .
وأخرج أبو عبيدة في كتاب الخيل عن زياد بن مسلم الغفاري رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : الخيل ثلاثة ، فمن ارتبطها في سبيل الله وجهاد عدوه كان شبعها وجوعها وريها وعطشها وجريها وعرقها وأرواثها وأبوالها أجراً في ميزانه يوم القيامة ، ومن ارتبطها للجمال فليس له إلا ذاك ومن ارتبطها فخراً ورياء كان مثل ما نص في الأول وزراً في ميزانه يوم القيامة » .(4/478)
وأخرج الطبراني والآجري في الشريعة والنصيحة عن خباب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الخيل ثلاثة : ففرس للرحمن ، وفرس للإِنسان ، وفرس للشيطان . فأما فرس الرحمن ، فما أعد في سبيل الله وقوتل عليه أعداء الله ، وأما فرس الإِنسان ، فما استبطن ويحمل عليه ، وأما فرس الشيطان ، فما قومر عليه » . وأخرجه ابن أبي شيبة عن خباب موقوفاً .
وأخرج أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الخيل ثلاثة : فرس للرحمن ، وفرس للإِنسان ، وفرس للشيطان . فأما فرس الرحمن ، فالذي يرتبط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله وذكر ما شاء الله ، وأما فرس الشيطان ، فالذي يقامر أي يراهن عليه ، وأما فرس الإِنسان ، فالفرس يرتبطها الإِنسان يلتمس بطنها فهي ستر من فقر » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد من طريق أبي عمرو الشيباني رضي الله عنه عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الخيل ثلاثة : فرس يربطه الرجل في سبيل الله فثمنه أجر ورعايته أجر وعلفه أجر ، وفرس يعالق فيه الرجل ويراهن فثمنه وزر وعلفه وزر ، وفرس للبطنة ، فعسى أن يكون سدداً من الفقر إن شاء الله تعالى » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « البركة في نواصي الخيل » .
وأخرج النسائي عن أنس رضي الله عنه قال « لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل » .
وأخرج ابن سعد وأحمد في الزهد عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال « ما كان شي أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل . ثم قال : اللهم غفرا إلا النساء » .
وأخرج الدمياطي في كتاب الخيل عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من حبس فرساً في سبيل الله ، كان سترة من النار » .
وأخرج ابن أبي عاصم في الجهاد عن يزيد بن عبدالله بن غريب المليكي عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « في الخيل وأبوالها وأرواثها كف من مسك الجنة » .
وأخرج ابن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « المنفق على الخيل كباسط يده بالصدقة لا يقبضها ، وأبوالها وأرواثها عند الله يوم القيامة كذكي المسك » .
وأخرج ابن ماجة وابن أبي عاصم عن تميم الداري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(4/479)
« من ارتبط فرساً في سبيل الله ثم عالج علفه بيده ، كان له بكل حبة حسنة » .
وأخرج أحمد وابن أبي عاصم عن تميم رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما من امرىء مسلم ينقي لفرسه شعيراً ثم يعلفه عليه الا كتب الله تعالى له بكل حبة حسنة » .
وأخرج ابن ماجة وابن أبي عاصم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يدخل الجنة سيء الملكة . قالوا : يا رسول الله ، أليس أخبرتنا أن هذه الأمة أكثر الأمم مملوكين وأيامى؟ قال : بلى ، فاكرموهم بكرامة أولادكم ، واطعموهم مما تأكلون . قالوا : فما ينفعنا في الدنيا؟ قال : فرس تربطه تقاتل عليه في سبيل الله ، ومملوك يكفيك فإذا كفاك فهو أخوك » .
وأخرج أبو عبدالله الحسين بن اسمعيل المحاملي عن سلمان رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما من رجل مسلم إلا حق عليه أن يرتبط فرساً إذا أطاق ذلك » .
وأخرج ابن أبي عاصم عن سوادة بن الربيع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ارتبطوا الخيل ، فإن الخيل في نواصيها الخير » .
وأخرج ابن أبي عاصم عن ابن الحنظلية رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من ارتبط فرساً في سبيل الله ، كانت النفقة عليه كالمادِّ يده بصدقة لا يقطعها » .
وأخرج أبو طاهر المخلص عن ابن الحنظلية رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وصاحبها يعان عليها ، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها » .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن أبي عاصم والحاكم عن ابن الحنظلية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن المنفق على الخيل في سبيل الله ، كباسط يده بالصدقة لا يقبضها » .
وأخرج البخاري والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديق موعود الله كان شبعه وريه وبوله حسنات في ميزانه يوم القيامة » .
وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما من فرس عربي إلا يؤذن له عند كل سحر بدعوتين ، يقول : اللهم كما خوّلتني من خوّلتني من بني آدم فاجعلني من أحب ماله وأهله إليه » .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمي الأنثى من الخيل فرساً » .(4/480)
وأخرج الطبراني عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من أطرق مسلماً فرساً فأعقب له الفرس ، كتب الله له أجر سبعين فرساً يحمل عليها في سبيل الله ، وإن لم تعقب له كان له كأجر سبعين فرساً يحمل عليه في سبيل الله » .
وأخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ما تعاطى الناس بينهم شيئاً قط أفضل من الطرق ، يطرق الرجل فرسه فيجري له أجره ، ويطرق الرجل فحله فيجري له أجره ، ويطرق الرجل كبشه فيجري له أجره « .
وأخرج أبو عبيدة في كتاب الخيل عن معاوية بن خديج رضي الله عنه . أنه لما افتتحت مصر كان لكل قوم مراغة يمرغون فيها خيولهم ، فمر معاوية بأبي ذر رضي الله عنه وهو يمرغ فرساً له ، فسلم عليه ووقف ثم قال : يا أبا ذر ، ما هذا الفرس؟ قال : فرس لي لا أراه إلا مستجاباً . قال : وهل تدعو الخيل وتجاب؟ قال : نعم ، ليس من ليلة إلا والفرس يدعو فيها ربه فيقول : رب إنك سخرتني لابن آدم وجعلت رزقي في يده : اللهم فاجعلني أحب إليه من أهله وولده ، فمنها المستجاب ومنها غير المستجاب ، ولا أرى فرسي هذا إلا مستجاباً .
وأخرج أبو عبيدة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال » أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم فرساً من جدس حي من اليمن ، فأعطاه رجلاً من الأنصار وقال : إذا نزلت فأنزل قريباً مني فإني أسار إلى صهيله ، ففقده ليلة فسأل عنه فقال : يا رسول الله ، إنا خصيناه . فقال : مثلت به يقولها ثلاثاً ، الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، أعرافها ادفاؤها وأذنابها مذابها ، التمسوا نسلها وباهوا بصهيلها المشركين « .
وأخرج أبو عبيدة عن مكحول رضي الله عنه قال : » نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جز أذناب الخيل وأعرافها ونواصيها وقال « أما أذنابها فمذابها ، وأما أعرافها فادفاؤها ، وأما نواصيها ففيها الخير » « .
وأخرج أبو نعيم عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال » لا تلهبوا أذناب الخيل ، ولا تجزوا أعرافها ونواصيها ، فإن البركة في نواصيها ، ودفاؤها في أعرافها ، وأذنابها مذابها « .
وأخرج أبو داود عن عتبة بن عبد الله السلمي رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها ، فأما أذنابها مذابها ، ومعارفها ادفاؤها ، ونواصيها معقود فيها الخير « .
وأخرج ابن سعد عن أبي واقد أنه بلغه » أن النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى فرسه فمسح وجهه بكم قميصه فقالوا : يا رسول الله أبقميصك؟ قال : إن جبريل عاتبني في الخيل « .(4/481)
وأخرج أبو عبيدة من طريق يحيى بن سعيد عن شيخ من الأنصار « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح بطرف ردائه وجه فرسه وقال : إني عتبت الليلة في اذلة الخيل » .
وأخرج أبو عبيدة عن عبدالله بن دينار رضي الله عنه قال « مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه فرسه بثوبه ، وقال : إن جبريل بات الليلة يعاتبني في اذلة الخيل » .
وأخرج أبو داود في المراسيل عن الوضين بن عطاء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تقودوا الخيل بنواصيها فتذلوها » .
وأخرج أبو داود في المراسيل عن مكحول رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أكرموا الخيل وجللوها » .
وأخرج الحسن بن عرفة عن مجاهد رضي الله عنه قال : « أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إنساناً ضرب وجه فرسه ولعنه فقال » هذه مع تلك ، إلا أن تقاتل عليه في سبيل الله ، فجعل الرجل يقاتل عليه ويحمل إلى أن كبر وضعف وجعل يقول : اشهدوا اشهدوا « » .
وأخرج أبو نصر يوسف بن عمر القاضي في سننه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في عين الفرس ربع ثمنه » .
وأخرج محمد بن يعقوب الخلي في كتاب الفروسية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ما من ليلة إلا ينزل ملك من السماء يحبس عن دواب الغزاة الكلال ، إلا دابة في عنقها جرس .
وأخرج ابن سعد وأبو داود والنسائي عن أبي وهب الجشمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأكنافها وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار ، وعليكم بكل كميت أغر محجل ، أو أشقر أغر محجل ، أو أدهم أغر محجل » .
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يمن الخيل في شقرها » .
وأخرج الواقدي عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خير الخيل الشقر ، وإلا فالأدهم أغر محجل ثلاث طليق اليمنى » .
وأخرج أبو عبيدة عن الشعبي رضي الله عنه في حديث رفعه أنه قال « التمسوا الحوائج على الفرس الكميت الأرثم المحجل الثلاث المطلق اليد اليمنى » .
وأخرج الحسن بن عرفة عن موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه قال : « جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : » إني أريد أن أبتاع فرساً . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليك به كميتاً وأدهم أقراح ارثم محجل ثلاث طليق اليمنى « » .(4/482)
وأخرج أبو عبيدة وابن أبي شيبة عن عطاء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن خير الخيل الحو » .
وأخرج ابن عرفة عن نافع بن جبير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « اليمن في الخيل في كل احوى احم » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الشكال من الخيل » . وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي قتادة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « خير الخيل الأدهم الأقرح المحجل الأرثم طلق اليد اليمنى ، فإن لم يكن ادهم فكميت على هذه النسبة » .
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا أردت أن تغتزي فاشتر فرساً أدهم أغر محجلاً مطلق اليمنى ، فإنك تغنم وتسلم » .
وأخرج سعد والحرث بن أبي أسامة وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن قانع في معجمه والطبراني وأبو الشيخ وابن منده والروياني في مسنده وابن مردويه وابن عساكر عن يزيد بن عبدالله بن عريب عن أبيه عن جده « عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : في قوله { وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم } قال : » هم الجن ، ولا يخبل الشيطان إنساناً في داره فرس عتيق « » .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الهدى عن أبيه عمن حدثه « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { وآخرين من دونهم لا تعلمونهم } قال : » هم الجن ، فمن ارتبط حصاناً من الخيل لم يتخلل منزله شيطان « » .
وأخرج ابن المنذر عن سليمان بن موسى رضي الله عنه في قوله { وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم } ولن يخبل الشيطان إنساناً في داره فرس عتيق .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وآخرين من دونهم } يعني الشيطان لا يستطيع ناصية فرس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الخيل معقود في نواصيها الخير فلا يستطيعه شيطان أبداً » .
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وآخرين من دونهم } قال : قريظة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله { وآخرين من دونهم لا تعلمونهم } قال : يعني المنافقين { الله يعلمهم } يقول : الله يعلم ما في قلوب المنافقين من النفاق الذي يسرون .(4/483)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم } قال : هؤلاء المنافقون لا تعلمونهم ، لأنهم معكم يقولون : لا إله إلا الله ويغزون معكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { وآخرين من دونهم } قال : أهل فارس .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سفيان رضي الله عنه في قوله { وآخرين من دونهم } قال : قال ابن اليمان رضي الله عنه : هم الشياطين التي في الدور .(4/484)
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وإن جنحوا للسلم } قال : قريظة .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } قال : نزلت في بني قريظة ، نسختها { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم . . . } [ محمد : 35 ] إلى آخر الآية .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن أبزي رضي الله عنه « أن النبي كان يقرأ { وإن جنحوا للسلم } » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وإن جنحوا للسلم } قال : الطاعة .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } قال : إن رضوا فارض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } يقول : إذا أرادوا الصلح فأرده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما . أنه قرأ « وإن جنحوا للسلم » يعني بالخفض وهو الصلح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مبشر بن عبيد رضي الله عنهما أنه قرأ « وإن جنحوا للسلم » يعني بفتح السين يعني الصلح .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } قال : نسختها هذه الآية { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } [ التوبة : 29 ] إلى قوله { صاغرون } .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وإن جنحوا للسلم } أي الصلح { فاجنح لها } قال : كانت قبل براءة ، وكان النبي يوادع الناس إلى أجل ، فإما أن يسلموا وإما أن يقاتلهم ، ثم نسخ ذلك في براءة فقال { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] وقال : { قاتلوا المشركين كافة } [ التوبة : 36 ] نبذ إلى كل ذي عهد عهده ، وأمره أن يقاتلهم حتى يقولوا لا إله إلا الله ويسلموا ، وأن لا يقبلوا منهم إلا ذلك ، وكل عهد كان في هذه السورة وغيرها وكل صلح يصالح به المسلمون المشركين يتواعدون به ، فإن براءة جاءت بنسخ ذلك ، فأمر بقتالهم قبلها على كل حال حتى يقولوا لا إله إلا الله .(4/485)
وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وإن يردوا أن يخدعوك } قال : قريظة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين } قال : الأنصار .
وأخرج ابن مردويه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في قوله { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين } الآية قال : نزلت في الأنصار .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين } قال : هم الأنصار .
وأخرج ابن عساكرعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : مكتوب على العرش : لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي ، محمد عبدي ورسولي أيدته بعلي ، وذلك قوله { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين } .
وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في كتاب الاخوان والنسائي والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه . أن هذه الآية نزلت في المتحابين { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم } .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب واللفظ له ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قرابة الرحم تقطع ، ومنة المنعم تكفر ، ولم نر مثل تقارب القلوب . يقول الله { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم } وذلك موجود في الشعر قال الشاعر :
إذا مت ذو القربى إليك برحمه ... فغشك واستغنى فليس بذي رحم
ولكن ذا القربى الذي ان دعوته ... أجاب : ومن يرمي العدوّ الذي ترمي
ومن ذلك قول القائل :
ولقد صحبت الناس ثم خبرتهم ... وبلوت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعاً ... وإذ المودّة أقرب الأسباب
قال البيهقي : هكذا وجدته موصولاً بقول ابن عباس رضي الله عنهما ، ولا أدري قوله وذلك موجود في الشعر من قوله أو من قبل من قبله من الرواة .
وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : النعمة تكفر ، والرحم يقطع ، وإن الله تعالى إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء ، ثم تلا { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال : إذا لقي الرجل أخاه فصافحه ، تحاتت الذنوب بينهما كما ينثر الريح الورق . فقال رجل : إن هذا من العمل اليسير . فقال : ألم تسمع الله قال { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم } .
وأخرج أبو الشيخ عن الأوزاعي قال : كتب إلي قتادة : إن يكن الدهر فرق بيننا فإن ألفة الله الذي ألف بين المسلمين قريب .(4/486)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)
أخرج البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أسلم عمر رضي الله عنه قال المشركون : قد انتصف القوم منا اليوم ، وأنزل الله { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } .
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : لما أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلاً وامرأة ، ثم إن عمر رضي الله عنه أسلم ، فصاروا أربعين فنزل { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : لما أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلاً وست نسوة ، ثم أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم عمر نزلت { يا أيها النبي حسبك الله . . . } الآية .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : لما أسلم عمر رضي الله عنه ، أنزل الله في إسلامه { يا أيها النبي حسبك الله } .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن الزهري رضي الله عنه في قوله { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } قال : فقال : نزلت في الأنصار .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي رضي الله عنه في قوله { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } قال : حسبك الله وحسبك من اتبعك .
وأخرج أبو محمد اسمعيل بن علي الحطبي في الأول من تحديثه من طريق طارق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : أسلمت رابع أربعين ، فنزلت { يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } .
وأخرج عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال : يقول : حسبك الله والمؤمنون .(4/487)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)
أخرج البخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق سفيان عن عمرو بن دينارعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزل { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً } فكتب عليهم أن لا يفر واحد من عشرة ، وأن لا يفر عشرون من مائتين ، ثم نزلت { الآن خفف الله عنكم . . . } الآية . فكتب أن لا يفر مائة من مائتين قال سفيان : وقال ابن شبرمة رضي الله عنه : وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا ، إن كانا رجلين أمرهما وإن كانا ثلاثة فهو في سعة من تركهم .
وأخرج البخاري والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة ، فجاء التخفيف { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين } فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم .
