بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّّهِ }
أخرج عبد الرزاق في المصنف والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والخطابي في الغريب والبيهقي في الأدب والديلمي في مسند الفردوس والثعلبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص « عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ { الحمد } رأس الشكر ، فما شكر الله عبد لا يحمده » .
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النوّاس بن سمعان قال : سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « لئن ردها الله لأشكرن ربي ، فوقعت في حي من أحياء العرب فيهم امرأة مسلمة ، فوقع في خلدها أن تهرب عليها ، فرأت من القوم غفلة فقعدت عليها ثم حركتها فصبحت بها المدينة ، فلما رأها المسلمون فرحوا بها ، ومشوا بمجيئها حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأها قال { الحمد لله } فانتظروا هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صوماً أو صلاة؟ فظنوا أنه نسي فقالوا : يا رسول الله قد كنت قلت لئن ردها الله لأشكرن ربي . قال : ألم أقل { الحمد لله } ؟ » .
وأخرج ابن جرير والحاكم في تاريخ نيسابور والديلمي بسند ضعيف عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا قلت { الحمد لله رب العالمين } فقد شكرت الله فزادك » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال { الحمد لله } كلمة الشكر إذا قال العبد { الحمد لله } قال الله شكرني عبدي .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال { الحمد } هو الشكر والاستحذاء لله ، والاقرار بنعمه ، وهدايته ، وابتدائه . وغير ذلك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال عمر : قد علمنا سبحان الله ، ولا إلَه إلا الله ، فما الحمد؟ قال علي : كلمة رضيها الله لنفسه ، وأحب أن تقال .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن كعب قال { الحمد لله } ثناء على الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك قال { الحمد لله } رداء الرحمن .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الجبائي قال : الصلاة شكر ، والصيام شكر ، وكل خير تفعله لله شكر ، وأفضل الشكر { الحمد } .
وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي في شعب الإِيمان عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أفضل الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء { الحمد لله } » .
وأخرج ابن ماجة والبيهقي بسند حسن عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما أنعم الله على عبده نعمة فقال { الحمد لله } إلاَّ كان الذي أعطى أفضل مما أخذه » .(1/1)
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من عبد ينعم الله عليه بنعمة إلاَّ كان { الحمد } أفضل منها » .
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في الشعب عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما أنعم الله على عبد نعمة يحمد الله عليها إلاَّ كان حمد الله أعظم منها ، كائنة ما كانت » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو أن الدينا كلها بحذافيرها في يد رجل من أمتي ، ثم قال { الحمد لله } لكان الحمد أفضل من ذلك » .
وأخرج أحمد ومسلم والنسائي عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الطهور شطر الإيمان { والحمد لله } تملأ الميزان ، وسبحان الله تملآن أو تملأ مابين السماء والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو . فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها » .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وحسنه وابن مردويه عن رجل من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « سبحان الله نصف الميزان ، والحمد لله تملأ الميزان ، والله أكبر يملأ ما بين السماء والأرض ، والطهور نصف الميزان ، والصوم نصف الصبر » .
وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « التسبيح نصف الميزان ، والحمد لله تملأه ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه » .
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإِيمان عن الأسود بن سريع التميمي قال « قلت : يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى قال : أما أن ربك يحب الحمد » .
وأخرج ابن جرير عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ليس شيء أحب إليه الحمد من الله ، ولذلك أثنى على نفسه فقال { الحمد لله } » .
وأخرج البيهقي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « التأنّي من الله ، والعجلة من الشيطان ، وما شيء أكثر معاذير من الله ، وما شيء أحب إلى الله من الحمد » .
وأخرج ابن شاهين في السنة والديلمي من طريق أبان عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « التوحيد ثمن الجنة ، و { الحمد لله } ثمن كل نعمة ، ويتقاسمون الجنة بأعمالهم » .
وأخرج الخطيب في تالي التلخيص من طريق ثابت عن أنس مرفوعاً « التوحيد ثمن الجنة ، والحمد وفاء شكر كل نعمة » .(1/2)
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل أمر ذي بال لايبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع » .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس قال : إذا عطس أحدكم فقال { الحمد لله } قال الملك : رب العالمين فإذا قال رب العالمين قال الملك يرحمك الله .
وأخرج البخاري في الأدب وابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي عن علي بن أبي طالب قال : من قال عند كل عطسة سمعها { الحمد لله رب العالمين } على كل حال ما كان . لم يجد وجع الضرس والأذن أبداً .
وأخرج الحكيم الترمذي عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من بادر العاطس بالحمد لم يضره شيء من داء البطن » .
وأخرج الحكيم الترمذي عن موسى بن طلحة قال : أوحى إلى سليمان : إن عطس عاطس من وراء سبعة أبحر فاذكرني .
وأخرج البيهقي عن علي قال : « بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من أهله فقال : اللهم لك عليّ إن رددتهم سالمين أن أشكرك حقّ شكرك . فما لبثوا أن جاؤوا سالمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الحمد لله } على سابغ نعم الله فقلت يا رسول الله ألم تقل إن ردهم الله أن أشكره حق شكره فقال أو لم أفعل » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر وابن مردويه والبيهقي من طريق سعد بن إسحق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده قال « بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً من الأنصار وقال : إن سلمهم الله وأغنمهم فإن لله علي في ذلك شكراً . فلم يلبثوا أن غنموا وسلموا فقال بعض أصحابه : سمعناك تقول إن سلمهم الله وأغنمهم فإن لله عليّ في ذلك شكراً قال : قد فعلت! قلت : اللهم شكراً ، ولك الفضل المن فضلاً » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي عن جعفر بن محمد قال : فقد أبي بغلته فقال : لئن ردها الله عليّ لأحمدنَّه بمحامد يرضاها ، فما لبث أن أتى بها بسرجها ولجامها ، فركبها فلما استوى عليها رفع رأسه إلى السماء فقال { الحمد لله } لم يزد عليها فقيل له في ذلك . . . . فقال : وهل تركت شيئاً أو أبقيت شيئاً؟ جعلت الحمد كله لله عز وجل .
وأخرج البيهقي من طريق منصور عن ابراهيم قال : يقال إن { الحمد لله } أكثر الكلام تضعيفاً .
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن محمد بن حرب قال : قال سفيان الثوري : { الحمد لله } ذكر وشكر ، وليس شيء يكون ذكراً وشكراً غيره .
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : إن العبد إذا قال : سبحان الله فهي صلاة الخلائق ، وإذا قال { الحمد لله } فهي كلمة الشكر التي لم يشكر الله عبد قط حتى يقولها؛ وإذا قال لا إله إلا الله فهي كلمة الإِخلاص التي لم يقبل الله من عبد قط عملاً حتى يقولها ، وإذا قال : الله أكبر ملأ ما بين السماء والأرض ، وإذا قال : لا حول ولا قوّة إلا بالله قال الله : أسلم واستسلم .(1/3)
قوله تعالى : رَبِّ الْعَالَمِينَ
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله { رب العالمين } قال : الجن والإِنس .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { رب العالمين } قال : الجن والإِنس .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير ، مثله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { رب العالمين } قال : إله الخلق كله . السموات كلهن ومن فيهن ، والأرضون كلهن ومن فيهن ومن بينهن مما يعلم ومما لا يعلم .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلي في مسنده وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإِيمان والخطيب في التاريخ بسند ضعيف عن جابر بن عبد الله قال : قل الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها ، فسأل عنه فلم يخبر بشيء ، فاغتنم لذلك فأرسل راكباً يضرب إلى كداء ، وآخر إلى الشام ، وآخر إلى العراق ، يسأل هل رؤي من الجراد شيء أو لا؟ فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد ، فألقاها بين يديه . فلما رآها كبر ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « خلق الله ألف أمة . ستمائة في البحر ، وأربعمائة في البر ، فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد ، فإذا أهلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه » .
وأخرج ابن جريج عن قتادة في قوله { رب العالمين } قال : كل صنف عالم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن تتبع الجهري قال : العالمون ألف أمة . . فستمائة في البحر ، وأربعمائة في البر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { رب العالمين } قال : الإِنس عالم ، والجن عالم ، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم من الملائكة ، وللأرض أربع زوايا في كل زاوية ثلاثة آلاف عالم وخمسمائة عالم خلقهم لعبادته .
وأخرج الثعلبي من طريق شهر بن حوشب عن أبي كعب قال : العالمون الملائكة وهم ثمانون ثمانية عشر ألف ملك ، منهم أربعمائة أو خمسمائة ملك بالمشرق ، ومثلها بالمغرب ، ومثلها بالكتف الثالث من الدنيا ، ومثلها بالكتف الرابع من الدنيا ، مع كل ملك من الأعوان ما لا يعلم عددهم إلا الله .
وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية عن وهب قال : إن لله عز وجل ثمانية عشر ألف عالم . الدنيا منها عالم واحد .(1/4)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
أخرج عبد بن حميد من طرق مطر الوراق عن قتادة في قول الله { الحمد لله رب العالمين } قال : ما وصف من خلقه . وفي قوله { الرحمن الرحيم } قال : مدح نفسه { مالك يوم الدين } قال : يوم يدان بين الخلائق . أي هكذا فقولوا { إياك نعبد وإياك نستعين } قال : دلّ على نفسه { اهدنا الصراط المستقيم } أي الصرط المستقيم { صراط الذين أنعمت عليهم } أي طريق الأنبياء { غير المغضوب عليهم } قال : اليهود { ولا الضالين } قال : النصارى .
وأخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي عن ام سلمة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة { بسم الله الرحمن الرحيم } فعدّها آية { الحمد لله رب العالمين } آيتين { الرحمن الرحيم } ثلاث آيات { مالك يوم الدين } أربع آيات وقال : هكذا { إياك نعبد وإياك نستعين } وجمع خمس أصابعه » .(1/5)
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)
أخرج الترمذي وابن أبي الدنيا وابن الأنباري كلاهما في كتاب المصاحف عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ { ملك يوم الدين } بغير ألف .
وأخرج ابن الأنباري عن أنس قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاذ بن جبل { ملك يوم الدين } بغير ألف .
وأخرج أحمد في الزهد والترمذي وابن أبي داود وابن الأنباري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، كانوا يقرأون { مالك يوم الدين } بالألف .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي داود في المصاحف من طريق سالم عن أبيه . أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، كانوا يقرأون { مالك يوم الدين } .
وأخرج وكيع في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داود وابنه عن الزهري . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ، وعمر ، كانوا يقرأونها { مالك يوم الدين } وأوّل من قرأها ملك بغير ألف مروان .
وأخرج ابن أبي داود والخطيب من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب والبراء بن عازب قالا : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر { ملك يوم الدين } .
وأخرج ابن أبي داود عن ابن شهاب . أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر وعثمان ، ومعاوية ، وابنه يزيد ، كانوا يقرأون { مالك يوم الدين } قال ابن شهاب : وأوّل من أحدث ملك ، مروان .
وأخرج ابن أبي داود وابن الأنباري عن الزهري . أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ { ملك يوم الدين } وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل .
وأخرج ابن أبي داود وابن الأنباري عن أنس قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، كلهم كانوا يقرأ { ملك يوم الدين } .
وأخرج ابن أبي داود وابن أبي مليكة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { مالك يوم الدين } .
وأخرج ابن أبي داود وابن الأنباري والدارقطني في الأفراد وابن جميع في معجمه عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ { ملك يوم الدين } .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ { مالك يوم الدين } .
وأخرج الطبراني في معجمه الكبير عن ابن مسعود . أنه قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { مالك يوم الدين } بالألف { غير المغضوب عليهم } خفض .
واخرج وكيع والفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر من طرق عن عمر بن الخطاب . أنه كان يقرأ { مالك يوم الدين } بالألف .(1/6)
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور عن أبي قلابة ، أن أبي بن كعب كان يقرأ { مالك يوم الدين } .
وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي داود عن أبي هريرة ، أنه كان يقرأها { مالك يوم الدين } بالألف .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبيدة ، أن عبد الله قرأها { مالك يوم الدين } .
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود وأناس من الصحابة في قوله { مالك يوم الدين } قال : هو يوم الحساب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مالك يوم الدين } يقول : لا يملك أحد معه في ذلك اليوم حكماً كملكهم في الدينا . وفي قوله { يوم الدين } قال : يوم حساب الخلائق ، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم . إن خيراً فخير وأن شراً فشر ، إلا من عفا عنه .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله { مالك يوم الدين } قال : يوم يدين الله العباد بأعمالهم .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة قالت « شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر ، فأمر بمنبر فوضعه في المصلى ، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه ، فخرج حين بدا حاجب الشمس ، فقعد علىلمنبر ، فكبر وحمد الله ثم قال : إنكم شكوتم جدب دياركم ، واستئخار المطر عن إبان زمنه عنكم ، وقد أمركم الله أن تدعوه ، ووعدكم أن يستجيب لكم ، ثم قال { الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين } لا إله إلا الله يفعل ما يريد ، اللهم أنت لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزل قوّة وبلاغاً إلى حين » قال أبو داود : حديث غريب اسناده جيد . أهل المدينة يقرأون { ملك يوم الدين } وهذا الحديث حجة لهم .(1/7)
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إياك نعبد } يعني إياك نوحد ونخاف ونرجو ربنا لا غيرك { وإياك نستعين } على طاعتك وعلى أمورنا كلها .
وأخرج وكيع والفريابي عن أبي رُزين قال : سمعت علياً قرأ هذا الحرف وكان قرشياً فصيحاً { إياك نعبد وإياك نستعين ، اهدنا } يرفعهما جميعاً .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي رُزين أن علياً قرأ { إياك نعبد وإياك نستعين } فهمز ، ومد ، وشد .
وأخرج أبو القاسم البغوي والماوردي معاً في معرفة الصحابة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ، فلقي العدوّ فسمعته يقول : يا { مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين } قال : فلقد رأيت الرجال تصرع ، تضربها الملائكة من بين يديها ومن خلفها » .(1/8)
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
أخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي هريرة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { اهدنا الصراط المستقيم } بالصاد .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن الأنباري عن ابن عباس . أنه قرأ { اهدنا السراط } بالسين .
وأخرج أبن الأنباري عن عبد الله بن كثير . أنه كان يقرأ { السراط } بالسين .
وأخرج ابن الأنباري عن الفراء قال : قرأ حمزة { الزراط } بالزاي قال الفراء : و { الزراط } باخلاص الزاي . لغة لعذرة ، وكلب ، بني العين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { اهدنا الصراط المستقيم } يقول ألهمنا دينك الحق .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { اهدنا الصراط المستقيم } قال ألهمنا الطريق الهادي ، وهو دين الله الذي لا عوج له .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال { الصراط } الطريق .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والمحاملي في أماليه من نسخة المصنف والحاكم وصححه عن جابر بن عبد الله في قوله { اهدنا الصراط المستقيم } قال : هو الإِسلام ، وهو أوسع مما بين السماء والأرض .
وأخرج ابن جريج عن ابن عباس قال { الصراط المستقيم } الإِسلام .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة { الصراط المستقيم } الإِسلام .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مروديه والبيهقي في شعب الإِيمان عن النّواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ضرب الله صراطاً مستقيماً ، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا الصرط جميعاً ولا تتفرقوا . وداع يدعو من فوق : الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال : ويحك . لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه . فالصراط الإِسلام ، والسوران حدود الله ، والأبواب المفتحة محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي من فوق واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم » .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو بكر بن الأنباري في كتاب المصاحف والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عبد الله بن مسعود في قوله { اهدنا الصراط المستقيم } قال : هو كتاب الله .
وأخرج ابن الأنباري عن ابن مسعود قال : إن هذا الصراط محتضر تحضره الشياطين . ياعباد الله هذا الصراط فاتبعوه ، { والصراط المستقيم } كتاب الله فتمسكوا به .
وأخرج ابن أبي شيبة والدرامي والترمذي وضعفه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن مروديه والبيهقي في شعب الإيمان عن علي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ستكون فتن قلت : وما المخرج منها؟ قال : كتاب الله . فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل وليس بالهزل ، وهو حبل الله المتين ، وهو ذكره الحكيم ، وهو الصراط المستقيم » .(1/9)
وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال { الصراط المستقيم } الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال { الصراط المستقيم } تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طرفه ، والطرف الآخر في الجنة .
واخرج البيهقي في الشعب من طريق قيس بن سعد عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « القرآن هو النور المبين ، والذكر الحكيم ، والصراط المستقيم » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جريج وابن أبي حاتم وابن عدي وابن عساكر من طريق عاصم الأحول عن أبي العالية في قوله { الصراط المستقيم } قال : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده قال : فذكرنا ذلك للحسن فقال : صدق أبو العالية ، ونصح .
وأخرج الحاكم وصححه من طريق أبي العالية عن ابن عباس في قوله { الصراط المستقيم } قال : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية الرياحي قال : تعلموا الإسلام ، فإذا علمتموه فلا ترغبوا عنه ، وعليكم بالصراط المستقيم فإن { الصراط المستقيم } الإسلام ، ولا تحرفوا يميناً وشمالاً .
وأخرج سعيد بن منصور في سننه وابن المنذر والبيهقي في كتاب الرؤية عن سفيان قال : ليس في تفسير القرآن اختلاف إنما هو كلام جامع يراد به هذا وهذا . . . .
وأخرج ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية عن أبي قلابة قال : قال أبو الدرداء : إنك لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً .
وأخرج ابن سعد عن عكرمة قال : سمعت ابن عباس يحدث عن الخوارج الذين أنكروا الحكومة فاعتزلوا علي بن أبي طالب قال : فاعتزل منهم اثنا عشر ألفاً ، فدعاني علي فقال : اذهب إليهم فخاصمهم ، وادعهم إلى الكتاب والسنة ، ولا تحاجهم بالقرآن فإنه ذوو وجوه ، ولكن خاصمهم بالسنة .
وأخرج ابن سعد عن عمران بن مناح قال : فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين فأنا أعلم بكتاب الله منهم . في بيوتنا نزل فقال : صدقت ، ولكن القرآن جمال ذو وجوه يقول . . . ويقولون . . . ولكن حاججهم بالسنن فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً . فخرج ابن عباس إليهم ، فحاججهم بالسنن ، فلم يبق بأيديهم حجة .(1/10)
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
أخرج وكيع وأبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي داود وابن الأنباري كلاهما في المصاحف من طرق عن عمر بن الخطاب . أنه كان يقرأ { صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين } .
وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن أبي داود وابن الأنباري عن عبد الله بن الزبير قرأ { صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين } في الصلاة .
وأخرج ابن الأنباري عن الحسن أنه كان يقرأ { عليهمي } بكسر الهاء والميم ، واثبات الياء .
وأخرج ابن الأنباري عن الأعرج أنه كان يقرأ { عليهمو } بضم الهاء والميم ، وإلحاق الواو .
وأخرج ابن الأنباري عن عبد الله بن كثير أنه كان يقرأ { أنعمت عليهمو } بكسر الهاء وضم الميم مع إلحاق الواو .
وأخرج ابن الأنباري عن ابن إسحق أنه قرأ { عليهم } بضم الهاء والميم من غير إلحق واو .
وأخرج ابن أبي داود عن ابراهيم قال : كان عكرمة والأسود يقرآنها { صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين } .
وأخرج الثعلبي عن أبي هريرة قال { أنعمت عليهم } الآية السادسة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { صراط الذين أنعمت عليهم } يقول : طريق من أنعمت عليهم من الملائكة ، والنبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين الذين أطاعوك وعبدوك .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { صراط الذين أنعمت عليهم } قال : المؤمنين .
وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في قوله { صراط الذين } قال : النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه .
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله { صرط الذين أنعمت عليهم } قال : النبيون { غير المغضوب عليهم } قال : اليهود { ولا الضالين } قال : النصارى .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { غير المغضوب عليهم } قال : اليهود { ولا الضالين } قال : النصارى .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال : اليهود والنصارى .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير والبغوي في معجم الصحابة وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبد الله بن شقيق قال « أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى على فرس له ، وسأله رجل من بني العين فقال : من المغضوب عليهم يا رسول الله؟ قال : اليهود قال : فمن الضالون؟ قال : النصارى » .
وأخرج ابن وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاصر أهل وادي القرى فقال له رجل : من هؤلاء؟ قال : هؤلاء { المغضوب عليهم } يعني اليهود قال : يا رسول الله فمن هؤلاء الطائفة الأخرى؟ قال : هؤلاء { الضالون } يعني النصارى .(1/11)
وأخرج ابن مردويه من طريق عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن { المغضوب عليهم } قال : اليهود . قلت { الضالين } قال : النصارى » .
وأخرج البيهقي في الشعب من طريق عبد الله بن شقيق عن رجل من بلعين عن ابن عم له أنه قال « أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى فقلت : من هؤلاء عندك؟ قال : { المغضوب عليهم } اليهود { ولا الضالين } النصارى » .
وأخرج سفيان بن عيينة في تفسيره وسعيد بن منصور عن اسمعيل بن أبي خالد « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { المغضوب عليهم } اليهود { والضالون } هم النصارى » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن { المغضوب عليهم } اليهود وإن { الضالين } النصارى » .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه والطبراني عن الشريد قال « مَرَّ بِي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا ، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري ، واتكأت على الية يدي قال : أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟ » .
وأخرج ابن جريج عن ابن مسعود قال { المغضوب عليهم } اليهود و { الضالين } النصارى .
وأخرج ابن جريرج عن مجاهد . مثله .
قال ابن أبي حاتم : لا أعلم خلافاً بين المفسرين في تفسير { المغضوب عليهم } باليهود { والضالين } بالنصارى .
ذكر آمين
أخرج وكيع وابن أبي شيبة عن أبي ميسرة قال : لما أقرأ جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب فبلغ { ولا الضالين } قال : « قل آمين فقال : آمين » .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن وائل بن حجر الحضرمي قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقال ( آمين ) يمد بها صوته » .
وأخرج الطبراني والبيهقي عن وائل بن حجر « أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال : رب اغفر لي ( آمين ) » .
وأخرج الطبراني عن وائل وابن حجر قال « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة ، فلما فرغ من فاتحة الكتاب قال ( آمين ) ثلاث مرات » .
وأخرج ابن ماجه عن عليّ « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال { ولا الضالين } قال ( آمين ) » .
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا قرأ يعني الإمام { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقولوا ( آمين ) يجبكم الله » .(1/12)
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أمن الإِمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة ، غفر له ما تقدم من ذنبه » .
وأخرج أبو يعلى في مسنده وابن مردويه بسند جيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا قال الإمام { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال الذين خلفه ( آمين ) التقت من أهل السماء وأهل الآرض ، ومن لم يقل ( آمين ) كمثل رجل غزا مع قوم فاقترعوا سهامهم ولم يخرج سهمه فقال : ما لسهمي لم يخرج؟ قال : إنك لم تقل ( آمين ) » .
وأخرج أبو داود بسند حسن عن أبي زهير النميري وكان من الصحابة أنه كان إذا دعا الرجل بدعاء قال : اختمه ( بآمين ) فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة ، وقال « أخبركم عن ذلك؟ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فأتينا على رجل قد ألح في المسألة ، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يسمع منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوجب أن ختم . فقال رجل من القوم : بأي شيء يختم؟ قال ب ( آمين ) فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب » .
وأخرج أحمد وابن ماجه والبيهقي في سننه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على التأمين » .
وأخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين ، فأكثروا من قول ( آمين ) » .
وأخرج ابن عدي في الكامل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن اليهود قوم حسد ، حسدوكم على ثلاثة أشياء ، إفشاء السلام ، واقامة الصف ، وآمين » .
واخرج الطبراني في الأوسط عن معاذ بن جبل « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن اليهود قوم حسد ، ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاث : رد السلام ، وإقامة الصفوف ، وقولهم خلف إمامهم في المكتوبة ( آمين ) » .
وأخرج الحرث بن أسامة في مسنده والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أعطيت ثلاث خصال : أعطيت صلاة في الصفوف ، وأعطيت السلام وهو تحية أهل الجنة ، وأعطيت ( آمين ) ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم إلا أن يكون الله أعطاها هرون ، فإن موسى كان يدعو وهرون يؤمن . ولفظ الحكيم : إن الله أعطى أمتي ثلاثاً لم يعطها أحد قبلهم : السلام وهو تحية أهل الجنة ، وصفوف الملائكة ، ( وآمين ) إلا ما كان من موسى وهرون » .(1/13)
وأخرج الطبراني في الدعاء وابن عدي وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين » .
وأخرج جويبر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس قال « قلت يا رسول الله ما معنى آمين؟ قال : رب أفعل » .
وأخرج الثعلبي من طريق الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس . مثله .
وأخرج وكيع وابن شيبة في المصنف عن هلال بن يساف ومجاهد قالا ( آمين ) اسم من أسماء الله .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حكيم بن جبير . مثله .
واخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال : كان يستحب إذا قال الإِمام { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } أن يقال : اللهم اغفر لي ( آمين ) .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : إذا قال الإِمام { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقل : اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الربيع بن خيثم قال : إذا قال الإمام { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فاستعن من الدعاء ما شئت .
واخرج ابن شاهين في السنة عن إسماعيل بن مسلم قال : في حرف أبي بن كعب { غير المغضوب عليهم وغير الضالين آمين بسم الله } قال إسمعيل : وكان الحسن إذا سئل عن ( آمين ) ما تفسيرها؟ قال : هو اللهم استجب .
وأخرج الديلمي عن أنس قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ { بسم الله الرحمن الرحيم } ثم قرأ فاتحة الكتاب ، ثم قال آمين ، لم يبق في السماء ملك مقرب إلا استغفر له » .(1/14)
الم (1)
أخرج وكيع وعبد بن حميد عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يعد { الم } آية { حم} آية .
وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وصححه وابن الضريس ومحمد بن نصر وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها . لا تقول { الم } حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والدرامي وابن الضريس والطبراني ومحمد بن نصر عن ابن مسعود موقوفاً . مثله .
وأخرج محمد بن نصر وأبو جعفر النحاس في كتاب الوقف والابتداء والخطيب في تاريخه وأبو نصر السجزي في الإِبانة عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اقرأوا القرآن ، فإنكم تؤجرون عليه . أما إني لا أقول { الم } حرف ، ولكن ألف عشر ، ولام عشر ، وميم عشر ، فتلك ثلاثون » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار والمرهبي في فضل العلم وأبو ذر الهروي وأبو نصر السجزي بسند ضعيف عن عوف بن مالك الأشجعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ القرآن كتب الله له بكل حرف حسنة . لا أقول { الم ، ذلك الكتاب } حرف ، ولكن الألف ، والذال ، والألف ، والكاف » .
وأخرج محمد بن نصر والبيهقي في شعب الإيمان والسجزي عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ حرفاً من القرآن كتب الله له به حسنة . لا أقول { بسم الله } ولكن باء ، وسين ، وميم ، ولا أقول { الم } ولكن الألف ، واللام ، والميم » .
وأخرج محمد بن نصر السلفي في كتاب الوجيز في ذكر المجاز والمجيز عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من قرأ حرفاً من القرآن كتب الله له عشر حسنات : بالباء ، والتاء ، والثاء » .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف وأبو نصر السجزي عن ابن عمر قال : إذا فرغ الرجل من حاجته ، ثم رجع على أهله ليأت المصحف ، فليفتحه فليقرا فيه ، فإن الله سيكتب له بكل حرف عشر حسنات . أما إني لا أقول { الم } ولكن الألف عشر ، واللام عشر ، والميم عشر .
وأخرج أبو جعفر النحاس في الوقف والابتداء وأبو نصر السجري عن قيس بن سكن قال : قال ابن مسعود : تعلموا القرآن فإنه يكتب بكل حرف منه عشر حسنات ، ويكفر به عشر سيئات . أما إني لا أقول { الم } حرف ، ولكن أقول ألف عشر ، ولام عشر ، وميم عشر .(1/15)
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس من طرق عن ابن عباس في قوله { الم } قال : أنا الله أعلم .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال { الم } حروف اشتقت من حروف هجاء أسماء الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { الم } و { حم} و { ن } قال : اسم مقطع .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { الم } و { المص } و { الر } و { المر } و { كهيعص } و { طها } و { طس } و { يس } و { ص } و { حم} و { ق } و { ن } قال : هو قسم أقسمه الله ، وهو من أسماء الله .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال { الم } قسم .
وأخرج ابن جريج عن ابن مسعود في قوله { الم } قال : هو اسم الله الأعظم .
وأخرج ابن جريج وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { الم } و { حم} و { طس } قال : هي اسم الله الأعظم .
وأخرج ابن أبي شيبة في تفسيره وعبد بن حميد وابن المنذر عن عامر . أنه سئل عن فواتح السور نحو { الم } و { الر } قال : هي أسماء من أسماء الله مقطعة الهجاء ، فإذا وصلتها كانت أسماءً من أسماء الله .
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله { الم } قال : ألف مفتاح اسمه الله ، ولام مفتاح اسمه لطيف ، وميم مفتاح اسمه مجيد .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : فواتح السور أسماء من أسماء الله .
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن السدي قال : فواتح السور كلها من أسماء الله .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { الم } قال : اسم من أسماء القرآن .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { الم } قال : اسم من أسماء القرآن .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ بن حبان عن مجاهد قال { الم } و { حم} و { المص } و { ص } فواتح افتتح الله بها القرآن .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال { الم } و { طسم } فواتح يفتتح الله بها السور .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : فواتح السور كلها { الم } و { المر } و { حم} و { ق } وغير ذلك هجاء موضوع .
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم قال { الم } ونحوها أسماء السور .
وأخرج ابن اسحق والبخاري في تاريخه وابن جرير بسند ضعيف عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله بن رباب قال « مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة { الم ذلك الكتاب } فأتاه أخوه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال : تعلمون والله لقد سمعت محمداً يتلو فيما أنزل عليه { الم ذلك الكتاب } فقالوا أنت سمعته؟ قال : نعم .(1/16)
فمشى حيي في أولئك النفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ألم تذكر أنك تتلو فيما أنزل عليك { الم ذلك الكتاب } ؟ قال : بلى . قالوا : قد جاءك بهذا جبريل من عند الله؟ قال : نعم . قالوا : لقد بعث الله قبلك أنبياء ، ما نعلمه بين لنبي لهم ما مدة ملكه ، وما أجل أمته غيرك فقال حيي بن أخطب : وأقبل على من كان معه الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فهذه احدى وسبعون سنة . أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة!
ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد هل مع هذا غيره؟ قال : نعم . قال : ما ذاك؟ قال { المص } قال : هذه أثقل وأطول . الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد تسعون ، فهذه مائة واحدى وستون سنة .
هل مع هذا يا محمد غيره؟ قال : نعم . قال : ماذا؟ قال { الر } قال : هذه أثقل وأطول . الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والراء مائتان ، فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة .
فهل مع هذا غيره؟ قال : نعم . { المر } قال فهذه أثقل وأطول . الألف واحدة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والراء مائتان ، فهذه إحدى وسبعون سنة ومائتان ثم قال : لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلاً أُعطيت ، أم كثيراً! ثم قاموا فقال أبو ياسر لأخيه حيي ومن معه من الأحبار : ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله . إحدى وسبعون ، وإحدى وستون ، ومائة ، وإحدى وثلاثون ومائتان ، وإحدى وسبعون ومائتان ، فذلك سبعمائة وأربع وثلاثون . فقالوا : لقد تشابه علينا أمره . فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } [ آل عمران : 7 ] .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : إن اليهود كانوا يجدون محمداً وأمته ، إن محمداً مبعوث ولا يدرون ما مدة أمة محمد . فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل { الم } قالوا : قد كنا نعلم أن هذه الأمة مبعوثة ، وكنا لا ندري كم مدتها ، فإن كان محمد صادقاً فهو نبي هذه الأمة قد بين لنا كم مدة محمد ، لأن { الم } في حساب جملنا إحدى وسبعون سنة ، فما نصنع بدين إنما هو واحد وسبعون سنة؟
فلما نزلت { الر } وكانت في حساب جملهم مائتي سنة وواحداً وثلاثين سنة قالوا : هذا الآن مائتان وواحد وثلاثون سنة وواحدة وسبعون . قيل ثم أنزل { المر } فكان في حساب جملهم مائتي سنة وواحدة وسبعين سنة في نحو هذا من صدور السور فقالوا : قد التبس علينا أمره .(1/17)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفاً ، دارت فيها الألسن كلها ، ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه ، وليس منها حرف إلا وهو من آية وثلاثة ، وليس منها حرف إلا وهو في مدة قوم وآجالهم . فالألف مفتاح اسمه الله ، واللام مفتاح اسمه اللطيف ، والميم مفتاح اسمه مجيد . فالألف آلاء الله ، واللام لطف الله ، والميم مجد الله . فالألف سنة ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون .
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ بن حبان في التفسير عن داود بن أبي هند قال : كنت أسأل الشعبي عن فواتح السور قال : يا داود إن لكل كتاب سراً ، وإن سر هذا القرآن فواتح السور ، فدعها وسَل عما بدا لك .
وأخرج أبو نصر السجزي في الإِبانة عن ابن عباس قال : آخر حرف عارض به جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم { الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } .(1/18)
ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)
قوله تعالى : ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين ، وآيتان في نعت الكافرين ، وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين ، ومن أربعين آية إلي عشرين ومائة في بني إسرائيل .
وأخرج وكيع عن مجاهد قال : هؤلاء الآيات الأربع في أول سورة البقرة إلى { المفلحون } نزلت في نعت المؤمنين ، واثنتان من بعدها إلى { عظيم } نزلت في نعت الكافرين ، وإلى العشر نزلت في المنافقين .
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال : أربع آيات من فاتحة سورة البقرة في الذين آمنوا ، وآيتان في قادة الأحزاب .
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود { الم } حرف اسم الله ، و { الكتاب } القرآن { لا ريب } لا شك فيه .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ذلك الكتاب } قال : هذا الكتاب .
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري في المصحف عن عكرمة . مثله .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لا ريب فيه } قال : لا شك فيه .
وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال { الريب } الشك من الكفر .
وأخرج الطستي في مسائل ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { لا ريب فيه } قال : لا شك فيه قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت ابن الزبعرى وهو يقول :
ليس في الحق يا أمامة ريب ... إنما الريب ما يقول الكذوب
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { لا ريب فيه } قال : لا شك فيه .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله .
قوله تعالى : هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
أخرج وكيع وابن جرير عن الشعبي في قوله { هدى } قال : من الضلالة .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { هدى } قال : نور { للمتقين } قال : هم المؤمنون .
وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { هدى للمتقين } أي الذين يحذرون من أمر الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء منه .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { هدى للمتقين } قال : للمؤمنين الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعتي .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { هدى للمتقين } قال : جعله الله هدى وضياء لمن صدَّق به ، ونور للمتقين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل قال : يُحبَسُ الناس يوم القيامة في بقيع واحد ، فينادي منادٍ : أين المتقون؟ فيقومون في كنف من الرحمن ، لايحتجب الله منهم ، ولا يستتر . قيل : من المتقون؟ قال : قوم اتقوا الشرك ، وعبدة الأوثان واخلصوا ، لله العبادة ، فيمرون إلى الجنة .(1/19)
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عطية السعدي وكان من الصحابة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يبلغ العبد المؤمن أن يكون من المتقين ، حتى يدع ما لا بأس به حذراً لما به بأس » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن أبي هريرة . أن رجلاً قال له : ما التقوى؟ قال : هل أخذت طريقاً ذا شوك؟ قال : نعم . قال : فكيف صنعت؟ قال : إذا رأيت الشوك عدلت عنه ، أو جاوزته ، أو قصرت عنه ، قال : ذاك التقوى .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم عن طلق بن حبيب أنه قيل له : ألا تجمع لنا التقوى في كلام يسير يرونه؟ فقال : التقوى العمل بطاعة الله على نور من الله رجاء رحمة الله ، والتقوى ترك معاصي الله على نور من الله مخافة عذاب الله .
وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا عن أبي الدرداء قال : تمام التقوى أن يتقي الله العبدُ ، حتى يتقيه من مثقال ذرة ، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حرماً . يكون حجاباً بينه وبين الحرام .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال : ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام .
واخرج ابن أبي الدنيا عن سفيان الثوري قال : إنما سموا المتقين لأنهم اتقوا ما لا يتقى .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الله بن المبارك قال : لو أن رجلاً اتقى مائة شيء ولم يتق شيئاً واحداً ، لم يكن من المتقين .
واخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن عون بن عبد الله قال : تمام التقوى أن تبتغي علم ما لم تعلم منها ، إلى ما قد علمت منها .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن رجاء قال : من سره أن يكون متقياً فليكن أذل من قعود إبل ، كل من أتى عليه أرغاه .
وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق مالك بن أنس عن وهب بن كيسان قال : كتب رجل إلى عبد الله بن الزبير بموعظة . أما بعد . . . فإن لأهل التقوى علامات يُعْرَفون بها ويُعرِفونها من أنفسهم . من صبر على البلاء ، ورضي بالقضاء ، وشكر النعماء ، وذل لحكم القرآن .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن المبارك قال : قال داود لابنه سليمان عليه السلام : يا بني إنما تستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء : لحسن توكله على الله فيما نابه ، ولحسن رضاه فيما أتاه ، ولحسن زهده فيما فاته .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن سهم بن سحاب قال : معدن من التقوى لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله .(1/20)
واخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال : بلغنا أن رجلاًً جاء إلى عيسى فقال : يا معلم الخير كيف أكون تقياً لله كما ينبغي له؟ قال : بيسير من الأمر . تحب الله بقلبك كله ، وتعمل بكدحك وقوتك ما استطعت ، وترحم ابن جنسك كما ترحم نفسك . قال : من ابن جنسي يا معلم الخير؟ قال : ولد آدم كلهم ، وما لا تحب أن يؤتى إليك فلا تأته إلى أحد فأنت تقي لله حقاً .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أياس بن معاوية قال : رأس التقوى ومعظمه أن لا تعبد شيئاً دون الله ، ثم تتفاضل الناس بالتقى والنهى .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عون بن عبد الله قال : فواتح التقوى حسن النية ، وخواتمها التوفيق ، والعبد فيما بين ذلك ، بين هلكات وشبهات ، ونفس تحطب على سلوها ، وعدو مكيد غير غافل ولا عاجز .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن محرز الطفاري قال : كيف يرجو مفاتيح التقوى من يؤثر على الآخرة الدنيا؟! .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز قال : ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل ، والتخليط فيما بين ذلك ، ولكن تقوى الله ، ترك ما حرم الله ، وأداء ما افترض الله ، فمن رزق بعد ذلك خيراً فهو خير إلى خير .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن محمد بن يوسف الفريابي قال : قلت لسفيان أرى الناس يقولون سفيان الثوري ، وأنت تنام الليل؟ فقل لي : اسكت . . . ملاك هذا الأمر التقوى .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن شبيب قال : تكلم رجل من الحكماء عند عبد الملك بن مروان ، فوصف المتقي فقال : رجل آثر الله على خلقه ، وآثر الآخرة على الدنيا ، ولم تكربه المطالب ، ولم تمنعه المطامع ، نظر ببصر قلبه إلى مثالي إرادته ، فسما لها ملتمساً لها ، فزهده مخزون ، يبيت إذا نام الناس ذا شجون ، ويصبح مغموماً في الدنيا مسجون ، قد انقطعت من همته الراحة دون منيته ، فشفاؤه القرآن ، ودواؤه الكلمة من الحكمة والموعظة الحسنة ، لا يرى منها الدنيا عوضاً ، ولا يستريح إلى لذة سواها . فقال عبد الملك : أشهد أن هذا أرجى بالاً منا ، وأنعم عيشاً .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو نعيم في الحلية عن ميمون بن مهران قال : لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه ، حتى تعلم من أين مطعمه ، ومن أين ملبسه ، ومن أين مشربه ، أمن حل ذلك أو من حرام؟ .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز . أنه لما وُلي حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أوصيكم بتقوى الله ، فإن تقوى الله خلف من كل شيء ، وليس من تقوى الله خلف .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز قال : يا أيها اتقوا الله ، فإنه ليس من هالك إلا له خلف إلا التقوى .(1/21)
وأخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة قال : لما خلق الله الجنة قال لها تكلمي قالت : طوبى للمتقين .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال : القيامة عرس المتقين .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن محمد بن يزيد الرحبي قال : قيل لأبي الدرداء : إنه ليس أحد له بيت في الأنصار إلا قال شعراً ، فما لك لا تقول؟! قال : وأنا قلت فاستمعوه :
يريد المرءُ أن يُعطي مُناهُ ... ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرءُ فائدتي وذخري ... وتقوى الله أفضل ما استفادا
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العفيف وكان من أصحاب معاذ بن جبل قال : يدخل أهل الجنة على أربعة أصناف : المتقين ، ثم الشاكرين ، ثم الخائفين ، ثم أصحاب اليمين .(1/22)
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
أخرج جرير عن قتادة { هدى للمتقين } قال : نعتهم ووصفهم بقوله { الذين يؤمنون بالغيب } الآية .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس في قوله { الذين يؤمنون } قال : يصدقون { بالغيب } قال : بما جاء منه ، يعني من الله .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { الذين يؤمنون بالغيب } قال : هم المؤمنون من العرب قال : و { الإِيمان } التصديق و { الغيب } ما غاب عن العباد من أمر الجنة والنار ، وما ذكر الله في القرآن لم يكن تصديقهم بذلك من قبل أصحاب الكتاب ، أو علم كان عندهم { يؤمنون بما أنزل إليك } هم المؤمنون من أهل الكتاب ، ثم جمع الفريقين فقال { أولئك على هدى } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { الذين يؤمنون بالغيب } قال : بالله وملائكته ، ورسله ، واليوم الآخر ، وجنته وناره ، ولقائه ، والحياة بعد الموت .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { الذين يؤمنون بالغيب } قال : آمنوا بالبعث بعد الموت ، والحساب ، والجنة والنار ، وصدقوا بموعود الله الذي وعد في هذا القرآن .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { الذين يؤمنون بالغيب } قال : ما غاب عنهم أمر الجنة والنار قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت أبا سفيان بن الحرث يقول :
وبالغيب آمنا وقد كان قومنا ... يصلون للأوثان قبل محمد
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم كلاهما في معرفة الصحابة عن تويلة بنت أسلم قالت : « صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة ، فاستقبلنا مسجد ايلياء فصلينا سجدتين ثم جاءنا من يخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام ، فتحوّل الرجال مكان النساء ، والنساء مكان الرجال ، فصلينا السجدتين الباقيتين ، ونحن مستقبلو البيت الحرام . فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال » أولئك قوم آمنوا بالغيب « » .
وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وأحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه وابن مردويه عن الحرث بن قيس أنه قال لابن مسعود : عند الله يحتسب ما سبقتمونا به يا أصحاب محمد من رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال ابن مسعود : عند الله يحتسب إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم ولم تروه! إن أمر محمد كان بيِّناً لمن رآه . والذي لا إله غيره . من آمن أحد أفضل من إيمان بغيب . ثم قرأ { الم ذلك الكتاب لا ريب فيه } [ البقرة : 12 ] إلى قوله { المفلحون } [ البقرة : 5 ] .
وأخرج البزار وأبو يعلي والمرهبي في فضل العلم والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال : كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال :(1/23)
« انبئوني بأفضل أهل الإِيمان إيماناً؟ قالوا : يا رسول الله الملائكة . . . ؟ قال : هم كذلك ، ويحق لهم ، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا : يا رسول الله الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالاته والنّبوة! قال : هم كذلك ، ويحق لهم ، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا : يا رسول الله الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء . . . ! قال : هم كذلك ، ويحق لهم ، وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة مع الأنبياء . بل غيرهم قالوا : فمن يا رسول الله؟! قال : أقوام في أصلاب الرجال ، يأتون من بعدي ، يؤمنون بي ولم يروني ، ويصدقوني ولم يروني ، يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه ، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيماناً » .
وأخرج الحسن بن عروة في حزبه المشهور والبيهقي في الدلائل والأصبهاني في الترغيب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أي الخلق أعجب إليكم إيماناً؟ قالوا : الملائكة . . . قال : وما لهم لايؤمنون ، وهم عند ربهم . قالوا : فالأنبياء . . . قال : فما لهم لا يؤمنون ، والوحي ينزل عليهم . قالوا : فنحن . . . قال : وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ، ألا إن أعجب الخلق إلي إيماناً ، لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفاً فيها كتاب يؤمنون بما فيه » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال « ما من ماء ما من ماء؟ قالوا : لا . قال : فهل من شن؟ فجاؤوا بالشن ، فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووضع يده عليه ثم فرق أصابعه ، فنبع الماء مثل عصا موسى من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا بلال اهتف بالناس بالوضوء ، فأقبلوا يتوضأون من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت همة ابن مسعود الشرب ، فلما توضأوا صلى بهم الصبح ، ثم قعد للناس فقال : يا أيها الناس من أعجب الخلق إيماناً؟ قالوا : الملائكة . قال : وكيف لا تؤمن الملائكة وهم يعاينون الأمر! قالوا : فالنبيون يا رسول الله . قال : وكيف لا يؤمن النبيون والوحي ينزل عليهم من السماء! قالوا : فأصحابك يا رسول الله فقال : وكيف لا تؤمن أصحابي وهم يرون ما يرون ، ولكن أعجب الناس إيماناً ، قوم يجيئون بعدي يؤمنون بي ولم يروني ، ويصدقوني ولم يروني أولئك اخواني » .
وأخرج الإسماعيلي في معجمه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أي شيء أعجب إيماناً؟ قيل : الملائكة . . . فقال كيف وهم في السماء يرون من الله ما لا ترون! قيل : فالأنبياء . . . قال : كيف وهم يأتيهم الوحي؟ قالوا : فنحن . . . قال : كيف وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله! ولكن قوم يأتون من بعدي ، يؤمنون بي ولم يروني ، أولئك أعجب إيماناً ، وأولئك إخواني ، وأنتم أصحابي » .(1/24)
وأخرج البزار عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أي الخلق أعجب إيماناً؟ قالوا الملائكة . . قال : الملائكة . . . كيف لا يؤمنون؟ قالوا : النبيون . . . قال : النبيون يوحى إليهم فكيف لا يؤمنون؟ ولكن أعجب الناس إيماناً ، قوم يجيئون من بعدكم ، فيجدون كتاباً من الوحي ، فيؤمنون به ويتبعونه . فهؤلاء أعجب الناس إيماناً » .
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا ليتني قد لقيت إخواني؟ قالوا يا رسول الله ألسنا إخوانك وأصحابك : قال : بلى . ولكن قوماً يجيئون من بعدكم ، يؤمنون بي إيمانكم ، ويصدقوني تصديقكم ، وينصروني نصركم . فيا ليتني قد لقيت إخواني » .
وأخرج ابن عساكر في الأربعين السباعية من طريق أبي هدبة وهو كذاب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليتني قد لقيت إخواني؟ فقال له رجل من أصحابه : أولسنا إخوانك؟ قال : بلى أنتم أصحابي ، وإخواني قوم يأتون من بعدي ، يؤمنون بي ولم يروني ، ثم قرأ { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة } » .
وأخرج أحمد والدارمي والباوردي وابن قانع معاً في معجم الصحابة والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي جمعة الأنصاري قال « قلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم من أجراً؟ آمنا بك ، واتبعناك . قال : ما يمنعكم من ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم ، يأتيكم الوحي من السماء! بل قوم يأتون من بعدي ، يأتيهم كتاب بين لوحين ، فيؤمنون به ، ويعملون بما فيه ، أولئك أعظم أجراً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي عمر وأحمد والحاكم عن أبي عبد الرحمن الجهني قال « بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع راكبان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنديان ، أو مذحجيان ، حتى أتيا فإذا رجلان من مذحج فدنا أحدهما ليبايعه ، فلما أخذ بيده قال : يا رسول الله أرأيت من آمن بك واتبعك وصدقك ، فماذا له؟ قال : طوبى له ، فمسح على يده وانصرف . ثم جاء الآخر حتى أخذ على يده ليبايعه فقال : يا رسول الله أرأيت من آمن بك وصدقك واتبعك ولم يرك؟ قال : طوبى له . ثم مسح على يده وانصرف » . وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « طوبى لمن رآني وآمن بي ، وطوبى لمن آمن بي ولم يراني سبع مرات » .
وأخرج أحمد وابن حبان عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « أن رجلاً قال : يارسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك . قال : طوبى لمن رآني وآمن بي ، وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني » .(1/25)
وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد عن نافع قال : جاء رجل إلى ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعينكم هذه؟ قال : نعم قال : طوبى لكم . فقال ابن عمر : ألا أخبرك بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : بلى . قال : سمعته يقول « قال طوبى لمن رآني وآمن بي ، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني ثلاث مرات » .
وأخرج أحمد وأبو يعلي والطبراني عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « طوبى لمن رآني وآمن بي ، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات » .
وأخرج الحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً « أن ناساً من أمتي يأتون بعدي ، يودّ أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن إسحق عن ابن عباس في قوله { ويقيمون الصلاة } قال : الصلوات الخمس { ومما رزقناهم ينفقون } قال : زكاة أموالهم .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ويقيمون الصلاة } قال : يقيمونها بفروضها { ومما رزقناهم ينفقون } قال : يؤدّون الزكاة احتساباً لها .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إقامة الصلاة إتمام الركوع ، والسجود ، والتلاوة ، والخشوع ، والإِقبال ، عليها فيها .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { يقيمون الصلاة } قال : إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ، ووضوئها ، وركوعها ، وسجودها { ومما رزقناهم ينفقون } قال : انفقوا في فرائض الله التي افترض الله عليهم ، في طاعته وسبيله .
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله { ومما رزقناهم ينفقون } قال : إنما يعني الزكاة خصة ، دون سائر النفقات . لا يذكر الصلاة إلا ذكر معها الزكاة ، فإذا لم يسم الزكاة قال في أثر ذكر الصلاة { ومما رزقناهم ينفقون } .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { ومما رزقناهم ينفقون } قال : هي نفقة الرجل على أهله .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { ومما رزقناهم ينفقون } قال : كانت النفقات قرباناً يتقربون بها إلى الله على قدر ميسورهم وجهدهم ، حتى نزلت فرائض الصدقات في سورة براءة . هن الناسخات المبينات .(1/26)
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } أي يصدقونك بما جئت به من الله ، وما جاء به من قبلك من المرسلين ، لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاؤوهم به من ربهم { وبالآخرة هم يوقنون } أي بالبعث ، والقيامة ، والجنة ، والنار ، والحساب ، والميزان ، أي لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاءك من ربك .
واخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { والذين يؤمنون بما أنزل إليك } قال : هو الفرقان الذي فرق الله به بين الحق والباطل { وما أنزل من قبلك } أي الكتب التي قد خلت قبله { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } قال : استحقوا الهدى والفلاح بحق ، فأحقه الله لهم ، وهذا نعت أهل الإِيمان ، ثم نعت المشركين فقال { إن الذين كفروا سواء عليهم } [ البقرة : 6 ] الآيتين .
وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند والحاكم والبيهقي في الدعوات عن أبيّ بن كعب قال « كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء اعرابي فقال : يا نبي الله إن لي أخاً وبه وجع قال : وما وجعه؟ قال : به لمم قال : فائتني به . فوضعه بين يديه فعوّذه النبي صلى الله عليه وسلم بفاتحة الكتاب ، وأربع آيات من أوّل سورة البقرة ، وهاتين الآيتين { وإلهكم إله واحد } [ البقرة : 163 ] وآية الكرسي ، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة ، وآية من آل عمران { شهد الله أنه لا إله إلا هو } [ آل عمران : 18 ] وآية من الأعراف { إن ربكم الله } [ الآعراف : 54 ] وآخر سورة المؤمنين { فتعالى الله الملك الحق } [ المؤمنون : 116 ] وآية من سورة الجن { وأنه تعالى جدُّ ربنا } [ الجن : 3 ] وعشر آيات من أوّل الصافات ، وثلاث آيات من آخر سورة الحشر ، و { قل هو الله أحد } و ( المعوّذتين ) فقام الرجل كأنه لم يشك قط » .
وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل عن أبيه . مثله سواء .
وأخرج الدارمي وابن الضريس عن ابن مسعود قال : من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة ، وآية الكرسي ، وآيتين بعد آية الكرسي ، وثلاثاً من آخر سورة البقرة ، لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ، ولا شيء يكرهه في أهله ولا ماله ، ولا يقرأن على مجنون إلاَّ أفاق .
وأخرج الدارمي وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود قال : من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة حتى يصبح . أربع من أولها ، وآية الكرسي ، وآيتان بعدها ، وثلاث خواتيمها . أولها { لله ما في السماوات }(1/27)
[ البقرة : 284 ] .
وأخرج سعيد بن منصور والدارمي والبيهقي في شعب الإِيمان عن المغيرة بن سبيع وكان من أصحاب عبد الله قال : من قرأ عشر آيات من البقرة عند منامه لم ينس القرآن . أربع آيات من أوّلها ، وآية الكرسي ، وآيتان بعدها ، وثلاث من آخرها .
وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره ، وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة ، وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة ، في قبره » .
وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج قال : قال لي أبي : يا بني إذا وضعتني في لحدي فقل : بسم الله ، وعلى ملة رسول الله . ثم سن علي التراب سناً ، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها . فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك .
وأخرج ابن النجار في تاريخه من طريق محمد بن علي المطلبي عن خطاب بن سنان عن قيس بن الربيع عن ثابت بن ميمون عن محمد بن سيرين قال : نزلنا يسيري فأتانا أهل ذلك المنزل فقالوا : ارحلوا فانه لم ينزل عندنا هذا المنزل أحد إلا اتخذ متاعه فرحل أصحابي وتخلفت للحديث الذي حدثني ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من قرأ في ليلة ثلاثاً وثلاثين آية لم يضره في تلك الليلة سبع ضار ، ولا لص طار ، وعوفي في نفسه ، وأهله ، وماله حتى يصبح » .
فلما أمسينا لم أنم حتى رأيتهم قد جاءوا أكثر من ثلاثين مرة ، مخترطين سيوفهم فما يصلون إلي ، فلما أصبحت رحلت فلقيني شيخ منهم فقال : يا هذا إنسي أم جني؟ قلت : بل إنسي! قال : فما بالك . . ! لقد أتيناك أكثر من سبعين مرة كل ذلك يحال بيننا وبينك بسور من حديد .
فذكرت له الحديث ، والثلاث وثلاثون آية ، أربع آيات من أول البقرة إلى قوله { المفلحون } وآية الكرسي ، وآيتان بعدها إلى سورة قوله { خالدون } [ البقرة : 257 ] والثلاث آيات من آخر البقرة { لله ما في السماوات وما في الأرض } [ البقرة : 284 ] إلى آخرها وثلاث آيات من الأعراف { إن ربكم الله } إلى قوله { من المحسنين } [ الأعراف : 5457 ] وآخر بني إسرائيل { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } [ الإِسراء : 110 ] إلى آخرها ، وعشر آيات من أوّل الصافات إلى قوله { لازب } وآيتان من الرحمن { يا معشر الجن والإِنس } إلى قوله { فلا تنتصران } [ الرحمن : 3334 ] ومن آخر الحشر { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل } [ الحشر : 21 ] إلى آخر السورة ، وآيتان من { قل أوحي } إلى { وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة } إلى قوله { شططاً } [ الجن : 14 ] .
فذكرت هذا الحديث لشعيب بن حرب فقال لي : كنا نسميها آيات الحرب ، ويقال : إن فيها شفاء من كل داء . فعدّ عليّ الجنون ، والجذام ، والبرص ، وغير ذلك . قال محمد بن علي : فقرأتها على شيخ لنا قد فلج حتح أذهب الله عنه ذلك .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال : من قرأ عشر آيات من سورة البقرة أوّل النهار لا يقربه شيطان حتى يمسي ، وإن قرأها حين يمسي لم يقربه حتى يصبح ، ولا يرى شيئاً يكرهه في أهله وماله ، وإن قرأها على مجنون أفاق . أربع آيات من أوّلها ، وآية الكرسي ، وآيتان بعدها ، وثلاث آيات من آخرها .(1/28)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)
أخرج ابن جريج وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير في السنة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } ونحو هذا من القرآن قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ، ويتابعوه على الهدى ، فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأوّل ، ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال « قيل يا رسول الله إنا نقرأ من القرآن فنرجو ، ونقرأ فنكاد نيأس فقال : ألا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار؟ قالوا بلى يا رسول الله قال { الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } إلى قوله { المفلحون } هؤلاء أهل الجنة قالوا : إنا نرجو أن نرجو أن نكون هؤلاء . ثم قال : { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم } إلى قوله { عظيم } هؤلاء أهل النار . قلنا لسنا هم يا رسول الله؟ قال أجل » .
وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إن الذين كفروا } أي بما أنزل إليك ، وإن قالوا إنا قد آمنا بما جاء من قبلك { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } أي أنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك ، وجحدوا ما عليهم من الميثاق لك ، فقد كفروا بما جاءك ، وبما عندهم مما جاءهم به غيرك ، فكيف يسمعون منك إنذاراً وتخويفاً ، وقد كفروا بما عندهم من نعتك { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة } أي عن الهدى أن يصيبوه أبداً بعير ما كذبوا به من الحق الذي جاءك من ربك ، حتى يؤمنوا به وإن آمنوا بكل ما كان قبلك ، ولهم بما عليه من خلافك { عذاب عظيم } فهذا في الأحبار من يهود .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { إن الذين كفروا } قال : نزلت هاتان الآيتان في قادة الأحزاب ، وهم الذين ذكرهم الله في هذه الآية { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } [ إبراهيم : 28 ] قال : فهم الذين قتلوا يوم بدر ، ولم يدخل من القادة أحد في الإِسلام إلا رجلان . أبو سفيان ، والحكم بن أبي العاص .
وأخرج ابن المنذر عن السدي في قوله { أأنذرتهم أم لم تنذرهم } قال : وعظتهم لم لم تعظهم .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } قال : أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم ، فختم الله على قلوبهم ، وعلى سمعهم ، وعلى أبصارهم غشاوة ، فهم لايبصرون هدى ، ولا يسمعون ، ولا يفقهون ، ولا يعقلون .(1/29)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : الختم على قلوبهم ، وعلى سمعهم ، والغشاوة على أبصارهم .
وأخرج ابن جريج عن ابن مسعود قال { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم } فلا يعقلون ، ولا يسمعون ، وجعل على أبصارهم يقول : أعينهم { غشاوة } فلا يبصرون .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { ختم الله على قلوبهم } قال : طبع الله عليها قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : أما سمعت الأعشى وهو يقول :
وصهباء طاف يهود بها ... فابرزها وعليها ختم
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن وأبي رجاء قرأ أحدهما { غشاوة } والآخر { غشوة } .(1/30)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)
أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } يعني المنافقين من الأوس والخزرج ، ومن كان على أمرهم .
وأخرج ابن اسحق وابن جرير عن ابن عباس . أن صدر سورة البقرة إلى المائة منها . هي في رجال سماهم بأعيانهم وأنسابهم من أحبار يهود ، ومن المنافقين من الأوس والخزرج .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } قال : المراد بهذه الآية المنافقون .
وأخرج عبد الرزاق وابن جريرعن قتادة في قوله { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر } حتى بلغ { وما كانوا مهتدين } قال : هذه في المنافقين .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { ومن الناس من يقول آمنا بالله } الآية . قال : هذا نعت المنافق . نعت عبداً خائن السريرة ، كثير الأخلاف ، يعرف بلسانه ، وينكر بقلبه ، ويصدق بلسانه ، ويخالف بعمله ، ويصبح على حال ، ويمسي على غيره ، ويتكفأ تكفؤ السفينة ، كلما هبت ريح هب فيها .
وأخرج ابن المنذر عن محمد بن سيرين قال : لم يكن عندهم شيء أخوف من هذه الآية { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } .
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن عتيق قال : كان محمد يتلو هذه الآية عند ذكر الحجاج ويقول : أنا لغير ذلك أخوف { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } .
وأخرج ابن سعد عن أبي يحيى قال سأل رجل حذيفة وأنا عنده فقال : ما النفاق؟ قال : أن تتكلم باللسان ، ولا تعمل به .(1/31)
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
أخرج أحمد بن منيع في مسنده بسند ضعيف عن رجل من الصحابة . « أن قائلاً من المسلمين قال : يا رسول الله ما النجاة غداً قال : لا تخادع الله قال وكيف نخادع الله؟ قال أن تعمل بما أمرك به تريد به غيره ، فاتقوا الرياء فإنه الشرك بالله ، فإن المرائي ينادي به يوم القيامة على رؤوس الخلائق بأربعة أسماء : يا كافر ، يا فاجر ، يا خاسر ، يا غادر . ضل عملك ، وبطل أجرك ، فلا خلاق لك اليوم عند الله ، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع ، وقرأ آيات من القرآن { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً } [ الكهف : 110 ] الآية و { إن المنافقين يخادعون الله } [ النساء : 142 ] الآية » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله { يخادعون الله } قال : يظهرون لا إله إلا الله ، يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم ، وفي أنفسهم غير ذلك .
وأخرج ابن جرير عن ابن وهب قال : سألت ابن زيد عن قوله { يخادعون الله والذين آمنوا } قال : هؤلاء المنافقون ، يخادعون الله ورسوله ، والذين آمنوا أنهم يؤمنون بما أظهروه . وعن قوله { وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون } قال : ما يشعرون بأنهم ضروا أنفسهم بما أسروا من الكفر والنفاق ، ثم قرأ { يوم يبعثهم الله جميعاً } [ المجادلة : 18 ] قال هم المنافقون حتى بلغ قوله { ويحسبون أنهم على شيء } .
وأخرج البيهقي في الشعب عن قيس بن سعد قال : لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم « المكر والخديعة في النار ، لكنت أمكر هذه الأمة » .(1/32)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)
أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مرض } قال : شك { فزادهم الله مرضاً } أي قال : شكاً .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { في قلوبهم مرض } قال : النفاق { ولهم عذاب أليم } قال : نكال موجع { بما كانوا يكذبون } قال : يبدلون ويحرّفون .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله تعالى { في قلوبهم مرض } قال : النفاق . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر :
أجامل أقواماً حياء وقد أرى ... صدورهم تغلي عليّ مراضها
قال : فأخبرني عن قوله { ولهم عذاب أليم } قال { الأليم } الموجع قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر :
نام من كان خلياً من ألم ... وبقيت الليل طولاً لم أنم
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كل شيء في القرآن { أليم } فهو الموجع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال { الأليم } الموجع في القرآن كله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { مرض } قال : ريبة وشك في أمر الله { فزادهم الله مرضاً } قال : ريبة وشكاً { ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون } قال : إياكم والكذب فإنه من باب النفاق ، وإنا والله ما رأينا عملاً قط أسرع في فساد قلب عبد من كبر أو كذب .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { في قلوبهم مرض } قال : هذا مرض في الدين ، وليس مرضاً في الأجساد . وهم المنافقون و { المرض } الشك الذي دخل في الإِسلام .
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله { في قلوبهم مرض } قال : هؤلاء أهل النفاق . والمرض الذي في قلوبهم الشك في أمر الله عز وجل { فزادهم الله مرضاً } قال : شكاً .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : العذاب الأليم . هو الموجع وكل شيء في القرآن من { الأليم } فهو الموجع .(1/33)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)
أخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض } قال : الفساد هو الكفر والعمل بالمعصية .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون } قال : إذا ركبوا معصية فقيل لهم لا تفعلوا كذا ، قالوا إنما نحن على الهدى .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إنما نحن مصلحون } أي إنما نريد الإِصلاح بين الفريقين من المؤمنين ، وأهل الكتاب .
وأخرج وكيع وابن جرير وابن أبي حاتم عن عباد بن عبدالله الأسدي قال : قرأ سلمان هذه الآية { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون } قال : لم يجىء أهل هذه الآية بعد .(1/34)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس } قال : صدقوا كما صدق أصحاب محمد أنه نبي ورسوله ، وأن ما أنزل عليه حق { قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء } يعنون أصحاب محمد { ألا إنهم هم السفهاء } يقول : الجهال { ولكن لا يعلمون } يقول : لا يعقلون .
وأخرج ابن عساكر في تاريخه بسندٍ واهٍ عن ابن عباس في قوله آمنوا كما آمن الناس قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { كما آمن السفهاء } قال : يعنون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عن الربيع وابن زيد . مثله .(1/35)
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)
أخرج الواحدي والثعلبي بسنده عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي وأصحابه ، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عبدالله بن أبي : انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم ، فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال : مرحباً بالصديق سيد بن تيم ، وشيخ الإِسلام ، وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم أخذ بيد عمر فقال : مرحباً بسيد عدي بن كعب ، الفاروق القوي في دين الله ، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم أخذ بيد علي وقال : مرحباً بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه ، سيد بني هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم افترقوا فقال عبدالله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلت؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت ، فاثنوا عليه خيراً .
فرجع المسلمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك ، فأنزلت هذه الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإذا لقوا الذين آمنوا } الآية . قال : كان رجال من اليهود إذا لقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو بعضهم قالوا : إنا على دينكم { وإذا خلوا إلى شياطينهم } وهم إخوانهم { قالوا : إنا معكم } أي على مثل ما أنتم عليه { إنما نحن مستهزئون } قال : ساخرون بأصحاب محمد { الله يستهزئ بهم } قال : يسخر بهم للنقمة منهم { ويمدهم في طغيانهم } قال : في كفرهم { يعمهون } قال يترددون .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { وإذا لقوا الذين آمنا قالوا آمنا } وهم منافقو أهل الكتاب ، فذكرهم وذكر استهزاءهم ، وأنهم { إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم } على دينكم { إنما نحن مستهزئون } بأصحاب محمد . يقول الله { الله يستهزئ بهم } في الآخرة ، يفتح لهم باباً في جهنم من الجنة ثم يقال لهم : تعالوا فيقبلون يسبحون في النار ، والمؤمنون على الأرائك وهي السرر في الحجال ينظرون إليهم ، فإذا انتهوا إلى الباب سد عنهم ، فضحك المؤمنون منهم فذلك قول الله { الله يستهزئ بهم } في الآخرة ، ويضحك المؤمنون منهم حين غلقت دونهم الأبواب . فذلك قوله { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } [ المطففون : 34 ] .
وأخرج ابن اسحق وابن حرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } أي صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة { وإذا خلوا إلى شياطينهم } ، من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب { قالوا إنا معكم } أي إنا على مثل ما أنتم عليه { إنما نحن مستهزئون } أي إنما نحن مستهزئون بالقوم ، ونلعب بهم .(1/36)
وأخرج ابن الأنباري عن اليماني أنه قرأ { وإذا لاقوا الذين آمنوا } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { وإذا خلوا } قال : مضوا .
واخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { وإذا خلوا إلى شياطينهم } قال : رؤوسهم في الكفر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { إذا خلوا إلي شياطينهم } قال : أصحابهم من المنافقين والمشركين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { وإذا خلوا إلى شياطينهم } قال : إلى إخوانهم من المشركين ، ورؤوسهم وقادتهم في الشر { قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون } يقولون : إنما نسخر من هؤلاء القوم ونستهزئ بهم .
وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح في قوله { الله يستهزئ بهم } قال : يقال : لأهل النار وهم في النار اخرجوا ، وتُفْتَحُ لهم أبواب النار ، فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك ، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم . فذلك قوله { الله يستهزئ بهم } ويضحك عليهم المؤمنون حين غلقت دونهم . فذلك قوله { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ، على الأرائك ينظرون } [ المطففون : 3435 ] الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { ويمدهم } قال : يملي لهم { في طغيانهم يعمهون } قال : في كفرهم يتمادون .
واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يعمهون } قال : يتمادون .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله عز وجل { يعمهون } قال : يلعبون ويترددون . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول الشاعر :
أراني قد عمهت وشاب رأسي ... وهذا اللعب شين بالكبير
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { ويمدهم } قال : يزيدهم { في طغيانهم يعمهون } قال : يلعبون ويترددون في الضلالة .(1/37)
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)
أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } قال : الكفر بالإِيمان .
واخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { اشتروا الضلالة بالهدى } قال : أخذوا الضلالة ، وتركوا الهدى .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } قال : آمنوا ثم كفروا .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } قال : استحبوا الضلال على الهدى { فما ربحت تجارتهم } قال : قد والله رأيتهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ، ومن الجماعة إلى الفرقة ، ومن الأمن إلى الخوف ، ومن السنة إلى البدعة .(1/38)
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والصابوني في المائتين عن ابن عباس قي قوله { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } الآية . قال : هذا مثل ضربه الله للمنافقين ، كانوا يعتزون بالإِسلام ، فيناكحهم المسلمون ، ويوارثونهم ، ويقاسمونهم الفيء . فلما ماتوا سلبهم الله العز كما سلب صاحب النار ضوءه { وتركهم في ظلمات } يقول في عذاب { صم بكم عمي } لايسمعون الهدى ، ولا يبصرونه ، ولا يعقلونه { أو كصيب } هو المطر . ضرب مثله في القرآن { فيه ظلمات } يقول : ابتلاء { ورعد وبرق } تخويف { يكاد البرق يخطف أبصارهم } يقول : يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين { كلما أضاء لهم مشوا فيه } يقول : كلما أصاب المنافقون من الإِسلام عزاً اطمأنوا ، فإن أصاب الإِسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله { ومن الناس من يعبد الله على حرف . . } [ الحج : 11 ] الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناسٍ من الصحابة في قوله { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً . . . } الآية . قال : إن ناساً دخلوا في الإِسلام مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، ثم نافقوا ، فكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة ، فأوقد ناراً ف { أضاءت ما حوله } من قذى أو أذى ، فأبصره حتى عرف ما يتقي . فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره ، فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى ، فكذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم ، فعرف الحلال من الحرام ، والخير من الشر ، بينا هو كذلك إد كفر ، فصار لا يعرف الحلال من الحرام ، ولا الخير من الشر ، فهم { صم بكم } فهم الخرس { فهم لا يرجعون } إلى الإِسلام . وفي قوله { أو كصيب . . . } الآية . قال : كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله . فيه رعد شديد ، وصواعق ، وبرق ، فجعلا كلما أصابتهما الصواعق يجعلان أصابعهما في آذانهما من الفرق ، أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما ، وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه ، وإذا لم يلمع لم يبصرا . قاما مكانهما لا يمشيان ، فجعلا يقولان . ليتنا قد أصبحنا ، فنأتي محمداً فنضع أيدينا في يده ، فأصبحا فأتياه فأسلما ، ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما .
فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين ، مثلاً للمنافقين الذين بالمدينة ، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقاً من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء ، أو يذكروا بشيء ، فيقتلوا كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما { كلما أضاء لهم مشوا فيه } فإذا كثرت أموالهم وولدهم ، وأصابوا غنيمة وفتحاً { مشوا فيه } وقالوا : إن دين محمد حينئذ صدق ، واستقاموا عليه كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء بهما البرق { وإذا أظلم عليهم قاموا } فكانوا إذا هلكت أموالهم وولدهم ، وأصابهم البلاء ، قالوا هذا من أجل دين محمد ، وارتدوا كفاراً ، كما كان ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما .(1/39)
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي . مثله .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { كمثل الذي استوقد ناراً } قال : ضربه الله مثلاً للمنافق . وقوله { ذهب الله بنورهم } أما ( النور ) فهو إيمانهم الذي يتكلمون به ، وأما ( الظلمة ) فهي ضلالهم وكفرهم . وفي قوله { أو كصيب } الآية . قال ( الصيب ) المطر . وهو مثل المنافق في ضوء ما تكلم بما معه من كتاب الله ، وعمل مراءاة للناس ، فإذا خلا وحده عمل بغيره ، فهو في ظلمة ما أقام على ذلك ، وأما ( الظلمات ) فالضلالة ، وأما ( البرق ) فالإِيمان . وهم أهل الكتاب { وإذا أظلم عليهم } فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه .
وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مثلهم . . . } الآية . قال : ضرب الله مثلاً للمنافقين يبصرون الحق ويقولون به ، حتى إذا خرجوا من ظلمة الكفر أطفأوه بكفرهم ونفاقهم ، فتركهم في ظلمات الكفر لا يبصرون ، هدى ولا يستقيمون على حق { صم بكم عمي } عن الخير { فهم لا يرجعون } إلى هدى ، ولا إلى خير . وفي قوله { أو كصيب . . } الآية . يقول : هم من ظلمات ما هم فيه من الكفر ، والحذر من القتل ، على الذي هم عليه من الخلاف والتخويف منكم ، على مثل ما وصف من الذي هو في ظلمة الصيب ، فجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق { حذر الموت والله محيط بالكافرين } منزل ذلك بهم من النقمة { يكاد البرق يخطف أبصارهم } أي لشدة ضوء الحق { كلما أضاء لهم مشوا فيه } أي يعرفون الحق ويتكلمون به فهم من قولهم به استقامة ، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر { قاموا } أي متحيرين { ولو شاء الله لذهب بسمعهم } أي لما سمعوا ، تركوا من الحق بعد معرفته .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } قال : أما إضاءة النار فإقبالهم إلى المؤمنين والهدى ، وذهاب نورهم إقبالهم إلى الكافرين والضلالة ، وإضاءة البرق وإظلامه على نحو ذلك المثل { والله محيط بالكافرين } قال : جامعهم في جهنم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } قال : هذا مثل ضربه الله للمنافق . إن المنافق تكلم بلا إله إلا الله فناكح بها المسلمين ، ووارث بها المسلمين ، وغازى بها المسلمين ، وحقن بها دمه وماله . فلما كان عند الموت لم يكن لها أصل في قلبه ، ولا حقيقة في عمله ، فسلبها المنافق عند الموت ، فترك في ظلمات وعمى يتسكع فيها . كما كان أعمى في الدنيا عن حق الله وطاعته صم عن الحق فلا يبصرونه { فهم لا يرجعون } عن ضلالتهم ، ولا يتوبون ولا يتذكرون { أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت } قال : هذا مثل ضربه الله للمنافق لجبنه ، لا يسمع صوتاً إلا ظن أنه قد أتي ، ولا يسمع صياحاً إلا ظن أنه قد أتي ، ولا يسمع صياحاً إلا ظن أنه ميت .(1/40)
أجبن قوم ، وأخذله للحق . وقال الله في آية أخرى { يحسبون كل صيحة عليهم } [ المنافقون : 4 ] { يكاد البرق يخطف أبصارهم } الآية . قال : { البرق } هو الإِسلام و ( الظلمة ) هو البلاء والفتنة . فإذا رأى المنافق من الإِسلام طمأنينة ، وعافية ، ورخاء ، وسلوة من عيش { قالوا : إنا معكم } ومنكم ، وإذا رأى من الإِسلام شدة ، وبلاء ، فقحقح عند الشدة فلا يصبر لبلائها ، ولم يحتسب أجرها ، ولم يرج عاقبتها . إنما هو صاحب دنيا لها يغضب ، ولها يرضى ، وهو كما هو نعته الله .
واخرج ابن وكيع وعبد بن حميد وأبو يعلى في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة من طرق عن ابن عباس في قوله { أو كصيب من السماء } قال : المطر .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد والربيع وعطاء . مثله .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إنما الصيب من ههنا . وأشار بيده إلى السماء » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يكاد البرق } قال : يلتمع { يخطف أبصارهم } ولما يخطف . وكل شيء في القرآن ( كاد ، وأكاد ، وكادوا ) فإنه لا يكون أبداً .
وأخرج وكيع عن المبارك بن فضالة قال : سمعت الحسين يقرأها { يكاد البرق يخطف أبصارهم } .(1/41)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
أخرج البزار والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال : ما كان { يا أيها الذين آمنوا } أنزل بالمدينة ، وما كان { يا أيها الناس } فبمكة .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : قرأنا المفصل ونحن بمكة حجيجاً ، ليس فيها { يا أيها الذين آمنوا } .
وأخرج أبو عبيد وابن شيبة وعبد بن حميد وابن الضريس وابن المنذر وأبو الشيخ بن حبان في التفسير عن علقمة قال : كل شيء في القرآن { يا أيها الناس } فهو مكي ، وكل شيء في القرآن { يا أيها الذين آمنوا } فهو مدني .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه وعبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك . مثله .
وأخرج أبو عبيد عن ميمون بن مهران قال : ما كان في القرآن { يا أيها الناس ، ويا بني آدم } فإنه مكي . وما كان { يا أيها الذين آمنوا } فإنه مدني .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن عروة قال : ما كان { يا أيها الناس } بمكة ، وما كان { يا أيها الذين آمنوا } بالمدينة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن عروة قال : ما كان من حج ، أو فريضة ، فإنه نزل بالمدينة ، أو حد ، أو جهاد ، فإنه نزل بالمدينة . وما كان من ذكر الأمم ، والقرون ، وضرب الأمثال ، فإنه نزل بمكة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة قال : كل سورة فيها { يا أيها الذين آمنوا } فهي مدنيه .
وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يا أيها الناس } فهي للفريقين جميعاً من الكفار والمؤمنين { اعبدوا } قال : وحدوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { الذي خلقكم والذين من قبلكم } يقول : خلقكم ، وخلق الذين من قبلكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قوله { لعلكم } يعني كي غير آية في الشعراء { لعلكم تخلدون } [ الشعراء : 129 ] يعني كأنكم تخلدون .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عون بن عبدالله بن غنية قال { لعل } من الله واجب .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { لعلكم تتقون } قال : تطيعون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله { لعلكم تتقون } قال : تتقون النار .(1/42)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله { الذي جعل لكم الأرض فراشاً } قال : هي فراش يمشي عليها ، وهي المهاد ، والقرار ، { والسماء بناء } قال بنى السماء على الأرض كهيئة القبة ، وهي سقف على الأرض .
وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن جبير بن مطعم قال « جاء اعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله جهدت الأنفس ، وضاعت العيال ، ونهكت الأموال ، وهلكت المواشي . استسق لنا ربك ، فإنا نستشفع بالله عليك ، وبك على الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم » سبحان الله! فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه فقال : ويحك أتدري ما الله؟ إن شأنه أعظم من ذاك ، وإنه لا يستشفع به على أحد ، إنه لفوق سمواته على عرشه ، وعرشه على سمواته ، وسمواته على أرضيه هكذا وقال بأصابعه مثل القبة وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب « .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة عن أياس بن معاوية قال : السماء مقببة على الأرض مثل القبة .
وأخرج أبو الشيخ عن وهب بن منبه قال : شيء من أطراف السماء محدق بالأرضين ، والبحار كأطراف الفسطاط .
وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم بن أبي برة قال : ليست السماء مربعة ، ولكنها مقبوّة يراها الناس خضراء .
أما قوله تعالى : { وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم } .
أخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن . أنه سئل المطر من السماء أم من السحاب؟ قال : من السماء ، إنما السحاب علم ينزل عليه الماء من السماء .
وأخرج أبو الشيخ عن وهب قال : لا أدري المطر أنزل قطرة من السماء في السحاب ، أم خلق في السحاب فأمطر؟ .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب قال : السحاب غربال المطر ، ولولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض ، والبذر ينزل من السماء .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن خالد بن معدان قال : المطر ماء يخرج من تحت العرش ، فينزل من سماء إلى سماء حيث يجمع في السماء الدنيا ، فيجتمع في موضع يقال له الايرم ، فتجيء السحاب السود ، فتدخله فتشربه مثل شرب الاسفنجة ، فيسوقها الله حيث يشاء .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال : ينزل الماء من السماء السابعة ، فتقع القطرة منه على السحابة مثل البعير .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن خالد بن يزيد قال : المطر منه من السماء ، ومنه ماء يسقيه الغيم من البحر ، فيعذبه الرعد والبرق .(1/43)
فأما ما كان من البحر فلا يكون له نبات ، وأما النبات فما كان من السماء .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال : ما أنزل الله من السماء قطرة إلا أنبت بها في الأرض . عشبة ، أو في البحر لؤلؤة .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المطر عن ابن عباس قال : إذا جاء القطر من السحاب تفتحت له الأصداف فكان لؤلؤاً .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : يخلق الله اللؤلؤ في الأصداف من المطر ، تفتح الأصداف أفواهها عند المطر ، فاللؤلؤة العظيمة من القطرة العظيمة ، واللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة .
وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي الدنيا في كتاب المطر عن المطلب بن حنطب . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها ، يصرفه الله حيث يشاء » .
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : ما نزل مطر من السماء إلا ومعه البذر . أما انكم لو بسطتم نطعاً لرأيتموه .
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : المطر مزاجه من الجنة ، فإذا عظم المزاج عظمت البركة وإن قل المطر ، وإذا قل المزاج قلت البركة وإن كثر المطر .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال : ما من عام بأمطر من عام ، ولكن الله يصرفه حيث شاء ، وينزل مع المطر كذا وكذا من الملائكة ، يكتبون حيث يقع ذلك المطر ، ومن يرزقه ، وما يخرج منه مع كل قطرة .
أما قوله تعالى { فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون } .
أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { فلا تجعلوا لله أنداداً } أي لا تشركوا به غيره من الأنداد التي لا تضر ولا تنفع { وأنتم تعلمون } أنه لا رب لكم يرزقكم غيره .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال { الأنداد } هو الشرك .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { الأنداد } قال : أشباهاً . وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { فلا تجعلوا لله أنداداً } قال : أكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية الله .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قول الله عز وجل { أنداداً } قال : الأشباه والأمثال قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول لبيد :
أحمد الله فلا ندّ له ... بيديه الخير ما شاء فعل
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { أنداداً } قال : شركاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عوف بن عبدالله قال « خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من المدينة فسمع منادياً ينادي للصلاة فقال : الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على الفطرة فقال : أشهد أن لا إله إلا الله فقال : خلع الأنداد » .(1/44)
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن ماجة وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال « قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : ما شاء الله وشئت فقال : جعلتني لله نداً ، ما شاء الله وحده » .
وأخرج ابن سعد عن قتيلة بنت صيفي قالت « جاء حبر من الأحبار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون قال : وكيف؟ قال : يقول أحدكم : لا والكعبة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنه قد قال فمن حلف فليحلف برب الكعبة فقال : يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم { تجعلون لله أنداداً } قال : وكيف ذاك؟! قال : يقول أحدكم ما شاء الله وشئت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحبر : إنه قد قال فمن قال منكم فليقل ما شاء ثم شئت » .
وأخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي عن طفيل بن سخبرة « أنه رأى فيما يرى النائم كأنه مرّ برهط من اليهود فقال : أنتم نعم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيراً ابن الله فقالوا : وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد . ثم مرَّ رهط من النصارى فقال : أنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله قالوا : وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد . فلما أصبح أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فخطب فقال : إن طفيلاً رأى رؤيا ، وإنكم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم ، فلا تقولوها ولكن قولوا : ما شاء الله وحده لا شريك له » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان . قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان » .
وأخرج ابن جريج عن قتادة في قوله { فلا تجعلوا لله أنداداً } أي عدلاء { وأنتم تعلمون } قال : إن الله خلقكم وخلق السموات والأرض .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { فلا تجعلوا لله أنداداً } أي عدلاء { وأنتم تعلمون } قال تعلمون أنه إله واحد في التوراة والإِنجيل لا ند له .(1/45)
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { وإن كنتم في ريب } الآية . قال : هذا قول الله لمن شك من الكفار فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وإن كنتم في ريب } قال : في شك { مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } قال : من مثل هذا القرآن حقاً وصدقاً ، لا باطل فيه ولا كذب .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فأتوا بسورة من مثله } قال : مثل القرآن { وادعوا شهداءكم من دون الله } قال : ناس يشهدون لكم إذا أتيتم بها أنه مثله .
وأخرج ابن جرير وابن اسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وادعوا شهداءكم } قال : أعوانكم على ما أنتم عليه { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا } فقد بين لكم الحق .
وأخرج عبد بن حميد وابن جريج عن قتادة { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا } يقول : لن تقدروا على ذلك ولن تطيقوه .
أما قوله تعالى : { فاتقوا النار } .
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن مسعود قال : إذا مر أحدكم في الصلاة بذكر النار فليستعذ بالله من النار . وإذا مر أحدكم بذكر الجنة فليسأل الله الجنة .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجة عن أبي ليلى قال « صليت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم فمر بآية فقال : أعوذ بالله من النار ، ويل لأهل النار » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن النعمان بن بشير قال « سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول : أنذركم النار ، أنذركم النار حتى سقط أحد عطفي ردائه على منكبيه » .
وأما قوله تعالى : { التي وقودها الناس والحجارة } .
أخرج عبد بن حميد من طريق طلحة عن مجاهد . أنه كان يقرأ كل شيء من القرآن { وقودها } برفع الواو الأولى إلا التي في { والسماء ذات البروج } { النار ذات الوقود } [ البروج : 5 ] بنصب الواو .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والفريابي وهناد بن السري في كتاب الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إن الحجارة التي ذكرها الله في القرآن في قوله { وقودها الناس والحجارة } حجارة من كبريت خلقها الله عنده كيف شاء .(1/46)
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : هي حجارة في النار من كبريت أسود يعذبون به مع النار .
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون قال : هي حجارة من كبريت ، خلقها الله يوم خلق السموات والأرض ، في السماء الدنيا فأعدها للكافرين .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس قال « تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وقودها الناس والحجارة } فقال : أوقد عليها ألف عام حتى احمرت ، وألف عام حتى ابيضت ، وألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها » .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوقدت النار ألف سنة حتى احمرت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة » .
وأخرج أحمد ومالك والبخاري والبيهقي في البعث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم فقالوا : يا رسول الله إن كانت لكافية؟ قال : فإنها قضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها » .
وأخرج مالك في الموطأ والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : أترونها حمراء مثل ناركم هذه التي توقدون؟ إنها لأشد سواداً من القار .
وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم ، لكل جزء منها حرها » .
وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم ، لولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم منها بشيء ، وإنها لتدعو الله أن لا يعيدها فيها » .
وأخرج البيهقي في البعث عن ابن مسعود قال : إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من تلك النار ، ولولا أنها ضربت في البحر مرتين ما انتفعتم منها بشيء .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم ، ضربت بماء البحر مرتين ، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : إن ناركم هذه تعوّذ من نار جهنم .
وأما قوله تعالى : { أعدت للكافرين } .
أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أعدت للكافرين } قال : أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر .(1/47)
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)
أخرج ابن ماجة وابن أبي الدنيا في صفة الجنة والبزار وابن أبي حاتم وابن حبان وابن أبي داود والبيهقي كلاهما في البعث وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن اسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها ، هي ورب الكعبة نور يتلألأ ، وريحانة تزهر ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد في فاكهة دار سليمة ، وفاكهة خضرة وخيرة ونعمة ، في محلة عالية بهية قالوا : نعم يا رسول الله قال : قولوا إن شاء الله قال القوم : إن شاء الله . . . » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده والترمذي وابن حبان في صحيحه والبيهقي في البهث عن أبي هريرة قال : قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال « لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وحصاؤها اللؤلؤ والياقوت ، وملاطها المسك ، وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم لا ييأس ، ويخلد لا يموت . لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والطبراني وابن مردويه عن ابن عمر قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة كيف هي؟ قال « من يدخل الجنة يحيا لا يموت ، وينعم لا ييأس . لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه . قيل يا رسول الله كيف بناؤها؟ قال : لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وملاطها مسك أذفر ، وحصاؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران » .
وأخرج البزار والبيهقي في البعث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن حائط الجنة لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، ومجامرهم الالوّة ، وأمشاطهم الذهب ، ترابها زعفران ، وطيبها مسك » .
وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن أبي هريرة قال : حائط الجنة لبنة ذهب ، ولبنة فضة ، ودرمها اللؤلؤ والياقوت ، ورضاضها اللؤلؤ ، وترابها الزعفران .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أرض الجنة بيضاء ، عرصتها صخور الكافور وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل ، فيها أنهار مطردة . فيجتمع أهل الجنة أولهم وآخرهم ، يتعارفون فيبعث الله عليهم ريح الرحمة ، فتهيج عليهم المسك ، فيرجع الرجل إلى زوجه وقد ازداد حسناً وطيباً فتقول : لقد خرجت من عندي وأنا بك معجبة ، وأنا بك الآن أشد إعجاباً » .
وأخرج أبو نعيم عن سعيد بن جبير قال : أرض الجنة فضة .
وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، ثم شقق فيها الأنهار ، وغرس فيها الأشجار ، فلما نظرت الملائكة إلى حسنها وزهرتها قالت : طوباك منزل الملوك » .(1/48)
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عن أبي سعيد . أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله ابن صائد عن تربة الجنة فقال : « درمكة بيضاء مسك خالص » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة وأبو الشيخ في العظمة عن أبي زميل . أنه سأل ابن عباس ما أرض الجنة؟ قال : مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة قال : ما نورها؟ قال : ما رأيت الساعة التي يكون فيها طلوع الشمس فذلك نورها ، إلا أنه ليس فيها شمس ، ولا زمهرير قال : فما أنهارها أفي أخدود؟ قال : لا ولكنها تفيض على وجه الأرض ، لا تفيض ههنا ولا ههنا قال : فما حللها؟ قال : فيها الشّجر فيها الثمر كأنه الرمان ، فإذا أراد ولي الله منها كسوة انحدرت إليه من أغصانها فانفلقت له من سبعين حلة ، ألواناً بعد ألوان ثم لتطبق فترجع كما كانت .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خلق الله جنة عدن بيده وذلل فيها ثمارها وشق فيها أنهارها ثم نظر إليها فقال لها تكلمي فقالت { قد أفلح المؤمنون } [ المؤمنون : 1 ] فقال وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل » .
وأخرج البزار عن ابن عباس . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن الله خلق جنة عدن بيضاء » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب » .
وأخرج ابن أبي شيبة وهنا بن السري في الزهد وابن ماجة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الشبر في الجنة خير من الدنيا وما فيها » .
وأخرج الترمذي وابن أبي الدنيا عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم « لو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السموات والأرض ، ولو أن رجلاً من أهل الجنة اطلع فبدا أساوره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم » .
وأخرج البخاري عن أنس قال : أصيب حارثة يوم بدر فجاءت أمه فقالت : يا رسول الله قد علمت منزلة حارثة مني ، فإن يكن في الجنة صبرت ، وإن يكن غير ذلك ترى ما أصنع؟ فقال « إنها ليست بجنة واحدة ، إنها جنان كثيرة ، وإنه في الفردوس الأعلى » .(1/49)
وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من خاف ادلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية » .
وأخرج الحاكم عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة ، جاءت الراجفة ، تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال : والذي أنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم إن أهل الجنة ليزدادون حسناً وجمالاً كما يزدادون في الدنيا قباحة وهرماً .
أما قوله تعالى : { تجري من تحتها الأنهار } .
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { تجري من تحتها } أي يعني المساكن ، تجري أسفلها أنهارها .
أخرج ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنهار الجنة تفجر من تجت جبال مسك » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ابن حبان في التفسير والبيهقي في البعث وصححه عن ابن مسعود قال : إن أنهار الجنة تفجر من جبل مسك .
وأخرج أحمد ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سيحان ، وجيحان ، والفرات ، والنيل ، كل من أنهار الجنة » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن ابن عباس قال : إن في الجنة نهراً يقال له البيدخ ، عليه قباب من ياقوت ، تحته جوار نابتات يقول : أهل الجنة انطلقوا بنا إلى البيدخ ، فيجيئون فيتصفحون تلك الجواري ، فإذا أعجب رجل منهم بجارية مس معصمها ، فتبعته وتنبت مكانها آخرى « .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده والنسائي وأبو يعلى والبيهقي في الدلائل والضياء المقدسي في صفة الجنة وصححه عن أنس قال » كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا الحسنة ، فجاءت امرأة فقالت : يا رسول الله رأيت في المنام كأني أخرجت فأدخلت الجنة ، فسمعت وجبة التجّت لها الجنة ، فإذا أنا بفلان وفلان حتى عدت اثني عشر رجلاً ، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل ذلك ، فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم فقيل : اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ ، فغمسوا فيه ، فخرجوا وجوههم كالقمر ليلة البدر ، وأتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها ، وجيء بصحفة من ذهب فيها بسرة ، فأكلوا من بسره ما شاؤوا ، فما يقلبونها لوجهة إلا أكلوا من فاكهة ما شاؤوا ، فجاء البشير فقال : يا رسول الله كان كذا وكذا . . . وأصيب فلان وفلان ، حتى عدَّ اثني عشر رجلاً فقال : عليّ بالمرأة فجاءت فقال : قصي رؤياك على هذا فقال الرجل : هو كما قالت أصيب فلان وفلان « .(1/50)
وأخرج البيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : إن في الجنة نهراً طول الجنة ، حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين بأحسن أصوات ، يسمعها الخلائق حتى ما يرون أن في الجنة لذة مثلها . قلنا يا أبا هريرة وما ذاك الغناء؟ قال : إن شاء الله التسبيح ، والتحميد ، والتقديس ، وثناء على الرب .
وأخرج أحمد بن حنبل في الزهد والدارقطني في المديح عن المعتمر بن سليمان قال : إن في الجنة نهراً ينبت الحواري الابكار .
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس مرفوعاً « في الجنة نهر يقال له الريان ، عليه مدينة من مرجان ، لها سبعون ألف باب من ذهب وفضة ، لحامل القرآن » .
وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في البعث عن مسروق قال : أنهار الجنة يجري في غير أخدود ، ونخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها . وثمرها أمثال القلال كلّما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى ، والعنقود اثنا عشر ذراعاً .
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والضياء المقدسي كلاهما في صفة الجنة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لعلكم تظنون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض لا . . . والله أنها لسائحة على وجه الأرض ، حافتاها خيام اللؤلؤ ، وطينها المسك الأذفر . قلت : يا رسول الله ما الأذفر؟ قال : الذي لا خلط معه » .
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن مردويه والضياء عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن أنهار الجنة تشخب من جنة عدن في حوبة ثم تصدع بعد أنهاراً » .
وأما قوله تعالى : { كلما رزقوا منها } الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله { كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً } قال : أتوا بالثمرة في الجنة فينظروا إليها فقالوا { هذا الذي رزقنا من قبل } في الدنيا ، وأتوا به متشابهاً اللون ، والمرأى وليس يشبه الطعم .
وأخرج عبد بن حميد عن علي بن زيد { كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل } يعني به ما رزقوا به من فاكهة الدنيا قبل الجنة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في كتاب الأضداد عن قتادة في قوله { هذا الذي رزقنا من قبل } أي في الدنيا { وأتوا به متشابهاً } قال : يشبه ثمار الدنيا غير أن ثمر الجنة أطيب .
وأخرج مسدد وهناد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال : ليس في الدنيا مما في الجنة شيء إلا الأسماء .
وأخرج الديلمي عن عمر « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : في طعام العرس مثقال من ريح الجنة » .(1/51)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { هذا الذي رزقنا من قبل } قال : يقولون ما أشبهه به . يقول من كل صنف مثل .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله { هذا الذي رزقنا من قبل } قال : قولهم من قبل معناه . مثل الذي كان بالأمس .
وأخرج ابن جرير عن يحيى بن كثير قال : يؤتى أحدهم بالصفحة فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيقول : هذا الذي أتينا به من قبل فيقول الملك : كل اللون واحد والطعم مختلف .
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { وأتوا به متشابهاً } قال : متشابهاً في اللون مختلفاً في الطعم . مثل الخيار من القثاء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { وأتوا به متشابهاً } قال : خياراً كله لا رذل فيه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله { وأتوا به متشابهاً } قال : خيار كله يشبه بعضه بعضاً لا رذل فيه . ألم تر إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه .
وأخرج البزار والطبراني عن ثوبان . أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لا ينزع رجل من أهل الجنة من ثمرة إلا أعيد في مكانها مثلاها » .
وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق ابن حيوة عن خالد بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان قال : بينا أسير في أرض الجزيرة إذ مررت برهبان ، وقسيسين ، واساقفة ، فسلمت فردوا السلام فقلت : أين تريدون؟ فقالوا : نريد راهباً في هذا الدير ، نأتيه في كل عام ، فيخبرنا بما يكون في ذلك العام لمثله من قابل فقلت : لآتين هذا الراهب فلأنظرن ما عنده وكنت معنياً بالكتب فأتيته وهو على باب ديره ، فسلمت فرد السلام ثم قال : ممن أنت؟ فقلت : من المسلمين قال : أمن أمة محمد؟ فقلت : نعم . فقال : من علمائهم أنت أم من جهالهم؟ قلت : ما أنا من علمائهم ، ولا أنا من جهالهم قال : فانكم تزعمون أنكم تدخلون الجنة فتأكلون من طعامها ، وتشربون من شرابها ، ولا تبولون ولا تتغوطون قلت : نحن نقول ذلك وهو كذلك قال : فإن له مثلاً في الدنيا فأخبرني ما هو؟ قلت : مثله كمثل الجنين في بطن أمه أنه يأتيه رزق الله في بطنها ولا يبول ، ولا يتغوّط . قال : فتربد وجهه ثم قال لي : أما أخبرتني أنك لست من علمائهم! قلت : ما كذبتك قال : فإنكم تزعمون أنكم تدخلون الجنة فتأكلون من طعامها ، وتشربون من شرابها ، ولا ينقص ذلك منها شيئاً قلت : نحن نقول ذلك وهو كذلك قال : فإن له مثلاً في الدنيا فاخبرني ما هو؟ قلت : مثله في الدنيا كمثل الحكمة ، لو تعلم منها الخلق أجمعون لم ينقص ذلك منها شيئاً ، فتريد وجهه ثم قال : أما أخبرتني أنك لست من علمائهم! قلت : ما كذبتك ما أنا من علمائهم ، ولا من جهالهم .(1/52)
وأخرج الحاكم وابن مردويه وصححه عن أبي سعيد الخدري « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { ولهم فيها أزواج مطهرة } قال : من الحيض ، والغائط ، والنخامة ، والبزاق » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { ولهم فيها أزواج مطهرة } قال من القذر ، والأذى .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله { ولهم فيها أزواج مطهرة } قال : لا يحضن ، ولا يحدثن ، ولا يتنخمن .
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وهناد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { ولهم فيها أزواج مطهرة } قال : من الحيض ، والغائط ، والبول ، والمخاط ، والنخامة ، والبزاق ، والمني ، والولد .
وأخرج وكيع وهناد عن عطاء في قوله { ولهم فيها أزواج مطهرة } قال : لا يحضن ، ولا يمنين ، ولا يلدن ، ولا يتغوّطن ، ولا يبلن ، ولا يبزقن .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { ولهم فيها أزواج مطهرة } قال : طهرهن الله من كل بول ، وغائط ، وقذر ، ومآثم .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وابن ماجة والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر ، لا يبصقون فيها ، ولا يمتخطون ، ولا يتغوّطون ، آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة ، ومجامرهم من الألوّة ، ورضخهم المسك ، ولكل واحد منهم زوجتان ، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن ، لا اختلاف بينهم ، ولا تباغض ، قلوبهم على قلب رجل واحد ، يسبحون الله بكرة وعشيا » وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أول زمرة تدخل الجنة وجوههم كالقمر ليلة البدر . والزمرة الثانية أحسن كوكب دري في السماء ، لكل امرئ منهم زوجتان ، على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ ساقهن من وراء الحلل » .
وأخرج أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم ، وإثنتان وسبعون زوجة ، ومنصب له قبة من لؤلؤ وياقوت وزبرجد ، كما بين الجابية وصنعاء » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والبيهقي في النعت عن أبي هريرة أنهم تذاكروا الرجال أكثر في الجنة أم النساء؟ فقال : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما في الجنة أحد إلا له زوجتان . إنه ليرى مخ ساقهما من وراء سبعين حلة ، ما فيها عزب » .(1/53)
وأخرج الترمذي وصححه والبزار عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يزوّج العبد في الجنة سبعين زوجة فقيل : يا رسول الله يطيقها قال : يعطى قوّة مائة » .
وأخرج ابن السكن في المعرفة وابن عساكر في تاريخه عن حاطب بن أبي بلتعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « يزوّج المؤمن في الجنة اثنتين وسبعين زوجة سبعين من نساء الآخرة ، واثنتين من نساء الدنيا » .
وأخرج ابن ماجة وابن عدي في الكامل والبيهقي في البعث عن أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من أحد يدخله الله الجنة إلا زوّجه اثنتين وسبعين زوجة . اثنتين من الحور العين ، وسبعين من ميراثه من أهل الجنة ، ما منهن واحدة إلا ولها قبل شهي ، وله ذكر لا يثني » .
وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن أدنى أهل الجنة منزلة من له سبع درجات وهو على السادسة ، وفوقه السابعة ، وإن له لثلثمائة خادم ، ويغدى عليه كل يوم ويراح بثلثمائة صفحة من ذهب ، في كل صفحة لون ليس في الأخرة ، وأنه ليلذ أوّله كما يلذ آخره ، وانه ليقول : يا رب لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم لم ينقص مما عندي شيء ، وأن له من الحور العين لإِثنتين وسبعين زوجة ، وأن الواحدة منهن لتأخذ مقعدتها قدر ميل من الأرض » .
وأخرج البيهقي في البعث عن أبي عبد الله بن أبي أوفى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يزوّج كل رجل من أهل الجنة بأربعة آلاف بكر ، وثمانية آلاف أيم ، ومائة حوراء . فيجتمعن في كل سبعة أيام فيقلن بأصوات حسان لم يسمع الخلائق بمثلهن : نحن الخالدات فلا نبيد ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، ونحن المقيمات فلا نظعن ، طوبى لمن كان لنا وكنا له » .
وأخرج أحمد والبخاري عن أنس . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ، ولملأت ما بينهما ريحاً ، ولنصيفها على رأسها يعني الخمار خير من الدنيا وما فيها » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن ابن عباس . لو أن امرأة من أهل الجنة بصقت في سبعة أبحر كانت تلك الأبحر أحلى من العسل .
وأخرج أحمد في الزهد عن عمر بن الخطاب . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت الأرض ريح مسك » .(1/54)
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد بن السري عن كعب قال : لو أن امرأة من أهل الجنة أطلعت كفها لأضاء ما بين السماء والأرض .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وهناد بن السري في الزهد والنسائي وعبد بن حميد في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم قال : جاء رجل من أهل الكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ فقال : والذي نفسي بيده إن الرجل منهم ليؤتى قوّة مائة رجل منكم ، في الأكل ، والشرب والجماع ، والشهوة ، قال : فإن الذي يأكل ويشرب يكون له الحاجة ، والجنة طاهرة ليس فيها قذر ولا أذى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حاجتهم عرق يفيض مثل ريح مسك ، فإذا كان ذلك ضمر له بطنه » .
وأخرج أبو يعلى والطبراني وابن عدي في الكامل والبيهقي في البعث عن أبي أمامة « أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تتناكح أهل الجنة؟ فقال : دحاماً دحاماً . . . لا مني ولا منية » .
وأخرج البزار والطبراني والخطيب والبغدادي في تاريخه عن أبي هريرة قال « قيل يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟ فقال : إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء » .
وأخرج أبو يعلى والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال « قيل يا رسول الله أنفضي إلى نسائنا في الجنة كما نفضي إليهن في الدنيا؟ قال : والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء » .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم تتناكح أهل الجنة؟ فقال : نعم . بفرج لا يمل وذكر لاينثني ، وشهوة لا تنقطع ، دحماً دحماً » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا والبزار عن أبي هريرة قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تمس أهل الجنة أزواجهم؟ قال : نعم بذكر لا يمل ، وفرج لا يحفى ، وشهوة لا تنقطع » .
وأخرج الحرث بن أبي أسامة وابن أبي حاتم عن سليم بن عامر والهيثم الطائي « أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن البضع في الجنة؟ قال : نعم بقبل شهي ، وذكر لا يمل ، وأن الرجل ليتكىء فيها المتكأ مقدار أربعين سنة ، لا يتحوّل عنه ، ولا يمله ، يأتيه فيه ما اشتهته نفسه ، ولذت عينه » .
وأخرج البيهقي في البعث وابن عساكر في تاريخه عن خارجه العذري قال : سمعت رجلاً بتبوك قال « يا رسول الله أيباضع أهل الجنة؟ قال : يعطي الرجل منهم من القوّة في اليوم الواحد أفضل من سبعين منكم » .
وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(1/55)
« إن البول والجنابة عرق يسيل من تحت ذوائبهم إلى أقدامهم مسك » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والأصبهاني في الترغيب عن أبي الدرداء قال : ليس في الجنة مني ولا منية ، إنما يدحمونهن دحماً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن طاوس قال : أهل الجنة ينكحون النساء ولا يلدن ، ليس فيها مني ولا منية .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء الخراساني . مثله .
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وهناد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن إبراهيم النخعي قال : في الجنة جماع ما شئت ، ولا ولد قال : فيلتفت فينظر النظرة فتنشأ له الشهوة ، ثم ينظر النظرة فتنشأ له شهوة أخرى .
وأخرج الضياء المقدسي في صفة الجنة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنه سئل انطأ في الجنة؟ قال : نعم . والذي نفسي بيده دحماً دحماً . . . فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكراً » .
وأخرج البزار والطبراني في الصغير وأبو الشيخ في العظمة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عادوا ابكاراً » .
وأخرج عبد بن حميد وأحمد بن حنبل في زوائد الزهد وابن المنذر عن عبد الله بن عمرو قال : إن المؤمن كلما أراد زوجتة وجدها بكراً .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : طول الرجل من أهل الجنة تسعون ميلاً . وطول المرأة ثلاثون ميلاً . ومقعدتها جريب ، وأن شهوته لتجري في جسدها سبعين عاماً تجد اللذة .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن أبي داود في البعث عن معاذ بن حنبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين : قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا » .
أما قوله تعالى : { وهم فيها خالدون } .
أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وهم فيها خالدون } أي خالدون أبداً . يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله لا انقطاع له .
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وهم فيها خالدون } يعني لا يموتون .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل وهم فيها خالدون؟ قال : ماكثون لا يخرجون منها أبداً قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول عدي بن زيد :
فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن مردويه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يدخل أهل الجنة ، الجنة وأهل النار النار . ثم يقوم مؤذن بينهم : يا أهل النار لا موت ، ويا أهل الجنة لا موت ، كل خالد فيما هو فيه » .(1/56)
وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « يقال لأهل الجنة خلود ولا موت ، ولأهل النار خلود ولا موت » .
وأخرج عبد بن حميد وابن ماجة والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يؤتى بالموت في هيئة كبش أملح ، فيوقف على الصراط فيقال : يا أهل الجنة . فيطلعون خائفين وجلين مخافة أن يخرجوا مما هم فيه . فيقال : تعرفون هذا؟ فيقولون : نعم هذا الموت فيقال : يا أهل النار . فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا مما هم فيه . فيقال : أتعرفون هذا؟ فيقولون : نعم . هذا الموت . فيؤمر به ، فيذبح على الصرط ، فيقال للفريقين : خلود فيما تجدون ، لا موت فيها أبداً » .
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فلما قدم عليهم قال : يا أيها الناس إني رسول الله إليكم إن المردّ إلى الله ، إلى جنة أو نار ، خلود بلا موت ، وإقامة بلا ظعن ، في أجساد لا تموت » .
وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو قيل لأهل النار إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها ، ولو قيل لأهل الجنة إنكم ماكثون عدد كل حصاة لحزنوا . ولكن جعل لهم الأبد » .(1/57)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا : لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين قوله { كمثل الذي استوقد ناراً } وقوله { أو كصيب من السماء } قال المنافقون : الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال . فأنزل الله { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً } إلى قوله أولئك { هم الخاسرون } .
وأخرج عبد الغني الثقفي في تفسيره والواحدي عن ابن عباس قال : إن الله ذكر آلهة المشركين فقال { وإن يسلبهم الذباب شيئاً } وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت فقالوا : أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد . أي شيء كان يصنع بهذا؟ فأنزل الله { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً } الآية .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : لما ذكر الله العنكبوت والذباب قال المشركون : ما بال العنكبوت والذباب يذكران؟ فأنزل الله { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : لما أنزلت { يا أيها الناس ضرب مثل } قال المشركون : ما هذا من الأمثال فيضرب ، أو ما يشبه هذا الأمثال . فأنزل الله { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها } لم يرد البعوضة إنما أراد المثل .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : { البعوضة } أضعف ما خلق الله .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والديلمي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يا أيها الناس لا تغتروا بالله ، فإن الله لو كان مغفلاً شيئاً لأغفل البعوضة ، والذرة ، والخردلة » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق } أي أن هذا المثل الحق { من ربهم } وأنه كلام الله ومن عنده .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى { فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق } قال : يؤمن به المؤمنون ، ويعلمون أنه الحق من ربهم ، ويهديهم الله به ، ويعرفه الفاسقون فيكفرون به .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله { يضل به كثيراً } يعني المنافقين { ويهدي به كثيراً } يعني المؤمنين { وما يضل به إلا الفاسقين } قال : هم المنافقون . وفي قوله { الذين ينقضون عهد الله } فأقروا به ، ثم كفروا فنقضوه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وما يضل به إلا الفاسقين } يقول : يعرفه الكافرون فيكفرون به .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { وما يضل به إلا الفاسقين } قال : فسقوا فأضلهم الله بفسقهم .(1/58)
وأخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقاص قال : الحرورية هم { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } قال : إياكم ونقض هذا الميثاق . وكان يسميهم الفاسقين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } قال : إياكم ونقض هذا الميثاق ، فإن الله قد كره نقضه ، وأوعد فيه ، وقدم فيه في آي من القرآن تقدمة ، ونصيحة ، وموعظة ، وحجة . ما نعلم الله أوعد في ذنب ما أوعد في نقض هذا الميثاق . فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فليوف به .
وأخرج أحمد والبزار وابن حبان والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « ألا لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له » .
وأخرج الطبراني في الكبير من حديث عبادة بن الصامت وأبي أمامة . مثله .
وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر . مثله .
وأخرج البخاري في تاريخه والحاكم وصححه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « حسن العهد من الإِيمان » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } قال : الرحم والقرابة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ويفسدون في الأرض } قال : يعلمون فيها بالمعصية .
وأخرج ابن المنذر عن مقاتل في قوله تعالى { أولئك هم الخاسرون } يقول هم أهل النار .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإِسلام من اسم . مثل خاسر ، ومسرف ، وظالم ، وفاسق ، فإنما يعني به الكفر ، وما نسبه إلى أهل الإِسلام فإنما يعني به الذنب .(1/59)
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)
أخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله { وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم } قال : لم تكونوا شيئاً فخلقكم { ثم يميتكم ، ثم يحييكم } يوم القيامة .
وأخرج ابن حرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وكنتم أمواتاً } في أصلاب آبائكم لم تكونوا شيئاً حتى خلقكم ، ثم يميتكم موتة الحق ، ثم يحييكم حياة الحق حين يبعثكم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم فأحياهم الله فأخرجهم ، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة . فهما حياتان وموتتان .
وأخرج وكيع وابن جرير عن أبي صالح في الآية قال { يميتكم ثم يحييكم } في القبر ثم يميتكم .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال : لم تكونوا شيئاً حتى خلقكم ثم يميتكم موتة الحق ، ثم يحييكم وقوله { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } مثلها .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية يقول : لم يكونوا شيئاً ، ثم أماتهم ، ثم أحياهم ، ثم يوم القيامة يرجعون إليه بعد الحياة .(1/60)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً } قال : سخر لكم ما في الأرض جميعاً كرامة من الله ، ونعمة لابن آدم . متاعاً وبلغة ، ومنفعة إلى أجل .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد في قوله { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً } قال : سخر لكم ما في الأرض جميعاً { ثم استوى إلى السماء } قال : خلق الله الأرض قبل السماء ، فلما خلق الأرض ثار منها دخان ، فذلك قوله { ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات } يقول : خلق سبع سموات بعضهن فوق بعض ، وسبع أرضين بعضهن تحت بعض .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسوّاهن سبع سماوات } قال : إن الله كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئاً قبل الماء ، فلما أراد أن يخلق أخرج مي الماء دخاناً ، فارتفع فوق الماء ، فسما سماء ، ثم أيبس الماء فجعله أرضاً فتقها واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين . في الأحد والإِثنين ، فخلق الأرض على حوت وهو الذي ذكره في قوله ( ن ، والقلم ) والحوت من الماء ، والماء على ظهر صفاة ، والصفاة على ظهر ملك ، والملك على صخرة ، والصخرة في الريح ، وهي الصخرة التي ذكرها لقمان؛ ليست في السماء ولا في الأرض ، فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض ، فأرسى عليها الجبال ، فالجبال تفخر على الأرض . فذلك قوله { وجعل لها رواسي أن تميد بكم } [ النحل : 15 ] . وخلق الجبال فيها ، وأقوات أهلها ، وشجرها ، وما ينبغي لها في يومين : في الثلاثاء ، والأربعاء ، وذلك قوله { أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض } [ فصلت : 9 ] إلى قوله { وبارك فيها } [ فصلت : 10 ] يقول : أنبت شجرها ، وقدر فيها أقواتها ، يقول لأهلها { في أربعة أيام سواء للسائلين } [ فصلت : 10 ] يقول : من سأل فهكذا الأمر { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس ، ثم جعلها سماء واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين : في الخميس ، والجمعة ، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض { وأوحى في كل سماء أمرها } [ فصلت : 12 ] قال : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة ، والخلق الذي فيها ، من البحار ، وجبال ، البرد ، وما لا يعلم . ثم زين السماء الدنيا بالكواكب ، فجعلها زينة وحفظاً من الشياطين ، فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش .(1/61)
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { ثم استوى إلى السماء } يعني خلق سبع سموات قال : أجرى النار على الماء ، فبخر البحر ، فصعد في الهواء ، فجعل السموات منه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي العالية في قوله { ثم استوى إلى السماء } قال : ارتفع . وفي قوله { فسوّاهن } قال : سوى خلقهن .
وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرد على الجهمية عن عبد الله بن عمرو قال : لما أراد الله أن يخلق الأشياء إذ كان عرشه على الماء ، وإذ لا أرض ولا سماء . خلق الريح فسلطها على الماء حتى اضطربت أمواجه ، وأثار ركامه ، فأخرج من الماء دخاناً وطيناً وزبداً ، فأمر الدخان فعلا وسما ونما ، فخلق منه السموات ، وخلق من الطين الأرضين ، وخلق من الزبد الجبال .
وأخرج أحمد والبخاري في التاريخ ومسلم والنسائي وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال « أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الإِثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم يوم الجمعة ، بعد العصر » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية وابن أبي الدنيا في كتاب المطر وابن أبي عاصم في السنة وأبو يعلى وابن خزيمة في التوحيد وابن أبي حاتم وأبو أحمد والحاكم في الكنى والطبراني في الكبير وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه واللالكائي في السنة والبيهقي في الأسماء والصفات عن العباس بن عبد المطلب قال « كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا : الله ورسوله أعلم! قال : بينهما مسيرة خمسمائة عام ، ومن مسيرة سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام ، وكثف كل سماء خمسمائة سنة ، وفوق السماء السابعة بحر . بين أعلاه واسفله كما بين السماء والأرض ، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال ، بين وركهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض ، ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ، والله سبحانه وتعالى علمه فوق ذلك ، وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء » .
وأخرج إسحق بن راهويه في مسنده والبزار وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام ، كذلك إلى السماء السابعة . والأرضون مثل ذلك ، وما بين السماء السابعة إلى العرش مثل جميع ذلك ، ولو حفرتم لصاحبكم ثم دليتموه لوجد الله ثمة يعني علمه « .(1/62)
وأخرج الترمذي وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال « كنا حلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت سحابة فقال : أتدرون ما هذه؟ قالوا : الله ورسوله أعلم فقال : هذه الغبابة ، هذه روايا الأرض يسوقها الله إلى بلد لا يعبدونه ولا يشكرونه . هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم! قال : فإن فوق ذلك سماء . هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم! قال : فإن فوق ذلك موجاً مكفوفاً وسقفاً محفوظاً . هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم! قال : فإن فوق ذلك سماء . هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم! قال : فإن فوق ذلك سماء أخرى . هل تدرون كم ما بينهما؟ قالوا : الله ورسوله أعلم! قال : فإن بينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عد سبع سموات بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام ، ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم! قال : فإن فوق ذلك العرش . فهل تدرون كم بينهما؟ قالوا : الله ورسوله أعلم! قال : فإن بيق ذلك كما بين السماءين ، ثم قال : هل تدرون ما هذه؟ هذه أرض . هل تدرون ما تحتها؟ قالوا : الله ورسوله أعلم! قال : أرض أخرى وبينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام » .
وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه واللالكائي والبيهقي عن ابن مسعود قال : بين السماء والأرض خمسمائة عام ، وما بين كل سماءين خمسمائة عام ، ومصير كل سماء يعني غلظ ذلك مسيرة خمسمائة عام ، وما بين السماء إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام ، وما بين ذلك الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام . والعرش على الماء ، والله فوق العرش ، وهو يعلم ما أنتم عليه .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه نظر إلى السماء فقال : تبارك الله ما أشد بياضها ، والثانية أشد بياضاً منها ، ثم كذلك حتى بلغ سبع سموات . وخلق فوق السابعة الماء ، وجعل فوق الماء العرش ، وجعل فوق السماء الدنيا الشمس ، والقمر ، والنجوم ، والرجوم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال « قال رجل : يا رسول الله ما هذه السماء؟ قال : هذه موج مكفوف عنكم » .
وأخرج إسحق بن راهويه في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال : السماء الدنيا موج مكفوف ، والثانية مرمرة بيضاء ، والثالثة حديد ، والرابعة نحاس ، والخامسة فضة ، والسادسة ذهب ، والسابعة ياقوتة حمراء ، وما فوق ذلك صحارى من نور ، ولا يعلم ما فوق ذلك إلا الله ، وملك موكل بالحجب يقال له ميطاطروش .(1/63)
وأخرج أبو الشيخ عن سلمان الفارسي قال : السماء الدنيا من زمردة خضراء واسمها رقيعاء ، والثانية من فضة بيضاء واسمها أزقلون ، والثالثة من ياقوتة حمراء واسمها قيدوم ، والرابعة من درة بيضاء واسمها ماعونا ، والخامسة من ذهبة حمراء واسمها ريقا ، والسادسة منق ياقوتة صفراء واسمها دقناء ، والسابعة من نور واسمها عربيا .
وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال : اسم السماء الدنيا رقيع ، واسم السابعة الصراخ .
وأخرج عثمان بن سعيد الدرامي في كتاب الرد على الجهمية وابن المنذر عن ابن عباس قال : سيد السموات السماء التي فيها العرش ، وسيد الأرضين الأرض التي أنتم عليها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن السماء من أي شيء هي؟ فكتب إليه : إن السماء من موج مكفوف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن حبة العوفي قال : سمعت علياً ذات يوم يحلف ، والذي خلق السماء من دخان وماء .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب قال : السماء أشد بياضاً من اللبن .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري قال : تحت الأرضين صخرة ، بلغنا أن تلك الصخرة منها خضرة السماء .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله ، فإن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة لآف نور . وهو فوق ذلك .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله { فسواهن سبع سماوات } قال : بعضهن فوق بعض ، بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام .
أما قوله تعالى : { وهو بكل شيء عليم } .
أخرج ابن الضريس عن ابن مسعود قال : إن أعدل آية في القرآن آخرها اسم من أسماء الله تعالى .(1/64)
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : ما كان في القرآن { إذ } فقد كان .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { إني جاعل } قال : فاعل .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : كل شيء في القرآن ( جُعِلَ ) فهو خُلِقَ .
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس قال : إن الله أخرج آدم من الجنة قبل أن يخلقه ثم قرأ { إني جاعل في الأرض خليفة } .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : لقد أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يدخلها قال الله { إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان ، ففسدوا في الأرض ، وسفكوا الدماء ، فلما أفسدوا في الأرض بعث عليهم جنوداً من الملائكة ، فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور ، فلما قال الله { إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } كما فعل أولئك الجان فقال الله { إني أعلم ما لا تعلمون } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر . مثله .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة ، وكان اسمه الحارث ، فكان خازناً من خزان الجنة ، وخلقت الملائكة كلهم من نور غير ذلك الحي ، وخلقت الجن من مارج من نار . وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت ، فأول من سكن الأرض الجن ، فأفسدوا فيها ، وسفكوا الدماء وقتلوا بعضهم بعضاً ، فبعث الله اليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلهم حتى ألحقهم بجزائر البحور واطراف الجبال ، فلما فعل إبليس ذلك اغتر بنفسه وقال : قد صنعت شيئاً لم يصنعه أحد ، فاطلع الله على ذلك من قلبه ولم تطلع عليه الملائكة . فقال الله للملائكة { إني جاعل في الأرض خليفة } فقالت الملائكة { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } كما أفسدت الجن قال { إني أعلم ما لا تعلمون } يقول : إني قد أطلعت من قلب ابليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره .
ثم أمر بتربة آدم فرفعت ، فخلق الله آدم عليه السلام من طين { لازب } واللازب اللزج الطيب من { حمإ مسنون } منتن ، وإنما كان حمأ مسنوناً بعد التراب ، فخلق منه آدم بيده ، فمكث أربعين ليلة جسداً ملقى ، فكان ابليس يأتيه يضربه برجله ، فيصلصل فيصوت ثم يدخل من فيه ويخرج من دبره ، ويدخل من دبره ويخرج من فمه ، ثم يقول : لست شيئاً ، ولشيء ما خلقت! ولئن سلطت عليك لأهلكنك ، ولئن سلطت علي لأعصينك .(1/65)
فلما نفخ الله فيه من روحه أتت النفخة من قبل رأسه ، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحماً ودماً ، فلما انتهت النفخة إلى سرَّته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده ، فذهب لينهض فلم يقدر . فهو قول الله { خلق الإِنسان من عجل } .
فلما تممت النفخة في جسده عطس فقال { الحمد لله رب العالمين } بإلهام من الله فقال الله له « يرحمك الله يا آدم » ، ثم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات : { اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر } لما حدث في نفسه من الكبر فقال : لا أسجد له ، وأنا خير منه ، وأكبر سناً ، وأقوى خلقاً ، فأبلسه الله وآيسه من الخير كله ، وجعله شيطاناً رجيماً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن أبي العالية قال : إن الله خلق الملائكة يوم الأربعاء ، وخلق الجن يوم الخميس ، وخلق آدم يوم الجمعة ، فكفر قوم من الجن . فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم ، فكانت الدماء ، وكان الفساد في الأرض . فمن ثم قالوا { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : لما خلق الله النار ذعرت منها الملائكة ذعراً شديداً وقالوا : ربنا لم خلقت هذه؟ قال : لمن عصاني من خلقي ولم يكن لله خلق يومئذ إلا الملائكة قالوا : يا رب ويأتي علينا دهر نعصيك فيه؟ قال : لا . إني أريد أن أخلق في الأرض خلقاً ، وأجعل فيها خليفة يسفكون الدماء ، ويفسدون في الأرض قالوا { أتجعل فيها من يفسد فيها } فاجعلنا نحن فيها { فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون } .
وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة . لما فرغ الله من خلق ما أحب ، استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا . وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن ، وإنما سموا الجن لأنهم خزائن الجنة ، وكان إبليس مع ملكه خازناً ، فوقع في صدره كبر وقال : ما أعطاني الله هذا إلا لمزيد أو لمزية لي ، فاطلع الله على ذلك منه فقال للملائكة { إني جاعل في الأرض خليفة } قالوا ربنا { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء . . . قال إني أعلم ما لا تعلمون } .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإذ قال ربك للملائكة . . . . } الآية . قال : إن الله قال للملائكة : إني خالق بشراً ، وإنهم متحاسدون فيقتل بعضهم بعضاً ويفسدون في الأرض .
فلذلك قالوا { أتجعل فيها من يفسد فيها } قال : وكان إبليس أميراً على ملائكة سماء الدنيا ، فاستكبروهمَّ بالمعصية وطغى ، فعلم الله ذلك منه . فذلك قوله { إني أعلم ما لا تعلمون } وإن في نفس إبليس بغياً .(1/66)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } قال : قد علمت الملائكة وعلم الله أنه لا شيء أكره عند الله من سفك الدماء والفساد في الأرض .
وأخرج ابن المنذر وابن بطة في أماليه عن ابن عباس قال : إياكم والرأي فإن الله تعالى رد الرأي على الملائكة ، وذلك أن الله تعالى قال { إني جاعل في الأرض خليفة } قالت الملائكة { أتجعل فيها من يفسد فيها . . . قال إني أعلم ما لا تعلمون } .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة عن أنس قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إن أول من لبى الملائكة قال الله { إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } قال : فزادوه فأعرض عنهم ، فطافوا بالعرش ست سنين يقولون : لبيك لبيك اعتذاراً إليك ، لبيك لبيك نستغفرك ونتوب إليك « .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن سابط » إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « دحيت الأرض من مكة ، وكانت الملائكة تطوف بالبيت فهي أوّل من طاف به ، وهي الأرض التي قال الله { إني جاعل في الأرض خليفة } وكان النبي إذا هلك قومه ونجا هو والصالحون أتاها هو ومن معه ، فيعبدون الله بها حتى يموتوا فيها ، وأن قبر نوح ، وهود ، وشعيب ، وصالح ، بين زمزم وبين الركن والمقام » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } قال ( التسبيح ) التسبيح و ( التقديس ) الصلاة .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أحب الكلام إلى الله ما اصطفاه الله لملائكته . سبحان ربي وبحمده وفي لفظ سبحان الله وبحمده » .
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير « أن عمر بن الخطاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الملائكة ، فلم يرد عليه شيئاً . فأتاه جبريل فقال : إن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة ، يقولون : سبحان ذي الملك والملكوت ، وأهل السماء الثانية ركوع إلى يوم القيامة ، يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت ، وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة ، يقولون : سبحان الحي الذي لا يموت » .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله { ونقدس لك } قال : نصلي لك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال { التقديس } التطهير .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { ونقدس لك } قال : نعظمك ونكبرك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح في قوله { ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } قال : نعظمك ونمجدك .(1/67)
وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير في قوله { إني أعلم ما لا تعلمون } قال : علم من إبليس المعصية وخلقه لها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { إني أعلم ما لا تعلمون } قال : كان في علم الله أنه سيكون من تلك الخليقة أنبياء ، ورسل ، وقوم صالحون وساكنو الجنة .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في الأمل عن الحسن قال : لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة : ربنا إن الأرض لم تسعهم قال : إني جاعل موتاً قالوا : إذاً لا يهنأ لهم العيش قال : إني جاعل أملاً .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده وابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمر « أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن آدم لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة : أي رب { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون } قالوا : ربنا نحن أطوع لك من بني آدم قال الله للملائكة : هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان؟ فقالوا : ربنا هاروت وماروت . . . قال فاهبطا إلى الأرض ، فتمثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر ، فجاءتهما فسألاها نفسها فقالت : لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك قالا : والله لا نشرك بالله أبداً . فذهب عنهما ثم رجعت بصبي تحمله ، فسألاها نفسها فقالت : لا والله حتى تقتلا هذا الصبي قالا : لا والله لا نقتله أبداً . فذهبت ثم رجعت بقدح من خمر ، فسألاها نفسها فقالت : لا والله حتى تشربا هذا الخمر ، فشربا فسكرا فوقعا عليها ، وقتلا الصبي . فلما افاقا قالت المرأة : والله ما تركتما شيئاً ابيتماه علي إلا قد فعلتماه حين سكرتما . فخيرا عند ذلك بين عذاب الدنيا والآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا » .
وأخرج ابن سعد في طبقاته وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والحكيم في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض . جاء منهم الأحمر ، والأبيض ، والأسود ، وبين ذلك والسهل ، والحزن ، والخبيث ، والطيب » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : خلقت الكعبة قبل الأرض بألفي سنة قالوا كيف خلقت قبل وهي من الأرض؟ قال : كانت حشفة على الماء عليها ملكان يسبحان الليل والنهار ألفي سنة ، فلما أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها فجعلها في وسط الأرض ، فلما أراد الله أن يخلق آدم بعث ملكاً من حملة العرش يأتي بتراب من الأرض ، فلما هوى ليأخذ قالت الأرض : أسألك بالذي أرسلك أن لا تأخذ مني اليوم شيئاً يكون منه للنار نصيب غداً ، فتركها فلما رجع إلى ربه قال : ما منعك أن تأتي بما أمرتك؟ قال : سألتني بك فعظمت أن أرد شيئاً سألني بك ، فأرسل ملكاً آخر فقال مثل ذلك حتى أرسلهم كلهم ، فأرسل ملك الموت فقالت له مثل ذلك قال : إن الذي أرسلني أحق بالطاعة منك .(1/68)
فأخذ من وجه الأرض كلها . من طيبها ، وخبيثها ، حتى كانت قبضة عند موضع الكعبة ، فجاء به إلى ربه فصب عليه من ماء الجنة ، فجاء حمأ مسنوناً ، فخلق منه آدم بيده ، ثم مسح على ظهره فقال : تبارك الله أحسن الخالقين ، فتركه أربعين ليلة لا ينفخ فيه الروح ، ثم نفخ فيه الروح ، فجرى فيه الروح من رأسه إلى صدره ، فأراد أن يثب ، فتلا أبو هريرة { خلق الإِنسان من عجل } .
على ظهره فقال : تبارك الله أحسن الخالقين ، فتركه أربعين ليلة لا ينفخ فيه الروح ، ثم نفخ فيه الروح ، فجرى فيه الروح من رأسه إلى صدره ، فأراد أن يثب ، فتلا أبو هريرة { خلق الإِنسان من عجل } .
فلما جرى فيه الروح قعد جالساً فعطس ، فقال الله : قل الحمد لله . فقال : الحمد لله فقال : رحمك ربك ، ثم قال : انطلق إلى هؤلاء الملائكة فسلم عليهم فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فقال : هذه تحيتك وتحية ذريتك .
يا آدم . أي مكان أحب إليك أن أريك ذريتك فيه؟ فقال : بيمين ربي وكلتا يدي ربي يمين . فبسط يمينه فأراه فيها ذريته كلهم وما هو خالق إلى يوم القيامة . الصحيح على هيئته ، والمبتلى على هيئته ، والأنبياء كلهم على هيئتهم . فقال : أي رب ألا عافيتهم كلهم؟ فقال : إني أحببت أن أشكر فرأى فيها رجلاً ساطعاً نوره فقال : أي رب من هذا؟ فقال : هذا ابنك داود فقال : كم عمره؟ قال : ستون سنة قال : كم عمري؟ قال : ألف سنة قال : انقص من عنري أربعين سنة فزدها في عمره ، ثم رأى آخر ساطعاً نوره ليس مع أحد من الأنبياء مثل ما معه فقال : أي رب من هذا؟ قال : هذا ابنك محمد ، وهو أوّل من يدخل الجنة فقال آدم : الحمد لله الذي جعل من ذريتي من يسبقني إلى الجنة ولا أحسده .
فلما مضى لآدم ألف سنة إلا أربعين جاءته الملائكة تتوفاه عياناً قال : ما تريدون؟ قالوا أردنا أن نتوفاك قال : بقي من أجلي أربعون! قالوا : أليس قد أعطيتها ابنك داود؟ قال : ما أعطيت أحداً شيئاً .(1/69)
قال أبو هريرة : جحد آدم ، وجحدت ذريته ، ونسي ، ونسيت ذريته .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا : بعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها فقالت الأرض : أعوذ بالله منك أن تنقص مني ، فرجع ولم يأخذ شيئاً وقال : يا رب إنها أعاذت بك فأعذتها . فبعث الله ميكائيل كذلك . فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال : وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره ، فأخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء ، وبيضاء ، وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين فصعد به ، فبل التراب حتى صار طيناً { لازباً } واللازب : هو الذي يلزق بعضه ببعض ثم قال للملائكة : إني خالق بشراً من طين ، فخلقه الله بيده لئلا يتكبر عليه إبليس ، فخلقه بشراً سوياً ، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة ، فمرت به الملائكة ، ففزعوا منه لما رأوه ، وكان أشدهم منه فزعاً إبليس ، فكان يمر به فيضربه ، فيصوّت الجسد كما يصوّت الفخار يكون له صلصلة فيقول : لأمر ما خلقت! ويدخل من فيه ويخرج من دبره ويقول للملائكة : لا ترهبوا منه فإن ربكم صمد وهذا أجوف ، لئن سلطت عليه لأهلكنه .
فلما بلغ الحين الذي يريد الله أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح فدخل في رأسه عطس فقالت الملائكة : الحمد لله فقال : الحمد لله فقال الله له : يرحمك ربك . فلما دخلت الروح في عنقه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخلت إلى جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ إلى رجليه عجلاً إلى ثمار الجنة . وذلك قوله تعالى { خلق الإِنسان من عجل } .
وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس قال : بعث رب العزة إبليس ، فأخذ من أديم الأرض : من عذبها ، ومالحها ، فخلق منها آدم . فكل شيء خلقه من عذبها فهو صائر إلى السعادة وإن كان ابن كافرين ، وكل شيء خلقه من مالحها فهو صائر إلى الشقاء وإن كان ابن نبيين . قال : ومن ثم قال إبليس : { أأسجد لمن خلقت طيناً } ؟ إن هذه الطينة أنا جئت بها . ومن ثم سمي آدم لأنه أخذ من أديم الأرض .
وأخرج ابن جرير عن علي قال : إن آدم خلق من أديم الأرض . فيه الطيب ، والصالح ، والرديء ، فكل ذلك أنت راء في ولده .
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن أبي ذر « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن آدم خلق من ثلاث تربات : سوداء ، وبيضاء ، وحمراء » .
وأخرج ابن سعد في الطبقات وعبد بن حميد وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات وابن عساكر عن سعيد بن جبير قال : خلق الله آدم من أرض يقال لها دحناء .(1/70)
وأخرج الديلمي عن أبي هريرة مرفوعاً « الهوى ، والبلاء ، والشهوة ، معجونة بطينة آدم عليه السلام » .
وأخرج الطيالسي وابن سعد وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو يعلي وابن حبان وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما صوّر الله تعالى آدم في الجنة تركه ما شاء أن يتركه ، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو ، فلما رآه أجوف علم أنه خلق لا يتمالك » ولفظ أبي الشيخ قال : « خلق لا يتمالك ظفرت به » .
وأخرج ابن حبان عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما نفخ الله في آدم الروح فبلغ الروح رأسه عطس فقال { الحمد لله رب العالمين } فقال له تبارك وتعالى : يرحمك الله » .
وأخرج ابن حبان عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما خلق الله آدم عطس ، فألهمه الله ربه أن قال : الحمد لله قال له ربه : يرحمك الله . فلذلك سبقت رحمته غضبه » .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : لما فرغ الله من خلق آدم وجرى فيه الروح عطس فقال : الحمد لله فقال له ربه : يرحمك ربك .
وأخرج ابن سعد وأبو يعلي وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله خلق آدم من تراب ، ثم جعله طيناً ، ثم تركه حتى إذا كان حمأ مسنوناً خلقه وصوّره ، ثم تركه حتى إذا كان صلصالاً كالفخار ، وجعل إبليس يمر به فيقول : لقد خلقت لأمر عظيم ، ثم نفخ الله فيه من روحه ، فكان أوّل شيء جرى فيه الروح بصره وخياشيمه ، فعطس فلقنه الله حمد ربه فقال الرب : يرحمك ربك . ثم قال : يا آدم اذهب إلى أولئك النفر فقل لهم وانظر ماذا يقولون؟ فجاء فسلم عليهم فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله ، فجاء إلى ربه فقال : ماذا قالوا لك وهو أعلم بما قالوا له؟ قال : يا رب سلمت عليهم فقالوا وعليك السلام ورحمة الله قال : يا آدم هذه تحيتك وتحية ذريتك ، قال : يا رب وما ذريتي؟! قال : اختر يدي ، قال : أختار يمين ربي ، وكلتا يدي ربي يمين . فبسط الله كفه فإذا كل ما هو كائن من ذريته في كف الرحمن عز وجل » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً قال : اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة فاسمع ما يحيونك ، فإنها تحيتك وتحية ذريتك . فذهب فقال : السلام عليكم فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه ورحمة الله . فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً ، فلم تزل الخلق تنقص حتى الآن » .(1/71)
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ابن أبي الدنيا في صفة الجنة والطبراني في الكبير عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً بيضاً ، جعاداً مكحلين ، ابناء ثلاث وثلاثين ، وهم على خلق آدم طوله ستون ذراعاً في عرض سبعة أذرع » .
وأخرج مسلم وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة . فيه خلق الله آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أهبط منها ، وفيه مات ، وفيه تيب عليه ، وفيه تقوم الساعة » .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي نضرة قال : لما خلق الله آدم ألقى جسده في السماء لا روح فيه ، فلما رأته الملائكة راعهم ما رأوه من خلقه ، فأتاه إبليس فلما رأى خلقه منتصباً راعه ، فدنا منه فنكته برجله ، فصل آدم فقال : هذا أجوف لا شيء عنده .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج قال : خلق الله آدم في سماء الدنيا ، وإنما أسجد له ملائكة سماء الدنيا ولم يسجد له ملائكة السموات .
