وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
أخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن مقاتل بن حبان قال « نزلت هذه الآية في أبي مرثد الغنوي ، استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في عناق أن يتزوجها وكانت ذا حظ من جمال ، وهي مشركة وأبو مرثد يومئذ مسلم . فقال : يا رسول الله إنها تعجبني . فأنزل الله { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم } » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } قال : استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب ، فقال { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } [ المائدة : 5 ] .
وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } قال : نسخ من ذلك نكاح نساء أهل الكتاب أحلهن للمسلمين وحرم المسلمات على رجالهم .
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } قال : نسخت وأحل من المشركات نساء أهل الكتاب .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية { ولا تنكحوا المشركات } فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } [ المائدة : 5 ] فنكح الناس نساء أهل الكتاب .
وأخرج وكيع وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن سعيد بن جبير في قوله { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } قال : يعني أهل الأوثان .
وأخرج آدم وعبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } قال : نساء أهل مكة من المشركين ، ثم أحل منهم نساء أهل الكتاب .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } قال : مشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب .
وأخرج عبد بن حميد عن حماد قال : سألت إبراهيم عن تزويج اليهودية والنصرانية ، فقال : لا بأس به . فقلت : أليس الله يقول { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } ؟ قال : إنما ذاك المجوسيات وأهل الأوثان .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والبيهقي عن شقيق قال : تزوج حذيفة يهودية فكتب إليه عمر خل سبيلها ، فكتب إليه أتزعم أنها حرام فأخلى سبيلها؟ فقال : لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كره نكاح نساء أهل الكتاب ، وتأوّل { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } .
وأخرج البخاري والنحاس في ناسخه عن نافع عن عبد الله بن عمر كان إذا سأل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال : حرم الله المشركات على المسلمين ، ولا أعرف شيئاً من الإِشراك أعظم من أن تقول المرأة : ربها عيسى أو عبد من عباد الله .(2/16)
وأما قوله تعالى : { ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم } .
أخرج الواحدي وابن عباس من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في هذه الآية { ولأمة مؤمنة خير من مشركة } قال « نزلت في عبد الله بن رواحة وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها ، ثم إنه فزع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما هي يا عبد الله؟ قال : تصوم ، وتصلي ، وتحسن الوضوء ، وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله . فقال : يا عبد الله هذه مؤمنة . فقال عبد الله : فوالذي بعثك بالحق لأعتقها ولأتزوّجها ففعل ، فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا : نكح أمة ، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم ، فأنزل الله فيهم { ولأمة مؤمنة خير من مشركة } » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي مثله سواء معضلاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله { ولأمة مؤمنة } قال : بلغنا أنها كانت أمة لحذيفة سوداء ، فأعتقها وتزوّجها حذيفة .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد في مسنده وابن ماجة والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا تنكحوا النساء لحسنهن ، فعسى حسنهن أن يرديهن ، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ، وانكحوهن على الدين ، فلأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي في سننه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك » .
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن جابر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : إن المرأة تنكح على دينها ، ومالها ، وجمالها ، فعليك بذات الدين تربت يداك » .
وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تنكح المرأة على إحدى خصال : لجمالها ، ومالها ، ودينها ، فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من تزوّج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلاً ، ومن تزوجها لمالها لم يزده إلا فقراً ، ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلاَّ دناءة ، ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها وبارك لها فيه » .
وأخرج البزار عن عوف بن مالك الأشجعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/17)
« عودوا المريض ، واتبعوا الجنازة ، ولا عليكم أن تأتوا العرس ، ولا عليكم أن لا تنكحوا المرأة من أجل حسنها فعل أن لا يأتي بخير ، ولا عليكم أن لا تنكحوا المرأة لكثرة مالها فعل مالها أن لا يأتي بخير ، ولكن ذوات الدين والأمانة » .
وأما قوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } .
أخرج ابن جرير عن أبي جعفر محمد بن علي قال : النكاح بوليّ في كتاب الله ، ثم قرأ { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } .
وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي موسى « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا نكاح إلا بوليّ » .
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن عائشة وابن عباس قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا نكاح إلا بوليّ ، وفي حديث عائشة : والسلطان ولي من لا ولي له » .
وأخرج الشافعي وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثاً ، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها ، وإن استجرأوا فالسلطان ولي من لا ولي له » .
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تزوّج المرأة المرأة ولا تزوّج المرأة نفسها ، فإن الزانية هي التي تزوّج نفسها » .
وأخرج البيهقي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا نكاح إلا بوليّ وشاهدي عدل » .
وأخرج البيهقي عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يجوز نكاح إلا بوليّ وشاهدي عدل » .
وأخرج مالك والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال : لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها ، أو ذي الرأي من أهلها ، أو السلطان .
وأخرج الشافعي والبيهقي عن ابن عباس قال : لا نكاح إلا بوليّ مرشد وشاهدي عدل .
وأما قوله تعالى : { ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم } .
أخرج البخاري وابن ماجة عن سهل بن سعد قال « مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما تقولون في هذا؟ قالوا : حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع ، وإن قال أن يستمع . قال : ثم سكت ، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال : ما تقولون في هذا؟ قالوا : حري إن خطب أن لا ينكح ، وإن شفع أن لا يشفع ، وإن قال لا يُستمع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير من ملء الأرض مثل هذا » .
وأخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/18)
« إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض » .
وأخرج الترمذي والبيهقي في سننه عن أبي حاتم المزني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض . قالوا : يا رسول الله وإن كان فيه؟ قال : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ثلاث مرات » .
وأخرج الحاكم وصححه عن معاذ الجهني « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أعطى لله ، ومنع لله ، وأحب لله ، وأبغض لله ، فقد استكمل إيمانه » .(2/19)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
أخرج أحمد وعبد بن حميد والدارمي ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن حبان والبيهقي في سننه عن أنس « أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ، ولم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها في البيوت . فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض . . . } الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » جامعوهن في البيوت ، واصنعوا كل شيء إلا النكاح . فبلغ اليهود فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير ، وعباد بن بشر ، فقالا : يا رسول الله إن اليهود قالت كذا وكذا أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما ، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل في أثرهما فسقاهما ، فعرفا أنه لم يجد عليهما « .
وأخرج النسائي والبزار واللفظ له عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { ويسألونك عن المحيض } قال » أن اليهود قالوا : من أتى المرأة من دبرها كان ولده أحول ، وكان نساء الأنصار لا يدعن أزواجهن يأتونهن من أدبارهن ، فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن إتيان الرجل امرأته وهي حائض؟ فأنزل الله { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن } بالاغتسال { فأتوهن من حيث أمركم الله } . { نساؤكم حرث لكم } إنما الحرث موضع الولد « .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس . أن القرآن أنزل في شأن الحائض ، والمسلمون يخرجونهن من بيوتهن كفعل العجم ، فاستفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فأنزل الله { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } فظن المؤمنون أن الاعتزال كما كانوا يفعلون بخروجهن من بيوتهن حتى قرأ آخر الآية ففهم المؤمنون ما الإعتزال ، إذ قال الله { ولا تقربوهن حتى يطهرن } .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { ويسألونك عن المحيض } قال : الذي سأل عن ذلك ثابت بن الدحداح .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله { ويسألونك عن المحيض } قال : أنزلت في ثابت بن الدحداح .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كان أهل الجاهلية لا تساكنهم حائض في بيت ولم يؤاكلوهم في إناء ، فأنزل الله الآية في ذلك ، فحرم فرجها ما دامت حائضاً ، وأحل ما سوى ذلك .(2/20)
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وقد حاضت : « إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده عن ابن مسعود قال : كان نساء بني إسرائيل يصلين مع الرجال في الصف ، فاتخذن قوالب يتطاولن بها لتنظر إحداهن إلى صديقها ، فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد ، وفي لفظ : فألقى عليهن الحيض فأخرن قال ابن مسعود : فأخروهن من حيث أخرهن الله .
وأخرج عبد الرزاق عن عائشة قالت : كن نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلاً من خشب يتشوفن للرجال في المساجد ، فحرم الله عليهن وسلطت عليهن الحيضة .
وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن يزيد بن بابنوس قال : قلت لعائشة : ما تقولين في العراك؟ قالت الحيض تعنون؟ قلنا : نعم . قالت : سموه كما سماه الله .
وأخرج الطبراني والدارقطني عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أقل الحيض ثلاث ، وأكثره عشر » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الحائض تنتظر ما بينها وبين عشر ، فإن رأت الطهر فهي طاهر ، وإن جاوزت العشر فهي مستحاضة » .
وأخرج أبو يعلى والدارقطني عن أنس بن مالك قال : لتنتظر الحائض خمساً ، سبعاً ، ثمانياً ، تسعاً ، عشراً ، فإذا مضت العشر فهي مستحاضة .
وأخرج الدارقطني عن أنس قال : الحيض ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وعشر .
وأخرج الدارقطني عن ابن مسعود قال : الحيض ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وعشر ، فإن زاد فهي إستحاضة .
وأخرج الدارقطني عن أنس قال : أدنى الحيض ثلاث ، وأقصاه عشر .
وأخرج الدارقطني عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أقل الحيض ثلاثة أيام ، وأكثره عشر أيام » .
وأخرج الدارقطني عن أنس قال : لا يكون الحيض أكثر من عشرة .
وأخرج الدارقطني عن عطاء بن أبي رباح قال : أدنى وقت الحائض يوم .
وأخرج الدارقطني عن عطاء قال : أكثر الحيض خمسة عشر .
وأخرج الدارقطني عن شريك ، وحسين بن صالح قال : أكثر الحيض خمسة عشر .
وأخرج الطبراني عن شريك قال : عندنا امرأة تحيض خمسة عشر من الشهر حيضاً مستقيماً صحيحاً .
وأخرج الدارقطني عن الأوزاعي قال : عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية .
وأما قوله تعالى : { قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } .
أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { قل هو أذى } قال : الأذى الدم .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله { قل هو أذى } قال : هو قذر .
وأخرج ابن المنذر عن أبي إسحق الطالقاني عن محمد بن حمير عن فلان بن السري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا النساء في المحيض فإن الجذم يكون من أولاد الحيض » .(2/21)
وأخرج أبو العباس السراج في مسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أتى امرأته وهي حائض ، فجاء ولده أجذم فلا يلومن إلا نفسه » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { فاعتزلوا النساء } يقول : اعتزلوا نكاح فروجهن .
وأخرج أبو داود والبيهقي عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً ثم صنع ما أراد » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والنحاس في ناسخه والبيهقي عن عائشة أنها سئلت ما للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقالت : كل شيء إلا فرجها .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن عائشة قالت « كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها . قالت : وأيكم يملك أربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك أربه؟ » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والبيهقي عن ميمونة قالت « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي عن ميمونة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض ، إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين محتجزة به » .
وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي عن عائشة قالت « كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث ، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه لم يعده ، وإن أصاب ثوبه مني شيء غسل مكانه لم يعده وصلى فيه » .
وأخرج أبو داود عن عمارة بن غراب « أن عمة له حدثته أنها سألت عائشة قالت : إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد؟ قالت : أخبرك ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دخل فمضى إلى مسجده فلم ينصرف حتى غلبتني عيني وأوجعه البرد ، فقال : أدني مني . فقلت : إني حائض . فقال : وإن اكشفي عن فخذيك ، فكشفت عن فخذي ، فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفىء ونام » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة قالت « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضت يأمرني أن أتزر ثم يباشرني » .
وأخرج مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن(2/22)
« أن عائشة رضي الله عنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعة في ثوب واحد ، وإنها وثبت وثبة شديدة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك لعلك نفست - يعني الحيضة -؟ قالت : نعم . فقال : شدي عليك إزارك ثم عودي إلى مضجعك » .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أم سلمة قالت « بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم مضطجعة في خميصة إذ حضت ، فانسللت فأخذت ثياب حيضتي ، فقال : أنفست؟ قلت : نعم . فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة » .
وأخرج ابن ماجة عن أم سلمة قالت « كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحافه فوجدت ما تجد النساء من الحيضة ، فانسللت من اللحاف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنفست؟ قلت : وجدت ما تجد النساء من الحيضة . قال : ذاك ما كتب على بنات آدم . قالت : فانسللت فأصلحت من شأني ثم رجعت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعالي فادخلي معي في اللحاف . قالت : فدخلت معه » .
وأخرج ابن ماجة عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل أم حبيبة : كيف كنت تصنعين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحيض؟ قالت : كانت إحدانا في فورها أول ما تحيض تشد عليها إزار إلى أنصاف فخذيها ، ثم تضطجع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج أبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن سعد الأنصاري « أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال : لك ما فوق الإِزار » .
وأخرج الترمذي وصححه عن عبد الله بن سعد قال « سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مؤاكلة الحائض؟ فقال : واكلها » .
وأخرج أحمد وأبو داود عن معاذ بن جبل قال « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال : ما فوق الإِزار ، والتعفيف عن ذلك أفضل » .
وأخرج مالك والبيهقي عن زيد بن أسلم « أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ماذا يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتشد عليها إزارها ، ثم شأنك بأعلاها » .
وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن نافع عن عبد الله بن عمر أرسل إلى عائشة يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ فقالت : لتشد إزارها على أسفلها ، ثم ليباشرها إن شاء .
وأخرج البيهقي عن عائشة « أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما يحل للرجل من المرأة الحائض؟ قال : ما فوق الإِزار » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى عن عمر قال « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال : ما فوق الإِزار » .(2/23)
وأخرج الطبراني عن ابن عباس « أن رجلاً قال : يا رسول الله ما لي من امرأتي وهي حائض؟ قال : تشد إزارها ثم شأنك بها » .
وأخرج الطبراني عن عبادة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال : ما فوق الإِزار ، وما تحت الإِزار منها حرام » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أم سلمة قالت « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقي سورة الدم ثلاثاً ، ثم يباشر بعد ذلك » .
وأخرج ابن جرير عن مسروق قال : قلت لعائشة : ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟ قالت : كل شيء إلا الجماع .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال : لا بأس أن يلعب على بطنها وبين فخذيها .
أما قوله تعالى { ولا تقربوهن حتى يطهرن } .
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ولا تقربوهن حتى يطهرن } قال : من الدم .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والنحاس عن مجاهد في قوله { ولا تقربوهن حتى يطهرن } قال : حتى ينقطع الدم .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في سننه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً ، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال : « يتصدق بدينار أو بنصف دينار » .
وأخرج أبو داود والحاكم عن ابن عباس قال : إذا أصابها في الدم فدينار ، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار .
وأخرج الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إذا كان دماً أحمر فدينار ، وإذا كان دماً أصفر فنصف دينار » .
وأخرج أبو داود عن ابن عباس عن أن النبي صلى الله عليه وسلم « أمره أن يتصدق بخمسي دينار » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أصبت امرأتي وهي حائض ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق نسمة ، وقيمة النسمة يومئذ دينار » .
أما قوله تعالى { فإذا تطهرن } .
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي عن ابن عباس في قوله { فإذا تطهرن } قال : بالماء .(2/24)
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن المنذر والنحاس عن مجاهد في قوله { فإذا تطهرن } قال : إذا اغتسلن ، ولا تحل لزوجها حتى تغتسل .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة . مثله .
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن طاوس قالا : إذا طهرت أمرها بالوضوء ، وأصاب منها .
وأخرج ابن المنذر من وجه آخر عن مجاهد وعطاء قالا : إذا رأت الطهر فلا بأس أن تستطيب بالماء ، ويأتيها قبل أن تغتسل .
وأخرج البيهقي في سننه عن أبي هريرة قال : « جاء أعرابي فقال : يا رسول الله إنَّا نكون بالرمل أربعة أشهر فيكون فينا النفساء والحائض والجنب ، فما ترى؟ قال : » عليكم بالصعيد « » .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة « أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض ، فأمرها كيف أن تغتسل قال : خذي فرصة من مسك فتطهري بها . قالت : كيف أتطهر بها؟ قال : تطهري بها . قالت : كيف؟ قال : سبحان الله . ! تطهري بها . فاجتذبتها فقلت : تتبعي أثر الدم » .
أما قوله تعالى : { فأتوهن من حيث أمركم الله } .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : يعني أن يأتيها طاهراً غير حائض .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : طواهر غير حيض .
وأخرج الدارمي وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من حيث أمركم أن تعتزلوهن .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة . مثله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس { فأتوهن من حيث أمركم الله } يقول : في الفرج ولا تعدوه إلى غيره .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن مجاهد { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : حيث نهاكم الله أن تأتوهن وهن حيض ، يعني من قبل الفرج .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رزين { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من قبل الطهر ، ولا تأتوهن من قبل الحيض .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنفية { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من قبل التزويج ، من قبل الحلال .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مجاهد { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال : من حيث يخرج الدم ، فإن لم يأتها من حيث أمر فليس من التوّابين ولا من المتطهرين .
أما قوله تعالى : { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } .
أخرج وكيع وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله { إن الله يحب التوابين } من الذنوب { ويحب المتطهرين } قال : بالماء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } قال : التوبة من الذنوب ، والتطهر من الشرك .(2/25)
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : من أتى امرأته في دبرها فليس من المتطهرين .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي العالية : أن رأى رجلاً يتوضأ ، فلما فرغ قال : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين . قال : إن الطهور بالماء حسن ، ولكنهم المتطهرون من الذنوب .
وأخرج الترمذي عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب . أنه كان إذا فرغ من وضوئه قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، رب اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك قال : كان حذيفة إذا تطهر قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين .
وأخرج القشيري في الرسالة وابن النجار عن أنس « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا أحب الله عبده لم يضره ذنب ، ثم تلا { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } قيل : يا رسول الله وما علامة التوبة؟ قال : الندامة » .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن الشعبي قال : التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، ثم قرأ { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوّابون » .
وأخرج أحمد في الزهد عن قتادة قال : أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل إن كان بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عباس . أنه قيل له أصب الماء على رأسي وأنا محرم؟ قال : لا بأس { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } .(2/26)
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
أخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن جابر قال : كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها ثم حملت جاء الولد أحول . فنزلت { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } إن محنية ، وإن شاء غير محنية غير أن ذلك في صمام واحد .
وأخرج سعيد بن منصور والدارمي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن جابر . أن اليهود قالوا للمسلمين : من أتى امرأته وهي مدبرة جاء الولد أحول . فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير عن مرة الهمذاني « أن بعض اليهود لقي بعض المسلمين فقال له : تأتون النساء وراءهن كأنه كره الإِبراك ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت { نساؤكم حرث لكم . . . } الآية . فرخص الله للمسلمين أن يأتوا النساء في الفروج كيف شاؤوا وأنى شاؤوا ، من بين أيديهن ومن خلفهن » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مرة قال : كانت اليهود يسخرون من المسلمين في إتيانهم النساء ، فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم . . . } الآية .
وأخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال : كانت الأنصار تأتي نساءها مضاجعة ، وكانت قريش تشرح شرحاً كثيراً ، فتزوّج رجل من قريش امرأة من الأنصار ، فأراد أن يأتيها فقالت : لا ، إلا كما يفعل . فأخبر بذلك رسول الله ، فأنزل { فأتوا حرثكم أنى شئتم } أي قائماً ، وقاعداً ، ومضطجعاً ، بعد أن يكون في صمام واحد .
وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن أبي هلال « أن عبد الله بن علي حدثه : أنه بلغه أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يوماً ورجل من اليهود قريب منهم ، فجعل بعضهم يقول : إني لآتي امرأتي وهي مضطجعة . ويقول الآخر : إني لآتيها وهي قائمة ، ويقول الآخر : إني لآتيها وهي باركة فقال اليهودي : ما أنتم إلا أمثال البهائم ، ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة . فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم . . . } الآية » .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة والدارمي عن الحسن قال : كانت اليهود لا يألون ما شدد على المسلمين ، كانوا يقولون : يا أصحاب محمد أنه - والله - ما يحل لكم أن تأتوا نساءكم إلا من وجه واحد ، فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } فخلى الله بين المؤمنين وبين حاجتهم .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن . أن اليهود كانوا قوماً حسداً فقالوا : يا أصحاب محمد أنه - والله - ما لكم أن تأتوا النساء إلا من وجه واحد ، فكذبهم الله ، فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } فخلى بين الرجال وبين نسائهم يتفكه الرجل من امرأته ، يأتيها إن شاء من قبل قبلها وإن شاء من قبل دبرها ، غير أن المسلك واحد .(2/27)
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : قالت اليهود للمسلمين : إنكم تأتون نساءكم كما تأتي البهائم بعضها بعضاً يبركوهن ، فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } ولا بأس أن يغشى الرجل المرأة كيف شاء إذا أتاها في الفرج .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : ذلك أن اليهود عرضوا بالمؤمنين في نسائهم وعيروهم ، فأنزل الله في ذلك وأكذب اليهود ، وخلى بين المؤمنين وبين حوائجهم في نسائهم .
وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال : كان عبد الله بن عمر يحدثنا : أن النساء كن يؤتين في أقبالهن وهي موليات . فقالت اليهود : من جاء امرأته وهي مولية جاء ولده أحول . فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب من طريق صفية بنت شيبة عن أم سلمة قالت « لما قدم المهاجرون المدينة أرادوا أن يأتوا النساء من أدبارهن في فروجهن فأنكرن ذلك ، فجئن إلى أم سلمة فذكرن ذلك لها ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } صماماً واحداً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد الدارمي وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عبد الرحمن بن سابط قال « سألت حفصة بنت عبد الرحمن فقلت لها : إني أريد أن أسألك عن شيء ، وأنا أستحي أن أسألك عنه . قالت : سل ابن أخي عما بدا لك . قال : أسألك عن إتيان النساء في أدبارهن؟ فقالت : حدثتني أم سلمة قالت : كانت الأنصار لا تجبي ، وكانت المهاجرون تجبي ، وكانت اليهود تقول : إنه من جبى امرأته كان الولد أحول ، فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصاء فجبوهن ، فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت : لن تفعل ذلك حتى نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتت أم سلمة فذكرت لها ذلك ، فقالت : اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم استحيت الأنصارية أن تسأله ، فخرجت فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادعوها لي . فدعيت ، فتلا عليها هذه الآية { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } صماماً واحداً . قال : والصمام السبيل الواحد » .(2/28)
وأخرج في مسند أبي حنيفة عن حفصة أم المؤمنين « أن امرأة أتتها فقالت : إن زوجي يأتيني مجبأة ومستقبلة فكرهته ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا بأس إذا كان في صمام واحد » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والخرائطي في مساوىء الأخلاق والبيهقي في سننه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال « جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هلكت . قال : وما أهلكك؟ قال : حوّلت رحلي الليلة . فلم يرد عليه شيئاً ، فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } يقول : أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة » .
وأخرج أحمد عن ابن عباس قال « نزلت هذه الآية { نساؤكم حرث لكم } في أناس من الأنصار ، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتها على كل حال إذا كان في الفرج » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والخرائطي عن ابن عباس قال « أتى ناس من حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن أشياء فقال له رجل : إني أحب النساء وأحب أن آتي مجبأة فكيف ترى في ذلك؟ فأنزل الله في سورة البقرة بيان ما سألوا عنه ، وأنزل فيما سأل عنه الرجل { نساؤكم حرث لكم . . . } الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج » .
وأخرج ابن راهويه والدارمي وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق مجاهد عن ابن عباس قال « إن ابن عمر - والله يغفر له - أوهم إنما كان هذا الحي من الأنصار ، وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود ، وهم أهل كتاب كانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، فكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك استر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوّج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك ، فأنكرته عليه وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف واحد فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، فسرى أمرهما فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } يقول : مقبلات ومدبرات بعد أن يكون في الفرج ، وإنما كانت من قبل دبرها في قبلها . زاد الطبراني قال ابن عباس : قال ابن عمرو : في دبرها فأوهم ابن عمر - والله يغفر له - وإنما كان الحديث على هذا » .(2/29)
وأخرج عبد بن حميد والدارمي عن مجاهد قال : كانوا يجتنبون النساء في المحيض ويأتونهن في أدبارهن ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأنزل الله { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } إلى قوله { من حيث أمركم الله } في الفرج ، ولا تعدوه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس إذ أتاه رجل فقال : ألا تشفيني من آية المحيض؟ قال : بلى ، فاقرأ { ويسألونك عن المحيض } إلى قوله { فأتوهن من حيث أمركم الله } فقال ابن عباس : من حيث جاء الدم من ثم أمرت أن تأتي فقال : كيف بالآية { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } فقال : أي ويحك وفي الدبر من حرث . . . ! لو كان ما تقول حقاً لكان المحيض منسوخاً إذا شغل من ههنا جئت من ههنا ، ولكن { أنى شئتم } من الليل والنهار .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد { فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : ظهر البطن كيف شئت إلا في دبر والحيض .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح { فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : إن شئت فأتها مستلقية ، وإن شئت فمحرفة ، وإن شئت فباركة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير { فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : يأتيها من بين يديها ومن خلفها ما لم يكن في الدبر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد { فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : ائتوا النساء في أقبالهن على كل نحو .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : كنت آتي أهلي في دبرها ، وسمعت قول الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } فظننت أن ذلك لي حلال . فقال : يا لكع ، إنما قوله { أنى شئتم } قائمة ، وقاعدة ، ومقبلة ، ومدبرة ، في أقبالهن لا تعد ذلك إلى غيره .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { فأتوا حرثكم } قال : منبت الولد .
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : ائت حرثك من حيث نباته .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : يأتيها كيف شاء ما لم يكن يأتيها في دبرها ، أو في الحيض .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس { فأتوا حرثكم أنى شئتم } يعني بالحرث الفرج . يقول : تأتيه كيف شئت مستقبلة ، ومستدبرة ، وعلى أي ذلك أردت بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره ، وهو قوله { من حيث أمركم الله } .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه كان يكره أن تؤتى المرأة في دبرها ، ويقول : إنما الحرث من القبل الذي يكون منه النسل والحيض ، ويقول : إنما أنزلت هذه الآية { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } يقول : من أي وجه شئتم .(2/30)
وأخرج الدارمي والخرائطي في مساوىء الأخلاق عن ابن عباس { فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : يأتيها قائمة ، وقاعدة ، ومن بين يديها ، ومن خلفها ، وكيف يشاء بعد أن يكون في المأتى .
وأخرج البيهقي في سننه عن مجاهد قال : سألت ابن عباس عن هذه الآية { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } فقال : ائتها من حيث يكون الحيض والولد .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس في الآية قال : تؤتى مقبلة ومدبرة في الفرج .
وأخرج ابن أبي شيبة والخرائطي في مساوىء الأخلاق عن عكرمة قال : يأتيها كيف شاء قائماً ، وقاعداً ، وعلى كل حال ، ما لم يكن في دبرها .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والدارمي والبيهقي عن أبي القعقاع الحرمي قال : جاء رجل إلى عبدالله بن مسعود فقال : آتي امرأتي كيف شئت؟ قال : نعم . قال : وحيث شئت؟ قال : نعم . قال : وأنّى شئت؟ قال : نعم . ففطن له رجل فقال : إنه يريد أن يأتيها في مقعدتها! فقال : لا ، محاش النساء عليكم حرام .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قلت يا نبي الله نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر؟ قال : حرثكم ائت حرثك أنى شئت ، غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت ، واطعم إذا طعمت ، واكس إذا اكتسيت ، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليها .
وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن المنذر والبيهقي في سننه من طرف عن خزيمة بن ثابت « أن سائلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتيان النساء في أدبارهن ، فقال : حلال . أو قال : لا بأس . فلما ولى دعاه فقال : كيف قلت من دبرها في قبلها فنعم ، وأما من دبرها في دبرها فلا إن الله لا يستحي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن » .
وأخرج الحسن بن عرفة في جزئه وابن عدي والدارقطني عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « استحيوا إن الله لا يستحي من الحق ، لا يحل مأتى النساء في حشوشهن » .
وأخرج ابن عدي عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اتقوا محاشي النساء » .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في الدبر » .
وأخرج أبو داود والطيالسي وأحمد والبيهقي في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى » .(2/31)
وأخرج النسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « استحيوا من الله حق الحياء ، لا تأتوا النساء في أدبارهن » .
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ملعون من أتى امرأة في دبرها » .
وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من أتى شيئاً من الرجال أو النساء في الادبار فقد كفر » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال « اتيان الرجال والنساء في أدبارهن كفر . قال الحافظ ابن كثير : هذا الموقوف أصح » .
وأخرج وكيع في مصنفه والبزار عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله لا يستحي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن » .
وأخرج النسائي عن عمر بن الخطاب قال : استحيوا من الله ، فإن الله لا يستحي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن . قال الحافظ ابن كثير : هذا الموقوف أصح « .
وأخرج ابن عدي في الكامل عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لا تأتوا النساء في أعجازهن « .
وأخرج ابن وهب وابن عدي عن عقبة بن عامر » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ملعون من أتى النساء في محاشهن « .
وأخرج أحمد عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » إن الله لا يستحي من الحق ، لا تأتوا النساء في أستاههن « .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال » نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤتى النساء في أعجازهن . وقال : إن الله لا يستحي من الحق « .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه والبيهقي عن علي بن طلق ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » لا تأتوا النساء في أستاههن ، فإن الله لا يستحي من الحق « .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه يوم القيامة « .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والنسائي والبيهقي في الشعب عن طاوس قال : سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها فقال : هذا يسألني عن الكفر .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في الشعب عن عكرمة : أن عمر بن الخطاب ضرب رجلاً في مثل ذلك .(2/32)
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي عن أبي الدرداء : أنه سئل عن إتيان النساء في أدبارهن فقال : وهل يفعل ذلك إلا كافر؟ .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي عن عبدالله بن عمرو في الذي يأتي المرأة في دبرها قال : هي اللوطية الصغرى .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن الزهري قال : سألت ابن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن عن ذلك ، فكرهاه ونهياني عنه .
وأخرج عبدالله بن أحمد والبيهقي عن قتادة في الذي يأتي امرأته في دبرها قال : حدثني عقبة بن وشاح أن أبا الدرداء قال : لا يفعل ذلك إلا كافر . قال : وحدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « تلك اللوطية الصغرى » .
وأخرج البيهقي في الشعب وضعفه عن أبي بن كعب قال : أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة ، فمنها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها ، فذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ، ومنها نكاح المرأة المرأة وذلك مما حرم الله ورسوله ، وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحاً . قال زر : قلت لأبي بن كعب وما التوبة النصوح؟ قال : سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « هو الندم على الذنب حين يفرط منك ، فتستغفر الله بندامتك عند الحافر ، ثم لا تعود إليه أبداً » .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : من أتى امرأته في دبرها فهو من المرأة مثله من الرجل ، ثم تلا { ويسألونك عن المحيض } [ البقرة : 242 ] إلى قوله { فأتوهن من حيث أمركم الله } أن تعتزلوهن في المحيض في الفروج ، ثم تلا { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : إن شئت قائمة ، وقاعدة ، ومقبلة ، ومدبرة ، في الفرج .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : سئل طاوس عن اتيان النساء في أدبارهن ، فقال : ذلك كفر ما بدأ قوم لوط إلا ذاك ، أتوا النساء في أدبارهن ، وأتى الرجال الرجال .
وأخرج أبو بكر الأشرم في سننه ، وأبو بشر الدولابي في الكنى ، عن ابن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « محاشي النساء عليكم حرام » .
وأخرج ابن أبي شيبة والدارمي والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال « محاشي النساء عليكم حرام . قال ابن كثير : هذا الموقوف أصح . قال الحفاظ : في جميع الأحاديث المرفوعة في هذا الباب وعدتها نحو عشرين حديثاً كلها ضعيفة لا يصح منها شيء ، والموقوف منها هو الصحيح . وقال الحافظ ابن حجر في ذلك : منكر لا يصح من وجه ، كما صرح بذلك البخاري ، والبزار ، والنسائي ، وغير واحد » .(2/33)
وأخرج النسائي والطبراني وابن مردويه عن أبي النضر . أنه قال لنافع مولى ابن عمر : إنه قد أكثر عليك القول إنك تقول عن ابن عمر : إنه أفتى أن يؤتى النساء في أدبارهن؟ قال : كذبوا علي ، ولكن سأحدثك كيف كان الأمر : إن ابن عمر عرض المصحف يوماً وأنا عنده حتى بلغ { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } فقال : يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت : لا . قال : إنَّا كنا معشر قريش نجبي النساء ، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد ، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه ، وكانت نساء الأنصار قد أخذت بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن ، فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } .
وأخرج الدارمي عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال : قلت لابن عمر : ما تقول في الجواري نحمض لهن؟ قال : وما التحميض؟ فذكر الدبر . فقال : وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين؟
وأخرج البيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس . أنه كان يعيب النكاح في الدبر عيباً شديداً .
وأخرج الواحدي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال « نزلت هذه الآية في المهاجرين لما قدموا المدينة ، ذكروا إتيان النساء فيما بينهم وبين الأنصار ، واليهود من بين أيديهن ومن خلفهن إذا كان المأتى واحداً في الفرج ، فعابت اليهود ذلك إلا من بين أيديهن خاصة ، وقالوا : إنا نجد في كتاب الله أن كل إتيان تؤتى النساء غير مستلقيات دنس عند الله ، ومنه يكون الحول والخبل ، فذكر المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : إنا كنا في الجاهلية وبعدما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا ، وإن اليهود عابت علينا ، فأكذب الله اليهود ونزلت { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } يقول : الفرج مزرعة الولد ، فأتوا حرثكم أنى شئتم ، من بين يديها ومن خلفها في الفرج » .
ذكر القول الثاني في الآية
أخرج اسحق بن راهويه في مسنده وتفسيره والبخاري وابن جرير عن نافع قال : قرأت ذات يوم { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : ابن عمر أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت : لا . قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهن .
وأخرج البخاري وابن جرير عن ابن عمر { فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : في الدبر .
وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق النضر بن عبدالله الأزدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر في قوله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : إن شاء في قبلها وإن شاء في دبرها .
وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده والطبراني في الأوسط والحاكم وأبو نعيم في المستخرج بسند حسن عن ابن عمر قال : إنما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { نساؤكم حرث لكم .(2/34)
. . } الآية . رخصة في إتيان الدبر .
وأخرج ابن جرير والطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن النجار بسند حسن عن ابن عمر « أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنكر ذلك الناس وقالوا : اثفروها . فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم . . . } الآية » .
وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق أحمد بن الحكم العبدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال « جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها ، فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم . . . } الآية » .
وأخرج النسائي وابن جرير من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر . أن رجلاً أتى امرأته في دبرها ، فوجد في نفسه من ذلك وجداً شديداً ، فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } .
وأخرج الدارقطني في غرائب مالك من طريق أبي بشر الدولابي ، نبأنا أبو الحرث أحمد بن سعيد ، نبأنا أبو ثابت محمد بن عبيدالله المدني ، حدثني عبد العزيز محمد الدراوردي ، عن عبدالله بن عمر بن حفص ، وابن أبي ذئب ، ومالك بن أنس ، فرقهم كلهم عن نافع قال : قال لي ابن عمر : امسك على المصحف يا نافع ، فقرأ حتى أتى على { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال لي : أتدري يا نافع فيم نزلت هذه الآية؟ قلت : لا . قال : نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها ، فاعظم الناس ذلك ، فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم . . . } الآية . قلت له : من دبرها في قبلها؟ قال : لا إلا في دبرها . وقال الرفا في فوائده تخريج الدارقطني ، نبأنا أبو أحمد بن عبدوس ، نبأنا علي بن الجعد ، نبأنا ابن أبي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : وقع رجل على امرأته في دبرها ، فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : فقلت لابن أبي ذئب ما تقول أنت في هذا؟ قال : ما أقول فيه بعد هذا! .
وأخرج الطبراني وابن مردويه وأحمد بن أسامة التجيبي في فوائده عن نافع قال : قرأ ابن عمر هذه السور ، فمر بهذه الآية { نساؤكم حرث لكم } الآية . فقال : تدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قال : لا . قال : في رجال كانوا يأتون النساء في أدبارهن .
وأخرج الدارقطني ودعلج كلاهما في غرائب مالك من طريق أبي مصعب واسحق بن محمد القروي كلاهما عن نافع عن ابن عمر « أنه قال : يا نافع أمسك على المصحف ، فقرأ حتى بلغ { نساؤكم حرث لكم . . . } الآية . فقال : يا نافع أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت : لا . قال : نزلت في رجل من الأنصار ، أصاب امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله الآية ، قال الدارقطني : هذا ثابت عن مالك ، وقال ابن عبد البر : الرواية عن ابن عمر بهذا المعنى صحيحة معروفة عنه مشهورة » .(2/35)
وأخرج ابن راهويه وأبو يعلى وابن جرير والطحاوي في مشكل الآثار وابن مردويه بسند حسن عن أبي سعيد الخدري « أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس عليه ذلك ، فأنزلت { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } .
وأخرج النسائي والطحاوي وابن جرير والدارقطني من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس . أنه قيل له : يا أبا عبد الله إن الناس يروون عن سالم بن عبدالله أنه قال : كذب العبد أو العلج على أبي . فقال مالك : أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبدالله عن ابن عمر مثل ما قال نافع . فقيل له : فإن الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن؟ قال : وما التحميض؟ فذكر له الدبر . فقال ابن عمر : أف أف أيفعل ذلك مؤمن؟! . . أو قال : مسلم . فقال مالك : أشهد على ربيعة أخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع . قال الدارقطني : هذا محفوظ عن مالك صحيح .
وأخرج النسائي من طريق يزيد بن رومان عن عبيدالله بن عبدالله بن عمر . أن عبدالله بن عمر كان لا يرى بأساً أن يأتي الرجل المرأة في دبرها .
وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن علي قال : كنت عند محمد بن كعب القرظي فجاءه رجل فقال : ما تقول في إتيان المرأة في دبرها؟ فقال : هذا شيخ من قريش فسله يعني عبدالله بن علي بن السائب . فقال : قذر ، ولو كان حلالاً .
وأخرج ابن جرير عن الدراوردي قال : قيل لزيد بن أسلم : إن محمد بن المنكدر نهى عن إتيان النساء في أدبارهن . فقال زيد : أشهد على محمد لأخبرني أنه يفعله .
وأخرج ابن جرير عن ابن أبي مليكة . أنه سأل عن إتيان المرأة في دبرها فقال : قد أردته من جارية لي البارحة ، فاعتاصت علي فاستعنت بدهن .
وأخرج الخطيب في رواة مالك عن أبي سليمان الجرجاني قال : سألت مالك بن أنس عن وطء الحلائل في الدبر فقال لي : الساعة غسلت رأسي منه .
وأخرج ابن جرير في كتاب النكاح من طريق ابن وهب عن مالك : أنه مباح .
وأخرج الطحاوي من طريق أصبغ بن الفرج عن عبدالله بن القاسم قال : ما أدركت أحداً اقتدى به في ديني يشك في أنه حلال ، يعني وطء المرأة في دبرها ، ثم قرأ { نساؤكم حرث لكم } ثم قال : فأي شيء أبين من هذا .
وأخرج الطحاوي والحاكم في مناقب الشافعي والخطيب عن محمد بن عبدالله بن عبد الحكم أن الشافعي سأل عنه فقال : ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء ، والقياس أنه حلال .(2/36)
وأخرج الحاكم عن ابن عبد الحكم . أن الشافعي ناظر محمد بن الحسن في ذلك ، فاحتج عليه ابن الحسن بأن الحرث إنما يكون في الفرج ، فقال له فيكون ما سوى الفرج محرماً ، فالتزمه فقال : أرأيت لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أفي ذلك حرث؟ قال : لا . قال : أفيحرم؟ قال : لا . قال : فكيف تحتج بما لا تقول به؟ قال الحاكم : لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم ، وأما في الجديد فصرح بالتحريم .
ذكر القول الثالث في الآية
أخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن منيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والضياء في المختارة عن زائدة بن عمير قال : سألت ابن عباس عن العزل فقال : إنكم قد أكثرتم ، فإن كان قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فهو كما قال ، وإن لم يكن قال فيه شيئاً قال : أنا أقول { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } فإن شئتم فاعزلوا ، وإن شئتم فلا تفعلوا .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن أبي ذراع قال : سألت ابن عمر عن قول الله { فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : إن شاء عزل ، وإن شاء غير العزل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن سعيد بن المسيب في قوله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : إن شئت فاعزل ، وإن شئت فلا تعزل .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن جابر قال : كنا نعزل والقرآن ينزل ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينهنا عنه .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والبيهقي عن جابر « أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن لي جارية وأنا أطوف عليها ، وأنا أكره أن تحمل ، فقال : اعزل عنها إن شئت فإنها سيأتيها ما قدر لها ، فذهب الرجل فلم يلبث يسيراً ، ثم جاء فقال : يا رسول الله إن الجارية قد حملت . فقال : قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها » .
وأخرج مالك وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي سعيد قال « سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال : أو تفعلون . . . ؟ لا عليكم أن لا تفعلوا فإنما هو القدر ، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة » .
وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي سعيد قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل ، فقال : ما من كل الماء يكون الولد ، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء » .(2/37)
وأخرج عبد الرزاق والترمذي وصححه والنسائي عن جابر قال « قلنا يا رسول الله : إنا كنا نعزل ، فزعمت اليهود أنها الموءودة الصغرى . فقال : كذبت اليهود إن الله إذا أراد أن يخلقه لم يمنعه » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي عن أبي سعيد الخدري « أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي جارية ، وأنا أعزل عنها ، وأنا أكره أن تحمل ، وأنا أريد ما أراد الرجال ، وإن اليهود تحدث أن العزل هو الموءودة الصغرى . قال : كذبت يهود ، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه » .
وأخرج البزار والبيهقي عن أبي هريرة قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل ، قال : إن اليهود تزعم أن العزل هي الموءودة الصغرى . قال : كذبت اليهود » .
وأخرج مالك وعبد الرزاق والبيهقي عن زيد بن ثابت أنه سئل عن العزل فقال : هو حرثك ان شئت سقيته وإن شئت أعطشته .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس . أن سئل عن العزل فقال : ما كان ابن آدم ليقتل نفساً قضى الله خلقها ، هو حرثك ان شئت عطشته وان شئت سقيته .
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن ابن عمر قال « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها » .
وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال : تعزل عن الأمة ، وتستأمر الحرة .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس قال : تستأمر الحرة في العزل ، ولا تستأمر الأمة .
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن ابن مسعود قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره عشر خلال : التختم بالذهب ، وجر الإِزار ، والصفرة يعني الخلوق ، وتغيير الشيب ، والرقى إلا بالمعوّذات ، وعقد التمائم ، والضرب بالكعاب ، والتبرج بالزينة لغير محلها ، وعزل الماء عن محله ، وإفساد الصبي عشر محرمة » .
ذكر القول الرابع في الآية
أخرج عبد بن حميد عن ابن الحنفية في قوله { فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : إذا شئتم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { وقدموا لأنفسكم } قال : الولد .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وقدموا لأنفسكم } قال : التسمية عند الجماع يقول : بسم الله .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فقضى بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً » .
وأخرج عبد الرزاق والعقيلي في الضعفاء عن سلمان قال « أمرنا خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم أن لا نتخذ من المتاع إلا أثاثاً كأثاث المسافر ، ولا نتخذ من السباء إلا ما ينكح أو ينكح ، وأمرنا إذا دخل أحدنا على أهله أن يصلي ويأمر أهله أن تصلي خلفه ويدعو ، ويأمرها تؤمن » .(2/38)
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن أبي وائل قال : جاء رجل إلى عبدالله بن مسعود فقال له : إني تزوجت جارية بكراً ، وإني قد خشيت أن تعركني . فقال عبدالله : إن الألف من الله ، وإن العرك من الشيطان ، ليكره إليه ما أحل الله له ، فإذا أدخلت عليك فمرها أن تصلي خلفك ركعتين ، وقل : اللهم بارك في أهلي وبارك لهم فيّ وارزقني منهم وارزقهم مني ، واللهم اجمع بيننا ما جمعت ، وفرق بيننا ما فرقت إلى خير .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن أبي سعيد مولى بني أسد قال : « تزوجت امرأة ، فدعوت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر ، وابن مسعود ، فعلموني وقالوا : إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ومرها فلتصل خلفك ، وخذ بناصيتها وسل الله خيرها وتعوذ به من شرها ، ثم شأنك وشأن أهلك » .
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن قال : يقال إذا آتى الرجل أهله فليقل : بسم الله ، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا ولا تجعل للشيطان نصيباً فيما رزقتنا . قال : فكان يرجى إن حملت أن يكون ولداً صالحاً .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي وائل قال : اثنتان لا يذكر الله العبد فيهما . إذا أتى الرجل أهله يبدأ فيسمي الله ، وإذا كان في الخلاء .
وأخرج ابن أبي شيبة والخرائطي في مكارم الأخلاق عن علقمة . أن ابن مسعود كان إذا غشي امرأته ، فأنزل قال : اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتنا نصيباً .
وأخرج الخرائطي عن عطاء في قوله { وقدموا لأنفسكم } قال : التسمية عند الجماع .(2/39)
وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في مسنده عن ابن عباس { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } يقول : لا تجعلني في عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير .
وأخرج عبد الحميد وابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته ، أو لا يتصدق ، أو يكون بين رجلين مغاضبة فيحلف لا يصلح بينهما ، ويقول قد حلفت . قال : يكفر عن يمينه .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله ، فنهى الله عن ذلك .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : هو الرجل يحلف لا يصل رحمه ، ولا يصلح بين الناس ، فأنزل الله { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : جاء رجل إلى عائشة فقال : إني نذرت إن كلمت فلاناً فإن كل مملوك لي عتيق ، وكل مال لي ستر للبيت . فقالت : لا تجعل مملوكيك عتقاء ، ولا تجعل مالك ستراً للبيت ، فإن الله يقول { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا . . . } الآية . فكفر عن يمينك .
وأخرج ابن جرير عن عائشة في الآية قالت : لا تحلفوا بالله وإن نذرتم .
وأخرج عبد الرزاق عن طاوس في قوله { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } قال : هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح ثم يعتل بيمينه ، يقول الله { أن تبروا وتتقوا } هو خير من أن تمضي على ما لا يصلح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كان الرجل يريد الصلح بين اثنين فيغضبه أحدهما أو يتهمه ، فيحلف أن لا يتكلم بينهما في الصلح ، فنزلت الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : حدثت أن قوله { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم . . . } الآية نزلت في أبي بكر في شأن مسطح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { والله سميع } يعني اليمين التي حلفوا عليها { عليم } يعني عالم بها ، كان هذا قبل أن تنزل كفارة اليمين .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم « لأن يلج أحدكم في يمينه في أهله ، أتم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض عليه » .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ، ولا في معصية الله ، ولا في قطيعة الرحم ، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليدعها وليأت الذي هو خير ، فإن تركها كفارتها » .(2/40)
وأخرج ابن ماجة وابن جرير عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من حلف على يمين قطيعة رحم أو معصية ، فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه » .
وأخرج مالك ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها ، فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إني - والله إن شاء الله - لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير ، وتحللتها » .
وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من حلف على يمين فرأى غيرها خيرها خيراً منها ، فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تسأل الامارة ، فإنك إن اعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك » .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن سعيد بن المسيب . أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث ، فسأل أحدهما صاحب القسمة فقال : إن عدت تسألني القسمة لم أكلمك أبداً ، وكل ما لي في رتاج الكعبة . فقال له عمر : إنَّ الكعبة لغنية عن مالك ، كفر عن يمينك وكلم أخاك ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لا يمين ولا نذر في معصية الرب ، ولا في قطعية الرحم ، وفيما لا تملك » .
وأخرج النسائي وابن ماجة عن مالك الجشمي قال « قلت : يا رسول الله يأتيني ابن عمي فاحلف أن لا أعطيه ولا أصله؟ قال : كفر عن يمينك » .(2/41)
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)
أخرج مالك في الموطأ ووكيع والشافعي في الأم وعبد الرزاق والبخاري ومسلم وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن عائشة قالت : أنزلت هذه الآية { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } في قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ، وكلا والله ، زاد ابن جرير : يصل بها كلامه .
وأخرج أبو داود وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والبيهقي من طريق عطاء بن أبي رباح « أنه سئل عن اللغو في اليمين فقال : قالت عائشة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هو كلام الرجل في يمينه ، كلا والله ، وبلى والله » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عائشة { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قالت : هو القوم يتدارؤون في الأمر ، يقول هذا : لا والله ، ويقول هذا : كلا والله ، يتدارؤون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عائشة قالت : إنما اللغو في المزاحة والهزل ، وهو قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ، فذاك لا كفارة فيه ، إن الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله .
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال « مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون ، ومع النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه ، فرمى رجل من القوم فقال : أصبت والله ، أخطأت والله ، فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم : حنث الرجل يا رسول الله . فقال : كلا ، أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة » .
وأخرج أبو الشيخ من طريق عطاء عن عائشة وابن عباس وابن عمرو . أنهم كانوا يقولون : اللغو لا والله ، وبلى والله .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : لغو اليمين لا والله ، وبلى والله .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق طاوس عن ابن عباس قال : لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن عائشة . أنها كانت تتأول هذه الآية { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } وتقول : هو الشيء يحلف عليه أحدكم لا يريد منه إلا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه .
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال : لغو اليمين حلف الإِنسان على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فإذا هو غير ذلك .
وأخرج ابن جرير من طريق عطية العوفي عن ابن عباس قال : اللغو أن يحلف الرجل على الشيء يراه حقاً وليس بحق .
وأخرج ابن جرر وابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قال : هذا في الرجل يحلف على أمر اضرار أن يفعله أو لا يفعله فيرى الذي هو خير منه ، فأمر الله أن يكفر يمينه ويأتي الذي هو خير .(2/42)
قال : ومن اللغو أيضاً أن يحلف الرجل على أمر لا يرى فيه الصدق وقد أخطأ في ظنه ، فهذا الذي عليه الكفارة ولا إثم فيه .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قال : لغو اليمين أن تحرم ما أحل الله لك ، فذلك ما ليس عليك فيه كفارة { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } قال : ما تعمدت قلوبكم فيه المأثم ، فهذا عليك فيه الكفارة .
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قال : هو الرجل يحلف على المعصية يعني أن لا يصلي ولا يصنع الخير .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قال هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينسى ، فلا يؤاخذه الله به ولكن يكفّر .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ من طريق قتادة عن سليمان بن يسار { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قال : الخطأ غير العمد .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي قلابة في قول الرجل : لا والله ، وبلى والله . قال : إنها لمن لغة العرب ، ليست بيمين .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } قال : هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه صادق وهو كاذب ، فذاك اللغو لا يؤاخذكم به { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } قال : يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب ، فذاك الذي لا يؤاخذ به .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : كان قوم حلفوا على تحريم الحلال فقالوا : أما إذ حلفنا وحرمنا على أنفسنا فإنه ينبغي لنا أن نبر . فقال الله { أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس } [ البقر : 224 ] ولم يجعل لها كفارة ، فأنزل الله { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك . . . قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } [ التحريم : 1-2 ] فأمر النبي عليه السلام بالكفارة لتحريم ما حرم على نفسه الجارية التي كان حرمها على نفسه ، أمره أن يكفر يمينه ويعاود جاريته ، ثم أنزل الله { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { والله غفور } يعني إذا جاوز اليمين التي حلف عليها { حليم } إذ لم يجعل فيها الكفارة ، ثم نزلت الكفارة .(2/43)
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
أخرج عبد الرزاق وأبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأها « للذين يقسمون من نسائهم » ويقول : الإِيلاء القسم ، والقسم الإِيلاء .
وأخرج ابن المنذر عن أبي بن كعب . مثله .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن حماد قال : قرأت في مصحف أبي ( للذين يقسمون ) .
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : الايلاء أن يحلف بالله أن لا يجامعها أبداً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { للذين يؤلون من نسائهم } قال : هو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها فيتربص أربعة أشهر فإن هو نكحها كفر يمينه ، فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها خيره السلطان إما أن يفيء فيراجع ، وإما أن يعزم فيطلق ، كما قال الله سبحانه وتعالى .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي والخطيب في تالي التلخيص عن ابن عباس قال : كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك فوقت الله أربعة أشهر ، فإن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } قال : هذا في الرجل يؤلي من امرأته يقول : والله لا يجتمع رأسي ورأسك ولا أقربك ولا أغشاك . قال : وكان أهل الجاهلية يعدونه طلاقاً فحدَّ لهم أربعة أشهر ، فإن فاء فيها كفر عن يمينه وكانت امرأته ، وإن مضت الأربعة أشهر ولم يفىء فيها فهي طالقة ، وهي أحق بنفسها وهو أحد الخطاب ويخطبها زوجها في عدتها ولا يخطبها غيره في عدتها ، فإن تزوّجها فهي عنده على تطليقتين .
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن ابن عباس قال : كل يمين منعت جماعاً فهي إيلاء .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم والشعبي . مثله .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : لا إيلاء إلا بحلف .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن خالد بن سعيد بن العاص هجر امرأته سنة ولم يكن حلف ، فقالت له عائشة : أما تقرأ آية الإِيلاء؟ إنه لا ينبغي أن تهجر أكثر من أربعة أشهر .
وأخرج عبد بن حميد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر . أنه سمع عائشة وهي تعظ خالد بن العاص المخزومي في طول الهجرة لامرأته ، تقول : يا خالد إياك وطول الهجرة ، فإنك قد سمعت ما جعل الله للموتى من الأجل ، إنما جعل الله له تربص أربعة أشهر فأخذ طول الهجرة .(2/44)
قال محمد بن مسلم : ولم يبلغنا أنه مضى في طول الهجرة طلاق لأحد ولكن عائشة حذرته ذلك ، فأرادت أن تعطفه على امرأته ، وحذرت عليه أن تشبهه بالإِيلاء .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لا إيلاء إلا بغضب .
وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب قال : الإِيلاء إيلاءان : إيلاء الغضب ، وإيلاء في الرضا ، أما الإِيلاء في الغضب فإذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه ، وأما ما كان في الرضى فلا يؤخذ به .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن عطية بن جبير قال : ماتت أم صبي بيني وبينه قرابة ، فحلف أبي أن لا يطأ أمي حتى تفطمه ، فمضى أربعة أشهر فقالوا : قد بانت منك . فاتى علياً فقال : إن كنت إنما حلفت على تضرة فقد بانت منك وإلا فلا .
وأخرج عبد بن حميد عن أم عطية قالت : ولد لنا غلام فكان أجدر شيء وأسمنه . فقال القوم لأبيه : إنكم لتحسنون غذاء هذا الغلام . فقال : إني حلفت أن لا أقرب أمه حتى تفطمه . فقال القوم : قد - والله - ذهبت عنك امرأتك . فاترفعا إلى علي فقال علي : أنت أمن نفسك أم من غضب غضبته عليها فحلفت؟ قال : لا ، بل أريد أن أصلح إلى ولدي . قال : فإنه ليس في الإِصلاح إيلاء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال : أتى رجل علياً فقال : إني حلفت أن لا آتي امرأتي سنتين . فقال : ما أراك إلا قد آليت . قال : إنما حلفت من أجل أنها ترضع ولدي؟ قال : فلا إذن .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن . أنه سأل عن رجل قال لامرأته : والله لا أقربك حتى تفطمي ولدك . قال : والله ما هذا بإيلاء .
وأخرج عبد بن حميد عن حماد قال : سألت إبراهيم عن الرجل يحلف أن لا يقرب امرأته وهي ترضع شفقة على ولدها؟ فقال إبراهيم : ما أعلم الإِيلاء إلا في الغضب ، قال الله { فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم } فإنما الفيء من الغضب . وقال إبراهيم : لا أقول فيها شيئاً . وقال حماد لا أقول فيها شيئاً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن يزيد بن الأصم قال : تزوجت امرأة ، فلقيت ابن عباس فقلت : تزوجت بهلل بنت يزيد ، وقد بلغني أن في حلقها شيئاً ، ثم قال : والله لقد خرجت وما أكلمها . قال : عليك بها قبل أن تنقضي أربعة أشهر .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن منصور قال : سألت إبراهيم عن رجل حلف لا يكلم امرأته ، فمضت أربعة أشهر قبل أن يجامعها ، قال : إنما كان الإِيلاء في الجماع ، وأنا أخشى أن يكون إيلاء .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : إذا آلى على شهر أو شهرين أو ثلاثة دون الحد برّت يمينه لا يدخل عليه إيلاء .(2/45)
وأخرج الشافعي وعبد بن حميد والبيهقي عن طاوس قال : كل شيء دون الأربعة فليس بإيلاء .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : لو آلى منها شهراً كان إيلاء .
وأخرج عبد بن حميد عن الحكم . أن رجلاً آلى من امرأته شهراً ، فتركها حتى مضت أربعة أشهر قال النخعي : هو إيلاء وقد بانت منه .
وأخرج عبد بن حميد عن وبرة . أن رجلاً آلى عشرة أيام فمضت أربعة أشهر ، فجاء إلى عبدالله فجعله إيلاء .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبي ليلى قال : إن آلى منها يوماً أو ليلة فهو إيلاء .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الرجل يقول لامرأته : والله لا اطأك الليلة فتركها من أجل ذلك قال : إن تركها حتى تمضي أربعة أشهر فهو إيلاء .
وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه قرأ { فإن فاؤُوا فيهن فإن الله غفور رحيم } .
وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب قال : الفيء الجماع .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عباس قال : الفيء الجماع .
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود قال : الفيء الجماع .
وأخرج ابن المنذر عن علي قال : الفيء الرضا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : الفيء الرضا .
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي قال : قال مسروق : الفيء الجماع . قيل : ألا سألته عمن رواه؟ قال : كان الرجل في عيني من ذلك .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : الفيء الإِشهاد .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد عن الحسن قال : الفيء الجماع ، فإن كان له عذر من مرض أو سجن أجزأه أن يفيء بلسانه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : إذا حال بينه وبينها مرض ، أو سفر ، أو حبس ، أو شيء يعذر به ، فإشهاده فيء .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي الشعثاء . أنه سأل علقمة عن الرجل يولي من امرأته ، فيكون بها نفاس أو شيء فلا يستطيع أن يطأها قال : إذا فاء بقلبه ولسانه ورضي بذلك فهو فيء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن أبي الشعثاء قال : يجزئه حتى يتكلم بلسانه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن أبي قلابة قال : إذا فاء في نفسه أجزأه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن قال : إذا آلى الرجل من امرأته ثم وقع عليها قبل الأربعة أشهر فليس عليه كفارة ، لأن الله تعالى قال { فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم } أي لتلك اليمين .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن إبراهيم قال : كانوا يرجون في قول الله { فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم } أن كفارته فيئه .
وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن ثابت قال : عليه كفارة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : إن فاء كفر وإن لم يفعل فهي واحدة ، وهي أحق بنفسها .(2/46)
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)
أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عبّاس أنه كان يقرأ وإن عزموا السراح .
وأخرج ابن جرير عن عمر بن الخطاب أنه قال في الإِيلاء إذا مضت أربعة أشهر لا شيء عليه حتى توقف فيطلق أو يمسك .
وأخرج الشافعي وابن جرير والبيهقي عن طاوس أن عثمان كان يوقف المولي وفي لفظ كان لا يرى الإِيلاء شيئاً وإن مضت الأربعة أشهر حتى يوقف .
وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء .
وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير والبيهقي عن ابن عمر قال أيما رجل آلى من امرأته فإنه إذا مضى أربعة أشهر وقف حتى يطلق أو يفيء ولا يقع عليه الطلاق إذا مضت الأربعة أشهر حتى يوقف .
وأخرج البخاري وعبد بن حميد عن ابن عمر قال الإِيلاء الذي سمى الله لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم الطلاق كما أمره الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن أبي الدرداء في رجل آلى من امرأته قال يوقف عند انقضاء الأربعة أشهر فإما أن يطلق وإما أن يفيء .
وأخرج الشافعي وابن جرير والبيهقي عن عائشة أنها كانت إذا ذكر لها الرجل يحلف أن لا يأتي امرأته فيدعها خمسة أشهر لا ترى ذلك شيئاً حتى يوقف وتقول كيف قال الله إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي عن قتادة أن أبا ذر وعائشة قالا يوقف المولي بعد انقضاء المدة فإما أن يفيء وإما أن يطلق .
وأخرج الشافعي واليهقي عن سليمان بن يسار قال أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يقول يوقف المولي .
وأخرج ابن جرير والدارقطني والبيهقي من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال سألت اثني عشر رجلاً من الصحابة عن الرجل يولي من امرأته فكلهم يقول ليس عليه شيء حتى تمضي الأربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق .
وأخرج البيهقي عن ثابت بن عبيدة مولى زيد بن ثابت عن اثني عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الإِيلاء لا يكون طلاقاً حتى يوقف .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن عمر وابن عباس قالوا الإِيلاء تطليقة بائنة إذا مرت أربعة أشهر قبل أن يفيء فهي أملك بنفسها .(2/47)
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال عزيمة الطلاق انقضاء أربعة أشهر .
وأخرج عبد بن حميد عن أيوب قال قلت لابن جبير : أكان ابن عباس يقول في الإِيلاء إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وتزوّج ولا عدة عليها؟ قال : نعم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن ابن مسعود قال إذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وتعتد بعد ذلك ثلاثة قروء ويخطبها زوجها في عدتها ولا يخطبها غيره فإذا انقضت عدتها خطبها زوجها وغيره .
وأخرج عبد بن حميد عن علي في الإِيلاء قال إذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقة ولا يخطبها هو ولا غيره إلا من بعد انقضاء العدة .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في رجل قال لامرأته إن قربتك سنة فأنت طالق ثلاثاً إن قربها قبل السنة فهي طالق ثلاثاً وإن تركها حتى تمضي الأربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقة فإن تزوجها قبل انقضاء السنة فإنه يمسك عن غشيانها حتى تنقضي السنة ولا يدخل عليه إيلاء .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم النخعي في رجل قال لامرأته إن قربتك إلى سنة فأنت طالق قال إن قربها بانت منه وإن تركها حتى تمضي الأربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقة فإن تزوّجها فغشيها قبل انقضاء السنة بانت منه وإن لم يقربها حتى تمضي الأربعة أشهر ، فإنه يدخل عليه إيلاء آخر .
وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن . أنهما كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته : أنها إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة واحدة ، ولزوجها عليها رجعة ما كانت في العدة .
وأخرج مالك عن ابن شهاب قال : إيلاء العبد نحو إيلاء الحر وهو واجب ، وإيلاء العبد شهران .
وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب قال : إيلاء العبد شهران .
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال إيلاء العبد من الأمة أربعة أشهر .
وأخرج عن معمر عن قتادة قال : إيلاء العبد من الحرة أربعة أشهر .
وأخرج مالك عن عبدالله بن دينار قال : خرج عمر بن الخطاب من الليل يسمع امرأة تقول :
تطاول هذا الليل واسود جانبه ... وأرقني أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله أني أراقبه ... لحرك من هذا السرير جوانبه
فسأل عمر ابنته حفصة كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت : ستة أشهر ، أو أربعة . فقال عمر : لا أحبس أحداً من الجيوش أكثر من ذلك .
وأخرج ابن اسحق وابن أبي الدنيا في كتاب الأشراف عن السائب بن جبير مولى ابن عباس وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما زلت أسمع حديث عمر أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة ، وكان يفعل ذلك كثيراً إذ مر بامرأة من نساء العرب مغلقة بابها وهي تقول :(2/48)
تطاول هذا الليل تسري كواكبه ... وأرقني أن لا ضجيع ألاعبه
فوالله لولا الله لا شيء غيره ... لحرك من هذا السرير جوانبه
وبت ألاهي غير بدع ملعن ... لطيف الحشا لا يحتويه مضاجعه
يلاعبني طوراً وطوراً كأنما ... بدا قمراً في ظلمة الليل حاجبه
يسر به من كان يلهو بقربه ... يعاتبني في حبه واعاتبه
ولكنني أخشى رقيبا موكلا ... بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه
ثم تنفست الصعداء ، وقالت : أشكو عمر بن الخطاب وحشتي في بيتي ، وغيبة زوجي علي ، وقلة نفقتي . فلان لها عمر يرحمه الله ، فلما أصبح بعث إليها بنفقة وكسوة ، وكتب إلى عامله يسرح إليها زوجها .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال : سأل عمر ابنته حفصة كم تصبر المرأة عن الرجل؟ فقلت : ستة أشهر فقال : لا جرم ، لا أحبس رجلاً أكثر من ستة أشهر .
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن محمد بن معن قال : أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت : يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل ، وأنا أكره أن أشكوه إليك وهو يقوم بطاعة الله . فقال لها : جزاك الله خيراً من مثنية على زوجها . فجعلت تكرر عليه القول وهو يكرر عليها الجواب ، وكان كعب بن سوار الاسدي حاضراً فقال له : اقض يا أمير المؤمنين بينها وبين زوجها . فقال : وهل فيما ذكرت قضاء ، فقال : إنها تشكو مباعدة زوجها لها عن فراشها وتطلب حقها في ذلك . فقال له عمر : أما لأن فهمت ذلك فاقض بينهما . فقال كعب : علي بزوجها ، فأحضر فقال : إن امرأتك تشكوك . فقال : قصرت في شيء من نفقتها؟ قال : لا . فقالت المرأة :
يا أيها القاضي الحكيم برشده ... ألهى خليلي عن فراشي مسجده
نهاره وليله ما يرقده ... فلست في حكم النساء أحمده
زهده في مضجعي تعبده ... فاقض القضا يا كعب لا تردده
فقال زوجها :
زهّدَني في فرشها وفي الحجل ... إني امرؤ أزهد فيما قد نزل
في سورة النحل وفي السبع الطول ... وفي كتاب الله تخويف جلل
فقال كعب :
إن خير القاضيين من عدل ... وقضى بالحق جهرا وفصل
إن لها حقا عليك يا رجل ... تصيبها في أربع لمن عقل
قضية من ربها عز وجل ... فاعطها ذاك ودع عنك العلل
ثم قال : إن الله قد أباح لك من النساء أربعاً ، فلك ثلاثة أيام ولياليها تعبد فيها ربك ، ولها يوم وليلة . فقال عمر : والله ما أدري من أي امريك أعجب . أمن فهمك أمرها أم من حكمك بينهما! اذهب فقد وليتك قضاء البصرة .(2/49)
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وعمر بن الخطاب معه ، فعرضت امرأة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ادعي زوجك فدعته وكان ضراراً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما تقول امرأتك يا عبدالله؟ فقال الرجل : والذي أكرمك ما جف رأسي منها . فقالت امرأته : ما مرة واحدة في الشهر . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أتبغضينه؟ قالت : نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أدنيا رأسيكما فوضع جبهتها على جبهة زوجها ، ثم قال : اللهم ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه ، ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق النمط ومعه عمر بن الخطاب ، فطلعت امرأة تحمل ادما على رأسها ، فلما رأت النبي طرحته وأقبلت فقبلت رجليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أنت وزوجك؟ فقالت : والذي أكرمك ما طارف ، ولا تالد ، ولا ولد ، بأحب إلي منه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهد أني رسول الله . فقال عمر : وأنا أشهد أنك رسول الله » .
وأخرج أبو يعلى وأبو نعيم في الدلائل من حديث جابر بن عبدالله . مثله .
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يصبح على كل سلامي من ابن آدم صدقة . تسليمه على من لقي صدقة ، وأمره بالمعروف صدقه ، ونهيه عن المنكر صدقة ، وإماطته الأذى عن الطريق صدقة ، وبضعه أهله صدقة . قالوا : يا رسول الله أحدنا يقضي شهوته وتكون له صدقة؟! قال : أرأيت لو وضعها في غير حلها ألم يكن يأثم » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي ذرة قال : قلت : « يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر . قال : ألستم تصلون ، وتصومون ، وتجاهدون ، قلت : بلى ، وهم يفعلون كما نفعل يصلون ، ويصومون ، ويجاهدون ، ويتصدقون ولا نتصدق قال : إن فيك صدقة ، وفي فضل سمعك صدقة على الذي لا يسمع تعبر عن حاجته صدقة ، وفي فضل بصرك على الضرير تهديه إلى الطريق صدقة ، وفي فضل قوتك على الضعيف تعينه صدقة ، وفي إماطتك الأذى عن الطريق صدقة ، وفي مباضعتك أهلك صدقة ، قلت : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر؟! قال : أرأيت لو جعلته في غير حله أكان عليك وزر؟ قلت : نعم . قال : أتحتسبون بالشر ولا تحتسبون بالخير » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ولك في جماعك زوجتك أجر قلت : كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ قال : أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره ثم مات أكنت تحتسبه؟ قلت : نعم . قال : فأنت خلقته؟ قلت : بل الله . قال : أفأنت هديته؟ قلت : بل الله هداه . قال : أفأنت كنت ترزقه؟قلت : بل الله يرزقه . قال : فكذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه ، فإن شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر » .(2/50)
وأخرج ابن السنى وأبو نعيم معاً في الطب النبوي والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أيعجز أحدكم أن يجامع أهله في كل يوم جمعة فإن له أجرين اثنين غسله وأجر غسل امرأته » .
وأخرج البيهقي في سننه عن عمر بن الخطاب قال والله إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله مني نسمة تسبح .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن زيد بن أسلم قال بلغني أنه جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت إن زوجها لا يصيبها فأرسل إليه فسأله فقال كبرت وذهبت قوّتي فقال له عمر أتصيبها في كل شهر مرة قال أكثر من ذلك قال عمر في كم تصيبها قال في كل طهر مرة فقال عمر اذهبي فإن فيه ما يكفي المرأة .(2/51)
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
أخرج أبو داود وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن أسماء بنت يزيد بن السكن الانصارية قالت : طلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن للمطلقة عدة ، فأنزل الله حين طلقت العدة للطلاق { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } فكانت أول من أنزلت فيها العدة للطلاق .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } قال : كان أهل الجاهلية يطلق أحدهم ليس لذلك عدة .
وأخرج أبو داود والنسائي وابن المنذر عن ابن عباس { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر } [ الطلاق : 4 ] فنسخ واستثنى ، وقال { ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } [ الأحزاب : 49 ] .
وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والدارقطني والبيهقي في السنن عن عائشة قالت : إنما الأقراء الاطهار .
وأخرج مالك والشافعي والبيهقي من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة . أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة . قال ابن شهاب : فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت : صدق عروة ، وقد جادلها في ذلك ناس قالوا : إن الله يقول { ثلاثة قروء } فقالت عائشة : صدقتم ، وهل تدرون ما الإِقراء؟ الإِقراء الإِطهار . قال ابن شهاب : سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول : ما أدركت أحداً من فقهائنا إلا وهو يقول : هذا يريد الذي قالت عائشة .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والبيهقي عن ابن عمر وزيد بن ثابت قالا : الإِقراء الإِطهار .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن عمرو بن دينار قال : الإِقراء الحيض عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس في قوله { ثلاثة قروء } قال : ثلاث حيض .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } قال : حيض .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } فجعل عدة الطلاق ثلاث حيض ، ثم أنه نسخ منها المطلقة التي طلقت ولم يدخل بها زوجها فقال في سورة الأحزاب { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } [ الأحزاب : 49 ] فهذه تزوّج ان شاءت من يومها . وقد نسخ من الثلاثة فقال { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم } [ الطلاق : 4 ] فهذه العجوز التي لا تحيض والتي لم تحض فعدتهن ثلاثة أشهر ، وليس الحيض من أمرها في شيء ، ونسخ من الثلاثة قروء الحامل فقال { أجلهن أن يضعن حملهن } [ الطلاق : 4 ] فهذه ليست من القروء في شيء إنما أجلها أن تضع حملها .(2/52)
وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد والبيهقي من طريق عروة وعمرة عن عائشة قالت : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلت للأزواج . قالت عمرة : وكانت عائشة تقول : إنما القرء الطهر ، وليس بالحيضة .
وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن زيد بن ثابت قال : إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها وحلت للأزواج .
وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن ابن عمر قال : إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرىء منها ، ولا ترثه ولا يرثها .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن علقمة . أن رجلاً طلق امرأته ثم تركها ، حتى إذا مضت حيضتان والثالثة أتاها وقد قعدت في مغتسلها لتغتسل من الثالثة ، فأتاها زوجها فقال : قد راجعتك قد راجعتك ثلاثاً . فأتيا عمر بن الخطاب فقال عمر لابن مسعود وهو إلى جنبه : ما تقول فيها؟ قال : أرى أنه أحق بها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة . فقال عمر : وأنا أرى ذلك .
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي عن علي بن أبي طالب قال : تحل لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة ، وتحل للأزواج .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود قال : أرسل عثمان بن عفان إلى أبي يسأله عن رجل طلق امرأته ثم راجعها حين دخلت في الحيضة الثالثة ، قال أبي : كيف يفتي منافق؟ فقال عثمان : نعيذك بالله أن تكون منافقاً ، ونعوذ بالله أن نسميك منافقاً ، ونعيذك بالله أن يكون منك هذا في الإِسلام ثم تموت ولم تبينه . قال : فإني أرى أنه أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة .
وأخرج البيهقي من طريق الحسن عن عمر وعبدالله وأبي موسى ، في الرجل يطلق امرأته فتحيض ثلاث حيض فراجعها قبل أن تغتسل ، قال : هو أحق بها ما لم تغتسل .
وأخرج وكيع عن الحسن قال : تعتد بالحيض وإن كانت لا تحيض في السنة إلا مرة .
وأخرج مالك والشافعي عن محمد بن يحيى بن حيان أنه كان عند جده هاشمية وانصارية ، فطلق الانصارية وهي ترضع ، فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض ، فقالت : أنا أرثه ولم أحض . فاختصموا إلى عثمان فقضى للأنصارية بالميراث ، فلامت الهاشمية عثمان فقال : هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا ، يعني علي ابن أبي طالب .
وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال : إذا طلقها وهي حائض لم تعتد بتلك الحيضة .
وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة قال : الاقراء الحيض ليس بالطهر . قال الله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } ولم يقل لقرؤئهن .(2/53)
وأخرج الشافعي عن عبد الرحمن بن أبي بكر ، أن رجلاً من الأنصار يقال له حيان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهي ترضع ابنته ، فمكثت سبعة عشر شهراً لا تحيض يمنعها الرضاع أن تحيض ، ثم مرض حيان فقلت له : إن امرأتك تريد أن ترث؟ فقال لأهله : احملوني إلى عثمان فحملوه إليه ، فذكر له شأن امرأته وعنده علي بن أبي طالب ، وزيد بن ثابت ، فقال لهما عثمان : ما تريان؟ فقالا : نرى أنه إن مات ترثه ويرثها إن ماتت ، فإنها ليست من القواعد اللاتي قد يئسن من المحيض ، وليست من الأبكار اللاتي لم يبلغهن بالمحيض ، ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل أو كثير . فرجع حيان إلى أهله وأخذ ابنته ، فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم حاضت حيضة أخرى ، ثم توفي حيان قبل أن تحيض الثالثة ، فاعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وورثته .
وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « طلاق الأمة تطليقتان ، وقرؤها حيضتان ، وفي لفظ وعدتها حيضتان » .
وأخرج ابن ماجة والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعاً . مثله .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن زيد بن ثابت قال : الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن علي وابن مسعود وابن عباس قالوا : الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء .
وأخرج مالك والبيهقي عن سعيد بن المسيب قال : الطلاق للرجال ، والعدة للنساء .
وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب قال : عدة المستحاضة سنة .
أما قوله تعالى : { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } .
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } قال : كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر ، فنهاهن الله عن ذلك .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } قال : علم الله أن منهن كواتم ، يكتمن ضراراً ويذهبن بالولد إلى غير أزواجهن ، فنهى عن ذلك وقدم فيه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } قال : الحمل والحيض ، لا يحل لها إن كانت حاملاً أن تكتم حملها ، ولا يحل لها ان كانت حائضاً أن تكتم حيضها .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } قال : الحيض والولد ، لا يحل للمطلقة أن تقول : أنا حائض . وليست بحائض . ولا تقول : إني حبلى . وليست بحبلى ، ولا تقول : لست بحبلى . وهي حبلى .
وأخرج ابن جرير عن ابن شهاب في قوله { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } قال : بلغنا أن ما خلق الله في أرحامهن الحمل ، وبلغنا أنه الحيض .(2/54)
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي عن إبراهيم في الآية قال : أكبر ذلك الحيض ، وفي لفظ : أكثر ما عنى به الحيض .
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن عكرمة قال : الحيض .
أما قوله تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } .
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله { وبعولتهن أحق بردهن } يقول : إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين وهي حامل فهو أحق برجعتها ما لم تضع حملها ، ولا يحل لها أن تكتمه يعني حملها ، وهو قوله { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } .
وأخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حبان في قوله { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } يعني المراجعة في العدة ، نزلت في رجل من غفار ، طلق امرأته ولم يشعر بحملها ، فراجعها وردها إلى بيته فولدت وماتت ومات ولدها ، فأنزل الله بعد ذلك بأيام يسيرة { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } [ البقرة : 229 ] فنسخت الآية التي قبلها ، وبين الله للرجال كيف يطلقون النساء وكيف يتربصن .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن مجاهد { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } قال : في القروء الثلاث .
وأخرج ابن جرير عن الربيع { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } قال : في العدة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } قال : في العدة ما لم يطلقها ثلاثاً .
أما قوله تعالى : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { ولهن مثل الذي عليهن } قال : إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن ، فعليه أن يحسن خطبتها ويكف عنها أذاه ، وينفق عليها من سعته .
وأخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن الأحوص « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا إن لكم على نسائكن حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً . فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن » .
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن معاوية بن حيدة القشيري « أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما حق المرأة على الزوج؟ قال : أن تطعمها إذا طعمت ، وأن تكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت » .
وأخرج ابن عدي عن قيس بن طلق عن أبيه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا جامع أحدكم أهله فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها ، كما يحب أن يقضي حاجته » .(2/55)
وأخرج عبد الرزاق وأبو يعلى عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها ، فإن سبقها فلا يعجلها . ولفظ عبد الرزاق : فإن قضى حاجته ولم تقض حاجتها فلا يعجلها » .
وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين المرأة لي ، لأن الله يقول { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } وما أحب أن استوفي جميع حقي عليها لأن الله يقول { وللرجال عليهن درجة } .
وأخرج ابن ماجة عن أم سلمة « أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلى وولى عانته بيده » .
وأخرج الخرائطي في كتاب مساوىء الأخلاق عن أم سلمة « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينوره الرجل فإذا بلغ مراقه تولى هو ذلك » .
وأخرج الخرائطي عن محمد بن زياد قال « كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاراً لي ، فكان يدخال الحمام فقلت : وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخل الحمام . فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الحمام ثم يتنور » .
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنور كل شهر ، ويقلم أظفاره كل خمس عشرة » .
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن عائشة أنها سئلت بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت : بالسواك .
قوله تعالى : { وللرجال عليهن درجة } .
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { وللرجال عليهن درجة } قال : فضل ما فضله الله به عليها من الجهاد ، وفضل ميراثه على ميراثها ، وكل ما فضل به عليها .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك { وللرجال عليهن درجة } قال : يطلقها وليس لها من الأمر شيء .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم { وللرجال عليهن درجة } قال : الإِمارة .(2/56)
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
أخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له ، وإن طلقها ألف مرة ، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها ، حتى إذا ما جاء وقت انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها ثم قال : والله لا آويك ولا تحلين أبداً ، فأنزل الله { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فاستقبل الناس الطلاق جديداً من يومئذ ، من كان منهم طلق ومن لم يطلق .
وأخرج الترمذي وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة قالت : « كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء الله أن يطلقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر ، حتى قال رجل لامرأته : والله لا أطلقك ، فتبيني ولا آويك أبداً . قالت : وكيف ذلك؟ قال : أطلقك ، فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك . فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها ، فسكتت عائشة حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل القرآن { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } قالت عائشة : فاستأنف الناس الطلاق مستقبلاً من طلق ومن لم يطلق » .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن عائشة قالت : « لم يكن للطلاق وقت يطلق امرأته أم يراجعها ما لم تنقض العدة ، وكان بين رجل وبين أهله بعض ما يكون بين الناس ، فقال : والله لأتركنك لا أيّماً ولا ذات زوج ، فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها ففعل ذلك مراراً ، فأنزل الله فيه { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فوقت لهم الطلاق ثلاثاً يراجعها في الواحدة وفي الثنتين ، وليس في الثالثة رجعة حتى تنكح زوجاً غيره » .
وأخرج ابن النجار عن عائشة « أنها أتتها امرأة فسألتها عن شيء من الطلاق ، قالت : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } » .
وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي عن ابن عباس { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } [ البقرة : 228 ] إلى قوله { وبعولتهن أحق بردهن } [ البقرة : 228 ] وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً ، فنسخ ذلك فقال { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } .
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري عن بعض الفقهاء قال « كان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته ما شاء لا يكون عليها عدة فتزوج من مكانها إن شاءت ، فجاء رجل من أشجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أنا طلقت امرأتي ، وأنا أخشى أن تزوج فيكون الولد لغيري ، فأنزل الله { الطلاق مرتان } فنسخت هذه كل طلاق في القرآن » .(2/57)
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { الطلاق مرتان } قال : « لكل مرة قرء » ، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها ، فجعل الله حدَّ الطلاق ثلاثة ، وجعله أحق برجعتها ما دامت في عدتها ما لم يطلق ثلاثاً .
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن أبي رزين الأسدي قال : « قال رجل : يا رسول الله ، أرأيت قول الله عز وجل { الطلاق مرتان } فأين الثالثة؟ قال : التسريح بإحسان الثالثة » .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أنس قال « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني أسمع الله يقول { الطلاق مرتان } فأين الثالثة؟ قال : إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان هي الثالثة » .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : « أخبرني عن قوله عز وجل { الطلاق مرتان } هل كانت العرب تعرف الطلاق ثلاثاً في الجاهلية؟ قال : نعم ، كانت العرب تعرف ثلاثاً باتاً ، أما سمعت الأعشى وهو يقول وقد أخذه أختانه فقالوا : لا والله لا نرفع عنك العصا حتى تطلق أهلك ، فقد أضررت بها ، فقال :
أيا جارتا بتي ، فإنك طالقة ... كذاك أمور الناس غاد وطارقة
فقالوا : والله لا نرفع عنك العصا أو تثلث لها الطلاق ، فقال :
بيني ، فإن البين خير من العصا ... وإن لا يزال فوق رأسي بارقة
فقالوا : والله لا نرفع عنك العصا أو تثلث لها الطلاق ، فقال :
بيني حصان الفرج غير ذميمة ... وموقوفة فينا كذاك روامقة
وذوقي فتى حي فإني ذائق ... فتاة أناس مثل ما أنت ذائقة
وأخرج النسائي وابن ماجة وابن جرير والدارقطني والبيهقي عن ابن مسعود في قوله { الطلاق مرتان } قال : يطلقها بعدما تطهر من قبل جماع ، فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ، ثم يدعها تطهر مرة أخرى ، ثم يطلقها إن شاء .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { الطلاق مرتان } قال : » يطلق الرجل امرأته طاهراً في غير جماع ، فإذا حاضت ثم طهرت ، فقد تم القرء ، ثم يطلق الثانية كما يطلق الأولى إن أحب أن يفعل ، فإذا طلق الثانية ثم حاضت الحيضة الثانية فهاتان تطليقتان وقرآن ، ثم قال الله للثالثة { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء « .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد عن أبي حبيب قال : التسريح في كتاب الله الطلاق .
وأخرج البيهقي من طريق السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وأناس من الصحابة في قوله { الطلاق مرتان } قال : وهو الميقات الذي يكون عليها فيه الرجعة ، فإذا طلق واحدة أو ثنتين ، فإما يمسك ويراجع بمعروف ، وإما يسكت عنها حتى تنقضي عدتها فتكون أحق بنفسها .(2/58)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين ، فليتق الله في الثالثة ، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها ، أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئاً .
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق في المصنف وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر . أنه كان إذا نكح قال : أنكحتك على ما أمر الله على إمساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان .
وأخرج أبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أبغض الحلال إلى الله عز وجل ، الطلاق » .
وأخرج البزار عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تطلق النساء إلا عن ريبة ، إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات » .
وأخرج عبد الرزاق عن معاذ بن جبل قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « يا معاذ ، ما خلق الله شيئاً على ظهر الأرض أحب إليه من عناق ، وما خلق الله على وجه الأرض أبغض إليه من الطلاق » .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن زيد بن وهب . أن بطالا كان بالمدينة فطلق امرأته ألفاً ، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب ، فقال : إنما كنت ألعب ، فعلاه عمر بالدرة ، وقال : إن كان ليكفيك ثلاث .
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب في الرجل يطلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها قال : هي ثلاث ، لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، وكان إذا أتي به أوجعه .
وأخرج البيهقي من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي ، فيمن طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها ، لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره .
وأخرج البيهقي من طريق حبيب بن أبي ثابت عن بعض أصحابه قال : جاء رجل إلى علي فقال : طلقت امرأتي ألفاً . قال : ثلاث تحرمها عليك ، واقسم سائرها بين نسائك .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن علقمة بن قيس قال : أتى رجل إلى ابن مسعود فقال : إن رجلاً طلق امرأته البارحة مائة . قال : قلتها مرة واحدة؟ قال : نعم . قال : تريد أن تبين منك امرأتك؟ قال : نعم . قال : هو كما قلت .
قال : وأتاه رجل فقال : رجل طلق امرأته البارحة عدد النجوم . قال : قلتها مرة واحدة؟ قال : نعم . قال : تريد أن تبين منك امرأتك؟ قال : نعم . قال : هو كما قلت ، ثم قال : قد بين الله أمر الطلاق ، فمن طلق كما أمره الله فقد بين له ، ومن لبس على نفسه جعلنا به لبسته ، والله لا تلبسون على أنفسكم ونتحمله عنكم هو كما تقولون .(2/59)
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال : المطلقة ثلاثاً قبل أن يدخل بها ، بمنزلة التي قد دخل بها .
وأخرج مالك والشافعي وأبو داود والبيهقي عن محمد بن إياس بن البكير قال : طلق رجل امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها ، ثم بدا له أن ينكحها ، فجاء يستفتي ، فذهبت معه أسأل له ، فسأل أبا هريرة وعبدالله بن عباس عن ذلك ، فقالا : لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجاً غيرك . قال : إنما كان طلاقي إياها واحدة! قال ابن عباس : إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل .
وأخرج مالك والشافعي وأبو داود والبيهقي عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري . أنه كان جالساً مع عبدالله بن الزبير ، وعاصم بن عمر ، فجاءهما محمد بن أبي إياس بن البكير فقال : إن رجلاً من أهل البادية طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها ، فماذا تريان؟ فقال ابن الزبير : إن هذا الأمر ما لنا فيه قول : اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة ، فإني تركتهما عند عائشة فاسألهما ، فذهب فسألهما قال ابن عباس لأبي هريرة : افْتِهِ يا أبا هريرة ، فقد جاءتك معضلة . فقال أبو هريرة : الواحدة تبينها ، والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجاً غيره . وقال ابن عباس مثل ذلك .
وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن عطاء بن يسار قال : جاء رجل يسأل عبد الله بن عمرو بن العاص عن رجل طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يمسها ، فقلت : إنما طلاق البكر واحدة . فقال لي عبد الله بن عمرو : إنما أنت قاضٍ ، الواحدة تبينها ، والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجاً غيره .
وأخرج الشافعي والبيهقي عن مجاهد قال : جاء رجل لابن عباس قال : طلقت امرأتي مائة . قال : نأخذ ثلاثاً وندع سبعاً وتسعين .
وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال : إذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره .
وأخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم قال : سأل رجل المغيرة بن شعبة وأنا شاهد عن رجل طلق امرأته مائة قال : ثلاث تحرم ، وسبع وتسعون فضل .
وأخرج الطبراني والبيهقي عن سويد بن عفلة قال : كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي رضي الله عنهما ، فلما قتل علي رضي الله عنه قالت : لِتَهْنَكَ الخلافة! قال : يقتل علي وتظهرين الشماتة؟! اذهبي فأنت طالق ثلاثاً . قال : فتلفعت ثيابها وقعدت حتى قضت عدتها ، فبعث إليها بقية بقيت لها من صداقها وعشرة آلاف صدقة ، فلما جاءها الرسول قالت : متاع قليل من حبيب مفارق!
فلما بلغه قولها بكى ، ثم قال : لولا أني سمعت جدي ، أو حدثني أبي : أنه سمع جدي يقول : أيما رجل طلق امرأته ثلاثاً عند الاقراء ، أو ثلاثاً مبهمة لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره لراجعتها .(2/60)
وأخرج الشافعي وأبو داود والحاكم والبيهقي عن ركانة بن عبد يزيد . أنه طلق امرأته سهيمة البتة ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وقال : والله ما أردت إلا واحدة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال : ركانة والله ما أردت إلا واحدة . فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطلقها الثانية في زمان عمر ، والثالثة في زمان عثمان » .
وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي من طريق عبد الله بن علي بن زيد بن ركانة عن أبيه عن جده ركانة « أنه طلق امرأته البتة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما أردت بها؟ قال : واحدة . قال : والله ما أردت بها إلا واحدة؟ قال : والله ما أردت بها إلا واحدة . قال : هو ما أردت ، فردها عليه » .
وأخرج عبد الرزاق ومسلم وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وسنتين من خلافة عمر ، طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو امضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم .
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي عن طاوس . أن أبا الصهباء قال لابن عباس : أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وثلاثاً من امارة عمر؟ قال ابن عباس : نعم .
وأخرج أبو داود والبيهقي عن طاوس . أن رجلاً يقال له أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال : أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وصدرا من امارة عمر؟ قال ابن عباس : بلى ، كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وصدرا من امارة عمر ، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال : أجيزوهن عليهم .
وأخرج عبد الرزاق وأبو داود والبيهقي عن ابن عباس قال « طلق عبد يزيد أبو ركانة أم ركانة ، ونكح امرأة من مزينة ، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه . فأخذت النبي صلى الله عليه وسلم حمية فدعا بركانة وإخوته ، ثم قال لجلسائه : أترون فلاناً يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد ، وفلاناً منه كذا وكذا؟ قالوا : نعم . قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد : طلقها . ففعل . قال : راجع امرأتك أم ركانة . فقال : إني طلقتها ثلاثاً يا رسول الله! قال : قد علمت ، ارجعها وتلا { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } [ الطلاق : 1 ] » .(2/61)
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : « طلق ركانة امرأته ثلاثاً في مجلس واحد ، فحزن عليها حزناً شديداً فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها؟ قال : طلقتها ثلاثاً في مجلس واحد . قال : نعم ، فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت ، فراجعها ، فكان ابن عباس يرى إنما الطلاق عند كل طهر ، فتلك السنة التي كان عليها الناس والتي أمر الله بها { فطلقوهن لعدتهن } » .
وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال : إذا قال أنت طالق ثلاثاً بفم واحدة ، فهي واحدة .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن أبي مليكة . أن أبا الجوزاء أتى ابن عباس فقال : أتعلم أن ثلاثاً كن يرددن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى واحدة؟ قال : نعم .
وأخرج البيهقي عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « طلاق التي لم يدخل بها واحدة » .
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن الأعمش قال : بان بالكوفة شيخ يقول : سمعت علي بن أبي طالب يقول : إذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فإنه يرد إلى واحدة ، والناس عنقاً واحداً إذ ذاك يأتونه ويسمعون منه . قال : فأتيته فقرعت عليه الباب ، فخرج إلي شيخ فقلت له : كيف سمعت علي بن أبي طالب يقول فيمن طلق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد؟ قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : إذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فإنه يرد إلى واحدة . قال : فقلت له : أنى سمعت هذا من علي؟ قال : أخرج إليك كتاباً ، فأخرج ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : إذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، قلت : ويحك هذا غير الذي تقول! قال : الصحيح هو هذا ، ولكن هؤلاء أرادوني على ذلك .
وأخرج البيهقي عن مسلمة بن جعفر الأحمس قال : قلت لجعفر بن محمد : يزعمون أن من طلق ثلاثاً بجهالة رد إلى السنة يجعلونه واحدة يروونها عنكم . قال : معاذ الله! ما هذا من قولنا ، من طلق ثلاثاً فهو كما قال .
وأخرج البيهقي عن بسام الصيرفي قال : سمعت جعفر بن محمد يقول : من طلق امرأته ثلاثاً بجهالة أو علم فقد برئت منه .
وأخرج ابن ماجة عن الشعبي قال : قلت لفاطمة بنت قيس : حدثيني عن طلاقك ، قالت : طلقني زوجي ثلاثاً وهو خارج إلى اليمن ، فأجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما قوله تعالى : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً } الآية .(2/62)
أخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان الرجل يأكل من مال امرأته نحلته الذي نحلها وغيره لا يرى أن عليه جناحاً ، فأنزل الله { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً } فلم يصلح لهم بعد هذه الآية أخذ شيء من أموالهن إلا بحقها ، ثم قال { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله . . . } وقال { فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً } [ النساء : 4 ] .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } قال : إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها فتدعوك إلى أن تفتدي منك ، فلا جناح عليك فيما افتدت به .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : « نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس ، وفي حبيبة ، وكانت اشتكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » تردين عليه حديقته؟ « قالت : نعم . فدعاه فذكر له ذلك فقال : ويطيب لي ذلك؟ قال : نعم ، قال ثابت : قد فعلت . فنزلت { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله . . . } الآية » .
وأخرج مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي من طريق عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن حبيبة بنت سهل الأنصاري « أنها كانت تحت ثابت بن قيس ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجدها عند بابه في الغلس ، فقال : من هذه؟فقالت : أنا حبيبة بنت سهل . فقال : ما شأنك؟! قالت : لا أنا ولا ثابت ، فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر . فقالت حبيبة : يا رسول الله! كل ما أعطاني عندي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذ منها . فأخذ منها وجلست في أهلها » .
وأخرج عبد الرزاق وأبو داود وابن جرير والبيهقي من طريق عمرة عن عائشة « أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس ، فضربها فكسر يدها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصبح فاشتكته إليه ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتاً فقال : خذ بعض مالها وفارقها . قال : ويصلح ذلك يا رسول الله؟ قال : نعم . قال : فإني أصدقتها حديقتين فهما بيدها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خذهما وفارقها . ففعل ثم تزوجها أبي بن كعب ، فخرج بها إلى الشام فتوفيت هناك » .
وأخرج البخاري والنسائي وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس « أن جميلة بنت عبد الله بن سلول امرأة ثابت بن قيس قالت : ما أعتب عليه في خلق ولا دين ، ولكني لا أطيقه بغضاً ، وأكره الكفر في الإِسلام .(2/63)
قال : أتردين عليه حديقته؟ قالت : نعم . قال : اقبل الحديقة ، وطلقها تطليقة . ولفظ ابن ماجة : فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد « .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة » أنه سئل هل كان للخلع أصل؟ قال : كان ابن عباس يقول : إن أول خلع كان في الإِسلام في أخت عبد الله بن أبي ، أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله لا يجمع رأسي شيء أبداً ، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة ، فإذا هو أشدهم سواداً ، واقصرهم قامة ، وأقبحهم وجهاً . قال زوجها : يا رسول الله إني أعطيتها أفضل مالي : حديقة لي ، فإن ردت علي حديقتي؟ قال : ما تقولين؟ قالت : نعم ، وإن شاء زدته . قال : ففرق بينهما « .
وأخرج أحمد عن سهل بن أبي حثمة قال » كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس بن شماس ، فكرهته وكان رجلاً دميماً ، فجاءت فقالت : يا رسول الله إني لا أراه ، فلولا مخافة الله لبزقت في وجهه . فقال لها : أتردين عليه حديقته التي أصدقك؟ قالت : نعم . فردت عليه حديقته وفرق بينهما ، فكان ذلك أول خلع كان في الإِسلام « .
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن رباح عن جميلة بنت أبي بن سلول » أنها كانت تحت ثابت بن قيس فنشزت عليه ، فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا جميلة ما كرهت من ثابت؟ قالت : والله ما كرهت منه ديناً ولا خلقاً إلا أني كرهت دمامته . فقال لها : أتردين الحديقة؟ قالت : نعم . فردت الحديقة وفرق بينهما « .
وأخرج ابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال » كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس بن شمس فكرهته ، وكان رجلاً دميماً فقالت : يا رسول الله ، والله لولا مخافة الله إذا دخل علي بسقت في وجهه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته؟ قالت : نعم . فردت عليه حديقته ، ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم « .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس » أن جميلة بنت أبي بن سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم تريد الخلع ، فقال لها : ما أصدقك؟ قالت : حديقة . قال : فردي عليه حديقته « .
وأخرج البيهقي عن عطاء قال » أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أبغض زوجي وأحب فراقه ، فقال : أتردين عليه حديقته التي أصدقك؟ - وكان أصدقها حديقة - قالت : نعم . وزيادة . قال النبي صلى الله عليه وسلم : اما زيادة من مالك فلا ، ولكن الحديقة؟ قالت : نعم . فقضى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل ، فأخبر بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد قبلت قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم « .(2/64)
وأخرجه من وجه آخر عن عطاء عن ابن عباس موصولاً ، وقال : المرسل هو الصحيح .
وأخرج البيهقي عن ابن الزبير « أن ثابت بن قيس شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول ، وكان أصدقها حديقة فكرهته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته التي أعطاك؟ قالت : نعم ، وزيادة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما الزيادة فلا ولكن حديقته؟ قالت : نعم . فأخذها له وخلى سبيلها ، فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال : قد قبلت قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج البيهقي عن أبي سعيد قال : « أرادت أختي أن تختلع من زوجها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجها ، فذكرت له ذلك ، فقال لها : أتردين عليه حديقته ويطلقك؟ قالت : نعم ، وأزيده . فخلعها فردت عليه حديقته وزادته » .
وأخرج البزار عن أنس قال : « جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت كلاماً كأنها كرهته ، فقال : أتردين عليه حديقته؟ قالت : نعم . فأرسل إلى ثابت : خذ منها ذلك وطلقها » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } قال : هذا لهما { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله } قال : هذا لولاة الأمر { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } قال : إذا كان النشوز والظلم من قبل المرأة فقد أحل الله له منها الفدية ولا يجوز خلع إلا عند سلطان ، فإما إذا كانت راضية مغتبطة بجناحه مطيعة لأمره فلا يحل له أن يأخذ مما آتاها شيئاً .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال : إذا جاء الظلم من قبل المرأة حل له الفدية ، وإذا جاء من قبل الرجل لم يحل له منها شيء .
وأخرج عبد بن حميد عن عروة قال : لا يصلح الخلع إلا أن يكون الفساد من قبل المرأة .
وأخرج عبد بن حميد عن الليث قال : قرأ مجاهد في البقرة ( إلا أن يخافا ) برفع الياء .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة عبد الله ( إلا أن يخافوا ) .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ميمون بن مهران قال : في حرف أبي بن كعب أن الفداء تطليقة فيه إلا أن يظنا أن لا يقيما حدود الله ، فإن ظنا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ، لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره .(2/65)
وأخرج البيهقي عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة بائنة » .
وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق والبيهقي عن أم بكر الأسلمية . أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ، ثم أتيا عثمان بن عفان في ذلك فقال : هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئاً فهو ما سميت .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر والبيهقي عن طاوس . أن إبراهيم بن سعيد بن أبي وقاص سأل ابن عباس عن امرأة طلقها زوجها طلقتين ثم اختلعت منه أيتزوجها؟ قال ابن عباس : نعم ، ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها والخلع بين ذلك ، فليس الخلع بطلاق ينكحها .
وأخرج عبد الرزاق عن طاوس قال : لولا أنه علم لا يحل لي كتمانه ما حدثته أحداً ، كان ابن عباس لا يرى الفداء طلاقاً حتى يطلق ، ثم يقول : ألا ترى أنه ذكر الطلاق من قبله ثم ذكر الفداء فلم يجعله طلاقاً ، ثم قال في الثانية { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره } [ البقرة : 230 ] ولم يجعل الفداء بينهما طلاقاً .
وأخرج الشافعي عن ابن عباس . في رجل طلق امرأته تطليقتين ، ثم اختلعت منه يتزوجها إن شاء ، لأن الله يقول { الطلاق مرتان } قرأ إلى أن يتراجعا .
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق عن عكرمة أحسبه عن ابن عباس قال : كل شيء أجازه المال فليس بطلاق ، يعني الخلع .
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن عطاء « أن النبي صلى الله عليه وسلم كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها » .
وأخرج عبد بن حميد عن حميد الطويل قال : قلت لرجاء بن حيوة . إن الحسن يكره أن يأخذ من المرأة فوق ما أعطاها في الخلع . فقال : قال قبيصة بن ذؤيب : اقرأ الآية التي تليها { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن كثير مولى سمرة . أن امرأة نشزت من زوجها في امارة عمر ، فأمر بها إلى بيت كثير الزبل ، فمكثت ثلاثة أيام ثم أخرجها فقال : كيف رأيت؟ قالت : ما وجدت الراحة إلا في هذه الأيام . فقال عمر : اخلعها ولو من قرطها .
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن عبد الله بن رباح ، أن عمر بن الخطاب قال في المختلعة : تختلع بما دون عقاص رأسها .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن شهاب الخولاني . أن امرأة طلقها زوجها على ألف درهم ، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال : باعك زوجك طلاقاً بيعاً وأجازه عمر .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت : كان لي زوج يقل علي الخير إذا حضرني ، ويحرمني إذا غاب عني ، فكانت مني زلة يوماً ، فقلت له : اختلع منك بكل شيء أملكه .(2/66)
قال نعم . ففعلت فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان ، فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه .
وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والبيهقي عن نافع . أن مولاة صفية بنت عبيد امرأة عبد الله بن عمر اختلعت من زوجها بكل شيء لها ، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر .
وأخرج مالك والبيهقي عن نافع ، أن ربيع بنت معوذ جاءت هي وعمها إلى عبد الله بن عمر ، فاخبرته أنها اختلعت من زوجها في زمان عثمان بن عفان ، فبلغ ذلك عثمان بن عفان فلم ينكره ، فقال عبد الله بن عمر : عدتها عدة المطلقة .
وأخرج البيهقي عن عروة بن الزبير . أن رجلاً خلع امرأته في ولاية عثمان بن عفان عند غير سلطان ، فأجازه عثمان .
وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب وابن شهاب وسليمان بن يسار ، أنهم كانوا يقولون : عدة المختلعة ثلاثة قروء .
وأخرج عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب قال : عدة المختلعة مثل عدة المطلقة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن نافع . أن الربيع اختلعت من زوجها ، فأتى عمها عثمان فقال : تعتد حيضة . قال : وكان ابن عمر يقول : تعتد ثلاث حيض حتى قال هذا عثمان ، فكان ابن عمر يفتي به ويقول : عثمان خيرنا وأعلمنا .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأبو داود عن ابن عمر قال : عدة المختلعة حيضة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : عدة المختلعة حيضة .
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن ابن عباس « أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة » .
وأخرج الترمذي عن الربيع بنت معوذ بن عفراء « أنها اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة » .
وأخرج النسائي وابن ماجة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : قلت للربيع بنت معوذ بن عفراء : حدثيني حديثك قالت : اختلعت من زوجي ثم جئت عثمان ، فسألت ماذا علي من العدة؟ فقال : لا عدة عليك إلاَّ أن يكون حديث عهد بك فتمكثين حتى تحيضي حيضة . قالت : إنما اتبع في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريم المغالية ، وكانت تحت ثابت بن قيس فاختلعت منه .
وأخرج النسائي عن ربيع بنت معوذ بن عفراء « أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها ، وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي ، فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إلى ثابت فقال له : خذ الذي لها عليك وخل سبيلها . قال : نعم . فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة فتلحق بأهلها » .(2/67)
وأخرج الشافعي والبيهقي عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا : في المختلعة يطلقها زوجها قالا : لا يلزمها طلاق لأنه طلق ما لا يملك .
وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب قال : إذا أراد النساء الخلع فلا تكفروهن .
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ، » وقال : « المختلعات هنَّ المنافقات » .
وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة ، وأن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً » .
وأخرج أحمد والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « المختلعات والمنتزعات هن المنافقات » .
وأخرج ابن جرير عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات » .
وأما قوله تعالى : { تلك حدود الله فلا تعتدوها } .
أخرج النسائي عن محمود بن لبيد قال « أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً ، فقام غضبان ثم قال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ حتى قام رجل وقال : يا رسول الله ألا اقتله؟ »
وأخرج البيهقي عن رافع بن سحبان أن رجلاً أتى عمران بن حصين فقال : رجل طلق امرأته ثلاثاً في مجلس؟ قال : أثم بربه وحرمت عليه امرأته . فانطلق الرجل فذكر ذلك لأبي موسى يريد بذلك عيبه فقال : ألا ترى أن عمران بن حصين قال : كذا وكذا؟ فقال أبو موسى : الله أكبر ، فتيا مثل أبي نجيد .(2/68)
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } يقول : فإن طلقها ثلاثاً فلا تحل له حتى تنكح غيره .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { فإن طلقها فلا تحل له } قال : عاد إلى قوله { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } [ البقرة : 229 ] .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره } قال : هذه الثالثة التي ذكر الله عز وجل ، جعل الله عقوبة الثالثة أن لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره .
وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب { فإن طلقها فلا تحل له } قال : هذه الثالثة .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أم سلمة « أن غلاماً لها طلق امرأة تطليقتين ، فاستفتت أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره » .
وأخرج الشافعي والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال : ينكح العبد امرأتين ، ويطلق تطليقتين ، وتعتد الأمة حيضتين ، فإن لم تكن تحيض فشهرين .
وأخرج مالك والشافعي والنحاس في ناسخه والبيهقي عن ابن عمر . أنه كان يقول : إذا طلق العبد امرأته اثنتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره حرة كانت أو أمة ، وعدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض .
وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن ابن المسيب . أن نفيعاً مكاتباً لأم سلمة طلق امرأته حرة تطليقتين ، فاستفتى عثمان بن عفان فقال له : حرمت عليك .
وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن سليمان بن يسار . أن نفيعاً مكاتباً لأم سلمة كانت تحته حرة ، فطلقها اثنتين ثم أراد أن يراجعها ، فأمره أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان بن عفان يسأله عن ذلك ، فذهب إليه وعنده زيد بن ثابت ، فسألهما فقالا : حرمت عليك حرمت عليك .
وأما قوله تعالى : { حتى تنكح زوجاً غيره } .
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ويهزها .
وأخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حيان قال « نزلت هذه الآية في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضري ، كانت عند رفاعة بن وهب بن عتيك وهو ابن عمها فطلقها طلاقاً بائناً ، فتزوّجت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي فطلقها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إنه طلقني قبل أن يمسني أفأرجع إلى الأول؟ قال : لا حتى يمس . فلبثت ما شاء الله ، ثم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له : إنه قد مسّني . فقال : كذبت بقولك الأوّل فلم أصدّقك في الآخر . فلبثت حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فأتت أبا بكر فقالت : أرجع إلى الأول فإن الآخر قد مسني؟ فقال أبو بكر : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قال لك : لا ترجعي إليه فلما مات أبو بكر أتت عمر فقال له : لئن أتيتني بعد هذه المرة لأرجمنك فمنعها ، وكان نزل فيها { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره } فيجامعها ، فإن طلقها بعد ما جامعها فلا جناح عليهما أن يتراجعا » .(2/69)
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت « جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إني كنت عند رفاعة فطلقني فبنت طلاقي ، فتزوجني عبد الرحمن بن الزبير وما معه إلا مثل هدبة الثوب ، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك؟ » .
وأخرج والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير والبيهقي عن عائشة « أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً فتزوجت زوجاً وطلقها قبل أن يمسها ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أتحل للأول؟ قال : لا حتى يذوق من عسيلتها كما ذاق الأول » .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس . أن المرأة التي طلق رفاعة القرظي اسمها تميمة بنت وهب بن عبيد ، وهي من بني النضير .
وأخرج مالك والشافعي وابن سعد والبيهقي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير « أن رفاعة بن سموأل القرظي طلق امرأته تميمة بنت وهب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ، فنكحها عبد الرحمن بن الزبير ، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها ، فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي كان طلقها ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه أن يتزوجها وقال : لا تحل لك حتى تذوق العسيلة » .
وأخرج البزار والطبراني والبيهقي من طريق الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير عن أبيه « أن رفاعة بن سموأل طلق امرأته ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله قد تزوجني عبد الرحمن وما معه إلا مثل هذه ، وأومأت إلى هدبة من ثوبها ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عن كلامها ثم قال لها تريدين أن ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك؟ » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير عن عائشة قالت « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته فتزوجت زوجاً غيره ، فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول؟ قال : لا حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن جرير والبيهقي عن ابن عمر قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثاً فيتزوجها آخر فيغلق الباب ويرخي الستر ، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها فهل تحل للأول؟ قال : لا حتى تذوق عسيلته . وفي لفظ : حتى يجامعها الآخر » .(2/70)
وأخرج أحمد وابن جرير والبيهقي عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثاً فتزوجت بعده رجلاً ، فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لزوجها الأول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حتى يكون الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « في المرأة يطلقها زوجها ثلاثاً فتتزوج زوجاً غيره ، فيطلقها قبل أن يدخل بها فيريد الأول أن يراجعها قال : لا حتى يذوق عسيلتها » .
وأخرج أحمد والنسائي عن عبد الله بن عباس « أن الغميصاء أو الرميصاء أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها أنه لا يصل إليها ، فلم يلبث أن جاء زوجها فقال : يا رسول الله هي كاذبة ، وهو يصل إليها ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس ذلك لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة وأنس قالا : لا تحل للأوّل حتى يجامعها الآخر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال : لا تحل له حتى يهزها به هزيز البكر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : لا تحل له حتى يقشقشها به .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن نافع قال : جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثاً فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليحلها لأخيه هل تحل للأوّل؟ فقال : لا الا نكاح رغبة ، كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج أبو إسحق الجوزجاني عن ابن عباس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لا الا نكاح رغبة لا نكاح دلسة ولا استهزاء بكتاب الله ، ثم يذوق عسيلتها » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن دينار عن النبي صلى الله عليه وسلم . نحوه .
وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له .
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي في سننه عن علي « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله المحلل والمحلل له » .
وأخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له » .(2/71)
وأخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له » .
وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس قال « لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له » .
وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : هو المحلل ، لعن الله المحلل والمحلل له » .
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لعن الله المحلل والمحلل له » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأبو بكر بن الأثرم في سننه والبيهقي عن عمر ، أنه قال : لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما .
وأخرج البيهقي عن سليمان بن يسار « أن عثمان بن عفان رفع إليه رجل تزوّج امرأة ليحللها لزوجها ، ففرق بينهما وقال : لا ترجع إليه الا نكاح رغبة غير دلسة » .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس . أن رجلاً سأله فقال : إن عمي طلق امرأته ثلاثاً قال : إن عمك عصى الله فاندمه وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجاً . قال : كيف ترى في رجل يحلها له؟ قال : من يخادع الله يخدعه .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبيهقي عن زيد بن ثابت . أنه كان يقول في الرجل يطلق الأمة ثلاثاً ثم يشتريها : إنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره .
وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار ، أنهما سئلا عن رجل زوج عبداً له جارية فطلقها العبد البتة ، ثم وهبها سيدها له هل تحل له بملك اليمين؟ فقالا : لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره .
وأخرج البيهقي عن عبيدة السلماني قال : إذا كان تحت الرجل مملوكة فطلقها - يعني البتة - ثم وقع عليها سيدها لا يحلها لزوجها إلا أن يكون زوج لا تحل له إلا من الباب الذي حرمت عليه .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال : لا يحلها لزوجها وطء سيدها حتى تنكح زوجاً غيره .
وأخرج عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان . أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها ، فأتى ابن عباس يسأله وعنده أبو هريرة فقال ابن عباس : إحدى المعضلات يا أبا هريرة . فقال أبو هريرة : واحدة تبتها ، وثلاث تحرمها . فقال ابن عباس : نورتها يا أبا هريرة .
وأما قوله تعالى : { فإن طلقها فلا جناح عليهما } الآية .
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد بن الحنفية قال : قال علي رضي الله عنه : « أشكل علي امران . قوله { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } فدرست القرآن ، فعلمت أنه يعني إذا طلقها زوجها الآخر رجعت إلى زوجها الأول المطلق ثلاثاً . قال : وكنت رجلاً مذاء ، فاستحيت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن ابنته كانت تحتي ، فأمرت المقداد بن الأسود فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال » فيه الوضوء « » .(2/72)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس { فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } يقول : إذا تزوّجت بعد الأول فدخل بها الآخر فلا حرج على الأول أن يتزوّجها إذا طلقها الآخر ، أو مات عنها فقد حلت له .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { إن ظنا أن يقيما حدود الله } يقول : إن ظنا أن نكاحهما على غير دلسة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { أن يقيما حدود الله } يقول : على أمر الله وطاعته .(2/73)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ، ثم يطلقها فيفعل بها ذلك يضارها ويعضلها . فأنزل الله { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا } .
وأخرج مالك وابن جرير وابن المنذر عن ثور بن زيد الديلي أن الرجل كان يطلق المرأة ثم يراجعها ولا حاجة له بها ، ولا يريد امساكها إلا كيما يطول عليها بذلك العدة ليضارها ، فأنزل الله { ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه } يعظهم الله بذلك .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال : نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار ، طلق امرأته حتى إذا إنقضت عدتها إلا يومين أو ثلاثة راجعها ثم طلقها ، ففعل ذلك بها حتى مضت لها تسعة أشهر يضارها ، فأنزل الله { ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن مجاهد في قوله { ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا } قال : الضرار أن يطلق الرجل المرأة تطليقة ثم يراجعها عند آخر يوم يبقى من الاقراء ، ثم يطلقها ثم يراجعها عند آخر يوم يبقى من الاقراء يضارها بذلك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن الحسن في هذه الآية { ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا } قال : هو الرجل يطلق امرأته فإذا أرادت أن تنقضي عدتها أشهد على رجعتها ثم يطلقها ، فإذا أرادت أن تنقضي عدتها أشهد على رجعتها يريد أن يطول عليها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مسروق في الآية قال : هو الذي يطلق امرأته ثم يدعها حتى إذا كان في آخر عدتها راجعها ، ليس به ليمسكها ولكن يضارها ويطول عليها ثم يطلقها ، فإذا كان في آخر عدتها راجعها ، فذلك الذي يضار ، وذلك الذي يتخذ آيات الله هزواً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطية في الآية قال : الرجل يطلق امرأته ثم يسكت عنها حتى تنقضي عدتها إلا أياماً يسيرة ثم يراجعها ، ثم يطلقها فتصير عدتها تسعة أقراء أو تسعة أشهر ، فذلك قوله { ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا } .
وأخرج ابن ماجة وابن جرير والبيهقي عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما بال أقوام يلعبون بحدود الله يقول : قد طلقتك قد راجعتك قد طلقتك قد راجعتك قد طلقتك قد راجعتك ، ليس هذا طلاق المسلمين ، طلقوا المرأة في قبل عدتها » .
وأخرج أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف عن عروة قال : نزلت { بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت قال : كان الرجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يقول للرجل زوجتك ابنتي ، ثم يقول : كنت لاعباً .(2/74)
ويقول : قد أعتقت . ويقول : كنت لاعباً . فأنزل الله { ولا تتخذوا آيات الله هزواً } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاث من قالهن لاعباً أو غير لاعب فهن جائزات عليه : الطلاق ، والعتاق ، والنكاح » .
وأخرج ابن أبي عمر في مسنده وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : كان الرجل يطلق ثم يقول : لعبت . ويعتق ، ثم يقول : لعبت . فأنزل الله { ولا تتخذوا آيات الله هزواً } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من طلق أو أعتق فقال : لعبت . فليس قوله بشيء ، يقع عليه ويلزمه » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال « طلق رجل امرأته وهو يلعب لا يريد الطلاق ، فأنزل الله { ولا تتخذوا آيات الله هزواً } فألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال : كان الرجل يطلق ويقول : كنت لاعباً ، ويعتق ويقول : كنت لاعباً ، وينكح ويقول : كنت لاعباً . فأنزل الله { ولا تتخذوا آيات الله هزواً } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من طلق ، أو أعتق ، أو نكح ، أو أنكح ، جاداً أو لاعباً فقد جاز عليه » .
وأخرج الطبراني من طريق الحسن عن أبي الدرداء قال : كان الرجل في الجاهلية يطلق ، ثم يقول : كنت لاعباً ، ثم يعتق ويقول : كنت لاعبا . فأنزل الله { ولا تتخذوا آيات الله هزواً } فقال النبي صلى الله عليه وسلم « من طلق ، أو حرم ، أو نكح ، أو أنكح ، فقال : إني كنت لاعباً فهو جاد » .
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاث جدهن جد وهزلهن جد . النكاح ، والطلاق ، والرجعة » .
وأخرج البخاري في تاريخه والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال : أربع مقفلات : النذر ، والطلاق ، والعتق ، والنكاح .