وأخرج اسحق بن راهويه في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : افترض أن يقاتل كل رجل عشرة ، فثقل ذلك عليهم وشق عليهم ، فوضع عنهم ورد عنهم إلى أن يقاتل الرجل الرجلين ، فأنزل الله في ذلك { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } إلى آخر الآيات .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : افترض عليهم أن يقاتل كل رجل عشرة ، فثقل ذلك عليهم وشق عليهم ، فوضع عنهم ورد عنهم إلى أن يقاتل الرجل الرجلين ، فأنزل الله في ذلك { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } إلى آخر الآيات .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت هذه الآية { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال } ثقلت على المسلمين فاعظموا أن يقاتل عشرون مائتين ، ومائة ألفاً ، فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى ، فقال { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً . . . } الآية . قال : فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغ لهم أن يفروا منهم ، وإن كانوا دون ذلك لم يجب عليهم قتالهم وجاز لهم أن يتحرزوا عنهم ، ثم عاتبهم في الأسارى وأخذ المغانم ولم يكن أحد قبله من الأنبياء عليهم السلام يأكل مغنماً من عدوّ هو لله .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إن يكن منكم عشرون صابرون .(4/488)
. . } الآية . قال : ففرض عليهم أن لا يفر رجل من عشرة ولا قوم من عشرة أمثالهم ، فجهد الناس ذلك وشق عليهم ، فنزلت الآية { الآن خفف الله عنكم } إلى قوله { ألفين } ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثليهم ، ونقص من الصبر بقدر ما تخفف عنهم من العدة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { إن يكن منكم عشرون . . . } الآية . قال : كان يوم بدر ، جعل الله على المسلمين أن يقاتل الرجل الواحد منهم عشرة من المشركين لقطع دابرهم ، فلما هزم الله المشركين وقطع دابرهم خفف على المسلمين بعد ذلك ، فنزلت { الآن خفف الله عنكم } يعني بعد قتال بدر .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } قال : نزلت في أهل بدر ، شدد عليهم فجاءت الرخصة بعد .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال : هذا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر جعل الله كل رجل منهم يقاتل عشرة من الكفار ، فضجوا من ذلك فجعل على كل رجل منهم قتال رجلين تخفيف من الله عز وجل .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمير رضي الله عنهما في قوله { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } قال : نزلت فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج الشيرازي في الألقاب وابن عدي والحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً } رفع » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي . أنه قرأ { وعلم أن فيكم ضعفاً } .
وأخرج ابن مردويه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه قرأ { وعلم أن فيكم ضعفاً } وقرأ كل شيء في القرآن ضعف » .(4/489)
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)
أخرج الحاكم وصححه عن أنس رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { أن يكون له أسرى } » .
وأخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال : « استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال : إن الله أمكنكم منهم ، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ، اضرب أعناقهم؟ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : » يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس . فقام عمر رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ، اضرب أعناقهم؟ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم عاد فقال مثل ذلك ، فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ، نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء . فعفا عنهم وقبل منهم الفداء ، فنزل { لولا كتاب من الله سبق } [ الأنفال : 68 ] الآية « .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه في الآية قال » استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ، قد أعطاك الظفر ونصرك عليهم ففادهم ، فيكون عوناً لأصحابك ، واستشار عمر رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ، أضرب أعناقهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحمكما الله . . . !ما أشبهكما باثنين مضيا قبلكما : نوح وإبراهيم ، أما نوح فقال { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } [ نوح : الآية 26 ] وأما إبراهيم فإنه يقول { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } [ إبراهيم : 36 ] « .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : » لما كان يوم بدر جيء بالأسارى فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله ، قومك وأهلك استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم . وقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ، كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فأضرب أعناقهم . وقال عبدالله بن رواحة رضي الله عنه : أنظروا وادياً كثير الحطب فاضرمه عليهم ناراً . فقال العباس رضي الله عنه وهو يسمع ما يقول : قطعت رحمك . فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئاً فقال أناس : يأخذ بقول أبي بكر رضي الله عنه؟ وقال أناس : يأخذ بقول عمر رضي الله عنه؟ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ، وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة ، مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام قال { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } [ إبراهيم : 36 ] ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى عليه السلام قال { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } ومثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام إذ قال { رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً } [ نوح : 26 ] ومثلك يا عمر كمثل موسى عليه السلام إذ قال { ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } [ يونس : 88 ] أنتم عالة ، فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق . فقال عبدالله رضي الله عنه : يا رسول الله ، الا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإِسلام ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع عليّ الحجارة مني في ذلك اليوم ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا سهيل بن بيضاء ، فأنزل الله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إلى آخر الآيتين « .(4/490)
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : فضل عمر رضي الله عنه عن الناس بأربع : بذكره الأسارى يوم بدر فأمر بقتلهم فأنزل الله { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } ، وبذكره الحجاب ، أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت زينب رضي الله عنها : وإنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا؟ فأنزل الله { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب } [ الأحزاب : 53 ] ، ودعوة نبي الله اللهم أيد الإِسلام بعمر ، ورأيه في أبي بكر رضي عنه كان أول الناس بايعه .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال « استشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في أسارى بدر ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله ، استبق قومك وخذ الفداء . وقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ، اقتلهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو اجتمعتما ما عصيتكما ، فأنزل الله { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } الآية » .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأسارى يوم بدر « إن شئتم فاقتلوهم وإن شئتم فاديتم واستمتعتم بالفداء واستشهد منكم بعدتهم ، فكان آخر السبعين ثابت بن قيس رضي الله عنه استشهد يوم اليمامة » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة عن أبي عبيدة رضي الله عنه قال « نزل جبريل عليه السلام على النبي يوم بدر فقال : إن ربك يخبرك إن شئت أن تقتل هؤلاء الأسارى وان شئت أن تفادي بهم ويقتل من أصحابك مثلهم ، فاستشار أصحابه ، فقالوا : نفاديهم فنقوى بهم ويكرم الله بالشهادة من يشاء » .(4/491)
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس من أسارى بدر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ملكان من الملائكة أحدهما أحلى من الشهد والآخر أمر من الصبر ، ونبيان من الأنبياء أحدهما أحلى على قومه من الشهد والآخر أمر على قومه من الصبر ، فإما النبيان فنوح قال { رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً } [ نوح : 26 ] ، وأما الآخر فإبراهيم إذ قال { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } [ إبراهيم : 36 ] ، وأما الملكان فجبريل وميكائيل ، هذا صاحب الشدة وهذا صاحب اللين . ومثلهما في أمتي ، أبو بكر وعمر » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما : ألا أخبركما بمثليكما في الملائكة ومثليكما في الأنبياء ، مثلك يا أبا بكر في الملائكة كمثل ميكائيل ينزل بالرحمة ، ومثلك في الأنبياء مثل إبراهيم قال { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } [ إبراهيم : 36 ] ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل ينزل بالشدة والبأس والنقمة على أعداء الله ، ومثلك في الأنبياء مثل نوح قال { رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً } [ نوح : 26 ] » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق مجاهد رضي الله عنه عن ابن عمر رضي الله عنهما « أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار أبو بكر رضي الله عنه فقال : قومك وعشيرتك ، فخل سبيلهم ، فاستشار عمر رضي الله عنه فقال : اقتلهم . ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { ما كان لنبي أن يكون له أسرى . . . } الآية . فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فقال : كاد أن يصيبنا في خلافك شر » .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال « لما أسر الأسارى يوم بدر ، أسر العباس فيمن أسر ، أسره رجل من الأنصار وقد وعدته الأنصار أن يقتلوه ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لم أنم الليلة من أجل عمي العباس ، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه ، فقال له عمر : فآتيهم؟ قال : نعم . فأتى عمر رضي الله عنه الأنصار فقال لهم : ارسلوا العباس . فقالوا : لا والله لا نرسله . فقال لهم عمر رضي الله عنه : فإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم رضا؟ قالوا : فإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم رضا فخذه . فأخذه عمر رضي الله عنه ، فلما صار في يده قال له : يا عباس ، أسلم فوالله لأن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب ، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه إسلامك . قال : فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : عشيرتك فأرسلهم ، فاستشار عمر رضي الله عنه فقال : اقتلهم . ففاداهم رسول الله ، فأنزل الله { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } الآية » .(4/492)
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل يوم بدر صبراً إلا ثلاثة . عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحرث ، وطعمة بن عدي ، وكان النضر أسره المقداد » .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال « اختلف الناس في أسارى بدر ، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : فادهم . وقال عمر رضي الله عنه : اقتلهم . قال قائل : أرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهدم الإِسلام ويأمره أبو بكر بالفداء . . . ! وقال قائل : لو كان فيهم أبو عمر أو أخوه ما أمره بقتلهم . . . ! فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أبي بكر ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { ولولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم ، ولو نزل العذاب ما أفلت إلا عمر » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والترمذي وصححه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما كان يوم بدر تعجل الناس إلى الغنائم فأصابوها قبل أن تحل لهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الغنيمة لا تحل لأحد سود الرؤوس قبلكم ، كان النبي وأصحابه إذا غنموا جمعوها ونزلت نار من السماء فأهلكتها ، فأنزل الله هذه الآية { لولا كتاب من الله سبق . . . } إلى آخر الآيتين » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله { لولا كتاب من الله سبق } قال : يقول لولا أنه سبق في علمي أني سأحل المغانم { لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } قال : وكان العباس بن عبد المطلب يقول : أعطاني الله هذه الآية { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى } [ الأنفال : 70 ] وأعطاني بما أخذ مني أربعين أوقية أربعين عبداً .
وأخرج إسحق بن راهويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } يعني غنائم بدر قبل أن يحلها لهم يقول : لولا أني أعذب من عصاني حتى أتقدم إليه لمسكم عذاب عظيم .(4/493)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } قال : ذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل ، فلما كثروا واشتد سلطانهم ، أنزل الله تعالى بعد هذا في الأسارى { فإمَّا منَّا بعد وإما فداء } [ محمد : 4 ] فجعل الله النبي والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار إن شاءوا قتلوهم ، وإن شاءوا استعبدوهم ، وإن شاءوا فادوهم ، وفي قوله { لولا كتاب من الله سبق } يعني في الكتاب الأول أن المغانم والأسارى حلال لكم { لمسكم فيما أخذتم } من الأسارى { عذاب عظيم ، فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً } قال : وكان الله تعالى قد كتب في أم الكتاب المغانم والأسارى حلالاً لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته ولم يكن أحله لأمة قبلهم ، وأخذوا المغانم وأسروا الأسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { حتى يثخن في الأرض } يقول : حتى يظهروا على الأرض .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : الإِثخان هو القتل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } قال : نزلت الرخصة بعد ، إنْ شئتَ فمنّ وإنْ شئتَ ففاد .
وأخرج ابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { تريدون عرض الدنيا } قال : أراد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر الفداء ، ففادوهم بأربعة آلاف أربعة آلاف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { تريدون عرض الدنيا } يعني الخراج .
وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن زيد رضي الله عنه قال : ليس أحد يعمل عملاً يريد به وجه الله يأخذ عليه شيئاً من عرض الدنيا إلا كان حظه منه .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال : لو لم يكن لنا ذنوب نخاف على أنفسنا منها إلا حبنا للدنيا لخشينا على أنفسنا ، إن الله يقول { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة } أريدوا ما أراد الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { لولا كتاب من الله سبق } قال : سبق لهم المغفرة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { لولا كتاب من الله سبق } قال : سبق لأهل بدر من السعادة { لمسكم فيما أخذتم } قال : من الفداء { عذاب عظيم } .(4/494)
وأخرج النسائي وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما { لولا كتاب من الله سبق } قال : سبقت لهم من الله الرحمة قبل أن يعملوا المعصية .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن خيثمة رضي الله عنه قال : كان سعد رضي الله عنه جالساً ذات يوم وعنده نفر من أصحابه إذ ذكر رجلاً فنالوا منه ، فقال : مهلاً عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنا أذنبنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذنباً ، فأنزل الله { لولا كتاب من الله سبق } قال : فكنا نرى أنها رحمة من الله سبقت لنا .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { لولا كتاب من الله سبق } قال : في أنه لا يعذب أحداً حتى يبين له ويتقدم إليه .
وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والبيهقي في الدلائل وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً ، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبيون » .
وأخرج أحمد وابن المنذر عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي : بعثت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلي ، ونصرت بالرعب فيرعب العدوّ وهو مني مسيرة شهر ، وقال لي : سل تعطه . فاختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وهي نائلة منكم إن شاء الله من لقي الله لا يشرك به شيئاً ، وأحلت لأمتي الغنائم » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لم تكن الغنائم تحل لأحد كان قبلنا ، فطيبها الله لنا لما علم الله من ضعفنا » ، فأنزل الله فيما سبق من كتابه إحلال الغنائم { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } فقالوا : والله يا رسول الله ، لا نأخذ لهم قليلاً ولا كثيراً حتى نعلم أحلال هو أم حرام؟ فطيبه الله لهم ، فأنزل الله تعالى { فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً واتقوا الله إن الله غفور رحيم } فلما أحل الله لهم فداهم وأموالهم . قال الأسارى : ما لنا عند الله من خير قد قتلنا وأسرنا ، فأنزل الله يبشرهم { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى } [ الأنفال : 70 ] إلى قوله { والله عليم حكيم } [ الأنفال : 71 ] .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كانت الغنائم قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم في الأمم ، إذا أصابوا منه جعلوه في القربان وحرم الله عليهم أن يأكلوا منها قليلاً أو كثيراً ، حرم ذلك على كل نبي وعلى أمته ، فكانوا لا يأكلون منه ولا يغلون منه ولا يأخذون منه قليلاً ولا كثيراً إلا عذبهم الله عليه ، وكان الله حرمه عليهم تحريماً شديداً فلم يحله لنبي إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، قد كان سبق من الله في قضائه أن المغنم له ولأمته حلال ، فذلك قوله يوم بدر في أخذه الفداء من الأسارى { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } .(4/495)
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس رضي الله عنهما ، لما رغبوا في الفداء أنزلت { ما كان لنبي . . . } إلى قوله { لولا كتاب من الله سبق } الآية . قال : سبق من الله رحمته لمن شهد بدراً ، فتجاوز الله عنهم وأحلها لهم .(4/496)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70)
أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت « لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم . بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة لها في فداء زوجها ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق رقة شديدة ، وقال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها؟ وقال العباس رضي الله عنه : إني كنت مسلماً يا رسول الله . قال : الله أعلم بإسلامك ، فإن تكن كما تقول فالله يجزيك فافد نفسك وابني أخويك نوفل بن الحارث ، وعقيل بن أبي طالب ، وحليفك عتبة بن عمر ، وقال : ما ذاك عندي يا رسول الله . قال : فأين الذي دفنت أنت وأم الفضل؟ فقلت لها : إن أصبت فإن هذا المال لبني . فقال : والله يا رسول الله إن هذا لشيء ما علمه غيري وغيرها ، فاحسب لي ما أحببتم مني عشرين أوقية من مال كان معي فقال : افعل . ففدي نفسه وابني أخويه وحليفه ، ونزلت { قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم } فأعطاني مكان العشرين أوقية في الإِسلام عشرين عبداً كلهم في يده مال نصرت به مع ما أرجو من مغفرة الله » .
وأخرج ابن سعد والحاكم وصححه عن أبي موسى « أن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالاً أكثر منه فنثر على حصير ، وجاء الناس فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم وما كان يومئذ عدد ولا وزن ، فجاء العباس فقال : يا رسول الله ، إني أعطيت فدائي وفداء عقيل يوم بدر ، أعطني من هذا المال ، فقال : خذ ، فحثى في قميصه ثم ذهب ينصرف فلم يستطع ، فرفع رأسه وقال : يا رسول الله ، أرفع علي . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أما أخذ ما وعد الله فقد نجز ولا أدري الأخرى { قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم } هذا خير مما أخذ مني ولا أدري ما يصنع في المغفرة » .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سبعين من قريش منهم العباس وعقيل ، فجعل عليهم الفداء أربعين أوقية من ذهب ، وجعل على العباس مائة أوقية ، وعلى عقيل ثمانين أوقية ، فقال العباس رضي الله عنه : لقد تركتني فقير قريش ما بقيت؟ فأنزل الله { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى } حين ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامي وسألته أن يقاسمني بالعشرين أوقية التي أخذت مني ، فعوّضني الله منها عشرين عبداً كلهم تاجر يضرب بمالي مع ما أرجو من رحمة الله ومغفرته .(4/497)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان العباس رضي الله عنه قد أسر يوم بدر ، فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب فقال حين نزلت { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى } ، لقد أعطاني خصلتين ما أحب أن لي بهما الدنيا ، إني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية فأعطاني الله أربعين عبداً ، وإني أرجو المغفرة التي وعدنا الله .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما { قل لمن في أيديكم من الأسرى } قال : عباس وأصحابه قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : آمنا بما جئت به ونشهد أنك رسول الله ، فنزل { إن يعلم الله في قلوبكم خيراً } أي إيماناً وتصديقاً يخلف لكم خيراً مما أصبت منكم ، ويغفر لكم الشرك الذي كنتم عليه ، فكان عباس يقول : ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وإن لي ما في الدنيا من شيء ، فلقد أعطاني الله خيراً مما أخذ مني مائة ضعف ، وأرجو أن يكون غفر لي .
وأخرج ابن سعد وابن عساكرعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى . . . } الآية . قال : نزلت في الأسارى يوم بدر ، منهم العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحرث ، وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم .(4/498)
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)
أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وإن يريدوا خيانتك } إن كان قولهم كذباً { فقد خانوا الله من قبل } فقد كفروا وقاتلوك فأمنك منهم .(4/499)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنه في قوله { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } قال : إن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاث منازل . منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه في الهجرة ، خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم ، وفي قوله { والذين آووا ونصروا } وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة وشهروا السيوف على من كذب وجحد ، فهذان مؤمنان جعل الله بعضهم أولياء بعض ، وفي قوله { والذين آمنوا ولم يهاجروا } قال : كانوا يتوارثون بينهم إذا توفي المؤمن المهاجر بالولاية في الدين ، وكان الذي آمن لم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر ، فبوأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم ، وهي الولاية التي قال الله { ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق } وكان حقاً على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قوتلوا ، إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق ، ولا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذي لا ميثاق لهم ، ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك : أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين آمنوا ولم يهاجروا ، فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيباً مفروضاً لقوله { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم } [ الأنفال : 75 ] .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار ، فآخى بين حمزة بن عبد المطلب وبين زيد بن حارثة وبين عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء ، وبين الزبير بن العوّام وعبد الله بن مسعود وبين أبي بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله ، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع . وقال لسائر أصحابه : تآخوا وهذا أخي - يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه - قال : فأقام المسلمون على ذلك حتى نزلت سورة الأنفال ، وكان مما شدد الله به عقد نبيه صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا } إلى قوله { لهم مغفرة ورزق كريم } فأحكم الله تعالى بهذه الآيات العقد الذي عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، يتوارث الذين تآخوا دون من كان مقيماً بمكة من ذوي الأرحام والقرابات ، فمكث الناس على ذلك العقد ما شاء الله ، ثم أنزل الله الآية الأخرى فنسخت ما كان قبلها فقال { والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام } والقرابات ورجع كل رجل إلى نسبه ورحمه ، وانقطعت تلك الوراثة .(4/500)
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض } يعني في الميراث ، جعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء } ما لكم من ميراثهم شيء { حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين } يعني إن استنصر الأعراب المسلمون المهاجرين والأنصار على عدولهم فعليهم أن ينصروهم { إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق } فكانوا يعلمون على ذلك حتى أنزل الله تعالى هذه الآية { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } فنسخت التي قبلها وصارت المواريث لذوي الأرحام .