وأخرج أبو الشيخ بسند صحيح عن ابن زيد يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله لما أراد أن يخلق آدم بعث ملكاً والأرض يومئذ وافرة فقال : اقبض لي منها قبضة آتني بها أخلق منها خلقاً قالت : فإني أعوذ بأسماء الله إن تقبض اليوم مني قبضة يخلق خلقاً يكون لجهنم منه نصيب ، فعرج الملك ولم يقبض منها شيئاً فقال له : مالك . . . ؟ قال : عاذت باسمائك أن أقبض منها خلقاً يكون لجهنم منه نصيب فلم أجد عليها مجازاً ، فبعث ملكاً آخر ، فلما أتاها قالت له مثل ما قالت للأوّل ، ثم بعث الثالث فقالت له مثل ما قالت لهما ، فعرج ولم يقبض منها شيئاً ، فقال له الرب تعالى مثل ما قال للذين قبله .
ثم دعا إبليس واسمه يومئذ في الملائكة حباب فقال له : اذهب فاقبض لي من الأرض قبضة ، فذهب حتى أتاها ، فقالت له مثل ما قالت للذين من قبله من الملائكة ، فقبض منها قبضة ، ولم يسمع لحرجها ، فلما أتاها قال الله تعالى : ما أعاذت بأسمائي منك؟ قال : بلى . قال : فما كان من أسمائي ما يعيذها منك؟ قال : بلى . ولكن أمرتني فأطعتك فقال الله : لأخلقن منها خلقاً يسوء وجهك ، فألقى الله تلك القبضة في نهر من أنهار الجنة حتى صارت طيناً ، فكان أول طين ، ثم تركها حتى صارت حمأ مسنوناً منتن الريح ، ثم خلق منها آدم ، ثم تركه في الجنة أربعين سنة حتى صار صلصالاً كالفخار . يبس حتى كان كالفخار . ثم نفخ فيه الروح بعد ذلك ، وأوحى الله الى ملائكته : إذا نفخت فيه من الروح فقعوا له ساجدين ، وكان آدم مستلقياً في الجنة فجلس حين وجد مس الروح فعطس فقال الله له : أحمد ربك فقال : يرحمك ربك . فمن هنالك يقال : سبقت رحمته غضبه . وسجدت الملائكة إلا هو قام فقال { ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } [ الأعراف : 12 ] فاخبر الله أنه لا يستطيع أن يعلن على الله ما له يكيد على صاحبه فقال { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، قال : فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها } إلى قوله { ولا تجد أكثرهم شاكرين } [ الأعراف : 17 ] وقال الله { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه } [ سبأ : 20 ] وإنما كان ظنه أن لا يجد أكثرهم شاكرين » .(1/72)
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)
أخرج الفريابي وابن سعد جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض ، الحمرة . والبياض ، والسواد ، وكذلك ألوان الناس مختلفتة فيها الأحمر ، والأبيض ، والأسود ، والطيب ، والخبيث .
وأخرج عبد بن حميد عن أبن عباس قال : خلق الله آدم من أديم الأرض . من طينة حمراء ، وبيضاء ، وسوداء .
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال : أتدرون لم سمي آدم؟ لأنه خلق من أديم الأرض .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وعلم آدم الأسماء كلها } قال : علمه اسم الصفحة ، والقدر ، وكل شيء ، حتى الفسوة والفسية .
وأخرج وكيع وابن جرير عن ابن عباس في قوله { وعلم آدم الأسماء كلها } قال : علمه اسم كل شيء . حتى علمه القصعة والقصيعة ، والفسوة والفسية .
وأخرج وكيع وابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله { وعلم آدم الأسماء كلها } قال : علمه اسم كل شيء ، حتى البعير ، والبقرة والشاة .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وعلم آدم الأسماء كلها } قال : ما خلق الله .
وأخرج الديلمي عن أبي رافع قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثلت لي أمتي في الماء والطين ، وعلمت الأسماء كما علم آدم الأسماء كلها » .
وأخرج وكيع في تاريخه وابن عساكر والديلمي عن عطية بن يسر مرفوعاً . في قوله { وعلم آدم الأسماء كلها } قال « علم الله في تلك الأسماء ألف حرفة من الحرف وقال له : قل لولديك وذريتك يا آدم إن لم تصبروا عن الدنيا فاطلبوا الدنيا بهذه الحرف ، ولا تطلبوها بالدين فإن الدين لي وحدي خالصاً . ويل لمن طلب الدنيا بالدين ويل له » .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { وعلم آدم الأسماء كلها } قال : أسماء ذريته أجمعين { ثم عرضهم } قال : أخذهم من ظهره .
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في قوله { وعلم آدم الأسماء } قال : أسماء الملائكة .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { وعلم آدم الأسماء كلها } قال : علم آدم من الأسماء أسماء خلقه ، ثم قال ما لم تعلم الملائكة فسمى كل شيء باسمه ، وألجأ كل شيء إلى جنسه .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وعلم آدم الأسماء } قال : علم الله آدم الأسماء كلها ، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس . انسان ، ودابة ، وأرض وبحر ، وسهل ، وجبل ، وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها { ثم عرضهم على الملائكة } يعني عرض أسماء جميع الأشياء التي علمها آدم من أصناف الخلق { فقال أنبئوني } يقول : أخبروني { بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } إن كنتم تعلمون أني لم أجعل في الأرض خليفة { قالوا سبحانك } تنزيهاً لله من أن يكون يعلم الغيب أحد غيره تبنا إليك { لا علم لنا } تبرياً منهم من علم الغيب { إلا ما علمتنا } كما علمت آدم .(1/73)
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { ثم عرضهم } قال : عرض أصحاب الأسماء على الملائكة .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد عن ابن عباس قال : إن الله لما أخذ في خلق آدم قالت الملائكة : ما الله خالق خلقاً أكرم عليه منا ، ولا أعلم منا . فابتلوا بخلق آدم .
وأخرج ابن جرير عن قتادة والحسن قالا : لما أخذ الله في خلق آدم همست الملائكة فيما بينهما فقالوا : لن يخلق الله خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه . فلما خلقه أمرهم أن يسجدوا له لما قالوا . . ففضله عليهم ، فعلموا أنهم ليسوا بخير منه فقالوا : إن لم نكن خيراً منه فنحن أعلم منه لأنا كنا قبله { فعلم آدم الأسماء كلها } فعلم اسم كل شيء . جعل يسمي كل شيء باسمه ، وعرضوا عليه أمة { ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } ففزعوا إلى التوبة فقالوا { سبحانك لا علم لنا . . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { إنك أنت العليم الحكيم } قال : العلم الذي قد كمل في علمه { والحكيم } الذي قد كمل في حكمه .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله { إن كنتم صادقين } قال : إن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء . وفي قوله { وأعلم ما تبدون } قال : قولهم { أتجعل فيها من يفسد فيها . . . ، . . . . وما كنتم تكتمون } يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون } قال : ما أسر إبليس من الكفر في السجود .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وأعلم ما تبدون } قال : ما تظهرون { وما كنتم تكتمون } يقول : اعلم السر كما أعلم العلانية .
وأخرج ابن جرير عن قتادة والحسن في قوله { ما تبدون } يعني قولهم { أتجعل فيها من يفسد فيها } { وما كنتم تكتمون } يعني قول بعضهم لبعض : نحن خير منه وأعلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مهدي بن ميمون قال : سمعت الحسن . وسأله الحسن بن دينار فقال : يا أبا سعيد أرأيت قول الله للملائكة { وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون } ما الذي كتمت الملائكة؟ قال : إن الله لما خلق آدم رأت الملائكة خلقاً عجباً فكأنهم دخلهم من ذلك شيء قال : ثم أقبل بعضهم على بعض فأسروا ذلك بينهم فقال بعضهم لبعض : ما الذي يهمكم من هذا الخلق؟ إن الله لا يخلق خلقاً إلا كنا أكرم عليه منه . فذلك الذي كتمت .(1/74)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { اسجدوا لآدم } قال : كانت السجدة لآدم ، والطاعة لله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : أمرهم أن يسجدوا فسجدوا له كرامة من الله أكرم بها آدم .
وأخرج ابن عساكر عن أبي إبراهيم المزني أنه سئل عن سجود الملائكة لآدم فقال : إن الله جعل آدم كالكعبة .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي قال : كان سجود الملائكة لآدم إيماء .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ضمرة قال : سمعت من يذكر أن أول الملائكة خرَّ ساجداً لله حين أمرت الملائكة بالسجود لآدم اسرافيل ، فأثابه الله بذلك أن كتب القرآن في حبهته .
وأخرج ابن عساكر عن عمر بن عبد العزيز قال : لما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم كان أول من سجد له إسرافيل ، فأثابه الله أن كتب القرآن في جبهته .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } قال : كانت السجدة لآدم ، والطاعة لله ، وحسد عدو الله إبليس آدم على ما أعطاه الله من الكرامة فقال : أنا ناريٌّ وهذا طينيٌّ . فكان بدء الذنوب الكبر . استكبر عدوّ الله أن يسجد لآدم .
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال : كان إبليس اسمه عزازيل ، وكان من أشرف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة ، ثم أبلس بعد .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن ابن عباس قال : إنما سُمي إبليس لأن الله أبلسه من الخير كله ، آيسه منه .
وأخرج ابن إسحاق في المبتدأ وابن جرير وابن الأنباري عن ابن عباس قال : كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل ، وكان من سكان الأرض ، وكان من أشد الملائكة اجتهاداً ، وأكثرهم علماً . فذلك دعاه إلى الكبر ، وكان من حي يُسمون جنا .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : كان اسم إبليس الحرث .
وأخرج وكيع وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال : كان إبليس من خزان الجنة ، وكان يدبر أمر السماء الدنيا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال : كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : كان إبليس من أشرف الملائكة من أكبرهم قبيلة ، وكان من خازن الجنان ، وكان له سلطان سماء الدنيا ، وسلطان الأرض . فرأى أن لذلك له عظمة وسلطاناً على أهل السموات ، فاضمر في قلبه من ذلك كبراً لم يعلمه إلا الله ، فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم خرج كبره الذي كان يسر .(1/75)
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عن ابن عباس قال : إن الله خلق خلقاً فقال { اسجدوا لآدم } فقالوا : لا نفعل فبعث ناراً فأحرقهم ، ثم خلق هؤلاء فقال { اسجدوا لآدم } فقالوا : نعم . وكان إبليس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لآدم .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال : لما خلق الله الملائكة قال { إني خالق بشراً من طين } [ ص : 71 ] فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فقالوا : لا نفعل . فارسل عليهم ناراً فأحرقتهم . وخلق ملائكة أخرى فقال { إني خالق بشراً من طين } فإذا أنا خلقته فاسجدوا له . فأبوا فأرسل عليهم ناراً فأحرقتهم ، ثم خلق ملائكة أخرى فقال { إني خالق بشراً من طين } فإذا أنا خلقته فاسجدوا له . فقالوا : سمعنا وأطعنا إلا إبليس كان من الكافرين الأولين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عامر المكي قال : خلق الله الملائكة من نور ، وخلق الجان من نار ، وخلق البهائم من ماء ، وخلق آدم من طين ، فجعل الطاعة في الملائكة ، وجعل المعصية في الجن والإِنس .
وأخرج محمد بن نصر عن أنس قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أمر آدم بالسجود فسجد فقال : لك الجنة ولمن سجد من ذريتك ، وأمر إبليس بالسجود فأبى أن يسجد فقال : لك النار ولمن أبى من ولدك أن يسجد » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان عن ابن عمر قال : لقي إبليس موسى فقال : يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وكلمك تكلماً إذ تبت؟ وأنا أريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب عليّ قال موسى : نعم . فدعا موسى ربه فقيل « يا موسى قد قضيت حاجتك » فلقي موسى إبليس قال : قد أمرت أن تسجد لقبر آدم ويتاب عليك . فاستكبر وغضب وقال : لم أسجد له حيًّا أسجد له ميتاً؟ ثم قال إبليس : يا موسى إن لك عليّ حقاً بما شفعت لي إلى ربك فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن . اذكرني حين تغضب فإني أجري منك مجرى الدم ، واذكرني حين تلقى الزحف فإني آتي ابن آدم حين يلقى الزحف . فاذكره ولده وزجته حتى يولي ، وإياك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها ورسولك إليها .
وأخرج ابن المنذر عن أنس قال : إن نوحاً لما ركب السفينة أتاه إبليس فقال له نوح : من أنت؟ قال : أنا إبليس قال : فما جاء بك؟ قال : جئت تسأل لي ربي هل لي من توبة؟ فأوحى الله إليه : أن توبته أن يأتي قبر آدم فيسجد له قال : أما أنا لم أسجد له حياً أسجد له ميتاً؟ قال : فاستكبر وكان من الكافرين .
وأخرج ابن المنذر من طريق مجاهد عن جنادة بن أبي أمية قال : كان أول خطيئة كانت الحسد . حسد إبليس آدم أن يسجد له حين أمر ، فحمله الحسد على المعصية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : ابتدأ الله خلق إبليس على الكفر والضلالة ، وعمل بعمل الملائكة ، فصيره إلى ما بدئ إليه خلقه من الكفر قال الله { وكان من الكافرين } .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وكان من الكافرين } قال : جعله الله كافراً لا يستطيع أن يؤمن .(1/76)
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
أخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن أبي ذر قال « قلت يا رسول الله أرأيت آدم أنبياً كان؟ قال : نعم . كان نبياً رسولاً كلمه الله قبلاً ، قال له { يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } » .
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن أبي ذر قلت « يا رسول الله من أول الأنبياء؟ قال : آدم . قلت : نبي كان؟ قال : نعم مكلم . قلت : ثم من؟ قال : نوح وبينهما عشرة آباء » .
وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه والبزار والبيهقي في الشعب عن أبي ذر قال « قلت : يا رسول الله أي الأنبياء كان أول؟ قال : آدم قلت : يا رسول الله ونبي كان؟ قال : نعم . نبي مكلم . قلت : كم كان المرسلون يا رسول الله؟ قال : ثلثمائة وخمسة عشر . جماً عفيراً » .
وأخرج عبد بن حميد والآجري في الأربعين عن أبي ذر قال « قلت يا رسول الله من كان أولهم؟ يعني الرسل قال : آدم قلت : يا رسول الله أنبي مرسل؟ قال : نعم . خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وسوّاء قبلاً » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي أمامة الباهلي « أن رجلاً قال : يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال : نعم . مكلم . قال : كم بينه وبين نوح؟ قال : عشرة قرون قال : كم بين نوح وبين ابراهيم؟ قال : عشرة قرون قال : يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً . قال : يا رسول الله كم كانت الرسل من ذلك؟ قال : ثلثمائة وخمسة عشر . جماً غفيراً » .
وأخرج أحمد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة « أن أبا ذر قال : يا نبي الله أي الأنبياء كان أوّل؟ قال : آدم . قال : أو نبي كان آدم؟ قال : نعم . نبي مكلم ، خلقه الله بيده ، ثم نفخ فيه من روحه ، ثم قال له يا آدم قبلاً . قلت : يا رسول الله كم وفى عدة الأنبياء؟ قال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً . الرسل من ذلك ثلثمائة وخمسة عشر . جماً غفيراً » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والحكيم والترمذي في نوادر الأصول والبيهقي في الشعب وابن عساكر في تاريخه عن الحسن قال : قال موسى يا رب كيف يستطيع آدم أن يؤدي شكر ما صنعته إليه ، خلقته بيدك ، ونفخت فيه من روحك ، وأسكنته جنتك ، وأمرت الملائكة فسجدوا له؟ فقال : يا موسى علم أن ذلك مني فحمدني عليه ، فكان ذلك شكراً لما صنعت إليه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : خلق الله آدم يوم الجمعة ، وأدخله الجنة يوم الجمعة ، فجعله في حنات الفردوس .(1/77)
وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : ما سكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن ابن عباس قال : خلق الله آدم من أديم الأرض يوم الجمعة بعد العصر فسماه آدم ، ثم عهد إليه فنسي فسماه الإِنسان قال ابن عباس : فتالله ما غابت الشّمس من ذلك اليوم حتى أهبط من الجنة إلى الأرض .
وأخرج الفريابي وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن قال : لبث آدم في الجنة ساعة من نهار . تلك الساعة مائة وثلاثون سنة من أيام الدنيا .
وأخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن جبير قال : ما كان آدم عليه السلام في الجنة إلا مقدار ما بين الظهر والعصر .
وأخرج عبد الله في زوائده عن موسى بن عقبة قال : مكث آدم في الجنة ربع النهار ، وذلك ساعتان ونصف ، وذلك مائتا سنة وخمسون سنة ، فبكى على الجنة مائة سنة .
أما قوله تعالى : { وزوجك } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا : لما سكن آدم الجنة كان يمشي فيها وحشاً ليس له زوج يسكن إليها ، فنام نومة فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، فسألها ما أنت؟ قالت : امرأة قال : ولم خلقت؟ قالت لتسكن إليّ قالت له الملائكة ينظرون ما يبلغ علمه : ما اسمها يا آدم؟ قال : حواء . لم سميت حوّاء؟ قال : لأنها خلقت من حي فقال الله { يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } .
وأخرج سفيان بن عيينة عن مجاهد قال : نام آدم فخلقت حواء من قصيراه ، فاستيقظ فرآها فقال : من أنت؟ فقالت : أنا أسا . يعني امرأة بالسريانية .
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خلقت من ضلع ، وأن أعوج شيء من الضلع رأسه ، وإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته تركته وفيه عوج . فاستوصوا بالنساء خيراً » .
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس قال : إنما سميت حواء لأنها أم كل شيء حي .
وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر من وجه آخر عن ابن عباس قال : إنما سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء ، وسميت حواء لأنها أم كل حي .
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن عطاء قال : لما سجدت الملائكة لآدم نفر إبليس نفرة ثم ولى مدبراً وهو يلتفت أحياناً ينظر هل عصى ربه أحد غيره . فعصمهم الله ثم قال الله لآدم : قم يا آدم فسلم عليهم .(1/78)
فقام فسلم عليهم وردوا عليه ، ثم عرض الأسماء على الملائكة فقال الله لملائكته : زعمتم أنكم أعلم منه { انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ، قالوا سبحانك } إن العلم منك ولك ، ولا علم لنا إلا ماعلمتنا ، فلما أقروا بذلك { قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم } فقال آدم : هذه ناقة ، جمل ، بقرة ، نعجة ، شاة ، فرس ، وهو من خلق ربي . فكل شيء سمي آدم فهو اسمه إلى يوم القيامة ، وجعل يدعو كل شيء باسمه حين يمر بين يديه حتى بقي الحمار وهو أخر شيء مر عليه . فجاء الحمار من وراء ظهره فدعا آدم : أقبل يا حمار . فعلمت الملائكة أنه أكرم على الله وأعلم منهم ، ثم قال له ربه : يا آدم ادخل الجنة تحيا وتكرم ، فدخل الجنة فنهاه عن الشجرة قبل أن يخلق حواء . فكان آدم لا يستأنس إلى خلق في الجنة ، ولا يسكن إليه ، ولم يكن في الجنة شيء يشبهه ، فالقى الله عليه النوم وهو أوّل نوم كان ، فانتزعت من ضلعه الصغرى من جانبه الأيسر ، فخلقت حواء منه ، فلما استيقظ آدم فجلس ، فنظر إلى حواء تشبهه من أحسن البشر ، ولكل امرأة فضل على الرجل بضلع ، وكان الله علم آدم اسم كل شيء ، فجاءته الملائكة فهنوه وسلموا عليه فقالوا : يا آدم ما هذه؟ قال : هذه مرأة قيل له : فما اسمها؟ قال : حواء فقيل له : لم سميتها حواء؟ قال : لأنها خلقت من حي . فنفخ بينهما من روح الله فما كان من شيء يتراحم الناس به من فضل رحمتها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أشعث الحداني قال : كانت حواء من نساء الجنة ، وكان الولد يرى في بطنها إذا حملت ذكر أم أنثى من صفاتها .
وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن إبراهيم النخعي قال : لما خلق الله آدم وخلق له زوجته ، بعث إليه ملكاً ، وأمرة بالجماع ففعل ، فلما فرغ قالت له حواء : يا آدم هذه طيب زدنا منه .
أما قوله تعالى : { وكلا منها رغداً } .
أخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال { الرغد } الهنيّ .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال { الرغد } سعة المعيشة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وكلا منها رغداً حيث شئتما } قال : لا حساب عليكم .
أما قوله تعالى : { ولا تقربا هذه الشجرة } .
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : الشجرة التي نهى الله عنها آدم السنبلة . وفي لفظ البر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : الشجرة التي نهى الله عنها آدم البر ، ولكن الحبة منه في الجنة كمكلي البقر ، ألين من الزبد ، وأحلى من العسل .(1/79)
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن أبي مالك الغفاري في قوله { ولا تقربا هذه الشجرة } قال : هي السنبلة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس قال : الشجرة التي نهى عنها آدم . الكرم .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود . مثله .
وأخرج وكيع وابن سعد وابن جرير وأبو الشيخ عن جعدة بن هبيرة قال : الشجرة التي افتتن بها آدم الكرم ، وجعلت فتنة لولده من بعده ، والتي أكل منها آدم العنب .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هي اللوز . قلت : كذا في النسخة وهي قديمة ، وعندي أنها تصحفت من الكرم .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله { ولا تقربا هذه الشجرة } قال : بلغني أنها التينة .
وأخرج ابن جرير عن بعض الصحابة قال : هي تينة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : هي التين .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك في قوله { ولا تقربا هذه الشجرة } قال : هي النخلة .
وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال : هي الأترج .
وأخرج أحمد في الزهد عن شعيب الحيائي قال : كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته شبه البر . تسمى الرعة ، وكان لباسهم النور .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية قال : كانت الشجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ولا تقربا هذه الشجرة } قال : ابتلى الله آدم كما ابتلى الملائكة قبله ، وكل شيء خلق مبتلى ، ولم يدع الله شيئاً من خلقه إلا ابتلاه بالطاعة ، فما زال البلاء بآدم حتى وقع فيما نهي عنه .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : ابتلى الله آدم فأسكنه الجنة يأكل منها رغداً حيث شاء ، ونهاه عن شجرة واحدة أن يأكل منها ، وقدم إليه فيها . فما زال به البلاء حتى وقع بما نهي عنه ، فبدت له سوءته عند ذلك ، وكان لا يراها فأهبط من الجنة .(1/80)
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فأزلهما } قال : فأغواهما .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عاصم بن بهدلة { فأزلهما } فنحاهما .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءتنا في البقرة مكان { فأزلهما } فوسوس .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا : لما قال الله لآدم { اسكن أنت وزوجك الجنة } أراد إبليس أن يدخل عليهما الجنة فأتى الحية ، وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير ، وهي كأحسن الدواب فكلمها أن تدخله في فمها حتى تدخل به إلى آدم ، فادخلته في فمها فمرت الحية على الخزنة ، فدخلت ولا يعلمون لما أراد الله من الأمر ، فكلمه من فمها فلم يبال بكلامه ، فخرج إليه فقال { يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } وحلف لهما بالله { إني لكما لمن الناصحين } فأبى آدم أن يأكل منها ، فقعدت حواء فأكلت ثم قالت : يا آدم كل فإني قد أكلت فلم يضر بي . فلما أكل { بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن عباس قال : إن عدوّ الله إبليس عرض نفسه على دواب الأرض أنها تحمله حتى يدخل الجنة معها ويكلم آدم . فكل الدواب أبى ذلك عليه حتى كلم الحية فقال لها : أمنعك من ابن آدم فإنك في ذمتي إن أدخلتني الجنة ، فحملته بين نابين حتى دخلت به ، فكلمه من فيها وكانت كاسية تمشي على أربع قوائم فاعراها الله ، وجعلها تمشي على بطنها . يقول ابن عباس : فاقتلوها حيث وجدتموها ، اخفروا ذمة عدوّ الله فيها .
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد الرزاق وابن المنذر وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس قال : كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته السنبلة ، فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما . وكان الذي دارى عنهما من سوآتهما أظفارهما { وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } [ الاعراف : 22 ] ورق التين يلزقان بعضه إلى بعض ، فانطلق آدم مولياً في الجنة ، فأخذت برأسه شجرة من شجر الجنة ، فناداه ربه : يا آدم تفر؟ قال : لا ، ولكني استحيتك يا رب قال : أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرمت عليك؟ قال : بلى يا رب ولكن وعزتك ما حسبت أن أحداً يحلف بك كاذباً قال : فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ، ثم لا تنال العيش إلا كدا . فاهبطا من الجنة وكانا يأكلان منها رغداً ، فاهبط إلى غير رغد من طعام ولا شراب ، فعلم صنعة الحديد ، وأمر بالحرث فحرث وزرع ، ثم سقى حتى إذا بلغ حصد ، ثم درسه ، ثم ذراه ، ثم طحنه ، ثم عجنه ، ثم خبزه ، ثم أكله ، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ ، وكان آدم حين أهبط من الجنة بكى بكاء لم يبكه أحد ، فلو وضع بكاء داود على خطيئته ، وبكاء يعقوب على ابنه ، وبكاء ابن آدم على أخيه حين قتله ، ثم بكاء أهل الأرض ما عدل ببكاء آدم عليه السلام حين أهبط .(1/81)
وأخرج ابن عساكر عن عبد العزيز بن عميرة قال « قال الله لآدم اخرج من جواري وعزتي لا يجاورني في داري من عصاني ، يا جبريل أخرجه اخراجاً غير عنيف . فأخذ بيده يخرجه » .
وأخرج ابن إسحاق في المبتدأ وابن سعد وأحمد وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في التوبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن آدم كان رجلاً طوالاً كأنه نخلة سحوق ستين ذراعاً ، كثير شعر الرأس . فلما ركب الخطيئة بدت له عورته ، وكان لا يراها قبل ذلك ، فانطلق هارباً في الجنة ، فتعلقت به شجرة فأخذت بناصيته فقال لها : ارسليني قالت : لست بمرسلتك ، وناداه ربه : يا آدم أمني تفر؟ قال : يا رب إني استحييتك قال : يا آدم اخرج من جواري فبعزتي لا أساكن من عصاني ، ولو خلقت ملء الأرض مثلك خلقاً ثم عصوني لاسكنتهم دار العاصين . قال : أرأيت إن أنا تبت ورجعت أتتوب عليَّ؟ قال : نعم . يا آدم » .
وأخرج ابن عساكر من حديث أنس . مثله .
وأخرج ابن منيع وابن أبي الدنيا في كتاب البكاء وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن ابن عباس قال « قال الله لآدم : يا آدم ما حملك على أن أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال : يا رب زينته لي حواء قال : فإني عاقبتها بأن لا تحمل إلا كرهاً ولا تضع إلا كرهاً ، ودميتها في كل شهر مرتين قال : فرنت حواء عند ذلك فقيل لها : عليك الرنة وعلى بناتك » .
وأخرج الدارقطني في الافراد وابن عساكر عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن الله بعث جبريل إلى حواء حين دميت فنادت ربها جاء مني دم لا أعرفه . فناداها لأدمينك وذريتك ، ولأجعلنه لك كفارة وطهوراً » .
وأخرج البخاري والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لولا بنو اسرائيل لم يخنز اللحم ، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها » .
وأخرج البيهقي في الدلائل والخطيب في التاريخ والديلمي في مسند الفردوس وابن عساكر بسندٍ واهٍ عن ابن عمر مرفوعاً « فضلت على آدم بخصلتين .(1/82)
كان شيطاني كافراً فأعانني الله عليه حتى أسلم ، وكان أزواجي عوناً لي . وكان شيطان آدم كافراً ، وزوجته عوناً له على خطيئته « .
وأخرج ابن عساكر في حديث أبي هريرة مرفوعاً . مثله .
وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن زيد . أن آدم ذكر محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أفضل ما فضل به علي ابني صاحب البعير أن زوجته كانت عوناً له على دينه ، وكانت زوجتي عوناً لي على الخطيئة .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم والآجري في الشريعة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى ، فقال : موسى : أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي أعطاه الله كل شيء ، واصطفاه برسالته؟ قال : نعم . قال : فتلومني على أمر قدر عليّ قبل أن أخلق « .
وأخرج عبد بن حميد في مسنده وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتج آدم وموسى . فقال موسى : أنت خلقك الله بيده ، أسكنك جنته ، وأسند لك ملائكته ، فأخرجت ذريتك من الجنة ، وأشقيتهم؟ فقال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه ورسالاته ، تلومني في شيء وجدته قد قدر عليّ قبل أن أخلق؟ فحج آدم موسى « .
وأخرج أبو داود والآجري في الشريعة والبيهقي في الأسماء والصفات عن عمر بن الخطاب قال » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن موسى قال يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة؟ فأراه الله آدم فقال : أنت أبونا آدم؟ فقال له آدم : نعم . قال : أنت الذي نفخ الله فيك من روحه ، وعلمك الأسماء كلها ، وأمر الملائكة فسجدوا لك؟ قال : نعم . فقال : ما حملك على أن أخرجتنا من الجنة؟ فقال له آدم : ومن أنت؟ قال : موسى قال : أنت نبي بني اسرائيل الذي كلمك الله من وراء الحجاب ، لم يجعل بينك وبينه رسولاً من خلقه؟ قال : نعم . قال : فما وجدت أن ذلك كان في كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال : نعم . قال : فلم تلومني في شيء سبق فيه من الله القضاء قبل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عند ذلك فحج آدم موسى . فحج آدم موسى « .
وأخرج النسائي وأبو يعلي والطبراني والآجري عن جندب البجلي قال » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتج آدم وموسى فقال موسى : يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك جنته ، وفعلت ما فعلت فأخرجت ولدك من الجنة؟ فقال آدم : أنت موسى الذي بعثك الله برسالته ، وكلمك ، وآتاك التوراة ، وقربك نجيا؟ أنا أقدم أم الذكر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم موسى « .(1/83)
وأخرج أبو بكر الشافعي في الغيلانيات عن أبي موسى قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتج آدم وموسى فقال موسى : يا آدم الذي خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، عملت الخطيئة التي أخرجتك من الجنة؟ قال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته ، وأنزل عليك التوراة ، وكلمك تكليماً ، فبكم خطيئتي سبقت خلقي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فحج آدم موسى » .
وأخرج ابن النجار في تاريخه عن ابن عمر قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : التقى آدم وموسى عليهما السلام فقال له موسى : أنت آدم الذي خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وأدخلك جنته ، ثم أخرجتنا منها؟ فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته ، وقربك نجيا ، وأنزل عليك التوراة ، فأسألك بالذي أعطاك ذلك بكم تجده كتب عليّ قبل أن أخلق؟ قال : أجده كتب عليك بالتوراة بألفي عام فحج آدم موسى » .
أما قوله تعالى : { وقلنا اهبطوا } الآية .
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ } قال : آدم وحوّاء ، وإبليس والحية { ولكم في الأرض مستقر } قال : القبور { ومتاع إلى حين } قال : الحياة .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله { اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ } قال : آدم ، والحية والشيطان .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة عن أبي صالح قال { اهبطو } قال : آدم ، وحوّاء ، والحية .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال { اهبطوا } يعني آدم ، وحوّاء ، وإبليس .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيات؟ فقال : خلقت هي والإِنسان كل واحد منهما عدوّ لصاحبه . إن رآها أفزعته ، وإن لدغته أوجعته . فاقتلها حيث وجدتها » .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله { ولكم في الأرض مستقر } فوق الأرض ، ومستقر تحت الأرض . قال { ومتاع إلى حين } حتى يصير إلى الجنة ، أو إلى النار .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أهبط آدم إلى أرض يقال لها دجنا ، بين مكة والطائف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : اهبط آدم بالصفا ، وحوّاء بالمروة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس . إن أوّل ما أهبط الله آدم إلى أرض الهند . وفي لفظ بدجناء أرض الهند .
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في البعث وابن عساكر عن ابن عباس قال : قال علي بن أبي طالب : أطيب ريح الأرض الهند . أهبط بها آدم فعلق ريحها من شجر الجنة .(1/84)
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس قال : أهبط آدم بالهند وحوّاء بجدة ، فجاء في طلبها حتى أتى جمعا ، فازدلفت إليه حوّاء . فلذلك سميت « المزدلفة » واجتمعا بحمع فلذلك سميت « جمعا » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن رجاء بن أبي سلمة قال : أهبط آدم يديه على ركبتيه مطأطئاً رأسه ، وأهبط إبليس مشبكاً بين أصابعه رافعاً رأسه إلى السماء .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن حميد بن هلال قال : إنما كره التخصر في الصلاة لأن إبليس أهبط متخصراً .
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن أبي هريرة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نزل آدم عليه السلام بالهند فاستوحش ، فنزل جبريل فنادى بالأذان : الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرتين ، أشهد أن محمداً رسول الله مرتين . فقال : ومن محمد هذا؟ قال : هذا آخر ولدك من الأنبياء » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وابن المنذر وابن عساكر عن جابر بن عبدالله قال : إن آدم لما أهبط إلى الأرض ، هبط بالهند وإن رأسه كان ينال السماء ، وإن الأرض شكت إلى ربها ثقل آدم ، فوضع الجبار تعالى يده على رأسه ، فانحط منه سبعون ذراعاً ، وهبط معه بالعجوة ، والاترنج ، والموز ، فلما أهبط قال : رب هذا العبد الذي جعلت بيني وبينه عداوة ، إن لم تعني عليه لا أقوى عليه ، قال : لا يولد لك ولد إلا وكلت به ملكاً قال : رب زدني قال : أجازي بالسيئة السيئة ، وبالحسنة عشر أمثالها إلى ما أزيد قال : رب زدني قال : باب التوبة له مفتوح ما دام الروح في الجسد قال إبليس : يا رب هذا العبد الذي أكرمته إن لم تعني عليه لا أقوى عليه قال : لا يولد له ولد إلا ولد لك ولد قال : يا رب زدني قال : تجري منه مجرى الدم ، وتتخذ في صدورهم بيوتاً قال : رب زدني قال { أجلب عليهم بخيلك ورجلك ، وشاركهم في الأموال والأولاد } [ الإِسراء : 64 ] .
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال : لما خلق الله آدم كان رأسه يمس السماء ، فوطاه الله إلى الأرض حتى صار ستين ذراعاً في سبع أذرع عرضاً .
وأخرج الطبراني عن عبدالله بن عمر قال : لما أهبط الله آدم بأرض الهند ومعه غرس من شجر الجنة فغرسه بها ، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض ، وكان يسمع كلام الملائكة فكان ذلك يهوّن عليه وحدته ، فغمز غمزة فتطأطأ إلى سبعين ذراعاً ، فأنزل الله إني منزل عليك بيتاً يطاف حوله كما تطوف الملائكة حول عرشي ، ويصلي عنده كما تصلي الملائكة حول عرشي . فأقبل نحو البيت ، فكان موضع كل قدم قرية ، وما بين قدميه مفازة ، حتى قدم مكة فدخل من باب الصفا ، وطاف بالبيت ، وصلّى عنده ، ثم خرج إلى الشام فمات بها .(1/85)
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن مجاهد قال : لما أهبط آدم إلى الأرض فزعت الوحوش ومن في الأرض من طوله ، فأطر منه سبعون ذراعاً .
وأخرج ابن جرير في تاريخه والبيهقي في شعب الإِيمان وابن عساكر عن ابن عباس قال : إن آدم حين خرج من الجنة كان لا يمر بشيء إلا عنت به فقيل للملائكة : دعوه فليتزوّد منها ما شاء . فنزل حين نزل بالهند ، ولقد حج منها أربعين حجة على رجليه .
وأخرج سعيد بن منصور عن عطاء بن أبي رباح قال : هبط آدم بأرض الهند ومعه أعواد أربعة من أعواد الجنة ، وهي هذه التي تتطيب بها الناس ، وأنه حج هذا البيت على بقرة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : أخرج آدم من الجنة للساعة التاسعة أو العاشرة ، فأخرج معه غصناً من شجر الجنة على رأسه تاج من شجر الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن الحسن قال : أهبط آدم بالهند ، وهبطت حوّاء بجدة ، وهبط إبليس بدست بيسان من البصرة على أميال ، وهبطت الحية باصبهان .
وأخرج ابن جرير في تاريخه عن ابن عمر قال : إن الله أوحى إلى آدم وهو ببلاد الهند أن حج هذا البيت فحج ، فكان كلما وضع قدمه صار قرية ، وما بين خطوتيه مفازة ، حتى انتهى إلى البيت ، فطاف به ، وقضى المناسك كلها ، ثم أراد الرجوع ، فمضى حتى إذا كان بالمازمين تلقته الملائكة فقالت : برَّ حجك يا آدم ، فدخله من ذلك . . . فلما رأت ذلك الملائكة منه قالت : يا آدم إنا قد حججنا هذا قبلك قبل أن تخلق بألفي سنة . فتقاصرت إليه نفسه .
وأخرج الشافعي في الأم والبيهقي في الدلائل والأصبهاني في الترغيب عن محمد بن كعب القرظي قال : حج آدم عليه السلام ، فلقيته الملائكة فقالوا : برَّ نُسكك يا آدم لقد حججنا قبلك بألفي عام .
وأخرج الخطيب في التاريخ بسند فيه من لا يعرف عن يحيى بن أكثم أنه قال في مجلس الواثق : من حلق رأس آدم حين حج؟ فتعايا الفقهاء عن الجواب فقال الواثق : أنا أحضر من ينبئكم بالخبر . فبعث إلى علي بن محمد بن جعفر بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسأله . . . ؛ فقال : حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن جده قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمر جبريل أن ينزل بياقوتة من الجنة فهبط بها ، فمسح بها رأس آدم ، فتناثر الشعر منه ، فحيث بلغ نورها صار حرماً » .
وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله لما أخرج آدم من الجنة زوّده من ثمار الجنة ، وعلمه صنعة كل شيء . فثماركم من ثمار الجنة غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير » .(1/86)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي موسى الأشعري موقوفاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أهبط آدم بثلاثين صنفاً من فاكهة الجنة ، منها ما يؤكل داخله وخارجه ، ومنا ما يؤكل داخله ويطرح خارجه ، ومنها ما يؤكل خارجه ويطرح داخله .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب البكاء عن علي بن أبي طلحة قال : أول شيء أكله آدم حين أهبط إلى الأرض الكمثرى ، وإنه لما أراد أن يتغوّط أخذه من ذلك كما يأخذ المرأة عند الولادة ، فذهب شرقاً وغرباً لا يدري كيف يصنع! حتى نزل إليه جبريل فأقعى آدم ، فخرج ذلك منه ، فلما وجد ريحه مكث يبكي سبعين سنة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ثلاثة أشياء أنزلت مع آدم : السندان ، والكلبتان ، والمطرقة .
وأخرج ابن عدي وابن عساكر في التاريخ بسند ضعيف عن سلمان قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن آدم أهبط إلى الأرض ومعه السندان ، والكلبتان ، والمطرقة ، واهبطت حواء بجدة » .
وأخرج ابن عساكر من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال « قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله لما خلق الدنيا لم يخلق فيها ذهباً ولا فضة ، فلما أن أهبط آدم وحواء أنزل معهما ذهباً وفضة ، فسلكه ينابيع في الأرض منفعة لأولادهما من بعدهما ، وجعل ذلك صداق آدم لحواء . فلا ينبغي لأحد أن يتزوّج إلا بصداق » .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : لما أهبط الله آدم أهبطه بأشياء ثمانية : أزواج من الإِبل ، والبقر ، والضأن ، والمعز ، وأهبطه بباسنة فيها بذر ، وتعريشة عنبة ، وريحانة ، والباسنة : قيل : إنها آلات الصناع ، وقيل هي سكة الحرث وليس بعربي محض .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن السري بن يحيى قال : اهبط آدم من الجنة ومعه البذور ، فوضع إبليس عليها يده ، فما أصاب يده ذهبت منفعته .
وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن أنس قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هبط آدم وحواء عريانين جميعاً ، عليهما ورق الجنة ، فأصابه الحر حتى قَعَدَ يبكي ويقول لها : يا حواء قد آذاني الحر ، فجاءه جبريل بقطن ، وأمرها أن تغزل وعلمها ، وعلم آدم وأمر آدم بالحياكة وعلمه ، وكان لم يجامع امرأته في الجنة حتى هبط منها ، وكان كل منهما ينام على حدة حتى جاءه جبريل فأمره أن يأتي أهله وعلمه كيف يأتيها ، فلما أتاها جاءه جبريل فقال : كيف وجدت امرأتك؟ قال : صالحة » .
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أنس مرفوعاً « أول من حاك آدم عليه السلام » .(1/87)
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : كان آدم عليه السلام حراثاً ، وكان إدريس خياطاً ، وكان نوح نجاراً ، وكان هود تاجراً ، وكان إبراهيم راعياً ، وكان داود زراداً ، وكان سليمان خوّاصاً ، وكان موسى أجيراً ، وكان عيسى سياحاً ، وكان محمد صلى الله عليه وسلم شجاعاً جعل رزقه تحت رمحه .
وأخرج الحاكم عن ابن عباس أنه قال لرجل عنده : أدن مني أحدثك عن الأنبياء المذكورين في كتاب الله . أحدثك عن آدم كان حراثاً ، وعن نوح كان نجاراً ، وعن إدريس كان خياطاً ، وعن داود كان زراداً ، وعن موسى كان راعياً ، وعن إبراهيم كان زراعاً عظيم الضيافة ، وعن شعيب كان راعياً ، وعن لوط كان زراعاً ، وعن صالح كان تاجراً ، وعن سليمان كان ولي الملك ، ويصوم من السهر ستّة أيام في أوله ، وثلاثة في وسطه ، وثلاثة في آخره ، وكان له تسعمائة سرية ، وثلاثمائة مهرية ، وأحدثك عن ابن العذراء البتول عيسى . إنه كان لا يخبىء شيئاً لغد ، ويقول : الذي غداني سوف يعشيني والذي غشاني سوف يغدّيني ، يعبد الله ليلته كلها ، وهو بالنهار يسبح ويصوم الدهر ويقوم الليل كله .
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس قال : نزل آدم بالحجر الأسود من الجنة يمسح به دموعه ، ولم ترق دموع آدم من حين خرج من الجنة حتى رجع إليها .
وأخرج أبو الشيخ عن جابر بن عبدالله قال : إن آدم لما أهبط إلى الأرض شكا إلى ربه الوحشة ، فأوحى الله إليه : أن انظر بحيال بيتي الذي رأيت ملائكتي يطوفون به ، فاتخذ بيتاً فطف به كما رأيت ملائكتي يطوفون به . فكان ما بين يديه مفاوز ، وما بين قدميه الأنهار والعيون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : نزل آدم بالهند ، فنبتت شجرة الطيب .
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال : خرج آدم من الجنة بين الصلاتين : صلاه الظهر : وصلاة العصر ، فأنزل إلى الأرض . وكان مكثه في الجنة نصف يوم من أيام الآخرة ، وهو خمسمائة سنة من يوم كان مقداره اثنتي عشرة ساعة ، واليوم ألف سنة مما يعد أهل الدنيا . فأهبط آدم على جبل بالهند يقال له نود ، وأُهْبِطَت حواء بجدة ، فنزل آدم معه ريح الجنة ، فعلق بشجرها وأوديتها ، فامتلأ ما هنالك طيباً ، ثم يؤتى بالطيب من ريح آدم وقالوا : أنزل عليه من طيب الجنة أيضاً ، وأنزل معه الحجر الأسود ، وكان أشد بياضاً من الثلج ، وعصا موسى وكانت من آس الجنة . طولها عشرة أذرع على طول موسى . ومر ولبان . ثم أنزل عليه بعد السندان ، والكلبة ، والمطرقتان ، فنظر آدم حين أهبط على الجبل إلى قضيب من حديد نابت على الجبل فقال : هذا من هذا! فجعل يكسر أشجاراً قد عتقت ويبست بالمطرقة ، ثم أوقد على ذلك القضيب حتى ذاب ، فكان أول شيء ضرب منه مدية ، فكان يعمل بها ، ثم ضرب التنور وهو الذي ورثه نوح ، وهو الذي فار بالهند بالعذاب .(1/88)
فلما حج آدم عليه السلام وضع الحجر الأسود على أبي قبيس ، فكان يضيء لأهل مكة في ليالي الظلم كما يضيء القمر ، فلما كان قبيل الإِسلام بأربع سنين ، وقد كان الحيض والجنب يعمدون إليه يمسحونه فاسود ، فأنزلته قريش من أبي قبيس ، وحج آدم من الهند أربعين حجة إلى مكة على رجليه .
وكان آدم حين اهبط يمسح رأسه السماء ، فمن ثم صلع وأورث ولده الصلع ، ونفرت من طوله دواب البر فصارت وحشاً يومئذ ، وكان آدم وهو على ذلك الجبل قائماً يسمع أصوات الملائكة ، ويجد ريح الجنة . فهبط من طوله ذلك إلى ستين ذراعاً ، فكان ذلك طوله حتى مات ، ولم يجمع حسن آدم لأحد من ولده إلا ليوسف عليه السلام ، وأنشأ آدم يقول : رب كنت جارك في دارك ليس لي رب غيرك ولا رقيب دونك ، آكل فيها رغداً وأسكن حيث أحببت ، فأهبطتني إلى هذا الجبل المقدس ، فكنت أسمع أصوات الملائكة ، وأراهم كيف يحفون بعرشك ، وأجد ريح الجنة وطيبها ، ثم أهبطتني إلى الأرض وحططتني إلى ستين ذراعاً ، فقد انقطع عني الصوت والنظر ، وذهب عني ريح الجنة فأجابه الله تبارك وتعالى : لمعصيتك يا آدم فعلت ذلك بك .
فلما رأى عري آدم وحواء أمره أن يذبح كبشاً من الضأن من الثمانية الأزواج التي أنزل الله من الجنة ، فأخذ آدم كبشاً وذبحه ، ثم أخذ صوفه فغزلته حواء ونسجته هو ، فنسج آدم جبة لنفسه ، وجعل لحواء درعاً وخماراً فلبساه ، وقد كانا اجتمعا بجمع فسميت « جمعاً » وتعارفا بعرفة فسميت « عرفة » وبكيا عل ما فاتهما مائة سنة ، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوماً ، ثم أكلا وشربا وهما يومئذ على نود الجبل الذي أهبط عليه آدم ، ولم يقرب حواء مائة سنة .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس . أن آدم كان لغته في الجنة العربية ، فلما عصى سلبه الله العربية وتكلم بالسريانية ، فلما تاب رد عليه العربية .
وأخرج أبو نعيم وابن عساكر عن مجاهد قال : أوحى الله إلى الملكين : أخرجا آدم وحواء من جواري فإنهما عصياني ، فالتفت آدم إلى حواء باكياً وقال : استعدي للخروج من جوار الله هذا أول شؤم المعصية ، فنزع جبريل التاج عن رأسه ، وحل ميكائيل الاكليل عن جبينه ، وتعلق به غصن ، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة ، فنكس رأسه يقول : العفو العفو فقال الله : فراراً مني؟ فقال : بل حياء منك يا سيدي .
وأخرج اسحق بن بشر وابن عساكر عن عطاء . أن آدم لما أهبط من الجنة خر في موضع البيت ساجداً ، فمكث أربعين سنة لا يرفع رأسه .(1/89)
وأخرج ابن عساكر عن قتادة قال : لما أهبط الله آدم إلى الأرض قيل له : لن تأكل الخبز بالزيت حتى تعمل عملاً مثل الموت .
وأخرج ابن عساكر عن عبد الملك بن عمير قال : لما أهبط آدم وإبليس ، ناح إبليس حتى بكى آدم ، ثم حدا ثم ضحك .
وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال « بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن آدم قبل أن يصيب الذنب كان أجله بين عينيه وأمله خلفه ، فلما أصاب الذنب جعل الله أمله بين عينيه وأجله خلفه ، فلا يزال يؤمل حتى يموت » .
وأخرج وكيع وأحمد في الزهد عن الحسن قال : كان آدم قبل أن يصيب الخطيئة أجله بين عينيه وأمله وراء ظهره ، فلما أصاب الخطيئة حوّل أمله بين عينيه وأجله وراء ظهره .
وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال : كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده .
وأخرج ابن عساكر عن الحسن . أن آدم لما أهبط إلى الأرض تحرك بطنه فأخذه لذلك غم ، فجعل لا يدري كيف يصنع ، فأوحى الله إليه : أن اقعد فقعد ، فلما قضى حاجته فوجد الريح جزع وبكى وعض على أصبعه ، فلم يزل يعض عليها ألف عام .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : بكى آدم حين هبط من الجنة بكاء لم يبكه أحد ، فلو أن بكاء جميع بني آدم مع بكاء داود على خطيئته ما عدل بكاء آدم حين أخرج من الجنة ، ومكث أربعين سنة لا يرفع رأسه إلى السماء .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل والبيهقي في شعب الإِيمان والخطيب وابن عساكر معاً في التاريخ عن بريدة يرفعه قال : لو أن بكاء داود وبكاء جميع أهل الأرض يعدل بكاء آدم ما عدله . ولفظ البيهقي : لو وزن دموع آدم بجميع دموع ولده لرجحت دموعه على جميع دموع ولده .
وأخرج ابن سعد عن الحسن قال : بكى آدم على الجنة ثلثمائة سنة .
وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال : إن الله لما أهبط آدم وحواء قال : اهبطوا إلى الأرض ، فلدوا للموت ، وابنوا للخراب .
وأخرج ابن المبارك في الزهد عن مجاهد قال : لما أهبط آدم إلى الأرض قال له ربه عز وجل : ابن للخراب ، ولد للفناء .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير قال : لما أهبط آدم إلى الأرض كان فيها نسر ، وحوت في البحر ، ولم يكن في الأرض غيرهما ، فلما رأى النسر آدم وكان يأوي إلى الحوت ويبيت عنده كل ليلة قال : يا حوت لقد أهبط اليوم إلى الأرض شيء يمشي على رجليه ويبطش بيده فقال له الحوت : لئن كنت صادقاً ما لي في البحر منه منجى ولا لك في البر .(1/90)
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)
أخرج الطبراني في المعجم الصغير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل وابن عساكر عن عمر بن الخطاب قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه ، رفع رأسه إلى السماء فقال : أسألك بحق محمد إلا غفرت لي؟ فأوحى الله إليه : ومن محمد؟ فقال : تبارك اسمك . لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب » لا إله إلا الله محمد رسول الله « فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدراً ممن جعلت اسمه مع اسمك . فأوحى الله إليه : يا آدم انه آخر النبين من ذريتك ، ولولا هو ما خلقتك » .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في التوبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { فتلقى آدم من ربه كلمات } قال : أي رب ألم تخلقني بيدك؟ قال : بلى . قال : أي رب ألم تنفخ فيّ من روحك؟ قال : بلى . قال : أي رب ألم تسبق إلي رحمتك قبل غضبك؟ قال : بلى . قال : أي رب أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال : نعم .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن عساكر بسند ضعيف عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لما أهبط الله آدم إلى الأرض قام وجاء الكعبة فصلى ركعتين ، فألهمه الله هذا الدعاء : اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي ، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي ، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي . اللهم أسألك إيماناً يباشر قلبي ، ويقيناً صادقاً حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي ، وأرضني بما قسمت لي ، فأوحى الله إليه : يا آدم قد قبلت توبتك ، وغفرت ذنبك ، ولن يدعوني أحد بهذا الدعاء إلا غفرت له ذنبه ، وكفيته المهم من أمره ، وزجرت عنه الشيطان ، واتجرت له من وراء كل تاجر ، وأقبلت إليه الدنيا راغمة وإن لم يردها » .
وأخرج الجندي والطبراني وابن عساكر في فضائل مكة عن عائشة قالت : لما أراد الله أن يتوب على آدم أذن له فطاف بالبيت سبعاً والبيت يومئذ ربوة حمراء فلما صلى ركعتين قام استقبل البيت وقال : اللهم إنك تعلم سريرتي وعلانيتي فاقبل معذرتي فأعطني سؤلي ، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي . اللهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي ، ويقيناً صادقاً حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي ، والرضا بما قسمت لي . فأوحى الله إليه : إني قد غفرت ذنبك ، ولن يأتي أحد من ذريتك يدعوني بمثل ما دعوتني إلا غفرت ذنوبه ، وكشفت غمومه وهمومه ، ونزعت الفقر من بين عينيه ، واتجرت له من وراء كل تاجر ، وجاءته الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها .(1/91)
وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة والطبراني في الأوسط والبيهقي في الدعوات وابن عساكر بسند لا بأس به عن بريدة قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما أهبط الله آدم إلى الأرض طاف بالبيت أسبوعاً ، وصلى حذاء البيت ركعتين ثم قال : اللهم أنت تعلم سري وعلانيتي فأقبل معذرتي ، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي ، وتعلم ما عندي فاغفر لي ذنوبي . أسألك إيماناً يباهي قلبي ، ويقيناً صادقاً حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي ، ورضّني بقضائك . فأوحى الله إليه : يا آدم إنك دعوتني بدعاء فاستجبت لك فيه ، ولن يدعوني به أحد من ذريتك إلا استجبت له ، وغفرت له ذنبه ، وفرجت همه وغمه ، واتجرت له من وراء كل تاجر ، وأتته الدنيا راغمة وإن كان لا يريدها » .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الحلية عن عبيد بن عمير الليثي قال : قال آدم : يا رب أرأيت ما أتيت أشيء كتبته عليّ قبل أن تخلقني أو شيء ابتدعته على نفسي؟ قال : بلى شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك قال : يا رب فكما كتبته علي فاغفره لي . فذلك قوله { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن قتادة في قوله { فتلقى آدم من ربه كلمات } قال : ذكر لنا أنه قال : يا رب أرأيت إن تبت وأصلحت؟ قال : فإني إذن أرجعك إلى الجنة { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } [ الأعراف : 23 ] فاستغفر آدم ربه وتاب إليه فتاب عليه . وأما عدو الله إبليس فوالله ما تنصل من ذنبه ، ولا سأل التوبة حين وقع بما وقع به ، ولكنه سأل النظرة إلى يوم الدين ، فأعطى الله كل واحد منهما ما سأل .
وأخرج الثعلبي من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله { فتلقى آدم من ربه كلمات } قال : قوله { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } .
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله { فتلقى آدم من ربه كلمات } قال هو قوله { ربنا ظلمنا أنفسنا . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن محمد بن كعب القرظي في قوله { فتلقلى آدم من ربه كلمات } قال : هو قوله { ربنا ظلمنا أنفسنا . . . } الآية . ولو سكت الله عنها لم يخبرنا عنها لتفحص رجال حتى يعلموا ما هي .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { فتلقى آدم من ربه كلمات } قال : هو قوله { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } .(1/92)
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وعن الضحاك . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن اسحق التميمي قال : قلت لابن عباس ما الكلمات التي تلقى آدم من ربه؟ قال : علم شأن الحج . فهي الكلمات .
وأخرج عبد بن حميد عن عبدالله بن زيد في قوله { فتلقى آدم من ربه كلمات } قال : لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك . رب عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين . لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك . رب عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين . لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك . رب عملت سوءاً وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التوّاب الرحيم .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان وابن عساكر عن أنس في قوله { فتلقى آدم من ربه كلمات } قال : سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين . لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين . لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التوّاب الرحيم . وذكر أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن شك فيه .
وأخرج هناد في الزهد عن سعيد بن جبير قال : لما أصاب آدم الخطيئة فزع إلى كلمة الاخلاص فقال : لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ربي عملت سوءاً وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التوّاب الرحيم .
وأخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس . إن آدم عليه السلام طلب التوبة مائتي سنة حتى أتاه الله الكلمات ، ولقنه إياها قال : بينا آدم عليه السلام جالس يبكي ، واضع راحته على جبينه إذ أتاه جبريل فسلم عليه ، فبكى آدم وبكى جبريل لبكائه فقال له : يا آدم ما هذه البلية التي أجحف بك بلاؤها وشقاؤها ، وما هذا البكاء؟ قال : يا جبريل وكيف لا أبكي وقد حوّلني ربي من ملكوت السموات إلى هوان الأرض ، ومن دار المقام إلى دار الظعن والزوال ، ومن دار العنة إلى دار البؤس والشقاء ، ومن دار الخلد إلى دار الفناء؟ كيف أحصي يا جبريل هذه المصيبة؟ فانطلق جبريل إلى ربه فأخبره بمقالة آدم فقال الله عز وجل : انطلق يا جبريل إلى آدم فقل : يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ قال : بلى يا رب قال : ألم أنفخ فيك من روحي؟ قال : بلى يا رب قال : ألم أسجد لك ملائكتي؟ قال : بلى يا رب قال ألم أسكنك جنتي؟ قال : بلى يا رب قال : ألم آمرك فعصيتني؟ قال : بلى يا رب قال : وعزتي وجلالي وارتفاعي في علو مكاني لو ان ملء الأرض رجالاً مثلك ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين ، غير أنه يا آدم قد سبقت رحمتي غضبي ، قد سمعت صوتك وتضرعك ، ورحمت بكاءك ، وأقلت عثرتك ، فقل : لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت خير الراحمين .(1/93)
لا إله إلا أنت سبحانك عملت سوءاً وظلمت نفسي . فتب علي إنك أنت التوّاب الرحيم . فذلك { فتلقى آدم من ربّه كلمات . . . } الآية .
واخرج ابن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال : لما أصاب آدم الخطيئة عظم كربه ، واشتد ندمه . فجاءه جبريل فقال : يا آدم هل أدلك على باب توبتك الذي يتوب الله عليك منه؟ قال بلى يا جبريل قال : قم في مقامك الذي تناجي فيه ربّك فمجده وامدح ، فليس شيء أحب إلى الله من المدح قال : فأقول ماذا يا جبريل؟ قال : فقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت ، بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير . ثم تبوء بخطيئتك فتقول : سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت . رب إني ظلمت نفسي وعملت السوء فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . اللهم إني أسألك بجاه محمد عبدك وكرامته عليك أن تغفر لي خطيئتي . قال : ففعل آدم فقال الله : يا آدم من علمك هذا؟ فقال : يا رب إنك لما نفخت فيّ الروح فقمت بشراً سوياً أسمع وأبصر وأعقل وأنظر رأيت على ساق عرشك مكتوباً « بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله » فلما لم أر على أثر اسمك اسم ملك مقرب ، ولا نبي مرسل غير اسمه علمت أنه أكرم خلقك عليك . قال : صدقت . وقد تبت عليك وغفرت لك خطيئتك قال : فحمد آدم ربه وشكره وانصرف بأعظم سرور ، لم ينصرف به عبد من عند ربه . وكان لباس آدم النور قال الله { ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما } ثياب النور قال : فجاءته الملائكة أفواجاً تهنئه يقولون : لتهنك توبة الله يا أبا محمد .
وأخرج أحمد في الزهد عن قتادة قال : اليوم الذي تاب الله فيه على آدم يوم عاشوراء .
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسندٍ واهٍ عن علي قال « سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه } فقال : إن الله أهبط آدم بالهند ، وحوّاء بجدة ، وإبليس ببيسان ، والحية بأصبهان . وكان للحية قوائم كقوائم البعير ، ومكث آدم بالهند مائة سنة باكياً على خطيئته حتى بعث الله إليه جبريل وقال : يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أسجد لك ملائكتي؟ ألم أزوّجك حواء أمتي؟ قال : بلى . قال : فما هذا البكاء؟ قال : وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمن! قال : فعليك بهؤلاء الكلمات . فإن الله قابل توبتك ، وغافر ذنبك . قل : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد ، سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم . اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التوّاب الرحيم . فهولاء الكلمات التي تلقى آدم » .(1/94)
وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال : سأل بحق محمد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، إلا تبت علي فتاب عليه » . وأخرج الخطيب في أماليه وابن عساكر بسند فيه مجاهيل عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن آدم لما أكل من الشجرة أوحى الله إليه : اهبط من جواري . وعزتي لا يجاورني من عصاني . فهبط إلى الأرض مسوداً ، فبكت الأرض وضجت . فأوحى الله : يا آدم صم لي اليوم يوم ثلاثة عشر . فصامه فأصبح ثلثه أبيض ، ثم أوحى الله إليه : صم لي هذا اليوم يوم أربعة عشر . فصامه فأصبح ثلثاه أبيض ، ثم أوحى الله إليه صم لي هذا اليوم يوم خمسة عشر . فصامه فأصبح كله أبيض . فسميت أيام البيض » .
وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال : لما أهبط الله آدم من الجنة إلى الأرض قال له : يا آدم أربع احفظهن : واحدة لي عندك ، وأخرى لك عندي ، وأخرى بيني وبينك ، وأخرى بينك وبين الناس . فأما التي لي عندك فتعبدني لا تشرك بي شيئاً ، وأما التي لك عندي فأوفيك عملك لا أظلمك شيئاً ، وأما التي بيني وبينك فتدعوني فاستجيب لك ، وأما التي بينك وبين الناس فترضى للناس أن تأتي إليهم بما ترضى أن يؤتوا إليك بمثله .
وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي في الأسماء والصفات عن سلمان قال : لما خلق الله آدم قال : يا آدم واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة بيني وبينك . فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئاً ، وأما التي لك فما عملت من شيء جزيتك به وأن أغفر فأنا غفور رحيم ، وأما التي بيني وبينك فمنك المسألة والدعاء وعلي الاجابة والعطاء .
وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن سلمان رفعه .
وأخرج الخطيب وابن عساكر عن أنس قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما أهبط الله آدم إلى الأرض مكث فيها ما شاء الله أن يمكث ، ثم قال له بنوه : يا أبانا تكلم . فقام خطيباً في أربعين ألفاً من ولده وولد ولده فقال : إن الله أمرني فقال : يا آدم أقلل كلامك ترجع إلى جواري » .
وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال : لما أهبط الله آدم إلى الأرض أكثر ذريته فنمت ، فاجتمع إليه ذات يوم ولده وولد ولده ، فجعلوا يتحدثون حوله وآدم ساكت لا يتكلم فقالوا : يا أبانا ما لنا نحن نتكلم وأنت ساكت لا تتكلم؟! فقال : يا بني إن الله لما أهبطني من جواره إلى الأرض عهد إلي فقال : يا آدم أقل الكلام حتى ترجع إلى جواري .(1/95)
وأخرج ابن عساكر عن فضالة بن عبيد قال : إن آدم كبر حتى تلعب به بنو بنيه فقيل له : ألا تنهى بني بينك أن يلعبوا بك قال : إني رأيت ما لم يروا ، وسمعت ما لم يسمعوا ، وكنت في الجنة وسمعت الكلام ، وإن ربي وعدني إن أنا أسكت فمي أن يدخلني الجنة .
وأخرج ابن الصلاح في أماليه عن محمد بن النضر قال : قال آدم : يا رب شغلتني بكسب يدي فعلمني شيئاً فيه مجامع الحمد والتسبيح . فأوحى الله إليه : يا آدم إذا أصبحت فقل ثلاثاً ، وإذا أمسيت فقل ثلاثاً . الحمد لله رب العالمين ، حمداً يوافي نعمه ، ويكافئ مزيده فذلك مجامع الحمد والتسبيح .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن قتادة قال : كان آدم عليه السلام يشرب من السحاب .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن كعب قال : أوّل من ضرب الدينار والدرهم آدم عليه السلام .
وأخرج ابن عساكر عن معاوية بن يحيى قال : أوّل من ضرب الدينار والدرهم آدم ، ولا تصلح المعيشة إلا بهما .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال : أوّل من مات آدم عليه السلام .
وأخرج ابن سعد والحاكم وابن مردويه عن أبي كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لما حضر آدم قال لبنيه : أنطلقوا فاجنوا لي من ثمار الجنة ، فخرجوا فاستقبلتهم الملائكة فقالوا : أين تريدون؟ قالوا : بعثنا أبونا لنجني له من ثمار الجنة فقالوا : ارجعوا فقد كفيتم . فرجعوا معهم حتى دخلوا على آدم ، فلما رأتهم حواء ذعرت منهم وجعلت تدنو إلى آدم وتلصق به فقال : إليك عني ، فمن قبلك أتيت . خلّي بيني وبين ملائكة ربي قال : فقبضوا روحه ، ثم غسلوه وحنطوه وكفنوه ، ثم صلوا عليه ، ثم حفروا له ودفنوه ، ثم قالوا : يا بني آدم هذه سنتكم في موتاكم فكذلكم فافعلوا » .
وأخرجه ابن أبي شيبة عن أبيّ . موقوفاً .
وأخرج ابن عساكر عن أبي « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن آدم لما حضرته الوفاة أرسل الله إليه بكفن وحنوط من الجنة ، فلما رأت حواء الملائكة جزعت فقال : خليّ بيني وبين رسل ربي . فما لقيت إلا منك ، ولا أصابني الذي أصابني إلا منك » .
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لآدم بنون : ودّ ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر . فكان أكبرهم يغوث فقال له : يا بني انطلق .(1/96)
فإن لقيت أحداً من الملائكة فأمره يجيئني بطعام من الجنة ، وشراب من شرابها . فانطلق فلقي جبريل بالكعبة فسأله عن ذلك قال : ارجع فإن أباك يموت . فرجعنا فوجداه يجود بنفسه ، فوليه جبريل فجاءه بكفن ، وحنوط ، وسدر ، ثم قال : يا بني آدم أترون ما أصنع بأبيكم؟ فاصنعوه بموتاكم فغسلوه ، وكفنوه ، وحنطوه ، ثم حملوه إلى الكعبة فكبر عليه أربعاً ، ووضعوه مما يلي القبلة عند القبور ، ودفنوه في مسجد الخيف .
وأخرج الدارقطني في سننه عن ابن عباس قال : صلى جبريل على آدم وكبر عليه أربعاً . صلى جبريل بالملائكة يومئذ في مسجد الخيف ، وأخذ من قبل القبلة ، ولحد له ، وسنم قبره .
واخرج أبونعيم في الحلية عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فصلى عليها وكبر أربعاً وقال : كبرت الملائكة على آدم أربع تكبيرات » .
وأخرج ابن عساكر عن أبي « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ألحد آدم ، وغسل بالماء وتراً . فقالت الملائكة : هذه سنة ولد آدم من بعده » .
وأخرج ابن عساكر عن عبدالله بن أبي فراس قال : قبر آدم في مغارة فيما بين بيت المقدس ومسجد إبراهيم ، ورجلاه عند الصخرة ، ورأسه عند مسجد إبراهيم . وبينهما ثمانية عشر ميلاً .
وأخرج ابن عساكر عن عطاء الخرساني قال : بكت الخلائق على آدم حين توفي سعبة أيام .
وأخرج ابن عدي في الكامل وأبو الشيخ في العظمة وابن عساكر عن جابر « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس أحد من أهل الجنة إلا يدعى باسمه إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد ، وليس أحد من أهل الجنة إلا وهم جرد مرد إلا ما كان من موسى بن عمران فإن لحيته تبلغ سرته » .
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن علي قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أهل الجنة ليست لهم كنى إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد تعظيماً وتوقيراً » .
وأخرج ابن عساكر عن كعب قال : ليس أحد في الجنة له لحية إلا آدم عليه السلام له لحية سوداء إلى سرته : وذلك أنه لم يكن له في الدنيا لحية وإنما كانت اللحى بعد آدم ، وليس أحد يكنى في الجنة غير آدم . يكنى فيها أبا محمد .
وأخرج أبو الشيخ عن بكر بن عبدالله المزني قال : ليس أحد في الجنة له كنية إلا آدم يكنى أبا محمد . أكرم الله بذلك محمداً صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن عساكر عن غالب بن عبدالله العقيلي قال : كنية آدم في الدنيا أبو البشر ، وفي الجنة أبو محمد .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن خالد بن معدان قال : أهبط آدم بالهند ، وإنه لما توفي حمله خمسون ومائة رجل من بنيه إلى بيت المقدس ، وكان طوله ثلاثين ميلاً ودفنوه بها ، وجعلوا رأسه عند الصخرة ، ورجليه خارجاً من بيت المقدس ثلاثين ميلاً .(1/97)
وأخرج الطبراني عن أبي برزة الأسلمي قال : إن آدم لما طؤطئ منع كلام الملائكة وكان يستأنس بكلامهم بكى على الجنة مائة سنة فقال الله عز وجل له : يا آدم ما يحزنك؟ قال : كيف لا أحزن وقد اهبطتني من الجنة ولا أدري أعود إليها أم لا؟ فقال الله تعالى : يا آدم قل : اللهم لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك سبحانك وبحمدك . رب إني عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين . والثانية : اللهم لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك سبحانك وبحمدك . رب إني عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت أرحم الراحمين . والثالثه : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك لا شريك لك ، رب عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت التوّاب الرحيم . فهي الكلمات التي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم { فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التوّاب الرحيم } قال : وهي لولده من بعده وقال آدم لآبن له يقال له هبة الله . ويسميه أهل التوراة وأهل الإِنجيل شيث : تعبد لربك واسأله أيردني إلى الجنة أم لا؟ فتعبد لله وسأل . فأوحى الله إليه : إني راده إلى الجنة فقال : أي رب إني لست آمن أن أبي سيسألني العلامة ، فألقى الله سواراً من أسورة الحور ، فلما أتاه قال : ما وراءك؟ قال : ابشر . قال : أخبرني أنه رادك إلى الجنة . قال : فما سألته العلامة . فأخرج السوار فرآه فعرفه ، فخر ساجداً فبكى حتى سال من عينيه نهر من دموع ، وآثاره تعرف بالهند . وذكر أن كنز الذهب بالهند مما ينبت من ذلك السوار ، ثم قال : استطعم لي ربك من ثمر الجنة . فلما خرج من عنده مات آدم ، فجاءه جبريل فقال : إلى أين؟ قال : إن أبي أرسلني أن اطلب إلى ربي أن يطعمه من ثمر الجنة قال : فإن ربه قضى أن لا يأكل منها شيئاً حتى يعود إليها ، وأنه قد مات فارجع فواره ، فأخذه جبريل عليه السلام فغسله ، وكفنه ، وحنطه ، وصلى عليه ، ثم قال جبريل : هكذا فاصنعوا بموتاكم .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال : قبر آدم عليه السلام بني في مسجد الخيف ، وقبر حواء بجدة .