وأخرج مالك وعبد الرزاق والبيهقي في المصنف عن سعيد بن المسيب قال : ثلاث ليس فيهن لعب . النكاح ، والطلاق ، والعتاق .
وأخرج عبد الرزاق عن أبي الدرداء قال : ثلاث اللاعب فيهن كالجاد : النكاح ، والطلاق ، والعتاق .
وأخرج عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب قال : اربع لا لعب فيهن . النكاح ، والطلاق ، والعتاقة ، والصدقة .
وأخرج عبد الرزاق من طريق عبد الكريم بن أمية عن جعدة بن هبيرة . أن عمر بن الخطاب قال : ثلاث اللاعب فيهن والجاد سواء : الطلاق ، والصدقة ، والعتاقة . قال عبد الكريم . وقال طلق بن حبيب : والهدي ، والنذر .
وأخرج عبد الرزاق عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من طرق وهو لاعب فطلاقه جائز ، ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ، ومن أنكح وهو لاعب فنكاحه جائز » .(2/75)
وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس . أنه جاءه رجل فقال : إني طلقت امرأتي ألفاً . وفي لفظ : مائة قال : ثلاث تحرمها عليك وبقيتهن وزر ، اتخذت آيات الله هزواً .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن مسعود . أن رجلاً قال له : إني طلقت امرأتي مائة . قال : بانت منك بثلاث وسائرهن معصية . وفي لفظ : عدوان .
وأخرج عبد الرزاق عن داود بن عبادة بن الصامت قال : طلق جدي امرأة له ألف تطليقة ، فانطلق أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم « ما اتقى الله جدك ، أما ثلاث فله ، واما تسعمائة وسبعة وتسعون فعدوان وظلم ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له » .
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال : سئل ابن عباس عن رجل طلق امرأته عدد النجوم قال : يكفيه من ذلك رأس الجوزاء .(2/76)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)
أخرج وكيع والبخاري وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم والبيهقي من طرق عن معقل بن يسار قال : كانت لي أخت فأتاني ابن عم لي فانكحتها إياه ، فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة ، فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب ، فقلت له : يا لكع أكرمتك بها وزوجتكما فطلقتها ثم جئت تخطبها ، والله لا ترجع إليك أبداً ، وكان رجلاً لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها ، فأنزل الله تعالى { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } قال : ففي نزلت هذه الآية . فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه . وفي لفظ : فلما سمعها معقل قال : سمع لربي وطاعة ، ثم دعاه فقال : أزوجك وأكرمك .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين ، فتقضي عدتها ثم يبدو له تزوجها وان يراجعها ، وتريد المرأة ذلك فيمنعها أولياؤها من ذلك ، فنهى الله أن يمنعوها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فلا تعضلوهن } يقول : فلا تمنعوهن .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : نزلت هذه الآية في امرأة من مزينة ، طلقها زوجها وأبينت منه فعضلها أخوها معقل بن يسار يضارها خيفة أن ترجع إلى زوجها الأول .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : نزلت هذه الآية في معقل بن يسار وأخته جمل بنت يسار ، كانت تحت أبي البداح ، طلقها فانقضت عدتها ، فخطبها فعضلها معقل .
وأخرج ابن جرير عن أبي إسحق الهمداني . أن فاطمة بنت يسار طلقها زوجها ، ثم بدا له فخطبها فأبى معقل فقال : زوجناك فطلقتها وفعلت . فأنزل الله { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال : نزلت هذه الآية في جابر بن عبد الله الأنصاري كانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة ، وانقضت عدتها فأراد مراجعتها فأبى جابر فقال : طلقت بنت عمنا ثم تريد أن تنكحها الثانية ، وكانت المرأة تريد زوجها ، فأنزل الله { وإذا طلقتم النساء . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } قال : إذا رضيت الصداق . قال : طلق رجل امرأته فندم وندمت . فأراد أن يراجعها فأبى وليها ، فنزلت هذه الآية .
وأخرج ابن المنذر عن أبي جعفر قال : إن الولي في القرآن . يقول الله { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { إذا تراضوا بينهم بالمعروف } يعني بمهر ، وبينة ، ونكاح ، مؤتنف .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « انكحوا الأيامى . فقال رجل : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما العلائق بينهم؟ قال : ما تراضى عليه أهلوهن » .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } قال : الله يعلم من حب كل واحد منهما لصاحبه ما لا تعلم أنت أيها الولي .(2/77)
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
أخرج وكيع وسفيان وعبد الرزاق وآدم وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله { والوالدات يرضعن أولادهن } قال : المطلقات { حولين } قال : سنتين { لا تضار والدة بولدها } يقول : لا تأبى أن ترضعه ضراراً لتشق على أبيه { ولا مولود له بولده } يقول : ولا يضار الوالد بولده فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها بذلك { وعلى الوارث } قال : يعني الولي من كان مثل ذلك قال : النفقة بالمعروف ، وكفله ، ورضاعه ، إن لم يكن للمولود مال ، وأن لا تضار أمه { فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور } قال : غير مسببين في ظلم أنفسهما ولا إلى صبيهما { فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم } قال : خيفة الضيعة على الصبي { فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف } قال : حساب ما أرضع به الصبي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } قال : هو الرجل يطلق امرأته وله منها ولد فهي أحق بولدها من غيرها فهن يرضعن أولادهن { لمن أراد أن يتم الرضاعة } يعني يكمل الرضاعة { وعلى المولود له } يعني الأب الذي له ولد { رزقهن } يعني رزق الأم { لا تكلف نفس إلا وسعها } يقول : لا يكلف الله نفساً في نفقة المراضع إلا ما أطاقت { لا تضار والدة بولدها } يقول : لا يحمل الرجل امرأته أن يضارها فينزع ولدها منها وهي لا تريد ذلك { ولا مولود له بولده } يعني الرجل يقول : لا يحملن المرأة إذا طلقها زوجها أن تضاره فتلقي إليه ولده مضارة له { فإن أرادا فصالاً } يعني الأبوين أن يفصلا الولد عن اللبن دون الحولين { عن تراض منهما } يقول : اتفقا على ذلك { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم } يعني لا حرج على الإِنسان أن يسترضع لولده ظئراً ، ويسلم لها أجرها { إذا سلمتم } لأمر الله يعني في أجر المراضع { ما آتيتم بالمعروف } يقول : ما أعطيتم الظئر من فضل على أجرها { واتقوا الله } يعني لا تعصوه ، ثم حذرهم فقال { واعلموا أن الله بما تعملون بصير } أي بما ذكر عليم .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي أمامة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ثم انطلق بي فإذا أنا بنساء تنهش ثديهن الحيات . فقلت : ما بال هؤلاء؟ فقيل لي : هؤلاء يمنعن أولادهن ألبانهن » .
وأخرج أبو داود في ناسخه عن زيد بن أسلم في قوله { والوالدات يرضعن أولادهن } قال : إنها المرأة تطلق أو يموت عنها زوجها .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس . في التي تضع لستة أشهر أنها ترضع حولين كاملين ، وإذا وضعت لسبعة أشهر أرضعت ثلاثة وعشرين لتمام ثلاثين شهراً ، وإذا وضعت لتسعة أشهر أرضعت احداً وعشرين شهراً ، ثم تلا(2/78)
{ وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } [ الأحقاف : 15 ] .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } فجعل الله الرضاع حولين كاملين { لمن أراد أن يتم الرضاعة } ثم قال { فإن أرادا فصالاً عن تراض } فلا حرج إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي الأسود الديلي أن عمر بن الخطاب رفعت إليه امرأة ولدت لستة أشهر فهمّ برجمها ، فبلغ ذلك علياً فقال : ليس عليها رجم ، قال الله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } وستة أشهر فذلك ثلاثون شهراً .
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وابن أبي حاتم عن فايد بن عباس قال : أتي عثمان بامرأة ولدت في ستة أشهر فأمر برجمها ، فقال ابن عباس : إنها إن تخاصمك بكتاب الله تخصمك ، يقول الله { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } ويقول الله في آية آخرى { وحمله وفصاله ثلاثون شهراً } [ الأحقاف : 15 ] فقد حملته ستة أشهر فهي ترضعه لكم حولين كاملين ، فدعا بها عثمان فخلى سبيلها . وأخرج ابن جرير من وجه آخر من طريق الزهري . مثله .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري قال : سئل ابن عمر وابن عباس عن الرضاع بعد الحولين فقرأ { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } ولا نرى رضاعاً بعد الحولين يحرم شيئاً .
وأخرج ابن جرير من طريق أبي الضحى قال : سمعت ابن عباس يقول { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } قال : لا رضاع إلا في هذين الحولين .
وأخرج الترمذي وصححه عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي ، وكان قبل الفطام » .
وأخرج ابن عدي والدارقطني والبيهقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين » .
وأخرج الطيالسي والبيهقي عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا رضاع بعد فصال ، ولا يتم بعد احتلام » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن عدي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يتم بعد حلم ، ولا رضاع بعد فصال ، ولا صمت يوم إلى الليل ، ولا وصال في الصيام ، ولا نذر في معصية ، ولا نفقة في معصية ، ولا يمين في قطيعة رحم ، ولا تعرب بعد الهجرة ، ولا هجرة بعد الفتح ، ولا يمين لزوجة مع زوج ، ولا يمين لولد مع والد ، ولا يمين لمملوك مع سيده ، ولا طلاق قبل نكاح ، ولا عتق قبل ملك » .(2/79)
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة عبد الله ( لمن أرادت أن يكمل الرضاعة ) .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } قال : على قدر الميسرة .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله { لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده } يقول : ليس لها أن تلقي ولدها عليه ، ولا يجد من يرضعه ، وليس له أن يضارها فينزع منها ولدها وتحب أن ترضعه { وعلى الوارث } قال : هو ولي الميت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء وإبراهيم والشعبي { وعلى الوارث } قالوا : وارث الصبي ينفق عليه .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن { وعلى الوارث مثل ذلك } قال : كان يلزم الوارث النفقة . وفي لفظ : نفقة الصبي إذا لم يكن له مال على وارثه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة { وعلى الوارث مثل ذلك } يقول : على وارث المولود إذا كان المولود لا مال له ، مثل الذي على والده من أجر الرضاع .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما قوله { وعلى الوارث مثل ذلك } ؟ قال : وارث المولود مثل ما ذكر الله . قلت : أيحبس وارث المولود إن لم يكن للمولود مال بأجر مرضعته وإن كره الوارث؟ قال : أفيدعه يموت؟
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن سيرين . أن امرأة جاءت تخاصم في نفقة ولدها وإرث ولدها إلى عبد الله بن عتبة بن مسعود ، فقضى بالنفقة من مال الصبي ، وقال لوارثه : ألا ترى { وعلى الوارث مثل ذلك } ولو لم يكن له مال لقضيت بالنفقة عليك .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال : يجبر الرجل إذا كان موسراً على نفقة أخيه إذا كان معسراً .
وأخرج عبد بن حميد عن حماد قال : يجبر على كل ذي رحم محرم .
وأخرج سفيان وعبد الرزاق وأبو عبيد في الأموال وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب حبس بني عم علي منفوس كلالة بالنفقة عليه مثل العاقلة .
وأخرج سفيان بن عيينة عن مجاهد في قوله { وعلى الوارث مثل ذلك } قال : على وارث الصبي أن يسترضع له مثل ما على أبيه .
وأخرج ابن جرير والنحاس عن قبيصة بن ذؤيب في قوله { وعلى الوارث } قال : هو الصبي .
وأخرج وكيع عن عبد الله بن مغفل قال : رضاع الصبي من نصيبه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس { وعلى الوارث مثل ذلك } قال : نفقته حتى يفطم ، إن كان أبوه لم يترك له مالاً .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق مجاهد والشعبي عن ابن عباس { وعلى الوارث مثل ذلك } قال : أن لا يضار .(2/80)
وأخرج ابن جرير عن الضحاك { فإذا أرادا فصالاً } قال : الفطام .
وأخرج وكيع وسفيان وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال : التشاور فيما دون الحولين ، ليس لها أن تفطمه إلا أن يرضى ، وليس له أن يفطمه إلا أن ترضى .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن عطاء { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم } قال : أمه أو غيرها { فلا جناح عليكم إذا سلمتم } قال : إذا سلمت لها أجرها { ما آتيتم } قال : ما أعطيتم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم } إذا كان ذلك عن طيب نفس من الوالد والوالدة .(2/81)
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { والذين يتوفون } الآية . قال : كان الرجل إذا مات وترك امرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله ، ثم أنزل الله { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً } فهذه عدة المتوفى عنها إلا أن تكون حاملاً فعدتها أن تضع ما في بطنها . وقال في ميراثها { ولهن الربع مما تركتم } [ النساء : 12 ] فبين ميراث المرأة ، وترك الوصية والنفقة { فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم } يقول : إذا طلقت المرأة أو مات عنها ، فإذا انقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج ، فذلك المعروف .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية قال : ضمت هذه الأيام العشر إلى الأربعة أشهر ، لأن العشر فيه ينفخ فيه الروح .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : سألت سعيد بن المسيب ما بال العشر؟ قال : فيه ينفخ الروح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ربيعة ويحيى بن سعيد . أنهما قالا في قوله { وعشراً } عشر ليال .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { فإذا بلغن أجلهن } يقول : إذا انقضت عدتها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله { فلا جناح عليكم } يعني أولياءها .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً } قال : كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجباً عليها ، فأنزل الله { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف } [ البقرة : 240 ] قال : فجعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية ، إن شاءت سكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت . وهو قول الله { غير إخراج } وقال عطاء : قال ابن عباس : نسخت هذه الآية عدتها في أهله ، فتعتد حيث شاءت . وهو قول الله { غير إخراج } قال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت ، لقول الله { فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن } قال عطاء : ثم جاء الميراث فنسخ السكنى ، فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس . أنه كره للمتوفى عنها زوجها ، الطيب والزينة . وقال : إنما قال الله { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً } ولم يقل : في بيوتكم ، تعتد حيث شاءت .(2/82)
وأخرج مالك وعبد الرزاق وابن سعد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري . « أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة ، وأن زوجها خرج في طلب أعبد لها أبقوا حتى إذا تطرّف القدوم لحقهم فقتلوه . قالت : فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ارجع إلى أهلي ، فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » نعم « فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد فدعاني ، أو أمر بي فدعيت فقال : كيف قلت؟ قالت : فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي . فقال : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله . قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً . قالت : فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته ، فاتبعه وقضى به » .
وأخرج مالك وعبد الرزاق عن عمر بن الخطاب : أنه كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن من الحج .
وأخرج مالك وعبد الرزاق عن ابن عمر قال : لا تبيت المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة إلا في بيتها .
وأخرج مالك وعبد الرزاق والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طريق حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة . أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة قالت زينب : دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها سفيان بن حرب ، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فأدهنت به جارية ، ثم مست به بطنها ، ثم قالت : والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً » وقالت زينب : دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها عبد الله فمسحت منه ، ثم قالت : والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ، أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا » وقالت زينب : سمعت أمي أم سلمة تقول : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ، مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول : لا ، ثم قال : إنما هي أربعة أشهر وعشر « وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة عند رأس الحول قال حميد : فقلت لزينب : وما ترمي بالبعرة عند رأس الحول؟ فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شَرَّ ثيابها ، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة ، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتقتض به ، فقلما تقتض بشيء إلا مات ، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ، ثم تراجع بعد ذلك ما شاءت من طيب أو غيره .(2/83)
وأخرج مالك ومسلم من طريق صفية بنت أبي عبيد عن عائشة وحفصة أمي المؤمنين رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً » وقد أخرج النسائي وابن ماجة حديث صفية عن حفصة وحدها ، وحديث عائشة من طريق عروة عنها .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أم عطية قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ، فإنها لا تكتحل ، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب ، ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو اظفار » .
وأخرج أبو داود والنسائي عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ، ولا الممشقة ، ولا الحلي ، ولا تختضب ، ولا تكتحل » .
وأخرج أبو داود والنسائي عن أم سلمة قالت « دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبراً ، قال : ما هذا يا أم سلمة؟ قلت : إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب . قال : إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل ، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب . قلت : بأي شيء امتشط يا رسول الله؟ قال : بالسدر تغلفين به رأسك » .
وأخرج مالك عن سعيد عن المسيب وسليمان بن يسار قالا : عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمس ليال .
وأخرج مالك عن ابن عمر قال : عدة أم الولد إذا هلك سيدها حيضة .
وأخرج مالك عن القاسم بن محمد قال : عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضتان .
وأخرج مالك عن القاسم بن محمد ، أن يزيد بن عبد الملك فرق بين رجال ونسائهم أمهات لأولاد رجال هلكوا ، فتزوجوهن بعد حيضة أو حيضتين ، ففرق بينهم حتى يعتددن أربعة أشهر وعشراً . قال القاسم بن محمد : سبحان الله! يقول الله في كتابه { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً } ما هن لهم بأزواج .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه عن عمرو بن العاص قال : لا تلبسوا علينا سنة نبينا في أم الولد ، إذا توفي عنها سيدها عدتها أربعة أشهر وعشر .(2/84)
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
أخرج وكيع والفريابي وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } قال : التعريض أن يقول إني أريد التزويج ، وإني لأحب امرأة من أمرها وأمرها ، وإن من شأني النساء لوددت أن الله يسر لي امرأة صالحة من غير أن ينصب لها .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : يعرض لها في عدتها يقول لها : إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك ولوددت أن الله قد هيأ بيني وبينك ، ونحو هذا من الكلام فلا حرج .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ولا جناح عليكم فيما عرضتم } قال : يقول : إني فيك لراغب ، ولوددت أني تزوجتك حتى يعلمها أنه يريد تزويجها ، من غير أن يوجب عقدة أو يعاهدها على عهد .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه . أنه كان يقول في قول الله { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها : إنك علي لكريمة ، وإني فيك لراغب ، والله سائق إليك خيراً أو رزقاً ، أو نحو هذا من القول .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن إبراهيم قال : لا بأس بالهدية في تعريض النكاح .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله { أو أكننتم } قال : أسررتم .
وأخرج عبد الرزاق عن الضحاك . مثله .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { أو أكننتم في أنفسكم } قال : أن يدخل فيسلم ويهدي إن شاء ولا يتكلم بشيء .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله { علم الله أنكم ستذكرونهن } قال : بالخطبة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد في قوله { علم الله أنكم ستذكرونهن } قال : ذكره إياها في نفسه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولكن لا تواعدوهن سراً } قال : لا يقول لها إني عاشق وعاهديني أن لا تتزوجي غيري ، ونحو هذا { إلا أن تقولوا قولاً معروفاً } وهو قوله : إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ولكن لا تواعدوهن سراً } قال : الزنا ، كان الرجل يدخل من أجل الزنا وهو يعرض بالنكاح .
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن وأبي مجلز والنخعي . مثله .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { لا تواعدوهن سراً } قال : السر : الجماع . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول امرىء القيس :(2/85)
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
وأخرج البيهقي عن مقاتل بن حيان قال : بلغنا أن معنى { لا تواعدوهن سراً } الرفث من الكلام ، أي لا يواجهها الرجل في تعريض الجماع من نفسه .
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد في قوله { لا تواعدوهن سراً } قال : الذي يأخذ عليها عهداً أو ميثاقاً أن تحبس نفسها ولا تنكح غيره .
وأخرج عن سعيد بن جبير . مثله .
وأخرج سفيان وابن أبي شيبة عن مجاهد في قوله { لا تواعدوهن سراً } قال : لا يخطبها في عدتها { إلا أن تقولوا قولاً معروفاً } قال : يقول : إنك لجميلة ، وإنك لفي منصب ، وإنك لمرغوب فيك .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { إلا أن تقولوا قولاً معروفاً } قال : يقول : إنك لجميلة ، وإنك لإِلى خير ، أو أن النساء من حاجتي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولا تعزموا عقدة النكاح } قال : لا تنكحوا حتى يبلغ الكتاب أجله قال : حتى تنقضي العدة .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن مجاهد . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي مالك { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } قال : لا يواعدها في عدتها : إني أتزوّجك حين تنقضي عدتك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه } قال : وعيد .(2/86)
لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق علي عن ابن عباس في قوله { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } قال : المس النكاح ، والفريضة الصداق { ومتعوهن } قال : هو على الرجل يتزوّج المرأة ولم يسم لها صداقاً ، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها ، فأمره الله أن يمتعها على قدر عسره ويسره ، فإن موسراً أمتعها بخادم أو نحو ذلك ، وإن كان معسراً أمتعها بثلاثة أثواب أو نحو ذلك .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : متعة الطلاق أعلاه الخادم ، ودون ذلك الورق ، ودون ذلك الكسوة .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر . أنه أمر موسعاً بمتعة فقال : تعطي كذا وتكسو كذا ، فحسب فوجد ثلاثين درهماً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عمر قال : أدنى ما يكون من المتعة ثلاثون درهماً .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يفرض لها وقيل أن يدخل بها فليس لها إلا المتعة .(2/87)
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش . أنه قرأ { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } وفي قراءة عبد الله ( من قبل أن تجامعوهن ) .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن . . . } الآية . قال : هو الرجل يتزوّج المرأة وقد سمى لها صداقاً ثم يطلقها من قبل أن يمسها - والمس الجماع - فلها نصف صداقها ، وليس لها أكثر من ذلك إلا أن يعفون وهي المرأة الثيب ، والبكر يزوّجها غير أبيها ، فجعل الله العفو لهن إن شئن عفون بتركهن ، وإن شئن أخذن نصف الصداق { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } وهو أبو الجارية البكر ، جعل الله العفو إليه ليس لها معه أمر إذا طلقت ما كانت في حجره .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والنحاس في ناسخه عن سعيد بن المسيب . أنه قال في التي طلقت قبل الدخول وقد فرض لها : كان لها المتاع في الآية التي في الأحزاب ، فلما نزلت الآية التي في البقرة جعل لها النصف من صداقها ولا متاع لها ، فنسخت آية الأحزاب .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن . أن أبا بكر الهذلي سأله عن رجل طلق امرأته من قبل أن يدخل بها : أَلهَا متعة؟ قال : نعم . فقال له أبو بكر : أما نسخها { فنصف ما فرضتم } ؟ قال الحسن : ما نسخها شيء .
وأخرج الشافعي وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس أنه قال في الرجل يتزوّج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها : ليس لها إلا نصف الصداق؛ لأن الله تعالى يقول { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } .
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال : لها نصف الصداق وإن جلس بين رجليها .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قول الله { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } قال : إلا أن تدع المرأة نصف المهر الذي لها ، أو يعطيها زوجها النصف الباقي فيقول : كانت في ملكي وحبستها عن الأزواج . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت زهير بن أبي سلمى وهو يقول :
حزماً وبراً للإِله وشيمة ... تعفو عن خلق المسيء المفسد
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي بسند حسن عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الذي بيده عقدة النكاح : الزوج » .
وأخرج وكيع وسفيان والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي عن علي بن أبي طالب قال { الذي بيده عقدة النكاح } الزوج .(2/88)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طرق عن ابن عباس قال { الذي بيده عقدة النكاح } الزوج .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال { الذي بيده عقدة النكاح } أبوها ، أو أخوها ، أو من لا تنكح إلا بإذنه .
وأخرج الشافعي عن عائشة أنها كانت تخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد ، فإذا بقيت عقدة النكاح قالت لبعض أهلها : زوج فإن المرأة لا تلي عقد النكاح .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وشريح وابن المسيب والشعبي ونافع ومحمد بن كعب { الذي بيده عقدة النكاح } الزوج .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بشر قال : قال طاوس ومجاهد { الذي بيده عقدة النكاح } هو الولي . وقال سعيد بن جبير : هو الزوج ، فكلماه في ذلك فما برحا حتى تابعا سعيداً .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء والحسن وعلقمة والزهري { الذي بيده عقدة النكاح } هو الولي .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال : رضي الله بالعفو وأمر به ، فإن عفت فكما عفت ، وإن ضنت فعفا وليها الذي بيده عقدة النكاح جاز وإن أبت .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { إلا أن يعفون } يعني النساء { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } هو الولي .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن المسيب قال : عفو الزوج إتمام الصداق ، وعفوها أن تضع شطرها .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وأن تعفوا أقرب للتقوى } قال : أقربهما إلى التقوى الذي يعفو .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { وأن تعفوا أقرب للتقوى } يعني بذلك الزوج والمرأة جميعاً ، أمرهما أن يستبقا في العفو وفيه الفضل .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله { وأن تعفوا } قال : يعني الأزواج .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { ولا تنسوا الفضل بينكم } قال : في هذا وفي غيره .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك { ولا تنسوا الفضل بينكم } قال : المعروف .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : يحثهم على الفضل والمعروف ويرغبهم فيه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي وائل { ولا تنسوا الفضل بينكم } قال : هو الرجل يتزوّج فتعينه ، أو يكاتب فتعينه وأشباه هذا من العطية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عون بن عبد الله { ولا تنسوا الفضل بينكم } قال : إذا أتى أحدكم السائل وليس عنده شيء فليدع له .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وأبو داود وابن أبي حاتم والخرائطي في مساوىء الأخلاق والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب قال « يوشك أن يأتي على الناس زمان عضوض ، يعض الموسر فيه على ما فيه يديه وينسى الفضل ، وقد نهى الله عن ذلك قال الله تعالى { ولا تنسوا الفضل بينكم } .(2/89)
وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن علي مرفوعاً « .
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه ، أنه تزوّج امرأة لم يدخل بها حتى طلقها فأرسل إليها بالصداق تاماً ، فقيل له في ذلك . فقال : أنا أولى بالفضل .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن نافع . أن بنت عبد الله بن عمرو وأمها بنت زيد بن الخطاب كانت تحت ابن لعبد الله بن عمر ، فمات ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقاً ، فابتغت أمها صداقها فقال ابن عمر : ليس لها صداق ، ولو كان لها صداق لم نمنعكموه ولم نظلمها ، فأبت أن تقبل ذلك فجعل بينهم زيد بن ثابت ، فقضى أن لا صداق لها ولها الميراث .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن علقمة . أن قوماً أتوا ابن مسعود فقالوا : إن رجلاً منا تزوّج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يجمعها إليه حتى مات ، فقال : ما سئلت عن شيء منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد من هذه ، فأتوا غيري فاختلفوا إليه فيها شهراً ، ثم قالوا في آخر ذلك : من نسأل إذا لم نسألك وأنت آخر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في هذا البلد ، ولا نجد غيرك؟ فقال : سأقول فيها بجهد رأيي ، فإن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له ، وإن كان خطأ فمني والله ورسوله منه بريء : أرى أن أجعل لها صداقاً كصداق نسائها لا وكس ولا شطط ، ولها ميراث وعليها العدة أربعة أشهر وعشر . قال : وذلك بسمع ناس من أشجع فقاموا ، منهم معقل بن سنان فقالوا : نشهد إنك قضيت بمثل الذي قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة منا يقال لها بروع بنت واشق . قال : فما رؤي عبد الله فرح بشيء ما فرح يومئذ إلا بإسلامه ، ثم قال : اللهم إن كان صواباً فمنك وحدك لا شريك لك .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن علي بن أبي طالب . أنه قال في المتوفى عنها ولم يفرض لها صداق : لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها ، وقال : لا نقبل قول الأعرابي من أشجع على كتاب الله .
وأخرج الشافعي والبيهقي عن ابن عباس . أنه سئل عن المرأة يموت زوجها وقد فرض لها صداقاً ، قال : لها الصداق والميراث .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن المسيب . أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة يتزوّجها الرجل : أنه إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق .(2/90)
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن الأحنف بن قيس . أن عمر وعلياً رضي الله عنهما قالا : إذا أرخى ستراً وأغلق باباً فلها الصداق كاملاً ، وعليها العدة .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن زرارة بن أوفى قال : قضاء الخلفاء الراشدين المهديين أنه من أغلق باباً أو أرخى ستراً فقد وجب الصداق والعدة .
وأخرج مالك والبيهقي عن زيد بن ثابت قال : إذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق .
وأخرج البيهقي عن محمد بن ثوبان . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق » .(2/91)
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { حافظوا على الصلوات } يعني المكتوبات .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال في قراءة عبد الله : ( حافظوا على الصلوات وعلى الصلاة الوسطى ) .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مسروق في قوله { حافظوا على الصلوات } قال : المحافظة عليها المحافظة على وقتها ، والسهو عنها السهو عن وقتها .
وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن طلحة بن عبيد الله قال « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس ، نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول ، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإِسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة . فقال : هل علي غيرهن؟ قال : لا ، إلا أن تطوّع ، وصيام شهر رمضان ، فقال : هل علي غيره؟ قال : لا ، إلا أن تطوّع . وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة فقال : هل علي غيرها؟ قال : لا ، إلا أن تطوّع - فأدبر الرجل وهو يقول : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلح إن صدق » .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس قال « نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع ، فجاء رجل من أهل البادية فقال : يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك! قال : صدق . قال : فمن خلق السماء؟ قال : الله . قال : فمن خلق الأرض؟ قال : الله . قال : فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال : الله . قال : فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال ، الله أرسلك؟ قال : نعم .
قال : وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال : صدق . قال : فبالذي أرسلك ، الله أمرك بهذا؟ قال : نعم . قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا؟ قال : صدق . قال : فبالذي أرسلك ، الله أمرك بهذا؟ قال : نعم . قال : وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا؟ قال : صدق . قال : فبالذي أرسلك ، الله أمرك بهذا؟ قال : نعم . قال : وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً . قال : صدق . قال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا انتقص منهن . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لئن صدق ليدخلن الجنة » .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي أيوب قال « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : دلني على عمل أعمله يدنيني من الجنة ويباعدني من النار . قال : تعبد الله لا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل ذا رحمك . فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن تمسك بما أمر به دخل الجنة » .(2/92)
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة « أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال : تعبد الله لا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان . قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئاً أبداً ولا أنقص منه ، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا » .
وأخرج مسلم عن جابر « أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أرأيت إذا صليت الصلوات المكتوبات ، وصمت رمضان ، وأحللت الحلال ، وحرمت الحرام ، ولم أزد على ذلك شيئاً ، أدخل الجنة؟ قال : نعم . قال : والله لا أزيد على ذلك شيئاً » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم أبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال : إنك ستأتي قوماً أهل كتاب ، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك فاعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فاعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب » .
وأخرج أبو داود وابن ماجة عن أبي قتادة بن ربعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قال الله تبارك وتعالى : إني افترضت على أمتك خمس صلوات ، وعهدت عندي عهداً أنه من حافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة في عهدي ، ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي » .
وأخرج أبو داود عن فضالة الليثي قال « أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمني ، فكان فيما علمني أن قال : وحافظ على الصلوات الخمس في مواقيتهن » .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خمس صلوات كتبهن الله تبارك وتعالى على العباد ، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن » ، وفي لفظ : « من أحسن وضوءهن ، وصلاتهن لوقتهن ، وأتم ركوعهن وخشوعهن ، كان له على الله تبارك وتعالى عهد أن يغفر له ، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه » .(2/93)
وأخرج النسائي والدارقطني والحاكم وصححه عن أنس قال : قال رجل « يا رسول الله كم افترض الله على عباده من الصلاة؟ قال : هل قبلهن أو بعدهن شيء؟ قال : افترض الله على عباده صلوات خمساً . فحلف الرجل بالله لا يزيد عليهن ولا ينقص . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن صدق دخل الجنة » .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن فضالة الزهراني قال « علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم حافظ على الصلوات الخمس . فقلت : إن هذه ساعات لي فيها اشتغال فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته اجزأ عني . فقال : حافظ على العصرين ، وما كانت من لغتنا ، فقلت : وما العصران؟ قال : صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروبها » .
وأخرج مالك وأحمد والنسائي وابن خزيمة والحكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عامر بن سعيد قال « سمعت سعداً وناساً من الصحابة يقولون : كان رجلان أخوان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أحدهما أفضل من الآخر ، فتوفي الذي هو أفضلهما ، ثم عمر الآخر بعده أربعين ليلة ، ثم توفي فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة الأول ، فقال : ألم يكن الآخر يصلي؟ قالوا : بلى ، وكان لا بأس به . قال : فما يدريكم ما بلغت به صلاته؟ إنما مثل الصلاة كمثل نهر جار بباب رجل غمرٌ ، عذبٌ يقتحم فيه كل يوم خمس مرات ، فماذا ترون يبقى من دونه؟ لا تدرون ماذا بلغت به صلاته » .
وأخرج أحمد وابن ماجة وابن حبان والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال « كان رجلان من بني حي من قضاعة أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستشهد أحدهما وأخر الآخر سنة ، قال طلحة بن عبيد الله : فرأيت المؤخر منهما أدخل الجنة قبل الشهيد ، فتعجبت لذلك فاصبحت ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس قد صام بعده رمضان ، وصلى ستة آلاف ركعة ، وكذا وكذا ركعة صلاة سنة؟ » .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والبزار وأبو يعلى عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من علم أن الصلاة حق واجب دخل الجنة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الله افترض على العباد خمس صلوات في كل يوم وليلة » .
وأخرج أبو يعلى عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن أول ما افترض الله على الناس من دينهم الصلاة ، وآخر ما يبقى الصلاة ، وأول ما يحاسب به الصلاة ، يقول الله : انظروا في صلاة عبدي ، فإن كانت تامة كتبت تامة ، وإن كانت ناقصة قال : انظروا هل له من تطوّع؟ فإن وجد له تطوّع تمت الفريضة من التطوّع ، ثم يقول : هل زكاته تامة؟ فإن وجدت زكاته تامة كتبت تامة ، وإن كانت ناقصة قال : انظروا هل له صدقة؟ فإن كانت له صدقة تمت زكاته من الصدقة » .(2/94)
وأخرج أحمد والطبراني والبيهقي في الشعب عن حنظلة الكاتب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من حافظ على الصلوات : ركوعهن ، وسجودهن ، ومواقيتهن ، وعلم أنهن حق من عند الله ، دخل الجنة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ، فإن صلحت صلح له سائر عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله » .
وأخرج أحمد وابن حبان والطبراني عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه ذكر الصلاة يوماً فقال : من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة ، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وأبي بن خلف » .
وأخرج البزار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا سهم في الإِسلام لمن لا صلاة له ، ولا صلاة لمن لا وضوء له » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا صلاة لمن لا طهور له ، ولا دين لمن لا صلاة له ، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم « من جاء بصلاة الخمس يوم القيامة قد حافظ على وضوئها ، ومواقيتها ، وركوعها ، وسجودها ، لم ينقص منها شيئاً ، جاء وله عند الله عهد أن لا يعذبه ، ومن جاء قد انتقص منهن شيئاً فليس له عند الله عهد ، إن شاء رحمه وإن شاء عذبه » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ثلاث من حفظهن فهو ولي حقاً ، ومن ضيعهن فهو عدوّ حقاً : الصلاة ، والصيام ، والجنابة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن حوله من أمته : « اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة . قلت : ما هي يا رسول الله؟ قال : الصلاة ، والزكاة ، والأمانة ، والفرج ، والبطن ، واللسان » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : اهجري المعاصي فإنها خير الهجرة ، وحافظي على الصلوات فانها أفضل البر » .(2/95)
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صلى الصلوات لوقتها ، وأسبغ لها وضوءها ، وأتم لها قيامها ، وخشوعها ، وركوعها ، وسجودها ، خرجت وهي بيضاء مسفرة تقول : حفظك الله كما حفظتني ، ومن صلى لغير وقتها ، ولم يسبغ لها وضوءها ، ولم يتم لها خشوعها ، ولا ركوعها ، ولا سجودها ، خرجت وهي سوداء مظلمة تقول : ضيعك الله كما ضيعتني . حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلف الثوب الخلق ثم يضرب بها وجهه » .
وأخرج محمد والطبراني وابن مردويه عن كعب بن عجرة قال « خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ننتظر صلاة الظهر فقال : هل تدرون ما يقول ربكم؟ قلنا : لا . قال : فإن ربكم يقول : من صلى الصلوات لوقتها ، وحافظ عليها ، ولم يضيعها استخفافاً بحقها فله عليّ عهد أن أدخله الجنة ، ومن لم يصلها لوقتها ولم يحافظ عليها وضيعها استخفافاً بحقها فلا عهد له علي ، إن شئت عذبته وإن شئت غفرت له » .
وأخرج الطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوماً فقال لهم : « هل تدرون ما يقول ربكم تبارك وتعالى؟ قالوا : الله ورسوله أعلم! قالها ثلاثاً . قال : قال : وعزتي وجلالي ، لا يصليها عبد لوقتها إلا أدخلته الجنة ، ومن صلاها لغير وقتها إن شئت رحمته وإن شئت عذبته » .
وأخرج البزار والطبراني عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا توضأ العبد فأحسن الوضوء ، ثم قام إلى الصلاة فأتم ركوعها ، وسجودها ، والقراءة فيها . قالت : حفظك الله كما حفظتني ثم أصعد بها إلى السماء ولها ضوء ونور ، وفتحت لها أبواب السماء ، وإذا لم يحسن العبد الوضوء ، ولم يتم الركوع ، والسجود ، والقراءة ، قالت : ضيعك الله كما ضيعتني ، ثم أصعد بها إلى السماء وعليها ظلمة ، وغلقت أبواب السماء ، ثم تلف كما يلف الثوب الخلق ، ثم يضرب بها وجه صاحبها » .
وأخرج أحمد وابن حبان عن عبد الله بن عمرو « أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة . قال : ثم مه؟ قال : ثم الصلاة . قال : ثم مه؟ قال : ثم الصلاة ثلاث مرات . قال : ثم مه؟ قال : ثم الجهاد في سبيل الله . قال الرجل : فإن لي والدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمرك بالوالدين خيراً » .
وأخرج الطبراني عن طارق بن شهاب أنه بات عند سلمان لينظر ما اجتهاده ، فقام يصلي من آخر الليل فكأنه لم ير الذي يظن ، فذكر ذلك له فقال سلمان : حافظوا على هذه الصلوات الخمس فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم يصب المقتلة ، فإذا صلى الناس العشاء صدروا عن ثلاث ليال منازل ، منهم من عليه ولا له ، ومنهم من له ولا عليه ، ومنهم من لا له ولا عليه ، فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فركب فرسه في المعاصي فذلك عليه ولا له ، ومن له ولا عليه فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقام يصلي فذلك له ولا عليه ، ومنهم من لا له ولا عليه فرجل صلى ثم نام فذلك لا له ولا عليه ، إياك والحقحقة ، وعليك بالقصد وداوم .(2/96)
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة . من حافظ على الصلوات الخمس : على وضوئهن ، وركوعهن ، وسجودهن ، ومواقيتهن ، وصام رمضان ، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً ، واعطى الزكاة طيبة بها نفسه ، وأدى الأمانة ، قيل : يا نبي الله وما اداء الأمانة؟ قال : الغسل من الجنابة ، لأن الله لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيرها » .
وأخرج أحمد عن عائشة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثلاث أحلف عليهن لا يجعل الله من له سهم في الإِسلام لا سهم له ، وأسهم الإِسلام ثلاثة : الصلاة ، والصوم ، والزكاة » .
وأخرج الدارمي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « مفتاح الجنة الصلاة » .
وأخرج الديلمي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الصلاة عماد الدين » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الصلاة ميزان ، فمن أوفى استوفى » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن عمر قال : جاء رجل فقال « يا رسول الله أي شيء أحب عند الله في الإِسلام؟ قال : الصلاة لوقتها ، ومن ترك الصلاة فلا دين له ، والصلاة عماد الدين » .
وأخرج ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « استقيموا ولن تحصوا ، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هرير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مسروق قال : من حافظ على هؤلاء الصلوات لم يكتب من الغافلين ، فإن في إفراطهن الهلكة .
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن مسعود قال : من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن .(2/97)
ولفظ أبي داود : حافظوا على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن ، فإنهن من سنن الهدى ، وإن الله تبارك وتعالى شرع لنبيه سنن الهدى ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق بين النفاق ، ولقد رأيتنا وأن الرجل ليهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته ، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم .
وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر ، وإن انتقص من فريضته قال الرب : انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما انتقص من الفريضة؟ ثم يكون سائر عمله على ذلك » .
وأخرج ابن ماجة والحاكم عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته ، فإن كان أكملها كتبت له كاملة ، وإن لم يكن أكملها قال الله تعالى لملائكته : انظروا هل تجدون له من تطوّع فاكملوا به ما ضيع من فريضته؟ ثم الزكاة مثل ذلك ، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك » .
وأخرج الطبراني عن النعمان بن نوقل « أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبة ، وصمت رمضان ، وحرمت الحرام ، وأحللت الحلال ، ولم أزد على ذلك ، أأدخل الجنة؟ قال : نعم . قال : والله لا أزيد على ذلك شيئا » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال « جاء أعرابي من بني سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من خلقك؟ ومن خلق من قبلك؟ ومن هو خالق من بعدك؟ قال : الله . قال : فناشدتك بذلك أهو أرسلك؟ قال : نعم . قال : من خلق السموات السبع ، والأرضين السبع ، وأجرى بينهن الرزق؟ قال : الله . قال : فنشدتك بذلك أهو أرسلك؟ قال : نعم . قال : فإنا قد وجدنا في كتابك وأمرتنا رسلك أن نصلي بالليل والنهار خمس صلوات لمواقيتها ، فنشدتك بذلك أهو أمرك؟ قال : نعم . قال : فإنا قد وجدنا في كتابك وأمرتنا رسلك أن نأخذ من حواشي أموالنا فنجعله في فقرائنا ، فنشدتك بذلك أهو أمرك؟ قال : نعم . قال : والذي بعثك بالحق لاعملن بها ومن أطاعني من قومي . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : لئن صدق ليدخلن الجنة » .
وأخرج أحمد والطبراني عن أبي الطفيل عامر بن واثلة « أن رجلاً مر على قوم فسلم عليهم ، فردوا عليه السلام ، فلما جاوزهم قال رجل منهم : والله إني لأبغض هذا في الله . فقال أهل المجلس : بئس والله ما قلت ، أما والله لننبئنه ، قم يا فلان فأخبره ، فأدركه رسولهم فأخبره بما قال : فانصرف الرجل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله مررت بمجلس من المسلمين فيهم فلان ، فسلمت عليهم فردوا السلام ، فلما جاوزتهم أدركني رجل منهم فأخبرني أن فلاناً قال : والله إني لأبغض هذا الرجل في الله ، فادعه يا رسول الله فاسأله عمّ يبغضني؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله عما أخبره الرجل ، فاعترف بذلك قال : فلم تبغضه؟ فقال : أنا جاره ، وأنا به خابر ، والله ما رأيته يصلي قط إلا هذه الصلاة المكتوبة التي يصليها البر والفاجر . قال : سله يا رسول الله هل رآني قط أخرتها عن وقتها ، أو أسأت الوضوء لها ، أو أسأت الركوع والسجود فيها؟ فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا . قال : والله ما رأيته يصوم قط إلا هذا الشهر الذي يصومه البر والفاجر . قال : سله يا رسول الله هل رآني قط فرطت فيه أو انتقصت من حقه شيئاً؟ فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا . ثم قال : والله ما رأيته يعطي سائلاً قط ، ولا رأيته ينفق من ماله شيئاً في شيء من سبيل الله إلا هذه الصدقة التي يؤديها البر والفاجر . قال : فسله يا رسول الله هل كتمت من الزكاة شيئاً قط ، أو ما كست فيها طالبها؟ فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : قم إن أدري لعله خير منك » .(2/98)
وأخرج البزار والطبراني عن مالك الأشجعي عن أبيه قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسلم الرجل أول ما يعلمه الصلاة » .
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن ابن عباس أن أعرابياً أتاه فقال : إنا أناس من المسلمين ، وههنا أناس من المهاجرين يزعمون أنا لسنا على شيء . فقال ابن عباس : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم « من أقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وحج البيت ، وصام رمضان ، وقرى الضيف ، دخل الجنة » .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود « أنه سئل أي درجات الإِسلام أفضل؟ قال : الصلاة . قيل : ثم أي؟ قال : الزكاة » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن مسعود . أنه سئل أي درجات الأعمال أفضل؟ قال : الصلاة ، ومن لم يصل فلا دين له .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه عن بريدة(2/99)
« سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر » .
وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة والطبراني عن عبادة بن الصامت قال : « أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خلال . فقال : لا تشركوا بالله شيئاً وإن قطعتم أو حرقتم أو صلبتم ، ولا تتركوا الصلاة متعمدين فمن تركها متعمداً فقد خرج من الملة ، ولا تركبوا المعصية فإنها تسخط الله ، ولا تشربوا الخمر فإنها رأس الخطايا كلها » .
وأخرج الترمذي والحاكم عن عبد الله بن شقيق العقيلي عن أبي هريرة قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفراً غير الصلاة .
وأخرج الطبراني عن ثوبان « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بين العبد وبين الكفر والايمان الصلاة ، فإن تركها فقد أشرك » .
وأخرج البزار والطبراني عن ابن عباس « أنه لما اشتكى بصره قيل له نداويك وتدع الصلاة أياماً؟ قال : لا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من ترك الصلاة لقي الله وهو عليه غضبان » .
وأخرج ابن ماجة ومحمد بن نصر المروزي والطبراني في الأوسط عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة ، فإن تركها متعمداً فقد أشرك » .
وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس رفعه قال : عرا الإِسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإِسلام ، من ترك واحدة منهن فهو كافر حلال الدم : شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة المكتوبة ، وصوم رمضان .
وأخرج أحمد والطبراني عن معاذ بن جبل قال « أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات . قال : لا تشرك بالله شيئاً وإن قتلت وحرقت ، ولا تعقن والديك وان أمراك أن تخرج من أهلك ومالك ، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمداً فإنه من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله ، ولا تشربن الخمر فإن رأس كل فاحشة ، وإياك والمعصية فإن بالمعصية جل سخط الله ، وإياك والفرار من الزحف وإن هلك الناس وان أصاب الناس موت فاثبت ، وانفق على أهلك من طولك ، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً وأخفهم في الله » .
وأخرج الطبراني عن أميمة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت « كنت أصب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه ، فدخل رجل فقال : أوصني . فقال : لا تشرك بالله شيئاً وان قطعت أو حرقت ، ولا تعص والديك وان أمراك أن تخلي من أهلك ودنياك فتخله ، ولا تشربن خمراً فانها مفتاح كل شر ، ولا تتركن صلاة متعمداً فمن فعل ذلك فقد برئت منه ذمة الله ورسوله » .
وأخرج ابن سعد عن سماك « أن ابن عباس في عينيه الماء فذهب بصره ، فأتاه هؤلاء الذين يثقبون العيون ويسيلون الماء فقالوا : خل بيننا وبين عينيك نسيل ماءهما ولكنك تمسك خمسة أيام لا تصلي الا على عود .(2/100)
قال : لا والله ولا ركعة واحدة ، إني حدثت أن من ترك صلاة واحدة متعمداً لقي الله وهو عليه غضبان « .
وأخرج ابن حبان عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال » بكروا بالصلاة في يوم الغيم ، فإنه من ترك الصلاة فقد كفر « .
وأخرج أحمد عن زياد بن نعيم الحضرمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » أربع فرضهن الله في الإِسلام ، فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئاً حتى يأتي بهن جميعاً : الصلاة ، والزكاة ، وصيام رمضان ، وحج البيت « .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » من ترك الصلاة متعمداً أحبط الله عمله ، وبرئت منه ذمة الله حتى يراجع إلى الله عز وجل توبة « .
وأخرج أحمد والبيهقي عن أم أيمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : » لا تترك الصلاة متعمداً ، فإنه من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله ورسوله « .
وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب الإِيمان وفي المصنف والبخاري في تاريخه عن علي قال : من لم يصل فهو كافر . وفي لفظ : فقد كفر .
وأخرج محمد بن نصر وابن عبد البر عن ابن عباس قال : من ترك الصلاة فقد كفر .
وأخرج ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر والطبراني عن ابن مسعود قال : من ترك الصلاة فلا دين له .
وأخرج ابن عبد البر عن جابر بن عبد الله قال : من لم يصل فهو كافر .
وأخرج ابن عبد البر عن أبي الدرداء قال : لا إيمان لمن لا صلاة له ، ولا صلاة لمن لا وضوء له .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : من ترك الصلاة كفر .
وأخرج مالك والطبراني في الأوسط عن عروة . أن عمر بن الخطاب أوقظ للصلاة وهو مطعون ، فقالوا : الصلاة يا أمير المؤمنين . فقال : هالله! . . . إذن؟ ولا حق في الإِسلام لمن ترك الصلاة ، فصلى وإن جرحه ليثعب دماً .
وأخرج مالك عن نافع . أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله : إن أهم أموركم عندي الصلاة ، من حفظها أو حافظ عليها حفظ دينه ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع .
وأخرج النسائي وابن حبان عن نوفل بن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » من فاتته صلاة فكأنما وتر أهله وماله « .
وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر « .(2/101)
وأخرج الطبراني عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « نهيت عن قتل المصلين » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى عن أبي بكر الصديق قال « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب المصلين » .
وأخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة قال : « جاء علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ادفع إلينا خادماً . قال : اذهب فإن في البيت ثلاثة فخذ أحد الثلاثة . فقال : يا نبي الله اختر لي . فقال : اختر لنفسك قال : يا نبي الله اختر لي . قال : اذهب فإن في البيت ثلاثة : منهم غلام قد صلى فخذه ولا تضربه ، فإنا قد نهينا عن ضرب أهل الصلاة » .
وأخرج أبو يعلى عن أم سلمة « أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه أبو الهيثم بن التيهان فاستخدمه ، فوعده النبي صلى الله عليه وسلم إن أصابا سبياً ، ثم جاء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : قد أصبنا غلامين اسودين اختر أيهما شئت . قال : فإني استشيرك . قال : خذ هذا فقد صلى عندنا ولا تضربه ، فإنا قد نهينا عن ضرب المصلين » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ، ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار » .
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، واعدد نفسك من الموتى ، وإياك ودعوة المظلوم فانها تستجاب ، ومن استطاع منكم أن يشهد الصلاتين العشاء والصبح ولو حبواً فليفعل » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال : كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر و العشاء أسأنا به الظن .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي بن كعب قال : « صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال : أشاهد فلان؟ قالوا : لا . قال : اشاهد فلان؟ قالوا : لا . قال : إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين ، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموها ولو حبواً على الركب » .
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو يعلم الناس ما في صلاة العشاء وصلاة الفجر لأتوهما ولو حبواً » .(2/102)
وأخرج الطبراني عن الحرث بن وهب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لن تزال أمتي على الإِسلام ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم مضاهاة اليهود ، وما لم يؤخروا الفجر مضاهاة النصارى » .
وأخرج الطبراني عن الصنابحي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تزال أمتي في مسكة من دينها ما لم ينتظروا بالمغرب اشتباك النجوم مضاهاة اليهود ، وما لم يؤخروا الفجر مضاهاة النصرانية » .
وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي عن أبي موسى الأشعري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من صلى البردين دخل الجنة » .
وأخرج مسلم والبيهقي عن جندب بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، فلا يطلبنكم الله في ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم » .
وأخرج مسلم والترمذي والبيهقي عن جندب بن سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، فلا تخفروا الله في ذمته » .
وأخرج أحمد والبزار والطبراني في الأوسط عن ابن عمر « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، فلا تخفروا الله في ذمته ، فإنه من أخفر ذمته طلبه تبارك وتعالى حتى يكبه على وجهه » .
وأخرج البزار وأبو يعلى والطبراني في الأوسط عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من صلى الغداة فهو في ذمة الله ، فإياكم أن يطلبكم الله بشيء من ذمته » .
وأخرج الطبراني عن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه » .
وأخرج الطبراني عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صلى الصبح فهو في ذمة الله وحسابه على الله » .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والبيهقي في سننه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله » .
أخرج الشافعي عن نوفل بن معاوية الديلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن بريدة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله » .
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/103)
« من ترك صلاة العصر متعمداً فقد حبط عمله » .
وأخرج مسلم والنسائي والبيهقي عن أبي بصرة الغفاري قال « صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالمخمص ، ثم قال : إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها ، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين ، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد ، والشاهد النجم » .
وأخرج الطبراني عن أبي أيوب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « إن هذه الصلاة - يعني العصر - فرضت على من كان قبلكم فضيعوها ، فمن حافظ عليها أعطي أجرها مرتين ، ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد ، يعني النجم » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من ترك العصر حتى تغيب الشمس من غير عذر فكأنما وتر أهله وماله » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن نوفل بن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن من الصلاة صلاة ، من فاتته فكأنما وتر أهله وماله . قال ابن عمر : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : هي صلاة العصر » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الدرداء قال : من ترك العصر حتى تفوته من غير عذر فقد حبط عمله .
وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم » .
وأخرج أحمد والطبراني والبيهقي في سننه عن السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجم » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي أيوب « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تزال أمتي بخير ، أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم » « .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » أفضل الصلاة صلاة المغرب ، ومن صلى بعدها ركعتين بنى الله له بيتاً في الجنة « .
وأخرج ابن سعد والبخاري ومسلم عن أبي موسى قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة لصلاة العشاء فقال : » أبشروا إن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الصلاة غيركم ، أو قال : ما صلى هذه الساعة أحد غيركم « .
وأخرج الطبراني عن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج ليلة لصلاة العشاء فقال : » أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم « .(2/104)
وأخرج الطبراني عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة لصلاة العشاء فقال لهم : ما صلى صلاتكم هذه أمة قط قبلكم » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في سننه عن معاذ قال بقينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العتمة ليلة ، فتأخر بها حتى ظن الظان أن قد صلى ، أو ليس بخارج فقال لنا صلى الله عليه وسلم : « اعتموا بهذه الصلاة ، فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ، ولم تصلها أمة قبلكم » .
وأخرج أحمد عن الحسن عن أبي هريرة أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم : « أن العبد المملوك ليحاسب بصلاته ، فإذا نقص منها قيل له : لم نقصت منها؟ فيقول : يا رب سلطت علي مليكاً شغلني عن صلاتي . فيقول : قد رأيتك تسرق من ماله لنفسك فهلا سرقت من عملك لنفسك؟ فتجب لله عز وجل عليه الحجة » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جاره قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والحاكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع » .
وأخرج أبو داود عن رجل من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل متى يصلي الصبي؟ فقال : « إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن خبيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً ، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً ، وفرقوا بينهم في المضاجع » .
وأخرج الحرث بن أبي أسامة والطبراني عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا عرف الغلام يمينه من شماله فمروه بالصلاة » .
وأخرج البزار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مروهم بالصلاة لسبع سنين ، واضربوهم عليها لثلاث عشرة » .
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن ابن مسعود قال : « حافظوا على أبنائكم في الصلاة ، وعوّدوهم الخير فإن الخير عادة » .
وأخرج أحمد والطبراني عن أبي الجوزاء قال : قلت للحسن بن علي : ما حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : الصلوات الخمس .
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين قال : نبئت أن أبا بكر وعمر كانا يعلمان الناس . تعبد الله ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة التي افترضها الله لمواقيتها ، فإن في تفريطها الهلكة .(2/105)
وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر بن برقان قال : كتب إلينا عمر بن عبد العزيز : أما بعد فإن عز الدين وقوام الإِسلام : الإِيمان بالله ، واقام الصلاة ، وايتاء الزكاة ، فصلّ الصلاة لوقتها وحافظ عليها .
وأما قوله تعالى : { والصلاة الوسطى } .
أخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا ، وشبك بين أصابعه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر . أنه سئل عن الصلاة الوسطى فقال : هي فيهن فحافظوا عليهن كلهن . وقال مالك في الموطأ : بلغني عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عباس ، كانا يقولان : الصلاة الوسطى صلاة الصبح . أخرجه البيهقي في سننه .
وأخرج ابن جرير من طريق أبي العالية عن ابن عباس . أنه صلى الغداة في جامع البصرة ، فقنت قبل الركوع وقال : هذه الصلاة الوسطى التي ذكرها الله في كتابه . فقال { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة في المصنف وابن الأنباري في المصاحف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن أبي رجاء العطاردي قال : صليت خلف ابن عباس الفجر ، فقنت فيها ورفع يديه ثم قال : هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق عكرمة عن ابن عباس ، أنه كان يقول : الصلاة الوسطى صلاة الصبح ، تصلى في سواد الليل .
وأخرج ابن عبد البر في التمهيد عن ابن عباس أنه كان يقول : الصلاة الوسطى صلاة الصبح ، تصلى في سواد من الليل وبياض من النهار ، وهي أكثر الصلوات تفوت الناس .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري عن أبي العالية قال : صليت خلف عبد الله بن قيس زمن عمر صلاة الغداة ، فقلت لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جانبي : ما الصلاة الوسطى؟ قال : هذه الصلاة .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن أبي العالية . أنه صلى مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة ، فلما أن فرغوا قلت لهم : أيتهن الصلاة الوسطى؟ قالوا : التي صليتها قبل .
وأخرج ابن جرير عن جابر بن عبد الله قال : الصلاة الوسطى صلاة الصبح .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وإسحق بن راهويه وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عمر قال : الصلاة الوسطى صلاة الصبح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة ، أنه سئل عن الصلاة الوسطى فقال : هي صلاة الصبح . وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف بلفظ فقال : لا أحسبها إلا الصبح .
وأخرج ابن جرير والبيهقي من طريق جابر بن زيد عن ابن عباس قال : الصلاة الوسطى صلاة الفجر .(2/106)
وأخرج ابن أبي شيبة عن حيان الأزدي قال : سمعت ابن عمرو سئل عن الصلاة الوسطى ، وقيل له : إن أبا هريرة يقول : هي العصر . فقال : إن أبا هريرة يكثر . إن ابن عمر يقول : هي الصبح .
وأخرج سفيان بن عيينة عن طاوس قال : الصلاة الوسطى صلاة الصبح .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد وجابر بن زيد قالا : هي الصبح .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال : سألت عطاء عن الصلاة الوسطى قال : أظنها الصبح ، ألا تسمع لقوله { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً } [ الإسراء : 78 ] .
وأخرج عبد الرزاق عن طاوس وعكرمة قالا : هي الصبح ، وسطت فكانت بين الليل والنهار .
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات عن ابن عمر ، أنه سئل عن الصلاة الوسطى فقال : كنا نتحدث أنها الصلاة التي وجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة ، الظهر .
وأخرج عبد بن حميد عن مكحول « أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الصلاة الوسطى فقال : هي أول صلاة تأتيك بعد صلاة الفجر » .
وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه وأبو داود وابن جرير والطحاوي والروياني وأبو يعلى والطبراني والبيهقي من طريق الزبرقان عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهاجرة ، وكانت أثقل الصلاة على أصحابه ، فنزلت { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } قال : لأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين » .
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة في المصنف والبخاري في تاريخه وابن أبي حاتم وأبو يعلى والروياني والضياء المقدسي في المختارة والبيهقي من طريق الزبرقان عن زهرة بن معبد قال : كنا جلوساً عند زيد بن ثابت ، فأرسلوا إلى أسامة فسألوه عن الصلاة الوسطى؟ فقال : هي الظهر ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بالهجير .
وأخرج أحمد وابن المنيع والنسائي وابن جرير والشاشي والضياء من طريق الزبرقان « أن رهطاً من قريش مر بهم زيد بن ثايت وهم مجتمعون ، فارسلوا إليه غلامين لهم يسألانه عن الصلاة الوسطى؟ فقال : الظهر ، ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه ، فقال : هي الظهر ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير ، فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان والناس في قائلتهم وتجارتهم ، فأنزل الله { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لينتهين رجال أو لأحرقن بيوتهم » .
وأخرج النسائي والطبراني من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب قال « كنت مع قوم اختلفوا في الصلاة الوسطى وأنا أصغر القوم ، فبعثوني إلى زيد بن ثابت لأسأله عن الصلاة الوسطى ، فأتيته فسألته فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة والناس في قائلتهم وأسواقهم ، فلم يكن يصلي وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الصف والصفان ، فأنزل الله { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لينتهين أقوام أو لأحرقن بيوتهم » .(2/107)
وأخرج ابن جرير في تهذيبه من طريق عبد الرحمن بن أبان عن أبيه عن زيد بن ثابت في حديث يرفعه قال : الصلاة الوسطى صلاة الظهر .
وأخرج البيهقي وابن عساكر من طريق سعيد بن المسيب . أنه كان قاعداً وعروة بن الزبير ، وإبراهيم بن طلحة ، فقال سعيد بن المسيب : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر . قال : فمر علينا ابن عمر فقال عروة : ارسلوا إلى ابن عمر فاسألوه . فأرسلنا إليه غلاماً فسأله ، ثم جاء الرسول فقال : هي صلاة الظهر . فشككنا في قول الغلام ، فقمنا جميعاً فذهبنا إلى ابن عمر ، فسألناه فقال : هي صلاة الظهر .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن زيد بن ثابت قال : الصلاة الوسطى صلاة الظهر .
وأخرج مالك وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر من طرق عن زيد بن ثابت قال : الصلاة الوسطى صلاة الظهر .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن حرملة مولى زيد بن ثابت قال : تمارى زيد بن ثابت وأبي بن كعب في الصلاة الوسطى ، فأرسلاني إلى عائشة أي صلاة هي؟ فقالت : الظهر . فكان زيد يقول : هي الظهر ، فلا أدري عنه أخذه أو عن غيرها .
وأخرج ابن المنذر من طرق أبي جعفر محمد بن علي بن حسين عن علي بن أبي طالب قال : الصلاة الوسطى الظهر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عمر قال : صلاة الوسطى الظهر .
وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد الخدري قال : صلاة الظهر هي الصلاة الوسطى .
وأخرج عبد الرزاق والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف عن أبي رافع مولى حفصة قال : استكتبتني حفصة مصحفاً فقالت : إذا أتيت على هذه الآية فتعال حتى أمليها عليك كما اقرئتها ، فلما أتيت على هذه الآية { حافظوا على الصلوات } قالت : اكتب ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ) فلقيت أبي بن كعب فقلت : أبا المنذر ، إن حفصة قالت : كذا وكذا . فقال : هو كما قالت : أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في عملنا ونواضحنا؟
وأخرج مالك وأبو عبيد وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عن عمرو بن رافع قال : كنت أكتب مصحفاً لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فلما بلغتها آذنتها ، فأملت عليّ ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) وقالت : أشهد اني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم .(2/108)
وأخرج عبد الرزاق عن نافع . أن حفصة دفعت مصحفاً إلى مولى لها يكتبه ، وقالت : إذا بلغت هذه الآية { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فآذني ، فلما بلغها جاءها فكتبت بيدها ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ) .
وأخرج مالك وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي داود وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عن أبي يونس مولى عائشة قال : أمرتني عائشه أن أكتب لها مصحفاً ، وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فلما بلغتها آذنتها ، فأملت عليّ ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) وقالت عائشة : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر عن أم حميد بنت عبد الرحمن . أنها سألت عائشة عن الصلاة الوسطى؟ فقالت : كنا نقرأها في الحرف الأوّل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة قال : الصلاة الوسطى هي الظهر ، قبلها صلاتان وبعدها صلاتان .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود عن هشام بن عروة قال : قرأت في مصحف عائشة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف من طريق سليمان بن أرقم عن الحسن وابن سيرين وابن شهاب الزهري ، وكان الزهري أشبعهم حديثاً قالوا : لما أسرع القتل في قراء القرآن يوم اليمامة قتل معهم يومئذ أربعمائة رجل ، لقي زيد بن ثابت عمر بن الخطاب فقال له : إن هذا القرآن هو الجامع لديننا ، فإن ذهب القرآن ذهب ديننا ، وقد عزمت على أن أجمع القرآن في كتاب . فقال له : انتظر حتى نسأل أبا بكر ، فمضيا إلى أبي بكر فأخبراه بذلك . فقال : لا تعجل حتى اشاور المسلمين ، ثم قام خطيباً في الناس فأخبرهم بذلك ، فقالوا : أصبت . فجمعوا القرآن ، وأمر أبو بكر منادياً فنادى في الناس : من كان عنده من القرآن شيء فليجيء به . قالت : حفصة : إذا انتهيتم إلى هذه الآية فاخبروني { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فلما بلغوا إليها قالت : اكتبوا ( والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر ) فقال لها عمر : ألك بهذا بينة؟ قالت : لا . قال : فوالله لا ندخل في القرآن ما تشهد به امرأة بلا اقامة بينة . وقال عبد الله بن مسعود : اكتبوا(2/109)
{ والعصر إن الإِنسان لفي خسر } [ العصر : 1 ] وأنه فيه إلى آخر الدهر « فقال عمر : نحوا عنا هذه الاعرابية .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق نافع عن ابن عمر عن حفصة أنها قالت لكاتب مصحفها : إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبرها قالت : اكتب ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول » حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر « .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة . أنها أمرته أن يكتب لها مصحفاً ، فلما بلغت { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } قالت : اكتب ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود والبيهقي في سننه من طريق عمير بن مريم ، أنه سمع ابن عباس قرأ هذا الحرف » حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر « .
وأخرج عبد بن حميد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير والبيهقي عن البراء بن عازب قال : نزلت ( حافظوا على الصلوات العصر ) فقرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ، ثم نسخها الله فأنزل { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فقيل له : هي إذن صلاة العصر؟ فقال قد حدثتك كيف نزلت ، وكيف نسخها الله والله أعلم .
وأخرج البيهقي عن البراء قال : قرأناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً ( حافظوا على الصلوات وصلاة العصر ) ثم قرأناها { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فلا أدري أهي هي أم لا .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن زر قال : قلت لعبيدة : سل علياً عن صلاة الوسطى . فسأله فقال : كنا نراها الفجر ، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب » شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله قبورهم وأجوافهم ناراً « .
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن زر قال : » انطلقت أنا وعبيدة السلماني إلى علي ، فأمرت عبيدة أن يسأله عن الصلاة فسأله فقال : كنا نراها صلاة الصبح ، فبينا نحن نقاتل أهل خيبر فقاتلوا حتى ارهقونا عن الصلاة ، وكان قبيل غروب الشمس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اللهم املأ قلوب هؤلاء القوم الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى وأجوافهم ناراً » ، فعرفنا يومئذ أنها الصلاة الوسطى « .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم والنسائي والبيهقي عن شتير بن شكل قال :(2/110)
« سألت علياً عن الصلاة الوسطى فقال : كنا نرى أنها الصبح حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب » ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس « ، ولم يكن صلى يومئذ الظهر والعصر حتى غابت الشمس » .
وأخرج عبد الرزاق عن علي قال : هي العصر .
وأخرج الدمياطي في كتاب الصلاة الوسطى من طريق الحسن البصري عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الصلاة الوسطى صلاة العصر » .
وأخرج عبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال « حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً » .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن حبان من طرق عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصلاة الوسطى صلاة العصر » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني من طريق مقسم وسعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق « شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس ، ملأ الله قبورهم وأجوافهم ناراً » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة له فحبسه المشركون عن صلاة العصر حتى مسى بها ، فقال » اللهم املأ بيوتهم وأجوافهم ناراً كما حبسونا عن الصلاة الوسطى « .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نسي الظهر والعصر يوم الأحزاب؛ فذكر بعد المغرب فقال : اللهم من حبسنا عن الصلاة الوسطى فاملأ بيوتهم ناراً « .
وأخرج البزار بسند صحيح عن جابر » أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق : ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس « .
وأخرج البزار بسند صحيح عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب » شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً « .
وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » شغلونا عن الصلاة الوسطى - صلاة العصر - ملأ الله أجوافهم وقلوبهم ناراً « .
وأخرج ابن منده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال » الموتور أهله وماله من وتر الصلاة الوسطى في جماعة ، وهي صلاة العصر « .
وأخرج أحمد وابن جرير والطبراني عن سمرة(2/111)
« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وسماها لنا ، وإنما هي صلاة العصر » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير والطبراني والبيهقي عن سمرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر » .
وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب قال « أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحافظ على الصلوات كلهن ، وأوصانا بالصلاة الوسطى ، ونبأنا أنها صلاة العصر » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد من طريق سالم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله . قال : فكان ابن عمر يرى أنها الصلاة الوسطى » .
وأخرج ابن جرير والبيهقي من طريق أبي صالح وهو ميزان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصلاة الوسطى صلاة العصر » .
وأخرج الطحاوي من طريق موسى بن وردان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصلاة الوسطى صلاة العصر » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والطحاوي عن عبد الرحمن بن لبيبة الطائفي . أنه سأل أبا هريرة عن الصلاة الوسطى؟ فقال : سأقرأ عليك القرآن حتى تعرفها ، أليس يقول الله في كتابه { أقم الصلاة لدلوك الشمس } [ الإِسراء : 78 ] الظهر { إلى غسق الليل } [ الإِسراء : 78 ] المغرب { ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم } [ النور : 58 ] لعتمة ويقول { إن قرآن الفجر كان مشهوداً } [ الإِسراء : 78 ] الصبح ، ثم قال { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } هي العصر هي العصر .
وأخرج ابن سعد والبزار وابن جرير والطبراني والبغوي في معجمه عن كهيل بن حرملة قال « سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى؟ فقال : اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن عبد شمس ، فقال : أنا أعلم لكم ذلك ، فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه ، ثم خرج إلينا فقال : أخبرنا انها صلاة العصر » .
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم بن يزيد الدمشقي قال « كنت جالساً عند عبد العزيز بن مروان فقال : يا فلان اذهب إلى فلان فقل له : أي شيء سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة الوسطى؟ فقال رجل جالس : أرسلني أبو بكر وعمر وأنا غلام صغير أسأله عن الصلاة الوسطى ، فأخذ أصبعي الصغيرة فقال : هذه الفجر ، وقبض التي تليها وقال : هذه الظهر ، ثم قبض الابهام فقال : هذه المغرب ، ثم قبض التي تليها فقال : هذه العشاء ، ثم قال : أي أصابعك بقيت؟ فقلت الوسطى . فقال : أي الصلاة بقيت؟ فقلت : العصر .(2/112)
فقال : هي العصر « .
وأخرج البزار بسند صحيح عن ابن عباس . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال » الصلاة الوسطى صلاة العصر « .
وأخرج ابن جرير والطبراني عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » الصلاة الوسطى صلاة العصر « .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن » ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر « .
وأخرج ابن جرير عن عروة قال : كان في مصحف عائشة » حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر « .
وأخرج وكيع عن حميدة قالت : قرأت في مصحف عائشة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ) .
وأخرج ابن أبي داود عن قبيصة بن ذؤيب قال في مصحف عائشة : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى والصلاة الوسطى صلاة العصر ) .
وأخرج سعيد بن منصور وأبو عبيد عن زياد بن أبي مريم . أن عائشة أمرت بمصحف لها أن يكتب وقالت : إذا بلغتم { حافظوا على الصلوات } فلا تكتبوها حتى تؤذنوني ، فلما أخبروها أنهم قد بلغوا قالت : اكتبوها الصلاة الوسطى صلاة العصر .
وأخرج ابن جرير والطحاوي والبيهقي عن عمرو بن رافع قال : كان مكتوباً في مصحف حفصة » حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر وقوموا لله قانتين } .
وأخرج المحاملي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن . سمعت السائب بن يزيد تلا هذه الآية ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ) .
وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب . أنه كان يقرأها ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ) .
وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير والطحاوي من طريق رزين بن عبيد . أنه سمع ابن عباس يقرأها ( والصلاة الوسطى صلاة العصر ) .
وأخرج وكيع والفريابي وسفيان بن عيينة وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في الشعب من طرق عن علي بن أبي طالب قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر التي فرط بها سليمان حتى توارت بالحجاب .
وأخرج وكيع وسفيان وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عباس قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طرق عن أبي هريرة قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر .
وأخرج عبد بن حميد والطحاوي من طريق أبي قلابة قال : كانت في مصحف أبي بن كعب ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر ) وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق أبي قلابة عن أبي المهلب عن أبي بن كعب .
وأخرج ابن جرير والطحاوي من طريق سالم عن أبيه عبدالله بن عمر قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر .(2/113)
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر أنه قرأ ( حافظوا على الصلوات وصلاة الوسطى وصلاة العصر } .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر عن أبي أيوب قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر .
وأخرج ابن المنذر والطبراني عن زيد بن ثابت قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر .
وأخرج ابن المنذر والطحاوي عن أبي سعيد الخدري قال : الصلاة الوسطى العصر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أم سلمة قالت : الصلاة الوسطى صلاة العصر .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير من طرق عن عائشة قالت : الصلاة الوسطى العصر .
وأخرج الدمياطي عن عبدالله بن عمرو قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طريق نافع عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لكاتب مصحفها « إذ بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرها قالت : اكتب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر } » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كنا نحدث أن الصلاة الوسطى صلاة العصر قبلها صلاتان من النهار وبعدها صلاتان من الليل .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد عن سالم بن عبدالله أن حفصة أم المؤمنين قالت : الوسطى صلاة العصر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : الوسطى هي العصر .
وأخرج الطحاوي عن أبي عبد الرحمن عبيدالله بن محمد بن عائشة قال : إن آدم لما أتت عليه عين الفجر صلى ركعتين فصارت الصبح ، وفدى اسحق عند الظهر فصلى إبراهيم أربعاً فصارت الظهر ، وبعث عزيز فقيل له : كم لبثت؟ قال : يوماً ، فرأى الشمس فقال : أو بعض يوم ، فصلى أربع ركعات فصارت العصر ، وغفر لداود عند المغرب ، فقام فصلى أربع ركعات فجهد ، فجلس في الثالثة فصارت المغرب ثلاثاً ، وأول من صلى العشاء الآخرة نبينا صلى الله عليه وسلم ، فلذلك قالوا : الوسطى هي صلاة العصر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : هي العصر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك قال : الصلاة الوسطى صلاة العصر .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن الصلاة الوسطى فقال : هي العصر .
وأخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قال : الصلاة الوسطى المغرب وأخرج ابن جرير عن قبيصة بن ذؤيب قال : الصلاة الوسطى صلاة المغرب ، ألا ترى أنها ليست باقلها ولا أكثرها ولا تقصر في السفر ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤخرها عن وقتها ولم يعجلها .(2/114)
وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين قال : سأل رجل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى قال : حافظ على الصلوات تدركها .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الربيع بن خيثم . أن سائلاً سأله عن الصلاة الوسطى قال : حافظ عليهن فإنك إن فعلت أصبتها ، إنما هي واحدة منهن .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال : سئل شريح عن الصلاة الوسطى فقال : حافظوا عليها تصيبوها .
وأما قوله تعالى : { وقوموا لله قانتين } .
وأخرج وكيع وأحمد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن خزيمة والطحاوي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والبيهقي عن زيد بن أسلم قال : كنا نتكلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت { وقوموا لله قانتين } فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس في قول الله { وقوموا لله قانتين } قال : كانوا يتكلمون في الصلاة ، يجيء خادم الرجل إليه وهو في الصلاة فيكلمه بحاجته ، فنهوا عن الكلام .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة . مثله .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن محمد بن كعب قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يتكلمون في الصلاة في حوائجهم كما تكلم أهل الكتاب في الصلاة في حوائجهم ، حتى نزلت هذه الآية { وقوموا لله قانتين } فتركوا الكلام .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطية قال : كانوا يأمرون في الصلاة بحوائجهم حتى أنزلت { وقوموا لله قانتين } فتركوا الكلام في الصلاة .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : كانوا يتكلمون في الصلاة ، وكان الرجل يأمر أخاه بالحاجة ، فأنزل الله { وقوموا لله قانتين } فقطعوا الكلام ، فالقنوت السكوت والقنوت الطاعة .
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن مرة عن ابن مسعود قال « كنا نقوم في الصلاة فنتكلم ويسارر الرجل صاحبه ويخبره ، ويردون عليه إذا سلم حتى أتيت أنا ، فسلمت فلم يردوا علي السلام ، فاشتد ذلك عليّ ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال : إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أنا أمرنا أن نقوم قانتين لا نتكلم في الصلاة ، والقنوت السكوت » .
وأخرج ابن جرير من طريق زر عن ابن مسعود قال « كنا نتكلم في الصلاة فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليّ ، فلما انصرف قال : قد أحدث الله أن لا تتكلموا في الصلاة ، ونزلت هذه الآية { وقوموا لله قانتين } » .
وأخرج ابن جرير من طريق كلثوم بن المصطلق عن ابن مسعود قال : « إن النبي صلى الله عليه وسلم كان عوّدني أن يرد عليّ السلام في الصلاة ، فأتيته ذات يوم فسلمت فلم يرد علي وقال : إن الله يحدث من أمره ما شاء ، وإنه قد أحدث لكم في الصلاة أن لا يتكلم أحد إلا بذكر الله ، وما ينبغي من تسبيح وتمجيد { وقوموا لله قانتين } » .(2/115)
وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى من طريق المسيب عن ابن مسعود قال : « كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة ، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد علي ، فوقع في نفسي أنه نزل فيّ شيء ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال » وعليك السلام أيها المسلم ورحمة الله ، إن الله يحدث في أمره ما يشاء ، فإذا كنتم في الصلاة فاقنتوا ولا تتكلموا « » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : القانت الذي يطيع الله ورسوله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وقوموا لله قانتين } قال : مصلين .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : كل أهل دين يقومون فيها عاصين ، فقوموا أنتم لله مطيعين .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن الضحاك في قوله { وقوموا لله قانتين } قال : مطيعين لله في الوضوء .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : إذا قمتم في الصلاة فاسكتوا ولا تكلموا أحداً حتى تفرغوا منها ، والقانت المصلي الذي لا يتكلم .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والأصبهاني في الترغيب والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في قوله { وقوموا لله قانتين } قال : من القنوت الركوع والخشوع وطول الركوع ، يعني طول القيام ، وغض البصر ، وخفض الجناح ، والرهبة لله ، كان الفقهاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدهم في الصلاة يهاب الرحمن سبحانه وتعالى أن يلتفت ، أو يقلب الحصى ، أو يشد بصره ، أو يعبث بشيء ، أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا إلا ناسياً حتى ينصرف .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ابن عباس في قوله { وقوموا لله قانتين } قال : كانوا يتكلمون في الصلاة ويأمرون بالحاجة ، فنهوا عن الكلام والالتفات في الصلاة ، وأمروا أن يخشعوا إذا قاموا في الصلاة قانتين خاشعين غير ساهين ولا لاهين .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والترمذي وابن ماجة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أفضل الصلاة طول القنوت » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن مسعود قال « كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند النجاشي سلَّمنا عليه فلم يرد علينا ، فقلنا : يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟ فقال : إن في الصلاة شغلاً » .(2/116)
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن معاوية بن الحكم السلمي قال « بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقلت يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم فقلت : واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي . . . ؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني سكت ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فوالله ما انتهرني ولا ضربني ولا شتمني ، ثم قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن » .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن جابر قال : « كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يعني في سفر فبعثني في حاجة ، فرجعت وهو يصلي على راحلته ، فسلمت عليه فلم يرد علي ، فلما انصرف قال : إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي » .
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن صهيب قال « مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، فسلمت عليه فرد علي إشارة » .
وأخرج البزار عن أبي سعيد الخدري « أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فرد النبي صلى الله عليه وسلم إشارة ، فلما سلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم : إنا كنا نرد السلام في صلاتنا فنهينا عن ذلك » .
وأخرج الطبراني عن عمار بن ياسر قال « أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي في سننه عن محمد بن سيرين قال : سئل أنس بن مالك أقنت النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح؟ قال : نعم . قيل : أوقنت قبل الركوع؟ قال : بعد الركوع يسيراً . قال : فلا أدري اليسير للقيام أو القنوت .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر . أنه كان لا يقنت في الفجر ولا في الوتر ، وكان إذا سئل عن القنوت قال : ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن .
وأخرج البخاري والبيهقي من طريق أبي قلابة عن أنس قال : كان القنوت في الفجر والمغرب .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والدارقطني والبيهقي عن البراء بن عازب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الفجر والمغرب .
وأخرج الطبراني في الأوسط والدارقطني والبيهقي عن البراء بن عازب « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب » .
وأخرج الطبراني في الأوسط والدارقطني والبيهقي عن البراء بن عازب قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها » .(2/117)
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني والبيهقي عن أبي سلمة . أنه سمع أبا هريرة يقول : والله لأقربن لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الظهر ، وصلاة العشاء ، وصلاة الصبح ، بعد ما يقول : سمع الله لمن حمده ، يدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين .
وأخرج أبو داود والبيهقي عن ابن عباس قال : قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح ، في دبر كل صلاة إذا قال : سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة ، يدعو على أحياء من سليم على رعل وذكوان وعصية ، ويؤمن من خلفه .
وأخرج أبو داود والدارقطني عن محمد بن سيرين قال « حدثني من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة ، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قام هنية » .
وأخرج أحمد والبزار الدارقطني عن أنس قال : « ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا » .
وأخرج الدارقطني والبيهقي عن أنس قال « أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو عليهم ثم تركه ، وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا » .
وأخرج الدارقطني عن أنس قال : « صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقته . قال : وصليت خلف عمر بن الخطاب فلم يزل يقنت بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقته » .
وأخرج البزار والبيهقي عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت حتى مات ، وأبو بكر حتى مات ، وعمر حتى مات » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عثمان . أنه سئل عن قنوت عمر في الفجر؟ فقال : كان يقنت بقدر ما يقرأ الرجل مائة آية .
وأخرج البيهقي عن أنس قال : قنت النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان بعد الركوع ، ثم تباعدت الديار فطلب الناس إلى عثمان أن يجعل القنوت في الصلاة قبل الركوع لكي يدركوا الصلاة ، فقنت قبل الركوع .
وأخرج الدارقطني من طريق أبي الطفيل عن علي وعمار « انهما صليا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقنت في الغداة » .
وأخرج ابن ماجة عن حميد قال : سئل أنس عن القنوت في صلاة الصبح فقال : كنا نقنت قبل الركوع وبعده .
وأخرج الحرث بن أبي أمامة والطبراني في الأوسط عن عائشة قالت « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر قبل الركعة ، وقال : إنما أقنت بكم لتدعوا ربكم وتسألوه حوائجكم » .(2/118)
وأخرج أبو يعلى عن أبي رافع « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سلوا الله حوائجكم في صلاة الصبح » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن مسعود قال : « ما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من الصلوات إلا في الوتر ، وإنه وكان إذا حارب يقنت في الصلوات كلهن ، يدعو على المشركين » .
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي بن كعب « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والطبراني والبيهقي عن الحسن بن علي قال « علمني جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت . زاد الطبراني والبيهقي : ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت » .
وأخرج البيهقي عن يزيد بن أبي مريم قال : سمعت ابن عباس ومحمد بن علي بن الحنفية بالخيف يقولان « كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات : اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت » .
وأخرج الدارقطني عن الحسن فيمن نسي القنوت في صلاة الصبح قال : عليه سجدتا السهو .
وأخرج الدارقطني عن سعيد بن عبد العزيز فيمن نسي القنوت في صلاة الصبح قال : يسجد سجدتي السهو . والله أعلم .(2/119)
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)
أخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق والبخاري وابن جرير والبيهقي من طريق نافع قال : كان ابن عمر إذا سئل عن صلاة الخوف قال : يتقدم الإِمام وطائفة من الناس فيصلي بهم الإِمام ركعة ، وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو لم يصلوا ، فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون ، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة ، ثم ينصرف الإِمام وقد صلى ركعتين ، فتقوم كل واحدة من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإِمام ، فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلى ركعتين ، وإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالاً أو قياماً على أقدامهم ، أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها . قال نافع : لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي من طريق نافع عن ابن عمر قال « صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه ، فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدوّ ، فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا ، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة ، ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة . قال : وقال ابن عمر : فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصل راكباً أو قائماً تومىء إيماء » .
وأخرج ابن ماجة من طريق نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف « أن يكون الإِمام يصلي بطائفة معه فيسجدون سجدة واحدة وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو ، ثم ينصرف الذين سجدوا السجدة مع أميرهم ، ثم يكونوا مكان الذين لم يصلوا ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلوا مع أميرهم سجدة واحدة ، ثم ينصرف أميرهم وقد صلى صلاته ، ويصلي كل واحد من الطائفتين بصلاته سجدة لنفسه ، فإن كان خوفاً أشد من ذلك فرجالاً أو ركباناً » .
وأخرج البزار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صلاة المسايفة ركعة ، أي وجه كان الرجل يجزىء عنه ، فإن فعل ذلك لم يعده » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً } قال : يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه { فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون } يعني كما علمكم أن يصلي الراكب على دابته ، والراجل على رجليه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن جابر بن عبدالله قال : إذا كانت المسايفة فليومىء برأسه حيث كان وجهه ، فذلك قوله { فرجالاً أو ركباناً } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { فرجالاً } قال : مشاة { أو ركباناً } قال : لأصحاب محمد على الخيل في القتال ، إذا وقع الخوف فليصلّ الرجل إلى كل جهة ، قائماً أو راكباً أو ما قدر على أن يومىء إيماء برأسه أو يتكلم بلسانه .(2/120)
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : أحل الله لك إذا كنت خائفاً أن تصلّي وأنت راكب ، وأنت تسعى وتومىء إيماء حيث كان وجهك للقبلة ، أو لغير ذلك .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً } قال : هذا في العدو يصلي الراكب والماشي يومئون إيماء حيث كان وجوههم ، والركعة الواحدة تجزئك .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن مجاهد قال : يصلي ركعتين ، فإن لم يستطع فركعة ، فإن لم يستطع فتكبيرة حيث كان وجهه .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس { فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً } قال : ركعة ركعة .
وأخرج أبو داود عن عبدالله بن أنيس قال : « بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرنة وعرفات فقال : اذهب فاقتله . قال : فرأيته وقد حضرت صلاة العصر فقلت : إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما أن أؤخر الصلاة ، فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومىء إيماء نحوه ، فلما دنوت منه قال لي : من أنت؟ قلت : رجل من العرب ، بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذلك . قال : إني لفي ذلك . فمشيت معه ساعة حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم في قوله { إن خفتم فرجالاً أو ركباناً } قال : إذا حضرت الصلاة في المطادرة فاومىء حيث كان وجهك ، واجعل السجود أخفض من الركوع .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله { فرجالاً أو ركباناً } قال : ذلك عند الضراب بالسيف تصلي ركعة إيماء حيث كان وجهك ، راكباً كنت أو ماشياً أو ساعياً .
وأخرج الطيالسي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والنسائي وأبو يعلى والبيهقي في سننه عن أبي سعيد الخدري قال « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ، فشغلنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء حتى كفينا ذلك ، وذلك قوله { وكفى الله المؤمنين القتال } [ الأحزاب : 25 ] فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً ، فأقام لكل صلاة إقامة ، وذلك قبل أن ينزل عليه { فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً } » .
وأخرج وكيع وابن جرير عن مجاهد { فإذا أمنتم } قال : خرجتم من دار السفر إلى دار الإِقامه .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال { فإذا أمنتم } فصلوا الصلاة كما افترض عليكم ، إذا جاء الخوف كانت لهم رخصة .(2/121)
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)
أخرج البخاري والبيهقي في سننه عن ابن الزبير قال : قلت لعثمان بن عفان { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً } قد نسختها الآية الأخرى ، فلم تكتبها أو تدعها؟ قال : يا ابن أخي لا أغير شيئاً منه من مكانه .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله { والذين يتوفون منكم . . . } الآية . قال : كان للمتوفى عنها زوجها نفقتها وسكناها في الدار سنة ، فنسختها آية المواريث فجعل لهن الربع والثمن مما ترك الزوج .
وأخرج ابن جرير عن عطاء في الآية قال : كان ميراث المرأة من زوجها أن تسكن إن شاءت من يوم يموت زوجها إلى الحول ، يقول { فإن خرجن فلا جناح عليكم } ثم نسخها ما فرض الله من الميراث .
وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج } قال : نسخ الله ذلك بآية الميراث ، بما فرض الله لهن من الربع والثمن ، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طريق ابن سيرين عن ابن عباس . أنه قام يخطب الناس ، فقرأ لهم سورة البقرة ، فبين لهم منها فأتى على هذه الآية { إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين } [ البقرة : 180 ] فقال : نسخت هذه ، ثم قرأ حتى أتى على هذه الآية { والذين يتوفون منكم } إلى قوله { غير إخراج } فقال : وهذه .
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق عن جابر بن عبدالله قال : ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث .
وأخرج أبو داود في ناسخه والنسائي عن عكرمة في قوله { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول } قال : نسخها { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً } [ البقرة : 234 ] .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن زيد بن أسلم في قوله { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم } قال : كانت المرأة يوصى لها زوجها بنفقة سنة ما لم تخرج وتتزوج ، فنسخ ذلك بقوله { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً } [ البقرة : 234 ] فنسخت هذه الآية الأخرى ، وفرض عليهن التربص أربعة أشهر وعشراً ، وفرض لهن الربع والثمن .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن زيد بن أسلم عن قتادة في الآية قال : كانت المرأة يوصي لها زوجها بالسكنى والنفقة ما لم تخرج وتتزوج ، ثم نسخ ذلك وفرض لها الربع ان لم يكن لزوجها ولد ، والثمن ان كان لزوجها ولد ، ونسخ هذه الآية قوله { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً } [ البقرة : 234 ] فنسخت هذه الآية الوصية إلى الحول .
وأخرج ابن راهويه في نفسيره عن مقاتل بن حيان « أن رجلاً من أهل الطائف قدم المدينة وله أولاد رجال ونساء ومعه أبواه وامرأته ، فمات بالمدينة فرفع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأعطى الوالدين وأعطى أولاده بالمعروف ، ولم يعط امرأته شيئاً غير أنهم أمروا أن ينفقوا عليها من تركة زوجها إلى الحول ، وفيه نزلت { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً . . . } الآية » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف } قال : النكاح الحلال الطيب .(2/122)
وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)
أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : لما نزل قوله { متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين } قال رجل : إن أحسنت فعلت وإن لم أرد ذلك لم أفعل ، فأنزل الله { وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال : نسخت هذه الآية التي بعدها قوله { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } [ البقرة : 237 ] نسخت { وللمطلقات متاع بالمعروف } .
وأخرج عن عتاب بن خصيف في قوله { للمطلقات متاع } قال : كان ذلك قبل الفرائض .
وأخرج مالك وعبد الرزاق والشافعي وعبد بن حميد والنحاس في ناسخه وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر قال : لكل مطلقة متعة إلا التي يطلقها ولم يدخل بها وقد فرض لها ، كفى بالنصف متاعاً .
وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال : لكل مؤمنة طلقت حرة أو أمة متعة ، وقرأ { وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين } .
وأخرج البيهقي عن جابر بن عبدالله قال « لما طلق حفص بن المغيرة امرأته فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لزوجها . متعها . قال : لا أجد ما أمتعها . قال : فإنه لا بد من المتاع ، متعها ولو نصف صاع من تمر » .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية { وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين } قال : لكل مطلقة متعة .
وأخرج عبد بن حميد عن يعلى بن حكيم قال : قال رجل لسعيد بن جبير : المتعة على كل أحد هي؟ قال : لا . قال : فعلى من هي؟ قال : على المتقين .
وأخرج البيهقي عن قتادة قال : طلق رجل امرأته عند شريح فقال له شريح : متعتها؟ فقالت المرأة : إنه ليس لي عليه متعة ، إنما قال الله { وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين } وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المحسنين ، وليس من أولئك .
وأخرج البيهقي عن شريح أنه قال لرجل فارق امرأته : لا تأبَ أن تكون من المتقين ، لا تأبَ أن تكون من المحسنين .
وأخرج الشافعي عن جابر بن عبدالله قال : نفقة المطلقة ما لم تحرم ، فإذا حرمت فمتاع بالمعروف .(2/123)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)
أخرج وكيع والفريابي وابن جرير وابن المنذر والحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } قال : كانوا أربعة آلاف خرجوا فراراً من الطاعون ، وقالوا : نأتي أرضاً ليس بها موت ، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا ، قال لهم الله : موتوا . فمر عليهم نبي من الأنبياء ، فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية قال : كانوا أربعة آلاف من أهل قرية يقال لها داوردان ، خرجوا فارين من الطاعون .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي عن أبي مالك في الآية قال : كانت قرية يقال لها داوردان قريب من واسط ، فوقع فيهم الطاعون ، فأقامت طائفة وهربت طائفة ، فوقع الموت فيمن أقام وسلم الذين أجلوا ، فلما ارتفع الطاعون رجعوا إليهم ، فقال الذين بقوا : اخواننا كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا سلمنا ، ولئن بقينا إلى أن يقع الطاعون لنصنعن كما صنعوا .
فوقع الطاعون من قابل فخرجوا جميعاً ، الذين كانوا أجلوا والذين كانوا أقاموا وهم بضعة وثلاثون ألفاً ، فساروا حتى أتوا وادياً فسيحا فنزلوا فيه وهو بين جبلين ، فبعث الله إليهم ملكين ، ملكاً بأعلى الوادي وملكاً بأسفله ، فناداهم : أن موتوا فماتوا . فمكثوا ما شاء الله ، ثم مر بهم نبي يقال له حزقيل ، فرأى تلك العظام فوقف متعجباً لكثرة ما يرى منهم ، فأوحى الله إليه أن ناد أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي ، فاجتمعت العظام من أعلى الوادي وأدناه حتى التزق بعضها ببعض كل عظم من جسد التزق بجسده ، فصارت أجساداً من عظام لا لحم ولا دم ، ثم أوحى الله إليه أن ناد أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحماً فاكتست لحماً ، ثم أوحى الله إليه أن ناد أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي فبعثوا أحياء .
فرجعوا إلى بلادهم فأقاموا لا يلبسون ثوباً إلا كان عليهم كفناً دسماً ، يعرفهم أهل ذلك الزمان أنهم قد ماتوا ، ثم أقاموا حتى أتت عليهم آجالهم بعد ذلك قال أسباط : وقال منصور عن مجاهد : كان كلامهم حين بعثوا أن قالوا سبحانك اللهم ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت . . . !
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز في قوله تعالى { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم } قال : هم من أذرعات .
وأخرج عن أبي صالح في الآية قال : كانوا تسعة آلاف .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } قال : مقتهم الله على فرارهم من الموت ، فأماتهم الله عقوبة ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليستوفوها ، ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم .(2/124)
وأخرج ابن جرير عن أشعث بن أسلم البصري قال : بينا عمر يصلي ويهوديان خلفه قال أحدهما لصاحبه : أهو هو؟ فلما انتعل عمر قال : أرأيت قول أحدكما لصاحبه أهو هو؟ قالا : إنا نجده في كتابنا قرناً من حديد يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن الله . فقال عمر : ما نجد في كتاب الله حزقيل ولا أحيا الموتى بإذن الله إلا عيسى . قال : أما تجد في كتاب الله { ورسلا لم نقصصهم عليك } [ النساء : 164 ] ؟ فقال عمر : بلى . قال : وأما احياء الموتى فسنحدثك أن بني إسرائيل وقع عليهم الوباء ، فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله ، فبنوا عليهم حائطاً حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل ، فقام عليهم فقال ما شاء الله ، فبعثهم الله له ، فأنزل الله في ذلك { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن هلال بن يساف في الآية قال : هؤلاء قوم من بني إسرائيل ، كانوا إذا وقع فيهم الطاعون خرج أغنياؤهم وأشرافهم ، وأقام فقراؤهم وسفلتهم فاستحر القتل على المقيمين ولم يصب الآخرين شيء ، فلما كان عام من تلك الأعوام قالوا : لو صنعنا كما صنعوا نجونا ، فظعنوا جميعاً فأرسل عليهم الموت فصاروا عظاماً تبرق ، فجاءهم أهل القرى فجمعوهم في مكان واحد ، فمر بهم نبي فقال : يا رب لو شئت أحييت هؤلاء فعمروا بلادك وعبدوك . فقال : قل كذا وكذا ، فتكلم به ، فنظر إلى العظام تركب ، ثم تكلم فإذا العظام تكسى لحماً ، ثم تكلم فإذا هم قعود يسبحون ويكبرون ، ثم قيل لهم { وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في الآية قال : هم قوم فروا من الطاعون ، فأماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ومقتاً ، ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم .
وأخرج ابن جرير عن وهب بن منبه . أن كالب بن يوقنا لما قبضه الله بعد يوشع خلف في بني إسرائيل حزقيل من بوزى وهو ابن العجوز ، وإنما سمي ابن العجوز لأنها سألت الله الولد وقد كبرت فوهبه لها ، وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر الله في كتابه في قوله { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم } الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن وهب قال : أصاب ناساً من بني إسرائيل بلاء وشدة من زمان ، فشكوا ما أصابهم وقالوا : يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه ، فأوحى الله إلى حزقيل أن قومك صاحوا من البلاء ، وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا واستراحوا ، وأي راحة لهم في الموت ، أيظنون أني لا أقدر على أن أبعثهم بعد الموت؟ فانطلق إلى جبانة كذا وكذا ، فإن فيها أربعة آلاف قال وهب : وهم الذين قال الله { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } فقم فناد فيهم ، وكانت عظامهم قد تفرقت كما فرقتها الطير والسباع ، فنادى حزقيل : أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي ، فاجتمع عظام كل إنسان منهم معاً ، ثم قال : أيتها العظم إن الله يأمرك أن ينبت العصب والعقب ، فتلازمت واشتدت بالعصب والعقب ، ثم نادى جزقيل فقال : أيتها العظام ان الله يأمرك أن تكتسي اللحم .(2/125)
فاكتست اللحم وبعد اللحم جلداً فكانت أجساداً ، ثم نادى حزقيل الثالثة فقال : أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك . فقاموا بإذن الله فكبروا تكبيرة رجل واحد .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } يقول : عدد كثير خرجوا فراراً من الجهاد في سبيل الله ، فأماتهم الله حتى ذاقوا الموت الذي فروا منه ، ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم ، فذلك قوله تعالى { وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم } وهم الذين قالوا لنبيهم { ابعث ملكاً نقاتل في سبيل الله } [ البقرة : 246 ] .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريرج عن ابن عباس في الآية قال : كانوا أربعين ألفا وثمانية آلاف حظر عليهم حظائر ، وقد أروحت أجسادهم وأنتنوا ، فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح ، خرجوا فراراً من الجهاد في سبيل الله ، فأماتهم ثم أحياهم فأمرهم بالجهاد ، فذلك قوله { وقاتلوا في سبيل الله } .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : خرجوا فراراً من الطاعون وهم ألوف ليست الفرقة أخرجتهم كما يخرج للحرب والقتال قلوبهم مؤتلفة ، فلما كانوا حيث ذهبوا يبتغون الحياة قال الله لهم : موتوا ، ومر رجل بها وهي عظام تلوح ، فوقف ينظر فقال { أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام } [ البقرة : 259 ] .
وأخرج البخاري والنسائي عن عائشة قالت « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني أنه كان عذاباً يبعثه الله على من يشاء وجعله رحمة للمؤمنين ، فليس من رجل يقع الطاعون ويمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن عوف « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الطاعون : إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه » .
وأخرج سيف في الفتوح عن شرحبيل بن حسنة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/126)
« إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فإن الموت في أعناقكم ، وإذا كان بأرض فلا تدخلوها فإنه يحرق القلوب » .
وأخرج عبد بن حميد عن أم أيمن « أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بعض أهله فقال : وإن أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت » .
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الطواعين وأبو يعلى والطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون . قلت : يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال : غدة كغدة البعير ، المقيم بها كالشهيد والفار منه كالفار من الزحف » . وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار وابن خزيمة والطبراني عن جابر بن عبد الله { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً . . . } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أهل الإِسلام اقرضوا الله من أموالكم يضاعفه لكم أضعافاً كثيرة . فقال له ابن الدحداحة : يا رسول الله لي مالان مال بالعالية ومال في بني ظفر ، فابعث خارصك فليقبض خيرهما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفروة بن عمر : انطلق فانظر خيرهما فدعه واقبض الآخر ، فانطلق فأخبره فقال : ما كنت لاقرض ربي شر ما أملك ولكن أقرض ربي خير ما أملك ، إني لا أخاف فقر الدنيا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رب عذق مدلل لابن الدحداح في الجنة » .
وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال « استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل تمراً فلم يقرضه قال : لو كان هذا نبياً لم يستقرض ، فأرسل إلى أبي الدحداح فاستقرضه فقال : والله لأنت أحق بي وبمالي وولدي من نفسي ، وإنما هو مالك فخذ منه ما شئت واترك لنا ما شئت ، فلما توفي أبو الدحداح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رب عذق مدلل لأبي الدحداح في الجنة » .
وأخرج ابن اسحق وابن المنذر عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً . . . } الآية . في ثابت بن الدحداحة حين تصدق بماله .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب في قوله { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } قال : النفقة في سبيل الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع هذه الآية قال : أنا أقرض الله ، فعمد إلى خير مال له فتصدق به .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } قال : هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو .(2/127)
وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي قال : بلغني عن أبي هريرة حديث أنه قال : إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة ، فحججت ذلك العام ولم أكن أريد أن أحج إلا لألقاه في هذا الحديث ، فلقيت أبا هريرة فقلت له؟ فقال : ليس هذا قلت : ولم يحفظ الذي حدثك ، إنما قلت أن الله ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة ، ثم قال أبو هريرة : قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم « الفار من الطاعون كالفار من الزحف ، والصابر فيه كالصابر في الزحف » .(2/128)
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)
أخرج سعيد بن منصور وابن سعد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال « لما نزلت { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له } قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله وإن الله ليريد منا القرض؟ قال : نعم يا أبا الدحداح . قال : أرني يدك يا رسول الله ، فناوله يده قال : فإني أقرضت ربي حائطي وحائط له فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها ، فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح قالت : لبيك . قال : اخرجي فقد اقرضته ربي عز وجل » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن زيد بن أسلم قال « لما نزلت { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } الآية . جاء أبو الدحداح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ألا أرى ربنا يستقرضنا مما أعطانا لأنفسنا ، وإن لي أرضين احداهما بالعالية والأخرى بالسافلة ، وإني قد جعلت خيرهما صدقة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : كم من عذق مدلل لأبي الدحداح في الجنة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط وزيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب . مثله .
وأخرج ابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن الأعرج عن أبي هريرة قال « لما نزلت { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً . . . } قال ابن الدحداح : يا رسول الله لي حائطان أحداهما بالسافلة والآخر بالعالية وقد أقرضت ربي أحداهما . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد قبله منك . فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم اليتامى الذين في حجره ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : رب عذق لابن الدحداح مدلى في الجنة » .
وأخرج ابن سعد عن يحيى بن أبي كثير قال « لما نزلت هذه الآية { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } فالكثيرة عند الله أكثر من ألف ألف وألفي وألف ، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة « » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر قال : « لما نزلت { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل } [ البقرة : 261 ] إلى آخرها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » رب زد أمتي « . فنزلت { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } قال : رب زد أمتي . فنزلت { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } [ الزمر : 10 ] فانتهى » .(2/129)
وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال : لما نزلت { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } [ الأنعام : 160 ] قال : رب زد أمتي . فنزلت { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً . . . } الآية . قال : رب زد أمتي . فنزلت { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل . . . } [ البقرة : 261 ] الآية . قال : رب زد أمتي . فنزلت { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } [ الزمر : 10 ] فانتهى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله { قرضاً حسناً } قال : النفقة على الأهل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم من طريق أبي سفيان عن أبي حيان عن أبيه عن شيخ لهم . أنه كان إذا سمع السائل يقول { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاَّ الله ، والله أكبر ، هذا القرض الحسن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب . أن رجلاً قال له : سمعت رجلاً يقول من قرأ { قل هو الله أحد } [ الاخلاص : 1 ] واحدة بنى الله له عشرة آلاف ألف غرفة من درٍّ وياقوت في الجنة أفأصدق بذلك؟ قال : نعم ، أوعجبت من ذلك وعشرين ألف ألف ، وثلاثين ألف ألف ، وما لا يحصى ، ثم قرأ { فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } فالكثير من الله ما لا يحصى .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم « أن ملكاً بباب من أبواب السماء يقول : من يقرض الله اليوم يجز غداً ، وملك بباب آخر ينادي : اللهم اعط منفقا خلفاً واعط ممسكاً تلفاً ، وملك بباب آخر ينادي : يا أيها الناس هلموا إلى ربكم ، ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ، وملك بباب آخر ينادي : يا بني آدم لِدُوا للموت وابنوا للخراب » .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يروي ذلك عن ربه عز وجل أنه يقول : يا ابن آدم أودع من كنزك عندي ولا حرق ولا غرق ولا سرق ، أوفيكه أحوج ما تكون إليه » .
أما قوله تعالى : { والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون } .
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { والله يقبض } قال : يقبض الصدقة { ويبسط } قال : يخلف { وإليه ترجعون } قال : من التراب خلقهم وإلى التراب يعودون .
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة وابن جرير والبيهقي في سننه عن أنس قال « غلا السعر فقال الناس : يا رسول الله سعر لنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة من دم ولا مال » .
وأخرج أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة « أن رجلاً قال : يا رسول الله سعر . قال : بل ادعو . ثم جاءه رجل فقال : يا رسول الله سعر . فقال : بل الله يخفض ويرفع ، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة » .(2/130)
وأخرج البزار عن علي قال : « قيل : يا رسول الله قوّم لنا السعر . قال : إن غلاء السعر ورخصه بيد الله ، أريد أن ألقى ربي وليس أحد يطلبني بمظلمة ظلمتها إياه » .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : علم الله أن فيمن يقاتل في سبيله من لا يجد قوة ، وفيمن لا يقاتل في سبيله من يجد ، فندب هؤلاء إلى القرض فقال { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط } قال : يبسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده ، ويقبض عن هذا وهو يطيب نفساً بالخروج ويخف له ، فقوّه مما في يدك يكن لك في ذلك حظ .(2/131)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)
أخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في الآية قال : ذكر لنا - والله أعلم - أن موسى لما حضرته الوفاة استخلف فتاه يوشع بن نون على بني إسرائيل ، وأن يوشع بن نون سار فيهم بكتاب الله التوراة وسنة نبيه موسى ، ثم أن يوشع بن نون توفي واستخلف فيهم آخر ، فسار فيهم بكتاب الله وسنة نبيه موسى ، ثم استخلف آخر فسار فيهم بسيرة صاحبيه ، ثم استخلف آخر فعرفوا وأنكروا ، ثم استخلف آخر فأنكروا عامة أمره ، ثم استخلف آخر فأنكروا أمره كله ، ثم أن بني إسرائيل أتوا نبياً من أنبيائهم حين أوذوا في أنفسهم وأموالهم ، فقالوا له : سل ربك أن يكتب علينا القتال . فقال لهم ذلك النبي : { هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا . . . } الآية . فبعث الله طالوت ملكاً ، وكان في بني إسرائيل سبطان سبط نبوّة وسبط مملكة ، ولم يكن طالوت من سبط النبوّة ولا من سبط المملكة ، فلما بعث لهم ملكاً أنكروا ذلك وقالوا : { أنى يكون له الملك علينا } فقال : { إن الله اصطفاه عليكم } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله { ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى . . . } الآية . قال : هذا حين رفعت التوراة واستخرج أهل الإِيمان ، وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم ، فلما كتب عليهم القتال وذلك حين أتاهم التابوت قال : وكان من بني اسرائيل سبطان سبط نبوّة وسبط خلافة ، فلا تكون الخلافة إلا في سبط الخلافة ، ولا تكون النبوّة إلا في سبط النبوّة { فقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه } وليس من أحد السبطين ، لا من سبط النبوّة ولا من سبط الخلافة { قال إن الله اصطفاه عليكم . . . . } الآية فأبوا أن يسلموا له الرياسة حتى قال لهم { إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم } [ البقرة : 248 ] وكان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفعه منها ، وجمع ما بقي فجعله في التابوت ، وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت - والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحا - فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت ، فلما رأوا ذلك قالوا : نعم ، فسلموا له وملكوه ، وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالاً قدموا التابوت بين أيديهم . ويقولون : إن آدم نزل بذلك التابوت ، وبالركن ، وبعصا موسى من الجنة ، وبلغني أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية ، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن وهب بن منبه قال : خلف بعد موسى في بني إسرائيل يوشع بن نون يقيم فيهم التوارة وأمر الله حتى قبضه الله ، ثم خلف فيهم كالب بن يوقنا يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله ، ثم خلف فيهم حزقيل بن بورى وهو ابن العجوز ، ثم أن الله قبض حزقيل وعظمت في بني إسرائيل الأحداث ونسوا ما كان من عهد الله إليهم حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله ، فبعث إليهم إلياس بن نسي بن فنحاص بن العيزار بن هرون بن عمران نبياً .(2/132)
وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة ، وكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقال له أجان وكان يسمع منه ويصدقه ، فكان إلياس يقيم له أمره ، وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنماً يعبدونه ، فجعل إلياس يدعوهم إلى الله وجعلوا لا يسمعون منه شيئاً إلا ما كان من ذلك الملك ، والملوك متفرقة بالشام كل ملك له ناحية منها يأكلها ، فقال ذلك الملك لإِلياس : ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلاً ، أرى فلان وفلاناً - يعدد ملوك بني إسرائيل - قد عبدوا الأوثان ، وهم يأكلون ويشربون ويتنعمون ما ينقص من دنياهم ، فاسترجع إلياس وقام شعره ثم رفضه وخرج عنه ، ففعل ذلك الملك فعل أصحابه وعبد الأوثان .
ثم خلف من بعده فيهم اليسع فكان فيهم ما شاء الله أن يكون ، ثم قبضه الله إليه وخلفت فيهم الخلوف وعظمت فيهم الخطايا وعندهم التابوت يتوارثونه كابراً عن كابر ، فيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون ، وكان لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويرجعون به معهم إلا هزم الله ذلك العدو ، فلما عظمت أحداثهم وتركوا عهد الله إليهم ، نزل بهم عدو فخرجوا إليه وأخرجوا معهم التابوت كما كانوا يخرجونه ، ثم زحفوا به فقوتلوا حتى استلب من أيديهم ، فمرج أمرهم عليهم ووطئهم عدوهم حتى أصاب من أبنائهم ونسائهم ، وفيهم نبي لهم يقال له شمويل ، وهو الذي ذكره الله في قوله { ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم . . . } الآية . فكلموه وقالوا { ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله } .
وإنما كان قوام بني اسرائيل الاجتماع على الملوك وطاعة الملوك أنبياءهم ، وكان الملك هو يسير بالجموع والنبي يقوم له بأمره ويأتيه بالخبر من ربه ، فإذا فعلوا ذلك صلح أمرهم ، فإذا عتت ملوكهم وتركوا أمر أنبيائهم فسد أمرهم ، فكانت الملوك إذا تابعتها الجماعة على الضلالة تركوا أمر الرسل ، ففريقاً يكذبون فلا يقبلون منه شيئاً وفريقاً يقتلون ، فلم يزل ذلك البلاء بهم حتى قالوا له { ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله } فقال لهم : إنه ليس عندكم وفاء ، ولا صدق ، ولا رغبة في الجهاد . فقالوا : إنا كنا نهاب الجهاد ونزهد فيه ، إنا كنا ممنوعين في بلادنا لا يطأها أحد فلا يظهر علينا عدو ، فأما إذا بلغ ذلك فإنه لا بد من الجهاد ، فنطيع ربنا في جهاد عدونا ونمنع أبناءنا ونساءنا وذرارينا .(2/133)
فلما قالوا له ذلك سأل الله شمويل أن يبعث لهم ملكاً . فقال الله له : انظر القرن الذي فيه الدهن في بيتك ، فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن - فهو ملك بني إسرائيل - فادهن رأسه منه وملكه عليهم ، فأقام ينتظر متى ذلك الرجل داخلاً عليه ، وكان طالوت رجلاً دبَّاغاً يعمل الأدم ، وكان من سبط بنيامين بن يعقوب ، وكان سبط بنيامين سبطاً لم يكن فيهم نبوة ولا ملك ، فخرج طالوت في ابتغاء دابة له أضلته ومعه غلام ، فمرا ببيت النبي عليه السلام فقال غلام طالوت لطالوت : لو دخلت بنا على هذا النبي فسألناه عن أمر دابتنا فيرشدنا ويدعو لنا فيها بخير . فقال طالوت : ما بما قلت من بأس فدخلا عليه ، فبينما هما عنده يذكران له شأن دابتهما ويسألانه أن يدعو لهما فيها إذ نش الدهن الذي في القرن ، فقام النبي عليه السلام فأخذه ، ثم قال لطالوت : قرب رأسك فقربه ، فدهنه منه ثم قال : أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله أن أملكك عليهم ، وكان اسم طالوت بالسريانية شاول بن قيس بن أشال بن ضرار بن يحرب بن أفيح بن أنس بن يامين بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم ، فجلس عنده وقال : الناس ملك طالوت .
فأتت عظماء بني إسرائيل نبيهم فقالوا له : ما شأن طالوت تملك علينا وليس من بيت النبوة ولا المملكة ، قد عرفت أن النبوة والملك في آل لاوي وآل يهوذا؟! فقال لهم { إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن وهب بن منبه قال : قالت بنو إسرائيل لشمويل : ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله قال : قد كفاكم الله القتال . قالوا : إنا نتخوف من حولنا فيكون لنا ملك نفزع إليه ، فأوحى الله إلى شمويل : أن ابعث لهم طالوت ملكاً ، وادهنه بدهن القدس . وضلت حمر لأبي طالوت فأرسله وغلاماً له يطلبانها ، فجاؤوا إلى شمويل يسألونه عنها فقال : إن الله قد بعثك ملكاً على بني إسرائيل . قال : أنا؟! قال : نعم . قال : وما علمت أن سبطي ادنى أسباط بني إسرائيل؟ قال : بلى . قال : فبأي آية؟ قال : بآية أن ترجع وقد وجد أبوك حمره ، فدهنه بدهن القدس فقال لبني إسرائيل { إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنى يكون له الملك . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { إذ قالوا لنبي لهم } قال : شمؤل .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في الآية قال : هو يوشع بن نون .(2/134)
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مرة عن أبي عبيدة { إذ قالوا لنبي لهم } قال : هو الشمول ابن حنة بن العاقر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : كانت بنو إسرائيل يقاتلون العمالقة ، وكان ملك العمالقة جالوت ، وأنهم ظهروا على بني إسرائيل فضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم ، وكانت بنو إسرائيل يسألون الله أن يبعث لهم نبياً يقاتلون معه ، وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى ، فأخذوها فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدله بغلام لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها ، فجعلت تدعو الله أن يرزقها غلاماً ، فولدت غلاماً فسمته شمعون .
فكبر الغلام فاسلمته يتعلم التوراة في بيت المقدس ، وكفله شيخ من علمائهم وتبناه ، فلما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبياً أتاه جبريل والغلام نائم إلى جنب الشيخ ، وكان لا يأتمن عليه أحداً غيره ، فدعاه بلحن الشيخ يا شماؤل ، فقام الغلام فزعاً إلى الشيخ فقال : يا أبتاه دعوتني؟ فكره الشيخ أن يقول لا فيفزع الغلام ، فقال : يا بني ارجع فنم . فرجع فنام ، ثم دعاه الثانية فأتاه الغلام أيضاً فقال : دعوتني؟ فقال : ارجع فنم فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني .
فلما كانت الثالثة ظهر له جبريل فقال : اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك ، فإن الله قد بعثك فيهم نبياً ، فلما أتاهم كذبوه وقالوا : استعجلت بالنبوة ولم يأن لك ، وقالوا : إن كنت صادقاً فابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله آية نبوتك . فقال لهم شمعون : عسى أن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا { قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله . . . } الآية . فدعا الله فأتي بعصا تكون على مقدار طول الرجل الذي يبعث فيهم ملكاً . فقال : إن صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا . فقاسوا أنفسهم بها فلم يكونوا مثلها .
وكان طالوت رجلاً سقاء يسقي على حمار له ، فضلّ حماره ، فانطلق يطلبه في الطريق ، فلما رأوه دعوه فقاسوه بها فكان مثلها . فقال لهم نبيهم { إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً } قال القوم : ما كنت قط أكذب منك الساعة ، ونحن من سبط المملكة وليس هو من سبط المملكة ، ولم يؤت سعة من المال فنتبعه لذلك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم } قالوا : فإن كنت صادقاً فأتنا بآية ان هذا ملك . قال { إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت . . . } [ البقرة : 248 ] الآية . فأصبح التابوت وما فيه في دار طالوت ، فآمنوا بنبوة شمعون وسلموا بملك طالوت .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال : كان طالوت سقاء يبيع الماء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { قالوا أنى يكون له الملك علينا } قال : لم يقولوا ذلك ، إلا أنه كان في بني إسرائيل سبطان كان في أحدهما النبوة وفي الآخر الملك ، فلا يبعث نبي إلا من كان من سبط النبوة ، ولا يملك على الأرض أحد إلا من كان من سبط الملك ، وأنه ابتعث طالوت حين ابتعثه وليس من أحد السبطين { قال إن الله اصطفاه } يعني اختاره عليكم .(2/135)
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك في قوله { أنى } يعني من أين .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس { وزاده بسطة } يقول : فضيلة { في العلم والجسم } يقول : كان عظيماً جسيماً يفضل بني إسرائيل بعنقه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه في قوله { وزاده بسطة في العلم } قال : العلم بالحرب .