وأخرج أبو عبيدة وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } قال : كان المهاجر لا يتولى الأعرابي ولا يرثه وهو مؤمن ولا يرث الأعرابي المهاجر ، فنسختها هذه الآية { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { والذين آمنوا ولم يهاجروا } قال : كان الأعرابي لا يرث المهاجر ولا المهاجر يرث الأعرابي حتى فتحت مكة ودخل الناس في الدين أفواجاً ، فأنزل الله { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } قال : نزلت هذه الآية فتوارثت المسلمون بالهجرة ، فكان لا يرث الأعرابي المسلم من المهاجر المسلم شيئاً حتى نسخ ذلك بعد في سورة [ الأحزاب : 6 ] { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين } فخلط الله بعضهم ببعض وصارت المواريث بالملل .
وأخرج أحمد ومسلم عن بريدة رضي الله عنه قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سرية أو جيش ، أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً ، وقال : اغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ، إذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال ، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم . ادعهم إلى الإِسلام فإن أجابوك فأقبل منهم ، ثم ادعهم إلى التحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين واعلمهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين ، فإن أبوا واختاروا دارهم فاعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين ، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن آتوا فأقبل منهم وكف عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله ثم قاتلهم » .(5/1)
وأخرج أحمد وابو داود والنسائي والحاكم وصححه عن أنس رضي الله عنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق } قال : نهى المسلمون عن أهل ميثاقهم فوالله لأخوك المسلم أعظم عليك حرمة وحقاً والله أعلم .(5/2)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق أبي مالك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رجل من المسلمين لنورثن ذوي القربى منا من المشركين ، فنزلت { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير } .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } قال : نزلت في مواريث مشركي أهل العرب .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } يعني في المواريث { إلا تفعلوه } يقول : أن لا تأخذوا في المواريث بما أمرتكم به .
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « المهاجرون بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة ، والطلقاء من قريش ، والعتقاء من ثقيف ، بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة » .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا يتوارث أهل ملتين ، ولا يرث مسلم كافراً ، ولا كافر مسلماً ، ثم قرأ { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير } » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا جاءكم من ترضون أمانته وخلقه فانكحوه كائناً ما كان ، فإن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير » .(5/3)
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)
أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال « ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم توفي على أربعة منازل . مؤمن مهاجر ، والأنصار ، وأعرابي مؤمن لم يهاجر ، إن استنصره النبي نصره ، وإن تركه فهو إذن له ، وإن استنصر النبي صلى الله عليه وسلم كان حقاً عليه أن ينصره ، وذلك { استنصروكم في الدين فعليكم النصر } [ الأنفال : 72 ] ، والرابعة التابعين بإحسان » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه . مثله .
وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن الزبير بن العوّام قال : أنزل الله فينا خاصة معشر قريش والأنصار { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة ، قدمنا ولا أموال لنا فوجدنا الأنصار نعم الإِخوان فواخيناهم وتوارثنا ، فآخى أبو بكر رضي الله عنه خارجة بن زيد ، وآخى عمر رضي الله عنه فلاناً ، وآخى عثمان رضي الله عنه رجلاً من بني زريق بن سعد الزرقي . قال الزبير : وواخيت أنا كعب بن مالك ، ووارثونا ووارثناهم فلما كان يوم أحد قيل لي ، قتل أخوك كعب بن مالك فجئته فانتقلته فوجدت السلاح قد ثقله فيما نرى ، فوالله يا بني لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار خاصة ، فرجعنا إلى مواريثنا .
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن الزبير أنه كتب إلى شريح القاضي : إنما نزلت هذه الآية أن الرجل كان يعاقد الرجل يقول : ترثني وأرثك ، فنزلت { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } فلما نزلت ترك ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما . أنه قيل له : أن ابن مسعود رضي الله عنه لا يورث الموالي دون الأرحام ، ويقول : إن ذوي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله . فقال ابن عباس رضي الله عنهما : هيهات هيهات . أين ذهب ، إنما كان المهاجرون يتوارثون دون الأعراب ، فنزلت { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } يعني أنه يورث المولى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } قال : نسخت هذه الآية ما كان قبلها من مواريث العقد والحلف والمواريث بالهجرة ، وصارت لذوي الأرحام قال : والابن أولى من الأخ ، والأخ أولى من الأخت ، والأخت أولى من ابن الأخ ، وابن الأخ أولى من العم ، والعم أولى من ابن العم ، وابن العم أولى من الخال ، وليس للخال ولا العمة ولا الخالة من الميراث نصيب في قول زيد ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعطي ثلثي المال للعمة والثلث للخالة إذا لم يكن له وارث ، وكان علي وابن مسعود يردان ما فضل من الميراث على ذوي الأرحام على قدر سهمانهم غير الزوج والمرأة .(5/4)
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال : كان لا يرث الأعرابي المهاجر حتى أنزل الله { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : توارثت المسلمون لما قدموا المدينة بالهجرة ، ثم نسخ ذلك فقال { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } .
وأخرج الطيالسي والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنما قال : آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وورث بعضهم من بعض حتى نزلت هذه الآية { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب .(5/5)
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } إلى أهل العهد خزاعة ومدلج ومن كان له عهد وغيرهم ، أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ منها فأراد الحج ، ثم قال « إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك ، فأرسل أبا بكر رضي الله عنه وعلياً رضي الله عنه فطافا في الناس بذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يبيعون بها وبالموسم كله ، فآذنوا أصحاب العهد أن يأمنوا أربعة أشهر وهي الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات ، عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر تخلو من ربيع الأوّل ، ثم عهد لهم وآذن الناس كلهم بالقتال إلى أن يموتوا » .
وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال « لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبا بكر رضي الله عنه ليقرأها على أهل مكة ، ثم دعاني فقال لي : أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه ، ورجع أبو بكر رضي الله عنه فقال : يا رسول الله نزل فيّ شيء؟ قال : لا ، ولكن جبريل جاءني فقال : لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال « بعث النبي صلى الله عليه وسلم ببراءة مع أبي بكر رضي الله عنه ، ثم دعاه فقال : لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي ، فدعا علياً فأعطاه إياه » .
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر رضي الله عنه ببراءة إلى أهل مكة ، ثم بعث علياً رضي الله عنه على أثره فأخذها منه ، فكأن أبا بكر رضي الله عنه وجد في نفسه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر أنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علياً رضي الله عنه بأربع : لا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى عهده ، وإن الله ورسوله بريء من المشركين » .
وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال « كنت مع علي رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علياً رضي الله عنه بأربع .(5/6)
لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى عهده ، وأن الله ورسوله بريء من المشركين « .
وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال » كنت مع علي رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة ، فكنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فإن أمره أو أجله إلى أربعة أشهر فإذا مضت الأربعة أشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله ، ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك « .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن المسيب رضي الله عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه » أن أبا بكر رضي الله عنه أمره أن يؤذن ببراءة في حجة أبي بكر فقال أبو هريرة : ثم اتبعنا النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه ، أمره أن يؤذن ببراءة وأبو بكر رضي الله عنه على الموسم كما هو ، أو قال : على هيئته « . وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا بكر رضي الله عنه على الحج ، ثم أرسل علياً رضي الله عنه ببراءة على أثره ، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم المقبل ، ثم خرج فتوفي ، فولي أبو بكر رضي الله عنه فاستعمل عمر رضي الله عنه على الحج ، ثم حج أبو بكر رضي الله عنه من قابل ثم مات ، ثم ولي عمر رضي الله عنه فاستعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج ، ثم كان يحج بعد ذلك هو حتى مات ، ثم ولي عثمان رضي الله عنه فاستعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج ، ثم كان يحج حتى قتل « .
وأخرج ابن حبان وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : » بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه يؤدي عنه براءة ، فلما أرسله بعث إلى علي رضي الله عنه فقال : يا علي إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو أنت ، فحمله على ناقته العضباء فسار حتى لحق بأبي بكر رضي الله عنه فأخذ منه براءة ، فأتى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخله من ذلك مخافة أن يكون قد أنزل فيه شيء ، فلما أتاه قال : ما لي يا رسول الله؟! قال « خير أنت أخي وصاحبي في الغار وأنت معي على الحوض ، غير أنه لا يبلغ عني غيري أو رجل مني » « .(5/7)
وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع رضي الله عنه قال « بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه ببراءة إلى الموسم ، فأتى جبريل عليه السلام فقال : إنه لن يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك ، فبعث علياً رضي الله عنه على أثره حتى لحقه بين مكة والمدينة ، فأخذها فقرأها على الناس في الموسم » .
وأخرج البخاري ومسلم وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال « بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذن بمنى : أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فأمره أن يؤذن ببراءة فأذن معنا علي رضي الله عنه في أهل منى يوم النحر ببراءة : أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان » .
وأخرج الترمذي وحسنه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر رضي الله عنه وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات ، ثم أتبعه علياً رضي الله عنه وأمره أن ينادي بها ، فانطلقا فحجا فقام علي رضي الله عنه في أيام التشريق فنادى { أن الله بريء من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } ولا يَحُجَّنَّ بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن . فكان علي رضي الله عنه ينادي بها » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن المنذر والنحاس والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن زيد بن تبيع رضي الله عنه قال : سألنا علياً رضي الله عنه بأي شيء بعثت مع أبي بكر رضي الله عنه في الحج؟ قال : بعثت بأربع . لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يجتمع مؤمن وكافر بالمسجد الحرام بعد عامه هذا ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته ، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر .
وأخرج إسحق بن راهويه والدارمي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر رضي الله عنه « أن النبي بعث أبا بكر على الحج ، ثم أرسل علياً رضي الله عنه ببراءة .(5/8)
فقرأها على الناس في موقف الحج حتى ختمها « .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة رضي الله عنه قال » بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميراً على الناس سنة تسع وكتب له سنن الحج ، وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بآيات من براءة فأمره أن يؤذن بمكة وبمنى وعرفة وبالمشاعر كلها : بأنه برئت ذمة رسوله من كل مشرك حج بعد العام ، أو طاف بالبيت عريان ، وأجل من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد أربعة أشهر ، وسار علي رضي الله عنه على راحلته في الناس كلهم يقرأ عليهم القرآن { براءة من الله ورسوله } وقرأ عليهم { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } [ الأعراف : 31 ] الآية « .
وأخرج أبو الشيخ عن علي رضي الله عنه قال » بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ببراءة ، فقلت : يا رسول الله تبعثني وأنا غلام حديث السن ، واسأل عن القضاء ولا أدري ما أجيب؟ قال : ما بد من أن تذهب بها أو أذهب بها . قلت : إن كان لا بد فأنا أذهب . قال : انطلق فأن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك ، ثم قال : انطلق فاقرأها على الناس « .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { براءة من الله ورسوله . . . } الآية . قال : حدَّ الله للذين عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاؤوا ، وحد أجل من ليس له عهد انسلاخ الأربعة الأشهر الحرم من يوم النحر إلى انسلاخ الحرم خمسين ليلة ، فإذا انسلخ الأشهر الحرم أمره أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإِسلام ونقض ما سمى لهم من العهد والميثاق ، وإن ذهب الشرط الأوّل { إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام } [ التوبة : 4 ] يعني أهل مكة .
وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان لقوم عهود فأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤجلهم أربعة أشهر يسيحون فيها ولا عهد لهم بعد ما وأبطل ما بعدها ، وكان قوم لا عهود لهم فأجلهم خمسين يوماً ، عشرين من ذي الحجة والمحرم كله ، فذلك قوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] قال : ولم يعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية أحداً .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { براءة من الله ورسوله } قال : برىء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من عهودهم كما ذكر الله عزَّ وجلَّ .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس عن الزهري رضي الله عنه { فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } قال : نزلت في شوّال فهي الأربعة أشهر شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم .(5/9)
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { وأذان من الله ورسوله } قال : هو إعلام من الله ورسوله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن حكيم بن حميد رضي الله عنه قال : قال لي علي بن الحسين : أن لعلي في كتاب الله اسماً ولكن لا يعرفونه . قلت : ما هو؟ قال : ألم تسمع قول الله { وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر } هو والله الأذان .
وأخرج الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال : « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحج الأكبر؟ فقال » يوم النحر « » .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وأبو الشيخ عن علي رضي الله عنه قال : يوم الحج الأكبر يوم النحر .
وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن علي رضي الله عنه قال « أربع حفظتهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . إن الصلاة الوسطى العصر ، وإن الحج الأكبر يوم النحر ، وإن أدبار السجود الركعتان بعد المغرب ، وإن أدبار النجوم الركعتان قبل صلاة الفجر » .
وأخرج الترمذي وابن مردويه عن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه . أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ قال « أي يوم أحرم ، أي يوم أحرم ، أي يوم أحرم؟ فقال الناس : يوم الحج الأكبر يا رسول الله » .
وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن عبد الله بن قرط قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أعظم الأيام عند الله أيام النحر يوم القر » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال « يوم الأضحى هذا يوم الحج الأكبر » .
وأخرج البخاري تعليقاً وأبو داود وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال : أي يوم هذا؟ قالوا : يوم النحر . قال : هذا يوم الحج الأكبر » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعثني أبو بكر رضي الله عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ويوم الحج الأكبر يوم النحر ، والحج الأكبر الحج ، وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر ، فنبذ أبو بكر رضي الله عنه إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرك ، وأنزل الله تعالى(5/10)
{ يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس } [ التوبة : 28 ] الآية .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن عباس قال : الحج الأكبر يوم النحر .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير عن المغيرة بن شعبة . أنه خطب يوم الأضحى فقال : اليوم النحر ، واليوم الحج الأكبر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال : الحج الأكبر : يوم النحر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : الحجر الأكبر : يوم النحر .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : الحج الأكبر : يوم النحر يوضع فيه الشعر ، ويراق فيه الدم ، وتحل فيه الحرم .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يوم الحج الأكبر يوم حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس » .
وأخرج ابن مردويه عن سمرة رضي الله عنه في قوله { يوم الحج الأكبر } قال : كان عام حج فيه المسلمون والمشركون في ثلاثة أيام ، واليهود والنصارى في ثلاثة أيام ، فاتفق حج المسلمين والمشركين واليهود والنصارى في ستة أيام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عون رضي الله عنه قال : سألت محمداً عن يوم الحج الأكبر؟ قال : كان يوم وافق فيه حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وحج أهل الملل .
وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال زمن الفتح : إنه عام الحج الأكبر . قال : اجتمع حج المسلمين وحج المشركين في ثلاثة أيام متتابعات ، فاجتمع حج المسلمين والمشركين والنصارى واليهود في ثلاثة أيام متتابعات ، ولم يجتمع منذ خلق الله السموات والأرض كذلك قبل العام ، ولا يجتمع بعد العام حتى تقوم الساعة » .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه . أنه سئل عن الحج الأكبر؟ فقال : ما لكم وللحج الأكبر؟ ذاك عام حج فيه أبو بكر رضي الله عنه ، استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج بالناس ، واجتمع فيه المسلمون والمشركون فلذلك سمي الحج الأكبر ، ووافق عيد اليهود والنصارى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : الحج الأكبر اليوم الثاني من يوم النحر ، ألم تر أن الإِمام يخطب فيه .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم عرفة : هذا يوم الحج الأكبر » .(5/11)
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : الحج الأكبر يوم عرفة .
وأخرج ابن جرير عن أبي الصهباء البكري قال : سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن يوم الحج الأكبر؟ فقال : يوم عرفة .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن يوم عرفة يوم الحج الأكبر ، يوم المباهاة يباهي الله ملائكته في السماء بأهل الأرض ، يقول « جاؤوني شعثاً غبرا ، آمنوا بي ولم يروني وعزتي لأغفرن لهم » .