وأخرج ابن أبي حنفيه في تاريخه وابن عساكر عن الزهري والشعبي قالا : لما هبط آدم من الجنة وانتشر ولده أرخ بنوه من هبوط آدم فكان ذلك التاريخ حتى بعث الله نوحاً ، فأرّخوا ببعث نوح حتى كان العرق ، فكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم ، فأرّخ بنو اسحق من نار إبراهيم إلى بعث يوسف ، ومن بعث يوسف إلى مبعث موسى ، ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان ، ومن ملك سليمان إلى ملك عيسى ، ومن مبعث عيسى إلى مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرخ بنو إسمعيل من نار إبراهيم إلى بناء البيت حين بناه إبراهيم وإسمعيل .(1/98)
فكان التاريخ من بناء البيت حتى تفرقت معد ، فكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا مخرجهم حتى مات كعب بن لؤي فأرّخوا من موته إلى الفيل ، فكان التاريخ من الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب الهجرة . وذلك سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة .
وأخرج ابن عساكر عن عبد العزيز بن عمران قال : لم يزل للناس تاريخ كانوا يؤرخون في الدهر الأوّل من هبوط آدم من الجنة ، فلم يزل ذلك حتى بعث الله نوحاً ، فارخوا من دعاء نوح على قومه ، ثم أرخوا من الطوفان ، ثم أرخوا من نار إبراهيم ، ثم أرخ بنو اسمعيل من بنيان الكعبة ، ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي ، ثم أرخوا من عام الفيل ، ثم أرخ المسلمون بعد من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .(1/99)
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى } قال : الهدى الأنبياء والرسل والبيان .
وأخرج ابن المنذر عن قتادة في قوله { فمن تبع هداي . . . } الآية . قال : ما زال لله في الأرض أولياء منذ هبط آدم ، ما أخلى الله الأرض لابليس إلا وفيها أولياء له يعملون لله بطاعته .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبي الطفيل قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { فمن تبع هَدْي } بتثقيل الياء وفتحها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { فلا خوف عليهم } يعني في الآخرة { ولا هم يحزنون } يعني لا يحزنون للموت .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في شعب الإِيمان عن قتادة قال : لما هبط إبليس قال : أي رب قد لعنته فما علمه؟ قال : السحر . قال : فما قراءته؟ قال : الشعر . قال : فما كتابه؟ قال : الوشم . قال : فما طعامه؟ قال : كل ميتة وما لم يذكر اسم الله عليه . قال : فما شرابه؟ قال : كل مسكر . قال : فأين مسكنه؟ قال : الحمام . قال : فأين مجلسه؟ قال : الأسواق . قال : فما صوته؟ قال : المزمار . قال : فما مصائده؟ قال : النساء .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قال إبليس لربه تعالى : يا رب قد أهبط آدم ، وقد علمت أنه سيكون كتاب ورسل ، فما كتابهم ورسلهم؟ قال : رسلهم الملائكة والنبيون ، وكتبهم التوراة والإِنجيل والزبور والفرقان . قال : فما كتابي؟ قال : كتابك الوشم ، وقراءتك الشعر ، ورسلك الكهنة ، وطعامك ما لم يذكر اسم الله عليه ، وشرابك كل مسكر ، وصدقك الكذب ، وبيتك الحمام ، ومصائدك النساء ، ومؤذنك المزمار ، ومسجدك الأسواق » .(1/100)
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال : إسرائيل يعقوب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : إسرائيل هو يعقوب .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي مجلز قال : كان يعقوب رجلاً بطيشاً فلقي ملكاً فعالجه الملك فضربه على فخذيه ، فلما رأى يعقوب ما صنع به بطش به فقال : ما أنا بتارك حتى تسميني اسماً فسماه إسرائيل . قال أبو مجلز : ألا ترى أنه من أسماء الملائكة إسرائيل ، وجبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كانت الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، وإبراهيم ، وإسمعيل ، وإسحق ، ومحمد عليهم السلام ، ولم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا إسرائيل وعيسى ، فإسرائيل يعقوب ، وعيسى المسيح .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس : أن إسرائيل وميكائيل وجبريل وإسرافيل كقولك عبد الله .
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن الحرث البصري قال ايل الله بالعبرانية .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يا بني إسرائيل } قال : للأحبار من اليهود { اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } أي آلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون وقومه { وأوفوا بعهدي } الذي أخذت بأعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءكم { أوف بعهدكم } انجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقكم معه واتباعه بوضع ما كان عليهم من الإِصر والأغلال { وإياي فارهبون } أن انزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات { وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أوّل كافر به } وعندكم به من العلم ما ليس عند غيركم { وتكتموا الحق وأنتم تعلمون } أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وأوفوا بعهدي } يقول : ما أمرتكم به من طاعتي ونهيتكم عنه من معصيتي في النبي صلى الله عليه وسلم وغيره { أوف بعهدكم } يقول : أرض عنكم وأدخلكم الجنة .
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود . مثله .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله { وأفوا بعهدي أوف بعهدكم } قال : هو الميثاق الذي أخذ عليهم في سورة { لقد أخذ ميثاق بني إسرائيل . . . } [ المائدة : 12 ] الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } قال : العهد الذي أخذ الله عليهم وأعطاهم الآية التي في سورة المائدة { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل . . . } [ المائدة : 12 ] إلى قوله { ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار } .
وأخرج عبد حميد عن الحسن في قوله { وأفوا بعهدي أوف بعهدكم } قال : أوفوا بما افترضت عليكم أوف لكم بما رأيت الوعد لكم به على نفسي .(1/101)
وأخرج عبد الحميد وأبو الشيخ في العظمة عن الضحاك في قوله { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } قال : أوفوا بطاعتي أوف لكم بالجنة .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { وآمنوا بما أنزلت } قال القران { مصدقاً لما معكم } قال : التوراة والانجيل .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريح في وقوله { ولا تكونوا أوّل كافر به } قال : بالقرآن .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية قال : يقول يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت على محمد مصدقاً لما معكم لأنكم تجدونه مكتوباً عندكم في التوارة والإِنجيل { لا تكونوا أوّل كافر به } يقول : لا تكونوا أوّل من كفر بمحمد { ولا تشتروا بآياتي ثمناً } يقول : لا تأخذوا عليه أجراً . قال : وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأوّل : يا ابن آدم علم مجاناً كما علمت مجاناً .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي العالية في قوله { ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً } قال : لا تأخذ على ما علمت أجراً ، فإنما أجر العلماء والحكماء على الله وهم يجدونه عندهم ، يا ابن آدم علم مجاناً كما علمت مجاناً .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ولا تلبسوا الحق بالباطل } قال : لا تخلطوا الصدق بالكذب { وتكتموا الحق وأنتم تعلمون } قال : لا تكتموا الحق وأنتم قد علمتم أن محمداً رسول الله .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قوله { ولا تلبسوا الحق بالباطل } قال : لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإِسلام وأنتم تعلمون أن دين الله الإِسلام ، وأن اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله { وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } قال : كتموا محمداً وهم يعلمون أنه رسول الله يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإِنجيل ، يأمرهم بالمعروف ويناهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث .
وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في قوله { ولا تلبسوا الحق بالباطل } قال : التوراة التي أنزل الله ، والباطل الذي كتبوه بأيديهم .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { وتكتموا الحق } قال : هو محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن حاتم عن مجاهد في قوله { واركعوا } قال : صلوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله { واركعوا مع الراكعين } قال : أمرهم أن يركعوا مع أمة محمد يقول : كونوا منهم ومعهم .(1/102)
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)
أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } قال : أولئك أهل الكتاب كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب ولا ينتفعون بما فيه .
وأخرج الثعلبي والواحدي عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة ، كان الرجل منه يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينه وبينهم رضاع من المسلمين : اثبت على الدين الذي أنت عليه وما يأمرك به هذا الرجل - يعنون به محمداً صلى الله عليه وسلم - فإن أمره حق ، وكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { أتأمرون الناس بالبر } قال : بالدخول في دين محمد { وأنتم تتلون } يقول : تدرسون الكتاب بذلك { أفلا تعقلون } تفهمون ، ينهاهم عن هذا الخلق القبيح .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : تنهون الناس عن الكفر لما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسلي .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي قلابة في الآية : قال أبو الدرداء : لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت لاناس في ذات الله ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبزار وابن أبي داود في البعث وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو النعيم في الحلية وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « رأيت ليلة أُسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت رجعت ، فقلت لجبريل : من هؤلاء؟ قال : هؤلاء خطباء من أمتك ، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ « يُجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق به أقتابه ، فيدور بها كما يدور الحمار برحاه ، فيطيف به أهل النار فيقولون : يا فلان ما لك ، ما أصابك ، ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر . . . ؟! فيقول : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه » .
وأخرج الخطيب في اقتضاء العلم بالعمل وابن النجار في تاريخ بغداد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « اطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فقالوا : بم دخلتم النار ، وإنما دخلنا بتعليمكم؟! قالوا : إنا كنا نأمركم ولا نفعل » .
وأخرج الطبرني والخطيب في اقتضاء العلم بالعمل وابن عساكر بسند ضعيف عن الوليد بن عقبة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/103)
« إن اناساً من أهل الجنة يتطلعون إلى أناس من أهل النار فيقولون : بم خلتم النار ، فوالله مادخلنا الجنة إلا بتعليمكم؟! فيقولون : إنا كنا نقول ولا نفعل » .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن الوليد بن عقبة أنه خطب الناس ، فقال في خطبته : ليدخلن امراء النار ويدخلن من أطاعهم الجنة ، فيقولون لهم وهم في النار : كيف دخلتم النار وإنما دخلنا الجنة بطاعتكم؟ فيقولون لهم : إنا كنا نأمركم بأشياء نخالف إلى غيرها .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال : يشرف قوم في الجنة على قوم في النار فيقولون : ما لكم في النار ، وإنما كنا نعمل بما تعملون . . . ؟! قالوا : كنا نعلمكم ولا نعمل . . ؟! قالوا : به .
وأخرج ابن المبارك في الزهد عن الشعبي قال : يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار ، فيقولون : ما أدخلكم النار ، وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم؟ قالوا : إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله .
وأخرج الطبراني والخطيب في الاقتضاء والأصبهاني في الترغيب بسند جيد عن جندب بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن جندب البجلي قال : إن مثل الذي يعظ الناس وينسى نفسه كمثل المصباح يضيء لغيره ويحرق نفسه .
وأخرج الطبراني والخطيب في الاقتضاء عن أبي برزة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مثل الذي يعلم الناس وينسى نفسه كمثل الفتيلة تضيء للناس وتحرق نفسها » .
وأخرج ابن قانع في معجمه والخطيب في الاقتضاء عن سليك قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول « إذا علم العالم ولم يعمل كان كالمصباح يضيء للناس ويحرق نفسه » .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب بسند ضعيف عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يجاء بالعالم السوء يوم القيامة فيقذف في جهنم فيدور بقصبه - قلت : وما قصبه؟ قال : أمعاؤه - كما يدور الحمار بالرحى ، فيقال : ياويله ، بم لقيت هذا وإنما اهتدينا بك؟! قال كنت أخالفكم إلى ما انهاكم عنه » .
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به لم يزل في ظل سخط الله حتى يكف أو يعمل ما قال ودع إليه » .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان وابن عساكر عن ابن عباس .(1/104)
أنه جاءه رجل فقال : يا ابن عباس إني اريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر قال : أو بلغت ذلك؟ قال : أرجو . قال : فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله فافعل . قال : وما هن؟ قال : قوله عز وجل { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } أحكمت هذه الآية؟ قال : لا . قال : فالحرف الثاني قال قوله تعالى { لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } [ الصف : 3 ] أحكمت هذه الآية؟ قال : لا . قال : فالحرف الثالث قال قول العبد الصالح شعيب { ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } [ هود : 88 ] أحكمت هذه الآية؟ قال . لا . قال : فابدأ بنفسك .
وأخرج ابن مبارك في الزهد والبيهقي في شعب الإِيمان عن الشعبي قال : ما خطب خطيب في الدنيا إلا سيعرض الله عليه خطبته ما أراد بها .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرادء قال : ويل للذي لا يعلم مرة ولو شاء الله لعلمه ، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات .
وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الله بن مسعود قال : ويل للذي لا يعلم ولو شاء الله لعلمه ، وويل لمن يعلم ثم لا يعمل سبع مرات .(1/105)
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)
أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { واستعينوا بالصبر والصلاة } قال : إنهما معونتان من الله فاستعينوا بهما .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العزاء وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه ، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال : الصبر صبران ، الصبر عند المصيبة حسن ، وأحسن منه الصبر عن محارم الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : الصبر في بابين ، الصبر لله فيما أحب وإن ثقل على الأنفس والأبدان ، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الاهواء ، فمن كان هكذا فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم إن شاء الله تعالى .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر أبو الشيخ في الثواب والديلمي في مسند الفردوس عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصبر ثلاثة : فصبر على المصيبة ، وصبر على الطاعة ، وصبر على المعصية » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده والترمذي وحسنه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان وفي الاسماء والصفات عن ابن عباس قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ قلت : بلى : قال : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأن ما أخطأك لم ليصيبك ، وإن الخلائق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئاً لم يرد الله أن يعطيكه لم يقدروا على ذلك ، أو أن يصرفوا عنك شيئاً أراد الله أن يعطيكه لم يقدروا على ذلك ، وأن قد جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ، فإذا سألت فسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، وإذا اعتصمت فاعتصم بالله ، واعمل لله بالشكر في اليقين ، واعلم أن الصبر على ما تكره خير كثير ، وأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا » .
وأخرج الدارقطني في الإِفراد وابن مردويه والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن سهل بن سعد الساعدي . أن رسول الله صلىلله عليه وسلم قال لعبد الله بن عباس « ألا أعلمك كلمات تنتفع بهن؟ قال : بلى يا رسول الله . قال : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، جف القلم بما هو كائن ، فلو جهد العباد أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه ، ولو جهد العباد أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل لله بصدق في اليقين فافعل ، فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسراً » .(1/106)
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن بن عباس قال : كنت ذات يوم رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ألا أعلمك خصالاً ينفعك الله بهن؟ قلت : بلى . قال : عليك بالعلم فإن العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل دليله ، والعمل قيمه ، والرفق أبوه ، واللين أخوه ، والصبر أمير جنوده » .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان والخرائطي في كتاب الشكر عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الإِيمان نصفان : فنصف في الصبر ، ونصف في الشكر » .
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصبر نصف الإِيمان ، واليقين الإِيمان كله » .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود موقوفاً مثله . وقال البيهقي : أنه المحفوظ .
وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب قال : الإِيمان على أربع دعائم : على الصبر والعدل واليقين والجهاد .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال : « قيل يا رسول الله أي الإِيمان أفضل؟ قال : الصبر والسماحة . قيل : فأي المؤمنين أكمل إيماناً؟ قال : أحسنهم خلقاً » .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن أبيه عن جده قال : بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل فقال : « يا رسول الله ما الإِيمان؟ قال : الصبر والسماحة . قال : فأي الإِسلام أفضل؟ قال : من سلم المسلمون من لسانه ويده . قال : فأي الهجرة أفضل؟ قال : من هجر السوء . قال : فأي الجهاد أفضل؟ قال : من أهرق دمه وعقر جواده . قال : فأي الصدقة أفضل؟ قال : جهد المقل قال : فأي الصلاة أفضل؟ قال : طول القنوت » .
وأخرج أحمد والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : قال رجل « يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال : الصبر والسماحة . قال : أريد أفضل من ذلك . قال : لا تتهم الله في شيء من قضائه » .
وأخرج البيهقي عن الحسن قال : الإِيمان الصبر والسماحة الصبر عن محارم الله وأداء فرائض الله .
وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب الإِيمان والبيهقي عن علي قال : الصبر من الإِيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، إذا قطع الرأس نتن باقي الجسد ، ولا إيمان لمن لا صبر له .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ادخل نفسك في هموم الدنيا واخرج منها بالصبر ، وليردك عن الناس ما تعلم من نفسك » .(1/107)
وأخرج البيهقي عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قضى نهمته في الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة ، ومن مد عينيه إلى زينة المترفين كان مهيناً في ملكوت السماء ، ومن صبر على القوت الشديد أسكانه الله الفردوس حيث شاء » .
وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة والبيهقي واللفظ له عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال « قد أفلح من أسلم وكان رزقه كفافاً وصبر على ذلك » .
وأخرج البيهقي عن أبي الحويرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « طوبى لمن رزقه الله الكفاف وصبر عليه » .
وأخرج البيهقي عن عسعس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رجلاً فسأل عنه ، فجاء فقال : يا رسول الله إني اردت أن آتي هذا الجبل فأخلوا فيه واتعبد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لصبر أحدكم ساعة على ما يكره في بعض مواطن الإِسلام خير من عبادته خالياً أربعين سنة » .
وأخرج البيهقي من طريق عسعس بن سلامة عن أبي حاضر الأسدي « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رجلاً فسأل عنه ، فقيل : إنه قد تفرد يتعبد . فبعث إليه فأتى إليه فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن موطناً من مواطن المسلمين أفضل من عبادة الرجل وحده ستين سنة . قالها ثلاثاً » .
وأخرج البخاري في الأدب والترمذي وابن ماجة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم » .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أيكم يسره أن يقيه الله من فيح جهنم ، ثم قال : ألا إن عمل الجنة خزن بربوة ثلاثاً ، ألا إن عمل النار سهل لشهوة ثلاثاً ، والسعيد من وقى الفتن ومن ابتلى فصبر ، فيا لها ثم يا لها . . . ! » .
وأخرج البيهقي وضعفه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما صبر أهل بين على جهد ثلاثاً إلا أتاهم الله برزق » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من حديث ابن عمر . مثله .
وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من جاع أو احتاج فكتمه الناس كان حقاً على الله أن يرزقه رزق سنة من حلال » .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : ما من مؤمن تقي يحبس الله عنه الدنيا ثلاثة أيام وهو في ذلك راض عن الله من غير جزع إلا وجبت له الجنة .(1/108)
وأخرج البيهقي عن شريح قال : إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات . أحمده إذ لم تكن أعظم مما هي ، وأحمده إذ رزقني الصبر عليها ، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع لما أرجوا فيه من الثواب ، وأحمده إذ لم يجعلها في ديني .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : « هل منكم من يريد أن يؤتيه الله علماً بغير تعلم وهدياً بغير هداية ، هل منكم من يريد أن يذهب الله عنه العمى ويجعله بصيراً ، ألا إنه من زهد الدنيا وقصر أمله فيها أعطاه الله علماً بغير تعلم وهدى بغير هداية ، ألا إنه سيكون بعدكم قوم لا يستقيم لهم الملك إلا بالقتل والتجبر ، ولا الغني إلا بالبخل والفجر ، ولا المحبة إلا بالاستجرام في الدين واتباع الهوى ، إلا فمن أدرك ذلك الزمان منكم فصبر للفقر وهو يقدر على الغنى ، وصبر للبغضاء وهو يقدر على المحبة ، وصبر على الذل وهو يقدر على العز ، لا يريد بذلك إلا وجه الله أعطاه الله ثواب خمسين صديقاً » .
وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أفضل الإِيمان الصبر والسماحة » .
وأخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إنه من يستعف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ، ومن يتصبر يصبره الله ، ولم تعطوا عطاء خيراً وأوسع من الصبر » .
وأخرج أحمد في الزهد عن عمر بن الخطاب قال : وجدنا خير عيشنا الصبر .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ميمون بن مهران قال : ما نال رجلاً من جسيم الخير شيء إلا بالصبر .
وأما قوله تعالى : { والصلاة } .
أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { واستعينوا بالصبر والصلاة } قال : على مرضاة الله ، واعلموا أنهما من طاعة الله .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير عن حذيفة قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة » .
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عاساكر عن أبي الدرداء قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة ريح كان مفزعه إلى المسجد حتى يسكن ، وإذا حدث في السماء حدث من كسوف شمس أو قمر كان مفزعه إلى الصلاة » .
وأخرج أحمد والنسائي وابن حبان عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « كانوا - يعني الأنبياء - يفزعون إذا فزعوا إلى الصلاة » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم والبيهقي في الشعب الإِيمان عن ابن عباس .(1/109)
أنه كان في مسير له ، فنعي إليه ابن له ، فنزل فصلى ركعتين ثم استرجع وقال : فعلنا كما أمرنا الله فقال { واستعينوا بالصبر والصلاة } .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن ابن عباس . أنه نعي إليه أخوه قثم وهو في مسير فاسترجع ، ثم تنحى عن الطريق فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عبادة بن محمد بن عبادة بن الصامت قال : لما حضرت عبادة الوفاة قال : أحرج على إنسان منكم يبكي ، فإذا خرجت نفسي فتوضئوا وأحسنوا الوضوء ، ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجداً فيصلي ، ثم يستغفر لعباده ولنفسه فإن الله تبارك وتعالى قال { واستعينوا بالصبر والصلاة } ثم أسرعوا بي إلى حفرتي .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي من طريق معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة وكانت من المهاجرات الأول في وقوله { واستعينوا بالصبر والصلاة } قالت : غشي على عبد الرحمن بن عبد الرحمن غشية ، فظنوا أنه افاض نفسه فيها ، فخرجت امرأته أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة ، فلما أفاق قال : أغشي عليّ آنفاً؟ قالوا : نعم . قال : صدقتم ، إنه جاءني ملكان فقالا لي : انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين ، فقال ملك آخر : ارجعا فإن هذا ممن كتبت له السعادة وهم في بطون أمهاتهم ويستمتع به بنوه ما شاء الله ، فعاش بعد ذلك شهراً ثم مات .
وأخرج البيهقي في الشعب عن مقاتل بن حبان في قوله { واستعينوا بالصبر والصلاة } يقول : استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلاة ، فحافظوا عليها وعلى مواقيتها وتلاوة القرآن فيها ، وركوعها وسجودها وتكبيرها والتشهد فيها والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإكمال ظهورها فذلك إقامتها ، وإتمامها قوله { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } يقول : صرفك عن بيت المقدس إلى الكعبة كبر ذلك على المنافقين واليهود { إلا على الخاشعين } يعني المتواضعين .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { وإنها لكبيرة } قال : لثقيلة .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { وإنها لكبيرة } قال : قال المشركون : والله يا محمد إنك لتدعونا إلى أمر كبير . قال : إلى الصلاة والإِيمان بالله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إلا على الخاشعين } قل : المصدقين بما أنزل الله .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { إلا على الخاشعين } قال : المؤمنين حقاً .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { إلا على الخاشعين } قال : الخائفين :(1/110)
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كل ظن في القرآن فهو يقين .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ما كان من ظن الآخرة فهو علم .
أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { وإنهم إليه راجعون } قال : يستيقنون أنهم راجعون إليه يوم القيامة .(1/111)
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه كان إذ تلا { اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } قال : مضى القوم وإنما يعني به أنتم .
وأخرج ابن جرير عن سفيان بن عيينه في قوله { اذكروا نعمتي } قال : أيادي الله عليكم وأيامه .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } قال : نعمة الله التي أنعم على بني إسرائيل فيما سمي وفيما سوى ذلك ، فجر لهم الحجر ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وأنجاهم من عبودية آل فرعون .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله { وأني فضلتكم على العالمين } قال : فضلوا على العالم الذي كانوا فيه ، ولكل زمان عالم .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { وأني فضلتكم على العالمين } قال : على من هم بين ظهريه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { وأني فضلتكم على العالمين } قال : بما أعطو من الملك والرسل والكتب على من كان في ذلك الزمان ، فإن لكل زمان عالماً .(1/112)
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)
أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : قرأت على أبي بن كعب { واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس } بالتاء { ولا تقبل منها شفاعة } بالتاء { ولا يؤخذ منها عدل } بالياء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { لا تجزي نفس عن نفس شيئاً } قال : لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئاً .
وأخرج ابن جرير عن عمر بن قيس الملائي عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن الثناء عليه قال : « قيل : يا رسول الله ما العدل؟ قال : العدل الفدية » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { ولا يؤخذ منها عدل } قال : بدل البدل الفدية .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءتنا قبل الخمسين من البقرة مكان { لا تقبل منها شفاعة } لا يؤخذ .(1/113)
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : قالت الكهنة لفرعون : إنه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكك . فجعل فرعون على كل ألف امرأة مائة رجل ، وعلى كل مائة عشرة ، وعلى كل عشر رجلاً ، فقال : انظروا كل امرأة حامل في المدينة ، فإذا وضعت حملها ذكراً فاذبحوه ، وإن كانت أنثى فخلوا عنها ، وذلك قوله { يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { يسومونكم سوء العذاب . . . } الآية . قال : إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة ، فقال له الكهنة : سيولد العلم بمصر غلام يكون هلاكك على يديه . فبعث في أهل مصر للنساء قوابل ، فإذا ولدت امرأة غلاماً أتى به فرعون فقتله ويستحيي الجواري .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { بلاء من ربكم عظيم } يقوله : نعمة .
وأخرج وكيع عن مجاهد في قوله { وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم } قال : نعمة من ربكم عظيمة .(1/114)
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)
أخرج عبد حميد عن قتادة في قوله { وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون } قال : أي والله لفرق بهم البحر حتى صار طريقاً يبساً يمشون فيه { فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون } [ البقرة : 50 ] عدوّهم نعم من الله يعرفهم لكيما يشكروا ويعرفوا حقه .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فقال « ما هذا اليوم الذي تصومون؟ قالوا : هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن أحق بموسى منكم ، فصامه وأمر بصومه » .
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير : أن هرقل كتب إلى معاوية وقال : إن كان بقي فيهم شيء من النبوّة فسيخبرني عما أسألهم عنه . قال : وكتب إليه يسأله عن المجرة ، وعن القوس ، وعن البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة واحدة ، قال : فلما أتى معاوية الكتاب والرسول قال : إن هذا شيء ما كنت آبه له أن أسأل عنه إلى يومي هذا ، من لهذا؟ قالوا : ابن عباس . وطوى معاوية كتاب هرقل وبعثه إلى ابن عباس ، فكتب إليه : إن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق ، والمجرة باب السماء الذي تشق منه ، وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من نهار فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل .
وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « فلق البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء » .(1/115)
وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)
أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة } قال : ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة ، وذلك حين خلف موسى أصحابه واستخلف عليهم هرون ، فمكث على الطور أربعين ليلة وأنزل عليهم التوراة في اللوح ، فقربه الرب نجياً وكلمه وسمع صرير القلم ، وبلغنا أنه لم يحدث حدثاً في الأربعين ليلة حتى هبط الطور .
أما قوله تعالى { ثم اتخذتم } .
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : اسم عجل بني إسرائيل الذي عبدوه يهبوب .(1/116)
ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)
أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { ثم عفونا عنكم من بعد ذلك } يعني من بعد ما اتخذتم العجل .(1/117)
وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)
أخرج عبد حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان } قال : الكتاب هو الفرقان ، فرق بين الحق والباطل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : الفرقان جماع اسم التوراة والإِنجيل والزبور والفرقان .(1/118)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : أمر موسى قومه عن أمر ربه أن يقتلوا أنفسهم ، واحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا ، وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم ، وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضاً ، فانجلت الظلمة عنهم وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل ، كل من قتل منهم كانت له توبة ، وكل من بقي كانت له توبة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال : قالوا لموسى : ما توبتنا؟ قال : يقتل بعضكم بعضاً ، فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه - والله لا يبالي من قتل - حتى قتل منهم سبعون ألفاً ، فأوحى الله إلى موسى : مرهم فليرفعوا أيديهم وقد غفر لمن قتل ، وتيب على من بقي .
وأخرج عبد حميد عن قتادة في قوله { إنكم ظلمتم أنفسكم . . . } الآية . قال : أمر القوم بشديدة من البلاء ، فقاموا يتناحرون بالشفار ، ويقتل بعضهم بعضاً ، حتى بلغ الله نقمته فيهم وعقوبته ، فلما بلغ ذلك سقطت الشفار من أيديهم وأمسك عنهم القتل ، فجعله الله للحي منهم توبة وللمقتول شهادة .
وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن الزهري قال : لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها برزوا ومعهم موسى ، فاضطربوا بالسيوف وتطاعنوا بالخناجر وموسى رافع يديه ، حتى إذا أفنوا بعضهم قالوا : يا نبي الله ادع لنا ، وأخذوا بعضديه فلم يزل أمرهم على ذلك حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم بعضهم عن بعض ، فألقوا السلاح وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم ، فأوحى الله إلى موسى : ما يحزنك . . . ؟ أما من قتل منكم فحي عندي يرزق ، وأما من بقي فقد قبلت توبته . فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { إلى بارئكم } قال : خالقكم . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول تبع :
شهدت على أحمد أنه ... رسول من الله باري النسم
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { إلى بارئكم } قال : خالقكم .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : كان أمر موسى قومه عن أمر ربه أن يقتل بعضهم بعضاً بالخناجر ، ففعلوا فتاب الله عليهم .(1/119)
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { حتى نرى الله جهرة } قال : علانية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } قال : هم السبعون الذين اختارهم موسى { فأخذتكم الصاعقة } قال : ماتوا { ثم بعثناكم من بعد موتكم } فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : عوقب القوم فأماتهم الله عقوبة ، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليتوفوها .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { فأخذتكم الصاعقة } قال : العذاب ، وأصله الموت . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول :
وقد كنت أخشى عليك الحتوف ... وقد كنت آمنك الصاعقة(1/120)
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وظللنا عليكم الغمام } قال : غمام أبرد من هذا وأطيب ، وهو الذي يأتي فيه يوم القيامة ، وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر ، وكان معهم في التيه .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وظللنا عليكم الغمام } قال : ليس بالسحاب ، هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ولم يكن إلا لهم .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة { وظللنا عليكم الغمام } قال : هو السحاب الأبيض الذي لا ماء فيه .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز في قوله { وظللنا عليكم الغمام } قال : ظلل عليهم في التيه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وظللنا عليكم الغمام . . . } الآية . قال : كان هذا في البرية ، ظلل عليهم الغمام من الشمس ، وأطعمهم المن والسلوى حين برزوا إلى البرية ، فكان المن يسقط عليهم في محلتهم سقوط الثلج ، أشد بياضاً من الثلج ، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فيأخذ الرجل قد ما يكفيه يومه ذلك فإن تعدى فسد وما يبقى عنده ، حتى إذا كان يوم سادسه يوم جمعة أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه فبقي عنده ، لأنه إذا كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر معيشة ولا لطلب شيء ، وهذا كله في البرية .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال { المن } شيء أنزله الله عليهم مثل الطل شبه الرب الغليظ { والسلوى } طير أكبر من العصفور .
وأخرج وكيع وعبد حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال { المن } صمغة { والسلوى } طائر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : قالوا يا موسى كيف لنا بماء ههنا ، أين الطعام؟ فأنزل الله عليهم المن ، فكان يسقط على شجرة الترنجبين .
واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه . أنه سئل ما المن؟ قال : خبز الرقاق مثل الذرة ، أو مثل النقي .
وأخرج ابن جرير وابن وابن حاتم عن الربيع بن أنس قال { المن } شراب كان ينزل عليهم مثل العسل ، فيمزجونه بالماء ثم يشربونه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان المن ينزل عليهم بالليل على الأشجار ، فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاؤوا { والسلوى } طائر شبيه بالسماني كانوا يأكلون منه ما شاؤوا .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال { المن } الذي يسقط من السماء على الشجر فتأكله الناس { والسلوى } هو السماني .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم عن سعيد بن زيد قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم(1/121)
« الكمأة من المن ، وماؤها شفا للعين » .
وأخرج أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة . مثله .
وأخرج النسائي من حديث جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وابن عباس . مثله .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة { السلوى } طائر يشبه السماني .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك أنه كان يقول : السماني هي السلوى .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت السلوى طيراً إلى الحمرة تحشرها عليهم الريح الجنوب ، فكان الرجل منهم يذبح منها قدر ما يكفيه يومه ذلك ، فإذا تعدى فسد ولم يبق عنده ، حتى إذا كان يوم سادسه يوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه .
وأخرج سفيان بن عيينة وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : سألت بنو إسرائيل موسى اللحم فقال الله : لأطعمنهم من أقل لحم يعلم في الأرض . فأرسل عليهم ريحاً فأذرت عند مساكنهم السلوى - وهو السماني - ميلاً في ميل قيد رمح في السماء ، فجنوا للغد فنتن اللحم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه سئل عن السلوى فقال : طير سمين مثل الحمام ، كان يأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وما ظلمونا } قال : نحن أعز من أن نظلم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قوله { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } قال : يضرون .(1/122)
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ادخلوا هذه القرية } قال : بيت المقدس .
وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { وادخلوا الباب } قال : باب ضيق { سجدا } قال : ركعا { وقولوا حطة } قال : مغفرة قال : فدخلوا من قبل استاههم وقالوا : حنطة استهزاء قال : فذلك قوله عز وجل { فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم } [ البقرة : 59 ] .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وادخلوا الباب سجدا } قال : هو أحد أبواب بيت المقدس وهو يدعى باب حطة .
وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال : قيل لهم { ادخلوا الباب سجدا } فدخلوا مقنعي رؤوسهم { وقولوا حطة } فقالوا : حنطة حبة حمراء فيها شعيرة ، فذلك قوله { فبدل الذين ظلموا } [ البقرة : 59 ] .
وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ والحاكم عن ابن مسعود أنهم قالوا : هطى سمقاثا ازبة مزبا . فهي بالعربية حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعيرة سوداء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وقولوا حطة } أي احطط عنا خطايانا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { وادخلوا الباب سجدا } قال : طأطئوا رؤوسكم { وقولوا حطة } قال : قولوا لا إله إلا الله .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله { وقولوا حطة } قال : لا إله إلا الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان الباب قبل القبلة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : باب حطة من أبواب بيت المقدس ، أمر موسى قومه أن يدخلوا ويقولوا حطة ، وطؤطىء لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم ، فلما سجدوا قالوا حنطة .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { وادخلوا الباب سجداً } قال : كنا نتحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس { وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين } قال : من كان خاطئا غفرت له خطيئته ، ومن كان محسناً زاده الله إحساناً { فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم } [ البقرة : 59 ] قال : بين لهم أمرا علموه فخالفوه إلى غيره جرأة على الله وعتواً .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وسنزيد المحسنين } قال : من كان قبلكم محسناً زيد في إحسانه ومن كان مخطئاً نغفر له خطيئته .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(1/123)
« قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة ، فبدلوا فدخلوا يزحفون على استاههم ، وقالوا حبة في شعرة » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس وأبي هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجدا يزحفون على استاههم ، وهم يقولون : حنطة في شعيرة » .
وأخرج أبو داود والضياء المقدسي في المختارة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم « قال الله لبني إسرائيل { ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم } » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال : « سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من آخر الليل اجتزنا في برية يقال لها ذات الحنظل ، فقال : ما مثل هذه الثنية الليلة إلا كمثل الباب الذي قال الله لبني إسرائيل { ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم } » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب قال : إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكتاب حطة في بني إسرائيل .(1/124)
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن مالك وأسامة بن زيد وخزيمة بن ثابت قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به أناس من قبلكم ، فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها ، وإذا بلغكم أن بأرض فلا تدخلوها » .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية قال : الرجز الغضب .(1/125)
وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وإذ استسقى موسى لقومه . . . } الآية . قال : ذلك في التيه ، ضرب لهم موسى الحجر فصار فيه اثنتا عشرة عينا من ماء ، لكل سبط منهم عين يشربون منها .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { وإذ استسقى موسى لقومه . . . } الآية . قال : كان هذا في البرية حيث خشوا الظمأ استسقى موسى فأمر بحجر أن يضربه ، وكان حجرا طورانياً من الطور يحملونه معهم ، حتى إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه { فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم } قال : لكل سبط مهم عين معلومة يستفيد ماءها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : انفجر لهم الحجر بضربة موسى اثنتي عشرة عينا ، كل ذلك كان في تيههم حين تاهوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن جوبير أنه سئل في قوله { قد علم كل أناس مشربهم } قال : كان موسى يضع الحجر ويقوم من كل سبط رجل ، ويضرب موسى الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عيناً ، فينتضح من كل عين على رجل ، فيدعو ذلك الرجل سبطه إلى تلك العين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولا تعثوا في الأرض } قال : لا تسعوا .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } قال : لا تسعوا في الأرض فساداً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { ولا تعثوا } قال : يعني ولا تمشوا بالمعاصي .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } قال : لا تسيروا في الأرض مفسدين .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : استسقى موسى لقومه فقال : اشربوا يا حمير : فقال الله تعالى له : لا تسمّ عبادي حميراً .(1/126)
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد } قال : المن والسلوى ، استبدلوا به البقل وما ذكر معه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قالوا : ملوا طعامهم في البرية وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه قبل ذلك ، فقالوا { ادع لنا ربك . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله { وفومها } قال : الخبز . وفي لفظ : البر . وفي لفظ : الحنطة بلسان بني هاشم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير من طرق عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى { وفومها } قال : الحنطة . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت أحيحة بن الجلاح وهو يقول :
قد كنت أغنى الناس شخصاً واحداً ... ورد المدينة عن زراعة فوم
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وعطاء في قوله { وفومها } قالا : الخبز .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن وأبي مالك في قوله { وفومها } قالا : الخبز .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن وأبي مالك في قوله { وفومها } قالا : الحنطة .
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس قال : الفوم الثوم .
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال : الفوم الثوم - وفي بعض القراءة وثومها .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر عن ابن مسعود : أنه قرأ وثومها .
وأخرج ابن أبي داود عن ابن عباس قال : قراءتي قراءة زيد ، وأنا آخذ ببضعة عشر حرفاً من قراءة ابن مسعود هذا أحدها { من بقلها وقثائها وثومها } .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { وفومها } قال : الفوم الحنطة . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت أبا محجن الثقفي وهو يقول :
قد كنت أحسبني كأغنى واحد ... قدم المدينة عن زراعة فوم
قال : يا ابن الأزرق ومن قرأها على قراءة ابن مسعود فهو هذا المنتن قال أمية ابن أبي الصلت :
كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة ... فيها الفراديس والفومات والبصل
وقال أمية ابن أبي الصلت أيضاً :
أنفي الدياس من القوم الصحيح كما ... أنفي من الأرض صوب الوابل البرد
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { أتسبدلون الذي هو أدنى } قال : أردأ .
وأخرج سفيان بن عيينة وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { اهبطوا مصراً } قال : مصراً من الأمصار .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { اهبطوا مصراً } يقول : مصراً من الأمصار .(1/127)
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { اهبطوا مصراً } قال : يعني به مصر فرعون .
وأخرج ابن أبي داود وابن الأنباري في المصاحف عن الأعمش أنه كان يقرأ { اهبطوا مصر } بلا تنوين ، ويقول : هي مصر التي عليها صالح بن علي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } قال : هم أصحاب الجزية .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة والحسن { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } قال : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { والمسكنة } قال : الفاقة .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { وباؤوا بغضب من الله } قال : استحقوا الغضب من الله .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { وباؤوا } قال : انقلبوا .
وأما قوله تعالى : { ويقتلون النبيين } .
أخرج أبو داود الطاليسي وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي ، ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار .
وأخرج أحمد عن ابن مسعود . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتل نبيا أو قتله نبي ، وإمام ضلالة وممثل من الممثلين » .
وأخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي ذر قال « جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبيء الله . قال : لست بنبيء الله ولكنني نبي الله قال الذهبي : منكر لم يصح » .
وأخرج ابن عدي عن حمران بن أعين « أن رجلا من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا نبيء الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لست بنبيء الله ولكنني نبي الله » .
وأخرج الحاكم عن ابن عمر قال « ما همز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أبو بكر ، ولا عمر ، ولا الخلفاء ، وإنما الهمز بدعة من بعدهم .(1/128)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
أخرج ابن أبي عمر العدني في سنده وابن أبي حاتم عن سلمان قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم ، فذكر من صلاتهم وعبادتهم ، فنزلت { وإن الذين آمنوا والذين هادوا . . . } الآية .
وأخرج الواحدي عن مجاهد قال : لما قص سلمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة أصحابه قال : هم في النار . قال سلمان : فأظلمت علي الأرض ، فنزلت { وإن الذين آمنوا والذين هادوا } إلى قوله { يحزنون } قال : فكأنما كشف عني جبل .
وأخرج ابن جرير واللفظ له وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وإن الذين آمنوا والذين هادوا . . . } الآية . قال : نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسي ، وكان سلمان رجلاً من جند نيسابور ، وكان من أشرافهم ، وكان ابن الملك صديقا له مؤاخياً لا يقضي واحد منهما أمر دون صاحبه ، وكانا يركبان إلى الصيد جميعاً ، فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما بيت من عباءة ، فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه وهو يبكي فسألاه ما هذا؟ فقال : الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما ، فإن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتى أعلمكما ، فنزلا إليه فقال لهما : هذا كتاب جاء من عند الله ، أمر فيه بطاعته ونهى عن معصيته ، فيه أن لا تسرق ولا تزني ولا تأخذ أموال الناس بالباطل ، فقص عليهما ما فيه وهو الإِنجيل الذي أنزل الله على عيسى ، فوقع في قلوبهما وتابا فاسلما ، وقال لهما : إن ذبيحة قومكما عليكما حرام .
فلم يزالا معه وكذلك يتعلمان منه حتى كان عيد للملك ، فجمع طعاماً ثم جمع الناس والأشراف ، وأرسل إلى ابن الملك رسولاً فدعاه إلى ضيعته ليأكل مع الناس ، فأبى الفتى وقال : إني عنك مشغول فكل أنت وأصحابك ، فلما أكثر عليه من الرسل أخبرهم أنه لا يأكل من طعامهم ، فبعث الملك إلى ابنه ودعاه وقال : ما أمرك هذا؟ قال : إنا لا نأكل من ذبائحكم ، إنكم كفار ليس تحل ذبائحكم . فقال له الملك : من أمرك بهذا؟ فأخبره أن الراهب أمره بذلك ، فدعا الراهب فقال : ماذا يقول ابني؟ قال : صدق ابنك . قال له : لولا الدم فينا عظيم لقتلتك ولكن اخرج من أرضنا ، فأجله أجلاً فقال سلمان : فقمنا نبكي عليه .
فقال لهما : إن كنتما صادقين فإنا في بيعة في الموصل ، ستين رجلا نعبد الله فأتونا فيها ، فخرج الراهب وبقي سلمان وابن الملك ، فجعل سلمان يقول لابن الملك : انطلق بنا . وابن الملك يقول : نعم . وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز ، فلما أبطأ على سلمان خرج سلمان حتى أتاهم ، فنزل على صاحبه وهو رب البيعة ، فكان أهل تلك البيعة أفضل مرتبة من الرهبان ، فكان سلمان معه يجتهد في العبادة ويتعب نفسه ، فقال له سلمان : أرأيت الذي تأمرني به هو أفضل أو الذي أصنع؟ قال : بل الذي تصنع .(1/129)
قال : فخلّ عني .
ثم إن صاحب البيعة دعاه فقال أتعلم أن هذه البيعة لي وأنا أحق الناس بها ، ولو شئت أن أخرج منها هؤلاء لفعلت ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء ، وأنا أريد أن أتحول من هذه البيعة إلى بيعة أخرى هم أهون عبادة من ههنا ، فإن شئت أن تقيم هنا فأقم وإن شئت أن تنطلق معي فانطلق . فقال له سلمان : أي البيعتين أفضل أهلاً؟ قال : هذه . قال سلمان : فأنا أكون في هذه فأقام سلمان بها وأوصى صاحب البيعة بسلمان يتعبد معهم .
ثم إن الشيخ العالم أراد أن يأتي بيت المقدس فدعا سلمان فقال : إني أريد أن آتي بيت المقدس ، فإن شئت أن تنطلق معي فانطلق ، وإن شئت أن تقيم فاقم . قال له سلمان : أيهما أفضل ، أنطلق معك أو أقيم؟ قال : لا بل تنطلق . فانطلق معه فمروا بمقعد على ظهر الطريق ملقى ، فلما رآهما نادى يا سيد الرهبان ارحمني رحمك الله ، فلم يكلمه ولم ينظر إليه ، وانطلقا حتى أتيا بيت المقدس ، وقال الشيخ لسلمان : أخرج فاطلب العلم ، فإنه يحضر هذا المسجد علماء الأرض . فخرج سلمان يسمع منهم ، فرجع يوماً حزيناً فقال له الشيخ ما لك يا سلمان قال : إن الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء والأتباع . فقال له الشيخ : لا تحزن فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعاً منه ، وهذا الزمان الذي يخرج فيه ولا أراني أدركه ، وأما أنت فشاب فلعلك أن تدركه ، وهو يخرج في أرض العرب فإن أدركته فآمن به واتبعه .
قال له سلمان : فأخبرني عن علامته بشيء . قال : نعم ، وهو مختوم في ظهره بخاتم النبوة وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد فناداهما فقال : يا سيد الرهبان ارحمني رحمك الله فعطف إليه حماره فأخذ بيده فرفعه فضرب به الأرض ودعا له ، وقال : قم بإذن الله . فقام صحيحاً يشتد . فجعل سلمان يتعجب وهو ينظر إليه ، وسار الراهب فغيب عن سلمان ولا يعلم سلمان .
ثم إن سلمان فزع بطلب الراهب ، فلقيه رجلان من العرب من كلب ، فسألهما هل رأيتما الراهب؟ فأناخ أحدهما راحلته قال : نعم [ ] راعي الصرمة هذا ، فحمله فانطلق به إلى المدينة قال سلمان : فأصابني من الحزن شيء لم يصبني مثله قط ، فاشترته امرأة من جهينة فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم ، هذا يوماً وهذا يوماً ، وكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد صلى الله عليه وسلم . فبينما هو يوماً يرعى إذ أتاه صاحبه بعقبة فقال له : أشعرت أنه قد قدم المدينة اليوم رجل يزعم أنه نبي؟! فقال له سلمان : أقم في الغنم حتى آتيك .(1/130)
فهبط سلمان إلى المدينة فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودار حوله ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم عرف ما يريد ، فأرسل ثوبه حتى خرج خاتمه ، فلما رآه أتاه وكلمه ، ثم انطلق فاشترى بدينار ببعضه شاة فشواها وببعضه خبزاً ، ثم أتاه به فقال : ماهذه؟ قال سلمان : هذه صدقة . قال : لا حاجة لي بها فأخرجها فليأكلها المسلمون . ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزاً ولحماً ، ثم أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا؟ قال : هذه هدية . قال : فاقعد فكل . فقعد فأكلا منها جميعا .
فبينما هو يحدثه إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم ، فقال : كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك ، ويشهدون أنك ستبعث نبياً ، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم : « يا سلمان هم من أهل النار » فاشتد ذلك على سلمان وقد كان قال له سلمان : لو أدركوك صدقوك واتبعوك . فأنزل الله هذه الآية { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر } .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال « سأل سلمان الفارسي النبي صلى الله عليه وسلم عن أولئك النصارى ، وما رأى من أعمالهم ، قال : لم يموتوا على الإسلام . قال سلمان : فأظلمت عليَّ الأرض وذكرت اجتهادهم ، فنزلت هذه الآية { إن الذين آمنوا والذين هادوا } فدعا سلمان فقال : نزلت هذه الآية في أصحابك ، ثم قال : من مات على دين عيسى قبل أن يسمع بي فهو على خير ، ومن سمع بي ولم يؤمن فقد هلك » .
وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إن الذين آمنوا والذين هادوا . . . } الآية . قال : فأنزل الله بعد هذا { ومن يبتغ غير الإِسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن نجي عن علي قال : إنما سميت اليهود لأنهم قالوا : إنا هدنا إليك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال : نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية ، بكلمة موسى عليه السلام إنا هدنا إليك ، ولم تسمت النصارى بالنصرانية ، من كلمة عيسى عليه السلام كونوا أنصار الله .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود قال : نحن أعلم الناس من أين تسمت اليهود باليهودية ، والنصارى بالنصرانية ، إنما تسمت اليهود باليهودية بكلمة قالها موسى إنا هدنا إليك ، فلما مات قالوا هذه الكلمة كانت تعجبه فتسموا اليهود ، وإنما تسمت النصارى بالنصرانية لكلمة قالها عيسى من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون : نحن أنصار الله فتسموا بالنصرانية .(1/131)
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : إنما سموا نصارى بقرية يقال لها ناصرة ينزلها عيسى بن مريم ، فهو اسم تسموا به ولم يؤمروا به .
وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن جرير عن ابن عباس قال : إنما سميت النصارى لأن قرية عيسى كانت تسمى ناصرة .
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : الصابئون قوم بين اليهود والمجوس والنصارى ليس لهم دين .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : الصابئون ليسوا بيهود ولا نصارى ، هم قوم من المشركين لا كتاب لهم .
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال : سئل ابن عباس عن الصابئين؟ فقال : هم قوم بين اليهود والنصارى والمجوس ، لا تحل ذبائحهم ولا مناكحهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : الصابئون منزله بين النصرانية والمجوسية . لفظ ابن أبي حاتم : منزلة بين اليهود والنصارى .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال : ذهبت الصابئون إلى اليهود فقالوا : ما أمركم؟ قالوا : نبينا موسى جاءنا بكذا وكذا ونهانا عن كذا وكذا ، وهذه التوراة فمن تابعنا دخل الجنة ، ثم أتوا النصارى فقالوا في عيسى ما قالت اليهود في موسى ، وقالوا هذا الإِنجيل فمن تابعنا دخل الجنة ، فقالت الصابئون هؤلاء يقولون نحن ومن اتبعنا في الجنة ، واليهود يقولون نحن ومن اتبعنا في الجنة ، فنحن به لا ندين ، فسماهم الله الصابئين .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرأون الزبور .
وأخرج وكيع عن السدي قال : الصابئون من أهل الكتاب .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال : الصابئون قوم يعبدون الملائكة ، ويصلون إلى غير القبلة ، ويقرأون الزبور .
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال : الصابىء : الذي يعرف الله وحده ، وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفراً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الزناد قال : الصابئون قوم مما يلي العراق ، وهم بكوثى يؤمنون بالنبيين كلهم .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : يقولون الصابئون : وما الصابئون الصابئون ويقولون : الخاطئون وما الخاطئون الخاطئون .(1/132)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور } فقال : جبل نزلوا بأصله فَرُفِعَ فوقهم ، فقال : لتأخذن أمري أو لأرمينكم .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : الطور الجبل الذي أنزلت عليه التوراة ، وكان بنو إسرائيل أسفل منه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : الطور ما أنبت من الجبال ، وما لم ينبت فليس بطور .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : الطور الجبل بالسريانية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : النبط يسمون الجبل الطور .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { خذوا ما آتيناكم بقوّة } قال : بجد .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية { واذكروا ما فيه } يقول : اقرأوا ما في التوراة واعملوا به .
وأخرج ابن اسحق وابن جرير عن ابن عباس في قوله { لعلكم تتقون } قال : لعلكم تنزعون عما أنتم عليه .(1/133)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس { ولقد علمتم } قال : عرفتم ، وهذا تحذير لهم من المعصية يقول : احذورا أن يصيبكم ما أصاب أصحاب السبت إذ عصوني اعتدوا يقول : اجترأوا في السبت بصيد السمك فقلنا لهم { كونوا قردة خاسئين } فمسخهم الله قردة بمعصيتهم ، ولم يعش مسخ فوق ثلاثة أيام ، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إنما كان الذين اعتدوا في السبت فجعلوا قردة فواقاً ، ثم هلكوا ما كان للمسخ نسل .
وأخرج ابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس قال : القردة والخنازير من نسل الذين مسخوا .
وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال : انقطع ذلك النسل .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله { فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين } قال : مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة ، وإنما هو مثل ضربه الله لهم مثل الحمار يحمل أسفاراً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : أحلت لهم الحيتان وحرمت عليهم يوم السبت ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، فكان القوم فيهم ثلاثة أصناف ، فأما صنف فأمسك ونهى عن المعصية ، وأما صنف فأمسك عن حرمة الله ، وأما صنف فانتهك المعصية ومرن على المعصية ، فلما أبوا إلا عتواً عما نهاهم الله عنه { قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } وصار القوم قروداً تعاوى لها الذئاب بعد ما كانوا رجالاً ونساء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { خاسئين } قال : ذليلين .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { خاسئين } قال : صاغرين .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد . مثله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { فجعلناها نكالاً لما بين يديها } من الذنوب { وما خلفها } من القرى { وموعظة للمتقين } الذين من بعدهم إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { فجعلناها } يعني الحيتان { نكالاً لما بين يديها وما خلفها } من الذنوب التي عملوا قبل وبعد .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { فجعلناها } قال : فجعلنا تلك العقوبة وهي المسخة { نكالاً } عقوبة { لما بين يديها } يقول : ليحذر من بعدهم عقوبتي { وما خلفها } يقول : للذين بقوا معهم { وموعظة } تذكرة وعبرة للمتقين .
وأخرج عبد بن حميد عن سفيان في قوله { نكالاً لما بين يديها وما خلفها } قال : من الذنوب { وموعظة للمتقين } قال : لأمة محمد عليه السلام .(1/134)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت عن ابن عباس قال : كانت مدينتان في بني إسرائيل . وأحداهما حصينة ولها أبواب ، والأخرى خربة . فكان أهل المدينة الحصينة إذا أمسوا أغلقوا أبوابها ، فإذا أصبحوا قاموا على سور المدينة فنظروا هل حدث فيما حولها حادث ، فأصبحوا يوماً فإذا شيخ قتيل مطروح بأصل مدينتهم ، فأقبل أهل المدينة الخربة فقالوا : قتلتم صاحبنا وابن أخ له شاب يبكي عليه ويقول : قتلتم عمي . قالوا : والله ما فتحنا مدينتنا منذ أغلقناها ، وما لدينا من دم صاحبكم هذا! فأتوا موسى ، فأوحى الله إلى موسى { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } إلى قوله { فذبحوها وما كادوا يفعلون } .
قال : وكان في بني إسرائيل غلام شاب يبيع في حانوت له ، وكان له أب شيخ كبير ، فأقبل رجل من بلد آخر يطلب سلعة له عنده فأعطاه بها ثمناً ، فانطلق معه ليفتح حانوته فيعطيه الذي طلب والمفتاح مع أبيه ، فإذا أبوه نائم في ظل الحانوت فقال : أيقظه . قال ابنه : إنه نائم وأنا أكره أن أروّعه من نومته . فانصرفا فأعطاه ضعف ما أعطاه على أن يوقظه فأبى ، فذهب طالب السلعة . فاستيقظ الشيخ فقال له ابنه : يا أبت والله لقد جاء ههنا رجل يطلب سلعة كذا ، فأعطى بها من الثمن كذا وكذا ، فكرهت أن أروعك من نومك فلامه الشيخ ، فعوّضه الله من بره بوالده أن نتجت من بقر تلك البقرة التي يطلبها بنو إسرائيل ، فأتوه فقالوا له : بعناها فقال : لا . قالوا : إذن نأخذ منك . فأتوا موسى فقال : اذهبوا فارضوه من سلعته . قالوا : حكمك؟ قال : حكمي أن تضعوا البقرة في كفة الميزان وتضعوا ذهباً صامتاً في الكفة الأخرى ، فإذا مال الذهب أخذته ففعلوا ، وأقبلوا بالبقرة حتى انتهوا بها إلى قبر الشيخ ، واجتمع أهل المدينتين فذبحوها ، فضرب ببضعة من لحمها القبر ، فقام الشيخ ينفض رأسه يقول : قتلني ابن أخي طال عليه عمري وأراد أخذ مالي ومات .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عبيدة السلماني قال : كان رجل من بني إسرائيل عقيماً لا يولد له ، وكان له مال كثير ، وكان ابن أخيه وارثه ، فقتله ثم احتمله ليلاً فوضعه على باب رجل منهم ، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم إلى بعض ، فقال ذوو الرأي منهم : علام يقتل بعضكم بعضاً وهذا رسول الله فيكم؟ فأتوا موسى فذكروا ذلك له فقال { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } قال : فلو لم يعترضوا لاجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم ، حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها ، فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها فقال : والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهباً ، فذبحوها فضربوه ببعضها فقام ، فقالوا : من قتلك؟ فقال : هذا لابن أخيه ثم مال ميتاً ، فلم يعط من ماله شيئاً ولم يورث قاتل بعد .(1/135)
وأخرج عبد الرزاق عن عبيدة قال : أوّل ما قضي أنه لا يرث القاتل في صاحب بني إسرائيل .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال : أوّل ما منع القاتل الميراث لكان صاحب البقرة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن شيخاً من بني إسرائيل على عهد موسى كان مكثراً من المال ، وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم ، وكان الشيخ لا ولد له ، وكان بنو أخيه ورثته فقالوا : ليت عمنا قد مات فورثنا ماله ، وأنه لما تطاول عليهم أن لا يموت أتاهم الشيطان فقال : هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته ، وذلك أنهما كانتا مدينتين كانوا في إحداهما ، وكان القتيل إذ قتل فطرح بين المدينتين قيس ما بين القتيل والقريتين فأيتهما كانت أقرب إليه غرمت الدية ، وأنهم لما سوّل لهم الشيطان ذلك عمدوا إليه فقتلوه ، ثم طرحوه على باب المدينة التي ليسوا بها ، فلما أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ فقالوا : عمنا قتل على باب مدينتكم ، فوالله لتغرمنَّ لنا ديته . قال : أهل المدينة نقسم بالله ما قتلنا ، ولا علمنا قاتلاً ، ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا ، فعمدوا إلى موسى ، فجاءه جبريل فقال : قل لهم { إن الله يأمركم أن تذبجوا بقرة } فتضربوه ببعضها .
وأخرج سفيان بن عيينة عن عكرمة قال : كان لبني إسرائيل مسجد له اثنا عشر باباً ، لكل سبط منهم باب يدخلون منه ويخرجون ، فوجد قتيل على باب سبط من الأسباط قتل على باب سبط وجر إلى باب سبط آخر ، فاختصم فيه أهل السبطين . فقال هؤلاء : أنتم قتلتم هذا ، وقال الآخرون : بل أنتم قتلتموه ، ثم جررتموه إلينا . فاختصموا إلى موسى فقال { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة . . . } الآية . { قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك } قال : فذهبوا يطلبونها فكأنها تعذرت عليهم ، فرجعوا إلى موسى فقالوا { ادع لنا ربك يبين لنا ما هي . . . وإنا إن شاء الله لمهتدون } ولولا أنهم قالوا إن شاء الله ما وجدوها { قال : إنه يقول إنها بقرة لا ذلول } ألا وإنما كانت البقرة يومئذ بثلاثة دنانير ، ولو أنهم أخذوا أدنى بقرهم فذبحوها كفتهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم .
فذهبوا يطلبونها فيجدون هذه الصفة عند رجل فقالوا : تبيعنا هذه البقرة؟ قال : أبيعها . قالوا : بكم تبيعها؟ قال : بمائة دينار . فقالوا : إنها بقرة بثلاثة دنانير! فابوا أن يأخذوها ، فرجعوا إلى موسى فقالوا : وجدناها عند رجل فقال لا أنقصكم عن مائة دينار ، وإنها بقرة بثلاثة دنانير .(1/136)
قال : هو أعلم هو صاحبها ، إن شاء باع وإن شاء لم يبع ، فرجعوا إلى الرجل فقالوا : قد أخذناها بمائة دينار . فقال : لا أنقصها عن مائتي دينار . فقالوا ، سبحان الله . . . ! قد بعتنا بمائة دينار ورضيت فقد أخذناها . قال : ليس أنقصها من مائتي دينار . فتركوها ورجعوا إلى موسى فقالوا له : قد أعطاناها بمائة دينار ، فلما رجعنا إليه قال : لا أنقصها من مائتي دينار . قال : هو أعلم إن شاء باعها وإن شاء لم يبعها ، فعادوا إليه فقالوا : قد أخذناها بمائتي دينار . فقال : لا أنقصها من أربعمائة دينار . قالوا : قد كنت أعطيتناها بمائتي دينار فقد أخذناها! فقال : ليس أنقصها من أربعمائة دينار ، فتركوها وعادوا إلى موسى فقالوا : قد أعطيناه مائتي دينار ، فأبى أن يأخذها وقال : لا أنقصها من أربعمائة دينار . فقال : هو أعلم هو صاحبها إن شاء باع وإن شاء لم يبع ، فرجعوا إليه فقالوا : قد أخذناها بأربعمائة دينار فقال : لا أنقصها من ثمانمائة دينار . فلم يزالوا يعودون إلى موسى ويعودون عليه ، فكلما عادوا إليه أضعف عليه الثمن حتى قال : ليس أبيعها إلا بملء مسكها ، فأخذوها فذبحوها فقال : اضربوه ببعضها ، فضربوه بفخذها فعاش . فقال : قتلني فلان .
فإذا هو رجل كان له عم ، وكان لعمه مال كثير ، وكان له ابنة فقال : أقتل عمي هذا وأرث ماله وأتزوج ابنته ، فقتل عمه فلم يرث شيئاً ولم يورث قاتل منذ ذلك شيئاً ، قال موسى : إن لهذه البقرة لشأنا ادعوا إليَّ صاحبها ، فدعوه فقال : أخبرني عن هذه البقرة وعن شأنها؟ قال : نعم . كنت رجلاً أبيع في السوق وأشتري ، فسامني رجل بضاعة عندي فبعته إياها ، وكنت قد أشرفت منها على فضل كبير ، فذهبت لآتيه بما قد بعته ، فوجدت المفتاح تحت رأس والدتي ، فكرهت أن أوقظها من نومها ، ورجعت إلى الرجل فقلت : ليس بيني وبينك بيع ، فذهب ثم رجعت فنتجت لي هذه البقرة ، فألقى الله عليها مني محبة فلم يكن عندي شيء أحب إليَّ منها ، فقيل له إنما أصبت هذا ببرّ والدتك .(1/137)
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)
أخرج البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن بني إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرة لأجزاهم ذلك أو لأجزأت عنهم » .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لولا أن بني إسرائيل قالوا { وإنا إن شاء الله لمهتدون } ما أعطوا أبداً ، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم ، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم » .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر عن عكرمة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم « فقال لو أن بني إسرائيل أخذوا أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم ولكنهم شددوا ولولا أنهم قالوا { إنا إن شاء الله لمهتدون } ما وجدوها » .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم ، ولو لم يستثنوا ما بينت لهم آخر الأبد » .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول « إنما أمر القوم بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد عليهم ، والذي نفس محمد بيده لو لم يستثنوا ما بينت لهم » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال : لو أخذوا أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا وتعنتوا موسى فشدد الله عليهم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله { لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك } قال : الفارض الهرمة ، والبكر الصغيرة ، والعوان النصف .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { لا فارض } قال : الكبيرة الهرمة . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول؟ :
لعمري لقد أعطيت ضيفك فارضاً ... تساق إليه ما تقوم على رجل
قال : أخبرني عن قوله { صفراء فاقع لونها } قال : الفاقع الصافي اللون من الصفرة قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول؟ :
سدماً قليلاً عهده بانيسه ... من بين اصفر فاقع ودفان
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : الفارض الكبيرة ، والبكر الصغيرة ، والعوان النصف .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير . أنه كان يستحب أن يسكت على بكر ، ثم يقول : عوان بين ذلك .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { عوان بين ذلك } قال : بين الصغيرة والكبيرة ، وهي أقوى ما يكون وأحسنه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { صفراء فاقع لونها } قال : شديدة الصفرة ، تكاد من صفرتها تبيض .(1/138)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله { صفراء } قال : صفراء الظلف { فاقع لونها } قال : صافي .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { فاقع لونها } قال : صاف لونها { تسر الناظرين } قال : تعجب الناظرين .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والخطيب والديلمي عن ابن عباس قال : من لبس نعلاً صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها ، وذلك قوله { صفراء فاقع لونها تسر الناظرين } .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله { صفراء فاقع لونها } قال : سوداء شديدة السواد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة . أنه قرأ { أن الباقر تشابه علينا } .
وأخرج عبد بن حميد عن يحيى عن يعمر . أنه قرأ { إن الباقر تشابه علينا } وقال : إن الباقر أكثر من البقر .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءتنا { إن البقر متشابه علينا } .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { إنها بقرة لا ذلول } أي لم يذله العمل { تثير الأرض } يعني ليست بذلول فتثير الأرض { ولا تسقي الحرث } يقول : ولا تعمل في الحرث { مسلمة } قال : من العيوب .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { لا ذلول تثير الأرض } يقول : ليست بذلول فتفعل ذلك { مسلمة } قال : من الشبه قال { لا شية فيها } قال : لا بياض ولا سواد .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { مسلمة } قال : لا عوار فيها .
وأخرج ابن جرير عن عطية { لا شية فيها } قال : لونها واحد ليس فيها لون سوى لونها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { لا ذلول } يعني صنفة يقول : لم يذلها العمل { مسلمة } قال : من العيوب { لا شية فيها } قال : لا بياض فيها { قالوا الآن جئت بالحق } قالوا : الآن بينت لنا { فذبحوها وما كادوا يفعلون } .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب في قوله { فذبحوها وما كادوا يفعلون } لغلاء ثمنها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس . أن أصحاب البقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة ، حتى وجدوها عند رجل في بقر له وكانت بقرة تعجبه ، فجعلوا يعطونه بها فيأبى حتى أعطوه ملء مسكها دنانير ، فذبحوها فضربوه بعضو منها ، فقام تشخب اوداجه دماً ، فقالوا له : من قتلك؟ قال : قتلني فلان .
وأخرج وكيع وابن أبي حاتم عن عطاء قال : الذبح والنحر في البقر سواء ، لأن الله يقول { فذبحوها } .
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ، قال : كان لبني إسرائيل وأنتم لكم النحر ، ثم قرأ { فذبحوها } { فصل لربك وانحر } [ الكوثر : 2 ] .(1/139)
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
أخرج عبد بن حميد وابن جريرعن مجاهد في قوله { وإذ قتلتم نفساً فأدّارأتم فيها } قال : اختلفتم فيها { والله مخرج ما كنتم تكتمون } قال : ما تغيبون .
وأما قوله تعالى : { والله مخرج ما كنتم تكتمون } .
أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن المسيب بن رافع قال : ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله ، وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله ، وتصديق ذلك كتاب الله { والله مخرج ما كنتم تكتمون } .
وأخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو أن رجلاً عمل عملاً في صخرة صماء لا باب فيها ولا كوة خرج عمله إلى الناس كائنا ما كان » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن عثمان بن عفان قال : من عمل عملاً كساه الله رداءه ، وإن خيراً فخير وإن شراً فشر .
وأخرج البيهقي من وجه آخر عن عثمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كانت له سريرة صالحة أو سيئة أظهر الله عليه منها رداء يعرف به . قال البيهقي : الموقوف أصح » .
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي وضعفه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه « من المؤمن؟قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : المؤمن الذي لا يموت حتى يملأ الله مسامعه مما يحب ، ولو أن عبداً اتقى الله في جوف بيت إلى سبعين بيتاً على كل بيت باب من حديد لألبسه الله رداء عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون . قالوا : وكيف يزيدون يا رسول الله؟ قال : لأن التقي لو يستطيع أن يزيد في بره لزاد . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من الكافر؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : الكافر الذي لا يموت حتى يملأ الله مسامعه مما يكره ، ولو أن فاجراً فجر في جوف بيت إلى سبعين بيتاً على كل بيت باب من حديد لألبسه الله رداء عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون . قالوا : وكيف يزيدون يا رسول الله؟ قال : لأن الفاجر لو يستطيع أن يزيد في فجوره لزاد » .