وأخرج ابن جرير عن وهب في قوله { والجسم } قال : كان فوق بني إسرائيل بمنكبيه فصاعداً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { والله يؤتي ملكه من يشاء } قال : سلطانه .
وأخرج ابن المنذر عن وهب أنه سئل أنبي كان طالوت؟ قال : لا ، لم يأته وحي .
وأخرج إسحق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ومن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله { ألم تر إلى الملأ } يعني ألم تخبر يا محمد عن الملأ { من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم } اشمويل { ابعث لنا ملكاً نقاتل } إلى قوله { وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا } يعني أخرجتنا العمالقة ، وكان رأس العمالقة يومئذ جالوت ، فسأل الله نبيهم أن يبعث لهم ملكاً .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى } قال : هم الذين قال الله { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } [ النساء : 77 ] .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { نحن أحق بالملك منه } قال : لأنه لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط الخلافة .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : بعث الله لهم طالوت ملكاً وكان من سبط لم تكن فيه مملكة ولا نبوة ، وكان في بني إسرائيل سبطان سبط نبوة وسبط مملكة ، فكان سبط النبوة سبط لاوي ، وكان سبط المملكة سبط يهوذا ، فلما بعث طالوت من غير سبط النبوة والمملكة أنكروا ذلك وعجبوا منه و { قالوا أنى يكون له الملك علينا } قالوا : كيف يكون له الملك علينا وليس من سبط النبوة ولا المملكة .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبيدة قال : كان في بني إسرائيل رجل له ضرتان ، وكانت إحداهما تلد والأخرى لا تلد ، فاشتد على التي لا تلد فتطهرت ، فخرجت إلى المسجد لتدعو الله فلقيها حكم بني اسرائيل - وحكماؤهم الذين يدبرون أمورهم - فقال : أين تذهبين؟ قالت : حاجة لي إلى ربي .(2/136)
قال : اللهم اقض لها حاجتها فعلقت بغلام وهو الشمول ، فلما ولدت جعلته محرراً ، وكانوا يجعلون المحرر إذا بلغ السعي في المسجد يخدم أهله ، فلما بلغ الشمول السعي دفع إلى أهل المسجد يخدم ، فنودي الشمول ليلة ، فأتى الحكم فقال : دعوتني؟ فقال : لا ، فلما كانت الليلة الأخرى دعي ، فأتى الحكم فقال : دعوتني؟ فقال : لا ، وكان الحكم يعلم كيف تكون النبوة فقال : دعيت البارحة الأولى؟ قال : نعم . قال : ودعيت البارحة؟ قال : نعم . قال : فإن دعيت الليلة فقل لبيك وسعديك والخير في يديك والمهدي من هديت ، أنا عبدك بين يديك مرني بما شئت .
فأوحي إليه ، فأتى الحكم فقال : دعيت الليلة؟ قال : نعم ، وأوحي إلي . قال : فذكرت لك بشيء؟ قال : لا عليك أن لا تسألني . قال : ما أبيت أن تخبرني إلا وقد ذكر لك شيء من أمري ، فألح عليه وأبى أن يدعه حتى أخبره . فقال : قيل لي : إنه قد حضرت هلكتك وارتشى ابنك في حكمك ، فكان لا يدبر أمراً إلا انتكث ولا يبعث جيشاً إلا هزم ، حتى بعث جيشاً وبعث معهم بالتوراة يستفتح بها فهزموا ، وأخذت التوراة فصعد المنبر وهو آسف غضبان ، فوقع فانكسرت رجله أو فخذه فمات من ذلك ، فعند ذلك قالوا لنبيهم : ابعث لنا ملكاً وهو الشمول بن حنة العاقر .(2/137)
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)
أخرج ابن المنذر من طريق الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال : أمرني عثمان بن عفان أن أكتب له مصحفاً فقال : إني جاعل معك رجلاً لسناً فصيحاً ، فما اجتمعتما عليه فاكتباه وما اختلفتما فيه فارفعا إليّ . قال زيد : فقلت أنا : التابوه . وقال أبان بن سعيد : التابوت . فرفعاه إلى عثمان فقال : التابوت ، فكتبت .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن عمرو بن دينار . أن عثمان بن عفان أمر فتيان المهاجرين والأنصار أن يكتبوا المصاحف ، قال : فما اخلفتم فيه فاجعلوه بلسان قريش . فقال المهاجرون : التابوت . وقال الأنصار : التابوه . فقال عثمان : اكتبوه بلغة المهاجرين . التابوت .
وأخرج ابن سعد والبخاري والترمذي والنسائي وابن أبي داود وابن الأنباري معاً في المصاحف وابن حبان والبيهقي في سننه من طريق الزهري عن أنس بن مالك . أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في قرى أرمينية واذربيجان مع أهل العراق ، فرأى حذيفة اختلافهم في القرآن فقال لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلف اليهود والنصارى ، فأرسل إلى حفصة أن ارسلي إلي بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلت حفصة إلى عثمان بالصحف ، فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، وعبد الله بن الزبير : أن انسخوا الصحف في المصاحف ، وقال للرهط القرشيين الثلاثة : ما اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانها . قال الزهري : فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه . فقال النفر القرشيون : التابوت . وقال زيد : التابوه . فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال : اكتبوا التابوت ، فإنه بلسان قريش نزل .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب بن منبه . أنه سئل عن تابوت موسى ما سعته؟ قال : نحو من ثلاثة أذرع في ذراعين .
أما قوله تعالى : { فيه سكينة من ربكم } .
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : السكينة الرحمة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : السكينة الطمأنينة .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : السكينة دابة قدر الهر لها عينان لهما شعاع ، وكان إذا التقى الجمعان أخرجت يديها ونظرت إليهم ، فيهزم الجيش من الرعب .
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه من لا يعرف من طريق خالد بن عرعرة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « السكينة ريح خجوج » .
وأخرج ابن جرير من طريق خالد بن عرعرة عن علي قال : السكينة ريح خجوج ولها رأسان .
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن عساكر والبيهقي في الدلائل من طريق أبي الأحوص عن علي قال : السكينة لها وجه كوجه الإِنسان ، ثم هي بعد ريح هفافة .(2/138)
وأخرج سفيان بن عيينة وابن جرير من طريق سلمة بن كهيل عن علي في قوله { فيه سكينة من ربكم } قال : ريح هفافة ، لها صورة ولها وجه كوجه الإِنسان .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن سعد بن مسعود الصدفي « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مجلس ، فرفع نظره إلى السماء ثم طأطأ نظره ، ثم رفعه فسئل عن ذلك؟ فقال : إن هؤلاء القوم كانوا يذكرون الله - يعني أهل مجلس أمامه - فنزلت عليهم السكينة تحملها الملائكة كالقبة ، فلما دنت منهم تكلم رجل منهم بباطل فرفعت عنهم » .
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال : السكينة من الله كهيئة الريح ، لها وجه كوجه الهر وجناحان وذنب مثل ذنب الهر .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير من طريق أبي مالك عن ابن عباس { فيه سكينة من ربكم } قال : طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيها قلوب الأنبياء ، ألقى موسى فيها الألواح .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه . أنه سئل عن السكينة؟ فقال : روح من الله تتكلم إذا اختلفوا في شيء تكلم ، فأخبرهم ببيان ما يريدون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { فيه سكينة } قال : فيه شيء تسكن إليه قلوبهم ، يعني ما يعرفون من الآيات يسكنون إليه .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة { فيه سكينة } أي وقار .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وبقية مما ترك آل موسى } قال : عصاه ، ورضاض الألواح .
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال : كان في التابوت عصا موسى ، وعصا هرون ، وثياب موسى ، وثياب هرون ، ولوحان من التوراة ، والمن ، وكلمة الفرج لا إله إلا الله الحليم الكريم ، وسبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين .
وأخرج إسحق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : البقية رضاض الألواح ، وعصا موسى ، وعمامة هرون ، وقباء هرون الذي كان فيه علامات الأسباط ، وكان فيه طست من ذهب فيه صاع من منّ الجنة ، وكان يفطر عليه يعقوب . أما السكينة فكانت مثل رأس هرة من زبرجدة خضراء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله { تحمله الملائكة } قال : أقبلت به الملائكة تحمله حتى وضعته في بيت طالوت ، فأصبح في داره .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { إن في ذلك لآية } قال : علامة .(2/139)
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : خرجوا مع طالوت وهم ثمانون ألفاً ، وكان جالوت من أعظم الناس وأشدهم بأساً ، فخرج يسير بين يدي الجند فلا تجتمع إليه أصحابه حتى يهزم هو من لقي ، فلما خرجوا قال لهم طالوت { إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني } فشربوا منه هيبة من جالوت ، فعبر منهم أربعة آلاف ورجع ستة وسبعون ألفاً ، فمن شرب منه عطش ، ومن لم يشرب منه إلا غرفة روي { فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه } فنظروا إلى جالوت رجعوا أيضاً و { قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } فرجع عنه ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون ، وجلس في ثلثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { إن الله مبتليكم بنهر } يقول : بالعطش ، فلما انتهوا إلى النهر - وهو نهر الأردن - كرع فيه عامة الناس فشربوا ، فلم يزد من شرب إلا عطشاً ، وأجزأ من اغترف غرفة بيده وانقطع الظمأ عنه .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { فلما فصل طالوت بالجنود } غازياً إلى جالوت قال طالوت لبني إسرائيل { إن الله مبتليكم بنهر } بين فلسطين والأردن ، نهر عذب الماء طيبه ، فشرب كل إنسان كقدر الذي في قلبه ، فمن اغترف غرفة واطاعه روي بطاعته ، ومن شرب فأكثر عصى فلم يرو { فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه } قال الذين شربوا { لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون } الذين اغترفوا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { إن الله مبتليكم بنهر } قال : نهر فلسطين .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في الآية قال : كان الكفار يشربون فلا يروون ، وكان المسلمون يغترفون غرفة فيجزئهم ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : في تلك الغرفة ما شربوا وسقوا دوابهم .
وأخرج سعيد بن منصور عن عثمان بن عفان أنه قرأ { إلا من اغترف غرفة } بضم الغين .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { فشربوا منه إلا قليلاً منهم } قال : القليل ثلثمائة وبضعة عشر ، عدة أهل بدر .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن البراء قال : كنا أصحاب محمد نتحدث أن أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ، ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلثمائة .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر « أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي ، وكان الصحابة يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً » .(2/140)
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال : كان عدة أصحاب طالوت يوم جالوت ثلثمائة وبضعة عشر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيدة قال : عدة الذين شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بدراً كعدد الذين جاوزوا مع طالوت النهر ، عدتهم ثلثمائة وثلاثة عشر .
وأخرج إسحق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : كانوا ثلثمائة ألف وثلاثة آلاف وثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، فشربوا منه كلهم إلا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، عدة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، فردهم طالوت ومضى في ثلثمائه وثلاثة عشر ، وكان اشمويل دفع إلى طالوت درعاً فقال له : من استوى هذا الدرع عليه فإنه يقتل جالوت بإذن الله تعالى ، ونادى منادي طالوت ، من قتل جالوت زوجته ابنتي ، وله نصف ملكي ومالي . وكان الله سبب هذا الأمر على يدي داود بن ايشا ، وهو من ولد خصرون بن فارض بن يهود بن يعقوب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { الذين يظنون أنهم ملاقو الله } قال : الذين يستيقنون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { الذين يظنون أنهم ملاقو الله } قال : الذين شروا أنفسهم لله ووطنوها على الموت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : تلقى المؤمنين بعضهم أفضل من بعض جداً ، وعزماً وهم كلهم مؤمنون(2/141)
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كان طالوت أميراً على الجيش ، فبعث أبو داود بشيء إلى إخوته فقال داود لطالوت : ماذا لي واقتل جالوت؟ فقال : لك ثلث ملكي وأنكحك ابنتي ، فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات ، ثم سمى إبراهيم وإسحق ويعقوب ، ثم أدخل يده فقال : بسم الله إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب ، فخرج على إبراهيم فجعله في مرجمته فرمى بها جالوت ، فخرق ثلاثة وثلاثين بيضة على رأسه ، وقتلت مما وراءه ثلاثين ألفاً .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : لما برز طالوت لجالوت قال جالوت : ابرزوا لي من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم ، فأتي بداود إلى طالوت فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكمه في ماله ، فألبسه طالوت سلاحاً فكره داود أن يقاتله بسلاح ، وقال : إن الله إن لم ينصرني عليه لم يغن السلاح شيئاً ، فخرج إليه بالمقلاع ومخلاة فيها أحجار ، ثم برز له جالوت فقال أنت تقاتلني؟! قال داود : نعم . قال : ويلك ما خرجت إلاَّ كما تخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة! لأبددن لحمك ولأطعمنه اليوم للطير والسباع . فقال له داود : بل أنت عدوّ الله شر من الكلب ، فأخذ داود حجراً فرماه بالمقلاع ، فأصابت بين عينيه حتى نفذت في دماغه ، فصرخ جالوت وانهزم من معه واحتز رأسه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : عبر يومئذ النهر مع طالوت أبو داود فيمن عبر مع ثلاثة عشر ابناً له وكان داود أصغر بنيه ، وأنه أتاه ذات يوم فقال : يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئاً إلا صرعته ، قال : أبشر فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك ، ثم أتاه يوماً آخر فقال : يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسداً رابضاً فركبت عليه وأخذت بأذنيه فلم يهجني . فقال : أبشر يا بني فإن هذا خير يعطيكه الله ، ثم أتاه يوماً آخر فقال : يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبح ، فما يبقى جبل إلا سبح معي . قال : أبشر يا بني فإن هذا خير أعطاكه الله ، وكان داود راعياً ، وكان أبوه خلفه يأتي إليه وإلى إخوته بالطعام فأتى النبي بقرن فيه دهن وبثوب من حديد ، فبعث به إلى طالوت فقال : إن صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حين يدهن منه ولا يسيل على وجهه يكون على رأسه كهيئة الاكليل ، ويدخل في هذا الثوب فيملأه ، فدعا طالوت بني إسرائيل فجربه فلم يوافقه منهم أحد ، فلما فرغوا قال طالوت لأبي داود : هل بقي لك ولد لم يشهدنا؟ قال : نعم ، بقي ابني داود وهو يأتينا بطعامنا ، فلما أتاه داود مر في الطريق بثلاثة أحجار ، فكلمنه وقلن له : يا داود خذنا تقتل بنا جالوت ، فأخذهن فجعلهن في مخلاته ، وقد كان طالوت قال : من قتل جالوت زوجته ابنتي وأجريت خاتمه في ملكي ، فلما جاء داود وضعوا القرن على رأسه فغلى حتى ادهن منه ، ولبس الثوب فملأه ، وكان رجلاً مسقاماً مصفاراً ولم يلبسه أحد إلا تقلقل فيه ، فلما لبسه داود تضايق عليه الثوب حتى تنقص ، ثم مشى إلى جالوت .(2/142)
وكان جالوت من أجسم الناس وأشدهم ، فلما نظر إلى داود قذف في قلبه الرعب منه ، وقال له : يا فتى ، ارجع فإني أرحمك ان أقتلك . فقال داود : لا بل أنا أقتلك .
وأخرج الحجارة فوضعها في القذافة ، كلما رفع حجراً سماه فقال : هذا باسم أبي إبراهيم ، والثاني باسم أبي إسحق ، والثالث باسم أبي إسرائيل ، ثم أدار القذافة فعادت الأحجار حجراً واحداً ، ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت فثقبت رأسه فقتله ، ثم لم تزل تقتل كل إنسان تصيبه تنفذ منه حتى لم يكن بحيالها أحد ، فهزموهم عند ذلك ، وقتل داود جالوت ورجع طالوت فأنكح داود ابنته ، وأجرى خاتمه في ملكه ، فمال الناس إلى داود وأحبوه .
فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده فأراد قتله ، فعلم به داود فسجى له زق خمر في مضجعه ، فدخل طالوت إلى منام داود وقد هرب داود ، فضرب الزق ضربة فحرقه ، فسالت الخمر منه فقال : يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر . ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم ، فوضع سهمين عن رأسه وعند رجليه ، وعن يمينه وعن شماله سهمين ، فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال : يرحم الله داود هو خير مني ، ظفرت به فقتلته وظفر بي فكف عني .
ثم إنه ركب يوماً فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس ، فقال طالوت : اليوم أقتل داود . وكان داود إذا فزع لا يدرك . فركض على أثره طالوت ، ففزع داود فاشتد فدخل غاراً ، وأوحى الله إلى العنكبوت فضربت عليه بيتاً ، فلما انتهى طالوت إلى الغار نظر إلى بناء العنكبوت فقال : لو كان دخل ههنا لخرق بيت العنكبوت ، فتركه وملك داود بعدما قتل طالوت ، وجعله الله نبياً وذلك قوله { وآتاه الله الملك والحكمة } قال : الحكمة هي النبوة ، آتاه نبوة شمعون وملك طالوت .
وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحق وابن عساكر عن مكحول قالا : زعم أهل الكتاب أن طالوت لما رأى انصراف بني إسرائيل عنه إلى داود همَّ بأن يغتال داود ، فصرف الله ذلك عنه ، وعرف طالوت خطيئته والتمس التنصل منها والتوبة ، فأتى إلى عجوز كانت تعلم الإِسم الذي يدعى به ، فقال لها : إني قد أخطأت خطيئة لن يخبرني عن كفارتها إلا اليسع ، فهل أنت منطلقة معي إلى قبره ، فداعية الله ليبعثه حتى أسأله؟ قالت : نعم .(2/143)
فانطلق بها إلى قبره ، فصلت ركعتين ودعت ، فخرج اليسع إليه فسأله ، فقال : إن كفارة خطيئتك أن تجاهد بنفسك وأهل بيتك حتى لا يبقى منكم أحد ، ثم رجع اليسع إلى موضعه ، وفعل ذلك طالوت حتى هلك وهلك أهل بيته ، فاجتمعت بنو إسرائيل على داود ، فأنزل الله عليه وعلمه صنعة الحديد فألانه له ، وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا سبح ، ولم يعط أحداً من خلقه مثل صوته ، وكان إذا قرأ الزبور ترنو إليه الوحش حتى يؤخذ بأعناقها وإنها المصغية تستمع له ، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والنوح إلا على أصناف صوته .
أما قوله تعالى : { ولولا دفع الله } الآية .
أخرج ابن جرير وابن عدي بسند ضعيف عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء » ، ثم قرأ ابن عمر { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض } .
وأخرج ابن جرير بسند ضعيف عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ، ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم » .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض } قال : يدفع الله بمن يصلي عمن لا يصلي ، وبمن يحج عمن لا يحج ، وبمن يزكي عمن لا يزكي .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { ولولا دفع الله الناس . . . } الآية . يقول : ولولا دفاع الله بالبر عن الفاجر ، ودفعه ببقية أخلاق الناس بعضهم عن بعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض . . . } الآية . قال : يبتلي الله المؤمن بالكافر ، ويعافي الكافر بالمؤمن .
وأخرج ابن جرير عن الربيع { لفسدت الأرض } يقول : لهلك من في الأرض .
وأخرج ابن جرير عن أبي مسلم . سمعت علياً يقول : لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم .
وأخرج أحمد والحكيم الترمذي وابن عساكر عن علي « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الابدال بالشام ، وهم أربعون رجلاً ، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً ، يسقي بهم الغيث ، وينتصر بهم على الأعداء ، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب » ولفظ ابن عساكر : « ويصرف عن أهل الأرض البلاء والغرق » .
وأخرج الخلال في كتاب كرامات الأولياء عن علي بن أبي طالب قال : إن الله ليدفع عن القرية بسبعة مؤمنين يكونون فيهم .
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/144)
« لن تخلو الأرض من أربعين رجلاً مثل خليل الرحمن ، فيهم تسقون وبهم تنصرون ، ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه آخر » .
وأخرج الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الابدال في أمتي ثلاثون ، بهم تقوم الأرض ، وبهم تمطرون ، وبهم تنصرون » .
وأخرج أحمد في الزهد والخلال في كرامات الأولياء بسند صحيح عن ابن عباس قال : ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض .
وأخرج الخلال بسند ضعيف عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يزال أربعون رجلاً يحفظ الله بهم الأرض ، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر ، فهم في الأرض كلها » .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يزال أربعون رجلاً من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام يدفع الله بهم عن أهل الأرض ، يقال لهم الابدال ، إنهم لن يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا بصدقة . قالوا : يا رسول الله فيم أدركوها؟! قال : بالسخاء والنصيحة للمسلمين » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لله عز وجل في الخلق ثلثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام ، ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى عليه السلام ، ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام ، ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام ، ولله في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام ، فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة ، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة ، وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة ، وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين ، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلثمائة ، وإذا مات من الثلثمائة أبدل الله مكانه من العامة ، فيهم يحيي ، ويميت ، ويمطر ، وينبت ، ويدفع البلاء . قيل لعبد الله بن مسعود : كيف بهم يحيي ويميت؟ قال : لأنهم يسألون الله إكثار الأمم فيكثرون ، ويدعون على الجبابرة فيقصمون ، ويستسقون فيسقون ، ويسألون فينبت لهم الأرض ، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء » .
وأخرج الطبراني وابن عساكر عن عوف بن مالك قال : لا تسبوا أهل الشام ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « فيهم الابدال ، بهم تنصرون وبهم ترزقون » .
وأخرج ابن حبان في تاريخه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(2/145)
« لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الله ، بهم تغاثون ، وبهم ترزقون ، وبهم تمطرون » .
وأخرج ابن عساكر عن قتادة قال : لن تخلو الأرض من أربعين ، بهم يُغاثُ الناس ، وبهم ينصرون ، وبهم يرزقون ، كلما مات منهم أحد أبدل الله مكانه رجلاً . قال قتادة : والله إني لأرجو أن يكون الحسن منهم .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال : لم يزل على وجه الأرض في الدهر سبعة مسلمون فصاعداً ، فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها .
وأخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال : لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض ويخرج بركتها ، إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده .
وأخرج أحمد بن حنبل في الزهد والخلال في كرامات الأولياء عن ابن عباس قال : ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض .
وأخرج أحمد في الزهد عن كعب قال : لم يزل بعد نوح في الأرض أربعة عشر يدفع الله بهم العذاب .
وأخرج الخلال في كرامات الأولياء عن زاذان قال : ما خلت الأرض بعد نوح من اثني عشر فصاعداً يدفع الله بهم عن أهل الأرض .
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن مجاهد قال : لم يزل على الأرض سبعة مسلمون فصاعداً ، ولولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها .
وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة عن زهير بن محمد قال : لم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعداً ، ولولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها .
وأخرج ابن عساكر عن أبي الزاهرية قال : الابدال ثلاثون رجلاً بالشام ، بهم تجاورون وبهم ترزقون ، إذا مات منهم رجل ابدل الله مكانه .
وأخرج الخلال في كرامات الأولياء عن إبراهيم النخعي قال : ما من قرية ولا بلدة لا يكون فيها من يدفع الله به عنهم .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء عن أبي الزناد قال : لما ذهبت النبوّة وكانوا أوتاد الأرض أخلف الله مكانهم أربعين رجلاً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقال لهم الابدال ، لا يموت الرجل منهم حتى ينشىء الله مكانه آخر يخلفه ، وهم أوتاد الأرض ، قلوب ثلاثين منهم على مثل يقين إبراهيم ، لم يفضلوا الناس بكثرة الصلاة ولا بكثرة الصيام ولكن بصدق الورع ، وحسن النية ، وسلامة القلوب ، والنصيحة لجميع المسلمين .
وأخرج البخاري ومسلم وابن ماجة عن معاوية بن أبي سفيان « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس » .
وأخرج مسلم والترمذي وابن ماجة عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(2/146)
« لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك » .
وأخرج البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون » .
وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله عز وجل لا يضرها من خالفها » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة » .
وأخرج مسلم والحاكم وصححه عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يزال هذا الدين قائماً يقاتل عليه المسلمون حتى تقوم الساعة » .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال » .
وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة » .
وأخرج ابن جرير والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي منبه الخولاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن الله . وفي لفظ : لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته » .
وأخرج مسلم عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوّهم ، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك » .
وأخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة » .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها » .
وأخرج الحاكم في مناقب الشافعي عن الزهري قال : فلما كان في رأس المائة منَّ الله على هذه الأمة بعمر بن عبد العزيز .
وأخرج البيهقي في المدخل والخطيب من طريق أبي بكر المروزي قال : قال أحمد بن حنبل : إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبراً قلت فيها بقول الشافعي ، لأنه ذكر في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم « إن الله يقيض في رأس كل مائة سنة من يعلم الناس السنن وينفي عن النبي صلى الله عليه وسلم الكذب ، فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز ، وفي رأس المائتين الشافعي » .(2/147)
وأخرج النحاس عن سفيان بن عيينة قال : بلغني أنه يخرج في كل مائة سنة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من العلماء يقوي الله عز وجل به الدين ، وأن يحيى بن آدم عندي منهم .
وأخرج الحاكم في مناقب الشافعي عن أبي الوليد حسان بن محمد الفقيه قال : سمعت شيخاً من أهل العلم يقول لأبي العباس بن سريج : أبشر أيها القاضي ، فإن الله منَّ على المؤمنين بعمر بن عبد العزيز على رأس المائة فأظهر كل سنة وأمات كل بدعة ، ومن الله على رأس المائتين بالشافعي حتى أظهر السنة وأخفى البدعة ، ومن الله على رأس الثلثمائة بك حتى قويت كل سنة وضعفت كل بدعة .(2/148)
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فضلنا بعضهم على بعض } قال : اتخذ الله إبراهيم خليلاً ، وكلم موسى تكليماً ، وجعل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ، وهو عبد الله وكلمته وروحه ، وآتى داود زبوراً ، وآتى سليمان ملكاً لا ينبغى لأحد من بعده ، وغفر لمحمد ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
وأخرج آدم بن أبي إياس وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله { منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات } قال : كلم الله موسى ، وأرسل محمداً إلى الناس كافة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر هو الشعبي { ورفع بعضهم درجات } قال : محمداً صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : أتعجبون؟ الخلة لإِبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن المنذر عن الربيع بن المنذر عن الربيع بن خيثم قال : لا أفضل على نبينا أحداً ، ولا أفضل على إبراهيم خليل الرحمن أحداً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات } يقول : من بعد موسى وعيسى .
وأخرج ابن عساكر بسندٍ واهٍ عن ابن عباس قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وعنده أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، ومعاوية ، إذ أقبل علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية « أتحب علياً؟قال : نعم . قال : إنها ستكون بينكم هنيهة . قال : معاوية : فما بعد ذلك يا رسول الله؟ قال : عفو الله ورضوانه . قال رضينا بقضاء الله ورضوانه ، فعند ذلك نزلت هذه الآية { ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد } » .(2/149)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم } في الزكاة والتطوّع .
وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال : يقال نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن ونسخ شهر رمضان كل صوم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : قد علم الله أن أناساً يتخالون في الدنيا ويشفع بعضهم لبعض ، فأما يوم القيامة فلا خلة إلا خلة المتقين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار قال : الحمد لله الذي قال { والكافرون هم الظالمون } ولم يقل : والظالمون هم الكافرون . والله أعلم .(2/150)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)
أخرج أحمد واللفظ له ومسلم وأبو داود وابن الضريس والحاكم والهروي في فضائله عن أبي كعب « أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال : آية الكرسي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } قال ليهنك العلم أبا المنذر ، والذي نفسي بيده إن لها لساناً وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش » .
وأخرج النسائي وأبو يعلى وابن حبان وأبو الشيخ في العظمة والطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن أبي بن كعب : « أنه كان له جرن فيه تمر فكان يتعاهده فوجده ينقص ، فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم ، قال : فسلمت فرد السلام فقلت : ما أنت؟! جني أم أنسي؟ قال : جني . قلت ناولني يدك . فناولني فإذا يداه يدا كلب وشعره شعر كلب ، فقلت : هكذا خلق الجن؟ قال : لقد علمت الجن أن ما فيهم من هو أشد مني . قلت : ما حملك على ما صنعت؟ قال : بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك . فقال له أبي : فما الذي يجيرنا منكم؟ قال : هذه الآية ، آية الكرسي التي في سورة البقرة ، من قالها حتى يمسي أُجِيرَ مِنَّا حتى يصبح ، ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي . فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخبره ، فقال : » صدق الخبيث « » .
وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني وأبو نعيم في المعرفة بسند رجاله ثقات عن ابن الأسقع البكري « أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في صفة المهاجرين ، فسأله إنسان أي آية في القرآن أعظم؟ فقال النبي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم } حتى انقضت الآية » .
وأخرج أحمد وابن الضريس والهروي في فضائله عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم . سأل رجلاً من أصحابه هل تزوّجت؟ قال : لا ، وليس عندي ما أتزوج به . قال : أو ليس معك { قل هو الله أحد } [ الإِخلاص : 1 ] ؟ قال : بلى . قال : ربع القرآن ، أليس معك { قل يا أيها الكافرون } [ الكافرون : 1 ] ؟ قال : بلى . قال : ربع القرآن ، أليس معك { إذا زلزلت } [ الزلزلة : 1 ] ؟ قال : بلى . قال : ربع القرآن ، أليس معك { إذا جاء نصر الله } [ النصر : 1 ] ؟ قال : بلى . قال : ربع القرآن ، أليس معك آية الكرسي؟ قال : بلى . قال : فتزوج » .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ في دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي حفظ إلى الصلاة الأخرى ، ولا يحافظ عليها إلا نبي أو صديق أو شهيد » .(2/151)
وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أتدرون أي القرآن أعظم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم! قال : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } إلى آخر الآية » . وأخرج الطبراني بسند حسن عن الحسن بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى » .
وأخرج أبو الحسن محمد بن أحمد بن شمعون الواعظ في أماليه وابن النجار عن عائشة « أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فشكا إليه أن ما في بيته ممحوق من البركة ، فقال : أين أنت من آية الكرسي ، ما تليت على طعام ولا إدام إلا أنمى الله بركة ذلك الطعام والإِدام » .
وأخرج الدارمي عن أيفع بن عبد الله الكلاعي قال : « قال رجل : يا رسول الله أي آية في كتاب الله أعظم؟ قال : » آية الكرسي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } قال : فأي آية في كتاب الله تحب أن تصيبك وأمتك؟ قال : آخر سورة البقرة ، فإنها من كنز الرحمة من تحت عرش الله ، ولم تترك خيراً في الدنيا والآخرة إلا اشتملت عليه « .
وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة أعطاه الله قلوب الشاكرين ، وأعمال الصديقين ، وثواب النبيين ، وبسط عليه يمينه بالرحمة ، ولم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت فيدخلها « .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان من طريق محمد بن الضوء بن الصلصال بن الدلهمس عن أبيه عن جده » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يكن بينه وبين أن يدخل الجنة إلا أن يموت ، فإن مات دخل الجنة « .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن الضريس والطبراني والهروي في فضائله والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود أن أعظم آية في كتاب الله { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } .
وأخرج أبو عبيد وابن الضريس ومحمد بن نصر عن ابن مسعود قال : ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار أعظم من آية في سورة البقرة { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن الضريس والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال : ما من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من آية الكرسي .
وأخرج أبو عبيد في فضائله والدارمي والطبراني وأبو نعيم في دلائل النبوة والبيهقي عن ابن مسعود قال : خرج رجل من الإِنس ، فلقيه رجل من الجن فقال : هل لك أن تصارعني؟ فإن صرعتني علمتك آية إذا قرأتها حين تدخل بيتك لم يدخله شيطان ، فصارعه فصرعه الإِنسي .(2/152)
فقال : تقرأ آية الكرسي ، فإنه لا يقرأها أحد إذا دخل بيته إلا خرج الشيطان له خبج كخبج الحمار . فقيل لابن مسعود : أهو عمر؟ قال : من عسى أن يكون إلا عمر . الخبج الضراط .
وأخرج المحاملي في فوائده عن ابن مسعود قال : « قال رجل : يا رسول الله علمني شيئاً ينفعني الله به . قال » اقرأ آية الكرسي فإنه يحفظك وذريتك ويحفظ دارك ، حتى الدويرات حول دارك « » .
وأخرج ابن مردويه والشيرازي في الألقاب والهروي في فضائله عن ابن عمر . أن عمر بن الخطاب خرج ذات يوم إلى الناس فقال : أيكم يخبرني بأعظم آية في القرآن ، وأعدلها ، وأخوفها ، وأرجاها؟ فسكت القوم . فقال ابن مسعود : على الخبير سقطت « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أعظم آية في القرآن { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } وأعدل آية في القرآن { إن الله يأمر بالعدل والإِحسان } [ النحل : 90 ] إلى آخرها ، وأخوف آية في القرآن { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره } [ الزلزلة : 7-8 ] وأرجى آية في القرآن { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } [ الزمر : 53 ] » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ آخر سورة البقرة ، أو آية الكرسي ضحك ، وقال : إنهما من كنز الرحمن تحت العرش ، وإذا قرأ { من يعمل سوءاً يجز به } [ النساء : 123 ] استرجع واستكان » .
وأخرج ابن الضريس ومحمد بن نصر والهروي في فضائله عن ابن عباس قال : ما خلق الله؛ من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من سورة البقرة ، وأعظم آية فيها آية الكرسي .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن المنذر وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف . أنه كان إذا دخل منزله قرأ في زواياه آية الكرسي .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب قال : سيد آي القرآن { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } .
وأخرج البيهقي عن علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول : « من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ، ومن قرأها حين يأخذ مضجعه أمنه الله على داره ودار جاره ، وأهل دويرات حوله » .
وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة والدارمي ومحمد بن نصر وابن الضريس عن علي قال : ما أرى رجلاً ولد في الإِسلام أو أدرك عقله الإِسلام يبيت أبداً حتى يقرأ هذه الآية { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ولو تعلمون ما هي ، إنما أعطيها نبيكم من كنز تحت العرش ، ولم يعطها أحد قبل نبيكم ، وما بت ليلة قط حتى اقرأها ثلاث مرات ، اقرأوها في الركعتين بعد العشاء الآخرة ، وفي وتري ، وحين آخذ مضجعي من فراشي .(2/153)
وأخرج أبو عبيد عن عبد الله بن رباح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب : « أبا المنذر أي آية في القرآن أعظم؟ قال : الله ورسوله أعلم! قال : أبا المنذر أي آية في كتاب الله أعظم قال : الله ورسوله أعلم! قال : أبا المنذر أي آية في كتاب الله عز وجل أعظم؟ قال : الله ورسوله أعلم ، فقال : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } قال : فضرب صدره وقال : ليهنك العلم أبا المنذر » .
وأخرج ابن راهويه في مسنده عن عوف بن مالك قال : جلس أبو ذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : « يا رسول الله أيما أنزل الله عليك أعظم؟ قال { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } حتى تختم » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان ومحمد بن نصر الطبراني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن معاذ بن جبل قال « ضم إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر الصدقة ، جعلته في غرفة لي ، فكنت أجد فيه كل يوم نقصاناً ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : هو عمل الشيطان فأرصده ، فرصدته ليلاً ، فلما ذهب هوى من الليل أقبل على صورة الفيل ، فلما انتهى إلى الباب دخل من خلل الباب على غير صورته ، فدنا من التمر فجعل يلتقمه ، فشددت على ثيابي فتوسطته ، فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، يا عدو الله وثبت إلى تمر الصدقة فأخذته وكانوا أحق به منك ، لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفضحك - فعاهدني أن لا يعود ، فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما فعل أسيرك؟ فقلت : عاهدني أن لا يعود . فقال : إنه عائد فأرصده ، فرصدته الليلة الثانية ، فصنع مثل ذلك ، وصنعت مثل ذلك ، فعاهدني أن لا يعود ، فخليت سبيله ، ثم غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته . فقال : إنه عائد فأرصده ، فَرَصَدْتُهُ الليلة الثالثة فصنع مثل ذلك ، وصنعت مثل ذلك ، فقلت : يا عدو الله عاهدتني مرتين وهذه الثالثة . فقال : إني ذو عيال وما أتيتك إلا من نصيبين ، ولو أصبت شيئاً دونه ما أتيتك ، ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى بعث صاحبكم ، فلما نزلت عليه آيتان انفرتنا منها فوقعنا بنصيبين ، ولا تقرآن في بيت إلا لم يلج فيه الشيطان ثلاثاً ، فإن خليت سبيلي علمتكهما . قلت : نعم . قال : آية الكرسي ، وآخر سورة البقرة { آمن الرسول } [ البقرة : 285 ] إلى آخرها . فخليت سبيله ، ثم غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قال . فقال : صدق الخبيث وهو كذوب . قال : فكنت أقرأهما بعد ذلك فلا أجد فيه نقصاناً » .(2/154)
وأخرج الطبراني في السنة عن ابن عباس { الله لا إله إلا هو } يريد الذي ليس معه شريك ، فكل معبود من دونه فهو خلق من خلق لا يضرون ولا ينفعون ، ولا يملكون رزقاً ولا حياة ولا نشوراً { الحي } يريد الذي لا يموت { القيوم } الذي لا يبلى { لا تأخذه سنة } يريد النعاس { ولا نوم من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } يريد الملائكة مثل قوله { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } [ الأنبياء : 28 ] { يعلم ما بين أيديهم } يريد من السماء إلى الأرض { وما خلفهم } يريد ما في السموات { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } يريد مما أطلعهم على علمه { وسع كرسيه السماوات والأرض } يريد هو أعظم من السموات السبع والأرضين السبع { ولا يؤوده حفظهما } يريد ولا يفوته شيء مما في السموات والأرض { وهو العلي العظيم } يريد لا أعلى منه ، ولا أعظم ، ولا أعز ، ولا أجل ، ولا أكرم .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي رحزة يزيد بن عبيد الساعي قال : « لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أتاه وفد من بني فزارة ، فقالوا : يا رسول الله ادع ربك أن يغيثنا ، واشفع لنا إلى ربك ، وليشفع ربك إليك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويلك هذا أنا شفعت إلى ربي فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه ، لا إله إلا هو العظيم ، وسع كرسيه السموات والأرض ، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرجل الحديد! » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان ومحمد بن نصر والطبراني وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أسيد الساعدي . « أنه قطع تمر حائطه فجعله في غرفة ، فكانت الغول تخالفه إلى مشربته فتسرق تمره وتفسده عليه ، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : » تلك الغول يا أبا أسيد ، فاستمع عليها فإذا سمعت اقتحامها قل : بسم الله أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت الغول : يا أبا أسيد اعفني أن تكلفني أن أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعطيك موثقاً من الله أن لا أخالفك إلى بيتك ولا أسرق تمرك ، وأدلك على آية تقرأها على بيتك فلا تخالف إلى أهلك ، وتقرأها على إنائك فلا يكشف غطاؤه ، فأعطته الموثق الذي رضي به منها . فقالت : الآية التي أدلك عليها هي آية الكرسي . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم . فقص عليه القصة ، فقال : صدقت وهي كذوب « .(2/155)
وأخرج النسائي والروياني في مسنده وابن حبان والدارقطني والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الدعاء والطبراني وابن مردويه والهروي في فضائله والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي أمامة يرفعه « قال : اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث سور : سورة البقرة ، وآل عمران ، وطه ، قال أبو أمامة : فالتمستها فوجدت في البقرة في آية الكرسي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } وفي آل عمران { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } [ آل عمران : 2 ] وفي طه { وعنت الوجوه للحي القيوم } [ طه : 111 ] » .
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلاً على أبي أيوب في غرفة ، وكان طعامه في سلة في المخدع ، فكانت تجيء من الكوّة كهيئة السنور تأخذ الطعام من السلة ، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : تلك الغول فإذا جاءت فقل : عزم عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحي . فجاءت فقال لها أبو أيوب : عزم عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحي . فقالت : يا أبا أيوب دعني هذه المرة فوالله لا أعود ، فتركها ثم قالت : هل لك أن أعلمك كلمات إذا قلتهن لا يقرب بيتك شيطان تلك الليلة وذلك اليوم ومن الغد؟ قال : نعم . قالت : اقرأ آية الكرسي . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره . فقال : صدقت وهي كذوب » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان وأبو الشيخ في العظمة والطبراني والحاكم وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أيوب « أنه كان في سهوة له ، فكانت الغول تجيء فتأخذ ، فشكاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إذا رأيتها فقل : بسم الله أجيبي رسول الله . فجاءت فقال لها . فأخذها فقالت : إني لا أعود . فأرسلها فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ما فعل أسيرك؟ قال : أخذتها فقالت : إني لا أعود . فأرسلتها . فقال : إنها عائدة . فأخذها مرتين أو ثلاثاً كل ذلك تقول : لا أعود ، ويجيء النبي صلى الله عليه وسلم . فيقول : ما فعل أسيرك؟ فيقول : أخذتها فتقول : لا أعود . فقال : إنها عائدة . فأخذها فقالت : أرسلني وأعلمك شيئاً تقوله فلا يقربك شيء آية الكرسي . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : صدقت وهي كذوب » .
وأخرج أحمد وابن الضريس والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي ذر قال « قلت يا رسول الله : أيما أنزل عليك أعظم؟ قال : آية الكرسي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } » .(2/156)
وأخرج ابن السني عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : « من قرأ آية الكرسي ، وخواتيم سورة البقرة عند الكرب أغاثه الله » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً « أوحى الله إلى موسى بن عمران : أن اقرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة ، فإنه من يقرأها في دبر كل صلاة مكتوبة أجعل له قلب الشاكرين ، ولسان الذاكرين ، وثواب النبيين ، وأعمال الصديقين ، ولا يواظب على ذلك إلا نبي ، أو صديق ، أو عبد امتحنت قلبه بالإِيمان ، أو أريد قتله في سبيل الله . قال ابن كثير : منكر جداً » .
وأخرج أحمد والطبراني عن أبي أمامة قال : « قلت : يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم؟ قال { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } آية الكرسي » .
وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق علي بن الحسين عن أبيه عن أمه فاطمة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دنا ولادها أمر أم سلمة وزينب بنت جحش أن يأتيا فاطمة ، فيقرأ عندها آية الكرسي و { إن ربكم الله } [ الأعراف : 54 ] إلى آخر الآية ، ويعوّذاها بالمعوّذتين » .
وأخرج الديلمي عن علي بن أبي طالب قال : ما أرى رجلاً أدرك عقله في الإِسلام يبيت حتى يقرأ هذه الآية { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ولو تعلمون ما فيها لما تركتموها على حال ، إن رسول الله قال « أعطيت آية الكرسي من كنز تحت العرش ، ولم يؤتها نبي قبلي . قال علي : فما بت ليلة قط منذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقرأها » .
وأخرج الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري قال : كان لي تمر في سهوة لي ، فجعلت أراه ينقص منه ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « إنك ستجد فيه غداً هرة فقل : أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما كان الغد وجدت فيه هرة فقلت : أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتحوّلت عجوزاً وقالت : أذكرك الله لما تركتني ، فأني غير عائدة . فتركتها فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما فعل الرجل؟ فأخبرته بخبرها . فقال : كذبت وهي عائدة . فقل لها : أجيبي رسول الله ، فتحوّلت عجوزاً . وقالت : أذكرك الله يا أبا أيوب لما تركتني هذه المرة فإني غير عائدة . فتركتها ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال كما قال لي ، فعلت ذلك ثلاث مرات ، فقالت لي في الثالثة : أذكرك الله يا أبا أيوب حتى أعلمك شيئاً لا يسمعه شيطان فيدخل ذلك البيت فقلت : ما هو؟ فقالت : آية الكرسي لا يسمعها شيطان إلا ذهب ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : صدقت وإن كانت كذوباً » .(2/157)
وأخرج الطبراني عن أبي أيوب قال : « أصبت جنية فقالت لي : دعني ولك علي أن أعلمك شيئاً إذا قلته لم يضرك منا أحد . قلت : ما هو؟ قال : آية الكرسي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : » صدقت وهي كذوب « » .
وأخرج الطبراني عن أبي أيوب قال « كنت مؤذى في البيت ، فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكانت روزنة في البيت لنا ، فقال : أرصده فإذا أنت عاينت شيئاً فقل : أجيبي يدعوك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فرصدت فإذا شيء قد تدلى من روزنة ، فوثبت إليه ، وقلت : اخسأ يدعوك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذته فتضرع إلي ، وقال لي : لا أعود . فأرسلته فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما فعل أسيرك؟ فأخبرته بالذي كان فقال : أما إنه سيعود . ففعلت ذلك ثلاث مرات كل ذلك آخذه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالذي كان ، فلما كانت الثالثة أخذته قلت : ما أنت بمفارقي حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فناشدني وتضرع إليّ وقال : أعلمك شيئاً إذا قلته من ليلتك لم يقربك جان ولا لص ، تقرأ آية الكرسي ، فأرسلته ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما فعل أسيرك؟ قلت : يا رسول الله ناشدني وتضرع إلي حتى رحمته ، وعلمني شيئاً أقوله إذا قلته لم يقربني جن ولا لص . قال : صدق وإن كان كذوباً » .
وأخرج البخاري وابن الضريس والنسائي وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي هريرة قال « وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته وقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال ، ولي حاجة شديدة . فخليت عنه ، فأصبحت فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً ، فرحمته وحليت سبيله . قال : أما إنه قد كذبك وسيعود ، فعرفت أنه سيعود فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود ، فرحمته وخليت سبيله ، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما فعل أسيرك؟ قلت : يا رسول الله شكا حاجة وعيالاً فرحمته وخليت سبيله ، فقال : أما إنه قد كذبك وسيعود . فرصدته الثالثة ، فجاء يحثو من الطعام فأخذته وقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود . فقال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها . قلت : ما هي؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان ، حتى تصبح . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما إنه صدقك وهو كذوب » .(2/158)
وأخرج البيهقي في الدلائل عن بريدة قال : « كان لي طعام فتبينت فيه النقصان ، فكمنت في الليل فإذا غول قد سقطت عليه ، فقبضت عليها فقلت : لا أفارقك حتى أذهب بك إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فقالت : إني امرأة كثيرة العيال لا أعود . فجاءت الثانية والثالثة ، فأخذتها فقالت : ذرني حتى أعلمك شيئاً إذا قلته لم يقرب متاعك أحد منا ، إذا أويت إلى فراشك فاقرأ على نفسك ، ومالك آية الكرسي . فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال » صدقت وهي كذوب « » .
وأخرج سعيد بن منصور والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن ، لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه ، آية الكرسي » .
وأخرج الدارمي والترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ ( حم ، المؤمن ) إلى { إليه المصير } ، وآية الكرسي حين يصبح حُفِظَ بهما حتى يمسي ، ومن قرأهما حين يمسي حُفِظَ بهما حتى يصبح » .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن الضريس عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أعطيت آية الكرسي من تحت العرش » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان ، والدينوري في المجالسة عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن جبريل أتاني فقال : إن عفريتاً من الجن يكيدك ، فإذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان وأبو الشيخ في العظمة عن ابن إسحق قال : خرج زيد بن ثابت ليلاً إلى حائط له ، فسمع فيه جلبة فقال : ما هذا؟ قال : رجل من الجان أصابتنا السنة ، فأردت أن أصيب من ثمارهم فطيبوه لنا . قال : نعم ، ثم قال زيد بن ثابت : ألا تخبرنا بالذي يعيذنا منكم؟ قال : آية الكرسي .
و أخرج أبو عبيد عن سلمة بن قيس وكان أول أمير كان على إيلياء قال : ما أنزل الله في التوراة ، ولا في الإِنجيل ، ولا في الزبور ، أعظم من { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } .
وأخرج ابن الضريس عن الحسن « أن رجلاً مات أخوه فرآه في المنام فقال : أخي أي الأعمال تجدون أفضل؟ قال : القرآن . قال : فأي القرآن؟ قال : آية الكرسي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ثم قال : ترجون لنا شيئاً؟ قال : نعم .(2/159)
قال : إنكم تعملون ولا تعلمون ، وإنا نعلم ولا نعمل .
وأخرج ابن الضريس عن قتادة قال : من قرأ آية الكرسي إذا أوى إلى فراشه وكل به ملكين يحفظانه حتى يصبح .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس . أن بني إسرائيل قالوا : يا موسى هل ينام ربك؟ قال : اتقوا الله . فناداه ربه : يا موسى سألوك هل ينام ربك ، فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل ، ففعل موسى فلمّا ذهب من الليل ثلث نعس فوقع لركبتيه ثم انتعش فضبطهما ، حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا ، فقال : يا موسى لو كنت أنام لسقطت السموات والأرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك ، وأنزل الله على نبيه آية الكرسي .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { الحي } قال : حي لا يموت { القيوم } قيم على كل شيء يكلؤه ويرزقه ويحفظه .
وأخرج آدم ابن أبي إياس وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله { القيوم } قال : القائم على كل شيء .
وأخرج ابن أبي حاتم والحسن قال { القيوم } الذي لا زوال له .
و أخرج ابن الأنباري في المصاحف عن قتادة قال { الحي } الذي لا يموت و { القيوم } القائم الذي لا بديل له .
وأخرج آدم بن أبي إياس وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله { القيوم } قال : القائم على كل شيء .
وأخرج ابن أبي حاتم والحسن قال { القيوم } الذي لا زوال له .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن قتادة قال { الحي } الذي لا يموت و { القيوم } القائم الذي لا بديل له .
وأخرج آدم بن أبي أياس وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { لا تأخذه سنة ولا نوم } قال : السنة النعاس ، والنوم هو النوم .
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء والطستي في مسائله عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { لا تأخذه سنة } قال : السنة الوسنان الذي هو نائم وليس بنائم . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم ، أما سمعت زهير بن أبي سلمى وهو يقول :
ولا سنة طوال الدهر تأخذه ... ولا ينام وما في أمره فند
و أخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن الضحاك في الآية قال : السنة النعاس ، والنوم الاستثقال .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن السدي قال : السنة ريح النوم الذي يأخذ في الوجه فينعس الإِنسان .
و أخرج ابن أبي حاتم عن عطية { لا تأخذه سنة } قال : لا يفتر .
وأخرج عن سعيد بن جبير في قوله { من ذا الذي يشفع عنده } قال : من يتكلم عنده إلا بإذنه .(2/160)
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { يعلم ما بين أيديهم } قال : ما مضى من الدنيا { وما خلفهم } من الآخرة .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { يعلم ما بين أيديهم } ما قدموا من أعمالهم { وما خلفهم } ما أضاعوا من أعمالهم .
وأخرج ابن جرير عن السدي { ولا يحيطون بشيء من علمه } يقول : لا يعلمون بشيء من علمه { إلا بما شاء } هو أن يعلمهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس { وسع كرسيه السماوات والأرض } قال : كرسيه علمه ، ألا ترى إلى قوله { ولا يؤوده حفظهما } .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن عباس قال : « سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله { وسع كرسيه السماوت والأرض } قال » كرسيه موضع قدمه ، والعرش لا يقدّرُ قدره « » .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه والخطيب والبيهقي عن ابن عباس قال : الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر أحد قدره .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري قال : الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل . قلت : هذا على سبيل الاستعارة - تعالى الله عن التشبيه - و يوضحه ما أخرجه ابن جرير عن الضحاك في الآية قال : كرسيه الذي يوضع تحت العرش الذي تجعل الملوك عليه أقدامهم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو أن السموات السبع والأرضين السبع بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كن في سعته - يعني الكرسي - إلا بمنزلة الحلقة في المفازة .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي ذر « أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال : يا أبا ذر ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي عاصم في السنة والبزار وأبو يعلى وابن جرير وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه والضياء المقدسي في المختارة عن عمر « أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ادع الله أن يدخلني الجنة ، فعظم الرب تبارك وتعالى ، وقال : إن كرسيه وسع السموات والأرض ، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله ، ما يفضل منه أربع أصابع » .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الحلية بسند واه عن علي مرفوعاً « الكرسي لؤلؤ ، والقلم لؤلؤ ، وطول القلم سبعمائة سنة ، وطول الكرسي حيث لا يعلمه العالمون » .(2/161)
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك قال : الكرسي تحت العرش .
وأخرج أبو الشيخ عن وهب بن منبه قال : الكرسي بالعرش ملتصق ، والماء كله في جوف الكرسي .
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال : الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي ، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو الشيخ والبيهقي عن مجاهد قال : ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ، وما موضع كرسيه من العرش إلا مثل حلقة في أرض فلاة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : إن السموات والأرض في جوف الكرسي ، والكرسي بين يدي العرش .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال : « قال رجل : يا رسول الله ما المقام المحمود؟ قال : ذلك يوم ينزل الله على كرسيه يئط منه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه ، وهو كسعة ما بين السماء والأرض » .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : كان الحسن يقول : الكرسي هو العرش .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { الله لا إله إلا هو الحي القيوم . . . . } الآية . قال : أما قوله { القيوم } فهو القائم ، وأما { السنة } فهي ريح النوم التي تأخذ في الوجه فينعس الإِنسان ، وأما { ما بين أيديهم } فالدنيا { وما خلفهم } الآخرة ، وأما { لا يحيطون بشيء من علمه } يقول : لا يعلمون شيئاً من علمه إلا بما شاء هو يعلمهم ، وأما { وسع كرسيه السماوات والأرض } فإن السموات والأرض في جوف الكرسي ، والكرسي بين يدي العرش وهو موضع قدميه ، وأما { لا يؤوده } فلا يثقل عليه .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي عن أبي مالك في قوله { وسع كرسيه السماوات والأرض } قال : إن الصخرة التي تحت الأرض السابعة ومنتهى الخلق على أرجائها عليها أربعة من الملائكة ، لكل واحد منهم أربعة وجوه : وجه إنسان ، ووجه أسد ، ووجه ثور ، ووجه نسر ، فهم قيام عليها قد أحاطوا بالأرضين والسموات ، ورؤوسهم تحت الكرسي ، والكرسي تحت العرش ، والله واضع كرسيه على العرش . قال البيهقي : هذا إشارة إلى كرسيين . أحدهما تحت العرش ، والآخر موضوع على العرش .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ولا يؤوده حفظهما } يقول : لا يثقل عليه .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { ولا يؤوده حفظهما } قال : لا يثقله . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم .(2/162)
أما سمعت قول الشاعر :
يعطى المئين ولا يؤوده حملها ... محض الضرائب ماجد الأخلاق
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { ولا يؤوده } قال : لا يكرثه .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال { العظيم } الذي قد كمل في عظمته .
وأخرج الطبراني في السنة عن ابن عباس { الله لا إله إلا هو } يريد الذي ليس معه شريك ، فكل معبود من دونه فهو خلق من خلقه لا يضرون ولا ينفعون ، ولا يملكون رزقاً ولا حياة ولا نشوراً { الحي } يريد الذي لا يموت { القيوم } الذي لا يبلى { لا تأخذه سنة } يريد النعاس { ولا نوم من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } يريد الملائكة ، مثل قوله { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } . { يعلم ما بين أيديهم } يريد من السماء إلى الأرض { وما خلفهم } يريد ما في السموات { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } يريد مما أطلعهم على علمه { وسع كرسيه السماوات والأرض } يريد هو أعظم من السموات السبع والأرضين السبع { ولا يؤوده حفظهما } يريد لا يفوته شيء مما في السموات والأرض { وهو العلي العظيم } يريد لا أعلى منه ولا أعز ، ولا أجل ولا أكرم .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السلمي قال « لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أتاه وفد من بني فزارة فقالوا : يا رسول الله ادع ربك أن يغيثنا ، واشفع لنا إلى ربك ، وليشفع ربك إليك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويلك هذا أنا شفعت إلى ربي ، فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه؟! لا إله إلا الله العظيم وسع كرسيه السموات والأرض ، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد » .(2/163)
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
أخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن منده في غرائب شعبه وابن حبان وابن مردويه والبيهقي في سننه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاة لا يكاد يعيش لها ولد ، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده ، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار ، فقالوا : لا ندع أبناءنا . فأنزل الله { لا إكراه في الدين } .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن سعيد بن جبير في قوله { لا إكراه في الدين } قال : نزلت في الأنصار خاصة . قلت : خاصة ، كانت المرأة منهم إذا كانت نزورة أو مقلاة تنذر : لئن ولدت ولداً لتجعلنه في اليهود تلتمس بذلك طول بقاءه ، فجاء الإِسلام وفيهم منهم ، فلما أجليت النضير قالت الأنصار : يا رسول الله أبناؤنا وإخواننا فيهم ، فسكت عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت { لا إكراه في الدين } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قد خير أصحابكم فإن اختاروكم فهم منكم ، وإن اختاروهم فهم منهم ، فأجلوهم معهم » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الشعبي قال : كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاة لا يعيش لها ولد ، فتنذر إن عاش ولدها أن تجعله مع أهل الكتاب على دينهم ، فجاء الإِسلام وطوائف من أبناء الأنصار على دينهم ، فقالوا : إنما جعلناهم على دينهم ، ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا ، وأن الله جاء بالإِسلام فلنكرهنهم ، فنزلت { لا إكراه في الدين } فكان فصل ما بينهم إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ، فلحق بهم من لم يسلم ، وبقي من أسلم .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة فثبتوا على دينهم ، فلما جاء الإِسلام أراد أهلوهم أن يكرهوهم على الإِسلام ، فنزلت { لا إكراه في الدين } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن مجاهد قال « كانت النضير أرضعت رجالاً من الأوس ، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلائهم قال أبناؤهم من الأوس : لنذهبن معهم ولندينن دينهم ، فمنعهم أهلوهم وأكرهوهم على الإِسلام ، ففيهم نزلت هذه الآية { لا إكراه في الدين } » .
وأخرج ابن جرير عن الحسن . أن ناساً من الأنصار كانوا مسترضعين في بني النضير ، فلما أجلوا أراد أهلوهم أن يلحقوهم بدينهم ، فنزلت { لا إكراه في الدين } .
وأخرج ابن اسحق وابن جرير عن ابن عباس في قوله { لا إكراه في الدين } قال : نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين ، كان له ابنان نصرانيان ، وكان هو رجلاً مسلماً ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية ، فأنزل الله فيه ذلك .(2/164)
وأخرج عبد بن حميد عن عبدالله بن عبيدة « أن رجلاً من الأنصار من بني سالم بن عوف كان له ابنان تنصرا قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فقدما المدينة في نفر من أهل دينهم يحملون الطعام ، فرآهما أبوهما فانتزعهما وقال : والله لا أدعهما حتى يسلما ، فأبيا أن يسلما ، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟ فأنزل الله { لا إكراه في الدين . . . } الآية . فخلى سبيلهما » .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر « عن السدي في قوله { لا إكراه في الدين } قال : نزلت في رجل من الأنصار يقال له أبو الحصين ، كان له ابنان ، فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت ، فلما باعوا وأرادوا أن يرجعوا أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا ، فرجعا إلى الشام معهم ، فأتى أبوهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن ابني تنصرا وخرجا فاطلبهما؟ فقال { لا إكراه في الدين } ولم يؤمر يومئذ بقتال أهل الكتاب ، وقال : أبعدهما الله ، هما أول من كفر ، فوجد أبو الحصين في نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يبعث في طلبهما ، فنزلت { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم . . . } [ النساء : 65 ] الآية . ثم نسخ بعد ذلك { لا إكراه في الدين } وأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } قال : وذلك لما دخل الناس في الإِسلام ، وأعطى أهل الكتاب الجزية .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة في الآية قال : كانت العرب ليس لها دين ، فاكرهوا على الدين بالسيف ، قال : ولا يكره اليهود ولا النصارى والمجوس إذا أعطوا الجزية .
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن في قوله { لا إكراه في الدين } قال : لا يكره أهل الكتاب على الإِسلام .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وسق الرومي قال : كنت مملوكاً لعمر بن الخطاب ، فكان يقول لي : أسلم فإنك لو أسلمت استعنت بك على أمانة المسلمين ، فإني لا أستعين على أمانتهم بمن ليس منهم ، فأبيت عليه فقال لي : { لا إكراه في الدين } .
وأخرج النحاس عن أسلم . سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية : أسلمي تسلمي ، فأبت فقال عمر : اللهم اشهد ثم تلا { لا إكراه في الدين } .(2/165)
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سليمان بن موسى في قوله { لا إكراه في الدين } قال : نسختها { جاهد الكفار والمنافقين } [ التوبة : 73 ] .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن حميد الأعرج . أنه كان يقرأ { قد تبين الرشد } وكان يقول : قراءتي على قراءة مجاهد .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال { الطاغوت } الشيطان .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن جابر بن عبدالله . أنه سئل عن الطواغيت قال : هم كهان تنزل عليهم الشياطين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال { الطاغوت } الكاهن .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال { الطاغوت } الساحر .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال { الطاغوت } الشيطان في صورة الإِنسان ، يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس قال { الطاغوت } ما يعبد من دون الله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { فقد استمسك بالعروة الوثقى } قال : لا إله إلا الله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس بن مالك في قوله { فقد استمسك بالعروة الوثقى } قال : القرآن .
وأخرج سفيان وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { بالعروة الوثقى } قال : الإِيمان . ولفظ سفيان قال : كلمة الإِخلاص .
وأخرج البخاري ومسلم عن عبدالله بن سلام قال « رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأيت كأني في روضة خضراء ، وسطها عمود حديد ، أسفله في الأرض وأعلاه في السماء ، في أعلاه عروة فقيل لي : اصعد عليه فصعدت حتى أخذت بالعروة ، فقال : استمسك بالعروة فاستيقظت وهي في يدي ، فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما الروضة فروضة الإِسلام ، وأما العمود فعمود الإِسلام ، وأما العروة فهي العروة الوثقى ، أنت على الإِسلام حتى تموت » .
وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر ، فإنهما حبل الله الممدود ، فمن تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها » .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : القدر نظام التوحيد ، فمن كفر بالقدر كان كفره بالقدر نقصاً للتوحيد ، فإذا وحد الله وآمن بالقدر فهي العروة الوثقى .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل . أنه سئل عن قوله { لا انفصام لها } قال : لا انقطاع لها دون دخول الجنة .(2/166)
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)
أخرج ابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في قوله { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور } قال : هم قوم كانوا كفروا بعيسى فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم { والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات } قال : هم قوم آمنوا بعيسى ، فلما بعث محمد كفروا به .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ومقسم . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { يخرجهم من الظلمات إلى النور } يقول : من الضلالة إلى الهدى . وفي قوله { يخرجونهم من النور إلى الظلمات } يقول : من الهدى إلى الضلالة .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في الآية قال : الظلمات الكفر ، والنور الإِيمان .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال : ما كان فيه الظلمات والنور فهو الكفر والإِيمان .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد قال : يبعث أهل الأهواء وتبعث الفتن ، فمن كان هواه الإِيمان كانت فتنته بيضاء مضيئة ، ومن كان هواه الكفر كانت فتنته سوداء مظلمة ، ثم قرأ هذه الآية . والله أعلم .(2/167)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
أخرج الطيالسي وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال : الذي حاج إبراهيم في ربه هو نمرود بن كنعان .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة والربيع والسدي . مثله .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن زيد بن أسلم ، أن أول جبار كان في الأرض نمرود ، وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام ، فخرج إبراهيم عليه السلام يمتار مع من يمتار ، فإذا مر به ناس قال : من ربكم؟ قالوا له : أنت . حتى مر به إبراهيم فقال : من ربك : قال : الذي يحيي ويميت . قال : أنا أحيي وأميت . قال إبراهيم : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب . فبهت الذي كفر فرده بغير طعام ، فرجع إبراهيم إلى أهله فمر على كثيب من رمل أعفر فقال : ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم؟ فأخذ منه فأتى أهله ، فوضع متاعه ثم نام ، فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هو بأجود طعام رآه أحد ، فصنعت له منه فقربته إليه ، و كان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام فقال : من أين هذا؟! قالت من الطعام الذي جئت به . فعرف أن الله رزقه فحمد الله .
ثم بعث الله إلى الجبار ملكاً أن آمن بي وأنا أتركك على ملكك ، فهل رب غيري؟ فأبى ، فجاءه الثانية فقال له ذلك فأبى عليه ، ثم أتاه الثالثة فأبى عليه فقال له الملك : فاجمع جموعك إلى ثلاثة أيام ، فجمع الجبار جموعه ، فأمر الله الملك ففتح عليه باباً من البعوض ، فطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها ، فبعثها الله عليهم فأكلت شحومهم وشربت دماءهم ، فلم يبق إلا العظام ، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء ، فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره ، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق ، وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه ، وكان جباراً أربعمائة سنة فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ، ثم أماته الله وهو الذي كان بنى صرحاً إلى السماء ، فأتى الله بنيانه من القواعد .
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم } قال : نمرود بن كنعان ، يزعمون أنه أول من ملك في الأرض ، أتى برجلين قتل أحدهما وترك الآخر . فقال : أنا أحيي وأميت . قال : استحيي : أترك من شئت ، وأميت : أقتل من شئت .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كنا نحدث أنه ملك يقال له نمرود بن كنعان ، وهو أول ملك تجبر في الأرض ، وهو صاحب الصرح ببابل ، ذكر لنا أنه دعا برجلين فقتل أحدهما واستحيا الآخر ، فقال : أنا استحيي من شئت وأقتل من شئت .(2/168)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { قال أنا أحيي وأميت } قال : أقتل من شئت ، واستحيي من شئت ، أدعه حياً فلا أقتله ، وقال : ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر : مؤمنان وكافران ، فالمؤمنان : سليمان بن داود وذو القرنين ، والكافران : بختنصر ونمرود بن كنعان ، لم يملكها غيرهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي قال : لما خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه ، فكلمه وقال له : من ربك؟ قال : ربي الذي يحيي ويميت . قال نمرود : أنا أحيي وأميت ، أنا أدخل أربعة نفر بيتاً فلا يطعمون ولا يسقون حتى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا وتركت اثنين فماتا ، فعرف إبراهيم أنه يفعل ذلك قال له : فإن ربي الذي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ، فبهت الذي كفر وقال : إن هذا إنسان مجنون فأخرجوه ، ألا ترون أنه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسرها ، وإن النار لم تأكله ، وخشي أن يفتضح في قومه .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي { والله لا يهدي القوم الظالمين } قال : إلى الإِيمان .(2/169)
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب في قوله { أو كالذي مر على قرية } قال : خرج عزير نبي الله من مدينته وهو شاب ، فمر على قرية خربة وهي خاوية على عروشها فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام ثم بعثه ، فأول ما خلق منه عيناه ، فجعل ينظر إلى عظامه وينظم بعضها إلى بعض ، ثم كسيت لحماً ، ثم نفخ فيه الروح فقيل له : كم لبثت؟ قال : لبثت يوماً أو بعض يوم . قال : بل لبثت مائة عام ، فأتى مدينته وقد ترك جاراً له اسكافاً شاباً ، فجاء وهو شيخ كبير .
واخرج اسحق بن بشر والخطيب وابن عساكر عن عبدالله بن سلام : أن عزيراً هو العبد الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه .
وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن عباس : أن عزير بن سروخا هو الذي فيه قال الله في كتابه { أو كالذي مر على قرية } الآية .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة وقتادة وسليمان بن بريدة والضحاك والسدي مثله .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طرق عن ابن عباس وكعب والحسن ووهب يزيد بعضهم على بعض . أن عزيراً كان عبداً صالحاً حكيماً ، خرج ذات يوم إلى ضيعة له يتعاهدها ، فلما انصرف انتهى إلى خربة حين قامت الظهيرة أصابه الحر ، فدخل الخربة وهو على حمار له ، فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين وسلة فيها عنب ، فنزل في ظل تلك الخربة .
وأخرج قصعة معه ، فاعتصر من العنب الذي كان معه في القصعة ، ثم أخرج خبزاً يابساً معه فألقاه في تلك القصعة في العصير ليبتل ليأكله ، ثم استلقى على قفاه وأسند رجليه إلى الحائط ، فنظر سقف تلك البيوت ورأى منها ما فيها وهي قائمة على عرشها وقد باد أهلها ، ورأى عظاماً بالية فقال : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها : } فلم يشك أن الله يحييها ولكن قالها تعجبا .
فبعث الله ملك الموت فقبض روحه ، فأماته الله مائة عام ، فلما أتت عليه مائة عام وكان فيما بين ذلك في بني إسرائيل أمور وأحداث ، فبعث الله إلى عزير ملكاً فخلق قلبه ليعقل به ، وعينيه لينظر بهما فيعقل كيف يحيي الله الموتى ، ثم ركب خلقه وهو ينظر ، ثم كسا عظامه اللحم والشعر والجلد ، ثم نفخ فيه الروح كل ذلك يرى ويعقل ، فاستوى جالساً فقال له الملك : كم لبثت؟ قال : لبثت يوماً وذلك أنه كان نام في صدر النهار عند الظهيرة ، وبعث في آخر النهار والشمس لم تغب . فقال : أو بعض يوم ، ولم يتم لي يوم .(2/170)
فقال له الملك : بل لبثت مائة عام ، فانظر إلى طعامك وشرابك ، يعني الطعام الخبز اليابس ، وشرابه العصير الذي كان اعتصر في القصعة ، فإذا هما على حالهما لم يتغير العصير والخبز اليابس ، فذلك قوله { لم يتسنَّه } يعني لم يتغير ، وكذلك التين والعنب غض لم يتغير عن حاله ، فكأنه أنكر في قلبه .
فقال له الملك : أنكرت ما قلت لك أنظر إلى حمارك . فنظر فإذا حماره قد بليت عظامه وصارت نخرة ، فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبه الملك وعزير ينظر إليه ، ثم ألبسها العروق والعصب ، ثم كساها اللحم ، ثم أنبت عليها الجلد والشعر ، ثم نفخ فيه الملك ، فقام الحمار رافعاً رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقاً ، فذلك قوله { وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً } يعني انظر إلى عظام حمارك كيف يركب بعضها بعضاً في أوصالها ، حتى إذا صارت عظاماً مصوراً حماراً بلا لحم ، ثم انظر كيف نكسوها لحماً { فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } من إحياء الموتى وغيره .
قال فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس ، وأنكر الناس ، وأنكر منازله ، فانطلق على وهم منه حتى أتى منزله ، فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة لهم ، فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وعقلته فقال لها عزير : يا هذه أهذا منزل عزير؟ قالت : نعم ، وبكت وقالت : ما رأيت أحداً من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس . قال : فإني أنا عزير . قالت : سبحان الله! فإن عزيرا قد فقدناه منذ مائة سنة فلم نسمع له بذكر . قال : فإني أنا عزير ، كان الله أماتني مائة سنة ثم بعثني . قالت : فإن عزيرا كان رجلاً مستجاب الدعوة ، يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء فادع الله أن يرد علي بصري حتى أراك ، فإن كنت عزيراً عرفتك . فدعا ربه ومسح يده على عينيها فصحتا ، وأخذ بيدها فقال : قومي بإذن الله ، فأطلق الله رجلها فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال ، فنظرت فقالت : أشهد أنك عزير .
فانطلقت إلى محلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم وابن لعزير شيخ ابن مائة سنة وثمان عشرة سنة ، وبنو بنيه شيوخ في المجلس ، فنادتهم فقالت : هذا عزير قد جاءكم . فكذبوها فقالت : أنا فلانة مولاتكم ، دعا لي ربه فرد علي بصري وأطلق رجلي ، وزعم أن الله كان أماته مائة سنة ثم بعثه ، فنهض الناس فأقبلوا إليه فنظروا إليه فقال ابنه : كانت لأبي شامة سوداء بين كتفيه ، فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير! فقالت بنو إسرائيل : فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة فيما حدثنا غير عزير ، وقد حرق بختنصر التوراة ولم يبق منها شيء إلا ما حفظت الرجال فاكتبها لنا .(2/171)
وكان أبوه سروخا قد دفن التوراة أيام بختنصر في موضع لم يعرفه أحد غير عزير ، فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة ، وكان قد عفن الورق ودرس الكتاب ، فجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله فجدد لهم التوراة ، فنزل من السماء شهابان حتى دخلا جوفه ، فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل ، فمن ثم قالت اليهود : عزير ابن الله للذي كان من أمر الشهابين ، وتجديده للتوراة ، وقيامه بأمر بني إسرائيل ، وكان جدد لهم التوراة بأرض السواد بدير حزقيل ، والقرية التي مات فيها يقال لها سابر أباد ، قال ابن عباس : فكان كما قال الله { و لنجعلك آية للناس } يعني لبني إسرائيل ، وذلك أنه كان يجلس مع بني بنيه وهم شيوخ وهو شاب ، لأنه كان مات وهو ابن أربعين سنة ، فبعثه الله شاباً كهيئته يوم مات .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبدالله بن عبيد بن عمير في قوله { أو كالذي مر على قرية } قال : كان نبياً اسمه أورميا .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال : إن ارميا لما خرب بيت المقدس وحرق الكتب ، وقف في ناحية الجبل فقال : { أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ } فأماته الله مائة عام ثم بعثه وقد عمرت على حالها الأول ، فجعل ينظر إلى العظام كيف يلتئم بعضها إلى بعض ، ثم نظر إلى العظام تكسى عصباً ولحماً { فلما تبين له قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير } فقال : أنظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ، وكان طعامه تيناً في مكتل ، وقلة فيها ماء .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله { أو كالذي مر على قرية } قال : القرية بيت المقدس مر بها عزير بعد أن خربها بختنصر .
وأخرج عن قتادة والضحاك والربيع . مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن سليمان السياري . سمعت رجلاً من أهل الشام يقول : إن الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه اسمه حزقيل بن بوزا .
وأخرج اسحق بن بشر وابن عساكر عن الحسن قال : كان أمر عزير وبختنصر في الفترة .
وأخرج اسحق وابن عساكر عن عطاء بن أبي رباح قال : كان أمر عزير بين عيسى ومحمد .
وأخرج اسحق بن بشر وابن عساكر عن وهب بن منبه قال : كانت قصة عزير وبختنصر بين عيسى وسليمان .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله { خاوية } قال : خراب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة { خاوية } قال : ليس فيها أحد .
وأخرج عن الضحاك { على عروشها } قال : سقوفها .
وأخرج ابن جرير عن السدي { خاوية على عروشها } قال : ساقطة على سقفها .(2/172)
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } قال : أنى تعمر هذه بعد خرابها .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي في البعث عن الحسن في قوله { فأماته الله مائة عام ثم بعثه } قال : ذكر لنا أنه أميت ضحوة وبعث حين سقطت الشمس قبل أن تغرب ، وأن أول ما خلق الله منه عيناه ، فجعل ينظر بهما إلى عظم كيف يرجع إلى مكانه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : لبثت يوماً ثم التفت فرأى بقية الشمس ، فقال : أو بعض يوم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : كان طعامه الذي معه سلة من تين ، وشرابه زق من عصير .
وأخرج عن مجاهد قال : طعامه سلة تين ، وشرابه دن خمر .
وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر من طرق عن ابن عبّاس في قوله { لم يتسنه } قال : لم يتغير .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس . أن نافع ابن الأزرق سأله عن قوله { لم يتسنه } قال : لم تغيره السنون . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :
طاب منه الطعم والريح معا ... لن تراه يتغير من أسن
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { لم يتسنه } قال : لم ينتن .
وأخرج ابن راهويه في مسنده وأبو عبيد في الفضائل وعبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف عن هانىء البربري مولى عثمان قال : لما كتب عثمان المصاحف شكوا في ثلاث آيات ، فكتبوها في كتف شاة وأرسلوني بها إلى أبي بن كعب و زيد بن ثابت ، فدخلت عليهما فناولتها أبي بن كعب ، فقرأها فوجد فيها ( لا تبديل للخلق ذلك الدين القيم ) فمحا بيده أحد اللامين و كتبها { لا تبديل لخلق الله } [ الروم : 30 ] . ووجد فيها ( انظر إلى طعامك و شرابك لم يتسنن ) فمحا النون و كتبها { لم يتسنه } . وقرأ فيها ( فأمهل الكافرين ) فمحا الألف و كتبها { فمهل } [ الطارق : 17 ] . و نظر فيها زيد بن ثابت ، ثم انطلقت بها إلى عثمان فاثبتوها في المصاحف كذلك .
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري عن هانىء قال : كنت الرسول بين عثمان وزيد بن ثابت ، فقال زيد : سله عن قوله « لم يتسنن » أو { لم يتسنه } فقال عثمان : اجعلوا فيها هاء .
وأخرج سفيان بن عيينه وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { و لنجعلك آية للناس } قال : كان يوم بعث ابن مائة وأربعين شاباً ، و كان ولده ابناء مائة سنة و هم شيوخ .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود . مثله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { كيف ننشزها } قال : نخرجها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لم يتسنه } قال : لم يفسد بعد مائة حول ، والطعام والشراب يفسد في أقل من ذلك { وانظر إلى العظام كيف ننشزها } يقول : نشخصها عضواً عضواً .(2/173)
وأخرج الحاكم و صححه عن زيد بن ثابت . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { كيف ننشزها } بالزاي .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده وعبد بن حميد وابن المنذر عن زيد بن ثابت أنه كان يقرأ { كيف ننشزها } بالزاي ، وأن زيد أعجم عليها في مصحفه .
وأخرج مسدد عن أبي بن كعب أنه قرأ { كيف ننشزها } أعجم الزاي .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ « ننشرها » بالراء .
وأخرج ابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح أنه قرأ ( ننشرها ) بالراء .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن . مثله .
وأخرج ابن جرير عن السدي { كيف ننشزها } قال : نحركها .
وأخرج عن ابن زيد { كيف ننشزها } قال : نحييها .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ { فلما تبين له قال أعلم } قال : إنما قيل له ذلك .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ { قال أعلم } ويقول : لم يكن بأفضل من إبراهيم ، قال الله ( وأعلم أن الله ) .
وأخرج ابن جرير عن هرون قال : في قراءة ابن مسعود « قيل أعلم أن الله » على وجه الأمر .
و أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة عبدالله ( قيل أعلم ) .(2/174)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال : إن إبراهيم مر برجل ميت زعموا أنه حبشي على ساحل البحر ، فرأى دواب البحر تخرج فتأكل منه ، وسباع الأرض تأتيه فتأكل منه ، والطير تقع عليه فتأكل منه . فقال إبراهيم عند ذلك : رب هذه دواب البحر تأكل من هذا ، وسباع الأرض والطير ، ثم تميت هذه فتبلى ، ثم تحييها فأرني كيف تحيي الموتى؟ قال : أولم تؤمن يا إبراهيم أني أحيي الموتى؟ قال : بلى يا رب ولكن ليطمئن قلبي . يقول : لأرى من آياتك وأعلم أنك قد أجبتني . فقال الله : خذ أربعة من الطير فصنع ما صنع ، والطير الذي أخذه : وز ورال ، وديك ، وطاوس وأخذ نصفين مختلفين ثم أتى أربعة أجبل ، فجعل على كل جبل نصفين مختلفين ، وهو قوله { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً } ثم تنحى ورؤوسهما تحت قدميه ، فدعا باسم الله الأعظم ، فرجع كل نصف إلى نصفه وكل ريش إلى طائره ، ثم أقبلت تطير بغير رؤوس إلى قدمه تريد رؤوسها بأعناقها ، فرفع قدمه فوضع كل طائر منها عنقه في رأسه فعادت كما كانت { واعلم أن الله عزيز } يقول : مقتدر على ما يشاء { حكيم } يقول : محكم لما أراد . الرال فرخ النعام .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة . نحوه .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج عن ابن عباس قال : بلغني أن إبراهيم بينا هو يسير على الطريق إذا هو بجيفة حمار عليها السباع والطير قد تمزق لحمها وبقي عظامها ، فوقف فعجب ثم قال : رب قد علمت لتجمعنها من بطون هذه السباع والطير ، رب أرني كيف تحيي الموتى قال : أو لم تؤمن؟ قال : بلى ، ولكن ليس الخبر كالمعاينة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ، وذلك مما لقي من قومه من الأذى ، فدعا به عند ذلك مما لقي منهم من الأذى فقال : رب أرني كيف تحيي الموتى .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : لما اتخذ الله إبراهيم خليلاً سأل ملك الموت أن يأذن له فيبشر إبراهيم بذلك فأذن له ، فأتى إبراهيم ولبس في البيت ، فدخل داره وكان إبراهيم من أغير الناس إذا خرج أغلق الباب ، فلما جاء وجد في بيته رجلاً ثار إليه ليأخذه ، وقال له : من أذن لك أن تدخل داري؟ قال ملك الموت : أذن لي رب هذه الدار . قال إبراهيم : صدقت ، وعرف أنه ملك الموت . قال : من أنت؟ قال : أنا ملك الموت جئتك أبشرك بأن الله قد اتخذك خليلاً . فحمد الله وقال : يا ملك الموت أرني كيف تقبض أرواح الكفار؟ قال : يا إبراهيم لا تطيق ذلك .(2/175)
قال : بلى . قال : فاعرض ، فاعرض إبراهيم ثم نظر فإذا هو برجل أسود ينال رأسه السماء يخرج من فيه لهب النار ، ليس من شعرة في جسده إلا في صورة رجل يخرج من فيه ومسامعه لهب النار ، فغشي على إبراهيم ثم أفاق وقد تحوّل ملك الموت في الصورة الأولى . فقال : يا ملك الموت لو لم يلق الكافر عند موته من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه ، فأرني كيف تقبض أرواح المؤمنين؟ قال : فأعرض ، فاعرض إبراهيم ثم التفت ، فإذا هو برجل شاب أحسن الناس وجهاً ، وأطيبه ريحاً ، في ثياب بياض . قال : يا ملك الموت لو لم ير المؤمن عند موته من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكان يكفيه . فانطلق ملك الموت وقام إبراهيم يدعو ربه يقول : رب أرني كيف تحيي الموتى حتى أعلم أني خليلك . قال : أو لم تؤمن؟ يقول : تصدق بأني خليلك . قال : بلى ، ولكن ليطمئن قلبي بخلولتك .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن سعيد بن جبير في قوله { ولكن ليطمئن قلبي } قال : بالخلة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { ولكن ليطمئن قلبي } يقول : أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك ، وتعطيني إذا سألتك .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن مجاهد وإبراهيم { ليطمئن قلبي } قال : لأزداد إيماناً إلى إيماني .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن ماجة وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال : { رب أرني كيف تحيي الموتى . قال : أولم تؤمن؟ قال : بلى ، ولكن ليطمئن قلبي } . ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن أيوب في قوله { ولكن ليطمئن قلبي } قال : قال ابن عباس : ما في القرآن آية أرجى عندي منها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس .
أنه قال لعبدالله بن عمرو بن العاص : أي آية في القرآن ارجى عندك؟ فقال : قول الله { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . . . } [ الزمر : 53 ] الآية . فقال ابن عباس : لكن أنا أقول : قول الله لإِبراهيم { أولم تؤمن قال بلى } فرضي من إبراهيم بقوله بلى ، فهذا لما يعترض في الصدور ويوسوس به الشيطان .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق حنش عن ابن عباس { فخذ أربعة من الطير } قال : الغرنوق ، والطاوس ، والديك ، والحمامة . الغرنوق الكركي .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : الأربعة من الطير : الديك ، والطاوس ، والغراب ، والحمام .(2/176)
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس { فصرهن } قال : قطعهن .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس { فصرهن } قال : هي بالنبطية شققهن .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة { فصرهن } قال : بالنبطية قطعهن .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { فصرهن } قال : هذه الكلمة بالحبشية يقول : قطعهن واخلط دماءهن وريشهن .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { فصرهن } قال : أوثقهن ذبحهن .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب قال : ما من اللغة شيء إلا منها في القرآن شيء ، قيل : وما فيه من الرومية؟ قال { فصرهن } يقول : قطعهن .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث من طريق أبي جمرة عن ابن عباس { فصرهن إليك } قال : قطع أجنحتهن ثم اجعلهن أرباعاً ، ربعاً ههنا وربعاً ههنا في أرباع الأرض { ثم ادعهن يأتينك سعياً } قال : هذا مثل كذلك يحيي الله الموتى مثل هذا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : أمر أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن ، ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن ، ثم يجزئهن على أربعة أجبل .
وأخرج ابن جرير عن عطاء { فصرهن إليك } اضممهن إليك .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق طاوس عن ابن عباس قال : وضعهن على سبعة أجبل ، وأخذ الرؤوس بيده فجعل ينظر إلى القطرة تلقى القطرة ، والريشة تلقى الريشة ، حتى صرن أحياء ليس لهن رؤوس ، فجئن إلى رؤوسهن فدخلن فيها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { ثم ادعهن } قال : دعاهن باسم إله إبراهيم تعالين .
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله { يأتينك سعياً } قال : شداً على أرجلهن .
وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : أخذ ديكاً ، وطاوساً ، وغراباً ، وحماماً ، فقطع رؤوسهن وقوائمهن وأجنحتهن ، ثم أتى الجبل فوضع عليه لحماً ودماً وريشاً ، ثم فرقه على أربعة جبال ، ثم نودي : أيتها العظام المتمزقة ، واللحوم المتفرقة ، والعروق المتقطعة ، اجتمعن يرد الله فيكن أرواحكن . فوثب العظم إلى العظم ، وطارت الريشة إلى الريشة ، وجرى الدم إلى الدم ، حتى رجع إلى كل طائر دمه ولحمه وريشه ، ثم أوحى الله إلى إبراهيم : إنك سألتني كيف أحيي الموتى ، وإني خلقت الأرض وجعلت فيها أربعة أرواح : الشمال ، والصبا ، والجنوب ، والدبور ، حتى إذا كان يوم القيامة نفخ نافخ في الصور ، فيجتمع من في الأرض من القتلى والموتى كما اجتمعت أربعة أطيار من أربعة جبال ، ثم قرأ { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } [ لقمان : 28 ] .(2/177)
وأخرج البيهقي في الشعب عن الحسن في قوله { رب أرني كيف تحيي الموتى } قال : إن كان إبراهيم لموقنا أن الله يحيي الموتى ولكن لا يكون الخبر كالعيان ، إن الله أمره أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن وينتفهن ، ثم قطعهن أعضاء أعضاء ، ثم خلط بينهن جميعاً ، ثم جزأهن أربعة أجزاء ، ثم جعل على كل جبل منهن جزءاً ، ثم تنحى عنهن فجعل يعدو كل عضو إلى صاحبه حتى استوين كما كن قبل أن يذبحهن ، ثم أتينه سعياً .
وأخرج البيهقي عن مجاهد في قوله { فصرهن إليك } قال : يقول : انتف ريشهن ولحومهن ومزقهن تمزيقاً .
وأخرج البيهقي عن عطاء قال : يقول : شققهن ثم اخلطهن .(2/178)
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة . . . } الآية . قال : فذلك سبعمائة حسنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : هذا لمن أنفق في سبيل الله فله أجره سبعمائة مرة .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { والله واسع عليم } قال : واسع أن يزيد في سعته ، عالم بمن يزيده .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال : « كان من بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة ورابط معه بالمدينة ولم يذهب وجهاً إلا باذنه كانت له الحسنة بسبعمائة ضعف ، ومن يبيع على الإِسلام كانت الحسنة له عشر أمثالها » .
وأخرج ابن ماجة عن الحسن بن علي بن أبي طالب وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامه الباهلي وعبدالله بن عمر وجابر بن عبدالله وعمران بن حصين كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ح .
وأخرج ابن ماجة وابن أبي حاتم عن عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ، ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه ذلك فله بكل درهم يوم القيامة سبعمائة ألف درهم ، ثم تلا هذه الآية { والله يضاعف لمن يشاء } » .
وأخرج البخاري في تاريخه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم « النفقة في سبيل الله تضاعف سبعمائة ضعف » .
وأخرج أحمد ومسلم والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود « أن رجلاً تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة ، كلها مخطومة » .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن خريم بن فاتك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف » .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الأعمال عند الله سبعة : عملان موجبان ، وعملان أمثالهما ، وعمل بعشرة أمثاله ، وعمل بسبعمائة ، وعمل لا يعلم ثواب عامله إلا لله . فأما الموجبان : فمن لقي الله يعبده مخلصاً لا يشرك به شيئاً وجبت له الجنة ، ومن لقي الله قد أشرك به وجبت له النار ، ومن عمل سيئة جزي بمثلها ، ومن هم بحسنة جزي بمثلها ، ومن عمل حسنة جزي عشراً ، ومن أنفق ماله في سبيل الله ضعفت له نفقته الدرهم بسبعمائة والدينار بسبعمائة ، والصيام لله لا يعلم ثواب عامله إلا الله عز وجل » .(2/179)
وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : طوبى لمن أكثر في الجهاد في سبيل الله من ذكر الله ، فإن له بكل كلمة سبعين ألف حسنة ، كل حسنة منها عشرة أضعاف مع الذي له عند الله من المزيد . قيل : يا رسول الله النفقة؟ قال : النفقة على قدر ذلك . قال عبد الرحمن : فقلت لمعاذ : إنما النفقة بسبعمائة ضعف؟ فقال معاذ : قل فهمك ، إنما ذاك إذا أنفقوها وهم مقيمون في أهلهم غير غزاة ، فإذا غزا وأنفقوا خبأ الله لهم من خزائن رحمته ما ينقطع عنه علم العباد وصفتهم ، فأولئك حزب الله وحزب الله هم الغالبون » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عدي بن حاتم « أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل؟ قال : خدمة عبد في سبيل الله ، أو ظل فسطاط أو طروقة فحل في سبيل الله » .
وأخرج الترمذي وصححه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله ، أو منحة خادم في سبيل الله ، أو طروقة فحل في سبيل الله » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن زيد بن خالد الجهني « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا » .
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن عمر بن الخطاب « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من جهز غازياً حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من جهز غازياً في سبيل الله فله مثل أجره ، ومن خلف غازياً في أهله بخير وأنفق على أهله كان له مثل أجره » .
وأخرج مسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني لحيان ليخرج من كل رجلين رجل ، ثم قال للقاعد : أيكم خلف الخارج في أهله فله مثل أجره » .
وأخرج أحمد والحاكم والبيهقي عن سهل بن حنيف « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أعان مجاهداً في سبيل الله ، أو غارماً في عسرته ، أو مكاتباً في رقبته ، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله » .
وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة ، ومن جهز غازياً في سبيل الله فله مثل أجره ، ومن بنى مسجداً لله يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتاً في الجنة » .(2/180)
وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن صعصعه بن معاوية قال : قلت لأبي ذر حدثني . قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « ما من عبد مسلم ينفق من ماله زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حَجَبَةُ الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده . قلت : وكيف ذاك؟ قال : إن كانت رحالاً فرحلين ، وإن كانت إبلاً فبعيرين ، وإن كانت بقراً فبقرتين » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة } الآية . قال : نفقة الحج والجهاد سواء ، الدرهم سبعمائة لأنه في سبيل الله .
وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي في سننه عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله ، الدرهم بسبعمائة ضعف » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله ، الدرهم بسبعمائة » .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن معاذ بن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الصلاة والصيام والذكر تضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف » .(2/181)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : علم الله أن ناساً يمنون بعطيتهم ، فكره ذلك وقدم فيه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : إن أقواماً يبعثون الرجل منهم في سبيل الله ، أو ينفق على الرجل ويعطيه النفقة ثم يمنه ويؤذيه ، ومنه يقول : أنفقت في سبيل الله كذا وكذا غير محتسبه عند الله ، وأذى يؤذي به الرجل الذي أعطاه ويقول : ألم أعطك كذا وكذا؟
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل البراء بن عازب فقال : يا براء كيف نفقتك على أمك؟ - وكان موسعاً على أهله - فقال : يا رسول الله ما أحسنها . قال : فإن نفقتك على أهلك وولدك وخادمك صدقة ، فلا تتبع ذلك مناً ولا أذى » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما أنفقتم على أهليكم في غير إسراف ولا إقتار فهو في سبيل الله » .
وأخرج الطبراني عن كعب بن عجرة قال : « مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ، فقالوا : يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان « » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أيوب قال : « أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم رجل من رأس تل فقالوا : ما أجلد هذا الرجل! لو كان جلده في سبيل الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم » أوليس في سبيل الله إلا من قتل؟ ثم قال : من خرج في الأرض يطلب حلالاً يكف به والديه فهو في سبيل الله ، ومن خرج يطلب حلالاً يكف به أهله فهو في سبيل الله ، ومن خرج يطلب حلالاً يكف به نفسه فهو في سبيل الله ، ومن خرج يطلب التكاثر فهو في سبيل الشيطان « » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من سعى على والديه ففي سبيل الله ، ومن سعى على عياله ففي سبيل الله ، ومن سعى على نفسه ليعفها ففي سبيل الله ، ومن سعى على التكاثر فهو في سبيل الشيطان » .(2/182)
وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن أبي عبيدة بن الجراح « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبعمائة ، ومن أنفق على نفسه وأهله أو عاد مريضاً أو أماط أذى عن طريق فالحسنة بعشر أمثالها ، والصوم جنة ما لم يخرقها ، ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده فله حظه » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة » .
وأخرج البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها ، حتى ما تجعل في في امرأتك » .
وأخرج أحمد عن المقدام بن معد يكرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة ، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة ، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة » .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أنفق على نفسه نفقة ليستعف بها فهي صدقة ، ومن أنفق على امرأته وولده وأهل بيته فهي صدقة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر قال : قال رسول الله « ما أنفق المرء على نفسه وأهله وولده وذي رحمه وقرابته فهو له صدقة » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى عن عمرو بن أمية « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما أعطى الرجل أهله فهو له صدقة » .
وأخرج أحمد والطبراني عن العرباض بن سارية « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أجر » .
وأخرج أحمد والطبراني عن أم سلمة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أنفق على ابنتين ، أو أختين ، أو ذواتي قرابة ، يحتسب النفقة عليهما حتى يغنيهما من فضل الله أو يكفهما كانتا له ستراً من النار » .
وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن عوف بن مالك . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ما من مسلم يكون له ثلاث بنات فينفق عليهن حتى يبن أو يمتن إلا كن له حجاباً من النار . فقالت امرأة : أو بنتان؟ فقال : أو بنتان » .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة قالت : « دخلت علي امرأة ومعها بنتان لها تسأل ، فلم تجد عندي شيئاً سوى تمرة واحدة فأعطيتها إياها ، فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت وخرجت ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال » من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار « » .(2/183)
وأخرج مسلم عن عائشة قالت : « جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها ، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها ، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال » إن الله قد أوجب لها بها الجنة ، أو أعتقها بها من النار « » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من عال جاريتين حتى تبلغا دخلت أنا وهو في الجنة كهاتين » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن حبان عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من عال ابنتين أو ثلاثاً ، أو أختين أو ثلاثاً ، حتى يمتن أو يموت عنهن كنت أنا وهو في الجنة كهاتين ، وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة » .
وأخرج البزار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من مسلم له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة » .
وأخرج البزار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كفل يتيماً له ذو قرابة أو لا قرابة له فأنا وهو في الجنة كهاتين ، وضم أصبعيه . ومن سعى على ثلاث بنات فهو في الجنة وكان له كأجر مجاهد في سبيل الله صائماً قائماً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وابن حبان عن ابن الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كان له ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات ، أو بنتان ، أو أختان ، فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن . وفي لفظ : فأدبهن ، وأحسن إليهن ، وزوّجهن ، فله الجنة » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب والبزار والطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كن له ثلاث بنات يؤويهن ، ويرحمهن ، ويكفلهن ، وينفق عليهن ، وجبت له الجنة البتة . قيل : يا رسول الله فإن كانتا اثنتين؟ قال : وإن كانتا اثنتين . قال : فرأى بعض القوم أن لو قال واحدة لقال واحدة » .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من كن له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن ، وضرائهن ، وسرائهن ، أدخله الله الجنة برحمته إياهن . فقال رجل : واثنتان يا رسول الله؟ قال : واثنتان . قال رجل : يا رسول الله وواحدة؟ قال : وواحدة » .
وأخرج البخاري في الأدب والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن ، فاطعمهن ، وسقاهن ، وكساهن من جدته ، كن له حجاباً من النار » .(2/184)
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)
أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن دينار قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما من صدقة أحب إلى الله من قول ، ألم تسمع قوله { قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى } ؟ » .
وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علماً ، ثم يعلمه أخاه المسلم » .
وأخرج المرهبي في فضل العلم والبيهقي في الشعب عن عبدالله بن عمرو « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما أهدى المرء المسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمة ، يزيده الله بها هدى أو يرده عن ردى » .
وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما تصدق الناس بصدقة مثل علم ينشر » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « نعم العطية كلمة حق تسمعها ، ثم تحملها إلى أخ لك مسلم فتعلمها إياه » .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله { قول معروف . . . } الآية . قال : رد جميل . يقول : يرحمك الله يرزقك الله ، ولا ينتهره ولا يغلظ له القول .
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس قال : الغني الذي كمل في غناه ، والحليم الذي كمل في حلمه .(2/185)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في الآية قال : من أنفق نفقة ثم منَّ بها أو آذى الذي أعطاه النفقة حبط أجره ، فضرب الله مثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فلم يدع من التراب شيئاً ، فكذلك يمحق الله أجر الذي يعطي صدقته ثم يمنّ بها كما يمحق المطر ذلك التراب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال الله للمؤمنين : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى فتبطل كما بطلت صدقة الرياء ، وكذلك هذا الذي ينفق ماله رئاء الناس ذهب الرياء بنفقته كما ذهب هذا المطر بتراب هذا الصفا .
وأخرج أحمد في الزهد عن عبدالله بن أبي زكريا قال : بلغني أن الرجل إذا راءى بشيء من عمله أحبط ما كان قبل ذلك .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يدخل الجنة منان ، ولا عاق ، ولا مدمن خمر ، ولا مؤمن بسحر ، ولا كاهن » .
وأخرج البزار والحاكم وصححه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، ومدمن الخمر ، والمنان بما أعطى . وثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه ، والديوث ، والرجلة » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لا يدخل الجنة منان . فشق ذلك علي حتى وجدت في كتاب الله في المنان { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عمرو بن حريث قال : إن الرجل يغزو ، ولا يسرق ولا يزني ولا يغل لا يرجع بالكفاف . قيل له : لماذا؟ فقال : إن الرجل ليخرج فإذا أصابه من بلاء الله الذي قد حكم عليه لعن وسب إمامه ولعن ساعة غزا ، وقال : لا أعود لغزوة معه أبداً . فهذا عليه وليس له ، مثل النفقة في سبيل الله يتبعها مناً وأذى ، فقد ضرب الله مثلها في القرآن { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } حتى ختم الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { صفوان } يقول : الحجر . { فتركه صلداً } ليس عليه شيء .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { كمثل صفوان } الصفاة { فتركه صلداً } قال : تركها نقية ليس عليها شيء ، فكذلك المنافق يوم القيامة لا يقدر على شيء مما كسب .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : الوابل . المطر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : الوابل . المطر الشديد ، وهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة ، يقول { لا يقدرون على شيء مما كسبوا } يومئذ كما ترك هذا المطر هذا الحجر ليس عليه شيء أنقى ما كان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { فتركه صلداً } قال : يابساً خاسئاً لا ينبت شيئاً .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس . أن نافع ابن الأزرق سأله عن قوله { صفوان } قال : الحجر الأملس . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أوس بن حجر :
على ظهر صفوان كأن متونه ... عللن بدهن يزلق المتنزلا
قال : فأخبرني عن قوله { صلداً } قال : أملس . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أبي طالب :
وإني لقرم وابن قرم لهاشم ... لآباء صدق مجدهم معقل صلد(2/186)
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)
أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال : هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن .
وأخرج عن مقاتل بن حيان في قوله { ابتغاء مرضاة الله } قال : احتساباً .
وأخرج عن الحسن قال : لا يريدون سمعة ولا رياء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي { وتثبيتا من أنفسهم } قال : تصديقاً ويقيناً .
وأخرج ابن جرير عن أبي صالح { وتثبيتاً من أنفسهم } قال : يقيناً من عند أنفسهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { وتثبيتاً } قال : يتثبتون أين يضعون أموالهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال : كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت ، فإن كان لله أمضى ، وإن خالطه شيء من الرياء أمسك .
وأخرج ابن المنذر عن قتادة { و تثبيتاً من أنفسهم } قال : النية .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أنه كان يقرأها { بربوة } بكسر الراء ، والربوة النشز من الأرض .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : الربوة ، الأرض المستوية المرتفعة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { جنة بربوة } قال : المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { أصابها وابل } قال : أصاب الجنة المطر .
وأخرج عن عطاء الخراساني قال : الوابل الجود من المطر .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد { فآتت أكلها ضعفين } قال : أضعفت في ثمرها .
وأخرج ابن جرير عن السدي { فآتت أكلها ضعفين } يقول : كما ضعفت ثمر تلك الجنة فكذلك تضاعف لهذا المنفق ضعفين .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { فطل } قال : ندى .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { فطل } قال : طش .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك قال : الطل . الرذاذ من المطر ، يعني اللين منه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن ، يقول : ليس لخيره خلف كما ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان ، إن أصابها وابل وإن أصابها طل .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله { فإن لم يصبها وابل فطل } قال : تلك أرض مصر إن أصابها طل زكت ، وإن أصابها وابل أضعفت .(2/187)
أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)
أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال : قال عمر يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فيم ترون هذه الآية نزلت { أيود أحدكم أن تكون له جنة } ؟ قالوا : الله أعلم! فغضب عمر فقال : قولوا : نعلم أو لا نعلم . فقال ابن عباس . في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين! فقال : عمر : يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك . قال ابن عباس : ضربت مثلاً لعمل . قال عمر : أي عمل؟ قال ابن عباس : لعمل . قال عمر : لرجل غني يعمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب : قرأت الليلة آية أسهرتني { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب } فقرأها كلها فقال : ما عنى بها؟ فقال بعض القوم : الله أعلم! فقال : إني أعلم أن الله أعلم ، ولكن إنما سألت إن كان عند أحد منكم علم وسمع فيها شيئاً أن يخبر بما سمع؟ فسكتوا . فرآني وأنا أهمس قال : قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك . قلت : عنى بها العمل . قال : وما عنى بها العمل؟ قلت : شيء ألقي في روعي فقلته . فتركني وأقبل وهو يفسرها صدقت يا ابن أخي عَنَى بها العمل ، ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبرت سنه وكثر عياله ، وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم القيامة ، صدقت يا ابن أخي .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ضرب الله مثلاً حسناً - وكل أمثاله حسن - قال { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب . . . له فيها من كل الثمرات } يقول : صنعه في شبيبته فأصابه الكبر ، وولده وذريته ضعفاء عند آخر عمره ، فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه ، فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله ، ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه ، فكذلك الكافر يوم القيامة إذا رد إلى الله ليس له خير فيستعتب ، كما ليس لهذا قوّة فيغرس مثل بستانه ، ولا يجزه قدم لنفسه خيراً يعود عليه ، كما لم يغن عن هذا ولده وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه ، كما حرم هذا جنته عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته .
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : هذا مثل آخر لنفقة الرياء ، إنه ينفق ماله يرائي به الناس ، فيذهب ماله منه وهو يرائي فلا يأجره الله فيه ، فإذا كان يوم القيامة واحتاج إلى نفقته وجدها قد أحرقها الرياء ، فذهبت كما أنفق هذا الرجل على جنته ، حتى إذا بلغت وكثر عياله واحتاج إلى جنته جاءت ريح فيها سموم ، فأحرقت جنته فلم يجد منها شيئاً .(2/188)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : هذا مثل المفرط في طاعة الله حتى يموت ، مثله بعد موته كمثل هذا حين احترقت جنته وهو كبير لا يغني عنها وولده صغار لا يغنون عنه شيئاً ، كذلك المفرط بعد الموت كل شيء عليه حسرة .
وأخرج ابن جرير عن ابن أبي مليكة . أن عمر تلا هذه الآية فقال : هذا مثل ضرب للإِنسان يعمل عملاً صالحاً ، حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمل عمل السوء .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : ضربت مثلاً للعمل يبدأ فيعمل عملاً صالحاً فيكون مثلاً للجنة ، ثم يسيء في آخر عمره فيتمادى في الإِساءة حتى يموت على ذلك ، فيكون الاعصار الذي فيه نار التي أحرقت الجنة مثلاً لإِساءته التي مات وهو عليها .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : قال عمر : آية من كتاب الله ما وجدت أحداً يشفيني عنها! قوله { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب } حتى فرغ من الآية . قال ابن عباس : يا أمير المؤمنين إني أجد في نفسي منها فقال له عمر : فلم تحقر نفسك؟ فقال : يا أمير المؤمنين هذا مثل ضربه الله فقال : أيحب أحدكم أن يكون عمره يعمل بعمل أهل الخير وأهل السعادة ، حتى إذا كبرت سنه ، واقترب أجله ، ورقَّ عظمه ، وكان أحوج ما يكون إلى أن يختم عمله بخير عمل بعمل أهل الشقاء فأفسد عمله فأحرقه . قال : فوقعت على قلب عمر وأعجبته .
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وحسنه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو « اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني وانقطاع عمري » .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله { إعصار فيه نار } قال : ريح فيها سموم شديدة .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { إعصار } قال : الريح الشديدة . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر :
فله في آثارهن خوار ... وحفيف كأنه إعصار
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون } قال : هذا مثل ضربه الله فاعقلوا عن الله أمثاله ، فإن الله يقول { و تلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } [ العنكبوت : 43 ] .(2/189)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)
أخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم } قال : من الذهب والفضة { ومما أخرجنا لكم من الأرض } قال : يعني من الحب والتمر وكل شيء عليه زكاة .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله { أنفقوا من طيبات ما كسبتم } قال : من التجارة { ومما أخرجنا لكم من الأرض } قال : من الثمار .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني عن أبي سعيد الخدري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة ، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود من الإِبل صدقة . وفي لفظ لمسلم : ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق » .
وأخرج مسلم وابن ماجة والدارقطني عن جابر بن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود من الابل صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوْسُق من التمر صدقة » .
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر ، وما سقي بالنضح نصف العشر » .
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني عن جابر بن عبدالله « أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : فيما سقت الأنهار والعيون العشر ، وفيما سقي بالسانية نصف العشر » .
وأخرج الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « فيما سقت السماء والعيون العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر » .
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة ، من كل أربعين درهماً درهم وليس في تسعين ومائة شيء ، فإذا بلغ مائتين ففيها خمسة دراهم » .
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن أبي ذر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : في الإِبل صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البز صدقته ، قالها بالزاي » .
وأخرج أبو داود من طريق خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع » .(2/190)
وأخرج ابن ماجة والدارقطني عن ابن عمر وعائشة « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين ديناراً نصف دينار ، ومن الأربعين ديناراً ديناراً » .
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ليس في أقل من خمس ذود شيء ، ولا في أقل من أربعين من الغنم شيء ، ولا في أقل من ثلاثين من البقر شيء ، ولا في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب شيء ، ولا في أقل من مائتي درهم شيء ، ولا في أقل من خمسة أوسق شيء ، والعشر في التمر ، والزبيب ، والحنطة ، والشعير ، وما سُقِيَ سيحاً ففيه العشر ، وما سقي بالغرب ففيه نصف العشر » .
وأخرج ابن ماجة والدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال : سئل عبدالله بن عمر عن الجوهر ، والدار ، والفصوص ، والخرز ، وعن نبات الأرض البقل ، والقثاء ، والخيار . فقال : ليس في الحجر زكاة ، وليس البقول زكاة ، إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الخمسة : في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، والذرة .
وأخرج الدارقطني عن عمر بن الخطاب قال « إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة : الحنطة ، والشعير ، والزبيب ، والتمر » .
وأخرج الترمذي والدارقطني عن معاذ « أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضراوات وهي البقول؟ فقال : ليس فيها شيء » .
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر ، وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب ، فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب والخضر فعفو ، عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج الدارقطني عن علي بن أبي طالب « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس في الخضراوات صدقة ، ولا في العرايا صدقة ، ولا في أقل من خمسة أوسق صدقة ، ولا في العوامل صدقة ، ولا في الجبهة صدقة . قال الصقر بن حبيب : الجبهة : الخيل والبغال والعبيد » .
وأخرج الدارقطني عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة » .
وأخرج الدارقطني عن أنس بن مالك قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « ليس في الخضراوات صدقة » .
وأخرج البزار والدارقطني عن طلحة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس في الخضراوات صدقة » .
وأخرج الدارقطني عن محمد بن عبد الله بن جحش « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس في الخضراوات صدقة » .(2/191)
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قد عفوت لكن عن صدقة أرقائكم وخيلكم ، ولكن هاتوا صدقة أوراقكم وحرثكم وماشيتكم » .
وأخرج أبو داود وابن ماجة والدارقطني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل « أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال : خذ الحب من الحب ، والشاة من الغنم ، والبعير من الإِبل ، والبقرة من البقر » .
وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : العجماء جبار ، والبئر جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس » .
وأخرج الترمذي وابن ماجة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة ، وفي كل أربعين مسنة » .
وأخرج الدارقطني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليس في البقر العوامل صدقة ولكن في كل ثلاثة تبيع ، وفي كل أربعين مسن أو مسنة » .
وأخرج الترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « في العسل في كل عشرة أزق زق » .
وأخرج أبو داود وابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده « أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من العسل العشر ، ولفظ أبي داود قال » جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نخل له ، وكان سأله أن يحمي له وادياً يقال له سلبة ، فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي ، فلما ولى عمر بن الخطاب كتب سفيان بن وهب إلى عمر يسأله عن ذلك؟ فكتب إليه عمر : إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نخله ، فاحم له سلبة وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من شاء .
وأخرج الشافعي والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أنس . أن أبا بكر رضي الله عنه لما استخلف وجه أنس بن مالك إلى البحرين ، فكتب له هذا الكتاب : هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن سئلها من المؤمنين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعطيه ، فيما دون خمس وعشرين من الإِبل الغنم في كل ذود شاة ، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين ، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين ، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين ، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا بلغت ستاً وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون ، وفي كل خمس حقة ، فإذا تباين أسنان الإِبل في فرائض الصدقات ، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه وأن يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين ، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلا حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين ، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليست عنده إلا ابنة مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء ، ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها ، وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلثمائة ، فإذا زادت على ثلثمائة ففي كل مائة شاة ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ، ولا ذات عوار من الغنم ، ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق ، ولا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ، فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها ، وفي الرقة ربع العشر ، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيه شيء إلا أن يشاء ربها .(2/192)
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والحاكم من طريق الزهري عن سالم عن أبيه قال « كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض فقرنه بسيفه ، فعمل به أبو بكر ثم عمر ، وكان فيه : في خمس من الابل شاة ، وفي عشر شاتان ، وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإذا زادت ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين ، فإذا زادت ففيها حقة إلى ستين ، فإذا زادت فجذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا زادت بنتاً لبون إلى تسعين ، فإذا زادت فحقتان إلى عشرين ومائة ، فإن كانت الإِبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون ، وفي الغنم في الأربعين شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة فشاتان إلى مائتين ، فإذا زادت فثلاث شياه إلى ثلثمائة ، فإن كان الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة ، وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة ، ولا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرق مخافة الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية ، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عيب .(2/193)
قال الزهري : فإذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثاً . ثلث شرار ، وثلث خيار ، وثلث وسط ، فيأخذ المصدق من الوسط « .
وأخرج الحاكم عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم » أنه كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات ، وبعث مع عمرو بن حزم فقرىء على أهل اليمن ، وهذه نسختها : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال ، والحرث بن عبد كلال ، ويغنم بن عبد كلال ، قيل ذي رعين ، ومعافر ، وهمدان ، أما بعد فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس الله ، وما كتب الله على المؤمنين من العشر في العقار ما سقت السماء أو كان سيحاً أو بعلاً ففيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق ، وما سقي بالرشاء والدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق ، وفي كل خمس من الابل سائمة شاة إلى أن تبلغ أربعاً وعشرين ، فإذا زادت واحدة على أربع وعشرين ففيها ابنة مخاض ، فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين ، فإذا زادت على خمسة وثلاثين واحدة ففيها ابن لبون إلى أن تبلغ خمساً وأربعين ، فإن زادت واحدة على خمسة وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى أن تبلغ ستين ، فإن زادت واحدة فجذعة إلى أن تبلغ خمسة وسبعين ، فإن زادت واحدة ففيها ابنا لبون إلى أن تبلغ تسعين ، فإن زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الحمل إلى أن تبلغ عشرين ومائة ، فما زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون ، وفي كل خمسين حقة ، وفي كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين باقورة بقرة ، وفي كل أربعين شاة سائمة شاة إلى أن تبلغ عشرين ومائة ، فإن زادت على العشرين ومائة واحدة ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلثمائة ، فإن زادت فما زاد ففي كل مائة شاة شاة ، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ، ولا عجفاء ، ولا ذات عوار ، ولا تيس غنم ، إلا أن يشاء المصدق ، ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خيفة الصدقة ، وما أخذ من الخليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ، وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم ، وما زاد ففي كل أربعين درهماً درهم ، وليس فيما دون خمس أواق شيء ، وفي كل أربعين ديناراً دينار ، إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل بيت محمد ، إنما هي الزكاة تزكى بها أنفسهم ، ولفقراء المؤمنين ، وفي سبيل الله ، وابن السبيل ، وليس في رقيق ، ولا مزرعة ، ولا عما لها شيء إذا كانت تؤدي صدقتها من العشر ، وإنه ليس في عبد مسلم ، ولا في فرسه شيء .(2/194)
قال : وكان في الكتاب . إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة إشراك بالله ، وقتل النفس المؤمنة بغير حق ، والفرار في سبيل الله يوم الزحف ، وعقوق الوالدين ، ورمي المحصنة ، وتعلم السحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وإن العمرة الحج الأصغر ، ولا يمس القرآن إلا طاهر ، ولا طلاق قبل املاك ، ولا عتاق حتى يبتاع ، ولا يصلين أحد منكم في ثوب واحد وشقه باد ، ولا يصلين أحد منكم عاقصاً شعره ، ولا في ثوب واحد ليس على منكبيه منه شيء .
و كان في الكتاب : أن من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود إلا أن يرضي أولياء المقتول ، وأن في النفس الدية مائة من الإِبل ، وفي الأنف الذي أوعب جدعه الدية ، وفي اللسان الدية ، وفي الشفتين الدية ، وفي البيضتين الدية ، وفي الذكر الدية ، وفي الصلب الدية ، وفي العينين الدية ، وفي الرجل نصف الدية ، وفي المأمومة ثلث الدية ، وفي الجائفة ثلث الدية ، وفي المنقلة خمس عشرة من الإِبل ، وفي كل أصبع من الأصابع من اليد والرجل عشر ، وفي السن خمس من الإِبل ، وفي الموضحة خمس ، وأن الرجل بالمرأة ، وعلى أهل الذهب ألف دينار « .
وأخرج أبو داود عن حبيب المالكي قال : قال رجل لعمران بن حصين : يا أبا نجيد إنكم لتحدثونا بأحاديث ما نجد لها أصلاً في القرآن! فغضب عمران وقال : أوجدتم في كل أربعين درهماً درهم ، ومن كل كذا وكذا شاة شاة ، ومن كذا وكذا بعيراً كذا وكذا . وجدتم هذا في القرآن؟ قال : لا . قال : فعمن أخذتم هذا؟! أخذتموه عنا ، وأخذناه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني عن ابن عمر قال » فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو انثى من المسلمين « .
وأخرج أبو داود وابن ماجة والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال » فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصيام من اللغو والرفث وطعمة للمساكين ، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات « .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني عن أبي سعيد الخدري قال : » كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعاً من طعام ، أو صاعاً من أقط ، أو صاعاً من شعير ، أو صاعاً من تمر ، أو صاعاً من زبيب « .(2/195)
وأخرج أحمد وأبو داود والدارقطني عن ثعلبة بن صغير قال « قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً قبل الفطر بيومين فأمر بصدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير على كل رأس ، أو صاع بر أو قمح بين اثنين صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى غني أو فقير ، أما غنيكم فيزكيه الله ، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه » .
وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن قيس بن سعد قال « أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله ، وأمرنا بصوم عاشوراء قبل أن ينزل رمضان ، فلما نزل رمضان لم يأمرنا به ولم ينهنا عنه ونحن نفعله » .
وأخرج الدارقطني عن ابن عمر وعن علي « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، والحر والعبد ، ممن تمونون » .
وأخرج الشافعي عن جعفر بن محمد عن أبيه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الحر والعبد ، والذكر والأنثى ، ممن تمونون » .
وأخرج البزار والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صارخاً ببطن مكة ينادي إن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، حر أو مملوك ، حاضر أو باد ، صاع من شعير أو تمر » .
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم حض على صدقة رمضان على كل إنسان صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ، أو صاعاً من قمح » .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أمه أسماء أنها حدثته : أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل البيت ، والصاع الذي يقتاتون به ، يفعل ذلك أهل المدينة كلهم .
وأخرج أبو حفص بن شاهين في فضائل رمضان عن جرير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « » صوم رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلا بزكاة الفطر « ، قال ابن شاهين : حديث غريب جيد الاسناد » .
وأخرج مالك والشافعي عن زريق بن حكيم . أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه : أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم من التجارات من كل أربعين ديناراً دينار ، فما نقص فبحسابه حتى تبلغ عشرين ديناراً ، فان نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئاً .(2/196)
وأخرج الدارقطني عن أبي عمرو بن جماس عن أبيه قال : كنت أبيع الادم والجعاب ، فمر بي عمر بن الخطاب فقال لي : أدِ صدقة مالك . فقلت : يا أمير المؤمنين إنما هو في الادم! قال : قوّمه ثم أخرج صدقته .