وأخرج ابن جرير عن معقل بن داود قال سمعت ابن الزبير يقول يوم عرفة : هذا يوم الحج الأكبر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي . أنه سئل هذا الحج الأكبر فما الحج الأصغر؟ قال : عمرة في رمضان .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي إسحق رضي الله عنه قال : سألت عبد الله بن شداد رضي الله عنه عن الحج الأكبر فقال : الحج الأكبر يوم النحر ، والحج الأصغر العمرة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال : كان يقال : العمرة هي الحجة الصغرى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبو خيوة رضي الله عنه في قوله { أن الله بريء من المشركين ورسوله } قال : برىء رسوله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتاب الوقف والابتداء وابن عساكر في تاريخه عن ابن أبي مليكة رضي الله عنه قال : قدم اعرابي في زمان عمر رضي الله عنه فقال : من يُقرئني ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فاقرأه رجل فقال { أن الله بريء من المشركين ورسوله } بالجر فقال الأعرابي : أقد برىء الله من رسوله؟ إن يكن الله برىء من رسوله فأنا أبرأ منه . فبلغ عمر مقالة الأعرابي ، فدعاه فقال : يا أعرابي أتبرأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن ، فسألت من يقرئني؟ فاقرأني هذه سورة براءة . فقال { أن الله بريء من المشركين ورسوله } فقلت : إن يكن الله برىء من رسوله فأنا أبرأ منه . فقال عمر رضي الله عنه : ليس هكذا يا أعرابي . قال : فكيف هي يا أمير المؤمنين؟ فقال { أن الله بريء من المشركين ورسولُهُ } فقال الأعرابي : وأنا والله أبرأ مما ما برىء الله ورسوله منه . فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا يقرىء الناس إلا عالم باللغة ، وأمر أبا الأسود رضي الله عنه فوضع النحو .
وأخرج ابن الأنباري عن عباد المهلبي قال : سمع أبو الأسود الدؤلي رجلاً يقرأ { أن الله بريء من المشركين ورسوله } بالجر فقال : لا أظنني يسعني إلا أن أضع شيئاً يصلح به لحن هذا أو كلاماً هذا معناه .
أما قوله تعالى : { وبشر الذين كفروا بعذاب أليم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن مسهر قال : سئل سفيان بن عينية عن البشارة أتكون في المكروه؟ قال : ألم تسمع قوله تعالى { وبشر الذين كفروا بعذاب أليم } .(5/12)
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إلا الذين عاهدتم من المشركين } قال : هم مشركو قريش الذين عاهدهم نبي الله زمن الحديبية ، وكان بقي من مدتهم أربعة أشهر بعد يوم النحر ، فأمر الله نبيه أن يوفي لهم بعهدهم هذا إلى مدتهم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن عباد بن جعفر في قوله { إلا الذين عاهدتم من المشركين } قال : هم بنو خزيمة بن عامر من بني بكر بن كنانة .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { ثم لم ينقصوكم شيئاً . . } الآية . قال : فإن نقض المشركون عهدهم وظاهروا عدوّاً فلا عهد لهم ، وإن أوفوا بعهدهم الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يظاهروا عليه فقد أمر أن يؤدي إليهم عهدهم ويفي به .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم } قال : كان لبني مدلج وخزاعة عهد ، فهو الذي قال الله { فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم } .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله { إلا الذين عاهدتم من المشركين } قال : هؤلاء بنو ضمرة وبنو مدلج حيان من بني كنانة ، كانوا حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة العسرة من بني تبيع { ثم لم ينقصوكم شيئاً } ثم لم ينقضوا عهدكم بغدر { ولم يظاهروا } عدوّكم عليكم { فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم } يقول : أجلهم الذي شرطتم لهم { إن الله يحب المتقين } يقول : الذين يتقون الله تعالى فيما حرم عليهم فيفون بالعهد : قال : فلم يعاهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الآيات أحد .(5/13)
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } قال : هي الأربعة عشرون من ذي الحجة ، والمحرم ، وصفر ، وشهر ربيع الأول ، وعشرون من شهر ربيع الآخر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } قال : عشر من ذي القعدة ، وذي الحجة ، والمحرم ، سبعون ليلة .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } قال : هي الأربعة التي قال { فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } [ براءة : 2 ] .
وأخرج ابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم . . . } الآية . قال : كان عهد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش أربعة أشهر بعد يوم النحر ، كانت تلك بقية مدتهم ومن لا عهد له إلى انسلاخ المحرم ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم إذا مضى هذا الأجل أن يقاتلهم في الحل والحرم وعند البيت ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال : كل آية في كتاب الله تعالى فيها ميثاق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المشركين ، وكل عهد ومدة نسخها سورة براءة { خذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { واحصروهم } قال : ضيِّقوا عليهم { واقعدوا لهم كل مرصد } قال : لا تتركوهم يضربون في البلاد ولا يخرجون التجارة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني رضي الله عنه قال : الرباط في كتاب الله تعالى { واقعدوا لهم كل مرصد } .
وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ثم نسخ واستثنى فقال { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } وقال { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } [ التوبة : 6 ] .
أما قوله تعالى : { فإن تابوا } الآية .
أخرج ابن ماجة ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق الربيع بن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من فارق الدنيا على الإِخلاص لله وعبادته وحده لا شريك له ، وأقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فارقها والله عنه راض » ، قال أنس رضي الله عنه : وهو دين الله الذي جاءت به الرسل ، وبلغوه عن ربهم من قبل هوج الأحاديث واختلاف الأهواء . قال أنس : وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى في آخر ما أنزل { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } قال : توبتهم خلع الأوثان وعبادة ربهم .(5/14)
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة } قال : حرمت هذه دماء أهل القبلة .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم } قال : فإنما الناس ثلاثة نفر . مسلم عليه الزكاة ، ومشرك عليه الجزية ، وصاحب حرب يأتمن بتجارته إذا أعطى عشر ماله .
وأخرج الحاكم وصححه عن مصعب بن عبد الرحمن عن أبيه رضي الله عنه قال : افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، ثم انصرف إلى الطائف فحاصرهم ثمانية أو سبعة ، ثم ارتحل غدوة وروحة ، ثم نزل ثم هجر ، ثم قال « أيها الناس إني لكم فرط ، وإني أوصيكم بعترتي خيراً موعدكم الحوض ، والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلاً مني أو كنفسي فليضربن أعناق مقاتلهم وليسبين ذراريهم ، فرأى الناس أنه يعني أبا بكر أو عمر رضي الله عنهما ، فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال : هذا » .
وأخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن الربيع الظفري رضي الله عنه - وكانت له صحبة - قال « بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل من أشجع تؤخذ صدقته ، فجاءه الرسول فرده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب فإن لم يعط صدقته فاضرب عنقه » .(5/15)
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ثم أبلغه مأمنه } قال : إن لم يوافقه ما يقضي عليه ، ويجتريه فأبلغه مأمنه ، وليس هذا بمنسوخ .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } قال : أمر من أراد ذلك أن يأمنه ، فإن قبل فذاك وإلا خلى عنه حتى يأتي منه ، وأمر أن ينفق عليهم على حالهم ذلك .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { حتى يسمع كلام الله } أي كتاب الله .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه قال : ثم استثنى فنسخ منها فقال { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } وهو كلامك بالقرآن فأمنه { ثم أبلغه مأمنه } يقول : حتى يبلغ مأمنه من بلاده .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن أبي عروبة رضي الله عنه قال : كان الرجل يجيء إذا سمع كلام الله وأقرَّ به وأسلم . فذاك الذي دعي إليه ، وإن أنكر ولم يقر به فرد إلى مأمنه ، ثم نسخ ذلك فقال { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } [ التوبة : 5 ] .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام } قال : قريش .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنهما في قوله { إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام } قال : هؤلاء قريش .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عاهده أناس من المشركين وعاهد أيضاً أناساً من بني ضمرة بن بكر وكنانة خاصة ، عاهدهم عند المسجد الحرام وجعل مدتهم أربعة أشهر ، وهم الذين ذكر الله { إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } يقول : ما وفوا لكم بالعهد فوفوا لهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام } قال : هم بنو خزيمة بن فلان .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام } قال : هو يوم الحديبية { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } قال : فلم يستقيموا ونقضوا عهدكم أعانوا بني بكر حلفاء قريش على خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم .(5/16)
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال { الإِل } الله عز وجل .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة قال : الإِل : الله .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزَّ وجلَّ { إلاًّ ولا ذمة } قال : الإِل القرابة ، والذمة العهد . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :
جزى الله ألا كان بيني وبينهم ... جزاء ظلوم لا يؤخر عاجلاً
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء عن ميمون بن مهران رضي الله عنه . أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس رضي الله عنهما : أخبرني عن قول الله تعالى { لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة } قال : الرحم ، وقال فيه حسان بن ثابت :
لعمرك أن الك من قريش ... كال السقب من رال النعام
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وأكثرهم فاسقون } قال : ذم الله تعالى أكثر الناس .(5/17)
اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً } قال : أبو سفيان بن حرب ، اطعم حلفاءه وترك حلفاء محمد صلى الله عليه وسلم .(5/18)
فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } يقول : إن تركوا اللات والعزى ، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فاخوانكم في الدين .(5/19)
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وإن نكثوا أيمانهم } قال : عهدهم .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم } يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : وإن نكثوا العهد الذي بينك وبينهم فقاتلوهم انهم أئمة الكفر .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { أئمة الكفر } قال : أبو سفيان بن حرب ، وأمية بن خلف ، وعتبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وهم الذين نكثوا عهد الله تعالى وهمّوا باخراج الرسول من مكة .
وأخرج ابن عساكر عن مالك بن أنس رضي الله عنه . مثله .
وأخرج ابن عساكر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فقاتلوا أئمة الكفر } قال : أبو سفيان .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما { فقاتلوا أئمة الكفر } قال : رؤوس قريش .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله { فقاتلوا أئمة الكفر } قال : أبو سفيان بن حرب منهم .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه { فقاتلوا أئمة الكفر } قال : الديلم .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة رضي الله عنه أنهم ذكروا عنده هذه الآية فقال : ما قوتل أهل هذه الآية بعد .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن مردويه عن زيد بن وهب رضي الله عنه في قوله { فقاتلوا أئمة الكفر } قال : كنا عند حذيفة رضي الله عنه فقال : ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة ولا من المنافقين إلا أربعة . فقال اعرابي : إنكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تخبروننا بأمور لا ندري ما هي ، فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون اعلاقنا؟! قال : أولئك الفساق ، أجل لم يبق منهم إلا أربعة ، أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه . أنه كان في عهد أبي بكر رضي الله عنه في الناس حين وجههم إلى الشام ، فقال : إنكم ستجدون قوماً محلوقة رؤوسهم فاضربوا مقاعد الشيطان منهم بالسيوف ، فوالله لئن أقتل رجلاً منهم أحب إلي من أن أقتل سبعين من غيرهم ، وذلك بأن الله تعالى يقول { قاتلوا أئمة الكفر } .
وأخرج أبو الشيخ عن حذيفة رضي الله عنه { لا أيمان لهم } قال : لا عهود لهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عمَّار رضي الله عنه { لا أيمان لهم } لا عهود لهم .
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : والله ما قوتل أهل هذه الآية منذ أنزلت { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم . . . } الآية .
وأخرج ابن مردويه عن مصعب بن سعد قال : مرَّ سعد رضي الله عنه برجل من الخوارج فقال الخارجي لسعد : هذا من أئمة الكفر . فقال سعد رضي الله عنه : كذبت ، أنا قاتلت أئمته .(5/20)
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)
أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم } قال : قتال قريش حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم وهمهم باخراج الرسول ، زعموا أن ذلك عام عمرة النبي صلى الله عليه وسلم في العام السابع للحديبية ، وجعلوا في أنفسهم إذا دخلوا مكة أن يخرجوه منها فذلك همهم باخراجه ، فلم تتابعهم خزاعة على ذلك ، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قالت قريش لخزاعة : عميتمونا عن اخراجه؟ فقاتلوهم فقتلوا منهم رجالاً .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه قال : نزلت في خزاعة { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين } من خزاعة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ويشف صدور قوم مؤمنين } قال : خزاعة حلفاء رسول صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله { ويشف صدور قوم مؤمنين } قال : هم خزاعة يشفي صدورهم من بني بكر { ويذهب غيظ قلوبهم } قال : هذا حين قتلهم بنو بكر وأعانهم قريش .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه { ويذهب غيظ قلوبهم } قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في خزاعة حين جعلوا يقتلون بني بكر بمكة .
وأخرج ابن اسحق والبيهقي في الدلائل عن مروان بن الحكم والمسور بن خرمة قالا « كان في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية بينه وبين قريش : إن من شاء أن يدخل في عقد النبي صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه ، ومن شاء أن يدخل في عهد قريش وعقدهم دخل فيه ، فتواثبت خزاعة فقالوا : ندخل في عقد محمد وعهده ، وتواثبت بنو بكر فقالوا : ندخل في عقد قريش وعهدهم ، فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة عشر أو الثمانية عشر شهراً ، ثم إن بني بكر الذي كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم وثبوا على خزاعة الذين دخلوا في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده ليلاً بماء لهم يقال له الوتير قريب من مكة ، فقالت قريش : ما يعلم بنا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا الليل وما يرانا أحد ، فاعانوهم عليهم بالكراع والسلاح فقاتلوهم معهم للضغن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وركب عمرو بن سالم عندما كان من أمر خزاعة وبني بكر بالوتير حتى قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبيات أنشده اياها : »
اللهمَّ إني ناشد محمداً ... خلف أبينا وأبيه إلا تلدا
كنا والداً وكنت ولداً ... ثَمَّتَ أسلمنا ولم ننزع يدا
فانصر رسول الله نصراً عندا ... وادعُ عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا ... إن شئتم حسنا فوجهه بدر بدا
في فيلق كالبحر يجري مزبدا ... ان قريشاً اخلفوك موعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا ... وزعموا أن ليس تدعو احدا
فهم أذل وأقل عددا ... قد جعلوا لي بكداء رصدا
هم بيوتنا بالهجير هجدا ... وقتلونا ركَّعا وسجَّدا(5/21)
« فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصرت يا عمرو بن سالم ، فما برح حتى مرت غمامة في السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذه السحابة لتشهد بنصر بني كعب ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاد وكتمهم مخرجه ، وسأل الله أن يعمي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم » .(5/22)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله { أم حسبتم أن تتركوا ولمَّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم } قال : أبى أن يدعهم دون التمحيص .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الوليجة : البطانة من غير دينهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وليجة } أي حنانة .(5/23)
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله } وقال { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله } فنفي المشركين من المسجد يقول : من وحَّد الله وآمن بما أنزل الله { وأقام الصلاة } يعني الصلوات الخمس { ولم يخش إلا الله } يقول : لم يعبد إلا الله { فعسى أولئك } يقول : أولئك هم المهتدون كقوله لنبيه { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } [ الاسراء : 79 ] يقول : إن ربك سيبعثك مقاماً محموداً وهي الشفاعة ، وكل عسى في القرآن فهي واجبة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه أنه قرأ « ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله » قال : إنما هو مسجد واحد .
وأخرج ابن المنذر عن حماد قال : سمعت عبد الله بن كثيِّر يقرأ هذا الحروف « ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله . . . ، إنما يعمر مسجد الله » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدارمي والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإِيمان ، قال الله { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله وباليوم الآخر } » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من سمع النداء بالصلاة ثم لم يجب ويأتي المسجد ويصلي فلا صلاة له وقد عصى الله ورسوله . قال الله { إنما يعمر مساجد الله } الآية .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله سبحانه يقول : إني لأهمُّ بأهل الأرض عذاباً ، فإذا نظرت إلى عُمّار بيوتي ، والمتحابين فيّ ، والمستغفرين بالأسحار ، صرفت عنهم » .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن معمر عن رجل من قريش يرفع الحديث قال : يقول الله تبارك وتعالى « إن أحب عبادي إليّ الذين يتحابون فيّ ، والذين يعمرون مساجدي ، والذين يستغفرون بالأسحار ، أولئك الذين إذا أردت بخلقي عذاباً ذكرتهم فصرفت عذابي عن خلقي » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبزار وحسنه والطبراني والبيهقي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كتب إلى سلمان : يا أخي ، ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « المسجد بيت كل تقي » ، وقد ضمن الله لمن كانت المساجد بيوتهم بالروح والراحة ، والجواز إلى الصراط إلى رضوان الرب .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن قتادة رضي الله عنه قال : كان يقال : ما زي المسلم إلا في ثلاث : في مسجد يعمره ، أو بيت يكنه ، أو ابتغاء رزق من فضل ربه .(5/24)
وأخرج أبو بكر عبد الرحمن بن القاسم بن الفرج الهاشمي في جزئه المشهور بنسخة أبي مسهر عن أبي ادريس الخولاني رضي الله عنه قال : المساجد مجالس الكرام .
وأخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن للمساجد أوتاد ، الملائكة جلساؤهم ، إن غابوا يفتقدونهم ، وإن مرضوا عادوهم ، وإن كانوا في حاجة أعانوهم ، ثم قال : جليس المسجد على ثلاث خصال : أخ مستفاد ، أو كلمة محكمة ، أو رحمة منتظرة » .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن بيوت الله في الأرض المساجد ، وإن حقاً على الله أن يكرم الزائر » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والبيهقي في شعب الايمان عن عمرو بن ميمون الأودي رضي الله عنه قال : أخبرنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن المساجد بيوت الله في الأرض ، وأنه لحق على الله أن يكرم من زاره فيها .
وأخرج البزار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والبيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا عاهة من السماء أنزلت صرفت عن عُمار المساجد » .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال : إن للمساجد أوتاداً هم عُمارها ، وإن لهم جلساء من الملائكة تفتقدهم الملائكة إذا غابوا ، فإن كانوا مرضى عادوهم ، وإن كانوا في حاجة أعانوهم .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن عدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من ألف المسجد ألفه الله » .
وأخرج الطبراني عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال : سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من أدمن الاختلاف إلى المسجد أصاب أخاً مستفاداً في الله ، وعلماً مستظرفاً ، وكلمة تدعوه إلى الهدى ، وكلمة تصرفه عن الردى ، ويترك الذنوب حياء وخشية أو نعمة أو رحمة منتظرة » .
وأخرج الطبراني بسند صحيح عن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من توضأ في بيته ثم أتى المسجد فهو زائر الله ، وحق على المزور أن يكرم الزائر » . وأخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سلمان موقوفاً .
وأخرج البيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « بشر المشائين في ظلم الليالي بالنور التام يوم القيامة » .