وأخرج ابن عدي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن الله مرد كل امرىء رداء عمله » .
وأخرج البيهقي عن ثابت قال : كان يقال لو أن ابن آدم عمل بالخير في سبعين بيتاً لكساه الله تعالى رداء عمله حتى يعرف به .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن سعيد بن المسيب قال : الناس يعملون أعمالهم من تحت كنف الله ، فإذا أراد الله بعبد فضيحة أخرجه من تحت كنفه فبدت عورته .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي إدريس الخولاني رفعه قال : لا يهتك الله عبداً وفيه مثقال حبة من خير .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : لو أن عبداً اكتتم بالعبادة كما يكتتم بالفجور لأظهر الله ذلك منه .(1/140)
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
أخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فقلنا اضربوه ببعضها } قال : ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها ، فلما فعلوا أحياه الله حتى أنبأهم بقاتله الذي قتله ، وتكلم ثم مات .
وأخرج وكيع وابن جرير عن عكرمة في الآية قال : ضربوه بفخذها فحي ، فما زاد على أن قال : قتلني فلان ، ثم عاد فمات .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال : ضرب بفخذ البقرة فقام حياً فقال : قتلني فلان ، ثم عاد في ميتته .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : ضرب بالبضعة التي بين الكتفين .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال : أمرهم أن يأخذوا عظماً فيضربوا به القتيل ، ففعلوا فرجع الله روحه فسمى قاتله ، ثم عاد ميتاً كما كان .
وأما قوله تعالى : { كذلك يحيي الله الموتى } الآية .
أخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال : إن فتى من بني إسرائيل كان براً بوالدته ، وكان يقوم ثلث الليل يصلي ، ويجلس عند رأس والدته ثلث الليل ، فيذكرها بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد ، ويقول : يا أمه إن كنت ضعفت عن قيام الليل فكبري الله وسبيحه وهلليه ، فكان ذلك عملهما الدهر كله ، فإذا أصبح أتى الجبل فاحتطب على ظهره فيأتي به السوق فيبيعه بما شاء الله أن يبيعه ، فيتصدق بثلثه ويبقي لعبادته ثلثاً ويعطي الثلث أمه ، وكانت أمه تأكل النصف وتتصدق بالنصف ، وكان ذلك عملهما الدهر كله .
فلما طال عليها قالت : يا بني اعلم أني قد ورثت من أبيك بقرة وختمت عنقها ، وتركتها في البقر على اسم إله إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب ، قالت وسأبين لك ما لونها وهيئتها ، فإذا أتيت البقر فادعها باسم إله إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب فأنها تفعل كما وعدتني ، وقالت : إن علامتها ليست بهرمة ولا فتية ، غير أنها بينهما وهي صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ، إذا نظرت إلى جلدها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها ، وليست بالذلول ، ولا صعبة تثير الأرض ، ولا تسقي الحرث ، مسلمة لا شية فيها ولونها واحد ، فإذا رأيتها فخذ بعنقها فإنها تتبعك بإذن إله إسرائيل .
فانطلق الفتى وحفظ وصية والدته ، وسار في البرية يومين أو ثلاثاً ، حتى إذا كان صبيحة ذلك اليوم انصرف فصاح بها فقال : بإله إبراهيم وإسمعيل واسحق ويعقوب إلا ما أتيتني ، فأقبلت البقرة إليه وتركت الرعي ، فقامت بين يدي الفتى ، فأخذ بعنقها فتكلمت البقرة وقالت : يا أيها الفتى البر بوالدته اركبني فإنه أهون عليك . قال الفتى : لم تأمرني والدتي أن أركب عليك ولكنها أمرتني أن أسوقك سوقاً فأحب أن أبلغ قولها .(1/141)
فقالت : بإله إسرائيل لو ركبتني ما كنت لتقدر علي ، فانطلق يا أيها الفتى البر بوالدته ، لو أنك أمرت هذا الجبل أن ينقلع لك من أصله لانقلع لبرك بوالدتك ولطاعتك إلهك .
فانطلق حتى إذا كان من مسيرة يوم من منزله استقبله عدوّ الله إبليس ، فتمثل له على صورة راع من رعاة البقر ، فقال : يا أيها الفتى من أين جئت بهذه البقرة ، ألا تركبها فإني أراك قد أعييت؟ أظنك لا تملك من الدنيا مالاً غير هذه البقرة ، فإني أعطيك الأجر ينفعك ولا يضرها ، فإني من رعاة البقر اشتقت إلى أهلي ، فأخذت ثوراً من ثيراني فحملت عليه طعامي وزادي ، حتى إذا بلغت شطر الطريق أخذني وجع بطني ، فذهبت لأقضي حاجتي فعدا وسط الجبل وتركني وأنا أطلبه ولست أقدر عليه ، فأنا أخشى على نفسي الهلاك وليس معي زاد ولا ماء ، فإن رأيت أن تحملني على بقرتك فتبلغني مراعي وتنجيني من الموت وأعطيك أجرها بقرتين .
قال الفتى : إن بني آدم ليس بالذي يقتلهم اليقين وتهلكهم أنفسهم ، فلو علم الله منك اليقين لبلغك بغير زاد ولا ماء ، ولست براكب أمراً لم أومر به ، إنما أنا عبد مأمور ولو علم سيدي أني أعصيه في هذه البقرة لأهلكني وعاقبني عقوبة شديدة ، وما أنا بمؤثر هواك على هوى سيدي ، فانطلق يا أيها الرجل بسلام فقال له إبليس : أعطيك بكل خطوة تخطوها إلى منزلي درهماً فذلك مال عظيم وتفدي نفسي من الموت في هذه البقرة . قال الفتى : إن سيدي له ذهب الأرض وفضتها ، فإن أعطيتني شيئاً منها علم أنه من ماله ، ولكن أعطني من ذهب السماء وفضتها ، فأقول أنه ليس هذا من مالك فقال إبليس : وهل في السماء ذهب أو فضة ، أو هل يقدر أحد على هذا؟ قال الفتى : أو هل يستطيع العبد بما لم يأمر به سيده كما لا تستطيع أنت ذهب السماء وفضتها .
قال له إبليس : أراك أعجز العبيد في أمرك . قال له الفتى : إن العاجز من عصى ربه . قال له إبليس : ما لي لا أرى معك زاداً ولا ماء؟ قال الفتى : زادي التقوى ، وطعامي الحشيش ، وشرابي من عيون الجبال ، قال إبليس : ألا آمرك بأمر يرشدك؟ قال الفتى : مر به نفسك فإني على رشاد إن شاء الله . قال له إبليس : ما أراك تقبل نصيحة! قال له الفتى : الناصح لنفسه من أطاع سيده وأدى الحق الذي عليه ، فإن كنت شيطاناً فأعوذ بالله منك ، وإن كنت آدمياً فاخرج فلا حاجة لي في صحابتك . فجمد إبليس عند ذلك ثلاث ساعات مكانه ، ولو ركبها له إبليس ما كان الفتى يقدر عليها ولكن الله حبسه عنها .
فبينما الفتى يمشي إذ طار طائر من بين يديه فاختلس البقرة ، ودعاها الفتى وقال : بإله إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب إلا ما آتيتني ، فأتت البقرة إليه وقامت بين يديه ، فقالت : يا أيها الفتى ألم تر إلى ذلك الطائر الذي طار من بين يديك؟ ، فإنه إبليس عدو الله اختلسني ، فلما ناديتني بإله إسرائيل جاء ملك من الملائكة فانتزعني منه فردني إليك لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك ، فانطلق فلست ببارحتك حتى تأتي أهلك إن شاء الله .(1/142)
قال : فدخل الفتى إلى أمه يخبرها الخبر ، فقالت : يا بني إني أراك تحتطب على ظهرك الليل و النهار فتشخص ، فاذهب بهذه البقرة فبعها وخذ ثمنها فتقوّ به وودع به نفسك . قال الفتى : بكم أبيعها؟ قالت : بثلاثة دنانير على رضا مني . فانطلق الفتى إلى السوق فبعث الله إليه من الملائكة ليري خلقه قدرته ، فقال للفتى : بكم تبيع هذه البقرة أيها الفتى؟ فقال : أبيعها بثلاثة دنانير على رضا من والدتي . قال : لك ستة دنانير ولا تستأمر والدتك . فقال : لو أعطيتني زنتها لم أبعها حتى أستأمرها ، فخرج الفتى فأخبر والدته الخبر ، فقالت : بعها بستة دنانير على رضا مني . فانطلق الفتى وأتاه الملك فقال : ما فعلت؟ فقال : أبيعها بستة دنانير على رضا من والدتي . قال : فخذ اثني عشر ديناراً ولا تستأمرها . قال : لا .
فانطلق الفتى إلى أمه فقالت : يا بني إن الذي يأتيك ملك من الملائكة في صورة آدمي ، فإذا أتاك فقل له : إن والدتي تقرأ عليك السلام ، وتقول : بكم تأمرني أن أبيع هذه البقرة؟ قال له الملك : يا أيها الفتى يشتري بقرتك هذه موسى بن عمران لقتيل يقتل من بني إسرائيل ، وله مال كثير ولم يترك أبوه ولداً غيره ، وله أخ له بنون كثيرون ، فيقولون كيف لنا أن نقتل هذا الغلام ونأخذ ماله ، فدعوا الغلام إلى منزلهم فقتلوه فطرحوه إلى جانب دارهم ، فأصبح أهل الدار فأخرجوا الغلام إلى باب الدار ، وجاء بنو عم الغلام فأخذوا أهل الدار ، فانطلقوا بهم إلى موسى ، فلم يدر موسى كيف يحكم بينهم من أجل أن أهل الدار برآء من الغلام . . . ! فشق ذلك على موسى فدعا ربه ، فأوحى الله إليه : أن خذ بقرة صفراء فاقعاً لونها فاذبحها ، ثم اضرب الغلام ببعضها .
فعمدوا إلى بقرة الفتى فاشتروها على أن يملأوا جلدها دنانير ، ثم ذبحوها ثم ضربوا الغلام ببعضها ، فقام يخبرهم فقال : إن بني عمي قتلوني وأهل الدار مني برآء ، فأخذهم موسى فقالوا : يا موسى أتتخذنا هزواً قد قتل ابن عمنا مظلوماً ، وقد علموا أن سيفضحوا ، فعمدوا إلى جلد البقرة فملأوه دنانير ثم دفعوه إلى الفتى ، فعمد الفتى فتصدق بالثلثين على فقراء بني إسرائيل وتقوّى بالثلث و { كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون } .(1/143)
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { ثم قست قلوبكم من بعد ذلك } قال : من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى ، ومن بعدما أراهم من أمر القتيل . { فهي كالحجارة أو أشد قسوة } ثم عذر الله الحجارة ولم يعذر شقي ابن آدم فقال { وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله } .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإن من الحجارة . . . } الآية . أي أن من الحجارة لألين من قلوبكم ، لما تدعون إليه من الحق .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : كل حجر يتفجر منه الماء ، أو يشقق عن ماء أو يتردى من رأس جبل فمن خشية الله . نزل بذلك القرآن .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإن منها لما يهبط من خشية الله } قال : إن الحجر ليقع على الأرض ، ولو اجتمع عليه كثير من الناس ما استطاعوه ، وإنه ليهبط من خشية الله .(1/144)
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)
أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ثم قال الله لنبيه ومن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله } وليس قوله التوراة كلهم ، وقد سمعها ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم . . . } الآية . قال : فالذين يحرفونه والذين يكتبونه هم العلماء منهم ، والذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم هؤلاء كلهم يهود .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { يسمعون كلام الله } قال : هي التوراة حرفوها .(1/145)
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)
أخرج ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس في قوله { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } أي بصاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : لا تحدثوا العرب بهذا ، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم { ليجادلوكم به عند ربكم } أي يقرون بأنه نبي وقد علمتم أنه قد أخذ عليكم الميثاق باتباعه ، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كان ينتظر ، ونجده في كتابنا اجحدوه ولا تقروا به .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وإذا لقوا الذين آمنوا . . . } الآية . قال : هذه الآية في المنافقين من اليهود . وقوله { بما فتح الله عليكم } يعني بما أكرمكم به .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال « يا إخوان القردة والخنازير ، ويا عبدة الطاغوت . فقالوا : من أخبر هذا الأمر محمداً ، ما خرج هذا الأمر إلا منكم { أتحدثونهم بما فتح الله عليكم } بما حكم الله ليكون لهم حجة عليكم » .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن . فقال : رؤساء اليهود : اذهبوا فقولوا آمنا واكفروا إذا رجعتم إلينا ، فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر ، وهو قوله { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره } [ آل عمران : 72 ] وكانوا يقولون : إذا دخلوا المدينة نحن مسلمون ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ، فكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون ، فيقولون لهم : أليس قد قال لكم في التوراة كذا وكذا؟ فيقولون : بلى . فإذا رجعوا إلى قومهم قالوا { أتحدثونهم بما فتح الله عليكم . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : نزلت هذه الآية في ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا ، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به ، فقال بعضهم لبعض { أتحدثونهم بما فتح الله به عليكم } من العذاب ليقولوا نحن أحب إلى الله منكم وأكرم على الله منكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة « أن امرأة من اليهود أصابت فاحشة ، فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبتغون منه الحكم رجاء الرخصة ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عالمهم وهو ابن صوريا ، فقال له : احكم . . . قال : فجبؤه . والتجبئة يحملونه على حمار ويجعلون على وجهه إلى ذنب الحمار . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبحكم الله حكمت؟ قال : لا . ولكن نساءنا كن حساناً ، فأسرع فيهن رجالنا فغيرنا الحكم ، وفيه أنزلت { وإذا خلا بعضهم إلى بعض . . . } الآية » .(1/146)
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } قالوا : هم اليهود ، وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، فصانعوهم بذلك ليرضوا عنهم ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض نهى بعضهم بعضاً أن يحدثوا بما فتح الله عليهم ، وبين لهم في كتابه من أمر محمد عليه السلام رفعته ونبوته ، وقالوا : إنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا عليكم بذلك عند ربكم { أفلا تعقلون ، أوَ لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون } قال : ما يعلنون من أمرهم وكلامهم إذا لقوا الذين آمنوا ، وما يسرون إذا خلا بعضهم إلى بعض من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به ، وهم يجدونه مكتوباً عندهم .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون } يعني من كفرهم بمحمد وتكذيبهم به { وما يعلنون } حين قالوا للمؤمنين : آمنا .(1/147)
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله ، ولا كتاباً أنزله ، فكتبوا كتاباً بأيديهم ، ثم قالوا لقوم سفلة جهال : هذا من عند الله . وقال : قد أخبرهم أنهم يكتبون بأيديهم ، ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله .
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي في قوله { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب } قال : منهم من لا يحسن أن يكتب .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس في قوله { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب } قال : لا يدرون ما فيه { وإن هم إلا يظنون } وهم يجحدون نبوّتك بالظن .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب } قال : ناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئاً ، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ، ويقولون هو من الكتاب أماني تمنونها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إلا أماني } قال : إلا أحاديث .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { إلا أماني } قال : إلا قولاً يقولون بأفواههم كذباً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { إلا أماني } قال : إلا كذباً { وإن هم إلا يظنون } قال : الا يكذبون .(1/148)
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
أخرج وكيع وابن المنذر والنسائي عن ابن عباس في قوله { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } قال : نزلت في أهل الكتاب .
وأخرج أحمد وهناد بن السري بن الزهد وعبد بن حميد والترمذي وابن أبي الدنيا في صفة النار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ويل وادٍ في حهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره » .
وأخرج ابن جرير عن عثمان بن عفان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « في قوله { فويل لهم مما كتبت أيديهم } قال : الويل جبل في النار ، وهو الذي أنزل في اليهود لأنهم حرفوا التوراة ، زادوا فيها ما أحبوا ، ومحوا منها ما كانوا يكرهون ، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة » .
وأخرج البزار وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن في النار حجراً يقال لها ويل يصعد عليه العرفاء وينزلون فيه » .
وأخرج الحربي في فوائده عن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم « ويحك يا عائشة . . . ! فجزعت منها . فقال لي : يا حميراء إن ويحك أو ويك رحمة فلا تجزعي منها ، ولكن اجزعي من الويل » .
وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوّة عن علي بن أبي طالب قال : الويح والويل بابان . فأما الويح فباب رحمة ، وأما الويل فباب عذاب .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والطبراني والبيهقي في البعث عن ابن مسعود قال : ويل وادٍ في جهنم يسيل من صديد أهل النار .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن النعمان بن بشير قال : الويل واد من فيح في جهنم .
وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن عطاء بن يسار قال : ويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت من شدة حره .
وأخرج هناد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ويل سيل من صديد في أصل جهنم وفي لفظ ويل واد في جهنم يسيل فيه صديده .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر مولى عفرة قال : إذا سمعت الله يقول : ويل هي النار .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فويل للذين يكتبون الكتاب . . . } الآية . قال : هم أحبار اليهود ، وجدوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبة في التوراة أكحل أعين ربعة ، جعد الشعر ، حسن الوجه ، فلما وجدوه في التوراة محوه حسداً وبغياً ، فأتاهم نفر من قريش فقالوا : تجدون في التوراة نبياً أمياً؟ فقالوا : نعم ، نجده طويلاً أزرق سبط الشعر ، فانكرت قريش وقالوا : ليس هذا منا .(1/149)
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : وصف الله محمداً صلى الله عليه وسلم في التوراة ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حسده أحبار اليهود فغيَّروا صفته في كتابهم ، وقالوا : لا نجد نعته عندنا ، وقالوا للسفلة : ليس هذا نعت النبي الذي يحرم كذا وكذا كما كتبوه ، وغيَّروا نعت هذا كذا كما وصف فلبسوا على الناس ، وإنما فعلوا ذلك لأن الأحبار كانت لهم مأكلة يطعمهم إياها السفلة لقيامهم على التوراة ، فخافوا أن تؤمن السفلة فتنقطع تلك المأكلة .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبخاري وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس أنه قال : يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه أحدث أخباراً لله تعرفونه غضاً محضاً لم يشب ، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه ، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا : هو من عند الله ليشتروا به ثمناً ، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسائلهم ، ولا والله ما رأينا منهم أحداً قط سألكم عن الذي أنزل إليكم؟ .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال كان ناس من اليهود يكتبون كتاباً من عندهم ، ويبيعونه من العرب ، ويحدثونهم أنه من عند الله ، فيأخذون ثمناً قليلاً .
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتاباً بأيديهم ليتأكلوا الناس ، فقالوا : هذه من عند الله وما هي من عند الله .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ليشتروا به ثمناً قليلاً } قال : عرضاً من عرض الدنيا { فويل لهم مما يكسبون } يقول : مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي . أنه كره كتابة المصاحف بالأجر ، وتلا هذه الآية { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم . . . } الآية .
وأخرج وكيع عن الأعمش . أنه كره أن يكتب المصاحف بالأجر ، وتأوّل هذه الآية { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله } .
وأخرج وكيع وابن أبي داود عن محمد بن سيرين أنه كان يكره شراء المصاحف وبيعها .
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود عن أبي الضحى قال : سألت ثلاثة من أهل الكوفة عن شراء المصاحف . عبد الله بن يزيد الخطمي ، ومسروق بن الأجدع ، وشريحاً ، فكلهم قال : لا نأخذ لكتاب الله ثمناً .
وأخرج ابن أبي داود من طريق قتادة عن زرارة عن مطرف قال : شهدت فتح تستر مع الأشعري ، فأصبنا دانيال بالسوس ، وأصبنا معه ربطتين من كتان ، وأصبنا معه ربعة فيها كتاب الله ، وكان أول من وقع عليه رجل من بلعنبر يقال له حرقوص ، فأعطاه الأشعري الربطتين وأعطاه مائتي درهم ، وكان معنا أجير نصراني يسمى نعيماً فقال : بيعوني هذه الربعة بما فيها ، فقالوا : إن يكن فيها ذهب أو فضة أو كتاب الله؟ قال : فإن الذي فيها كتاب الله ، فكرهوا أن يبيعوه الكتاب فبعناه الربعة بدرهمين ووهبنا له الكتاب .(1/150)
قال قتادة : فمن ثم كره بيع المصاحف لأن الأشعري وأصحابه كرهوا بيع ذلك الكتاب .
وأخرج ابن أبي داود من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن : أنهما كرها بيع المصاحف .
وأخرج ابن أبي داود عن حماد بن أبي سليمان أنه سئل عن بيع المصاحف فقال : كان إبراهيم يكره بيعها وشراءها .
وأخرج ابن أبي داود عن سالم قال : كان ابن عمر إذا أتى على الذي يبيع المصاحف قال : بئس التجارة .
وأخرج ابن أبي داود عن عبادة بن نسي . أن عمر كان يقول : لا تبيعوا المصاحف ولا تشتروها .
وأخرج ابن أبي داود عن ابن سيرين وإبراهيم . أن عمر كان يكره بيع المصاحف وشراءها .
وأخرج ابن أبي داود عن ابن مسعود : أنه كره بيع المصاحف وشراءها .
وأخرج ابن أبي داود من طريق نافع عن ابن عمر قال : وددت أن الأيدي تقطع على بيع المصاحف .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود من طريق سعيد بن جبير قال : وددت أن الأيدي قطعت على بيع المصاحف وشرائها .
وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة قال : سمعت سالم بن عبد الله يقول : بئس التجارة المصاحف .
وأخرج ابن أبي داود عن جابر بن عبد الله : أنه كره بيع المصاحف وشراءها .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود عن عبد الله بن شقيق العقيلي : أنه كان يكره بيع المصاحف قال : وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشددون في بيع المصاحف ويرونه عظيماً .
وأخرج ابن أبي داود عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب : أنه كره بيع المصاحف كراهية شديدة ، وكان يقول : أعن أخاك بالكتاب أو هب له .
وأخرج ابن أبي داود عن علي بن حسين قال : كانت المصاحف لا تباع ، وكان الرجل يأتي بورقة عند المنبر فيقول من الرجل يحتسب فيكتب لي؟ ثم يأتي الآخر فيكتب حتى يتم المصحف .
وأخرج ابن أبي داود عن مسروق وعلقمة وعبد الله بن يزيد الأنصاري وشريح وعبادة . أنهم كرهوا بيع المصاحف وشراءها ، وقالوا : لا نأخذ لكتاب الله ثمناً .
وأخرج ابن أبي داود عن إبراهيم عن أصحابه قال : كانوا يكرهون بيع المصاحف وشراءها .
وأخرج ابن أبي داود عن أبي العالية . أنه كان يكره بيع المصاحف ، وقال : وددت أن الذين يبيعون المصاحف ضربوا .(1/151)
وأخرج ابن أبي داود عن ابن سيرين قال : كانوا يكرهون بيع المصاحف وكتابتها بالأجر .
وأخرج ابن أبي داود عن ابن جريج قال : قال عطاء : لم يكن من مضى يبيعون المصاحف إنما حدث ذلك الآن ، وإنما يجلسون بمصاحفهم في الحجر فيقول أحدهم للرجل إذا كان كاتباً وهو يطوف : يا فلان إذا فرغت تعال فاكتب لي . قال : فيكتب المصحف وما كان من ذلك حتى يفرغ من مصحفه .
وأخرج ابن أبي داود عن عمرو بن مرة قال : كان في أوّل الزمان يجتمعون فيكتبون المصاحف ، ثم أنهم استأجروا العباد فكتبوها لهم ، ثم أن العباد بعد أن كتبوها باعوها ، وأوّل من باعها هم العباد .
وأخرج أبو عبيد وابن أبي داود عن عمران بن جرير قال : سألت أبا مجلز عن بيع المصاحف قال : إنما بيعت في زمن معاوية فلا تبعها .
وأخرج ابن أبي داود عن محمد بن سيرين قال : كتاب الله أعز من أن يباع .
وأخرج ابن سعيد عن حنظلة قال : كنت أمشي مع طاوس فمر بقوم يبيعون المصاحف فاسترجع .
ذكر من رخص في بيعها وشرائها
أخرج ابن أبي داود عن ابن عباس أنه سئل عن بيع المصاحف فقال : لا بأس ، إنما يأخذون أجور أيديهم .
وأخرج ابن أبي داود عن ابن الحنفية أنه سئل عن بيع المصاحف قال : لا بأس ، إنما يبيع الورق .
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود عن الشعبي قال : لا بأس ببيع المصاحف ، إنهم لا يبيعون كتاب الله إنما يبيعون الورق وعمل أيديهم .
وأخرج ابن أبي داود عن جعفر عن أبيه قال : لا بأس بشراء المصاحف وأن يعطى الأجر على كتابتها .
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود عن مطر الوراق . أنه سئل عن بيع المصاحف فقال : كان خيرا أو حبرا هذه الأمة لا يريان ببيعها بأساً ، الحسن والشعبي .
وأخرج ابن أبي داود عن حميد . أن الحسن كان يكره بيع المصاحف ، فلم يزل به مطر الوراق حتى رخص فيه .
وأخرج ابن أبي داود من طرق عن الحسن قال : لا بأس ببيع المصاحف وشرائها ونقطها بالآجر .
وأخرج ابن أبي داود عن الحكم : أنه كان لا يرى بأساً بشراء المصاحف وبيعها .
وأخرج أبو عبيد وابن أبي داود عن أبي شهاب موسى بن نافع قال : قال لي سعيد بن جبير : هل لك في مصحف عندي قد كفيتك عرضه فتشتريه؟
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود من طرق عن ابن عباس قال : اشتر المصاحف ولا تبعها .
وأخرج ابن أبي داود عن ابن عباس قال : رخص في شراء المصاحف وكره في بيعها . قال ابن أبي داود : كذا قال رخص كأنه صار مسنداً .
وأخرج أبو عبيد وابن أبي داود عن جابر بن عبد الله في بيع المصاحف قال : ابتعها ولا تبعها .
وأخرج ابن أبي داود عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير . مثله .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر . مثله .(1/152)
وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)
أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن يهود كانوا يقولون : مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار ، وإنما هي سبعة أيام معدودات ثم ينقطع العذاب ، فأنزل الله فيه ذلك { وقالوا لن تمسنا النار } إلى قوله { هم فيها خالدون } .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد . مثله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي عن ابن عباس قال : وجد أهل الكتاب مسيرة ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين ، فقالوا : لن يعذب أهل النار إلا قدر أربعين ، فإذا كان يوم القيامة ألجموا في النار فساروا فيها حتى انتهوا إلى سقر ، وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعهودة ، فقال لهم خزنة النار : يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياماً معدودة فقد انقضى العدد وبقي الأبد ، فيأخذون في الصعود يرهقون على وجوههم .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس . أن اليهود قالوا : لن تمسنا النار إلا أربعين يوماً مدة عبادة العجل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : اجتمعت يهود يوماً فخاصموا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات وسموا أربعين يوماً ، ثم يخلفنا فيها ناس وأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ورد يده على رؤوسهم كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها إن شاء الله تعالى أبداً ، ففيهم أنزلت هذه الآية { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة } يعنون أربعين ليلة » .
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود « أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزل الله على موسى يوم طور سيناء من أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة؟ قالوا : إن ربهم غضب عليهم غضبة فنمكث في النار أربعين ليلة ، ثم نخرج فتخلفوننا فيها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبداً ، فنزل القرآن تصديقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيباً لهم { وقالوا لن تمسنا النار } إلى قوله { وهم فيها خالدون } » .
وأخرج أحمد والبخاري والدارمي والنسائي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال « لما افتتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجمعوا لي من كان ههنا من اليهود ، فقال لهم : من أبوكم؟ قال : فلان . قال : كذبتم ، بل أبوكم فلان . قالوا : صدقت وبررت . ثم قال لهم : هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا : نعم يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا . فقال لهم : من أهل النار؟ قالوا : نكون فيها يسيراً ثم تخلفوننا فيها . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : اخسئوا - والله - لا نخلفكم فيها أبداً » .(1/153)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { قل أتخذتم عند الله عهداً } أي موثقاً من الله بذلك أنه كما تقولون .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما قالت اليهود ما قالت قال الله لمحمد { قل أتخذتم عند الله عهداً } يقول : أدخرتم عند الله عهداً . يقول : اقلتم لا إله إلا الله لم تشركوا ولم تكفروا به ، فإن كنتم قلتموها فارجوا بها ، وإن كنتم لم تقولوها فلم تقولون على الله ما لا تعلمون .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { قل أتخذتم عند الله } قال : بفراكم وبزعمكم أن النار ليس تمسكم إلا أياماً معدودة ، يقول : إن كنتم اتخذتم عند الله عهداً بذلك فلن يخلف الله عهده { أم تقولون على الله ما لا تعلمون } قال : قال القوم : الكذب والباطل ، وقالوا عليه ما لا يعلمون .(1/154)
بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { بلى من كسب } قال : الشرك .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وعكرمة وقتادة . مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله { وأحاطت به خطيئته } قال : أحاط به شركه .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { بلى من كسب سيئة } أي من عمل مثل أعمالكم وكفر بما كفرتم به حتى يحيط كفره بما له من حسنة { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي من آمن بما كفرتم به ، وعمل بما تركتم من دينه ، فلهم الجنة خالدين فيها يخبرهم أن الثواب بالخير والشر ، مقيم على أهله أبداً لا انقطاع له أبداً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { وأحاطت به خطيئته } قال : هي الكبيرة الموجبة لأهلها النار .
وأخرج وكيع وابن جرير عن الحسن أنه سئل عن قوله { وأحاطت به خطيئته } ما الخطيئة؟ قال : اقرأوا القرآن ، فكل آية وعد الله عليها النار فهي الخطيئة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { وأحاطت به خطيئته } قال : الذنوب تحيط بالقلب ، فكلما عمل ذنباً ارتفعت حتى تغشى القلب حتى يكون هكذا وقبض كفه ، ثم قال : والخطيئة كل ذنب وعد الله عليه النار .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن الربيع بن خيثم في قوله { وأحاطت به خطيئته } قال : هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب .
وأخرج وكيع وابن جرير عن الأعمش في قوله { وأحاطت به خطيئته } قال : مات بذنبه .(1/155)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل } أي ميثاقكم .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل . . . } الآية . قال : أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له وأن لا يعبدوا غيره .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل } قال : ميثاق أخذه الله على بني إسرائيل فاسمعوا على ما أخذ ميثاق القوم { لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن عيسى بن عمر قال : قال الأعمش : نحن نقرأ { لا يعبدون إلا الله } بالياء لأنا نقرأ آخر الآية { ثم تولوا } عنه وأنتم تقرأون { ثم توليتم } فاقرأوها لا تعبدون .
وأخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله { وقولوا للناس حسناً } قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أمرهم أن يأمروا بلا إله إلا الله من لم يقلها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وقولوا للناس حسناً } قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن علي بن أبي طالب في قوله { وقولوا للناس حسناً } قال : يعني الناس كلهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء وأبي جعفر في قوله { وقولوا للناس حسناً } قالا : للناس كلهم .
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر عن عبد الملك بن سليمان أن زيد بن ثابت كان يقرأ { وقولوا للناس حسناً } وكان ابن مسعود يقرأ { وقولوا للناس حسناً } .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ثم توليتم } أي تركتم ذلك كله .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ثم توليتم } قال : أعرضتم عن طاعتي { إلا قليلاً منكم } وهم الذين اخترتهم لطاعتي .(1/156)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)
أخرج عبد بن حميد عن عاصم . أنه قرأ { لا تسفكون دماءكم } بنصب التاء وكسر الفاء ورفع الكاف .
وأخرج عبد بن حميد عن طلحة بن مصرف أنه قرأها { تسفكون } برفع الفاء .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم } يقول : لا يقتل بعضكم بعضاً { ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } يقول : لا يخرج بعضكم بعضاً من الديار ، ثم أقررتم بهذا الميثاق وأنتم تشهدون . يقول : وأنتم شهود .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ثم أقررتم وأنتم تشهدون } إن هذا حق من ميثاقي عليكم { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } أي أهل الشرك ختى تسفكوا دماءكم معهم { وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم } قال : تخرجونهم من ديارهم معهم { تظاهرون عليهم بالإِثم والعدوان } فكانوا إذا كان بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج ، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس ، وظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى تسافكوا دماءهم ، فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم تصديقاً لما في التوراة { وإن يأتوكم أسارى تفادوهم } وقد عرفتم أن ذلك عليكم في دينكم { وهو محرم عليكم } في كتابكم { إخراجهم } { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } أتفادونهم مؤمنين بذلك وتخرجونهم كفراً بذلك .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية . أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة ، وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب ، ولا يفادي من وقع عليه العرب ، فقال له عبد الله بن سلام : أما أنه مكتوب عندك في كتابك أن فادوهن كلهن .
وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنه قرأ { وإن يأتوكم أسارى تفدوهم } .
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن أنه قرأ { أسارى تفادوهم } .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءتنا { وإن يؤخذوا تفدوهم } .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال : يكون أول الآية عاماً وآخرها خاصاً ، وقرأ هذه الآية { ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون } .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله { أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة } قال : استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة .(1/157)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { وقفينا } اتبعنا .
وأخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله { ولقد آتينا موسى الكتاب } يعني التوراة جملة واحدة مفصلة محكمة { وقفينا من بعده بالرسل } يعني رسولاً يدعى اشمويل بن بابل ، ورسولاً يدعي مشتانيل ، ورسولاً يدعى شعيا بن أمصيا ، ورسولاً يدعى حزقيل ، ورسولاً يدعى أرميا بن حلقيا وهو الخضر ، ورسولاً يدعى داود بن أيشا وهو أبو سليمان ، ورسولاً يدعى المسيح عيسى ابن مريم ، فهؤلاء الرسل ابتعثهم الله وانتخبهم للأمة بعد موسى بن عمران ، وأخذ عليهم ميثاقاً غليظاً أن يؤدوا إلى أممهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم وصفة أمته .
وأما قوله تعالى : { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } .
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم قال : هي الآيات التي وضعت على يده من إحياء الموتى ، وخلقه من الطين كهيئة الطير ، وإبراء الأسقام ، والخبر بكثير من الغيوب ، وما رد عليهم من التوراة مع الإِنجيل الذي أحدث الله إليه .
وأما قوله تعالى : { وأيدناه بروح القدس } .
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وأيدناه } قال : قوّيناه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : روح القدس . الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : القدس لله تعالى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : القدس هو الرب تعالى .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : القدس الطهر .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : القدس البركة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن إسمعيل بن أبي خالد في قوله { وأيدناه بروح القدس } قال : أعانه جبريل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : روح القدس جبريل .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « روح القدس جبريل » .
وأخرج ابن سعيد وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع لحسان منبراً في المسجد ، فكان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم أيد حسان بروح القدس كما نافح عن نبيه » .
وأخرج ابن حبان عن ابن مسعود « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن روح القدس نفث في روعي : أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب » .
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كلمة روح القدس لن يؤذن للأرض أن تأكل من لحمه » .
وأما قوله تعالى : { ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون } .
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { فريقاً } يعني طائفة .(1/158)
وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إنما سمي القلب لتقلبه .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس أنه كان يقرأ { قلوبنا غلف } مثقلة ، كيف تتعلم وإنما قلوبنا غلف للحكمة أي أوعية للحكمة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وقالوا قلوبنا غلف } مملوءة علماً لا تحتاج إلى علم محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطية في قوله { وقالوا قلوبنا غلف } قال : هي القلوب المطبوع عليها .
وأخرج وكيع عن عكرمة في قوله { قلوبنا غلف } قال : عليها طابع .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { وقالوا قلوبنا غلف } عليها غشاوة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { وقالوا قلوبنا غلف } قال : قالوا لا تفقه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في كتاب الإِخلاص وابن جرير عن حذيفة قال : القلوب أربعة : قلب أغلف فذلك قلب الكافر ، وقلب مصفح فذلك قلب المنافق ، وقلب أجرد فيه مثل السراج فذلك قلب المؤمن ، وقلب فيه إيمان ونفاق ، فمثل الإِيمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب ، ومثل النفاق كمثل قرحة يمدها القيح والدم ، فأي المادتين غلبت صاحبتها أهلكته .
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال : تعرض فتنة على القلوب ، فأي قلب أنكرها نكتت في قلبه نكتة بيضاء ، وأي قلب لم ينكرها نكتت في قلبه نكتة سوداء ، ثم تعرض فتنة أخرى على القلوب فإن أنكرها القلب الذي أنكرها نكتت في قلبه نكتة بيضاء ، وإن لم ينكرها نكتت نكتة سوداء ، ثم تعرض فتنة أخرى فإن أنكرها ذلك القلب الذي اشتد وابيض وصفاً ولم تضره فتنة أبداً ، وإن لم ينكرها في المرتين الأوليتين أسود وارتد ونكس ، فلا يعرف حقاً ولا ينكر منكراً .
وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب الايمان والبيهقي في شعب الإِيمان عن علي رضي الله عنه قال : إن الإِيمان يبدو لحظة بيضاء في القلب ، فكلما ازداد الإِيمان عظماً ازداد ذلك البياض ، فإذا استكمل الإِيمان ابيض القلب كله ، وإن النفاق لحظة سوداء في القلب ، فكلما ازداد النفاق عظماً ازداد ذلك السواد ، فإذا استكمل النفاق اسود القلب كله ، وأيم الله لو شققتم على قلب مؤمن لوجدتموه أبيض ، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود .
وأخرج أحمد بسند جيد عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « القلوب أربعة : قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوس ، وقلب مصفح ، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نوره ، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر ، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الكافر عرف ثم أنكر ، وأما القلب المصفح فيه إيمان ونفاق ، ومثل الإِيمان كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ، ومثل النفاق كمثل القرحة يمدها القيح والدم ، فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سلمان الفارسي موقوفاً مثله سواء .
وأما قوله تعالى : { فقليلاً ما يؤمنون } .
أخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله { فقليلاً ما يؤمنون } قال : لا يؤمن منهم إلا قليل .(1/159)
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)
أخرج عبد حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { ولما جاءهم كتاب من عند الله } قال : هو القرآن { مصدق لما معهم } قال : من التوراة والإِنجيل .
وأما قوله تعالى : { وكانوا من قبل يستفتحون } الآية .
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طريق عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري حدثني أشياخ منا قالوا : لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منا ، كان معنا يهود ، وكانوا أهل كتاب وكنا أصحاب وثن ، وكنا إذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا : إن نبياً يبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ، فلما بعث الله رسوله اتبعناه وكفروه به ، ففينا - والله - وفيهم أنزل الله { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا . . . } الآية كلها .
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة في الآية قال : كانت العرب تمر باليهود فيؤذونهم ، وكانوا يجدون محمداً في التوراة فيسألون الله أن يبعثه نبياً فيقاتلون معه العرب ، فلما جاءهم محمد كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس قال : كانت يهود بني قريظة والنضير من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم يستفتحون الله ، يدعون على الذين كفروا ويقولون : اللهم إنا نستنصرك بحق النبي الأمي إلاَّ نصرتنا عليهم فينصرون { فلما جاءهم ما عرفوا } يريد محمداً ولم يشكوا فيه { كفروا به } .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كان يهود أهل المدينة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا من يليهم من مشركي العرب من أسد ، وغطفان ، وجهينة ، وعذرة ، يستفتحون عليهم ويستنصرون ، يدعون عليهم باسم نبي الله فيقولون : اللهم ربنا انصرنا عليهم باسم نبيك وبكتابك الذي تنزل عليه ، الذي وعدتنا إنك باعثه في آخر الزمان .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن قتادة قال : كانت اليهود تستفتح بمحمد على كفار العرب ، يقولون : اللهم ابعث النبي الذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم ، فلما بعث الله محمداً كفروا به حين رأوه بعث من غيرهم حسداً للعرب ، وهم يعلمون أنه رسول الله .
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن ابن عباس قال : كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود ، فعاذت بهذا الدعاء : اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم ، فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا فهزموا غطفان ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به ، فأنزل الله { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } يعني وقد كانوا يستفتحون بك يا محمد إلى قوله { فلعنة الله على الكافرين } .(1/160)
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس . أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه ، فقال لهم معاذ بن جبل ، وبشر بن البراء ، وداود بن سلمة : يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك ، وتخبرونا بأنه مبعوث ، وتصفونه بصفته . فقال سلام بن مشكم أحد بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكر لكم ، فأنزل الله { ولما جاءهم كتاب من عند الله . . . } الآية .
وأخرج أحمد وابن قانع والطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن سلمة بن سلامة وقش وكان من أهل بدر قال : كان لنا جار يهودي في بني عبد الأشهل ، فخرج علينا يوماً من بيته قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير حتى وقف على مجلس بني الأشهل ، قال سلمة : وأنا يومئذ أحدث من فيه سناً ، عليّ بردة مضطجعاً فيها بفناء أهلي ، فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار ، قال : ذلك لأهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت . فقالوا له : ويحك يا فلان . . ! ترى هذا كائناً أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم؟ فقال : نعم ، والذي يحلف به يودّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطينونه عليه وأن ينجو من تلك النار غداً . قالوا له : ويحك وما آية ذلك؟! قال : نبي يبعث من نحو هذه البلاد ، وأشار بيده نحو مكة واليمن . فقالوا : ومتى نراه؟ قال : فنظر إليّ من أحدثهم سناً أن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه ، قال سلمة : فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا ، فآمنا به وكفر به بغياً وحسداً ، فقلنا ويلك يا فلان ألست بالذي قلت لنا؟! قال : بلى ، وليس به .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } يقول يستنصرون بخروج محمد على مشركي العرب يعني بذلك أهل الكتاب ، فلما بعث الله محمداً ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } قال : نزلت في اليهود عرفوا محمداً أنه نبي وكفروا به .(1/161)
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { بئسما اشتروا به أنفسهم . . . } الآية . قال : هم اليهود كفروا بما أنزل الله وبمحمد صلى الله عليه وسلم ، بغياً وحسداً للعرب { فباؤوا بغضب على غضب } قال : غضب الله عليهم مرتين بكفرهم بالإِنجيل وبعيسى ، وبكفرهم بالقرآن وبمحمد .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { بئسما اشتروا به أنفسهم } قال : بئس ما باعوا به أنفسهم حيث باعوا نصيبهم من الآخرة بطمع يسير من الدنيا . قال : وهل تعرف ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :
يعطى بها ثمناً فيمنعها ... ويقول صاحبها ألا تشرى
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { بغياً أن ينزل الله } أي أن الله جعله من غيرهم { فباؤوا بغضب } بكفرهم بهذا النبي { على غضب } كان عليهم فيما ضيعوه من التوراة .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة { فباؤوا بغضب على غضب } قال : كفرهم بعيسى وكفرهم بمحمد .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { فباؤوا بغضب } اليهود غضب بما كان من تبديلهم التوراة قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم { على غضب } جحودهم النبي صلى الله عليه وسلم وكفرهم بما جاء به .(1/162)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)
أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { ويكفرون بما وراءه } قال : بما بعده .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { ويكفرون بما وراءه } قال : القرآن .(1/163)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
أخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله { وأشربوا في قلوبهم العجل } قال : أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم .(1/164)
قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)
أخرج ابن جرير عن أبي العالية قال { قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } [ البقرة : 111 ] ، وقالوا { نحن أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] فأنزل الله { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } فلم يفعلوا .
وأخرج ابن جرير عن قتادة . مثله .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في هذه الآية قال : قل لهم يا محمد إن كانت لكم الدار الآخرة يعني الجنة كما زعمتم { خالصة من دون الناس } يعني المؤمنين { فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } انها لكم خالصة من دون المؤمنين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن كنتم في مقالتكم صادقين قولوا اللهم أمتنا ، فوالذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه ، فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال لهم ، فنزل { ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم } يعني عملته أيديهم { والله عليم بالظالمين } إنهم لن يتمنوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية : والله لا يتمنونه أبداً » .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فتمنوا الموت } أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب فأبوا ذلك ، ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { قل إن كانت لكم الدار الآخرة } يعني الجنة { خالصة } خاصة { فتمنوا الموت } فاسألوا الموت { ولن يتمنوه أبداً } لأنهم يعلمون أنهم كاذبون { بما قدمت } قال : أسلفت .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال : لو تمنى اليهود الموت لماتوا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ، ولرأوا مقاعدهم من النار » .(1/165)
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)
أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة } قال : اليهود { ومن الذين أشركوا } قال : الأعاجم .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة } يعني اليهود { ومن الذين أشركوا } وذلك أن المشرك لا يرجو بعثاً بعد الموت فهو يحب طول الحياة ، وأن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما صنع ما عنده من العلم { وما هو بمزحزحه } قال : بمنجيه .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والحاكم عن ابن عباس في قوله { يودّ أحدهم لو يعمر ألف سنة } قال : هو قول الأعاجم إذا عطس أحدهم زه هزا رسال يعني ألف سنة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وما هو بمزحزحه } قال : هم الذين عادوا جبريل .(1/166)
قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)
أخرج الطيالسي والفريابي وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن عباس قال : حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي . قال « سلوني عما شئتم ، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدثتكم شيئاً فعرفتموه لتتابعني؟ قالوا : فذلك لك . قالوا : أربع خلال نسألك عنها : أخبرنا أي طعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ، وأخبرنا كيف ماء الرجل من ماء المرأة وكيف الأنثى منه والذكر ، وأخبرنا كيف هذا النبي الأمي في النوم ، ومن وليه من الملائكة ، فأخذ عليهم عهد الله لئن أخبرتكم لتتابعني ، فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق . قال : فأنشدكم بالذي أنزل التوراة هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضاً طال سقمه ، فنذر نذراً لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه ، وكان أحب الطعام إليه لُحْمَان الإبل ، وأحب الشراب إليه ألبانها؟ فقالوا : اللهم نعم . فقال : اللهم اشهد . قال : أنشدكم بالذي لا إله إلا هو هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ وأن ماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله ، إن علا ماء الرجل كان ذكراً بإذن الله وإن علا ماء المرأة كان أنثى بإذن الله؟ قالوا : اللهم نعم . قال : اللهم اشهد قال : فأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن النبي الأمي هذا تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد عليهم . قالوا : أنت الآن فحدثنا من وليك من الملائكة فعندها نتابعك أو نفارقك؟ قال : وليي جبريل ولم يبعث الله نبياً قط إلا وهو وليه . قالوا : فعندها نفارقك ، لو كان وليك سواه من الملائكة لا تبعناك وصدقناك . قال : فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا : هو عدوّنا . فأنزل الله تعالى { من كان عدواً لجبريل } إلى قوله { كأنهم لا يعلمون } فعند ذلك باؤوا بغضب على غضب » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وإسحاق بن راهويه في مسنده وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي قال « نزل عمر رضي الله عنه بالروحاء ، فرأى ناساً يبتدرون أحجاراً فقال : ما هذا؟ فقالوا : يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى هذه الأحجار ، فقال : سبحان الله . . . ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ راكباً مر بواد فحضرت الصلاة فصلَّى ، ثم حدث فقال : إني كنت أغشى اليهود يوم دراستهم فقالوا : ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا . قلت : وما ذاك إلا أني أعجب من كتب الله كيف يصدق بعضها بعضاً ، كيف تصدق التوراة الفرقان والفرقان التوراة ، فمر النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وأنا أكلمهم فقلت : أنشدكم بالله وما تقرأون من كتابه ، أتعلمون أنه رسول الله؟ قالوا : نعم . فقلت : هلكتم والله ، تعلمون أنه رسول الله ثم لا تتبعونه؟ فقالوا : لم نهلك ولكن سألناه من يأتيه بنبوّته فقال : عدوّنا جبريل ، لأنه ينزل بالغلظة والشدة والحرب والهلاك ونحو هذا ، فقلت فمن سلمكم من الملائكة؟ فقالوا : ميكائيل ينزل بالقطر والرحمة وكذا . قلت : وكيف منزلتهما من ربهما؟ فقالوا : أحدهما عن يمينه والآخر من الجانب الآخر . قلت : فإنه لا يحل لجبريل أن يعادي ميكائيل ، ولا يحل لميكائيل أن يسالم عدوّ جبريل ، وإني أشهد أنهما وربهما سلم لمن سالموا وحرب لمن حاربوا ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن أخبره ، فلما لقيته قال : ألا أخبرك بآيات أنزلت عليّ؟ قلت : بلى يا رسول الله فقرأ { من كان عدواً لجبريل } حتى بلغ { الكافرين } قلت : والله يا رسول الله ما قمت من عند اليهود إلا إليك لأخبرك بما قالوا لي ، وقلت لهم فوجدت الله قد سبقني . صحيح الإِسناد ولكن الشعبي لم يدرك عمر » .(1/167)
وأخرج سفيان بن عيينة عن عكرمة قال « كان عمر يأتي يهود يكلمهم فقالوا : إنه ليس من أصحابك أحد أكثر إتياناً إلينا منك ، فأخبرنا من صاحب صاحبك الذي يأتيه بالوحي؟ فقال : جبريل . قالوا : ذاك عدونا من الملائكة ، ولو أن صاحبه صاحب صاحبنا لاتبعناه ، فقال عمر : من صاحب صاحبكم؟ قالوا : ميكائيل . قال : وما هما؟ قالوا : أما جبريل فينزل بالعذاب والنقمة وأما ميكائيل فينزل بالغيث والرحمة وأحدهما عدو لصاحبه . فقال عمر . وما منزلتهما؟ قالوا : إنهما من أقرب الملائكة منه أحدهما عن يمينه وكلتا يديه يمين والآخر على الشق الآخر . فقال عمر : لئن كانا كما تقولون ما هما بعدوّين ، ثم خرج من عندهم فمر بالنبي صلى الله عليه وسلم فدعاه فقرأ عليه { من كان عدوّاً لجبريل . . . } الآية . فقال عمر : والذي بعثك بالحق أنه الذي خاصمتهم به آنفاً .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود ، فلما أبصروه رحبوا به فقال عمر : والله ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم ولكني جئت لأسمع منكم ، وسألوه فقالوا : من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم : جبريل ، قالوا : ذاك عدوّنا من الملائكة يطلع محمداً على سرنا ، وإذا جاء ، جاء بالحرب والسنة ولكن صاحبنا ميكائيل ، وإذا جاء جاء بالخصب والسلم . فتوجه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدثه حديثهم ، فوجده قد أنزل هذه الآية { قل من كان عدوّاً لجبريل . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال » لما كان لعمر أرض بأعلى المدينة يأتيها ، وكان ممره على مدارس اليهود ، وكان كلما مر دخل عليهم فسمع منهم ، وإنه دخل عليهم ذات يوم فقال لهم : أنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتجدون محمداً عندكم؟ قالوا : نعم ، إنا نجده مكتوباً عندنا ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي جبريل وجبريل عدونا ، وهو صاحب كل عذاب وقتال وخسف ، ولو كان وليه ميكائيل لآمنا به ، فإن ميكائيل صاحب كل رحمة وكل غيث .(1/168)
قال عمر : فأين مكان جبريل من الله؟ قالوا : جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره . قال عمر : فأشهدكم أن الذي عدوّ للذي عن يمينه عدوّ للذي هو عن يساره والذي عدوّ للذي هو عن يساره عدوّ للذي هو عن يمينه ، وأنه من كان عدوّهما فإنه عدوّ لله ، ثم رجع عمر ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال فوجد جبريل قد سبقه بالوحي ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه { قل من كان عدوّاً لجبريل . . . } الآية . فقال عمر : والذي بعثك بالحق لقد جئت وما أريد إلا أن أخبرك « .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى . أن يهودياً لقي عمر فقال : إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدوّ لنا . فقال عمر { من كان عدوّاً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدوّ للكافرين } قال : فنزلت على لسان عمر ، وقد نقل ابن جرير الاجماع على أن سبب نزول الآية ذلك .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وأبو يعلى وابن حبان والبيهقي في الدلائل عن أنس قال » سمع عبد الله بن سلام بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف ، فأتى صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي . ما أول اشراط الساعة ، وما أول طعام أهل الجنة ، وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال : أخبرني جبريل بهن آنفاً . قال : جبريل؟ قال : نعم . قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة . فقرأ هذه الآية { من كان عدوّاً لجبريل فإنه نزله على قلبك } قال : أما أوّل أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب ، وأما أول ما يأكل أهل الجنة فزيادة كبد حوت ، وأما ما ينزع الولد إلى أبيه وأمه فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها . قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله « .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فإنه نزله على قلبك بإذن الله } يقول : جبريل نزل القرآن بإذن الله يشدد به فؤادك ، ويربط به على قلبك { مصدقاً لما بين يديه } يقول : لما قبله من الكتب التي أنزلها ، والآيات والرسل الذين بعثهم الله .(1/169)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { مصدقاً لما بين يديه } قال : من التوراة والإِنجيل { وهدى وبشرى للمؤمنين } قال : جعل الله هذا القرآن هدى وبشرى للمؤمنين ، لأن المؤمن إذا سمع القرآن حفظه ، ووعاه ، وانتفع به ، واطمأن إليه ، وصدق بموعود الله الذي وعده فيه ، وكان على يقين من ذلك .
وأخرج ابن جرير من طريق عبيد الله العكي عن رجل من قريش قال : سأل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود فقال « أسألكم بكتابكم الذي تقرأون هل تجدونه قد بشر بي عيسى أن يأتيكم رسول اسمه أحمد؟ فقالوا : اللهم وجدناك في كتابنا ولكنا كرهناك لأنك تستحل الأموال وتهرق الدماء ، فأنزل الله { من كان عدوًّا لله وملائكته ورسله } الآية » .
وأما قوله تعالى { وجبريل وميكال } .
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : جبريل كقولك عبد الله جبر عبد وايل الله .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان والخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس قال : جبريل عبد الله ، وميكائيل عبيد الله ، وكل اسم فيه ايل فهو معبد لله .
وأخرج الديلمي عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اسم جبريل عبد الله ، واسم اسرافيل عبد الرحمن » .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن علي بن حسين قال : اسم جبريل عبد الله ، واسم ميكائيل عبيد الله ، واسم اسرافيل عبد الرحمن ، وكل شيء راجع إلى ايل فهو معبد لله عز وجل .
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال : جبريل اسمه عبد الله ، وميكائيل اسمه عبيد الله ، قال : والإِل الله ، وذلك قوله { لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة } [ التوبة : 10 ] قال : لا يرقبون الله .
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأها جبرال ، ويقول جبر هو عبد وال هو الله .
وأخرج وكيع عن علقمة أنه كان يقرأ مثقلة { جبريل وميكائيل } .
وأخرج وكيع ابن جبرير عن عكرمة قال : جبر عبد وايل الله ، وميك عبد وايل الله ، واسراف عبد وايل الله .
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإِيمان بسند حسن عن ابن عباس قال « بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل يناجيه إذ انشق أفق السماء ، فأقبل جبريل يتضاءل ويدخل بعضه في بعض ويدنو من الأرض ، فإذا ملك قد مثل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ، ويخيرك بين أن تكون نبياً ملكاً وبين أن تكون نبياً عبداً . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار جبريل إليّ بيده أن تواضع ، فعرفت أنه لي ناصح فقلت : عبد نبي . فعرج ذلك الملك إلى السماء فقلت : يا جبريل قد كنت أردت أن أسألك عن هذا ، فرأيت من حالك ما شغلني عن المسألة فمن هذا يا جبريل؟ قال : هذا اسرافيل خلقه الله يوم خلقه بين يديه صافاً قدميه لا يرفع طرفه ، بينه وبين الرب سبعون نوراً ما منها نور يدنو منه إلا احترق ، بين يديه اللوح المحفوظ فإذا أذن الله في شيء في السماء أو في الأرض ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فينظر فيه ، فإذا كان من عملي أمرني به ، وإن كان من عمل ميكائيل أمره به ، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به . قلت : يا جبريل على أي شيء أنت؟ قال : على الرياح والجنود . قلت : على أي شيء ميكائيل؟ قال : على النبات والقطر . قلت : على أي شيء ملك الموت؟ قال : على قبض الأنفس ، وما ظننت أنه هبط إلا بقيام الساعة ، وما ذاك الذي رأيت مني إلا خوفاً من قيام الساعة » .(1/170)
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أخبركم بأفضل الملائكة جبريل ، وأفضل النبيين آدم ، وأفضل الأيام يوم الجمعة ، وأفضل الشهور رمضان ، وأفضل الليالي ليلة القدر ، وأفضل النساء مريم بنت عمران » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن عبد العزيز بن عمير قال : اسم جبريل في الملائكة خادم الله عز وجل .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عكرمة قال : قال جبريل عليه السلام : إن ربي عز وجل ليبعثني على الشيء لأمضيه فأجد الكون قد سبقني إليه .
وأخرج أبو الشيخ عن موسى بن عائشة قال : بلغني أن جبريل إمام أهل السماء .
وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن مرة قال : جبريل على ريح الجنوب .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ثابت قال : بلغنا أن الله تعالى وكَّل جبريل بحوائج الناس ، فإذا دعا المؤمن قال « يا جبريل احبس حاجته فإني أحب دعاءه ، وإذا دعا الكافر قال : يا جبريل اقض حاجته فإني أبغض دعاءه » .
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق ثابت عن عبدالله بن عبيد قال « إن جبريل موكل بالحوائج ، فإذا سأل المؤمن ربه قال : احبس احبس حبا لدعائه أن يزداد ، وإذا سأل الكافر قال : أعطه أعطه بغضاً لدعائه » .
وأخرج البيهقي والصابوني في المائتين عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن جبريل موكل بحاجات العباد ، فإذا دعا المؤمن قال : يا جبريل احبس حاجة عبدي فإني أحبه وأحب صوته ، وإذا دعا الكافر قال : يا جبريل اقض حاجة عبدي فإني أبغضه وأبغض صوته » .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : « وددت أني رأيتك في صورتك قال : وتحب ذلك؟ قال : نعم . قال : موعدك كذا وكذا من الليل بقيع الغرقد ، فلقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم موعده ، فنشر جناحاً من أجنحته فسد أفق السماء حتى ما يرى من السماء شيء » .(1/171)
وأخرج أحمد وأبو الشيخ عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « رأيت جبريل مهبطاً قد ملأ ما بين الخافقين ، عليه ثياب سندس معلق بها اللؤلؤ والياقوت » .
وأخرج أبو الشيخ عن شريح بن عبيد « أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد إلى السماء رأى جبريل في خلقته منظومة أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت ، قال : فخيل إلي أن ما بين عينيه قد سد الأفق ، وكنت أراه قبل ذلك على صور مختلفة ، وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي ، وكنت أحياناً أراه كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربال » .
وأخرج ابن جرير عن حذيفة وابن جرير وقتادة . دخل حديث بعضهم لبعض لجبريل جناحان ، وعليه وشاح من در منظوم ، وهو براق الثنايا ، أجلى الجبينين ، ورأسه حُبكَ حبكاً مثل المرجان ، وهو اللؤلؤ كأنه الثلج ، وقدماه إلى الخضرة .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما بين منكبي جبريل مسيرة خمسمائة عام للطائر السريع الطيران » .
وأخرج أبو الشيخ عن وهب بن منبه . أنه سئل عن خلق جبريل؟ فذكر أن ما بين منكبيه من ذي إلى ذي خفق الطير سبعمائة عام .
وأخرج ابن سعد والبيهقي في الدلائل عن عمار بن أبي عمار . إن حمزة بن عبد المطلب قال : يا رسول الله أرني جبريل على صورته . قال « إنك لا تستطيع أن تراه . قال : بلى فأرنيه . قال : فاقعد . فقعد فنزل جبريل على خشبة كانت الكعبة يلقي المشركون عليها ثيابهم إذا طافوا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ارفع طرفك . فانظر فرفع طرفه ، فرأى قدميه مثل الزبرجد الأخضر ، فخر مغشياً عليه » .
وأخرج ابن المبارك في الزهد عن ابن شهاب « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبريل أن يتراءى له في صورته فقال جبريل : إنك لن تطيق ذلك . قال : إني أحب أن تفعل . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى في ليلة فأتاه في ليلة مقمرة ، فأتاه جبريل في صورته ، فغشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه ، ثم أفاق وجبريل مسنده وواضع إحدى يديه على صدره والآخرى بين كتفيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما كنت أرى أن شيئاً من الخلق هكذا! فقال جبريل : فكيف لو رأيت إسرافيل ، إن له لاثني عشر جناحاً ، منها جناح في المشرق ، وجناح في المغرب ، وإن العرش على كاهله ، وإنه ليتضاءل أحياناً لعظمة الله عز وجل حتى يصير مثل الوصع ، حتى ما يحمل عرشه إلا عظمته » .(1/172)
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أبي جعفر قال : كان أبو بكر يسمع مناجاة جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يراه .
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم « لما رأيت جبريل لم يره خلق الأعمى إلا أن يكون نبياً ، ولكن أن يجعل ذلك في آخر عمرك » .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن في الجنة لنهرا ما يدخله جبريل من دخلة فيخرج فينتفض إلا خلق الله من كل قطرة تقطر ملكاً » .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي العلاء بن هرون قال : لجبريل في كل يوم انغماسة في نهر الكوثر ، ثم ينتفض فكل قطرة يخلق منها ملك .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن جبريل ليأتيني كما يأتي الرجل صاحبه في ثياب بيض مكفوفة باللؤلؤ والياقوت ، رأسه كالحبك ، وشعره كالمرجان ، ولونه كالثلح ، أجلى الجبين ، براق الثنايا ، عليه وشاحان من در منظوم ، وجناحاه أخضران ، ورجلاه مغموستان في الخضرة ، وصورته التي صور عليها تملأ ما بين الأفقين ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : أشتهي أن أراك في صورتك يا روح الله . فتحوّل له فيها فسدَّ ما بين الأفقين » .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل « هل ترى ربك؟ قال : إن بيني وبينه لسبعين حجاباً من نار أو نور ، لو رأيت أدناها لاحترقت » .
وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية بسند واه عن أبي هريرة . أنَّ رجلاً من اليهود أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هل احتجب الله بشيء عن خلقه غير السموات؟ قال : « نعم ، بينه وبين الملائكة الذين حول العرش سبعون حجاباً من نور ، وسبعون حجاباً من نار ، وسبعون حجاباً من ظلمة ، وسبعون حجاباً من رفارف الاستبرق ، وسبعون حجاباً من رفارف السندس ، وسبعون حجاباً من در أبيض ، وسبعون حجاباً من در أحمر ، وسبعون حجاباً من در أصفر ، وسبعون حجاباً من در أخضر ، وسبعون حجاباً من ضياء ، وسبعون حجاباً من ثلج ، وسبعون حجاباً من برد ، وسبعون حجاباً من عظمة الله التي لا توصف ، قال : فأخبرني عن ملك الله الذي يليه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الملك الذي يليه إسرافيل ، ثم جبريل ، ثم ميكائيل ، ثم ملك الموت عليهم السلام » .
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي عمران الجوني « أنه بلغه أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يبكيك؟! قال : وما لي لا أبكي . . . ! فوالله ما جفت لي عين منذ خلق الله النار ، مخافة أن أعصيه فيقذفني فيها » .(1/173)
وأخرج أحمد في الزهد عن رباح قال « حدثت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل : لم تأتني إلا وأنت صار بين عينيك؟ قال : إني لم أضحك منذ خلقت النار » .
وأخرج أحمد في مسنده وأبو الشيخ عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل : ما لي لم أر ميكائيل ضاحكاً قط؟ قال : ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار » .
وأخرج أبو الشيخ عن عبد العزيز بن أبي رواد قال « نظر الله إلى جبريل وميكائيل وهما يبكيان ، فقال الله : ما يبكيكما وقد علمتما إني لا أجور . . . ؟ فقالا : يا رب إنا لا نأمن مكرك . قال : هكذا فافعلا فإنه لا يأمن مكري إلا كل خاسر » .
وأخرج أبو الشيخ من طريق الليث عن خالد بن سعيد قال : بلغنا أن إسرافيل يؤذن لأهل السماء فيؤذن لأثنتي عشرة ساعة من النهار ، ولاثنتي عشرة ساعة من الليل لكل ساعة تأذين ، يسمع تأذينه من في السموات السبع ومن في الأرضين السبع إلا الجن والإِنس ، ثم يتقدم بهم عظيم الملائكة فيصلي بهم . قال : وبلغنا أن ميكائيل يؤم الملائكة في البيت المعمور .
وأخرج الحكيم الترمذي عن زيد بن رفيع قال « دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل وميكائيل وهو يستاك ، فناول رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل السواك ، فقال جبريل : كبر . قال جبريل : ناول ميكائيل فإنه أكبر » .
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة بن خالد « أن رجلاً قال : يا رسول الله أي الخلق أكرم على الله عز وجل؟ قال : لا أدري . . . ! فجاءه جبريل عليه السلام فقال : يا جبريل أي الخلق أكرم على الله؟ قال : لا أدري . . . ! فعرج جبريل ثم هبط ، فقال : أكرم الخلق على الله جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، فأمَّا جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين ، وأما ميكائيل فصاحب كل قطرة تسقط وكل ورقة تنبت وكل ورقة تسقط ، وأما ملك الموت فهو موكل بقبض كل روح عبد في بر أو بحر ، وأما إسرافيل فأمين الله بينه وبينهم » .
وأخرج أبو الشيخ عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أقرب الخلق إلى الله جبريل وميكائيل وإسرافيل وهم منه مسيرة خمسين ألف سنة ، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وإسرافيل بينهما » .
وأخرج أبو الشيخ عن خالد بن أبي عمران قال : جبريل أمين الله إلى رسله ، وميكائيل يتلقى الكتب التي تلقى من أعمال الناس ، وإسرافيل كمنزلة الحاجب « .(1/174)
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن أبي داود في المصاحف وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إسرافيل صاحب الصور ، وجبريل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وهو بينهما » .
وأخرج أبو الشيخ عن وهب قال : إن أدنى الملائكة من الله جبريل ثم ميكائيل ، فإذا ذكر عبداً بأحسن عمله قال : فلان ابن فلان عمل كذا وكذا من طاعتي صلوات الله عليه ، ثم سأل ميكائيل جبريل ما أحدث ربنا؟ فيقول : فلان ابن فلان ذكر بأحسن عمله فصلى عليه صلوات الله عليه ، ثم سأل ميكائيل من يراه من أهل السماء فيقول : ماذا أحدث ربنا؟ فيقول : ذكر فلان ابن فلان بأحسن عمله فصلى عليه صلوات الله عليه ، فلا يزال يقع إلى الأرض . وإذا ذكر عبداً بأسوأ عمله قال : عبدي فلان ابن فلان عمل كذا وكذا من معصيتي فلعنتي عليه ، ثم سأل ميكائيل جبريل ماذا أحدث ربنا؟ فيقول : ذكر فلان ابن فلان بأسوأ عمله فعليه لعنة الله ، فلا يزال يقع من سماء إلى سماء حتى يقع إلى الأرض .
وأخرج الحاكم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « وزيراي من السماء جبريل وميكائيل ، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر » .
وأخرج البزار والطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله أيدني بأربعة وزراء ، اثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل ، واثنين من أهل الأرض أبي بكر وعمر » .
وأخرج الطبراني بسند حسن عن أم سلمة . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن في السماء ملكين أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين وكل مصيب جبريل وميكائيل . ونبيان أحدهما يأمر باللين والآخر يأمر بالشده وكل مصيب وذكر إبراهيم ونوحاً ، ولي صاحبان أحدهما يأمر باللين والآخر يأمر بالشدة وكل مصيب وذكر أبا بكر وعمر » .
وأخرج البزار والطبراني في الأوسط والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبدالله بن عمرو قال « جاء فئام الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله زعم أبو بكر أن الحسنات من الله والسيئات من العباد ، وقال عمر : الحسنات والسيئات من الله فتابع هذا قوم وهذا قوم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأقضين بينكما بقضاء إسرافيل بين جبريل وميكائيل ، إن ميكائيل قال يقول أبي بكر ، وقال جبريل بقول عمر . فقال جبريل لميكائيل : إنا متى تختلف أهل السماء تختلف أهل الأرض فلنتحاكم إلى إسرافيل ، فتحاكما إليه فقضى بينهما بحقيقة القدر خيره وشره وحلوه ومره كله من الله ، ثم قال : يا أبا بكر إن الله لو أراد أن لا يعصى لم يخلق إبليس . فقال أبو بكر : صدق الله ورسوله » .
وأخرج الحاكم عن أبي المليح عن أبيه « أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين خفيفتين قال : فسمعته يقول : اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل ومحمد أعوذ بك من النار ثلاث مرات » .