وأخرج البزار والدارقطني عن سمرة بن جندب قال « ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا برقيق الرجل أو المرأة الذي هو تلاد له ، وهم عملة لا يريد بيعهم ، فكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم من الصدقة شيئاً ، وكان يأمرنا أن نخرج عن الرقيق الذي هو يعد للبيع » .
وأخرج الحاكم وصححه عن بلال بن الحرث « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة » .
وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة عن ابن عباس « أنه سئل عن العنبر فقال : إنما هو شيء دسره البحر ، فإن كان فيه شيء ففيه الخمس » .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة عن ابن شهاب قال : في الزيتون العشر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : في الزيتون العشر .
وأخرج الدارقطني عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « في الخيل السائمة في كل فرس دينار » .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا زكاة الفطر في الرقيق » .
أما قوله تعالى : { و لا تيمموا الخبيث منه تنفقون } الآية .
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصحّحه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب في قوله { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } قال : نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل ، كان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته ، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد ، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام ، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط البسر والتمر فيأكل ، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحفش وبالقنو قد انكسر فيعلقه ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } قال : لو أن أحدكم اهدي إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا عن اغماض وحياء . قال : فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : ذكر لنا أن الرجل كان يكون له الحائطان فينظر إلى أردئهما تمراً فيتصدق به ويخلط به الحشف ، فنزلت الآية ، فعاب الله ذلك عليهم ونهاهم عنه .(2/197)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قال : كان أناس من المنافقين حين أمر الله أن تؤدى الزكاة يجيئون بصدقاتهم باردأ ما عندهم من الثمرة ، فأنزل الله { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } .
وأخرج عبد بن حميد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال « لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر جاء رجل بتمر رديء ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخرص النخل أن لا يجيزه ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم . . . } الآية » .
وأخرج الحاكم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال : « أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر بصاع من تمر ، فجاء رجل بتمر رديء فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحة » لا تخرص هذا التمر « ، فنزل هذا القرآن { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض . . . . } الآية » .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي في سننه عن سهل بن حنيف قال « أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة ، فجاء رجل بكبائس من هذا السحل - يعني الشيص - فوضعه ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من جاء بهذا - وكان كل من جاء بشيء نسب إليه - فنزلت { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون . . . . } الآية . ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لونين من التمر ، أو يؤخذا في الصدقة الجعرور ولون الحبيق » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترون الطعام الرخيص ويتصدقون ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن عبيدة السلماني قال : سألت علي بن أبي طالب عن قول الله { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم . . . } الآية . فقال : نزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة ، كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه فيعزل الجيد ناحية ، فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء . فقال الله { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } يقول : ولا يأخذ أحدكم هذا الرديء حتى يهضم له .
وأخرج ابن جرير عن عطاء قال : « علق إنسان حشفاً في الاقناء التي تعلق بالمدينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ما هذا؟! بئسما علق هذا « . فنزلت { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } » .(2/198)
وأخرج ابن المنذر عن محمد بن يحيى بن حبان المازني من الأنصار « أن رجلاً من قومه أتى بصدقته يحملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصناف من التمر معروفة من الجعرور واللينة والأيارخ والقضرة وآمعاء فارة وكل هذا لا خير فيه من تمر النخل ، فردها الله ورسوله ، وأنزل الله فيه { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم } إلى قوله { حميد } » .
وأخرج سفيان بن عيينة والفريابي عن مجاهد قال : كانوا يتصدقون بالحشف وشرار التمر ، فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتصدقوا بطيب قال : وفي ذلك نزلت { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن قال : كان الرجل يتصدق برذالة ما له ، فنزلت { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } .
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عوف بن مالك قال « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عصا ، فإذا اقناء معلقة في المسجد قنو منها حشف ، فطعن في ذلك القنو وقال : ما يضر صاحبه لو تصدق بأطيب من هذه ، إن صاحب هذه ليأكل الحشف يوم القيامة » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أنفقوا من طيبات ما كسبتم } يقول : تصدقوا من أطيب أموالكم وأنفسه { ولستم بآخذيه } قال : لو كان لكم على أحد حق فجاءكم بحق دون حقكم لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه فذلك قوله { إلا أن تغمضوا فيه } فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟ وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه ، وهو قوله { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } [ آل عمران : 92 ] .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن مغفل في قوله { ولا تيمموا الخبيث } قال : كسب المسلم لا يكون خبيثاً ولكن لا تصدق بالحشف ، والدرهم الزيف ، وما لا خير فيه . وفي قوله { إلا أن تغمضوا فيه } قال : لا تجوزوا فيه .
وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب { ولا تيمموا الخبيث } يقول : ولا تعمدوا للخبيث منه تنفقون ، واعلموا أن الله غني عن صدقاتكم .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : اخبرني عن قوله { ولا تيمموا الخبيث } قال : لا تعمدوا إلى شر ثماركم وحروثكم فتعطوه في الصدقة ، ولو أعطيتم ذلك لم تقبلوا . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الأعشى وهو يقول :
يممت راحلتي أمام محمد ... أرجو فواضله وحسن نداه
و قال أيضاً :
تيممت قيسا وكم دونه ... من الأرض من مهمه ذي شرر
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة عن هذه الآية { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } قال : إنما ذلك في الزكاة في الشيء الواجب ، فأما في التطوّع فلا بأس بأن يتصدق الرجل بالدرهم الزيف هو خير من التمرة .(2/199)
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ولستم بآخذيه إلاَّ أن تغمضوا فيه } قال كان رجال يعطون زكاة أموالهم من التمر ، فكانوا يعطون الحشف في الزكاة فقال : لو كان بعضهم يطلب بعضاً ثم قضاه لم يأخذه إلا أن يرى أنه قد أغمض عنه حقه .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } قال : لا تأخذونه من غرمائكم ولا في بيوعكم إلا بزيادة على الطيب في الكيل ، وذلك فيما كانوا يعلقون من التمر بالمدينة ، ومن كل ما أنفقتم فلا تنفقوا إلا طيباً .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } قال : الحشفة والحنطة المأكولة { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } قال : أرأيت لو كان لك على رجل حق فاعطاك دراهم فيها زيوف فاخذتها ، أليس قد كنت غمضت من حقك؟
وأخرج وكيع عن الحسن { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } قال : لو وجدتموه يباع في السوق ما أخذتموه حتى يهضم لكم من الثمن .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } يقول : لو كان لك على رجل حق لم ترض أن تأخذ منه دون حقك ، فكيف ترضى لله بأردإ مالك تقرب به إليه؟
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } يقول : لستم بآخذي هذا الرديء بسعر الطيب إلا أن يهضم لكم منه .
وأخرج أبو داود والطبراني عن عبد الله بن معاوية الفاخري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإِيمان : من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله ، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه وافرة عليه كل عام ، ولم يعط الهرمة ، ولا الذربة ، ولا المريضة ، ولا الشرط اللثيمة ، ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولا يأمركم بشره » .
وأخرج الشافعي عن عمر بن الخطاب . أنه استعمل أبا سفيان بن عبد الله على الطائف فقال : قل لهم : لا آخذ منكم الربى ، ولا الماخض ، ولا ذات الدر ، ولا الشاة الأكولة ، ولا فحل الغنم ، وخذ العناق والجذعة والثنية ، فذلك عدل بين رديء المال وخياره .
وأخرج الشافعي عن سعر أخي بني عدي قال « جاءني رجلان فقالا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا نصدق أموال الناس . قال : فأخرجت لهما شاة ماخضاً أفضل ما وجدت ، فرداها علي وقالا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نأخذ الشاة الحبلى .(2/200)
قال : فاعطيتهما شاة من وسط الغنم فاخذاها « .
وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم وصححه عن أبي بن كعب قال : » بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مصدقاً ، فمررت برجل فجمع لي ماله فلم أجد عليه فيها إلا ابنة مخاض ، فقلت له : أدابة مخاض فإنها صدقتك؟ فقال : ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة عظيمة سمينة فخذها . فقلت له : ما أنا بآخذ ما لم أومر به ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب ، فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ذلك؟ قال : إني فاعل . فخرج معي بالناقة حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره . فقال « إن تطوّعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك ، وأمر بقبض الناقة منه ودعا له بالبركة » « .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي هريرة قال : لدرهم طيب أحب إلي من مائة ألف ، اقرأ { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله { أنفقوا من طيبات ما كسبتم } من الحلال .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مغفل { أنفقوا من طيبات ما كسبتم } قال : من الحلال .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { ولا تيمموا الخبيث } قال : الحرام .
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لا يكسب عبد مالاً حراماً فينفق منه فيبارك له فيه ، ولا يتصدق فيقبل منه ، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار . إن الله لا يمحو السيىء بالسيىء ولا يمحو السيىء إلا بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث « .
وأخرج البزار عن ابن مسعود رفعه قال : إن الخبيث لا يكفر الخبيث ولكن الطيب يكفر الخبيث .
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن عمر قال : إذا طاب المكسب زكت النفقة ، إن الخبيث لا يكفر الخبيث .
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال : إن كسب المال من سبيل الحلال قليل ، فمن كسب مالاً من غير حله فوضعه في غير حقه فآثر من ذلك أن لا يسلب اليتيم ويكسو الأرملة ، ومن كسب مالاً من غير حله فوضعه في غير حقه فذلك الداء العضال ، ومن كسب مالاً من حله فوضعه في حقه فذلك يغسل الذنوب كما يغسل الماء التراب عن الصفا .
وأخرج ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك ، ومن جمع مالاً من حرام ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر ، وكان إصره عليه « .(2/201)
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : من كسب طيباً خبثه منع الزكاة ، ومن كسب خبيثاً لم تطيبه الزكاة .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا خرج الحاج حاجاً بنفقة طيبة ، ووضع رجله في الغرز فنادى : لبيك اللهم لبيك ، ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور ، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز ، فنادى : لبيك اللهم لبيك ، ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مبرور » .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك . قال الله له : لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك » .
وأخرج أحمد عن أبي بردة بن نيار قال « سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكسب؟ فقال : بيع مبرور ، وعمل الرجل بيده » .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال « سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي كسب الرجل أطيب؟ قال : عمل الرجل بيده ، وكل بيع مبرور » .
وأخرج عبد بن حميد عن عائشة قالت : قال الله : كلوا من طيبات ما كسبتم وأولادكم من أطيب كسبكم ، فهم وأموالهم لكم .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن ماجة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه » .
وأخرج عبد بن حميد عن عائشة قالت : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه ، وليس للولد أن يأخذ من مال والده إلا بإذنه ، والوالد يأخذ من مال ولده ما شاء بغير إذنه .
وأخرج عبد بن حميد عن عامر الأحول قال : « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما لنا من أولادنا؟ قال : هم من أطيب كسبكم ، وأموالهم لكم » .
وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن المنكدر قال « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن لي مالاً وإن ليس عيالاً ، ولأبي مال وله عيال ، وإن أبي يأخذ مالي . قال : أنت ومالك لأبيك » .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : يأخذ الرجل من مال ولده إلا الفرج .
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي قال : الرجل في حل من مال ولده .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : يأخذ الوالد من مال ولده ما شاء والوالدة كذلك ولا للولد أن يأخذ من مال والده إلا ما طابت به نفسه .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال : ليس للرجل من مال ابنه إلا ما احتاج إليه من طعام أو شراب أو لباس .(2/202)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال : لا يأخذ الرجل من مال ولده شيئاً إلا أن يحتاج فيستنفق بالمعروف ، يعوله ابنه كما كان الأب يعوله ، فاما إذا كان موسراً فليس له أن يأخذ من مال ابنه فيقي به ماله أو يضعه فيما لا يحل .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد من طريق قتادة عن الحسن قال : يأخذ الرجل من مال ابنه ما شاء ، وإن كانت له جارية تسراها إن شاء . قال قتادة : فلم يعجبني ما قال في الجارية .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال : إذا كانت أم اليتيم محتاجة أنفق عليها من ماله يدها مع يده . قيل له : فالموسرة قال : لا شيء لها . والله أعلم .(2/203)
الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)
أخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوّذ بالله من الشيطان ، ثم قرأ { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } . الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : اثنتان من الله واثنتان من الشيطان { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } يقول : لا تنفق مالك وأمسكه عليك فإنك تحتاج إليه { والله يعدكم مغفرة منه } على هذه المعاصي وفضلاً في الرزق .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { والله يعدكم مغفرة منه } لفحشائكم وفضلاً لفقركم .
وأخرج ابن المنذر عن خالد الربعي قال : عجبت لثلاث آيات ذكرهن الله في القرآن { ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ] ليس بينهما حرف وكانت إنما تكون لنبي فاباحها الله لهذه الأمة ، والثانية قف عندها ولا تعجل { اذكروني أذكركم } فلو استقر يقينها في قلبك ما جفت شفتاك ، والثالثة { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً } .
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن مسعود قال : إنما مثل ابن آدم مثل الشيء الملقى بين يدي الله وبين الشيطان ، فإن كان لله تبارك وتعالى فيه حاجة أجاره من الشيطان ، وإن لم يكن لله فيه حاجة خلى بينه وبين الشيطان .(2/204)
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله { يؤتي الحكمة من يشاء } قال : المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره ، وحلاله وحرامه ، وأمثاله .
وأخرج ابن مردويه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس « مرفوعاً { يؤت الحكمة } قال : القرآن ، يعني تفسيره . قال ابن عباس : فإنه قد قرأه البر والفاجر » .
وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس { يؤت الحكمة } قال : القرآن .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { يؤتي الحكمة من يشاء } قال : النبوّة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { يؤتي الحكمة من يشاء } قال : ليست بالنبوة ولكنه القرآن والعلم والفقه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { يؤت الحكمة } قال : الفقه في القرآن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء { يؤت الحكمة } قال : قراءة القرآن والفكرة فيه .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية { يؤت الحكمة } قال : الكتاب والفهم به .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { يؤتي الحكمة } قال : الكتاب ، يؤتي اصابته من يشاء .
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم { يؤتي الحكمة } قال : الفهم .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { يؤتي الحكمة } قال : الإِصابة في القول .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { يؤت الحكمة } قال : الفقه في القرآن .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك { يؤتي الحكمة } قال : القرآن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية { يؤت الحكمة } قال : الخشية ، لأن خشية الله رأس كل حكمة ، وقرأ { إنما يخشى الله من عباده العلماء } [ فاطر : 28 ] .
وأخرج أحمد في الزهد عن خالد بن ثابت الربعي قال : وجدت فاتحة زبور داود . أن رأس الحكمة خشية الرب .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مطر الوراق قال : بلغنا أن الحكمة خشية الله والعلم بالله .
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : الخشية حكمة من خشي الله فقد أصاب أفضل الحكمة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس قال : قال زيد بن أسلم : إن الحكمة العقل ، وانه ليقع في قلبي ان الحكمة الفقه في دين الله ، وأمر يدخله الله القلوب من رحمته وفضله ، ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلاً في أمر الدنيا إذا نظر فيها ، وتجد آخر ضعيفاً في أمر دنياه عالماً بأمر دينه بصيراً به يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا ، فالحكمة الفقه في دين الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال : إن القرآن جزء من اثنين وسبعين جزءاً من النبوّة ، وهو الحكمة التي قال الله { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } .
وأخرج ابن المنذر عن عروة بن الزبير قال : كان يقال : الرفق رأس الحكمة .(2/205)
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ ثلث القرآن أعطي ثلث النبوة ، ومن قرأ نصف القرآن أعطي نصف النبوّة ، ومن قرأ ثلثيه أعطي ثلثي النبوة ، ومن قرأ القرآن كله أعطي النبوّة ، ويقال له يوم القيامة : اقرأ وارق بكل آية درجة حتى ينجز ما معه من القرآن . فيقال له : اقبض . فيقبض فيقال له : هل تدري ما في يديك؟ فإذا في يده اليمنى الخلد ، وفي الأخرى النعيم » .
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الله بن عمرو « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه ، ومن قرأ القرآن فرأى أن أحداً أعطي أفضل مما أعطى فقد عظم ما صغر الله وصغر ما عظم الله ، وليس ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عبيد الله بن أبي نهيك قال : قال سعد : تجار كسبة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ليس منا من لم يتغن بالقرآن » قال سفيان بن عيينة : يعني يستغني به .
وأخرج البزار والطبراني والحاكم عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليس منا من لم يتغن بالقرآن » .
وأخرج البزار عن عائشة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس منا من لم يتغن بالقرآن » .
وأخرج الطبراني عن عبد الله بن عمرو « أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجي مسكين لا يقدر على شيء . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها : أتقرأ من القرآن شيئاً؟ قال : اقرأ سورة كذا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم بخ بخ ، زوجك غني . فلزمت المرأة زوجها ، ثم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبي الله قد بسط الله علينا رزقنا » .
وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة « أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله اشتريت مقسم بني فلان فربحت عليه كذا وكذا . فقال : ألا أنبئك بما هو أكثر ربحاً؟ قال : وهل يوجد؟ قال : رجل تعلم عشر آيات . فذهب الرجل فتعلم عشر آيات ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره » .
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن ابن مسعود : أنه كان يقرىء الرجل الآية ثم يقول : تعلمها فإنها خير لك مما بين السماء والأرض ، حتى يقول ذلك في القرآن كله .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود أنه قال : لو قيل لأحدكم : لو غدوت إلى القرية كان لك أربع قلائص كان يقول : قد أنى لي أن أغدو ، فلو ان أحدكم غدا فتعلم آية من كتاب الله كانت له خيراً من أربع وأربع حتى عد شيئاً كثيراً .(2/206)
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا معشر التجار أيعجز أحدكم إذا رجع من سوقه أن يقرأ عشر آيات ، يكتب الله له بكل آية حسنة » .
وأخرج البزار عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره ، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره » .
وأخرج أبو نعيم في فضل العلم ورياضة المتعلمين والبيهقي عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : القرآن غني لا فقر بعده ولا غنى دونه » .
وأخرج البخاري في تاريخه والبيهقي عن رجاء الغنوي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أعطاه الله حفظ كتابه وظن أن أحداً أوتي أفضل مما أوتي فقد غمط أعظم النعم » .
وأخرج البيهقي عن سمرة بن جندب « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل مؤدب يجب أن تؤتي أدبه ، وأدب الله القرآن فلا تهجروه » .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : ما أنزل الله من آية إلا والله يحب أن يعلم العباد فيما أنزلت ، وماذا عنى بها .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي قلابة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أوّل ما يرفع من الأرض العلم فقالوا : يا رسول الله يرفع القرآن؟ قال : لا ، ولكن يموت من يعلمه » أو قال : « من يعلم تأويله . ويبقى قوم يتأولونه على أهوائهم » .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال « كنا إذا تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشر التي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيه . قيل لشريك : من العمل؟ قال : نعم » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر والمرهبي في فضل العلم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يأخذون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل ، قال : فتعلمنا العلم والعمل .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال : لقد عشت برهة من دهري ، وإن أحدنا يؤتى الإِيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن نقف عنده منها كما تعلمون أنتم القرآن ، ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإِيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدري ما آمره ، ولا زاجره ، وما ينبغي أن يقف عنده منه ، وينثره نثر الدقل .(2/207)
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الكلمة ضالة المؤمن ، فحيث وجدها فهو أحق بها » .
وأخرج أحمد في الزهد عن مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أخلص لله أربعين يوماً تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية موصولاً من طريق مكحول عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعاً .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لقمان قال لابنه : يا بني عليك بمجالسة العلماء ، واسمع كلام الحكماء ، فإن الله يحيي القلب الميت بنور الحكمة كما تحيا الأرض الميتة بوابل المطر » .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن يزيد بن الأخنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تنافس إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ويتبع ما فيه ، فيقول رجل : لو أن الله أعطاني ما أعطى فلاناً فأقوم به كما يقوم به ، ورجل أعطاه الله مالاً فهو ينفق منه ويتصدق به ، فيقول رجل : لو ان الله أعطاني كما أعطى فلاناً فأتصدق به . قال رجل : أرأيتك النجدة تكون في الرجل؟ قال : ليست لهما بعدل ، إن الكلب يهم من وراء أهله » .
وأخرج البخاري ومسلم وابن ماجة عن معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » .
وأخرج أبو يعلى عن معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ، ومن لم يفقهه لم يبل له » .
وأخرج البزار والطبراني عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين وألهمه رشده » .
وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أفضل العبادة الفقه ، وأفضل الدين الورع » .
وأخرج البزار والطبراني في الأوسط والمرهبي في فضل العلم عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فضل العلم خير من فضل العبادة ، وخير دينكم الورع » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(2/208)
« قليل العلم خير من كثير من العبادة ، وكفى بالمرء فقهاً إذا عبد الله ، وكفى بالمرء جهلاً إذا أعجب برأيه » .
وأخرج الطبراني عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى ، وما استقام دينه حتى يستقيم عقله » .
وأخرج ابن ماجة عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أبا ذر لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة ، ولأن تغدو فتعلم باباً من العلم عمل به أو لم يعمل به خير من أن تصلي ألف ركعة » .
وأخرج المرهبي في فضل العلم والطبراني في الأوسط والدارقطني والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في دين ، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ، ولكل شيء عماد ، وعماد هذا الدين الفقه . وقال أبو هريرة لأن أجلس ساعة فاتفقه أحب إلي من أن أحيي ليلة إلى الصباح » .
وأخرج الترمذي والمرهبي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خصلتان لا تجتمعان في منافق ، حسن سمت وفقه في الدين » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « فضل العلم أفضل من العبادة ، و ملاك الدين الورع » .
وأخرج الطبراني عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يسير الفقه خير من كثير العبادة ، وخير اعمالكم أيسرها » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين » .
وأخرج الطبراني عن ثعلبة بن الحكم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يقول الله للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لفصل عباده : إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أبالي » .
وأخرج الطبراني عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يبعث الله العباد يوم القيامة ثم يميز العلماء ، فيقول : يا معشر العلماء إني لم أضع فيكم علمي لأعذبكم ، اذهبوا فقد غفرت لكم » .(2/209)
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه } قال : يحصيه .
وأخرج عبد الرزاق والبخاري من طريق ابن شهاب عن عوف بن الحرث بن الطفيل وهو ابن أخي عائشة لأمها . أن عائشة رضي الله عنها حدثت : أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة : والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها . فقالت : أهو قال هذا؟ قالوا نعم . قالت عائشة : فهو لله نذر أن لا أكلم ابن الزبير كلمة أبداً . فاستشفع ابن الزبير بالمهاجرين حين طالت هجرتها اياه . فقالت : والله لا أشفع فيه أحداً أبداً ، ولا أحنث نذري الذي نذرت أبداً ، فلما طال على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة ، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ، وهما من بني زهرة فقال لهما : أنشدكما الله ألا أدخلتماني على عائشة فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي ، فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين عليه بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة ، فقالا : السلام على النبي ورحمة الله و بركاته أندخل؟ فقالت عائشة : ادخلوا . قالوا : أكلنا يا أم المؤمنين؟ قالت : نعم ، ادخلوا كلكم . ولا تعلم عائشة أن معهما ابن الزبير ، فلما دخلوا دخل ابن الزبير في الحجاب و اعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي ، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدان عائشة إلا كلمته وقبلت منه ، ويقولان : « قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة ، و أنه لا يحل للرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال » فلما أكثروا التذكير والتحريج طفقت تذكرهم وتبكي وتقول : إني قد نذرت والنذر شديد ، فلم يزالوا بها حتى كلمت ابن الزبير ، ثم اعتقت بنذرها أربعين رقبة لله ، ثم كانت تذكر ، بعدما أعتقت أربعين رقبة ، فتبكي حتى تبل دموعها خمارها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن حجيرة الأكبر . أن رجلاً أتاه فقال : إني نذرت أن لا أكلم أخي فقال : إن الشيطان ولد له ولد فسماه نذراً ، وإن من قطع ما أمر الله به أن يوصل فقد حلت عليه اللعنة .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه » .
و أخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه » .(2/210)
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا نذر في معصية ، وكفارته كفارة يمين » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن عمران بن حصين قال : « أسرت امرأة من الأنصار فاصيبت العضباء فقعدت في عجزها ، ثم زجرتها فانطلقت و نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها ، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا : العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له ، فقال : سبحان الله . . . ! بئس ما جزتها ، نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها ، لا وفاء لنذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك العبد » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عقبة بن عامر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ليس على العبد نذر فيما لا يملك » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر « أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال : إنه لا يأتي بخير ، وإنما يستخرج به من البخيل » .
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً ، وإنما يستخرج من البخيل » .
وأخرج البخاري ومسلم وابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم أكن قدرته ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدرته فيستخرج الله به من البخيل ، فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخاً يهادي بين ابنيه فقال : ما بال هذا؟ قالوا : نذر أن يمشي إلى الكعبة . قال : إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني ، وأمره أن يركب » .
وأخرج مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك شيخاً يمشي بين ابنيه يتوكأ عليهما . فقال : ما شأن هذا؟ قال ابناه : يا رسول الله كان عليه نذر . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اركب أيها الشيخ فإن الله غني عنك وعن نذرك » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عقبة بن عامر قال « نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية ، فأمرتني أن استفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستفتيته فقال : لتمش ولتركب » .(2/211)
وأخرج أبو داود عن ابن عباس « أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية وانها لا تطيق ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله لغني عن مشي اختك فلتركب ولتهد بدنة » .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن اختي نذرت أن تحج ماشية . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » إن الله لا يصنع بشقاء اختك شيئاً ، فلتحج راكبة وتكفر عن يمينها « » .
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة عن عقبة بن عامر « أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة . فقال : مروها فلتختمر ، ولتركب ، ولتصم ثلاثة أيام » .
وأخرج البخاري وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس قال « بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس ، فسأل عنه فقالوا : هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد لا يستظل ولا يتكلم ويصوم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه » .
وأخرج أبو داود وابن ماجة عن أبي عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر نذراً في معصية فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر نذراً أطاقه فليوف به » .
وأخرج النسائي عن عمران بن حصين « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : النذر نذران . فما كان من نذر في طاعة الله فذلك لله وفيه الوفاء ، وما كان من نذر في معصية الله فذلك للشيطان ، ولا وفاء فيه ويكفره ما يكفر اليمين » .
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والحاكم عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا نذر في معصية ولا غضب ، وكفارته كفارة يمين » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عمران بن حصين قال « ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة . قال : وان من المثلة أن يخرم أنفه وأن ينذر أن يحج ماشياً ، فمن نذر أن يحج ماشياً فليهد هدياً وليركب » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إني نذرت أن أقوم على قعيقعان عرياناً إلى الليل . فقال : أراد الشيطان أن يبدي عورتك وأن يضحك الناس بك ، البس ثيابك وصلّ عند الحجر ركعتين .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : النذور أربعة : فمن نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر في معصية فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر نذراً فيما لا يطيق فكفارته كفارة يمين ، ومن نذر نذراً فيما يطيق فليوف بنذره .(2/212)
و أما قوله تعالى : { و ما للظالمين من أنصار } .
أخرج ابن أبي حاتم عن شريح قال : الظالم ينتظر العقوبة ، والمظلوم ينتظر النصر .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الظلم ظلمات يوم القيامة » .
وأخرج البخاري في الأدب ومسلم والبيهقي في الشعب عن جابر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم » .
وأخرج البخاري في الأدب وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إياكم والظلم فإن الظلم هو الظلمات يوم القيامة ، وإياكم والفحش فإن الله لا يحب الفاحش المتفحش ، وإياكم والشح فإن الشح دعا من كان قبلكم فسفكوا دماءهم ، واستحلوا محارمهم ، وقطعوا أرحامهم » .
وأخرج الحاكم والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إياكم و الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، وإياكم والفحش والتفحش ، وإياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح ، أمرهم بالقطيعة فقطعوا ، وأمرهم بالبخل فبخلوا ، وأمرهم بالفجور ففجروا » .
وأخرج الطبراني عن الهرماس بن زياد قال « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقته فقال : إياكم والخيانة فإنها بئست البطانة ، وإياكم والظلم فإنه ظلمات يوم القيامة ، وإياكم والشح فإنما أهلك من كان قبلكم الشح حتى سفكوا دماءهم ، وقطعوا أرحامهم » .
وأخرج الأصبهاني من حديث عمر بن الخطاب . مثله .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تظلموا فتدعوا فلا يستجاب لكم ، و تستسقوا فلا تسقوا ، وتستنصروا فلا تنصروا » .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « صنفان من أمتي لن تنالهم شفاعتي . إمام ظلوم غشوم ، وكل غال مارق » .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة » .
وأخرج الطبراني عن عقبة بن عامر الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاثة تستجاب دعوتهم : الوالد ، والمسافر ، والمظلوم » .
وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دعوة المظلوم مستجابة ، وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه » .(2/213)
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « دعوتان ليس بينهما وبين الله حجاب : دعوة المظلوم ، ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب » .
وأخرج الطبراني عن خزيمة بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام ، يقول الله : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين » .
وأخرج أحمد عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً ، فإنه ليس دونها حجاب » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يقول الله : اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصراً غيري » .
وأخرج أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قال الله تبارك وتعالى : وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله ، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم يفعل » .
وأخرج الأصبهاني عن عبد الله بن سلام قال : « إن الله لما خلق الخلق فاستووا على أقدامهم رفعوا رؤوسهم ، فقالوا : يا رب مع من أنت؟ قال » أنا مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه « » .
وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن ابن عباس . أن ملكاً من الملوك خرج يسير في مملكته وهو مستخف من الناس ، حتى نزل على رجل له بقرة فراحت عليه تلك البقرة فحلبت ، فإذا حلابها مقدار حلاب ثلاثين بقرة ، فحدث الملك نفسه أن يأخذها ، فلما كان الغد غدت البقرة إلى مرعاها ، ثم راحت فحلبت فنقص لبنها على النصف ، وجاء مقدار حلاب خمس عشرة بقرة ، فدعا الملك صاحب منزله فقال : أخبرني عن بقرتك أرعت اليوم في غير مرعاها بالأمس ، وشربت من غير مشربها بالأمس؟ فقال : ما رعت في غير مرعاها بالأمس ، ولا شربت في غير مشربها بالأمس . فقال : ما بال حلابها على النصف؟! فقال : أرى الملك هم بأخذها فنقص لبنها ، فإن الملك إذا ظلم أو هم بالظلم ذهبت البركة . قال : وأنت من أين يعرفك الملك؟ قال : هو ذاك كما قلت لك . قال : فعاهد الملك ربه في نفسه أن لا يظلم ، ولا يأخذها ، ولا يملكها ، ولا تكون في ملكه أبداً . قال : فغدت فرعت ثم راحت ، ثم حلبت فإذا لبنها قد عاد على مقدار ثلاثين بقرة . فقال الملك بينه وبين نفسه واعتبر : أرى الملك إذا ظلم أو هم بظلم ذهبت البركة ، لا جرم لأعدلن فلأكونن على أفضل العدل .
وأخرج الأصبهاني عن سعيد بن عبد العزيز : من أحسن فليرج الثواب ، ومن أساء فلا يستنكر الجزاء ، ومن أخذ عزاً بغير حق أورثه الله ذلاً بحق ، ومن جمع مالاً بظلم أورثه الله فقراً بغير ظلم .
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال : إن الله عز وجل قال : « من استغنى بأموال الفقراء أفقرته ، وكل بيت يبنى بقوّة الضعفاء أجعل عاقبته إلى خراب » .(2/214)
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } فجعل الله صدقة السر في التطوّع على علانيتها سبعين ضعفاً ، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفاً ، وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها .
وأخرج البيهقي في الشعب بسند ضعيف عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « عمل السر أفضل من العلانية أفضل لمن أراد الاقتداء به » .
وأخرج البيهقي عن معاوية بن قرة قال : كل شيء فرض الله عليك فالعلانية فيه أفضل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إن تبدوا الصدقات . . . . } الآية . قال : كان هذا يعمل به قبل أن تنزل براءة ، فلما نزلت براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها انتهت الصدقات إليها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : كل مقبول إذا كانت النية صادقة ، وصدقة السر أفضل . وذكر لنا أن الصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { إن تبدوا الصدقات فنعما هي } قال : هذا منسوخ وقوله { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } [ الذاريات : 19 ] قال : منسوخ نسخ كل صدقة في القرآن الآية التي في التوبة { إنما الصدقات للفقراء } [ التوبة : 60 ] الآية .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال : « قلت يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال : جهد مقل أو سر إلى فقير ، ثم تلا هذه الآية { إن تبدوا الصدقات فنعما هي . . . } الآية » .
وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار والطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أدلك عن كنز من كنوز الجنة قلت : بلى يا رسول الله . قال : لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة . قلت : فالصلاة يا رسول الله؟ قال : خير موضوع ، فمن شاء أقل ومن شاء أكثر . قلت : فالصوم يا رسول الله؟ قال : قرض مجزىء . قلت : فالصدقة يا رسول الله؟ قال : أضعاف مضاعفة وعند الله مزيد . قلت : فأيها أفضل؟ قال : جهد من مقل وسر إلى فقير » .
وأخرج أحمد والطبراني في الترغيب عن أبي أمامة . « أن أبا ذر قال : يا رسول الله ما الصدقة؟ قال : أضعاف مضاعفة وعند الله المزيد ، ثم قرأ { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } [ البقرة : 245 ] قيل : يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال : سر إلى فقير أو جهد من مقل ، ثم قرأ { إن تبدوا الصدقات فنعما هي . . . } الآية » .(2/215)
وأخرج أحمد والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لمَّا خلق الله الأرض جعلت تميد ، فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت ، فتعجبت الملائكة من خلق الجبال فقالت : يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال : نعم ، الحديد . قالت : فهل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال : نعم ، النار . قالت : فهل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال : نعم ، الماء . قالت : فهل من خلقك شيء أشد من الماء؟ قال : نعم ، الريح . قالت : فهل من خلقك شيء أشد من الريح؟ قال : نعم ، ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها من شماله » .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه » .
وأخرج الطبراني عن معاوية بن حيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن صدقة السر تطفىء غضب الرب » .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وصدقة السر تطفىء غضب الرب ، وصلة الرحم تزيد في العمر » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والصدقة خفيا تطفىء غضب الرب ، وصلة الرحم تزيد في العمر ، وكل معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة ، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب قضاء الحوائج والبيهقي في الشعب والأصبهاني في الترغيب عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « صدقة السر تطفىء غضب الرب ، وصلة الرحم تزيد في العمر ، وفعل المعروف يقي مصارع السوء » .
وأخرج أحمد في الزهد عن سالم بن أبي الجعد قال : كان رجل في قوم صالح عليه السلام قد آذاهم ، فقالوا : يا نبي الله ادع الله عليه . فقال : اذهبوا فقد كفيتموه ، وكان يخرج كل يوم فيحتطب ، فخرج يومئذ ومعه رغيفان فأكل أحدهما وتصدق بالآخر ، فاحتطب ثم جاء بحطبه سالماً ، فجاؤوا إلى صالح فقالوا : قد جاء بحطبه سالماً لم يصبه شيء ، فدعاه صالح فقال : أي شيء صنعت اليوم؟ فقال : خرجت ومعي قرصان تصدقت بإحدهما وأكلت الآخر .(2/216)
فقال صالح : حل حطبك . فحله فإذا فيه أسود مثل الجذع عاض على جذل من الحطب ، فقال : بها دفع عنه . يعني بالصدقة .
وأخرج أحمد عن سالم بن أبي الجعد قال : خرجت امرأة وكان معها صبي لها ، فجاء الذئب فاختلسه منها ، فخرجت في أثره وكان معها رغيف ، فعرض لها سائل فأعطته الرغيف ، فجاء الذئب بصبيها فرده عليها .
وأخرج أبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم الله ، فأما الذين يحبهم الله فرجل أتى قوماً فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة فتخلف رجل من أعقابهم فأعطاه سراً لا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه ، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم نزلوا فوضعوا رؤوسهم فقام رجل يتملقني ويتلو آياتي ، ورجل كان في سرية فلقي العدو فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له . وثلاثة يبغضهم الله : الشيخ الزاني ، والفقير المختال ، والغني الظلوم » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن عائشة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءة القرآن في غير الصلاة ، وقراءة القرآن في غير الصلاة أفضل من التسبيح والتكبير ، والتسبيح أفضل من الصدقة ، والصدقة أفضل من الصوم ، والصوم جنة من النار » .
وأخرج ابن ماجة عن جابر بن عبد الله قال « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا ، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا ، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية ، ترزقوا وتنصروا وتجبروا » .
وأخرج أبو يعلى عن جابر « أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكعب بن عجرة : يا كعب بن عجرة الصلاة قربان ، والصيام جنة ، والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار . يا كعب بن عجرة الناس غاديان فبائع نفسه فموبق رقبته ، ومبتاع نفسه في عتق رقبته » .
وأخرج ابن حبان عن كعب بن عجرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت النار أولى به ، يا كعب بن عجرة الناس غاديان فغاد في فكاك نفسه فمعتقها ، وغاد موبفها . يا كعب بن عجرة الصلاة قربان . والصوم جنة ، والصدقة تطفىء الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا » .
وأخرج أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل امرىء في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس » .(2/217)
وأخرج ابن خزيمة والحاكم وصححه عن عمر قال : ذكر لي أن الأعمال تباهي فتقول الصدقة : أنا أفضلكم .
وأخرج أحمد والبزار وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما يخرج رجل بشيء من الصدقة حتى يفك عنها لحيي سبعين شيطاناً » .
وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن الصدقة لتطفىء على أهلها حر القبور ، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته » .
وأخرج البيهقي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطى الصدقة » .
وأخرج البيهقي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تصدقوا فإن الصدقة فكاككم من النار » .
وأخرج الطبراني عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها » .
وأخرج الطبراني عن ميمونة بنت سعد أنها قالت : يا رسول الله أفتنا عن الصدقة؟ قال : إنها فكاك من النار لمن احتسبها يبتغي بها وجه الله .
وأخرج الترمذي وحسنه وابن حبان عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الصدقة لتطفىء غضب الرب وتدفع ميتة السوء » .
وأخرج الطبراني عن رافع بن خديج قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصدقة تسد سبعين باباً من السوء » .
وأخرج الطبراني عن عمرو بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن صدقة المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتة السوء ، ويذهب الله بها الكبر والفخر » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي ذر قال : ما خرجت صدقة حتى يفك عنها لحيا سبعين شيطاناً كلهم ينهى عنها .
وأخرج ابن المبارك في البر والأصبهاني في الترغيب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين ميتة من السوء » .
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله ليدخل باللقمة الخبز وقبضة التمر ومثله مما ينتفع به المسكين ثلاثة الجنة : رب البيت الآمر به ، والزوجة تصلحه ، والخادم الذي يناول المسكين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله الذي لم ينس خدمنا » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن عدي بن حاتم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة » .(2/218)
وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليتق أحدكم وجهه من النار ولو بشق تمرة » .
وأخرج أحمد عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا عائشة ، اشتري نفسك من النار ولو بشق تمرة ، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان » .
وأخرج البزار وأبو يعلى عن أبي بكر الصديق قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد المنبر يقول « اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فإنها تقيم العوج ، وتدفع ميتة السوء ، وتقع من الجائع موقعها من الشبعان » .
وأخرج ابن حبان عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تعبد عابد من بني إسرائيل فعبد الله في صومعة ستين عاماً ، فأمطرت الأرض فأخضرت ، فأشرف الراهب من صومعته فقال : لو نزلت فذكرت الله فازددت خيراً ، فنزل ومعه رغيف أو رغيفان ، فبينما هو في الأرض لقيته امرأة فلم يزل يكلمها وتكلمه حتى غشيها ، ثم أغمي عليه ، فنزل الغدير يستحم فجاء سائل فأوما إليه أن يأخذ الرغيفين ثم مات ، فوزنت عبادة ستين سنة بتلك الزينة فرجحت الزينة بحسناته ، ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته فرجحت حسناته فغفر له » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن مسعود . أن راهباً عبد الله في صومعة ستين سنة ، فجاءت امرأة فنزلت إلى جنبه ، فنزل إليها فواقعها ست ليال ، ثم سقط في يده فهرب ، فأتى مسجداً فأوى فيه ثلاثاً لا يطعم شيئاً ، فأتى برغيف فكسره فأعطى رجلاً عن يمينه نصفه ، وأعطى آخر عن يساره نصفه ، فبعث الله إليه ملك الموت فقبض روحه ، فوضعت الستون في كفة ووضعت الستة في كفة فرجحت الستة ، ثم وضع الرغيف فرجح .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى الأشعري . نحوه .
وأخرج البيهقي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له خصفة بن خصفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « هل تدرون ما الشديد؟ قلنا : الرجل يصرع الرجل! قال : إن الشديد كل الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ، تدرون ما الرقوب؟ قلنا : الرجل لا يولد له! قال : إن الرقوب الرجل الذي له الولد لم يقدم منهم شيئاً ، ثم قال : تدرون ما الصعلوك؟ قلنا : الرجل لا مال له! قال : الصعلوك كل الصعلوك الذي له المال لم يقدم منه شيئاً » .
وأخرج البزار والطبراني عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اتقوا النار ولو بشق تمرة » .
وأخرج البزار والطبراني عن النعمان بن بشير « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا النار ولو بشق تمرة » .(2/219)
وأخرج البزار والطبراني عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا النار ولو بشق تمرة » .
وأخرج البزار والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « يا عائشة ، اشتري نفسك من الله ، لا أغني عنك من الله شيئاً ولو بشق تمرة ، يا عائشة ، لا يرجعن من عندك سائل ولو بظلف محرق » .
وأخرج مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحه صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، ويجزىء من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى » .
وأخرج البزار وأبو يعلى عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « على كل ميسم من الإِنسان صدقة كل يوم . فقال بعض القوم : إن هذا لشديد يا رسول الله ومن يطيق هذا؟ قال : أمر بالمعروف ونهي عن المنكر صدقة ، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ، وإن حملك على الضعيف صدقة ، وإن كل خطوة يخطوها أحدكم إلى الصلاة صدقة » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن ابن آدم ستون وثلثمائة مفصل ، عن كل واحد منها في كل يوم صدقة ، فالكلمة يتكلم بها الرجل صدقة ، وعون الرجل أخاه على الشيء صدقة ، والشربة من الماء تسقي صدقة ، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة » .
وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن تبسمك في وجه أخيك يكتب لك به صدقة ، وإن إفراغك من دلو أخيك يكتب لك به صدقة ، وإماطتك الأذى عن الطريق يكتب لك به صدقة ، وإرشادك للضال يكتب لك به صدقة » .
وأخرج البزار عن أبي جحيفة قال « دهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس من قيس مجتابي الثمار متقلدي السيوف ، فساءه ما رأى من حالهم ، فصلى ثم دخل بيته ، ثم خرج فصلى وجلس في مجلسه ، فأمر بالصدقة أو حض عليها فقال : تصدق رجل من ديناره ، تصدق رجل من درهمه ، تصدق رجل من صاع بره ، تصدق رجل من صاع تمره . فجاء رجل من الأنصار بصرة من ذهب فوضعها في يده ، ثم تتابع الناس حتى رأى كومين من ثياب وطعام ، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تهلل كأنه مذهبة » .
وأخرج البزار عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث يوماً على الصدقة ، فقام علية بن زيد فقال : ما عندي إلا عرضي ، وإني أشهدك يا رسول الله ، أني تصدقت بعرضي على من ظلمني ثم جلس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت المصدق بعرضك قد قبل الله منك » .(2/220)
وأخرج البزار عن علية بن زيد قال « حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة ، فقام عليه فقال : يا رسول الله ، حثثت على الصدقة وما عندي إلا عرضي فقد تصدقت به على من ظلمني فأعرض عني ، فلما كان في اليوم الثاني قال : أين علية بن زيد ، أو أين المتصدق بعرضه فإن الله تعالى قد قبل منه » .
وأخرج أحمد وأبو نعيم في فضل العلم والبيهقي عن أبي ذر « أنه قال : يا رسول الله ، من أين نتصدق وليس لنا أموال؟ قال : أن من أبواب الصدقة التكبير ، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله واستغفر الله ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتعزل الشوك عن طريق الناس ، والعظم والحجر ، وتهدي الأعمى ، وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه ، وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها ، وتسعى بشدة ذراعيك مع الضعيف ، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ، ولك في جماعك زوجتك أجر ، قال أبو ذر : كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت لو كان لك ولد فأدرك فرجوت أجره فمات أكنت تحتسب به؟ قلت : نعم . قال : فأنت خلقته؟ قلت : بل الله خلقه . قال : فأنت هديته؟ قلت : بل الله هداه . قال : فأنت كنت ترزقه؟ قلت : بل الله كان يرزقه . قال : فكذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه ، فإن شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن حارثة بن وهب الخزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تصدقوا فإنه يوشك أن يخرج الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سلمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما نقصت صدقة من مال قط فتصدقوا » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت « أهديت لنا شاة مشوية فقسمتها كلها إلا كتفها ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : كلها لكم إلا كتفها » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب وابن عساكر عن الشعبي قال : « نزلت هذه الآية { إن تبدوا الصدقات فنعما هي } إلى آخر الآية في أبي بكر وعمر ، جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤوس الناس ، وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد أن يخفيه من نفسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ما تركت لأهلك؟ « قال : عدة الله وعدة رسوله . فقال عمر لأبي بكر : ما سبقناك إلى باب خير قط إلا سبقتنا إليه » .(2/221)
وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم وصححاه عن عمر قال : « أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن نتصدق ، فوافق ذلك مالاً عندي فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ما أبقيت لأهلك؟ « قلت : مثله . وأتى أبو بكر يحمل ما عنده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله . فقلت : لا أسابقك إلى شيء أبداً » .
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب قال : إنما أنزلت هذه الآية { إن تبدوا الصدقات فنعما هي } في الصدقة على اليهود والنصارى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ ( وتكفر عنكم من سيئاتكم ) وقال : الصدقة هي التي تكفر .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة ابن مسعود { خير لكم تكفر } بغير واو .(2/222)
لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين ، فسألوا فنزلت هذه الآية { ليس عليك هداهم } إلى قوله { وأنتم لا تظلمون } فرخص لهم .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن لا نتصدق إلا على أهل الإِسلام حتى نزلت هذه الآية { ليس عليك هداهم } إلى آخرها . فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال « كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصدق على المشركين ، فنزلت { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } فتصدق عليهم » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تَصَدَّقُوا إلا على أهل دينكم . فأنزل الله { ليس عليك هداهم } إلى قوله { وما تفعلوا من خير يوف إليكم } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تصدقوا على أهل الأديان » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنفية قال : كره الناس أن يتصدقوا على المشركين ، فأنزل الله { ليس عليك هداهم } فتصدق الناس عليهم .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كان أناس من الأنصار لهم أنساب وقرابة من قريظة والنضير ، وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم ويريدونهم أن يسلموا فنزلت { ليس عليك هداهم . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجالاً من الصحابة قالوا : أنتصدق على من ليس من أهل ديننا؟ فنزلت { ليس عليك هداهم . . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : كان الرجل من المسلمين إذا كان بينه وبين الرجل من المشركين قرابة وهو محتاج لا يتصدق عليه ، يقول : ليس من أهل ديني . فنزلت { ليس عليك هداهم } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : سأله رجل ليس على دينه فأراد أن يعطيه ، ثم قال : ليس على ديني . فنزلت { ليس عليك هداهم } .
وأخرج سفيان وابن المنذر عن عمرو الهلالي قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتصدق على فقراء أهل الكتاب؟ فأنزل الله { ليس عليك هداهم . . . } الآية . ثم دلوا على الذي هو خير وأفضل ، فقيل { للفقراء الذين أحصروا . . . } [ البقرة : 273 ] الآية .
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : كانوا يعطون فقراء أهل الذمة صدقاتهم ، فلما كثر فقراء المسلمين قالوا : لا نتصدق إلا على فقراء المسلمين ، فنزلت { ليس عليك هداهم } الآية .(2/223)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : أما { ليس عليك هداهم } فيعني المشركين ، وأما النفقة فبين أهلها فقال { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } [ البقرة : 273 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } قال : إذا أعطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : نفقة المؤمن لنفسه ، ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه الله .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { يوف إليكم وأنتم لا تظلمون } قال : هو مردود عليك فما لك ولهذا تؤذيه وتمن عليه ، إنما نفقتك لنفسك وابتغاء وجه الله والله يجزيك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب في قوله { وما تنفقوا من خير يوف إليكم } قال : إنما نزلت هذه الآية في النفقة على اليهود والنصارى .(2/224)
لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)
أخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } قال : هم أصحاب الصفة .
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن أبي بكر ، أن أصحاب الصفة كانوا ناساً فقراء ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من كان عنده طعام إثنين ليذهب بثالث الحديث » .
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم « الحق إلى أهل الصفة فأدعهم . قال : وأهل الصفة أضياف الإِسلام لا يلوون على أهل ولا مال ، إذاً أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً ، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن فضالة بن عبيد قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى بالناس يخر رجال من قيامهم في صلاتهم لما بهم من الخصاصة وهم أهل الصفة ، حتى يقول الأعراب : إن هؤلاء مجانين » .
وأخرج ابن سعيد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبو نعيم عن أبي هريرة قال : كان من أهل الصفة سبعون رجلاً ليس لواحد منهم رداء .
وأخرج أبو نعيم عن الحسن قال « بنيت صفة لضعفاء المسلمين ، فجعل المسلمون يوغلون إليها ما استطاعوا من خير ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم فيقول : السلام عليكم يا أهل الصفة . فيقولون : وعليك السلام يا رسول الله . فيقول : كيف أصبحتم؟ فيقولون : بخير يا رسول الله . فيقول : أنتم اليوم خير أم يوم يغدى على أحدكم بجفنه ويراح عليه بأخرى ، ويغدو في حلة ويروح في أخرى؟ فقالوا : نحن يومئذ خير يعطينا الله فنشكر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أنتم اليوم خير » .
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي في قوله { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } قال : هم أصحاب الصفة ، وكانوا لا منازل لهم بالمدينة ولا عشائر ، فحث الله عليهم الناس بالصدقة .
وأخرج سفيان وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } قال : هم مهاجرو قريش بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، أمروا بالصدقة عليهم .
وأخرج ابن جرير عن الربيع { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } قال : هم فقراء المهاجرين بالمدينة .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } قال : حصروا أنفسهم في سبيل الله للغزو فلا يستطيعون تجارة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } قال : قوم أصابتهم الجراحات في سبيل الله فصاروا زمنى ، فجعل لهم في أموال المسلمين حقاً .(2/225)
وأخرج ابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة في قوله { لا يستطيعون ضرباً في الأرض } قال : لا يستطيعون تجارة .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : كانت الأرض كلها كفراً لا يستطيع أحد أن يخرج يبتغي من فضل الله ، إذا خرج في كفر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } قال : حصرهم المشركون في المدينة { لا يستطيعون ضرباً في الأرض } يعني التجارة { يحسبهم الجاهل } بأمرهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { يحسبهم الجاهل أغنياء } قال : دل الله المؤمنين عليهم وجعل نفقاتهم لهم ، وأمرهم أن يضعوا نفقاتهم فيهم ورضي عنهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { تعرفهم بسيماهم } قال : التخشع .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع { تعرفهم بسيماهم } يقول : تعرف في وجوههم الجهد من الحاجة .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد { تعرفهم بسيماهم } قال : رثاثة ثيابهم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن يزيد بن قاسط السكسكي قال : كنت عند عبد الله بن عمر إذ جاءه رجل يسأله ، فدعا غلامه فسارَّهُ وقال للرجل : اذهب معه . ثم قال لي : اتقول هذا فقير؟ فقلت : والله ما سأل إلا من فقر . قال : ليس بفقير من جمع الدرهم إلى الدرهم والتمرة إلى التمرة ، ولكن من أنقى نفسه وثيابه لا يقدر على شيء { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً } فذلك الفقير .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ، واللقمة واللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف ، واقرأوا إن شئتم { لا يسألون الناس إلحافاً } » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليس المسكين بالطوّاف عليكم فتعطونه لقمة لقمة ، إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافاً » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليس المسكين بالطوّاف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد ما يغنيه ويستحي أن يسأل الناس ، ولا يفطن له فيتصدق عليه » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول « إن الله يحب الحليم الحيي الغني المتعفف ، ويبغض الفاحش البذي السائل الملحف » .(2/226)
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : من تغنى أغناه الله ، ومن سأل الناس إلحافاً فإنما يستكثر من النار .
وأخرج مالك وأحمد وأبو داود والنسائي عن رجل من بني أسد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً » .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { إلحافاً } قال : هو الذي يلح في المسألة .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن سلمة بن الأكوع . أنه كان لا يسأله أحد بوجه الله إلا أعطاه ، وكان يكرهها ويقول : هي مسألة الالحاف .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء : أنه كره أن يسأل بوجه الله أو بالقرآن شيء من أمر الدنيا .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : من سئل بالله فأعطى فله سبعون أجراً .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن حبان عن سمرة بن جندب . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه ، فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك ، إلا أن يسأل ذا سلطان ، أو في أمر لا يجد منه بداً » .
وأخرج أحمد عن ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « المسألة كدوح في وجه صاحبها يوم القيامة ، فمن شاء استبقى على وجهه » .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من سأل الناس في غير فاقة نزلت به ، أو عيال لا يطيقهم جاء يوم القيامة بوجه ليس عليه لحم » ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من فتح على نفسه باب مسألة من غير فاقة نزلت به ، أو عيال لا يطيقهم فتح الله عليه باب فاقة من حيث لا يحتسب » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس يرفعه قال : ما نقصت صدقة من مال ، وما مد عبد يده بصدقة إلا ألقيت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل ، ولا فتح عبد باب مسألة له عنها غنى إلا فتح الله له باب فقر .
وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن ماجة عن أبي كبشة الأنماري ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه : ما نقص مال عبد من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله بها عزاً ، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه : إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه ، ويعلم لله فيه حقاً ، فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول : لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء ، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم ، ولا يتقي فيه ربه ، ولا يصل فيه رحمه ، ولا يعلم فيه لله حقّاً ، فهذا باخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول : لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته فوزرهما سواء » .(2/227)
وأخرج النسائي عن عائذ بن عمرو « أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فأعطاه ، فلما وضع رجله على أسكفة الباب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو يعلم صاحب المسألة ما له فيها لم يسأل » .
وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مسألة الغني شين في وجهه يوم القيامة ، ومسألة الغني نار ، إن أعطى قليلاً فقليل وإن أعطى كثيراً فكثير » .
وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من سأل مسألة وهو عنها غني كانت شيناً في وجهه يوم القيامة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من سأل وهو غني عن المسألة يحشر يوم القيامة وهي خموش في وجهه » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عروة بن محمد بن عطية حدثني أبي « أن أباه أخبره قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من بني سعد بن بكر فأتيت ، فلما رآني قال : ما أغناك الله فلا تسأل الناس شيئاً ، فإن اليد العليا هي المنطية ، واليد السفلى هي المنطاة ، وإن مال الله لمسؤول ومنطى . قال : وكلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغتنا » .
وأخرج البيهقي عن مسعود بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه أتي برجل يصلى عليه فقال : كم ترك؟ فقالوا : دينارين أو ثلاثة . قال : ترك كيتين أو ثلاث كيات . فلقيت عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر فذكرت ذلك له ، فقال : ذاك رجل كان يسأل الناس تكثراً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن خزيمة والطبراني والبيهقي عن حبشي بن جنادة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الذي يسأل من غير حاجة كمثل الذي يلتقط الجمر »(2/228)
ولفظ ابن أبي شيبة : « من سأل الناس ليثري به ماله فإنه خموش في وجهه ، ورضف من جهنم يأكله يوم القيامة ، وذلك في حجة الوداع » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً ، فليستقل أو ليستكثر » .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والطبراني في الأوسط عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من سأل مسألة عن ظهر غنى استكثر بها من رضف جهنم . قالوا : وما ظهر غنى؟ قال : عشاء ليلة » .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان عن سهل بن الحنظلية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من سأل شيئاً وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم . قالوا : يا رسول الله ، وما يغنيه؟ قال : ما يغديه أو يعشيه » .
وأخرج ابن حبان عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من سأل الناس ليثري ماله فإنما هي رضف من النار يلهبه ، فمن شاء فليقلّ ومن شاء فليكثر » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن أبي ليلى قال : جاء سائل فسأل أبا ذر فأعطاه شيئاً ، فقيل له : تعطيه وهو موسر؟ فقال : إنه سائل وللسائل حق ، وليتمنين يوم القيامة أنها كانت رضفة في يده .
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا تسعة أو ثمانية أو سبعة ، فقال : « ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلنا : علام نبايعك؟ قال : أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، والصلوات الخمس ، وتطيعوا ، ولا تسألوا الناس ، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فلا يسأل أحداً يناوله إياه » .
وأخرج أحمد عن أبي ذر قال « دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل لك إلى البيعة ولك الجنة؟ قلت : نعم . فشرط علي أن لا أسأل الناس شيئاً . قلت : نعم . قال : ولا سوطك إن سقط منك حتى تنزل فتأخذه » .
وأخرج أحمد عن ابن أبي مليكة قال : ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق فيضرب بذراع ناقته ، فينيخها فيأخذه فقالوا له : أفلا أمرتنا فنناولكه؟ فقال : إن حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن لا أسأل أحداً شيئاً .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من يبايع؟ فقال ثوبان : بايعنا يا رسول الله . قال : على أن لا تسألوا أحداً شيئاً . فقال ثوبان : فما له يا رسول الله؟ قال : الجنة . فبايعه ثوبان . قال أبو أمامة . فلقد رأيته بمكة في أجمع ما يكون من الناكدة ، يسقط سوطه وهو راكب فربما وقع على عاتق الرجل ، فيأخذه الرجل فيناوله فما يأخذه منه حتى يكون هو ينزل فيأخذه » .(2/229)
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً وأتكفل له بالجنة؟ فقلت : أنا . فكان لا يسأل أحداً شيئاً . ولابن ماجة ، فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد ناولنيه حتى ينزل فيأخذه » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن حكيم بن حزام قال « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ، ثم قال : يا حكيم ، هذا المال خضرة حلوة ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ، ومن أخذه باشراف نفس لم يبارك له فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، فقلت : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا ، فكان أبو بكر يدعو حكيماً ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئاً ، ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله ، فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي رضي الله عنه » .
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن عوف « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثلاث والذي نفسي بيده ان كنت لحالفاً عليهن ، لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا ، ولا يعفو عبد عن مظلمة إلا زاده الله بها عزاً ، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري قال : قال عمر : « يا رسول الله لقد سمعت فلاناً وفلاناً يحسنان الثناء ، يذكران أنك أعطيتهما دينارين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لكن فلاناً ما هو كذلك ، لقد أعطيته ما بين عشرة إلى مائة ، فما يقول ذلك ، أما والله إن أحدكم ليخرج بمسألته من عندي يتأبطها ناراً . قال عمر : يا رسول الله ، لم تعطيها إياهم؟ قال : فما أصنع ، يأبون إلا مسألتي ويأبى الله لي البخل » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي عن قبيصة بن المخارق قال « تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم اسأله فيها ، فقال : أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ، ثم قال : يا قبيصة ، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال : سداداً من عيش ، ورجل أصابته فاقة فحلت له المسألة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه : لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ، أو قال : سداداً من عيش ، فما سواهن من المسألة . يا قبيصة ، سحت يأكلها صاحبها سحتاً » .(2/230)
وأخرج البزار والطبراني والبيهقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك » .
وأخرج البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله يحب الغني الحليم المتعفف ، ويبغض البذي الفاجر السائل الملح » .
وأخرج البزار عن عبد الرحمن بن عوف قال : « كانت لي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فلما فتحت قريظة جئت لينجز لي ما وعدني ، فسمعته يقول : من يستغن يغنه الله ومن يقنع يقنعه الله . فقلت في نفسي : لا جرم لا أسأله شيئاً » .
وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة : اليد العليا خير من اليد السفلى ، والعليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة » .
وأخرج ابن سعد عن عدي الجذامي قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول « يا أيها الناس ، تعلموا فإنما الأيدي ثلاثة . فيد الله العليا ، ويد المعطي الوسطى ، ويد المعطى السفلى ، فتغنوا ولو بحزم الحطب » .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الأيدي ثلاث : يد الله هي العليا ، ويد المعطي التي تليها ، ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة ، فاستعفف عن السؤال ما استطعت » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن سهل بن سعد قال « جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، واعمل ما شئت فإنك مجزى به ، واحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل ، وعزه استغناؤه عن الناس » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس » .
وأخرج ابن حبان عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا أبا ذر ، أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : أفَتَرَى قلة المال هو الفقر؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : إنما الغنى غنى القلب ، والفقر فقر القلب » .
وأخرج مسلم والترمذي عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه » .
وأخرج الترمذي والحاكم وصححاه عن فضالة بن عبيد ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(2/231)
« طوبى لمن هدي للإِسلام ، وكان عيشه كفافاً وقنع » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إياكم والطمع فإنه هو الفقر ، وإياكم وما يعتذر منه » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الزهد عن سعد بن أبي وقاص قال « أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال : يا رسول الله ، أوصني وأوجز . فقال : عليك بالأياس مما في أيدي الناس ، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر ، وإياك وما يعتذر منه » .
وأخرج البيهقي في الزهد عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « القناعة كنز لا يفنى » .
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي عن أنس « أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : أما في بيتك شيء؟ قال : بلى ، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقعب نشرب فيه من الماء . قال : ائتني بهما . فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال : من يشتري هذين؟ قال رجل : أنا آخذهما بدرهم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثاً؟ قال رجل : أنا آخذهما بدرهمين . فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين ، فاعطاهما للأنصاري وقال : اشتر باحدهما فأنبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوماً فائتني به ، فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ، ثم قال : اذهب فاحتطب وبع فلا أرينك خمسة عشر يوماً ، ففعل فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم ، فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ، إن المسالة لا تصلح إلا لثلاث : لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن ماجة عن الزبير بن العوّام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لإِن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه ، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه » .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لإِن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه » .
وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله يحب المؤمن المحترف » .
وأخرج أحمد والطبراني وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد الخدري « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من استغنى أغناه الله ، ومن استعف أعفه الله ، ومن استكفى كفاه الله ، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف » .(2/232)
وأخرج أحمد ومسلم والنسائي عن معاوية بن أبي سفيان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تلحفوا في المسألة ، فوالله ما يسألني أحد منكم شيئاً فتخرج له مسألته مني شيئاً وأنا له كاره ، فيبارك له فيما أعطيته » .
وأخرج أبو يعلى عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تلحفوا في المسألة ، فإنه من يستخرج منا بها شيئاً لم يبارك له فيه » .
وأخرج ابن حبان عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الرجل يأتيني فيسألني فاعطيه ، فينطلق وما يحمل في حضنه إلا النار » .
وأخرج ابن حبان عن أبي سعيد الخدري قال « بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ذهباً إذ أتاه رجل فقال : يا رسول الله ، اعطني فأعطاه ، ثم قال : زدني . فزاده ثلاث مرات ، ثم ولى مدبراً ، فقال رسول الله : يأتيني الرجل فيسألني فاعطيه ، ثم يسألني فاعطيه ، ثم يولي مدبراً . وقد جعل في ثوبه ناراً إذا انقلب إلى أهله » .
وأخرج أبو يعلى وابن حبان عن عمر بن الخطاب . أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال « يود رسول الله أن فلاناً يشكر ، يذكر انك أعطيته دينارين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكن فلاناً قد أعطيته ما بين العشرة إلى المائة ، فما شكره وما يقول ، إن أحدكم ليخرج من عندي بحاجته متأبطها وما هي إلا النار . قلت : يا رسول الله ، لم تعطيهم؟ قال : يأبون إلا أن يسألوني ، ويأبى الله لي البخل » .
وأخرج أحمد والبزار وابن حبان عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن هذا المال خضرة حلوة ، فمن أعطيناه منها شيئاً بطيب نفس منا وحسن طعمة منه من غير شره نفس بورك له فيه ، ومن أعطيناه منها شيئاً بغير طيب نفس منا وحسن طعمة منه وشره نفس كان غير مبارك له فيه » .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر أن عمر قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول : أعطه من هو أفقر إليه مني . فقال : خذه إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه فتموّله ، فإن شئت كله وإن شئت تصدق به وما لا فلا تتبعه نفسك . قال سالم بن عبد الله : فلأجل ذلك كان عبد الله لا يسأل أحداً شيئاً ولا يرد شيئاً أعطيه » .
وأخرج مالك عن عطاء بن يسار « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب بعطاء فرده عمر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم رددته؟ فقال : يا رسول الله ، أليس أخبرتنا أن خيراً لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك عن المسألة ، فأما ما كان غير مسألة فإنما هو رزق يرزقه الله . فقال عمر : والذي نفسي بيده لا أسأل شيئاً ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته » .(2/233)
وأخرج البيهقي من طريق زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : فذكر نحوه .
وأخرج أحمد والبيهقي عن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا عائشة ، من أعطاك شيئاً بغير مسألة فاقبليه ، فإنما هو رزق عرضه الله إليك » .
وأخرج أبو يعلى عن واصل بن الخطاب قال « قلت : يا رسول الله ، قد قلت : إن خيراً لك أن لا تسأل أحداً من الناس شيئاً؟ قال : إنما ذاك أن تسأل ، وما أتاك من غير مسألة فإنما هو رزق رزقكه الله » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن خالد بن عدي الجهني : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من بلغه عن أخيه معروف من غير مسألة ولا اشراف نفس فليقبله ولا يرده ، فإنما هو رزق ساقه الله إليه » .
وأخرج أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من آتاه الله شيئاً من هذا المال من غير أن يسأله فليقبله ، فإنما هو رزق ساقه الله إليه » .
وأخرج أحمد والطبراني والبيهقي عن عائذ بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من عرض له من هذا الرزق شيء من غير مسألة ولا اسراف فليتوسع به في رزقه ، فإن كان غنياً فليوجهه إلى من هو أحوج إليه منه » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « استغن عن الناس ولو بقضمة سواك » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حبشي بن جنادة السلولي « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وأتاه أعرابي فسأله فقال : إن المسألة لا تحل إلا لفقر مدقع ، أو غرم مفظع » .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول « إن الله كره لكم ثلاثاً : قيل وقال ، واضاعة المال ، وكثرة السؤال ، فإذا شئت رأيته في قيل وقال يومه أجمع وصدر ليلته حتى يلقى جيفة على رأسه لا يجعل الله له من نهاره ولا ليلته نصيباً ، وإذا شئت رأيته ذا مال في شهوته ولذاته وملاعبه ويعدله عن حق الله فذلك اضاعة المال ، وإذا شئت رأيته باسطاً ذراعيه يسأل الناس في كفيه فإذا أعطي أفرط في مدحهم وان منع أفرط في ذمهم » .(2/234)
وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما المعطي من سعة بأفضل من الأخذ إذا كان محتاجاً » .
وأخرج ابن حبان في الضعفاء والطبراني في الأوسط عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « ما الذي يعطي من سعة بأعظم أجراً من الذي يقبل إذا كان محتاجاً » وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة { وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم } قال : محفوظ ذلك عند الله عالم به شاكر له ، وإنه لا شيء أشكر من الله ولا أجزى لخير من الله .(2/235)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)
أخرج ابن سعد في الطبقات وأبو بكر أحمد بن أبي عاصم في الجهاد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والواحدي عن يزيد بن عبد الله بن عريب المكي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أنزلت هذه الآية { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في أصحاب الخيل » .
وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي قال : نزلت هذه الآية في أصحاب الخيل { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية } فيمن يربطها لا خيلاء ولضمار .
وأخرج ابن جرير عن أبي الدرداء ، أنه كان ينظر إلى الخيل مربوطة بين البراذين والهجن فيقول : أهل هذه من { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي عن أبي أمامة والباهلي قال : من ارتبط فرساً في سبيل الله ، لم يرتبطه رياء ولا سمعة كان من { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي من طريق حنش الصنعاني ، أنه سمع ابن عباس يقول في هذه الآية { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية } قال : هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله .
وأخرج البخاري في تاريخه والحاكم وصححه عن أبي كبشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الخيل معقود في نواصيها الخير ، وأهلها معانون عليها ، والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية } قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهماً ، وبالنهار درهماً ، وسراً درهماً ، وعلانية درهماً .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مسعر عن عون قال : قرأ رجل { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية } فقال : إنما كانت أربعة دراهم فأنفق درهماً بالليل ، ودرهماً بالنهار ، ودرهماً في السر ، ودرهماً في العلانية .
وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحق قال : لما قبض أبو بكر واستخلف عمر ، خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أيها الناس إن بعض الطمع فقر ، وإن بعض اليأس غنى ، وإنكم تجمعون ما لا تأكلون وتأملون ما لا تدركون ، واعلموا أن بعض الشح شعبة من النفاق ، فانفقوا خيراً لأنفسكم ، فأين أصحاب هذه الآية { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ؟ .(2/236)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله الذي افترض عليهم في غير سرف ولا إملاق ولا تبذير ولا فساد .
وأخرج ابن المنذر عن ابن المسيب { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } كلها في عبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن عفان ، في نفقتهما في جيش العسرة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : كان هذا قبل أن تفرض الزكاة .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال : كان هذا يعمل به قبل أن تنزل براءة ، فلما نزلت براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها انتهت الصدقات إليها .(2/237)
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)
أخرج أبو يعلى من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال : يعرفون يوم القيامة بذلك ، لا يستطيعون القيام إلا كما يقوم المتخبط المنخنق ، { ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا } وكذبوا على الله { و أحل الله البيع وحرم الربا } ومن عاد لأكل الربا { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وفي قوله { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا . . . } [ البقرة : 278 ] الآية . قال : بلغنا أن هذه الآية نزلت في بني عمرو بن عوف من ثقيف ، وبني المغيرة من بني مخزوم ، كان بنو المغيرة يربون لثقيف ، فلما أظهر الله رسوله على مكة ووضع يومئذ الربا كله ، وكان أهل الطائف قد صالحوا على أن لهم رباهم وما كان عليهم من ربا فهو موضوع ، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر صحيفتهم « أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ، أن لا يأكلوا الربا ولا يؤكلوه . فأتى بنو عمرو بن عمير ببني المغيرة إلى عتاب بن أسيد وهو على مكة فقال بنو المغيرة : ما جعلنا أشقى الناس بالربا ووضع عن الناس غيرنا . فقال بنو عمرو بن عمير : صولحنا على أن لنا ربانا . فكتب عتاب بن أسيد ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية { فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب } [ البقرة : 279 ] .
وأخرج الأصبهاني في ترغيبه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » يأتي آكل الربا يوم القيامة مختبلاً يجر شقيه ، ثم قرأ { لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } « .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس { لا يقومون . . . } الآية . قال : ذلك حين يبعث من قبره .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أنس قال : » خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر الربا وعظم شأنه ، فقال : إن الرجل يصيب درهماً من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل ، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم « .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن عبد الله بن سلام قال : الربا اثنتان وسبعون حوبا ، أصغرها حوباً كمن أتى أمه في الإِسلام ، ودرهم في الربا أشد من بضع وثلاثين زنية . قال : ويؤذن للناس يوم القيامة البر والفاجر في القيام إلا أكله الربا ، فانهم لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس .(2/238)
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن سلام قال : الربا سبعون حوباً ، أدناها فجرة مثل أن يضطجع الرجل مع أمه ، وأربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه المسلم بغير حق .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد والبيهقي عن كعب قال : لإِن أزني ثلاثة وثلاثين زنية أحب إليّ من أن آكل درهماً ربا يعلم الله أني أكلته ربا .
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « درهم ربا أشد على الله من ستة وثلاثين زنية . وقال : من نبت لحمه من السحت فالنار أولى به » وأخرج الحاكم وصححه البيهقي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الربا ثلاثة وسبعون باباً ، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم » .
وأخرج الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الربا سبعون باباً ، أدناها مثل ما يقع الرجل على أمه ، وأربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغيبة والبيهقي عن أنس قال : « خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر الربا وعظم شأنه فقال : إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل ، وإن أربى عرض الرجل المسلم » .
وأخرج الطبراني عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إياك والذنوب التي لا تغفر . الغلول ، فمن غل شيئاً أتى به يوم القيامة ، وأكل الربا ، فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنوناً يتخبط ، ثم قرأ { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } » .
وأخرج أبو عبيد وابن أبي حاتم عن ابن مسعود ، أنه كان يقرأ { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } يوم القيامة .
واخرج ابن جرير عن الربيع في الآية قال : يبعثون يوم القيامة وبهم خبل من الشيطان ، وهي في بعض القراءة لا يقومون يوم القيامة .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وابن المنذر عن عائشة قالت « لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقرأهن على الناس ، ثم حرم التجارة في الخمر » .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن عائشة قالت : « لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك » .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن جابر قال : لما نزلت { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/239)
« من لم يترك المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله » .
وأخرج أحمد وابن ماجة وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر عن عمر أنه قال : من آخر ما أنزل آية الربا ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها لنا ، فدعوا الربا والريبة .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمر بن الخطاب أنه خطب فقال : إن من آخر القرآن نزولاً آية الربا والريبة .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمر بن الخطاب أنه خطب فقال : إن من آخر القرآن نزولاً آية الربا ، وإنه قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبينه لنا ، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم .
وأخرج البخاري وأبو عبيد وابن جرير والبيهقي في الدلائل من طريق الشعبي عن ابن عباس قال : آخر آية أنزلها الله على رسوله آية الربا .
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق سعيد بن المسيب قال : قال عمر بن الخطاب : آخر ما أنزل الله آية الربا .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الربا الذي نهى الله عنه قال : كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين ، فيقول : لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه .
وأخرج ابن جرير عن قتادة . أن ربا أهل الجاهلية يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى ، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاده وأخر عنه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { الذين يأكلون الربا } يعني استحلالاً لأكله { لا يقومون } يعني يوم القيامة ، ذلك يعني الذي نزل بهم بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ، كان الرجل إذا حل ماله على صاحبه يقول المطلوب للطالب : زدني في الأجل وازيدك على مالك ، فإذا فعل ذلك قيل لهم هذا رباً . قالوا : سواء علينا إن زدنا في أول البيع أو عند محل المال فهما سواء ، فاكذبهم الله فقال { وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه } يعني البيان الذي في القرآن في تحريم الربا { فانتهى عنه فله ما سلف } يعني فله ما كان أكل من الربا قبل التحريم { وأمره إلى الله } يعني بعد التحريم وبعد تركه ، إن شاء عصمه منه وإن شاء لم يفعل { ومن عاد } يعني في الربا بعد التحريم فاستحله لقولهم إنما البيع مثل الربا { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } يعني لا يموتون .
وأخرج أحمد والبزار عن رافع بن خديج قال : « قيل يا رسول الله أي الكسب أطيب؟ قال : » عمل الرجل بيده ، وكل بيع مبرور « » .
وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي سعيد قال : « أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر فقال : ما هذا من تمرنا . فقال الرجل : يا رسول الله بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك الربا ، ردوه ثم بيعوه تمرنا ثم اشتروا لنا من هذا » .(2/240)
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عائشة . أن امرأة قالت لها : إني بعت زيد بن أرقم عبداً إلى العطاء بثمانمائة ، فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة ، فقالت : بئسما شريت وبئسما اشتريت ، أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب . قلت : أفرأيت إن تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ فقالت : نعم ، { من جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف } .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد أنه سئل لم حرم الله الربا؟ قال : لئلا يتمانع الناس المعروف .(2/241)
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)
أخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس { يمحق الله الربا } قال : ينقص الربا { ويربي الصدقات } قال : يزيد فيها .
وأخرج أحمد وابن ماجة وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الربا وإن كثر فان عاقبته تصير إلى قل » .
وأخرج عبد الرزاق عن معمر قال : سمعنا أنه لا يأتي على صاحب الربا أربعون سنة حتى يمحق .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً ، فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل » .
وأخرج الشافعي وأحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن خزيمة وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني في الصفات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره أو فلوه حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد ، وتصديق ذلك في كتاب الله { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } [ التوبة : 104 ] . و { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } » .
وأخرج البزار وابن جرير وابن حبان والطبراني عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله تبارك وتعالى يقبل الصدقة ولا يقبل منها إلا الطيب ، ويربيها لصاحبها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله حتى أن اللقمة تصير مثل أحد ، وتصديق ذلك في كتاب الله { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن المؤمن يتصدق بالتمرة أو بعدلها من الطيب ولا يقبل الله إلا الطيب ، فتقع في يد الله فيربيها له كما يربي أحدكم فصيله حتى تكون مثل التل العظيم ، ثم قرأ { يمحق الله الربا ويربي الصدقات » .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في الآية قال : أما { يمحق الله الربا } فإن الربا يزيد في الدنيا ويكثر ويمحقه الله في الآخرة ولا يبقى منه لأهله شيء ، وأما قوله { ويربي الصدقات } فإن الله يأخذها من المتصدق قبل أن تصل إلى المتصدق عليه ، فما يزال الله يربيها حتى يلقى صاحبها ربه فيعطيها إياه ، وتكون الصدقة التمرة أو نحوها ، فما يزال الله يربيها حتى تكون مثل الجبل العظيم .
وأخرج الطبراني عن أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن العبد ليتصدق بالكسرة تربو عند الله حتى تكون مثل أحد » .(2/242)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا . . . } الآية . قال : نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب ، ورجل من بني المغيرة ، كانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى ناس من ثقيف من بني ضمرة وهم بنو عمرو بن عمير ، فجاء الإِسلام ولهما أموال عظيمة في الربا ، فأنزل الله { وذروا ما بقي } من فضل كان في الجاهلية { من الربا } .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله . . . } الآية قال : « كانت ثقيف قد صالحت النبي صلى الله عليه وسلم على أن مالهم من ربا على الناس وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع ، فلما كان الفتح استعمل عتاب بن أسيد على مكة ، وكانت بنو عمرو بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة ، وكانت بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية ، فجاء الإِسلام ولهم عليهم مال كثير ، فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم ، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإِسلام ، ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد ، فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } إلى قوله { ولا تظلمون } فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتاب وقال : إن رضوا وإلا فأذنهم بحرب » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك في قوله { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } قال : كان ربا يتعاملون به في الجاهلية ، فلما أسلموا أمروا أن يأخذوا رؤوس أموالهم .
وأخرج آدم وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } قال : كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول : لك كذا وكذا وتؤخر عني؟ فيؤخر عنه .
وأخرج مالك والبيهقي في سننه عن زيد بن أسلم قال : كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل ، فإذا حل الحق قال : اتقضي أم تربي؟ فإن قضاه أخذ وإلا زاده في حقه ، وزاده الآخر في الأجل .
وأخرج أبو نعيم في المعرفة بسند واه عن ابن عباس في قوله { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } قال : نزلت في نفر من ثقيف منهم مسعود وربيعة ، وحبيب وعبد يا ليل ، وهم بنو عمرو بن عمير بن عوف الثقفي ، وفي بني المغيرة من قريش .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال : « نزلت هذه الآية في بني عمرو بن عمير بن عوف الثقفي ، ومسعود بن عمرو بن عبد يا ليل بن عمرو ، وربيعة بن عمرو ، وحبيب بن عمير ، وكلهم اخوة وهم الطالبون ، والمطلوبون بنو المغيرة من بني مخزوم ، وكانوا يداينون بني المغيرة في الجاهلية بالربا ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم صالح ثقيفاً فطلبوا رباهم إلى بني المغيرة ، وكان مالاً عظيماً فقال بنو المغيرة : والله لا نعطي الربا في الإِسلام وقد وضعه الله ورسوله عن المسلمين ، فعرفوا شأنهم معاذ بن جبل ، ويقال عتاب بن أسيد ، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن بني عمرو وعمير يطلبون رباهم عند بني المغيرة ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل : أن اعرض عليهم هذه الآية ، فإن فعلوا فلهم رؤوس أموالهم ، وإن أبوا فأذنهم بحرب من الله ورسوله » .(2/243)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فأذنوا بحرب } قال : من كان مقيماً على الربا لا ينزع عنه فحق على امام المسلمين أن يستتيبه ، فإن نزع وإلا ضرب عنقه . وفي قوله { لا تظلمون } فتربون { ولا تظلمون } فتنقصون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : يقال يوم القيامة لآكل الربا : خذ سلاحك للحرب .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فأذنوا بحرب } قال : استيقنوا بحرب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فأذنوا بحرب } قال : أوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتل .
وأخرج أبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عيله وسلم . فقال : « ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع ، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، وأول ربا موضوع ربا العباس » .
وأخرج ابن منده عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في ربيعة بن عمرو وأصحابه { فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم } الآية .
وأخرج مسلم والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال : « لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، وموكله ، وشاهديه ، وكاتبه ، وقال : هم سواء » .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في شعب الإِيمان عن علي قال : « لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة : آكل الربا ، وموكله ، وشاهده ، وكاتبه ، والواشمة ، والمستوشمة ، ومانع الصدقة ، والحال ، والمحلل له » .
وأخرج البيهقي عن أم الدرداء قالت : قال موسى بن عمران عليه السلام : يا رب من يسكن غداً في حظيرة القدس ويستظل بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك؟ قال : يا موسى أولئك الذين لا تنظر أعينهم في الزنا ، ولا يبتغون في أموالهم الربا ، ولا يأخذون على أحكامهم الرشا ، طوبى لهم وحسن مآب .(2/244)
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والبيهقي عن ابن مسعود قال : « لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، وموكله ، وشاهديه ، وكاتبه » .
وأخرج البخاري وأبو داود عن أبي جحيفة قال « لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة ، والمستوشمة ، و آكل الربا ، وموكله ، ونهى عن ثمن الكلب ، وكسب البغي ، ولعن المصوّرين » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان عن ابن مسعود قال « آكل الربا وموكله و شاهده وكاتباه إذا علموا ، والواشمة والمستوشمة للحسن ، ولاوي الصدقة ، والمرتد أعرابياً بعد الهجرة ، ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أربع حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها . مدمن الخمر ، وآكل الربا ، وآكل مال اليتيم بغير حق ، و العاق لوالديه » .
وأخرج الطبراني عن عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإِسلام » .
وأخرج أحمد والطبراني عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الربا اثنان و سبعون باباً ، أدناها مثل أن يأتي الرجل أمه ، وأن أربى الربا استطالة الرجل في عرض الرجل » .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشترى الثمرة حتى تطعم ، و قال : إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله » .
وأخرج أبو يعلى عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله » .
وأخرج أحمد عن عمرو بن العاص « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنة ، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب » .
وأخرج الطبراني عن القاسم بن عبد الواحد الوراق قال : رأيت عبد الله بن أبي أوفى في السوق فقال : يا معشر الصيارفة أبشروا قالوا : بشرك الله بالجنة بم تبشرنا؟ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصيارفة :(2/245)
« ابشروا بالنار » .
وأخرج أبو داود وابن ماجة والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا ، فمن لم يأكله أصابه من غباره » .
وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : صرفت من طلحة بن عبيد الله ورقاً بذهب فقال : انظرني حتى يأتينا خازننا من الغابة ، فسمعها عمر بن الخطاب فقال : لا والله لا تفارقه حتى تستوفي منه صرفك ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء ، البر بالبر ربا إلا هاء وهاء ، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء ، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء » .
وأخرج عبد بن حميد ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الذهب بالذهب مثل بمثل يد بيد ، والفضة بالفضة مثل بمثل يد بيد ، والتمر بالتمر مثل بمثل يد بيد ، والبر بالبر مثل بمثل يد بيد ، والشعير بالشعير مثل بمثل يد بيد ، والملح بالملح مثل بمثل يد بيد ، من زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطى سواء » .
وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا غائباً بناجز » .
وأخرج الشافعي ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عبادة بن الصامت « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب ، ولا الورق بالورق ، ولا البر بالبر ، ولا الشعير بالشعير ، ولا التمر بالتمر ، ولا الملح بالملح ، إلا سواء بسواء ، عيناً بعين ، يداً بيد ، ولكن بيعوا الذهب بالورق ، والورق بالذهب ، والبر بالشعير ، والشعير بالبر ، والتمر بالملح ، والملح بالتمر ، يداً بيد كيف شئتم ، من زاد أو ازداد فقد أربى » .
وأخرج مالك ومسلم والبيهقي عن عثمان بن عفان « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تبيعوا الدينار بالدينارين ، ولا الدرهم بالدرهمين » .
وأخرج مالك ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الدينار بالدينار لا فضل بينهما ، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما » .
وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، وزن بوزن لا فضل بينهما ، ولا يباع عاجل بآجل » .(2/246)
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي المنهال قال : سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا : كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف فقال : « ما كان منه يداً بيد فلا بأس ، وما كان منه نسيئة فلا » .
وأخرج مالك والشافعي وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن سعد بن وقاص « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن اشتراء الرطب بالتمر فقال : أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا : نعم ، فنهى عن ذلك » .
وأخرج البزار عن أبي بكر الصديق « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة مثلاً بمثل ، الزائد والمستزيد في النار » .
وأخرج البزار عن أبي بكرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصرف قبل موته بشهرين » .(2/247)
وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)
أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } قال : نزلت في الربا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { وإن كان ذو عسرة فنظرة } قال : إنما أمر في الربا أن ينظر المعسر ، وليست النظرة في الأمانة ولكن تؤدى الأمانة إلى أهلها .
وأخرج ابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } هذا في شأن الربا { وأن تصدقوا } بها للمعسر فتتركوها له .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والنحاس في ناسخه وابن جرير عن ابن سيرين . أن رجلين اختصما إلى شريح في حق ، فقضى عليه شريح وأمر بحبسه ، فقال رجل عنده : إنه معسر ، والله تعالى يقول { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } قال : إنما ذلك في الربا إن الربا كان في هذا الحي من الأنصار ، فأنزل الله { وإن كان ذوعسرة فنظرة إلى ميسرة } وقال { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } [ النساء : 58 ] .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس { وإن كان ذو عسرة } يعني المطلوب .
وأخرج ابن جرير عن السدي { وإن كان ذو عسرة فنظرة } برأس المال إلى ميسرة يقول : إلى غنى { وأن تصدقوا } برؤوس أموالكم على الفقير { فهو خير لكم } فتصدق به العباس .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك في الآية قال : من كان ذا عسرة فنظرة إلى ميسرة وكذلك كل دين على المسلم ، فلا يحل لمسلم له دين على أخيه يعلم منه عسرة أن يسجنه ولا يطلبه حتى ييسره الله عليه { وأن تصدقوا } برؤوس أموالكم يعني على المعسر { خير لكم } من نظرة إلى ميسرة ، فاختار الله الصدقة على النظارة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { وأن تصدقوا خير لكم } يعني من تصدق بدين له على معدم فهو أعظم لأجره ، ومن لم يتصدق عليه لم يأثم ، ومن حبس معسراً في السجن فهو آثم لقوله { فنظرة إلى ميسرة } ومن كان عنده ما يستطيع أن يؤدي عن دينه فلم يفعل كتب ظالماً .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده ومسلم وابن ماجة عن أبي اليسر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن حذيفة ، أن رجلاً أتى به الله عز وجل فقال : ماذا عملت في الدنيا؟ فقال له الرجل : ما عملت مثقال ذرة من خير .(2/248)
فقال له ثلاثاً ، وقال في الثالثة إني كنت أعطيتني فضلاً من المال في الدنيا فكنت أبايع الناس ، فكنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر . فقال تبارك وتعالى أنا أولى بذلك منك تجاوزاً عن عبدي فغفر له .
وأخرج أحمد عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كان له على رجل حق فأخره كان له بكل يوم صدقة » .
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب إصطناع المعروف عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرج عن معسر » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أنظر معسراً إلى ميسرته أنظره الله بذنبه إلى توبته » .
وأخرج أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أنظر معسراً كان له بكل يوم مثله صدقة ، قال : ثم سمعته يقول : من أنظر معسراً فله بكل يوم مثليه صدقة . فقلت : يا رسول الله إني سمعتك تقول : فله بكل يوم مثله صدقة . وقلت الآن فله بكل يوم مثليه صدقة . فقال : إنه ما لم يحل الدين فله بكل يوم مثله صدقة ، وإذا حل الدين فانظره فله بكل يوم مثليه صدقة » .
وأخرج أبو الشيخ في الثواب وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب والطستي في الترغيب وابن لال في مكارم الأخلاق عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أحب أن يسمع الله دعوته ، ويفرج كربته في الآخرة ، فلينظر معسراً أو ليدع له ، ومن سره أن يظله الله من فور جهنم يوم القيامة ، ويجعله في ظله فلا يكونن على المؤمنين غليظاً ، وليكن بهم رحيماً » .
وأخرج مسلم عن أبي قتادة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه » .
وأخرج أحمد والدرامي والبيهقي في الشعب عن أبي قتادة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة » .
وأخرج الترمذي وصححه والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله » .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن عثمان بن عفان « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أظل الله عبداً في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، ومن أنظر معسراً أو ترك لغارم » .(2/249)
وأخرج الطبراني في الأوسط عن شداد بن أوس « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أنظر معسراً أو تصدق عليه أظله الله في ظله يوم القيامة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي قتادة وجابر بن عبد الله . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة ، وأن يظله تحت عرشه فلينظر معسراً » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أنظر معسراً أظله الله في ظله يوم القيامة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن كعب بن عجرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أنظر معسراً أو يسر عليه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله » .
وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم القيامة » .
وأخرج الطبراني عن أسعد بن زرارة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من سره أن يظله الله يوم لا ظل إلا ظله فلييسر على معسر أو ليضع عنه » .
وأخرج الطبراني عن أبي اليسر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أوّل الناس يستظل في ظل الله يوم القيامة لرجل أنظر معسراً حتى يجد شيئاً ، أو تصدق عليه بما يطلبه يقول : ما لي عليك صدقة ابتغاء وجه الله ، ويخرق صحيفته » .
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب اصطناع المعروف عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أنظر معسراً أو وضع له وقاه الله من فيح جهنم » .
وأخرج عبد الرزاق ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه » .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن رجلاً لم يعمل خيراً قط ، وكان يداين الناس ، وكان يقول لفتاه : إذا أتيت معسراً فتجاوز عنه لعل الله يتجاوز عنا ، فلقي الله فتجاوز عنه » .
وأخرج مسلم والترمذي عن أبي مسعود البدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « » حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسراً ، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر قال الله : نحن أحق بذلك تجاوزاً عنه « .(2/250)
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)
أخرج أبو عبيد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال : آخر آية نزلت من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن السدي وعطية العوفي . مثله .
وأخرج ابن الأنباري عن أبي صالح وسعيد بن جبير . مثله .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : آخر آية نزلت { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله } نزلت بمنى وكان بين نزولها وبين موت النبي صلى الله عليه وسلم أحد وثمانون يوماً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : آخر ما نزل من القرآن كله { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله . . . } الآية . عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليال ، ثم مات يوم الإِثنين لليلتين خلتا من ربيع الأوّل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ثم توفى كل نفس ما كسبت } يعني ما عملت من خير أو شر { وهم لا يظلمون } يعني من أعمالهم لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم .
أخرج ابن جرير بسند صحيح عن سعيد بن المسيب : أنه بلغه أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين .
وأخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن شهاب قال : آخر القرآن عهداً بالعرش آية الربا وآية الدين .
وأخرج الطيالسي وأبو يعلى وابن سعد وأحمد وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن أوّل من جحد آدم أن الله لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة فجعل يعرض ذريته عليه ، فرأى فيهم رجلاً يزهر قال : أي رب من هذا؟ قال : هذا ابنك داود . قال : أي رب كم عمره؟ قال : ستون عاماً قال : رب زد في عمره . فقال : لا إلا أن أزيده من عمرك . وكان عمر آدم ألف سنة ، فزاده أربعين عاماً ، فكتب عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة ، فلما احتضر آدم وأتته الملائكة لتقبضه قال : إنه قد بقي من عمري أربعون عاماً . فقيل له : إنك قد وهبتها لابنك داود . قال : ما فعلت . فأبرز الله عليه الكتاب وأشهد عليه الملائكة ، فكمل الله لآدم ألف سنة ، وأكمل لداود مائة عام » .
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى أن الله أجله وأذن فيه ، ثم قرأ { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى } .(2/251)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين } قال : نزلت في السلم في الحنطة في كيل معلوم إلى أجل معلوم .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس قال : « قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث ، فقال » من أسلف فليسلف في كيل معلوم ، ووزن معلوم ، إلى أجل معلوم « .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : لا سلف إلى العطاء ، ولا إلى الحصاد ، ولا إلى الأندر ، ولا إلى العصير ، واضرب له أجلاً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : أمر بالشهادة عند المداينة لكيلا يدخل في ذلك جحود ولا نسيان ، فمن لم يشهد على ذلك فقد عصى ، ولا يأب الشهداء يعني من احتيج إليه من المسلمين يشهد على شهادة ، أو كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يأبى إذا ما دعي ، ثم قال بعد هذا { ولا يضار كاتب ولا شهيد } والضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غني : إن الله قد أمرك أن لا تأبى إذا دعيت فيضاره بذلك وهو مكتف بغيره ، فنهاه الله عن ذلك وقال { وإن تفعلوا فإنه فسوق } يعني معصية . قال : ومن الكبائر كتمان الشهادة . قال : لأن الله تعالى يقول { ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } [ البقرة : 283 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { كاتب بالعدل } قال : يعدل بينهما في كتابه ، لا يزاد على المطلوب ولا ينقص من حق الطالب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولا يأب كاتب } قال : واجب على الكاتب أن يكتب .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي { ولا يأب كاتب } قال : إن كان فارغاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { ولا يأب كاتب } قال : ذلك أن الكتاب في ذلك الزمان كانوا قليلاً .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال { ولا يأب كاتب } قال : كانت الكتاب يومئذ قليلاً .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك { ولا يأب كاتب } قال : كانت عزيمة فنسختها { ولا يضار كاتب ولا شهيد } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك { كما علمه الله } قال : كما أمره الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { كما علمه الله } قال : كما علمه الكتابة وترك غيره { وليملل الذي عليه الحق } يعني المطلوب .(2/252)
يقول : ليمل ما عليه من الحق على الكاتب { ولا يبخس منه شيئاً } يقول : لا ينقص من حق الطالب شيئاً { فإن كان الذي عليه الحق } يعني المطلوب { سفيهاً أو ضعيفاً } يعني عاجزاً أو أخرس أو رجلاً به حمق { أو لا يستطيع } يعني لا يحسن { أن يمل هو } قال : أن يمل ما عليه { فليملل وليه } ولي الحق حقه { بالعدل } يعني الطالب ولا يزداد شيئاً { واستشهدوا } يعني على حقكم { شهيدين من رجالكم } يعني المسلمين الأحرار { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان . . . أن تضل إحداهما } يقول : أن تنسى إحدى المرأتين الشهادة { فتذكر إحداهما الأخرى } يعني تذكرها التي حفظت شهادتها { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } قال : الذي معه الشهادة { ولا تسأموا } يقول : لا تملوا { أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً } يعني . أن تكتبوا صغير الحق وكبيره قليله وكثيره { إلى أجله } لأن الكتاب أحصى للأجل والمال { ذلكم } يعني الكتاب { أقسط عند الله } يعني أعدل { وأقوم } يعني أصوب { للشهادة وأدنى } يقول : وأجدر { أن لا ترتابوا } أن لا تشكوا في الحق والأجل والشهادة إذا كان مكتوباً ، ثم استثنى فقال { إلا أن تكون تجارة حاضرة } يعني يداً بيد { تديرونها بينكم } يعني ليس فيها أجل { فليس عليكم جناح } يعني حرج { أن لا تكتبوها } يعني التجارة الحاضرة { وأشهدوا إذا تبايعتم } يعني اشهدوا على حقكم إذا كان فيه أجل أو لم يكن فاشهدوا على حقكم على كل حال { وإن تفعلوا } يعني أن تضاروا الكاتب أو الشاهد وما نهيتم عنه { فإنه فسوق بكم } ثم خوفهم فقال { واتقوا الله } ولا تعصوه فيها { والله بكل شيء عليم } يعني من أعمالكم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً } قال : هو الجاهل بالإِملاء { أو ضعيفاً } قال : هو الأحمق .
وأخرج ابن جرير عن السدي والضحاك في قوله { سفيهاً } قالا : هو الصبي الصغير .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس { فليملل وليه } قال : صاحب الدين .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن { فليملل وليه } قال : ولي اليتيم .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك { فليملل وليه } قال : ولي السفيه أو الضعيف .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عمر في قوله { واستشهدوا شهيدين } قال : كان إذا باع بالنقد أشهد ولم يكتب قال مجاهد : وإذا باع بالنسيئة كتب وأشهد .
وأخرج سفيان وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد في قوله { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } قال : من الأحرار .
وأخرج سعيد بن منصور عن داود بن أبي هند قال : سألت مجاهداً عن الظهار من الأمة فقال : ليس بشيء . قلت : أليس يقول الله { الذين يظاهرون من نسائهم } [ المجادلة : 3 ] أفلسن من النساء؟ فقال : والله تعالى يقول { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } أفتجوز شهادة العبيد؟ .(2/253)
وأخرج ابن المنذر عن الزهري أنه سئل عن شهادة النساء فقال : تجوز فيما ذكر الله من الدين ، ولا تجوز في غير ذلك .
وأخرج ابن المنذر من مكحول قال : لا تجوز شهادة النساء إلا في الدين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك قال : لا تجوز شهادة أربع نسوة مكان رجلين في الحقوق ، ولا تجوز شهادتهن إلا معهن رجل ، ولا تجوز شهادة رجل وامرأة ، لأن الله يقول { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر قال : لا تجوز شهادة النساء وحدهن إلا على ما لا يطلع عليه إلا هن من عورات النساء ، وما أشبه ذلك من حملهن وحيضهن .
وأخرج مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن! قالت امرأة : يا رسول الله ما نقصان العقل والدين؟ قال : أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل ، وتمكث الليالي ولا تصلي ، وتفطر رمضان فهذا نقصان الدين » .
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله { فمن ترضون من الشهداء } قال : عدول .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن أبي مليكة قال : كتبت إلى ابن عباس أسأله عن شهادة الصبيان؟ فكتب إلي : إن الله يقول { ممن ترضون من الشهداء } فليسوا ممن نرضى ، لا تجوز .
وأخرج الشافعي والبيهقي عن مجاهد في قوله { ممن ترضون من الشهداء } قال : عدلان حران مسلمان .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن ، أنه كان يقرأها { فتذكر إحداهما الأخرى } مثقلة .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد . أنه كان يقرأها { فتذكر إحداهما الأخرى } مخففة . وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة ابن مسعود ( أن تضل إحداهما فتذكرها إحداهما الأخرى ) .
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } يقول : من احتيج إليه من المسلمين قد شهد على شهادة أو كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يأبى إذا ما دعي ، ثم قال بعد هذا { ولا يضار كاتب ولا شهيد } والأضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غني : إن الله قد أمرك أن لا تأبى إذا ما دعيت فيضاره بذلك ، وهو مكتف بذلك ، فنهاه الله وقال { وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم } يعني بالفسوق المعصية .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } قال : إذا كانت عندهم شهادة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال : كان الرجل يطوف في القوم الكثير يدعوهم ليشهدوا فلا يتبعه أحد منهم ، فأنزل الله { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } .(2/254)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } قال : كان الرجل يطوف في الحي العظيم فيه القوم فيدعوهم إلى الشهادة فلا يتبعه أحد منهم ، فأنزل الله هذه الآية .
وأخرج سفيان وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } قال : إذا كانت عندك شهادة فأقمها ، فأما إذا دعيت لتشهد فإن شئت فاذهب وإن شئت فلا تذهب .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { ولا يأب الشهداء } قال : وهو الذي عنده الشهادة .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال : جمعت أمرين . لا تأب إذا كانت عندك شهادة أن تشهد ، ولا تأب إذا دعيت إلى شهادة .
وأخرج ابن المنذر عن عائشة في قوله { أقسط عند الله } قالت : أعدل .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن الحسن في قوله { وأشهدوا إذا تبايعتم } قال : نسختها { فإن أمن بعضكم بعضاً } [ البقرة : 283 ] .
وأخرج ابن المنذر عن جابر بن زيد . أنه اشترى سوطاً فاشهد وقال : قال الله { وأشهدوا إذا تبايعتم } .
وأخرج النحاس في ناسخه عن إبراهيم في الآية قال : أشهد إذا بعت وإذا اشتريت ولو دستجة بقل .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك { وأشهدوا إذا تبايعتم } قال : أشهدوا ولو دستجة من بقل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ولا يضار كاتب ولا شهيد } قال : يأتي الرجل الرجلين فيدعوهما إلى الكتاب والشهادة فيقولان : إنا على حاجة . فيقول : إنكما قد أمرتما أن تجيبا فليس له أن يضارهما .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { ولا يضار كاتب ولا شهيد } يقول : إنه يكون للكاتب والشاهد حاجة ليس منها بد فيقول : خلوا سبيله .
وأخرج سفيان وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن عكرمة قال : كان عمر بن الخطاب يقرأها ( ولا يضارر كاتب ولا شهيد ) يعني بالبناء للمفعول .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ، أنه كان يقرأ ( و لا يضارر ) .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد ، أنه كان يقرأ ( ولا يضارر كاتب ولا شهيد ) وأنه كان يقول في تأويلها : ينطلق الذي له الحق فيدعو كاتبه وشاهده إلى أن يشهد ، ولعله يكون في شغل أو حاجة .
وأخرج ابن جرير عن طاوس { ولا يضار كاتب } فيكتب ما لم يمل عليه { ولا شهيد } فيشهد ما لم يستشهد .
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن الحسن { ولا يضار كاتب } فيزيد شيئاً أو يحرف { ولا شهيد } لا يكتم الشهادة ولا يشهد إلا بحق .(2/255)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)
أخرج ابن جرير بسند صحيح عن سعيد بن المسيب : أنه بلغه أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين .
وأخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن شهاب قال : آخر القرآن عهداً بالعرش آية الربا وآية الدين .
وأخرج الطيالسي وأبو يعلى وابن سعد وأحمد وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن أوّل من جحد آدم أن الله لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة فجعل يعرض ذريته عليه ، فرأى فيهم رجلاً يزهر قال : أي رب من هذا؟ قال : هذا ابنك داود . قال : أي رب كم عمره؟ قال : ستون عاماً قال : رب زد في عمره . فقال : لا إلا أن أزيده من عمرك . وكان عمر آدم ألف سنة ، فزاده أربعين عاماً ، فكتب عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة ، فلما احتضر آدم وأتته الملائكة لتقبضه قال : إنه قد بقي من عمري أربعون عاماً . فقيل له : إنك قد وهبتها لابنك داود . قال : ما فعلت . فأبرز الله عليه الكتاب وأشهد عليه الملائكة ، فكمل الله لآدم ألف سنة ، وأكمل لداود مائة عام » .
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى أن الله أجله وأذن فيه ، ثم قرأ { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين } قال : نزلت في السلم في الحنطة في كيل معلوم إلى أجل معلوم .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس قال : « قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث ، فقال » من أسلف فليسلف في كيل معلوم ، ووزن معلوم ، إلى أجل معلوم « .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : لا سلف إلى العطاء ، ولا إلى الحصاد ، ولا إلى الأندر ، ولا إلى العصير ، واضرب له أجلاً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : أمر بالشهادة عند المداينة لكيلا يدخل في ذلك جحود ولا نسيان ، فمن لم يشهد على ذلك فقد عصى ، ولا يأب الشهداء يعني من احتيج إليه من المسلمين يشهد على شهادة ، أو كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يأبى إذا ما دعي ، ثم قال بعد هذا { ولا يضار كاتب ولا شهيد } والضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غني : إن الله قد أمرك أن لا تأبى إذا دعيت فيضاره بذلك وهو مكتف بغيره ، فنهاه الله عن ذلك وقال { وإن تفعلوا فإنه فسوق } يعني معصية .(2/256)
قال : ومن الكبائر كتمان الشهادة . قال : لأن الله تعالى يقول { ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } [ البقرة : 283 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { كاتب بالعدل } قال : يعدل بينهما في كتابه ، لا يزاد على المطلوب ولا ينقص من حق الطالب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولا يأب كاتب } قال : واجب على الكاتب أن يكتب .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي { ولا يأب كاتب } قال : إن كان فارغاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { ولا يأب كاتب } قال : ذلك أن الكتاب في ذلك الزمان كانوا قليلاً .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال { ولا يأب كاتب } قال : كانت الكتاب يومئذ قليلاً .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك { ولا يأب كاتب } قال : كانت عزيمة فنسختها { ولا يضار كاتب ولا شهيد } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك { كما علمه الله } قال : كما أمره الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { كما علمه الله } قال : كما علمه الكتابة وترك غيره { وليملل الذي عليه الحق } يعني المطلوب . يقول : ليمل ما عليه من الحق على الكاتب { ولا يبخس منه شيئاً } يقول : لا ينقص من حق الطالب شيئاً { فإن كان الذي عليه الحق } يعني المطلوب { سفيهاً أو ضعيفاً } يعني عاجزاً أو أخرس أو رجلاً به حمق { أو لا يستطيع } يعني لا يحسن { أن يمل هو } قال : أن يمل ما عليه { فليملل وليه } ولي الحق حقه { بالعدل } يعني الطالب ولا يزداد شيئاً { واستشهدوا } يعني على حقكم { شهيدين من رجالكم } يعني المسلمين الأحرار { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان . . . أن تضل إحداهما } يقول : أن تنسى إحدى المرأتين الشهادة { فتذكر إحداهما الأخرى } يعني تذكرها التي حفظت شهادتها { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } قال : الذي معه الشهادة { ولا تسأموا } يقول : لا تملوا { أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً } يعني . أن تكتبوا صغير الحق وكبيره قليله وكثيره { إلى أجله } لأن الكتاب أحصى للأجل والمال { ذلكم } يعني الكتاب { أقسط عند الله } يعني أعدل { وأقوم } يعني أصوب { للشهادة وأدنى } يقول : وأجدر { أن لا ترتابوا } أن لا تشكوا في الحق والأجل والشهادة إذا كان مكتوباً ، ثم استثنى فقال { إلا أن تكون تجارة حاضرة } يعني يداً بيد { تديرونها بينكم } يعني ليس فيها أجل { فليس عليكم جناح } يعني حرج { أن لا تكتبوها } يعني التجارة الحاضرة { وأشهدوا إذا تبايعتم } يعني اشهدوا على حقكم إذا كان فيه أجل أو لم يكن فاشهدوا على حقكم على كل حال { وإن تفعلوا } يعني أن تضاروا الكاتب أو الشاهد وما نهيتم عنه { فإنه فسوق بكم } ثم خوفهم فقال { واتقوا الله } ولا تعصوه فيها { والله بكل شيء عليم } يعني من أعمالكم .(2/257)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً } قال : هو الجاهل بالإِملاء { أو ضعيفاً } قال : هو الأحمق .
وأخرج ابن جرير عن السدي والضحاك في قوله { سفيهاً } قالا : هو الصبي الصغير .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس { فليملل وليه } قال : صاحب الدين .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن { فليملل وليه } قال : ولي اليتيم .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك { فليملل وليه } قال : ولي السفيه أو الضعيف .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عمر في قوله { واستشهدوا شهيدين } قال : كان إذا باع بالنقد أشهد ولم يكتب قال مجاهد : وإذا باع بالنسيئة كتب وأشهد .
وأخرج سفيان وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد في قوله { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } قال : من الأحرار .
وأخرج سعيد بن منصور عن داود بن أبي هند قال : سألت مجاهداً عن الظهار من الأمة فقال : ليس بشيء . قلت : أليس يقول الله { الذين يظاهرون من نسائهم } [ المجادلة : 3 ] أفلسن من النساء؟ فقال : والله تعالى يقول { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } أفتجوز شهادة العبيد؟ .
وأخرج ابن المنذر عن الزهري أنه سئل عن شهادة النساء فقال : تجوز فيما ذكر الله من الدين ، ولا تجوز في غير ذلك .
وأخرج ابن المنذر من مكحول قال : لا تجوز شهادة النساء إلا في الدين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك قال : لا تجوز شهادة أربع نسوة مكان رجلين في الحقوق ، ولا تجوز شهادتهن إلا معهن رجل ، ولا تجوز شهادة رجل وامرأة ، لأن الله يقول { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر قال : لا تجوز شهادة النساء وحدهن إلا على ما لا يطلع عليه إلا هن من عورات النساء ، وما أشبه ذلك من حملهن وحيضهن .
وأخرج مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن! قالت امرأة : يا رسول الله ما نقصان العقل والدين؟ قال : أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل ، وتمكث الليالي ولا تصلي ، وتفطر رمضان فهذا نقصان الدين » .
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله { فمن ترضون من الشهداء } قال : عدول .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن أبي مليكة قال : كتبت إلى ابن عباس أسأله عن شهادة الصبيان؟ فكتب إلي : إن الله يقول { ممن ترضون من الشهداء } فليسوا ممن نرضى ، لا تجوز .(2/258)
وأخرج الشافعي والبيهقي عن مجاهد في قوله { ممن ترضون من الشهداء } قال : عدلان حران مسلمان .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن ، أنه كان يقرأها { فتذكر إحداهما الأخرى } مثقلة .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد . أنه كان يقرأها { فتذكر إحداهما الأخرى } مخففة . وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة ابن مسعود ( أن تضل إحداهما فتذكرها إحداهما الأخرى ) .
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } يقول : من احتيج إليه من المسلمين قد شهد على شهادة أو كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يأبى إذا ما دعي ، ثم قال بعد هذا { ولا يضار كاتب ولا شهيد } والأضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غني : إن الله قد أمرك أن لا تأبى إذا ما دعيت فيضاره بذلك ، وهو مكتف بذلك ، فنهاه الله وقال { وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم } يعني بالفسوق المعصية .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } قال : إذا كانت عندهم شهادة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال : كان الرجل يطوف في القوم الكثير يدعوهم ليشهدوا فلا يتبعه أحد منهم ، فأنزل الله { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } قال : كان الرجل يطوف في الحي العظيم فيه القوم فيدعوهم إلى الشهادة فلا يتبعه أحد منهم ، فأنزل الله هذه الآية .
وأخرج سفيان وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } قال : إذا كانت عندك شهادة فأقمها ، فأما إذا دعيت لتشهد فإن شئت فاذهب وإن شئت فلا تذهب .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { ولا يأب الشهداء } قال : وهو الذي عنده الشهادة .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال : جمعت أمرين . لا تأب إذا كانت عندك شهادة أن تشهد ، ولا تأب إذا دعيت إلى شهادة .
وأخرج ابن المنذر عن عائشة في قوله { أقسط عند الله } قالت : أعدل .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن الحسن في قوله { وأشهدوا إذا تبايعتم } قال : نسختها { فإن أمن بعضكم بعضاً } [ البقرة : 283 ] .
وأخرج ابن المنذر عن جابر بن زيد . أنه اشترى سوطاً فاشهد وقال : قال الله { وأشهدوا إذا تبايعتم } .
وأخرج النحاس في ناسخه عن إبراهيم في الآية قال : أشهد إذا بعت وإذا اشتريت ولو دستجة بقل .(2/259)
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك { وأشهدوا إذا تبايعتم } قال : أشهدوا ولو دستجة من بقل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ولا يضار كاتب ولا شهيد } قال : يأتي الرجل الرجلين فيدعوهما إلى الكتاب والشهادة فيقولان : إنا على حاجة . فيقول : إنكما قد أمرتما أن تجيبا فليس له أن يضارهما .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { ولا يضار كاتب ولا شهيد } يقول : إنه يكون للكاتب والشاهد حاجة ليس منها بد فيقول : خلوا سبيله .
وأخرج سفيان وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن عكرمة قال : كان عمر بن الخطاب يقرأها ( ولا يضارر كاتب ولا شهيد ) يعني بالبناء للمفعول .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ، أنه كان يقرأ ( و لا يضارر ) .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد ، أنه كان يقرأ ( ولا يضارر كاتب ولا شهيد ) وأنه كان يقول في تأويلها : ينطلق الذي له الحق فيدعو كاتبه وشاهده إلى أن يشهد ، ولعله يكون في شغل أو حاجة .
وأخرج ابن جرير عن طاوس { ولا يضار كاتب } فيكتب ما لم يمل عليه { ولا شهيد } فيشهد ما لم يستشهد .
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن الحسن { ولا يضار كاتب } فيزيد شيئاً أو يحرف { ولا شهيد } لا يكتم الشهادة ولا يشهد إلا بحق .
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : لما نزلت هذه الآية { ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله } كان أحدهم يجيء إلى الكاتب فيقول : اكتب لي . فيقول : إني مشغول أو لي حاجة فانطلق إلى غيري ، فيلزمه ويقول : إنك قد أمرت أن تكتب لي فلا يدعه ويضاره بذلك وهو يجد غيره ، فأنزل الله { ولا يضار كاتب ولا شهيد } .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك { وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم } ويقول : إن تفعلوا غير الذي أمركم به { واتقوا الله ويعلمكم الله } قال : هذا تعليم علمكموه فخذوا به .
وأخرج أبو يعقوب البغدادي في كتاب رواية الكبار عن الصغار عن سفيان قال : من عمل بما يعلم وفق لما لا يعلم .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم » .
وأخرج الترمذي عن يزيد بن سلمة الجعفي أنه قال « يا رسول الله إني سمعت منك حديثاً كثيراً أخاف أن ينسيني أوّله آخره ، فحدثني بكلمة تكون جماعاً قال : اتق الله فيما تعلم » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من معادن التقوى تعلمك إلى ما علمت ما لم تعلم والنقص والتقصير فيما علمت قلة الزيادة فيه ، وإنما يزهد الرجل في علم ما لم يعلم قلة الانتفاع بما قد علم » .(2/260)
وأخرج الدارمي عن عبد الله بن عمر . أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام : من أرباب العلم؟ قال : الذين يعملون بما يعلمون . قال : فما ينفي العلم من صدور الرجال؟ قال : الطمع .
وأخرج البيهقي في الشعب عن جابر بن عبد الله قال : تعلموا الصمت ، ثم تعلموا الحلم ، ثم تعلموا العلم ، ثم تعلموا العمل به ، ثم انشروا .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن زياد بن جدير قال : ما فقه قوم لم يبلغوا التقى .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال : يقول الله عز وجل « إذا علمت أن الغالب على عبدي التمسك بطاعتي مننت عليه بالاشتغال بي والانقطاع إليَّ » .
وأخرج أبو الشيخ من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « العلم حياة الإِسلام وعماد الإِيمان ، ومن علم علماً أنمى الله له أجره إلى يوم القيامة ، ومن تعلم علماً فعمل به فإن حقاً على الله أن يعلمه ما لم يكن يعلم » .
وأخرج هناد عن الضحاك قال : ثلاثة لا يسمع الله تعالى لهم دعاء : رجل معه امرأة زناء كلما قضى شهوته منها قال : رب اغفر لي . فيقول الرب تبارك وتعالى : تحول عنها وأنا أغفر لك وإلا فلا ، ورجل باع بيعاً إلى أجل مسمى ولم يشهد ولم يكتب فكافره الرجل بما له فيقول : يا رب كافرني فلان بمالي . فيقول الرب لا آجرك ولا أجيبك ، إني أمرتك بالكتاب والشهود فعصيتني ، ورجل يأكل مال قوم وهو ينظر إليهم ويقول : يا رب اغفر لي ما آكل من مالهم فيقول الرب تعالى : رد إليهم مالهم وإلا فلا .(2/261)
وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)
أخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف من طرق عن ابن عباس أنه قرأ ) ولم تجدوا كتاباً ) وقال : قد يوجد الكاتب ولا يوجد القلم ولا الدواة ولا الصحيفة ، والكتاب يجمع ذلك كله قال : وكذلك كانت قراءة أبي .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية أنه كان يقرأ { فإن لم تجدوا كتاباً } قال : يوجد الكاتب ولا توجد الدواة ولا الصحيفة .
وأخرج ابن الأنباري عن الضحاك . مثله .
وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن الأنباري عن عكرمة أنه قرأها ( فإن لم تجدوا كتاباً ) .
وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن الأنباري عن مجاهد أنه قرأها ( فإن لم تجدوا كتاباً ) قال : مداداً .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس أنه كان يقرأها { فإن لم تجدوا كتاباً } وقال : الكتاب كثير لم يكن حواء من العرب إلا كان فيهم كاتب ، ولكن كانوا لا يقدرون على القرطاس والقلم والدواة .
وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس أنه كان يقرأ ( ولم تجدوا كتاباً ) بضم الكاف وتشديد التاء .
وأخرج الحاكم وصححه عن زيد بن ثابت قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فرهن مقبوضة ) بغير ألف .
وأخرج سعيد بن منصور عن حميد الأعرج وإبراهيم أنهما قرآ ( فرهن مقبوضة ) .