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(5/25)
« من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد آتاه الله نوراً يوم القيامة » .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « بشر المدلجين إلى المساجد في الظلم بمنابر من نور يوم القيامة ، يفزع الناس ولا يفزعون » . وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الغدوّ والرواح إلى المسجد من الجهاد في سبيل الله » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مغفل رضي الله عنه قال : كنا نتحدث أن المسجد حصن حصين من الشيطان .
وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : المساجد بيوت الله في الأرض ، تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض .
وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً أوسع منه في الجنة » .
وأخرج أحمد والطبراني عن بشر بن حيان قال : جاء واثلة بن الأسقع رضي الله عنه ونحن نبني مسجدنا ، فوقف علينا فسلم ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من بنى مسجداً يصلي فيه بنى الله له بيتاً في الجنة أفضل منه » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبزار عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتاً في الجنة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من بنى مسجداً لا يريد به رياء ولا سمعة بنى الله له بيتاً في الجنة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من بنى بيتاً يعبد الله فيه من مال حلال بنى الله له بيتاً في الجنة من در وياقوت » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من بنى مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من بنى مسجداً يذكر اسم الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ابنوا المساجد واتخذوها حمى » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أمرنا أن نبني المساجد جماً والمدائن شرفاً .(5/26)
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهينا أن نصلي في مسجد مشرف .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن شقيق رضي الله عنه قال : إنما كانت المساجد جماً ، وإنما شرف الناس حديثاً من الدهر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان يقال : ليأتين على الناس زمان يبنون المساجد يتباهون بها ، ولا يعرفونها إلا قليلاً .
وأخرج ابن أبي شيبة عن يزيد بن الأصم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما أمرت بتشييد المساجد » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لتزخرفن مساجدكم كما زخرفت اليهود والنصارى مساجدهم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رضي الله عنه قال : إذا زخرفتم مساجدكم ، وحليتم مصاحفكم ، فالدمار عليكم .
وأخرج الطبراني في مسند الشاميين عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من علق قنديلاً في مسجد صلى عليه سبعون ألف ملك ، واستغفر له ما دام ذلك القنديل يقد » .
وأخرج سليم الرازي في الترغيب عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أسرج في مسجد سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوؤه » .
وأخرج أبو بكر الشافعي رضي الله عنه في رباعيته والطبراني عن أبي قرصافة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول « ابنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها . وسمعته يقول : اخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين ، وسمعته يقول : من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة . فقالوا : يا رسول الله وهذه المساجد التي تبنى في الطرق؟ فقال : وهذه المساجد التي تبنى في الطرق » .
وأخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال « مررت مع النبي صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة ، فرأى قبة من لبن فقال : لمن هذه؟ قلت : لفلان . فقال : إن كلَّ بناء كلَّ على صاحبه يوم القيامة إلا ما كان من مسجد ، ثم مر فلم يرها قال : ما فعلت القبة؟ قلت : بلغ صاحبها ما قلت ، فهدمها فقال : رحمه الله » .
وأخرج أحمد في الزهد والحكيم الترمذي عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : يقول الله « إني لأهمّ بعذاب أهل الأرض ، فإذا نظرت إلى جلساء القرآن وعمار المساجد وولدان الإِسلام سكن غضبي » .(5/27)
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
أخرج مسلم وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم ، ما أبالي ان لا أعمل لله عملاً بعد الإِسلام إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام . وقال آخر : بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم . فزجرهم عمر رضي الله عنه وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذلك يوم الجمعة - ولكن إذا صليتم الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستفتيته فيما اختلفتم فيه ، فانزل الله { أجعلتم سقاية الحاج } إلى قوله { والله لا يهدي القوم الظالمين } .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { أجعلتم سقاية الحاج . . . } الآية . وذلك أن المشركين قالوا : عمارة بيت الله ، وقيام على السقاية ، خير ممن آمن وجاهد . فكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره ، فذكر الله استكبارهم واعراضهم فقال لأهل الحرم من المشركين { قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون . مستكبرين به سامراً تهجرون } [ المؤمنون : 67 ] . يعني أنهم كانوا يستكبرون بالحرم . وقال ( به سامراً ) كانوا به يسمرون ويهجون بالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ، فخير الإِيمان بالله والجهاد مع نبي الله صلى الله عليه وسلم على عمران المشركين البيت وقيامهم على السقاية ، ولم يكن ينفعهم عند الله تعالى مع الشرك به وإن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه ، قال الله { لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين } يعني الذين زعموا أنهم أهل العمارة ، فسماهم الله ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئاً .
وأخرح ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال العباس رضي الله عنه حين أسر يوم بدر : إن كنتم سبقتمونا بالإِسلام والهجرة والجهاد لقد كنت نعمر المسجد الحرام ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني ، فأنزل الله { أجعلتم سقاية الحاج . . . } الآية . يعني أن ذلك كان في الشرك ، فلا أقبل ما كان في الشرك .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام . . . } الآية . قال : نزلت في علي بن أبي طالب والعباس رضي الله عنه .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية { أجعلتم سقاية الحاج } في العباس وعلي رضي الله عنهما تكلما في ذلك .
وأخرج ابن مردويه عن الشعبي رضي الله عنه قال : كانت بين علي والعباس رضي الله عنهما منازعة فقال العباس لعلي رضي الله عنه : أنا عم النبي صلى الله عليه وسلم وأنت ابن عمه ، وإلي سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، فأنزل الله { أجعلتم سقاية الحاج .(5/28)
. . } الآية .
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن قال : نزلت في علي والعباس وعثمان وشيبة تكلموا في ذلك .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن عبيدة رضي الله عنه قال : قال علي رضي الله عنه للعباس : لو هاجرت إلى المدينة . قال : أوَلست في أفضل من الهجرة؟ ألست أسقي الحاج ، وأعمر المسجد الحرام؟ فنزلت هذه الآية يعني قوله { أعظم درجة عند الله } قال : فجعل الله للمدينة فضل درجة على مكة .
وأخرج الفريابي عن ابن سيرين قال : قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه مكة فقال للعباس رضي الله عنه : أي عم الا تهاجر ، ألا تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أعمر المسجد الحرام ، وأحجب البيت . فأنزل الله { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام . . . } الآية . وقال لقوم قد سماهم : ألا تهاجرون ألا تلحقون برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : نقيم مع اخواننا وعشائرنا ومساكننا ، فأنزل الله تعالى { قل إن كان آباؤكم } [ التوبة : 24 ] الآية كلها .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال : افتخر طلحة بن شيبة ، والعباس ، وعلي بن أبي طالب ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت معي مفتاحه . وقال العباس رضي الله عنه : أنا صاحب السقاية والقائم عليها : فقال علي رضي الله عنه : ما أدري ما تقولون : لقد صليت إلى القبلة قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ، فأنزل الله { أجعلتم سقاية الحاج . . . } الآية كلها .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه قال : أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك ، فقال العباس : أما - والله - لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونفك العاني ، ونحجب البيت ، ونسقي الحاج ، فأنزل الله { أجعلتم سقاية الحاج } الآية .
وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر عن أنس رضي الله عنه قال : قعد العباس وشيبة صاحب البيت يفتخران ، فقال له العباس رضي الله عنه : أنا أشرف منك ، أنا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووصي أبيه ، وساقي الحجيج . فقال شيبة : أنا أشرف منك ، أنا أمين الله على بيته وخازنه ، أفلا ائتمنك كما ائتمنني؟ فاطلع عليهما عليّ رضي الله عنه فأخبراه بما قالا . فقال علي رضي الله عنه : أنا أشرف منكما ، أنا أوّل من آمن وهاجر : فانطلقوا ثلاثتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه . فما أجابهم بشيء ، فانصرفوا فنزل عليه الوحي بعد أيام ، فأرسل إليهم فقرأ عليهم { أجعلتم سقاية الحاج } إلى آخر العشر .(5/29)
وأخرج أبو الشيخ عن أبي حمزة السعدي أنه قرأ { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام } .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله { أجعلتم سقاية الحاج } قال : أرادوا أن يدعوا السقاية والحجابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تدعوها فإن لكم فيها خيراً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال : اشرب من سقاية العباس فانها من السنة . ولفظ ابن أبي شيبة : فإنه من تمام الحج .
وأخرج البخاري والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما « ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى ، فقال للعباس : يا فضل اذهب إلى أمك فائت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها ، فقال : اسقني . فقال : يا رسول الله انهم يجعلون أيديهم فيه . فقال : اسقني . فشرب منه ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال : اعملوا فإنكم على عمل صالح ، لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه ، وأشار إلى عاتقه » .
وأخرج أحمد عن أبي محذورة رضي الله عنه قال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان لنا ولموالينا ، والسقاية لنبي هاشم ، والحجابة لبني عبد الدار .
وأخرج ابن سعد عن علي رضي الله عنه قال « قلت للعباس رضي الله عنه : سل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نأتيك بماء لم تمسه الأيدي؟ قال : بلى ، فاسقوني فسقوه ، ثم أتى زمزم فقال : استقوا لي منها دلواً ، فأخرجوا منها دلواً فمضمض منه ثم مجه فيه ، ثم قال : أعيدوه ثم قال : إنكم على عمل صالح ، ثم قال : لولا أن تغلبوا عليه لنزلت فنزعت معكم » .
وأخرج ابن سعد عن جعفر بن تمام قال : جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال : أرأيت ما تسقون الناس من نبيذ هذا الزبيب ، أسنة تبغونها أم تجدون هذا أهون عليكم من البن والعسل؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما : « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى العباس وهو يسقي الناس فقال » اسقني . فدعا العباس بعساس من نبيذ ، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم عساً منها فشرب ، ثم قال : أحسنتم هكذا فاصنعوا . قال ابن عباس رضي الله عنهما : فما يسرني أن سقايتها جرت عليَّ لبناً وعسلا مكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسنتم هكذا فافعلوا « » .
وأخرج ابن سعد عن مجاهد رضي الله عنه قال : اشرب من سقاية آل العباس فإنها من السنة « .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء رضي الله عنه في قوله { أجعلتم سقاية الحاج؟ } قال : زمزم .(5/30)
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والأزرقي في تاريخ مكة والبيهقي في الدلائل عن الزهري رضي الله عنه قال : أول ما ذكر من عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن قريشاً خرجت من الحرم فارّة من أصحاب الفيل وهو غلام شاب فقال : والله لا أخرج من حرم الله أبتغي العز في غيره . فجلس عند البيت وأجلت عنه قريش فقال :
اللهم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك ... لا يغلبن صليبهم وضلالهم عدواً محالك
فلم يزل ثابتاً في الحرم حتى أهلك الله الفيل وأصحابه ، فرجعت قريش وقد عظم فيها لصبره وتعظيمه محارم الله ، فبينما هو في ذلك وقد ولد له أكبر بنيه ، فأدرك - وهو الحارث بن عبد المطلب - فأتي عبد المطلب في المنام فقيل له : احفر زمزم خبيئة الشيخ الأعظم ، فاستيقظ فقال : اللهمَّ بيِّن لي . فأتي في النام مرة أخرى فقيل : احفرتكم بين الفرث والدم في مبحث الغراب في قرية النمل مستقبل الأنصاب الحمر . فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في المسجد الحرام ينتظر ما سمي له من الآيات ، فنحرت بقرة بالجزورة فانفلتت من جازرها تحمي نفسها حتى غلب عليها الموت في المسجد في موضع زمزم ، فجزرت تلك البقرة من مكانها حتى احتمل لحمها فأقبل غراب يهوي حتى وقع في الفرث ، فبحث عن قرية النمل فقام عبد المطلب فحفر هناك ، فجاءته قريش فقالت لعبد المطلب : ما هذا الصنيع إنما لم نكن نرميك بالجهل لم تحفر في مسجدنا؟! فقال عبد المطلب : إني لحافر هذا البئر ومجاهد من صدني عنها . فطفق هو وولده الحارث وليس له ولد يومئذ غيره ، فسفه عليهما يومئذ ناس من قريش فنازعوها وقاتلوهما ، وتناهى عنه ناس من قريش لما يعلمون من عتق نسبه وصدقه واجتهاده في دينهم .
حتى إذا أمكن الحفر واشتد عليه الأذى ، نذر أن وفي له عشرة من الولدان ينحر أحدهم ، ثم حفر حتى أدرك سيوفاً دفنت في زمزم حين دفنت ، فلما رأت قريش أنه قد أدرك السيوف قالوا : يا عبد المطلب أجدنا مما وجدت . فقال عبد المطلب : هذه السيوف لبيت الله . فحفر حتى انبط الماء في التراب وفجرها حتى لا تنزف وبنى عليها حوضاً ، فطفق هو وابنه ينزعان فيملآن ذلك الحوض فيشربه الحاج ، فيكسره أناس حسدة من قريش فيصلحه عبد المطلب حين يصبح .
فلما أكثروا فساده دعا عبد المطلب ربه ، فأريَ في المنام فقيل له : قل اللهمَّ لا أحلها المغتسل ولكن هي للشاربين حل وبل ثم كفيتهم . فقام عبد المطلب حين اختلفت قريش في المسجد ، فنادى بالذي أرى ثم انصرف فلم يكن يفسد حوضه ذلك عليه أحد من قريش إلا رمى في جسده بداء حتى تركوا حوضه وسقايته ، ثم تزوّج عبد المطلب النساء فولد له عشرة رهط .(5/31)
فقال : اللهمَّ إني كنت نذرت لك نحر أحدهم وإني أقرع بينهم فأصيب بذلك من شئت . فأقرع بينهم فطارت القرعة على عبد الله ، وكان أحب ولده إليه فقال عبد المطلب : اللهم هو أحب إليك أم مائة من الابل؟ ثم أقرع بينه وبين المائة من الإِبل فطارت القرعة على المائة من الإِبل ، فنحرها عبد المطلب .
وأخرج الأزرقي والبيهقي في الدلائل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال عبد المطلب : إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال : أحفر طيبة . قلت : وما طيبة؟ فذهب عني ، فلما كان من الغد رجعت إلى مضجعي فنمت به ، فجاءني فقال : احفر زمزم . فقلت : وما زمزم؟ قال : لا تنزف ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم عند قرية النمل . قال : فلما أبان له شأنها ودل على موضعها وعرف أن قد صدق غدا بمعول ومعه ابنه الحارث ليس له يومئذ غيره فحفر ، فلما بدا لعبد المطلب الطي كبر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته ، فقاموا إليه فقالوا : يا عبد المطلب إنها بئر إسمعيل ، وإن لنا فيها حقاً فأشركنا معك فيها؟ فقال : ما أنا بفاعل ، إن هذا الأمر خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم . قالوا : فأنصفنا فإنَّا غير تاركيك حتى نحاكمك . قال : فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم . قالوا : كاهنة من سعد هذيل . قال : نعم - وكانت باشراف الشام - فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني عبد مناف ، وركب من كل ركب من قريش نفر - والأرض إذ ذاك مفاوز - فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض المفاوز بين الحجاز والشام فنى ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة ، فاستسقوا ممن معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا : إنا في مفازة نخشى فيها على أنفسنا مثل ما أصابكم .
فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال : ماذا ترون؟ قالوا : ما رأينا الا تبع لرأيك فمرنا ما شئت . قال : فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم لنفسه لما بكم الآن من القوة ، كلما مات رجل دفنه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلاً فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعاً . قالوا : سمعنا ما أردت . فقام كل رجل منهم يحفر حفرته ، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً ، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه : والله إن إلقاءنا بأيدينا لعجز ما نبتغي لأنفسنا حيلة ، عسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارحلوا ، فارتحلوا حتى فرغوا ومن معهم من قريش ينظرون إليهم وما هم فاعلون ، فقام عبد المطلب إلى راحلته فركبها ، فلما انبعثت انفجرت من تحت خفها عين من ماء عذب ، فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ، ثم نزل فشرب وشربوا واستقوا حتى ملأوا سقيتهم ، ثم دعا القبائل التي معه من قريش فقال : هلم الماء قد سقانا الله تعالى فاشربوا واستقوا .(5/32)
فقالت القبائل التي نازعته : قد - والله - قضى الله لك يا عبد المطلب علينا ، والله لا نخاصمك في زمزم . فارجع إلى سقايتك راشداً . فرجع ورجعوا معه ولم يمضوا إلى الكاهنة ، وخلوا بينه وبين زمزم .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة وعمر بن شبة والفاكهاني في تاريخ مكة والطبراني في الأوسط وابن عدي والبيهقي في سننه من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ماء زمزم لما شرب له » .
وأخرج المستغفري في الطب عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ماء زمزم لما شرب له ، من شربه لمرض شفاه الله ، أو جوع أشبعه الله ، أو لحاجة قضاها الله » .
وأخرج الدينوري في المجالسة عن الحميدي - وهو شيخ البخاري رضي الله عنهما - قال : كنا عند ابن عينية فحدثنا بحديث ماء زمزم لما شرب له ، فقام رجل من المجلس ثم عاد فقال : يا أبا محمد ليس الحديث الذي قد حدثتنا في زمزم صحيحاً . فقال : بلى . فقال الرجل : فإني شربت الآن دلواً من زمزم على أن تحدثني بمائة حديث . فقال سفيان رضي الله عنه : اقعد فقعد . فحدثه بمائة حديث .
وأخرج الفاكهاني في تاريخ مكة عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال : حج معاوية رضي الله عنه وحججنا معه ، فلما طاف بالبيت صلى عند المقام ركعتين ، ثم مر بزمزم وهو خارج إلى الصفا فقال : يا غلام انزع لي منها دلواً . فنزع له دلواً يشرب وصب على وجهه ، وخرج وهو يقول : ماء زمزم لما شرب له .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ماء زمزم لما شرب له » .