وأخرج أحمد في الزهد عن عائشة « أن النبي صلى الله عليه وسلم أغمي عليه ورأسه في حجرها ، فجعلت تمسح وجهه وتدعو له بالشفاء ، فلما أفاق قال : لا بل أسأل الله الرفيق الأعلى مع جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام » .(1/175)
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال « قال ابن صوريا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه ما أنزل الله عليك من آية بينة ، فأنزل الله في ذلك { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون } وقال مالك بن الصيف : حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد ، والله ما عهد إلينا في محمد ولا أخذ علينا ميثاقاً ، فأنزل الله تعالى { أو كلما عاهدوا عهداً . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات } يقول : فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك . وأنت عندهم أمي لم تقرأ كتاباً ، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه ، ففي ذلك عبرة لهم وبيان وحجة عليهم لو كانوا يعلمون .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله { نبذه } قال : نقضه .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله { نبذه فريق منهم } قال : لم يكن في الأرض عهد يعاهدون إليه إلا نقضوه ويعاهدون اليوم وينقضون غداً قال : وفي قراءة عبدالله : نقضه فريق منهم .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم . . . } الآية .
قال : ولما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم عارضوه بالتوراة فاتفقت التوراة والقرآن ، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت ، كأنهم لا يعلمون ما في التوراة من الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه .(1/176)
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)
أخرج سفيان بن عينية وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء ، فإذا سمع أحدهم بكلمة حق كذب عليها ألف كذبة فاشربتها قلوب الناس واتخذوها دواوين ، فاطلع الله على ذلك سليمان بن داود فأخذها فقذفها تحت الكرسي ، فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال : ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه الممنع؟ قالوا : نعم . فأخرجوه فإذا هو سحر فتناسختها الأمم ، وأنزل الله عذر سليمان فيما قالوا من السحر فقال { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان . . . } الآية .
وأخرج النسائي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان آصف كاتب سليمان وكان يعلم الاسم الأعظم ، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه ، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحراً وكفراً ، وقالوا : هذا الذي كان سليمان يعمل به ، فاكفره جهال الناس وسبوه ، ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل الله على محمد { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما ذهب ملك سليمان ارتد فئام من الجن والإِنس واتبعوا الشهوات ، فلما رجع إلى سليمان ملكه وقام الناس على الدين ، ظهر على كتبهم فدفنها تحت كرسيه ، وتوفي حدثان ذلك ، فظهر الجن والإِنس على الكتب بعد وفاة سليمان ، وقالوا : هذا كتاب من الله نزل على سليمان أخفاه عنا ، فأخذوه فجعلوه ديناً ، فأنزل الله { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } أي الشهوات التي كانت الشياطين تتلو ، وهي المعازف واللعب وكل شيء يصد عن ذكر الله .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يأتي شيئاً من شأنه ، أعطى الجرادة وهي امرأته خاتمه ، فلما أراد الله أن يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به أعطى الجرادة ذلك اليوم خاتمه ، فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها : هاتي خاتمي . فأخذه فلبسه ، فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإِنس ، فجاءها سليمان فقال : هاتي خاتمي . فقالت : كذبت لست سليمان . فعرف أنه بلاء ابتلي به ، فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتباً فيها سحر وكفر ، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ، ثم أخرجوها فقرأوها على الناس وقالوا : إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب ، فبرىء الناس من سليمان وأكفروه حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، وأنزل عليه { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا } .
وأخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال : قال اليهود : انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل ، يذكر سليمان مع الأنبياء إنما كان ساحراً يركب الريح ، فأنزل الله { واتبعوا ما تتلوا الشياطين .(1/177)
. . } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : إن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم زماناً عن أمور من التوراة لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوا عنه فيخصمهم ، فلما رأوا ذلك قالوا هذا أعلم بما أنزل علينا منا ، وإنهم سألوه عن السحر وخاصموه به ، فأنزل الله { واتبعوا ما تتلوا الشياطين . . . } الآية . وإن الشياطين عمدوا إلى كتاب فكتبوا فيه السحر والكهانة وما شاء الله من ذلك ، فدفنوه تحت مجلس سليمان ، وكان سليمان لا يعلم الغيب ، فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر وخدعوا به الناس ، وقالوا : هذا علم كان سليمان يكتمه ويحسد الناس عليه ، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث ، فرجعوا من عنده وقد حزنوا وأدحض الله حجتهم .
وأخرج سعيد بن منصور عن خصيف قال : كان سليمان إذا نبتت الشجرة قال : لأي داء أنت؟ فتقول : لكذا وكذا . فلما نبتت الشجرة الخرنوبة قال : لأي شيء أنت؟ قالت : لمسجدك أخربه . فلم يلبث أن توفي ، فكتب الشياطين كتاباً فجعلوه في مصلى سليمان ، فقالوا : نحن ندلكم على ما كان سليمان يداوي به ، فانطلقوا فاستخرجوا ذلك الكتاب ، فإذا فيه سحر ورقى ، فأنزل الله { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } إلى قوله { وما أنزل على الملكين } وذكر أنها في قراءة أبي ( وما يتلى على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ) سبع مرار ، فإن أبى إلا أن يكفر علماه فيخرج منه نور حتى يسطع في السماء قال : المعرفة التي كان يعرف .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي مجلز قال : أخذ سليمان من كل دابة عهداً ، فإذا أصيب رجل فيسأل بذلك العهد خلي عنه ، فرأى الناس بذلك السجع والسحر وقالوا : هذا كان يعمل به سليمان . فقال الله { وما كفر سليمان } الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ما تتلوا } قال : ما تتبع .
وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله { ما تتلوا الشياطين } قال : يراد ما تحدث .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله { على ملك سليمان } يقول : في ملك سليمان .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله { وما كفر سليمان } يقول : ما كان عن مشورته ولا رضا منه ولكنه شيء افتعلته الشياطين دونه { يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين } فالسحر سحران ، سحر تعلمه الشياطين ، وسحر يعلمه هاروت وماروت .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { وما أنزل على الملكين } قال : هذا سحر آخر خاصموه به ، فإن كلام الملائكة فيما بينهم إذا علمته الإِنس فصنع وعمل به كان سحراً .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : أما السحر فإنما يعلمه الشياطين ، وأما الذي يعلمه الملكان فالتفريق بين المرء وزوجه .(1/178)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وما أنزل على الملكين } قال : التفرقة بين المرء وزوجه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وما أنزل على الملكين } قال : لم ينزل الله السحر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي في الآية قال : هما ملكان من ملائكة السماء .
وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبزى . إنه كان يقرأها ( وما أنزل على الملكين داود وسليمان ) .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك . أنه قرأ { وما أنزل على الملكين } وقال : هما علجان من أهل بابل .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر عن ابن عباس { وما أنزل على الملكين } يعني جبريل وميكائيل { ببابل هاروت وماروت } يعلمان الناس السحر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية { وما أنزل على الملكين } قال : ما أنزل على جبريل وميكائيل السحر .
وأما قوله تعالى : { ببابل } .
أخرج أبو داود وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن علي قال « إن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي بأرض بابل ، فإنها ملعونة » .
وأخرج الدينوري في المجالسة وابن عساكر من طريق نعيم بن سالم - وهو متهم - عن أنس بن مالك قال : لما حشر الله الخلائق إلى بابل بعث إليهم ريحاً شرقية وغربية وقبلية وبحرية فجمعتهم إلى بابل ، فاجتمعوا يومئذ ينظرون لما حشروا له ، إذ نادى مناد : من جعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره ، واقتصد إلى البيت الحرام بوجهه فله كلام أهل السماء . فقام يعرب بن قحطان فقيل له : يا يعرب بن قحطان بن هود أنت هو ، فكان أول من تكلم بالعربية ، فلم يزل المنادي ينادي : من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا حتى افترقوا على اثنين وسبعين لساناً ، وانقطع الصوت وتبلبلت الألسن فسميت بابل ، وكان اللسان يومئذ بابلياً ، وهبطت ملائكة الخير والشر ، وملائكة الحياء والإِيمان ، وملائكة الصحة والشفاء ، وملائكة الغنى ، وملائكة الشرف ، وملائكة المروءة ، وملائكة الجفاء ، وملائكة الجهل ، وملائكة السيف ، وملائكة البأس ، حتى انتهوا إلى العراق فقال بعضهم لبعض : افترقوا . فقال ملك الإِيمان : أنا أسكن المدينة ومكة . فقال ملك الحياء : أنا معك . وقال ملك الشفاء : أنا أسكن البادية . فقال ملك الصحة : وأنا معك . وقال ملك الجفاء : وأنا أسكن المغرب . فقال ملك الجهل . وأنا معك . وقال ملك السيف : أنا أسكن الشام . فقال ملك البأس : أنا معك . وقال ملك الغنى : أنا أقيم ههنا . فقال ملك المروءة : أنا معك . فقال ملك الشرف : وأنا معكما . فاجتمع ملك الغنى والمروءة والشرف بالعراق .
وأخرج ابن عساكر بسند فيه مجاهيل عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(1/179)
« إن الله عز وجل خلق أربعة أشياء وأردفها أربعة أشياء ، خلق الجدب وأردفه الزهد وأسكنه الحجاز ، وخلق العفة وأردفها الغفلة وأسكنها اليمن ، وخلق الرزق وأردفه الطاعون وأسكنه الشام ، وخلق الفجور وأردفه الدرهم وأسكنه العراق » .
وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن يسار قال : كتب عمر بن الخطاب إلى كعب الأحبار أن اختر لي المنازل . فكتب إليه يا أمير المؤمنين إنه بلغنا أن الأشياء اجتمعت فقال السخاء : أريد اليمن . فقال حسن الخلق : أنا معك . وقال الجفاء : أريد الحجاز . فقال الفقر : أنا معك . قال البأس : أريد الشام . فقال السيف : أنا معك . وقال العلم : أريد العراق . فقال العقل : أنا معك . وقال الغني : أريد مصر . فقال الذل : أنا معك . فاختر لنفسك يا أمير المؤمنين ، فلما ورد الكتاب على عمر قال : العراق إذن ، فالعراق إذن .
وأخرج ابن عساكر عن حكيم بن جابر قال : أخبرت أن الإِسلام قال : أنا لاحق بأرض الشام . قال الموت : وأنا معك . قال الملك : وأنا لاحق بأرض العراق . قال القتل : وأنا معك . قال الجوع : وأنا لاحق بأرض العرب . قالت الصحة : وأنا معك .
وأخرج ابن عساكر عن دغفل قال : قال المال : أنا أسكن العراق . فقال الغدر : أنا أسكن معك . وقالت الطاعة : أنا أسكن الشام . فقال الجفاء : أنا أسكن معك . وقالت المروءة : أنا أسكن الحجاز . فقال الفقر : وأنا أسكن معك .
وأما قوله تعالى : { هاروت وماروت } قد تقدم حديث ابن عمر في قصة آدم وبقيت آثار أخر .
أخرج سعيد وابن جرير والخطيب في تاريخه عن نافع قال : سافرت مع ابن عمر ، فلما كان من آخر الليل قال : يا نافع انظر هل طلعت الحمراء؟ قلت : لا مرتين أو ثلاثاً ، ثم قلت : قد طلعت . قال : لا مرحباً بها ولا أهلاً . قلت : سبحان الله . . . ! نجم مسخر سامع مطيع؟ قال : ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن الملائكة قالت : يا رب كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب؟ قال : إني ابتليتهم وعافيتكم . قالوا : لو كنا مكانهم ما عصيناك . قال : فاختاروا ملكين منكم ، فلم يألوا جهداً أن يختاروا ، فاختاروا هاروت وماروت فنزلا ، فألقى الله عليهم الشبق . قلت : وما الشبق؟ قال : الشهوة . فجاءت امرأة يقال لها الزهرة ، فوقعت في قلوبهما ، فجعل كل واحد منهما يخفي عن صاحبه ما في نفسه ، ثم قال أحدهما للآخر : هل وقع في نفسك ما وقع في قلبي؟ قال : نعم ، فطلباها لأنفسهما فقالت : لا أمكنكما حتى تعلماني الاسم الذي تعرجان به إلى السماء وتهبطان فأبيا ، ثم سألاها أيضاً فأبت ففعلا ، فلما استطيرت طمسها الله كوكباً وقطع أجنحتهما ، ثم سألا التوبة من ربهما فخيرهما فقال : إن شئتما رددتكما إلى ما كنتما عليه فإذا كان يوم القيامة عذبتكما ، وإن شئتما عذبتكما في الدنيا فإذا كان يوم القيامة رددتكما إلى ما كنتما عليه . فقال أحدهما لصاحبه : إن عذاب الدنيا ينقطع ويزول ، فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة . فأوحى الله إليهما : أن ائتيا بابل . فانطلقا إلى بابل ، فخسف بهما فهما منكوسان بين السماء والأرض معذبان إلى يوم القيامة » .(1/180)
وأخرج سعيد بن منصور عن مجاهد قال : كنت مع ابن عمر في سفر فقال لي : ارمق الكوكب ، فإذا طلعت أيقظني ، فلما طلعت أيقظته فاستوى جالساً ، فجعل ينظر إليها ويسبها سباً شديداً ، فقلت : يرحمك الله أبا عبد الرحمن ، نجم ساطع مطيع ما له تسبه؟! فقال : أما أن هذه كانت بغيا في بني إسرائيل ، فلقي الملكان منها ما لقيا .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان من طريق موسى بن جبير عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أشرفت الملائكة على الدنيا فرأت بني آدم يعصون فقالت : يا رب ما أجهل هؤلاء! ما أقل معرفة هؤلاء بعظمتك! فقال الله : لو كنت في مسالخهم لعصيتموني . قالوا : كيف يكون هذا ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال : فاختاروا منكم ملكين ، فاختاروا هاروت وماروت ، ثم أهبطا إلى الأرض وركبت فيهما شهوات مثل بني آدم ، ومثلت لهما امرأة فما عصما حتى واقعا المعصية ، فقال الله : اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، فنظر أحدهما إلى صاحبه قال : ما تقول فاختر؟ قال : أقول أن عذاب الدنيا ينقطع وأن عذاب الآخرة لا ينقطع ، فاختارا عذاب الدنيا فهما اللذان ذكر الله في كتابه { وما أنزل على الملكين . . . } الآية » .
وأخرج اسحق بن راهويه وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في العقوبات وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب قال : إن هذه الزهرة تسميها العرب الزهرة والعجم أناهيذ ، وكان الملكان يحكمان بين الناس ، فأتتهما فأرادها كل واحد عن غير علم صاحبه فقال أحدهما : يا أخي إن في نفسي بعض الأمر أريد أن أذكره لك . قال : اذكره لعل الذي في نفسي مثل الذي في نفسك ، فاتفقا على أمر في ذلك . فقالت لهما المرأة : ألا تخبراني بما تصعدان به إلى السماء وبما تهبطان به إلى الأرض؟ فقالا : باسم الله الأعظم . قالت : ما أنا بمؤاتيتكما حتى تعلمانيه . فقال أحدهما لصاحبه : علمها إياه . فقال : كيف لنا بشدة عذاب الله؟ قال الآخر : إنا نرجو سعة رحمة الله ، فعلمها إياه فتكلمت به فطارت إلى السماء ، ففزع ملك في السماء لصعودها فطأطأ رأسه فلم يجلس بعد ، ومسخها الله كوكبا .
وأخرج ابن راهويه وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لعن الله الزهرة فإنها هي التي فتنت الملكين هاروت وماروت » .(1/181)
وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن أبي العباس قال : كانت الزهرة امرأة في قومها ، يقال لها في قومها بيذخت .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عباس قال : إن المرأة التي فتن بها الملكان مسخت ، فهي هذه الكوكبة الحمراء يعني الزهرة .
وأخرج موحد بن عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب قال : ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب ، فقيل : لو كنتم مكانهم لأتيتم مثل الذي يأتون فاختاروا منكم اثنين ، فاختاروا هاروت وماروت فقيل لهما : إني أرسل إلى بني آدم رسلاً فليس بيني وبينكما رسول ، أنزلكما لا تُشركا بي شيئاً ، ولا تزنيا ، ولا تشربا الخمر ، قال كعب : فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استكملا جميع ما نهيا عنه .
وأخرج الحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عمر . أنه كان يقول : أطلعت الحمراء بعد فإذا رآها قال : لا مرحبا . ثم قال : إن ملكين من الملائكة هاروت وماروت سألا الله أن يهبطا إلى الأرض ، فأهبطا إلى الأرض فكانا يقضيان بين الناس ، فإذا أمسيا تكلما بكلمات فعرجا بها إلى السماء ، فقيض الله لهما امرأة من أحسن الناس وألقيت عليهما الشهوة ، فجعلا يؤخرانها وألقيت في أنفسهما ، فلم يزالا يفعلان حتى وعدتهما ميعاداً فأتتهما للميعاد فقالت : كلماني الكلمة التي تعرجان بها فعلماها الكلمة ، فتكلمت بها فعرجت إلى السماء فمسخت فجعلت كما ترون ، فلما أمسيا تكلما بالكلمة فلم يعرجا ، فبعث إليهما إن شئتما فعذاب الآخرة وإن شئتما فعذاب الدنيا إلى أن تقوم الساعة . فقال أحدهما لصاحبه : بل نختار عذاب الدنيا ألف ألف ضعف ، فهما يعذبان إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كنت نازلاً على عبدالله بن عمر في سفر ، فلما كان ذات ليلة قال لغلامه : انظر طلعت الحمراء لا مرحباً بها ولا أهلاً ولا حياها الله هي صاحبة الملكين ، قالت الملائكة : كيف تدع عصاة بني آدم وهم يسفكون الدم الحرام ، وينتهكون محارمك ، ويفسدون في الأرض؟ قال : إني قد ابتليتهم فلعل إن ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم به فعلتم كالذي يفعلون . قالوا : لا . قال : فاختاروا من خياركم اثنين . فاختاروا هاروت وماروت ، فقال لهما : إني مهبطكما إلى الأرض ، ومعاهد إليكما أن لا تشركا ، ولا تزنيا ، ولا تخونا . فأهبطا إلى الأرض وألقى عليهما الشبق ، وأهبطت لهما الزهرة في أحسن صورة امرأة ، فتعرضت لهما فأراداها عن نفسها ، فقالت : إني على دين لا يصلح لأحد أن يأتيني إلا من كان على مثله .(1/182)
قالا : وما دينك؟ قالت : المجوسية . قالا : أنشرك؟ هذا شيء لا نقر به . فمكثت عنهما ما شاء الله ، ثم تعرضت لهما فأراداها عن نفسها ، فقالت : ما شئتما غير أن لي زوجاً وأنا أكره أن يطلع على هذا مني فافتضح ، وإن أقررتما لي بديني وشرطتما أن تصعدا بي إلى السماء فعلت . فأقرا لها بدينها وأتياها فيما يريان ثم صعدا بها إلى السماء ، فلما انتهيا إلى السماء اختطفت منهما وقطعت أجنحتهما فوقعا خائفين نادمين يبكيان .
وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين ، فإذا كان يوم الجمعة أجيب فقالا : لو أتينا فلاناً فسألناه يطلب لنا التوبة . فأتياه فقال : رحمكما الله كيف تطلب أهل الأرض لأهل السماء؟ قالا : إنا ابتلينا . قال : ائتياني يوم الجمعة ، فأتياه فقال : ما أجبت فيكما بشيء ائتياني في الجمعة الثانية ، فأتياه فقال : اختارا فقد خيرتما إن أحببتما معافاة الدنيا وعذاب الآخرة ، وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما يوم القيامة على حكم الله . فقال أحدهما : الدنيا لم يمض منها إلا القليل ، وقال الآخر : ويحك . . . ! إني قد أطعتك في الأول فأطعني الآن ، وإن عذاباً يفنى ليس كعذاب يبقى . قال : إننا يوم القيامة على حكم الله فأخاف أن يعذبنا . قال : لا إني أرجو أن علم الله أنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة لا يجمعهما الله علينا .
قال فاختارا عذاب الدنيا ، فجعلا في بكرات من حديد في قليب مملوءة من نار ، أعاليهما أسافلهما قال ابن كثير : إسناده جيد ، وهو أثبت وأصح إسناداً من رواية معاوية بن صالح عن نافع .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال : لما وقع الناس من بني آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله ، قالت الملائكة في السماء : رب هذا العالم الذي إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك ، وقد وقعوا فيما وقعوا فيه ، وركبوا الكفر ، وقتل النفس ، وأكل مال الحرام ، والزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم . فقيل : إنهم في غيب فلم يعذروهم . فقيل لهم : اختاروا منكم من أفضلكم ملكين آمرهما وأنهاهما ، فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض ، وجعل لهما شهوات بني آدم ، وأمرهما أن يعبداه ولا يشركا به شيئاً ، ونهاهما عن قتل النفس الحرام ، وأكل مال الحرام ، وعن الزنا ، وشرب الخمر ، فلبثا في الأرض زماناً يحكمان بين الناس بالحق ، وذلك في زمان إدريس ، وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب ، وإنهما أتيا عليها فخضعا لها في القول ، وأراداها عن نفسها فأبت إلا أن يكونا على أمرها ودينها ، فسألاها عن دينها فأخرجت لهما صنماً ، فقالت : هذا أعبده . فقالا : لا حاجة لنا في عبادة هذا .
فذهبا فغبرا ما شاء الله ، ثم أتيا عليها فأراداها عن نفسها ، ففعلت مثل ذلك ، فذهبا ثم أتيا عليها فأراداها على نفسها ، فلما رأت أنهما أبيا أن يعبدا الصنم قالت لهما : اختارا أحد الخلال الثلاث .(1/183)
إما أن تعبدا هذا الصنم ، و إما أن تقتلا هذا النفس ، وإما أن تشربا هذا الخمر ، فقالا : كل هذا لا ينبغي وأهون الثلاثة شرب الخمر . فأخذت منهما فواقعا المرأة ، فخشيا أن يخبر الإِنسان عنهما فقتلاه ، فلما ذهب عنهما السكر وعلما ما وقعا فيه من الخطيئة أرادا أن يصعدا إلى السماء فلم يستطيعا ، وحيل بينهما وبين ذلك وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء ، فنظرت الملائكة إلى ما وقعا فيه فعجبوا كل العجب ، وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل خشية ، فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض ، فنزل في ذلك { والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض } [ الشورى : 5 ] .
فقيل لهما : اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة؟ فقالا : أما عذاب الدنيا فإنه ينقطع ويذهب ، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له ، فاختارا عذاب الدنيا فجعلا ببابل فهما يعذبان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن أهل سماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم يعملون بالمعاصي ، فقالوا : يا رب أهل الأرض يعملون بالمعاصي! فقال الله : أنتم معي وهم غُيُبٌ عني . فقيل لهم : اختاروا منكم ثلاثة : فاختاروا منهم ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض يحكمون بين أهل الأرض وجعل فيهم شهوة الآدميين ، فأمروا أن لا يشربوا خمراً ، ولا يقتلوا نفساً ، ولا يزنوا ، ولا يسجدوا لوثن . فاستقال منهم واحد فأقيل فاهبط اثنان إلى الأرض ، فأتتهما امرأة من أحسن الناس يقال لها أناهيلة فهوياها جميعاً ، ثم أتيا منزلها فاجتمعا عندها فأراداها ، فقالت لهما : لا حتى تشربا خمري ، وتقتلا ابن جاري ، وتسجدا لوثني . فقالا : لا نسجد . ثم شربا من الخمر ، ثم قتلا ، ثم سجدا ، فأشرف أهل السماء عليهما ، وقالت لهما : أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما ، فأخبراها فطارت فمسخت جمرة وهي هذه الزهرة ، وأما هما فأرسل إليهما سليمان بن داود ، فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا ، فهما مناطان بين السماء والأرض .
وأخرج ابن جرير من طريق أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود وابن عباس قالا : لما كثر بنو آدم وعصوا دعت الملائكة عليهم والأرض والجبال : ربنا لا تمهلهم . فأوحى الله إلى الملائكة : أني أزلت الشهوة والشيطان من قلوبكم ، ولو تركتكم لفعلتم أيضاً . قال : فحدثوا أنفسهم أن لو ابتلوا لعصموا ، فأوحى الله إليهم : أن اختاروا ملكين من أفضلكم . فاختاروا هاروت وماروت فأهبطا إلى الأرض ، وأنزلت الزهرة إليهما في صورة امرأة من أهل فارس يسمونها بيدخت . قال : فواقعاها بالخطيئة ، فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا ، فلما وقعا بالخطيئة استغفروا لمن في الأرض ، فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا .(1/184)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق الزهري عن عبيدالله بن عبدالله في هذه الآية . كانا ملكين من الملائكة فاهبطا ليحكما بين الناس ، وذلك أن الملائكة سخروا من حكام بني آدم ، فحاكمت إليهما امرأة فخافا لها ، ثم ذهبا يصعدان فحيل بينهما وبين ذلك ، وخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا .
وأخرج سعيد بن منصور عن خصيف قال : كنت مع مجاهد ، فمر بنا رجل من قريش فقال له مجاهد : حدثنا ما سمعت من أبيك؟ قال : حدثني أبي : أن الملائكة حين جعلوا ينظرون إلى أعمال بني آدم وما يركبون من المعاصي الخبيثة وليس يستر الناس من الملائكة شيء ، فجعل بعضهم يقول لبعض : انظروا إلى بني آدم كيف يعملون كذا وكذا ما أجرأهم على الله ، يعيبونهم بذلك! فقال الله لهم : لقد سمعت الذي تقولون في بني آدم ، فاختاروا منكم ملكين أهبطهما إلى الأرض ، واجعل فيهما شهوة بني آدم ، فاختاروا هاروت وماروت ، فقالوا : يا رب ليس فينا مثلهما . فأهبطا إلى الأرض ، وجعلت فيهما شهوة بني آدم ، ومثلت لهما الزهرة في صورة امرأة ، فلما نظرا إليها لم يتمالكا أن تناولا ما الله أعلم به ، وأخذت الشهوة بأسماعهما وأبصارهما ، فلما أرادا أن يطيرا إلى السماء لم يستطيعا ، فأتاهما ملك فقال : إنكما قد فعلتما ما فعلتما ، فاختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة . فقال أحدهما للآخر : ماذا ترى؟! قال : أرى أن أعذب في الدنيا ثم أعذب أحبّ إليّ من أن أعذب ساعة واحدة في الآخرة ، فهما معلقان منكسان في السلاسل وجعلا فتنة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن الله أفرج السماء إلى ملائكته ينظرون إلى أعمال بني آدم ، فلما أبصروهم يعملون بالخطايا قالوا : يا رب هؤلاء بنو آدم الذي خلقت بيدك ، وأسجدت له ملائكتك ، وعلمته أسماء كل شيء ، يعملون بالخطايا . قال : أما إنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم . قالوا : سبحانك ما كان ينبغي لنا ، فأمِروا أن يختاروا من يهبط إلى الأرض ، فاختاروا هاروت وماروت وأهبطا إلى الأرض ، وأحل لهما ما فيها من شيء غير أنهما لا يشركا بالله شيئاً ، ولا يسرقا ، ولا يزنيا ، ولا يشربا الخمر ، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، فعرض لهما امرأة قد قسم لها نصف الحسن يقال لها بيذخت ، فلما أبصراها أراداها قالت : لا ، إلا أن تشركا بالله ، وتشربا الخمر ، وتقتلا النفس ، وتسجدا لهذا الصنم . فقالا : ما كنا لنشرك بالله شيئاً! فقال أحدهما للآخر : ارجع إليها . فقالت : لا ، إلا أن تشربا الخمر ، فشربا حتى ثملا ، ودخل عليهما سائل فقتلاه ، فلما وقعا فيما وقعا فيه أفرج الله السماء لملائكته ، فقالوا : سبحانك . . . ! أنت أعلم . فأوحى الله إلى سليمان بن داود أن يخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا ، فكبلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمثل أعناق البخت ، وجعلا ببابل .(1/185)
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت » .
وأخرج الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قال أخي عيسى : معاشر الحواريين احذروا الدنيا لا تسحركم ، لهي والله أشد سحراً من هاروت وماروت ، واعلموا أن الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة ، وإن لكل واحدة منهما بنين فكونوا من أبناء الآخرة دون بني الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغداً الحساب ولا عمل » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبدالله بن بسر المازني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اتقوا الدنيا ، فوالذي نفسي بيده أنها لأسحر من هاروت وماروت » .
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : لما وقع الناس من بني آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله قالت الملائكة في السماء : أي رب هذا العالم إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك وقد ركبوا الكفر ، وقتل النفس الحرام ، وأكل المال الحرام ، والسرقة ، والزنا ، وشرب الخمر ، فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم . فقيل لهم : إنهم في غيب فلم يعذروهم ، فقيل لهم : اختاروا منكم ملكين آمرهما بأمري وأنهاهما عن معصيتي . فاختاروا هاروت وماروت ، فأهبطا إلى الأرض وجعل بهما شهوات بني إسرائيل ، وأمرا أن يعبدا الله وأن لا يشركا به شيئاً ، ونهيا عن قتل النفس الحرام ، وأكل المال الحرام ، والسرقة ، والزنا ، وشرب الخمر ، فلبثا على ذلك في الأرض زماناً يحكمان بين الناس بالحق وذلك في زمان إدريس .
وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في سائر الناس كحسن الزهرة في سائر الكواكب ، وإنها أبت عليهما فخضعا لها بالقول وأراداها على نفسها ، وإنها أبت إلا أن يكونا على أمرها ودينها ، وإنهما سألاها عن دينها الذي هي عليه ، فأخرجت لهما صنماً فقالت : هذا أعبده . فقالا : لا حاجة لنا في عبادة هذا ، فذهبا فصبرا ما شاء الله ثم أتيا عليها ، فخضعا لها ما شاء الله بالقول وأراداها على نفسها ، فقالت : لا ، إلا أن تكونا على ما أنا عليه . فقالا : لا حاجة لنا في عبادة هذا .
فلما رأت أنهما قد أبيا أن يعبدا الصنم قالت لهما : اختارا إحدى الخلال الثلاث . إما أن تعبدا الصنم ، أو تقتلا النفس ، أو تشربا هذا الخمر ، فقالا : كل هذا لا ينبغي وأهون الثلاثه شرب الخمر . وسقتهما الخمر حتى إذا أخذت الخمرة فيهما وقعا بها ، فمر بهما إنسان وهما في ذلك ، فخشيا أن يفشي عليهما فقتلاه .
فلما أن ذهب عنهما السكر عرفا ما قد وقعا فيه من الخطيئة ، وأرادا أن يصعدا إلى السماء فلم يستطيعا ، وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء ، فنظرت الملائكة إلى ما قد وقعا فيه من الذنوب ، وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل خشية فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض ، فلما وقعا فيما وقعا فيه من الخطيئة قيل لهما : اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، فقالا : أما عذاب الدنيا فينقطع ويذهب ، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له ، فاختارا عذاب الدنيا فجعلا ببابل فهما يعذبان « .(1/186)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إن هاروت وماروت أهبطا إلى الأرض ، فإذا أتاهما الآتي يريد السحر نهياه أشد النهي ، وقالا له : إنما نحن فتنة فلا تكفر . وذلك أنهما علما الخير والشر والكفر والإِيمان ، فعرفا أن السحر من الكفر ، فإذا أبى عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا ، فإذا أتاه عاين الشيطان فعلمه ، فإن تعلمه خرج منه النور ، فينظر إليه ساطعاً في السماء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة أنها قالت : قدمت على امرأة من أهل دومة الجندل تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حداثة ذلك تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعمل به . قالت : كان لي زوج غاب عني ، فدخلت على عجوز فشكوت إليها ، فقالت : إن فعلت ما آمرك فأجعله يأتيك ، فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين ، فركبت أحدهما وركبت الآخر ، فلم يكن كشيء حتى وقفنا ببابل ، فإذا أنا برجلين معلقين بأرجلهما ، فقالا : ما جاء بك؟ فقلت : أتعلم السحر . فقالا : إنما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي . فأبيت وقلت : لا . قالا : فاذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه ثم ائتي ، فذهبت ، فاقشعر جلدي وخفت ، ثم رجعت إليهما فقلت : قد فعلت . فقالا : ما رأيت؟ فقلت : لم أر شيئاً . فقالا : كذبت ، لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فإنك على رأس أمرك ، فأبيت .
فقالا اذهبي إلى ذلك التنور فبولي به وذهبت فبلت فيه ، فرأيت فارساً مقنعاً بحديد خرج مني حتى ذهب في السماء وغاب عني حتى ما أراه ، وجئتهما فقلت : قد فعلت . فقالا : فما رأيت؟ فقلت : رأيت فارساً مقنعاً خرج مني فذهب في السماء حتى ما أراه . قالا : صدقت ، ذلك إيمانك خرج منك اذهبي . فقلت للمرأة : والله ما أعلم شيئاً ولا قالا لي شيئاً . فقالت : لا ، لم تريدي شيئاً إلا كان خذي هذا القمح فابذري ، فبذرت وقلت اطلعي فاطلعت ، وقلت احقلي فاحقلت ، ثم قلت افركي فأفركت ، ثم قلت ايبسي فأيبست ، ثم قلت اطحني فأطحنت ، ثم قلت اخبزي فأخبزت ، فلما رأيت أني لا أريد شيئاً إلا كان سقط في يدي ، وندمت والله يا أم المؤمنين ما فعلت شيئاً ولا أفعله أبداً ، فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يومئذ متوافرون ، فما دروا ما يقولون لها ، وكلهم خاف أن يفتيها بما لا يعلمه ، إلا أنه قد قال لها ابن عباس أو بعض من كان عنده ، لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك .(1/187)
وأخرج ابن المنذر من طريق الأوزاعي عن هارون بن رباب قال : دخلت على عبد الملك بن مروان وعنده رجل قد ثنيت له وسادة وهو متكىء عليها ، فقالوا : هذا قد لقي هاروت وماروت . فقلت : هذا . . . ! قالوا : نعم . فقلت حدثنا رحمك الله . فأنشأ يحدث فلم يتمالك من الدموع فقال : كنت غلاماً حدثاً ولم أدرك أبي ، وكانت أمي تعطيني من المال حاجتي فأنفقه وأفسده وأبذره ولا تسألني أمي عنه ، فلما طال ذلك وكبرت أحببت أن أعلم من أين لأمي هذه الأموال ، فقلت لها يوماً : من أين لك هذه الأموال؟ فقالت : يا بني كل وتنعم ولا تسأل فهو خير لك ، فألححت عليها فقالت : إن أباك كان ساحراً ، فلم أزل أسألها وألح ، فأدخلتني بيتاً فيه أموال كثيرة فقالت : يا بني هذا كله لك فكل وتنعم ولا تسأل عنه . فقلت : لا بد من أن أعلم من أين هذا .
قال : فقالت : يا بني كل وتنعم ولا تسأل فهو خير لك . قال : فألححت عليها فقالت : إن أباك كان ساحراً وجمع هذه الأموال من السحر . قال : فأكلت ما أكلت ومضى ما مضى ، ثم تفكرت قلت : يوشك أن يذهب هذا المال ويفنى ، فينبغي أن أتعلم السحر فأجمع كما جمع أبي ، فقلت لأمي : من كان خاصة أبي وصديقه من أهل الأرض؟ قالت : فلان لرجل في مكانٍ ما . فتجهزت فأتيته فسلمت عليه ، فقال : من الرجل؟ قلت : فلان ابن فلان صديقك . قال : نعم مرحباً ، ما جاء بك فقد ترك أبوك من المال ما لا يحتاج إلى أحد؟ قال : فقلت : جئت لأتعلم السحر . قال : يا بني لا تريده لا خير فيه . قلت : لا بد من أن أتعلمه . قال : فناشدني وألح علي أن لا أطلبه ولا أريده . فقلت : لا بد من أن أتعلمه .
قال : أما إذا أبيت فاذهب فإذا كان يوم كذا وكذا فوافني ههنا . قال : ففعلت فوافيته قال : فأخذ يناشدني أيضاً وينهاني ويقول : لا تريد السحر لا خير فيه . فأبيت عليه ، فلما رآني قد أبيت قال : فإني أدخلك موضعاً فإياك أن تذكر الله فيه . . . ! قال : فأدخلني في سرب تحت الأرض . قال : فجعلت أدخل ثلثمائة وكذا مرقاة ولا أنكر من ضوء النهار شيئاً ، قال : فلما بلغت أسفله إذا أنا بهاروت وماروت معلقان بالسلاسل في الهواء ، قال : فإذا أعينهما كالترسة ، ورؤوسهما ذكر شيئاً لا أحفظه ، ولهما أجنحة ، فلما نظرت إليهما قلت : لا إله إلا الله قال : فضربا بأجنحتهما ضربا شديداً وصاحا صياحاً شديداً ساعة ثم سكتا ، ثم قلت : أيضاً لا إله إلا الله ، ففعلا مثل ذلك ، ثم قلت الثالثة ففعلا مثل ذلك أيضاً ، ثم سكتا وسكت ، فنظرا إلي فقالا لي : آدمي .(1/188)
. . ؟ فقلت : نعم . قال : قلت ما بالكما حين ذكرت الله فعلتما ما فعلتما . . . ! قالا : إن ذلك اسم لم نسمعه من حين خرجنا من تحت العرش .
قالا : من أمة من؟ قلت : من أمة محمد صلى الله عليه وسلم . قالا : أو قد بعث؟ قلت : نعم . قالا : اجتمع الناس على رجل واحد أو هم مختلفون؟ قلت : قد اجتمعوا على رجل واحد . قال : فساءهما ذلك فقالا : كيف ذات بينهم؟ قلت : سِّيىء . فسرهما ذلك فقالا : هل بلغ البنيان بحيرة الطبرية؟ قلت : لا . فساءهما ذلك فسكتا .
فقلت لهما : ما بالكما حين أخبرتكما باجتماع الناس على رجل واحد ساءكما ذلك؟ فقالا : إن الساعة لم تقرب ما دام الناس على رجل واحد . قلت : فما بالكما سركما حين أخبرتكما بفساد ذات البين؟ قالا : لأنا رجونا اقتراب الساعة . قال : قلت : فما بالكما ساءكما أن البينان لم يبلغ بحيرة الطبرية؟ قالا : لأن الساعة لا تقوم أبداً حتى يبلغ البنيان بحيرة الطبرية . قال : قلت لهما : أوصياني . قالا : إن قدرت أن لا تنام فافعل فإن الأمر جد .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : وأما شأن هاروت وماروت فإن الملائكة عجبت من ظلم بني آدم ، وقد جاءتهم الرسل والكتب والبينات ، فقال لهم ربهم : اختاروا منكم ملكين أنزلهما يحكمان في الأرض بين بني آدم ، فاختاروا فلم يألوا بهاروت وماروت ، فقال لهما حين أنزلهما : أعجبتما من بني آدم ومن ظلمهم ومعصيتهم وإنما تأتيهم الرسل والكتب من وراء وراء ، وأنتما ليس بيني وبينكما رسول فافعلا كذا وكذا ودعا كذا وكذا ، فأمرهما بأمر ونهاهما ، ثم نزلا على ذلك ليس أحد لله أطوع منهما ، فحكما فعدلا فكانا يحكمان النهار بين بني آدم ، فإذا أمسيا عرجا وكانا مع الملائكة ، وينزلان حين يصبحان فيحكمان فيعدلان حتى أنزلت عليهما الزهرة في أحسن صورة امرأة تخاصم فقضيا عليها .
فلما قامت وجد كل واحد منهما في نفسه فقال أحدهما لصاحبه : وجدت مثل ما وجدت؟ قال : نعم . فبعثا إليها أن ائتينا نقض لك . فلما رجعت قضيا لها ، وقالا لها : ائتينا فاتتهما فكشفا لها عن عورتهما ، وإنما كانت شهوتهما في أنفسهما ولم يكونا كبني آدم في شهوة النساء ولذتها ، فلما بلغا ذلك واستحلاه وافتتنا طارت الزهرة فرجعت حيث كانت ، فلما أمسيا عرجا فزجرا فلم يؤذن لهما ولم تحملهما أجنحتهما ، فاستغاثا برجل من بني آدم فأتياه فقالا : ادع لنا ربك . فقال : كيف يشفع أهل الأرض لأهل السماء؟ قالا : سمعنا ربك يذكرك بخير في السماء . فوعدهما يوماً وعداً يدعو لهما ، فدعا لهما فاستجيب له فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فنظر أحدهما إلى صاحبه فقالا : نعلم أن أفواج عذاب الله في الآخرة كذا وكذا في الخلد نعم ، ومع الدنيا سبع مرات مثلها ، فأمرا أن ينزلا ببابل فثم عذابهما ، وزعم أنهما معلقان في الحديد مطويان يصطفقان بأجنحتهما .(1/189)
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات وابن مردويه والديلمي عن علي « أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المسوخ فقال : هم ثلاثة عشر . الفيل ، والدب ، والخنزير ، والقرد ، والجريث ، والضب ، والوطواط ، والعقرب ، والدعموص ، والعنكبوت ، والأرنب ، وسهيل ، والزهرة ، فقيل : يا رسول الله وما سبب مسخهن؟ فقال : أما الفيل فكان رجلاً جباراً لوطياً لا يدع رطباً ولا يابساً ، وأما الدب فكان مؤنثاً يدعو الناس إلى نفسه ، وأما الخنزير فكان من النصارى الذين سألوا المائدة فلما نزلت كفروا ، وأما القردة فيهود اعتدوا في السبت ، وأما الجريث فكان ديوثاً يدعو الرجال إلى حليلته ، وأما الضب فكان إعرابياً يسرق الحاج بمحجنه ، وأما الوطواط فكان رجلاً يسرق الثمار من رؤوس النخل ، وأما العقرب فكان رجلاً لا يسلم أحد من لسانه ، وأما الدعموص فكان نماماً يفرق بين الأحبة ، وأما العنكبوت فامرأة سحرت زوجها ، وأما الأرنب فامرأة كانت لا تطهر من حيض ، وأما سهيل فكان عشاراً باليمن ، وأما الزهرة فكانت بنتاً لبعض ملوك بني إسرائيل افتتن بها هاروت وماروت » .
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حين غير حينه الذي كان يأتيه فيه ، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « يا جبريل ما لي أراك متغير اللون؟! فقال : ما جئتك حتى أمر الله بمفاتيح النار . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جبريل صف لي النار وانعت لي جهنم . فقال جبريل : إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت ، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة لا يضيء شررها ولا يطفأ لهبها ، والذي بعثك بالحق لو أن ثقب ابرة فتح من جهنم لمات من في الأرض كلهم جميعاً من حره ، والذي بعثك بالحق لو أن ثوباً من ثياب الكفار علق بين السماء والأرض لمات من في الأرض جميعاً من حره ، والذي بعثك بالحق لو أن خازناً من خزنة جهنم برز إلى أهل الدنيا فنظروا إليه لمات من في الأرض كلهم من قبح وجهه ومن نتن ريحه ، والذي بعثك بالحق لو أن حلقة من حلق سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا لارفضت وما تقارت حتى تنتهي إلى الأرض السفلى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » حسبي يا جبريل « ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل وهو يبكي فال : تبكي يا جبريل وأنت من الله بالمكان الذي أنت به؟ فقال : وما لي لا أبكي أنا أحق بالبكاء ، لعلي أكون في علم الله على غير الحال التي أنا عليها ، وما أدري لعلي ابتلي بما ابتلي به إبليس فقد كان من الملائكة ، وما أدري لعلي ابتلي بما ابتلي به هاروت وماروت ، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى جبريل ، فما زالا يبكيان حتى نوديا : أن يا جبريل ويا محمد ان الله قد أمنكما أن تعصياه » .(1/190)
وأما قوله تعالى : { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة } .
أخرج ابن جرير عن الحسين وقتادة قالا : كانا يعلمان السحر ، فأخذ عليهما أن لا يعلما أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله { إنما نحن فتنة } قال : بلاء .
وأما قوله تعالى : { فلا تكفر } .
أخرج البزار والحاكم وصححه عن عبدالله بن مسعود قال : من أتى كاهناً أو ساحراً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد .
وأخرج البزار عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليس منا من تطير أو تطير له ، أو تكهن أو تكهن له ، أو سحر أو سحر له ، ومن عقد عقدة ، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد » .
وأخرج عبد الرزاق عن صفوان بن سليم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من تعلم شيئاً من السحر قليلاً أو كثيراً كان آخر عهده من الله » .
وأما قوله تعالى : { فيتعلمون منهما } الآية .
أخرج عبد حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه } قال : يؤخرون أحدهما عن صاحبه ، ويبغضون أحدهما إلى صاحبه .
وأخرج ابن جرير عن سفيان في قوله { إلا بإذن الله } قال : بقضاء الله .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { ولقد علموا } قال : لقد علم أهل الكتاب فيما يقرأون من كتاب الله وفيما عهد لهم أن الساحر لا خلاق له عند الله يوم القيامة .
وأخرج مسلم عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الشيطان يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس ، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة ، فيقول : ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا وكذا . فيقول إبليس : لا والله ما صنعت شيئاً ، ويجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله ، فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول : نعم أنت » .
وأخرج أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني عن عمرو بن دينار قال : قال الحسن بن علي بن أبي طالب لذريح أبي قيس : أحل لك أن فرقت بين نفسي وبيني ، أما سمعت عمر بن الخطاب يقول : ما أبالي أفرقت بين الرجل وامرأته أو مشيت إليهما بالسيف .(1/191)
وأخرج ابن ماجة عن أبي رهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أفضل الشفاعة أن يشفع بين اثنين في النكاح » .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ما له في الآخرة من خلاق } قال : قوام .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ما له في الآخرة من خلاق } قال : من نصيب .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { ما له في الآخرة من خلاق } قال : من نصيب . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت أمية بن أبي الصلت وهو يقول :
يدعون بالويل فيها لا خلاق لهم ... إلا سرابيل من قطر وأغلال
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { ما له في الآخرة من خلاق } قال : من نصيب .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن { ما له في الآخرة من خلاق } قال : ليس له دين .
وأما قوله تعالى : { ولبئس ما شروا } الآية .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ولبئس ما شروا } قال : باعوا .(1/192)
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كل شيء في القرآن لو فإنه لا يكون أبداً .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله { لمثوبة } قال : ثواب .(1/193)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)
أخرج ابن المبارك في الزهد وأبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور في سننه وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس . أن رجلاً أتاه فقال : اعهد إلي . فقال : إذا سمعت الله يقول { يا أيها الذين آمنوا } فأوعها سمعك ، فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن خيثمة قال : ما تقرأون في القرآن { يا أيها الذين آمنوا } فإنه في التوراة يا أيها المساكين .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن خيثمة قال : ما كان في القرآن { يا أيها الذين آمنوا } فهو في التوراة والإِنجيل يا أيها المساكين .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال { راعنا } بلسان اليهود السب القبيح ، فكان اليهود يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سراً ، فلما سمعوا أصحابه يقولون أعلنوا بها ، فكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم ، فأنزل الله الآية .
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال { لا تقولوا راعنا } وذلك أنها سبة بلغة اليهود . فقال تعالى { قولوا انظرنا } يريد اسمعنا ، فقال المؤمنون بعدها : من سمعتموه يقولها فاضربوا عنقه ، فانتهت اليهود بعد ذلك .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس في قوله { لا تقولوا راعنا } قال : كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم ارعنا سمعك ، وإنما راعنا كقولك اعطنا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال « كان رجلان من اليهود مالك بن الصيف ورفاعة بن زيد إذا لقيا النبي صلى الله عليه وسلم قالا له وهما يكلمانه : راعنا سمعك واسمع غير مسمع ، فظن المسلمون أن هذا شيء كان أهل الكتاب يعظمون به أنبياءهم ، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا . . . } الآية » .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صخر قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أدبر ناداه من كانت له حاجة من المؤمنين ، فقالوا : ارعنا سمعك فاعظم الله رسوله أن يقال له ذلك ، وأمرهم أن يقولوا انظرنا ليعزروا رسوله ويوقروه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن قتادة في قوله { لا تقولوا راعنا } قال : قولا كانت اليهود تقوله استهزاء فكرهه الله للمؤمنين أن يقولوا كقولهم .
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن عطية في قوله { لا تقولوا راعنا } قال : كان أناس من اليهود يقولون : راعنا سمعك حتى قالها أناس من المسلمين ، فكره الله لهم ما قالت اليهود .(1/194)
وأخرج ابن جرير وابن إسحاق عن ابن عباس في قوله { لا تقولوا راعنا } أي ارعنا سمعك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { لا تقولوا راعنا } قال : خلافاً .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { لا تقولوا راعنا } لا تقولوا اسمع منا ونسمع منك { وقولوا انظرنا } أفهمنا ، بين لنا .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال : إن مشركي العرب كانوا إذا حدث بعضهم بعضاً يقول أحدهم لصاحبه : ارعني سمعك . فنهوا عن ذلك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والنحاس في ناسخه عن عطاء في قوله { لا تقولوا راعنا } قال : كانت لغة في الأنصار في الجاهلية ونهاهم الله أن يقولوها ، وقال { قولوا انظرنا واسمعوا } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قرأ : راعناً ، وقال : الراعن من يقول السخري منه .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { واسمعوا } قال : اسمعوا ما يقال لكم .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما أنزل الله آية فيها { يا أيها الذين آمنوا } إلا وعليّ رأسها وأميرها . قال أبو نعيم : لم نكتبه مرفوعاً إلا من حديث ابن أبي خيثمة ، والناس رأوه موقوفاً » .(1/195)
مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)
أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { والله يختص برحمته من يشاء } قال : القرآن والسلام .(1/196)
مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)
أخرج ابن أبي حاتم والحاكم في الكنى وابن عدي وابن عساكر عن ابن عباس قال « كان مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار ، فأنزل الله { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } .
وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال : قرأ رجلان من الأنصار سورة أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانا يقرآن بها ، فقاما يقرآن ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف ، فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنها مما نسخ أو نسي فالهوا عنه ، فكان الزهري يقرأها { ما ننسخ من آية أو ننسها } بضم النون خفيفة » .
وأخرج البخاري والنسائي وابن الأنباري في المصاحف والحاكم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : قال عمر : اقرأنا أبي ، واقضانا علي ، وإنا لندع شيئاً من قراءة أبي ، وذلك أن أبياً يقول : لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله ( ما ننسخ من آية أو ننساها ) .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأبو داود في ناسخه وابنه في المصاحف والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص أنه قرأ ( ما ننسخ من آية أو ننساها ) فقيل له : إن سعيد بن المسيب يقرأ { ننسها } قال سعد : إن القرآن لم ينزل على المسيب ولا آل المسيب ، قال الله { سنقرئك فلا تنسى } [ الأعلى : 6 ] . { واذكر ربك إذا نسيت } [ الكهف : 24 ] .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ( ما ننسخ من آية أو ننساها ) يقول : ما نبدل من آية أو نتركها لا نبدلها { نأت بخير منها أو مثلها } يقول : خير لكم في المنفعة وأرفق بكم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : خطبنا عمر فقال : يقول الله ( ما ننسخ من آية أو ننساها } أي نؤخرها .
وأخرج ابن الأنباري عن مجاهد ، أنه قرأ ( أو ننساها ) .
وأخرج أبو داود في ناسخه عن مجاهد قال في قراءة أبي ( ما ننسخ من آية أو ننسك ) .
وأخرج آدم بن أبي أياس وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد عن أصحاب ابن مسعود في قوله { ما ننسخ من آية } قال : نثبت خطها ونبدل حكمها ( أو ننساها ) قال : نؤخرها عندنا .
وأخرج آدم وابن جرير والبيهقي عن عبيد بن عمير الليثي في قوله { ما ننسخ من آية أو ننساها } يقول : أو نتركها ، نرفعها من عندهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك قال : في قراءة ابن مسعود ( ما ننسك من آية أو ننسخها ) .(1/197)
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة قال : كانت الآية تنسخ الآية ، وكان نبي الله يقرأ الآية والسورة وما شاء الله من السورة ثم ترفع فينسيها الله نبيه ، فقال الله يقص على نبيه { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } يقول : فيها تخفيف ، فيها رخصة ، فيها أمر ، فيها نهي .
وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس قال { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } ثم قال { وإذا بدلنا آية مكان آية } [ النحل : 101 ] وقال { يمحو الله ما يشاء ويثبت } [ الرعد : 39 ] .
وأخرج أبو داود وابن جرير عن أبي العالية قال : يقولون ( ما ننسخ من آية أو ننساها ) كان الله أنزل أموراً من القرآن ثم رفعها . فقال { نأت بخير منها أو مثلها } .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { أو ننسها } قال : إن نبيكم صلى الله عليه وسلم أقرىء قرآناً ثم أنسيه ، فلم يكن شيئاً ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرأونه .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف وأبو ذر الهروي في فضائله عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف « إن رجلاً كانت معه سورة فقام من الليل فقام بها فلم يقدر عليها ، وقام آخر بها فلم يقدر عليها ، وقام آخر بها فلم يقدر عليها ، فأصبحوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا عنده فأخبروه ، فقال : إنها نسخت البارحة » .
وأخرج أبو داود في ناسخه والبيهقي في الدلائل من وجه آخر عن أبي أمامة « أن رهطاً من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه أن رجلاً قام من جوف الليل يريد أن يفتتح سورة كان قد وعاها ، فلم يقدر منها على شيء إلا بسم الله الرحمن الرحيم ، ووقع ذلك لناس من أصحابه ، فأصبحوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السورة ، فسكت ساعة لم يرجع إليهم شيئاً ثم قال : نسخت البارحة فنسخت من صدورهم ومن كل شيء كانت فيه » .
وأخرج ابن سعد وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن حبان والبيهقي في الدلائل عن أنس قال : أنزل الله في الذين قتلوا ببئر معونة قرآناً قرأناه حتى نسخ بعد أن بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا .
وأخرج مسلم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن أبي موسى الأشعري قال : كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها ، غير أني حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوفه إلا التراب .(1/198)
وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات ، أولها سبح لله ما في السموات فأنسيناها ، غير أني حفظت منها : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . فتكتب شهادة في أعناقكم ، فتسألون عنها يوم القيامة .
وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس عن أبي موسى الأشعري قال : نزلت سورة شديدة نحو براءة في الشدة ثم رفعت ، وحفظت منها : إن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم .
وأخرج ابن الضريس : ليؤيدن الله هذا الدين برجال ما لهم في الآخرة من خلاق ، ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، إلا من تاب فيتوب الله عليه والله غفور رحيم .
وأخرج أبو عبيد وأحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي واقد الليثي قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوحى إليه أتيناه فعلمنا ما أوحي إليه ، قال : فجئته ذات يوم فقال : إن الله يقول : إنا أنزلنا المال لإِقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، ولو أن لابن آدم وادياً لأحب أن يكون إليه الثاني ، ولو كان له الثاني لأحب أن يكون إليهما ثالث ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب » .
وأخرج أبو داود وأحمد وأبو يعلى والطبراني عن زيد بن أرقم قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى الثالث ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب » .
وأخرج أبو عبيد وأحمد عن جابر بن عبدالله قال : كنا نقرأ : لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب إليه مثله ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب .
وأخرج أبو عبيد والبخاري ومسلم عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب أن له إليه مثله ، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب . قال ابن عباس : فلا أدري أمن القرآن هو أم لا » .
وأخرج البزار وابن الضريس عن بريدة « سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة : لو ان لابن آدم وادياً من ذهب لابتغى إليه ثانياً ، ولو أعطي ثانياً لابتغى ثالثاً ، لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب » .
وأخرج ابن الأنباري عن أبي ذر قال : في قراءة أبي بن كعب : ابن آدم لو أعطي وادياً من مال لابتغى ثانياً ولالتمس ثالثاً ، ولو أعطي واديين من مال لالتمس ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب .(1/199)
وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال : كنا نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم ، وإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وابن حبان عن عمر بن الخطاب قال « إن الله بعث محمداً بالحق وأنزل معه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فرجم ورجمنا بعده ، ثم قال : قد كنا نقرأ : ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم » .
وأخرج الطيالسي وأبو عبيد والطبراني عن عمر بن الخطاب قال : كنا نقرأ فيما نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم ، ثم قال لزيد بن ثابت : أكذلك يا زيد؟ قال : نعم .
وأخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق عدي بن عدي بن عمير بن قزوة عن أبيه عن جده عمير بن قزوة . أن عمر بن الخطاب قال لأبي : أو ليس كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : إن انتفاءكم من آبائكم كفر بكم؟ فقال : بلى . ثم قال : أو ليس كنا نقرأ : الولد للفراش وللعاهر الحجر . فيما فقدنا من كتاب الله؟ فقال أبي : بلى .
وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن الأنباري عن المسور بن مخرمة قال : قال عمر لعبد الرحمن بن عوف : ألم تجد فيما أنزل علينا : أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة . فإنا لا نجدها؟ قال : أسقطت فيما أسقط من القرآن .
وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عمر قال : لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله ، ما يدريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير ولكن ليقل : قد أخذت ما ظهر منه .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن الأنباري والبيهقي في الدلائل عن عبيدة السلماني قال : القراءة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه هذه القراءة التي يقرأها الناس ، التي جمع عثمان الناس عليها .
وأخرج ابن الأنباري وابن اشتة في المصاحف عن ابن سيرين قال : كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم كل سنة في شهر رمضان ، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه مرتين ، فيرون أن تكون قراءتنا هذه على العرضة الأخيرة .
وأخرج ابن الأنباري عن أبي ظبيان قال : قال لنا ابن عباس : أي القراءتين تعدون أول؟ قلنا : قراءة عبدالله وقراءتنا هي الأخيرة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كان يعرض عليه جبريل القرآن كل سنة مرة في شهر رمضان ، وأنه عرضه عليه في آخر سنة مرتين ، فشهد منه عبدالله ما نسخ وما بدل » .
وأخرج ابن الأنباري عن مجاهد قال : قال لنا ابن عباس : أي القراءتين تعدون أول؟ قلنا : قراءة عبدالله .(1/200)
قال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن على جبريل مرة ، وإنه عرضه عليه في آخر سنة مرتين ، فقراءة عبدالله آخرهن .
وأخرج ابن الأنباري عن ابن مسعود قال : كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في كل سنة مرة ، وأنه عارضه بالقرآن في آخر سنة مرتين ، فأخذته من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك العام .
وأخرج ابن الأنباري عن ابن مسعود قال : لو أعلم أحداً أحدث بالعرضة الأخيرة مني لرحلت إليه .
وأخرج الحاكم وصححه عن سمرة قال : عرض القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عرضات ، فيقولون : إن قراءتنا هذه هي العرضة الأخيرة .
وأخرج أبو جعفر النحاس في ناسخه عن أبي البختري قال : دخل علي بن أبي طالب المسجد فإذا رجل يخوّف فقال : ما هذا؟! فقالوا : رجل يذكر الناس . فقال : ليس برجل يذكر الناس ولكنه يقول أنا فلان بن فلان فاعرفوني ، فأرسل إليه فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ فقال : لا . قال : فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه .
وأخرج أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ والمنسوخ والبيهقي في سننه عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : مر علي بن أبي طالب برجل يقص فقال : أعرفت الناسخ والمنسوخ؟ قال : لا . قال : هلكت وأهلكت .
وأخرج النحاس والطبراني عن الضحاك بن مزاحم قال : مر ابن عباس بقاص يقص فركله برجله وقال : أتدري الناسخ والمنسوخ؟ قال : لا . قال : هلكت وأهلكت .
وأخرج الدارمي في مسنده والنحاس عن حذيفة قال : إنما يفتي الناس أحد ثلاثة : رجل يعلم ناسخ القرآن من منسوخه وذلك عمر ، ورجل قاض لا يجد من القضاء بداً ، ورجل أحمق متكلف ، فلست بالرجلين الماضيين ، فأكره أن أكون الثالث .(1/201)
أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)
أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال « قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرأه ، أو فجر لنا أنهاراً نتبعك ونصدقك ، فأنزل الله في ذلك { أم تريدون أن تسألوا رسولكم } إلى قوله { سواء السبيل } وكان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد اليهود حسداً للعرب إذ خصهم الله برسوله ، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإِسلام ما استطاعا ، فأنزل الله فيهما { ودّ كثير من أهل الكتاب . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : قال رجل « يا رسول الله لو كانت كفاراتنا ككفارات بني إسرائيل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أعطيتم خير ، كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها ، فإن كفرها كانت له خزياً في الدنيا ، وإن لم يكفرها كانت له خزياً في الآخرة ، وقد أعطاكم الله خيراً من ذلك قال { ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه } [ النساء : 110 ] الآية ، والصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن . فأنزل الله { أم تريدون أن تسألوا رسولكم . . . } الآية . » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي قال : سألت العرب محمداً صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالله فيروه جهرة ، فنزلت هذه الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال « سألت قريش محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً . فقال : نعم ، وهو كالمائدة لبني إسرائيل إن كفرتم ، فأبوا ورجعوا . فأنزل الله { أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل } أن يريهم الله جهرة » .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { ومن يتبدل الكفر بالإِيمان } يقول : يتبدل الشدة بالرخاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { فقد ضل سواء السبيل } قال : عدل عن السبيل .
وأخرج أبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن كعب بن مالك قال « كان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أشد الأذى ، فأمر الله رسوله والمسلمين بالصبر على ذلك والعفو عنهم ، ففيهم أنزل الله { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً } [ آل عمران : 186 ] الآية . وفيهم أنزل الله { ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً } الآيه » .
وأخرج البخاري ومسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الدلائل عن أسامة بن زيد قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال الله(1/202)
{ ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً } [ آل عمران : 186 ] وقال { ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره } وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأوّل في العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم بقتل ، فقتل الله به من قتل من صناديد قريش « .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الزهري وقتادة في قوله { ودّ كثير من أهل الكتاب } قالا : كعب بن الأشرف .
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في قوله { حسداً من عند أنفسهم } قال : من قبل أنفسهم { من بعد ما تبين لهم الحق } يقول : يتبين لهم أن محمداً رسول الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { من بعد تبين لهم الحق } قال : من بعد ما تبين لهم أن محمداً رسول الله يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإِنجيل نعته وأمره ونبوته ، ومن بعد ما تبين لهم أن الإِسلام دين الله الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم { فاعفوا واصفحوا } قال : أمر الله نبيه أن يعفو عنهم ويصفح حتى يأتي الله بأمره ، فأنزل الله في براءة وأمره فقال { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } [ التوبة : 29 ] الآية . فنسختها هذه الآية ، وأمره الله فيها بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يقروا بالجزية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله { فاعفوا واصفحوا } وقوله { وأعرض عن المشركين } [ الأنعام : 106 ] ونحو هذا في العفو عن المشركين قال : نسخ ذلك كله بقوله { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله } [ التوبة : 29 ] وقوله { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] .
وأخرج ابن جرير والنحاس في تاريخه عن السدي في قوله { فاعفوا واصفحوا } قال : هي منسوخه نسختها { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } [ التوبة : 29 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وما تقدموا لأنفسكم من خير } يعني من الأعمال من الخير في الدنيا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { تجدوه عند الله } قال : تجدوا ثوابه .(1/203)
وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } قال : قالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً . وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً { تلك أمانيهم } قال : أماني يتمونها على الله بغير حق { قل هاتوا برهانكم } يعني حجتكم { إن كنتم صادقين } بما تقولون أنها كما تقولون { بلى من أسلم وجهه لله } يقول : أخلص لله .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { من أسلم وجهه لله } قال : أخلص دينه .(1/204)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)
أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال « لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار اليهود ، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رافع بن حريملة : ما أنتم على شيء وكفر بعيسى والإِنجيل . فقال رجل من أهل نجران لليهود : ما أنتم على شيء وجحد نبوّة موسى وكفر بالتوراة ، فأنزل الله في ذلك { وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب } أي كل يتلو في كتابه تصديق من كفر به » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { وقالت اليهود ليست النصارى على شيء . . . } الآية . قال : هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { وقالت اليهود ليست النصارى على شيء } قال : بلى قد كانت أوائل النصارى على شيء ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا .
واخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : من هؤلاء الذين لا يعلمون؟ قال : أمم كانت قبل اليهود والنصارى .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { كذلك قال الذين لا يعلمون } قال : هم العرب قالوا : ليس محمد صلى الله عليه وسلم على شيء .(1/205)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)
أخرج ابن اسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس . أن قريشاً منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام ، فأنزل الله { ومن أظلم ممن منع مساجد الله . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ومن أظلم ممن منع مساجد الله } قال : هم النصارى .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه } قال : هم النصارى ، وكانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { ومن أظلم ممن منع مساجد الله . . . } الآية . قال : هم الروم ، كانوا ظاهروا بختنصر على بيت المقدس . وفي قوله { أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين } قال : فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن تضرب عنقه ، وقد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها . وفي قوله { لهم في الدنيا خزي } قال : أما خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم فذلك الخزي .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : أولئك أعداء الله الروم ، حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس .
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال : إن النصارى لما ظهروا على بيت المقدس حرقوه ، فلما بعث الله محمداً أنزل عليه { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها . . . } الآية . فليس في الأرض نصراني يدخل بيت المقدس إلا خائفاً .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : هؤلاء المشركون حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت يوم الحديبية .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال : ليس للمشركين أن يدخلوا المسجد إلا وهم خائفون .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله { لهم في الدنيا خزي } قال : يعطون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون .
وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه عن بسر بن أرطاة قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة » .(1/206)
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)
أخرج أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال « أوّل ما نسخ لنا من القرآن فيما ذكر والله أعلم شأن القبلة . قال الله تعالى { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ، ثم صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق ونسخها . فقال { ومن حيث خرجت فول وجهك } [ البقرة : 149 ] الآية » .
وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } قال « كان الناس يصلون قبل بيت المقدس ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة على رأس ثمانية عشر شهراً من مهاجره ، وكان إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر به ، فنسختها قبل الكعبة » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والنحاس في ناسخه والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال « كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوّعاً أينما توجهت به ، ثم قرأ ابن عمر هذه الآية { فأينما تولوا فثم وجه الله } وقال ابن عمر : في هذا نزلت هذه الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عمر قال : أنزلت { أينما تولوا فثم وجه الله } أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في التطوّع .
وأخرج البخاري والبيهقي عن جابر بن عبدالله قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أنمار يصلي على راحلته متوجهاً قبل المشرق تطوّعاً .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والبيهقي عن جابر بن عبدالله « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته قبل المشرق ، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل واستقبل القبلة وصلى » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر وأراد أن يتطوّع بالصلاة استقبل بناقته القبلة وكبر ، ثم صلى حيث توجهت الناقة » .
وأخرج أبو داود والطيالسي وعبد بن حميد والترمذي وضعفه وابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم والعقيلي وضعفه والدارقطني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن عامر بن ربيعة قال « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة فنزلنا منزلاً ، فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجداً فيصلي فيه ، فلما أن أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة ، فقلنا : يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة ، فأنزل الله { ولله المشرق والمغرب .(1/207)
. . } الآية . فقال مضت صلاتكم « .
وأخرج الدارقطني وابن مردويه والبيهقي عن جابر بن عبدالله قال » بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها ، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة ، فقالت طائفة منا : القبلة ههنا قبل الشمال ، فصلوا وخطوا خطاً . وقال بعضنا : القبلة ههنا قبل الجنوب ، فصلوا وخطوا خطاً . فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة ، فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فسكت ، فأنزل الله { ولله المشرق والمغرب . . . } الآية « .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عطاء » أن قوماً عميت عليهم القبلة ، فصلى كل إنسان منهم إلى ناحية ، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له ، فأنزل الله { فأينما تولوا فثم وجه الله } « .
وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سريه فأصابتهم ضبابه فلم يهتدوا إلى القبله فصلوا لغير القبله ، ثم استبان لهم بعدما طلعت الشمس أنهم صلوا لغير القبله ، فلما جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثوه ، فأنزل الله { ولله المشرق والمغرب . . . } الآية « .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة » أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن أخا لكم قد مات - يعني النجاشي - فصلوا عليه » قالوا : نصلي على رجل ليس بمسلم . . . ! فأنزل الله { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله . . . } [ آل عمران : 199 ] . قالوا : فإنه كان لا يصلي إلى القبلة ، فأنزل الله { ولله المشرق والمغرب . . . } الآية « .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : لما نزلت { ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ] قالوا : إلى أين؟ فأنزلت { فأينما تولوا فثم وجه الله } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { فأينما تولوا فثم وجه الله } قال : قبلة الله أينما توجهت شرقا أو غربا .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي والبيهقي في سننه عن مجاهد { فثم وجه الله } قال : قبلة الله ، فأينما كنتم في شرق أو غرب فاستقبلوها .
وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن قتادة في هذه الآية قال : هي منسوخة نسخها قوله تعالى { فول وجهك شطر المسجد الحرام } [ البقرة : 149 ] أي تلقاءه . وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » ما بين المشرق والمغرب قبلة « .