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن وأبي الرجاء أنهما قرآ { فرهان مقبوضة } .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { وإن كنتم على سفر . . . } الآية . قال : من كان على سفر فبايع بيعاً إلى أجل فلم يجد كاتباً فرخص له في الرهان المقبوضة ، وليس له أن وجد كاتباً أن يرتهن .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة } قال : لا يكون الرهان إلا في السفر .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت « اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً من يهودي بنسيئة ورهنه درعاً له من حديد » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً } يعني لم تقدروا على كتابة الدين في السفر { فرهان مقبوضة } يقول : فليرتهن الذي له الحق من المطلوب { فإن أمن بعضكم بعضاً } يقول : فإن كان الذي عليه الحق أميناً عند صاحب الحق فلم يرتهن لثقته وحسن ظنه { فليؤد الذي ائتمن أمانته } يقول : ليؤد الحق الذي عليه إلى صاحبه ، وخوّف الله الذي عليه الحق فقال { وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة } يعني عند الحكام يقول : من أشهد على حق فليقمها على وجهها كيف كانت { ومن يكتمها } يعني الشهادة ولا يشهد بها إذا دعي لها { فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم } يعني من كتمان الشهادة وإقامتها .(2/262)
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لا يكون الرهن إلا مقبوضاً يقبضه الذي له المال ثم قرأ { فرهان مقبوضة } .
وأخرج البخاري في التاريخ الكبير وأبو داود والنحاس معاً في الناسخ وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه بسند جيد عن أبي سعيد الخدري . أنه قرأ هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين } حتى إذا بلغ { فإن أمن بعضكم بعضاً } قال : هذه نسخت ما قبلها .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن الشعبي قال : لا بأس إذا أمنته أن لا تكتب ولا تشهد لقوله { فإن أمن بعضكم بعضاً } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع { ولا تكتموا الشهادة } قال : لا يحل لأحد أن يكتم شهادة هي عنده ، وإن كانت على نفسه أو الوالدين أو الأقربين .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { آثم قلبه } قال : فاجر قلبه .(2/263)
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)
أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } قال : نزلت في الشهادة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق مقسم عن ابن عباس في قوله { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه . . . } الآية . قال : نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها .
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال « لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير } اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب ، فقالوا : يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة ، والصيام ، والجهاد ، والصدقة ، وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا؟ بل قولوا { سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } [ البقرة : 285 ] فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها { آمن الرسول } [ البقرة : 285 ] الآية . فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } [ البقرة : 286 ] إلى آخرها » .
وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : « لما نزلت هذه الآية { إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } دخل في قلوبهم منه شيء لم يدخل من شيء فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا . فألقى الله الإِيمان في قلوبهم ، فأنزل الله { آمن الرسول . . . } [ البقرة : 285 ] الآية { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } [ البقرة : 286 ] قال : قد فعلت { ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا } قال : قد فعلت { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } قال : قد فعلت { واعف عنا واغفر لنا وارحمنا . . . } الآية قال : قد فعلت » .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : دخلت على ابن عباس فقلت : كنت عند ابن عمر فقرأ هذه الآية فبكى . قال : أية آية؟ قلت { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } قال ابن عباس : « إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غماً شديداً وغاظتهم غيظاً شديداً ، وقالوا : يا رسول الله هلكنا إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا وبما نعمل ، فأما قلوبنا فليست بأيدينا؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم » قولوا سمعنا وأطعنا « . قال : فنسختها هذه الآية { آمن الرسول } [ البقرة : 285 ] إلى { وعليها ما اكتسبت } فتجوّز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال » .(2/264)
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير والطبراني والبيهقي في الشعب عن سعيد بن مرجانة . أنه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر تلا هذه الآية { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه . . . } الآية . فقال : والله لئن آخذنا الله بهذا لنهلكن ، ثم بكى حتى سمع نشيجه ، قال ابن مرجانة : فقمت حتى أتيت ابن عباس فذكرت له ما قال ابن عمر وما فعل حين تلاها . فقال ابن عباس : يغفر الله لأبي عبد الرحمن ، لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد عبد الله بن عمر ، فأنزل الله بعدها { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } [ البقرة : 286 ] إلى آخر السورة قال ابن عباس : فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها ، وصار الأمر إلى أن قضى الله أن للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت من القول والعمل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والنحاس في ناسخه والحاكم وصححه عن سالم أن أباه قرأ { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } فدمعت عيناه ، فبلغ صنيعه ابن عباس فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن لقد صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت ، فنسختها الآية التي بعدها { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد عن نافع قال : لقلما أتى ابن عمر على هذه الآية إلا بكى { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } إلى آخر الآية . ويقول : إن هذا لاحصاء شديد .
وأخرج البخاري والبيهقي في الشعب عن مروان الأصغر عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحسبه ابن عمر { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } قال : نسختها الآية التي بعدها .
وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن علي قال : لما نزلت هذه الآية { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله . . . } الآية . أحزنتنا قلنا : أيحدث أحدنا نفسه فيحاسب به لا ندري ما يغفر منه ولا ما لا يغفر منه؟! فنزلت هذه الآية بعدها فنسختها { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني عن ابن مسعود في الآية قال : كانت المحاسبة قبل أن تنزل { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } فلما نزلت نسخت الآية التي كانت قبلها .(2/265)
وأخرج ابن جرير من طريق قتادة عن عائشة أم المؤمنين في الآية قال : نسختها { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } .
وأخرج سفيان وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن المنذر عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم وتعمل به » .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال « ما بعث الله من نبي ولا أرسل من رسول أنزل عليهم الكتاب إلا أنزل عليه هذه الآية { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير } فكانت الأمم تأبى على أنبيائها ورسلها ، ويقولون : نؤاخذ بما نحدث به أنفسنا ولم تعمله جوارحنا؟! فيكفرون ويضلون ، فلما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد على المسلمين ما اشتد على الأمم قبلهم ، فقالوا : يا رسول الله أنؤاخذ بما نحدث به أنفسنا ولم تعمله جوارحنا؟ قال : نعم ، فاسمعوا وأطيعوا واطلبوا إلى ربكم ، فذلك قوله { آمن الرسول } [ البقرة : 285 ] الآية . فوضع الله عنهم حديث النفس إلا ما عملت الجوارح ، لها ما كسبت من خير وعليها ما اكتسبت من شر { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } [ البقرة : 286 ] قال : فوضع عنهم الخطأ والنسيان { ربنا ولا تحمل علينا إصرا . . . } الآية . قال : فلم يكلفوا ما لم يطيقوا ، ولم يحمل عليهم الإِصر الذي جعل على الأمم قبلهم ، وعفا عنهم وغفر لهم ونصرهم » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } فذلك سرائرك وعلانيتك { يحاسبكم به الله } فإنها لم تنسخ ، ولكن الله إذا جمع الخلائق يوم القيامة يقول : إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي ، فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم وهو قوله { يحاسبكم به الله } يقول : يخبركم ، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب وهو قوله { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } [ البقرة : 225 ] .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس عن مجاهد في قوله { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } قال : من اليقين والشك .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه } فذلك سر عملك وعلانيته { يحاسبكم به الله } فما من عبد مؤمن يسر في نفسه خيراً ليعمل به فإن عمل به كتبت له عشر حسنات ، وإن هو لم يقدر له أن يعمل كتب له به حسنة من أجل أنه مؤمن ، والله رضي سر المؤمنين وعلانيتهم ، وان كان سوءاً حدث به نفسه اطلع الله عليه أخبره الله به يوم تبلى السرائر ، فإن هو لم يعمل به لم يؤاخذه الله به حتى يعمل به ، فإن هو عمل به تجاوز الله عنه كما قال(2/266)
{ أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم } [ الأحقاف : 16 ] .
وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس قال { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } نسخت فقال { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } [ البقرة : 286 ] .
وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } قال : لما نزلت اشتد ذلك على المسلمين وشق عليهم فنسخها الله ، فانزل الله { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } [ البقرة : 286 ] .
وأخرج الطبراني في مسند الشاميين عن ابن عباس قال : لما نزلت { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه . . . } الآية أتى أبو بكر ، وعمر ، ومعاذ بن جبل ، وسعد بن زرارة ، رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ما نزل علينا آية أشد من هذه .
وأخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس في الآية قال : إن الله يقول يوم القيامة : إن كتابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها ، فأما ما أسررتم في أنفسكم فأنا أحاسبكم به اليوم ، فأغفر لمن شئت وأعذب من شئت .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في الآية قال : هي محكمة لم ينسخها شيء يعرفه الله يوم القيامة إنك أخفيت في صدرك كذا وكذا ولا يؤاخذه .
وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أمية ، أنها سألت عائشة عن قول الله تعالى { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } وعن قوله { من يعمل سوءاً يجز به } [ النساء : 123 ] فقالت : ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : هذه معاتبة الله العبد فيما يصيبه من الحمى والنكبة ، حتى البضاعة يضعها في يد قميصه فيفقدها فيفزع لها ثم يجدها في ضبينه ، حتى إن العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير من طريق الضحاك عن عائشة في قوله { وإن تبدوا ما في أنفسكم . . . } الآية . قالت : هو الرجل يهم بالمعصية ولا يعملها ، فيرسل عليه من الغم والحزن بقدر ما كان هم من المعصية ، فتلك محاسبته .
وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت : كل عبد هم بسوء ومعصية وحدث به نفسه حاسبه الله به في الدنيا ، يخاف ويحزن ويشتد همه لا يناله من ذلك شيء ، كما هم بالسوء ولم يعمل منه شيئاً .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } بالرفع فيهما .
وأخرج عن الأعمش : انه قرأ بجزمهما .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش . أنه قال : في قراءة ابن مسعود ( يحاسبكم به الله يغفر لمن يشاء ) بغير فاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فيغفر لمن يشاء . . . } الآية . قال : يغفر لمن يشاء الكبير من الذنوب ، ويعذب من يشاء على الصغير .(2/267)
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
أخرج سعيد بن منصور وعبد حميد عن مجاهد قال « لما نزلت { وإن تبدوا ما في أنفسكم . . . } [ البقرة : 284 ] الآية . شق ذلك عليهم قالوا : يا رسول الله إنا لنحدث أنفسنا بشيء ما يسرنا أن يطلع عليه أحد من الخلائق ، وإن لنا كذا وكذا . قال : أو قد لقيتم هذا؟ ذلك صريح الإِيمان ، فأنزل الله { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه . . . } الآيتين » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من طريق يحيى بن أبي كثير عن أنس قال : « لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } قال النبي صلى الله عليه وسلم » وحق له أن يؤمن « . قال : الذهبي منقطع بين يحيى وأنس » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال : « ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا نزلت هذه الآية قال » وحق له أن يؤمن « . قلت هذا شاهد لحديث أنس » .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن علي بن أبي طالب . أنه قرأ ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه وآمن المؤمنون ) .
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس . أنه كان يقرأ ( كل آمن بالله وملائكته وكتابه ) .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت هذه الآية قال المؤمنون : آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان لا نفرق بين أحد من رسله ، لا نكفر بما جاءت به الرسل ، ولا نفرق بين أحد منهم ، ولا نكذب به { وقالوا سمعنا } للقرآن الذي جاء من الله { وأطعنا } اقروا الله أن يطيعوه في أمره ونهيه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن عمير . أنه كان يقرأ ( لا يفرق بين أحد من رسله ) يقول : كل آمن ، وكل لا يفرق .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { غفرانك ربنا } قال : قد غفرت لكم { وإليك المصير } قال : إليك المرجع والمآب يوم يقوم الحساب .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن حكيم بن جابر قال : لما نزلت { آمن الرسول } قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه . فسأل { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } حتى ختم السورة بمسألة محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } قال : هم المؤمنون ، وسع الله عليهم أمر دينهم فقال(2/268)
{ وما جعل عليكم في الدين من حرج } [ الحج : 78 ] وقال { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [ البقرة : 185 ] وقال { فاتقوا الله ما استطعتم } [ التغابن : 19 ] .
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن عمران بن حصين قال : كانت لي بواسير ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال « صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } قال : من العمل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق الزهري عن ابن عباس قال : لما نزلت ضج المؤمنون منها ضجة ، وقالوا : يا رسول الله : هذا نتوب من عمل اليد والرجل واللسان كيف نتوب من الوسوسة؟ كيف نمتنع منها؟ فجاء جبريل بهذه الآية { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } إنكم لا تستطيعون أن تمتنعوا من الوسوسة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { إلا وسعها } قال : إلا طاقتها .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك { إلا وسعها } قال : إلا ما تطيق .
وأخرج سفيان والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم به » .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي بكر الهذلي عن شهر عن أم الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث : عن الخطأ ، والنسيان ، والاستكراه . قال أبو بكر : فذكرت ذلك للحسن فقال : أجل ، اما تقرأ بذلك قرآنا { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } » .
وأخرج ابن ماجة وابن المنذر وابن حبان والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه » .
وأخرج ابن ماجة عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه » .
وأخرج الطبراني عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه » .
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « وضع الله عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه » .
وأخرج ابن عدي في الكامل وأبو نعيم في التاريخ عن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/269)
« رفع الله عن هذه الأمة الخطأ ، والنسيان ، والأمر يكرهون عليه » .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « تجوّز لهذه الأمة الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه » .
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث : عن الخطأ ، والنسيان ، والإِكراه » .
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تجاوز الله لابن آدم عما أخطأ ، وعما نسي ، وعما أكره وعما غلب عليه » .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : إن هذه الآية حين نزلت { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال له جبريل : إن الله قد فعل ذلك يا محمد .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إصراً } قال : عهداً .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { ولا تحمل علينا إصراً } قال : عهداً .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا } قال : عهداً كما حملته على اليهود ، فمسختهم قردة وخنازير . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت أبا طالب وهو يقول :
أفي كل عام واحد وصحيفة ... يشد بها أمر وثيق وأيصره
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج { ولا تحمل علينا إصراً } قال : عهداً لا نطيقه ولا نستطيع القيام به { كما حملته على الذين من قبلنا } اليهود والنصارى فلم يقوموا به فأهلكتهم { ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } قال : مسخ القردة والخنازير .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا } قال : كم من تشديد كان على من كان قبلنا { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } قال : كم من تخفيف ويسر وعافية في هذه الأمة .
وأخرج ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح { ولا تحمل علينا إصراً } قال : لا تمسخنا قردة وخنازير .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { ولا تحمل علينا إصراً } يقول : التشديد الذي شدد به على من كان من أهل الكتاب .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن عبد الرحمن بن حسنة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال : كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم البول يتبعه بالمقراضين .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت(2/270)
« دخلت على امرأة من اليهود فقالت : إن عذاب القبر من البول . قلت : كذبت . قالت : بلى . قالت : إنه ليقرض منه الجلد والثوب ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : صدقت » .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : لا تحمل علينا ذنباً ليس فيه توبة ولا كفارة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل في قوله { ولا تحمل علينا إصراً } قال : كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب قيل له : توبتك أن تقتل نفسك فيقتل نفسه ، فوضعت الاصار عن هذه الأمة .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } قال : لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق .
وأخرج ابن جرير عن السدي { ما لا طاقة لنا به } من التغليظ والأغلال التي كانت عليهم من التحريم .
وأخرج ابن جرير عن سلام بن سابور { ما لا طاقة لنا به } قال : الغلمة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول { ما لا طاقة لنا به } قال : الغربة والغلمة والانعاظ .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد { واعف عنا } إن قصرنا عن شيء مما أمرتنا به { واغفر لنا } إن انتهكنا شيئاً مما نهيتنا عنه { وارحمنا } يقول : لا ننال العمل بما أمرتنا به ، ولا ترك ما نهيتنا عنه إلا برحمتك . قال : ولم ينج أحد إلا برحمته .
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في شعب الإِيمان عن الضحاك قال : جاء بها جبريل ومعه من الملائكة ما شاء الله { آمن الرسول } إلى قوله { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا } قال : ذلك لك ، وهكذا عقب كل كلمة .
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد بن حميد عن الضحاك قال « أقرأ جبريل النبي آخر سورة البقرة ، فلما حفظها قال : اقرأها . فقرأها ، فجعل كلما مر بحرف قال : ذلك لك حتى فرغ منها » .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : « لما نزلت هذه الآيات { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } فكلما قالها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم : آمين رب العالمين » .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي ذر قال : هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في هذه الآية قال : كان عليه الصلاة والسلام فسألها نبي الله ربه ، فاعطاه اياها ، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .
وأخرج أبو عبيد عن أبي ميسرة « أن جبريل لقن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خاتمة البقرة : آمين » .
وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر عن معاذ بن جبل . أنه كان إذا فرغ من قراءة هذه السورة { وانصرنا على القوم الكافرين } قال : آمين .
وأخرج أبو عبيد عن جبير بن نغير .(2/271)
أنه كان إذا قرأ خاتمة البقرة يقول : آمين ، آمين .
وأخرج ابن السني والبيهقي في الشعب عن حذيفة قال « صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة البقرة ، فلما ختمها قال : اللهم ربنا ولك الحمد عشراً أو سبع مرات » .
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وأحمد والدارمي والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن الضريس والبيهقي في سننه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه » .
وأخرج أبو عبيد والدارمي والترمذي والنسائي وابن الضريس ومحمد بن نصر وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن النعمان بن بشير « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام ، فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ، ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان » .
وأخرج أحمد وأبو عبيد ومحمد بن نصر عن عقبة بن عامر « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اقرأوا هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة ، فإن ربي أعطانيهما من تحت العرش » .
وأخرج الطبراني عن عقبة بن عامر قال : ترددوا في الآيتين من آخر سورة البقرة { آمن الرسول } إلى خاتمتها ، فإن الله اصطفى بها محمداً .
وأخرج أحمد والنسائي والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن حذيفة « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش ، لم يعطها نبي قبلي » .
أخرج إسحق بن راهويه وأحمد والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش ، لم يعطهن نبي قبلي » .
وأخرج مسلم عن ابن مسعود قال « لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى ، فأعطي ثلاثاً : أعطي الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لا يشرك بالله شيئاً من أمته المقحمات » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي ذر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش ، فتعلموهما وعلموهما نساءكم وأبناءكم ، فإنهما صلاة وقرآن ودعاء » .
وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وجعفر الفريابي في الذكر عن محمد بن المنكدر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أواخر سورة البقرة « إنهن قرآن ، وإنهن دعاء ، وإنهن يدخلن الجنة ، وإنهن يرضين الرحمن » .
وأخرج الديلمي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(2/272)
« آيتان هما قرآن ، وهما يشفيان ، وهما مما يحبهما الله ، الآيتان من آخر البقرة » .
وأخرج الطبراني بسند جيد عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام ، فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ، لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان » .
وأخرج مسدد عن عمر قال : ما كنت أرى أحداً يعقل ينام حتى يقرأ الآيات الأواخر من سورة البقرة ، فإنهن من كنز تحت العرش .
وأخرج الدارمي ومحمد بن نصر وابن الضريس وابن مردويه عن علي قال : ما كنت أرى أن أحداً يعقل ينام حتى يقرأ هؤلاء الآيات الثلاث من آخر سورة البقرة ، وإنهن لمن كنز تحت العرش .
وأخرج الفريابي وأبو عبيد والطبراني ومحمد بن نصر عن ابن مسعود قال : أنزلت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : من قرأ في ليلة آخر سورة البقرة فقد أكثر وأطاب .
وأخرج الخطيب في تلخيص المتشابه عن ابن مسعود قال : من قرأ الثلاث الأواخر من سورة البقرة فقد أكثر وأطاب .
وأخرج ابن عدي عن ابن مسعود الأنصاري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنزل الله آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألفي عام ، من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل » .
وأخرج ابن الضريس عن ابن مسعود البدري قال : من قرأ خاتمة سورة البقرة في ليلة أجزأت عنه قيام ليلة ، وقال : أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش .
وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر ، في الركعة الأولى { آمن الرسول } حتى ختمها ، وفي الثانية من آل عمران { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء . . } [ آل عمران : 64 ] الآية » .
وأخرج أبو عبيد عن كعب أن محمداً صلى الله عليه وسلم أعطي أربع آيات لم يعطهن موسى ، وإن موسى أعطي آية لم يعطها محمد صلى الله عليه وسلم . قال : والآيات التي أعطيهن محمد { لله ما في السماوات وما في الأرض } حتى ختم البقرة ، فتلك ثلاث آيات ، وآية الكرسي حتى تنقضي ، والآية التي أعطيها موسى اللهم لا تولج الشيطان في قلوبنا وخلصنا منه ، من أجل أن لك الملكوت والأيد والسلطان والملك والحمد والأرض والسماء والدهر الداهر أبداً أبداً ، آمين آمين .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن ، أنه كان إذا قرأ آخر البقرة قال : يا لك نعمة ، يا لك نعمة .
وأخرج ابن جرير في تهذيب الآثار عن أيوب .(2/273)
إن أبا قلابة كتب إليه بدعاء الكرب وأمره أن يعلمه ابنه . لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم ، سبحانك يا رحمن ما شئت أن يكون كان وما لم تشأ لم يكن ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، أعوذ بالذي يمسك السموات السبع ومن فيهن أن يقعن على الأرض من شر ما خلق ومن شر ما برأ ، وأعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر السامة ، والهامة ، ومن الشر كله في الدنيا والآخرة ، ثم يقرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة .(2/274)
الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)
أخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبيّ بن كعب أنه قرأ { الحي القيوم } .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : { القيوم } القائم على كل شيء .
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي داود وابن الأنباري معاً في المصاحف وابن المنذر والحاكم وصححه عن عمر أنه صلى العشاء الآخرة فاستفتح سورة آل عمران ، فقرأ { الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم } .
وأخرج ابن أبي داود عن الأعمش قال في قراءة عبدالله { الحي القيام } .
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عن علقمة أنه كان يقرأ { الحي القيام } .
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عن أبي معمر قال : سمعت علقمة يقرأ { الحي القيم } وكان أصحاب عبدالله يقرؤون { الحي القيام } .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عاصم بن كليب عن أبيه قال : كان عمر يعجبه أن يقرأ سورة آل عمران في الجمعة إذا خطب .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن جعفر بن الزبير قال « قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد نجران ستون راكباً ، فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة ، والعاقب ، وعبد المسيح ، والأيهم السيد ، وهو من النصرانية على دين الملك مع اختلاف من أمرهم . يقولون هو الله ، ويقولون هو ولد الله ، ويقولون هو ثالث ثلاثة ، كذلك قول النصرانية ، فهم يحتجون في قولهم يقولون هو الله بأنه كان يحيي الموتى ، ويبرئ الاسقام ، ويخبر بالغيوب ، ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيراً ، وذلك كله بإذن الله ليجعله آية للناس .
ويحتجون في قولهم بأنه ولد بأنهم يقولون : لم يكن له أب يعلم ، وقد تكلم في المهد شيئاً لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله . ويحتجون في قولهم إنه ثالث ثلاثة بقول الله : فعلنا : وأمرنا ، وخلقنا ، وقضينا ، فيقولون : لو كان واحداً ما قال إلا فعلت ، وأمرت ، وقضيت ، وخلقت ، ولكنه هو وعيسى ومريم . ففي كل ذلك من قولهم نزل القرآن وذكر الله لنبيه فيه قولهم ، فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسلما قالا : قد أسلمنا قبلك . قال : كذبتما منعكما من الإِسلام دعاؤكما لله ولداً ، وعبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير ، قالا : فمن أبوه يا محمد؟ فصمت فلم يجبهما شيئاً ، فأنزل الله في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم كله صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها » ، فافتتح السورة بتنزيه نفسه مما قالوه ، وتوحيده إياهم بالخلق ، والأمر لا شريك له فيه ، ورد عليه ما ابتدعوا من الكفر ، وجعلوا معه من الأنداد ، واحتجاجاً عليهم بقولهم في صاحبهم ليعرفهم بذلك ضلالتهم فقال { الم ، الله لا إله إلا هو الحي القيوم } أي ليس معه غيره شريك في أمره ، الحي الذي لا يموت وقد مات عيسى ، في قولهم القائم على سلطانه لا يزول وقد زال عيسى .(2/275)
وقال ابن إسحق : حدثني محمد بن سهل بن أبي امامة قال : لما قدم أهل نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن عيسى ابن مريم . نزلت فيهم فاتحة آل عمران إلى رأس الثمانين منها وأخرجه البيهقي في الدلائل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال : « إن النصارى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخاصموه في عيسى ابن مريم وقالوا له : من أبوه؟ وقالوا على الله الكذب والبهتان . فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه؟ قالوا : بلى . قال : ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت ، وإن عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا : بلى . قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه؟ قالوا : بلى . قال : فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً؟ قالوا : لا . قال : أفلستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ قالوا : بلى . قال : فهل يعلم عيسى من ذلك شيئاً إلا ما علم؟ قالوا : لا .
قال : فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء ، ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ، ولا يشرب الشراب ، ولا يحدث الحدث؟ قالوا : بلى . قال : ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثم غُذّيَ كما تُغذي المرأة الصبي ، ثم كان يأكل الطعام ، ويشرب الشراب ، ويحدث الحدث؟ قالوا : بلى . قال : فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فعرفوا ثم أبوا إلا جحوداً . فأنزل الله { الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم } » .
وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود أنه كان يقرؤها { القيام } .
وأخرج ابن جرير عن علقمة أنه قرأ { الحي القيوم } .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه } قال : لما قبله من كتاب أو رسول .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { مصدقاً لما بين يديه } يقول : من البينات التي أنزلت على نوح وإبراهيم وهود والأنبياء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { نزل عليك الكتاب } قال : القرآن { مصدقاً لما بين يديه } من الكتب التي قد خلت قبله ( وأنزل التوراة والإنجيل ، من قبل هدى للناس ) هما كتابان أنزلهما الله فيهما بيان من الله ، وعصمة لمن أخذ به ، وصدق به وعمل بما فيه { وأنزل الفرقان } هو القرآن فرق به بين الحق والباطل .(2/276)
فأحل فيه حلاله ، وحرم فيه حرامه ، وشرع فيه شرائعه ، وَحَدَّ فيه حدوده ، وفرض فيه فرائضه ، وبَيَّنَ فيه بيانه ، وأمر بطاعته ، ونهى عن معصيته .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير { وأنزل الفرقان } أي الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره . وفي قوله { إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام } أي أن الله منتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ، ومعرفته بما جاء منه فيها . وفي قوله { إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء } أي قد علم ما يريدون ، وما يكيدون ، وما يضاهون بقولهم في عيسى . إذ جعلوه رباً ، وإلهاً ، وعندهم من علمه غير ذلك ، غرة بالله وكفراً به { هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء } قد كان عيسى ممن صور في الأرحام لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه ، كما صور غيره من بني آدم فكيف يكون إلهاً وقد كان بذلك المنزل؟
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في قوله { يصوركم في الأرحام كيف يشاء } قال : ذكوراً وإناثاً .
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح وعن ابن عباس عن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة . في قوله { هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء } قال : إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوماً ، ثم تكون علقة أربعين يوماً ، ثم تكون مضغة أربعين يوماً . فإذا بلغ أن يخلق ، بعث الله ملكاً يصوّرها فيأتي الملك بتراب بين اصبعيه ، فيخلط فيه المضغة ، ثم يعجنه بها ، ثم يصوّره كما يؤمر ، ثم يقول أذكر أم أنثى ، أشقي أم سعيد ، وما رزقه ، وما عمره ، وما أثره ، وما مصائبه؟ فيقول الله . . . ويكتب الملك . فإذا مات ذلك الجسد دفن حيث أخذ ذلك التراب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء } قال : من ذكر ، وأنثى ، وأحمر ، وأبيض ، وأسود ، وتام ، وغير تام الخلق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { العزيز الحكيم } قال : العزيز في نقمته إذا انتقم ، الحكيم في أمره .(2/277)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال : { المحكمات } ناسخه ، وحلاله ، وحرامه ، وحدوده؛ وفرائضه ، وما يؤمن به و { المتشابهات } منسوخه ، ومقدمه ، ومؤخره ، وأمثاله ، وأقسامه ، وما يؤمن به ولا يعمل به .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال : { المحكمات } الناسخ الذي يدان به ويعمل به . { المتشابهات } المنسوخات التي لا يدان بهن .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن عبدالله بن قيس : سمعت ابن عباس يقول في قوله { منه آيات محكمات } قال : الثلاث آيات من آخر سورة الأنعام محكمات { قل تعالوا . . . } [ الأنعام : 151 - 153 ] والآيتان بعدها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله { آيات محكمات } قال : من ههنا { قل تعالوا . . . } [ الأنعام : 151 - 153 ] . إلى آخر ثلاث آيات . ومن ههنا { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه . . . } [ الإسراء : 23 - 25 ] إلى ثلاث آيات بعدها .
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة بن مسعود وناس من الصحابة { المحكمات } الناسخات التي يعمل بهن { والمتشابهات } المنسوخات .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال { المحكمات } الحلال والحرام .
وأخرج عبد بن حميد والفريابي عن مجاهد قال { المحكمات } ما فيه الحلال والحرام ، وما سوى ذلك منه متشابه يصدق بعضه بعضاً . مثل قوله { وما يضل به إلا الفاسقين } [ البقرة : 26 ] ومثل قوله { كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } [ الأنعام : 125 ] ومثل قوله { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } [ محمد : 17 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال { المحكمات } هي الآمرة الزاجرة .
وأخرج عبد بن حميد وابن الضريس وابن جرير وابن أبي حاتم عن إسحق بن سويد ، أن يحيى بن يعمر ، وأبا فاختة . تراجعا هذه الآية { هنَّ أم الكتاب } فقال أبو فاختة : هن فواتح السور ، منها يستخرج القرآن { الم ذلك الكتاب } منها استخرجت البقرة ، و { الم ، الله لا إله إلا هو الحي القيوم } منها استخرجت آل عمران ، قال يحيى : هن اللاتي فيهن الفرائض ، والأمر والنهي ، والحلال والحدود ، وعماد الدين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { هنَّ أم الكتاب } قال : أصل الكتاب ، لأنهن مكتوبات في جميع الكتب .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير قال { المحكمات } حجة الرب ، وعصمة العباد ، ودفع الخصوم والباطل ، ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعت عليه { وأخر متشابهات } في الصدق لهن تصريف وتحريف وتأويل ، ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام ، لا يصرفن إلى الباطل ، ولا يحرفن عن الحق .(2/278)
وأخرج ابن جرير عن مالك بن دينار قال : سألت الحسن عن قوله { أم الكتاب } قال : الحلال والحرام قلت له ف { الحمد لله رب العالمين } [ الفاتحة : 1 ] قال : هذه أم القرآن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : إنما قال { هن أم الكتاب } لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهن { وأخر متشابهات } يعني فيما بلغنا { الم } و ( المص ) و ( المر ) و ( الر ) .
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال { المتشابهات } آيات في القرآن يتشابهن على الناس إذا قرأوهن . ومن أجل ذلك يضل من ضل ، فكل فرقة يقرؤون آية من القرآن يزعمون أنها لهم ، فمنها يتبع الحرورية من المتشابه قول الله { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } [ المائدة : 44 ] ثم يقرؤون معها { والذين كفروا بربهم يعدلون } [ الأنعام : 1 ] فإذا رأوا الامام يحكم بغير الحق قالوا : قد كفر فمن كفر عدله بربه ، ومن عدل بربه فقد أشرك بربه . فهؤلاء الأئمة مشركون .
وأخرج البخاري في التاريخ وابن جرير من طريق ابن إسحق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله بن رباب قال « مر أبو ياسر بن أخطب ، فجاء رجل من يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة { الم ذلك الكتاب لا ريب فيه } .
فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود ، فقال أتعلمون؟ والله لقد سمعت محمداً يتلو فيما أنزل عليه { الم ، ذلك الكتاب } فقال : أنت سمعته قال : نعم . فمشى حتى وافى أولئك النفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : الم تقل إنك تتلو فيما أنزل عليك { الم ، ذلك الكتاب } ؟ فقال : بلى ، فقالوا : لقد بعث بذلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مده ملكه ، وما أجل أمته غيرك . الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهذه إحدى وسبعون سنة .
ثم قال : يا محمد هل مع هذا غيره؟ قال : نعم . ( المص ) قال : هذه أثقل وأطول! الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد تسعون ، هذه إحدى وثلاثون ومائة . هل مع هذا غيره؟ قال : نعم . ( الر ) قال : هذه أثقل وأطول! الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والراء مائتان . هذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة . هل مع هذا غيره؟ قال : نعم . ( المر ) قال : هذه أثقل وأطول . هذه إحدى وسبعون ومائتان . ثم قال : لقد لبس علينا أمرك حتى ما ندري أقليلاً أعطيت أم كثيراً! .
ثم قال : قوموا عنه . ثم قال أبو ياسر لأخيه ومن معه : ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد . إحدى وسبعون ، وإحدى وثلاثون ومائة ، وإحدى وثلاثون ومائتان ، وإحدى وسبعون ومائتان ، فذلك سبعمائة وأربع سنين! فقالوا : لقد تشابه علينا أمره ، فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } » .(2/279)
وأخرج يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وجابر بن رباب ، أن أبا ياسر بن أخطب مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ( فاتحة الكتاب ، والم ، ذلك الكتاب ) فذكر القصة . وأخرجه ابن المنذر في تفسيره من وجه آخر عن ابن جريج معضلاً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس { فأما الذين في قلوبهم زيغ } يعني أهل الشك . فيحملون المحكم على المتشابه ، والمتشابه على المحكم ، ويلبسون فلبس الله عليهم { وما يعلم تأويله إلا الله } قال : تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلا الله .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود { زيغ } قال : شك .
وأخرج عن ابن جريج قال { الذين في قلوبهم زيغ } المنافقون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { فيتبعون ما تشابه منه } قال : الباب الذي ضلوا منه وهلكوا فيه { ابتغاء تأويله } وفي قوله { ابتغاء الفتنة } قال : الشبهات .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والدارمي وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي حبان والبيهقي في الدلائل من طرق عن عائشة قالت « تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ } إلى قوله { أولوا الألباب } فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم . ولفظ البخاري : فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم . وفي لفظ لابن جرير : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه سمى الله فاحذروهم . وفي لفظ لابن جرير : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فلا تجالسوهم » .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه } قال : هم الخوارج . وفي قوله { يوم تبيض وجوه وتسودُّ وجوه } [ آل عمران : 106 ] قال : هم الخوارج .
وأخرج الطبراني عن أبي مالك الأشعري ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال : أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا ، وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذَّكَّرُ إلا أولوا الألباب } ، وأن يزداد علمهم فيضيعوه ولا يبالوا به » .(2/280)
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مما أتخوف على أمتي؛ أن يكثر فيهم المال حتى يتنافسوا فيه فيقتتلوا عليه ، وإن مما أتخوف على أمتي أن يُفْتَحَ لهم القرآن حتى يقرأه المؤمن والكافر والمنافق فيحل حلاله المؤمن » .
أما قوله تعالى : { ابتغاء تأويله } الآية .
أخرج أبو يعلى عن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن في أمتي قوماً يقرؤون القرآن ينثرونه نثر الدقل ، يتأوّلونه على غير تأويله » .
وأخرج ابن سعد وابن الضريس في فضائله وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على قوم يتراجعون في القرآن وهو مغضب فقال : بهذا صلت الأمم قبلكم ، باختلافهم على أنبيائهم ، وضرب الكتاب بعضه ببعض . قال : وإن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً ، ولكن نزل أن يصدق بعضه بعضاً ، فما عرفتم منه فاعلموا به ، وما تشابه عليكم فآمنوا به » .
وأخرج أحمد من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده « سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتدارأون فقال : إنما هلك من كان قبلكم بهذا ، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضاً ، فلا تكذبوا بعضه ببعض ، فما علمتم منه فقولوا ، وما جهلتم فَكِلُوه إلى عالِمِهِ » .
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وأبو نصر السجزي في الابانة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف . زاجر وآمر ، وحلال وحرام ، ومحكم ومتشابه وأمثال ، فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، وافعلوا ما أمرتم به ، وانتهوا عما نُهيتم عنه ، واعتبروا بأمثاله واعلموا بمحكمه ، وآمنوا بمتشابهه ، وقولوا { آمنا به كل من عند ربنا } » وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود . موقوفاً .
وأخرج الطبراني عن عمر بن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود « إن الكتب كان تنزل من السماء ، من باب واحد ، وأن القرآن نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف ، حلال وحرام ، ومحكم ومتشابه ، وضرب أمثال ، وآمر وزاجر ، فأحل حلاله ، وحرم حرامه ، واعمل بمحكمه ، وقف عند متشابهه ، واعتبر أمثاله ، فإن كلا من عند الله { وما يذّكَّر إلا أولوا الألباب } » .
وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد بسند واهٍ عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته : « أيها الناس قد بين الله لكم في محكم كتابه ما أحل لكم وما حرم عليكم . فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، وآمنوا بمتشابهه ، واعلموا بمحكمه ، واعتبروا بأمثاله » .(2/281)
وأخرج ابن الضريس وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود قال : أنزل القرآن على خمسة أوجه : حرام ، وحلال ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال . فأحل الحلال ، وحرم الحرام ، وآمن بالمتشابه ، واعمل بالمحكم ، واعتبر بالأمثال .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود قال : إن القرآن أنزل على نبيكم صلى الله عليه وسلم من سبعة أبواب على سبعة أحرف ، وأن الكتاب قبلكم كان ينزل من باب واحد على حرف واحد .
وأخرج ابن جرير ونصر المقدسي في الحجة عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نزل القرآن على سبعة أحرف . المراء في القرآن كفر . ما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم منه فردوه إلى عَالِمِهِ » .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أعربوا القرآن واتبعوا غرائبه ، وغرائبه فرائضه وحدوده . فإن القرآن نزل على خمسة أوجه : حلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال . فاعملوا بالحلال ، واجتنبوا الحرام ، واتبعوا المحكم ، وآمنوا بالمتشابه ، واعتبروا بالأمثال » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن القرآن ذو شجون ، وفنون ، وظهور ، وبطون . لا تنقضي عجائبه ، ولا تبلغ غايته . فمن أوغل فيه برفق نجا ، ومن أوغل فيه بعنف غوى . أخبار وأمثال وحرام وحلال ، وناسخ ومنسوخ ، ومحكم ومتشابه ، وظهر وبطن . فظهره التلاوة ، وبطنه التأويل . فجالسوا به العلماء ، وجانبوا به السفهاء ، وإياكم وزلة العالم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع أن النصارى قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ألست تزعم أن عيسى كلمة الله ، وروح منه؟ قال : بلى . قالوا : فحسبنا . . . فأنزل الله { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في كتاب الأضداد والحاكم وصححه عن طاوس قال : كان ابن عباس يقرؤها « وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به »
وأخرج أبو داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة عبد الله « وان حقيقة تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبن أبي مليكة قال : قرأت على عائشة هؤلاء الآيات فقالت : كان رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه { وما يعلم تأويله إلا الله } ولم يعلموا تأويله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي الشعثاء وأبي نهيك قالا : إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } فانتهى عملهم إلى قولهم الذي قالوا .(2/282)
وأخرج ابن جرير عن عروة قال { الراسخون في العلم } لا يعلمون تأويله ، ولكنهم يقولون { آمنا به كل من عند ربنا } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عمر بن عبد العزيز قال : انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا { آمنا به كل من عند ربنا } .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي قال : كتاب الله ما استبان منه فاعمل به ، وما اشتبه عليك فآمن به وَكِلْهُ إلى عالمه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : إن للقرآن مناراً كمنار الطريق ، فما عرفتم فتمسكوا به ، وما اشتبه عليكم فذروه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ قال : القرآن منار كمنار الطريق ولا يخفى على أحد ، فما عرفتم منه فلا تسألوا عنه أحداً ، وما شككتم فيه فكلوه إلى عالمه .
وأخرج ابن أبي جرير من طريق أشهب عن مالك في قوله { وما يعلم تأويله إلا الله } قال : ثم ابتدأ فقال { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } وليس يعلمون تأويله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أنس وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأبي الدرداء « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن { الراسخين في العلم } فقال : من برت يمينه ، وصدق لسانه ، واستقام قلبه ، ومن عف بطنه وفرجه . فذلك من الراسخين في العلم » .
وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن يزيد الأودي . « سمعت أنس بن مالك يقول سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من { الراسخون في العلم } ؟ قال : » من صدق حديثه ، وبر في يمينه ، وعف بطنه وفرجه . فذلك { الراسخون في العلم } « » .
وأخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : تفسير القرآن على أربعة وجوه : تفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعذر الناس بجهالته من حلال أو حرام ، وتفسير تعرفه العرب بلغتها ، وتفسير لا يعلم تأويله إلا الله . من ادعى علمه فهو كاذب .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أُنْزِلَ القرآن على سبعة أحرف : حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير تفسره العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلا الله . ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : أنا ممن يعلم تأويله .
وأخرج ابن جرير عن الربيع « والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { يقولون آمنا به } نؤمن بالمحكم وندين به ، ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به .(2/283)
وهو من عند الله كله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { كل من عند ربنا } يعني ما نسخ منه وما لم ينسخ .
وأخرج الدارمي في مسنده ونصر المقدسي في الحجة عن سليمان بن يسار ، أن رجلاً يقال له صيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه عمر وقد أَعَدَّ له عراجين النخل فقال : من أنت؟ فقال : أنا عبدالله صبيغ فقال : وأنا عبدالله عمر . فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين ، فضربه حتى دمى رأسه فقال : يا أمير المؤمنين حسبك . . . قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي .
وأخرج الدارمي عن نافع ، إن صبيغاً العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر ، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب ، فلما أتاه أرسل عمر إلى رطائب من جريد ، فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة ، ثم تركه حتى برئ ، ثم عاد له ، ثم تركه حتى برئ ، فدعا به ليعود له فقال صبيغ : إن كنت تريد قتلي فاقتلني جميلاً ، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت . فأذن له إلى أرضه ، وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالسه أحد من المسلمين .
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس . أن عمر بن الخطاب جلد صبيغاً الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتى اطردت الدماء في ظهره .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف ونصر المقدسي في الحجة وابن عساكر عن السائب بن يزيد ، أن رجلاً قال لعمر : إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن . فقال عمر : اللهم أمكني منه . فدخل الرجل يوماً على عمر فسأله ، فقام عمر ، فحسر عن ذراعيه ، وجعل يجلده ثم قال : ألبسوه تباناً واحملوه على قتب ، وابلغوا به حيه ، ثم ليقم خطيب فليقل أن صبيغاً طلب العلم فاخطأه ، فلم يزل وضيعاً في قومه بعد أن كان سيداً فيهم .
وأخرج نصر المقدسي في الحجة وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي ، إن عمر كتب إلى أهل البصرة ، أن لا يجالسوا صبيغاً ، قال : فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا .
وأخرج ابن عساكر عن محمد بن سيرين قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالس صبيغاً ، وأن يحرم عطاءه ورزقه .
وأخرج نصر في الحجة وابن عساكر عن زرعة قال : رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب ، يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه ، فتناديهم الحلقة الأخرى : عزمة أمير المؤمنين عمرن فيقومون ويدعونه .
وأخرج نصر في الحجة عن أبي إسحق ، أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري .(2/284)
أما بعد . . . فإن الأصبغ تكلف ما يخفى وضيع ما ولي ، فإذا جاءك كتابي هذا فلا تبايعوه ، وإن مرض فلا تعودوه ، وإن مات فلا تشهدوه .
وأخرج الهروي في ذم الكلام عن الإِمام الشافعي رضي الله عنه قال : حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ ، أن يضربوا بالجريد ، ويحملوا على الإِبل ، ويطاف بهم في العشائر والقبائل ، وينادى عليهم؛ هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة ، وأقبل على علم الكلام .
وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطاب قال : إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بشبهات القرآن ، فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله .
وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمرو « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القرآن . هذا ينزع بآية ، وهذا ينزع بآية . فكأنما فقىء في وجهه حب الرمان فقال : ألهذا خلقتم ، أو لهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، انظروا ما أمرتم به فاتبعوه ، وما نهيتم عنه فانتهوا » .
وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الجدال في القرآن كفر » .
وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال : « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن وراء حجرته قوم يتجادلون في القرآن . فخرج محمرة وجنتاه كأنما تقطران دماً فقال : يا قوم لا تجادلوا بالقرآن ، فإنما ضَلَّ من كان قبلكم بجدالهم ، إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً ولكن نزل ليصدق بعضه بعضاً ، فما كان من محكمه فاعملوا به ، وما كان من متشابهه فآمنوا به » .
وأخرج نصر في الحجة عن أبي هريرة قال : كنا عند عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل يسأله عن القرآن أمخلوق هو أو غير مخلوق؟ فقام عمر فأخذ بمجامع ثوبه حتى قاده إلى علي بن أبي طالب فقال : يا أبا الحسن أما تسمع ما يقول هذا؟ قال : وما يقول؟! قال : جاءني يسألني عن القرآن أمخلوق هو أو غير مخلوق . فقال علي : هذه كلمة وسيكون لها ثمرة ، لو وَليتُ من الأمر ما وَلِيتَ ضربت عُنقَه .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { فأما الذين في قلوبهم زيغ . . . } الآية قال : طلب القوم التأويل فأخطأوا التأويل وأصابوا الفتنة واتبعوا ما تشابه منه فهلكوا بين ذلك .
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن مجاهد قال : الراسخون في العلم يعلمون تأويله ، ويقولون آمنا به .(2/285)
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أم سلمة « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . ثم قرأ { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا . . . } الآية » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول : اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . قلت : يا رسول الله وإن القلوب لتتقلب؟! قال : نعم . ما من خلق الله من بشر من بني آدم إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله ، فإن شاء الله أقامه ، وإن شاء أزاغه . فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب . قلت : يا رسول الله ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي . قال : بلى . قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن مردويه عن عائشة قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . قلت : يا رسول الله ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء! فقال : ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن ، إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه ، أما تسمعين قوله تعالى { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } » ولفظ ابن أبي شيبة « إذا شاء أن يقلبه إلى هدى قلبه ، وإذا شاء أن يقلبه إلى ضلال قلبه » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وحسنه وابن جرير عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . قالوا : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به ، فهل تخاف علينا؟ قال : نعم . قال : إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها » .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير والطبراني عن سبرة بن فاتك قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرب . فإذا شاء أقامه ، وإذا شاء أزاغه » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الإِخلاص والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي عبيدة بن الجراح « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن قلب ابن آدم مثل قلب العصفور يتقلب في اليوم سبع مرات » .(2/286)
وأخرج ابن أبي الدنيا في الإِخلاص عن أبي موسى قال : إنما سمي القلب قلباً لتقلبه . وإنما مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض .
وأخرج أحمد وابن ماجة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن هذا القلب كريشة بفلاة من الأرض تقيمها الريح ظهراً لبطن » .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في سننه عن أبي عبدالله الصنابحي ، أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر الصديق ، فصلى وراء أبي بكر المغرب ، فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين بأم القرآن ، وسورة من قصار المفصل . ثم قام في الركعة الثالثة ، فقرأ بأم القرآن ، وهذه الآية { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } .
وأخرج ابن جرير والطبراني في السنة والحاكم وصححه عن جابر قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك . قلنا : يا رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بك؟ فقال : إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد ، يقول به هكذا . ولفظ الطبراني : إن قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الله عز وجل ، فإذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه » .
وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجة وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن النّواس بين سمعان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « الميزان بيد الرحمن . يرفع أقواماً ويضع آخرين إلى يوم القيامة ، وقلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن . إذا شاء أقامه ، وإذا شاء أزاغه ، وكان يقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك » .
وأخرج الحاكم وصححه عن المقداد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لقلب ابن آدم أشد انقلاباً من القدر إذ اجتمع غلياناً » .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله { ربنا لا تزغ قلوبنا } أي لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأجسادنا .
وأخرج ابن سعد في طبقاته عن أبي عطاف أن أبا هريرة كان يقول : أي رب لا أزنين ، أي رب لا أسرقن ، أي رب لا أكفرن . قيل له : أو تخاف؟ قال : آمنت بمحرف القلوب ثلاثاً .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي الدرداء قال : كان عبدالله بن رواحة إذا لقيني قال : اجلس يا عويمر فلنؤمن ساعة ، فنجلس فنذكر الله على ما يشاء . ثم قال : يا عويمر هذه مجالس الإِيمان ، إن مثل الإِيمان ومثلك كمثل قميصك بينا أنت قد نزعته إذ لبسته ، وبينا أنت قد لبسته إذ نزعته . يا عويمر للقلب أسرع تقلباً من القِدر ، إذا استجمعت غلياناً .(2/287)
وأخرج الحكيم الترمذي من طريق عتبة بن عبدالله بن خالد بن معدان عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما الإِيمان بمنزلة القميص ، مرة تقمصه ومرة تنزعه » .
وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري قال : ليأتين على الرجل أحايين وما في جلده موضع ابرة من النفاق ، وليأتين عليه أحايين وما في جلده موضع إبرة من إيمان .
وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال : « لا إله إلا أنت سبحانك اللهم إني أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك ، اللهم زدني علماً ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب » .
وأخرج مسلم والنسائي وابن جرير والبيهقي عن عبدالله بن عمرو « أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك » .
وأخرج الطبراني في السنة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل » .(2/288)
رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)
أخرج ابن النجار في تاريخه عن جعفر بن محمد الخلدي قال : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من قرأ هذه الآية على شيء ضاع منه رده الله عليه { ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد } اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني وبين مالي إنك على كل شيء قدير » .(2/289)
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كدأب آل فرعون } قال : كصنيع آل فرعون .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { كدأب آل فرعون } قال : كفعل .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد . مثله .
وأخرج ابن جرير عن الربيع { كدأب آل فرعون } يقول : كسنَّتهم .(2/290)
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)
أخرج ابن اسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب ما أصاب من بدر ورجع إلى المدينة ، جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال : يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشاً فقالوا : يا محمد لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً ولا يعرفون القتال ، إنك والله لو ما قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس ، وأنك لم تلق مثلنا . فأنزل الله { قل للذين كفروا ستغلبون } إلى قوله { لأولي الأبصار } » .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن عاصم بن عمر عن قتادة . مثله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : قال فنحاص اليهودي في يوم بدر : لا يغرن محمداً أن غلب قريشاً وقتلهم ، إن قريشاً لا تحسن القتال . فنزلت هذه الآية { قل للذين كفروا ستغلبون } .
وأخرج ابن جرير عن قتادة { قد كان لكم آية } عبرة وتفكر .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله } أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر { وأخرى كافرة } فئة قريش الكفار .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عكرمة قال : في أهل بدر نزلت { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } [ الأنفال : 7 ] وفيهم نزلت { سيهزم الجميع . . . } [ القمر : 45 ] الآية . وفيهم نزلت { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب } [ المؤمنون : 64 ] وفيهم نزلت { ليقطع طرفاً من الذين كفروا } [ آل عمران : 127 ] وفيهم نزلت { ليس لك من الأمر شيء } [ آل عمران : 128 ] وفيهم نزلت { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } [ إبراهيم : 28 ] وفيهم نزلت { ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء } [ الأنعام : 47 ] وفيهم نزلت { قد كان لكم آية في فئتين التقتا } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { قد كان لكم آية } يقول : قد كان لكم في هؤلاء عبرة ومتفكر . أيدهم الله ونصرهم على عدوّهم وذلك يوم بدر ، كان المشركون تسعمائة وخمسين رجلاً ، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة عشر رجلاً .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { قد كان لكم آيةٌ في فئتين } الآية . قال : هذا يوم بدر فنظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحداً . وذلك قول الله { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم } [ الأنفال : 44 ] .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قد كان لكم آية في فئتين . . . } الآية . قال : أنزلت في التخفيف يوم بدر على المؤمنين ، كانوا يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، وكان المشركون مثليهم ستة وعشرين وستمائة ، فأيد الله المؤمنين فكان هذا في التخفيف على المؤمنين .(2/291)
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس ، أن أهل بدر كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر . المهاجرون منهم خمسة وسبعون ، وكانت هزيمة بدر لسبع عشرة من رمضان ليلة جمعة .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { يؤيد بنصره من يشاء } قال : يقوي بنصره من يشاء قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول حسان بن ثابت رضي الله عنه :
برجال لستمو أمثالهم ... أيدوا جبريل نصراً فنزل(2/292)
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد قال : لما نزلت { زين للناس حب الشهوات . . . } إلى آخر الآية . قال عمر : الآن يا رب حين زينتها لنا فنزلت { قل أؤنبئكم . . . } [ آل عمران : 15 ] الآية كلها .
وأخرج ابن المنذر بلفظ حتى انتهى إلى قوله { قل أؤنبئكم بخير } [ آل عمران : 15 ] فبكى وقال : بعد ماذا . بعد ما زينتها .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سيار بن الحكم ، أن عمر بن الخطاب قرأ { زيِّن للناس . . . } الآية . ثم قال : الآن يا رب وقد زينتها في القلوب .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبدالله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن أسلم قال : رأيت عبدالله بن أرقم جاء إلى عمر بن الخطاب بحلية آنية وفضة فقال عمر : اللهم إنك ذكرت هذا المال . فقلت { زين للناس حب الشهوات } حتى ختم الآية وقلت { لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } [ الحديد : 23 ] وإنا لا أستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا ، اللهم فاجعلنا ننفقه في حق ، وأعوذ بك من شره .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { زين للناس . . . } الآية . قال من زينها؟ ما أحد أشد لها ذماً من خالقها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله تعالى عنه في قوله { زين للناس . . . } الآية . قال : زين لهم الشيطان .
قوله تعالى : { من النساء } .
أخرج النسائي وابن أبي حاتم والحاكم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « حبب إليَّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة » .
قوله تعالى : { والقناطير المقنطرة } .
أخرج أحمد وابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « القنطار اثنا عشر ألف أوقية » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال : « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله { والقناطير المقنطرة } قال : القنطار ألف أوقية » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « القنطار ألف دينار » .
وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { القنطار } ألف أوقية ومائتا أوقية » .
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { القنطار } ألف ومائتا دينار » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي الدرداء قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ مائتي آية بعث من القانتين ، ومن قرأ خمسمائة آية إلى ألف آية أصبح له قنطار من الأجر ، والقنطار مثل التل العظيم » .(2/293)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن معاذ بن جبل قال : القنطار ألف ومائتا أوقية .
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال : القنطار ألف ومائتا أوقية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن أبي هريرة مثله .
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال : القنطار اثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار .
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال : القنطار ألف ومائتا دينار من الفضة وألف ومائتا مثقال .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : القنطار ملء مسك الثور ذهباً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر ، أنه سئل ما القنطار؟ قال : سبعون ألفاً .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : القنطار سبعون ألف دينار .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب قال : القنطار ثمانون ألفاً .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال : القنطار مائة رطل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كنا نحدث أن القنطار مائة رطل من الذهب ، أو ثمانون ألفاً من الورق .
وأخرج الطستي عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { والقناطير } قال : أما قولنا أهل البيت فانا نقول : القنطار عشرة آلاف مثقال ، وأما بنو حسل فإنهم يقولون : ملء مسك ثور ذهباً أو فضة . قال : فهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت عدي بن زيد وهو يقول :
وكانوا ملوك الروم تجبى إليهم ... قناطيرها من بين قل وزائد
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر قال { القنطار } خمسة عشر ألف مثقال ، والمثقال أربعة وعشرون قيراطاً .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { القناطير المقنطرة } يعني المال الكثير من الذهب والفضة .
وأخرج عن الربيع { القناطير المقنطرة } المال الكثير بعضه على بعض .
وأخرج عن السدي { المقنطرة } يعني المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم .
قوله تعالى : { والخيل المسوّمة } .
أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس { والخيل المسوّمة } قال : الراعية . وأخرجه ابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عباس .
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس { والخيل المسوّمة } يعني معلمة .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس { والخيل المسوّمة } يعني معلمة .
وأخرج ابن أبي حاتم من الطريق عكرمة عن ابن عباس قال { الخيل المسوّمة } الراعية والمطهمة الحسان . ثم قرأ ( شجر فيه تسيمون ) .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { والخيل المسوّمة } قال : المطهمة الحسان .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال : تسويمها حسنها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول { والخيل المسومة } قال : الغرة والتحجيل .
أما قوله تعالى : { ذلك متاع الحياة الدنيا } .
أخرج مسلم وابن أبي حاتم عن ابن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة » .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { والله عنده حسن المآب } قال : حسن المنقلب . وهي الجنة .(2/294)
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول : اللهم زينت لنا الدنيا ، وأنبأتنا أن ما بعدها خير منها ، فاجعل حظنا في الذي هو خير وأبقى .(2/295)
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)
أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { الصابرين . . . } الآية . قال : ( الصابرون ) قوم صبروا على طاعة الله ، وصبروا عن محارمه ( والصادقون ) قوم صدقت نياتهم ، واستقامت قلوبهم وألسنتهم ، وصدقوا في السر والعلانية ( والقانتون ) هم المطيعون ( والمستغفرون بالأسحار ) هم أهل الصلاة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال { الصابرين } على ما أمر الله { والصادقين } في إيمانهم { والقانتين } يعني المطيعين { والمنفقين } يعني من أموالهم في حق الله { والمستغفرين بالأسحار } يعني المصلين .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم { والمستغفرين بالأسحار } قال : هم الذين يشهدون صلاة الصبح .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كان يحيي الليل صلاة ثم يقول : يا نافع أسحرنا فيقول : لا . فيعاود الصلاة فإذا قال : نعم . قعد يستغفر الله ويدعو حتى يصبح .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أنس بن مالك قال « أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستغفر بالأسحار سبعين استغفارة » .
وأخرج ابن جرير عن جعفر بن محمد قال : من صلى من الليل ثم استغفر في آخر الليل سبعين مرة كتب من المستغفرين .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي سعيد الخدري قال : بلغنا أن داود عليه السلام سأل جبريل عليه السلام فقال : يا جبريل أي الليل أفضل؟ قال : يا داود ما أدري إلا أن العرش يهتز في السحر .(2/296)
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)
أخرج ابن السني في عمل يوم وليلة وأبو منصور الشجامي في الأربعين عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن فاتحة الكتاب ، وآية الكرسي ، والآيتين من آل عمران { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، إن الدين عند الله الإسلام } و { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء } [ آل عمران : 26 ] إلى قوله { بغير حساب } هن معلقات بالعرش . ما بينهن وبين الله حجاب يقلن : يا رب تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك . قال الله : إني حلفت لا يقرأكن أحد من عبادي دبر كل صلاة يعني المكتوبة إلا جعلت الجنة مأواه على ما كان فيه ، وإلا أسكنته حظيرة الفردوس ، وإلا نظرت إليه كل يوم سبعين نظرة ، وإلا قضيت له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ، وإلا أعذته من كل عدوّ ونصرته منه » .
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعاً « لما نزلت { الحمد لله رب العالمين } [ الفاتحة : 1 ] ، وآية الكرسي ، و { شهد الله } ، و { قل اللهم مالك الملك } [ آل عمران : 26 ] إلى { بغير حساب } [ آل عمران : 27 ] تعلقن بالعرش وقلن : أنزلتنا على قوم يعملون بمعاصيك فقال : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني ، لا يتلوكن عبد عند دبر كل صلاة مكتوبة إلا غفرت له ما كان فيه ، وأسكنته جنة الفردوس ، ونظرت له كل يوم سبعين مرة ، وقضيت له سبعين حاجة أدناها المغفرة » .
وأخرج أحمد والطبراني وابن السني في عمل يوم وليلة وابن أبي حاتم عن الزبير بن العوّام قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية { شهد الله أنه لا إله إلا هو } إلى قوله { العزيز الحكيم } فقال : وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب . ولفظ الطبراني فقال : وأنا أشهد أنك لا إله إلا أنت العزيز الحكيم » .
وأخرج ابن عدي والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه والخطيب في تاريخه وابن النجار عن غالب القطان قال : أتيت الكوفة في تجارة ، فنزلت قريباً من الأعمش ، فلما كان ليلة أردت أن أنحدر قام فتهجد من الليل ، فمر بهذه الآية { شهد الله أنه لا إله إلا هو } إلى قوله { إن الدين عند الله الإِسلام } فقال : وأنا أشهد بما شهد الله به ، واستودع الله هذه الشهادة ، وهي لي وديعة عند الله . قالها مراراً فقلت : لقد سمع فيها شيئاً ، فسألته فقال : حدثني أبو وائل ، عن عبدالله قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يُجاءُ بصاحبها يوم القيامة فيقول الله : عبدي عهد إلي وأنا أحق من وفى بالعهد ، أدخلوا عبدي الجنة » .(2/297)
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن حمزة الزيات قال : خرجت ذات ليلة أريد الكوفة ، فآواني الليل إلى خربة فدخلتها ، فبينا أنا فيها دخل علي عفريتان من الجن فقال أحدهما لصاحبه : هذا حمزة بن حبيب الزيات الذي يقرىء الناس بالكوفة قال : نعم والله لأقتلنَّه قال : دعه . المسكين يعيش قال : لأقتلنه . فلما أزمع على قتلي قلت : بسم الله الرحمن الرحيم { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } وأنا على ذلك من الشاهدين فقال له صاحبه : دونك الآن فاحفظه راغماً إلى الصباح .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة عبدالله « شهد الله أن لا إله إلا هو » وفي قراءته { إن الدين عند الله الإسلام } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { قائماً بالقسط } قال : ربنا قائماً بالعدل .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس { بالقسط } قال : بالعدل .
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : فإن الله شهد هو ، والملائكة ، والعلماء من الناس { إن الدين عند الله الإِسلام } .
وأخرج عن محمد بن جعفر بن الزبير { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم } بخلاف ما قال نصارى نجران .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { إن الدين عند الله الإِسلام } قال : الإِسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، والإِقرار بما جاء به من عند الله . وهو دين الله الذي شرع لنفسه ، وبعث به رسله ، ودل عليه أولياءه . لا يقبل غيره ، ولا يجزي إلا به .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { إن الدين عند الله الإِسلام } قال : « لم أبعث رسولاً إلا بالإِسلام .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : كان حول البيت ستون وثلاثمائة صنم ، لكل قبيلة من قبائل العرب صنم أو صنمان . فأنزل الله { شهد الله أنه لا إله إلا هو . . . } الآية . قال : فأصبحت الأصنام كلها قد خرت سجداً للكعبة .
قوله تعالى : { وما اختلف } الآية .
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب } قال : بنو إسرائيل .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم } ويقول : بغيا على الدنيا ، وطلب ملكها وسلطانها ، فقتل بعضهم بعضاً على الدنيا من بعدما كانوا علماء الناس .
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : إن موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين حبراً من أحبار بني إسرائيل ، فاستودعهم التوراة ، وجعلهم أمناء عليه .(2/298)
كل حبر جزء منه ، واستخلف موسى عليه السلام يوشع بن نون ، فلما مضى القرن الأول ، ومضى الثاني ، ومضى الثالث ، وقعت الفرقة بينهم . وهم الذين أوتوا العلم من أبناء أولئك السبعين حتى أهرقوا بينهم الدماء ، ووقع الشر والاختلاف . وكان ذلك كله من قبل الذين أوتوا العلم بغيا بينهم على الدنيا ، طلباً لسلطانها وملكها وخزائنها وزخرفها ، فسلط الله عليهم جبابرتهم .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب } يعني النصارى { إلا من بعد ما جاءهم العلم } الذي جاءك أي أن الله الواحد الذي ليس له شريك .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { فإن الله سريع الحساب } قال إحصاؤه عليهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { فإن حَاجُّوك } قال : إن حاجَّكَ اليهود والنصارى .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج { فإن حاجُّوك } قال : اليهود والنصارى فقالوا : إن الدين اليهودية والنصرانية فقل يا محمد { أسلمت وجهي لله } .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير { فإن حاجُّوك } أي بما يأتون به من الباطل من قولهم : خلقنا ، وفعلنا ، وجعلنا ، وأمرنا ، فإنما هي شبهة باطل قد عرفوا ما فيها من الحق { فقل أسلمت وجهي لله } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { ومن اتبعن } قال : ليقل من اتبعك مثل ذلك .
وأخرج الحاكم وصححه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال « أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا نبي الله إني أسألك بوجه الله بم بعثك ربنا؟ قال : بالإسلام . . . قلت : وما آيته؟ قال : أن تقول { أسلمت وجهي لله } وتخليت ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة . كل مسلم على مسلم محرم أخوان نصيران ، لا يقبل الله من مسلم أشرك بعدما أسلم عملاً حتى يفارق المشركين إلى المسلمين ، ما لي آخذ بحجزكم عن النار . ألا إن ربي داعيّ ، ألا وإنه سائلي هل بلغت عبادي؟ وإني قائل : رب قد أبلغتهم ، فليبلغ شاهدكم غائبكم . ثم أنه تدعون مقدمة أفواهكم بالفدام ، ثم أوّل ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه . قلت : يا رسول الله هذا ديننا؟ قال : هذا دينكم وأينما تحسن يَكْفِكَ » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وقل للذين أوتوا الكتاب } قال : اليهود والنصارى { والأميين } قال : هم الذين لا يكتبون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع { فإن أسلموا فقد اهتدوا } قال : من تكلم بهذا صدقاً من قلبه يعني الإِيمان فقد اهتدى { وإن تولوا } يعني عن الإِيمان .(2/299)
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة بن الجراح قال « قلت يا رسول الله أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ قال : رجل قتل نبياً ، أو رجل أمر بالمنكر ونهى عن المعروف . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس } إلى قوله { وما لهم من ناصرين } ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة رجل وسبعون رجلاً من عباد بني إسرائيل ، فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعاً من آخر النهار من ذلك اليوم ، فهم الذين ذكر الله » . وأخرج ابن أبي الدنيا فيمن عاش بعد الموت وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : بعث عيسى يحيى في اثني عشر رجلاً من الحواريين يعلمون الناس ، فكان ينهى عن نكاح بنت الأخ ، وكان ملك له بنت أخ تعجبه ، فأرادها وجعل يقضي لها كل يوم حاجة فقالت لها أمها : إذا سألك عن حاجتك ، فقولي : حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريا فقال الملك : حاجتك . . . ؟ قالت حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريا . فقال سلي غير هذا . قالت : لا أسألك غير هذا . فلما أبت أمر به فذبح في طست ، فبدرت قطرة من دمه فلم تزل تغلي حتى بعث الله بختنصر ، فدلت عجوز عليه فألقى في نفسه أن لا يزال يقتل حتى يسكن هذا الدم ، فقتل في يوم واحد ، من ضرب واحد ، وسن واحد ، سبعين ألفاً فسكن .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن معقل بن أبي مسكين في الآية قال : كان الوحي يأتي بني إسرائيل فيذكرون قومهم ولم يكن يأتيهم كتاب فيقتلون ، فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدقهم فيذكرون قومهم فيقتلون . فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله { ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس } قال : هؤلاء أهل الكتاب . كان أتباع الأنبياء ينهونهم ويذكرونهم بالله فيقتلونهم .
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : أقحط الناس في زمان ملك من ملوك بني إسرائيل فقال الملك : ليرسلن علينا السماء أو لنؤذينه فقال له جلساؤه : كيف تقدر على أن تؤذيه أو تغيظه وهو في السماء؟ قال : اقتل أولياءه من أهل الأرض ، فيكون ذلك أذى له . قال : فأرسل الله عليهم السماء .
وأخرج ابن عساكر من طريق زيد بن أسلم عن ابن عباس في قول الله { إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم } قال : الذين يأمرون بالقسط من الناس ولاة العدل ، عثمان وأضرابه .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة عبدالله « إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس » .(2/300)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)
أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال « دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له النعمان بن عمرو ، والحرث بن زيد : على أي دين أنت يا محمد؟ قال : على ملة إبراهيم ودينه قالا : فإن إبراهيم كان يهودياً فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهلُّما إلى التوراة فهي بيننا وبينكم ، فأبيا عليه ، فأنزل الله { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم } إلى قوله { وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون } » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ألم تر إلى الذين أوتوا . . . } الآية . قال : هم اليهود دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم ، وإلى نبيه وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة ثم تولوا عنه وهم معرضون .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في الآية قال : كان أهل الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم بالحق وفي الحدود ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإِسلام فيتولون عن ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { نصيباً } قال : حظاً { من الكتاب } قال : التوراة .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات } قال : يعنون الأيام التي خلق الله فيها آدم عليه السلام .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة { وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون } حين قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون } قال : غرهم قولهم { لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وَوُفِّيَتْ } يعني تُوَفَّى كلُّ نفس برٍ وفاجرٍ { ما كسبت } ما عملت من خير أو شر { وهم لا يظلمون } يعني من أعمالهم .(2/301)
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال « ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل له ملك فارس والروم في أمته . فأنزل الله { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء . . . . } الآية » .
وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال « جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد سل ربك { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء } إلى قوله { وترزق من تشاء بغير حساب } ثم جاءه جبريل فقال : يا محمد فسل ربك { قل رب أدخلني مدخل صدق . . . } [ الإسراء : 8 ] الآية . فسأل ربه بقول الله تعالى فأعطاه ذلك » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في هذه الآية من آل عمران { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء . . . } إلى آخر الآية » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : اسم الله الأعظم { قل اللهم مالك الملك } إلى قوله { بغير حساب } .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الدعاء عن معاذ بن جبل قال : « شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ديناً كان عليَّ فقال : يا معاذ أتحب أن يقضى دينك؟ قلت : نعم . قال { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، تعطي منهما ما تشاء ، وتمنع منهما ما تشاء ، اقض عني ديني فلو كان عليك ملء الأرض ذهباً أدي عنك » .
وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتقده يوم الجمعة ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى معاذاً فقال : يا معاذ ما لي لم أرك؟ فقال اليهودي عليَّ وقية من تبر ، فخرجت إليك فحسبني عنك فقال : ألا أعلمك دعاء تدعو به فلو كان عليك من الدين مثل صبير أداه الله عنك ، فادع الله يا معاذ { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزُّ من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب } رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، تعطي من تشاء منهما وتمنع من تشاء منهما ، ارحمني رحمة تغنني بها عن رحمة من سواك ، اللهم أغنني من الفقر ، واقض عني الدين ، وتوفني في عبادتك وجهاد في سبيلك » .(2/302)
وأخرج الطبراني في الصغير بسند جيد عن أنس بن مالك قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ : ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد ديناً لأداه الله عنك؟ قل يا معاذ { اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { تؤتي الملك من تشاء } قال : النبوة .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير { قل اللهم مالك الملك } أي رب العباد الملك لا يقضي فيهم غيرك { تؤتي الملك من تشاء } أي أن ذلك بيدك لا إلى غيرك { إنك على كل شيء قدير } أي لا يقدر على هذا غيرك بسلطانك وقدرتك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } قال : يأخذ الصيف من الشتاء ويأخذ الشتاء من الصيف { وتخرج الحي من الميت } يخرج الرجل الحي من النطفة الميتة { وتخرج الميت من الحي } يخرج النطفة الميتة من الرجل الحي .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن مسعود في قوله { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } قال : قصر أيام الشتاء في طول ليله ، وقصر ليل الصيف في طول نهاره .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } قال : ما نقص من الليل يجعله في النهار وما نقص من النهار يجعله في الليل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { تولج الليل في النهار } حتى يكون الليل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات { وتولج النهار في الليل } حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } قال : أخذ أحدهما من صاحبه .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل } قال : يأخذ النهار من الليل حتى يكون أطول منه ويأخذ الليل من النهار حتى يكون أطول منه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { تخرج الحي من الميت } قال : يخرج النطفة الميتة من الحي ، ثم يخرج من النطفة بشراً حياً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } قال : الناس الأحياء من النطف والنطف ميتة تخرج من الناس الأحياء ، ومن الأنعام والنبات كذلك .(2/303)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة { تخرج الحي من الميت } قال : هي البيضة تخرج من الحي وهي ميتة ثم يخرج منها الحي .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة { تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } قال : النخلة من النواة والنواة من النخلة ، والحبة من السنبلة والسنبلة من الحبة .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك . مثله .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن { تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، والمؤمن عبد حي الفؤاد والكافر عبد ميت الفؤاد .
وأخرج سعد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات وأبو الشيخ في العظمة عن سلمان قال : خمر الله طينة آدم أربعين يوماً ، ثم وضع يده فيه فارتفع على هذه كل طيب ، وعلى هذه كل خبيث ، ثم خلط بعضه ببعض ، ثم خلق منها آدم . فمن ثم { تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن .
وأخرج ابن مردويه من طريق أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما خلق الله آدم عليه السلام أخرج ذريته فقبض قبضة بيمينه فقال : هؤلاء أهل الجنة ولا أبالي ، وقبض بالأخرى قبضة فجاء فيها كل رديء فقال : هؤلاء أهل النار ولا أبالي ، فخلط بعضهم ببعض فيخرج الكافر من المؤمن ويخرج المؤمن من الكافر » فذلك قوله { تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } .
وأخرج ابن مردويه من طريق أبي عثمان النهدي « عن ابن مسعود أو عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم { تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } قال : المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن » .
وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق الزهري في قوله { تخرج الحي من الميت } عن عبدالله بن عبدالله « أن خالدة ابنة الأسود بن عبد يغوث دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من هذه؟ قيل : خالدة بنت الأسود قال : سبحان الله الذي يخرج الحي من الميت » وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافراً
. وأخرج ابن مسعود من طريق أبي سلمة بن عبدالرحمن عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم . مثله .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ « يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي » خفيفة .(2/304)
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن وثاب ، أنه قرأ « يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي » وقرأ { إلى بلد ميت } [ فاطر : 9 ] مثقلات كلهن .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { وترزق من تشاء بغير حساب } قال : لا يخرجه بحساب يخاف أن ينقص ما عنده . أن الله لا ينقص ما عنده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران { بغير حساب } قال : غدقاً .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير { تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } أي بتلك القدرة التي تؤتي الملك بها من تشاء وتنزعها ممن تشاء { وترزق من تشاء بغير حساب } لا يقدر على ذلك غيرك ، ولا يصنعه إلا أنت . أي وإن كنت سلطت عيسى عليه السلام على الأشياء التي تزعمونه إنه إله . من إحياء الموتى ، وإبراء الأسقام ، وخلق الطير من الطين ، والخبر عن الغيوب لأجعله به آية للناس ، وتصديقاً له في نبوته التي بعثته بها إلى قومه ، فإن من سلطاني وقدرتي ما لم أعطه . تمليك الملوك بأمر النبوّة ووضعها حيث شئت ، وإِيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل ، وإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي ، ورزق من شئت من بر وفاجر بغير حساب ، وكل ذلك لم أسلط عيسى عليه ولم أملكه إياه ، أفلم يكن لهم في ذلك عبرة وبينة أن لو كان له إلهاً كان ذلك كله إليه ، وهو في علمهم يهرب من الملوك ، وينتقل منهم في البلاد من بلد إلى بلد .(2/305)
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان الحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف ، وابن أبي الحقيق ، وقيس بن زيد ، قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر ، وعبدالله بن جبير ، وسعد بن خيثمة ، لأولئك النفر : اجتنبوا هؤلاء النفر من يهود واحذروا مباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم . فأبى أولئك النفر ، فأنزل الله فيهم { لا يتخذ المؤمنون الكافرين } إلى قوله { والله على كل شيء قدير } .
وأخرج ابن جرير وأبي المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال : نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار ويتخذوهم وليجة من دون المؤمنين ، إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين أولياء ، فيظهرون لهم اللطف ، ويخالفونهم في الدين . وذلك قوله { إلا أن تتقوا منهم تقاة } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء } فقد برىء الله منه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { إلا أن تتقوا منهم تقاة } فالتقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية لله فيتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإِيمان ، فإن ذلك لا يضره إنما التقية باللسان .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق عطاء عن ابن عباس { إلا أن تتقوا منهم تقاة } قال { التقاة } التكلم باللسان والقلب مطمئن بالإِيمان ، ولا يبسط يده فيقتل ولا إلى إثم فإنه لا عذر له .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { إلا أن تتقوا منهم تقاة } قال : إلا مصانعة في الدنيا ومخالقة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال { التقية } باللسان وليس بالعمل .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة { إلا أن تتقوا منهم تقاة } قال : إلا أن يكون بينك وبينه قرابة فتصله لذلك .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : { التقية } جائزة إلى يوم القيامة .
وأخرج عبد عن أبي رجاء أنه كان يقرأ « إلا تتقوا منهم تقية » .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه كان يقرؤها { إلا أن تتقوا منه تقية } بالياء .
وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم { إلا أن تتقوا منهم تقاة } بالألف ورفع التاء .(2/306)
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : أخبرهم أنه يعلم ما أسروا من ذلك وما أعلنوا فقال { إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً } يقول : موفراً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وما عملت من سوء تودُّ لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً } قال : يسر أحدهم أن لا يلقى عمله ذلك أبداً يكون ذلك مناة ، وأما في الدنيا فقد كانت خطيئة يستلذها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { أمداً بعيداً } قال : مكاناً بعيداً .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج { أمداً } قال : أجلاً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد } قال : من رأفته بهم حذرهم نفسه .(2/307)
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)
أخرج ابن جرير من طريق بكر بن الأسوف عن الحسن قال « قال قوم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد إنا نحب ربنا . فأنزل الله { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } فجعل أتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم علماً لحبه ، وعذاب من خالفه » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق أبي عبيدة الناجي عن الحسن قال « قال أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله يا محمد إنا لنحب ربنا ، فأنزل الله { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق عباد بن منصور قال » إن أقواماً كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يزعمون أنهم يحبون الله ، فأراد الله أن يجعل لقولهم تصديقاً من عمل فقال { إن كنتم تحبون الله . . . } الآية . فكان اتباع محمد صلى الله عليه وسلم تصديقاً لقولهم « .
وأخرج الحكيم الترمذي عن يحيى بن أبي كثير قال : قالوا إنا لنحب ربنا ، فامتحنوا . فأنزل الله { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : كان أقوام يزعمون أنهم يحبون الله ، يقولون : إنا نحب ربنا . فأمرهم الله أن يتبعوا محمداً ، وجعل أتباع محمد صلى الله عليه وسلم علماً لحبه .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رغب عن سنتي فليس مني ، ثم تلا هذه الآية { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله . . . } إلى آخر الآية « .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير { قل إن كنتم تحبون الله } أي إن كان هذا من قولكم في عيسى حباً لله وتعظيماً له { فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } أي ما مضى من كفركم { والله غفور رحيم } .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ابن عمر قال : » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يستكمل مؤمن إيمانه حتى يكون هواه تبعاً لما جئتكم به « .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء في قوله { إن كنتم تحبون الله فاتبعوني } قال : على البر والتقوى ، والتواضع ، وذلة النفس .
وأخرج الحكيم الترمذي وأبو نعيم والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } قال : على البر ، والتقوى ، والتواضع ، وذلة النفس .
وأخرج ابن عساكر عن عائشة في هذه الآية { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني } قالت : على التواضع ، والتقوى ، والبر ، وذلة النفس .(2/308)
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والحاكم عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء ، وأدناه أن يحب على شيء من الجور ، ويبغض على شيء من العدل . وهل الدين إلا الحب والبغض في الله » ؟ قال الله تعالى { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق حوشب عن الحسن في قوله { فاتبعوني يحببكم الله } قال : فكان علامة حبهم إياه اتباع سنة رسوله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة ، أنه سئل عن قوله « المرء مع من أحب فقال : ألم تسمع قول الله { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } يقول : بقربكم . والحب هو القرب ، والله لا يحب الكافرين ، لا يقرب الكافرين » .
وأخرج أبي جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير { قل أطيعوا الله والرسول } فإنهم يعرفونه . يعني الوفد من نصارى نجران ، ويجدونه في كتابهم { فإن تولوا } على كفرهم { فإن الله لا يحب الكافرين } .
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته ، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري . . . ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه » .(2/309)
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { وآل إبراهيم وآل عمران } قال : هم المؤمنون من آل إبراهيم ، وآل عمران ، وآل ياسين ، وآل محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : ذكر الله أهل بيتين صالحين ، ورجلين صالحين ، ففضلهم على العالمين ، فكان محمد صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم .
وأخرج ابن جرير وأبي أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : فضلهم الله على العالمين بالنبوّة على الناس كلهم ، كانوا هم الأنبياء الأتقياء المطيعين لربهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ذرية بعضها من بعض } قال : في النية ، والعمل ، والإخلاص ، والتوحيد .
وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ، أن علياً قال للحسن قم فاخطب الناس قال : إني أهابك أن أخطب وأنا أراك . فتغيب عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه ، فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه وتكلم . ثم نزل فقال علي رضي الله عنه { ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم } .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس في قوله { إن الله اصطفى } يعني اختار من الناس لرسالته { آدم ونوحاً وآل إبراهيم } يعني إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط { وآل عمران على العالمين } يعني اختارهم للنبوّة والرسالة على عالمي ذلك الزمان . فهم ذرية بعضها من بعض ، فكل هؤلاء من ذرية آدم ، ثم ذرية نوح ، ثم من ذرية إبراهيم { إذ قالت امرأة عمران } بن ماثان واسمها حنة بنت فاقوذ . وهي أم مريم { رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً } وذلك أن أم مريم حنة كانت جلست عن الولد والمحيض ، فبينما هي ذات يوم في ظل شجرة إذ نظرت إلى طير يزق فرخاً له ، فتحركت نفسها للولد ، فدعت الله أن يهب لها ولداً ، فحاضت من ساعتها ، فلما طهرت أتاها زوجها ، فلما أيقنت بالود قالت : لئن نجاني الله ووضعت ما في بطني لأجعلنه محرراً . وبنو ماثان من ملوك بني إسرائيل من نسل داود . والمحرر لا يعمل للدنيا ، ولا يتزوّج ، ويتفرغ لعمل الآخرة . يعبد الله تعالى ، ويكون في خدمة الكنيسة ، ولم يكن محرراً في ذلك الزمان إلا الغلمان . فقالت لزوجها : ليس جنس من جنس الأنبياء إلا وفيهم محرر غيرنا ، وإني جعلت ما في بطني نذيرة تقول : نذرت أن أجعله لله فهو المحرر . فقال زوجها : أرأيت أن كان الذي في بطنك أنثى والأنثى عورة - فكيف تصنعين؟ فاغتمت لذلك فقالت عند ذلك { رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك السميع العليم } يعني تقبل مني ما نذرت لك .(2/310)
{ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى } والأنثى عورة ، ثم قالت { وإني سميتها مريم } وكذلك كان اسمها عند الله { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } يعني الملعون ، فاستجاب الله لها ، فلم يقربها الشيطان ولا ذريتها عيسى .
قال ابن عباس « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل ولد آدم ينال منه الشيطان يطعنه حين يقع بالأرض بأصبعه لما يستهل ، إلا ما كان من مريم وابنها لم يصل إبليس إليهما » قال ابن عباس : لما وضعتها خشيت حنة أم مريم أن لا تقبل الأنثى محررة ، فلفتها في الخرقة ووضعتها في بيت المقدس عند القراء ، فتساهم القراء عليها لأنها كانت بنت إمامهم ، وكان إمام القراء من ولد هرون . أيهم يأخذها فقال زكريا وهو رأس الأحبار أنا آخذها وأنا أحقهم بها لأن خالتها عندي يعني أم يحيى فقال القراء : وإن كان القوم من هو أفقر إليها منك؟ ولو تركت لأحق الناس بها تركت لأبيها ولكنها محررة ، غير أنا نتساهم عليها فمن خرج سهمه فهو أحق بها ، فقرعوا ثلاث مرات بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي { أيهم يكفل مريم } يعني أيهم يقبضها فقرعهم زكريا .
وكانت قرعة أقلامهم أنهم جمعوها في موضع ثم غطوها فقالوا لبعض خذم بيت المقدس من الغلمان الذين لم يبلغوا الحلم : أدخل يدك فأخرج قلماً منها ، فأدخل يده فأخرج قلم زكريا فقالوا : لا نرضى ولكن نلقي الأقلام في الماء فمن خرج قلمه في جرية الماء ثم ارتفع فهو يكلفها . فألقوا أقلامهم في نهر الأردن ، فارتفع قلم زكريا في جرية الماء فقالوا : نقترع الثالثة فمن جرى قلمه مع الماء فهو يكلفها . فألقوا أقلامهم ، فجرى قلم زكريا مع الماء ، وارتفعت أقلامهم في جرية الماء وقبضها عند ذلك زكريا . فذلك قوله { وكفلها زكريا } يعني قبضها ثم قال { فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً } يعني رباها تربية حسنة في عبادة وطاعة لربها حتى ترعرعت ، وبنى لها زكريا محراباً في بيت المقدس ، وجعل له بابه في وسط الحائط لا يصعد إليها إلا بسلم .
وكان استأجر لها ظِئْراً ، فلما تم لها حولان فطمت وتحركت ، فكان يغلق عليها الباب والمفتاح معه لا يأمن عليه أحداً ، لا يأتيها بما يصلحها أحد غيره حتى بلغت « .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن عكرمة قال : اسم أم مريم حنة .
وأخرج الحاكم عن أبي هريرة قال : حنة ولدت مريم أم عيسى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { نذرت لك ما في بطني محرراً } قال : كانت نذرت أي تجعله في الكنيسة يتعبد بها ، وكانت ترجو أن يكون ذكراً .(2/311)
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : نذرت أي تجعله محرراً للعبادة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { محرراً } قال : خادماً للبيعة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد في قوله { محرراً } قال : خالصاً لا يخالطه شيء من أمر الدنيا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها ، وكانوا إنما يحررون الذكور ، وكان المحرر إذا حرر جعل في الكنيسة لا يبرحها ، يقوم عليها ويكنسها ، وكانت المرأة لا تستطيع أن تصنع بها ذلك لما يصيبها من الأذى ، فعند ذلك قالت { وليس الذكر كالأنثى } .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { محرراً } قال : جعلته لله والكنيسة فلا يحال بينه وبين العبادة .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال : كانت المرأة في زمان بني إسرائيل إذا ولدت غلاماً أرضعته حتى إذا أطاق الخدمة دفعته إلى الذين يدرسون الكتب ، فقالت : هذا محرر لكم يخدمكم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : إن امرأة عمران كانت عجوزاً عاقراً تسمى ، حنة ، وكانت لا تلد ، فجعلت تغبط النساء لأولادهن فقالت : اللهم إن عليَّ نذراً شكراً إن رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس ، فيكون من سدنته وخدامه { فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى . . . وليس الذكر كالأنثى } يعني في المحيض ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال ، ثم خرجت أم مريم تحملها في خرقتها إلى بني الكاهن ابن هارون أخي موسى قال : وهم يومئذ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة فقالت لهم : دونكم هذه النذيرة فإني حررتها وهي ابنتي ولا يدخل الكنيسة حائض ، وأنا لا أردها إلى بيتي فقالوا : هذه ابنة إمامنا وكان عمران يؤمهم في الصلاة فقال زكريا : ادفعوها إليَّ فإن خالتها تحتي فقالوا : لا تطيب أنفسنا بذلك . فذلك حين اقترعوا عليها بالأقلام التي يكتبون بها التوراة ، فقرعهم زكريا فكفلها .
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس أنه كان يقرأ { والله أعلم بما وضعت } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قرأ { بما وضعت } برفع التاء .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه كان يقرؤها برفع التاء .
وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد عن سفيان بن حسين { والله أعلم بما وضعت } قال : على وجه الشكاية إلى الرب تبارك وتعالى .
وأخرج عبد بن حميد عن الأسود أنه كان يقرؤها { والله أعلم بما وضعت } بنصب العين .(2/312)
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم أنه كان يقرؤها { والله أعلم بما وضعت } بنصب العين .
أما قوله تعالى : { وإني أعيذها } الآية .
أخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وابن جرير وأبي المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد ، فيستهل صارخاً من مس الشيطان إياه ، إلا مريم وابنها » ثم قال أبو هريرة : واقرأوا إن شئتم { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كل مولود من ولد آدم له طعنة من الشيطان وبها يستهل الصبي ، إلا ما كان من مريم بنت عمران وولدها ، فإن أمها قالت حين وضعتها { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } فضرب بينهما حجاب ، فطعن في الحجاب »
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مولود يولد إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين إلا عيسى ابن مريم ومريم . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } » .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : ما ولد مولود إلا قد استهل غير المسيح ابن مريم لم يسلط عليه الشيطان ولم ينهزه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن وهب بن منبه قال : لما ولد عيسى عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا : أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها فقال : هذا حدث مكانكم . فطار حتى جاب خافقي الأرض فلم يجد شيئاً ، ثم جاء البحار فلم يقدر على شيء ، ثم طار أيضاً فوجد عيسى عليه السلام قد ولد عند مدود حمار ، وإذا الملائكة قد حفَّت حوله ، فرجع إليهم فقال إليهم فقال : إن نبياً قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها إلا هذا . فأيسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } قال : « ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل بني آدم طعن الشيطان في جنبه إلا عيسى ابن مريم وأمه ، جعل بينهما وبينه حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ إليهما شيء . وذكر لنا أنهما كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبه سائر بني آدم .
وذكر لنا أن عيسى عليه السلام كان يمشي على البحر كما يمشي على البر ، مما أعطاه الله من اليقين والإِخلاص » .
وأخرج ابن جرير عن الربيع { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } قال : « إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل آدمي طعن الشيطان في جنبه غير عيسى وأمه كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبها بنو آدم قال : وقال عيسى عليه السلام فيما يثني على ربه : وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم فلم يكن له علينا سبيل » .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : لولا أنها قالت { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } إذن لم تكن لها ذرية .(2/313)
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { فتقبلها ربها بقبول حسن } قال : تقبل من أمها ما أرادت بها الكنيسة فأجرها فيه { وأنبتها نباتاً حسناً } قال : نبتت في غذاء الله .
وأخرج ابن جرير عن الربيع وكفلها زكريا قال : ضمها إليه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كفلها زكريا فدخل عليها المحراب فوجد عندها رزقاً عنباً في مكتل في غير حينه { قال أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } قال : إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولداً { هنالك دعا زكريا ربه } فلما بشر بيحيى قال { رب اجعل لي آية قال آيتك ألاَّ تكلم الناس } قال : يعتقل لسانك من غير مرض وأنت سوي .
وأخرج عبد بن حميد وآدم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله { وكفلها زكريا } قال : سهمهم بقلمه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كانت مريم ابنة سيدهم وإمامهم فتشاح عليها أحبارهم ، فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها ، وكان زكريا زوج خالتها . فكفلها وكانت عنده وحضنتها .
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود وابن عباس وناس مق الصحابة ، إن الذين كانوا يكتبون التوراة إذا جاؤوا إليهم بإنسان محرر واقترعوا عليه أيهم يأخذه فيعلمه ، وكان زكريا أفضلهم يومئذ ، وكان معهم ، وكانت أخت أم مريم تحته ، فلما أتوا بها قال لهم زكريا : أنا أحقكم بها ، تحتي أختها . قال : فخرجوا إلى نهر الأردن ، فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها أيهم يقوم قلمه فيكفلها ، فجرت الأقلام ، وقام قلم زكريا على قرنيه كأنه في طين فأخذ الجارية .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وكفلها زكريا } قال : جعلها معه في محرابه .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأها { وكفلها } مشددة { زكرياء } ممدودة مهموز منصوب .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس { وجد عندها رزقاً } قال : مكتلاً فيه عنب في غير حينه .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن جرير عن مجاهد { وجد عندها رزقاً } قال : عنباً في غير زمانه .
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن مجاهد { وجد عندها رزقاً } قال : فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف .
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد { وجد عندها رزقاً } قال : علماً .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وجد عندها رزقاً } قال : وجد عندها ثمار الجنة . فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف .(2/314)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وجد عندها رزقاً } قال : الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة عند أحد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك { أنَّى } يعني من أين .
وأخرج عن الضحاك { أنى لك هذا } يقول من أتاك بهذا .
وأخرج أبو يعلى عن جابر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياماً لم يطعم طعاماً حتى شق ذلك عليه ، فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئاً ، فأتى فاطمة فقال يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع؟ فقالت : لا والله . فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم ، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت : والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي ، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة طعام ، فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له : بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشيء قد خبأته لك فقال : هلمي يا بنية بالجفنة . فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً ، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله . فحمدت الله تعالى وقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه حمد الله وقال : من أين لك هذا يا بنية؟ قالت : يا أبت { هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } فحمد الله ثم قال : الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله رزقاً فَسُئِلَتْ عنه { قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } » .(2/315)
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما رأى ذلك زكريا يعني فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف عند مريم قال : إن الذي يأتي بهذا مريم في غير زمانه قادر أن يرزقني ولداً فذلك حين دعا ربه .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن الحسن قال : لما وجد زكريا عند مريم ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء يأتيها به جبريل قال لها : أنى لك هذا في غيره حينه؟ فقالت : هذا رزق من عند الله يأتي به الله { أن الله يرزق من يشاء بغير حساب } فطمع زكريا في الولد فقال : أن الذي أتى مريم بهذه الفاكهة في غير حينها لقادر أن يصلح لي زوجتي ، ويهب لي منها ولداً ، فعند ذلك { دعا زكريا ربه } وذلك لثلاث ليال بقين من المحرم . قام زكريا فاغتسل ثم ابتهل في الدعاء إلى الله قال : يا رازق مريم ثمار الصيف في الشتاء وثمار الشتاء في الصيف هب لي من لدنك يعني من عندك ذرية طيبة يعني تقيا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي { ذرية طيبة } يقول : مباركة .(2/316)
فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { فنادته الملائكة } قال : جبريل .
وأخرج ابن جرير عن عبدالرحمن بن أبي حماد قال : في قراءة ابن مسعود « فناداه جبريل وهو قائم يصلي في المحراب » .
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال : ذكروا الملائكة ثم تلا { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى } [ النجم : 27 ] وكان يقرأها « فناداه الملائكة » .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ « فناداه الملائكة » بالتاء .
وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم قال : كان عبد الله يذكر الملائكة في القرآن .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأ { فنادته الملائكة } بالتاء { أن الله } بنصب الألف { يبشرك } مثقلة .
قوله تعالى : { وهو قائم يصلي } .
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ثابت قال : الصلاة خدمة الله في الأرض ، ولو علم الله شيئاً أفضل من الصلاة ما قال { فنادته الملائكة وهو قائم يصلي } .
قوله تعالى : { في المحراب } .
أخرج ابن المنذر عن السدي . المحراب المصلى .
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عمرو « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا هذه المذابح . يعني المحاريب » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن موسى الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : اتقوا هذه المحاريب .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيد بن أبي الجعد قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون : أن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد . يعني الطاقات .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي ذر قال : أن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد .
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي . أنه كره الصلاة في الطاق .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم . أنه كان يكره الصلاة في الطاق .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد . أنه يكره المذابح في المساجد .
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب . أنه كره المذابح في المسجد .
وأخرج ابن جرير عن معاذ الكوفي قال : من قرأ { يبشر } مثقلة فإنه من البشارة ، ومن قرأ { يبشر } مخففة بنصب الباء فإنه من السرور .
وأخرج ابي جرير وابن المنذر عن قتادة قال : أن الملائكة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بيحيى .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { أن الله يبشرك بيحيى } قال : إنما سمي يحيى لأن الله أحياه بالإِيمان .(2/317)
وأخرج ابن عدي والدارقطني في الافراد والبيهقي وابن عساكر عن ابن مسعود مرفوعاً « خلق الله فرعون في بطن أمه كافراً ، وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً » .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { مصدقاً بكلمة من الله } قال : عيسى ابن مريم ، والكلمة يعني تكوّن بكلمة من الله .
وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن مجاهد قال : قالت امرأة زكريا لمريم : إني أجد الذي في بطني يتحرك للذي في بطنك ، فوضعت امرأة زكريا يحيى عليه السلام ، ومريم عيسى عليه السلام . وذلك قوله { مصدقاً بكلمة من الله } قال : يحيى مصدق بعيسى .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في قوله { مصدقاً بكلمة من الله } قال : كان يحيى أول من صدق بعيسى ، وشهد أنه كلمة من الله . قال : وكان يحيى ابن خالة عيسى ، وكان أكبر من عيسى .
وأخرج ابن جرير عن قتادة { مصدقاً بكلمة من الله } يقول : مصدق بعيسى ، وعلى سنته ومنهاجه .
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس { مصدقاً بكلمة من الله } قال : كان عيسى ويحيى ابني خالة ، وكانت أم يحيى تقول لمريم : إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك ، فذلك تصديقه بعيسى سجوده في بطن أمه وهو أول من صدق بعيسى ، وكلمة عيسى . ويحيى أكبر من عيسى .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : لقيت أم يحيى أم عيسى وهذه حامل بيحيى ، وهذه حامل بعيسى فقالت امرأة زكريا : إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك . فذلك قوله تعالى { مصدقاً بكلمة من الله } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وسيداً } قال : حليماً تقياً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : « السيد » الكريم على الله .
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن جرير عن عكرمة قال : « السيد » الذي لا يغلبه الغضب .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال : « السيد » الفقيه العالم .
وأخرج أحمد في الزهد والخرائطي في مكارم الأخلاق عن الضحاك قال : « السيد » الحسن الخلق { والحصور } الذي حصر عن النساء .
وأخرج أحمد في البيهقي في سننه عن مجاهد قال : ( الحصور ) الذي لا يأتي النساء .
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال : نادى منادٍ من السماء أن يحيى بن زكريا سيد من ولدت النساء ، وأن جورجيس سيد الشهداء .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سعيد بن جبير قال : « السيد » الحليم « والحصور » الذي لا يأتي النساء .(2/318)
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس في قوله { وسيداً وحصوراً } قال : « السيد » الحليم و « الحصور » الذي لا يأتي النساء .
وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : « الحصور » الذي لا ينزل الماء .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال : « الحصور » الذي لا يقرب النساء . ولفظ ابن المنذر : العنين .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما من عبد يلقى الله إلاّ ذا ذنب إلاّ يحيى بن زكريا ، فإن الله يقول : { وسيداً وحصوراً } قال : وإنما كان ذكره مثل هدبة الثوب ، وأشار بأنملته » .
وخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي هريرة من وجه آخر عن ابن عمرو . موقوفاً وهو أقوى اسناداً من المرفوع .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي هريرة : « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلاّ يحيى بن زكريا ، فإنه كان { سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين } ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال : كان ذكره مثل هذه القذاة » .
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله : « أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة ، وأمنت الملائكة : رجل جعله الله ذكراً فأنث نفسه وتشبه بالنساء ، وامرأة جعلها الله أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال ، والذي يضل الأعمى ، ورجل حصور ، ولم يجعل الله حصوراً إلا يحيى بن زكريا » .
وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن صالح عن بعضهم رفع الحديث « لعن الله والملائكة رجلاً تحصر بعد يحيى بن زكريا » .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب في قوله { وحصوراً } قال : لا يشتهي النساء ، ثم ضرب بيده إلى الأرض فأخذ نواة فقال : ما كان معه مثل هذه .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { وحصوراً } قال : ألذي لا يأتي النساء . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر :
وحصور عن الخنا يأمر النا ... س بفعل الحراب والتشمير(2/319)
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : لما سمع زكريا النداء جاءه الشيطان فقال له : يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس هو من الله إنما هو من الشيطان ليسخر بك ، ولو كان من الله أوحى إليك كما يوحي إليك في غيره من الأمر . فشك مكانه وقال { أَنى يكون لي غلام } .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : أتاه الشيطان فأراد أن يكدر عليه نعمة ربه قال : هل تدري من ناداك؟ قال : نعم . ناداني ملائكة ربي قال : بل ذلك الشيطان لو كان هذا من ربك لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك فقال { رب اجعل لي آية } .
أما قوله تعالى : { وامرأتي عاقر } .
أخرج ابن جرير وابن حاتم عن شعيب الجبائي قال اسم أم يحيى أشيع .
قوله تعالى : { قال كذلك يفعل الله ما يشاء } .
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { كذلك } يعني هكذا . وفي قوله { ربي اجعل لي آية } قال : قال زكريا : رب فإن كان هذا الصوت منك فاجعل لي آية .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج { رب اجعل لي آية } قال بالحمل له .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام } قال : إنما عوقب بذلك لأن الملائكة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بيحيى ، فسأل الآية بعد كلام الملائكة إياه فأخذ عليه بلسانه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الرحمن السلمي قال : اعتقل لسانه من غير مرض .
وأخرج عن السدي قال : اعتقل لسانه ثلاثة أيام ، وثلاث ليال .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن جبير بن نفير قال : رب لسانه في فيه حتى ملأه فمنعه الكلام ، ثم أطلقه الله بعد ثلاث .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إلاَّ رمزاً } قال : « الرمز » بالشفتين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { إلاَّ رمزاً } قال : إيماؤه بشفتيه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { إلاَّ رمزاً } قال : الاشارة .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : « الرمز » أن يشير بيده أو رأسه ولا يتلكم .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال : الرمز أن أخذ بلسانه فجعل يكلم الناس بيده .
وأخرج الطستي في مسائله وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { إلاَّ رمزاً } قال : الاشارة باليد ، والوحي بالرأس قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر :
ما في السماء من الرحمن مرتمز ... إلا إليه وما في الأرض من وزر
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي قال : لو رخص الله لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا عليه السلام حيث قال { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً واذكر ربك كثيراً } ولو رخص في ترك الذكر لرخص للذين يقاتلون في سبيل الله قال الله { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً } [ الأنفال : 45 ] .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وسبِّح بالعشي والإِبكار } قال { العشي } ميل الشمس إلى أن تغيب { والإبكار } أول الفجر .(2/320)
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله { إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين } قال « كان أبو هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : » خير نساء ركبن الإبل نساء قريش . أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده « قال أبو هريرة : ولم تركب مريم بنت عمران بعيراً قط » أخرجه الشيخان بدون الآية .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن مردويه عن علي « سمعت رسول الله يقول : خير نسائها مريم بنت عمران ، وخير نسائها خديجة بنت خويلد » .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أفضل نساء العالمين خديجة ، وفاطمة ، ومريم ، وآسية امرأة فرعون » .
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله اصطفى على نساء العالمين أربعاً : آسية بنت مزاحم ، ومريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن حبان والحاكم عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ، وآسية ارمأة فرعون » وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن . مرسلاً .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير عن أبي موسى قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء : » إلا مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام « .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن فاطمة رضي الله عنها قالت : » قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم البتول « .
وأخرج ابن جرير عن عمار بن سعد قال : » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين « .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران ، ثم فاطمة ، ثم خديجة ، ثم آسية امرأة فرعون « .
وأخرج ابن عساكر من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال » أربع نسوة سيدات عالمهن : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ، وأفضلهن عالماً فاطمة « .(2/321)
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاطمة سيدة نساء العالمين بعد مريم ابنة عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة ابنة خويلد » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خير نساء ركبن الإبل نساء قريش . أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على بعل في ذات يده ، ولو علمت أن مريم ابنة عمران ركبت بعيراً ما فضلت عليها أحداً » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { إن الله اصطفاك وطهرك } قال : جعلك طيبة ايماناً .
وأخرج ابن حاتم عن السدي { وطهرك } قال : من الحيض { واصطفاك على نساء العالمين } قال : على نساء ذلك الزمان الذي هم فيه .
وأخرج ابن جرير عن ابن إسحق قال : كانت مريم حبيساً في الكنيسة ومعها في الكنيسة غلام اسمه يوسف ، وقد كان أمه وأبوه جعلاه نذيراً حبيساً فكانا في الكنيسة جميعاً ، وكانت مريم إذا نفذ ماؤها وماء يوسف أخذا قلتيهما فانطلقا إلى المفازة التي فيها الماء ، فيملآن ثم يرجعان والملائكة في ذلك مقبلة على مريم { يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين } فإذا سمع ذلك زكريا قال : إن لابنة عمران لشأنا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { يا مريم اقنتي لربك } قال : اطيلي الركود يعني القيام .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : لما قيل لها { اقنتي لربك } قامت حتى ورمت قدماها .
وأخرج ابن جرير عن الأوزاعي قال : كانت مريم تقوم حتى يسيل القيح من قدميها .
وأخرج ابن عساكر عن ابن سعيد قال : كانت مريم تصلي حتى ترم قدماها .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير { اقنتي لربك } قال : اخلصي .
وأخرج عن قتادة قال { اقنتي لربك } قال : أطيعي ربك .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود أنه كان يقرأ « واركعي واسجدي في الساجدين » .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله { وما كنت لديهم } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } قال : إن مريم عليها السلام لما وضعت في المسجد اقترع عليها أهل المصلى وهم يكتبون الوحي ، فاقترعوا بأقلامهم أيهم يكفلها فقال الله لمحمد : { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } قال : ألقوا أقلامهم في الماء فذهبت مع الجرية ، وصعد قلم زكريا فكفلها زكريا .(2/322)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال : ألقوا أقلامهم يقال : عصيهم تلقاء جرية الماء ، فاستقبلت عصا زكريا عليه السلام جرية الماء فقرعهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال { أقلامهم } قال : التي يكتبون بها التوراة .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء { أقلامهم } يعني قداحهم .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس قال « لما وهب الله لزكريا يحيى ، وبلغ ثلاث سنين بشر الله مريم بعيسى . فبينما هي في المحراب إذ قالت الملائكة - وهو جبريل وحده - { يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك } من الفاحشة { واصطفاك } يعني اختارك { على نساء العالمين } عالم امتها { يا مريم اقنتي لربك } يعني صلي لربك يقول : اركدي لربك في الصلاة بطول القيام ، فكانت تقوم حتى ورمت قدماها { واسجدي واركعي مع الراكعين } يعني مع المصلين مع قراء بيت المقدس .
يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم { ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك } يعني بالخبر { الغيب } في قصة زكريا ويحيى ومريم { وما كنت لديهم } يعني عندهم { إذ يلقون أقلامهم } في كفالة مريم ثم قال يا محمد يخبر بقصة عيسى { إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا } يعني مكيناً عند الله في الدنيا من المقربين في الآخرة { ويكلم الناس في المهد } يعني في الخرق { وكهلاً } ويكلمهم كهلاً إذا اجتمع قبل أن يرفع إلى السماء { ومن الصالحين } يعني من المرسلين » .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن وهب قال : لما استقر حمل مريم وبشرها جبريل . وثقت بكرامة الله واطمأنت ، فطابت نفساً واشتد ازرها ، وكان معها في المحررين ابن خال لها يقال له يوسف ، وكان يخدمها من وراء الحجاب ، ويكلمها ويناولها الشيء من وراء الحجاب وكان أول من اطلع على حملها هو ، واهتم لذلك واحزنه ، وخاف منه البلية التي لا قبل بها ، ولم يشعر من اين اتيت مريم ، وشغله عن النظر في أمر نفسه وعمله لأنه كان رجلاً متعبداً حكيماً ، وكان من قبل أن تضرب مريم الحجاب على نفسها تكون معه ، ونشأ معها .
وكانت مريم إذا نفد ماؤها وماء يوسف أخذا قلتيهما ثم انطلقا إلى المفازة التي فيها الماء ، فيملآن قلتيهما ثم يرجعان إلى الكنيسة والملائكة مقبلة على مريم بالبشارة { يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك } فكان يعجب يوسف ما يسمع . فلما استبان ليوسف حمل مريم وقع في نفسه من أمرها حتى كاد أن يفتتن ، فلما أراد أن يتهمها في نفسه ذكر ما طهرها الله واصطفاها ، وما وعد الله أمها أنه يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم ، وما سمع من قول الملائكة { يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك } فذكر الفضائل التي فضلها الله تعالى بها وقال : إن زكريا قد أحرزها في المحراب قلا يدخل عليها أحد وليس للشيطان عليها سبيل فمن أين هذا؟
فلما رأى من تغير لونها ، وظهور بطنها ، عظم ذلك عليه ، فعرض لها فقال : يا مريم هل يكون زرع من غير بذر؟ قالت : نعم .(2/323)
قال : وكيف ذلك؟! قالت : إن الله خلق البذر الأول من غير نبات ، وأنبت الزرع الأول من غير بذر ، ولعلك تقول : لولا أنه استعان عليه بالبذر لغلبه حتى لا يقدر على أنه يخلقه ولا ينبته . قال يوسف : أعوذ بالله أن أقول ذلك . قد صدقت وقلت بالنور والحكمة ، وكما قدر أن يخلق الزرع الأول وينتبه من غير بذر ، يقدر على أن يجعل زرعاً من غير بذر ، فاخبريني هل ينبت الشجر من غير ماء ولا مطر؟ قالت : ألم تعلم أن للبذور والزرع والماء والمطر والشجر خالقاً واحداً! فلعلك تقول لولا الماء والمطر لم يقدر على أن ينبت الشجر . قال : أعوذ بالله أن أقول ذلك! قد صدقت . فاخبريني هل يكون ولد أو رجل من غير ذكر؟ قالت : نعم . قال : وكيف ذلك؟ قالت : ألم تعلم أن الله خلق آدم وحواء امرأته من غير حبل ولا أنثى ولا ذكر قال : بلى . فاخبريني خبرك؟ قالت : بشرني الله { بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم } إلى قوله { ومن الصالحين } فعلم يوسف أن ذلك أمر من الله لسبب خير أراده بمريم ، فسكت عنها .
فلم تزل على ذلك حتى ضربها الطلق ، فنوديت أن أخرجي من المحراب فخرجت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك } قال : شافهتها الملائكة بذلك .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يبشرك بكلمة منه } قال : عيسى هو الكلمة من الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا عيسى ومحمد عليهما السلام .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم قال : المسيح الصديق .
وأخرج ابن جرير عن سعيد قال : إنما سمي المسيح لأنه مسح بالبركة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن عبد الرحمن الثقفي . أن عيسى كان سائحاً ولذلك سمي المسيح . كان يمسي بأرض ويصبح بأخرى ، وانه لم يتزّوج حتى رفع .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { ومن المقربين } يقول : ومن المقربين عند الله يوم القيامة .(2/324)
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)
أخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج قال : بلغني عن ابن عباس قال : { المهد } مضجع الصبي في رضاعه .
وأخرج البخاري وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى عليه السلام ، وكان من بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي فجاءته أمه فدعته فقال : أجيبها أو أصلي؟ فقالت : اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات . وكان جريج في صومعته ، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى ، فأتت راعياً فامكنته من نفسها ، فولدت غلاماً فقالت : من جريج0000 فأتوه فكسروا صومعته ، وانزلوه وسبوه ، فتوضأ وصلى ، ثم أتى الغلام فقال : من أبوك يا غلام؟ قال : الراعي0000فقالوا له : نبني صومعتك من ذهب قال : لا . إلا من طين .
وكانت امرأة ترضع ابناً لها من بني اسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت : اللهم اجعل ابني مثله . فترك ثديها واقبل على الراكب فقال : اللهم لا تجعلني مثله . ثم أقبل على ثديها يمصه ، ثم مرا بأمة تجزر ويلعب بها فقالت : اللهم لا تجعل ابني مثل هذه . فترك ثديها فقال : اجعلني مثلها فقالت : لم ذاك0000؟! فقال : الراكب جبار من الجبابرة ، وهذه الأمة يقولون لها زنَيْت وتقول حسبي الله ، ويقولون سرَقْتِ وتقول حسبي الله .
وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم يتكلم في المهد إلا عيسى ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وابن ماشطة فرعون « .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { ويكلم الناس في المهد وكهلاً } قال : يكلمهم صغيراً وكبيراً .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس { وكهلاً } قال : في سن كهل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : » الكهل « الحليم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب قال : » الكهل « منتهى الحلم .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : قد كلمهم عيسى عليه السلام في المهد ، وسيكلمهم إذا أقبل الدجال ، وهو يومئذ كهل .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير قال { كذلك الله يخلق ما يشاء } أي يصنع ما أراد ، ويخلق ما يشاء من بشر { إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون } مما يشاء ، فيكون كما أراد .(2/325)
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ويعلمه الكتاب } قال : الخط بالقلم .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج { ويعلمه الكتاب } قال : بيده .
وأخرج ابن المنذر بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال : عندما ترعرع عيسى جاءت به أمه إلى الكتاب فدفعته إليه فقال : قل بسم . قال عيسى : الله . فقال المعلم : قل الرحمن . قال عيسى : الرحيم فقال المعلم : قل أبو جاد . قال : هو في كتاب . فقال عيسى : أتدري ما ألف؟ قال : لا . قال الآء الله . أتدري ما باء؟ قال : لا . قال : بهاء الله . أتدري ما جيم؟ قال : لا . قال جلال الله . أتدري ما اللام؟ قال : لا . قال : آلاء الله . فجعل يفسر على هذا النحو .
فقال المعلم : كيف أعلم من هو أعلم مني؟! قالت : فدعه يقعد مع الصبيان . فكان يخبر الصبيان بما يأكلون ، وما تدخر لهم أمهاتهم في بيوتهم .
وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري وابن مسعود مرفوعاً « قال : إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه فقال له المعلم : اكتب بسم الله قال له عيسى : وما بسم؟ قال له المعلم : ما أدري؟! قال له عيسى : الباء بهاء الله ، والسين سناؤه ، والميم مملكته ، والله إله الآلهة ، والرحمن رحمن الآخرة والدنيا ، والرحيم رحيم الآخرة . أبو جاد : الألف . الآء الله ، والباء بهاء الله ، جيم جلال الله ، دال الله الدائم . هوَّزَ : الهاء الهاوية ، واو ويلٌ لأهل النار واد في جهنم ، زاي زين أهل الدنيا ، حطي ، حاء الله الحكيم ، طاء الله الطالب لكل حق يرده ، أي أهل النهار وهو الوجع . كلمن : الكاف الله الكافي ، لام : الله القائم ، ميم ، الله المالك ، نون الله البحر ، سعفص : سين ، السلام ، صاد الله الصادق ، عين الله العالم ، فاء الله ذكر كلمة صاد الله الصمد .
قرشت قاف الجبل المحيط بالدنيا الذي اخضرت منه السماء ، راء رياء الناس بها ، سين ستر الله ، تاء تمت أبداً . قال ابن عدي : هذا الحديث باطل بهذا الإسناد لا يرويه غير اسمعيل بن يحيى .
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ، أن عيسى ابن مريم أمسك عن الكلام بعد إذ كلمهم طفلاً حتى بلغ ما يبلغ الغلمان ، ثم أنطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان ، فأكثر اليهود فيه وفي أمه من قول الزور ، فكان عيسى يشرب اللبن من أمه ، فلما فطم أكل الطعام ، وشرب الشراب ، حتى بلغ سبع سنين أسلمته أمه لرجل يعلمه كما يعلم الغلمان ، فلا يعلمه شيئاً إلا بدره عيسى إلى عمله قبل أن يعلمه إياه .
فعلمه أبا جاد فقال عيسى : ما أبو جاد؟ قال المعلم : لا أدري! فقال عيسى : فكيف تعلمني ما لا تدري؟! فقال المعلم : إذن فعلمني .(2/326)
قال له عيسى : فقم من مجلسك فقام ، فجلس عيسى مجلسه فقال عيسى : سلني000فقال المعلم : فما أبو أبجد؟ فقال عيسى : الألف الآء الله ، باء بهاء الله ، جيم بهجة وجماله . فعجب المعلم من ذلك ، فكان أول من فسر أبجد عيسى ابن مريم عليه السلام .
قال وسأل عثمان بن عفان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « يا رسول الله ما تفسير أبي جاد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعلموا تفسير أبي جاد فإن فيه الأعاجيب كلها ، ويل لعالم جهل تفسيره . فقيل يا رسول الله وما تفسير أبي جاد؟ قال : الألف آلاء الله ، والباء بهجة الله وجلاله ، والجيم مجد الله ، والدال دين الله » .
هوَّز الهاء الهاوية ويل لمن هوى فيها ، والواو ويل لأهل النار ، والزاي الزاوية يعني زوايا جهنم .
حطي : الحاء حط خطايا المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبريل مع الملائكة إلى مطلع الفجر ، والطاء طوبى لهم وحسن مآب وهي شجرة غرسها الله بيده ، والياء يد الله فوق خلقه . كلمن : الكاف كلام الله لا تبديل لكلماته ، واللام إلمام أهل الجنة بينهم بالزيارة والتحية والسلام وتلاوم أهل النار بينهم ، والميم ملك الله الذي لا يزول ودوام الله الذي لا يفنى ، ونون { نون والقلم وما يسطرون } [ القلم : 1-2 ] صعفص : الصاد صاع بصاع ، وقسط بقسط ، وقص بقص ، يعني الجزاء بالجزاء ، وكما تدين تدان ، والله لا يريد ظلماً للعباد .
قرشت : يعني قرشهم فجمعهم يقضي بينهم يوم القيامة وهم لا يظلمون .
ذكر نبذ من حكم عيسى عليه السلام .
أخرج ابن المبارك في الزهد أخبرنا ابن عيينة عن خلف بن حوشب قال : قال عيسى عليه السلام للحواريين : كما ترك لكم الملوك الحكمة فكذلك اتركوا لهم بالدنيا .
وأخرج ابن عساكر عن يونس بن عبيد قال : كان عيسى ابن مريم عليه السلام يقول : لا يصيب أحد حقيقة الإيمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد عن ثابت البناني قال : قيل لعيسى عليه السلام لو اتخذت حماراً تركبه لحاجتك؟ فقال : أنا أكرم على الله من أن يجعل لي شيئاً يشغلني به .