وأخرج الحافظ أبو الوليد بن الدباغ رضي الله عنه في فوائده والبيهقي والخطيب في تاريخه عن سويد بن سعيد رضي الله عنه قال : رأيت ابن المبارك رضي الله عنه أتى زمزم ، فملأ إناء ثم استقبل الكعبة فقال : اللهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ماء زمزم لما شرب له » وهو ذا أشرب هذا لعطش يوم القيامة . ثم شربه .
وأخرج الحكيم الترمذي من طريق أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ماء زمزم لما شرب له »(5/33)
قال الحكيم : وحدثني أبي قال : دخلت الطواف في ليلة ظلماء ، فأخذني من البول ما شغلني ، فجعلت أعتصر حتى آذاني ، وخفت ان خرجت من المسجد أن أطأ بعض تلك الأقذار وذلك أيام الحج ، فذكرت هذا الحديث ، فدخلت زمزم فتضلعت منه ، فذهب عني إلى الصباح .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خير ماء على وجه الأرض زمزم ، فيه طعام من الطعم ، وشفاء من السقم » .
وأخرج ابن أبي شيبة والفاكهاني والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « زمزم خير ماء يعلم ، وطعام يطعم ، وشفاء سقم » .
وأخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تحمل ماء زمزم في القوارير ، وتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، وكان يصب على المرضى ويسقيهم .
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن صفية رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ماء زمزم شفاء من كل داء » .
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه من طريق مجاهد رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ماء زمزم لما شرب له ، فإن شربته تشتفي به شفاك الله ، وان شربته مستعيذاً أعاذك الله ، وإن شربته ليقطع ظمؤك قطعه الله ، وإن شربته لشبعك أشبعك الله ، وهي عزيمة جبريل ، وسقيا إسمعيل عليهما السلام . قال : وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شرب ماء زمزم قال : اللهمَّ إني أسألك علماً نافعاً ، ورزقاً واسعاً ، وشفاء من كل داء » .
وأخرج عبد الرزاق وابن ماجة والطبراني والدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عثمان بن الأسود رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال : من أين جئت؟ قال : شربت من زمزم فقال : اشرب منها كما ينبغي . قال : وكيف ذاك يا أبا عباس؟ قال : إذا شربت منها فاستقبل القبلة واذكر اسم الله واشرب وتنفس ثلاثاً وتضلع منها ، فإذا فرغت فاحمد الله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم » .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة زمزم ، فأمر بدلو انتزع له من البئر فوضعها على شفة البئر ، ثم وضع يده من تحت عراقي الدلو ، ثم قال : بسم الله . ثم كرع فيها فأطال ، فرفع رأسه فقال : الحمد لله . ثم دعا فقال : بسم الله . ثم كرع فيها فأطال وهو دون الأول ، ثم رفع رأسه فقال : الحمد لله . ثم دعا فقال : بسم الله . ثم كرع فيها وهو دون الثاني ، ثم رفع فقال : الحمد لله . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علامة ما بيننا وبين المنافقين لم يشربوا منها قط حتى يتضلعوا » .(5/34)
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم « التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق » .
وأخرج الأزرقي عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : علامة ما بيننا وبين المنافقين أن يدلوا دلواً من ماء زمزم فيتضلعوا منها ، ما استطاع منافق قط أن يتضلع منها » .
وأخرج الأزرقي عن الضحاك بن مزاحم رضي الله عنه قال : بلغني أن التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق ، وأن ماءها مذهب بالصداع ، وأن الاطلاع فيها يجلو البصر ، وأنه سيأتي عليها زمان تكون أعذب من النيل والفرات .
وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي والفاكهاني عن كعب رضي الله عنه قال : إني لأجد في كتاب الله المنزل أن زمزم طعام طعم ، وشفاء سقم .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والأزرقي عن عبد الله بن عثمان بن خثيم رضي الله عنه قال : قدم علينا وهب بن منبه مكة فاشتكى ، فجئنا نعوده فإذا عنده من ماء زمزم ، فقلنا : لو استعذبت فإن هذا ماء فيه غلظ . قال : ما أريد أن أشرب حتى أخرج منها غيره ، والذي نفس وهب بيده إنها لفي كتاب الله مضنونة ، وإنها لفي كتاب الله طعام طعم ، وشفاء سقم ، والذي نفس وهب بيده لا يعمد إليها أحد فيشرب منها حتى يتضلع إلا نزعت داء وأحدثت له شفاء .
وأخرج الأزرقي عن كعب رضي الله عنه . أنه قال : لزمزم أنا نجدها مضنونة ضن بها لكم ، وأول من سقي ماءها اسمعيل عليه السلام ، طعام طعم وشفاء سقم .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور والأزرقي والحكيم الترمذي عن مجاهد رضي الله عنه قال : ماء زمزم لما شرب له ، إن شربته تريد الشفاء شفاك الله ، وإن شربته لظمأ رواك الله ، وإن شربته لجوع أشبعك الله ، وهي هزمة جبريل عليه السلام بعقبه ، وسقيا الله لإسمعيل عليه السلام .
وأخرج بقية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : خير واد في الناس وادي مكة ، ووادي الهند الذي هبط به آدم عليه السلام ، ومنه يؤتى بهذا الطيب الذي تطيبون به . وشر واد الناس واد بالأحقاف ، ووادي حضرموت يقال له برهوت ، وخير بئر في الناس بئر زمزم ، وشر بئر في الناس بئر برهوت ، وإليها تجتمع أرواح الكفار .
وأخرج الأزرقي من طريق عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : صلوا في مصلى الأخيار ، واشربوا من شراب الأبرار .(5/35)
قيل لابن عباس : ما مصلى الأخيار؟ قال : تحت الميزاب . قيل : وما شراب الأبرار؟ قال : ماء زمزم .
وأخرج الأزرقي عن ابن جريج رضي الله عنه قال : سمعت أنه يقال : خير ماء في الأرض ماء زمزم ، وشر ماء في الأرض ماء برهوت ، شعب من شعب حضرموت .
وأخرج الأزرقي عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال : إن إيليا وزمزم ليتعارفان .
وأخرج الأزرقي عن عكرمة بن خالد رضي الله عنه قال : بينما أنا ليلة في جوف الليل عند زمزم جالس إذا نفر يطوفون عليهم ثياب بيض لم أر بياض ثيابهم بشيء قط ، فلما فرغوا صلوا قريباً منا ، فالتفت بعضهم فقال لأصحابه اذهبوا بنا نشرب من شراب الأبرار . فقاموا فدخلوا زمزم فقلت : والله لو دخلت على القوم فسألتهم . فقمت فدخلت فإذا ليس فيها أحد من البشر .
وأخرج الأزرقي عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال : تنافس الناس في زمزم في الجاهلية ، حتى أن كان أهل العيال يغدون بعيالهم فيشربون فيكون صبوحاً لهم ، وقد كنا نعدها عوناً على العيال .
وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت زمزم تسمى في الجاهلية شباعه ، وتزعم أنها نعم العون على العيال .
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والأزرقي والبزار وأبو عوانة والبيهقي في سننه عن أبي ذر رضي الله عنه قال : « قدمت مكة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم » متى كنت ههنا؟ قلت : أربع عشرة . وفي لفظ : قلت ثلاثين من بين يوم وليلة . قال : من كان يطعمك؟ قلت : ما كان لي طعام ولا شراب إلا ماء زمزم فما أجد على كيدي سحقة جوع ، ولقد تكسرت عكن بطني . إنها مباركة إنها طعام طعم ، زاد الطيالسي وشفاء سقم « » .
وأخرج الأزرقي عن رباح بن الأسود رضي الله عنه قال : كنت مع أهلي بالبادية ، فابتعت بمكة فاعتقت ، فمكثت ثلاثة أيام لا أجد شيئاً آكله ، فكنت أشرب من ماء زمزم ، فشربت يوماً فإذا أنا بصريف اللبن من بين ثناياي ، فقلت : لعلي ناعس . . . ! فانطلقت وأنا أجد قوة اللبن وشبعه .
وأخرج الأزرقي عن عبد العزيز بن أبي رواد رضي الله عنه . أن راعياً كان يرعى وكان من العباد ، فكان إذا ظمىء وجد فيها لبناً ، وإذا أراد أن يتوضأ وجد فيها ماء .
وأخرج الأزرقي عن الضحاك بن مزاحم رضي الله عنه قال : إن الله يرفع المياه قبل يوم القيامة غير زمزم ، فتغور المياه غير زمزم ، وتلقي الأرض ما في بطنها من ذهب وفضة ، ويجيء الرجل بالجراب فيه الذهب والفضة فيقول : من يقبل هذا مني؟ فيقول : لو أتيتني به أمس قبلته .
وأخرج الأزرقي عن زر بن حبيش قال : رأيت عباس بن عبد المطلب في المسجد الحرام وهو يطوف حول زمزم يقول : لا أحلها لمغتسل وهي لمتوضىء وشارب حلُّ وبلٌّ .(5/36)
وأخرج الأزرقي عن ابن أبي حسين « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى سهيل بن عمرو يستهديه من ماء زمزم ، فبعث له براويتين » .
وأخرج عبد الرزاق والأزرقي عن ابن جريج عن ابن أبي حسين واسمه عبد الله بن أبي عبد الرحمن قال : « كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سهيل بن عمرو » إن جاءك كتابي ليلاً فلا تُصبِحَنَّ ، وإن جاءك نهار فلا تُمْسِيَنَّ حتى تبعث إليَّ بماء من زمزم ، فملأ له مزادتين وبعث بهما على بعير « » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استهدى سهيل بن عمرو رضي الله عنه من ماء زمزم » .
وأخرج ابن سعد عن أم أيمن رضي الله عنهما قالت « ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا صغيراً ولا كبيراً جوعاً ولا عطشاً ، كان يغدو فيشرب من ماء زمزم فاعرض عليه الغداء فيقول : لا أريده أنا شبعان » .
وأخرج الدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « خمس من العبادة : النظر إلى المصحف ، والنظر إلى الكعبة ، والنظر إلى الوالدين ، والنظر في زمزم وهي تحط الخطايا ، والنظر في وجه العالم » .
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد رضي الله عنه . أنه كان إذا شرب من زمزم قال : هي لما شربت له .
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما من رجل يشرب من ماء زمزم حتى يتضلع إلا حطَّ الله به داء من جوفه ، ومن شربه لعطش روي ، ومن شربه لجوع شبع .
وأخرج عبد الرزاق عن طاوس رضي الله عنه قال : ماء زمزم طعام طعم ، وشفاء سقم .
وأخرج الفاكهاني عن سعيد بن أبي هلال رضي الله عنه قال « بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عيناً له إلى مكة فاقام بها ليالي يشرب من ماء زمزم ، فلما رجع قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان عيشك؟ فأخبره أنه كان يأتي زمزم فيشرب من مائها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها شفاء من سقم وطعام من طعم » .
وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة سقاه من ماء زمزم .
وأخرج الفاكهاني عن مجاهد رضي الله عنه قال : كان ابن عباس رضي الله عنهما إذا نزل به ضيف أتحفه من ماء زمزم ، ولا أطعم قوماً طعاماً إلا سقاهم من ماء زمزم .
وأخرج أبو ذر الهروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت أهل مكة لا يسابقهم أحد إلا سبقوه ، ولا يصارعهم أحد إلا صرعوه حتى رغبوا عن ماء زمزم .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد رضي الله عنه قال : كانوا يستحبون إذا ودعوا البيت أن يأتوا زمزم فيشربوا منها .
وأخرج السلفي في الطيوريات عن ابن حبيب رضي الله عنه قال : زمزم شراب الأبرار ، والحجر مصلى الأخيار .(5/37)
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)
أخرج أبو الشيخ عن طلحة بن مصرف رضي الله عنه أنه قرأ { يبشرهم ربهم } .(5/38)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)
أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال : أمروا بالهجرة فقال العباس بن عبد المطلب : أنا أسقي الحاج . وقال طلحة أخو بني عبد الدار ، أنا أحجب الكعبة فلا نهاجر ، فانزلت { لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإِيمان } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه في هذه الآية قال : هي في الهجرة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وأموال اقترفتموها } قال : أصبتموها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله { وتجارة تخشون كسادها } يقول : تخشون أن تكسد فتبيعونها { ومساكن ترضونها } قال : هي القصور والمنازل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { فتربصوا حتى يأتي الله بأمره } قال : بالفتح في أمره بالهجرة هذا كله قبل فتح مكة .
وأخرج أحمد والبخاري عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال : « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : والله لأنت يا رسول الله أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم » لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه « والله أعلم .(5/39)
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)
أخرج الفريابي عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } قال : هي أول ما أنزل الله تعالى من سورة براءة .
وأخرج ابن أبي شيبة وسنيد وابن حرب وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال أول ما نزل من براءة { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } يعرفهم نصره ويوطنهم لغزوة تبوك .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } قال : هذا مما يمن الله به عليهم من نصره إياهم في مواطن كثيرة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال { حنين } ماء بين مكة والطائف ، قاتل النبي صلى الله عليه وسلم هوازن وثقيف ، وعلى هوازن مالك بن عوف ، وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام عام الفتح نصف شهر ، ولم يزد على ذلك حتى جاءته هوازن وثقيف فنزلوا بحنين ، وحنين واد إلى جنب ذي المجاز » .
وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال « لما اجتمع أهل مكة وأهل المدينة قالوا : الآن والله نقاتل حين اجتمعنا ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا وما أعجبهم من كثرتهم ، فالتقوا فهزمهم الله حتى ما يقوم منهم أحد على أحد ، حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي أحياء العرب إليَّ فوالله ما يعرج إليه أحد حتى أعرى موضعه ، فالتفت إلى الأنصار وهم ناحية ناحية فناداهم : يا أنصار الله وأنصار رسوله إلى عباد الله أنا رسول الله ، فعطفوا وقالوا : يا رسول الله ورب الكعبة إليك والله ، فنكسوا رؤوسهم يبكون وقدموا أسيافهم يضربون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليهم » .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع رضي الله عنه « أن رجلاً قال يوم حنين : لن نغلب من قلة . فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم } قال الربيع : وكانوا اثني عشر ألفاً ، منهم ألفان من أهل مكة » .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد البغوي في معجمه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي عبد الرحمن الفهري رضي الله عنه قال : « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين ، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال الشجر ، فلما زالت الشمس لبست لامتي وركبت فرسي ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، قد حان الرواح يا رسول الله . قال » أجل ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بلال . . . فثار من تحت سمرة كان ظله ظل طائر فقال : لبيك وسعديك وأنا فداؤك . ثم قال : أسرج لي فرسي . فأتاه بدفتين من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر قال : فركب فرسه ثم سرنا يومنا فلقينا العدوّ وتشامت الخيلان فقاتلناهم ، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ، فاقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرسه ، وحدثني من كان أقرب إليه مني : أنه أخذ حفنة من تراب فحثاها في وجوه القوم وقال : شاهت الوجوه . . . ! قال يعلى بن عطاء رضي الله عنه : فأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا : ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب ، وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست الحديد ، فهزمهم الله عز وجل « » .(5/40)
وأخرج الطبراني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : « كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، فولى الناس عنه وبقيت معه في ثمانين رجلاً من المهاجرين والأنصار ، فكنا على أقدامنا نحواً من ثمانين قدماً ولم نولهم الدبر ، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته ، فمضى قدماً فقال » ناولني كفاً من تراب . فناولته فضرب وجوههم ، فامتلأت أعينهم تراباً وولى المشركون أدبارهم « » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه . « أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والإِبل والغنم ، فجعلوهم صفوفاً ليكثروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالتقى المسلمون والمشركون ، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ، ثم قال : يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله ، فهزم الله المشركين ولم يضرب بسيف ولم يطعن برمح « » .
وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وأحمد ومسلم والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال « شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنا وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ، فلزمنا رسول الله فلم نفارقه وهو على بغلته الشهباء التي أهداها له فروة بن معاوية الجذامي ، فلما التقى المسلمون والمشركون ولي المسلمون مدبرين وطفق النبي صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار ، وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين ، وأبو سفيان بن الحرث آخذ بغرز رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عباس نادي أصحاب السمرة يا أصحاب البقرة ، فوالله لكأني عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقرة على أولادها ينادون يا لبيك يا لبيك ، فأقبل المسلمون فاقتتلوا هم والكفار ، وارتفعت الأصوات وهم يقولون : يا معشر الأنصار ، يا معشر الأنصار . ثم قصرت الدعوة على بني الحرث بن الخزرج ، فتطاول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته فقال : هذا حين حمي الوطيس ، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ، ثم قال : انهزموا ورب الكعبة . فذهبت أنظر فإذا القتال على هينته فيما أرى ، فما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصيات ، فما زلت أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبراً حتى هزمهم الله عز وجل » .(5/41)
وأخرج الحاكم وصححه عن جابر رضي الله عنه قال : « ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين الأنصار فقال : يا معشر الأنصار . فأجابوه لبيك - بأبينا أنت وأمنا - يا رسول الله . قال » أقبلوا بوجوهكم إلى الله ورسوله يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار . فأقبلوا ولهم حنين حتى أحدقوا به كبكبة تحاك مناكبهم يقاتلون حتى هزم الله المشركين « » .
وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال : « لما اجتمع يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة أعجبتهم كثرتهم ، فقال القوم : اليوم والله نقاتل ، فلما التقوا واشتد القتال ولوا مدبرين ، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ، فقال : » يا معشر المسلمين إلي عباد الله ، أنا رسول الله . فقالوا : إليك - والله - جئنا ، فنكسوا رؤوسهم ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم « » .
وأخرج الحاكم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال « أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من بعير ، ثم قال : أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم ، فأدوا الخيط والمخيط وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة ، وعليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الأنفال ، ويقول : ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : رأيتنا يوم حنين وإن الفئتين لموليتان ، وعن عكرمة قال : « لما كان يوم حنين ولى المسلمون وولى المشركون ، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال » أنا محمد رسول الله ثلاث مرات - وإلى جنبه عمه العباس - فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه : يا عباس أذن يا أهل الشجرة ، فأجابوه من كل مكان لبيك لبيك حتى أظلوه برماحهم ، ثم مضى فوهب الله له الظفر ، فأنزل الله { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم } الآية « » .(5/42)
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن عبيد الله بن عمير الليثي رضي الله عنه قال « كان مع النبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف من الأنصار ، وألف من جهينة ، وألف من مزينة ، وألف من أسلم ، وألف من غفار ، وألف من أشجع ، وألف من المهاجرين وغيرهم ، فكان معه عشرة آلاف . وخرج بإثني عشر ألفاً ، وفيها قال الله تعالى في كتابه { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً } .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن مردويه عن البراء بن عازب رضي الله عنه . أنه قيل له : هل كنتم وليتم يوم حنين؟ قال : والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسراً ليس عليهم سلاح ، فلقوا جمعاً رماة هوازن وبني النضر ما يكاد يسقط لهم سهم ، فرشقوهم رشقاً ما كادوا يخطئون ، فأقبلوا هنالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء وابن عمه أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب يقود به ، فنزل ودعا واستنصر ثم قال :
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
ثم صف أصحابه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا } قال : قتلهم بالسيف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : في يوم حنين أمد الله رسوله صلى الله عليه وسلم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين ، ويومئذ سمى الله تعالى الأنصار مؤمنين قال { ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } .
وأخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : رأيت قبل هزيمة القوم - والناس يقتتلون - مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم ، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة عليهم السلام ، ولم يكن إلا هزيمة القوم . . . ! .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { وعذب الذين كفروا } قال : بالهزيمة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن أبزى رضي الله عنه في قوله { وعذب الذين كفروا } قال : بالهزيمة والقتل . وفي قوله { ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء } قال : على الذين انهزموا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين .(5/43)
وأخرج ابن سعد والبخاري في التاريخ والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن عياض بن الحرث عن أبيه . قال : إن رسول صلى الله عليه وسلم أتى هوازن في إثني عشر ألفاً ، فقتل من الطائف يوم حنين مثل قتلى يوم بدر ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء فرمى بها وجوهنا فانهزمنا .
وأخرج أحمد ومسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : « غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً ، فلما واجهنا العدو وتقدمت فأعلو ثنية ، فاستقبلني رجل من العدو فأرميته بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع ، فنظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى ، فالتقوا هم وأصحاب والنبي صلى الله عليه وسلم وأنا متزر وأرجع منهزماً وعليَّ بردتان متزراً بأحدهما مرتدياً بالأخرى ، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعاً ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزماً وهو على بغلته الشهباء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لقد رأى ابن الأكوع فزعاً ، فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ، ثم استقبل به وجوههم فقال : شاهت الوجوه . فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة ، فولوا مدبرين ، فهزمهم الله تعالى ، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين « » .
وأخرج البخاري في التاريخ والبيهقي في الدلائل عن عمرو بن سفيان الثقفي رضي الله عنه قال « قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قبضة من الحصى فرمى بها في وجوهنا فانهزمنا ، فما خيل إلينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا » .
وأخرج البخاري في التاريخ وابن مردويه والبيهقي عن يزيد بن عامر السوائي - وكان شهد حنيناً مع المشركين ثم أسلم - قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قبضة من الأرض فرمى بها في وجوه المشركين وقال : ارجعوا شاهت الوجوه ، فما أحد يلقاه أخوه إلا وهو يشكو قذى في عينيه ويمسح عينيه .
وأخرج مسدد في مسنده والبيهقي وابن عساكر عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال : حدثني رجل كان من المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة إلا كفيناهم ، فبينا نحن نسوقهم في أدبارهم إذ التقينا إلى صاحب البغلة البيضاء فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلقينا عنده رجال بيض حسان الوجوه قالوا لنا : شاهت الوجوه ارجعوا . فرجعنا وركبوا أكتافنا وكانت إياها .
وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحق ، حدثنا أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، أنه حدث أن مالك بن عوف رضي الله عنه بعث عيوناً فأتوه وقد تقطعت أوصالهم فقال : ويلكم ما شأنكم؟ فقالوا : أتانا رجال بيض على خيل بلق ، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى .(5/44)
وأخرج ابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن مصعب بن شيبة بن عثمان الحجبي عن أبيه قال « خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، والله ما خرجت إسلاماً ولكن خرجت إتقاء أن تظهر هوازن على قريش ، فوالله إني لواقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قلت : يا نبي الله إني لأرى خيراً بلقاً . . . ! قال : يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر . فضرب بيده عند صدري حتى ما أجد من خلق الله تعالى أحب إليَّ منه قال : فالتقى المسلمون فقتل من قتل ، ثم أقبل النبي وعمر رضي الله عنه آخذ باللجام ، والعباس آخذ بالغرز ، فنادى العباس رضي الله عنه : أين المهاجرون ، أين أصحاب سورة البقرة؟ - بصوت عال - هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأقبل الناس والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : »
أنا النبي غير كذب ... أنا ابن عبد المطلب
« فأقبل المسلمون فاصطكّوا بالسيوف ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الآن حمي الوطيس » .(5/45)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
أخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد عامي هذا أبداً إلا أهل العهد وخدمكم » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه في قوله { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } إلا أن يكون عبداً أو أحداً من أهل الذمة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { إنما المشركون نجس } أي أخباث { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } وهو العام الذي حج فيه أبو بكر رضي الله عنه . نادى علي رضي الله عنه بالأذان ، وذلك لتسع سنين من الهجرة ، وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام المقبل حجة الوداع لم يحج قبلها ولا بعدها منذ هاجر ، فلما نفى الله تعالى المشركين عن المسجد الحرام شق ذلك على المسلمين ، فأنزل الله { وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله } فأغناهم الله تعالى بهذا الخراج : الجزية الجارية عليهم يأخذونها شهراً شهراً وعاماً عاماً ، فليس لأحد من المشركين أن يقرب المسجد الحرام بعد عامهم ذلك إلا صاحب الجزية أو عبد رجل من المسلمين .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان المشركون يجيئون إلى البيت ويجيئون معهم بالطعام يَتَّجِرون فيه ، فلما نهوا عن أن يأتوا البيت قال المسلمون : فمن أين لنا الطعام؟ فأنزل الله { وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء } قال : فأنزل الله عليهم المطر وكثر خيرهم حين ذهب المشركون عنهم .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : لما نزلت { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } شق على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : من يأتينا بطعامنا وبالمتاع؟ فنزلت { وإن خفتم عيلة . . . } الآية .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نفى الله تعالى إلى المشركين عن المسجد الحرام ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين فقال : من أين تأكلون وقد نفى المشركون وانقطعت عنكم العير؟ قال الله تعالى { وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء } فأمرهم بقتال أهل الكفر وأغناهم من فضله .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال : قال المؤمنون : قد كنا نصيب من متاجر المشركين . فوعدهم الله تعالى أن يغنيهم من فضله عوضاً لهم بأن لا يقربوا المسجد الحرام ، فهذه الآية من أول براءة في القراءة وفي آخرها التأويل .(5/46)
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه قال : لا يدخل الحرم كله مشرك ، وتلا هذه الآية .
وأخرج عبد الرزاق والنحاس في ناسخه عن عطاء رضي الله عنه في قوله { فلا يقربوا المسجد الحرام } قال : يريد الحرم كله . وفي لفظ : لا يدخل الحرم كله مشرك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { وإن خفتم عيلة } قال : الفاقة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { فسوف يغنيكم الله من فضله } قال : أغناهم الله تعالى بالجزية الجارية .
وأخرج أبو الشيخ عن الأوزاعي رضي الله عنه قال : كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن يمنع أن يدخل اليهود والنصارى المساجد ، وأتبع نهيه { إنما المشركون نجس } .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه { إنما المشركون نجس } فمن صافحهم فليتوضأ .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صافح مشركاً فليتوضأ ، أو ليغسل كفيه » .
وأخرج ابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده قال « استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام ، فناوله يده فأبى أن يتناولها فقال : يا جبريل ما منعك أن تأخذ بيدي؟! فقال : إنك أخذت بيد يهودي فكرهت أن تمس يدي يداً قد مستها يد كافر ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ ، فناوله يده فتناولها » .
وأخرج ابن مردويه وسمويه في فوائده عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامهم هذا ، ومن كان بينه وبين رسول صلى الله عليه وسلم أجل فأجله مدته » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح : لا يدخل المسجد الحرام مشرك ، ولا يؤدي مسلم جزية » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عمر بن العزيز قال : آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قال « قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، لا يبقى بأرض العرب دينان » .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج رضي الله عنه قال « بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته بأن لا يترك يهودي ولا نصراني بأرض الحجاز ، وأن يمضي جيش أسامة إلى الشام ، وأوصى بالقبط خيراً فإن لهم قرابة » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه قال : اخرجوا المشركين من جزيرة العرب .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال : إن آخر كلام تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال « اخرجوا اليهود من أرض الحجاز ، وأهل نجران من جزيرة العرب » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لئن بقيت لأخرجن المشركين من جزيرة العرب ، فلما ولي عمر رضي الله عنه أخرجهم » .(5/47)
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أنزل الله تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر رضي الله عنه إلى المشركين { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس } فكان المشركون يوافون بالتجارة فينتفع بها المسلمون ، فلما حرم الله تعالى على المشركين أن يقربوا المسجد الحرام وجد المسلمون في أنفسهم مما قطع عنهم من التجارة التي كان المشركون يوافون بها ، فأنزل الله تعالى { وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء } فأجل في الآية الأخرى التي تتبعها الجزية ، ولم تكن تؤخذ قبل ذلك فجعلها عوضاً مما منعهم من موافاة المشركين بتجاراتهم ، فقال { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } إلى قوله { صاغرون } فلما أحق ذلك للمسلمين عرفوا أنه قد عوضهم أفضل ما كانوا وجدوا عليه مما كان المشركون يوافون به من التجارة .
وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « القتال قتالان : قتال المشركين حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ، وقتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله فإذا فاءت أعطيت العدل » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في سننه عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله . . . } الآية . قال : نزلت هذه حين أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بغزوة تبوك .
وأخرج ابن المنذر عن ابن شهاب رضي الله عنه قال : أنزلت في كفار قريش والعرب { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله } [ البقرة : 193 ] وأنزلت في أهل الكتاب { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } إلى قوله { حتى يعطوا الجزية } فكان أول من أعطى الجزية أهل نجران .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجزية عن يد قال » جزية الأرض والرقبة ، جزية الأرض والرقبة « » .
وأخرج النحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } قال : نسخ بهذا العفو عن المشركين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في الآية قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال من يليه من العرب أمره بجهاد أهل الكتاب .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } يعني الذين لا يصدقون بتوحيد الله { ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } يعني الخمر والخنزير { ولا يدينون دين الحق } يعني دين الإِسلام { من الذين أوتوا الكتاب } يعني من اليهود والنصارى أوتوا الكتاب من قبل المسلمين أمة محمد صلى الله عليه وسلم { حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون } يعني يذلون .(5/48)
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { عن يد } قال : عن قهر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة رضي الله عنه في قوله { عن يد } قال : من يده ولا يبعث بها مع غيره .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي سنان رضي الله عنه في قوله { عن يد } قال : عن قدرة .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { عن يد وهم صاغرون } قال : ولا يلكزون .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سلمان رضي الله عنه في قوله { وهم صاغرون } قال : غير محمودين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن المغيرة رضي الله عنه . أنه بعث إلى رستم فقال له رستم : إلام تدعو؟ فقال له : أدعوك إلى الإِسلام ، فأن أسلمت فلك ما لنا وعليك ما علينا . قال : فإن أبيت؟ قال : فتعطي الجزية عن يد وأنت صاغر . فقال : لترجمانه : قل له ما إعطاء الجزية فقد عرفتها فما قولك وأنت صاغر؟ قال : تعطيها وأنت قائم وأنا جالس والسوط على رأسك .
وأخرج أبو الشيخ عن سلمان رضي الله عنه أنه قال لأهل حصن حاصرهم الإِسلام : أو الجزية وأنتم صاغرون قالوا : وما الجزية؟ قال : نأخذ منكم الدراهم والتراب على رؤوسكم .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن سلمان رضي الله عنه . أنه انتهى إلى حصن فقال : إن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا ، وإن أنتم أبيتم فأدوا الجزية وأنتم صاغرون ، فإن أبيتم فأنبذناكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : أحب لأهل الذمة أن يتعبوا في أداء الجزية لقول الله تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مسروق رضي الله عنه قال « لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً أو عدله معافر » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري رضي الله عنه قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس أهل هجر ، ومن يهود اليمن ونصاراهم من كل حالم دينار .
وأخرج ابن أبي شيبة عن بجالة قال : لم يأخذ عمر رضي الله عنه الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر .(5/49)
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن بن محمد بن علي رضي الله عنهم قال « كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإِسلام ، فمن أسلم قبل منه ومن أبى ضربت عليهم الجزية ، حتى أن لا تؤكل لهم ذبيحة ولا ينكح منهم امرأة » .
وأخرج مالك والشافعي وأبو عبيد في كتاب الأموال وابن أبي شيبة عن جعفر عن أبيه . « أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار الناس في المجوس في الجزية فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول » سنوا بهم سنة أهل الكتاب « . وأخرج ابن المنذر عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : لولا أني رأيت أصحابي أخذوا من المجوس ما أخذت منهم ، وتلا { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } الآية .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . أنه سئل عن أخذ الجزية من المجوس؟ فقال : والله ما على الأرض أحد أعلم بذلك مني إن المجوس كانوا أهل كتاب يعرفونه وعلم يدرسونه ، فشرب أميرهم الخمر فسكر فوقع على أخته ، فرآه نفر من المسلمين فلما أصبح قالت أخته : إنك قد صنعت بي كذا وكذا وقد رآك نفر لا يسترون عليك . فدعا أهل الطمع فأعطاهم ثم قال لهم : قد علمتم أن آدم عليه السلام قد أنكح بنيه بناته ، فجاء أولئك الذين رأوه فقالوا : ويل للأبعد إن في ظهرك حد الله فقتلهم أولئك الذين كانوا عنده ، ثم جاءت امرأة فقالت له : بلى قد رأيتك لها : ويحاً لبغي بني فلان . . . ! قالت : أجل ، والله لقد كانت بغية ثم تابت فقتلها ، ثم أسرى على ما في قلوبهم وعلى كتبهم فلم يصبح عندهم شيء .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال : قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذه الجزيرة من العرب على الإِسلام لم يقبل منهم غيره ، وكان أفضل الجهاد ، وكان بعد جهاد آخر على هذه الأمة في شأن أهل الكتاب { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن مجاهد رضي الله قال : يقاتل أهل الأوثان على الإِسلام ، ويقاتل أهل الكتاب على الجزية .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من نساء أهل الكتاب من يحل لنا ومنهم من لا يحل لنا ، وتلا { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه ، ومن لم يعط الجزية لم يحل لنا نساؤه ، ولفظ ابن مردويه : لا يحل نكاح أهل الكتاب إذا كانوا حرباً ، ثم تلا هذه الآية .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال له : آخذ الأرض فأتقبلها أرضا خربة فأعمرها وأؤدي خراجها فنهاه ثم قال : لا تعمدوا إلى ما ولاه الله هذا الكافر فتخلعه من عنقه وتجعله في عنقك ، ثم تلا { قاتلوا الذين لا يؤمنون } إلى { صاغرون } .(5/50)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال « أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى ، وأبو أنس ، وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيراً ابن الله؟ وإنما قالوا : هو ابن الله من أجل أن عزيراً كان في أهل الكتاب ، وكانت التوراة عندهم يعلمون بها ما شاء الله تعالى أن يعلموا ، ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق ، وكان التابوت فيهم فلما رأى الله تعالى أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء رفع الله عنهم التابوت ، وأنساهم التوراة ، ونسخها من صدورهم ، وأرسل عليهم مرضاً فاستطلقت بطونهم منهم حتى جعل الرجل يمشي كبده حتى نسوا التوراة ونسخت من صدورهم ، وفيهم عزير كان من علمائهم فدعا عزير الله عز وجل وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدره ، فبينما هو يصلي مبتهلاً إلى الله تعالى نزل نور من الله فدخل جوفه ، فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة ، فأذن في قومه فقال : يا قوم قد آتاني الله التوراة ردها إليّ ، فعلق يعلمهم فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا وهو يعلمهم ، ثم إن التابوت نزل عليهم بعد ذلك وبعد ذهابه منهم ، فلما رأوا التابوت عرضوا ما كانوا فيه على الذي كان عزير يعلمهم فوجدوه مثله ، فقالوا : والله ما أوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { وقالت اليهود عزير ابن الله } قال : قالها رجل واحد اسمه فنحاص .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كن نساء بني إسرائيل يجتمعن بالليل فيصلين ويعتزلن ويذكرن ما فضل الله تعالى به على بني إسرائيل وما أعطاهم ، ثم سلط عليهم شر خلقه بختنصر فحرق التوراة وخرب بيت المقدس ، وعزير يومئذ غلام فقال عزير : أو كان هذا؟! فلحق الجبال والوحش فجعل يتعبد فيها ، وجعل لا يخالط الناس ، فإذا هو ذات يوم بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال : يا أمة الله اتقي الله واحتسبي واصبري ، أما تعلمين أن سبيل الناس إلى الموت؟! فقالت : يا عزير اتنهاني أن أبكي وأنت خلفت بني إسرائيل ولحقت بالجبال والوحش؟ قالت : إني لست بامرأة ولكني الدنيا ، وأنه سينبع في مصلاك عين وتنبت شجرة ، فاشرب من العين وكل من ثمرة الشجرة ، فإنه سيأتيك ملكان فاتركهما يصنعان ما أرادا . فلما كان من الغد نبعت العين ونبتت الشجرة فشرب من ماء العين وأكل من ثمرة الشجرة ، وجاء ملكان ومعهما قارورة فيها نور فأوجراه ما فيها ، فألهمه الله التوراة فجاء فأملاه على الناس ، فقالوا عند ذلك : عزير بن الله ، تعإلى الله عن ذلك علواً كبيراً .(5/51)
وأخرج أبو الشيخ عن كعب رضي الله عنه قال : دعا عزير ربه عز وجل أن يلقي التوراة كما أنزل على موسى عليه السلام في قلبه ، فأنزلها الله تعالى عليه ، فبعد ذلك قالوا : عزير ابن الله .