وأخرج ابن عساكر عن مالك بن دينار قال : قال عيسى : معاشر الحواريين إن خشية الله وحب الفردوس يورثان الصبر على المشقة ، ويباعدان من زهرة الدنيا .
وأخرج ابن عساكر عن عتبة بن يزيد قال : قال عيسى ابن مريم : يا ابن آدم الضعيف اتّق الله حيثما كنت ، وكل كسرتك من حلال ، واتخذ المسجد بيتاً ، وكن فيه الدنيا ضعيفاً ، وعوّد نفسك البكاء ، وقلبك التفكر ، وجسدك الصبر ، ولا تهتم برزقك غداً فإنها خطيئة تكتب عليك .(2/327)
وأخرج ابن أبي الدنيا والأصبهاني في الترغيب عن محمد بن مطرف . أن عيسى قال : فذكره .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن وهيب المكي قال : بلغني أن عيسى عليه السلام قال : أصل كل خطيئة حب الدنيا . ورب شهوة أورثت أهلها حزناً طويلاً .
وأخرج ابن عساكر عن يحيى بن سعيد قال : كان عيسى يقول : اعبروا الدنيا ولا تعمروها ، وحب الدنيا رأس كل خطيئة ، والنظر يزرع في القلب الشهوة .
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن سفيان بن سعيد قال : كان عيسى عليه السلام يقول : حب الدنيا أصل كل خطيئة ، والمال فيه داء كبير . قالوا : وما داؤه؟ قال : لا يسلم من الفخر والخيلاء . قالوا : فإن سلم؟ قال : يشغله اصلاحه عن ذكر الله .
وأخرج ابن المبارك عن عمران الكوفي قال : قال عيسى ابن مريم للحواريين : لا تأخذوا ممن تعلمون الأجر الأمثل الذي أعطيتموني ، ويا ملح الأرض لا تفسدوا فإن كل شيء إذا فسد فإنما يداوى بالملح ، وإن الملح إذا فسد فليس له دواء ، واعلموا أن فيكم خصلتين من الجهل : الضحك من غير عجب ، والصبيحة من غير سهر .
وأخرج الحكيم الترمذي عن يزيد بن ميسرة قال : قال عيسى عليه السلام : بالقلوب الصالحة يعمر الله الأرض ، وبها يخرب الأرض إذا كانت على غير ذلك .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن مالك بن دينار قال : كان عيسى ابن مريم عليه السلام إذا مر بدار وقد مات أهلها وقف عليها فقال : ويح لأربابك الذين يتوارثونك كيف لم يعتبروا فعلك باخوانهم الماضين؟!
وأخرج البيهقي عن مالك بن دينار قال : قالوا لعيسى عليه السلام يا روح الله ألا نبني لغ بيتا؟ قال : بلى . ابنوه على ساحل البحر قالوا : إذن يجيء الماء فيذهب به قال : أين تريدون؟ تبنون لي على القنطرة؟
وأخرج أحمد في الزهد عن بكر بن عبد الله قال : فقد الحواريون عيسى عليه السلام فخرجوا يطلبونه فوجدوه يمشي على الماء فقال بعضهم : يا نبي الله أنمشي إليك؟ قال : نعم . فوضع رجله ثم ذهب يضع الأخرى فانغمس فقال : هات يدك يا قصير الإيمان . لو أن لابن آدم مثقال حبة أو ذرة من اليقين إذن لمشى على الماء .
وأخرج أحمد عن عبد الله بن نمير قال : سمعت أن عيسى عليه السلام قال : كانت ولم أكن ، وتكون ولا أكون فيها .
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : لما بعث عيسى عليه السلام اكب الدنيا على وجهها ، فلما رفع رفعها الناس بعده .
وأخرج عبد الله ابنه في زوائده عن الحسن قال : قال عيسى عليه السلام : إني اكببت الدنيا لوجهها ، وقعدت على ظهرها ، فليس لي ولد يموت ، ولا بيت يخرب . قالوا له : أفلا نتخذ لك بيتاً قال : ابنوا لي على سبيل الطريق بيتاً قالوا : لا يثبت! قالوا : أفلا نتخذ لك زوجة؟ قال : ما أصنع بزوجة تموت؟
وأخرج أحمد عن خيثمة قال : مرت امرأة على عيسى عليه السلام فقالت : طوبى لثدي أرضعك ، وحجر حملك .(2/328)
فقال عيسى عليه السلام : طوبى لمن قرأ كتاب الله ثم عمل بما فيه .
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال : أوحى الله إلى عيسى عليه الصلاة والسلام : إني وهبت لك حب المساكين ورحمتهم ، تحبهم ويحبونك ، ويرضون بك إماماً وقائداً ، وترضى بهم صحابة وتبعاً ، وهما خلقان .
اعلم أن من لقيني بهما لقيني بأزكى وأحبها إليّ .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن ميمون بن سياه قال : قال عيسى ابن مريم : يا معشر الحواريين اتخذوا المساجد مساكن ، واجعلوا بيوتكم كمنازل الأضياف . فما لكم في العالم من منزل ، إن أنتم الا عابري سبيل .
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه أن عيسى عليه السلام قال : بحق أن أقول لكم أن أكناف السماء لخالية من الأغنياء ، ولدخول جمل في سم الخياط أيسر من دخول غني الجنة .
وأخرج عبد الله في زوائده عن جعفر بن حرفاس أن عيسى ابن مريم قال : رأس الخطيئة حب الدنيا ، والخمر مفتاح كل شر ، والنساء حبالة الشيطان .
وأخرج أحمد عن سفيان قال : قال عيسى عليه السلام : إن للحكمة أهلاً . فإن وضعتها في غير أهلها أضعتها ، وإن منعتها من أهلها ضيعتها . كن كالطبيب يضع الدواء حيث ينبغي .
وأخرج أحمد عن محمد بن واسع أن عيسى ابن مريم قال يا بني إسرائيل إني أعيذكم بالله أن تكونوا عاراً على أهل الكتاب . يا بني إسرائيل قولكم شفاء يذهب الداء ، وأعمالكم داء لا تقبل الدواء .
وأخرج أحمد عن وهب قال : قال عيسى لاحبار بني إسرائيل : لا تكونوا للناس كالذئب السارق ، وكالثعلب الخدوع ، وكالحدأ الخاطف .
وأخرج أحمد عن مكحول قال : قال عيسى ابن مريم : يا معشر الحواريين أيكم يستطيع أن يبني على موج البحر داراً؟ قالوا : يا روح الله ومن يقدر على ذلك! قال : إياكم والدنيا فلا تتخذوها قراراً .
وأخرج أحمد عن زياد أبي عمرو قال : بلغني أن عيسى عليه السلام قال : إنه ليس بنافعك أن تعلم ما لم تعلم ، ولما تعلم بما قد علمت . إن كثرة العلم لا تزيد إلا كبراً إذا لم تعمل به .
وأخرج أحمد عن إبراهيم بن الوليد العبدي قال : بلغني أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال : الزهد يدور في ثلاثة أيام : أمس خلا وعظت به ، واليوم زادك فيه ، وغدا لا تدري مالك فيه . قال والأمر يدور على ثلاثة : أمر بأن لك رشده فاتَّبِعْهُ ، وأمر بان لك غِيَّهُ فاجْتَنِبْهُ ، وأمر أشكل عليك فَكِلْهُ إلى الله عز وجل .
وأخرج أحمد عن قتادة قال : قال عيسى عليه الصلاة والسلام : سلوني فإن قلبي لين ، وإني صغير في نفسي .(2/329)
وأخرج أحمد عن بشير الدمشقي قال : مر عيسى عليه الصلاة والسلام بقوم فقال : اللهم اغفر لنا ثلاثاً فقالوا : يا روح الله انا نريد أن نسمع منك اليوم موعظة ، ونسمع منك شيئاً لم نسمعه فيما مضى؟ فأوحى الله إلى عيسى أن قل لهم « إني من أغفر له مغفرة واحدة أصلح له بها دنياه وآخرته » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن خيثمة قال : كان عيسى عليه السلام إذا دعا القراء قام عليهم ثم قال : هكذا اصنعوا بالقراء .
وأخرج أحمد عن يزيد بن ميسرة قال : قال عيسى عليه السلام : إن أحببتم أن تكونوا أصفياء الله ، ونور بني آدم من خلقه فاعفوا عمن ظلمكم ، وعودوا من لا يغودكم ، واحسنوا إلى من لا يحسن إليكم ، وأقرضوا من لا يجزيكم .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبيد بن عمير ، أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان يلبس الشعر ، ويأكل من ورق الشجر ، ويبيت حيث أمسى ، ولا يرفع غداء ولا عشاء لغد ، ويقول : يأتي كل يوم برزقه .
وأخرج أحمد عن وهب قال : قال عيسى ابن مريم : يا دار تخربين ويفنى سكانك ، ويا نفس اعملي ترزقي ، ويا جسد انصب تسترح .
وأخرج أحمد عن وهب ابن منبه قال : قال عيسى ابن مريم للحواريين : بحق أقول لكم - وكان عيسى عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يقول بحق - أقول لكم : إن أشدكم حباً للدنيا أشدكم جزعاً على المصيبة .
وأخرج أحمد عن عطاء الأزرق قال : بلغنا أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال : يا معشر الحواريين كلوا خبز الشعير ، ونبات الأرض ، والماء القراح ، وإياكم وخبر البر ، فإنكم لا تقومون بشكره ، واعلموا أن حلاوة الدنيا مرارة الآخرة ، واشد مرارة الدنيا حلاوة الآخرة .
وأخرج ابنه في زوائده عن عبد الله بن شوذب قال : قال عيسى ابن مريم : جودة الثياب من خيلاء القلب .
وأخرج أحمد عن سفيان قال : قال عيسى عليه الصلاة والسلام : إني ليس أحدثكم لتعجبوا إنما أحدثكم لتعلموا .
وأخرج ابنه عن أبي حسان قال : قال عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام : كن كالطيب العالم يضع دواءه حيث ينفع .
وأخرج ابنه عن عمران بن سليمان قال : بلغني أن عيسى ابن مريم قال : يا بني إسرائيل تهاونوا بالدنيا تَهُن عليكم ، وأهينوا الدنيا تكرم الآخرة عليكم ، ولا تكرموا الدنيا فتهون الآخرة عليكم ، فإن الدنيا ليست بأهل الكرامة ، وكل يوم تدعو للفتنة والخسارة .
وأخرج ابن المبارك وأحمد عن أبي غالب قال في وصية عيسى عليه الصلاة والسلام : يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي ، وتقربوا إليه بالمقت لهم ، والتمسوا رضاه بسخطهم . قالوا : يا نبي الله فمن نجالس؟ قال : جالسوا من يزيد في علمكم منطقه ، ومن يذكركم الله رؤيته ، ويزهدكم في الدنيا عمله .(2/330)
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : أوحى الله إلى عيسى « عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس ، وإلا فاستحي مني » .
وأخرج أحمد عن وهب قال : قال عيسى للحواريين : بقدر ما تنصبون ههنا تستريحون ههنا ، وبقدر ما تستريحون ههنا تنصبون ههنا .
وأخرج ابن المبارك وأحمد عن سالم بن أبي الجعد قال : قال عيسى عليه الصلاة والسلام : طوبى لمن خزن لسانه ، ووسعه بيته ، وبكى من ذكر خطيئته .
وأخرج ابن المبارك وابن شيبة وأحمد عن هلال بن يساف قال : كان عيسى يقول : إذا تصدق أحدكم بيمينه فليخفها عن شماله ، وإذا صام فلْيَدَّهِنْ وليمسح شفتيه من دهنه حتى ينظر إليه الناظر فلا يرى أنه صائم ، وإذا صلى فليدن عليه ستر بابه فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق .
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا عن خالد الربعي قال : ثبت أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه : أرأيتم لو أن أحدكم أتى على أخيه المسلم وهو نائم وقد كشفت الريح بعض ثوبه؟ فقالوا : إذا كنا نرده عليه قال : لا . بل تكشفون ما بقي ، مثل ضربه للقوم يسمعون الرجل بالسيئة فيذكرون أكثر من ذلك .
وأخرج أحمد عن أبي الجلد قال : قال عيسى ابن مريم : فكرت في الخلق فإذا من لم يخلق كان أغبط عندي ممن خلق . وقال : لا تنظروا إلى ذنوب الناس كأنكم أرباب ولكن انظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد . والناس رجلان : مبتلى ، ومعافى ، فارحموا أهل البلاء ، واحمدوا الله على العافية .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي الهذيل قال : لقي عيسى يحيى فقال : أوصني قال : لا تغضب قال : لا أستطيع قال : لا تفتن مالا قال : أما هذا لعله .
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال : مر عيسى عليه السلام والحواريون رضي الله تعالى عنهم على جيفة كلب فقالوا : ما أنتن هذا! فقال : ما أشد بياض أسنانه . يعظهم وينهاهم عن الغيبة .
وأخرج أحمد عن الأوزاعي قال : كان عيسى يحب العبد يتعلم المهنة يستغني بها عن الناس ، ويكره العبد يتعلم العلم يتخذه مهنة .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي الدنيا عن سالم بن أبي الجهد قال : قال عيسى عليه السلام : اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم . انظروا إلى هذا الطير يغدو ويروح لا يحرث ، ولا يحصد ، الله تعالى يرزقها . فإن قلتم نحن أعظم بطوناً من الطير فانظروا إلى هذه الأباقر من الوحش والحمر ، تغدو وتروح لا تحرث ولا تحصد ، الله تعالى يرزقها . اتقوا فضول الدنيا فإن فضول الدنيا عند الله رجز .
وأخرج عن وهب قال : إن إبليس قال لعيسى : زعمت أنك تحيي الموتى فإن كنت كذلك فادع الله أن يرد هذا الجبل خبزاً فقال له عيسى : أوكل الناس يعيشون بالخبز؟ قال : فإن كنت كما تقول فثب من هذا المكان فإن الملائكة ستلقاك قال : إن ربي أمرني لا أجرب نفسي ، فلا أدري هل يسلمني أم لا .(2/331)
وأخرج أحمد عن سالم بن أبي الجعد أن عيسى ابن مريم كان يقول : للسائل حق وإن أتاك على فرس مطوق بالفضة .
وأخرج عن بعضهم قال أوحى الله إلى عيسى : إن لم تطب نفسك أن تصفك الناس بالزاهد فيَّ لم أكتبك عندي راهباً ، فما يضرك إذا بغضك الناس وأنا عنك راض ، وما ينفعك حب الناس وأنا عليك ساخط؟
وأخرج أحمد عن الحضرمي وابن أبي الدنيا وابن عساكر عن فضيل بن عياض قالا : قيل لعيسى ابن مريم بأي شيء تمشي على الماء؟ قال : بالإيمان واليقين قالوا : فانا آمنا كما آمنت ، وأيقنا كما أيقنت . قال : فامشوا اذن . فمشوا معه فجاء الموج فغرقوا ، فقال لهم عيسى : ما لكم؟ قالوا : خفنا الموج قال : الا خفتم رب الموج فاخرجهم ثم ضرب بيده إلى الأرض فقبض بها ثم بسطها ، فإذا في احدى يديه ذهب وفي الأخرى مدر فقال : أيهما أحلى في قلوبكم؟ قالوا : الذهب قال : فانهما عندي سواء .
وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وأحمد وابن عساكر عن الشعبي قال : كان عيسى ابن مريم إذا ذكر عنده الساعة صاح ويقول : لا ينبغي لابن مريم إذا تذكر عنده الساعة فيسكت .
وأخرج أحمد وابن عساكر عن مجاهد قال : كان عيسى عليه السلام يلبس الشعر ، ويأكل الشجر ، ولا يخبئ اليوم لغد ، ويبيت حيث آواه الليل . ولم يكن له ولد فيموت ، ولا بيتّ فيخرب .
وأخرج ابن عساكر عن الحسن : أن عيسى رأس الزاهدين يوم القيامة ، وأن الفرارين بدينهم يحشرون يوم القيامة مع عيسى ابن مريم ، وأن عيسى مر به إبليس يوماً وهو متوسد حجراً وقد وجد لذة النوم فقال له إبليس : يا عيسى أليس تزعم أنك لا تريد شيئاً من عرض الدنيا فهذا الحجر من عرض الدنيا؟ فقام عيسى فأخذ الحجر فرمى به وقال : هذا لك في الدنيا .
وأخرج ابن عساكر عن كعب ، أنّ عيسى كان يأكل الشعير ، ويمشي على رجليه ولا يركب الدواب ، ولا يسكن البيوت ، ولا يستصبح بالسراج ، ولا يلبس القطن ، ولا يمس النساء ، ولم يمس الطيب ، ولم يمزج شرابه بشيء قط ، ولم يبرده ، ولم يدهن رأسه قط ، ولم يقرب رأسه ولحيته غسول قط ، ولم يجعل بين الأرض وبين جلده شيئاً قط إلا لباسه ، ولم يهتم لغداء قط ، ولا لعشاء قط ، ولا يشتهي شيئاً من شهوات الدنيا . وكان يجالس الضعفاء والزمنى والمساكين ، وكان إذا قرب إليه الطعام على شيء وضعه على الأرض ، ولم يأكل مع الطعام اداماً قط ، وكان يجتزئ من الدنيا بالقوت القليل ويقول : هذا لمن يموت ويحاسب عليه كثير .
وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال : بلغني أنه قيل لعيسى ابن مريم : تزوج قال : وما أصنع بالتزويج؟ قالوا : تلد لك الأولاد .(2/332)
قال : الأولاد إن عاشوا أَفْتَنُوا ، وإن ماتوا أَحْزَنُوا .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن شعيب بن إسحق قال : قيل لعيسى : لو اتخذت بيتاً قال : يكفينا خلقان من كان قبلنا .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن مسيرة قال : لعيسى : ألا تبني لك بيتاً؟ قال : لا أترك بعدي شيئاً من الدنيا أذكر به .
وأخرج ابن عساكر عن أبي سليمان قال : بينا عيسى يمشي في يوم صائف وقد مسه الحر والعطش ، فجلس في ظل خيمة ، فخرج إليه صاحب الخيمة فقال : يا عبد الله قم من ظلنا . فقام عيسى عليه السلام ، فجلس في الشمس وقال : ليس أنت الذي أقمتني إنما أقامني الذي لم يرد أن أصيب من الدنيا شيئاً .
وأخرج أحمد عن سفيان بن عيينة قال : كان عيسى ويحيى عليهما السلام يأتيان القرية فيسأل عيسى عليه السلام عن شرار أهلها ، ويسأل يحيى عليه السلام عن خيار أهلها فقال له : لم تنزل عن شرار الناس؟ قال : إنما أنا طبيب أداوي المرضى .
وأخرج أحمد عن هشام الدستوائي قال : بلغني أن في حكمة عيسى ابن مريم عليه السلام : تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل ، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل ، ويحكم000! علماء السوء . الأجر تأخذون والعمل تضيعون ، توشكون أن تخرجوا من الدنيا إلى ظلمة القبر وضيقه ، والله عز وجل ينهاكم عن المعاصي كما أمركم بالصوم والصلاة . كيف يكون من أهل العلم من دنياه آثر عنده من آخرته وهو في الدنيا أفضل رغبة؟ كيف يكون من أهل العلم من مسيره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه وما يضره أشهى إليه مما ينفعه؟ كيف يكون من أهل العلم من سخط واحتقر منزلته وهو يعلم أن ذلك من علم الله وقدرته؟ كيف يكون من أهل العلم من اتهم الله تعالى في قضائه فليس يرضى بشيء أصابه؟ كيف يكون من أهل العلم من طلب الكلام ليتحدث ولم يطلبه ليعمل به؟
وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز عن أشياخه ، أن عيسى عليه السلام مرَّ بعقبة أفيق ومعه رجل من حواريه ، فاعترضهم رجل فمنعهم الطريق وقال : لا أترككما تجوزان حتى ألطم كل واحد منكما لطمة ، فحاولاه فأبى إلا ذاك فقال عيسى عليه السلام : أما خدي فالطمه . فلطمه فخلى سبيله وقال للحواري : لا أدعك تجوز حتى ألطمك فتمنع عليه ، فلما رأى عيسى ذاك أعطاه خده الآخر فلطمه ، فخلى سبيلهما فقال عيسى عليه السلام : اللهم إن كان هذا لك رضا فبلغني رضاك ، وإن كان هذا سخطاً فإنك أولى بالعفو .
وأخرج عبد الله ابنه عن علي بن أبي طالب قال : بينما عيسى عليه السلام جالس مع أصحابه مرت به امرأة؛ فنظر إليها بعضهم فقال له بعض أصحابه : زنيت فقال له عيسى : أرأيت لو كنت صائماً فمررت بشواء فشممته أكنت مفطراً؟ قال : لا .(2/333)
وأخرج أحمد عن عطاء قال : قال عيسى : ما أدخل قرية يشاء أهلها أن يخرجوني منها إلا أخرجوني . يعني ليس لي فيها شيء قال : وكان عيسى عليه السلام يتخذ نعلين من لحى الشجر ، ويجعل شراكهما من ليف .
وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز قال : قال المسيح : ليس كما أريد ولكن كما تريد ، وليس كما أشاء ولكن كما تشاء .
وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز قال : بلغني أنه ما من كلمة كانت تقال لعيسى عليه السلام أحب إليه من أن يقال هذا المسكين .
وأخرج ابنه عن ابن حليس قال : قال عيسى : إن الشيطان مع الدنيا ومكره مع المال ، وتزيينه عند الهوى واستكماله عند الشهوات .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن جعفر بن برقان قال : كان عيسى يقول : اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ، ولا أملك نفع ما ارجو ، وأصبح الأمر بيد غيري ، وأصبحت مرتهنا بعملي ، فلا فقير أفقر مني ، فلا تُشْمِت بي عدوّي ، ولا تسيء بي صديقي ، ولا تجعل مصيبتي في ديني ، ولا تُسَلِّطْ عليَّ من لا يرحمني .
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال : في كتب الحواريين إذا سلك بك سبيل البلاء فاعلم أنه سلك بك سبيل الأنبياء والصالحين ، وإذا سُلِكَ بك سبيل أهل الرخاء فاعلم أنه سُلِكَ بك غير سبيلهم ، وخُولفَ بك عن طريقهم .
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال : قال عيسى : إنما أبعثكم كالكبَاش تلتقطون خرفان بني إسرائيل ، فلا تكونوا كالذئاب الضواري التي تختطف الناسن وعليكم بالخرفان ما لكم تأتون عليكم ثياب الشعر ، وقلوبكم قلوب الخنازير ، البسوا ثياب الملوك ، ولينوا قلوبكم بالخشية . وقال عيسى : يا ابن آدم اعمل باعمال البّر حتى يبلغ عملك عنان السماء ، فإن لم يكن حباً في الله ما اغنى ذلك عنك شيئاً . وقال عيسى للحواريين : إن إبليس يريد أن يبخلكم فلا تقعوا في بخله .
وأخرج أحمد عن الحسن بن علي الصنعاني قال : بلغنا أن عيسى عليه السلام قال : يا معشر الحواريين ادع الله أن يخفف عني هذه السكرة - يعني الموت - ثم قال عيسى : لقد خفت الموت خوفاً مخافتي من الموت على الموت .
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه ، أن عيسى عليه السلام كان واقفاً على قبر ومعه الحواريون وصاحب القبر يدلى فيه ، فذكروا من ظلمة القبر ووحشته وضيقه فقال عيسى : قد كنتم فيما هو أضيق منه في أرحام أمهاتكم ، فإذا أحب الله أن يوسع وسّع .
وأخرج أحمد عن وهب قال : قال المسيح عليه السلام : أكثروا ذكر الله ، وحمده ، وتقديسه ، وأطيعوه ، فإنما يكفي أحدكم من الدعاء إذا كان الله تبارك وتعالى راضياً عليه أن يقول : اللهم اغفر لي خطيئتي ، واصلح لي معيشتي ، وعافني من المكاره يا إلهي .(2/334)
وأخرج أحمد عن أبي الجلد ، أن عيسى عليه السلام قال للحواريين : بحق أقول لكم : ما الدنيا تريدون ولا الآخرة قالوا : يا رسول الله فسر لنا هذا فقد كنا نرى أنا نريد إحداهما! قال : لو أردتم الدنيا لأطعتم رب الدنيا الذي مفاتيح جزائنها بيده فاعطاكم ، ولو أردتم الآخرة أطعتم رب الآخرة الذي يملكها فأعطاكم ، ولكن لا هذه تريدون ولا تلك .
وأخرج أحمد عن أبي عبيدة ، أن الحواريين قالوا لعيسى : ماذا نأكل؟ قال : تأكلون خبز الشعير ، وبقل البرية . قالوا : فماذا نشرب؟ قال : تشربون ماء القراح . قالوا : فماذا نتوسد؟ قال : توسدوا الأرض قالوا : ما نراك تأمرنا من العيش إلا بكل شديد! قال : بهذا تنجون ولا تَحُلّون ملكوت السموات حتى يفعله أحدكم وهو منه على شهوة قالوا : وكيف يكون ذلك؟ قال : ألم تروا أن الرجل إذا جاع فما أحب إليه الكسرة وان كانت شعيراً ، وإن عطش فما أحب إليه الماء وإن كان قراحاً ، وإذا أطال القيام فما أحب إليه أن يتوسد الأرض .
وأخرج أحمد عن عطاء ، أنه بلغه أن عيسى عليه السلام قال : تَرَجَّ ببلاغة ، وتيقظ في ساعات الغفلة ، واحكم بلطف الفطنة ، لا تكن حَلْساً مطروحاً وأنت حي تتنفس .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي هريرة قال : كان عيسى عليه السلام يقول : يا معشر الحواريين اتخذوا بيوتكم منازل ، واتخذوا المساجد مساكن ، وكلوا من بقل البرية ، واخرجوا من الدنيا بسلام .
وأخرج أحمد عن إبراهيم التيمي إن عيسى عليه السلام قال : اجعلوا كنوزكم في السماء فإن قلب المرء عند كنزه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن سعيد الجعفي قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : بيتي المسجد ، وطيبي الماء ، وادامي الجوع ، وشعاري الخوف ، ودابتي رجلاي ، ومصطلاي في الشتاء مشارق الشمس ، وسراجي بالليل القمر ، وجلسائي الزمنى والمساكين ، وامسي وليس لي شيء ، وأُصبحُ وليس لي شيء ، وأنا بخير فمن أغنى مني .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض قال : قال عيسى : بطحت لكم الدنيا ، وجلستم على ظهرها ، فلا ينازعكم فيها إلا الملوك والنساء . فاما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لم يعرضوا لكم دنياهم . وأما النساء فاتقوهن بالصوم والصلاة .
وأخرج ابن عساكر عن سفيان الثوري قال : قال المسيح عليه السلام : إنما تطلب الدنيا لِتُبرَّ فتركها ابرُّ .
وأخرج ابن عساكر عن شعيب بن صالح قال عيسى ابن مريم : والله ما سكنت الدنيا في قلب عبد إلا التاط قلبه منها بثلاث : شغل لا ينفك عناه ، وفقر لا يدرك غناه ، وأمل لا يدرك منتهاه . الدنيا طالبة ومطلوبة . فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه ، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يجيء الموت فيأخذ بعنقه .(2/335)
وأخرج ابن عساكر عن يزيد بن ميسرة قال : قال عيسى ابن مريم : كما توضعون كذلك ترفعون ، وكما ترحمون كذلك ترحمون ، وكما تقضون من حوائج الناس كذلك يقضي الله من حوائجكم .
وأخرج أحمد وابن عساكر عن الشعبي قال : قال عيسى ابن مريم : ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك تلك مكافأة ، إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك .
وأخرج ابن عساكر عن ابن المبارك قال : بلغني أن عيسى ابن مريم مر بقوم فشتموه فقال خيراً . ومر بآخرين فشتموه وزادوا فزادهم خيراً . فقال رجل من الحواريين : كلما زادوك شراً زدتهم خيراً كأنهم تغريهم بنفسك! فقال عيسى عليه السلام : كل إنسان يعطي ما عنده .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن أنس قال : مر بعيسى ابن مريم خنزير فقال : مر بسلام . فقيل له : يا روح الله لهذا الخنزيرتقول! قال : أكره أن أعود لساني الشر .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن سفيان قال : قالوا لعيسى ابن مريم ، دلنا على عمل ندخل به الجنة قال : لا تنطقوا أبداً قالوا : لا نستطيع ذلك! قال : فلا تنطقوا إلا بخير .
وأخرج الخرائطي عن إبراهيم النخعي قال : قال عيسى ابن مريم : خذوا الحق من أهل الباطل ولا تأخذوا الباطل من أهل الحق ، كونوا مُنْتَقِدِي الكلام كي لا يجوز عليكم الزيوف .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الزهد عن زكريا بن عدي قال : قال عيسى ابن مريم : يا معشر الحواريين ارضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدين ، كما رضي أهل الدنيا بدنيء الدين مع سلامة الدنيا .
وأخرج ابن عساكر عن مالك بن دينار قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : أكل الشعير مع الرماد ، والنوم على المزابل مع الكلاب . لقليل في طلب الفردوس .
وأخرج ابن عساكر عن أنس بن مالك قال : كان عيسى ابن مريم يقول : لا يطيق عبد أن يكون له ربان . أن أرضى أحدهما أسخط الآخر ، وإن أسخط أحدهما أرضى الآخر . وكذلك لا يطيق عبد أن يكون خادماً للدنيا يعمل عمل الآخرة . لا تهتموا بما تأكلون ولا ما تشربون ، فإن الله لم يخلق نفساً أعظم من رزقها ، ولا جسداً أعظم من كسوته فاعتبروا .
وأخرج ابن عساكر عن المقبري ، أنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول : يا ابن آدم إذا عملت الحسنة فاله عنها فإنها عند من لا يضيعها ، وإذا عملت سيئة فاجعلها نصب عينك .
وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن أبي هلال أن عيسى ابن مريم كان يقول : من كان يظن أن حرصاً يزيد في رزقه فليزد في طوله ، أو في عرضه ، أو في عدد بنائه ، أو تغير لونه . ألا فإن الله خلق الخلق فهيأ الخلق لما خلق ، ثم قسم الرزق فمضى الرزق فمضى الرزق لما قسم ، فليست الدنيا بِمُعطِيَةٍ أحداً شيئاً ليس له ، ولا بِمَانِعَةٍ أحداً شيئاً هو لكم ، فعليكم بعبادة ربكم فانكم خُلِقْتُمْ لها .(2/336)
وأخرج ابن عساكر عن عمران بن سليمان قال : بلغني أن عيسى ابن مريم عليه السلام قال لأصحابه : إن كنتم إخواني وأصحابي فوطنوا أنفسكم على العداوة والبغضاء من الناس .
وأخرج أحمد والبيهقي عن عبد العزيز بن ظبيان قال : قال المسيح : من تَعَلَّم وعمل وعَلَّمَ فذلك يدعى عظيماً في ملكوت السماء .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن عيسى ابن مريم قام في بني إسرائيل فقال : يا معشر الحواريين لا تُحَدِّثوا بالحكمة غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتطلموهم ، والأمور ثلاثة : أمر تبين رشده فاتبعوه ، وأمر تبين لكم غِيَّهُ فاجتنبوه ، وأمر اخْتُلِفَ عليكم فيه فَرُدُّوا علمه إلى الله تعالى » .
وأخرج ابن عساكر عن عمرو بن قيس الملائي قال : قال عيسى ابن مريم : إن منعت الحكمة أهلها جهلت ، وإن منحتها غير أهلها جهلت . كن كالطبيب المداوي إن رأى موضعاً للدواء وإلا أمسك .
وأخرج عبد الله بن أحمد في الزهد وابن عساكر عن عكرمة قال : قال عيسى ابن مريم للحواريين : يا معشر الحواريين لا تطرحوا اللؤلؤ إلى الخنزير لا يصنع باللؤلؤة شيئاً ، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها فإن الحكمة خير من اللؤلؤ ، ومن لا يريدها شر من الخنزير .
وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه قال : قال عيسى : يا علماء السوء جلستم على أبواب الجنة . فلا أنتم تدخلونها ، ولا تدعون المساكين يدخلونها . أن شرّ الناس عند الله عالم يطلب الدنيا بعلمه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : إن مثل حديث النفس بالخطيئة كمثل الدخان في البيت لا يحرقه ، فإنه ينتن ريحه ويغير لونه .
قوله تعالى : { والتوراة والإنجيل } .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كان عيسى يقرأ التوراة والإنجيل .(2/337)
وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)
أخرج ابن جرير عن ابن إسحق أن عيسى جلس يوماً مع غلمان من الكتاب ، فأخذ طيناً ثم قال : أجعل لكم من هذا الطين طائراً؟ قالوا : أو تستطيع ذلك؟ قال : نعم . بإذن ربي . ثم هيأه حتى إذا جعله في هيئة الطائر نفخ فيه ثم قال : كن طائراً باذن الله فخرج يطير من بين كفيه ، وخرج الغلمان بذلك من أمره ، فذكروه فأفشوه في الناس .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ، أن عيسى قال : أي الطير أشد خلقاً؟ قال : الخفاش إنما هو لحم ففعل .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : إنما خلق عيسى طيراً واحداً . وهو الخفاش .
قوله تعالى : { وأبرئ الأكمه والأبرص } .
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس { الأكمه } الذي يولد وهو أعمى .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس قال { الأكمه } الأعمى الممسوح العين .
وأخرج أبو عبيد والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد عن مجاهد قال { الأكمه } الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن عكرمة قال : { الأكمه } الأعمش .
وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه قال : كان دعاء عيسى الذي يدعو به للمرضى ، والزمنى ، والعميان ، والمجانين ، وغيرهم . اللهم أنت إله من في السماء وإله من في الأرض لا إله فيهما غيرك ، وأنت جبار من في السماء وجبار من في الأرض لا جبار فيهما غيرك ، أنت ملك من في السماء وملك من في الأرض لا ملك فيهما غيرك ، قدرتك في السماء كقدرتك في الأرض ، وسلطانك في الأرض كسلطانك في السماء ، أسألك باسمك الكريم ، ووجهك المنير ، وملكك القديم ، إنك على كل شيء قدير . قال وهب : هذا للفزع والمجنون يقرأ عليه ، ويكتب له ، ويسقى ماؤه إن شاء الله تعالى .
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن وهب قال : لما صار عيسى ابن اثنتي عشر سنة اوحى الله إلى أمه وهي بأرض مصر - وكانت هربت من قومها حين ولدته إلى أرض مصر - أن اطلعي به إلى الشام ففعلت ، فلم تزل بالشام حتى كان ابن ثلاثين سنة ، وكانت نبوّته ثلاث سنين ، ثم رفعه الله إليه . وزعم وهب أنه ربما اجتمع على عيسى من المرضى في الجماعة الواحدة خمسون ألفاً . من أطاق منهم أن يبلغه بلغه ، ومن لم يطق ذلك منهم أتاه فمشى إليه ، وإنما كان يداويهم بالدعاء إلى الله تعالى .
قوله تعالى : { وأحيي الموتى بإذن الله } .
أخرج البيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق إسماعيل بن عياش عن محمد بن طلحة عن رجل ، أن عيسى بن مريم كان إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتين يقرأ في الركعة الأولى(2/338)
{ تبارك الذي بيده الملك } [ الملك : 1 ] وفي الثانية { تنزيل الكتاب } [ السجدة : 2 ] فإذا فرغ مدح الله وأثنى عليه ثم دعا بسبعة أسماء . يا قديم ، يا حي ، يا دائم ، يا فرد ، يا وتر ، يا أحد ، يا صمد . قال البهقي : ليس هذا بالقوي . وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن أبي بشر عن أبي الهذيل بلفظه ، وزاد في آخره وكانت إذا أصابته شدة دعا بسبعة أسماء أخرى . يا حي ، يا قيوم ، يا الله ، يا رحمن ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا نور السموات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم ، يا رب .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت عن معاوية بن قرة قال : سألت بنو إسرائيل عيسى فقالوا : إن سام بن نوح دفن ههنا قريباً فادع الله أن يبعثه لنا . فهتف فخرج أشمط . قالوا : إنه قد مات وهو شاب فما هذا البياض؟ قال : ظننت أنها الصيحة ففزعت .
وأخرج اسحق بن بشر وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : كانت اليهود يجتمعون إلى عيسى ويستهزئون به ويقولون له : يا عيسى ما أكل فلان البارحة ، وما ادخر في بيته لغد . فيخبرهم فيسخرون منه حتى طال ذلك به وبهم ، وكان عيسى عليه السلام ليس له قرار ولا موضع يعرف إنما هو سائح في الأرض ، فمر ذات يوم بامرأة قاعدة عند قبر وهي تبكي فسألها . . . ؟ فقالت : ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها . فصلى عيسى ركعتين ثم نادى : يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي فتحرك القبر ، ثم نادى الثانية فانصدع القبر ، ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من التراب فقالت أماه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين؟ يا أماه اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في الدنيا ، يا روح الله سل ربي أن يردني إلى الآخرة ، وأن يهوّن علي كرب الموت . فدعا ربه ، فقبضها إليه فاستوت عليها الأرض .
فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضباً ، وكان ملك منهم في ناحية في مدينة لها نصيبين جباراً عاتياً ، وأمر عيسى بالمسير إليه ليدعوه وأهل تلك المدينة إلى المراجعة ، فمضى حتى شارف المدينة ومعه الحواريون فقال لأصحابه : ألا رجل منكم ينطلق إلى المدينة فينادي فيها فيقول : إن عيسى عبد الله ورسوله . فقام رجل من الحواريين يقال له يعقوب فقال : أنا يا روح الله . قال : فاذهب فأنت أول من يتبرأ مني ، فقام آخر يقول له توصار وقال له : أنا معه قال : وأنت معه ومشيا ، فقام شمعون فقال : يا روح الله أكون ثالثهم فائذن لي أن أنال منك أن اضطررت إلى ذلك؟ قال : نعم .(2/339)
فانطلقوا حتى إذا كانوا قريباً من المدينة قال لهما شمعون : ادخلا المدينة فبَلَّغا ما أُمِرْتُمَا ، وأنا مقيم مكاني ، فإن ابتليتما أقبلت لكما . فانطلقا حتى دخلا المدينة وقد تحدث الناس بأمر عيسى ، وهم يقولون فيه أقبح القول وفي أمه . فنادى أحدهما وهو الأول : ألا أن عيسى عبدالله ورسوله ، فوثبوا إليهما من القائل أنْ عيسى عبدالله ورسوله؟ فتبرأ الذي نادى فقال : ما قلت شيئاً فقال الآخر : قد قلت وأنا أقول : إن عيسى عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه فآمنوا به يا معشر بني إسرائيل خيراً لكم ، فانطلقوا به إلى ملكهم وكان جباراً طاغياً فقال له : ويلك ما تقول؟! قال : أقول : إن عيسى عبدالله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه . قال : كذبت . فقذفوا عيسى وأمه بالبهتان ثم قال له : تبرأ ويلك من عيسى وقل فيه مقالتنا . قال : لا أفعل . قال : إن لم تفعل قطعت يديك ورجليك ، وسمرت عينيك . فقال : افعل بنا ما أنت فاعل . ففعل به ذلك فألقاه على مزبلة في وسط مدينتهم .
ثم أن الملك هم أن يقطع لسانه إذ دخل شمعون وقد اجتمع الناس فقال لهم : ما بال هذا المسكين؟ قالوا : يزعم أن عيسى عبدالله ورسوله فقال شمعون : أيها الملك أتأذن لي فادنو منه فاسأله؟ قال : نعم . قال له شمعون : أيها المبتلى ما تقول؟ قال : أقول ان عيسى عبدالله ورسوله . قال : فما آية تعرفه؟ قال { يبرئ الأكمه والأبرص } والسقيم . قال : هذا يفعله الأطباء فهل غيره؟ قال : نعم { يخبركم بما تأكلون وما تدخرون } قال : هذا تفعله الكهنة فهل غير هذا؟ قال : نعم { يخلق من الطين كهيئة الطير } قال : هذا قد تفعله السحرة يكون أخذه منهم . فجعل الملك يتعجب منه وسؤاله . قال : هل غير هذا؟ قال : نعم . { يحيي الموتى } .
قال : أيها الملك إنه ذكر أمراً عظيماً وما أظن خلقاً يقدر على ذلك إلا بإذن الله ، ولا يقضي الله ذلك على يد ساحر كذاب ، فإن لم يكن عيسى رسولاً فلا يقدر على ذلك ، وما فعل الله ذلك لأحد إلا لإبراهيم حين سأل ربه { أرني كيف تحيي الموتى } [ البقرة : 260 ] ومن مثل إبراهيم خليل الرحمن .
وأخرج ابن جرير عن السدي وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس قال : لما بعث الله عيسى عليه السلام وأمره بالدعوة لقيه بنو إسرائيل فأخرجوه ، فخرج هو وأمه يسيحون في الأرض ، فنزلوا في قرية على رجل ، فأضافهم وأحسن إليهم ، وكان لتلك المدينة ملك جبار ، فجاء ذلك الرجل يوماً حزيناً ، فدخل منزله ومريم عند امرأته فقالت لها : ما شأن زوجك أراه حزيناً؟ قالت : إن لنا ملكاً يجعل على كل رجل منا يوماً يطعمه هو وجنوده ويسقيهم الخمر ، فإن لم تفعل عاقبه ، وإنه قد بلغت نوبته اليوم وليس عندنا سعة قالت : قولي له فلا يهتم فإني آمر ابني فيدعو له فيكفي ذلك .(2/340)
قالت مريم لعيسى في ذلك . فقال عيسى : يا أماه إني إنْ فعلت كان في ذلك شر قالت : لا تبال فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا . قال عيسى : قولي له املأ قدورك وخوابيك ماء . فملأهن فدعا الله تعالى ، فتحوّل ما في القدور لحماً ، ومرقاً ، وخبزاً ، وما في الخوابي خمراً لم ير الناس مثله قط . فلما جاءه الملك أكل منه ، فلما شرب الخمر قال : من أين لك هذا الخمر؟! قال : هو من أرض كذا وكذا . . . قال الملك : فإن خمري أوتى به من تلك الأرض فليس هو مثل هذا! قال : هو من أرض أخرى . فلما خلط على الملك اشتد عليه فقال : إني أخبرك . . . عندي غلام لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه ، وإنه دعا الله تعالى فجعل الماء خمراً فقال له الملك : وكان له ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل بأيام ، وكان أحب الخلق إليه فقال : إن رجلا دعا الله تعالى فجعل الماء خمراً ليستجابن له يحيي ابني .
فدعا عيسى فكلمه وسأله ان يدعو الله أن يحيي ابنه فقال عيسى : لا تفعل فإنه ان عاش كان شراً قال الملك : لست أبالي أراه فلا أبالي ما كان قال عيسى عليه السلام : فإني حييته تتركوني أنا وأمي نذهب حيث نشاء؟ فقال الملك : نعم . فدعا الله فعاش الغلام . فلما رآه أهل مملكته قد عاش تنادوا بالسلاح وقالوا : أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف علينا ابنه فيأكلنا كما أكلنا أبوه . فاقتتلوا وذهب عيسى وأمه وصحبهما يهودي ، وكان مع اليهودي رغيفان ، ومع عيسى رغيف . فقال له عيسى : تشاركني؟ فقال اليهودي : نعم . فلما رأى أنه ليس مع عيسى عليه السلام إلا رغيف ندم ، فلما ناما جعل اليهودي يريد أن يأكل الرغيف . فيأكل لقمة فيقول له عيسى : ما تصنع؟ فيقول له : لا شيء . . . حتى فرغ من الرغيف .
فلما أصبحا قال له عيسى : هلم بطعامك ، فجاء برغيف فقال له عيسى : أين الرغيف الآخر؟ قال : ما كان معي إلا واحد . فسكت عنه وانطلقوا ، فمروا براعي غنم فنادى عيسى : يا صاحب الغنم أجزرنا شاة من غنمك . قال : نعم . فأعطاه شاة فذبحها وشواها ، ثم قال لليهودي : كل ولا تكسر عظماً . فأكلا فلما شبعوا قذف عيسى العظام في الجلد ثم ضربها بعصاه وقال : قومي بإذن الله . فقامت الشاة تثغو فقال : يا صاحب الغنم خذ شاتك فقال له الراعي : من أنت؟! قال : أنا عيسى ابن مريم قال : أنت الساحر؟ وفر منه .
قال عيسى لليهودي : بالذي أحيا هذه الشاة بعدما أكلناها كم كان معك من الأرغفة أو - كم رغيف كان معك - فحلف ما كان معه إلا رغيف واحد .(2/341)
فمر بصاحب بقر فقال : يا صاحب البقر أجزرنا من بقرك هذه عجلاً . فأعطاه فذبحه وشواه وصاحب البقر ينظر فقال له عيسى : كل ولا تكسر عظماً . فلما فرغوا قذف العظام في الجلد ، ثم ضربه بعصاه وقال : قم بإذن الله تعالى ، فقام له خوار فقال : يا صاحب البقر خذ عجلك . قال : من أنت؟ قال : أنا عيسى قال : أنت عيسى الساحر؟ ثم فر منه .
قال عيسى لليهودي : بالذي أحيا هذه الشاة بعدما أكلناها ، والعجل بعدما أكلناه كم رغيفاً كان معك؟ فحلف بذلك ما كان معه إلا رغيف واحد . فانطلقا حتى نزلا قرية ، فنزل اليهودي في أعلاها ، وعيسى في أسفلها ، وأخذ اليهودي عصا مثل عصا عيسى وقال : أنا اليوم أحيي الموتى . وكان ملك تلك القرية مريضاً شديد المرض . فانطلق اليهودي ينادي : من يبغي طبيباً؟ فأُخْبِرَ بالملك وبوجعه فقال : ادخلوني عليه فأنا أبرئه ، وإن رأيتموه قد مات فأنا أحييه فقيل له : إن وجع الملك قد أعيا الأطباء قبلك! قال : ادخلوني عليه ، فأُدْخِلَ عليه ، فأخذ برجل الملك فضربه بعصاه حتى مات ، فجعل يضربه وهو ميت ويقول : قم بإذن الله تعالى . فأخذوه ليصلبوه ، فبلغ عيسى فأقبل إليه وقد رفع على الخشبة فقال : أرأيتم أن أحييت لكم صاحبكم أتتركون لي صاحبي؟ فقالوا : نعم . فأحيا عيسى الملك فقام . وأنزل اليهودي فقال : يا عيسى أنت أعظم الناس علي منة والله لا أفارقك أبداً .
قال عيسى أنشدك بالذي أحيا الشاة والعجل بعدما أكلناهما ، وأحيا هذا بعد ما مات ، وأنزلك من الجذع بعد رفعك عليه لتصلب . كم رغيفاً كان معك؟ فحلف بهذا كله ما كان معه إلا رغيف واحد . فانطلقا فمرا بثلاث لبنات ، فدعا الله عيسى فصيرهن من ذهب قال : يا يهودي لبنة لي ، ولبنة لك ، ولبنة لمن أكل الرغيف . قال : أنا أكلت الرغيف .
وأخرج ابن عساكر عن ليث قال : صحب رجل عيسى ابن مريم ، فانطلقا فانتهينا إلى شاطئ نهر ، فجلسا يتغديان ومعهما ثلاثة أرغفة ، فأكلا رغيفين وبقي رغيف . فقام عيسى إلى النهر يشرب ثم رجع فلم يجد الرغيف . فقال للرجل : من أكل الرغيف؟ قال : لا أدري! فانطلق معه فرأى ظبية معها خشفان ، فدعا أحدهما ، فأتاه فذبحه وشواه وأكلا ثم قال للخشف : ثم بإذن الله فقال للرجل : أسألك بالذي أراك هذه الآية من أكل الرغيف؟ قال : لا أدري! ثم انتهيا إلى البحر ، فأخذ عيسى بيد الرجل ، فمشى على الماء ثم قال : أنشدك بالذي أراك هذه الآية من أخذ الرغيف؟ فقال : لا أدري .
ثم انتهيا إلى مفازة وأخذ عيسى تراباً وطيناً فقال : كن ذهباً بإذن الله . فصار ذهباً ، فقسمه ثلاثة أثلاث فقال : ثلث لك ، وثلث لي ، وثلث لمن أخذ الرغيف . قال : أنا أخذنه . قال : فكله لك وفارقه عيسى ، فانتهى إليه رجلان فأرادا أن يأخذاه ويقتلاه قال : هو بيننا أثلاثاً ، فابعثوا أحدكم إلى القرية يشتري لنا طعاماً .(2/342)
فبعثوا أحدهم فقال الذي بُعِثَ : لأي شيء أقاسم هؤلاء المال ، ولكن أضع في الطعام سماً فاقتلهما . وقال ذانك : لأي شيء نعطي هذا ثلث المال ، ولَكِن إذا رجع قتلناه . فلما رجع إليهم قتلوه وأكلا الطعام فماتا . فبقي ذلك المال في المفازة ، وأولئك الثلاثة قتلى عنده .
وأخرج أحمد في الزهد عن خالد الحذاء قال : كان عيسى ابن مريم إذا سرح رسله يحيون الموتى يقول لهم : قولوا كذا قولوا كذا ، فإذا وجدتم قشعريرة ودمعة فادعوا عند ذلك .
وأخرج أحمد في الزهد عن ثابت قال : انطلق عيسى عليه الصلاة والسلام يزور أخاً له ، فاستقبله إنسان فقال : إن أخاك قد مات . فرجع فسمع بنات أخيه برجوعه عنهن ، فاتينه فقلن يا رسول الله رجوعك عنا أشد علينا من موت أبينا قال : فانطلقن فأرينني قبره ، فانطلقن حتى أرينه قبره قال : فصوت به فخرج وهو أشيب فقال : ألست فلاناً . . . ؟ قال : بلى . قال : فما الذي أرى بك؟ قال : سمعت صوتك فحسبته الصيحة .
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون } قال : بما أكلتم الراحة من طعام ، وما خبأتم منه .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كان عيسى يقول للغلام في الكتاب : إن أهلك قد خبأوا لك كذا وكذا . . . فذلك قوله { وما تدخرون } .
وأخرج ابن عساكر عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : كان عيسى ابن مريم وهو غلام يلعب مع الصبيان ، فكان يقول لأحدهم : تريد أن أخبرك بما خبأت لك أمك؟ فيقول : نعم . فيقول خبأت لك كذا وكذا . . . فيذهب الغلام منهم إلى أمه فيقول لها : اطعميني ما خبأت لي قالت : وأي شيء خبأت لك؟ فيقول : كذا وكذا . . . فتقول : من أخبرك؟! فيقول : عيسى ابن مريم فقالوا : والله لئن تركتم هؤلاء الصبيان مع عيسى ليفسدنهم . فجمعوهم في بيت واغلقوا عليهم ، فخرج عيسى يلتمسهم فلم يجدهم حتى سمع ضوضاءهم في بيت ، فسأل عنهم فقال : يا هؤلاء كأن هؤلاء الصبيان! قالوا : لا . إنما هؤلاء قردة وخنازير قال : اللهم اجعلهم قردة وخنازير . فكانوا كذلك .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمار بن ياسر قال { أنبئكم بما تأكلون } من المائدة { وما تدخرون } منها ، وكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت أن يأكلوا ولا يدخروا ، وخافوا فجعلوا قردة وخنازير .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود { وما تدخرون } مثقلة بالإدغام .(2/343)
وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)
أخرج ابن جرير عن وهب . أن عيسى كان على شريعة موسى عليهما السلام ، وكان يسبت ، ويستقبل بيت المقدس ، وقال لبني إسرائيل : أني لم أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة الا { ولأُحلّ لكم بعض الذي حرم عليكم } وأضع عنكم من الآصار .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { ولأحلّ لكم بعض الذي حرم عليكم } قال : كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى ، وكان حرم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل ، والثروب ، فأحلها لهم على لسان عيسى ، وحرمت عليهم الشحوم ، فأحلت لهم فيما جاء به عيسى ، وفي أشياء من السمك ، وفي أشياء من الطير ما لا صيصية له ، وفي أشياء أخر رحمها عليهم وشدد عليهم فيها . فجاءهم عيسى بالتخفيف منه في الإنجيل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وجئتكم بآية من ربكم } قال : ما بين لهم عيسى من الأشياء كلها وما أعطاه ربه .(2/344)
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله { فلما أحس عيسى منهم الكفر } قال : كفروا وأرادوا قتله . فذلك حين استنصر قومه . فذلك حين يقول { فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة } [ الصف : 14 ] .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { من أنصاري إلى الله } قال : من يتبعني إلى الله .
وأخرج ابن جرير عن السدي { من أنصاري إلى الله } يقول : مع الله .
وأما قوله تعالى : { قال الحواريون } الآية .
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إنما سموا الحواريين لبياض ثيابهم . كانوا صيادين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي أرطاة قال { الحواريون } الغسالون الذين يحورون الثياب : يغسلونها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال { الحواريون } الغسالون وهو بالنبطية هواري ، وبالعربية المحور .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال { الحواريون } قصارون مر بهم عيسى فآمنوا به واتبعوه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال { الحواريون } هم الذين تصلح لهم الخلافة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك قال { الحواريون } أصفياء الأنبياء .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة قال : « الحواري » الوزير .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة قال : « الحواري » الناصر .
وأخرج البخاري والترمذي وابن المنذر عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن لكل نبي حوارياً وإن حواريِّ الزبير .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أسيد بن يزيد قال { واشهد بأنا مسلمون } في مصحف عثمان ثلاثة أحرف .(2/345)
رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { فاكتبنا مع الشاهدين } قال : مع محمد صلى الله عليه وسلم وأمته . إنهم شهدوا له أنه قد بلغ ، وشهدوا للرسل أنهم قد بلغوا .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس { فاكتبنا مع الشاهدين } قال : مع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قضى صلاته : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك فإن السائلين عليك حقاً أيما عبد أو أمة من أهل البر والبحر تقبلت دعوتهم ، واستجبت دعاءهم ، أن تشركنا في صالح ما يدعونك به ، وإن تعافينا وإياهم ، وأن تقبل منا ومنهم ، وأن تجاوز عنا وعنهم ، بأنا { آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين } وكان يقول : لا يتكلم بهذا أحد من خلقه إلا أشركه الله في دعوة أهل بَرِّهم وأهل بحرهم فعمتهم وهو مكانه » .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : إن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلاً من الحواريين في بيت فقال عيسى لأصحابه : من يأخذ صورتي فيقتل وله الجنة؟ فأخذها رجل منهم وصعد بعيسى إلى السماء . فذلك قوله { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } .(2/346)
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { إني متوفيك } يقول : إني مميتك .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال { متوفيك } من الأرض .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن الحسن في قوله { إني متوفيك } يعني وفاة المنام رفعه الله في منامه ، قال الحسن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود : « إن عيسى لم يمت وأنه راجع إليكم قبل يوم القيامة » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة { إني متوفيك ورافعك إليّ } قال : هذا من المقدم والمؤخر : أي رافعك إليّ ومتوفيك .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مطر الوراق في الآية قال { متوفيك } من الدنيا وليس بوفاة موت .
وأخرج ابن جرير بسند صحيح عن كعب قال : لما رأى عيسى قلة من اتبعه وكثرة من كذبه ، شكا ذلك إلى الله . فأوحى الله إليه { إني متوفيك ورافعك إليَّ } وإني سأبعثك على الأعور الدجال فتقتله ، ثم تعيش بعد ذلك أربعاً وعشرين سنة ، ثم أميتك ميتة الحي . قال كعب : وذلك تصديق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال « كيف تهلك أمة أنا في أوّلها وعيسى في آخرها؟ » .
وأخرج اسحق بن بشر وابن عساكر عن الحسن قال : لم يكن نبي كانت العجائب في زمانه أكثر من عيسى إلى أن رفعه الله ، وكان من سبب رفعه أن ملكاً جباراً يقال له داود بن نوذا ، وكان ملك بني إسرائيل هو الذي بعث في طلبه ليقتله ، وكان الله أنزل عليه الإنجيل وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، ورفع وهو ابن أربع وثلاثين سنة من ميلاده . فأوحى الله إليه { إني متوفيك ورافعك إليَّ ومطهرك من الذين كفروا } يعني ومخلصك من اليهود فلا يصلون إلى قتلك .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من وجه آخر عن الحسن في الآية قال : رفعه الله إليه فهو عنده في السماء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب قال : توفى الله عيسى ابن مريم ثلاث ساعات من النهار رفعه إليه .
وأخرج ابن عساكر عن وهب قال : أماته الله ثلاثة أيام بعثه ورفعه .
وأخرج الحاكم عن وهب أن الله توفى عيسى سبع ساعات ثم أحياه ، وإن مريم حملت به ولها ثلاث عشرة سنة ، وأنه رفع ابن ثلاث وثلاثين ، وأن أمه بقيت بعد رفعه ست سنين .
وأخرج ابن اسحق بن بشر وابن عساكر من طريق جوهر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله { إني متوفيك ورافعك } يعني رافعك ثم متوفيك في آخر الزمان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جرير في الآية قال : رفعه إياه توفيته .(2/347)
وأخرج الحاكم عن الحريث بن مخشبي أن علياً قتل صبيحة إحدى وعشرين من رمضان ، فسمعت الحسن بن علي وهو يقول : قتل ليلة أنزل القرآن ، وليلة أُسْرِيَ بعيسى ، وليلة قُبِضَ موسى .
وأخرج ابن سعد وأحمد في الزهد والحاكم عن سعيد بن المسيب قال : رُفع عيسى ابن ثلاث وثلاثينَ سنة ، ومات لها معاذ .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { ومطهرك من الذين كفروا } قال : طهره من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، ومن كفار قومه .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير { ومطهرك من الذين كفروا } قال : إذ هموا منك بما هموا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } قال : أهل الإسلام الذين اتبعوه على فطرته وملته وسنته ، فلا يزالون ظاهرين على ناوأهم إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في الآية قال : ناصر من اتبعك على الإسلام على الذين كفروا إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن النعمان بن بشير « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين لا يبالون من خالفهم حتى يأتي أمر الله » قال النعمان : فمن قال إني أقول على رسول الله ما لم يقل فإن تصديق ذلك في كتاب الله تعالى . قال الله تعالى { وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { وجاعل الذين اتبعوك } قال : هم المسلمون ونحن منهم ، ونحن فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن أبي سفيان قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنها لن تبرح عصابة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على الناس حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك . ثم قرأ بهذه الآية { يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليَّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } » .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : النصارى فوق اليهود إلى يوم القيامة ، فليس بلد فيه أحد من النصارى إلا وهو فوق يهود في شرق ولا غرب في البلد كلها مستذلون .
وأخرج ابن المنذر عن الحسن في الآية قال : عيسى مرفوع عند الله ثم ينزل قبل يوم القيامة ، فمن صدق عيسى ومحمداً صلى الله عليه وسلم وكان على دينهما لم يزالوا ظاهرين على من فارقهم إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس في قوله { وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يقول : أدوا فرائضي { فيوفيهم أجورهم } يقول : فيعطيهم جزاء أعمالهم الصالحة كاملاً لا يبخسون منه شيئاَ ولا ينقصونه .(2/348)
ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال « أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم راهبا نجران فقال أحداهما : من أبو عيس؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعجل حتى يأمره ربه . فنزل عليه { ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم } إلى قوله { من الممترين } » .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { والذكر الحكيم } قال : القرآن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ستكون فتن قلت : فما المخرج منها؟ قال : كتاب الله ، هو الذكر الحكيم ، والصراط المستقيم » .(2/349)
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس « أن رهطاً من أهل نجران قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان فيهم السيد والعاقب فقالوا له : ما شأنك تذكر صاحبنا؟ قال : من هو؟ قالوا : عيسى تزعم أنه عبدالله! قال : أجل إنه عبدالله . قالوا : فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به؟ ثم خرجوا من عنده فجاءه جبريل فقال : قل لهم إذا أتوك { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } إلى آخر الآية » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : « ذكر لنا أن سيدي أهل نجران وأسقفيهم السيد والعاقب لقيا نبي الله فسألاه عن عيسى فقالا : كل أدمي له أب فما شأن عيسى لا أب له؟ فأنزل الله فيه هذه الآية { إن مثل عيسى عند الله . . . } الآية » . وأخرج ابن جرير عن السدي قال « لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع به أهل نجران أتاه منهم أربعة نفر من خيارهم ، منهم السيد ، والعاقب ، وماسرجس ، ومار بحر ، فسألوه ما تقول في عيسى؟ قال : هو عبدالله ، وروحه ، وكلمته » ، قالوا هم : لا ، ولكنه هو الله نزل من ملكه فدخل في جوف مريم ثم خرج منها ، فأرانا قدرته وأمره ، فهل رأيت إنساناً قط خلق من غير أب؟ فأنزل الله { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم . . . } الآية « .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله { إن مثل عيسى . . . } الآية قال : نزلت في العاقب ، والسيد ، من أهل نجران .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال » بلغنا أن نصارى نجران قدم وفدهم على النبي صلى الله عليه وسلم فيهم السيد ، والعاقب ، وهما يومئذ سيدا أهل نجران فقالوا : يا محمد فيم تشتم صاحبنا؟ قال : من صاحبكم؟! قالوا : عيسى ابن مريم تزعم أنه عبد . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجل إنه عبدالله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه . فغضبوا وقالوا : إن كنت صادقاً فأرنا عبداً يحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه ، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه ، لكنه الله . فسكت حتى أتاه حبريل فقال : يا محمد { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم . . . } [ المائدة : 72 ] الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جبريل إنهم سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى . قال جبريل { إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } فلما أصبحوا عادا فقرأ عليهم الآيات « .
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد عن الأزرق بن قيس قال : » جاء أسقف نجران ، والعاقب ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الإسلام فقالا : قد كنا مسلمين قبلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبتما مع الإسلام منكما ثلاث : قولكما اتخذ الله ولداً ، وسجودكما للصليب ، وأكلكما لحم الخنزير ، قالا : فمن أبو عيسى؟ فلم يدر ما يقول . فأنزل الله { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } إلى قوله { بالمفسدين } فلما نزلت هذه الآيات دعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملاعنه فقالا : إنه ان كان نبياً فلا ينبغي لنا أن نلاعنه ، فأبيا فقالا : ما تعرض سوى هذا؟ فقال : الإسلام ، أو الجزية ، أو الحرب ، فأقروا بالجزية « .(2/350)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { الحق من ربك فلا تكن من الممترين } يعني فلا تكن في شك من عيسى ، إنه كمثل آدم عبدالله ورسوله وكلمته .
وأخرج ابن المنذر عن الشعبي قال : « قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : حدثنا عن عيسى ابن مريم قال : رسول الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم . قالوا : ينبغي لعيسى أن يكون فوق هذا . فأنزل الله { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم . . . } الآية . قالوا : ما ينبغي لعيسى أن يكون مثل آدم . فأنزل الله { فمن حاجَّك فيه من بعد ما جاءك من العلم . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير عن عبدالله بن الحرث بن جزء الزبيدي « أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ليت بيني وبين أهل نجران حجاباً فلا أراهم ولا يروني ، من شدة ما كانوا يمارون النبي صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه » طس « سليمان . بسم الله إله إبراهيم وإسحق ويعقوب ، من محمد رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران . إن أسلمتم فإني أحمد إليكم الله إله إبراهيم وإسحق ويعقوب . أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد ، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ، فإن أبيتم فالجزية ، وإن أبيتم فقد آذنتكم بالحرب ، والسلام . فلما قرأ الأسقف الكتاب فظع به وذعر ذعراً شديداً ، فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة ، فدفع إليه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرأه فقال له الأسقف : ما رأيك . . . ؟ فقال شرحبيل : قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوّة ، فما يؤمن أن يكون هذا الرجل! ليس لي في النبوّة رأي ، لو كان رأي من أمر الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك .
فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران ، فكلهم قال مثل قول شرحبيل ، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة ، وعبدالله بن شرحبيل ، وجبار بن فيض ، فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق الوفد حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم وسألوه ، فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له : ما تقول في عيسى ابن مريم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى صبح الغد .(2/351)
فأنزل الله هذه الآية { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب } إلى قوله { فنجعل لعنة الله على الكاذبين } فأبوا أن يقروا بذلك .
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميلة له ، وفاطمة تمشي خلف ظهره للملاعنة ، وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبيه : إني أرى أمراً مقبلاً ان كان هذا الرجل نبياً مرسلاً فلاعناه لا يبقي على الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك فقالا له : ما رأيك؟ فقال : رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً . فقالا له : أنت وذاك . فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني قد رأيت خيراً من ملاعنتك قال : وما هو؟ قال : حكمك اليوم إلى الليل ، وليلتك إلى الصباح ، فمهما حكمت فينا فهو جائز . فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية « .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو نعيم في الدلائل عن حذيفة » أن العاقب ، والسيد ، أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يلاعنهما فقال أحدهما لصاحبه : لا تلاعنه فوالله لئن كان نبياً فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا فقالوا له : نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلاً أميناً فقال : قم يا أبا عبيدة . فلما وقف قال : هذا أمين هذه الأمة « .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال » قدم على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب ، والسيد ، فدعاهما إلى الإِسلام فقالا : أسلمنا يا محمد قال : كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإِسلام . قالا : فهات . قال : حب الصليب ، وشرب الخمر ، وأكل لحم الخنزير ، قال جابر : فدعاهما إلى الملاعنة ، فوعداه إلى الغد ، فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ بيد علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه ، وأقرا له ، فقال : والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما ناراً . قال جابر : فيهم نزلت { تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم . . . } الآية . قال جابر : أنفسنا وأنفسكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ، وأبناءنا الحسن والحسين ، ونساءنا فاطمة « .
وأخرج الحاكم وصححه عن جابر » أن وفد نجران أتوا النبي فقالوا : ما تقول في عيسى؟ فقال : هو روح الله ، وكلمته ، وعبد الله ، ورسوله ، قالوا له : هل لك أن نلاعنك أنه ليس كذلك؟ قال : وذاك أحب إليكم؟ قالوا : نعم . قال : فإذا شئتم . فجاء وجمع ولده الحسن والحسين ، فقال رئيسهم : لا تلاعنوا هذا الرجل فوالله لئن لاعنتموه ليخسفن بأحد الفريقين فجاؤوا فقالوا : يا أبا القاسم إنما أراد أن يلاعنك سفهاؤنا ، وإنا نحب أن تعفينا . قال قد أعفيتكم ثم قال : إن العذاب قد أظل نجران « .(2/352)
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس « أن وفد نجران من النصارى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم . منهم السيد وهو الكبير ، والعاقب وهو الذي يكون بعده ، وصاحب رأيهم ، فقال رسول الله لهما : أسلما قالا : أسلمنا . قال : ما أسلمتما . قالا : بلى . قد أسلمنا قبلك . قال : كذبتما يمنعكم من الإسلام ثلاث فيكما . عبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير ، وزعمكما أن لله ولداً . ونزل { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب . . . } الآية . فلما قرأها عليهم قالوا : ما نعرف ما تقول . ونزل { فمن حاجَّك فيه من بعد ما جاءك من العلم } يقول : من جادلك في أمر عيسى من بعد ما جاءك من العلم من القرآن { فقل تعالوا } إلى قوله { ثم نبتهل } يقول : نجتهد في الدعاء أن الذي جاء به محمد هو الحق ، وإن الذي يقولون هو الباطل فقال لهم : إن الله قد أمرني إن لم تقبلوا هذا أن أباهلكم فقالوا : يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك . فخلا بعضهم ببعض وتصادقوا فيما بينهم قال السيد للعاقب : قد والله علمتم أن الرجل نبي مرسل ، ولئن لاعنتموه إنه ليستأصلكم ، وما لاعن قوم قط نبياً فبقي كبيرهم ، ولا نبت صغيرهم . فإن أنتم لم تتعوه وأبيتم إلا إلف دينكم فوادعوه وارجعوا إلى بلادكم . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومعه علي ، والحسن ، والحسين ، وفاطمة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إن أنا دعوت فأمنوا أنتم . فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية « » .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس « أن ثمانية من أساقف العرب من أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم العاقب ، والسيد ، فأنزل الله { قل تعالوا ندع أبناءنا } إلى قوله { ثم نبتهل } يريد ندع الله باللعنة على الكاذب . فقالوا : أخرنا ثلاثة أيام ، فذهبوا إلى بني قريظة ، والنضير ، وبني قينقاع ، فاستشارهم . فاشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه ، وهو النبي الذي نجده في التوراة . فصالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على ألف حلة في صفر ، وألف في رجب ودراهم » .(2/353)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن قتادة { فمن حاجَّك فيه } في عيسى { فقل تعالوا ندع أبناءنا . . . . } الآية « فدعا النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وفد نجران ، وهم الذين حاجوه في عيسى فنكصوا وأبوا . وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن كان العذاب لقد نزل على أهل نجران ، ولو فعلوا لاستؤصلوا عن وجه الأرض » .
وأخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن الشعبي قال « كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى قولاً في عيسى ابن مريم ، فكانوا يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم فيه . فأنزل الله هذه الآيات في سورة آل عمران { إن مثل عيسى عند الله } إلى قوله { فنجعل لعنة الله على الكاذبين } فأمر بملاعنتهم ، فواعدوه لغد ، فغدا النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن ، والحسين ، وفاطمة ، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تموا على الملاعنة » .
وأخرج عبد الرزاق والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال « لو باهل أهل نجران رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً » .
وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقاص قال : « لما نزلت هذه الآية { فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً ، وفاطمة ، وحسناً ، وحسيناً ، فقال » اللهم هؤلاء أهلي « » .
وأخرج ابن جرير عن غلباء بن أحمر اليشكري قال « لما نزلت هذه الآية { فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم . . . } الآية . أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ، وفاطمة ، وابنيهما الحسن ، والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود : ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا . فانتهوا » .
وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية { تعالوا ندع أبناءنا . . . } الآية . قال : فجاء بأبي بكر وولده ، وبعمر وولده ، وبعثمان وولده ، وبعلي وولده .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عباس { ثم نبتهل } نجتهد .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هذا الإخلاص يشير بأصبعه التي تلي الإبهام ، وهذا الدعاء فرفع يديه حذو منكبيه ، وهذا الابتهال فرفع يديه مداً » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { إن هذا لهو القصص الحق } يقول : إن هذا الذي قلنا في عيسى هو الحق .
وأخرج عبد بن حميد عن قيس بن سعد قال : كان بين ابن عباس وبين آخر شيء فقرأ هذه الآية { تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل } فرفع يديه واستقبل الركن { فنجعل لعنة الله على الكاذبين } .(2/354)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)
أخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال « كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا . . . } [ البقرة : 136 ] الآية . وفي الثانية { تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم } » .
وأخرج عبد الرزاق والبخاري ومسلم والنسائي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال « حدثني أبو سفيان أن هرقل دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه ، فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى . أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام . أسلم تسلم . أسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الاريسيين { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً } إلى قوله { اشهدوا بأنا مسلمون } » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكفار { تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله { تعالوا إلى كلمة . . . } الآية . قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا يهود أهل المدينة إلى ذلك فأبوا عليه . فجاهدهم حتى أتوا بالجزية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال « ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا يهود أهل المدينة إلى الكلمة السواء ، وهم الذين حاجوا في إبراهيم وزعموا أنه مات يهودياً ، وأكذبهم الله ونفاهم منه فقال { يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم . . . } [ آل عمران : 65 ] الآية » .
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال « ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا اليهود إلى الكلمة السواء » .
وأخرج عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله { قل يا أهل الكتاب تعالوا . . . } الآية قال : فدعاهم إلى النصف وقطع عنهم الحجة . يعني وفد نجران .
وأخرج عن السدي قال « ثم دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني الوفد من نصارى نجران فقال : { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة { تعالوا إلى كلمة سواء } قال : عدل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع . مثله .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { سواء بيننا وبينكم } قال : عدل . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت قول الشاعر :
تلاقينا تعاصينا سواء ... ولكن حم عن حال بحال
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : كلمة السواء لا إله إلا الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد { تعالوا إلى كلمة سواء } قال : لا إله إلا الله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله } قال : لا يطيع بعضنا بعضاً في معصية الله ويقال : إن تلك الربوبية أن يطيع الناس سادتهم وقادتهم في غير عبادة وإن لم يصلوا لهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً } قال : سجود بعضهم لبعض .(2/355)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)
أخرج ابن اسحق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : « اجتمعت نصارى نجران ، وأحبار يهود ، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتنازعوا عنده فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلا يهودياً ، وقالت النصارى : ما كان إبراهيم إلا نصرانياً . فأنزل الله فيهم { يا أهل الكتاب لما تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده } إلى قوله { والله ولي المؤمنين } فقال أبو رافع القرظي : أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران : أذلك تريد يا محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : معاذ الله أن أعبد غير الله ، أو آمر بعبادة غيره . ما بذلك بعثني ، ولا أمرني . فأنزل الله في ذلك من قولهما { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله } [ آل عمران : 79 ] إلى قوله { بعد إذ أنتم مسلمون } ثم ذكر ما أخذ عليهم وعلى آبائهم من الميثاق بتصديقه إذا هو جاءهم ، وإقرارهم به على أنفسهم فقال { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين } [ آل عمران : 81 ] إلى قوله { من الشاهدين } » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال « ذكر النبي صلى الله عليه وسلم دعا يهود أهل المدينة ، وهم الذين حاجوا في إبراهيم ، وزعموا أنه مات يهودياً . فأكذبهم الله وتفاهم منه فقال { يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم } وتزعمون أنه كان يهودياً أونصرانياً { وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده } فكانت اليهودية بعد التوراة ، وكانت النصرانية بعد الإنجيل { أفلا تعقلون } » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم } قال : اليهود والنصارى برأه الله منهم حين ادعى كل أمة منهم ، وألحق به المؤمنين من كان من أهل الحنيفية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي { يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم } قالت النصارى : كان نصرانياً . وقالت اليهود : كان يهودياً . فأخبرهم الله أن التوراة والإنجيل إنما أنزلتا من بعده ، وبعده كانت اليهودية والنصرانية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية { ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم } يقول : فيما شهدتم ورأيتم وعاينتم { فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم } يقول : فيما لم تشهدوا ولم تروا تعاينوا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة . مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : أما الذي لهم به علم فما حرم عليهم وما أُمروا به ، وأما الذي ليس لهم به علم فشأن إبراهيم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : يعذر من حاج بعلم ، ولا يعذر من حاج بالجهل .(2/356)
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)
وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال : قالت اليهود : إبراهيم على ديننا . وقال النصارى : هو على ديننا . فأنزل الله { ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً . . . } الآية . فأكذبهم وأدحض حجتهم .
وأخرج عن الربيع . مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : قال كعب وأصحابه ونفر من النصارى : إن إبراهيم منا ، وموسى منا ، والأنبياء منا . فقال الله { ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً } .
وأخرج ابن جرير عن سالم بن عبدالله لا أراه إلا يحدثه عن أبيه : أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه ، فلقي عالماً من اليهود فسأله عن دينه وقال : إني لعلّي أن أدين دينكم فأخبرني عن دينكم؟ فقال له اليهودي : إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله قال زيد : ما أفر إلا من غضب الله ، ولا أحمل من غضب الله شيئاً أبداً ، فهل تدلني على دين ليس فيه هذا؟ قال : ما أعلمه الا أن تكون حنيفاً . قال : وما الحنيف؟ قال : دين إبراهيم لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ، وكان لا يعبد إلا الله . فخرج من عنده فلقي عالماً من النصارى فسأله عن دينه؟ فقال : إنّي لعلّي أن أدين دينكم فأخبرني عن دينكم؟ قال : إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله قال : لا أحتمل من لعنة الله شيئاً ، ولا من غضب الله شيئاً أبداً فهل تدلني على دين ليس فيه هذا؟ فقال له نحو ما قاله اليهودي : لا أعلمه إلا أن تكون حنيفاً . فخرج من عندهم وقد رضي بالذي أخبراه ، والذي اتفقا عليه من شأن إبراهيم . فلم يزل رافعاً يديه ألى الله وقال : اللهم إني أشهدك اني على دين إبراهيم .(2/357)
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)
أخرج عبد بن حميد من طريق شهر بن حوشب حدثني ابن غنم . أنه لما خرج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أدركهم عمرو بن العاص ، وعمارة بن أبي معيط ، فأرادوا عنتهم والبغي عليهم ، فقدموا على النجاشي وأخبروه أن هؤلاء الرهط الذين قدموا عليك من أهل مكة إنما يريدون أن يخبلوا عليك ملكك ، ويفسدوا عليك أرضك ، ويشتموا ربك . فأرسل إليهم النجاشي فلما أن أتوه قال : ألا تسمعون ما يقول صاحباكم هذان؟ لعمرو بن العاص ، وعمارة بن أبي معيط ، يزعمان أنما جئتم لتخبلوا عليَّ ملكي ، وتفسدوا علي أرضي . فقال عثمان بن مظعون ، وحمزة : إن شئتم فخلوا بين أحدنا وبين النجاشي فلنكلمه فانا أَحْدَثَكُمْ سناً ، فإن كان صواباً فالله يأتي به ، وإن كان أمراً غير ذلك قلتم رجل شاب لكم في ذلك عذر . فجمع النجاشي قسيسيه ورهبانه وتراجمته ، ثم سألهم أرأيتكم صاحبكم هذا الذي من عنده جئتم ما يقول لكم ، وما يأمركم به ، وما ينهاكم عنه . هل له كتاب يقرأه؟ قالوا : نعم . هذا الرجل يقرأ ما أنزل الله عليه ، وما قد سمع منه ، وهو يأمر بالمعروف ، ويأمر بحسن المجاورة ، ويأمر باليتيم ، ويأمر بأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه إله أخر . فقرأ عليه سورة الروم ، وسورة العنكبوت ، وأصحاب الكهف ، ومريم . فلما ان ذكر عيسى في القرآن أراد عمرو أن يغضبه عليهم فقال : والله إنهم ليشتمون عيسى ويسبونه قال النجاشي : ما يقول صاحبكم في عيسى؟ قال : يقول ان عيسى عبدالله ، ورسوله ، وروحه ، وكلمته ألقاها إلى مريم . فأخذ النجاشي نفثة من سواكه قدر ما يقذي العين ، فحلف ما زاد المسيح على ما يقول صاحبكم ما يزن ذلك القذى في يده من نفثة سواكه ، فابشروا ولا تخافوا فلا دهونة يعني بلسان الحبشة اليوم على حزب إبراهيم قال عمرو بن العاص : ما حزب إبراهيم؟ قال : هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاؤوا من عنده ومن اتبعهم . فأنزلت ذلك اليوم خصومتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين } .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن لكل نبي ولاة من النبيين ، وإن وليي منهم أبي وخليل ربي ثم قرأ { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين } » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحكم بن ميناء « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا معشر قريش إن أولى الناس بالنبي المتقون ، فكونوا أنتم بسبيل ذلك ، فانظروا أن لا يلقاني الناس يحملون الأعمال ، وتلقوني بالدنيا تحولنها فأصدُّ عنكم بوجهي . ثم قرأ عليهم هذه الآية { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين } » .(2/358)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه } قال : هم المؤمنون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه } يقول الذين اتبعوه على ملته ، وسنته ، ومنهاجه ، وفطرته ، { وهذا النبي } وهو نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم { والذين آمنوا معه } وهم المؤمنون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : كل مؤمن ولي لإبراهيم ممن مضى وممن بقي .
وأخرج أحمد وابن أبي داود في البعث وابن أبي الدنيا في العزاء والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة » .(2/359)
وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سفيان قال : كل شيء في آل عمران من ذكر اهل الكتاب فهو في النصارى .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { يا أهل الكتاب لمَ تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون } قال : تشهدون أن نعت نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم في كتابكم ثم تكفرون به ، وتنكرونه ، ولا تؤمنون به ، وأنتم تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل . النبي الأمي .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع . مثله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { يا أهل الكتاب لمَ تكفرون بآيات الله } قال : محمد { وأنتم تشهدون } قال : تشهدون أنه الحق تجدونه مكتوباً عندكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { لم تكفرون بآيات الله } قال : بالحجج { وأنتم تشهدون } ان القرآن حق ، وأن محمداً رسول الله تجدونه مكتوباً في التوراة والإنجيل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج { لمَ تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون } على أن الدين عند الله الإسلام ، ليس لله دين غيره .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { لمَ تلبسون الحق بالباطل } يقول : لمَ تخلطون اليهودية والنصرانية بالإسلام ، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره الإسلام { وتكتمون الحق } يقول : تكتمون شأن محمد صلى الله عليه وسلم وأنتم تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة . مثله .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال عبدالله بن الضيف ، وعدي بن زيد ، والحرث بن عوف ، بعضهم لبعض : تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية ، حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع فيرجعون عن دينهم . فأنزل الله فيهم { يا أهل الكتاب لمَ تلبسون الحق بالباطل } إلى قوله { والله واسع عليم } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن أبي مالك قال : قالت اليهود بعضهم لبعض : آمنوا معهم بما يقولون أول النهار وارتدوا آخره لعلهم يرجعون معكم . فاطلع الله على سرهم ، فأنزل الله تعالى { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وقالت طائفة من أهل الكتاب } الآية . قال : كان أحبار قرى عربية إثنى عشر حبراً فقالوا لبعضهم : أدخلوا في دين محمد أول النهار وقولوا : نشهد أن محمداً حق صادق ، فإذا كان آخر النهار فاكفروا ، وقولوا : إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم فحدثونا : أن محمداً كاذب ، وإنكم لستم على شيء ، وقد رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم لعلهم يشكون فيقولون : هؤلاء كانوا معنا أول النهار فما بالهم! فأخبر الله رسوله بذلك .(2/360)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عت ابن عباس في قوله { وقالت طائفة . . . } الآية . قال : أن طائفة من اليهود قالت : إذا لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا ، وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب ، وهم أعلم منا لعلهم ينقلبون عن دينهم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس في قوله { وقالت طائفة . . . } الآية . قال : كانوا يكونون معهم أول النهار ويجالسونهم ويكلمونهم ، فإذا أمسوا وحضرت الصلاة كفروا به وتركوه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار } يهود تقوله ، صلت مع محمد صلاة الفجر ، وكفروا آخر النهار مكراً منهم ليروا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالة بعد إذ كانوا اتبعوه .
وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله { وجه النهار } قالا : أول النهار .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } قال : هذا قول بعضهم لبعض .
وأخرج ابن جرير عن الربيع . مثله .
وأخرج ابن جرير عن السدي { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } قال : لا تؤمنوا إلا لمن تبع اليهودية .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : كانت اليهود تقول أحبارها للذين من دينهم : ائتوا محمداً وأصحابه أول النهار فقولوا نحن على دينكم ، فإذا كان بالعشي فأتوهم فقولوا لهم : إنا كفرنا بدينكم ونحن على ديننا الأول ، إنا قد سألنا علماءنا فأخبرونا أنكم لستم على شيء . وقالوا لعل المسلمين يرجعون إلى دينكم فيكفرون بمحمد { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } فأنزل الله { قل إن الهدى هدى الله } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } حسداً من يهود أن تكون النبوّة في غيرهم ، وإرادة أن يتابعوا على دينهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك وسعيد بن جبير { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } قالا : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال الله لمحمد { قل إن الهدى هدى الله } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : قال الله لمحمد { قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } يا أمة محمد { أو يحاجوكم عند ربكم } يقول اليهود : فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة حتى أنزل علينا المن والسلوى ، فإن الذي أعطاكم أفضل فقولوا { إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } .(2/361)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة { قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } يقول : لما أنزل الله كتاباً مثل كتابكم ، وبعث نبياً كنبيكم حسدتموه على ذلك { قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } .
وأخرج ابن جرير عن الربيع . مثله .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج { قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } يقول : هذا الأمر الذي أنتم عليه مثل ما أوتيتم { أو يحاجُّوكم عند ربكم } قال : قال بعضهم لبعض : لا تخبروهم بما بينَّ الله لكم في كتابه { ليحاجُّوكم } قال : ليخاصموكم به ربكم ، فتكون لهم حجة عليكم { قل إن الفضل بيد الله } قال : الإسلام { يختص برحمته من يشاء } قال : القرآن والإسلام .
وأخرج عبد بن حميد وابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { يختص برحمته من يشاء } قال : النبوّة يختص بها من يشاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { يختص برحمته من يشاء } قال : رحمته الإسلام . يختص بها من يشاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { ذو الفضل العظيم } يعني الوافر .(2/362)
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك } قال : هذا من النصارى { ومنهم من أن تأمنه بدينار لا يؤدِّه إليك } قال : هذا من اليهود { إلا ما دمت عليه قائماً } قال : إلا ما طلبته واتبعته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤدِّه إليك } قال : كانت تكون ديون لأصحاب محمد عليهم فقالوا : ليس علينا سبيل في أموال أصحاب محمد إن أمسكناها . وهم أهل الكتاب أمروا أن يؤدوا إلى كل مسلم عهده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك ين دينار قال : إنما سمي الدينار لأنه دين ، ونار ، قال : معناه أن من أخذه بحقه فهو دينه ، ومن أخذ بغير حقه فله النار .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن الدرهم لمَ سمي درهماً ، وعن الدينار لمَ سمي ديناراً؟ قال : أما الدرهم فكان يسمى دارهم ، وإما الدينار فضربته المجوس فسمي ديناراً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم مجاهد { إلا ما دمت عليه قائماً } قال : مواظباً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { إلا ما دمت عليه قائماً } يقول : يعترف بأمانته ما دمت عليه قائماً على رأسه ، فإذا قمت ثم جئت تطلبه كافرك الذي يؤدي والذي يجحد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل } قال قالت اليهود : ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : يقال له ما بالك لا يؤدي أمانتك؟؟ فيقول : ليس علينا حرج في أموال العرب ، قد أحلَّها الله لنا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابي أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال « لما نزلت { ومن أهل الكتاب } إلى قوله { ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل } قال النبي صلى الله عليه وسلم : كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي هاتين إلا الأمانة فإنها مؤدَّاة إلى البر والفاجر » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن صعصعة . أنه سأل ابن عباس فقال : إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة . قال ابن عباس : فتقولون ماذا؟ قال : نقول ليس علينا في ذلك من بأس . قال : هذا كما قال أهل الكتاب { ليس علينا في الأميين سبيل } إنهم أدُّوا الجزية لم تحلَّ لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في الآية قال : بايع اليهودَ رجالٌ من المسلمين في الجاهلية فلما أسلموا تقاضوهم ثمن بيوعهم فقالوا : ليس علينا أمانة ، ولا قضاء لكم عندنا لأنكم تركتم دينكم الذي كنتم عليه ، وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم فقال الله { ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } .
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس { بلى من أوفى بعهده واتقى } يقول : اتقى الشرك { فإن الله يحب المتقين } يقول الذين يتقون الشرك .(2/363)
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)
أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان . فقال الأشعث بن قيس : فيَّ والله كان ذلك ، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني ، فقدمته النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألك بيَّنة . . . ؟ قلت : لا . فقال لليهودي : احلف . . . فقلت : يا رسول الله إذن يحلف فيذهب مالي . فأنزل الله { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } إلى آخر الآية » .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري وابن المنذر أبي حاتم عن عبد الله بن أبي أوفى . أن رجلاً أقام سلعة له في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ، ليوقع فيها رجلاً من المسلمين . فنزلت هذه الآية { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً . . . } إلى آخر الأية .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن عدي بن بحيرة قال « كان بين امرئ القيس ورجل من حضرموت خصومة فارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال للحضرمي : بينتك وإلا فيمينة قال : يا رسول الله إن حلف ذهب بأرضي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها حق أخيه لقي الله وهو عليه غضبان . فقال امرؤ القيس : يا رسول الله فما لمن تركها وهو يعلم أنها حق؟ قال : الجنة . . . فقال : أشهدك إني قد تركتها . فنزلت هذه الآية { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } » إلى آخر الآية . لفظ ابن جرير .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج « أن الأشعث بن قيس اختصم هو ورجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض كانت في يده لذلك الرجل أخذها في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقم بينتك قال الرجل : ليس يشهد لي أحد على الأشعث قال : فلك يمينه فقال الأشعث : نحلف . فأنزل الله { إن الذين يشترون بعهد الله . . . } الآية . فنكل الأشعث وقال : إني أشهد الله وأشهدكم أن خصمي صادق ، فرد إليه أرضه ، وزاده من أرض نفسه زيادة كثيرة » .
وأخرج ابن جرير عن الشعبي ، أن رجلاً أقام سلعته من أول النهار ، فلما كان آخره جاء رجل يساومه ، فحلف لقد منعها أول النهار من كذا ، ولولا المساء ما باعها به .(2/364)
فأنزل الله { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد . نحوه .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : نزلت هذه الآية { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } في أبي رافع ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وكعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب .
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق ابن عون عن إبراهيم ومحمد والحسن في قوله { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } قالوا : هو الرجل يقتطع مال الرجل بيمينه .
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي عن وائل بن حجر قال « جاء رجل من حضرموت ، ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي : يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي . قال الكندي : هي أرض كانت في يدي أزرعها ليس له فيها حق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي : ألك بينة؟ قال : لا . قال : فلك يمينه فقال : يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه ، وليس يتورع عن شيء فقال : ليس لك منه إلا ذلك ، فانطلق ليحلف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبر : لئن حلف على مال ليأكله ظلماً ليلقين الله وهو عنه معرض » .
وأخرج أبو داود وابن ماجة عن الأشعث بن قيس « أن رجلاً من كندة ، وآخر من حضرموت ، اختصما إلى رسول الله صلى عليه وسلم في أرض من اليمن فقال الحضرمي : يا رسول الله إن أرضي اغتصبها أبو هذا وهي في يده فقال : هل لك بينة؟ قال : لا . ولكن أحلفه والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبها أبوه . فتهيأ الكندي لليمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقتطع أحد مالاً بيمين إلا لقي الله وهو أجذم فقال الكندي : هي أرضه » .
وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى والطبراني بسند حسن عن أبي موسى قال « اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض أحدهما من حضرموت ، فجعل يمين أحدهما فضج الآخر وقال : إذن يذهب بأرضي فقال : إن هو اقتطعها بيمينه ظلماً كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ، ولا يزكيه ، وله عذاب أليم ، قال : وروع الآخر فردها » .
وأخرج أحمد بن منيع في مسنده والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال : كنا نعد من الذنب الذي ليس كفارة اليمين الغموس قيل : وما اليمين الغموس؟ فقال : الرجل يقتطع بيمينه مال الرجل .
وأخرج ابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن الحرث بن البرصاء : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج بين الجمرتين وهو يقول : « من اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة فليتبوّأ مقعده من النار . ليبلِّغ شاهدكم غائبكم مرتين أو ثلاثاً » .(2/365)
وأخرج البزار عن عبد الرحمن بن عوف « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اليمين الفاجرة تذهب بالمال » .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس مما عُصِيَ الله به هو أعجل عقاباً من البغي ، وما من شيء أُطيع الله فيه أسرع ثواباً من الصلة . واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع » .
وأخرج الحرث بن أبي أسامة والحاكم وصححه عن كعب بن مالك « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين مسلم كاذبة كانت نكتة سوداء في قلبه لا يغيرها شيء إلى يوم القيامة » .
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جابر بن عتيك قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من اقتطع مال مسلم بيمينه حرَّم عليه الجنة وأوجب له النار . فقيل : يا رسول الله وإن شيئاً يسيراً؟ قال : وإن سواكاً » .
وأخرج مالك وابن سعد وأحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرَّم عليه الجنة . قالوا : وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال : وإن كان قضيباً من أراك ثلاثاً » .
وأخرج ابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة على يمين آثمة ولو على سواك رطبة إلا وجبت له النار » .
وأخرج ابن ماجة وابن حبان عن جابر بن عبد الله قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين آثمة عند منبري هذا فليتبوّأ مقعده من النار . ولو على سواك أخضر » قال أبو عبيد والخطابي : كانت اليمين على عهده صلى الله عليه وسلم عند المنبر .
وأخرج عبد الرزاق عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن اليمين الكاذبة تنفق السلعة وتمحق الكسب » .
وأخرج عبد الرزاق عن أبي سويد قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن اليمين الفاجرة تعقم الرحم ، وتقل العدد ، وتدع الديار بلاقع » .
وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ثلاثة لا يكلمهم الله ، ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم : رجل حلف يميناً على مال مسلم فاقتطعه ، ورجل حلف على يمين بعد العصر أنه أعطي بسلعته أكثر مما أعطي وهو كاذب ، ورجل منع فضل ماء فإذن الله سبحانه يقول : اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك » .(2/366)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير والحاكم وصححه عن عمران بن حصين ، أنه كان يقول : من حلف على يمين فاجرة يقتطع بها مال أخيه فليتبوّأ مقعدة من النار . فقال له قائل : شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال لهم : إنكم لتجدون ذلك ثم قرأ { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم } الآية .
وأخرج البخاري عن ابن أبي مليكة ، أن امرأتين كانتا تخرزان في بيت ، فخرجت إحداهما وقد أنفذ بإشفاء في كفها فادعت على الأخرى ، فرفع إلى ابن عباس فقال ابن عباس « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو يُعطي الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم ذكروها بالله ، واقروا عليها { إن الذين يشترون بعهد الله . . . } الآية . فذكروها فاعترفت » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن المنذر عن سعيد بن المسيب قال : إن اليمين الفاجرة من الكبائر . ثم تلا { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : كنا نرى ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من الذنب الذي لا يغفر يمين فجر فيها صاحبها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال : من قرأ القرآن يتأكل الناس به أتى الله يوم القيامة ووجهه بين كتفيه ، وذلك بأن الله يقول { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن زاذان قال : من قرأ القرآن يأخذ به جاء يوم القيامة ووجهه عظم عليه لحم .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي ذر قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله ، ولا ينظر إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : المسبل إزاره ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ، والمنان » .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : رجل منِّع ابن السبيل فضل ماء عنده ، ورجل حلف على سلعة بعد العصر كاذباً فصدَّقه فاشتراها بقوله ، ورجل بايع إماماً فإن أعطاه وفى له وإن لم يعطه لم يَفِ له » .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سلمان : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا يزكِّيهم ، ولهم عذاب أليم : أشمط زانٍ ، وعائل مستكبر ، ورجل جعل الله له بضاعة فلا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه » .
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض وعنقه منثن تحت العرش وهو يقول : سبحانك ما أعظمك ربنا! فيرد عليه ما علم ذلك من حلف بي كاذباً . » .(2/367)
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب } قال : هم اليهود كانوا يزيدون في كتاب الله ما لم ينزل الله .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { يلوون ألسنتهم بالكتاب } قال : يحرِّفونه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : إن التوراة والإنجيل كنا أنزلهما الله لم يغير منهما حرف ، ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل ، وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم { ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله } فأما كتب الله فهي محفوظة لا تحوّل .(2/368)
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال « قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعاهم إلى الإسلام : أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس : أوَ ذاك تريد منا يا محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : معاذ الله . . . ! أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غيره . ما بذلك بعثني ، ولا بذلك أمرني . فأنزل الله في ذلك من قولهما { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب } إلى قوله { بعد إذ أنتم مسلمون } » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : كان ناس من يهود يتعبدون الناس من دون ربهم بتحريفهم كتاب الله عن موضعه . فقال الله { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله } ثم يأمر الناس بغير ما أنزل الله في كتابه .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال « بلغني أن رجلاً قال : يا رسول الله نسلِّم عليك كما يسلم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك؟ قال : لا . ولكن أكرموا نبيكم ، واعرفوا الحق لأهله ، فانه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله . فأنزل الله { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب } إلى قوله { بعد إذ أنتم مسلمون } » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { ربانيين } قال : فقهاء معلمين .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله { ربانيين } قال : حلماء علماء حكماء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن طريق الضحاك عن ابن عباس { ربانيين } قال : علماء فقهاء .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس { ربانيين } قال : حكماء فقهاء .
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود { ربانيين } قال : حكماء علماء .
وأخرج ابي جرير عن مجاهد قال { الربانيون } الفقهاء العلماء . وهم فوق الأحبار .
وأخرج عن سعيد بن جبير { ربانيين } قال : حكماء أتقياء .
وأخرج ابن جرير عن ابي زيد قال « الربانيون » الذين يربون الناس ولاة هذا الأمر . يلونهم ، وقرأ { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار } [ المائدة : 63 ] قال ( الربانيون ) الولاة ( والأحبار ) العلماء .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب } قال : حق على كل من تعلم القرآن أن يكون فقيهاً .
وأخرج ابن المنذر عن ابق عباس أنه كان يقرأ { بما كنتم تعلمون } .(2/369)
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه قرأ { بما كنتم تعلمون } مثقلة برفع التاء وكسر اللام .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ، أنه قرأ { بما كنتم تعلمون الكتاب } خفيفة بيصب التاء قال ابن عيينة : ما علموه حتى علموه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي بكر قال : كان عاصم يقرؤها { بما كنتم تعلمون الكتاب } مثقلة برفع التاء وكسر اللام . قال : القرآن { وبما كنتم تدرسون } قال : الفقه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك قال : لا يعذر أحد حر ، ولا عبد ، ولا رجل ، ولا امرأة؛ لا يتعلم من القرآن جهده ما بلغ منه فإن الله يقول : { كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } يقول : كونوا فقهاء ، كونوا علماء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي رزين في قوله { وبما كنتم تدرسون } قال : مذاكرة الفقه ، كانوا يتذاكرون الفقه كما نتذاكره نحن .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج { ولا يأمركم أن تتخذوا } قال : ولا يأمركم النبي .(2/370)
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)
أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة } قال : هي خطأ من الكتاب . وهي قراءة ابن مسعود { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب } .
وأخرج ابن جرير عي الربيع أنه قرأ { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب } قال : وكذلك كان يقرؤها أبي بن كعب . قال الربيع : ألا ترى أنه يقول { ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه } يقول : لتؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ولتنصرنه . قال : هم أهل الكتاب .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إن أصحاب عبد الله يقرؤون { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لما آتيتكم من كتاب وحكمة } ونحن نقرأ { ميثاق النبيين } فقال ابن عباس : إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن طاوس في الآية قال : أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن طاوس في الآية قال : أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء ليصدقن ، وليؤمنن بما جاء به الآخر منهم .
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لم يبعث الله نبياً؛ آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد ، لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ، ولينصرنه . ويأمره فيأخذ العهد على قومه . ثم تلا { وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابي جرير عن قتادة في الآية قال : هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً ، وأن يبلِّغوا كتاب الله ورسالاته ، فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم ، وأخذ عليهم فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويصدقوه ، وينصروه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : لم يبعث الله نبياً قط من لدن نوح إلا أخذ الله ميثاقه؛ ليؤمنن بمحمد ، ولينصرنه إن خرج وهو حي ، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به وينصروه إن خرج وهم أحياء .
وأخرج ابن جريج عن الحسن في الآية قال : أخذ الله ميثاق النبيين ليبلغن آخركم أوّلكم ، ولا تختلفوا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : ثم ذكر ما أخذ عليهم يعني على أهل الكتاب وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه يعني بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم إذ جاءهم ، وإقرارهم به على أنفسهم .(2/371)
وأخرج أحمد عن عبد الله بن ثابت قال « جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد مررت بأخ لي من قريظة ، فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد رسولاً . فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه لضللتم . إنكم حظي من الأمم ، وأنا حظكم من النبيين » .
وأخرج أبو يعلى عن جابر قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا . إنكم أما أن تصدقوا بباطل ، وإما أن تكذبوا بحق ، وأنه والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني » .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه قرأ { لما آتيتكم } ثقل لما .
وأخرج عن عاصم أنه قرأ { لما } مخففة { آتيتكم } بالتاء على واحدة يعني أعطيتكم .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { إصري } قال : عهدي .
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله { قال فاشهدوا } يقول : فاشهدوا على أممكم بذلك { وأنا معكم من الشاهدين } عليكم وعليهم { فمن تولى } عنك يا محمد بعد هذا العهد من جميع الأمم { فأولئك هم الفاسقون } هم العاصون في الكفر .(2/372)
أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)
أخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس « عن النبي صلى الله عليه وسلم { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً } أما من في السموات فالملائكة ، وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام ، وأما كرهاً فمن أتى به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون » .
وأخرج الديلمي عن أنس قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً } قال : الملائكة أطاعوه في السماء ، والأنصار وعبد القيس أطاعوه في الأرض » .
وأخرج ابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس { وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً } قال : حين أخذ الميثاق .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في الآية قال : عبادتهم لي أجمعين { طوعاً وكرهاً } وهو قوله { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً } [ الرعد : 15 ] .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس { وله أسلم من في السماوات } قال : هذه مفصولة { ومن في الأرض طوعاً وكرهاً } .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس { وله أسلم } قال : المعرفة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال : هو كقوله { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } [ لقمان : 25 ] فذلك إسلامهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال : كل آدمي أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده . فمن أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرهاً ، ومن أخلص لله العبودية فهو الذي أسلم طوعاً .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال : أكره أقوام على الإسلام ، وجاء أقوام طائعين .
وأخرج عن مطر الوراق في الآية قال : الملائكة طوعاً ، والأنصار طوعاً ، وبنو سليم وعبد القيس طوعاً ، والناس كلهم كرهاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : أما المؤمن فأسلم طائعاً فنفعه ذلك وقبل منه ، وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله ، فلم ينفعه ذلك ، ولم يقبل منهم { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } [ غافر : 85 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : في السماء الملائكة طوعاً ، وفي الأرض الأنصار وعبد القيس طوعاً .
وأخرج عن الشعبي { وله أسلم من في السماوات } قال : استقادتهم له .
وأخرج عن أبي سنان { وله أسلم من في السماوات والأرض } قال : المعرفة . ليس أحد تسأله إلا عرفه .
وأخرج عن عكرمة في قوله { وكرهاً } قال : من أسلم من مشركي العرب والسبايا : ومن دخل في الإسلام كرهاً .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرأوا في أذنه { أفغير دين الله يبغون } » .
وأخرج ابن السني في عمل يوم وليلة عن يونس بن عبيد قال : ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقرأ في أذنها { أفغير دين الله يبغون وله أسلم } الآية . إلا ذلت له بإذن الله عز وجل .(2/373)
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)
أخرج أحمد والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تجئ الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول : يا رب أنا الصلاة فيقول : إنك على خير ، وتجيء الصدقة فتقول : يا رب أنا الصدقة فيقول : إنك على خير ، ثم يجيء الصيام فيقول : أنا الصيام فيقول إنك على خير ، ثم تجيء الأعمال كل ذلك يقول الله : إنك على خير ، ثم يجيء الإسلام فيقول : يا رب أنت السلام ، وأنا الإسلام فيقول الله : إنك على خير . بك اليوم آخذ ، وبك أعطي » قال الله في كتابه { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } .(2/374)
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)
أخرج النسائي وابن حبان وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : كان رجل من الأنصار فأسلم ثم ارتد ولحق بالمشركين ، ثم ندم فأرسل إلى قومه : أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هل لي من توبة؟ فنزلت { كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم } إلى قوله { فإن الله غفور رحيم } فأرسل إليه قومه فأسلم .
وأخرج عبد الرزاق ومسدد في مسنده وابن جرير وابن المنذر والباوردي في معرفة الصحابة قال : جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم كفر فرجع إلى قومه ، فأنزل الله فيه القرآن { كيف يهدي الله قوماً كفروا } إلى قوله { رحيم } فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه فقال الحارث : إنك والله ما علمت لصدوق ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك ، وأن الله عز وجل لأصدق الثلاثة . فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن السدي في قوله { كيف يهدي الله قوماً } الآية قال : أنزلت في الحارث بن سويد الأنصاري ، كفر بعد إيمانه . فأنزلت فيه هذه الآيات ، ثم نزلت { إلا الذين تابوا . . . } الآية . فتاب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن مجاهد في قوله { كيف يهدي الله قوماً . . . } الآية . قال : نزلت في رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه فجاء الشام .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن مجاهد في الآية قال : هو رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه قال : قال ابن جريج ، أخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قال : لحق بأرض الروم فتنصَّر ، ثم كتب إلى قومه : أرسلوا هل لي من توبة؟ فنزلت { إلا الذين تابوا } فآمن ثم رجع . قال ابن جريج : قال عكرمة : نزلت في أبي عامر الراهب ، والحارث بن سويد بن الصامت ، ووحوح بن الأسلت ، في اثني عشر رجلاً رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش . ثم كتبوا إلى أهلهم هل لنا من توبة؟! فنزلت { إلا الذين تابوا من بعد ذلك . . . } الآيات .
وأخرج ابن إسحق وابن المنذر عن ابن عباس ، أن الحارث بن سويد قتل المجدر بن زياد ، وقْيس بن زيد أحد بني ضبيعة يوم أحد ، ثم لحق بقريش فكان بمكة ، ثم بعث إلى أخيه الجلاس يطلب التوبة ليرجع إلى قومه . فأنزل الله فيه { كيف يهدي الله قوماً } إلى آخر القصة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح مولى أم هانئ ، أن الحرث بن سويد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لحق بأهل مكة ، وشهد أحداً فقاتل المسلمين ، ثم سقط في يده فرجع إلى مكة ، فكتب إلى أخيه جلاس بن سويد يا أخي إني ندمت على ما كان مني ، فأتوب إلى الله وأرجع إلى الإسلام؟ فاذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن طمعت لي في توبة فاكتب إليَّ .(2/375)
فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنزل الله { كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم } فقال قوم من أصحابه ممن كان عليه يتمنع ثم يراجع الإسلام . فأنزل الله { إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم } قال : هم أهل الكتاب عرفوا محمداً ثم كفروا به .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في الآية قال : هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، رأوا نعت محمد في كتابهم ، وأقرُّوا به ، وشهدوا أنه حق . فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك ، فأنكروه وكفروا بعد اقرارهم حسداً للعرب حين بعث من غيرهم .(2/376)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)
أخرج البزار عن ابن عباس . أن قوماً أسلموا ، ثم ارتدوا ، ثم أسلموا ، ثم ارتدوا . فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم . فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فنزلت هذه الآية { إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً . . . } الآية . هذا خطأ من البزار .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال : اليهود والنصارى ، لن تقبل توبتهم عند الموت .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هم اليهود ، كفروا بالإنجيل وعيسى ، ثم ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال : إنها نزلت في اليهود والنصارى ، كفروا بعد إيمانهم ، ثم ازدادوا كفراً بذنوب أذنبوها ، ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم ، ولو كانوا على الهدى قبلت توبتهم ، ولكنهم على ضلالة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { لن تقبل توبتهم } قال : تابوا من الذنوب ولم يتوبوا من الأصل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { ثم ازدادوا كفراً } قال : تموا على كفرهم .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { ثم ازدادوا كفراً } قال : ماتوا وهم كفار { لن تقبل توبتهم } قال : إذا تاب عند موته لم تقبل توبته .(2/377)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً } قال : هو كل كافر .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت مفتدياً به؟ فيقول : نعم . فيقال : لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك » فذلك قوله تعالى { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار . . . } الآية . لفظ ابن جرير .(2/378)
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)
أخرج مالك وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس قال « كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلاً ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، فلما نزلت { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } قال أبو طلحة : يا رسول الله ان الله يقول { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وان أحب أموالي إليَّ بيرحاء ، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخ ذاك مال رابح . ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين . فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله؟ فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه » .
وأخرج عبد بن حميد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير عن أنس قال « لما نزلت هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } قال أبو طلحة : يا رسول الله إن الله يسألنا من أموالنا ، أشهد أني قد جعلت بأريحا لله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلها في قرابتك . فجعلها في حسان بن ثابت ، وأبي بن كعب » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أنس قال « لما نزلت هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } أو هذه الآية { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } قال أبو طلحة : يا رسول الله حائطي الذي بكذا وكذا صدقة ، ولو استطعت أن أسره لم أعلنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعله في فقراء أهلك » .
وأخرج عبد بن حميد والبزار عن ابن عمر قال : حضرتني هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } فذكرت ما أعطاني الله ، فلم أجد شيئاً أحب إليَّ من مرجانة جارية لي رومية ، فقلت هي حرة لوجه الله ، فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها . فأنكحها نافعاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب ، إنه كتب إلى أبي موسى الأشعري ، أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء . فدعا بها عمر فقال : إن الله يقول { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } فأعتقها عمر .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن المنكدر قال « لما نزلت هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } جاء زيد بن حارثة بفرس له يقال لها شبلة لم يكن له مال أحب إليه منها فقال : هي صدقة . فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحمل عليها ابنه أسامة ، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في وجه زيد فقال : إن الله قد قبلها منك » .(2/379)
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن دينار . مثله .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر عن أيوب وغيره « أنها حين نزلت { لن تنالوا البر . . . } الآية . جاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها فقال : يا رسول الله هذا في سبيل الله ، فحمل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم اسامة بن زيد ، فكأن زيداً وجد في نفسه . فلما رأى ذلك منه النبي صلى الله عليه وسلم قال أما إن الله قد قبلها » .
وأخرج عبد بن حميد عن ثابت بن الحجاج قال « بلغني أنه لما نزلت هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } قال زيد : اللهم إنك تعلم أنه ليس لي مال أحب إلي من فرسي هذه فتصدق بها على المساكين ، فأقاموها تباع وكانت تعجبه . فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه أن يشتريها » .
وأخرج ابن جرير عن ميمون بن مهران ، أن رجلاً سأل أبا ذر أيُّ الأعمال أفضل؟ قال : الصلاة عماد الإسلام ، والجهاد سنام العمل ، والصدقة شيء عجيب . فقال : يا أبا ذر لقد تركت شيئاً هو أوثق عملي في نفسي لا أراك ذكرته! قال : ما هو؟ قال : الصيام! فقال : قربة وليس هنا . وتلا هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } .
وأخرج عبد بن حميد عن رجل من بني سليم قال : جاورت أبا ذر بالربذة ، وله فيها قطيع إبل . له فيها راع ضعيف فقلت : يا أبا ذر الا أكون لك صاحباً أكنف راعيك ، واقتبس منك بعض ما عندك ، لعل الله أن ينفعني به؟ فقال أبو ذر : إن صاحبي من أطاعني ، فأما أنت مطيعي فأنت لي صاحب وإلا فلا . قلت : ما الذي تسألني فيه الطاعة؟ قال : لا أدعوك بشيء من مالي إلا توخيت أفضل .
قال : فلبثت معه ما شاء الله ، ثم ذكر له في الماء حاجة فقال : ائتني ببعير من الإبل ، فتصفحت الإبل فإذا أفضلها فحلها ذلول ، فهممت بأخذه ثم ذكرت حاجتهم إليه فتركته ، وأخذت ناقة ليس في الإبل بعد الفحل أفضل منها ، فجئت بها فحانت منه نظرة فقال : يا أخا بني سليم خنتني . فلما فهمتها منه خليت سبيل الناقة ورجعت إلى الإبل ، فاخذت الفحل فجئت به فقال لجلسائه : من رجلان يحتسبان عملهما؟ قال رجلان : نحن . . . قال : اما لا فأنيخاه ، ثم اعقلاه ، ثم انحراه ، ثم عدوا بيوت الماء فجزئوا لحمه على عددهم ، واجعلوا بيت أبي ذر بيتاً منها ففعلوا .
فلما فرق اللحم دعاني فقال : ما أدري أحفظت وصيتي فظهرت بها ، أما نسيت فاعذرك؟ قلت : ما نسيت وصيتك ولكن لما تصفحت الإبل وجدت فحلها أفضلها ، فهممت بأخذه فذكرت حاجتكم إليه فتركته فقال : ما تركته إلا لحاجتي إليه؟ قلت : ما تركت إلا لذلك قال : أفلا أخبرك بيوم حاجتي؟ إن يوم حاجتي يوم أوضع في حفرتي ، فذلك يوم حاجتي .(2/380)
إن في المال ثلاثة شركاء : القدر لا ينتظر أن يذهب بخيرها أو شرها ، والوارث ينتظر متى تضع رأسك ثم يستفيئها وأنت ذميم ، وأنت الثالث فإن استطعت أن لا تكونن أعجز الثلاثة فلا تكونن مع أن الله يقول { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وأن هذا المال مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي .
وأخرج أحمد عن عائشة قالت « أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فلم يأكله ولم ينهَ عنه قلت : يا رسول الله أفلا نطعمه المساكين؟ قال : لا تطعموهم مما لا تأكلون » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن طريق مجاهد عن ابن عمر ، أنه لما نزلت { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } دعا بجارية له فاعتقها .
وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : قرأ ابن عمر وهو يصلي فأتى على هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } فاعتق جارية له وهو يصلي أشار إليها بيده .
وأخرج ابن المنذر عن نافع قال : كان ابن عمر يشتري السكر فيتصدق به فنقول له : لو اشتريت لهم بثمنه طعاماً كان أنفع لهم من هذا ، فيقول : إني أعرف الذي تقولون ولكن سمعت الله يقول { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وابن عمر يحب السكر .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله { لن تنالوا البر } قال : الجنة .
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون والسدي . مثله .
وأخرج ابن المنذر عن مسروق . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : لن تنالوا بركم حتى تنفقوا مما يعجبكم ، ومما تهوون من أموالكم { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } يقول محفوظ : ذلك لكم والله به عليم شاكر له .(2/381)
كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)
أخرج عبد بن حميد والفريابي والبيهقي في سننه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } قال : العرق . أخذه عرق النسا ، فكان يبيت له زقاء يعني صياح ، فجعل لله عليه إن شفاه أن لا يأكل لحماً فيه عروق ، فحرمته اليهود .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن ماهك عن ابن عباس قال : هل تدري ما حرم إسرائيل على نفسه؟ ان إسرائيل أخذته الأنساء فاضنته ، فجعل لله عليه إن عافاه الله أن لا يأكل عرقاً أبداً . فلذلك تسل اليهود العروق فلا يأكلونها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال : حرم على نفسه العروق . وذلك أنه كان يشتكي عرق النسا ، فكان لا ينام الليل فقال : والله لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد ، وليس مكتوباً في التوراة « وسأل محمد صلى الله عليه وسلم نفراً من أهل الكتاب فقال : ما شأن هذا حراماً؟ فقالوا : هو حرام علينا من قبل الكتاب فقال الله { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل } إلى { إن كنتم صادقين } » .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال « جاء اليهود فقالوا : يا أبا القاسم أخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال : كان يسكن البدو ، فاشتكى عرق النسا ، فلم يجد شيئاً يداويه إلا لحوم الإبل وألبانها ، فلذلك حرمها قالوا صدقت » .
وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { إلا ما حرَّم إسرائيل على نفسه } قال : حرم العروق ، ولحوم الإبل ، كان به عرق النسا فأكل من لحومها ، فبات بليلة يزقو ، فحلف أن لا يأكله أبداً .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي محلز في قوله { إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } قال : إن إسرائيل هو يعقوب ، وكان رجلاً بطيشاً ، فلقي ملكاً فعالجه ، فصرعه الملك ، ثم ضرب على فخذه ، فلما رأى يعقوب ما صنع به بطش به فقال : ما أنا بتاركك حتى تسميني اسماً . فسماه إسرائيل ، فلم يزل يوجعه ذلك العرق حتى حرمه من كل دابة .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال : حرم على نفسه لحوم الأنعام .
وأخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس ، أنه كان يقول : الذي حرم إسرائيل على نفسه زائدتا الكبد ، والكليتين ، والشحم ، إلا ما كان على الظهر . فإن ذلك كان يقرب للقربان فتأكله النار .(2/382)
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء { إلا ما حرم إسرائيل } قال : لحوم الإبل وألبانها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال « قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم : نزلت التوراة ، بتحريم الذي حرم إسرائيل ، فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم { قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين } وكذبوا ليس في التوراة ، وإنما لم يحرم ذلك إلا تغليظاً لمعصية بني إسرائيل بعد نزول التوراة { قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين } وقالت اليهود لمحمد صلى الله عليه وسلم : » كان موسى يهودياً على ديننا ، وجاءنا في التوراة تحريم الشحوم ، وذي الظفر ، والسبت . فقال محمد صلى الله عليه وسلم : كذبتم لم يكن موسى يهودياً ، وليس في التوراة إلا الإسلام . « يقول الله { قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين } أفيه ذلك وما جاءهم بها أنبياؤهم بعد موسى ، فنزلت في الألواح جملة » .
وأخرج عبد بن حميد عن عامر ، أن علياً رضي الله عنه قال في رجل جعل امرأته عليه حراماً قال : حرمت عليه كما حرم إسرائيل على نفسه لحم الجمل فحرم عليه . قال مسروق : إن إسرائيل كان حرم على نفسه شيئاً كان في علم الله أن سيحرمه ، إذا نزل الكتاب فوافق تحريم إسرائيل ما قد علم الله أنه سيرحمه ، إذا نزل الكتاب وأنتم تعمدون إلى الشيء قد أحله الله فتحرمونه على أنفسكم ما أبالي إياها حرمت أو قصعة من ثريد .(2/383)
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن علي بن أبي طالب في قوله { إن أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة } قال : كانت البيوت قبله ، ولكنه كان أول بيت وصع لعبادة الله .
وأخرج ابن جرير عن مطر . مثله .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال { إن أول بيت وضع للناس } يُعْبَدُ الله فيه { للذي ببكة }
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال « قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال : المسجد الحرام . قلت : ثم أي؟ قال : المسجد الأقصى قلت : كم بينهما؟ قال : أربعون سنة » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو قال : خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة ، وكان إذ كان عرشه على الماء زبدة بيضاء ، وكانت الأرض تحته كأنها حشفة فدحيت الأرض من تحته .