وأخرج أبو الشيخ عن حميد الخراط رضي الله عنه . أن عزيراً كان يكتبها بعشرة أقلام في كل أصبع قلم .
وأخرج أبو الشيخ عن الزهري رضي الله عنه قال : كان عزير يقرأ التوراة ظاهراً ، وكان قد أعطي من القوة ما ان كان ينظر في شرف السحاب ، فعند ذلك قالت اليهود : عزير ابن الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال : إنما قالت اليهود عزير ابن الله لأنهم ظهرت عليهم العمالقة فقتلوهم وأخذوا التوراة ، وهرب علماؤهم الذين بقوا فدفنوا كتب التوراة في الجبال ، وكان عزير يتعبد في رؤوس الجبال لا ينزل إلا في يوم عيد ، فجعل الغلام يبكي يقول : رب تركت بني إسرائيل بغير عالم؟ فلم يزل يبكيهم حتى سقط أشفار عينيه ، فنزل مرة إلى العيد فلما رجع إذا هو بامرأة قد مثلت له عند قبر من تلك القبور تبكي ، تقول : يا مطعماه يا كاسياه . . . ! فقال لها : ويحك من كان يطعمك أو يكسوك أو يسقيك قبل هذا الرجل؟! قالت : الله . قال : فإن الله حي لم يمت . قالت : يا عزير فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال : الله . قالت : فلم تبكي عليهم؟ فلما عرف أنه قد خصم ولى مدبراً . فدعته فقالت : يا عزير إذا أصبحت غداً فائت نهر كذا وكذا فاغتسل فيه ، ثم أخرج فصل ركعتين فإنه يأتيك شيخ فما أعطاك فخذه . فلما أصبح انطلق عزير إلى ذلك النهر فاغتسل فيه ثم خرج فصلى ركعتين ، فأتاه شيخ فقال : افتح فمك . ففتح فمه فألقمه فيه شيئاً كهيئة الجمرة العظيمة مجتمع كهيئة القوارير ثلاث مرات ، فرجع عزير وهو من أعلم الناس بالتوراة فقال : يا بني إسرائيل إني قد جئتكم بالتوراة . فقالوا له : ما كنت كذاباً؟؟ فعمد فربط على كل أصبع له قلماً ، ثم كتب بأصابعه كلها فكتب التوراة ، فلما رجع العلماء أخبروا بشأن عزير ، واستخرج أولئك العلماء كتبهم التي كانوا رفعوها من التوراة في الجبال ، وكانت في خواب مدفونة فعرضوها بتوراة عزيز ، فوجدوها مثلها فقالوا : ما أعطاك الله إلا وأنت ابنه .
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاث أشك فيهن . فلا أدري أعزير كان نبياً أم لا ، ولا أدري أَلعن تبعاً أم لا ، قال : ونسيت الثالثة » .(5/52)
وأخرج البخاري في تاريخه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد شجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وكسرت رباعيته ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ رافعاً يديه يقول « إن الله عز وجل اشتد غضبه على اليهود أن قالوا عزير ابن الله ، واشتد غضبه على النصارى إن قالوا المسيح ابن الله ، وإن الله اشتد غضبه على من أراق دمي وآذاني في عترتي » .
وأخرج ابن النجار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال عزير : يا رب ما علامة من صافيته من خلقك؟ فأوحى الله إليه : أن أقنعه باليسير وأدَّخر له في الآخرة الكثير .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { يضاهئون قول الذين كفروا من قبل } قال : قالوا مثل ما قال أهل الأديان .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله { يضاهئون قول الذين كفروا من قبل } يقول : ضاهت النصارى قول اليهود قبلهم فقالت النصارى : المسيح ابن الله . كما قالت اليهود : عزير ابن الله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { قاتلهم الله } قال : لعنهم الله ، وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { قاتلهم الله } قال : كلمة من كلام العرب .(5/53)
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)
أخرج ابن سعد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في سورة براءة { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } فقال : « أما أنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه » .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في سننه عن أبي البختري رضي الله عنه قال : سأل رجل حذيفة رضي الله عنه فقال : أرأيت قوله تعالى { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } أكانوا يعبدونهم؟ قال : لا ، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه .
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في شعب الإِيمان عن حذيفة رضي الله عنه { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم } قال : أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم أطاعوهم في معصية الله .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه { اتخذوا أحبارهم } اليهود { ورهبانهم } النصارى { وما أمروا } في الكتاب الذي أتاهم وعهد إليهم { إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } سبح نفسه أن يقال عليه البهتان .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال { أحبارهم } قراؤهم { ورهبانهم } علماؤهم .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال : الأحبار من اليهود ، والرهبان من النصارى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي . مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه قال : الأحبار العلماء ، والرهبان العباد .(5/54)
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم } قال : الإِسلام بكلامهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { يريدون أن يطفئوا نور الله } يقول : يريدون أن يهلك محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن لا يعبدوا الله بالإِسلام في الأرض ، يعني بها كفار العرب وأهل الكتاب من حارب منهم النبي صلى الله عليه وسلم وكفر بآياته .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم } قال : هم اليهود والنصارى .(5/55)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
أخرج أحمد ومسلم والحاكم وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى . فقالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله إني كنت أظن حين أنزل الله { ليظهره على الدين كله } أن ذلك سيكون تاماً؟ فقال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ، ثم يبعث الله ريحاً طيبة فيتوفى من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من خير ، فيبقى من لا خير فيه يرجعون إلى دين آبائهم » .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه { هو الذي أرسل رسوله بالهدى } يعني بالتوحيد والقرآن والإِسلام .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله { ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } قال : يظهر الله نبيه صلى الله عليه وسلم على أمر الدين كله ، فيعطيه إياه كله ولا يخفى عليه شيء منه ، وكان المشركون واليهود يكرهون ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم ليظهره على الدين كله ، فديننا فوق الملل ورجالنا فوق نسائهم ، ولا يكونون رجالهم فوق نسائنا .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في سننه عن جابر رضي الله عنه في قوله { ليظهره على الدين كله } قال : لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني صاحب ملة إلا الإِسلام ، حتى تأمن الشاة الذئب والبقرة الأسد والإِنسان الحية ، وحتى لا تقرض فأرة جراباً ، وحتى توضع الجزية ، ويكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، وذلك إذا نزل عيسى ابن مريم عليه السلام .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله في قوله { ليظهره على الدين كله } قال : الأديان ستة . الذين آمنوا ، والذين هادوا ، والصابئين ، والنصارى ، والمجوس ، والذين أشركوا ، فالأديان كلها تدخل في دين الإِسلام ، والإِسلام لا يدخل في شيء منها ، فإن الله قضى فيما حكم ، وأنزل أن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله { ليظهره على الدين كله } قال : خروج عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام .(5/56)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)
أخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار } يعني علماء اليهود { والرهبان } علماء النصارى { ليأكلون أموال الناس بالباطل } والباطل كتب كتبوها لم ينزلها الله تعالى فأكلوا بها الناس ، وذلك قول الله تعالى { الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند الله وما هو من عند الله } [ البقرة : 79 ] .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في الآية قال : أما الأحبار فمن اليهود ، وأما الرهبان فمن النصارى ، وأما سبيل الله فمحمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج أبو الشيخ عن الفضيل بن عباس رضي الله عنه قال : اتبعوا عالم الآخرة ، واحذروا عالم الدنيا لا يضركم بشكره ، ثم تلا هذه الآية { إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { والذين يكنزون الذهب والفضة . . . } الآية . قال : هم الذين لا يؤدون زكاة أموالهم ، وكل مال لا تؤدى زكاته كان على ظهر الأرض أو في بطنها فهو كنز ، وكل مال أدي زكاته فليس بكنز كان على ظهر الأرض أو في بطنها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما أدي زكاته فليس بكنز .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين ، وما لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان ظاهراً .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً . مثله .
وأخرج ابن عدي والخطيب عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أي مال أديت زكاته فليس بكنز » وأخرجه ابن أبي شيبة عن جابر رضي الله عنه موقوفاً .
وأخرج أحمد في الزهد والبخاري وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما في الآية قال : إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ، فلما أنزلت جعلها الله طهرة للأموال ، ثم قال : ما أبالي لو كان عندي مثل أحد ذهباً اعلم عدده أزكيه وأعمل فيه بطاعة الله .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن سعد بن أبي سعيد رضي الله عنه . أن رجلاً باع داراً على عهد عمر رضي الله عنه فقال له عمر : احرز ثمنها احفر تحت فراش امرأتك . فقال : يا أمير المؤمنين أو ليس كنز؟ قال : ليس بكنز ما أدي زكاته .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي « عن أم سلمة رضي الله عنها » انها قالت : يا رسول الله إن لي أوضاحاً من ذهب أو فضة أفكنز هو؟ قال : كل شيء تؤدى زكاته فليس بكنز « » .(5/57)
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن شاهين في الترغيب في الذكر وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ثوبان رضي الله عنه قال : « لما نزلت { والذين يكنزون الذهب والفضة } كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال له أصحابه : لو علمنا أي المال خير فنتخذه . فقال » أفضله لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه . وفي لفظ : تعينه على أمر الآخرة « » .
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده وأبو داود وأبو يعلى وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت هذه الآية { والذين يكنزون الذهب والفضة } كبر ذلك على المسلمين وقالوا : ما يستطيع أحد منا لولده ما لا يبقى بعده . فقال عمر رضي الله عنه : أنا أفرج عنكم . فانطلق عمر رضي الله عنه واتبعه ثوبان رضي الله عنه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية . فقال « إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم ، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم . فكبر عمر رضي الله عنه ، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته ، وإذا أمرها أطاعته ، وإذا غاب عنها حفظته » .
وأخرج الدارقطني في الافراد وابن مردويه عن بريدة رضي الله عنه قال : الصالحة التي إذا نظر إليها سرته ، وإذا أمرها أطاعته ، وإذا غاب عنها حفظته .
وأخرج الدارقطني في الافراد وابن مردويه عن بريدة رضي الله عنه قال : « لما نزلت { والذين يكنزون الذهب والفضة . . . } الآية . قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : نزل اليوم في الكنز ما نزل . . . ! فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله ماذا نكنز اليوم؟ قال » لساناً ذاكراً ، وقلباً شاكراً ، وزوجة صالحة تعين أحدكم على إيمانه « » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : إذا أخرجت صدقة كنزك فقد أذهبت شره وليس بكنز .
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله { والذين يكنزون الذهب والفضة } قال : هم أهل الكتاب ، وقال : هي خاصة وعامة .
وأخرج ابن الضريس عن علباء بن أحمر . أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : لما أراد أن يكتب المصاحف أرادوا أن يلغوا الواو التي في براءة { والذين يكنزون الذهب والفضة } قال لهم أبي رضي الله عنه : لتلحقنها أو لأضعن سيفي على عاتقي . فالحقوها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : أربعة آلاف فما دونها نفقة ، وما فوقها كنز .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { والذين يكنزون الذهب والفضة } قال : هؤلاء أهل القبلة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عراك بن مالك وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما . أنهما قالا : في قول الله { والذين يكنزون الذهب والفضة } قالا : نسختها الآية الأخرى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } [ التوبة : 103 ] .(5/58)
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا جعلت له يوم القيامة صفائح ، ثم أحمي عليها في نار جهنم ، ثم يكوى بها جبينه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين الناس ، فيرى سبيله إما إلى الجنة أو إلى النار » .
وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يوضع الدينار على الدينار ولا الدرهم على الدرهم ، ولكن يوسع الله جلده { فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون } » .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله { يوم يحمى عليها في نار جهنم } قال : لا يعذب رجل بكنز يكنزه فيمس درهم درهماً ولا دينار ديناراً ، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته ، ولا يمس درهم درهماً ولا دينار ديناراً .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فتكوى بها . . . } الآية . قال : يوسع بها جلده .
وأخرج أبو الشيخ رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { يوم يحمى عليها } الآية . قال : حية تنطوي على جنبيه وجبهته فتقول : أنا مالك الذي بخلت بي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ثوبان رضي الله قال : ما من رجل يموت وعنده أحمر وأبيض إلا جعل الله له بكل قيراط صفحة من نار تكوى بها قدمه إلى ذقنه مغفوراً له بعد أو معذباً .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ثوبان رضي الله عنه مرفوعاً . نحوه .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أبي ذر رضي الله عنه قال : بشر أصحاب الكنوز بكي في الجباه . وفي الجنوب وفي الظهور .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن زيد بن وهب رضي الله عنه قال : مررت على أبي ذر رضي الله عنه بالربذة فقلت : ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال : كتاباً لشام فقرأت { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } فقال معاوية : ما هذا فينا ، هذه في أهل الكتاب . . . ! قلت أنا : إنها لفينا وفيهم .
وأخرج مسلم وابن مردويه عن الأحنف بن قيس رضي الله عنه قال : جاء أبو ذر رضي الله عنه فقال : بَشِّر الكانزين بكيٍّ من قبل ظهورهم يخرج من جنوبهم ، وكَي من جباهم يخرج من أقفائهم .(5/59)
فقلت : ماذا . . . ؟ قال : ما قلت إلا ما سمعت من نبيهم صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن سعد وأحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال « إن خليلي عهد إليَّ أن أي مال ذهب أو فضة أوكىء عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله ، وكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه لسنة فاشتراه ، ثم اشترى فلوساً بما بقي » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « في الابل صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البز صدقته ، فمن رفع دينار أو درهماً أو تبراً أو فضة لا يعده لغريمه ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً . مثله .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم . إنه قال « الدينار كنز ، والدرهم كنز ، والقيراط كنز » .
وأخرج أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن مردويه عن ثوبان رضي الله عنه قال : كان نصل سيف أبي هريرة رضي الله عنه من فضة فقال له أبو ذر رضي الله عنه : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ما من رجل ترك صفراء ولا بيضاء إلا كوي بها » .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ما من أحد يموت فيترك صفراء أو بيضاء إلا كوي بها يوم القيامة ، مغفوراً له بعد أو معذباً » .
وأخرج ابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من ذي كنز لا يؤدي حقه إلا جيء به يوم القيامة يكوى به جبينه وجبهته ، وقيل له : هذا كنزك الذي بخلت به » .
وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم القدر الذي يسع فقراءهم ، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يمنع أغنياؤهم ، ألا وإن الله يحاسبهم حساباً شديداً أو يعذبهم عذاباً أليماً » .
وأخرج الطبراني في الصغير عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مانع الزكاة يوم القيامة في النار » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : مانع الزكاة ليس بمسلم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك رضي الله عنه قال : لا صلاة إلا بزكاة .(5/60)
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال « لاوي الصدقة - يعني مانعها - ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة » .
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن بلال قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا بلال الق الله فقيراً ولا تلقه غنياً . قلت : وكيف لي بذلك؟ قال : إذا رزقت فلا تخبا ، وإذا سئلت فلا تمنع . قلت : وكيف لي بذلك؟ قال : هو ذاك وإلا فالنار » .
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي بكر بن المنكدر قال : بعث حبيب بن سلمة إلى أبي ذر وهو أمير الشام بثلاثمائة دينار ، وقال : استعن بها على حاجتك . فقال أبو ذر : ارجع بها إليه ، أما وجد أحداً أغر بالله منا؟ ما لنا إلا الظل نتوارى به ، وثلاثة من غنم تروح علينا ، ومولاة لنا تصدق علينا بخدمتها ، ثم إني لأنا أتخوف الفضل .
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ذو الدرهمين أشد حبساً من ذي الدرهم .
وأخرج البخاري ومسلم عن الأحنف بن قيس قال : « جلست إلى ملأ من قريش فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة حتى قام عليهم فسلم ، ثم قال : بشر الكانزين برضف يحمي عليه في نار جهنم ، ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه ، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه فيتدلدل . ثم ولي وجلس إلى سارية وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو . . . ! فقلت : لا أرى القوم إلا قد كرهوا ما قلت . قال : إنهم لا يعقلون شيئاً . قال لي خليلي . قلت : من خليلك؟ قال : النبي صلى الله عليه وسلم » اتبصر أحداً؟ قلت : نعم . قال : ما أحب أن يكون لي مثل أحد ذهباً انفقه كله إلا ثلاثة دنانير ، وإن هؤلاء لا يعقلون انما يجمعون للدنيا ، والله لا أسألهم دنيا ولا استفتيهم عن دين حتى ألقى الله عز وجل « » .
وأخرج أحمد والطبراني عن شداد بن أوس قال : كان أبو ذر رضي الله عنه يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر فيه الشدة ، ثم يخرج إلى باديته ثم يرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ، فيحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر الرخصة فلا يسمعها أبو ذر ، فيأخذ أبو ذر بالأمر الأول الذي سمع قبل ذلك .(5/61)