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال : إن الكعبة خلقت قبل الأرض بألفي سنة وهي من الأرض ، إنما كانت حشفة على الماء عليها ملكان من الملائكة يسبحان ، فلما أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها ، فجعلها في وسط الأرض .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والأزرقي عن مجاهد قوله { إن أول بيت وضع للناس } كقوله { كنتم خير أمة أخرجت للناس } [ آل عمران : 110 ] .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : أما أول بيت فإنه يوم كانت الأرض ماء كان زبدة على الأرض ، فلما خلق الله الأرض خلق البيت معها . فهو أول بيت وضع في الأرض .
وأخرج ابن المنذر عن الحسن في الآية قال : أول قبلة أعملت للناس المسجد الحرام .
وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن ابن جريج قال « بلغنا أن اليهود قالت : بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنها مهاجر الأنبياء ، ولأنه في الأرض المقدسة . فقال المسلمون : بل الكعبة أعظم . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم . فنزلت { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً } إلى قوله { فيه آيات بينات مقام إبراهيم } وليس ذلك في بيت المقدس { ومن دخله كان آمناً } وليس ذلك في بيت المقدس { ولله على الناس حج البيت } وليس ذلك لبيت المقدس » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت ، ثم مهدت منها الأرض . وإن أول جبل وضعه الله على وجه الأرض أبو قبيس ، ثم مدت منه الجبال » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن الزبير قال : إنما سميت بكة لأن الناس يجيئون إليها من كل جانب حجاجاً .(2/384)
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والبيهقي في الشعب عن مجاهد قال : إنما سميت بكة لأن الناس يتباكون فيها الرجال والنساء . يعني يزدحمون .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد قال : إنما سميت بكة لأن الناس يبك بعضهم بعضاً فيها ، وانه يحل فيها ما لا يحل في غيرها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في الشعب عن قتادة قال : سميت بكة لأن الله بك بها الناس جميعاً ، فيصلي النساء قدام الرجال ولا يصلح ذلك ببلد غيره .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عتبة بن قيس قال : إن مكة بكت بكاء الذكر فيها كالأنثى . قيل : عمن تروي هذا؟ قال : عن ابن عمر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن زيد حميد بن مهاجر قال : إنما سميت بكة لأنها كانت تبك الظلمة .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : البيت وما حوله بكة ، وما وراء ذلك مكة .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي مالك الغفاري قال : بكة موضع البيت ، ومكة ما سوى ذلك .
وأخرج ابن جرير عن ابن شهاب قال : بكة البيت والمسجد ، ومكة الحرم كله .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : بكة هي مكة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : مكة من الفج إلى التنعيم ، وبكة من البيت إلى البطحاء .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : بكة الكعبة ، ومكة ما حولها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان { مباركاً } جعل فيه الخير والبركة { وهدى للعالمين } يعني بالهدى قبلتهم .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في الشعب عن الزهري قال : بلغني أنهم وجدوا في مقام إبراهيم ثلاثة صفوح في كل صفح منها كتاب . في الصفح الأول « أنا الله ذو بكة صغتها يوم صغت الشمس والقمر ، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء ، وباركت لأهلها في اللحم واللبن . وفي الصفح الثاني أنا الله ذو بكة خلقت الرحم ، وشققت لها من اسمي ، من وصلها وصلته ، ومن قطعها بتته . وفي الثالث أنا الله ذو بكة خلقت الخير والشر ، فطوبى لمن كان الخير على يديه ، وويل لمن كان الشر على يديه » .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : وجد في المقام كتاب فيه : هذا بيت الله الحرام بكة توكل الله برزق أهله من ثلاثة سبل ، يبارك لأهلها في اللحم ، والماء ، واللبن ، لا يحله أول من أهله ، ووجد في حجر من الحجر كتاب من خلقة الحجر « أنا الله ذو بكة الحرام صغتها يوم صغت الشمس والقمر ، وخففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى يزول أخشابها ، مبارك لأهلها في اللحم والماء » .(2/385)
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد والضحاك . نحوه .
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن ابن عباس وأبي هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خلق الله مكة فوضعها على المكروهات والدرجات » قيل لسعيد ببن جبير : ما الدرجات؟ قال : الدرجات الجنة .
وأخرج الأزرقي والجندي عن عائشة قالت : ما رأيت السماء في موضع أقرب منها إلى الأرض من مكة .
وأخرج الأزرقي عن عطاء بن كثير رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم « المقام بمكة سعادة ، وخروج منها شقوة » .
وأخرج الأزرقي والجندي والبيهقي في الشعب وضعفه عن ابن عباس قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أدركه شهر رمضان بمكة فصامه كله وقام منه ما تيسر كتب الله له مائة ألف شهر رمضان بغير مكة ، وكتب له كل يوم حسنة ، وكل ليلة حسنة ، وكل يوم عتق رقبة ، وكل ليلة عتق رقبة ، وكل يوم حملان فرس في سبيل الله ، وكل ليلة حملان فرس في سبيل الله ، وله بكل يوم دعوة مستجابة » .
وأخرج الأزرقي والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : هذا البيت دعامة الإسلام من خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضموناً على الله ان قبضه أن يدخله الجنة ، وإن رده أن يرده بأجر أو غنيمة » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن جابر بن عبد الله قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، والجمعة في مسجدي هذا أفضل من ألف جمعة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وشهر رمضان في مسجدي هذا أفضل من ألف شهر رمضان فيما سواه إلا المسجد الحرام » .
وأخرج البزار وابن خزيمة والطبراني والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة ، وفي مسجدي ألف صلاة ، وفي مسجد بيت المقدس بخمسمائة صلاة » .
وأخرج ابن ماجة عن أنس قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة الرجل في بيته بصلاة ، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة ، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة ، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة ، وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة ، وصلاته في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر :(2/386)
« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام » .
وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار وابن عدي والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان عن عبد الله بن الزبير قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا » قيل لعطاء : هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم؟ قال : لا . بل في الحرم ، فإن الحرم كله مسجد .
وأخرج أحمد وابن ماجة عن جابر : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام » .
وأخرج البزار عن عائشة قالت : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا خاتم الأنبياء ، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء ، أحق المساجد أن يزار ، وتشد إليه الرواحل : المسجد الحرام ، ومسجدي . صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام » .
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وابن منيع والروياني وابن خزيمة والطبراني عن جبير بن مطعم قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام » .(2/387)
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)
أخرج سعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ « فيه آية بينة مقام إبراهيم » .
وأخرج ابن الأنباري عن مجاهد أنه كان يقرأ « فيه آيات بينة » .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود { فيه آيات بينات } على الجمع .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { فيه آيات بينات } منهن مقام إبراهيم ، والمشعر .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة في الآية قالا : مقام إبراهيم من الآيات البينات .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله { فيه آيات بينات } قال : { مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والأزرقي عن مجاهد { فيه آيات بينات مقام إبراهيم } قال : أثر قدميه في المقام آية بينة { ومن دخله كان آمناً } قال : هذا شيء آخر .
وأخرج الأزرقي عن زيد بن أسلم { فيه آيات بينات } قال : الآيات البينات هنَّ مقام إبراهيم { ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت } وقال { يأتين من كل فج عميق } [ الحج : 27 ] .
وأخرج ابن الأنباري عن الكلبي { فيه آيات بينات } قال { الآيات } الكعبة ، والصفا ، والمروة ، ومقام إبراهيم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ومن دخله كان آمناً } قال : هذا كان في الجاهلية ، كان الرجل لو جر كل جريرة على نفسه ثم لجأ إلى حرم الله لم يتناول ولم يطلب ، فاما في الإسلام فإنه لا يمنع من حدود الله ، ومن سرق فيه قطع ، ومن زنى فيه أقيم عليه الحد ، ومن قتل فيه قتل .
وأخرج الأزرقي عن مجاهد . مثله .
وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن حويطب بن عبد العزى قال : أدركت في الجاهلية في الكعبة حلقاً أمثال لُجَمِ البُهْمِ ، لا يُدخل خائف يده فيها ويهيجه أحد ، فجاء خائف ذات يوم فادخل يده فيها فجاءه آخر من ورائه فاجتذبه فشلت يده ، فَلقد رأيته أدرك الإسلام وأنه لأشل .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والأزرقي عن عمر بن الخطاب قال : لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { ومن دخله كان آمناً } قال : من عاذ بالبيت أعاذه البيت ، ولكن لا يؤذي ، ولا يطعم ، ولا يسقى ، ولا يرعى . فإذا خرج أخذ بذنبه .
وأخرج ابن المنذر والأزرقي من طريق طاوس عن ابن عباس في قوله { ومن دخله كان آمناً } قال : من قتل ، أو سرق في الحل ثم دخل الحرم فإنه لا يجالس ، ولا يكلم ، ولا يؤوى ، ولكنه يناشد حتى يخرج فيؤخذ فيقام عليه فإن قتل ، أو سرق في الحل فادخل الحرم فارادوا أن يقيموا عليه ما أصاب ، اخرجوه من الحرم إلى الحل فأقيم عليه ، وإن قتل في الحل أو سرق ، أقيم عليه في الحرم .(2/388)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : إذا أصاب الرجل الحد ، قتل أو سرق ، فدخل الحرم ، لم يبايع ولم يؤْوَ حتى يتبرم فيخرج من الحرم ، فيقام عليه في الحد .
وأخرج ابن المنذر عن طاوس قال : عاب ابن عباس على ابن الزبير في رجل أخذ في الحل ، ثم أدخله الحرم ، ثم أخرجه إلى الحل فقتله .
وأخرج عن الشعبي قال : من أحدث حدثاً ثم لجأ إلى الحرم فقد أمِنَ ولا يعرض له ، وان أحدث في الحرم أقيم عليه .
وأخرج ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : من أحدث حدثاً ثم استجار بالبيت فهو آمن ، وليس للمسلمين أن يعاقبوه على شيء إلى أن يخرج ، فإذا خرج أقاموا عليه الحد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق عطاء عن ابن عباس قال : من أحدث حدثاً في غير الحرم ثم لجأ إلى الحرم لم يعرض له ، ولم يبايع ، ولم يؤوَ حتى يخرج من الحرم ، فإذا خرج من الحرم أُخِذَ فأقيم عليه الحد ، ومن أحدث في الحرم حدثاً أقيم عليه الحد .
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال : لو أخذت قاتل عمر في الحرم ما هجته .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس قال : لو وجدت قاتل أبي في الحرم لم أعرض له .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : كان الرجل في الجاهلية يقتل الرجل ثم يدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول أبو أبوه فلا يحركه .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي شريح العدوي قال « قام النبي صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح فقال : إن مكة حرَّمها الله ولم يحرِّمها الناس ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ، ولا يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا : إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم ، وإنما لي ساعة من نهار ، ثم عادت حرمتها اليوم بالأمس » .
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمرو قال « مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناس من قريش جلوس في ظل الكعبة ، فلما انتهى إليهم سلَّم ثم قال : اعلموا أنها مسؤولة عما يعمل فيها ، وإن ساكنها لا يسفك دماً ، ولا يمشي بالنميمة » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعدة بن هبيرة في قوله { ومن دخله كان آمناً } قال : آمناً من النار .(2/389)
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفوراً له » .
وأخرج ابن المنذر عن عطاء قال : من مات في الحرم بعث آمناً . يقول الله { ومن دخله كان آمناً } . وأخرج البيهقي في الشعب عن جابر قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات في أحد الحرمين بعث أمناً » .
وأخرج البيهقي في الشعب وضعفه عن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من مات في أحد الحرمين استوجب شفاعتي ، وجاء يوم القيامة من الآمنين » .
وأخرج الجندي والبيهقي عن أنس بن مالك قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة ، ومن زارني محتسباً إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة » .
وأخرج الجندي عن محمد بن قيس بن مخرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة » .
وأخرج الجندي عن ابن عمر قال : من قُبِرَ بمَكة مسلماً بُعِثَ آمناً يوم القيامة .
أما قوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت } الآية .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة : وابن أبي حاتم والحاكم عن علي قال « لما نزلت { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } قالوا : يا رسول الله في كل عام؟ فسكت . . قالوا : يا رسول الله في كل عام؟ قال : لا . ولو قلت نعم لوجبت . فأنزل الله { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } [ المائدة : 101 ] » .
وأخرج عبد حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال : « لما نزلت { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } قال : يا رسول الله أفي كل عام؟ فقال : حج حجة الإسلام التي عليك . ولو قلت نعم وجبت عليكم » .
وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج . فقام الأقرع بن حابس فقال : أفي كل عام يا رسول الله؟ قال : لو قلتها لوجبت ، ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها . الحج مرة فمن زاد فتطوّع » .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : « لما نزلت { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } قال رجل : يا رسول الله أفي كل عام؟ قال : والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت ما قمتم بها ، ولو تركتموها لكفرتم . فذروني فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم أنبياءهم واختلافهم عليهم ، فإذا أمرتكم بأمر فأتمروه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن أمر فاجتنبوه » .(2/390)
وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال « قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من الحاج يا رسول الله؟ قال : الشعث التفل . فقام آخر فقال : أي الحج أفضل يا رسول الله؟ قال : العج والثج . فقام آخر فقال : ما السبيل يا رسول الله؟ قال : الزاد والراحلة » .
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله { من استطاع إليه سبيلاً } فقيل ما السبيل؟ قال : الزاد والراحلة » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والدارقطني والبيهقي في سننهما عن الحسن قال « قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم . { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } قالوا : يا رسول الله ما السبيل؟ قال : الزاد والراحلة » .
وأخرج الدارقطني والبيهقي في سننهما من طريق الحسن عن أبيه عن عائشة قالت « سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما السبيل إلى الحج؟ قال : الزاد والراحلة » .
وأخرج الدارقطني في سننه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } قال « قيل يا رسول الله ما السبيل؟ قال : الزاد والراحلة » .
وأخرج الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلىلله عليه وسلم قال « السبيل إلى البيت : الزاد والراحله » .
وأخرج الدارقطني عن جابر بن عبدالله قال « لما نزلت هذه الآية { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } قام رجل فقال : يا رسول الله ما السبيل؟ قال : الزاد والراحلة » .
وأخرج الدارقطني عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } قال : « فسئل عن ذلك فقال : » تجد ظهر بعير « .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمر بن الخطاب في قوله { من استطاع إليه سبيلاً } قال : الزاد والراحلة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { من استطاع إليه سبيلاً } قال : الزاد والبعير . وفي لفظ الراحلة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس في قوله { من استطاع إليه سبيلاً } قال : السبيل أن يصح بدن العبد ، ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يجحف به .(2/391)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عباس قال { سبيلاً } من وجد إليه سعة ولم يحل بينه وبينه .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عبد الله بن الزبير { من استطاع إليه سبيلاً } قال : الاستطاعة القوة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد { من استطاع إليه سبيلاً } قال : زاداً وراحلة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير والحسن وعطاء . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال : إن المحرم للمرأة من السبيل الذي قال الله .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسافر امرأة مسيرة ليلة » وفي لفظ « لا تسافر المرأة بريداً إلا مع ذي محرم » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : « سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم . فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة ، وإني كنت في غزوة كذا وكذا . فقال : انطلق فحُجَّ مع امرأتك » .
وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب وابن مردويه عن علي قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحجَّ بيت الله فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً ، وذلك بأن الله يقول { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } »
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في كتاب الإيمان وأبو يعلى والبيهقي عن أبي أمامة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات ولم يحج حجة الإسلام ، لم يمنعه مرض حابس ، أو سلطان جائر ، أو حاجة ظاهرة ، فليمت على أي حال شاء يهودياً أو نصرانياً » .
وأخرج ابن المنذر عن عبد الرحمن بن سابط مرفوعاً مرسلاً . مثله .
وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن عمر بن الخطاب قال : لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار ، فلينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية . ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب قال : من مات وهو موسر لم يحج . فليمت إن شاء يهودياً ، وإن شاء نصرانياً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عمر قال : من كان يجد وهو موسر صحيح لم يحج كان سماه بين عينيه كافراً . ثم تلا هذه الآية { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } ولفظ ابن أبي شيبة : من مات وهو موسر ولم يحج ، جاء يوم القيامة وبين عينيه مكتوب كافراً .(2/392)
وأخرج سعيد بن منصور من طريق نافع عن ابن عمر قال : من وجد إلى الحج سبيلاً سنة ، ثم مات ولم يحج لم يصل عليه؛ لا يدري مات يهودياً ، أو نصرانياً .
وأخرج سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب قال : لو ترك الناس الحج لقاتلتهم عليه كما نقاتلهم على الصلاة والزكاة .
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس قال : لو أن الناس تركوا الحج عاماً واحداً لا يحج أحد ما نوظروا بعده .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ومن كفر } قال : من زعم أنه ليس بفرض عليه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال : من كفر بالحج فلم ير حجه براً ، ولا تركه مأثماً .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن عكرمة قال « لما نزلت { ومن يبتغ غيرالإسلام ديناً . . . } [ آل عمران : 85 ] الآية . قالت اليهود : فنحن مسلمون . فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم . إن الله فرض على المسلمين حج البيت فقالوا : لم يكتب علينا . وأبوا أن يحجوا قال الله { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال : لما نزلت { ومن يبتغ غير الإِسلام ديناً . . . } الآية . قالت الملل . نحن المسلمون . فأنزل الله { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } فحج المسلمون وقعد الكفار .
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في سننه عن مجاهد قال : لما نزلت هذه الآية { ومن يبتغ غير الإِسلام ديناً } الآية . قال : أهل الملل كلهم : نحن مسلمون . فأنزل الله { ولله على الناس حج البيت } قال : يعني على المسلمين . حج المسلمون وترك المشركون .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قال « لما نزلت آية الحج { ولله على الناس جح البيت } الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الملل؛ مشركي العرب ، والنصارى ، واليهود ، والمجوس ، والصابئين ، فقال : إن الله فرض عليكم الحج فحجوا البيت . فلم يقبله إلا المسلمون ، وكفرت به خمس ملل . قالوا : لا نؤمن به ، ولا نصلي إليه ، ولا نستقبله . فأنزل الله { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي داود نفيع قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } فقام رجل من هذيل فقال : يا رسول الله من تركه كفر؟ قال : من تركه لا يخاف عقوبته ، ومن حج لا يرجو ثوابه فهو ذاك » .(2/393)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله { ومن كفر } قال « من كفر بالله واليوم الآخر » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد أنه سئل عن قول الله { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } ما هذا الكفر؟ قال : من كفر بالله واليوم الآخر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء بن أبي رباح . في الآية قال : من كفر بالبيت .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أنه سئل عن ذلك فقرأ { إن أول بيت وضع للناس } إلى قوله { سبيلاً } ثم قال : من كفر بهذه الآيات .
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في الآية قال : ومن كفر فلم يؤمن فهو الكافر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : لو كان لي جار موسر ، ثم مات ولم يحجَّ لم أصلِّ عليه .
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ { ولله على الناس حج البيت } بكسر الحاء .
وأخرج عن عاصم بن أبي النجود { ولله على الناس حج البيت } بنصب الحاء .
واخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن عباس « أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وسلم الحج في كل سنة . أو مرة واحدة؟ قال : لا . بل مرة واحدة ، فمن زاد فتطوّع » .(2/394)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال : مر شاس بن قيس وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية ، عظيم الكفر ، شديد الضغن على المسلمين ، شديد الحسد لهم ، على نفر من أصحاب رسول الله من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من ألفتهم ، وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد . والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار ، فأمر فتى شاباً معه من يهود فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم ، ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله ، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار . وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج ، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج . ففعل ، فتكلم القوم عند ذلك ، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس ، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا ، ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم والله رددناها الآن جذعة . وغضب الفريقان جميعاً وقالوا : قد فعلنا . السلاح السلاح . . . موعدكم الظاهرة ، والظاهرة الحرة . فخرجوا إليها وانضمت الأوس بعضها إلى بعض ، والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية .
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال : « يا معشر المسلمين الله الله . . . أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام ، وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من الكفر ، وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟! » فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان ، وكيد من عدوّهم لهم . فألقوا السلاح ، وبكوا وعانق الرجال بعضهم بعضاً ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين ، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس ، وأنزل الله في شأن شاس بن قيس وما صنع { قل يا أهل الكتاب لمَ تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون } إلى قوله { وما الله بغافل عما تعملون } وأنزل في أوس بن قيظي ، وجبار بن صخر ، ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } إلى قوله { أولئك لهم عذاب عظيم } .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني من طريق أبي نعيم عن ابن عباس قال : كانت الأوس والخزرج في الجاهلية بينهم شر ، فبينما هم يوماً جلوس ، ذكروا ما بينهم حتى غضبوا وقام بعضهم إلى بعض بالسلاح ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر له ذلك فركب إليهم .(2/395)
فنزلت { وكيف تكفرون } الآية . والآيتان بعدها .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال : كان بين هذين الحيين من الأوس والخزرج قتال في الجاهلية فلما جاء الإسلام اصطلحوا وألف الله بين قلوبهم فجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الأوس والخزرج فأنشد شعراً قاله أحد الحيين في حربهم ، فكأنهم دخلهم من ذلك فقال الآخرون : قد قال شاعرنا كذا وكذا . . . فاجتمعوا وأخذوا السلاح ، واصطفوا للقتال ، فنزلت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب } إلى قوله { لعلكم تهتدون } فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام بين الصفين ، فقرأهن ورفع صوته ، فلما سمعوا صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن أنصتوا له وجعلوا يستمعون ، فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضاً ، وجثوا يبكون .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كان جماع قبائل الأنصار بطنين : الأوس والخزرج ، وكان بينهما في الجاهلية حرب ودماء وشنآن منّ الله عليهم بالإسلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم ، فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهم وألَّف بينهم بالإسلام . فبينا رجل من الأوس ورجل من الخزرج قاعدان يتحدثان ومعهما يهودي جالس ، فلم يزل يذكرهما بأيامهم والعداوة التي كانت بينهم حتى استبا ثم اقتتلا ، فنادى هذا قومه وهذا قومه ، فخرجوا بالسلاح وصفَّ بعضهم لبعض ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزل يمشي بينهم إلى هؤلاء وهؤلاء ليسكنهم حتى رجعوا . فأنزل الله في ذلك القرآن { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : نزلت في ثعلبة بن عنمة الأنصاري وكان بينه وبين أناس من الأنصار كلام ، فمشى بينهم يهودي من قينقاع ، فحمل بعضهم على بعض حتى همت الطائفتان من الأوس والخزرج أن يحملوا السلاح فيقاتلوا . فأنزل الله { إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } يقول : إن حملتم السلاح فاقتتلتم كفرتم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { لمَ تصدون عن سبيل الله } الآية . قال : كانوا إذا سألهم أحد هل تجدون محمداً؟ قالوا : لا فصدوا الناس عنه وبغوا .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي جرير عن قتادة في الآية يقول : لم تصدون عن الإسلام وعن نبي الله من آمن بالله وأنتم شهداء فيما تقرأون من كتاب الله : أن محمداً رسول الله ، وأن الإسلام دين الله الذي لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به ، يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة الإنجيل؟ .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { يا أهل الكتاب لم تصدون } قال : هم اليهود والنصارى .(2/396)
نهاهم أن يصدوا المسلمين عن سبيل الله ، ويريدون أن يعدلوا الناس إلى الضلالة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً } الآية . قد تقدم الله إليكم فيهم كما تسمعون ، وحذركموهم وأنبأكم بضلالتهم ، فلا تأتمنوهم على دينكم ، ولا تنصحوهم على أنفسكم ، فإنهم الأعداء الحسدة الضلال . كيف تأتمنون قوماً كفروا بكتابهم ، وقتلوا رسلهم ، وتحيروا في دينهم ، وعجزوا عن أنفسهم؟ أولئك والله أهل التهمة والعداوة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله } قال : علمان بينان : نبي الله ، وكتاب الله ، فأما نبي الله فمضى عليه الصلاة والسلام . وأما كتاب الله فأبقاه الله بين أظهركم رحمة من الله ونعمة . فيه حلاله ، وحرامه ، ومعصيته .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله { ومن يعتصم بالله } قال : يؤمن بالله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال « الاعتصام بالله » الثقة به .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « إن الله قضى على نفسه أن من آمن به هداه ، ومن وثق به أنجاه . قال الربيع : تصديق لك في كتاب الله { ومن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم } » .
وأخرج عبد بن حميد من طريق الربيع عن أبي العالية قال : إن الله قضى على نفسه؛ أنه من آمن به هداه ، ومن توكل عليه كفاه ، ومن أقرضه جزاه ، ومن وثق به أنجاه ، ومن دعا استجاب له بعد أن يستجيب لله . قال الربيع : وتصديق ذلك في كتاب الله { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } [ التغابن : 11 ] ، { ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره } [ الطلاق : 3 ] ، { ومن يقرض الله قرضاً حسناً يضاعفه له } { ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم } ، { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي } [ البقرة : 186 ] .
وأخرج تمام في فوائده عن كعب بن مالك قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوحى الله إلى داود : يا داود ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً ، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف منه نيته إلا قطعت أسباب السماء من بين يديه ، وأسخت الهواء من تحت قدميه » .
وأخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن ابن عمر قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من طلب ما عند الله كانت السماء ظلاله ، والأرض فراشه ، لم يهتم بشيء من أمر الدنيا ، فهو لا يزرع الزرع وهو يأكل الخبز ، ولا يغرس الشجر ويأكل الثمار توكلاً على الله وطلب مرضاته ، فضمن الله السموات والأرض رزقه ، فهم يتعبون فيه ، ويأتون به حلالاً ، ويستوفي هو رزقه بغير حساب حتى أتاه اليقين »(2/397)
قال الحاكم : صحيح . قال الذهبي : بل منكراً أو موضوع فيه عمرو بن بكر السكسكي متهم عند ابن حبان وابنه إبراهيم . قال الدارقطني : متروك .
وأخرج الحاكم وصححه عن معقل بن يسار قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول ربكم : يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى ، وأملأ يديك رزقاً . يا ابن أدم لا تباعد مني فأملأ قلبك فقرأ ، واملأ يديك شغلا » . وأخرج الحكيم الترمذي عن الزهري قال : أوحى الله إلى داود : ما من عبد يعتصم بي دون خلقي وتكيده السموات والأرض إلا جعلت له من ذلك مخرجاً ، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السماء بين يديه ، وأسخت الأرض من تحت قدميه .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة ، ومن تشاعبت به الهموم لم يبالِ الله في أي أودية الدنيا هلك » .(2/398)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)
أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في الناسخ والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله { اتقوا الله حق تقاته } قال : أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه من وجه آخر عن ابن مسعود قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { اتقوا الله حق تقاته } أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى » .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة { اتقوا الله حق تقاته } قال : أن يطاع فلا يعصى ، وان يذكر فلا ينسى . قال عكرمة : قال ابن عباس : فشق ذلك على المسلمين ، فأنزل الله بعد ذلك { فاتقوا الله ما استطعتم } [ التغابن : 16 ] .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله { اتقوا الله حق تقاته } أن يطاع فلا يعصى . فلم يستطيعوا قال الله { فاتقوا الله ما استطعتم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت هذه الآية اشتد على القوم العمل ، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم ، وتقرحت جباههم ، فأنزل الله تخفيفاً على المسلمين { فاتقوا الله ما استطعتم } فنسخت الآية الأولى .
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود { اتقوا الله حق تقاته } قال : نسختها { فاتقوا الله ما استطعتم } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه من طريق علي عن ابن عباس في قوله { اتقوا الله حق تقاته } قال : لم تنسخ ولكن { حق تقاته } أن يجاهدوا في الله حق جهاده ، ولا تأخذهم في الله لومة لائم ، ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم .
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال : لما نزلت { اتقوا الله حق تقاته } ثم نزل بعدها { فاتقوا الله ما استطعتم } نسخت هذه الآية التي في آل عمران .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة في قوله { اتقوا الله حق تقاته } قال : نسختها الآية التي في التغابن { فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا } وعليها بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما استطاعوا .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { اتقوا الله حق تقاته } قال : نزلت هذه الآية في الأوس والخزرج وكان بينهم قتال يوم بعاث قبيل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم فأصلح بينهم ، فأنزل هذه الآيات .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال : لا يتقي اللَّهَ العبدُ حق تقاته حتى يخزن من لسانه .
وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وصححاه والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال(2/399)
« قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } ولو أن قطرة من الزقوم قطرت لأمرت على أهل الأرض عيشهم ، فكيف ممن ليس له طعام إلا الزقوم؟ » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن طاوس { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته } وهو أن يطاع فلا يعصى ، فإن لم تفعلوا ولم تستطيعوا { فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } قال : على الإسلام ، وعلى حرمة الإسلام « .
وأخرج الخطيب عن أنس قال : » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يتقي الله عبد { حق تقاته } حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه « .(2/400)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود في قول الله { واعتصموا بحبل الله } قال : حبل الله القرآن .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن الضريس وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إن هذا الصراط محتضر ، تحضره الشياطين ينادون يا عبد الله هلمَّ هذا هو الطريق ليصدوا عن سبيل الله ، فاعتصموا بحبل الله ، فإن حبل الله القرآن .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي شريح الخزاعي قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا القرآن سبب . طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا بعده أبداً » .
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن زيد بن أرقم قال « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني تارك فيكم كتاب الله ، هو حبل الله ، من اتبعه كان على الهدى ، ومن تركه كان على الضلالة » .
وأخرج أحمد عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله عز وجل حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي وأهل بيتي ، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض » .
وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إني لكم فرط وإنكم واردون عليّ الحوض ، فانظروا تخلفوني في الثقلين قيل : وما الثقلان يا رسول الله؟ قال : الأكبر كتاب الله عز وجل . سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به لن تزالوا ولا تضلوا ، والأصغر عترتي وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ، وسألت لهما ذاك ربي فلا تقدموهما لتهلكوا ، ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم » .
وأخرج ابن سعد وأحمد والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أيها الناس إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي أمرين . أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض » .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني من طريق الشعبي عن ابن مسعود { واعتصموا بحبل الله جميعاً } قال : حبل الله الجماعة « .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن ثابت بن فطنة المزني قال : سمعت ابن مسعود يخطب وهو يقول : أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما حبل الله الذي أمر به .(2/401)
وأخرج ابن أبي حاتم عن سماك بن الوليد الحنفي . أنه لقي ابن عباس فقال : ما تقول في سلاطين علينا يظلموننا ، ويشتموننا ، ويعتدون علينا في صدقاتنا ، ألا نمنعهم؟ قال : لا . أعطهم الجماعة الجماعة ، إنما هلكت الأمم الخالية بتفرقها ، أما سمعت قول الله { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا } .
وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتي ستفترق على إثنتين وسبعين فرقة ، كلهم في النار إلا واحدة قالوا : يا رسول الله ومن هذه الواحدة؟ قال : الجماعة . ثم قال { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } » .
وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس قال « قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة ، وأن أمتي ستفترق على إثنتين وسبعين فرقة ، كلهم في النار إلا واحدة قالوا : يا رسول الله ومن هذه الواحدة؟ قال : الجماعة . ثم قال { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } » .
وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتي ستفترق على إثنتين وسبعين فرقة ، كلهم في النار إلا واحدة قالوا : يا رسول الله ومن هذه الواحدة؟ قال : الجماعة . ثم قال { واعتصموا بحبل الله جميعاً } » .
وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أن الله يرضى لكم ثلاثاً ، ويسخط لكم ثلاثاً . يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، وإن تناصحوا من ولاه الله أمركم . ويسخط لكم : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال » .
وأخرج أحمد وأبو داود عن معاوية بن سفيان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على إثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة ، يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة . وهي الجماعة » .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه حتى يراجعه ، ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته ميتة جاهلية » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية { واعتصموا بحبل الله } قال : بالإخلاص لله وحده { ولا تفرقوا } يقول : لا تعادوا عليه يقول على الإخلاص وكونوا عليه إخواناً « .(2/402)
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { واعتصموا بحبل الله } قال : بطاعته .
وأخرج عن قتادة { واعتصموا بحبل الله } قال : بعهد الله وبأمره .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد { واعتصموا بحبل الله } قال : الإسلام .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء } يقتل بعضكم بعضاً ، ويأكل شديدكم ضعيفكم حتى جاء الله بالإسلام ، فألف به بينكم ، وجمع جمعكم عليه ، وجعلكم عليه إخواناً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال « لقي النبي صلى الله عليه وسلم نفراً من الأنصار فآمنوا به وصدقوا وأراد أن يذهب معهم فقالوا : يا رسول الله إن بين قومنا حرباً ، وإنا نخاف إن جئت على حالك هذه أن لا يتهيأ الذي تريد . فوادوه العام المقبل فقالوا : نذهب برسول الله فلعل الله أن يصلح تلك الحرب . وكانوا يرون أنها لا تصلح وهي يوم بعاث فلقوه من العام المقبل سبعين رجلاً قد آمنوا به ، فأخذ منهم النقباء إثني عشر رجلاً . فذلك حين يقول { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم } وفي لفظ لابن جرير ، فلما كان من أمرعائشة ما كان ، فتشاور الحيان قال بعضهم لبعض : موعدكم الحرة ، فخرجوا إليها . فنزلت هذه الآية { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم } الآية » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله { إذ كنتم أعداء } قال : ما كان بين الأوس والخزرج في شأن عائشة .
وأخرج ابن جرير عن ابن إسحق قال : كانت الحرب بين الأوس والخزرج عشرين ومائة حتى قام الإسلام ، فأطفأ الله ذلك ، وألف بينهم .
وأخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حيان قال : بلغني أن هذه الآية أنزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في رجلين؛ أحدهما من الخزرج ، والآخر من الأوس ، اقتتلوا في الجاهلية زماناً طويلاً ، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأصلح بينهم ، فجرى الحديث بينهما في المجلس ، فتفاخروا واستبوا حتى أشرع بعضهم الرماح إلى بعض .
وأخرج ابن المنذر عن قتادة { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً } إذ كنتم تذابحون فيها يأكل شديدكم ضعيفكم حتى جاء الله بالإسلام ، فآخى به بينكم ، وألف به بينكم . أما والله الذي لا إله إلا هو أن الألفة لرحمة ، وأن الفرقة لعذاب ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول « والذي نفس محمد بيده لا يتواد رجلان في الإسلام ، فيفرق بينهما من أول ذنب يحدثه أحداهما ، وإن أرادهما المحدث » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر الأنصار بمَ تمنون عليَّ أليس جئتكم ضلاًلاً فهداكم الله بي ، وجئتكم أعداء فألف الله بين قلوبكم بي؟ قالوا : بلى . يا رسول الله » .(2/403)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وكنتم على شفا حفرة من النار } يقول كنتم على طرف النار ، من مات منكم وقع في النار . فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، فاستنقذكم به من تلك الحفرة .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس أنه قرأ { وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } قال : أنقذنا منها فأرجو أن لا يعيدنا فيها .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } قال : أنقذكم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت عباس بن مرداس وهو يقول :
يكب على شفا الأذقان كبا ... كما زلق التحتم عن جفاف(2/404)
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف عن عمرو بن دينار أنه سمع ابن الزبير يقرأ { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } ويستعينون بالله على ما أصابهم . فما أدري أكانت قراءته أو فسَّر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن الأنباري عن عثمان أنه قرأ « ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم وأولئك هم المفلحون » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي جعفر الباقر قال : « قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير } ثم قال » الخير أتباع القرآن وسُنَّتي « » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : كل آية ذكرها الله في القرآن في الأمر بالمعروف فهو الإسلام ، والنهي عن المنكر فهو عبادة الشيطان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله { ولتكن منكم أمة } يقول : ليكن منكم قوم . يعني واحداً ، أو إثنين ، أو ثلاثة نفر فما فوق ، ذلك أمة يقول : إماماً يقتدى به يدعون إلى الخير قال : إلى الخير قال : إلى الإسلام ، ويأمرون بالمعروف بطاعة ربهم ، وينهون عن المنكر عن معصية ربهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير } قال : هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة . وهم الرواة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا } قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة ، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة ، وأخبرهم أنما هلك من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين الله .
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا } قال : أهل الكتاب . نهى الله أهل الإسلام أن يتفرقوا ويختلفوا كما تفرق واختلف أهل الكتاب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا } قال : من اليهود والنصارى .
وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على إثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة » .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : كيف يصنع أهل هذه الأهواء الخبيثة بهذه الآية في آل عمران { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } قال : نبذوها ورب الكعبة وراء ظهورهم .
وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم عن معاوية قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على إثنتين وسبعين ملة ، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين ملة ، كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة ، ويخرج في أمتي أقوام تتجارى تلك الأهواء بهم كما يتجارى الكلب بصاحبه ، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله » .(2/405)
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن عمرو قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يأتي على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ، حتى لو كان فيهم من نكح أمة علانية كان في أمتي مثله ، إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة ، كلها في النار إلا ملة واحدة فقيل له : ما الواحدة؟ قال : ما أنا عليه اليوم وأصحابي » .
وأخرج الحاكم عن كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لتسلكن سنن من قبلكم . إن بني إسرائيل افترقت » الحديث .
وأخرج ابن ماجة عن عوف بن مالك قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة وسبعون في النار ، وافترقت النصارى على إثنتين وسبعين فرقة ، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة . والذي نفس محمد لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة وإثنتان وسبعون في النار . قيل : يا رسول الله من هم؟ قال : الجماعة » .
وأخرج أحمد عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة ، فهلكت سبعون فرقة وخلصت فرقة واحدة ، وأن أمتي ستفترق على إثنتين وسبعين فرقة ، تهلك إحدى وسبعون فرقة وتخلص فرقة قيل : يا رسول الله من تلك الفرقة؟ قال : الجماعة الجماعة » .
وأخرج أحمد عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إثنان خير من واحد ، وثلاثة خير من إثنين ، وأربعة من ثلاثة ، فعليكم بالجماعة فإن الله لم يجمع أمتي إلا على هدى » .
وأخرج ابن مردويه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ادخلوا عليَّ ، ولا يدخل عليَّ إلا قرشي فقال : يا معشر قريش أنتم الولاة بعدي لهذا الدين ، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } ، { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } [ البينة : 5 ] » .(2/406)
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)
أخرج أحمد والترمذي وابن ماجة والطبراني وابن المنذر عن أبي غالب قال « رأى أبو أمامة رؤوس الأزارقة منصوبة على درج مسجد دمشق فقال أبو أمامة : كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء ، خير قتلى من قتلوه . ثم قرأ { يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه } الآية . قلت لأبي أمامة : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لو لم أسمعه إلا مرة ، أو مرتين ، أو ثلاثاً ، أو أربعاً ، حتى عدَّ سبعاً ما حدثتكموه » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نصر في الإبانة والخطيب في تاريخه واللالكائي في السنة عن ابن عباس في هذه الآية قال { تبيض وجوه وتسود وجوه } قال : تبيض وجوه أهل السنة والجماعة ، وتسود وجوه أهل البدع والضلالة .
وأخرج الخطيب في رواة مالك والديلمي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } قال : « تبيض وجوه أهل السنة ، وتسود وجوه أهل البدع » .
وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة عن أبي سعيد الخدري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } قال : تبيض وجوه أهل الجماعات والسنة ، وتسود وجوه أهل البدع والأهواء » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب في الآية قال : صاروا فرقتين ثوم القيامة يقال لمن اسود وجهه { أكفرتم بعد إيمانكم } فهو الإيمان الذي كان في صلب آدم حيث كانوا أمة الذين ابيضت وجوههم فهم الذين استقاموا على إيمانهم ، وأخلصوا له الدين ، فبيَّض الله وجوههم ، وأدخلهم في رضوانه وجنته .
وأخرج الفريابي وابن المنذر عن عكرمة في الآية قال : هم من أهل الكتاب ، كانوا مصدقين بأنبيائهم ، مصدقين بمحمد ، فلما بعثه الله كفروا . فذلك قوله { أكفرتم بعد إيمانكم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي أمامة في قوله { فأما الذين اسودت وجوههم } قال : هم الخوارج .
وأخرج عبد حميد وابن جرير في الآية عن قتادة قال : لقد كفر أقوام بعد إيمانهم كما تسمعون { فأما الذين ابيضت وجوههم } فأهل طاعة الله والوفاء بعهد الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { فأما الذين اسودت وجوههم } قال : هم المنافقون كانوا أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم ، وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { وتسود وجوه } قال : هم اليهود .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } قال : هذا لأهل القبلة .
وأخرج ابن المنذر عن السدي بسند فيه من لا يعرف { يوم تبيض وجوه وتسودُّ وجوه } قال : بالأعمال والأحداث .(2/407)
وأخرج ابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن عائشة قالت « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تأتي عليك ساعة لا تملك فيها لأحد شفاعة؟ قال : نعم { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } حتى انظر ما يفعل بي . أو قال : بوجهي » .
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن ابن عباس قال : « قال رسول الله صلى عليه وسلم : المصيبة تبيض وجه صاحبها يوم تسود الوجوه » .
وأخرج أبو نعيم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الغبار في سبيل الله إسفار الوجوه يوم القيامة » .
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ليس من عبد يقول لا إله إلا الله مرة إلا بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر » .
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن وثاب أنه قرأ كل شيء في القرآن { وإلى الله ترجع الأمور } بنصب التاء وكسر الجيم .(2/408)
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)
أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والفريابي وأحمد والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه عن ابي عباس في قوله { كنتم خير أمة أخرجت للناس } قال : هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : قال عمر بن الخطاب : لو شاء الله لقال : أنتم . فكنا كلنا ، ولكن قال { كنتم } في خاصة أصحاب محمد ، ومن صنع مثل صنيعهم كانوا { خير أمة أخرجت للناس } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي عمن حدثه عن عمر في قوله { كنتم خير أمة } قال : تكون لأوّلنا ، ولا تكون لآخرنا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذرعن عكرمة في الآية قال : نزلت في ابن مسعود ، وعمار بن يسار ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية { كنتم خير أمة أخرجت للناس } الآية . ثم قال : يا أيها الناس من سرَّه أن يكون من تلكم الأمة فليؤدِّ شرط الله منها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { كنتم خير أمة أخرجت للناس } يقول : على هذا الشرط : أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر ، وتؤمنوا بالله . يقول : لمن أنتم بين ظهرانيه كقوله { ولقد اخترناهم على علم على العالمين } [ الدخان : 32 ] .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن أبي هريرة في قوله { كنتم خير أمة أخرجت للناس } قال : خير الناس للناس ، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام .
وأخرج ابن المنذر من طريق عكرمة عن ابن عباس { كنتم خير أمة أخرجت للناس } قال : خير الناس للناس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال : لم تكن أمة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمة ، فمن ثم قال { كنتم خير أمة أخرجت للناس } .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن معاوية بن حيدة . أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { كنتم خير أمة أخرجت للناس } قال « إنكم تتمون سبعين أمة ، أنتم خيرها ، وأكرمها على الله » .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال « ذكر لنا نبي الله صلى لله عليه وسلم قال ذات يوم وهو مسند ظهره إلى الكعبة : نحن نكمل يوم القيامة سبعين أمة ، نحن آخرها وخيرها » .
وأخرج أحمد بسند حسن عن علي قال :(2/409)
« قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء : نصرت بالرعب ، وأعطيت مفاتيح الأرض ، وسميت أحمد ، وجعل التراب لي طهوراً ، وجعلت أمتي خير الأمم » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر { كنتم خير أمة أخرجت للناس } قال : أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطية في الآية قال : خير الناس للناس . شهدتم للنبيين الذين كذبهم قومهم بالبلاغ .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال : لم تكن أمة دخل فيها من أصناف الناس غير هذه الأمة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف } يقول : تأمرونهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما أنزل الله ويقاتلونهم عليه . ولا إله إلا الله هو أعظم المعروف { وتنهونهم عن المنكر } والمنكر هو التكذيب وهو أنكر المنكر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { منهم المؤمنون } قال : استثنى الله منهم ثلاثة كانوا على الهدى والحق .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وأكثرهم الفاسقون } قال : ذم الله أكثر الناس .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { لن يضروكم إلا أذى } قال : تسمعونه منهم .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج { لن يضروكم إلا أذى } قال : إشراكهم في عزير ، وعيسى ، والصليب .
وأخرج عن الحسن { لن يضروكم إلا أذى } قال : تسمعون من كذباً على الله ، يدعونكم إلى الضلالة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ضربت عليهم الذلة } قال : هم أصحاب القبالات .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن { ضربت عليهم الذلة } قال : أذلهم الله فلا منعة لهم ، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال : أدركتهم هذه الأمة ، وأن المجوس لتجتنيهم الجزية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة { ضربت عليهم الذلة } قال : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك { ضربت عليهم الذلة } قال : الجزية .
وأخرج ابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم من طريقين عن ابن عباس { إلا بحبل من الله وحبل من الناس } قال : بعهد من الله وعهد من الناس .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } قال اجتنبوا المعصية والعدوان ، فإن بهما هلك من هلك قبلكم من الناس .(2/410)
لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)
أخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس قال : لما أسلم عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، ومن أسلم من يهود معهم . فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم : ما آمن بمحمد وتبعه إلاّ شرارنا ، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره . فأنزل الله في ذلك { ليسوا سواء } إلى قوله { وأولئك من الصالحين } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { ليسوا سواء } الآية . يقول : ليس كل القوم هلك ، قد كان لله فيهم بقية .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله { أمة قائمة } قال : عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن سلام أخوه ، وسعية ، ومبشر ، وأسيد ، وأسد ابنا كعب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية يقول : هؤلاء اليهود ليسوا كمثل هذه الأمة التي هي قانتة لله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { أمة قائمة } يقول : مهتدية ، قائمة على أمر الله لم تنزع عنه وتتركه كما تركه الآخرون وضيعوه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { أمة قائمة } قال : عادلة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع { أمة قائمة } يقول : قائمة على كتاب الله ، وحدوده ، وفرائضه .
وأخرج ابن جرير عن الربيع { آناء الليل } قال : ساعات الليل .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { آناء الليل } قال : جوف الليل .
وأخرج الفريابي والبخاري في تاريخه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله { ليسوا من أهل الكتاب أمة قائمة } قال : لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد { يتلون آيات الله آناء الليل } قال : صلاة العتمة هم يصلونها ، ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصلونها .
وأخرج أحمد والنسائي والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني بسند حسن عن ابن مسعود قال : أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ، ثم خرج إلى المسجد ، فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال « أما أنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم . ولفظ ابن جرير ، والطبراني ، وقال : إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب . قال : وأنزلت هذه الآية { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة } حتى بلغ { والله عليم بالمتقين } » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { يتلون آيات الله آناء الليل } قال : قال بعضهم صلاة العتمة يصليها أمة محمد ولا يصليها غيرهم من أهل الكتاب .(2/411)
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في سننه عن معاذ بن جبل قال « أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة ليلة حتى ظن الظان أن قد صلى ، ثم خرج فقال : اعتموا بهذه الصلاة فإنكم فضلتم بها على سائر الأمم ، ولم تصلها أمة قبلكم » .
وأخرج الطبراني بسند حسن عن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه خرج ذات ليلة وقد أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد فقال : أما أنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها ، ثم قال : أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار بسند حسن عن ابن عمر « أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتم بالعشاء؛ فناداه عمر نام النساء والصبيان فقال : ما ينتظر هذه الصلاة أحد من أهل الأرض غيركم » .
وأخرج الطبراني بسند حسن عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء ثم خرج فقال : ما يحبسكم هذه الساعة؟ قالوا : يا نبي الله انتظرناك لنشهد الصلاة معك فقال لهم : ما صلى صلاتكم هذه أمة قط قبلكم ، وما زلتم في صلاة بعد » .
وأخرج الطبراني بسند حسن عن عبد الله بن المستورد قال « احتبس النبي صلى الله عليه وسلم ليلة حتى لم يبق في المسجد إلا بضعة عشر رجلاً ، فخرج إليهم فقال : ما أمسى أحد ينتظر الصلاة غيركم » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن منصور قال : بلغني أنها نزلت { يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون } فيما بين المغرب والعشاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله { يتلون آيات الله آناء الليل } قال : هي صلاة الغفلة .
وأخرج ابن جرير عن أبي عمرو بن العلاء في قوله { وما تفعلوا من خير فلن تكفروه } قال : بلغني عن ابن عباس أنه كان يقرؤهما جميعاً بالتاء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { فلن تكفروه } قال : لن يضل عنكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { فلن تكفروه } قال : لن تظلموه .(2/412)
مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا } قال : مثل نفقة الكافر في الدنيا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية يقول : مثل ما ينفق المشركون ولا يتقبل منهم ، كمثل هذا الزرع إذا زرعه القوم الظالمون . فأصابته ريح فيها صر فأهلكته ، فكذلك أنفقوا فأهلكهم شركهم .
وأخرج سعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس { فيها صر } قال : برد شديد .
أخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { فيها صر } قال برد . قال : فهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول نابغة بني ذبيان :
لا يبردون إذا ما الأرض للها ... أصر الشتاء من الأمحال كالادم(2/413)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان رجال من المسلمين يواصلون رجالاً من يهود لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية ، فأنزل الله فيهم ينهاهم عن مباطنتهم تخوف الفتنة عليهم منهم { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لا تتخذوا بطانة من دونكم } قال : هم المنافقون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : نزلت في المنافقين من أهل المدينة . نهى المؤمنين أن يتولَّوهم .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند جيد عن حميد بن مهران المالكي الخياط قال : سألت أبا غالب عن قوله { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم . . . } الآية قال « حدثني أبو أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه قال : هم الخوارج » .
وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا تنقشوا في خواتيمكم عربياً ، ولا تستضيئوا بنار المشركين . فذكر ذلك للحسن فقال : نعم . لا تنقشوا في خواتيمكم محمداً ، ولا تستشيروا المشركين في شيء من أموركم » قال الحسن : وتصديق ذلك في كتاب الله { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم } .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب ، أنه قيل له إن هنا غلاماً من أهل الحيرة حافظاً كاتباً ، فلو اتخذته كاتباً قال : قد اتخذت إذن بطانة من دون المؤمنين .
وأخرج ابن جرير عن الربيع { لا تتخذوا بطانة } يقول : لا تستدخلوا المنافقين تتولوهم دون المؤمنين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { ودوا ما عنتم } يقول : ما ضللتم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { ودوا ما عنتم } يقول : ودّ المنافقون ما عنت المؤمنون في دينهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { قد بدت البغضاء من أفواههم } يقول : من أفواه المنافقين إلى إخوانهم من الكفار من غشهم للإسلام وأهله وبغضهم إياهم { وما تخفي صدورهم أكبر } يقول : ما تكنُّ صدورهم أكبر مما قد أبدوا بألسنتهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم } قال المؤمن خير للمنافق من المنافق للمؤمن يرحمه في الدنيا . لو يقدر المنافق من المؤمن على مثل ما يقدر عليه منه لأباد خضراءه .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة . مثله .
وأخرج إسحق وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وتؤمنون بالكتاب كله } أي بكتابكم وكتابهم ، وبما مضى من الكتب قبل ذلك ، وهم يكفرون بكتابكم ، فأنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم .(2/414)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود { وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل } قال : هكذا ووضع أطراف أصابعه في فيه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { وإذا لقوكم . . . } الآية . قال : إذا لقوا المؤمنين { قالوا آمنا } ليس بهم إلا مخافة على دمائهم وأموالهم فصانعوهم بذلك { وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } يقول : مما يجدون في قلوبهم من الغيظ والكراهة لما هم عليه ، لو يجدون ريحاً لكانوا على المؤمنين .
وأخرج ابن جرير عن السدي { عضوا عليكم الأنامل } قال : الأصابع .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي الجوزاء قال : نزلت هذه الآية في الأباضية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { إن تمسسكم حسنة } يعني النصر على العدوّ ، والرزق ، والخير ، يسؤهم ذلك { وإن تصبكم سيئة } يعني القتل والهزيمة والجهد .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : إذا رأوا من أهل الإسلام إلفة وجماعة وظهوراً علىعدوّهم غاظهم ذلك وساءهم ، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافاً أو أصيب طرف من أطراف المسلمين سرهم ذلك وابتهجوا به .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم } مشددة برفع الضاد والراء .(2/415)
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)
أخرج ابن إسحق والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن يحيى بن حبان والحصين بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ قالوا : كان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص ، اختبر الله به المؤمنين ، ومحق به الكافرين ممن كان يظهر الإسلام بلسانه وهو مستخفٍ بالكفر ، ويوم أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته ، فكان مما نزل من القرآن في يوم أحد ستون آية من آل عمران فيها صفة ما كان في يومه ذلك ، ومعاتبة من عاتب منهم . يقول الله لنبيه { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم } .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال « قاتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر في رمضان سنة اثنتين ، ثم قاتل يوم أحد في شوّال سنة ثلاث ، ثم قاتل يوم الخندق وهو يوم الأحزاب وبني قريظة في شوّال سنة أربع » .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في الدلائل عن عمروة قال : كانت وقعة أحد في شوّال على رأس سنة من وقعة بدر ، ولفظ عبد الرزاق : على رأس ستة أشهر من وقعة بني النضير ، ورئيس المشركين يؤمئذ أبو سفيان بن حرب .
وأخرج البيهقي عن قتادة قال : كانت وقعة أحد في شوّال يوم السبت لإحدى عشرة ليلة مضت من شوّال ، وكان أصحابه يومئذ سبعمائة والمشركون الفين أو ما شاء الله من ذلك .
وأخرج أبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم عن المسور بن مخرمة قال : قلت لعبد الرحمن بن عوف يا خال أخبرني عن قصتكم يوم أحد؟ قال : اقرأ بعد العشرين ومائة من آل عمران تجد قصتنا { وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال } إلى قوله { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } [ آل عمران : 122 ] قال : هم الذين طلبوا الأمان من المشركين إلى قوله { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه } [ آل عمرن : 143 ] قال : هو تمني المؤمنين لقاء العدو إلى { أَفَإنْ مات أو قتل انقلبتم } [ آل عمران : 144 ] قال : هو صياح الشيطان يوم أحد : قتل محمد إلى قوله { أمنة نعاساً } [ آل عمران عمران : 154 ] قال : ألقي عليهم النوم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } قال : يوم أحد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { تبوّئ المؤمنين } قال : توطئ .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { تبوّئ المؤمنين } قال : توطن المؤمنين لتسكن قلوبهم قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول الأعشى الشاعر :(2/416)
وما بوّأ الرحمن بيتك منزلاً ... بأجياد غربي الفنا والمحرم
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وإذ غدوت من أهلك تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال } قال : مشى النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ على رجليه يبوّئ المؤمنين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وإذ غدوت من أهلك } قال يعني محمداً صلى الله عليه وسلم يبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال يوم الأحزاب .
وأخرج إسحق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن شهاب ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم . كل حدث بعض الحديث عن يوم قالوا : لما أصيبت قريش أو من ناله منهم يوم بدر من كفار قريش ، ورجع قلهم إلى مكة ، ورجع أبو سفيان بعيره . مشى عبد الله بن أبي ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم واخوانهم ببدر ، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا : يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم ، وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأراً بمن أصاب ، ففعلوا فأجمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرجت بجدتها وجديدها ، وخرجوا معهم بالظعن التماس الحفيظة ولئلا يقروا . وخرج أبو سفيان وهو قائد الناس ، فأقبلوا حتى نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مما يلي المدينة ، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وأنهم قد نزلوا حيث نزلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إني رأيت بقراً تنحر ، ورأيت في ذباب سيفي ثلماً ، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة ، فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا ، فإن أقاموا بشر مقام ، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها » .
ونزلت قريش منزلها أحداً يوم الأربعاء ، فأقاموا ذلك اليوم ، ويوم الخميس ، ويوم الجمعة ، وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الجمعة فأصبح بالشعب من أحد ، فالتقوا يوم السبت للنصف من شوّال سنة ثلاث ، وكان رأي عبد الله بن أبي مع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى رأيه في ذلك؛ أن لا يخرج إليهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الخروج من المدينة فقال رجال من المسلمين ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد وغيرهم ممن كان فاته يوم بدر وحضوره : يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنَّا جنُنَّا عنهم وضعفنا فقال عبد الله بن أبي : يا رسول الله أقم بالمدينة فلا تخرج إليهم ، فوالله ما خرجنا منها إلى عدوّ لنا قط إلا أصاب منا ، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منهم ، فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشر ، وإن دخلوا قاتلهم النساء والصبيان والرجال بالحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤوا خائبين كما جاؤوا .(2/417)
فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلبس لامته وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة ثم خرج عليهم . وقد ندم الناس وقالوا : استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لنا ذلك فإن شئت فاقعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل » .
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف رجل من أصحابه ، حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد تحوّل عنه عبدالله بن أبي بثلث الناس ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك في حرة بني حارثة ، فذب فرس بذنبه فأصاب ذباب سيفه فاستلَّه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحب الفأل ولا يعتاف لصاحب السيف « شمَّ سيفك فإني أرى السيوف ستستل اليوم » .
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالشعب من أحد من عدوة الوادي إلى الجبل ، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، وتعبَّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة رجل ، وأمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير والرماة خمسون رجلاً فقال : « انضح عنا الجبل بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كان علينا أو لنا فأنت مكانك لنؤتين من قبلك وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين » .
وأخرج ابن جرير عن السدي « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم أحد أشيروا عليّ ما أصنع؟ فقالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرج إلى هذه الأكلب فقالت الأنصار : يا رسول الله ما غلبنا عدوّ لنا أتانا في ديارنا فكيف وأنت فينا . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره فقال : يا رسول الله اخرج بنا إلى هذه الأكلب ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يدخلوا عليه المدينة فيقاتلوا في الأزقة ، فأتى النعمان بن مالك الأنصاري فقال : يا رسول الله لا تحرمني الجنة فقال له : بم؟ قال : بأني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، واني لا أفر من الزحف قال : صدقت . فقتل يؤمئذ .
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بدرعه فلبسها ، فلما رأوه وقد لبس السلاح ندموا وقالوا : بئسما صنعنا نشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي يأتيه ، فقاموا واعتذروا إليه وقالوا : اصنع ما رأيت فقال : رأيت القتال وقال رسول صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لنبي أن يلبس لامته فيضعها حتى يقاتل » .(2/418)
وأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد في ألف رجل ، وقد وعدهم الفتح أن يصبروا . فرجع عبد الله بن أبي في ثلاثمائة ، فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم فأعيوه وقالوا له : ما نعلم قتالاً ، ولئن أطعتنا لترجعن معنا وقال { وإذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } وهم بنو سلمة ، وبنو حارثة ، هموا بالرجوع حين رجع عبد الله بن أبي ، فعصمهم الله . وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة « .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { وإذ تبوئ المؤمنين } قال : ذاك يوم أحد ، غدا نبي الله من أهله إلى أحد { تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } وأحد بناحية المدينة .(2/419)
إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبدالله قال : فينا نزلت . في بني حارثة ، وبني سلمة { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } وما يسرني أنها لم تنزل لقول الله { والله وليهما } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { إذ همت طائفتان } قال : بنو حارثة كانوا نحو أحد ، وبنو سلمة نحو سلع .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { إذ همَّت طائفتان } قال : ذلك يوم أحد { والطائفتان } بنو سلمة ، وبنو حارثة ، حيان من الأنصار هموا بأمر فعصمهم الله من ذلك ، وقد ذكر لنا أنه لما أنزلت هذه الآية قالوا : ما يسرنا أنَّا لم نهم بالذي هممنا به وقد أخبرنا الله أنه ولينا .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { إذ همَّت طائفتان } قال : هم بنو حارثة ، وبنو سلمة .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : نزلت في بني سلمة من الخزرج ، وبني حارثة من الأوس { إذ همت طائفتان } الآية .
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج قال ابن عباس : الفشل الجبن والله أعلم .(2/420)
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)
أخرج أحمد وابن حبان عن عياض الأشعري قال : شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء : أبو عبيدة ، ويزيد بن أبي سفيان ، وابن حسنة ، وخالد بن الوليد ، وعياض . وليس عياض هذا قال : وقال عمر : إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة . . . فكتبنا إليه أنه قد حاس إلينا الموت واستمددناه . فكتب ألينا أنه جاءني كتابكم تستمدونني ، وإني أدلكم على من هو أعز نصراً وأحضر جنداً ، الله عز وجل ، فاستنصروه فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم ، فإذا جاءكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني . فقاتلناهم فهزمناهم أربعة فراسخ .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { ولقد نصركم الله ببدر } إلى { ثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } [ آل عمران : 124 ] في قصة بدر .
وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال : بدر بئر .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن الشعبي قال : كانت بدر بئراً لرجل من جهينة يقال له بدر فسميت به .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : بدر ماء عن يمين مكة ، بين مكة والمدينة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : بدر ماء بين مكة والمدينة ، التقى عليه النبي صلى الله عليه وسلم والمشركون ، وكان أوّل قتال قاتله النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر لنا أنه قال لأصحابه يومئذ : إنهم اليوم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي جالوت ، وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، وألف المشركون يومئذ أو راهقوا ذلك .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال : كانت بدر متجراً في الجاهلية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وأنتم أذلَّة } يقول : وأنتم قليل ، وهم يومئذ بضعة عشر وثلاثمائة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وابن أبي حاتم عن رافع بن خديج قال : قال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم « ما تعدون من شهد بدراً فيكم؟ قال : خيارنا . قال : وكذلك نعد من شهد بدراً من الملائكة فينا » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة قال : على كل مسلم أن يشكر الله في نصره ببدر . يقول الله { لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون } .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن الزهري قال : سمعت ابن المسيب يقول : غزا النبي صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة غزوة قال : وسمعته مرة أخرى يقول أربعاً وعشرين غزوة ، فلا أدري أكان وهماً منه أو شيئاً سمعه بعد ذلك؟ قال الزهري : وكان الذي قاتل فيه النبي صلى الله عليه وسلم كل شيء ذكر في القرآن .
وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة ، قاتل في ثمان : يوم بدر ، ويوم أحد ، ويوم الأحزاب ، ويوم قديد ، ويوم خيبر ، ويوم فتح مكة ، ويوم ماء لبني المصطلق ، ويوم حنين .(2/421)
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز جابر المحاربي يمد المشركين ، فشق ذلك عليهم ، فانزل الله { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف } إلى قوله { مسوّمين } قال : فبلغت كرزاً الهزيمة فلم يمد المشركين؛ ولم يمد المسلمون بالخمسة .
وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال : لما كان يوم بدر بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نحوه إلا أنه قال { ويأتوكم من فورهم هذا } يعني كرزاً وأصحابه { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين } فبلغ كرزاً وأصحابه الهزيمة فلم يمدهم ولم تنزل الخمسة ، وأمدوا بعد ذلك بألف فهم أربعة آلاف من الملائكة مع المسلمين .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { إذ تقول للمؤمنين } الآية . قال : هذا يوم بدر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : أمدوا بألف ، ثم صاروا ثلاثة آلاف ، ثم صاروا خمسة آلاف . وذلك يوم بدر .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله { بلى إن تصبروا وتتقوا . . . } الآية . قال هذا يوم أحد فلم يصبروا ولم يتقوا فلم يمدوا يوم أحد ، ولو مدوا لم يهزموا يومئذ .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : لم يمد النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ولا بملك واحد لقول الله { إن تصبروا وتتقوا } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { إن تصبروا وتتقوا } الآية . قال : كان هذا موعداً من الله يوم أحد عرضه على نبيه صلى الله عليه وسلم ، أن المؤمنين إن اتقوا وصبروا أيدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين ، ففر المسلمون يوم أحد وولوا مدبرين فلم يمدهم الله .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال « قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ينتظرون المشركين : يا رسول الله أليس يمدنا الله كما أمدنا يوم بدر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } فإنما أمدكم يوم بدر بألف قال : فجاءت الزيادة من الله على أن يصبروا ويتقوا » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ويأتوكم من فورهم هذا } يقول : من سفرهم هذا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال { من فورهم } من وجههم .
وأخرج ابن جرير عن الحسن والربيع وقتادة والسدي . مثله .
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن عكرمة { من فورهم } قال : فورهم ذلك كان يوم أحد ، غضبوا ليوم بدر مما لقوا .(2/422)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { من فورهم } قال : من غضبهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح مولى أم هانئ . مثله .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك { ويأتوكم من فورهم } يقول : وجههم وغضبهم .
وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { مسوّمين } قال : معلمين ، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائمَ سوداً ، ويوم أحد عمائمَ حمراً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير ، أن الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتمراً أو مُعْتَماً بها فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر .
وأخرج ابن إسحق والطبراني عن ابن عباس قال : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاً ، قد أرسلوها في ظهورهم . ويوم حنين عمائم حمراً ، ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر ، وكانوا يكونون عدداً ومدداً لا يضربون .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى { مسوّمين } قال : الملائكة عليهم عمائم بيض مسوّمة فتلك سيما الملائكة قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت الشاعر يقول :
ولقد حميت الخيل تحمل شكة ... جرداء صافية الأديم مسوّمة
وأخرج ابن جريرعن أبي أسيد وكان بدرياً أنه كان يقول : لو أن بصري معي ثم ذهبتم معي إلى أحد لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة في عمائم صفر ، قد طرحوها بين أكتافهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن عروة قال : نزلت الملائكة يوم بدر على خيل بلق ، وكان على الزبير يومئذ عمامة صفراء .
وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة عن عروة قال : نزل جبريل يوم بدر على سيما الزبير ، وهو معتم بعمامة صفراء .
وأخرج أبو نعيم وابن عساكر عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، أنه بلغه أن الملائكة نزلت يوم بدر ، وهم طير بيض عليهم عمائم صفر ، وكان على رأس الزبير يومئذ عمامة صفراء من بين الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم « نزلت الملائكة على سيما أبي عبد الله . وجاء النبي صلى الله عليه وسلم عمامة صفراء » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمير بن إسحق قال : إن أول ما كان الصوف ليوم بدر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تسوّموا فإن الملائكة قد تسوّمت . فهو أول يوم وضع الصوف » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال : كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض في نواصي الخيل وأذنابها .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله { مسوّمين } قال : بالعهن الأحمر .(2/423)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مسوّمين } قال : أتوا مسوّمين بالصوف ، فسوّم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { مسوّمين } قال : معلمين مجزوزة أذناب خيولهم ونواصيها ، فيها الصوف والعهن .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { مسوّمين } قال : ذكر لنا أن سيماهم يومئذ الصوف بنواصي خيلهم وأذنابهم ، وأنهم على خيل بلق .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة { مسوّمين } قال عليهم سيما القتال .
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : كانوا يومئذ على خيل بلق .
وأخرج عبد بن حميد عن عمير بن إسحق قال « لما كان يوم أحد أجلى الله الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بقي سعد من مالك يرمي ، وفتى شاب ينبل به كلما فني النبل أتاه به فنثره فقال : ارم أبا إسحق ، ارم أبا إسحق . فلما انجلت المعركة سئل عن ذلك الرجل فلم يعرف » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وما جعله الله بشرى لكم } يقول : إنما جعلهم لتستبشروا بهم ولتطمئنوا إليهم ، ولم يقاتلوا معهم يومئذ لا قبله ولا بعده ، إلا يوم بدر .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد { وما النصر إلا من عند الله } قال : لو شاء أن ينصركم بغير الملائكة فعل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ليقطع طرفاً من الذين كفروا } قال : قطع الله يوم بدر طرفاً من الكفار ، وقتل صناديدهم ورؤوسهم وقادتهم في الشر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن { ليقطع طرفاً } قال : هذا يوم بدر ، قطع الله طائفة منهم وبقيت طائفة .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : ذكر الله قتلى المشركين بأحد ، وكانوا ثمانية عشر رجلاً فقال { ليقطع طرفاً من الذين كفروا } ثم ذكر الشهداء فقال { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً } الآية .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد { أو يكبتهم } قال : يخزيهم .
وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع . مثله .(2/424)
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في الدلائل عن أنس ، « أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد ، وشج في وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال » كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فأنزل الله { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أويعذبه فإنهم ظالمون } « » .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وقد جرح في وجهه ، وأصيب بعض رباعيته وفوق حاجبه فقال وسالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجهه « كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فأنزل الله { ليس لك من الأمر شيء } الآية » .
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وقد شج في وجهه وأصيبت رباعيته ، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم فقال « كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى الشيطان ، ويدعوهم إلى الهدى ويدعونه إلى الضلالة ، ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار؟ فهمَّ أن يدعو عليهم . فأنزل الله { ليس لك من الأمر شيء } الآية فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليهم » .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انكشف عنه أصحابه يوم أحد ، كسرت رباعيته وجرح وجهه فقال وهو يصعد على أحد « كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ فأنزل الله مكانه { ليس لك من الأمر شيء } الآية » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ، ان رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم أصيبت يوم أحد ، أصابها عتبة بن أبي وقاص وشجه في وجهه ، فكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول « كيف يفلح قوم صنعوا هذا بنبيهم؟ فانزل الله { ليس لك من الأمر شيء } الآية » .
وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد : اللهم العن أبا سفيان ، اللهم العن الحرث بن هشام ، اللهم العن سهيل بن عمرو ، اللهم العن صفوان بن أمية . فنزلت هذه الآية { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } فتيب عليهم كلهم » .(2/425)
وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على أربعة نفر . فانزل الله { ليس لك من الأمر شيء } الآية فهداهم الله للإسلام .
وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع « اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين . اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف يجهر بذلك وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم العن فلاناً وفلاناً . . . لأحياء من أحياء العرب يجهر بذلك حتى أنزل الله { ليس لك من الأمر شيء } وفي لفظ اللهم العن لحيان ، ورعلا ، وذكوان ، وعصية ، عصت الله ورسوله . ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزل قوله { ليس لك من الأمر شيء } الآية » .
وأخرج عبد بن حميد والنحاس في ناسخه عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن في صلاة الفجر بعد الركوع في الركعة الآخرة فقال « اللهم العن فلاناً وفلاناً ناساً من المنافقين دعا عليهم فأنزل الله { ليس لك من الأمرشيء } الآية » .
وأخرج ابن إسحق والنحاس في ناسخه عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : جاء رجل من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنك تنهى عن السبي يقول : قد سبى العرب . ثم تحول قفاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكشف استه فلعنه ودعا عليه . فأنزل الله { ليس لك من الأمر شيء } الآية . ثم أسلم الرجل فحسن إسلامه .(2/426)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كانوا يتبايعون إلى الأجل . فإذا حل الأجل زادوا عليهم وزادوا في الأجل ، فنزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطاء قال : كانت ثقيف تداين بني المغيرة في الجاهلية ، فإذا حل الأجل قالوا : نزيدكم وتؤخرون عنا . فنزلت { لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : إن الرجل كان يكون له على الرجل المال ، فإذا حل الأجل طلبه من صاحبه فيقول المطلوب : أخِّر عني وأزيدك في مالك فيفعلان ذلك . فذلك { الربا أضعافاً مضاعفة } فوعظهم الله { واتقوا الله } في أمر الربا فلا تأكلوا { لعلكم تفلحون } لكي تفلحوا { واتقوا النار التي أعدَّت للكافرين } فخوف آكل الربا من المؤمنين بالنار التي أعدت للكافرين { وأطيعوا الله والرسول } يعني في تحريم الربا { لعلكم ترحمون } يعني لكي ترحموا فلا تعذبون .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن معاوية بن قرة قال : كان الناس يتأولون هذه الآية { واتقوا النار التي أعدَّت للكافرين } اتقوا لا أعذبكم بذنوبكم في النار التي أعددتها للكافرين .(2/427)
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذرعن عطاء بن أبي رباح قال « قال المسلمون يا رسول الله بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا . كانوا إذا أذنب أحدهم ذنباً أصبح وكفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه . أجدع أنفك ، اجدع أذنك ، افعل كذا وكذا . فسكت . فنزلت هذه الآيات { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } إلى قوله { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بخير من ذلكم ثم تلا هؤلاء الآيات عليهم » .
وأخرج ابن المنذر عن أنس بن مالك في قوله { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } قال التكبيرة الأولى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وسارعوا } يقول : سارعوا بالأعمال الصالحة { إلى مغفرة من ربكم } قال : لذنوبكم { وجنة عرضها السماوات والأرض } يعني عرض سبع سموات وسبع أرضين ، لو لصق بعضهم إلى بعض فالجنة في عرضهن .
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس في الآية قال : تقرن السموات السبع ، والأرضون السبع كما تقرن الثياب بعضها إلى بعض . فذاك عرض الجنة .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن كريب قال : أرسلني ابن عباس إلى رجل من أهل الكتاب أسأله عن هذه الآية { جنة عرضها السماوات والأرض } فأخرج أسفار موسى ، فجعل ينظر قال : سبع سموات وسبع أرضين تلفق كما تلفق الثياب بعضها إلى بعض ، هذا عرضها؛ وأما طولها فلا يقدر قدره إلا الله .
وأخرج ابن جرير عن التنوخي رسول هرقل قال « قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب هرقل وفيه : إنك كتبت تدعوني إلى { جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين } فأين النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله . . . ! فأين الليل إذا جاء النهار؟ » .
وأخرج البزار والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال « جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت قوله { وجنة عرضها السماوات والأرض } فأين النار؟ قال : أرأيت الليل إذا لبس كل شيء فأين النهار؟ قال : حيث شاء الله قال : فكذلك حيث شاء الله » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن طارق بن شهاب ، أن ناساً من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ فقال عمر : إذا جاء الليل فأين النهار؟ وإذا جاء النهار أين الليل؟ فقالوا : لقد نزعت مثلها من التوراة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن يزيد بن الأصم ، أن رجلاً من أهل الأديان قال لابن عباس : تقولون { جنة عرضها السماوات والأرض } فأين النار؟ فقال له ابن عباس : إذا جاء الليل فأين النهار؟ وإذا جاء النهار فأين الليل؟ .(2/428)
وأخرج مسلم وابن المنذر والحاكم وصححه عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر « قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض فقال عمير بن الحمام الأنصاري : يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال : نعم . قال : بخ بخٍ . . . لا والله يا رسول الله لا بد أن أكون من أهلها قال : فإنك من أهلها . فأخرج تميرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال : لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة . فرمى بما كان معه من التمر ، ثم قاتلهم حتى قتل » .(2/429)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { الذين ينفقون في السراء والضراء } يقول : في العسر واليسر { والكاظمين الغيظ } يقول : كاظمون على الغيظ كقوله { وإذا ما غضبوا هم يغفرون } [ الشورى : 37 ] يغضبون في الأمر لو وقعوا فيه كان حراماً فيغفرون ويعفون ، يلتمسون وجه الله بذلك { والعافين عن الناس } كقوله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة . . . } [ النور : 22 ] الآية . يقول : تقسموا على أن لا تعطوهم من النفقة واعفوا واصفحوا .
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قول الله والكاظمين الغيظ ما الكاظمون؟ قال : الحابسون الغيظ قال عبد المطلب بن هاشم :
فخشيت قومي واحتبست قتالهم ... والقوم من خوف قتالهم كظم
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { والعافين عن الناس } قال عن المملوكين .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله { والعافين عن الناس } قال : يغيظون في الأمر فيغفرون ويعفون عن الناس ، ومن فعل ذلك فهو محسن { والله يحب المحسنين } بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند ذلك « هؤلاء في أمتي قليل إلا من عصمه الله ، وقد كانوا كثيراً في الأمم التي مضت » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن أبي هريرة في قوله { والكاظمين الغيظ } أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من كظم غيظاً وهو يقدر على انفاذه ملأه الله أمنا وإيماناً » .
وأخرج أحمد والبيهقي في الشعب بسند حسن عن ابن عباس قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد . ما كظم عبد الله إلا ملأ الله جوفة إيماناً » .
وأخرج البيهقي عن ابن عمر . مثله .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والبيهقي في الشعب عن معاذ بن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحوَّر شاء » .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ليس الشديد بالصرعة ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب » .
وأخرج البيهقي عن عامر بن سعد « أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بناس يتحادون مهراساً فقال : أتحسبون الشدة في حمل الحجارة؟ إنما الشدة أن يمتلئ الرجل غيظاً ثم يغلبه » .
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : يقال يوم القيامة ليقم من كان له على الله أجر ، فما يقوم إلا إنسان عفا .(2/430)
وأخرج الحاكم عن أبي بن كعب : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من سره أن يشرف له البنيان ، وترفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه ، ويعطِ من حرمه ، ويصل من قطعه » .
وأخرج البيهقي عن علي بن الحسين ، أن جارية جعلت تسكب عليه الماء يتهيأ للصلاة ، فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجه ، فرفع رأسه إليها فقالت : إن الله يقول { والكاظمين الغيظ } قال : قد كظمت غيظي قالت { والعافين عن الناس } قال : قد عفا الله عنك قالت { والله يحب المحسنين } قال : اذهبي فأنت حرة .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن عائشة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : وجبت محبة الله على من أغضب فحلم » .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عمرو بن عبسة « أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما الإيمان؟ فقال : الصبر ، والسماحة ، وخلق حسن » .
وأخرج البيهقي عن كعب بن مالك « أن رجلاً من بني سلمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال : حسن الخلق . ثم راجعه الرجل فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : حسن الخلق . حتى بلغ خمس مرات » .
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وضعفه عن جابر قال « قالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الشؤم؟ قال : سوء الخلق » .
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب وضعفه عن عائشة مرفوعاً قال « الشؤم سوء الخلق » .
وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن أنس بن مالك قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن حسن الخلق ليذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد » .
وأخرج البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم « الخلق السوء يفسد الإيمان كما يفسد الصبر الطعام » قال أنس : وكان يقال : إن المؤمن أحسن شيء خلقاً .
وأخرج ابن عدي والطبراني والبيهقي وضعفه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « حسن الخلق يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد ، وان الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل » .
وأخرج البيهقي وضعفه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن حسن الخلق يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد ، وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الصبر العسل » .
وأخرج البيهقي وضعفه عن طريق سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « حسن الخلق زمام من رحمة الله في أنف صاحبه ، والزمام بيد الملك ، والملك يجره إلى الخير ، والخير يجره إلى الجنة . وسوء الخلق زمام من عذاب الله في أنف صاحبه ، والزمام بيد الشيطان ، والشيطان يجره إلى الشر ، والشر يجره إلى النار » .(2/431)
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي عن أبي هريرة : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الدعاء يقول : والله ما حسن الله خلق رجل ولا خلقه فتطعمه النار » .
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي عن أبي هريرة : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من سعادة ابن آدم حسن الخلق ، ومن شقوته سوء الخلق » .
وأخرج الخرائطي والبيهقي عن ابن عمرو قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الدعاء يقول : اللهم إني أسألك الصحة ، والعفة ، والأمانة ، وحسن الخلق ، والرضا بالقدر » .
وأخرج أحمد والبيهقي بسند جيد عن عائشة قالت « كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : اللَّهم كما حسنت خلقي فاحسن خلقي » .
وأخرج الخرائطي والبيهقي عن أبي مسعود البدري قال « كان من النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اللَّهم حسنت خلقي فاحسن خلقي » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار وأبو يعلى والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنكم لا تسعون الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق » .
وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة : « ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كرم المرء دينه ، ومروءته عقله ، وحسبه خلقه » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والحاكم وصححاه والبيهقي عن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من كان هيناً قريباً حرمه الله على النار » .
وأخرج البخاري والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال « مرني ولا تكثر فلعلي أعقله فقال : لا تغضب . فأعاد عليه فقال : لا تغضب » .
وأخرج الحاكم والبيهقي عن جارية بن قدامة قال « قلت : يا رسول الله قل لي قولاً ينفعني واقلل لعلي أعقله قال : لا تغضب » .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو قال « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبعدني من غضب الله؟ قال : لا تغضب » .
وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسنه والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلى مغيربان الشمس ، حفظها ونسيها من نسيها ، وأخبر ما هو كائن إلى يوم القيامة ، حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإن الدنيا خضرة حلوة ، وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون . ألا فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء . ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى ، فمنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت مؤمناً ، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت كافراً ، ومنهم من يولد مؤمناً ويحيا مؤمناً ويموت كافراً ، ومنهم من يولد كافراً ويحيا كافراً ويموت مؤمناً . ألا إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم . ألم تروا إلى حمرة عينيه ، وانتفاخ أوداجه؟ فإذا وجد أحدكم من ذلك شيئاً فليلزق بالأرض . ألا إن خير الرجال من كان بطيء الغضب ، سريع الفيء . وشر الرجال من كان بطيء الفيء ، سريع الغضب . فإذا كان الرجل سريع الغضب سريع الفيء فانها بها ، وإذا كان بطيء الغضب بطيء الفيء فإنها بها . ألا وإن خير التجار من كان حسن القضاء حسن الطلب ، وشر التجار من كان سيء القضاء سيء الطلب . فإذا كان الرجل حسن القضاء سيء الطلب فإنها بها ، وإذا كان الرجل سيء القضاء حسن الطلب فإنها بها . ألا لا يمنعن رجلاً مهابة الناس أن يقول بالحق إذا علمه . ألا إن لكل غادر لواء بقدر غدرته يوم القيامة . ألا وإن أكبر الغدر أمير العامة . ألا وإن أفضل الجهاد من قال كلمة الحق عند سلطان جائر . فلما كان عند مغرب الشمس قال : ألا إن ما بقي من الدنيا فيما مضى منه كمثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى » .(2/432)
وأخرج الحكيم في نوادر الأصول والبيهقي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال « قلت : يا رسول الله أخبرني بوصية قصيرة فألزمها قال : لا تغضب يا معاوية بن حيدة ، ان الغضب ليفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل » .
وأخرج الحكيم عن ابن مسعود قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الغضب ميسم من نار جهنم يضعه الله على نياط أحدهم . ألا ترى أنه إذا غضب احمرت عيناه ، واربَدَّ وجهه ، وانتفخت أوداجه؟ » .
وأخرج البيهقي عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم . ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه ، وحمرة عينيه؟ فمن حس من ذلك شيئاً فإن كان قائماً فليقعد ، وان كان قاعداً فليضطجع » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عن الحسن قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من جرعة أحب إلى الله من جرعة غيظ كظمها رجل ، أو جرعة صبر عند مصيبة . وما قطرة أحب إلى الله من قطرة دمع من خشية الله أو قطرة دم في سبيل الله » .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : ثلاث كلهن حق : ما من أحد يظلم مظلمة فيغض عنها إلا زاده الله بها عزا ، وما من أحد يفتح باب مسألة ليزداد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة ، وما من أحد يفتح باب عطية أو صلة إلا زاده الله بها كثرة » .(2/433)
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي عن ابن عمرو قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ، ولا متفحشاً ، وكان يقول « إن من خياركم أحاسنكم أخلاقاً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والبزار وابن حبان والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي الدرداء « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أعطيَ حظه من الرفق أعطي حظه من الخير ، ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الخير ، وقال : ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وإن الله يبغض الفاحش البذيء ، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة » .
وأخرج الترمذي وصححه وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الزهد عن أبي هريرة قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال : تقوى الله وحسن الخلق . وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال : الأجوفان . الفم والفرج » .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن عائشة قالت « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله » .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه عن عائشة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات القائم الليل الصائم النهار » .
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليبلغ العبد بحسن الخلق درجة الصوم والصلاة » .
وأخرج الطبراني والخرائطي عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرفات المنازل وأنه لضعيف العبادة وأنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درجة في جهنم » .
وأخرج أحمد والطبراني والخرائطي عن ابن عمرو « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » أن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوّام القوّام بآيات الله بحسن خلقه وكرم ضريبته « .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الصمت عن صفوان بن سليم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها علىلبدن . الصمت وحسن الخلق « .
وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن العلاء بن الشخير » أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقال : يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال : حسن الخلق . ثم أتاه عن يمينه فقال : أي العمل أفضل؟ قال : حسن الخلق ثم أتاه عن شماله فقال : أي العمل أفضل؟ قال : حسن الخلق ، ثم أتاه من بعده يعني من خلفه فقال : يا رسول الله أي العمل أفضل؟ فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما لك لا تفقه . . . ! حسن الخلق أفضل . لا تغضب إن استطعت « .(2/434)
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة عن أبي أُمامة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً ، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه » .
وأخرج الترمذي وحسنه والخرائطي في مكارم الأخلاق عن جابر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً » .
وأخرج الطبران عن عمار بن ياسر قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حسن الخلق خلق الله الأعظم » .
وأخرج الطبراني عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام : يا خليلي حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مع الأبرار ، فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت عرشي ، وأن أسقيه من حظيرة قدسي ، وأن أدنيه من جواري » .
وأخرج أحمد وابن حبان عن ابن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ قالوا : نعم . يا رسول الله قال : أحسنكم خلقاً » .
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى والطبراني بسند جيد عن أنس قال « لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال : يا أبا ذر ألا أدلُّك على خصلتين هما أخف على الظهر ، وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال : بلى يا رسول الله الله قال : عليك بحسن الخلق ، وطول الصمت ، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما » .
وأخرج أبو الشيخ بن حيان في الثواب بسند رواه عن أبي ذر قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ألا أدلك على أفضل العبادة ، وأخفها على البدن ، وأثقلها في الميزان ، وأهونها على اللسان؟ قلت : بلى ، فذاك أبي وأمي قال : عليك بطول الصمت ، وحسن الخلق ، فإنك لست بعامل بمثلهما » .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء قال « قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا الدرداء ألا أنبئك بأمرين خفيفةٍ مؤنتُهما عظيم أجرُهما ، لم تلق الله عز وجل بمثلهما؟ طول الصمت ، وحسن الخلق » .
وأخرج البزار وابن حبان عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : اطولكم اعماراً ، وأحسنكم اخلاقاً » .(2/435)
وأخرج الطبراني وابن حبان عن اسامة بن شريك قال « قالوا : رسول الله ما خير ما أُعطي الإنسان؟ قال : خلق حسن » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والطبراني بسند جيد عن جابر بن سمرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء ، وإن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خلقاً » .
وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه والخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن عمرو أن معاذ بن جبل أراد سفراً فقال « يا نبي الله أوصني قال : اعبد الله ولا تشرك به شيئاً قال : يا نبي الله زدني قال : إذا أسأت فأحسن . قال : يا نبي الله زدني قال : استقم ولتحسن خلقك » .
وأخرج أحمد والترمذي والحاكم وصححاه والخرائطي عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اتقِ الله حيثما كنت ، وأتبعِ السيئة الحسنة تمحُها ، وخالقِ الناس بخلق حسن » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن هذه الأخلاق من الله ، فمن أراد به خيراً منحه خلقاً حسناً ، ومن أراد به سوءاً منحه خلقاً سيئاً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن حبان والطبراني عن أبي ثعلبة الخشني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني في الآخرة أحاسنكم أخلاقاً ، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوأكم أخلاقاً الثرثارون ، المتشدقون ، المتفيقهون » .
وأخرج البزار والطبراني والخرائطي عن أنس قال « » قالت أم حبيبة « : يا رسول الله المرأة يكون لها زوجان ثم تموت فتدخل الجنة هي وزوجاها لأيهما تكون . للأوّل أو للآخر؟ قال : تخير فتختار أحسنهما خلقاً كان معها في الدنيا يكون زوجها في الجنة ، يا أم حبيبة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة » .
وأخرج الطبراني في الصغير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما من شيء إلا له توبة إلا صاحب سوء الخلق ، فإنه لا يتوب من ذنب إلا عاد في شر منه » .
وأخرج أبو داود والنسائي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو : اللهمَّ إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق » .
وأخرج الخرائطي عن جرير بن عبد الله قال « قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك امرؤ قد حسن الله خلقك فحسن خلقك » .
وأخرج الخرائطي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خياركم أحاسنكم أخلاقاً » .
وأخرج الخرائطي عن عائشة قالت :(2/436)
« قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كان حسن الخلق رجلاً يمشي في الناس لكان رجلاً صالحاً » .
وأخرج الخرائطي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم : « ثلاث من لم تكن فيه أو واحدة منهن فلا يعتدن بشيء من عمله . تقوى تحجزه عن معاصي الله عز وجل ، أو حلم يكف به السفيه ، أو خلق يعيش به في الناس » .
وأخرج الخرائطي عن عائشة قالت « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اليمن حسن الخلق » .
وأخرج الخرائطي عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سعادة ابن آدم حسن الخلق » .
وأخرج القضاعي في مسند الشهاب عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحسن الحسن الخلق الحسن » .
وأخرج الخرائطي عن الفضيل بن عياض قال : « إذا خالطت الناس فخالط الحسن الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى خير » .
وأخرج أحمد عن عائشة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة ، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الدنيا والآخرة ، وصلة الرحم . وحسن الخلق ، وحسن الجوار ، يعمران الديار ويزيدان في الاعمار » .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة قالت « قال النبي صلى الله عليه وسلم : الرفق يمن ، والخرق شؤم ، وإذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم باب الرفق . إن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ، وإن الخرق لم يكن في شيء قط إلا شأنه ، وإن الحياء من الإيمان ، وإن الإيمان في الجنة . ولو كان الحياء رجلاً كان رجلاً صالحاً ، وإن الفحش من الفجور ، وإن الفجور في النار ، ولو كان الفحش رجلاً يمشي في النار لكان رجلاً سوءاً » .
وأخرج أحمد في الزهد عن أم الدرداء قالت : بات أبو الدرداء ليلة يصلي ، فجعل يبكي ويقول : اللهمَّ أحسنت خلقي فاحسن خلقي . حتى إذا أصبح فقلت : يا أبا الدرداء أما كان دعاؤك منذ الليلة إلا في حسن الخلق؟ فقال : يا أم الدرداء إن العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن خلقه الجنة ، ويسوء خلقه حتى يدخله سوء خلقه النار .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكمل الناس إيماناً أحسنهم خلقاً ، وأفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وخياركم خياركم لنسائهم » .
وأخرج تمام في فوائده وابن عساكر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(2/437)
« خيار أمتي خمسمائة والابدال أربعون ، فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون ينقصون ، وكلما مات بدل ادخل الله عز وجل من الخمسمائة مكانه وادخل في الأربعين مكانهم ، فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون ينقصون فقالوا : يا رسول الله دلنا على أعمال هؤلاء فقال : هؤلاء يعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ويواسون مما آتاهم الله . قال : وتصديق ذلك في كتاب الله { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } » .
وأخرج ابن لال والديلمي عن أنس قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت ليلة أسري بي قصوراً مستوية على الجنة فقلت : يا جبريل لمن هذا؟ فقال { للكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } »(2/438)
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)
أخرج ابن جرير عن الحسن أنه قرأ { الذين ينفقون في السراء والضراء . . . } [ آل عمران : 134 ] الآية . ثم قرأ { والذين إذا فعلوا فاحشة . . . } الآية فقال : إن هذين النعتين لعنت رجل واحد .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال : هذان ذنبان . فعلوا فاحشة ذنب ، وظلموا أنفسهم ذنب .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن جابر بن زيد في قوله { والذين إذا فعلوا فاحشة } قال : زنا القوم ورب الكعبة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { فعلوا فاحشة } قال : الزنا .
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود أنه ذكرعنده بنو إسرائيل وما فضلهم الله به فقال : كان بنو إسرائيل إذا أذنب أحدهم ذنباً أصبح وقد كتبت كفارته على أسكفة بابه ، وجعلت كفارة ذنوبكم قولاً تقولونه تستغفرون الله فيغفر لكم . والذي نفسي بيده لقد أعطانا الله آية لهي أحب إليَّ من الدنيا وما فيها { والذين إذا فعلوا فاحشة . . . } الآية .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والطبراني وابن أبي الدنيا وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال : إن في كتاب الله لآيتين ما أذنب عبد ذنباً فقرأهما فاستغفر الله إلا غفر له { والذين إذا فعلوا فاحشة . . . } الآية . وقوله { ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه . . . } [ النساء : 110 ] الآية .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ثابت البناني قال : بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية بكى { والذين إذا فعلوا فاحشة . . . } الآية .
وأخرج الحكيم الترمذي عن عطاف بن خالد قال : بلغني أنه لما نزل قوله { ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا } صاح إبليس بجنوده ، وحثا على رأسه التراب ، ودعا بالويل والثبور حتى جاءته جنوده من كل بر وبحر . فقالوا : ما لك يا سيدنا؟ قال : آية نزلت في كتاب الله لا يضر بعدها أحداً من بني آدم ذنب قالوا : ما هي؟ فاخبرهم قالوا : نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ولا يستغفرون ولا يرون إلا أنهم على الحق ، فرضي منهم ذلك .
وأخرج الطيالسي وأحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والدارقطني والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيذكر ذنبه ، فيتطهر ثم يصلي ركعتين ، ثم يستغفر الله من ذنبه ذلك إلا غفر الله له . ثم قرأ هذه الآية { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله } إلى آخر الآية .
وأخرج البيهقي في الشعب عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(2/439)
« ما أذنب عبد ذنباً ثم توضأ فأحسن الوضوء ، ثم خرج إلى بزار من الأرض فصلى فيه ركعتين ، واستغفر الله من ذلك الذنب إلا غفر الله له » .
وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « كل شيء يتكلم به ابن آدم فانه مكتوب عليه ، فإذا أخطأ خطيئة وأحب أن يتوب إلى الله فليأت بقعة رفيعة ، فليمدد يديه إلى الله ثم ليقل : إني أتوب إليك فيها لا أرجع إليها أبداً ، فانه يغفر له ما لم يرجع في عمله ذلك » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « اللهمَّ اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا ، وإذا أساؤوا استغفروا » .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أربعة في حديقة قدس الجنة : المعتصم بلا إله إلا الله لا يشك فيها ، ومن إذا عمل حسنة سرته وحمد الله عليها ، ومن إذا عمل سيئة ساءته واستغفر الله منها ، ومن إذا أصابته مصيبة قال : إنا لله وإنا إليه راجعون » .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن رجلاً أذنب ذنباً فقال : رب إني أذنبت ذنباً فاغفره فقال الله : عبدي عمل ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ، ثم عمل ذنباً آخر فقال : رب إني عملت ذنباً فاغفره فقال تبارك وتعالى : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ، ثم عمل ذنباً آخر فقال : رب إني عملت ذنباً فاغفره فقال الله : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ، أشهدكم إني قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء » .
وأخرج أحمد ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم » .
وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « قال إبليس يا رب وعزتك لا أزال أغوي بني آدم ما كانت أرواحهم في أجسادهم فقال الله : وعزتي ، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني » .
وأخرج أبو يعلى عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار ، فأكثروا منهما فإن إبليس قال : أهلكت الناس بالذنوب ، وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار ، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء وهم يحسبون أنهم مهتدون » .
وأخرج البزار والبيهقي في الشعب عن أنس قال : « جاء رجل فقال : يا رسول الله إني أذنبت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » إذا أذنبت فاستغفر ربك قال : فإني استغفر ثم أعود فأذنب فقال : إذا أذنبت فاستغفر ربك ، ثم عاد فقال في الرابعة : استغفر ربك حتى يكون الشيطان هو المحسور « » .(2/440)
وأخرج البيهقي عن عقبة بن عامر الجهني أن رجلاً قال « يا رسول الله أحدنا يذنب قال : يكتب عليه قال : ثم يستغفر منه ويتوب قال : يغفر له ويتاب عليه قال : فيعود ويذنب قال : يكتب عليه قال : ثم يستغفر منه ويتوب قال : يغفر له ويتاب عليه قال : فيعود ويذنب قال : يكتب عليه قال : ثم يستغفر منه ويتوب قال : يغفر له ويتاب عليه ، ولا يمل الله حتى تملوا » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولم يصروا على ما فعلوا } قال : لم يقيموا على ذنب وهم يعلمون أنه يغفر لمن استغفر ، ويتوب على من تاب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : إياكم والإصرار ، فإنما هلك المصرون الماضون قدماً ، لا ينهاهم مخافة الله عن حرام حرمه الله عليهم ، ولا يتوبون من ذنب أصابوه حتى أتاهم الموت وهم على ذلك .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ارحموا تُرحموا ، واغفروا يُغفر لكم . ويل لأقماع القول يعني الآذان ويل للمصِّرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في التوبة والبيهقي عن ابن عباس قال : كل ذنب أصر عليه العبد كبر وليس بكبير ما تاب منه العبد .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال : إتيان الذنب عمداً إصرار حتى يتوب .
وأخرج البيهقي عن الأوزاعي قال : الإصرار أن يعمل الرجل الذنب فيحتقره .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { ولم يصروا على ما فعلوا } فينكبوا ولا يستغفروا وهم يعلمون أنهم قد أذنبوا ، ثم أقاموا ولم يستغفروا .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { ونعم أجر العاملين } بطاعة الله الجنة .(2/441)
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { قد خلت } يعني مضت .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { قد خلت من قبلكم سنن } يعني تداول من الكفار والمؤمنين في الخير والشر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } قال : عاقبة الأولين والأمم قبلكم ، كان سوء عاقبتهم متعهم الله قليلاً ثم صاروا إلى النار .(2/442)
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)
أخرج ابن أبي شيبة في كتاب المصاحف عن سعيد بن جبير قال : أول ما نزل من آل عمران { هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين } ثم أنزل بقيتها يوم أحد .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { هذا بيان للناس } قال : هذا القرآن .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { هذا بيان } الآية . قال : هو هذا القرآن جعله الله بياناً للناس عامة { وهدى وموعظة للمتقين } خصوصاً .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي في الآية قال { بيان } من العمى { وهدى } من الضلالة { وموعظة } من الجهل .(2/443)
وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)
أخرج ابن جرير عن الزهري قال : كثر في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم القتل والجراح حتى خلص إلى كل امرئ منهم البأس . فأنزل الله القرآن ، فآسى فيه بين المؤمنين بأحسن ما آسى به قوماً كانوا قبلهم من الأمم الماضية فقال { ولا تهنوا ولا تحزنوا } إلى قوله { لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال : أقبل خالد بن الوليد يريد أن يعلو عليهم الجبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم « اللهمَّ لا يعلون علينا . فأنزل الله { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب يوم أحد ، فسألوا ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وما فعل فلان؟ فنعى بعضهم لبعض ، وتحدثوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل ، فكانوا في هم وحزن . فبينما هم كذلك علا خالد بن الوليد بخيل المشركين فوقهم على الجبل ، وكان على أحد مجنبتي المشركين وهم أسفل من الشعب ، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم فرحوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم « اللهم لا قوّة لنا إلا بك ، وليس أحد يعبدك بهذا البلد غير هؤلاء النفر ، فلا تهلكهم » وثاب نفر من المسلمين رماة ، فصعدوا فرموا خيل المشركين حتى هزمهم الله ، وعلا المسلمون الجبل ، فذلك قوله { وأنتم الأعْلَوْنَ إن كنتم مؤمنين } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { ولا تهنوا } قال : لا تضعفوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك { وأنتم الأعلون } قال : وأنتم الغالبون .(2/444)
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس { إن يمسسكم } قال : أن يصبكم .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } برفع القاف فيهما .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { إن يمسسكم قرح } قال : جراح وقتل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } قال : إن يقتل منكم يوم أحد فقد قتلتم منهم يوم بدر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : نام المسلمون وبهم الكلوم يعني يوم أحد قال عكرمة : وفيهم أنزلت { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس } وفيهم أنزلت { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون } [ النساء : 104 ] .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { وتلك الأيام نداولها بين الناس } فانه كان يوم أحد بيوم بدر . قتل المؤمنون يوم أحد اتخذ الله منهم شهداء ، وغلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين يوم بدر ، فجعل له الدولة عليهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس { وتلك الأيام نداولها بين الناس } قال : فانه أدال المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وبلغني أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد بضعة وسبعين رجلاً ، عدد الأسارى الذين أسروا يوم بدر من المشركين ، وكان عدد الأسارى ثلاثة وسبعين رجلاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن { وتلك الأيام نداولها بين الناس } قال : جعل الله الأيام دولاً . مرة لهؤلاء ، ومرة لهؤلاء . أدال الكفار يوم أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في الآية قال : والله لولا الدول ما أودى المؤمنون ، ولكن قد يدال للكافر من المؤمن ويُبْتَلى المؤمن بالكافر ، ليعلم الله من يطيعه ممن يعصيه ، ويعلم الصادق من الكاذب .
وأخرج عن السدي { وتلك الأيام نداولها بين الناس } يوماً لكم ويوماً عليكم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي حاتم عن ابن سيرين { وتلك الأيام نداولها بين الناس } يعني الأمراء .
وأخرج ابن المنذر عن أبي جعفر قال : إن للحق دولة وإن للباطل دولة من دولة الحق . إن إبليس أمر بالسجود لأدم فأديل آدم على إبليس ، وابتلي ادم بالشجرة فأكل منها فأديل إبليس على آدم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس { وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء } قال : إن المسلمين كانوا يسألون ربهم اللهم : ربنا أرنا يوماً كيوم بدر ، نقاتل فيه المشركين ، ونبليك فيه خيراً ، ونلتمس فيه الشهادة .(2/445)
فلقوا المشركين يوم أحد ، فاتخذ منهم شهداء .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في الآية قال : كان المسلمون يسألون ربهم أن يريهم يوماً كيوم بدر . يبلون فيه خيراً ، ويرزقون فيه الشهادة ، ويرزقون الجنة والحياة والرزق . فلقوا يوم أحد ، فاتخذ الله منهم شهداء ، وهم الذين ذكرهم الله تعالى فقال { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتاً } [ البقرة : 154 ] الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة { وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء } قال : يكرم الله أولياءه بالشهادة بأيدي عدوهم ، ثم تصير حواصل الأمور وعواقبها لأهل طاعة الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيدة { وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء } يقول : أن لا تقتلوا لا تكونوا شهداء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الضحى قال : نزلت { ويتخذ منكم شهداء } فقتل منهم يومئذ سبعون ، منهم أربعة من المهاجرين : منهم حمزة بن عبد المطلب ، ومصعب بن عمير أخو بني عبد الدار ، والشماس بن عثمان المخزومي ، وعبد الله بن جحش الأسدي ، وسائرهم من الأنصار .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : لما أبطأ على النساء الخبر خرجن يستخبرن فإذا رجلان مقتولان على دابة أو على بعير فقالت امرأة من الأنصار : من هذان؟ قالوا : فلان وفلان . أخوها وزوجها . أو زوجها وابنها ، فقالت : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : حي . . . قالت : فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء . ونزل القرآن على ما قالت { ويتخذ منكم شهداء } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن ابن عباس { وليمحص الله الذين آمنوا } قال : يبتليهم { ويمحق الكافرين } قال : ينقصهم .
وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين . إنه كانت إذا تلا هذه الآية قال : اللهمَّ محصناً ولا تجعلنا كافرين .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسحق { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة } وتصيبوا من ثوابي الكرامة { ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم } يقول : ولمَ اختبركم بالشدة وأبتليكم بالمكاره؟ حتى أعلم صدق ذلك منكم . الإيمان بي ، والصبر على ما أصابكم فيّ .(2/446)
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)
أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس . أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون : ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر ونستشهد . أو ليت لنا يوماً كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ، ونبلى فيه خيراً ، ونلتمس الشهادة والجنة والحياة والرزق . فأشهدهم الله أحداً ، فلم يلبثوا إلا من شاء منهم فقال الله { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال : غاب رجال عن بدر ، فكانوا يتمنون مثل بدر أن يلقوه فيصيبوا من الأجر والخير ما أصاب أهل بدر ، فلما كان يوم أحدٍ ولَّى من وَلَّى ، فعاتبهم الله على ذلك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الربيع وقتادة قالا : أن أناساً من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطاهم الله من الفضل ، فكانوا يتمنون أن يروا قتالاً فيقاتلوا ، فسيق إليهم القتال حتى إذا كان بناحية المدينة يوم أحد؛ فأنزل الله { ولقد كنتم تمنون الموت . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : بلغني أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون : لئن لقينا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، لنفعلن ولنفعلن . . . فابتلوا بذلك ، فلا والله ما كلهم صدق الله . فأنزل الله { ولقد كنتم تمنون الموت . . . } الآية .
وأخرج عن السدي قال : كان ناس من الصحابة لم يشهدوا بدراً ، فلما رأوا فصيلة أهل بدر قالوا : اللهم إنا نسألك أن ترينا يوماً كيوم بدر ، نبليك فيه خيراً . فرأوا أُحُداً فقال لهم { ولقد كنتم تمنون الموت . . . } الآية . والله أعلم .(2/447)
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)
أخرج ابن المنذر عن كليب قال : خطبنا عمر فكان يقرأ على المنبر آل عمران ، ويقول : إنها أُحُدِيَّة ، ثم قال : تفرقنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، فصعدت الجبل فسمعت يهودياً يقول : قتل محمد فقلت لا أسمع أحداً يقول : قتل محمد إلا ضربت عنقه ، فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتراجعون إليه ، فنزلت هذه الآية { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزل هو وعصابة معه يومئذ على أكمة والناس يفرون ، ورجل قائم على الطريق يسألهم : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وجعل كلما مروا عليه يسألهم فيقولون : والله ما ندري ما فعل! فقال : والذي نفسي بيده لئن كان قتل النبي صلى الله عليه وسلم لنعطينهم بأيدينا أنهم لعشائرنا وإخواننا وقالوا : لو أن محمداً كان حياً لم يهزم ، ولكنه قد قتل ، فترخصوا في الفرار حينئذ فأنزل الله { وما محمد إلا رسول . . . } الآية كلها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال : ذلك يوم أحد حين أصابهم ما أصابهم من القتل والقرح ، وتداعوا نبي الله . . . ؟ قالوا : قد قتل . وقال أناس منهم : لو كان نبياً ما قتل . وقال أناس من علية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : قاتلوا على ما قتل عليه نبيكم حتى يفتح الله عليكم أو تلحقوا به ، وذكر لنا أن رجلاً من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتخبَّط في دمه فقال : يا فلان أشعرت أن محمداً قد قتل؟ فقال الأنصاري : إن كان محمد قد قتل فقد بلغ ، فقاتلوا عن دينكم . فأنزل الله { وما محمد إلا رسول الله قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } يقول : ارتددتم كفاراً بعد إيمانكم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : نادى مناد يوم أحد حين هزم أصحاب محمد : أن محمداً قد قتل فارجعوا إلى دينكم الأول ، فأنزل الله { وما محمد إلا رسول . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : قال أهل المرض والإرتياب والنفاق حين فر الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم : قد قتل محمد فالحقوا بدينكم الأول . فنزلت هذه الآية { وما محمد إلا رسول . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : فشا في الناس يوم أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فقال بعض أصحاب الصخرة : ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبي ، فيأخذ لنا أماناً من أبي سفيان .(2/448)
يا قوم إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلونكم . قال أنس بن النضر : يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل ، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم إني أعتذر إليك ممَّا يقول هؤلاء ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء . فشد بسيفه فقاتل حتى قتل . فأنزل الله { وما محمد إلا رسول } الآية .
وأخرج ابن جرير عن القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخي بني عدي بن النجار قال : انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال : ما يجلسكم؟ قالوا : قتل محمد رسول الله قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله . واستقبل القوم فقاتل حتى قتل .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطية العوفي قال : لما كان يوم أحد وانهزموا قال بعض الناس : إن كان محمد قد أصيب فأعطوهم بأيديكم إنما هم إخوانكم . وقال بعضهم : إن كان محمد قد أصيب ألا تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به؟ فأنزل الله { وما محمد إلا رسول } إلى قوله { فآتاهم الله ثواب الدنيا } .
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن محمد بن شرحبيل العبدري قال : حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى ، فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول { وما محمد إلا رسول الله قد خَلَتْ من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } ثم قطعت يده اليسرى فجثا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول { وما محمد إلا رسول . . . } الآية . وما نزلت هذه الآية { وما محمد إلا رسول } يومئذ حتى نزلت بعد ذلك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { ومن ينقلب على عقبيه } قال : يرتد .
وأخرج البخاري والنسائي من طريق الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسخ حتى نزل فدخل المسجد ، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة ، فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حبرة ، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه وقبله وبكى ، ثم قال : بأبي أنت وأمي ، والله لا يجمع الله عليك موتتين ، وأما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها . قال الزهري : وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس . أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال : اجلس يا عمر . وقال أبو بكر : أما بعد من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت . قال الله { وما محمد إلا رسول } إلى قوله { الشاكرين } فقال : فوالله لكان الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر ، فتلاها الناس منه كلهم .(2/449)
فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها .
وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب فقال : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ، وأن رسول الله والله ما مات ، ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران ، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات . والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات . فخرج أبو بكر فقال : على رسلك يا عمر انصت . فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس أنه من كان يعبد محمداً فان محمد قد مات ، ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت . ثم تلا هذه الآية { وما محمد إلا رسول } الآية . فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ ، وأخذ الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم . قال عمر : فوالله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ، ما تحملني رجلاي ، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة قال : لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب فتوعد من قال قد مات بالقتل والقطع ، فجاء أبو بكر فقام إلى جانب المنبر وقال : إن الله نعى نبيكم إلى نفسه وهو حي بين أظهركم ، ونعاكم إلى أنفسكم ، فهو الموت حتى لا يبقى أحد إلا الله . قال الله { وما محمد إلا رسول } إلى قوله { الشاكرين } فقال عمر : هذه الآية في القرآن؟ والله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم وقال : قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم { إنك ميت وإنهم ميتون } [ الزمر : 30 ] .
وأخرج ابن المنذر والبيهقي من طريق ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال : كنت أتأوّل هذه الآية { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } [ البقرة : 143 ] فوالله إن كنت لا أظن أنه سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها ، وأنه هو الذي حملني على أن قلت ما قلت .
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله { وسيجزي الله الشاكرين } قال : الثابتين على دينهم ، أبا بكر وأصحابه ، فكان علي يقول : كان أبو بكر أمين الشاكرين .
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن الحسن بن محمد قال « قال عمر : دعني يا رسول الله أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو فلا يقوم خطيباً في قومه أبداً فقال : دعها فلعلها أن تسرك يوماً . فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم نفر أهل مكة ، فقام سهيل عند الكعبة فقال : من كان يعبد محمداً فان محمداً مات والله حي لا يموت » .(2/450)
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم عن ان عباس . أن علياً كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يقول { أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت .
وأخرج ابن المنذر عن الزهري قال : « لما نزلت هذه الآية { ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم } [ الفتح : 4 ] قالوا : يا رسول الله قد علمنا أن الإيمان يزداد فهل ينقص؟ قال : إي والذي بعثني بالحق إنه لينقص قالوا : يا رسول الله فهل لذلك دلالة في كتاب الله؟ قال : نعم . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } فالإنقلاب نقصان لا كفر » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن إسحق { وما كان لنفس } الآية أي لمحمد صلى الله عليه وسلم أجل هو بالغه ، فإذا أذن الله في ذلك كان { ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها } أي من كان منكم يريد الدنيا ليست له رغبة في الآخرة نؤته ما قسم له فيها من رزق ولا حظ له في الآخرة { ومن يرد ثواب الآخرة } منكم { نؤته منها } ما وعده مع يجري عليه من رزقه في دنياه ، وذلك جزاء الشاكرين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز في الآية قال : لا تموت نفس ولها في الدنيا عمر ساعة إلا بلغته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وسنجزي الشاكرين } قال : يعطي الله العبد بنيته الدنيا والآخرة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : قال أبو بكر : لو منعوني ولو عقالاً أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاهدتهم . ثم تلا { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } .
وأخرج البغوي في معجمه عن إبراهيم بن حنظلة عن أبيه أن سالماً مولى أبي حذيفة ، كان معه اللواء يوم اليمامة فقطعت يمينه ، فأخذ اللواء بيساره ، فقطعت يساره ، فاعتنق اللواء وهو يقول { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم . . . } الآيتين .(2/451)
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)
أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق أبي عبيدة عن ابن مسعود أنه قرأ { وكأين من نبي قاتل معه ربيون } ويقول ألا ترى أنه يقول { فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله } .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذرعن سعيد بن جبير أنه كان يقول : ما سمعنا قط أن نبياً قتل في القتال .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن الحسن وإبراهيم ، أنهما كانا يقرآن { قاتل معه } .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك أنه قرأ { وكأين من نبي قتل معه ربيون } بغير ألف .
وأخرج عن عطية . مثله .
وأخرج من طريق زر عن ابن مسعود مثله . أنه كان يقرأها بغير ألف .
وأخرج عبد بن حميد عن عطية أنه قرأ { وكأيِّن من نبي قتل معه ربيون } بغير ألف .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله { ربيون } قال : ألوف .
وأخرج سعيد بن منصور عن الضحاك في قوله { ربيون } قال : الربة الواحدة ألف .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق علي عن ابن عباس { ربيون } يقول : جموع .
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن في قوله { ربيون } قال : فقهاء علماء قال : وقال ابن عباس : هي الجموع الكثيرة .
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء والطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { ربيون } قال : جموع قال : وهل يعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول حسان :
وإذا معشر تجافوا القص ... د أملنا عليهم ربيّا
وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { ربيون كثيرٌ } قال : علماء كثير .
وأخرج من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { ربيون كثير } قال { الربيون } هم الجموع الكثيرة .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن { ربيون } قال : علماء كثير .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال { الربيون } الأتباع ، والربانيون الولاة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وكأين من نبي قاتل } الآية . قال : هم قوم قتل نبيهم ، فلم يضعفوا ولم يستكينوا لقتل نبيهم .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله } لقتل أنبيائهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك { فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله } يعني فما عجزوا عن عدوهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر عن قتادة في قوله { فما وهنوا . . . } الآية . يقول : فما عجزوا وما تضعضعوا لقتل نبيهم { وما استكانوا } يقول ما ارتدوا عن بصيرتهم ولا عن دينهم ، إن قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله .(2/452)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وما استكانوا } قال { ما استكانوا } قال : تخشعوا .
وأخرج ابن جرير عن السدي { وما استكانوا } يقول : ما ذلوا .
وأخرج عن ابن زيد { وما استكانوا } قال : ما استكانوا لعدوهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عن ابن عباس في قوله { وإسرافنا في أمرنا } قال : خطايانا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وإسرافنا في أمرنا } قال : خطايانا وظلمنا أنفسنا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { وإسرافنا في أمرنا } يعني الخطايا الكبار .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { فآتاهم الله ثواب الدنيا } قال : النصر والغنيمة { وحسن ثواب الآخرة } قال : رضوان الله ورحمته .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { فآتاهم الله ثواب الدنيا } الفلاح ، والظهور ، والتمكن ، والنصر على عدوهم في الدنيا { وحسن ثواب الأخرة } هي الجنة .(2/453)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا . . . } الآية . لا تنتصحوا اليهود والنصارى عن دينكم ، ولا تصدقوهم بشيء في دينكم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا . . . } الآية . يقول : إن تطيعوا أبا سفيان بن حرب يردوكم كفاراً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب . أنه سئل عن هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم } التعرب؟ فقال علي : بل هو الزرع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو قال : ألا أخبركم بالمرتد على عقبيه ، الذي يأخذ العطاء ويغزو في سبيل الله ، ثم يدع ذلك ويأخذ الأرض بالجزية والرزق . فذلك الذي يرتد على عقبيه .(2/454)
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)
أخرج ابن جرير عن السدي قال : لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة ، انطلق أبو سفيان حتى بلغ بعض الطريق . ثم إنهم ندموا فقالوا : بئسما صنعتم إنكم قتلتموهم حتى لم يبق إلا الشريد ، تركتموهم . . . ؟ إرجعوا فاستأصلوا . فقذف الله في قلوبهم الرعب فانهزموا فلقوا أعرابياً فجعلوا له جعلاً فقالوا له : إن لقيت محمداً فأخبرهم بما قد جمعنا لهم . فأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد . فأنزل الله في ذلك ، فذكر أبا سفيان حين أراد أن يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وما قذف في قلبه من الرعب فقال { سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال « قذف الله في قلب أبي سفيان الرعب فرجع إلى مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفاً ، وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب » .
وأخرج مسلم عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « نصرت بالرعب على العدوّ » .
وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي امامة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فضلت على الأنبياء بأربع : أرسلت إلى الناس كافة ، وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجداً وطهوراً ، فأينما رجل أدركه من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره ، ونُصِرْتُ بالرعب مسيرة شهر يقذفه في قلوب أعدائي ، وأحل لنا الغنائم » .(2/455)
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)
أخرج البيهقي في الدلائل عن عروة قال : كان الله وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين وكان قد فعل ، فلما عصوا أمر الرسول وتركوا مصافهم ، وتركت الرماة عهد الرسول إليهم أن لا يبرحوا منازلهم وأرادوا الدنيا ، رفع عنهم مدد الملائكة ، وأنزل الله { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه } فصدق الله وعده وأراهم الفتح ، فلما عصوا أعقبهم البلاء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولقد صدقكم الله وعده . . . } الآية . قال « إن أبا سفيان أقبل في ثلاث ليال خلون من شوال حتى نزل أحداً ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن في الناس ، فاجتمعوا وأمر على الخيل الزبير بن العوّام ، ومعه يومئذ المقداد بن الأسود الكندي ، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء رجلاً من قريش يقال له مصعب بن عمير ، وخرج حمزة بن عبد المطلب بالجيش ، وبعث حمزة بين يديه ، وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير وقال : استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه حتى أوذنك ، وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر فقال : لا تبرحوا حتى أوذنكم ، وأقبل أبو سفيان يحمل اللات والعزى ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الزبير أن يحمل ، فحمل خالد بن الوليد فهزمه ومن معه فقال { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه } .
وأن الله وعد المؤمنين أن ينصرهم وأنه معهم ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعضاً من الناس فكانوا من ورائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كونوا ههنا ، فَرُدّوا وجهه من نَدَّ مِنَّّا ، وكونوا حرساً لنا قبل ظهورنا . وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هزم القوم هو وأصحابه الذين كانوا ، جعلوا من ورائهم فقال بعضهم لبعض لما رأوا النساء مصعدات في الجبل ، ورأوا الغنائم : انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوا الغنيمة قبل أن تستبقوا إليها وقالت طائفة أخرى : بل نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنثبت مكاننا ، فذلك قوله { منكم من يريد الدنيا } للذين أرادوا الغنيمة { ومنكم من يريد الآخرة } للذين قالوا : نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونثبت مكاننا . فاتوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، فكان فشلاً حين تنازعوا بينهم يقول { وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون } كانوا قد رأوا الفتح والغنيمة » .
وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أنه قال « ما نصر الله نبيه في موطن كما نصر يوم أحد فانكروا » .(2/456)
فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله ، إن الله يقول في يوم أحد { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه } يقول ابن عباس : « والحس » . القتل .
{ حتى إذا فشلتم } إلى قوله { ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين } وإنما عنى هذا الرماة ، وذلك « أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ثم قال : احموا ظهورنا ، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا . فلما غنم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا عسكر المشركين انكفأت الرماة جميعاً فدخلوا في العسكر ينتهيون ، والتفت صفوف المسلمين فهم هكذا وشبك بين يديه والتبسوا ، فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخل الخيل من ذلك الموضع على الصحابة ، فضرب بعضهم بعضاً والتبسوا ، وقتل من المسلمين ناس كثير وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة ، وجال المسلمون جولة نحو الجبل ولم يبلغوا حيث يقول الناس : الغاب . إنما كانوا تحت المهراس ، وصاح الشيطان قتل محمد فلم يشك فيه أنه حق .
فما زلنا كذلك ما نشك أنه قتل حتى طلع بين السعدين نعرفه بتكفؤه إذا مشى ، ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصبنا فَرَقِيَ نحونا وهو يقول : اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبيهم ، ويقول مرة أخرى . اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا حتى انتهى إلينا ، فمكث ساعة فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل : أعل هبل أعل هبل . أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر : ألا أجيبة يا رسول الله؟ قال : بلى . فلما قال : أعل هبل . قال عمر : الله أعلى وأجل . فعاد فقال : أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ فقال عمر : هذا رسول الله ، وهذا أبو بكر ، وها أنا عمر . فقال : يوم بيوم بدر ، الأيام دول والحرب سجال فقال عمر : لا سواء . . . قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار قال : إنكم لتزعمون ذلك ، لقد خبنا إذن وخسرنا . ثم أدركته حمية الجاهلية فقال : أما انه كان ذلك ولم نكرهه » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن المنذر عن ابن مسعود قال « إن النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين ، فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبرَّ أنه ليس أحد منا يريد الدنيا حتى أنزل الله { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } فلما خالف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أمروا به ، أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعة . سبعة من الأنصار ، ورجلين من قريش . وهو عاشر ، فلما رهقوه قال : رحم الله رجلاً ردهم عنا . فقام رجل من الأنصار فقاتل ساعة حتى قتل ، فلما رهقوه أيضاً قال : رحم الله رجلاً ردهم عنا ، فلم يزل يقول ذا حتى قتل السبعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه : ما أنصفنا أصحابنا .
فجاء أبو سفيان فقال : أعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا الله أعلى وأجل . فقالوا : الله أعلى وأجل . فقال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا اللهم مولانا والكافرون لا مولى لهم . ثم قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، يوم لنا ويوم علينا ، ويوم نساء ويوم نسر ، حنظلة بحنظلة وفلان بفلان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا سواء . أما قتلانا فأحياء يرزقون وقتلاكم في النار يعذبون . قال أبو سفيان : قد كان في القوم مثلة وإن كانت على غير توجيه منا ، ما أمرت ولا نهيت ، ولا أحببت ولا كرهت ، ولا ساءني ولا سرني . قال : فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه ، وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكلت شيئاً؟ قالوا : لا . قال : ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة النار . فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فصلى عليه ، وجيء برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه فرفع الأنصاري وترك حمزة ، ثم جيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة فصلى عليه ، ثم رفع وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعون صلاة » .(2/457)
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن البراء بن عازب قال « جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد وكانوا خمسين رجلاً عبد الله بن جبير ووضعهم موضعاً وقال : ان رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تَبْرَحُوا حتى أرسل إليكم ، فهزموهم قال : فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل وقد بدت أسوقهن وخلاخلهن رافعات ثيابهن . فقال أصحاب عبد الله : الغنيمة أي قوم الغنيمة . . . ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ قال عبدالله بن جبير : أفنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : إنا والله لَنَاْتِيَنَّ الناس فَلْنصِيبَنَّ من الغنيمة . فلما أتوهم صرفت وجوههم فاقبلوا منهزمين ، فذلك الذي يدعوهم الرسول في أخراهم ، فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلاً . فأصابوا منا سبعين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة . سبعين أسيراً ، وسبعين قتيلاً .
قال أبو سفيان : أفي القوم محمد ثلاثاً؟ فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه ثم قال : أفي ابن أبي قحافة مرتين؟ أفي القوم ابن الخطاب مرتين؟ ثم أقبل على أصحابه فقال : أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم . فما ملك عمر نفسه أن قال : كذبت والله يا عدو الله ، إن الذين عددت أحياء كلهم ، وقد بقي لك ما يسوءك . قال : يوم بيوم بدر والحرب سجال ، إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني . ثم أخذ يرتجز : أعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبونه؟ قالوا : يا رسول الله ما نقول؟ قال قولوا : الله أعلى وأجل . قال : إن لنا العزى ولا عزى لكم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تجيبونه؟ قالوا : يا رسول الله وما نقول؟ قال : قولوا الله مولانا ولا مولى لكم » .(2/458)
وأخرج البيهقي في الدلائل عن جابر قال « انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبقي معه أحد عشر رجلاً من الأنصار ، وطلحة بن عبيد الله ، وهو يصعد في الجبل ، فلحقهم المشركون فقال : الا أحد لهؤلاء؟ فقال طلحة : أنا يا رسول الله فقال : كما أنت يا طلحة فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله فقاتل عنه وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه ، ثم قتل الأنصاري فلحقوه فقال : ألا رجل لهؤلاء؟ فقال طلحة مثل قوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله ، فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله وأصحابه يصعدون ، ثم قتل . فلحقوه فلم يزل يقول مثل قوله الأول ، ويقول طلحة أنا يا رسول الله فيحبسه ، فيستأذنه رجل من الأنصار للقتال فيأذن له ، فيقاتل مثل من كان قبله حتى لم يبق معه إلا طلحة ، فغشوهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لهؤلاء؟ فقال طلحة : أنا . فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله وأصيبت أنامله فقال : حس . فقال . لو قلت بسم الله ، أو ذكرت اسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون إليك في جوّ السماء ، ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم مجتمعون » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عبد الرحمن بن عوف في قوله { إذ تحسُّونهم بإذنه } قال : « الحس » القتل .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس . مثله .
وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس { إذ تحسونهم } قال : تقتلونهم .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { إذ تحسُّونهم } قال : تقتلونهم قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر :
ومنا الذي لاقى بسيف محمد ... فحس به الأعداء عرض العساكر
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قول الله { إذ تحسونهم بإذنه } قال : تقتلونهم قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم .(2/459)
أما سعمت قول عتبة الليثي :
نحسهم بالبيض حتى كأننا ... نفلق منهم بالجماجم حنظلا
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { حتى إذا فشلتم } قال : الفشل الجبن .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع { حتى إذا فشلتم } يقول : جبنتم عن عدوكم { وتنازعتم في الأمر } يقول اختلفتم وعصيتم { من بعد ما أراكم ما تحبون } وذلك يوم أُحُد قال لهم : إنكم ستظهرون فلا أعرِفَنَّ ما أصبتم من غنائمهم شيئاً حتى تفرغوا . فتركوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وعصوا ، ووقعوا في الغنائم ، ونسوا عهدَه الذي عهده إليهم ، وخافوا إلى غير ما أمرهم به فنصر عليهم عدوّهم من بعد ما أراهم فيهم ما يحبون .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن ابزى في قوله { حتى إذا فشلتم } قال : كان وضع خمسين رجلاً من أصحابه عليهم عبيد الله بن خوات ، فجعلهم بإزاء خالد بن الوليد على خيل المشركين ، فلما هزم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس قال نصف أولئك : نذهب حتى نلحق بالناس ولا تفوتنا الغنائم ، وقال بعضهم : قد عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نريم حتى يحدث إلينا . فلما رأى خالد بن الوليد رقتهم حمل عليهم ، فقاتلوا خالداً حتى ماتوا ربضة ، فأنزل الله فيهم { ولقد صدقكم الله وعده } إلى قوله { وعصيتم } فجعل أولئك الذين انصرفوا عصاة .
وأخرج ابن المنذر عن البراء بن عازب { من بعد ما أراكم ما تحبون } الغنائم ، وهزيمة القوم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد { من بعد ما أراكم ما تحبون } قال : نصر الله المؤمنين على المشركين حتى ركب نساء المشركين على كل صعب وذلول ، ثم أديل عليهم المشركون بعصيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم أحد طائفة من المسلمين فقال : كونوا مسلحة للناس بمنزلة أمرهم أن يثبتوا بها ، وأمرهم أن لا يبرحوا مكانهم حتى يأذن لهم . فلما لقي نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبا سفيان ومن معه من المشركين ، هزمهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى المسلحة أن الله هزم المشركين انطلق بعضهم يتنادون الغنية الغنيمة . . . لا تفتكم ، وثبت بعضهم مكانهم وقالوا لا نريم موضعنا حتى يأذن لنا نبي الله صلى الله عليه وسلم . ففي ذلك نزل { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } فكان ابن مسعود يقول : ما شعرت أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد .
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال : لما هزم الله المشركين يوم أحد قال الرماة : أدركوا الناس ونبي الله صلى الله عليه وسلم لا يسبقونا إلى الغنائم فتكون لهم دونكم .(2/460)
وقال بعضهم : لا نريم حتى يأذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } قال ابن جريج : قال ابن مسعود : ما علمنا أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يومئذ .
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي بسند صحيح عن ابن مسعود قال : ما كنت أرى أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت فينا يوم أحد { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { ثم صرفكم عنهم } قال : صرف القوم عنهم ، فقتل من المسلمين بعدة من أسروا يوم بدر ، وقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وشج في وجهه فقالوا : أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدنا النصر؟ فأنزل الله { ولقد صدقكم الله وعده } إلى قوله { ولقد عفا عنكم } .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { ولقد عفا عنكم } قال : يقول الله : قد عفوت عنكم إذ عصيتموني أن لا أكون استأصلتكم ، ثم يقول الحسن : هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي سبيل الله ، غضاب لله يقاتلون أعداء الله ، نهوا عن شيء فضيعوه ، فوالله ما تركوا حتى غموا بهذا الغم ، قتل منهم سبعون ، وقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وشج وجهه ، فأفسق الفاسقين اليوم يتجرأ على كل كبيرة ، ويركب كل داهية ، ويسحب عليها ثيابه ، ويزعم أن لا بأس عليه فسوف يعلم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { ولقد عفا عنكم } قال : إذ لم يستأصلكم .
وأخرج البخاري عن عثمان بن موهب قال : « جاء رجل إلى ابن عمر فقال : إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك بحرمة هذا البيت . أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد؟ قال : نعم . قال : فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ قال : نعم . قال : فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال : نعم . فكبر فقال ابن عمر : تعال لأخبرك ، ولأبين لك عما سألتني عنه . أما فراره يوم أحد فاشهد أن الله عفا عنه . وأما تغيبه عن بدر فإنه تحته بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم » إن لك أجر رجل وسهمه « . وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه ، فبعث عثمان فكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى ، فضرب بها على يده فقال » هذه يد عثمان اذهب بها الآن معك « » .(2/461)
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)
أخرج ابن جريرعن الحسن البصري أنه قرأ { تصعدون } بفتح التاء والعين .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { تصعدون } برفع التاء وكسر العين .
وأخرج ابن جرير عن هرون قال : في قراءة أبي بن كعب « إذ تصعدون في الوادي » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس { إذ تصعدون } قال : صعدوا في أحد فراراً يدعوهم في اخراهم « إليّ عباد الله ارجعوا ، إليّ عباد الله ارجعوا » .
وأخرج ابن المنذر عن عطية العوفي قال : لما كان يوم أحد وانهزم الناس ، صعدوا في الجبل والرسول يدعوهم في أخراهم فقال الله { إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل أنه عن قوله { إذ تصعدون . . . } الآية . قال : فروا منهزمين في شعب شديد لا يلوون على أحد ، والرسول يدعوهم في أخراهم « إليّ عباد الله ، إليّ عباد الله . ولا يلوي عليه أحد » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { إذ تصعدون } الآية . قال : ذاكم يوم أحد صعدوا في الوادي فراراً ونبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم في أخراهم « إليّ عباد الله ، إليّ عباد الله » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم } فرجعوا وقالوا : والله لنأتينهم ثم لنقتلنهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مهلاً فإنما أصابكم الذي أصابكم من أجل أنكم عصيتموني » فبينما هم كذلك إذ أتاهم القوم وقد أيسوا ، وقد اخترطوا سيوفهم { فأثابكم غماً بغمٍّ } فكان غمُّ الهزيمة ، وغمُّهم حين أتوهم { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } من الغنيمة { وما أصابكم } من القتل والجراحة .
وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف { فأثابكم غماً بغم } قال : الغم الأول بسبب الهزيمة ، والثاني حين قيل قتل محمد . وكان ذلك عندهم أعظم من الهزيمة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فأثابكم غماً بغم } قال : فرة بعد الفرة الأولى حين سمعوا الصوت أن محمداً قد قتل ، فرجع الكفار فضربوهم مدبرين حتى قتلوا منهم سبعين رجلاً ، ثم انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا يصعدون في الجبل والرسول يدعوهم في أخراهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { فأثابكم غماً بغم } قال : الغم الأوّل الجراح والقتل ، والغم الآخر حين سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل . فأنساهم الغم الآخر ما أصابهم من الجراح والقتل ، وما كانوا يرجون من الغنيمة .(2/462)
وذلك قوله { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم } .
وأخرج ابن جرير عن الربيع . مثله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : « انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة ، فلما رأوه وضع رجل سهماً في قوسه فأراد أن يرميه فقال : أنا رسول الله . ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً ، وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع . فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذهب عنهم الحزن ، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا ، فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم ، فلما نظروا إليه نسوا ذلك الذي كانوا عليه ، وهمهم أبو سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ليس لهم أن يعلونا ، اللهم إن تقتل هذه العصابة لا تعبد . ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم « فذلك قوله { فأثابكم غماً بغم } الغم الأوّل ما فاتهم من الغنيمة والفتح ، والغم الثاني اشراف العدوّ عليهم { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } من الغنيمة { ولا ما أصابكم } من القتل حين تذكرون فشغلهم أبو سفيان .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : أصاب الناس حزن وغم على ما أصابهم في أصحابهم الذين قتلوا ، فلما تولجوا في الشعب وقف أبو سفيان وأصحابه بباب الشعب ، فظن المؤمنون أنهم سوف يميلون عليه فيقتلونهم أيضاً ، فأصابهم حزن من ذلك أنساهم حزنهم في أصحابهم . فذلك قوله سبحانه { فأثابكم غماً بغم } .(2/463)
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)
أخرج ابن جرير عن السدي . « أن المشركين انصرفوا يوم أحد بعد الذي كان من أمرهم وأمر المسلمين ، فواعدوا النبي صلى الله عليه وسلم بدراً من قابل فقال لهم : نعم . فتخوّف المسلمون أن ينزلوا المدينة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فقال : انظر فإن رأيتهم قد قعدوا على أثقالهم ، وجنبوا خيولهم ، فإن القوم ذاهبون . وإن رأيتهم قد قعدوا على خيولهم ، وجنبوا على أثقالهم ، فإن القوم ينزلون المدينة . فاتقوا الله واصبروا ، ووطنهم على القتال . فلما أبصرهم الرسول قعدوا على الأثقال سراعاً عجالاً نادى بأعلى صوته بذهابهم ، فلما رأى المؤمنون ذلك صدقوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فناموا ، وبقي الناس من المنافقين يظنون أن القوم يأتونهم فقال الله يذكر حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم } » .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : أمنهم الله يومئذ بنعاس غشاهم ، وإنما ينعس من يأمن .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن المسور بن مخرمة قال : سألت عبد الرحمن بن عوف عن قول الله { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً } قال : ألقي علينا النوم يوم أحد .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن أنس أن أبا طلحة قال : غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد ، حدث أنه كان ممن غشيه النعاس يومئذ ، قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، وسقط وآخذه . فذلك قوله { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم } والطائفة الأخرى؛ المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم ، أجبن قوم وأرعبه وأخذ له للحق يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية كذبهم إنما هم أهل شك وريبة في الله .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه والحاكم وصححه وابن مردويه وابن جرير والطبراني وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن الزبير بن العوّام قال : رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم أحد إلا وهو مميد تحت حجفته من النعاس . فذلك قوله ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً وتلا هذه الآية ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً .
وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل عن الزبير بن العوّام قال : رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم أحد إلا وهو مميد تحت حجفته من النعاس .(2/464)
وتلا هذه الآية { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً . . . } الآية .
وأخرج ابن اسحق وابن راهويه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن الزبير قال : لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا ، أرسل الله علينا النوم فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره ، فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير ما أسمعه إلا كالحلم { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا } فحفظتها منه ، وفي ذلك أنزل الله { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً } إلى قوله { ما قتلنا ههنا } لقول معتب بن قشير .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم أنه قرأ في آل عمران { أمنة نعاساً تغشى } بالتاء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود قال « النعاس » عند القتال أمنة من الله ، والنعاس في الصلاة من الشيطان .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : إن المنافقين قالوا لعبدالله بن أبي وكان سيد المنافقين في أنفسهم قتل اليوم بنو الخزرج . فقال : وهل لنا من الأمر شيء؟ أما والله { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } [ المنافقون : 8 ] وقال { لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل } .
وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله { ظن الجاهلية } قالا : ظن أهل الشرك .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال معتب : الذي قال يوم أحد { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا } فأنزل الله في ذلك من قولهم { وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله } إلى آخر القصة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك } كان مما أخفوا في أنفسهم أن قالوا { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن هذه الآية فقال : لما قتل من قتل من أصحاب محمد أتوا عبدالله بن أبي فقالوا له : ما ترى؟ فقال : إنا والله ما نؤامر { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا } .
وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه سئل عن قوله { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } قال : كتب الله على المؤمنين أن يقاتلوا في سبيله ، وليس كل من يقاتل يقتل ، ولكن يقتل من كتب الله عليه القتل .(2/465)
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)
أخرج ابن جرير عن كليب قال : خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران ، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها فلما انتهى إلى قوله { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } قال : لما كان يوم أحد هزمنا ، ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى ، والناس يقولون : قتل محمد فقلت : لا أجد أحداً يقول قتل محمد إلا قتلته ، حتى اجتمعنا على الجبل . فنزلت { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان . . . } الآية . كلها .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن عوف { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } قال : هم ثلاثة . واحد من المهاجرين ، واثنان من الأنصار .
وأخرج ابن منده في معرفة الصحابة عن ابن عباس في قوله { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان . . . } الآية . قال : نزلت في عثمان ، ورافع بن العلى ، وحارثة بن زيد .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } قال : نزلت في رافع بن المعلى وغيره من الأنصار ، وأبي حذيفة بن عتبة ، ورجل آخر .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } قال : عثمان ، والوليد بن عقبة ، وخارجة بن زيد ، ورفاعة بن معلى .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : كان الذين ولوا الدبر يومئذ : عثمان بن عفان ، وسعد بن عثمان ، وعقبة بن عثمان ، أخوان من الأنصار من بني زريق .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن اسحق { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } فلان ، وسعد بن عثمان ، وعقبة بن عثمان الأنصاريان ، ثم الزرقيان . وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى بعضهم إلى المنفى دون الأغوص ، وفر عقبة بن عثمان ، وسعد بن عثمان ، حتى بلغوا الجعلب جبل بناحية المدينة مما يلي الأغوص فأقاموا به ثلاثاً ، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لقد ذهبتم فيها عريضة » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جريرعن قتادة { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان } ذلك يوم أحد ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تولوا عن القتال وعن نبي الله يومئذ ، وكان ذلك من أمر الشيطان وتخويفه ، فأنزل الله ما تسمعون أنه قد تجاوز لهم عن ذلك وعفا عنهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { إن الذين تولوا منكم } يعني انصرفوا عن القتال منهزمين { يوم التقى الجمعان } يوم أحد حين التقى الجمعان؛ جمع المسلمين ، وجمع المشركين ، فانهزم المسلمون عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبقي في ثمانية عشر رجلاً { إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا } يعني حين تركوا المركز وعصوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال للرماة يوم أحد « لا تبرحوا مكانكم فترك بعضهم المركز » { ولقد عفا الله عنهم } حين لم يعاقبهم فيستأصلهم جميعاً { إن الله غفور حليم } فلم يجعل لمن انهزم يوم أحد بعد قتال بدر النار كما جعل يوم بدر .(2/466)
هذه رخصة بعد التشديد .
وأخرج أحمد وابن المنذر عن شقيق قال : لقي عبد الرحمن بن عوف الوليد بن عقبة فقال له الوليد : ما لي أراك جفوت أمير المؤمنين عثمان؟ فقال له عبد الرحمن : أخبره أني لم أفر يوم عينين يقول يوم أحد ، ولم أتخلف عن بدر ، ولم أترك سنة عمر ، فانطلق فخبر بذلك عثمان فقال : أما قوله أني لم أفر يوم عينين فكيف يعيرني بذلك وقد عفا الله عني؟ فقال { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم } . وأما قوله : إني تخلفت يوم بدر فإني كنت أمرض رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ماتت ، وقد ضرب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم . ومن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهم فقد شهد . وأما قوله : إني لم أترك سنة عمر فإني لا أطيقها ولا هو ، فأتاه فحدثه بذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن رجاء بن أبي سلمة قال : الحلم أرفع من العقل لأن الله عز وجل تسمى به .(2/467)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض . . . } الآية . قال : هذا قول عبدالله بن أبي بن سلول والمنافقين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم . . . } الآية . قال : هؤلاء المنافقون أصحاب عبد الله بن أبي { إذا ضربوا في الأرض } وهي التجارة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا } قال : هذا قول الكفار إذا مات الرجل يقولون : لو كان عندنا ما مات فلا تقولوا كما قال الكفار .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } قال : يحزنهم قولهم لا ينفعهم شيئاً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن اسحق { ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } لقلة اليقين بربهم { والله يحيي ويميت } أي يُعَجِّلُ ما يشاء ويؤخر ما يشاء من آجالهم بقدرته { ولئن قتلتم في سبيل الله . . . } الآية . أي الموت كائن لا بد منه ، فموت في سبيل الله أو قتل { خير } لو علموا واتقوا { مما يجمعون } من الدنيا التي لها يتأخرون عن الجهاد تخوف الموت والقتل لما جمعوا من زهيد الدنيا زهادة في الآخرة { ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون } أي ذلك كائن إذ إلى الله المرجع فلا تَغُرَنَّكم الحياة الدنيا ولا تغتروا بها ، وليكن الجهاد وما رغبكم الله فيه منه آثر عندكم منها .
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش أنه قرأ { متم } و ( إذا متنا ) . كل شيء في القرآن بكسر الميم .(2/468)
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فبما رحمة من الله } يقول : فبرحمة من الله { لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } أي والله طهره من الفظاظة والغلظة ، وجعله قريباً رحيماً رؤوفاً بالمؤمنين . وذكر لنا أن نعت محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا صخوب في الأسواق ، ولا يجزئ بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويصفح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن . أنه سئل عن هذه الآية فقال : هذا خلق محمد صلى الله عليه وسلم نعته الله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله { لانفضوا من حولك } قال : لانصرفوا عنك .
وأخرج الحكيم الترمذي وابن عد بسند فيه متروك عن عائشة قالت : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن الحسن في قوله { وشاورهم في الأمر } قال : قد علم الله أنه ما به إليهم من حاجة ، ولكن أراد أن يستن به من بعده .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وشاورهم في الأمر } قال : أمر الله نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور ، وهو يأتيه وحي السماء لأنه أطيب لأنفس القوم ، وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضاً وأرادوا بذلك وجه الله عزم لهم على رشده .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك قال : ما أمر الله نبيه بالمشاورة إلا لما علم ما فيها من الفضل والبركة . قال سفيان : وبلغني أنها نصف العقل . وكان عمر بن الخطاب يشاور حتى المرأة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال : ما شاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم .
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب بسند حسن عن ابن عباس قال « لما نزلت { وشاورهم في الأمر } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ان الله ورسوله لغنيان عنها ، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غياً » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس { وشاورهم في الأمر } قال : أبو بكر وعمر .
وأخرج من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في أبي بكر وعمر .(2/469)
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن غنم « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر : لو اجتمعتا في مشورة ما خالفتكما » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : ما رأيت أحداً من الناس أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عمرو قال : كتب أبو بكر الصديق إلى عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور في الحرب فعليك به .
وأخرج الحاكم عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو كنت مستخلفاً أحداً عن غير مشورة لاستخلف ابن أم عبد » .
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب وابن المنذر بسند حسن عن ابن عباس أنه قرأ « وشاورهم في بعض الأمر » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { فإذا عزمت فتوكل على الله } قال : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ، ويستقيم على أمر الله ، ويتوكل على الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن زيد وأبي نهيك أنهما قرآ « فإذا عزمت يا محمد على أمر فتوكل على الله » .
وأخرج ابن مردويه عن علي قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزم فقال : مشاورة أهل الرأي ، ثم أتباعهم » .
وأخرج الحاكم عن الحباب بن المنذر قال « أشرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بخصلتين فقبلهما مني . خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعسكر خلف الماء ، فقلت يا رسول الله أبوحي فعلت أو برأي؟ قال : برأي يا حباب . قلت : فإن الرأي أن تجعل الماء خلفك ، فإن لجأت لجأت إليه ، فقبل ذلك مني . قال : ونزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أي الأمرين أحب إليك تكون في دنياك مع أصحابك أو ترد على ربك فيما وعدك من جنات النعيم؟ فاستشار أصحابه فقالوا : يا رسول الله تكون معنا أحب إلينا ، وتخبرنا بعورات عدونا ، وتدعو الله لينصرنا عليهم وتخبرنا من خبر السماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك لا تتكلم يا حباب! فقلت : يا رسول الله اختر حيث اختار لك ربك . فقبل ذلك مني » قال الذهبي : حديث منكر .
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً يوم بدر فقال الحباب بن المنذر : ليس هذا بمنزل ، انطلق بنا إلى أدنى ماء إلى القوم ، ثم نبني عليه حوضاً ونقذف فيه الآنية فنشرب ونقاتل ونغور ما سواها من القلب . فنزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : الرأي ما أشار به الحباب بن المنذر .(2/470)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا حباب أشرت بالرأي » فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك .
وأخرج ابن سعد بن يحيى بن سعيد . أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس يوم بدر ، فقام الحباب بن المنذر فقال : نحن أهل الحرب ، أرى أن تغور المياه إلا ماء واحداً نلقاهم عليه . قال : واستشارهم يوم قريظة والنضير ، فقام الحباب بن المنذر فقال : أرى أن ننزل بين القصور فنقطع خبر هؤلاء عن هؤلاء ، وخبر هؤلاء عن هؤلاء ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله .(2/471)
إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن اسحق في الآية قال : أي أن ينصرك الله فلا غالب لك من الناس ، لن يضرك خذلان من خذلك ، وإن يخذلك فلن يضرك الناس { فمن ذا الذي ينصركم من بعده } أي لا تترك أمري للناس ، وارفض الناس لأمري { وعلى الله } لا على الناس { فليتوكل المؤمنون } .(2/472)
وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)
وأخرج أبو داود وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق مقسم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية { وما كان لنبي أن يغل } في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر فقال بعض الناس : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها . فأنزل الله { وما كان لنبي أن يغل } .
وأخرج ابن جرير عن الأعمش قال : كان ابن مسعود يقرأ { ما كان لنبي أن يغل } فقال ابن عباس : بلى . ويقتل ، إنما كانت في قطيفة قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلها يوم بدر . فأنزل الله { وما كان لنبي أن يغل } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال : نزلت هذه الآية { وما كان لنبي أن يغل } في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من الغنيمة .
وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عباس قال « بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً فردت رايته ، ثم بعث فردت بغلول رأس غزالة من ذهب . فنزلت { وما كان لنبي أن يغل } » .
وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس { وما كان لنبي أن يغل } قال : ما كان لنبي أن يتهمه أصحابه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس قال : فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال بعض الناس : لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها . فأنزل الله { وما كان لنبي أن يغل } قال : خصيف فقلت لسعيد بن جبير { ما كان لنبي أن يغل } يقول : ليخان قال : بل يغل ، فقد كان النبي والله يغل ويقتل أيضاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ { وما كان لنبي أن يغل } بنصب الياء ورفع الغين .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي الرحمن السلمي وأبي رجاء ومجاهد وعكرمة . مثله .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { وما كان لنبي أن يغل } بفتح الياء
وأخرج ابن منيع في مسنده عن أبي عبد الرحمن قال : قلت لابن عباس إن ابن مسعود يقرأ { وما كان لنبي أن يغل } يعني بفتح الغين فقال لي : قد كان له أن يغل وأن يقتل ، إنما هي { أن يغل } يعني بضم الغين . ما كان الله ليجعل نبياً غالاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وما كان لنبي أن يغل } قال : أن يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القسمة ، ولكن يقسم بالعدل ، ويأخذ فيه بأمر الله ، ويحكم فيه بما أنزل الله يقول : ما كان الله ليجعل نبياً يغل من أصحابه فإذا فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم استسنوا به .(2/473)
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق سلمة بن نبيط عن الضحاك قال « بعث النبي صلى الله عليه وسلم طلائع ، فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسم بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئاً ، فلما قدمت الطلائع قالوا : قسم الفيء ولم يقسم لنا؟ فأنزل الله { وما كان لنبي أن يغل } » .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { وما كان لنبي أن يغل } قال : أن يقسم لطائفة ولا يقسم لطائفة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { وما كان لنبي أن يغل } قال أن يخون .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن أنه قرأ { وما كان لنبي أن يغل } بنصب الغين قال : أن يخان .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة والربيع { وما كان لنبي أن يغل } يقول : ما كان لنبي أن يغله أصحابه الذين معه . وذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وقد غل طوائف من أصحابه .
وأخرج الطبراني والخطيب في تاريخه عن مجاهد قال : كان ابن عباس ينكر على من يقرأ { وما كان لنبي أن يغل } ويقول : كيف لا يكون له أن يغل وقد كان له أن يقتل؟ قال الله { ويقتلون الأنبياء بغير حق } [ البقرة : 61 ] ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة ، فأنزل الله { وما كان لنبي أن يغل } .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن زيد بن خالد الجهني . « أن رجلاً توفي يوم حنين فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : صلوا عليه . فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال : إن صاحبكم غل في سبيل الله ، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز اليهود لا يساوي درهمين » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عبدالله بن عمر قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالاً فنادى في النار ، فيجيئون بغنائمهم ، فيخمسه ويقسمه ، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال : يا رسول الله هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة فقال : أسمعت بلالاً ثلاثاً؟ قال : نعم . قال : فما منعك أن تجيء به؟ قال : يا رسول الله أعتذر . قال : كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله عنك » .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن صالح بن محمد بن زائدة قال : دخل مسلمة أرض الروم ، فأتي برجل قد غل فسأل سالماً عنه فقال : سمعت أبي يحدث عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه ، واضربوه . قال فوجدنا في متاعه مصحفاً ، فسئل سالم عنه فقال : بعه وتصدق بثمنه » .(2/474)
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبدالله بن شقيق قال « أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى وجاءه رجل فقال : استشهد مولاك فلان . قال : بل هو الآن يُجَرُّ إلى النار في عباءة غلَّ بها الله ورسوله » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال « كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو في النار . فذهبوا ينظرون فوجدوا عليه عباءة قد غلها » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك قال « قيل يا رسول الله استشهد مولاك فلان قال : كلا . إني رأيت عليه عباءه قد غلها » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال « أهدى رفاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً فخرج به معه إلى خيبر ، فنزل بين العصر والمغرب ، فأتى الغلام سهم غائر فقتله . فقلنا هنيئاً لك الجنة فقال : والذي نفسي بيده إن شملته لُتحْرَقَ عليه الآن في النار ، غلها من المسلمين . فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أصبت يومئذ شراكين فقال : يقدمنك مثلها من نار جهنم » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن سالم قال : كان أصحابنا يقولون : عقوبة صاحب الغلول ، أن يحرق فسطاطه ومتاعه .
وأخرج الطبراني عن كثير بن عبدالله عن أبيه عن جده . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا إسلال ولا غلول { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } »
وأخرج الترمذي وحسنه عن معاذ بن جبل قال « بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، فلما سرت أرسل في أثري فرددت فقال : أتدري لمَ بعثت إليك؟ لا تصيبن شيئاً بغير إذني فإنه غلول { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } لهذا دعوتك ، فامضِ لذلك » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال « ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غنم مغنماً بعث مناديه يقول : ألا لا يغلن رجل مخيطاً فما فوقه ، ألا لا أعرفن رجلاً يغل بعيراً يأتي به يوم القيامة حامله على عنقه له رغاء ، ألا لا أعرفن رجلاً يغل فرساً يأتي به يوم القيامة حامله على عنقه له حمحمة ، ألا لا أعرفن رجلاً يغل شاة يأتي بها يوم القيامة حاملها على عنقه لها ثغاء يتتبع من ذلك ما شاء الله أن يتتبع . ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : اجتنبوا الغلول فإنه عار ، وشنار ، ونار » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال(2/475)
« قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ، فذكر الغلول ، فعظمه وعظم أمره ثم قال : ألا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول : يا رسول الله أغثني فأقول : لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك » .
وأخرج هناد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة . أن رجلاً قال له : أرأيت قول الله { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } هذا يغل ألف درهم وألفي درهم يأتي بها ، أرأيت من يغل مائة بعير ومائتي بعير كيف يصنع بها؟ قال : أرأيت من كان ضرسه مثل أحد ، وفخذه مثل ورقان ، وساقه مثل بيضاء ، ومجلسه ما بين الربذة إلى المدينة . ألا يحمل مثل هذا .
وأخر ج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن بريدة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الحجر ليزن سبع خلفات ليلقى في جهنم فيهوى فيها سبعين خريفاً ، ويؤتى بالغلول فيلقى معه ثم يكلف صاحبه أن يأتي به وهو قول الله { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود عن عدي بن عميرة الكندي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أيها الناس من عمل منكم لنا في عمل فكتمنا منه مخيطاً فما فوقه فهو غل وفي لفظ فإنه غلول يأتي به يوم القيامة » .
وأخرج ابن جرير عن عبدالله بن أنيس . أنه تذاكر هو وعمر يوماً الصدقة فقال : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر غلول الصدقة ، من غل منها بعيراً أو شاة فإنه يحمله يوم القيامة؟ قال عبدالله بن أنيس : بلى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } يعني يأت بما غل يوم القيامة يحمله على عنقه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو قال : لو كنت مستحلاً من الغلول القليل لاستحللت منه الكثير ، ما من أحد يغل غلولاً إلا كلف أن يأتي به من أسفل درك جهنم .
وأخرج أحمد وابن أبي داود في المصاحف عن خمير بن مالك قال : لما أمر بالمصاحف أن تغير فقال ابن معسود : من استطاع منكم أن يغل مصحفه فليغله فإنه ، من غل شيئاً جاء به يوم القيامة ، ونعم الغل المصحف يأتي به أحدكم يوم القيامة .(2/476)
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { أفمن اتبع رضوان الله } يعني رضا الله فلم يغلل في الغنيمة { كمن باء بسخط من الله } يعني كمن استوجب سخطاً من الله في الغلول فليس هو بسواء ، ثم بين مستقرهما فقال للذي يغل { مأواه جهنم وبئس المصير } يعني مصير أهل الغلول ، ثم ذكر مستقر من لا يغل فقال { هم درجات } يعني فضائل { عند الله والله بصير بما يعملون } يعني بصير بمن غل منكم ومن لم يغل .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { أفمن اتبع رضوان الله } قال : من لم يغل { كمن باء بسخط من الله } كمن غل .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج { أفمن اتبع رضوان الله } قال : أمر الله في أداء الخمس { كمن باء بسخط من الله } فاستوجب سخطاً من الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { أفمن اتبع رضوان الله } قال : من أدى الخمس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { أفمن اتبع رضوان الله } يقول : من أخذ الحلال خير له ممن أخذ الخرام وهذا في الغلول ، وفي المظالم كلها .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { هم درجات عند الله } يقول : بأعمالهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { هم درجات عند الله } قال : هي كقوله { لهم درجات عند الله } [ الأنفال : 4 ] .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { هم درجات } يقول : لهم درجات .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن قوله { هم درجات } قال : للناس درجات بأعمالهم في الخير والشر .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك { هم درجات عند الله } قال : أهل الجنة بعضهم فوق بعض ، فيرى الذين فاق فضله على الذي أسفل منه ، ولا يرى الذي أسفل منه أنه فضل عليه أحد .(2/477)
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة في هذه الآية { لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم } قالت : هذه للعرب خاصة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : منّ من الله عظيم من غير دعوة ولا رغبة من هذه الأمة جعله الله رحمة لهم ، يخرجهم من الظلمات إلى النور ، ويهديهم إلى صراط مستقيم ، بعثه الله إلى يوم لا يعلمون فعلمهم ، وإلى قوم لا أدب لهم فأدبهم .(2/478)
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أو لما أصابتكم مصيبة . . . } الآية . يقول : إنكم قد أصبتم من المشركين يوم بدر مثلي ما أصابوا منكم يوم أحد .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين واسروا سبعين ، وقتل المشركون يوم أحد من المسلمين سبعين . فذلك قوله { أصبتم مثليها قلتم أنى هذا } ونحن مسلمون نقاتل غضباً لله ، وهؤلاء مشركون { قل هو من عند أنفسكم } عقوبة لكم بمعصيتكم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ما قال .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : لما رأوا من قتل منهم يوم أحد قالوا : من أين هذا ما كان للكفار أن يقتلوا منا؟ فلما رأى الله ما قالوا من ذلك قال الله : هم بالأسرى الذين أخذتم يوم بدر ، فردهم الله بذلك ، وعجل لهم عقوبة ذلك في الدنيا ليسلموا منها في الآخرة .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه وابن جرير وابن مردويه عن علي قال « جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى ، وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين : إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم ، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، فذكر ذلك لهم فقالوا : يا رسول الله عشائرنا واخواننا نأخذ فداءهم فنقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا بعدتهم ، فليس في ذلك ما نكره . فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلاً عدة أسارى أهل بدر » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن وابن جريج { قل هو من عند أنفسكم } عقوبة لكم بمعصيتكم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : لا تتبعوهم يوم أحد فاتبعوهم .
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس { قلتم أنى هذا } ونحن مسلمون نقاتل غضباً لله ، وهؤلاء مشركون . فقال { قل هو من عند أنفسكم } عقوبة بمعصيتكم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : لا تتبعوهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها } قال : أصيبوا يوم أحد قتل منهم سبعون يومئذ ، وأصابوا مثليها يوم بدر قتلوا من المشركين سبعين وأسروا سبعين { قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم } « ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم أحد حين قدم أبو سفيان والمشركون : إنا في جنة حصينة يعني بذلك المدينة فدعوا القوم يدخلوا علينا نقاتلهم فقال له أناس من الأنصار : إنا نكره أن نقتل في طرق المدينة ، وقد كنا نمنع من الغزو في الجاهلية فبالإسلام أحق أن يمتنع منه ، فأبرز بنا إلى القوم . فانطلق فلبس لأمته فتلاوم القوم فقالوا : عرض نبي الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره ، اذهب يا حمزة فقل له امرنا لأمرك تبع . فأتى حمزة فقال له . فقال : إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز ، وإنه ستكون فيكم مصيبة . قالوا : يا نبي الله خاصة أو عامة؟ قال : سترونها » .(2/479)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن إسحق في قوله { وليعلم المؤمنين ، وليعلم الذين نافقوا } فقال : ليميز بين المؤمنين والمنافقين { وقيل لهم تعالوا قاتلوا } يعني عبد الله بن أبي وأصحابه .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { أو ادفعوا } قال : كثروا بأنفسكم وإن لم تقاتلوا .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي حازم قال : سمعت سهل بن سعيد يقول : لو بعت داري فلحقت بثغر من ثغور المسلمين ، فكنت بين المسلمين وبين عدوّهم . فقلت : كيف وقد ذهب بصرك؟ قال : ألم تسمع إلى قوله الله { تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا } أسوّد مع الناس ففعل .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله { أو ادفعوا } قال : كونوا سواداً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عون الأنصاري في قوله { أو ادفعوا } قال : رابطوا .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر عن ابن شهاب وغيره قال « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد في ألف رجل من أصحابه ، حتى إذا كانوا بالشرط بين أحد والمدينة انخذل عنهم عبد الله بن أُبَيَّ بثلث الناس ، وقال : أطاعهم وعصاني والله ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا ، فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق وأهل الريب ، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام من بني سلمة يقول : يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضرهم عدوهم . قالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ، ولكن لا نرى أن يكون قتال » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { لو نعلم قتالاً لاتبعناكم } قال : لو نعلم انا واجدون معكم مكان قتال لاتبعناكم .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قالوا { لو نعلم قتالاً لأتَّبعناكم } قال : نزلت في عبد الله بن أبي .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في ألف رجل وقد وعدهم الفتح إن صبروا ، فلما خرجوا رجع عبد الله بن أبي في ثلاثمائة ، فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم ، فلما غلبوه وقالوا له : ما نعلم قتالاً ولئن أطعتنا لترجعن معنا . فذكر الله . فهو قولهم : ولئن أطعتنا لترجعن { الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا .(2/480)
. . } الاية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { الذين قالوا لإخوانهم . . . } الآية . قال : ذكر لنا أنها نزلت في عدوّ الله عبد الله بن أبي .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع { الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا } قال : نزلت في عدوّ الله عبد الله بن أبي .
وأخرج ابن جرير عن جابر بن عبد الله في قوله { الذين قالوا لإخوانهم } قال : هو عبد الله بن أبي .
وأخرج عن السدي في الآية قال : هم عبد الله بن أبي وأصحابه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج في الآية قال : هو عبد الله بن أبي الذين قعدوا وقالوا لإخوانهم الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن إسحق { قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت } أي أنه لا بد من الموت ، فإن استطعتم أن تدفعوه عن أنفسكم فافعلوا ، وذلك أنهم إنما نافقوا وتركوا الجهاد في سبيل الله حرصاً على البقاء في الدنيا وفراراً من الموت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال : إن الله أنزل على نبيه في القدرية { الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : هم الكفار يقولون لاخوانهم لو كانوا عندنا ما قتلوا ، يحسبون أن حضورهم للقتال هو يقدمهم إلى الأجل .(2/481)
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)
أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في حمزة وأصحابه { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون } .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي الضحى في قوله { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً } قال : نزلت في قتلى أحد ، استشهد منهم سبعون رجلاً : أربعة من المهاجرين : حمزة بن عبد المطلب من بني هاشم ، ومصعب بن عمير من بني عبد الدار ، وعثمان بن شماس من بني مخزوم ، وعبد الله بن جحش من بني أسد . وسائرهم من الأنصار .
وأخرج أحمد وهناد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش . فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ، وحسن مقبلهم . قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا » - وفي لفظ - « قالوا : إنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله : أنا أبلغهم عنكم . فأنزل الله هؤلاء الآيات { ولا تحسبن الذين قتلوا . . . } الآية . وما بعدها » .
وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجة وابن أبي عاصم في السنة وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله قال « لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا جابر ما لي أراك منكسراً؟ قلت : يا رسول الله استشهد أبي وترك عيالاً وديناً فقال : ألا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قال : بلى . قال : ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب ، وأحيا أباك فكلمه كفاحاً وقال : يا عبدي تمن عليّ أعطك قال : يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية قال الرب تعالى : قد سبق مني أنهم لا يرجعون . قال : أي رب فأبلغ من ورائي . فأنزل الله هذه الآية { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً . . . } الآية » .
وأخرج الحاكم عن عائشة قالت « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر : ألا أبشرك . قال : بلى . قال : شعرت أن الله أحيا أباك فأقعده بين يديه فقال : تمنَّ عليَّ ما شئت أعطيكه قال : يا رب ما عبدتك حق عبادتك ، أتمنى أن تردني إلى الدنيا فأقتل مع نبيك مرة أخرى . قال : سبق مني أنك إليها لا ترجع » .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا ليتنا نعلم ما فعل إخواننا الذين قتلوا يوم أحد ، فأنزل الله { ولا تحسبن الذين قتلوا .(2/482)
. . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : ذكر لنا عن بعضهم في قوله { ولا تحسبن الذين قتلوا . . . } الآية . قال : هم قتلى بدر وأحد ، زعموا أن الله تعالى لما قبض أرواحهم وأدخلهم الجنة ، جعلت أرواحهم في طير خضر ترعى في الجنة ، وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش ، فلما رأوا ما أعطاهم الله من الكرامة قالوا : ليت إخواننا الذين بعدنا يعلمون ما نحن فيه ، فإذا شهدوا قتالاً تعجلوا إلى ما نحن فيه فقال الله : إني منزل على نبيكم ومخبر إخوانكم بالذي أنتم فيه . ففرحوا واستبشروا وقالوا : يخبر الله إخوانكم ونبيكم بالذي أنتم فيه . فإذا شهدوا قتالاً أتوكم . فذلك قوله { فرحين . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن محمد بن قيس بن مخرمة قال : قالوا : يا رب ألا رسول لنا يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنا بما أعطيتنا فقال الله تعالى : أنا رسولكم ، فأمر جبريل أن يأتي بهذه الآية { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله . . . } الآيتين .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : لما أصيب الذين أصيبوا يوم أحد لقوا ربهم فأكرمهم ، فأصابوا الحياة والشهادة والرزق الطيب قالوا : يا ليت بيننا وبين إخواننا من يبلغهم أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا فقال الله : أنا رسولكم إلى نبيكم وإخوانكم ، فأنزل الله { ولا تحسبن الذين قتلوا } إلى قوله { ولا هم يحزنون } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن إسحق بن أبي طلحة . حدثني أنس بن مالك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى بئر معونة قال : لا أدري أربعين أو سبعين وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل ، فخرج أولئك النفر حتى أتوا غاراً مشرفاً على الماء قعدوا فيه ، ثم قال بعضهم لبعض : أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء؟ فقال أبو ملحان الأنصاري : أنا . فخرج حتى أتى خواءهم فاختبأ أمام البيوت ، ثم قال : يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله إليكم ، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، فآمنوا بالله ورسوله . فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر . فقال : الله أكبر فزت ورب الكعبة ، فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار فقتلهم عامر بن الطفيل . فحدثني أنس أن الله أنزل فيهم قرآناً : بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه . ثم نسخت فرفعت بعدما قرأناه زماناً ، وأنزل الله { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء . . . } الآية .
وأخرج ابن المنذر من طريق طلحة بن نافع عن أنس قال : لما قتل حمزة وأصحابه يوم أحد قالوا : يا ليت لنا مخبراً يخبر إخواننا بالذي صرنا إليه من الكرامة لنا .(2/483)
فأوحى إليهم ربهم أنا رسولكم إلى إخوانكم . فأنزل الله { ولا تحسبن الذين قتلوا } إلى قوله { لا يضيع أجر المؤمنين } .
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن سعيد بن جبير قال : لما أصيب حمزة وأصحابه بأحد قالوا : ليت من خلفنا علموا ما أعطانا الله من الثواب ليكون أحرى لهم فقال الله : إنا أعلمهم ، فأنزل الله { ولا تحسبن الذين قتلوا . . . } الآية .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والفريابي وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن مسروق قال : سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً } فقال : أما انا قد سألنا عن ذلك ، أرواحهم في جوف طير خضر - ولفظ عبد الرزاق - أرواح الشهداء عند الله كطير خضر لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع إليهم ربهم إطلاعة فقال : هل تشتهون شيئاً؟ قالوا : أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا . ففعل ذلك بهم ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لم يتركوا من أن يسألوا قالوا : يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى . فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا .
وأخرج عبد الرزاق عن أبي عبيدة عن عبد الله أنه قال في الثالثة حين قال لهم : هل تشتهون من شيء قالوا : تقرئ نبينا السلام ، وتبلغه أنا قد رضينا ورضي عنا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { بل أحياء عند ربهم يرزقون } قال : يرزقون من ثمر الجنة ، ويجدون ريحها وليسوا فيها .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في الآية قال : كنا نحدث أن أرواح الشهداء تعارف في طير بيض تأكل من ثمار الجنة ، وأن مساكنهم سدرة المنتهى ، وأن للمجاهد في سبيل الله ثلاث خصال : من قتل في سبيل الله منهم صار حياً مرزوقاً ، ومن غلب آتاه الله أجراً عظيماً ، ومن مات رزقه الله رزقاً حسناً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { بل أحياء } قال : في صور طير خضر يطيرون في الجنة حيث شاؤوا منها يأكلون من حيث شاؤوا .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في الآية قال : أرواح الشهداء في طير بيض في الجنة .
وأخرج ابن جرير من طريق الإفريقي عن ابن بشار الأسلمي أو أبي بشار قال : أرواح الشهداء في قباب بيض من قباب الجنة ، في كل قبة زوجتان رزقهم في كل يوم ثور وحوت .(2/484)
فأما الثور ففيه طعم كل ثمرة في الجنة ، وأما الحوت ففيه طعم كل شراب في الجنة .
وأخرج ابن جرير عن السدي أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر في قناديل من ذهب معلقة بالعرش ، فهي ترعى بكرة وعشية في الجنة وتبيت في القناديل .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور عن ابن عباس قال : أرواح الشهداء تجول في أجواف طير خضر تعلق في ثمر الجنة .
وأخرج هناد بن السري في كتاب الزهد وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن أرواح الشهداء في طير خضر ترعى في رياض الجنة ، ثم يكون مأواها إلى قناديل معلقة بالعرش فيقول الرب : هل تعلمون كرامة أكرم من كرامة أكْرَمْتُكُموها؟ فيقولون : لا . إلا أنا وَدَدْنا أنك أعدت أرواحنا في أجسادنا حتى نقاتل فنقتل مرة أخرى في سبيلك » .
وأخرج هناد في الزهد وابن أبي شيبة في المصنف عن أبي بن كعب قال : الشهداء في قباب من رياض بفناء الجنة ، يبعث إليهم ثور وحوت فيعتركان فيلهون بهما ، فإذا احتاجوا إلى شيء عقر أحدهما صاحبه ، فيأكلون منه فيجدون فيه طعم كل شيء في الجنة .
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والطبراني وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء ، يخرج إليهم رزقهم من الجنة غدوة وعشية » .
وأخرج هناد في الزهد من طريق ابن إسحق عن إسحق بن عبد الله بن أبي فروة قال : حدثنا بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الشهداء ثلاثة ، فأدنى الشهداء عند الله منزلة رجل خرج منبوذاً بنفسه وماله لا يريد أن يقتل ولا يقتل أتاه سهم غرب فأصابه فأول قطرة تقطر من دمه يغفر له ما تقدم من ذنبه ، ثم يهبط الله جسداً من السماء يجعل فيه روحه ثم يصعد به إلى الله ، فما يمر بسماء من السموات إلا شيَّعته الملائكة حتى ينتهي إلى الله ، فإذا انتهى به وقع ساجدا ، ثم يؤمر به فيكسى سبعين حلة من الاستبرق ، ثم يقال : اذهبوا به إلى إخوانه من الشهداء فاجعلوه معهم ، فيؤتى به إليهم وهم في قبة خضراء عند باب الجنة يخرج عليهم غداؤهم من الجنة » .
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : ما زال ابن آدم يتحمد حتى صار حياً ما يموت ، ثم تلا هذه الآية { أحياء عند ربهم يرزقون } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله { فرحين بما آتاهم الله من فضله } قال : بما هم فيه من الخير والكرامة والرزق .(2/485)
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم } قال : لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة للشهداء قالوا : يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما صرنا فيه من الكرامة ، فإذا شهدوا القتال باشروها بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبون ما أصابنا من الخير ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمرهم ، وما هم فيه من الكرامة ، وأخبرهم أني قد أنزلت على نبيكم ، وأخبرته بأمركم وما أنتم فيه من الكرامة ، فاستبشروا بذلك . فذلك قوله { ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } يعني إخوانهم من أهل الدنيا أنهم سيحرصون على الجهاد ويلحقون بهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } قال : إن الشهيد يؤتى بكتاب فيه من يقدم عليه من إخوانه وأهله يقال : يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا ، يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا . فيستبشر حين يقدم عليه كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا .(2/486)
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { يستبشرون بنعمة من الله وفضل . . . } الآية . قال : هذه الآية جمعت المؤمنين كلهم سوى الشهداء ، وقلما ذكر الله فضلاً ذكر به الأنبياء وثواباً أعطاهم إلا ذكر ما أعطى المؤمنين من بعدهم .
وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه « سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر أصحاب أحد : والله لوددت أني غودرت مع أصحابي بنحص الجبل » نحص الجبل : أصله .
وأخرج الحاكم وصححه عن جابر قال « فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين فاء الناس من القتال فقال رجل : رأيته عند تلك الشجرات وهو يقول : أنا أسد الله وأسد رسوله ، اللهم ابرأ إليك مما جاء به هؤلاء؛ أبو سفيان وأصحابه ، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه ، فلما رأى جثته بكى ، ولما رأى ما مثل به شهق ثم قال : ألا كفن؟ فقام رجل من الأنصار فرمى بثوب عليه ، ثم قام آخر فرمى بثوب عليه ، ثم قال جابر : هذا الثوب لأبيك وهذا لعمي ، ثم جيء بحمزة فصلى عليه ثم يجاء بالشهداء فتوضع إلى جانب حمزة فيصلي عليهم يرفع ويترك حمزة حتى صلى على الشهداء كلهم قال : فرجعت وأنا مثقل قد ترك أبي عليَّ ديناً وعيالاً ، فلما كان عند الليل أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا جابر إن الله أحيا أباك وكلمه قلت : وكلمه كلاماً! قال : قال له : تمن . . . . فقال : أتمنى أن ترد روحي وتنشئ خلقي كما كان ، وترجعني إلى نبيك فأقاتل في سبيلك فأقتل مرة أخرى . قال : إني قضيت أنهم لا يرجعون وقال : قال صلى الله عليه وسلم : سيد الشهداء عند الله يوم القيامة حمزة » .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن أنس قال « كفن حمزة في نمرة كانوا إذا مدوها على رأسه خرجت رجلاه ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يمدوها على رأسه ويجعلوا على رجليه من الإذخر وقال : لولا أن تجزع صفية لتركنا حمزة فلم ندفنه حتى يحشر من بطون الطير والسباع » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب بن مالك « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد : من رأى مقتل حمزة؟ فقال رجل : أنا . . . . قال : فانطلق فأرناه . فخرج حتى وقف على حمزة فرآه قد بقر بطنه وقد مُثِّل به ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينظر إليه ووقف بين ظهراني القتلى وقال : أنا شهيد على هؤلاء القوم لفوهم في دمائهم ، فإنه ليس جريح يجرح إلا جرحه يوم القيامة يدمى ، لونه لون الدم وريحه ريح المسك ، قدموا أكثر القوم قرآناً فاجعلوه في اللحد » .(2/487)
وأخرج النسائي والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص « أن رجلاً جاء إلى الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فقال حين انتهى إلى الصف : اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال : من المتكلم آنفاً؟ فقال : أنا . . . . فقال : إذن يعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله » .
وأخرج أحمد ومسلم والنسائي والحاكم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول الله له : يا ابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول : أي رب خير منزل فيقول : سل وتمن فيقول : أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات لما رأى من فضل الشهادة . قال : ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقول الله : يا ابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول : أي رب شر منزل فيقول : فتفتدى منه بطلاع الأرض ذهباً؟ فيقول : نعم . فيقول : كذبت قد سألتك دون ذلك فلم تفعل » .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « عرض عليَّ أول ثلاثة يدخلون الجنة ، وأول ثلاثة يدخلون النار . فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد ، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده ، وعفيف متعفف ذو عيال . وأما أول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط ، وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله في ماله ، وفقير فخور » .
وأخرج الحاكم عن سهل بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أول ما يهراق من دم الشهيد يغفر له ذنوبه » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من صبر حتى يقتل أو يغلب لم يفتن في قبره » .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري عن أنس . « أن حارثة بن سراقة خرج نظاراً فأتاه سهم فقتله فقالت أمه : يا رسول الله قد عرفت موضع حارثة مني فإن كان في الجنة صبرت وإلا رأيت ما أصنع؟ قال : يا أم حارثة أنها ليست بجنة ولكنها جنان كثيرة ، وأن حارثة لفي أفضلها . أو قال : في أعلى الفردوس » .
وأخرج أحمد والنسائي عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير تحب أن ترجع إليكم إلا القتيل في سبيل الله ، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والبيهقي في الشعب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(2/488)
« ما من أهل الجنة أحد يسره أن يرجع إلى الدنيا وله عشر أمثالها إلا الشهيد ، فإنه ود أنه لو رد إلى الدنيا عشر مرات فاستشهد لما يرى من فضل الشهادة » .
وأخرج ابن سعد وأحمد والبيهقي عن قيس الجذامي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن للقتيل عند الله ست خصال : تغفر له خطيئته في أول دفعة من دمه ، ويجار من عذاب القبر ، ويحلى حلة الكرامة ، ويرى مقعده من الجنة ، ويؤمن من الفزع الأكبر ، ويزوّج من الحور العين » .
وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجة والبيهقي عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن للشهيد عند الله خصالاً . يغفر له في أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى عليه حلة الإيمان ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن يوم الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه » .
وأخرج أحمد والطبراني من حديث عبادة بن الصامت . مثله .
وأخرج البزار والبيهقي والأصبهاني في ترغيبه بسند ضعيف عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الشهداء ثلاثة : رجل خرج بنفسه وماله محتسباً في سبيل الله يريد أن لا يقتل ولا يقتل ولا يقاتل ، يكثر سواد المؤمنين ، فإن مات وقتل غفرت له ذنوبه كلها ، وأجير من عذاب القبر ، وأومن من الفزع الأكبر ، وزوّج من الحور العين ، وحلت عليه حلة الكرامة ، ووضع على رأسه تاج الوقار والخلد . والثاني رجل خرج بنفسه وماله محتسباً يريد أن يقتل ولا يقتل ، فإن مات أو قتل كانت ركبته مع ركبة إبراهيم خليل الرحمن بين يدي الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر . والثالث رجل خرج بنفسه وماله محتسباً يريد أن يقتل ويقتل ، فإن مات أو قتل جاء يوم القيامة شاهراً سيفه واضعه على عاتقه والناس جاثون على الركب يقول : ألا أفسحوا لنا ، مرتين . فإنا قد بذلنا دماءنا وأموالنا لله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو قال ذلك لإبراهيم خليل الرحمن ، أو لنبي من الأنبياء لتنحى لهم عن الطريق لما يرى من واجب حقهم ، حتى يأتوا منابر من نور عن يمين العرش ، فيجلسون فينظرون كيف يقضى بين الناس ، لا يجدون غم الموت ، ولا يغتمون في البرزخ ، ولا تفزعهم الصيحة ، ولا يهمهم الحساب ، ولا الميزان ولا الصراط ، ينظرون كيف يقضي بين الناس ، ولا يسألون شيئاً إلا أعطوا ، ولا يشفعون في شيء إلا شفعوا ، ويعطون من الجنة ما أحبوا ، وينزلون من الجنة حيث أحبوا » .(2/489)
وأخرج أحمد والطبراني وابن حبان والبيهقي عن عتبة بن عبد السلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « القتلى ثلاثة : رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله ، حتى إذا لقي العدوّ قاتلهم حتى يقتل ، فذاك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة . ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا ، جاهد بماله ونفسه في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل ، فتلك ممصمصة تحط من ذنوبه وخطاياه . إن السيف مَحَّاءٌ للخطايا ، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء ، فإن لها ثمانية أبواب ، ولجهنم سبعة أبواب ، وبعضها أفضل من بعض . ورجل منافق جاهد بنفسه وماله ، حتى إذا لقي العدو قاتل في سبيل الله حتى يقتل ، فإن ذلك في النار . إن السيف لا يمحو النفاق » .
وأخرج أحمد والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين » .
وأخرج أحمد عن عبد الله بن جحش « أن رجلاً قال : يا رسول الله ما لي إن قتلت في سبيل الله؟ قال : الجنة . فلما ولى قال : إلا الدين سارني به جبريل آنفاً » .
وأخرج أحمد والنسائي عن ابن أبي عميرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما من نفس مسلمة يقبضها ربها تحب أن ترجع إليكم وإن لها الدنيا وما فيها غير الشهيد » .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لأن أقتل في سبيل الله أحب إليَّ من أن يكون لي أهل الوبر والمدر » .
وأخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة » .
وأخرج الطبراني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دماً فازدحموا على باب الجنة فقيل : من هؤلاء؟ قيل : الشهداء كانوا مرزوقين » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى والبيهقي في الأسماء والصفات عن نعيم بن همار « أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الشهداء أفضل؟ قال : الذين أن يلقوا في الصف لا يلفتوا وجوههم حتى يقتلوا ، أولئك ينطلقون في العرف العالي من الجنة ، ويضحك إليهم ربهم . وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه » .
وأخرج الطبراني عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أفضل الجهاد عند الله يوم القيامة الذين يلتقون في الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا ، أولئك يتلبطون في الغرف من الجنة يضحك إليهم ربك . وإذا ضحك إلى قوم فلا حساب عليهم » .(2/490)
وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة قال : « ذكر الشهيد عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : » لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى تبتدره زوجتاه كأنهما ظئران أضلتا فصيلهما في براح من الأرض ، وفي يد كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها « .
وأخرج النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم » أن رجلاً قال : يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة « .
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس » أن رجلاً أسود أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رجل أسود ، منتن الريح ، قبيح الوجه ، لا مال لي ، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل فأين أنا؟ قال : في الجنة . فقاتل حتى قتل . أتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد بيض الله وجهك ، وطيب ريحك ، وأكثر مالك . وقال لهذا أو لغيره : لقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبة له صوفا تدخل بينه وبين جبته « .
وأخرج البيهقي عن ابن عمر » أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بخباء أعرابي وهو في أصحابه يريدون الغزو ، فرفع الأعرابي ناحية من الخباء فقال : من القوم؟ فقيل : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يريدون الغزو ، فسار معهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده أنه لمن ملوك الجنة . فلقوا العدو فاستشهدوا خبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه فقعد عند رأسه مستبشراً يضحك ثم أعرض عنه . فقلنا : يا رسول الله رأيناك مستبشراً تضحك ثم أعرضت عنه؟! فقال : أما ما رأيتم من استبشاري فلما رأيت من كرامة روحه على الله ، وأما إعراضي عنه فإن زوجته من الحور العين الآن عند رأسه « .
وأخرج عناد في الزهد وعبد بن حميد والطبراني عن عبد الله بن عمرو قال » أن أوّل قطرة تقطر من دم الشهيد يغفر له بها ما تقدم من ذنبه ، ثم يبعث الله ملكين بريحان من الجنة وريطة من الجنة ، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون : سبحان الله قد جاء من الأرض اليوم ريح طيبة ونسمة طيبة . فلا يمر بباب إلا فتح له ، ولا يمر بملك إلا صلى عليه وشيعه ، حتى يؤتى به إلى الرحمن فيسجد له قبل الملائكة وتسجد الملائكة بعده ، ثم يأمر به إلى الشهداء فيجدهم في رياض خضر وقباب من حرير عند ثور وحوت يلعبان لهم كل يوم لعبة لم يلعبا بالأمس مثلها ، فيظل الحوت في أنهار الجنة فإذا أمسى وكزه الثور بقرنه فذكاه لهم ، فأكلوا من لحمه فوجدوا من لحمه طعم كل رائحة من أنهار الجنة ، ويبيت الثور نافشاً في الجنة ، فإذا أصبح غدا عليه الحوت فوكزه بذنبه ، فأكلوا من لحمه فوجدوا في لحمه طعم كل ثمرة من ثمار الجنة ينظرون إلى منازلهم بكرة وعشيا يدعون الله أن تقوم الساعة .(2/491)
وإذا توفى المؤمن بعث الله إليه ملكين بريحان من ريحان الجنة وخرقة من الجنة تقبض فيها نفسه ، ويقال : اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى روح وريحان ورب عليك غير غضبان . فتخرج كأطيب رائحة وجدها أحد قط بأنفه ، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون : سبحان الله قد جاء اليوم من الأرض ريح طيبة ونسمة طيبة . فلا يمر بباب إلا فتح له ، ولا بملك إلا صلى عليه وشيعه ، حتى يؤتى به إلى الرحمن . فتسجد الملائكة قبله ويسجد بعدهم ثم يدعى بميكائيل فيقول : اذهب بهذه النفس فاجعلها مع أنفس المؤمنين حتى أسألك عنهم يوم القيامة ، ويؤمر به إلى قبر ويوسع سبعين طوله وسبعين عرضه ، وينبذ له فيه ريحان ويشيد بالحرير ، فإن كان معه شيء من القرآن كسى نوره ، وإن لم يكن معه شيء من القرآن جعل له نور مثل الشمس ، فمثله كمثل العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه .
وإن الكافر إذا توفي بعث الله إليه ملكين بخرقة من بجاد أنتن من كل نتن ، وأخشن من كل خشن ، فيقال : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ولبئس ما قدمت لنفسك . فتخرج كأنتن رائحة وجدها أحد قط ، ثم يؤمر به في قبره فيضيق عليه حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويرسل عليه حيات كأعناق البخت يأكلن لحمه ، وتقبض له ملائكة صم بكم عمي لا يسمعون له صوتاً ولا يرونه ، فيرحمونه ولا يملون إذا ضربوا يدعون الله أن يديم ذلك عليه حتى يخلص إلى النار « .
وأخرج الطيالسي والترمذي وحسنه والبيهقي في الشعب عن عمر بن الخطاب » سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الشهداء أربعة : فمؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله فقاتل حتى يقتل ، فذلك الذي يرفع الناس إليه أعينهم ، ورفع رأسه حتى وقعت قلنسوة كانت على رأسه أو رأس عمر ، فهذا في الدرجة الأولى . ورجل مؤمن جيد الإيمان إذا لقي العدو فكأنما يضرب جلده بشوك الطلح من الجبن ، فأتاه سهم غرب فقتله فهذا في الدرجة الثانية . ورجل مؤمن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، لقي العدو فصدق الله فَقُتِلَ فهذا في الدرجة الثالثة . ورجل أسرف على نفسه فلقي العدو فقاتل حتى يُقتل ، فهذا في الدرجة الرابعة « .
وأخرج أبو داود وابن حبان عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته « .(2/492)
وأخرج الطبراني والبيهقي في البعث والنشور عن يزيد بن شجرة أنه كان يقول : إذا صف الناس للصلاة وصفوا للقتال فتحت أبواب السماء ، وأبواب الجنة ، وأبواب النار ، وزين الحور العين وأطلقن ، فإذا أقبل الرجل قلن اللهم انصره ، وإذا أدبر احتجبن عنه وقلن اللهم اغفر له . فانهكوا وجوه القوم ، ولا تخزوا الحور العين ، فإن أوّل قطرة تقطر من دم أحدكم يكفر عنه كل شيء عمله ، وينزل إليه زوجتان من الحور العين يمسحان التراب عن وجهه ويقولان : قد أنالك ويقول : قد أنالكما . ثم يكسى مائة حلة ليس من نسج بني آدم ولكن من نبت الجنة ، لو وضعت بين أصبعين لوسعن . وكان يقول : إن السيوف مفاتيح الجنة .
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي بكر محمد بن أحمد التميمي قال : سمعت قاسم بن عثمان الجوعي يقول : رأيت في الطواف حول البيت رجلاً لا يزيد على قوله : اللهم قضيت حاجة المحتاجين وحاجتي لم تقض فقلت له : ما لك لا تزيد على هذا الكلام؟ فقال : أحدثك . كنا سبعة رفقاء من بلدان شتى ، غزونا أرض العدو فاستؤسرنا كلنا ، فاعتزل بنا لتضرب أعناقنا ، فنظرت إلى السماء فإذا سبعة أبواب مفتحة عليها سبع جوار من الحور العين على كل باب جارية ، فقدم رجل منا فضربت عنقه ، فرأيت جارية في يدها منديل قد هبطت إلى الأرض حتى ضربت أعناق ستة وبقيت أنا ، وبقي باب وجارية . فلما قدمت لتضرب عنقي استوهبني بعض رجاله فوهبني له ، فسمعتها تقول : أي شيء فاتك يا محروم . !! وأغلقت الباب ، وأنا يا أخي متحسر على ما فاتني . قال قاسم بن عثمان : أراه أفضلهم لأنه رأى ما لم يروا ، وترك يعمل على الشوق .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات واللفظ له عن ابن مسعود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « عجيب ربنا من رجلين : رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي ، ورجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه فعلم ما عليه في الإنهزام وما له في الرجوع فرجع حتى أهريق دمه . فيقول الله لملائكته : انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي ، وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه » .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ثلاثة يحبهم الله ، ويضحك إليهم ، ويستبشر بهم : الذي إذا انكشف فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل فإما أن يقتل ، وإما أن ينصره الله تعالى ويكفيه ، فيقول : انظروا إلى عبدي كيف صبر لي نفسه . والذي له امرأة حسناء ، وفراش لين حسن ، فيقوم من الليل فيذر شهوته فيذكرني ويناجيني ولو شاء رقد ، والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ونصبوا ثم هجعوا فقام من السحر في سراء أو ضراء » .(2/493)
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من سأل الله القتل في سبيل الله صادقاً ثم مات أعطاه الله أجر شهيد » .
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم عن سهل ابن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن جده « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه » .
وأخرج أحمد ومسلم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه » .(2/494)
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)
أخرج ابن اسحق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمراء الأسد ، وقد أجمع أبو سفيان بالرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا : رجعنا قبل أن نستأصلهم ، لَنَكُرَّنَّ على بقيتهم . فبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في أصحابه يطلبهم ، فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه ومر ركب من عبد القيس فقال لهم أبو سفيان : بلغوا محمداً أنا قد أجمعنا الرجعة الى أصحابه لنستأصلهم . فلما مر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد أخبروه بالذي قال أبو سفيان؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه { حسبنا الله ونعم الوكيل } فأنزل الله في ذلك { الذين استجابوا لله والرسول . . . . } الآيات .
وأخرج موسى بن عقبة في مغازيه والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال » إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدراً ، فاحتمل الشيطان أولياءه من الناس ، فمشوا في الناس يخوفونهم وقالوا : قد أخبرنا أن قد جمعوا لكم من الناس مثل الليل ، يرجون أن يواقعوكم فينتهبوكم ، فالحذر الحذر . . . . فعصم الله المسلمين من تخويف الشيطان ، فاستجابوا لله ورسوله وخرجوا ببضائع لهم وقالوا : إن لقينا أبا سفيان فهو الذي خرجنا له ، وإن لم نلقه ابتعنا بضائعنا . فكان بدر متجراً يوافي كل عام ، فانطلقوا حتى أتوا موسم بدر ، فقضوا منه حاجتهم ، وأخلف أبو سفيان الموعد فلم يخرج هو ولا أصحابه ، ومر عليهم ابن حمام فقال : من هؤلاء؟ قالوا : رسول الله وأصحابه ينتظرون أبا سفيان ومن معه من قريش . فقدم على قريش فأخبرهم ، فأرعب أبو سفيان ورجع إلى مكة ، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بنعمة من الله وفضل ، فكانت تلك الغزوة تدعى غزوة جيش السويق ، وكانت في شعبان سنة ثلاث « .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال » إن الله قذف في قلب أبي سفيان الرعب يوم أحد بعد الذي كان منه ، فرجع إلى مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفاً ، وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب « ، وكانت وقعة أحد في شوّال ، وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة ، فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة ، وأنهم قدموا بعد وقعة أحد ، وكان أصاب المؤمنين القرح واشتكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، واشتد عليهم الذي أصابهم ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الناس لينطلقوا معه وقال : إنما ترتحلون الآن فتأتون الحج ولا تقدرون على مثلها حتى عام مقبل .(2/495)
فجاء الشيطان فخوف أولياءه فقال { إن الناس قد جمعوا لكم } فأبى الناس أن يتبعوه فقال : إني ذاهب وإن لم يتبعني أحد . فانتدب معه أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وعثمان ، والزبير ، وسعد ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو عبيدة بن الجراح؛ في سبعين رجلاً ، فساروا في طلب أبي سفيان ، فطلبوه حتى بلغوا الصفراء ، فأنزل الله { الذين استجابوا لله والرسول . . . } الآية .
وأخرج النسائي وابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : لما رجع المشركون عن أحد قالوا : لا محمداً قتلتم ، ولا الكواعب أردفتم . بئسما صنعتم ارجعوا . فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد؛ أو بئر أبي عنبة ، شك سفيان فقال المشركون : نرجع قابل . فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت تعد غزوة . فأنزل الله { الذين استجابوا لله والرسول . . . } الآية . وقد كان أبو سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم : موعدكم موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا ، فأما الجبان فرجع ، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة . فأتوه فلم يجدوا به أحد وتسوقوا . فأنزل الله { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر الصغرى وبهم الكلوم ، خرجوا لموعد أبي سفيان فمر بهم أعرابي ، ثم مر بأبي سفيان وأصحابه وهو يقول :
ونفرت من رفقتي محمد ... وعجوة منثورة كالعنجد
فتلقاه أبو سفيان فقال : ويلك ما تقول . . . . ؟! فقال : محمد وأصحابه تركتهم ببدر الصغرى فقال أبو سفيان : يقولون ويصدقون ، ونقول ولا نصدق وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من الأعراب وانقلبوا؟! قال عكرمة : ففيهم أنزلت هذه الآية { الذين استجابوا لله والرسول . . . } إلى قوله { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال « إن أبا سفيان وأصحابه أصابوا من المسلمين ما أصابوا ورجعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أبا سفيان قد رجع وقد قذف الله في قلبه الرعب فمن ينتدب في طلبه؟ فقام النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وأناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . فتبعوهم ، فبلغ أبا سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم يطلبه ، فلقي عيراً من التجار فقال : ردوا محمداً ولكم من الجعل كذا وكذا . . . وأخبروهم أني قد جمعت لهم جموعاً ، وإني راجع إليهم . فجاء التجار فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حسبنا الله . فأنزل الله { الذين استجابوا لله والرسول . . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال(2/496)
« أخبرت أن أبا سفيان لما راح هو وأصحابه يوم أحد منقلبين قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم : إنهم عامدون إلى المدينة يا رسول الله . فقال : إن ركبوا الخيل وتركوا الأثقال فهم عامدوها ، وإن جلسوا على الأثقال وتركوا الخيل فقد أرعبهم الله فليسوا بعامديها . فركبوا الأثقال . ثم ندب أناساً يتبعوهم ليروا أن بهم قوّة ، فاتبعوهم ليلتين أو ثلاثاً ، فنزلت { الذين استجابوا لله والرسول . . . } الآية » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عائشة في قوله { الذين استجابوا لله والرسول . . . . } الآية . قالت لعروة : يا ابن أختي كان أبواك منهم : الزبير وأبو بكر ، لما أصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد انصرف عنه المشركون ، خاف أن يرجعوا فقال : من يرجع في أثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلاً . فيهم أبو بكر والزبير ، فخرجوا في آثار القوم فسمعوا بهم ، فانصرفوا بنعمة من الله وفضل . قال : لم يلقوا عدوّاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : نزلت هذه الآية فينا ثمانية عشر رجلاً { الذين استجابوا لله والرسول . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : « كان يوم أحد السبت للنصف من شوّال ، فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوّال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو ، وأذن مؤذنه أن لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس ، فكلمه جابر عن عبد الله فقال : يا رسول الله إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع وقال : يا بني أنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي فتخلف على أخواتك فتخلفت عليهن . فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه . وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعيباً للعدوّ ليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوّة ، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم من عدوهم » .
وأخرج ابن إسحق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان « أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل كان شهد أحداً قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً . أنا وأخ لي فرجعنا جريحين ، فلما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو قلت لأخي ، أو قال لي : تفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ما لنا من دابة نركبها ، وما منا إلا جريح ثقيل .(2/497)
فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أيسر جرحاً منه ، فكنت إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة ، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد . وهي من المدينة على ثمانية أميال ، فأقام بها ثلاثاً . الإثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، ثم رجع إلى المدينة . فنزل { الذين استجابوا لله والرسول . . } الآية « .
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم قال : كان عبد الله من { الذين استجابوا لله والرسول } .
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله { من بعد ما أصابهم القرح } قال : الجراحات .
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه كان يقرأ { من بعد ما أصابهم القرح } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : افصلوا بينهما قوله { للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ، الذين قال لهم الناس } .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : لما ندم أبو سفيان وأصحابه على الرجوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقالوا : ارجعوا فاستأصلوهم . فقذف الله في قلوبهم الرعب فهزموا ، فلقوا أعرابياً فجعلوا له جعلاً ، فقالوا له : إن لقيت محمداً وأصحابه فأخبرهم أنا قد جمعنا لهم . فأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد ، فلقوا الأعرابي في الطريق فأخبرهم الخبر فقالوا : { حسبنا الله ونعم الوكيل } ثم رجعوا من حمراء الأسد . فأنزل الله فيهم وفي الأعرابي الذي لقيهم { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم . . . } الآية .
وأخرج ابن سعد عن ابن أبزى { الذين قال لهم الناس } قال : أبو سفيان . قال لقوم : إن لقيتم أصحاب محمد فأخبروهم أنا قد جمعنا لهم جموعاً . فأخبروهم فقالوا { حسبنا الله ونعم الوكيل } .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال : استقبل أبو سفيان في منصرفه من أحد عيراً واردة المدينة ببضاعة لهم ، وبينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم جبال فقال : إن لكم عليّ رضاكم إن أنتم رددتم عني محمداً ومن معه ، إن أنتم وجدتموه في طلبي أخبرتموه أني قد جمعت له جموعاً كثيرة ، فاستقبلت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له : يا محمد إنا نخبرك أن أبا سفيان قد جمع لك جموعاً كثيرة ، وأنه مقبل إلى المدينة ، وإن شئت أن ترجع فافعل . فلم يزده ذلك ومن معه إلا يقيناً { وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } فأنزل الله { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال » انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصابة من أصحابه بعدما انصرف أبو سفيان وأصحابه من أحد خلفهم حتى إذا كانوا بذي الحليفة ، فجعل الأعراب والناس يأتون عليهم فيقولون لهم : هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس فقالوا { حسبنا الله ونعم الوكيل } فأنزل الله { الذين قال لهم الناس .(2/498)
. . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { الذين قال لهم الناس . . . } الآية . قال : إن أبا سفيان كان أرسل يوم أحد أو يوم الأحزاب إلى قريش ، وغطفان ، وهوازن ، يستجيشهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه فقيل : لو ذهب نفر من المسلمين فأتوكم بالخبر ، فذهب نفر حتى إذا كانوا بالمكان الذي ذكر لهم أنهم فيه لم يروا أحداً فرجعوا « .
وأخرج ابن مردويه والخطيب عن أنس » أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى يوم أحد فقيل له : يا رسول الله { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } فقال { حسبنا الله ونعم الوكيل } فأنزل الله { الذين قال لهم الناس . . . } الآية « .
وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع » أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه علياً في نفر معه في طلب أبي سفيان ، فلقيهم أعرابي من خزاعة فقال : إن القوم قد جمعوا لكم { قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } فنزلت فيهم هذه الآية . . . . « .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد » في قوله { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم } قال : هذا أبو سفيان قال لمحمد يوم أحد : موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا . فقال محمد صلى الله عليه وسلم : عسى . فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزل بدراً فوافوا السوق فابتاعوا ، فذلك قوله { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء } وهي غزوة بدر الصغرى « .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : كانت بدر متجراً في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واعد أبا سفيان أن يلقاه بها ، فلقيهم رجل فقال له : إن بها جمعاً عظيماً من المشركين . فأما الجبان فرجع . وأما الشجاع فأخذ أهبة التجارة وأهبة القتال . { وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } ثم خرجوا حتى جاؤوها فتسوّقوا بها ولم يلقوا أحداً فنزلت { الذين قال لهم الناس } إلى قوله { بنعمة من الله وفضل } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فزادهم إيماناً } قال : الإيمان يزيد وينقص .
وأخرج البخاري والنسائي وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال { حسبنا الله ونعم الوكيل } قالها إبراهيم حين ألقي في النار ، وقالها محمد حين قالوا { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } .
وأخرج البخاري وابن المنذر والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : قال آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار { حسبنا الله ونعم الوكيل } وقال نبيكم مثلها { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } .(2/499)
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمرو قال : هي الكلمة التي قالها إبراهيم حين ألقي في النار { حسبنا الله ونعم الوكيل } وهي الكلمة التي قالها نبيكم وأصحابه إذ قيل لهم { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا { حسبنا الله ونعم الوكيل } » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر عن عائشة « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتدّ غمه مسح بيده على رأسه ولحيته ثم تنفس الصعداء وقال : حسبي الله ونعم الوكيل » .
وأخرج أبو نعيم عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « حسبي الله ونعم الوكيل أمان كل خائف » .
وأخرج الحكيم الترمذي عن بريدة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال عشر كلمات عند كل صلاة غداة وجد الله عندهن مكفياً مجزياً : خمس للدنيا ، وخمس للآخرة : حسبي الله لديني ، حسبي الله لما أهمني ، حسبي الله لمن بغى عليّ ، حسبي الله لمن حسدني ، حسبي الله لمن كادني بسوء ، حسبي الله عند الموت ، حسبي الله عند المسألة في القبر ، حسبي الله عند الميزان ، حسبي الله عند الصراط ، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب » .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل } قال { النعمة } أنهم سلموا و { الفضل } إن عيراً مرَّت وكان في أيام الموسم فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربح مالاً فقسمه بين أصحابه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال « الفضل » ما أصابوا من التجارة والأجر .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى غزوة بدر الصغرى ببدر دراهم ابتاعوا بها من موسم بدر ، فأصابوا تجارة فذلك قول الله { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء } قال : أما النعمة فهي العافية ، وأما الفضل فالتجارة ، والسوء القتل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { لم يمسسهم سوء } قال : لم يؤذهم أحد { واتبعوا رضوان الله } قال : أطاعوا الله ورسوله .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف من طريق عطاء عن ابن عباس أنه كان يقرأ { إنما ذلكم الشيطان يخوّفكم أولياءه } .
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس { إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه } يقول : الشيطان يخوّف المؤمنين بأوليائه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد { إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه } قال : يخوّف المؤمنين بالكفار .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك { يخوّف أولياءه } قال : يعظم أولياءه في أعينكم .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في الآية قال : تفسيرها يخوّفكم بأوليائه .
وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم في الآية قال : يخوّف الناس أولياءه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : إنما كان ذلك تخويف الشيطان ، ولا يخاف الشيطان إلا ولي الشيطان .(2/500)
وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } قال : هم المنافقون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } قال : هم الكفار .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { إن الذين اشتروا الكفر بالإِيمان } قال : هم المنافقون . والله أعلم .(3/1)
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)
أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو بكر المروزي في الجنائز وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها من الحياة ، إن كان براً فقد قال الله { وما عند الله خير للأبرار } وإن كان فاجراً فقد قال الله { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً } .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي الدرداء قال : ما من مؤمن إلا الموت خير له ، وما من كافر إلا الموت خير له . فمن لم يصدقني فإن الله يقول { وما عند الله خير للأبرار } [ آل عمران : 198 ] { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن محمد بن كعب قال : الموت خير للكافر والمؤمن ، ثم تلا هذه الآية ، ثم قال : إن الكافر ما عاش كان أشد لعذابه يوم القيامة .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي برزة قال : ما أحد إلا والموت خير له من الحياة ، فالمؤمن يموت فيستريح ، وأما الكافر فقد قال الله { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير } الآية .(3/2)
مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : قالوا إن كان محمد صادقاً فليخبرنا بمن يؤمن به منا ومن يكفر؟ فأنزل الله { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال : « يقول للكفار { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه } من الكفر { حتى يميز الخبيث من الطيب } فيميز أهل السعادة من أهل الشقاوة » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : يقول للكفار لم يكن ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من الضلالة حتى يميز الخبيث من الطيب ، فميز بينهم في الجهاد والهجرة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : ميز بينهم يوم أحد . المنافق من المؤمن .
وأخرج سعيد بن منصور عن مالك بن دينار أنه قرأ { حتى يميز الخبيث من الطيب } .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { حتى يميز الخبيث من الطيب } مخففة منصوبة الياء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } قال : ولا يَّطلع على الغيب إلا رسول .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء } قال : يختصهم لنفسه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك { يَجْتَبي } قال : يَسْتَخْلِص .(3/3)
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله } يعني بذلك أهل الكتاب أنهم بخلوا بالكتاب أن يبينوه للناس { سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة } ألم تسمع أنه قال { يبخلون ويأمرون الناس بالبخل } [ النساء : 37 ] يعني أهل الكتاب يقول : يكتمون ويأمرون الناس بالكتمان .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله } قال : هم يهود .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله } قال : بخلوا أن ينفقوها في سبيل الله ولم يُؤدوا زكاتها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : هم كافر ومؤمن بخل أن ينفق في سبيل الله .
وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له شجاع أقرع له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة ، فيأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - فيقول : أنا مالك . أنا كنزك . ثم تلا هذه الآية { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله . . . } الآية » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن ماجة والنسائي وابن جرير وابن خزيمة وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع يفر منه وهو يتبعه فيقول : أنا كنزك حتى يطوّق في عنقه . ثم قرأ علينا النبي صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله . . . } الآية » .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود في قوله { سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة } قال : من كان له مال لم يؤد زكاته طوقه الله يوم القيامة شجاعاً أقرع بفيه زبيبتان ينقر رأسه حتى يخلص إلى دماغه . ولفظ الحاكم : ينهسه في قبره فيقول : ما لي ولك؟! فيقول : أنا مالك الذي بخلت بي .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : يكون المال على صاحبه يوم القيامة شجاعاً أقرع إذا لم يعط الله منه ، فيتبعه وهو يلوذ منه .
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده وابن جرير عن حجر بن بيان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل ما أعطاه الله إياه فيبخل عليه إلا خرج له يوم القيامة من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه . ثم قرأ { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله . . . } الآية » .(3/4)
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير والبيهقي في الشعب عن معاوية بن حيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا يأتي الرجل مولاه فيسأله من فضل مال عنده ، فيمنعه إياه إلا دعى له يوم القيامة شجاع يتلمظ فضله الذي منع » .
وأخرج الطبراني عن جرير بن عبد الله البجلي قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله فضلاً أعطاه الله إياه فيبخل عليه إلا أخرج الله له حية من جهنم يقال لها شجاع يتلمظ فيطوّق به » .
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يؤتى بصاحب المال الذي أطاع الله فيه وماله بين يديه كلما تكفأ به الصراط قال له ماله : أمض فقد أديت حق الله فيّ . ثم يُجاء بصاحب المال الذي لم يطع الله فيه وماله بين كتفيه كلما تكفأ به الصراط قال له ماله : ويلك ألا أديت حق الله فيّ؟! فما يزال كذلك حتى يدعو بالويل والثبور » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن مسروق في الآية قال : هو الرجل يرزقه الله المال فيمنع قرابته الحق الذي جعله الله لهم في ماله ، فيجعل حية فيطوقها فيقول للحية : مالي ولك؟! فتقول : أنا مالك .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله { سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة } قال : طوقاً من نار .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد { سيطوّقون ما بخلوا به } قال : سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به من أموالهم يوم القيامة .(3/5)
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : « دخل أبو بكر بيت المدراس فوجد يهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص ، وكان من علمائهم وأحبارهم فقال أبو بكر : ويلك يا فنحاص . ! اتق الله وأسلم ، فوالله أنك لتعلم أن محمداً رسول الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة فقال فنحاص : والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر ، وإنه إلينا لفقير ، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ، وإنا عنه لأغنياء ، ولو كان غنياً عنا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ، ينهاكم عن الربا ويعطينا ، ولو كان غنياً عنا ما أعطانا الربا . فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال : والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدوّ الله . فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد انظر ما صنع صاحبك بي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر » ما حملك على ما صنعت؟ قال : يا رسول الله قال قولاً عظيماً : يزعم أن الله فقير وأنهم أغنياء . فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجهه . فجحد فنحاص فقال : ما قلت ذلك . فأنزل الله فيما قال فنحاص تصديقاً لأبي بكر { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير . . . . } الآية « ونزل في أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً . . . . } [ آل عمران : 186 ] .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن عكرمة » أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى فنحاص اليهودي يستمده ، وكتب إليه وقال لأبي بكر : لا تفتت عليّ بشيء حتى ترجع إليَّ . فلما قرأ فنحاص الكتاب قال : قد احتاج ربكم . قال أبو بكر ، فهممت أن أمده بالسيف ، ثم ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تفتت عليّ بشيء . فنزلت { لقد سمع الله قول الذين قالوا . . . } الآية . وقوله { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } [ آل عمران : 186 ] وما بين ذلك في يهود بني قينقاع .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير } قالها فنحاص اليهودي من نبي مرثد لقيه أبو بكر فكلمه فقال له : يا فنحاص اتق الله ، وآمن وصدق ، وأقرض الله قرضاً حسناً . فقال فنحاص : يا أبا بكر تزعم أن ربنا فقير وتستقرضنا أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني ، إن كان ما تقول حقاً فإن الله إذن لفقير . فأنزل الله هذا فقال أبو بكر : فلولا هدنة كانت بين بني مرثد وبين النبي صلى الله عليه وسلم لقتلته .(3/6)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : صك أبو بكر رجلاً منهم { الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } لم يستقرضنا وهو غني . وهم يهود .
وأخرج ابن جرير عن شبل في الآية قال : بلغني أنه فنحاص اليهودي وهو الذي قال { إن الله ثالث ثلاثة } [ المائدة : 73 ] و { يد الله مغلولة } [ المائدة : 64 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أتت اليهود محمداً صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } [ البقرة : 245 ] فقالوا : يا محمد أفقير ربنا يسأل عباده القرض؟ فأنزل الله { لقد سمع الله قول الذين قالوا . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { لقد سمع الله . . . . } الآية . قال : ذكر لنا أنها نزلت في حيي بن أخطب لما نزلت { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } [ البقرة : 245 ] قال : يستقرضنا ربنا إنما يستقرض الفقير الغني .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن العلاء بن بدر أنه سئل عن قوله { وقتلهم الأنبياء بغير حق } وهم لم يدركوا ذلك قال : بموالاتهم من قتل أنبياء الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { ونقول ذوقوا عذاب الحريق } قال : بلغني أنه يحرق أحدهم في اليوم سبعين ألف مرة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وأن الله ليس بظلام للعبيد } قال : ما أنا بمعذب من لم يجترم .(3/7)
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)
أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { حتى يأتينا بقربان تأكله النار } قال : يتصدق الرجل منا فإذا تقبل منه أنزلت عليه نار من السماء فأكلته .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : كان من قبلنا من الأمم يقرب أحدهم القربان ، فتخرج الناس فينظرون أيتقبل منهم أم لا ، فإن تقبل منهم جاءت نار بيضاء من السماء فأكلت ما قرب ، وإن لم يتقبل لم تأت النار فعرف الناس أن لم يقبل منهم ، فلما بعث الله محمداً سأله أهل الكتاب أن يأتيهم بقربان { قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم } القربان { فلمَ قتلتموهم } يعيرهم بكفرهم قبل اليوم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { الذين قالوا إن الله عهد . . . } الآية . قال هم اليهود قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن أتيتنا بقربان تأكله النار صدقناك وإلا فلست بنبي .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الشعبي قال : إن الرجل يشترك في دم الرجل ، وقد قتل قبل أن يولد . ثم قرأ الشعبي { قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم } فجعلهم هم الذين قتلوهم ولقد قتلوا قبل أن يولدوا بسبعمائة عام . ولكن قالوا قتلوا بحق وسنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { الذين قالوا إن الله عهد إلينا . . . . } الآية . قال : كذبوا على الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن العلاء بن بدر قال : كانت رسل تجيء بالبينات ، ورسل علامة نبوتهم أن يضع أحدهم لحم البقر على يده فتجيء نار من السماء فتأكله . فأنزل الله { قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فإن كذبوك } قال : اليهود .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { فقد كذبت رسل من قبلك } قال : يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي عن أصحابه في قوله { بالبينات } قال : الحرام والحلال { والزبر } قال : كتب الأنبياء { والكتاب المنير } قال : هو القرآن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { والزبر والكتاب المنير } قال : يضاعف الشيء وهو واحد .
قوله تعالى : { كل نفس ذائقة الموت } الآية .
أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن علي بن أبي طالب قال : لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية . جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفاً من كل هالك ، ودركاً من كل ما فات فبالله فثقوا ، وإياه فأرجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب .(3/8)
فقال علي : هذا الخضر .
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد والترمذي والحاكم وصححاه وابن حبان وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، واقرأوا إن شئتم { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } » .
وأخرج ابن مردويه عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها . ثم تلا هذه الآية { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } » .
وأخرج عبد بن حميد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا بما عليها ، ولقاب قوس أحدهم في الجنة خير من الدنيا بما عليها » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال : إن آخر من يدخل الجنة يعطى من النور بقدر ما دام يحبو فهو في النور حتى تجاوز الصراط . فذلك قوله { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } .
وأخرج أحمد عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أحب أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه » .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { فقد فاز } قال سعد : ونجا . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول عبد الله بن رواحة :
وعسى أن أفوز ثمت ألقى ... حجة اتقى بها الفتانا
وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن سابط في قوله { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } قال : كزاد الراعي يزوده الكف من التمر ، أو الشيء من الدقيق يشرب عليه اللبن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } قال : هي متاع متروك أوشكت والله أن تضمحل عن أهلها ، فخذوا من هذا المتاع طاعة الله إن استطعتم . ولا قوَّة إلا بالله .(3/9)
لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله { لتبلون . . . } الآية قال : أعلم الله المؤمنين أنه سيبتليهم ، فينظر كيف صبرهم على دينهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري في قوله { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } قال : هو كعب بن الأشرف ، وكان يحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره ، ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وأخرج ابن المنذر من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك . مثله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب } يعني اليهود والنصارى ، فكان المسلمون يسمعون من اليهود قولهم : عزير ابن الله . ومن النصارى قولهم : المسيح ابن الله . وكان المسلمون ينصبون لهم الحرب ، ويسمعون إشراكهم بالله { وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } قال : من القوّة مما عزم الله عليه وأمركم به .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وإن تصبروا وتتقوا . . . } الآية . قال : أمر الله المؤمنين أن يصبروا على من آذاهم رغم أنهم كانوا يقولون : يا أصحاب محمد لستم على شيء ، نحن أولى بالله منكم ، أنتم ضلال . فأمروا أن يمضوا ويصبروا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { إن ذلك من عزم الأمور } يعني هذا الصبر على الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر { من عزم الأمور } يعني من حق الأمور التي أمر الله تعالى .(3/10)
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)
أخرج ابن إسحق وابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس } إلى قوله { عذاب أليم } يعني فنحاص وأشيع وإشباههما من الأحبار .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس } قال : كان أمرهم أن يتبعوا النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ، وقال : واتبعوه لعلكم تهتدون . فلما بعث الله محمداً قال { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } [ البقرة : 40 ] عاهدهم على ذلك فقال حين بعث محمداً . صدقوه وتلقون عندي الذي أحببتم .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علقمة بن وقاص عن ابن عباس في الآية قال : في التوراة والإنجيل أن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده ، وأن محمداً رسول الله يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل فينبذونه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب } قال : اليهود { لتبيننه للناس } قال : محمداً صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : إن الله أخذ ميثاق اليهود لتبينن للناس محمداً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم ، فمن علم علماً فليعلمه للناس ، وإياكم وكتمان العلم فإن كتمان العلم هلكة ، ولا يتكلفن رجل ما لا علم له به فيخرج من دين الله فيكون من المتكلفين . كان يقول مثل علم لا يقال به كمثل كنز لا ينتفع به ، ومثل حكمة لا تخرج كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب . وكان يقال في الحكمة : طوبى لعالم ناطق ، وطوبى لمستمع واع . هذا رجل عَلِمَ عِلماً فَعَلَّمَه وبذله ودعا إليه ، ورجل سمع خيراً فحفظه ووعاه وانتفع به .
وأخرج ابن جرير عن أبي عبيدة قال : جاء رجل إلى قوم في المسجد وفيه عبد الله بن مسعود فقال : إن أخاكم كعباً يقرؤكم السلام ويبشركم أن هذه الآية ليست فيكم { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } فقال له عبد الله : وأنت فاقرئه السلام أنها نزلت وهو يهودي .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : إن أصحاب عبد الله يقرؤون « وإذ أخذ ربك من الذين أوتوا الكتاب ميثاقهم » .
وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه كان يفسر قوله { لتبيننه للناس ولا تكتمونه } ليتكلمن بالحق ، وليصدقنه بالعمل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله { فنبذوه وراء ظهورهم } قال إنهم قد كانوا يقرؤونه ولكنهم نبذوا العمل به .(3/11)
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج { فنبذوه } قال : نبذوا الميثاق .
وأخرج ابن جرير عن السدي { واشتروا به ثمناً قليلاً } أخذوا طمعاً ، وكتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم قال : كتموا وباعوا فلم يبدوا شيئاً إلا بثمن .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فبئس ما يشترون } قال : تبديل يهود التوراة .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة قال : لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم . وتلا { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } .
وأخرج ابن سعد عن الحسن قال لولا الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه .(3/12)
لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)
أخرج البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب من طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن مروان قال لبوّابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له : لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لَنُعَذَّبَنَّ أجمعين . فقال ابن عباس ما لكم ولهذه الآية؟! إنما أنزلت هذه في أهل الكتاب ، ثم تلا ابن عباس { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس . . . . . . } [ آل عمران : 187 ] الآية وتلا { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } الآية فقال ابن عباس : سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه .
وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري . أن رجالاً من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا . فنزلت { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن أسلم أن رافع بن خديج وزيد بن ثابت كانا عند مروان وهو أمير بالمدينة فقال مروان : يا رافع في أي شيء نزلت هذه الآية { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } ؟ قال رافع : أنزلت في ناس من المنافقين ، كانوا إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم اعتذروا وقالوا : ما حبسنا عنكم إلا الشغل ، فلوددنا أنا كنا معكم ، فأنزل الله فيهم هذه الآية ، فكأن مروان أنكر ذلك ، فجزع رافع من ذلك فقال لزيد بن ثابت : أنشدك بالله هل تعلم ما أقول؟ قال : نعم . فلما خرجا من عند مروان قال له زيد : ألا تحمدني شهدت لك قال : أحمدك أن تشهد بالحق قال : نعم . قد حمد الله على الحق أهله .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : هؤلاء المنافقون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم لو قد خرجت لخرجنا معك ، فإذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم تخلفوا وكذبوا ، ويفرحون بذلك ، ويرون أنها حيلة احتالوا بها .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية قال : يعني فنحاص ، وأشيع ، وأشباههما من الأحبار الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلالة { ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } أن يقول لهم الناس علماء وليسوا بأهل علم ، لم يحملوهم على هدى ولا خير ، ويحبون أن يقول لهم الناس قد فعلوا .(3/13)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال : هم أهل الكتاب ، أنزل الله عليهم الكتاب فحكموا بغير الحق ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، وفرحوا بذلك ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا . فرحوا أنهم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وما أنزل الله إليه ، وهم يزعمون أنهم يعبدون الله ، ويصومون ، ويصلون ، ويطيعون الله ، فقال الله لمحمد { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكفروا بالله ، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من الصلاة والصوم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك في الآية قال : إن اليهود كتب بعضهم إلى بعض أن محمداً ليس بنبي ، فأجمعوا كلمتكم ، وتمسكوا بدينكم وكتابكم الذي معكم ، ففعلوا ففرحوا بذلك ، وفرحوا باجتماعهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : كتموا اسم محمد ففرحوا بذلك حين اجتمعوا عليه ، وكانوا يزكون أنفسهم فيقولون : نحن أهل الصيام ، وأهل الصلاة ، وأهل الزكاة ، ونحن على دين إبراهيم . فأنزل الله فيهم { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } من كتمان محمد { ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } أحبوا أن تحمدهم العرب بما يزكون به أنفسهم وليسوا كذلك .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } قال : بكتمانهم محمداً { ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } قال : هو قولهم نحن على دين إبراهيم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : يهود فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب ، وحمدهم إياهم عليه . ولا تملك يهود وذلك ولن تفعله .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في الآية قال : هم اليهود يفرحون بما آتى الله إبراهيم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن يهود خيبر أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فزعموا أنهم راضون بالذي جاء به ، وأنهم متابعوه وهم متمسكون بضلالتهم ، وأرادوا أن يحمدهم النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يفعلوا . فأنزل الله { لا تحسبن الذين يفرحون . . . } الآية .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير من وجه آخر عن قتادة في الآية قال : إن أهل خيبر أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا : إنا على رأيكم ، وإنا لكم ردء . فأكذبهم الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : إن اليهود من أهل خيبر قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : قد قبلنا الدين ورضينا به ، فأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا .(3/14)
وأخرج مالك وابن سعد والبيهقي في الدلائل عن محمد بن ثابت « أن ثابت بن قيس قال : يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت قال : لمَ . . . ؟ قال : نهانا الله أن نحب أن نحمد بما لم نفعل ، وأجدني أحب الحمد . ونهانا عن الخيلاء ، وأجدني أحب الجمال . ونهانا أن نرفع صوتنا فوق صوتك ، وأنا رجل جهير الصوت . فقال : يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميداً ، وتقتل شهيداً ، وتدخل الجنة . فعاش حميداً ، وقتل شهيداً ، يوم مسيلمة الكذاب » .
وأخرج الطبراني عن محمد بن ثابت قال : حدثني ثابت بن قيس بن شماس قال « قلت : يا رسول الله لقد خشيت فذكره » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : كان في بني إسرائيل رجال عباد فقهاء ، فأدخلتهم الملوك فرخصوا لهم وأعطوهم ، فخرجوا وهم فرحون بما أخذت الملوك من قولهم وما أعطوا . فأنزل الله { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن إبراهيم في قوله { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } قال : ناس من اليهود جهزوا جيشاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأحنف بن قيس . أن رجلاً قال له : ألا تميل فنحملك على ظهر قال : لعلك من العراضين قال : وما العراضون؟ قال : الذين { يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } إذ عرض لك الحق فاقصد له واله عما سواه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن يعمر « فلا يحسبنهم » يعني أنفسهم .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد أنه قرأ « فلا يحسبنهم » على الجماع بكسر السين ورفع الباء .
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله { بمفازة } قال بمنجاة ، وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله .(3/15)
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود فقالوا : ما جاءكم موسى من الآيات؟ قالوا : عصاه ، ويده بيضاء للناظرين . وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم؟ قالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى . فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهباً . فدعا ربه فنزلت { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } فليتفكروا فيها .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس قال : بت عند خالتي ميمونة ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ، ثم استيقظ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده . ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة آل عمران حتى ختم .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والطبراني والحاكم في الكنى والبغوي في معجم الصحابة عن صفوان بن المعطل السلمي قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فرهقت صلاته ليلة فصلى العشاء الآخرة ثم نام ، فلما كان نصف الليل استيقظ فتلا الآيات العشر . آخر سورة آل عمران ، ثم تسوّك ، ثم توضأ فصلى إحدى عشرة ركعة .(3/16)
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
أخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ينادي مناد يوم القيامة أين أولوا الألباب؟ قالوا : أي أولي الألباب تريد؟! قال { الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار } عقد لهم لواء فاتبع القوم لواءهم وقال لهم : ادخلوها خالدين » .
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم والطبراني من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن مسعود في قوله { الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم } قال : إنما هذا في الصلاة ، إذا لم يستطع قائماً فقاعدا ، وإن لم يستطع قاعداً فعلى جنبه .
وأخرج الحاكم عن عمران بن حصين . أنه كان به البواسير فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على جنب .
وأخرج البخاري « عن عمران بن حصين قال : كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة؟ فقال » صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب « » .
وأخرج البخاري عن عمران بن حصين قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال « من صلى قائماً فهو أفضل ، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال : هو ذكر الله في الصلاة وفي غير الصلاة ، وقراءة القرآن .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم } قال : هذه حالاتك كلها يا ابن آدم . اذكر الله وأنت قائم ، فإن لم تستطع فاذكره جالساً ، فإن لم تستطع فاذكره وأنت على جنبك . يسر من الله وتخفيف .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : لا يكون عبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً .
قوله تعالى { ويتفكرون . . . } الآية .
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والأصبهاني في الترغيب عن عبد الله بن سلام قال « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتفكرون فقال : لا تفكروا في الله ولكن تفكروا فيما خلق » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر والأصبهاني في الترغيب عن عمرو بن مرة قال « مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يتفكرون فقال : تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عثمان بن أبي دهرين قال « بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى أصحابه وهم سكوت لا يتكلمون فقال : ما لكم لا تتكلمون؟! قالوا : نتفكر في خلق الله قال : كذلك فافعلوا ، تفكروا في خلقه ولا تفكروا فيه » .(3/17)
وأخرج ابن أبي الدنيا والطبراني وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله » .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في التفكر وابن المنذر وابن حبان في صحيحه وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب وابن عساكر عن عطاء قال « قلت لعائشة أخبرني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : وأي شأنه لم يكن عجباً! إنه أتاني ليلة فدخل معي في لحافي ثم قال : ذريني أتعبد لربي . فقام فتوضأ ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره ، ثم ركع فبكى ، ثم سجد فبكى ، ثم رفع رأسه فبكى . فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة فقلت : يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال : أفلا أكون عبداً شكوراً ، ولم لا أفعل وقد أنزل علي هذه الليلة { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } إلى قوله { سبحانك فقنا عذاب النار } ثم قال : ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في التفكر عن سفيان رفعة قال « من قرأ سورة آل عمران فلم يتفكر فيها ويله . فعد بأصابعه عشراً . قيل للأوزاعي : ما غاية التفكر فيهن؟ قال : يقرؤهن وهو يعقلهن » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عامر بن عبد قيس قال : سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون : إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن المنذر عن ابن عون قال : سألت أم الدرداء ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت : التفكر والإعتبار .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال : تفكر ساعة خير من قيام ليلة .
وأخرج ابن سعد عن أبي الدرداء . مثله .
وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعاً . مثله .
وأخرج الديلمي من وجه آخر مرفوعاً عن أنس « تفكر ساعة في اختلاف الليل والنهار خير من عبادة ثمانين سنة » .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فكرة ساعة خير من عبادة ستين » .
وأخرج أبو الشيخ والديلمي عن أبي هريرة مرفوعاً « بينما رجل مستلق ينظر إلى السماء وإلى النجوم فقال : والله إني لأعلم أن لك خالقاً ورباً . اللهم اغفر لي . فنظر الله إليه فغفر له » .(3/18)
رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)
أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن أبي الدرداء وابن عباس أنهما كانا يقولان : اسم الله الأكبر رب رب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس في قوله { من تُدخل النار فقد أخزيته } قال : من تخلد .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن المسيب في قوله { ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته } قال : هذه خاصة لمن لا يخرج منها .
وأخرج ابن جرير والحاكم عن عمرو بن دينار قال : قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت { وما هم بخارجين من النار } [ البقرة : 167 ] قال : أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم الكفار . قلت لجابر : فقوله { إنك من تدخل النار فقد أخزيته } قال : وما أخزاه حين أحرقه بالنار ، وإن دون ذلك خزياً .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله { منادياً ينادي للإيمان } قال : هو محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والخطيب في المتفق والمفترق عن محمد بن كعب القرظي { سمعنا منادياً ينادي للإيمان } قال : هو القرآن ليس كل الناس يسمع النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : سمعوا دعوة من الله فأجابوها ، وأحسنوا فيها : وصبروا عليها . ينبئكم الله عن مؤمن الأنس كيف قال ، وعن مؤمن الجن كيف قال . فأما مؤمن الجن فقال { إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً } [ الجن : 1 ] . وأما مؤمن الأنس فقال { ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } قال : ستنجزون موعد الله على رسله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ولا تخزنا يوم القيامة } قال : لا تفضحنا { إنك لا تخلف الميعاد } قال : ميعاد من قال لا إله إلا الله { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم } قال : أهل لا إله إلا الله أهل التوحيد والإخلاص لا أخزيهم يوم القيامة .
وأخرج أبو يعلى عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « العار والتخزية يبلغ من ابن آدم يوم القيامة في المقام بين يدي الله ما يتمنى العبد أن يؤمر به إلى النار » .
وأخرج أبو بكر الشافعي في رباعياته عن أبي قرصافة قال(3/19)
« كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم لا تخزنا يوم القيامة ، ولا تفضحنا يوم اللقاء » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه قال : إذا فرغ أحدكم من التشهد في الصلاة فليقل : اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم ، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون ، وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك الصالحون { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } [ البقرة : 201 ] ربنا إننا آمنا { فاغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار } إلى قوله { إنك لا تخلف الميعاد } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال : كان يستحب أن يدعو في المكتوبة بدعاء القرآن .
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين أنه سئل عن الدعاء في الصلاة فقال : كان أحب دعائهم ما وافق القرآن .
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « عسقلان أحد العروسين يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفاً لا حساب عليهم ، ويبعث منها خمسون ألفاً شهداء وفوداً إلى الله وبها صفوف الشهداء ، رؤوسهم تقطر في أيديهم تثج أوداجهم دماً يقولون { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك . . إنك لا تخلف الميعاد } فيقول : صدق عبيدي . اغسلوهم بنهر البيضة فيخرجون منه بيضاً ، فيسرحون في الجنة حيث شاؤوا » .(3/20)
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)
أخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت « يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء! فأنزل الله { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } إلى آخر الآية قالت الأنصار : هي أول ظعينة قدمت علينا » .
وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت : آخر آية نزلت هذه الآية { فاستجاب لهم ربهم } إلى آخرها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : ما من عبد يقول : يا رب يا رب يا رب ثلاث مرات إلا نظر الله إليه . فذكر للحسن فقال : أما تقرأ القرآن { ربنا إننا سمعنا منادياً } [ آل عمران : 193 ] إلى قوله { فاستجاب لهم ربهم } .
قوله تعالى : { فالذين هاجروا } الآية .
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : هم المهاجرون أخرجوا من كل وجه .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن أول ثلة الجنة الفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره . إذا أُمِروا سمعوا وأطاعوا ، وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره ، وأن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول : أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي ، وقُتِلوا وأوذوا في سبيلي ، وجاهدوا في سبيلي؟! أدخلوا الجنة فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب ، ويأتي الملائكة فيسجدون ويقولون : ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ونقدس لك ، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول : هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي ، وأوذوا في سبيلي . فتدخل الملائكة عليهم من كل باب { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } [ الرعد : 24 ] » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال « قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي؟ قلت : الله ورسوله أعلم! قال : المهاجرون ، يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون فتقول لهم الخزنة : أوقد حوسبتم؟ قالوا : بأي شيء نحاسب وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك! قال : فيفتح لهم فيقيلون فيه أربعين عاماً قبل أن يدخل الناس » .
وأخرج أحمد عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « دخلت الجنة فسمعت فيها حشفة بين يدي فقلت : ما هذا؟ قال : بلال ، فمضيت فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين ، ولم أر أحداً أقل من الأغنياء والنساء . قيل لي : أما الأغنياء فهم بالباب يحاسبون ويمحصون ، وأما النساء فألهاهن الأحمران : الذهب والحرير » .(3/21)
وأخرج أحمد عن أبي الصديق عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل أغنيائهم بأربعمائة عام ، حتى يقول المؤمن الغني : يا ليتني كنت نحيلاً . قيل : يا رسول الله صفهم لنا قال : هم الذين إذا كان مكروه بعثوا له ، وإذا كان مغنم بعث إليه سواهم ، وهم الذين يحجبون عن الأبواب » .
وأخرج الحكيم الترمذي عن سعيد بن عامر بن حزم قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يدخل فقراء المسلمين قبل الأغنياء الجنة بخمسين سنة ، حتى إن الرجل من الأغنياء ليدخل في غمارهم فيؤخذ بيده فيستخرج » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو قال : يجمعون فيقول أين فقراء هذه الأمة ومساكينها؟ فيبرزون . فيقال : ما عندكم؟ فيقولون : يا رب ابتلينا فصبرنا وأنت أعلم ، وَوَلَّيْتَ الأموال والسلطان غيرنا . فيقال : صدقتم . فيدخلون الجنة قبل سائر الناس بزمن ، وتبقى شدة الحساب على ذوي الأموال والسلطان . قيل : فأين المؤمنون يومئذ؟ قال : يوضع لهم كراسي من نور ، ويظلل عليهم الغمام ، ويكون ذلك اليوم أقصر عليهم من ساعة من نهار . والله أعلم .
قوله تعالى : { والله عنده حسن الثواب } .
أخرج ابن أبي حاتم عن شداد بن أوس قال : يا أيها الناس لا تتهموا الله في قضائه فإن الله لا يبغي على مؤمن ، فإذا نزل بأحدكم شيء مما يحب فليحمد الله ، وإذا نزل به شيء يكره فليصبر وليحتسب ، فإن الله عنده حسن الثواب .(3/22)
لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة { لا يغرنك تقلب الذين كفروا } تقلب ليلهم ونهارهم وما يجري عليهم من النعم { متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } قال عكرمة : قال ابن عباس : أي بئس المنزل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد } يقول ضربهم في البلاد .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : والله ما غروا نبي الله ، ولا وكل إليهم شيئاً من أمر الله ، حتى قبضه الله على ذلك .
قوله تعالى : { وما عند الله خير للأبرار } .
أخرج البخاري في الأدب المفرد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : إنما سماهم الله أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء ، كما أن لوالدك عليك حقاً كذلك لولدك عليك حق . وأخرجه ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعاً . والأول أصح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال { الأبرار } الذين لا يؤذون الذر .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد { وما عند الله خير للأبرار } قال : لمن يطيع الله عز وجل .(3/23)
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199)
أخرج النسائي والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس قال : لما مات النجاشي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صلوا عليه قالوا يا رسول الله نصلي على عبد حبشي . فأنزل الله { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « اخرجوا فصلوا على أخ لكم ، فصلى بنا فكبر أربع تكبيرات فقال : هذا النجاشي أصحمة فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم نره قط . فأنزل الله { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله } الآية » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال « ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في النجاشي ، وفي ناس من أصحابه آمنوا بنبي الله وصدقوا به . وذكر لنا : أن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر للنجاشي وصلى عليه حين بلغه موته ، قال لأصحابه : صلوا على أخ لكم قد مات بغير بلادكم . فقال أناس من أهل النفاق : يصلي على رجل مات ليس من أهل دينه! فأنزل الله { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله } الآية » .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : لما مات النجاشي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « استغفروا لأخيكم فقالوا : يا رسول الله أنستغفر لذلك العلج؟ فأنزل الله { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم } الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال « لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي طعن في ذلك المنافقون فقالوا : صلى عليه وما كان على دينه! فنزلت هذه الآية { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله . . } الآية . قالوا : ما كان يستقبل قبلته وإن بينهما البحار . فنزلت { فأينما تولوا فثم وجه الله } [ البقرة : 115 ] قال ابن جريج : وقال آخرون : نزلت في النفر الذين كانوا من يهود فأسلموا : عبد الله بن سلام ومن معه » .
وأخرج الطبراني عن وحشي بن حرب قال : لما مات النجاشي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه « إن أخاكم النجاشي قد مات ، قوموا فصلوا عليه . فقال رجل : يا رسول الله كيف نصلي عليه وقد مات في كفره؟ قال : ألا تسمعون قول الله { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله . . . } الآية . قال : هم مسلمة أهل الكتاب من اليهود والنصارى .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : هؤلاء يهود .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال : هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم والذين اتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم .(3/24)