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر قال : ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجهت قبل البيت .(1/208)
وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)
أخرج البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « قال الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، فإما تكذيبه إياي فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان ، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد ، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولداً » .
وأخرج البخاري وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يقول الله : كذبني ابن آدم ولم ينبغ له أن يكذبني ، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني ، أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أوّل الخلق بأهون علي من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً وأنا الله الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن مردويه والبيهقي عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله . إنهم يجعلون له ولداً ، ويشركون به وهو يرزقهم ويعافيهم » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن غالب بن عجرد قال : حدثني رجل من أهل الشام قال : بلغني أن الله لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها ثمرة ، حتى تكلم فجرة بني آدم بتلك الكلمة العظيمة قولهم { اتخذ الله ولداً } فلما تكلموا بها اقشعرت الأرض وشاك الشجر .
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله { وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه } قال : إذا قالوا عليه البهتان سبح نفسه .
أما قوله تعالى : { سبحانه } .
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والمحاملي في أماليه عن ابن عباس في قوله { سبحان الله } قال : تنزيه الله نفسه عن السوء .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه سئل عن التسبيح أن يقول الإِنسان سبحان الله؟ قال : براءة الله من السوء . وفي لفظ : انزاهه عن السوء مرسل » .
وأخرج ابن جرير والديلمي والخطيب في الكفايه من طرق أخرى موصولاً عن موسى بن طلحه بن عبيد الله عن أبيه عن جده طلحه بن عبيد الله قال « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير { سبحان الله } قال : هو تنزيه الله من كل سوء » .
وأخرج ابن مردويه من طريق سفيان الثوري عن عبد الله بن عبيد الله بن موهب أنه سمع طلحة قال(1/209)
« سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن { سبحان الله } قال : تنزيه الله عن كل سوء » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران . أنه سئل عن { سبحان الله } فقال : اسم يعظم الله به ويحاشى عن السوء .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس أن ابن الكواء سأل علياً عن قوله { سبحان الله } فقال علي : كلمة رضيها الله لنفسه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال { سبحان الله } اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه .
وأخرج عبد بن حميد عن يزيد بن الأصم قال : جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنه فقال : لا إله إلا الله نعرفها أنه لا إله غيره ، والحمد لله نعرفها أن النعم كلها منه وهو المحمود عليها ، والله أكبر نعرفها أنه لا شيء أكبر منه ، فما سبحان الله؟ فقال ابن عباس : وما تنكر منها . . . ؟! هي كلمة رضيها الله لنفسه وأمر بها ملائكته ، وفرغ إليها الأخيار من خلقه .
أما قوله تعالى : { كل له قانتون } .
أخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن حبان والطبراني في الأوسط وأبو نصر السجزي في الإِبانة وأبو نعيم في الحلية والضياء في المختارة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عباس في قوله { قانتون } قال : مطيعون .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس . أن نافع ابن الأزرق سأله عن قوله { كل له قانتون } قال : مقرون . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول عدي بن زيد :
قانتاً لله يرجو عفوه ... يوم لا يكفر عبد ما ادخر
وأخرج ابن جرير عن عكرمة { كل له قانتون } قال : مقرون بالعبودية .
وأخرج ابن جرير عن قتادة { كل له قانتون } أي مطيع مقر بأن الله ربه وخالقه .(1/210)
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية { بديع السموات والأرض } يقول : ابتدع خلقهما ولم يشركه في خلقهما أحد .
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : ابتدعهما فخلقهما ولم يخلق قبلهما شيء فتمثل به .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سابط « إن داعياً دعا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم إني أسألك باسمك الذي لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم ، بديع السموات والأرض ، وإذا أردت أمراً فإنما تقول له كن فيكون ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد كدت أن تدعو باسمه العظيم » .(1/211)
وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال « قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد إن كنت رسولاً من الله كما تقول فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه ، فأنزل الله في ذلك { وقال الذين لا يعلمون } قال : هم كفار العرب { لولا يكلمنا الله } قالا : هلا يكلمنا { كذلك قال الذين من قبلهم } يعني اليهود والنصارى وغيرهم { تشابهت قلوبهم } يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله } قال : النصارى يقوله ، والذين من قبلهم يهود .(1/212)
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)
أخرج وكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليت شعري ما فعل أبواي ، فنزل { إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم } فما ذكرهما حتى توفاه الله » قلت : هذا مرسل ضعيف الإِسناد .
وأخرج ابن جرير عن داود بن أبي عاصم « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم : أين أبواي؟ فنزلت » قلت : والآخر معضل الإِسناد ضعيف لا يقوم به ولا بالذي قبله حجة .
وأخرج ابن المنذر عن الأعرج أنه قرأ { ولا تسأل عن أصحاب الجحيم } أي أنت يا محمد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : الجحيم ما عظم من النار .(1/213)
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)
أخرج الثعلبي عن ابن عباس « أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم ، فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم وأيسوا منه أن يوافقهم على دينهم ، فأنزل الله { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى . . . } الآية » .(1/214)
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)
أخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله { الذين أتيناهم الكتاب } قال : هم اليهود والنصارى .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { يتلونه حق تلاوته } قال : يحلون حلاله ويحرمون حرامه ، ولا يحرفونه عن مواضعه .
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والهروي في فضائله ن ابن عباس في قوله { يتلونه حق تلاوته } قال : يتبعونه حق اتباعه ، ثم قرأ { والقمر إذا تلاها } [ الشمس : 2 ] يقول : اتبعها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب في قوله { يتلونه حق تلاوته } قال : إذا مر بذكر الجنة سأل الله الجنة ، وإذا مر بذكر النار تعوّذ بالله من النار .
وأخرج الخطيب في كتاب الرواة عن مالك بسند فيه مجاهيل عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { يتلونه حق تلاوته } قال : يتبعونه حق اتباعه .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير من طرق عن ابن مسعود قال : في قوله { يتلونه حق تلاوته } قال : أنّ يحل حلاله ويحرم حرامه ، ويقرأه كما أنزل الله ولا يحرف الكلم عن مواضعه ، ولا يتأول منه شيئاً غير تأويله . وفي لفظ : يتبعونه حق اتباعه « .
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله { يتلونه حق تلاوته } قال : يتكلمونه كما أنزل الله ولا يكتمونه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به } قال : منهم أصحاب محمد الذين آمنوا بآيات الله وصدقوا بها . قال : وذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول : والله إن حق تلاوته أن يحل حلاله ، ويحرم حرامه ، ويقرأه كما أنزله الله ، ولا يحرفه عن مواضعه . قال : وحدثنا عن عمر بن الخطاب قال : لقد مضى بنو إسرائيل وما يعني بما تسمعون غيركم .
وأخرج وكيع وابن جرير عن الحسن في قوله { يتلونه حق تلاوته } قال : يعملون بمحكمه ، ويؤمنون بمتشابهه ، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { يتلونه حق تلاوته } قال : يتبعونه حق اتباعه .(1/215)
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال : ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد ، في الرأس قص الشارب ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وفرق الرأس . وفي الجسد تقليم الأظفار ، وحلق العانة ، والختان ، ونتف الابط ، وغسل مكان الغائط والبول بالماء .
وأخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن : فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم ، ومجاجته نمرود في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافهم ، وصبره على قذفهم إياه في النار ليحرفوه في الله ، والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده حين أمره بالخروج عنهم ، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها ، وما ابتلي به من ذبح ولده . فلما مضى على ذلك كله وأخلصه البلاء قال الله له أسلم { قال أسلمت لرب العالمين } [ البقرة : 131 ] .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الكلمات التي ابتلى بها عشر ، ست في الإِنسان وأربع في المشاعر . فأما التي في الإِنسان : فحلق العانة ، ونتف الإِبط ، أو الختان ، وتقليم الأظفار ، وقص الشارب ، والسواك ، وغسل يوم الجمعة . والأربعة التي في المشاعر : الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار ، والإِفاضة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال : ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله إلا إبراهيم قال { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } قيل ما الكلمات؟ قال : سهام الإِسلام ثلاثون سهماً . عشر في براءة التائبون العابدون إلى آخر الآية ، وعشر في أول سورة قد أفلح ، وسأل سائل ، والذين يصدقون بيوم الدين الآيات ، وعشر في الأحزاب أن المسلمين والمسلمات إلى آخر الآية فأتمهن كلهن ، فكتب له براءة قال تعالى { وإبراهيم الذي وفى } [ النجم : 37 ] .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم من طرق عن ابن عباس { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن } قال : منهن مناسك الحج .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : الكلمات { إني جاعلك للناس إماماً } [ البقرة : 124 ] . { وإذ يرفع إبراهيم القواعد } [ البقرة : 127 ] والآيات في شأن المنسك ، والمقام الذي جعل لإِبراهيم ، والرزق الذي رزق ساكنو البيت ، وبعث محمد في ذريتهما .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد في قوله { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } قال : ابتلى بالآيات التي بعدها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن الحسن قال : ابتلاه بالكوكب فرضي عنه ، وابتلاه بالقمر فرضي عنه ، وابتلاه بالشمس فرضي عنه ، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه ، وابتلاه بالختان فرضي عنه ، وابتلاه بابنه فرضي عنه .(1/216)
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { فأتمهن } قال : فأدّاهن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من فطرة إبراهيم السواك » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : من فطرة إبراهيم غسل الذكر والبراجم .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد قال : ست من فطرة إبراهيم : قص الشارب ، والسواك ، والفرق ، وقص الأظفار ، والاستنجاء ، وحلق العانة ، قال : ثلاثة في الرأس ، وثلاثة في الجسد .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الفطرة خمس ، أو خمس من الفطرة : الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الآباط » .
وأخرج البخاري والنسائي عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من الفطرة حلق العانة ، وتقليم الأظفار ، وقص الشارب » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « عشر من الفطرة : قص الشارب ، واعفاء اللحية ، والسواك ، والاستنشاق بالماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الآباط ، وحلق العانة ، وانتقاض الماء يعني الاستنجاء بالماء . قال مصعب : نسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود وابن ماجه عن عمار بن ياسر « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الفطرة المضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الابط ، والاستحداد ، وغسل البراجم والانتضاح ، والاختتان » .
وأخرج البزار والطبراني عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الطهارات أربع : قص الشارب ، وحلق العانة ، وتقليم الأظفار ، والسواك » .
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس بن مالك قال « وقَّت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب ، وتقليم الأظفار ، وحلق العانة ، ونتف الإِبط ، أن لا تترك أكثر من أربعين يوماً » .
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس « قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لقد أبطأ عنك جبريل . فقال : ولم لا يبطىء عني وأنتم حولي لا تستنون لا تقلمون أظفاركم ، ولا تقصون شواربكم ، ولا تنقون براجمكم » .
وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال « كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص أو يأخذ من شاربه قال : لأن خليل الرحمن إبراهيم يفعله » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والنسائي عن زيد بن أرقم « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من لم يأخذ من شاربه فليس منا » .(1/217)
وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « خالفوا المشركين ، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب » .
وأخرج البزار عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خالفوا المجوس ، جزوا الشوارب واعفوا اللحى » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عبيد الله قال « جاء رجل من المجوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلق لحيته وأطال شاربه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذا؟ قال : هذا في ديننا . قال : ولكن في ديننا أن تجز الشارب وأن تعفي اللحية » .
وأخرج البزار عن عائشة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً وشاربه طويل فقال : ائتوني بمقص وسواك ، فجعل السواك على طرفه ، ثم أخذ ما جاوز » .
وأخرج البزار والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإِيمان بسند حسن عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة » .
وأخرج ابن عدي بسند ضعيف عن أنس قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق الرجل عانته كل أربعين يوماً ، وأن ينتف ابطه كلما طلع ، ولا يدع شاربيه يطولان ، وأن يقلم أظفاره من الجمعة إلى الجمعة « .
وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » قصوا أظافيركم فإن الشيطان يجري ما بين اللحم والظفر « .
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن وابصة بن معبد قال » سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن الوسخ الذي يكون في الأظفار فقال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك « .
وأخرج البزار عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ما لي لا أهم ورفع أحدكم بين أنملته وظفره « .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن قيس بن حازم قال » صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة فأوهم فيها ، فسأل فقال : ما لي لا أهم ورفع أحدكم بين ظفره وأنملته « .
وأخرج ابن ماجة والطبراني بسند ضعيف عن أبي أمامة » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ، ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي ، ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته لهم ، وإني لأستاك حتى أني لقد خشيت أن أحفي مقادم فيَّ « .
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال(1/218)
« السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ، ومجلاة للبصر » .
وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإِيمان وضعفه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « عليكم بالسواك فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب مفرحة للملائكة يزيد في الحسنات ، وهو من السنة يجلو البصر ، ويذهب الحفر ، ويشد اللثة ، ويذهب البلغم ، ويطيب الفم » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة » .
وأخرج أحمد بسند حسن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ، وعند كل وضوء بسواك » .
وأخرج البزار وأبو يعلى والطبراني بسند ضعيف عن عائشة قالت « ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يذكر السواك حتى خشينا أن ينزل فيه قرآن » .
وأخرج أحمد والحرث بن أبي أسامة والبزار وأبو يعلى وابن خزيمة والدارقطني والحاكم وصححه وأبو نعيم في كتاب السواك والبيهقي في شعب الإِيمان عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « فضل الصلاة بسواك على الصلاة بغير سواك سبعون ضعفاً » .
وأخرج البزار والبيهقي بسند جيد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لقد أمرت بالسواك حتى ظننت أنه ينزل عليّ به قرآن أو وحي » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني بسند ضعيف عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام إلا والسواك عنده ، فإذا استيقظ بدأ بالسواك » .
وأخرج الطبراني بسند حسن عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خفت على أضراسي » .
وأخرج البزار والترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن كليح بن عبد الله الخطمي عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خمس من سنن المرسلين : الحياء ، والحلم ، والحجامة ، والسواك ، والتعطر » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام ليلة ولا ينتبه إلا استن » .
وأخرج الطبراني بسند حسن عن زيد بن خالد الجهني قال « ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته لشيء من الصلوات حتى يستاك » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود بسند ضعيف عن عائشة « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوّك قبل أن يتوضأ » .(1/219)
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة « أنها سئلت بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت : كان إذا دخل يبدأ بالسواك » .
وأخرج ابن ماجه عن علي بن أبي طالب قال : إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك . وأخرجه أبو نعيم في كتاب السواك عن علي مرفوعاً .
وأخرج ابن السني وأبو نعيم معاً في الطب النبوي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن السواك ليزيد الرجل فصاحة » .
وأخرج ابن السني عن علي بن أبي طالب قال : قراءة القرآن والسواك يذهب البلغم .
وأخرج أبو نعيم في معرفة الصحابة عن سمويه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نام ليلة حتى استن » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأبو نعيم في كتاب السواك بسند ضعيف من طريق أبي عتيق عن جابر . أنه كان ليستاك إذا أخذ مضجعه ، وإذا قام من الليل ، وإذا خرج إلى الصلاة . فقلت له : لقد شققت على نفسك . فقال : إن أسامة أخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستاك هذا السواك .
وأخرج أبو نعيم بسند حسن عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يستاكوا بالأسحار » .
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء » .
وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « السواك مطهرة للفم مرضاة للرب » .
وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط بسند حسن عن ابن عمر « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم مرضاة للرب تبارك وتعالى » .
وأخرج أحمد بسند ضعيف عن قثم أو تمام بن عباس قال : أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال « ما لكم تأتوني قلحاً لا تسوكون ، لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك كما فرضت عليهم الوضوء » .
وأخرج الطبراني عن جابر قال : كان السواك من أذن النبي صلى الله عليه وسلم موضع القلم من أذن الكاتب .
وأخرج العقيلي في الضعفاء وأبو نعيم في السواك بسند ضعيف عن عائشة قالت « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر حمل السواك والمشط والمكحلة والقارورة والمرآة » .(1/220)
وأخرج أبو نعيم بسند واهٍ عن رافع بن خديج مرفوعاً « السواك واجب » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : لقد كنا نؤمر بالسواك حتى ظننا أنه سينزل فيه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حسان بن عطية مرفوعاً « الوضوء شطر الإِيمان ، والسواك شطر الوضوء ، ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، ركعتان يستاك فيهما العبد أفضل من سبعين ركعة لا يستاك فيها » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سليمان بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « استاكوا وتنظفوا وأوتروا ، فإن الله وتر يحب الوتر » .
وأخرج ابن عدي عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتعاهد البراجم عند الوضوء لأن الوسخ إليها سريع » .
وأخرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول بسند فيه مجهول عن عبد الله بن بسر رفعه « قصوا أظفاركم ، وادفنوا قلاماتكم ، ونقوا براجمكم » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس قال « كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم ، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به ، فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد » .
وأخرج ابن ماجة والبيهقي بسند جيد عن أم سلمة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اطلى ولى عانته بيده » .
وأخرج البيهقي بسند ضعيف جداً عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتنور ، وكان إذا كثر شعره حلقه .
وأخرج أحمد والبيهقي عن شداد بن أوس رفعه « الختان سنة للرجال مكرمة للنساء » .
وأخرج الطبراني في مسند الشاميين وأبو الشيخ في كتاب العقيقة والبيهقي من حديث ابن عباس . مثله .
وأخرج أبو داود عن عيثم بن كليب عن أبيه عن جده « أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد أسلمت - فقال له : ألق عنك شعر الكفر - يقول : احلق » قال : وأخبرني آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر معه « ألق عنك شعر الكفر واختتن » .
وأخرج البيهقي عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من أسلم فليختتن » .
وأخرج أحمد والطبراني عن عثمان بن أبي العاص أنه دعي إلى ختان فقال : ما كنَّا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ندعى له .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال : سبع من السنة في الصبي يوم السابع يسمى ، ويختن ، ويماط عنه الأذى ، ويعق عنه ، ويحلق رأسه ، ويلطخ من عقيقته ، ويتصدق بوزن شعر رأسه ذهباً أو فضة .(1/221)
وأخرج أبو الشيخ في كتاب العقيقة والبيهقي عن جابر « أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام » .
وأخرج البيهقي عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه . أن إبراهيم عليه السلام ختن إسحق لسبعة أيام ، وختن إسماعيل عند بلوغه .
وأخرج ابن سعد عن حي بن عبد الله قال : بلغني أن إسماعيل عليه السلام اختتن وهو ابن ثلاث عشرة سنة .
وأخرج أبو الشيخ في العقيقة من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه . أن إبراهيم عليه السلام أمر أن يختتن وهو حينئذ ابن ثمانين سنة ، فعجل واختتن بالقدوم فاشتد عليه الوجع ، فدعا ربه فأوحى إليه « أنك عجلت قبل أن نأمرك بآلته قال : » يا رب كرهت أن أؤخر أمرك « » .
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثلاثين سنة بالقدوم » .
وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « كان إبراهيم أول من اختتن وهو ابن عشرين ومائة سنة واختتن بالقدوم ، ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة » .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي وصححاه من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : اختتن إبراهيم خليل الله وهو ابن عشرين ومائة سنة بالقدوم ، ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة . قال سعيد : وكان إبراهيم أول من اختتن وأول من رأى الشيب ، فقال : يا رب ما هذا؟ قال : وقار يا إبراهيم . قال : رب زدني وقاراً . وأول من أضاف الضيف ، وأول من جز شاربه ، وأول من قص أظافيره ، وأول من استحد .
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن إبراهيم أول من أضاف الضيف ، وأول من قص الشارب ، وأول من رأى الشيب ، وأول من قص الأظافير ، وأول من اختتن بقدومه » .
وأخرج البيهقي عن علي رضي الله عنه قال : كانت هاجر لسارة ، فأعطت هاجر إبراهيم ، فاستبق إسماعيل وإسحاق فسبقه إسماعيل فقعد في حجر إبراهيم . قالت سارة : والله لأغيرن منها ثلاثة أشراف ، فخشي إبراهيم أن تجدعها أو تخرم أذنيها ، فقال لها : هل لك أن تفعلي شيئاً وتبري يمينك؟ تثقبين أذنيها وتخفضينها ، فكان أول الخفاض هذا « .
وأخرج البيهقي عن سفيان بن عيينة قال : شكا إبراهيم عليه السلام إلى ربه ما يلقى من رداءة خلق سارة ، فأوحى الله إليه يا إبراهيم أول من تسرول ، وأول من فرق ، وأوّل من استحد ، وأول من اختتن ، وأول من قرى الضيف ، وأول من شاب .
وأخرج وكيع عن واصل مولى ابن عيينة قال : أوحى الله إلى إبراهيم يا إبراهيم انك أكرم أهل الأرض إلي فإذا سجدت فلا تر الأرض عورتك .(1/222)
قال : فاتخذ سراويل .
وأخرج الحاكم عن أبي أمامة قال : طلعت كف من السماء بين أصبعين من أصابعها شعرة بيضاء ، فجعلت تدنو من رأس إبراهيم ثم تدنو ، فالقتها في رأسه وقالت : اشعل وقاراً ، ثم أوحى الله إليها أن تظهر ، وكان أول من شاب واختتن ، وأنزل الله على إبراهيم مما أنزل على محمد { التائبون العابدون الحامدون } [ التوبة : 112 ] إلى قوله { وبشر المؤمنين } [ التوبة : 112 ] و { قد أفلح المؤمنون } [ المؤمنون : 1 ] إلى قوله { هم فيها خالدون } [ المؤمنون : 11 ] و { إن المسلمين والمسلمات . . . } [ الأحزاب : 35 ] الآية . والتي في سأل ، و { الذين هم على صلاتهم دائمون } [ المعارج : 23-33 ] إلى قوله { قائمون } فلم يف بهذه السهام إلا إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن سلمان قال : سأل إبراهيم ربه خيراً فأصبح ثلثا رأسه أبيض ، فقال : ما هذا؟! فقيل له : عبرة في الدنيا ونور في الآخرة .
وأخرج أحمد في الزهد عن سلمان الفارسي قال : أوى إبراهيم إلى فراشه فسأل الله أن يؤتيه خيراً ، فأصبح وقد شاب ثلثا رأسه ، فساءه ذلك فقيل : لا يسوءنك فإنه عبرة في الدنيا ونور لك في الآخرة ، وكان أول شيب كان .
وأخرج الديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أول من خضب بالحناء والكتم إبراهيم عليه السلام » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن إبراهيم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم » .
وأخرج أبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم » .
وأخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود » .
وأخرج البزار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا تشبهوا بالأعاجم غيروا اللحى » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والبزار عن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال : أول من خطب على المنبر إبراهيم عليه السلام حين أسر لوط واستأسرته الروم ، فغزا إبراهيم حتى استنقذه من الروم .
وأخرج ابن عساكر عن حسان بن عطية قال : أول من رتب العسكر في الحرب ميمنة وميسرة وقلباً إبراهيم عليه السلام لما سار لقتال الذين أسروا لوطا عليه السلام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن يزيد بن أبي يزيد عن رجل قد سماه قال : أوّل من عقد الألوية إبراهيم عليه السلام ، بلغه أن قوماً أغاروا على لوط فسبوه ، فعقد لواء وسار إليهم بعبيده ومواليه حتى أدركهم ، فاستنقذه وأهله .(1/223)
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الرمي عن ابن عباس قال : أوّل من عمل القسي إبراهيم عليه السلام .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كان أوّل من ضيف الضيف إبراهيم عليه السلام » .
وأخرج ابن سعد وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإِيمان عن عكرمة قال : كان إبراهيم خليل الرحمن يكنى أبا الضيفان ، وكان لقصره أربعة أبواب لكي لا يفوته أحد .
وأخرج البيهقي عن عطاء قال : كان إبراهيم خليل الله عليه السلام ، إذا أراد أن يتغدى طلب من يتغدى معه إلى ميل .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان والخطيب في تاريخه والديلمي في مسند الفردوس والغسولي في جزئه المشهور واللفظ له عن تميم الداري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن معانقة الرجل الرجل إذا هو لقيه؟ قال : كانت تحية الأمم . وفي لفظ : كانت تحية أهل الإِيمان وخالص ودّهم ، وإن أول من عانق خليل الرحمن ، فإنه خرج يوماً يرتاد لماشيته في جبال من جبال بيت المقدس إذا سمع صوت مقدس يقدس الله تعالى ، فذهل عما كان يطلب فقصد قصد الصوت ، فإذا هو بشيخ طوله ثمانية عشر ذراعاً أهلب يوحد الله عز وجل ، فقال له إبراهيم : يا شيخ من ربك؟ قال : الذي في السماء . قال : من رب الأرض؟ قال : الذي في السماء . قال : فيها رب غيره؟ قال : ما فيها رب غيره ، لا إله إلا هو وحده .
قال إبراهيم : فأين قبلتك؟ قال : إلى الكعبة . فسأله عن طعامه فقال : أجمع من هذه الثمرة في الصيف فآكله في الشتاء . قال : هل بقي معك أحد من قومك؟ قال : لا . قال : أين منزلك؟ قال : تلك المغارة . قال : اعبر بنا إلى بيتك . قال : بيني وبينها واد لا يخاض . قال : فكيف تعبره؟ فقال : أمشي عليه ذاهباً وأمشي عليه عائداً . قال : فانطلق بنا فلفعل الذي ذلله لك يذلله لي .
فانطلقا حتى انتهيا فمشيا جميعاً عليه كل واحد منهما يعجب من صاحبه ، فلما دخلا المغارة فإذا بقبلته قبلة إبراهيم قال له إبراهيم : أي يوم خلق الله أشد؟ قال الشيخ : ذلك اليوم الذي يضع كرسيه للحساب ، يوم تسعر جهنم لا يبقى ملك مقرب و لا نبي مرسل إلاَّ خر يهمه نفسه . قال له إبراهيم : ادع الله يا شيخ أن يؤمني وإياك من هول ذلك اليوم . قال الشيخ : وما تصنع بدعائي ولي في السماء دعوة محبوسة منذ ثلاث سنين؟ قال إبراهيم : ألا أخبرك ما حبس دعاءك قال : بلى . قال : إن الله عز وجل إذا أحب عبداً احتبس مسألته يحب صوته ، ثم جعل له على كل مسألة ذخراً لا يخطر على قلب بشر ، وإذا أبغض الله عبداً عجل له حاجته أو ألقى الأياس في صدره ليقبض صوته ، فما دعوتك التي هي في السماء محبوسة؟
قال : مر بي ههنا شاب في رأسه ذؤابة منذ ثلاث سنين ومعه غنم ، قلت : لمن هذه؟ قال : لخليل الله إبراهيم .(1/224)
قلت : اللهم إن كان لك في الأرض خليل فأرنيه قبل خروجي من الدنيا . قال له إبراهيم عليه السلام : قد أجيبت دعوتك ثم اعتنقا ، فيومئذ كان أصل المعانقة ، وكان قبل ذلك السجود هذا لهذا وهذا لهذا ، ثم جاء الصفاح مع الإِسلام فلم يسجد ولم يعانق ، ولن تفترق الأصابع حتى يغفر لكل مصافح « .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن كعب قال : قال إبراهيم عليه السلام : إنني ليحزنني أن لا أرى أحداً في الأرض يعبدك غيري ، فأنزل الله إليه ملائكة يصلون معه ويكونون معه .
وأخرج أحمد وأبو نعيم عن نوف البكالي قال : قال إبراهيم عليه السلام : يا رب إنه ليس في الأرض أحد يعبدك غيري ، فأنزل الله عز وجل ثلاثة آلاف ملك فأمهم ثلاثة أيام .
وأخرج ابن سعد عن الكلبي قال : إبراهيم عليه السلام أول من أضاف الضيف ، وأول من ثرد الثريد ، وأول من رأى الشيب ، وكان قد وسع عليه في المال والخدم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن السدي قال : أول من ثرد الثريد إبراهيم عليه السلام .
وأخرج الديلمي عن نبيط بن شريط قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » أول من اتخذ الخبز المبلقس إبراهيم عليه السلام « .
وأخرج أحمد في الزهد عن مطرف قال : أول من راغم إبراهيم عليه السلام حين راغم قومه إلى الله بالدعاء .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف واللفظ له والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن ابن عباس قال » قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أول الخلائق يلقى بثوب - يعني يوم القيامة - إبراهيم عليه السلام « .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : يحشر الناس عراة حفاة ، فأول من يلقى بثوب إبراهيم .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبيد بن عمير قال : يحشر الناس حفاة عراة ، فيقول الله : ألا أرى خليلي عرياناً ، فيكسى إبراهيم عليه السلام ثوباً أبيض ، فهو أول من يكسى .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن عبد الله بن الحرث قال : أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام قبطيتين ، ثم يكسى النبي صلى الله عليه وسلم حلة الحيرة وهو على يمين العرش .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس قال » جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا خير البرية . قال : ذاك إبراهيم « .(1/225)
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال : انطلق إبراهيم عليه السلام يمتار فلم يقدر على الطعام ، فمر بسهلة حمراء ، فأخذ منها ، ثم رجع إلى أهله فقالوا : ما هذا؟ قال : حنطة حمراء ، ففتحوها فوجدوها حنطة حمراء ، فكان إذا زرع منها شيئاً نبتت سنبلة من أصلها إلى فرعها حباً متراكباً .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن سلمان قال : أرسل على إبراهيم عليه السلام أسدان مجوّعان ، فلحساه وسجدا له .
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي بن كعب « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أرسل إلي ربي أن أقرأ القرآن على حرف ، فرددت عليه يا رب هوّن على أمتي ، فرد على الثانية أن أقرأ على حرفين ، قلت : يا رب هوّن على أمتي ، فرد على الثالثة أن أقرأ على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسألة فسلنيها . فقلت : اللهم اغفر لأمتي ، اللهم اغفر لأمتي ، وأخرت الثالثة إلى يوم يرغب إلي فيه الخلائق حتى إبراهيم » .
وأخرج أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن كعب قال : كان إبراهيم عليه السلام يقري الضيف ويرحم المسكين وابن السبيل ، فابطأت عليه الأضياف حتى أشرأب بذلك ، فخرج إلى الطريق يطلب ، فجلس فمر ملك الموت عليه السلام في صورة رجل ، فسلم عليه فرد عليه السلام ، ثم سأله من أنت؟ قال : أنا ابن السبيل قال : إنما قعدت ههنا لمثلك ، فأخذ بيده فقال له : انطلق . فذهب إلى منزله ، فلما رآه إسحق عرفه فبكى إسحق ، فلما رأت سارة إسحق يبكي بكت لبكائه ، فلما رأى إبراهيم سارة تبكي فبكى لبكائها ، فلما رأى ملك الموت إبراهيم يبكي بكى لبكائه ثم صعد ملك الموت ، فلما ارتقى غضب إبراهيم فقال : بكيتم في وجه ضيفي حتى ذهب فقال إسحق : لا تلمني يا أبت فإني رأيت ملك الموت معك لا أرى أجلك إلا قد حضر فارث في أهلك أي أوصه ، وكان لإبراهيم بيت يتعبد فيه فإذا خرج أغلقه لا يدخله غيره ، فجاء إبراهيم ففتح بيته الذي يتعبد فيه فإذا هو برجل جالس فقال إبراهيم : من أدخلك ، بإذن من دخلت؟! قال : بإذن رب البيت . قال : رب البيت أحق به ، ثم تنحى في ناحية البيت فصلى ودعا كما كان يصنع ، وصعد ملك الموت فقيل له : ما رأيت؟ قال : يا رب جئتك من عند عبدك ليس بعده في الأرض خير . قيل له : ما رأيت منه؟ قال : ما ترك خلقاً من خلقك إلا قد دعا له بخير في دينه وفي معيشته .
ثم مكث إبراهيم عليه السلام ما شاء الله ، ثم جاء ففتح بابه فإذا هو برجل جالس قال له : من أنت؟ قال : إنما أنا ملك الموت . قال إبراهيم : إن كنت صادقاً فأرني آية أعرف أنك ملك الموت .(1/226)
قال : اعرض بوجهك يا إبراهيم . قال : ثم أقبل فأراه الصورة التي يقبض بها المؤمنين ، فرأى شيئاً من النور والبهاء لا يعلمه إلا الله ، ثم قال : انظر فأراه الصورة التي يقبض فيها الكفار والفجار ، فرعب إبراهيم عليه السلام رعباً حتى ألصق بطنه بالأرض ، كادت نفس إبراهيم تخرج فقال : أعرف الذين أُمِرْتَ به فامض له .
فصعد ملك الموت فقيل له : تلطف بإبراهيم ، فأتاه وهو في عنب له وهو في صورة شيخ كبير لم يبق منه شيء ، فلما رآه إبراهيم رحمه فأخذ مكتلاً ثم دخل عنبه فقطف من العنب في مكتله ، ثم جاء فوضعه بين يديه فقال : كل . . . فجعل يضع ويريه أنه يأكل ويمجه على لحيته وعلى صدره ، فعجب إبراهيم فقال : ما أبقت السن منك شيئاً كم أتى لك؟ فحسب مدة إبراهيم فقال : امالي كذا وكذا . . . فقال إبراهيم : قد أتي لي هذا إنما انتظر أن أكون مثلك اللهم اقبضني إليك ، فطابت نفس إبراهيم على نفسه وقبض ملك الموت نفسه تلك الحال .
وأخرج الحاكم عن الواقدي قال : ولد إبراهيم بغوطة دمشق في قرية يقال لها برزة ، ومن جبل يقال له قاسيون .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن أبي السكن الهجري قال : مات خليل الله فجأة ، ومات داود فجأة ، ومات سليمان بن داود فجأة ، والصالحون ، وهو تخفيف على المؤمن وتشديد على الكافر .
وأخرج « أن ملك الموت جاء إلى إبراهيم عليه السلام ليقبض روحه ، فقال إبراهيم : يا ملك الموت هل رأيت خليلاً يقبض روح خليله؟ فعرج ملك الموت إلى ربه فقال : قل له : هل رأيت خليلاً يكره لقاء خليله؟ فرجع قال : فاقبض روحي الساعة » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير قال « كان الله يبعث ملك الموت إلى الأنبياء عياناً ، فبعثه إلى إبراهيم عليه السلام ليقبضه ، فدخل دار إبراهيم في صورة رجل شاب جميل وكان إبراهيم غيوراً ، فلما دخل عليه حملته الغيرة على أن قال له : يا عبد الله ما أدخلك داري؟ قال : أدخلنيها ربها . فعرف إبراهيم أن هذا الأمر حدث قال يا إبراهيم : إني أمرت بقبض روحك . قال : أمهلني يا ملك الموت حتى يدخل إسحق فامهله ، فلما دخل إسحق قام إليه فاعتنق كل واحد منهما صاحبه ، فرق لهما ملك الموت فرجع إلى ربه فقال : يا رب رأيت خليلك جزع من الموت . قال : يا ملك الموت فائت خليلي في منامه فاقبضه ، فأتاه في منامه فقبضه » .
وأخرج أحمد في الزهد والمروزي في الجنائز عن أبي مليكة « أن إبراهيم لما لقي الله قيل له : كيف وجدت الموت؟ قال : وجدت الموت؟ قال : وجدت نفسي كأنما تنزع بالسلي . قيل له : قد يسرنا عليك الموت » .(1/227)
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في العزاء وابن أبي داود في البعث وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أولاد المؤمنين في جبل في الجنة ، يكفلهم إبراهيم وسارة عليهما السلام حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة » .
وأخرج سعيد بن منصور عن مكحول « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن ذراري المسلمين في عصافير خضر في شجر في الجنة ، يكفلهم إبراهيم عليه السلام » .
أما قوله تعالى : { وقال إني جاعلك للناس إماماً } الآية .
أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس { قال : إني جاعلك للناس إماماً } يقتدى بدينك وهديك وسنتك { قال ومن ذريتي } إماماً لغير ذريتي { قال لا ينال عهدي الظالمين } أن يقتدى بدينهم وهديهم وسنتهم .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : هذا عند الله يوم القيامة لا ينال عهده ظالماً ، فاما في الدنيا فقد نالوا عهده فوارثوا به المسلمين ، وغازوهم ، وناكحوهم ، فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على أوليائه .
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله { إني جاعلك للناس إماما } يؤتم به ويقتدى قال إبراهيم { ومن ذريتي } فاجعل من يؤتم به ويقتدى به .
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال الله لإِبراهيم { إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي } فأبى أن يفعل ، ثم { قال لا ينال عهدي الظالمين } .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { لا ينال عهدي الظالمين } قال : لا اجعل اماماً ظالماً يقتدى به .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : يخبره أنه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده ، ولا ينبغي له أن يوليه شيئاً من أمره .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لا ينال عهدي الظالمين } قال : ليس لظالم عليك عهد في معصية الله أن تطيعه .
وأخرج وكيع وابن مردويه عن علي بن أبي طالب « عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { لا ينال عهدي الظالمين } قال : لا طاعة إلا في المعروف » .
وأخرج عبد بن حميد عن عمران بن حصين « سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : » لا طاعة لمخلوق في معصية الله « » .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال : لا طاعة مفترضة إلا لنبي .(1/228)
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله { وإذ جعلنا البيت } قال : الكعبة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مثابة للناس } قال : يثوبون إليه ثم يرجعون .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { مثابة للناس } قال لا يقضون منه وطراً يأتونه ، ثم يرجعون إلى أهليهم ، ثم يعودون إليه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء في قوله { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس } قال : يأتون إليه من كل مكان .
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في قوله { مثابة للناس } قال : يأتون إليه لا يقضون منه وطراً أبداً ، يحجون ثم يعودون { وأمنا } قال : تحريمه لا يخاف من دخله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وأمنا } قال : أمناً للناس .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { وأمناً } قال : أمناً من العدوان يحمل فيه السلاح ، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم وهم آمنون .
أما قوله تعالى : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } .
أخرج عبد بن حميد عن أبي إسحق أن أصحاب عبد الله كانوا يقرأون { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : أمرهم أن يتخذوا .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الملك بن أبي سليمان قال : سمعت سعيد بن جبير قرأها { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } بخفض الخاء .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والعدني والدارمي والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والطحاوي وابن حبان والدارقطني في الإِفراد والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب : وافقت ربي في ثلاث . قلت : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وقلت : يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهم البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب . واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن } [ التحريم : 5 ] فنزلت كذلك .
وأخرج مسلم وابن أبي داود وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن جابر « أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعاً ، حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين ، ثم قرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } » .
وأخرج ابن ماجة وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر قال « لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم قال له عمر : يا رسول الله هذا مقام إبراهيم الذي قال الله { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } ؟ قال : نعم » .(1/229)
وأخرج الطبراني والخطيب في تاريخه عن ابن عمر « أن عمر قال : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } » .
وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن أنس « أن عمر قال : يا رسول الله لوصلينا خلف المقام؟ فنزلت { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } » .
وأخرج ابن أبي داود عن مجاهد قال : كان المقام إلى لزق البيت فقال عمر بن الخطاب « يا رسول الله لو نحيته إلى البيت ليصلي إليه الناس ، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } » .
وأخرج ابن أبي داود وابن مردويه عن مجاهد قال : قال عمر « يا رسول الله لو صلينا خلف المقام ، فأنزل الله { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فكان المقام عند البيت فحوّله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا . قال مجاهد : وقد كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن » .
وأخرج ابن مردويه من طريق عمر بن ميمون عن عمر « أنه مر بمقام إبراهيم فقال : يا رسول الله أليس نقوم مقام إبراهيم خليل ربنا؟ قال : بلى . قال : أفلا نتخذه مصلى؟ فلم يلبث إلا يسيراً حتى نزلت { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } » .
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والدارقطني في الإِفراد عن أبي ميسرة قال : قال عمر « يا رسول الله هذا مقام خليل ربنا أفلا نتخذه مصلى؟ فنزلت { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أما مقام إبراهيم الذي ذكر ههنا فمقام إبراهيم هذا الذي في المسجد ، ومقام إبراهيم بعد كثير مقام إبراهيم الحج كله .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : مقام إبراهيم الحرم كله .
وأخرج ابن سعد وابن المنذر عن عائشة قالت : ألقي المقام من السماء .
وأخرج ابن أبي حاتم والأزرقي عن ابن عمر قال : إن المقام ياقوتة من ياقوت الجنة محي نوره ، ولولا ذلك لأضاء ما بين السماء والأرض ، والركن مثل ذلك .
وأخرج الترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي في الدلائل عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما ، ولولا ذلك لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب « .
وأخرج الحاكم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة « .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : الحجر مقام إبراهيم لينه الله فجعله رحمة وكان يقوم عليه ويناوله إسمعيل الحجارة .(1/230)
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الركن والمقام من ياقوت الجنة ، ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب ، وما مسهما من ذي عاهة ولا سقيم إلا شفي » .
وأخرج البيهقي عن ابن عمر رفعه ، ولولا ما مسه من انجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا شفي ، وما على وجه الأرض شيء من الجنة غيره .
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن سعيد بن المسيب قال : الركن والمقام حجران من حجارة الجنة .
وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن مجاهد قال : يأتي الحجر والمقام يوم القيامة كل واحد منهما مثل أحد ، لهما عينان وشفتان يناديان بأعلى أصواتهما ، يشهدان لمن وافاهما بالوفاء .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير ، أنه رأى قوماً يمسحون المقام فقال : لم تؤمروا بهذا ، إنما أمرتم بالصلاة عنده .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والأزرقي عن قتادة { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه ، ولقد تكلفت هذه الأمة شيئاً ما تكلفته الأمم قبلها ، وقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه ، فما زالت هذه الأمة تمسحه حتى اخلولق وانماح .
وأخرج الأزرقي عن نوفل بن معاوية الديلمي قال « رأيت في المنام في عهد عبد المطلب مثل المهاة » قال أبو محمد الخزاعي : المهاة خرزة بيضاء .
وأخرج الأزرقي عن أبي سعيد الخدري قال : سألت عبد الله بن سلام عن الأثر الذي في المقام فقال : كانت الحجارة على ما هي عليه اليوم إلا أن الله أراد أن يجعل المقام آية من آياته ، فلما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج قام على المقام ، أو ارتفع المقام حتى صار أطول الجبال وأشرف على ما تحته ، فقال : يا أيها الناس اجيبوا ربكم فأجابه الناس فقالوا : لبيك اللهم لبيك ، فكان أثره فيه لما أراد الله ، فكان ينظر عن يمينه وعن شماله اجيبوا ربكم فلما فرغ أمر بالمقام فوضعه قبله ، فكان يصلي إليه مستقبل الباب فهو قبلته إلى ما شاء الله ، ثم كان إسماعيل بعد يصلي إليه إلى باب الكعبة ، ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أن يصلي إلى بيت المقدس ، فصلى إليه قبل أن يهاجر وبعدما هاجر ، ثم أحب الله أن يصرفه إلى قبلته التي رضي لنفسه ولأنبيائه فصلى إلى الميزاب وهو بالمدينة ، ثم قدم مكة فكان يصلي إلى المقام ما كان بمكة « .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن مجاهد في قوله { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : مدعى .(1/231)
وأخرج الأزرقي عن كثير بن أبي كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن أبيه عن جده قال : كانت السيول تدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة الكبير قبل أن يردم عمر الردم الأعلى ، فكانت السيول ربما رفعت المقام عن موضعه وربما نحته إلى وجه الكعبة حتى جاء سيل أم نهشل في خلافة عمر بن الخطاب ، فاحتمل المقام من موضعه هذا فذهب به حتى وجد بأسفل مكة ، فأتي به فربط إلى أستار الكعبة ، وكتب في ذلك إلى عمر ، فأقبل فزعاً في شهر رمضان وقد عفى موضعه وعفاه السيل ، فدعا عمر بالناس فقال : أنشد الله عبداً علم في هذا المقام . فقال المطلب بن أبي وداعة : أنا يا أمير المؤمنين عندي ذلك ، قد كنت أخشى عليه هذا فأخذت قدره من موضعه إلى الركن ، ومن موضعه إلى باب الحجر ، ومن موضعه إلى زمزم بمقاط وهو عندي في البيت . فقال له عمر : فاجلس عندي وارسل إليه . فجلس عنده وأرسل فأتي بها ، فمدها فوجدها مستوية إلى موضعه هذا ، فسأل الناس وشاورهم فقالوا : نعم ، هذا موضعه . فلما استثبت ذلك عمر وحق عنده أمر به ، فاعلم ببناء ربضه تحت المقام ثم حوّله ، فهو في مكانه هذا إلى اليوم .
وأخرج الأزرقي من طريق سفيان بن عيينة عن حبيب بن الأشرس قال : كان سيل أم نهشل قبل أن يعمل عمر الردم بأعلى مكة ، فاحتمل المقام من مكانه فلم يدر أين موضعه ، فلما قدم عمر بن الخطاب سأل من يعلم موضعه؟ فقال عبد المطلب بن أبي وداعة : أنا يا أمير المؤمنين قد كنت قدرته وذرعته بمقاط وتخوّفت عليه هذا من الحجر إليه ، ومن الركن إليه ، ومن وجه الكعبة . فقال : ائت به . فجاء به فوضعه في موضعه هذا وعمل عمر الردم ، عند ذلك قال سفيان : فذلك الذي حدثنا هشام بن عروة عن أبيه ، أن المقام كان عند سقع البيت ، فاما موضعه الذي هو موضعه فموضعه الآن ، وأما ما يقول الناس : إنه كان هنالك موضعه فلا .
وأخرج الأزرقي عن ابن أبي مليكة قال : موضع المقام هذا هو الذي به اليوم ، هو موضعه في الجاهلية ، وفي عهد النبي ، وأبي بكر وعمر ، إلا أن السيل ذهب به في خلافة عمر ، فجعل في وجه الكعبة حتى قدم عمر فرده بمحضر الناس .
وأخرج البيهقي في سننه عن عائشة . أن المقام كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان أبي بكر ملتصقاً بالبيت ، ثم أخره عمر بن الخطاب .
وأخرج ابن سعد عن مجاهد . قال عمر بن الخطاب : من له علم بموضع المقام حيث كان؟ فقال أبو وداعة بن صبيرة السهمي : عندي يا أمير المؤمنين قدرته إلى الباب ، وقدرته إلى ركن الحجر ، وقدرته إلى الركن الأسود ، وقدرته إلى زمزم .(1/232)
فقال عمر : هاته . فأخذه عمر فرده إلى موضعه اليوم للمقدار الذي جاء به أبو وداعة .
وأخرج الحميدي وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من طاف بالبيت سبعاً ، وصلى خلف المقام ركعتين ، وشرب من ماء زمزم ، غفرت له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت » .
وأخرج الأزرقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « المرء يريد الطواف بالبيت أقبل يخوض الرحمة فإذا دخله غمرته ، ثم لا يرفع قدماً ولا يضع قدماً إلا كتب الله له بكل قدم خمسمائة حسنة ، وحط عنه خمسمائة سيئة ، ورفعت له خمسمائة درجة ، فإذا فرغ من طوافه فأتى مقام إبراهيم ، فصلى ركعتين ، دبر المقام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وكتب له أجر عتق عشر رقاب من ولد إسماعيل ، واستقبله ملك على الركن فقال له : استأنف العمل فيما بقي فقد كفيت ما مضى وشفع في سبعين من أهل بيته » .
وأخرج أبو داود عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام ، يعني يوم الفتح » .
وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن عبد الله بن أبي أوفى « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين » .
وأخرج الأزرقي عن طلق بن حبيب قال : كنا جلوساً مع عبد الله بن عمرو بن العاص في الحجر ، إذ قلص الظل وقامت المجالس ، إذا نحن ببريق ايم طلع من هذا الباب - يعني من باب بني شيبة ، والأيم الحية الذكر - فاشرأبت له أعين الناس ، فطاف بالبيت سبعاً وصلى ركعتين وراء المقام ، فقمنا إليه فقلنا : أيها المعتمر قد قضى الله نسكك ، وأن بأرضنا عبيداً وسفهاء وإنما نخشى عليك منهم ، فكوّم برأسه كومة بطحاء فوضع ذنبه عليها فسما بالسماء حتى ما نراه .
وأخرج الأزرقي عن أبي الطفيل قال : كانت امرأة من الجن في الجاهلية تسكن ذا طوى ، وكان لها ابن ولم يكن لها ولد غيره ، فكانت تحبه حباً شديداً ، وكان شريفاً في قومه فتزوّج وأتى زوجته ، فلما كان يوم سابعه قال لأمه : يا أماه إني أحب أن أطوف بالكعبة سبعاً نهاراً . قالت له أمه : أي بني إني أخاف عليك سفهاء قريش فقال : أرجو السلامة . فأذنت له فولى في صورة جان ، فمضى نحو الطواف ، فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين ثم أقبل منقلباً ، فعرض له شاب من بني سهم فقتله ، فثارت بمكة غبرة حتى لم يبصر لها الجبال .(1/233)
قال أبو الطفيل : بلغنا أنه إنما تثور تلك الغبرة عند موت عظيم من الجن . قال : فأصبح من بني سهم على فرشهم موتى كثير من قتل الجن ، فكان فيهم سبعون شيخاً أصلع سوى الشاب .
وأخرج الأزرقي عن الحسن البصري قال : ما أعلم بلداً يصلي فيه حيث أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم إلا بمكة . قال الله { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } قال : ويقال : يستجاب الدعاء بمكة في خمسة عشر . عند الملتزم ، وتحت الميزاب ، وعند الركن اليماني ، وعلى الصفا ، وعلى المروة ، وبين الصفا والمروة ، وبين الركن والمقام ، وفي جوف الكعبة ، وبمنى ، وبجمع ، وبعرفات ، وعند الجمرات الثلاث .
وأما قوله تعالى { وعهدنا إلى إبراهيم } الآية .
أخرج ابن جرير عن عطاء وعهدنا إلى إبراهيم قال : أمرناه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أن طهرا بيتي } قال : من الأوثان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله { أن طهرا بيتي } قالا : من الأوثان والريب وقول الزور والرجس .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { أن طهرا بيتي } قال : من عبادة الأوثان والشرك وقول الزور . وفي قوله { والركع السجود } قال : هم أهل الصلاة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إذا كان قائماً فهو من الطائفين ، وإذا كان جالساً فهو من العاكفين ، وإذا كان مصلياً فهو من الركع السجود .
وأخرج عبد بن حميد عن سويد بن غفلة قال : من قعد في المسجد وهو طاهر فهو عاكف حتى يخرج منه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ثابت قال : قلت لعبد الله بن عبيد بن عمير : ما أراني إلا مكلم الأمير أن أمنع الذين ينامون في المسجد الحرام فإنهم يجنبون ويحدثون . قال : لا تفعل فإن ابن عمر سئل عنهم فقال : هم العاكفون .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن أبي موسى قال : سئل ابن عباس عن الطواف أفضل أم الصلاة؟ فقال : أما أهل مكة فالصلاة ، وأما أهل الأمصار فالطواف .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : الطواف للغرباء أحب إلي من الصلاة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : الصلاة لأهل مكة أفضل والطواف لأهل العراق .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حجاج قال : سألت عطاء فقال : أما أنتم فالطواف ، وأما أهل مكة فالصلاة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : الطواف أفضل من عمرة بعد الحجر . وفي لفظ : طوافك بالبيت أحب إلي من الخروج إلى العمرة .(1/234)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)
أخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن جرير عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها ، فلا يصاد صيدها ولا يقطع عضاهها » .
وأخرج مسلم وابن جرير عن رافع بن خديج قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن إبراهيم حرم مكة ، وإني أحرم ما بين لابتيها » .
وأخرج أحمد عن أبي قتادة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم صلى بأرض سعد بأرض الحرة عند بيوت السقيا ، ثم قال : اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك دعاك لأهل مكة ، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مثل ما دعاك إبراهيم بمكة ، أدعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم ، اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة واجعل ما بها من وراء خم ، اللهم إني حرمت ما بين لابتيها كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم » .
وأخرج البخاري ومسلم عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على المدينة فقال : اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما أحرم به إبراهيم مكة ، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم » .
وأخرج مسلم عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك ، وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ، ومثله معه » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة بالبركة ، وأنا محمد عبدك ورسولك ، وإني أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم مثل ما باركت لأهل مكة ، واجعل مع البركة بركتين » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن عبدالله بن زيد بن عاصم المازني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها ، وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم لمكة » .
وأخرج البخاري والجندي في فضائل مكة عن عائشة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إن إبراهيم عبدك ونبيك دعاك لأهل مكة ، وأنا أدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لأهل مكة » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة » .
وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن محمد بن الأسود . أن إبراهيم عليه السلام هو أوّل من نصب أنصاب الحرم ، أشار له جبريل إلى مواضعها .(1/235)
وأخرج الجندي عن ابن عباس قال : إن في السماء لحرماً على قدر حرم مكة .
وأخرج الأزرقي والطبراني والبيهقي في شعب الإِيمان عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ستة لعنتهم وكل نبي مجاب . الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله ، والتارك لسنتي ، والمستحل من عترتي ما حرم الله عليه ، والمستحل لحرم الله » .
وأخرج البخاري تعليقاً وابن ماجة عن صفية بنت شيبة قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب عام الفتح فقال : « يا أيها الناس إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السموات والأرض وهي حرام إلى يوم القيامة ، لا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا يأخذ لقطتها إلا منشد ، فقال العباس : إلا الإِذخر فإنه للبيوت والقبور . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإِذخر » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والأزرقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة « إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض والشمس والقمر ، ووضع هذين الاخشبين فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولا يحل لأحد بعدي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا يلتقط لقطتها إلا من عرفها . قال العباس : إلا إلإِذخر فإنه لقينهم وبيوتهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإِذخر » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة قال « لما فتح الله على رسوله مكة قام فيهم ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنما أحلت لي ساعة من النهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة ، لا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقمتها إلا لمنشد ، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ، أما أن يفدى وإما أن يقتل . فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال له : يا رسول الله اكتب لي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتبوا لأبي شاه . فقال العباس : يا رسول الله إلا الإِذخر فإنه لقبورنا وبيوتنا . فقال : إلا الإِذخر » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مكة حرم حرمها الله ، لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها » .
وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة عن الزهري في قوله { رب اجعل هذا بلداً آمناً } قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/236)
« إن الناس لم يحرموا مكة ولكن الله حرمها فهي حرام إلى يوم القيامة ، وإن من أعتى الناس على الله رجل قتل في الحرم ، ورجل قتل غير قاتله ، ورجل أخذ بذحول الجاهلية » .
وأخرج الأزرقي عن قتادة قال : ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش .
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : إن هذا الحرم حرم مناه من السموات السبع والأرضين السبع ، وإن هذا البيت رابع أربعة عشر بيتاً في كل سماء بيت وفي كل أرض بيت ، ولو وقعن وقعن بعضهن على بعض .
وأخرج الأزرقي عن الحسن قال : البيت بحذاء البيت المعمور ، وما بينهما بحذائه إلى السماء السابعة ، وما أسفل منه بحذائه إلى الأرض السابعة حرام كله .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « البيت المعمور الذي في السماء يقال له الضراح ، وهو على بناء الكعبة يعمره كل يوم سبعون ألف ملك لم تزره قط ، وإن للسّماء السابعة لحرما على منى حرم مكة » .
وأخرج ابن سعد والأزرقي عن ابن عباس قال : أوّل من نصب أنصاب الحرم إبراهيم عليه السلام يريه ذلك جبريل عليه السلام ، فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم بن أسد الخزاعي فجدد ما رث منها .
وأخرج الأزرقي عن حسين بن القاسم قال : سمعت بعض أهل العلم يقول : إنه لما خاف آدم على نفسه من الشيطان استعاذ بالله ، فأرسل الله ملائكته حفوا بمكة من كل جانب ووقفوا حواليها قال : فحرم الله الحرم من حيث كانت الملائكة وقفت . قال : ولما قال إبراهيم عليه السلام : ربنا أرنا مناسكنا نزل إليه جبريل ، فذهب به فأراه المناسك ووقفه على حدود الحرم ، فكان إبراهيم يرضم الحجارة وينصب الأعلام ويحثي عليها التراب ، فكان جبريل يقفه على الحدود . قال : وسمعت أن غنم اسمعيل كانت ترعى في الحرم ولا تجاوزه ولا تخرج ، فإذا بلغت منتهاه من ناحية رجعت صابة في الحرم .
وأخرج الأزرقي عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال « إن إبراهيم عليه السلام نصب أنصاب الحرم يريه جبريل عليه السلام ، ثم لم تحرك حتى كان قُصَيْ فجددها ، ثم لم تحرك حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث عام الفتح تميم بن أسد الخزاعي فجددها » .
وأخرج البزار والطبراني عن محمد بن الأسود بن خلف عن أبيه « أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجدد أنصاب الحرم . . . » .
وأخرج الأزرقي عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قال : أيها الناس ان هذا البيت لاق ربه فسائله عنكم ، ألا فانظروا فيما هو سائلكم عنه من أمره ، ألا واذكروا الله إذ كان أحدكم ساكنه ، لا تسفكون فيه دماء ولا تمشون فيه بالنميمة « .(1/237)
وأخرج البزار عن عبدالله بن عمرو « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنفر من قريش وهم جلوس بفناء الكعبة فقال : انظروا ما تعملون فيها فإنها مسؤولة عنكم فتخبر عن أعمالكم ، واذكروا إذ ساكنها من لا يأكل الربا ولا يمشي بالنميمة » .
وأخرج الأزرقي عن أبي نجيح قال : لم يكن كبار الحيتان تأكل صغارها في الحرم زمن الغرق .
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي عن جويرية بن أسماء عن عمه قال : حججت مع قوم ، فنزلنا منزلاً ومعنا امرأة ، فانتبهت وحية عليها لا تضرها شيئاً حتى دخلنا انصاب الحرم فانسابت ، فدخلنا مكة فقضينا نسكنا وانصرفنا ، حتى إذا كنا بالمكان الذي تطوقت عليها فيه الحية وهو المنزل الذي نزلنا ، فنامت فاستيقظت والحية منطوية عليها ، ثم صفرت الحية فإذا بالوادي يسيل علينا حيات ، فنهشنها حتى بقيت عظاماً ، فقلت لجارية كانت لها : ويحك اخبرينا عن هذه المرأة؟! قال : بغت ثلاث مرات كل مرة تلد ولداً ، فإذا وضعته سجرت التنور ثم ألقته فيه .
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : من أخرج مسلماً من ظله في حرم الله من غير ضرورة أخرجه الله من ظل عرشه يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن عبد الله بن الزبير قال : إن كانت الأمة من بني إسرائيل لتقدم مكة ، فإذا بلغت ذا طوى خلعت نعالها تعظيماً للحرم .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال : كان يحج من بني إسرائيل مائة ألف ، فإذا بلغوا أنصاب الحرم خلعوا نعالهم ثم دخلوا الحرم حفاة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : كانت الأنبياء إذا أتت علم الحرم نزعوا نعالهم .
وأخرج الأزرقي وابن عساكر عن ابن عباس قال : حج الحواريون فلما دخلوا الحرم مشوا تعظيماً للحرم .
وأخرج الأزرقي عن عبد الرحمن بن سابط قال « لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ينطلق إلى المدينة استلم الحجر وقام وسط المسجد والتفت إلى البيت فقال : إني لأعلم ما وضع الله في الأرض بيتاً أحب إليه منك ، وما في الأرض بلد أحب إليه منك ، وما خرجت عنك رغبة ولكن الذين كفروا هم أخرجوني » .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة « أما والله اني لأخرج وإني لأعلم أنك أحب البلاد إلى الله وأكرمها على الله ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت » .
وأخرج الترمذي والحاكم وصححاه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة « ما أطيبك من بلدة وأحبك إليّ ، ولولا أن قومك أخرجوني ما سكنت غيرك » .(1/238)
وأخرج ابن سعد وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والأزرقي والجندي عن عبدالله بن عدي بن الحمراء قال « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته واقف بالحزورة يقول لمكة : والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أخرجت منك ما خرجت » .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : كان بمكة حي يقال لهم العماليق ، فكانوا في عز وثروة وكثرة ، فكانت لهم أموال كثيرة من خيل وإبل وماشية ، فكانت ترعى مكة وما حواليها من مر ونعمان وما حول ذلك ، فكانت الحرف عليهم مظلة ، والأربعة مغدقة ، والأودية بحال ، والعضاه ملتفة ، والأرض مبقلة ، فكانوا في عيش رخى ، فلم يزل بهم البغي والإِسراف على أنفسهم بالظلم والجهار بالمعاصي والاضطهاد لمن قاربهم حتى سلبهم الله ذلك ، فنقصهم بحبس المطر وتسليط الجدب عليهم ، وكانوا يكرون بمكة الظل ويبيعون الماء ، فأخرجهم الله من مكة بالذي سلطه عليهم حتى خرجوا من الحرم فكانوا حوله ، ثم ساقهم الله بالجدب يضع الغيث أمامهم ويسوقهم بالجدب حتى ألحقهم بمساقط رؤوس آبائهم ، وكانوا قوماً غرباء من حمير ، فلما دخلوا بلاد اليمن تفرقوا وهلكوا ، فأبدل الله الحرم بعدهم جرهم ، فكانوا سكانه حتى بغوا فيه واستخفوا بحقه ، فأهلكهم الله جميعاً .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سابط قال : كان إذا كان الموسم بالجاهلية خرجوا ، فلم يبق أحد بمكة ، وإنه تخلف رجل سارق فعمد إلى قطعة من ذهب ثم دخل ليأخذ أيضاً ، فلما أدخل رأسه سرة البيت فوجدوا رأسه في البيت واسته خارجه ، فألقوه للكلاب واصلحوا البيت .
وأخرج الأزرقي والطبراني عن حويطب بن عبد العزى قال : كنا جلوساً بفناء الكعبة في الجاهلية ، فجاءت امرأة إلى البيت تعوذ به من زوجها ، فجاء زوجها فمد يده إليها فيبست يده ، فلقد رأيته في الإِسلام وإنه لأشل .
وأخرج الأزرقي عن ابن جريرج قال : الحطيم ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر ، وكان أساف ونائلة رجلاً وامرأة دخلا الكعبة فقبلها فيها فمسخا حجرين ، فأخرجا من الكعبة فنصب أحدهما في مكان زمزم ونصب الآخر في وجه الكعبة ليعتبر بهما الناس ويزدجروا عن مثل ما ارتكبا ، فسمي هذا الموضع الحطيم لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالإِيمان ويستجاب فيه الدعاء على الظالم المظلوم ، فقلّ من دعا هنالك على ظالم إلا هلك وقلّ من حلف هنالك آثماً إلا عجلت عليه العقوبة ، وكان ذلك يحجز بين الناس عن الظلم ويتهيب الناس الإِيمان هنالك ، فلم يزل ذلك كذلك حتى جاء الله بالإِسلام ، فأخر الله ذلك لما أراد إلى يوم القيامة .
وأخرج الأزرقي عن أيوب بن موسى . أن امرأة كانت في الجاهلية معها ابن عم لها صغير تكسب عليه ، فقالت له : يا بني إني أغيب عنك ، وإني أخاف عليك أن يظلمك ظالم ، فإن جاءك ظالم بعدي فإن لله بمكة بيتاً لا يشبهه شيء من البيوت ولا يقاربه مفاسد وعليه ثياب ، فإن ظلمك ظالم يوماً فعذبه فإن له رباً يسمعك .(1/239)
قال : فجاءه رجل فذهب به فاسترقه ، فلما رأى الغلام البيت عرف الصفة فنزل يشتد حتى تعلق بالبيت ، وجاءه سيده فمد يده إليه ليأخذه فيبست يده ، فمد الأخرى فيبست ، فاستفتى في الجاهلية فافتي ينحر عن كل واحدة من يديه بدنة ، ففعل فانطلقت له يداه وترك الغلام وخلى سبيله .
وأخرج الأزرقي عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث قال : غدا رجل من بني كنانة من هذيل في الجاهلية علي ابن عم له يظلمه واضطهده ، فناشده بالله والرحم فأبى إلا ظلمه ، فلحق بالحرم فقال : اللهم إني أدعوك دعاء جاهد مضطر على فلان ابن عمي لترمينه بداء لا دواء له . قال : ثم انصرف فوجد ابن عمه قد رمي في بطنه فصار مثل الزق ، فما زالت تنتفخ حتى اشتق ، قال عبد المطلب : فحدثت هذا الحديث ابن عباس فقال : أنا رأيت رجلاً دعا على ابن عم له بالعمى فرأيته يقاد أعمى .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإِيمان عن عمر بن الخطاب أنه قال : يا أهل مكة اتقوا الله في حرمكم هذا ، أتدرون من كان ساكن حرمكم هذا من قبلكم؟ كان فيه بنو فلان فاحلوا حرمته فهلكوا ، وبنو فلان فاحلوا حرمته فهلكوا ، حتى عد ما شاء الله ثم قال : والله لأن أعمل عشر خطايا بغيره أحب إلي من أن أعمل واحدة بمكة .
وأخرج الجندي عن طاوس قال : إن أهل الجاهلية لم يكونوا يصيبون في الحرم شيئاً إلا عجل لهم ، ويوشك أن يرجع الأمر إلى ذلك .
وأخرج الأزرقي والجندي وابن خزيمة عن عمر بن الخطاب ، أنه قال لقريش : إنه كان ولاة هذا البيت قبلكم طسم ، فاستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم الله ، ثم ولى بعدهم جرهم فاستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم الله ، فلا تهاونوا به وعظموا حرمته .
وأخرج الأزرقي والجندي عن عمر بن الخطاب قال : لأن اخطىء سبعين خطيئة مزكية أحب إلي من أن أخطىء خطيئة واحدة بمكة .
وأخرج الجندي عن مجاهد قال : تضعف بمكة السيئات كما تضعف الحسنات .
وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال : بلغني أن الخطيئة بمكة مائة خطيئة ، والحسنة على نحو ذلك .
وأخرج أبو بكر الواسطي في فضائل بيت المقدس عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن مكة بلد عظمه الله وعظم حرمته ، خلق مكة وحفها بالملائكة قبل أن يخلق شيئاً من الأرض يومئذ كلها بألف عام ووصل المدينة ببيت المقدس ، ثم خلق الأرض كلها بعد ألف عام خلقاً واحداً » .
أما قوله تعالى : { وارزق أهله من الثمرات } .(1/240)
أخرج الأزرقي عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم « لما وضع الله الحرم نقل له الطائف من فلسطين » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي قال : بلغني أنه لما دعا إبراهيم للحرم { وارزق أهله من الثمرات } نقل الله الطائف من فلسطين .
وأخرج ابن أبي حاتم والأزرقي عن الزهري قال : إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم عليه السلام .
وأخرج الأزرقي عن سعيد بن المسيب بن يسار قال : سمعت بعض ولد نافع بن جبير بن مطعم وغيره؛ يذكرون أنهم سمعوا : أنه لما دعا إبراهيم بمكة أن يرزق أهله من الثمرات نقل الله أرض الطائف من الشام فوضعها هنالك رزقاً للحرم .
وأخرج الأزرقي عن محمد بن كعب القرظي قال : دعا إبراهيم للمؤمنين وترك الكفار لم يدع لهم بشيء فقال { ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير } .
وأخرج سفيان بن عيينة عن مجاهد في قوله { وارزق أهله من الثمرات من آمن } قال : استرزق إبراهيم لمن آمن بالله واليوم الآخر قال الله : ومن كفر فأنا أرزقه .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { من آمن منهم بالله } قال : كان إبراهيم احتجرها على المؤمنين دون الناس ، فأنزل الله { ومن كفر } أيضاً فأنا أرزقهم كما أرزق المؤمنين ، أخلق خلقاً لأرزقهم { أمتعهم قليلاً ثم اضطرهم إلى عذاب النار } ثم قرأ ابن عباس { كلاًّ نمد هؤلاء } [ الإِسراء : 20 ] الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال أبي بن كعب في قوله { ومن كفر } : إن هذا من قول الرب قال { ومن كفر فأمتعه قليلاً } وقال ابن عباس : هذا من قول إبراهيم يسأل ربه أن من كفر فامتعه قليلاً . قلت : كان ابن عباس يقرأ { فامتعه } بلفظ الأمر ، فلذلك قال هو من قول إبراهيم .(1/241)
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : القواعد أساس البيت .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن أبي حاتم والجندي وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن جبير أنه قال : سلوني يا معشر الشباب فإني قد أوشكت أن أذهب من بين أظهركم ، فأكثر الناس مسألته فقال له رجل : أصلحك الله أرأيت المقام أهو كما نتحدث؟ قال : وماذا كنت تتحدث؟ قال : كنا نقول أن إبراهيم حين جاء عرضت عليه امرأة اسماعيل النزول فأبى أن ينزل ، فجاءت بهذا الحجر فقال : ليس كذلك فقال سعيد بن جبير : قال ابن عباس : إن أوّل من اتخذ المناطق من النساء أم اسماعيل ، اتخذت منطقاً لتعفي أثرها على سارة ، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها اسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء ، ثم قفى إبراهيم منطلقاً فتبعته أم اسماعيل فقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنس ولا شيء؟ قالت له ذلك مراراً وجعل لا يلتفت إليهما . قالت له : آلله أمرك بهذا؟ قال : نعم . قالت : إذاً لا يضيعنا ، ثم رجعت . فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه ، استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه قال { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } [ إبراهيم : 37 ] وجعلت أم اسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء ، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال : يتلبط . فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها ، فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً ، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإِنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحداً ، ففعلت ذلك سبع مرات . قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم « فلذلك سعى الناس بينهما » .
فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت : صه ، تريد نفسها ، ثم تسمعت فسمعت صوتاً أيضاً فقالت : قد اسمعت ان كان عندك غواث ، فإذا هي بالملك موضع زمزم ، فَنَحَت بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء ، فجعلت تخوضه بيدها وتغرف من الماء في سقائها وهي تفور بعدما تغرف . قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم(1/242)
« يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم - أو قال - لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عيناً معيناً فشربت وأرضعت ولدها » .
فقال لها الملك : لا تخافي الضيعة فإن ههنا بيتاً لله عز وجل يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وأن الله لا يضيع أهله ، وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله ، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كذا ، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائراً عائفاً فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء . . . ! فأرسلوا جرياً أو جريين فإذا هم بالماء ، فرجعوا فأخبروهم بالماء ، فأقبلوا قال : وأم اسماعيل عند الماء . فقالوا به : أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت : نعم ، ولكن لا حق لكم في الماء ، قالوا : نعم . قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم « فألفى ذلك أم اسماعيل وهي تحب الأنس » .
فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم ، وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب ، فلمّا أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم اسماعيل ، فجاء إبراهيم بعدما تزوج اسماعيل يطالع تركته فلم يجد اسماعيل ، فسأل زوجته عنه . . . ! فقالت : خرج يبتغي لنا . ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت : نحن بشر نحن في ضيق وشدة وشكت إليه قال : إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه .
فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً فقال : هل جاءكم من أحد؟ قالت : نعم . جاءنا شيخ كذا وكذا ، فسألني عنك فأخبرته ، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا في جهد وشدة . قال : فهل أوصاك بشيء؟ قالت : نعم ، أمرني أن أقرىء عليك السلام ، ويقول : غير عتبة بابك . قال : ذاك أبي وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك ، فطلقها وتزوّج منهم أخرى ، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ، ثم أتاهم بعد ذلك فلم يجده؟ فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت : خرج يبتغي لنا . قال : كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت : نحن بخير وسعة وأثنت على الله . فقال : ما طعامكم؟ قالت : اللحم . قال : فما شرابكم؟ قالت : الماء . فقال : اللهم بارك لهم في اللحم والماء . قال النبي صلى الله عليه وسلم « ولم يكن لهم يومئذ حب ، ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه . قال : فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه » قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه .
فلما جاء اسماعيل قال : هل أتاكم من أحد؟ قالت : نعم ، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه ، فسألني عنك فأخبرته ، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير . قال : أما أوصاك بشيء؟ قالت : نعم ، وهو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك ، قال : ذاك أبي وأنت العتبة فأمرني أن أمسكك .(1/243)
ثم لبث عنهم ما شاء الله ، ثم جاء بعد ذلك واسماعيل يبري نبلاً تحت دوحة قريباً من زمزم ، فما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد ، ثم قال : يا اسماعيل إن الله أمرني بأمر . قال : فاصنع ما أمرك . قال : وتعينني . . . ؟ قال : وأعينك . . . قال : فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتاً ، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال : فعند ذلك رفع القواعد من البيت ، فجعل اسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له ، فقام عليه وهو يبني واسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .
قال معمر : وسمعت رجلاً يقول : كان إبراهيم يأتيهم على البراق قال معمر : وسمعت رجلاً يذكر أنهما حين التقيا بكيا حتى أجابتهما الطير .
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم قال : أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم يأمره بالمسير إلى بلده الحرام ، فركب إبراهيم البراق وجعل اسماعيل أمامه وهو ابن سنتين وهاجر خلفه ، ومعه جبريل عليه السلام يدله على موضع البيت حتى قدم به مكة ، فأنزل اسماعيل وأمه إلى جانب البيت ، ثم انصرف إبراهيم إلى الشام ، ثم أوحى الله إلى إبراهيم أن يبني البيت ، وهو يومئذ ابن مائة سنة واسماعيل يومئذ ابن ثلاثين فبناه معه ، وتوفي اسماعيل بعد أبيه فدفن داخل الحجر مما يلي الكعبة مع أمه هاجر ، وولي ثابت بن اسماعيل البيت بعد أبيه مع أخواله جرهم .
وأخرج الديلمي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت . . . } الآية . قال « جاءت سحابة على تربيع البيت لها رأس تتكلم ، ارتفاع البيت على تربيعي فرفعاه على تربيعها » .
وأخرج ابن أبي شيبة واسحق بن راهويه في مسنده وعبد بن حميد والحرث بن أبي أسامة وابن جرير وابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل من طريق خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب . أن رجلاً قال له : ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض؟ قال : لا ، ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى ، ومقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمناً ، ثم حدث أن إبراهيم لما أمر ببناء البيت ضاق به ذرعاً فلم يدر كيف يبنيه ، فأرسل الله إليه السكينة - وهي ريح خجوج ولها رأسان - فتطوّقت له على موضع البيت ، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فبنى إبراهيم ، فلمّا بلغ موضع الحجر قال لاسماعيل : اذهب فالتمس لي حجراً أضعه ههنا . فذهب اسماعيل يطوف في الجبال ، فنزل جبريل بالحجر فوضعه ، فجاء اسماعيل فقال : من أين هذا الحجر؟! قال : جاء به من لم يتكل على بنائي ولا بنائك ، فلبث ما شاء الله أن يلبث ثم انهدم فبنته العمالقة ، ثم انهدم فبنته جرهم ، ثم انهدم فبنته قريش ، فلما أرادوا أن يضعوا الحجر تشاحنوا في وضعه فقالوا : أول من يخرج من هذا الباب فهو يضعه ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل باب بني شيبة ، فأمر بثوب فبسط ، فأخذ الحجر فوضعه في وسطه ، وأمر من كل فخذ من أفخاذ قريش رجلاً يأخذ بناحية الثوب فرفعوه ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوضعه في موضعه .(1/244)
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم من طريق سعيد بن المسيب عن علي قال : أقبل إبراهيم على أرمينية ومعه السكينة تدله على موضع البيت كما تبني العنكبوت بيتها ، فحفر من تحت السكينة فأبدى عن قواعد البيت ، ما يحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلاً . قلت : يا أبا محمد فان الله يقول { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } قال : كان ذلك بعد .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { يرفع إبراهيم القواعد } قال : القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والجندي عن عطاء قال : قال آدم : أي رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة؟ قال : لخطيئتك ، ولكن اهبط إلى الأرض فابن لي بيتاً ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء ، فزعم الناس أنه بناه من خمسة جبال . من حراء ، ولبنان ، وطورزيتا ، وطورسينا ، والجودي ، فكان هذا بناء آدم حتى بناه إبراهيم بعده .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : لما أهبط الله آدم من الجنة قال : إني مهبط معك بيتاً يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي ، فلما كان زمن الطوفان رفعه الله إليه ، فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوّأه الله بعد لإِبراهيم وأعلمه مكانه فبناه من خمسة جبال : حراء ، ولبنان ، وثيبر ، وجبل الطور ، وجبل الحمر ، وهو جبل بيت المقدس .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال : وضع البيت على أركان الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام ، ثم دحيت الأرض من تحت البيت .
وأخرج عبد الرزاق والأزرقي في تاريخ مكة والجندي عن مجاهد قال : خلق الله موضع البيت الحرام من قبل أن يخلق شيئاً من الأرض بألفي سنة ، وأركانه في الأرض السابعة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن علياء بن أحمر أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم واسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة جبال فقال : ما لكما ولأرضي؟! فقالا : نحن عبدان مأموران أمرنا ببناء هذه الكعبة .(1/245)
قال : فهاتا بالبينة على ما تدعيان . فقام خمسة أكبش فقلن : نحن نشهد أن إسمعيل وإبراهيم عبدان مأموران أمرا ببناء هذه الكعبة . فقال : قد رضيت وسلمت ثم مضى .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش ، وذكر لنا أن البيت هبط مع آدم حين هبط قال الله له : اهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ، فطاف آدم حوله ومن كان بعده من المؤمنين ، حتى إذا كان زمن الطوفان حين أغرق الله قوم نوح رفعه وطهره فلم تصبه عقوبة أهل الأرض ، فتتبع منه آدم أثراً ، فبناه على أساس قديم كان قبله .
وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال : بني البيت من أربعة جبال . من حراء ، وطورزيتا ، وطورسينا ، ولبنان .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن السدي قال : خرج آدم من الجنة ومعه حجر في يده وورق في الكف الآخر ، فبث الورق في الهند فمنه ما ترون من الطيب ، وأما الحجر فكان ياقوتة بيضاء يستضاء بها ، فلما بنى إبراهيم البيت فبلغ موضع الحجر قال لاسماعيل : ائتني بحجر أضعه ههنا ، فأتاه بحجر من الجبل ، فقال : غير هذا . فرده مراراً لا يرضى ما يأتيه به ، فذهب مرة وجاء جبريل عليه السلام بحجر من الهند الذي خرج به آدم من الجنة فوضعه ، فلما جاء إسمعيل قال : من جاءك بهذا؟! قال : من هو أنشط منك .
وأخرج الثعلبي قال : سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن حبيب يقول : سمعت أبا بكر محمد بن محمد بن أحمد القطان البلخي وكان عالماً بالقرآن يقول : كان إبراهيم عليه السلام يتكلم بالسريانية ، وإسماعيل عليه السلام يتكلم بالعربية ، وكل واحد منهما يعرف ما يقول صاحبه ولا يمكنه التفوّه به ، فكان إبراهيم يقول لإِسماعيل : هل لي كثيباً - يعني ناولني حجراً - ويقول له إسمعيل : هاك الحجر فخذه . قال : فبقي موضع حجر فذهب إسماعيل يبغيه ، فجاء جبريل عليه السلام بحجر من السماء ، فأتى إسماعيل وقد ركب إبراهيم الحجر في موضعه فقال : يا أبت من أتاك بهذا؟! قال : أتاني من لم يتكل على بنائك ، فأتما البيت . فذلك قوله عز وجل { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } .
وأخرج البيهقي عن ابن شهاب قال « لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم أجمرت امرأة الكعبة ، فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت فهدموها ، حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تلي رفعه ، فقالوا : تعالوا نحكم أول من يطلع علينا . فطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة ، فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ، ثم أخرج سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب ، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه ، ثم طفق لا يزداد على الألسن إلا رضي حتى دعوه الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي ، فطفقوا لا ينحرون جزوراً إلا التمسوه فيدعو لهم فيها » .(1/246)
وأخرج أبو الوليد الأزرقي في تاريخ مكة عن سعيد بن المسيب قال : قال كعب الأحبار : كانت الكعبة غثاء على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض بأربعين سنة ، ومنها دحيت الأرض .
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : خلق الله هذا البيت قبل أن يخلق شيئاً من الأرضين .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : لما كان العرش على الماء قبل أن يخلق الله السموات والأرض ، بعث الله تعالى ريحاً هفافة فصفقت الريح الماء ، فأبرزت عن حشفة في موضع البيت كأنها قبة ، فدحا الله تعالى الأرض من تحتها ، فمادت ثم مادت فأوتدها الله بالجبال ، فكان أول جبل وضع فيه أبو قبيس ، فلذلك سميت أم القرى .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : كان البيت على أربعة أركان في الماء قبل أن يخلق السموات والأرض ، فدحيت الأرض من تحته .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : دحيت الأرض من تحت الكعبة .
وأخرج الأرزقي عن علي بن الحسين . أن رجلاً سأله ما بدء هذا الطواف بهذا البيت؟ لم كان ، وأنى كان ، وحيث كان ، فقال : اما بدء هذا الطواف بهذا البيت فإن الله تعالى قال للملائكة { إني جاعل في الأرض خليفة } [ البقرة : 30 ] فقالت : رب أي خليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ويسفك الدماء ويتحاسدون ويتباغضون؟! أي رب اجعل ذلك الخليفه منا فنحن لا نفسد فيها ولا نسفك الدماء ولا نتباغض ولا نتحاسد ولا نتباغى ، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ونطيعك ولا نعصيك . قال الله تعالى { إني أعلم ما لا تعلمون } [ البقرة : 30 ] قال : فظنت الملائكة أن ما قالوا رد على ربهم عز وجل ، وإنه قد : غضب عليهم من قولهم فلاذوا بالعرش ورفعوا رؤوسهم وأشاروا بالأصابع يتضرعون ويبكون اشفاقاً لغضبه ، فطافوا بالعرش ثلاث ساعات ، فنظر الله إليهم فنزلت الرحمة عليهم ، فوضع الله سبحانه تحت العرش بيتاً على أربع أساطين من زبرجد وغشاهن بياقوتة حمراء وسمي البيت الضراح ، ثم قال الله للملائكة : طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش ، فطافت الملائكة بالبيت وتركوا العرش فصار أهون عليهم ، وهو البيت المعمور الذي ذكره الله يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبداً ، ثم أن الله تعالى بعث ملائكته فقال : ابنوا لي بيتاً في الأرض بمثاله وقدره ، فأمر الله سبحانه من في الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما تطوف أهل السماء بالبيت المعمور .(1/247)
وأخرج الأزرقي عن ليث بن معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « هذا البيت خامس خمسة عشر بيتاً ، سبعة منها في السماء وسبعة منها إلى تخوم الأرض السفلى ، واعلاها الذي يلي العرش البيت المعمور ، لكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت ، لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم الأرض السفلى ، ولكل بيت من أهل السماء ومن أهل الأرض من يعمر كما يعمر هذا البيت » .
وأخرج الأزرقي عن عمرو بن يسار المكي قال : بلغني أن الله إذا أراد أن يبعث ملكاً من الملائكة لبعض أموره في الأرض استأذنه ذلك الملك في الطواف ببيته ، فهبط الملك مهلاً .
وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن وهب بن منبه قال : لما تاب الله على آدم أمره أن يسير إلى مكة فطوى له المفاوز والأرض ، فصار كل مفازة يمر بها خطوة وقبض له ما كان فيها من مخاض أو بحر فجعله له خطوة ، فلم يضع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمراناً وبركة ، حتى انتهى إلى مكة فكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان به من عظم المصيبة ، حتى أن كانت الملائكة لتبكي لبكائه وتحزن لحزنه ، فعزاه الله بخيمة من خيام الجنة ، وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة .
وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة ، فيها ثلاث قناديل من ذهب ، فيها نور يلتهب من نور الجنة ، ونزل معها يومئذ الركن ، وهو يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة ، وكان كرسياً لآدم يجلس عليه ، فلما صار آدم بمكة حرسه الله وحرس له تلك الخيمة بالملائكة ، كانوا يحرسونها ويذودون عنها سكان الأرض وساكنها يومئذ الجن والشياطين ، ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة لأنه من نظر إلى شيء من الجنة وجبت له ، والأرض يومئذ طاهرة نقية طيبة لم تنجس ، ولم يسفك فيها الدم ، ولم يعمل فيها بالخطايا ، فلذلك جعلها الله مسكن الملائكة ، وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون .
وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفاً واحداً مستدبرين بالحرم كله من خلفهم والحرم كله من أمامهم ، ولا يجوزهم جني ولا شيطان من أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم ، ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة ، وحرم الله على حوّاء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة ، فلم تنظر إلى شيء من ذلك حتى قبضت ، وأن آدم إذا أراد لقاءها ليلة ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها ، فلم تزل خيمة آدم مكانها حتى قبض الله آدم ورفعها الله إليه ، وبنى بنو آدم بها من بعدها مكانها بيتاً بالطين والحجارة ، فلم يزل معموراً يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح ، فنسفه الغرق وخفي مكانه ، فلما بعث الله إبراهيم خليله طلب الأساس الأول الذي وضع بنو آدم في موضع الخيمة ، فلم يزل يحفر حتى وصل إلى القواعد التي وضع بنو آدم في موضع الخيمة ، فلما وصل إليها ظلل الله له مكان البيت بغمامة ، فكانت حفاف البيت الأول ، فلم تزل راكدة على حفافه تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع القواعد قامة ، ثم انكشفت الغمامة فذلك قوله عز وجل(1/248)
{ وإذ بوأنا لإِبراهيم مكان البيت } [ الحج : 26 ] للغمامة التي ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد ، فلم يزل يحمد الله مذ رفعه الله معموراً .
قال وهب بن منبه : وقرأت في كتاب من كتب الأول ذكر فيه أمر الكعبة ، فوجد فيه أن ليس من ملك بعثه الله إلى الأرض إلا أمره بزيارة البيت ، فينقض من عند العرش محرماً ملبياً حتى يستلم الحجر ، ثم يطوف سبعاً بالبيت ويصلي في جوفه ركعتين ، ثم يصعد .
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن وهب بن منبه قال : ما بعث الله ملكاً قط ولا سحابة ، فيمر حيث بعث حتى يطوف بالبيت ثم يمضي حيث أمر .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « بعث الله جبريل إلى آدم وحواء فقال لهما : ابنيا بيتاً . فخط لهما جبريل ، فجعل آدم يحفر وحواء تنقل حتى أجابه الماء نودي من تحته : حسبك يا آدم . فلما بنياه أوحى الله إليه : أن يطوف به ، وقيل له : أنت أول الناس وهذا أول بيت ، ثم تناسخت القرون حتى حجة نوح ، ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه » .
وأخرج ابن إسحاق والأزرقي والبيهقي في الدلائل عن عروة قال : ما من نبي إلا وقد حج البيت إلا ما كان من هود وصالح ، ولقد حجه نوح فلما كان في الأرض ما كان من الغرق أصاب البيت ما أصاب الأرض ، وكان البيت ربوة حمراء فبعث الله عز وجل هوداً ، فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه ، فلم يحجه حتى مات ، فلما بوأه الله لإِبراهيم عليه السلام حجه ، ثم لم يبق نبي بعده إلا حجه .
وأخرج أحمد في الزهد عن مجاهد قال : حج البيت سبعون نبياً ، منهم موسى بن عمران عليه عباءتان قطوانيتان ، ومنهم يونس يقول : لبيك كاشف الكرب .
وأخرج الأزرقي وأبو الشيخ في العظمة وابن عساكر عن ابن عباس قال : لما أهبط الله آدم إلى الأرض من الجنة كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض ، وهو مثل الفلك من رعدته ، فطأطأ الله منه إلى ستين ذراعاً فقال : يا رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة ولا حسهم؟ قال : خطيئتك يا آدم ولكن اذهب فابن لي بيتاً فطف به ، واذكرني حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي ، فأقبل آدم يتخطى فطويت له الأرض ، وقبض الله له المفاوز فصارت كل مفازة يمر بها خطوة ، وقبض الله ما كان فيها من مخاض أو بحر ، فجعله له خطوة ولم يقع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمراناً وبركة ، حتى انتهى إلى مكة فبنى البيت الحرام ، وأن جبريل عليه السلام ضرب بجناحه الأرض ، فأبرز عن أس ثابت على الأرض السابعة ، فقذفت فيه الملائكة الصخر ، ما يطيق الصخرة منها ثلاثون رجلاً ، وأنه بناه من خمسة أجبل : من لبنان ، وطورزيتا ، وطورسينا ، والجودي ، وحراء ، حتى استوى على وجه الأرض ، فكان أول من أسس البيت وصلى فيه وطاف به آدم عليه السلام ، حتى بعث الله الطوفان فكان غضباً ورجساً ، فحيثما انتهى الطوفان ذهب ريح آدم عليه السلام ، ولم يقرب الطوفان أرض السند والهند ، فدرس موضعه الطوفان حتى بعث الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، فرفعا قواعده وأعلامه ، ثم بنته قريش بعد ذلك وهو بحذاء البيت المعمور ، لو سقط ما سقط إلا عليه .(1/249)
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : لما أهبط الله آدم إلى الأرض أهبطه إلى موضع البيت الحرام وهو مثل الفلك من رعدته ، ثم أنزل عليه الحجر الأسود وهو يتلألأ من شدة بياضه ، فأخذه آدم فضمه إليه آنساً به ، ثم نزل عليه القضاء فقيل له : تخط يا آدم ، فتخطى فإذا هو بأرض الهند أو السند فمكث بذلك ما شاء الله ، ثم استوحش إلى الركن فقيل له : احجج . فحج فلقيته الملائكة فقالوا : برّ حجك يا آدم ، ولقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام .
وأخرج الأزرقي عن أبان . أن البيت أهبط ياقوتة واحدة ، أو ذرة واحدة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان البيت من ياقوتة حمراء ، ويقولون : من زمردة خضراء .
وأخرج الأزرقي عن عطاء بن أبي رباح قال : لما بنى ابن الزبير الكعبة أمر العمال أن يبلغوا في الأرض ، فبلغوا صخراً أمثال الإِبل الخلف قال زيد : فاحفروا فلما زادوا بلغوا هواء من نار يلقاهم فقال : مالكم؟! قالوا : لسنا نستطيع أن نزيد رأينا أمراً عظيماً ، فقال لهم : ابنوا عليه . قال عطاء : يروون أن ذلك الصخر مما بنى آدم عليه السلام .
وأخرج الأزرقي عن عبيد الله بن أبي زياد قال : لما أهبط الله آدم من الجنة قال : يا آدم ابن لي بيتاً بحذاء بيتي الذي في السماء ، تتعبد فيه أنت وولدك كما يتعبد ملائكتي حول عرشي ، فهبطت عليه الملائكة فحفر حتى بلغ الأرض السابعة ، فقذف فيه الملائكة الصخر حتى أشرف على وجه الأرض ، وهبط آدم بياقوتة حمراء مجوفة لها أربعة أركان بيض فوضعها على الأساس ، فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها الله .(1/250)
وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال : أخبرني سعيد أن آدم عليه السلام حج على رجليه سبعين حجة ماشياً ، وأن الملائكة لقيته بالمأزمين فقالوا : برَّ حجك يا آدم ، أما أنا قد حججنا قبلك بألفي عام .
وأخرج الأزرقي عن مقاتل يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم . أن آدم عليه السلام قال : أي رب أني أعرف شقوتي لا أرى شيئاً من نورك بعد ، فأنزل الله عليه البيت الحرام على عرض البيت الذي في السماء وموضعه من ياقوت الجنة ، ولكن طوله ما بين السّماء والأرض ، وأمره أن يطوف به فأذهب عنه الهم الذي كان قبل ذلك ، ثم رفع على عهد نوح عليه السلام .
وأخرج الأزرقي من طريق ابن جريج عن مجاهد قال : بلغني أنه لما خلق الله السموات والأرض كان أوّل شيء وضعه فيها البيت الحرام ، وهو يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان أحدهما شرقي والآخر غربي ، فجعله مستقبل البيت المعمور ، فلما كان زمن الغرق رفع في ديباجتين فهو فيهما إلى يوم القيامة ، واستودع الله الركن أبا قبيس قال ابن عباس : كان ذهباً فرفع في زمان الغرق . قال ابن جريج : قال جويبر : كان بمكة البيت المعمور ، فرفع زمن الغرق فهو في السماء .
وأخرج الأزرقي عن عروة بن الزبير قال : بلغني أن البيت وضع لآدم عليه السّلام يطوف به ويعبد الله عنده ، وأن نوحاً قد حجه وجاءه وعظمه قبل الغرق ، فلما أصاب الأرض من الغرق حين أهلك الله قوم نوح أصاب البيت ما أصاب الأرض ، فكان ربوة حمراء معروف مكانه ، فبعث الله هوداً إلى عاد فتشاغل بأمر قومه حتى هلك ولم يحجه ، ثم بعث الله صالحاً إلى ثمود فتشاغل حتى هلك ولم يحجه ، ثم بوّأه الله لإِبراهيم عليه السلام فحجه وعلم مناسكه ودعا إلى زيارته ، ثم لم يبعث الله نبياً بعد إبراهيم إلا حجه .
وأخرج الأزرقي عن أبي قلابة قال : قال الله لآدم : إني مهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي ، فلم يزل حتى كان زمن الطوفان ، فرفع حتى بوّئ لإِبراهيم مكانه فبناه من خمسة جبال . من حراء ، وثبير ، ولبنان ، والطور ، والجبل الأحمر .
وأخرج الجندي عن معمر قال : إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعاً حتى إذا غرق قوم نوح رفعه وبقي أساسه ، فبوّأه الله لإِبراهيم فبناه بعد ذلك . وذلك قوله تعالى { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } واستودع الركن أبا قبيس حتى إذا كان بناء إبراهيم نادى أبو قبيس إبراهيم فقال يا إبراهيم : هذا الركن فجاء فحفر عنه فجعله في البيت حين بناه إبراهيم عليه السلام .
وأخرج الأصبهاني في ترغيبه وابن عساكر عن أنس . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أوحى الله إلى آدم حج هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث . قال : وما يحدث علي يا رب؟ قال : ما لا تدري وهو الموت . قال : وما الموت؟ قال : سوف تذوق . قال : ومن أستخلف في أهلي؟ قال : أعرض ذلك على السموات والأرض والجبال ، فعرض على السموات فأبت ، وعرض على الأرض فأبت ، وعرض على الجبال فأبت ، وقبله ابنه قاتل أخيه ، فخرج آدم من أرض الهند حاجاً ، فما نزل منزلاً أكل فيه وشرب إلا صار عمراناً بعده ، وقرى حتى قدم مكة فاستقبلته الملائكة بالبطحاء ، فقالوا : السلام عليك يا آدم ، برّ حجك . أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » والبيت يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان ، من يطوف يرى من جوف البيت ، ومن في جوف البيت يرى من يطوف « فقضى آدم نسكه ، فأوحى الله إليه : يا آدم قضيت نسكك؟ قال : نعم ، يا رب قال : فسل حاجتك تعط . قال : حاجتي أن تغفر لي ذنبي وذنب ولدي . قال : أما ذنبك يا آدم فقد غفرناه حين وقعت بذنبك ، وأما ذنب ولدك فمن عرفني وآمن بي وصدق رسلي وكتابي غفرنا له ذنبه » .(1/251)
وأخرج ابن خزيمة وأبو الشيخ في العظمة والديلمي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن آدم أتى هذا البيت ألف أتية ، لم يركب قط فيهن من الهند على رجليه ، من ذلك ثلثمائة حجة وسبعمائة عمرة ، وأول حجة حجها آدم وهو واقف بعرفات أتاه جبريل فقال : يا آدم برّ نسكك ، أما إنا قد طفنا بهذا البيت قبل أن تخلق بخمسين ألف سنة » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : أول من طاف بالبيت الملائكة ، وأن ما بين الحجر إلى الركن اليماني لقبور من قبور الأنبياء ، كان النبي منهم عليهم السلام ، إذا آذاه قومه خرج من بين أظهرهم فعبد الله فيها حتى يموت .
وأخرج الأزرقي والبيهقي في شعب الإِيمان عن وهب بن منبه « أن آدم لما أهبط إلى الأرض استوحش فيها لما رأى من سعتها ، ولم ير فيها أحداً غيره فقال : يا رب أما لأرضك هذه عامر يسبحك فيها ويقدس لك غيري؟! قال الله : إني سأجعل فيها من ذريتك من يسبح بحمدي ويقدس لي ، وسأجعل فيها بيوتاً ترفع لذكري فيسبح فيها خلقي ، وسأبوّئك فيها بيتاً أختاره لنفسي ، وأخصه بكرامتي ، وأوثره على بيوت الأرض كلها باسمي ، واسميه بيتي ، أنطقه بعظمتي ، وأحوزه بحرمتي ، واجعله أحق البيوت كلها ، وأولاها بذكري ، وأضعه في البقعة المباركة التي اخترت لنفسي ، فإني اخترت مكانه يوم خلقت السموات والأرض ، وقبل ذلك قد كان بغيتي فهو صفوتي من البيوت ولست أسكنه ، وليس ينبغي أن أسكن البيوت ، ولا ينبغي لها أن تحملني ، اجعل ذلك البيت لك ومن بعدك حرماً وأمنا ، احرم بحرمته ما فوقه وما تحته وما حوله ، حرمه بحرمتي فقد عظم حرمتي ، ومن أجله فقد أباح حرمتي ، من أمن أهله استوجب بذلك أماني ، ومن أخافهم فقد أخفرني في ذمتي ، ومن عظم شأنه فقد عظم في عيني ، ومن تهاون به صغر عندي .(1/252)
ولكل ملك حيازة ، وبطن مكة حوزتي التي اخترت لنفسي دون خلقي ، فأنا الله ذو بكة ، أهلها خفرتي وجيران بيتي ، وعمارها وزوّارها وفدي وأضيافي وضماني وذمتي وجواري ، أجعله أول بيت وضع للناس ، وأعمره بأهل السماء وأهل الأرض يأتونه أفواجاً شعثاً غبراً على كل ضامر يأتين من كل فج عميق ، يعجون بالتكبير عجيجاً ، يرجون بالتلبية رجيجاً ، فمن اعتمره وحق الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وزوّاره ، وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته تعمره يا آدم ما كنت حياً ، ثم يعمره من بعدك الأمم والقرون والأنبياء من ولدك ، أمة بعد أمة ، وقرناً بعد قرن ، ونبياً بعد نبي ، حتى ينتهي ذلك إلى نبي من ولدك يقال له محمد وهو خاتم النبيين ، فاجعله من عماره وسكانه وحماته وولاته وحجابه وسقاته ، يكون أميني عليه ما كان حياً ، فإذا انقلب إليّ وجدني قد ادخرت له من أجره ونصيبه ما يتمكن به من القربة إلي والوسيلة عندي ، وأفضل المنازل في دار المقامة .
وأجعل اسم ذلك البيت وذكره وشرفه ومجده وسناه مكرمة لنبي من ولدك يكون قبيل هذا النبي وهو أبوه يقال له إبراهيم ، أرفع له قواعده ، وأقضي على يديه عمارته ، وأنيط له سقايته ، وأريه حله وحرمه ومواقفه ، وأعلمه مشاعره ومناسكه ، واجعله أمة واحدة قانتاً بأمري داعياً إلى سبيلي ، واجتبيه وأهديه إلى صراط مستقيم . أبتليه فيصبر ، وأعافيه فيشكر ، وآمره فيفعل ، وينذر لي فيفي ، ويعدني فينجز ، أستجيب دعوته في ولده وذريته من بعده ، وأشفعه فيهم وأجعلهم أهل ذلك البيت وحماته وسقاته وخدمه وخزنته وحجابه ، حتى يبتدعوا ويغيروا ويبدلوا .
فإذا فعلوا ذلك فأنا أقدر القادرين على أن أستبدل من أشاء بمن أشاء ، وأجعل إبراهيم إما ذلك وأهل تلك الشريعة ، يأتمُّ به من حضر تلك المواطن من جميع الإِنس والجن ، يطأون فيها آثاره ، ويتبعون فيها سنته ، ويقتدون فيها بهديه ، فمن فعل ذلك منهم أوفى بنذره ، واستكمل نسكه ، وأصاب بغيته ، ومن لم يفعل ذلك منهم ضيع نسكه ، وأخطأ بغيته ، ولم يوف بنذره . فمن سأل عني يومئذ في تلك المواطن أين أنا؟ فأنا مع الشعث الغبر الموبقين الموفين بنذرهم ، المستكملين مناسكهم ، المتبتلين إلى ربهم الذي يعلم ما يبدون وما يكتمون . وأخرجه الجندي عن عكرمة ووهب بن منبه رفعاه إلى ابن عباس بمثله سواء « .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس بن مالك » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان موضع البيت في زمن آدم عليه السلام شبراً أو أكثر علماً ، فكانت الملائكة تحج إليه قبل آدم ، ثم حج فاستقبلته الملائكة قالوا : يا آدم من أين جئت؟ قال : حججت البيت . فقالوا : قد حجته الملائكة قبلك بألفي عام « .(1/253)
وأخرج البيهقي عن عطاء قال : أهبط آدم بالهند فقال : يا رب ما لي لا أسمع صوت الملائكة كما كنت أسمعها في الجنة؟! فقال له : لخطيئتك يا آدم ، فانطلق فابن لي بيتاً فتطوّف به كما رأيتهم يتطوّفون . فانطلق حتى أتى مكة فبنى البيت ، فكان موضع قدمي آدم قرى وأنهاراً وعمارة وما بين خطاه مفاوز ، فحج آدم البيت من الهند أربعين سنة .
وأخرج البيهقي عن وهب بن منبه قال : لما تاب الله على آدم وأمره أن يسير إلى مكة فطوى له الأرض حتى انتهى إلى مكّة ، فلقيته الملائكة بالأبطح فرحبت به وقالت له : يا آدم إنا لننظرك برّ حجك ، أما إنَّا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام ، وأمر الله جبريل فعلمه المناسك والمشاعر كلها ، وانطلق به حتى أوقفه في عرفات والمزدلفة وبمنى وعلى الجمار ، وأنزل عليه الصلاة والزكاة والصوم والاغتسال من الجنابة . قال : وكان البيت على عهد آدم ياقوتة حمراء يلتهب نوراً من ياقوت الجنة ، لها بابان شرقي وغربي من ذهب من تبر الجنة ، وكان فيها ثلاث قناديل من تبر الجنة ، فيها نور يلتهب بابها بنجوم من ياقوت أبيض ، والركن يومئذ نجم من نجومها ياقوتة بيضاء ، فلم يزل على ذلك حتى كان في زمان نوح وكان الغرق ، فرفع من الغرق فوضع تحت العرش ومكثت الأرض خراباً ألفي سنة .
فلم يزل على ذلك حتى كان إبراهيم فأمره أن يبني بيتي ، فجاءت السكينة كأنها سحابة فيها رأس تتكلم ، لها وجه كوجه الإِنسان ، فقالت : يا إبراهيم خذ قدر ظلي فابن عليه لا تزد شيئاً ولا تنقص . فأخذ إبراهيم قدر ظلها ثم بنى هو وإسمعيل البيت ، ولم يجعل له سقفاً فكان الناس يلقون فيه الحلي والمتاع ، حتى إذا كاد أن يمتلئ أنفذ له خمس نفر ليسرقوا ما فيه ، فقام كل واحد على زاوية واقتحم الخامس فسقط على رأسه فهلك ، وبعث الله عند ذلك حية بيضاء سوداء الرأس والذنب ، فحرست البيت خمسمائة عام لا يقربه أحد إلا أهلكته ، فلم يزل كذلك حتى بنته قريش .
وأخرج الأزرقي والبيهقي عن عطاء . أن عمر بن الخطاب سأل كعباً فقال أخبرني عن هذا البيت ما كان أمره؟ فقال : إن هذا البيت أنزله الله من السماء ياقوتة حمراء مجوّفة مع آدم ، فقال : يا آدم إن هذا بيتي فطف حوله وصلِّ حوله كما رأيت ملائكتي تطوف حول عرشي وتصلي ، ونزلت معه الملائكة فرفعوا قواعده من حجارة ، ثم وضع البيت على القواعد ، فلما أغرق الله قوم نوح رفعه الله إلى السماء وبقيت قواعده .(1/254)
وأخرج البيهقي من طريق عطاء بن أبي رباح عن كعب الأحبار قال : شكت الكعبة إلى ربها وبكت إليه ، فقالت : أي رب قلَّ زوّاري وجفاني الناس . . . ! فقال الله لها : « إني محدث لك انجيلاً ، وجاعل لك زوّاراً يحنون إليك حنين الحمامة إلى بيضاتها » .
وأخرج الأزرقي والبيهقي من طريق عبد الرحمن بن سابط عن عبدالله بن ضمرة السلولي قال : ما بين المقام إلى الركن إلى بئر زمزم إلى الحجر قبر سعة وسبعين نبياً ، جاؤوا حاجين فماتوا فقبروا هنالك .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : أقبل تبَّع يريد الكعبة ، حتى إذا كان بكراع الغميم بعث الله عليه ريحاً لا يكاد القائم يقوم إلا عصفته ، وذهب القائم ليقعد فيصرع وقامت عليهم ، ولقوا منها عناء ، ودعا تبع حبريه فسألهما ما هذا الذي بعث عليَّ؟ قالا : أو تؤمننا؟ قال : أنتم آمنون . قالا : فإنك تريد بيتاً يمنعه الله ممن أراده . قال : فما يذهب هذا عني؟ قالا : تجرد في ثوبين ، ثم تقول لبيك لبيك ، ثم تدخل فتطوف بذلك البيت ولا تبيح أحداً من أهله . قال : فإن اجمعت على هذا ذهبت هذه الريح عني؟ قالا : نعم . فتجرد ثم لبى . قال ابن عباس : فأدبرت الريح كقطع الليل المظلم .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فقال « مرحباً بك من بيت ، ما أعظمك وأعظم حرمتك ، وللمؤمن أعظم عند الله حرمة منك » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه نظر إلى الكعبة فقال : لقد شرفك الله وكرمك ، والمؤمن أعظم حرمة منك » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر قال « لما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة استقبلها بوجهه ، وقال : أنت حرام ما أعظم حرمتك ، وأطيب ريحك ، وأعظم حرمة عند الله منك المؤمن » .
وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن مكحول « أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى البيت حين دخل مكة رفع يديه ، وقال : اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة ، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً وبراً » .
وأخرج الشافعي في الأم عن ابن جريج « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه ، وقال : اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة ، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبراً » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن للكعبة لساناً وشفتين ، وقد اشتكت فقالت : يا رب قل عوّادي وقل زوّاري . فأوحى الله : أني خالق بشراً خشعاً سجداً ، يحنون إليك كما تحن الحمامة إلى بيضها » .(1/255)
وأخرج الأزرقي عن جابر الجزري قال : جلس كعب الأحبار أو سلمان الفارسي بفناء البيت فقال : شكت الكعبة إلى ربها ما نصب حولها من الأصنام وما استقسم به من الأزلام ، فأوحى الله إليها : أني منزل نوراً ، وخالق بشراً يحنون إليك حنين الحمام إلى بيضه ، ويدفون إليك دفيف النسور . فقال له قائل : وهل لها لسان؟ قال : نعم ، وأذنان وشفتان .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس . أن جبريل وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عصابة خصراء قد علاها الغبار ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما هذا الغبار الذي أرى على عصابتك؟ قال : إني زرت البيت فازدحمت الملائكة على الركن ، فهذا الغبار الذي ترى مما تثير بأجنحتها » .
وأخرج الأزرقي عن أبي هريرة قال : حج آدم عليه السلام فقضى المناسك ، فلما حج قال : يا رب إن لكل عامل أجراً قال الله تعالى : أما أنت يا آدم فقد غفرت لك ، وأما ذريتك فمن جاء منهم هذا البيت فباء بذنبه غفرت له . فحج آدم عليه السلام فاستقبلته الملائكة بالردم ، فقالت : بر حجك يا آدم ، قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام . قال : فما كنتم تقولون حوله؟ قالوا : كنا نقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . قال : فكان آدم إذا طاف يقول هؤلاء الكلمات ، فكان طواف آدم سبع أسابيع بالليل وخمسة أسابيع بالنهار .
وأخرج الأزرقي والجندي وابن عساكر عن ابن عباس قال : حج آدم فطاف بالبيت سبعاً ، فلقيته الملائكة في الطواف فقالوا : بر حجك يا آدم ، أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام . قال : فماذا كنتم تقولون في الطواف؟ قالوا : كنا نقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . قال آدم : فزيدوا فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فزادت الملائكة فيها ذلك ، ثم حج إبراهيم بعد بنائه البيت ، فلقيته الملائكة في الطواف فسلموا عليه فقال لهم : ماذا كنتم تقولون في طوافكم؟ قالوا : كنا نقول قبل أبيك آدم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فاعلمناه ذلك ، فقال : زيدوا ولا حول ولا قوّة إلا بالله . فقال إبراهيم : زيدوا فيها العلي العظيم . فقالت الملائكة ذلك .
وأخرج الجندي والديلمي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كان البيت قبل هبوط آدم ياقوتة من يواقيت الجنة ، وكان له بابان من زمرد أخضر ، باب شرقي وباب غربي ، وفيه قناديل من الجنة ، والبيت المعمور الذي في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة حذاء الكعبة الحرام ، وأن الله عز وجل لما أهبط آدم إلى موضع الكعبة وهو مثل الفلك من شدة رعدته ، وأنزل عليه الحجر الأسود وهو يتلألأ كأنه بيضاء فأخذه آدم فضمه إليه استئناساً ، ثم أخذ الله من بني آدم ميثاقهم فجعله في الحجر الأسود ، ثم أنزل على آدم العصا ، ثم قال : يا آدم تخط . فتخطى فإذا هو بأرض الهند ، فمكث هناك ما شاء الله ثم استوحش إلى البيت ، فقيل له : احجج يا آدم . فأقبل يتخطى ، فصار كل موضع قدم قرية وما بين ذلك مفازة حتى قدم مكة ، فلقيته الملائكة فقالوا : بر حجك يا آدم ، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام . قال : فما كنتم تقولون حوله؟ قالوا : كنا نقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وكان آدم إذا طاف بالبيت قال هؤلاء الكلمات ، وكان آدم يطوف سبعة أسابيع بالنهار » .(1/256)
قال آدم : يا رب اجعل لهذا البيت عماراً يعمرونه من ذريتي ، فأوحى الله تعالى أني معمره نبياً من ذريتك اسمه إبراهيم ، اتخذه خليلاً أقضي على يديه عمارته ، وأنيط له سقايته ، وأريه حله وحرمه ومواقفه ، واعلمه مشاعره ومناسكه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم « إن آدم سأل ربه فقال : يا رب أسألك من حج هذا البيت من ذريتي لا يشرك بك شيئاً أن تلحقه بي في الجنة . فقال الله تعالى : يا آدم من مات في الحرم لا يشرك بي شيئاً بعثته آمنا يوم القيامة » .
وأخرج الجندي عن مجاهد . أن آدم طاف بالبيت ، فلقيته الملائكة فصافحته وسلمت عليه ، وقالت : بر حجك يا آدم ، طف بهذا البيت فإنَّا قد طفناه قبلك بألفي عام . قال لهم آدم : فما كنتم تقولون في طوافكم؟ قالوا : كنا نقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . قال آدم : وأنا أزيد فيها ولا حول ولا قوّة إلا بالله .
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : كان موضع الكعبة قد خفي ودرس زمان الغرق فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام ، وكان موضعه أكمة حمراء مدرة لا تعلوها السيول ، غير أن الناس يعلمون أن موضع البيت فيما هنالك ولا يثبت موضعه ، وكان يأتيه المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض ويدعو عنده المكروب ، فقل من دعا هنالك إلا استجيب له ، فكان الناس يحجون إلى موضع البيت حتى بوأ الله مكانه لإِبراهيم عليه السلام ، لما أراد من عمارة بيته واظهار دينه وشعائره ، فلم يزل منذ اهبط الله آدم إلى الأرض معظماً محرماً بيته تتناسخه الأمم والملل أمة بعد أمة وملة بعد ملة . قال : وقد كانت الملائكة تحجه قبل ذلك .
وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال : بلغنا - والله أعلم - أن إبراهيم خليل الله عرج به إلى السماء ، فنظر إلى الأرض مشارقها ومغاربها فاختار موضع الكعبة ، فقالت له الملائكة : يا خليل الله اخترت حرم الله في الأرض ، فبناه من حجارة سبعة أجبل ويقولون خمسة ، فكانت الملائكة تأتي بالحجارة إلى إبراهيم عليه السلام من تلك الجبال .(1/257)
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : أقبل إبراهيم عليه السلام والسكينه والصرد والملك من الشام ، فقالت السكينة : يا أبراهيم ربض على البيت ، فلذلك لا يطوف بالبيت ملك من جبابرة الملوك ، ولا اعرابي نافر إلا وعليه السكينة والوقار .
وأخرج الأزرقي عن بشر بن عاصم قال : أقبل إبراهيم من أرمينية معه السكينة والملك والصرد دليلاً ، به يتبوّأ إبراهيم كما تتبوّأ العنكبوت بيتها ، فرفع صخرة فما رفعها عنه إلا ثلاثون رجلاً ، فقالت السكينة : ابن عليّ . فلذلك لا يدخله أعرابي نافر ولا جبار إلا رأيت عليه السكينة .
وأخرج الأزرقي عن علي بن أبي طالب قال : اقبل إبراهيم والملك والسكينة والصرد دليلاً ، حتى تبوّأ البيت كما تبوّأت العنكبوت بيتها ، فحفر ما برز عن أسها أمثال خلف الإِبل لا يحرك الصخرة إلا ثلاثون رجلاً ، ثم قال الله لإِبراهيم : قم فابن لي بيتاً . قال : يا رب وأين؟ قال : سنريك . فبعث الله سحابة فيها رأس يكلم إبراهيم ، فقال : يا إبراهيم إن ربك يأمرك أن تخط قدر هذه السحابة ، فجعل ينظر إليها ويأخذ قدرها . فقال له الرأس : أقد فعلت؟ قال : نعم . فارتفعت السحابة ، فأبرز عن أس نابت من الأرض ، فبناه إبراهيم عليه السلام .
وأخرج الأزرقي عن قتادة في قوله { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } قال : ذكر لنا أنه بناه من خمسة أجبل : من طور سينا ، وطور زيتا ، ولبنان ، والجودي ، وحراء ، وذكر لنا أن قواعده من حراء .
وأخرج الأزرقي عن الشعبي قال : لما أمر إبراهيم أن يبني البيت وانتهى إلى موضع الحجر قال لإِسماعيل : ائتني بحجر ليكون علماً للناس يبتدئون منه الطواف ، فأتاه بحجر فلم يرضه ، فأتى إبراهيم بهذا الحجر ثم قال : أتاني به من لم يكلني إلى حجرك .
وأخرج الأزرقي عن عبد الله بن عمرو أن جبريل عليه السلام هو الذي نزل عليه بالحجر من الجنة ، وأنه وصعه حيث رأيتم ، وأنكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم ، فتمسكوا به ما استطعتم فإنه يوشك أن يجيء فيرجع به إلى حيث جاء به .
وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن خزيمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن ، فسوّدته خطايا بني آدم » .
وأخرج البزار عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « الحجر الأسود من حجارة الجنة » .
وأخرج الأزرقي والجندي عن مجاهد قال : الركن من الجنة ، ولو لم يكن من الجنة لفني .
وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(1/258)
« لولا ما طبع من الركن من أنجاس الجاهلية وأرجاسها وأيدي الظلمة والأثمة لاستشفي به من كل عاهة ، ولألقاه اليوم كهيئته يوم خلقه الله ، وإنما غيره الله بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة ، وأنه لياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة ، فوضعه الله يومئذ لآدم حين أنزله في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة ، والأرض يومئذ طاهرة لم يعمل فيها بشيء من المعاصي وليس لها أهل ينجسونها ، ووضع لها صفاً من الملائكة على أطراف الحرم يحرسونه من جان الأرض ، وسكانها يومئذ الجن وليس ينبغي لهم أن ينظروا إليه لأنه من الجنة ، ومن نظر إلى الجنة دخلها ، فهم على أطراف الحرم حيث أعلامه اليوم محدقون به من كل جانب بينه وبين الحرم » .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن البيت الذي بوأه الله لآدم كان من ياقوتة حمراء لها بابان أحدهما شرقي والآخر غربي ، فكان فيها قناديل من نور الجنة ، آنيتها الذهب منظومة بنجوم من ياقوت أبيض ، والركن يومئذ نجم من نجومه ، ووضع لها صفاً من الملائكة على أطراف الحرم ، فهم اليوم يذبون عنه لأنه شيء من الجنة ، لا ينبغي أن ينظر إليه إلا من وجبت له الجنة ومن نظر إليها دخلها ، وإنما سمي الحرم لأنهم لا يجاوزونه ، وأن الله وضع البيت لآدم حيث وضعه والأرض يومئذ طاهرة لم يعمل عليها شيء من المعاصي ، وليس لها أهل بنجسونها ، وكان سكانها الجن » .
وأخرج الجندي عن ابن عباس قال : الحجر الأسود يمين الله في الأرض ، فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستلم الحجر فقد بايع الله ورسوله .
وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن عباس قال : إن هذا الركن الأسود يمين الله في الأرض يصافح به عباده .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : ليس في الأرض من الجنة إلا الركن الأسود والمقام ، فإنهما جوهرتان من جوهر الجنة ، ولولا ما مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله تعالى .
وأخرج الأزرقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : نزل الركن وأنه لأشد بياضاً من الفضة ، ولولا ما مسه من أنجاس الجاهلية وأرجاسهم ما مسه ذو عاهة إلا برىء .
وأخرج الأزرقي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أكثروا استلام هذا الحجر فإنكم توشكون أن تفقدوه ، بينما الناس يطوفون به ذات ليلة إذ أصبحوا وقد فقدوه ، إن الله لا ينزل شيئاً من الجنة إلا أعاده فيها قبل يوم القيامة » .
وأخرج الأزرقي عن يوسف بن ماهك قال : إن الله جعل الركن عيد أهل هذه القبلة كما كانت المائدة عيداً لبني إسرائيل ، وإنكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم ، وإن جبريل عليه السلام وضعه في مكانه .(1/259)
وأخرج الأزرقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : إن الله يرفع القرآن من صدور الرجال والحجر الأسود قبل يوم القيامة .
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : كيف بكم إذا أسري بالقرآن فرفع من صدوركم ، ونسخ من قلوبكم ، ورفع الركن؟
وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أوّل ما يرفع الركن والقرآن ورؤيا النبي في المنام » .
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن عبد الله بن عمرو قال : حجوا هذا البيت واستلموا هذا الحجر ، فوالله ليرفعن أو ليصيبنه أمر من السماء ، إن كانا لحجرين أهبطا من الجنة فرفع أحدهما وسيرفع الآخر ، وإن لم يكن كما قلت فمن مر على قبري فليقل هذا قبر عبد الله بن عمرو الكذاب « .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر قال : » استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه ، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلاً ، فالتفت فإذا بعمر يبكي فقال : يا عمر ههنا تسكب العبرات « .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » الحجر الأسود من حجارة الجنة ، وما في الأرض من الجنة غيره وكان أبيض كالمهاة ، ولولا ما مسه من رجس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا برىء « .
وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال : نزل الركن الأسود من السماء فوضع على أبي قبيس كأنه مهاة بيضاء ، فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد إبراهيم .
وأخرج الأزرقي عن عكرمة قال : الركن ياقوتة من يواقيت الجنة وإلى الجنة مصيره . قال : وقال ابن عباس : لولا ما مسه من أيدي الجاهلية لأبرأ الأكمه والأبرص .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : أنزل الله الركن والمقام مع آدم عليه السلام ليلة نزل بين الركن والمقام ، فلما أصبح رأى الركن والمقام فعرفهما فضمهما وأنس بهما .
وأخرج الأزرقي عن أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال » الحجر الأسود نزل به ملك من السماء « .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : أنزل الله الركن الأسود من الجنة وهو يتلألأ تلألؤاً من شدة بياضه ، فأخذه آدم فضمه إليه آنساً به .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : نزل آدم من الجنة ومعه الحجر الأسود متأبطه ، وهو ياقوتة من ياقوت الجنة ، ولولا أن الله طمس ضوءه ما استطاع أحد أن ينظر إليه ، ونزل بالباسة ونخلة العجوة . قال أبو محمد الخزاعي : الباسة آلات الصناع .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس . أن عمر بن الخطاب سأل كعباً عن الحجر فقال : مروة من مرو الجنة .(1/260)
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : لولا أن الحجر تمسه الحائض وهي لا تشعر والجنب وهو لا يشعر ، ما مسه أجذم ولا أبرص إلا برىء .
وأخرج الأزرقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كان الحجر الأسود أبيض كاللبن ، وكان طوله كعظم الذراع وما اسود إلا من المشركين كانوا يمسحونه ، ولولا ذلك ما مسه ذو عاهة إلا برىء .
وأخرج الأزرقي عن عثمان بن ساج قال : أخبرني ابن نبيه الحجبي عن أمه أنها حدثته ، أن أباها حدثها : أنه رأى الحجر قبل الحريق وهو أبيض يتراءى الإِنسان فيه وجهه . قال عثمان : وأخبرني زهير : أنه بلغه أن الحجر من رضراض ياقوت الجنة ، وكان أبيض يتلألأ فسوّده ارجاس المشركين وسيعود إلى ما كان عليه ، وهو يوم القيامة مثل أبي قبيس في العظم ، له عينان ولسان وشفتان يشهد لمن استلمه بحق ، ويشهد على من استلمه بغير حق .
وأخرج ابن خزيمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة وإنما سوّدته خطايا المشركين ، يبعث يوم القيامة مثل أحد يشهد لمن استلمه وقبله من أهل الدنيا » .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله يبعث الركن الأسود له عينان يبصر بهما ، ولسان ينطق به ، ويشهد لمن استلمه بحق » .
وأخرج الأزرقي عن سلمان الفارسي قال : الركن من حجارة الجنة ، أما والذي نفس سلمان بيده ليجيئن يوم القيامة له عينان ولسان وشفتان ، يشهد لمن استلمه بالحق .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : الركن يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه ، والذي نفسي بيده ما من امرىء مسلم يسأل الله عنده شيئاً إلا أعطاه إياه .
وأخرج ابن ماجة عن عطاء بن أبي رباح . أنه سئل عن الركن الأسود فقال : حدثني أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من فاوضه فإنما يفاوض يد الرحمن » .
وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لهذا الحجر لساناً وشفتين ، يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق » .
وأخرج ابن خزيمة والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن عمرو « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يأتي الركن يوم القيامة أعظم من أبي قبيس له لسان وشفتان ، يتكلم عمن استلمه بالنية ، وهو يمين الله التي يصافح بها خلقه » .
واخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/261)
« اشهدوا هذا الحجر خيراً فانه يأتي يوم القيامة ، شافع مشفع ، له لسان وشفتان يشهد لمن استلمه » .
وأخرج الجندي من طريق عطاء بن السائب عن محمد بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « كان النبي من الأنبياء إذ هلكت أمته لحق بمكة فيتعبد فيها النبي ومن معه حتى يموت ، فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام ، وقبورهم بين زمزم والحجر » .
وأخرج الأزرقي والجندي من طريق عطاء بن السائب عن محمد بن سابط قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مكة لا يسكنها سافك دم ولا تاجر بربا ولا مشاء بنميمة . قال : ودحيت الأرض من مكة وكانت الملائكة تطوف بالبيت وهي أول من طاف به ، وهي الأرض من مكة وكانت الملائكة تطوف بالبيت وهي أول من طاف به ، وهي الأرض التي قال الله { إني جاعل في الأرض خليفة } [ البقرة : 30 ] وكان النبي من الأنبياء إذا هلك قومه فنجا هو والصالحون معه أتاها بمن معه فيعبدون الله حتى يموتوا فيها ، وإن قبر نوح وهود وشعيب وصالح بين زمزم والركن والمقام » .
وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : حج موسى عليه السلام على جمل أحمر ، فمر بالروحاء عليه عباءتان قطوانيتان ، متزر باحداهما مرتد بالأخرى ، فطاف بالبيت ثم طاف بين الصفا والمروة ، فبينما هو يطوف ويلبي بين الصفا والمروة إذ سمع صوتاً من السماء ، وهو يقول : لبيك عبدي أنا معك ، فخر موسى عليه السلام ساجداً .
وأخرج الأزرقي عن مقاتل قال : في المسجد الحرام بين زمزم والركن قبر سبعين نبياً ، منهم هود وصالح وإسمعيل ، وقبر آدم وإبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف في بيت المقدس .
وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن عباس قال : النظر إلى الكعبة مخض الإِيمان .
وأخرج الأزرقي والجندي عن ابن المسيب قال : من نظر إلى الكعبة إيماناً وتصديقاً خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه .
وأخرج الأزرقي والجندي من طريق زهير بن محمد عن أبي السائب المدني قال : من نظر إلى الكعبة إيماناً وتصديقاً تحاتت ذنوبه كما يتحات الورق من الشجر . قال : والجالس في المسجد ينظر إلى البيت لا يطوف به ولا يصلي أفضل من المصلي في بيته لا ينظر إلى البيت .
وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي والجندي والبيهقي في شعب الإِيمان عن عطاء قال : النظر إلى البيت عبادة ، والناظر إلى البيت بمنزلة القائم الصائم المخبت المجاهد في سبيل الله .
وأخرج الجندي عن عطاء قال : إن نظرة إلى هذا البيت في غير طواف ولا صلاة تعدل عبادة سنة ، قيامها وركوعها وسجودها .
وأخرج ابن أبي شيبة والجندي عن طاوس قال : النظر إلى هذا البيت أفضل من عبادة الصائم القائم الدائم المجاهد في سبيل الله .(1/262)
وأخرج الأزرقي عن إبراهيم النخعي قال : الناظر إلى الكعبة كالمجتهد في العبادة في غيرها من البلاد .
وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن مجاهد قال : النظر إلى الكعبة عبادة .
وأخرج الأزرقي والجندي وابن عدي والبيهقي في شعب الإِيمان وضعفه والأصبهاني في الترغيب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لله في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة ، تنزل على هذا البيت ستون للطائفين ، وأربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين » .
وأخرج الجندي عن ابن مسعود قال : أكثروا بالبيت قبل أن يرفع وينسى الناس مكانه .
وأخرج البزار في مسنده وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « استمتعوا بهذا البيت فقد هدم مرتين ، ويرفع في الثالثة » .
وأخرج الجندي عن الزهري قال : إذا كان يوم القيامة رفع الله الكعبة البيت الحرام إلى بيت المقدس ، فمر بقبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، فيقول : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته . فيقول صلى الله عليه وسلم : وعليك السلام يا كعبة الله ، ما حال أمتي؟ فتقول : يا محمد أما من وفد إليّ من أمتك فأنا القائم بشأنه ، وأما من لم يفد من أمتك فأنت القائم بشأنه « .
وأخرج أبو بكر الواسطي في فضائل بيت المقدس عن خالد بن معدان قال : لا تقوم الساعة حتى تزف الكعبة إلى الصخرة زف العروس ، فيتعلق بها جميع من حج واعتمر ، فإذا رأتها الصخرة قالت لها : مرحباً بالزائرة والمزورة إليها .
وأخرج الواسطي عن كعب قال : لا تقوم الساعة حتى يزف البيت الحرام إلى بيت المقدس فينقادان إلى الجنة وفيهما أهلهما ، والعرض والحساب ببيت المقدس .
وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب والديلمي عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » إذا كان يوم القيامة زفت الكعبة البيت الحرام إلى قبري فتقول : السلام عليك يا محمد ، فأقول : وعليك السلام يا بيت الله ما صنع بك أمتي بعدي؟ فتقول : يا محمد من أتاني فأنا أكفيه وأكون له شفيعاً ، ومن لم يأتني فأنت تكفيه وتكون له شفيعاً « .
وأخرج الأزرقي عن أبي إسحق قال : بنى إبراهيم عليه السلام البيت وجعل طوله في السماء تسعة أذرع ، وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعاً ، من الركن الأسود إلى الركن الشامي الذي عند الحجر من وجهه ، وجعل عرض ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي الذي فيه الحجر اثنين وعشرين ذراعاً ، وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحداً وثلاثين ذراعاً ، وجعل عرض شقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعاً . قال : فلذلك سميت الكعبة لأنها على خلقة الكعب .
قال : وكذلك سنن أساس آدم ، وجعل لها غلقاً فارسياً ، وكساها كسوة تامة ، ونحر عندها ، وجعل إبراهيم عليه السلام الحجر إلى جنب البيت عريشاً من أراك تقتحمه العنز ، فكان زرباً لغنم إسمعيل ، وحفر إبراهيم جباً في بطن البيت على يمين ، من دخله يكون خزانة للبيت يلقي فيه ما يهدى للكعبة ، وكان الله استودع الركن أبا قبيس حين أغرق الله الأرض زمن نوح ، وقال : إذا رأيت خليلي يبني بيتي ، فأخرجه له فجاء به جبريل فوضعه في مكانه وبنى عليه إبراهيم ، وهو حينئذ يتلألأ نوراً من شدة بياضه ، وكان نوره يضيء إلى منتهى أنصاف الحرم من كل ناحية .(1/263)
قال : وإنما شدة سواده لأنه أصابه الحريق مرة بعد مرة في الجاهلية والإِسلام .
وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم والنسائي عن عائشة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألم تر إلى قومك حين بنوا الكعبة أقصروا عن قواعد إبراهيم؟فقلت : يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال : لولا حدثان قومك بالكفر . فقال ابن عمر : ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم » .
وأخرج الأزرقي عن ابن جرير قال : كان ابن الزبير بنى الكعبة من الذرع على ما بناها إبراهيم عليه السلام . قال : وهي مكعبة على خلقة الكعب ولذلك سميت الكعبة . قال : ولم يكن إبراهيم سقف الكعبة ولا بناها بمدر ، وإنما رضمها رضماً .
وأخرج الأزرقي عن أبي المرتفع قال : كنا مع ابن الزبير في الحجر ، فأول حجر من المنجنيق وقع في الكعبة سمعنا لها أنيناً كأنين المريض : آه آه .
وأخرج الجندي عن مجاهد قال : رأيت الكعبة في النوم وهي تكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي تقول : لئن لم تنته أمتك يا محمد عن المعاصي لأنتفضن حتى يصير كل حجر مني في مكان .
وأخرج الجندي عن وهيب بن الورد قال : كنت أطوف أنا وسفيان بن سعيد الثوري ليلاً ، فانقلب سفيان وبقيت في الطواف ، فدخلت الحجر فصليت تحت الميزاب ، فبينا أنا ساجد إذ سمعت كلاماً بين أستار الكعبة والحجارة ، وهي تقول : يا جبريل أشكو إلى الله ثم إليك ما يفعل هؤلاء الطائفون حولي ، تفكههم في الحديث ولغطهم وشؤمهم . قال وهيب : فأولت أن البيت يشكو إلى جبريل عليه السلام .
وأما قوله تعالى : { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم } .
أخرج الدارقطني عن ابن عباس قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال : اللهم لك صمنا ، وعلى رزقك أفطرنا ، فتقبل منا أنك أنت السميع العليم » .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش . أنه قرأ { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل يقولان ربنا تقبل منا } .(1/264)
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)
أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الكريم في قوله تعالى { ربنا واجعلنا مسلمين } قال : مخلصين .
أخرج ابن أبي حاتم عن سلام بن أبي مطيع في هذه الآية قال : كانا مسلمين ولكن سألاه الثبات .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } يعنيان العرب .
وأما قوله تعالى : { وأرنا مناسكنا } .
أخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والأزرقي عن مجاهد قال : قال إبراهيم عليه السلام : رب أرنا مناسكنا . فاتاه جبريل فأتى به البيت فقال : ارفع القواعد . فرفع القواعد وأتم البنيان ، ثم أخذ بيده فأخرجه ، فانطلق به إلى الصفا قال : هذا من شعائر الله ، ثم انطلق به إلى المروة فقال : وهذا من شعائر الله ، ثم انطلق به نحو منى ، فلما كان من العقبة إذا إبليس قائم عند الشجرة فقال : كبر وارمه . فكبر ورماه ، ثم انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى ، فلما حاذى به جبريل وإبراهيم قال له : كبر وارمه . فكبر ورمى ، فذهب إبليس حتى أتى الجمرة القصوى ، فقال له جبريل : كبر وارمه . فكبر ورمى ، فذهب إبليس وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحج شيئاً فلم يستطع ، فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام ، فقال : هذا المشعر الحرام ، ثم ذهب حتى أتى به عرفات قال : قد عرفت ما أريتك؟ قالها ثلاث مرات . قال : نعم . قال : فأذن في الناس بالحج . قال : وكيف أؤذن؟ قال : قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم ثلاث مرات ، فأجاب العباد لبيك اللهم ربنا لبيك ، فمن أجاب إبراهيم يومئذ من الخلق فهو حاج .
وأخرج ابن جرير من طريق ابن المسيب عن علي قال : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال : قد فعلت أي رب فأرنا مناسكنا ، أبرزها لنا ، علمناها ، فبعث الله جبريل فحج به .
وأخرج سعيد بن منصور الأزرقي عن مجاهد قال : حج إبراهيم وإسمعيل وهما ماشيان .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : كان المقام في أصل الكعبة ، فقام عليه إبراهيم فتفرجت عنه هذه الجبال أبو قبيس وصاحبه إلى ما بينه وبين عرفات ، فأراه مناسكه حتى انتهى إليه ، فقال : عرفت؟ قال : نعم . فسميت عرفات .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مجلز في قوله { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } [ البقرة : 127 ] قال : لما فرغ إبراهيم من البيت جاءه جبريل أراه الطواف بالبيت والصفا والمروة ، ثم انطلقا إلى العقبة فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات ، فرمى وكبَّر وقال لإِبراهيم : ارم وكبر مع كل رمية حتى أمَلَّ الشيطان ، ثم انطلقا إلى الجمرة الوسطى فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات فرميا وكبرا مع كل رمية حتى املَّ الشيطان ، ثم أتيا الجمرة القصوى فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات ، وقال : ارم وكبر .(1/265)
فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أقل ، ثم أتى به إلى منى فقال : ههنا يحلق الناس رؤوسهم ، ثم أتى به جمعاً فقال : ههنا يجمع الناس الصلاة ، ثم أتى به عرفات فقال : عرفت . . . ؟ قال : نعم . فمن ثم سميت عرفات .
واخرج الأزرقي عن زهير بن محمد قال : لما فرغ إبراهيم من البيت الحرام قال : أي رب قد فعلت فأرنا مناسكنا ، فبعث الله إليه جبريل فحج به ، حتى إذا جاء يوم النحر عرض له إبليس فقال : احصب . فحصب سبع حصيات ، ثم الغد ثم اليوم الثالث فملأ ما بين الجبلين ، ثم علا على منبر فقال : يا عباد الله أجيبوا ربكم ، فسمع دعوته من بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، قالوا : لبيك اللهم لبيك . قال : ولم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعداً ، ولولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها . قال : وأول من أجاب حين أذن بالحج أهل اليمن .
وأخرج الأزرقي عن مجاهد في قوله { وأرنا مناسكنا } قال : مذابحنا .
وأخرج الجندي عن مجاهد قال : قال الله لإِبراهيم عليه السلام « قم فابن لي بيتاً . قال : أي رب أين . . . ؟ قال : سأخبرك » فبعث الله إليه سحابة لها رأس فقالت : يا إبراهيم إن ربك يأمرك أن تخط قدر هذه السحابة . قال : فجعل إبراهيم ينظر إلى السحابة ويخط . فقالت : قد فعلت؟ قال : نعم . فارتفعت السحابة فحفر إبراهيم فأبرز عن أساس نابت من الأرض فبنى إبراهيم ، فلما فرغ قال : أي رب قد فعلت فأرنا مناسكنا . فبعث الله إليه جبريل يحج به ، حتى إذا جاء يوم النحر عرض له إبليس فقال له جبريل : احصب . فحصب بسبع حصيات ، ثم الغد ، ثم اليوم الثالث فالرابع ، ثم قال : أعل ثبيراً . فعلا ثبيراً فقال : أي عباد الله أجيبوا ، أي عباد الله أطيعوا الله . فسمع دعوته ما بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من الإِيمان ، قالوا : لبيك أطعناك اللهم أطعناك ، وهي التي أتى الله إبراهيم في المناسك : لبيك اللهم لبيك ، ولم يزل على الأرض سبعة مسلمون فصاعداً ، لولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها .
وأخرج ابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رفعه قال « لما أتى إبراهيم خليل الله المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة ، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ، ثم عرض له عند الجمرة الثانية ، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة ، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ، قال ابن عباس : الشيطان ترجمون ، وملة أبيكم إبراهيم تتبعون .
وأخرج الطيالسي وأحمد وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال : إن إبراهيم لما رأى المناسك عرض له الشيطان عند المسعى ، فسابق إبراهيم فسبقه إبراهيم ، ثم انطلق به جبريل حتى أراه مِنى فقال : هذا مناخ الناس .(1/266)
فلما انتهى إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم أتى به جمرة الوسطى فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم أتى به جمرة القصوى فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، فأتى به جمعاً فقال : هذا المشعر . ثم أتى به عرفة فقال : هذه عرفة . فقال له جبريل : أعرفت؟ قال : نعم . ولذلك سميت عرفة . أتدري كيف كانت التلبية؟ : أن إبراهيم لما أمر أن يؤذن في الناس بالحج ، أمرت الجبال فخفضت رؤوسها ورفعت له القرى ، فأذن في الناس بالحج .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { وأرنا مناسكنا } قال : أراهما الله مناسكهما . الموقف بعرفات ، والإِفاضة من جمع ، ورمي الجمار والطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة .(1/267)
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
أخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بأول ذلك دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى بي ، ورؤيا أمي التي رأت ، وكذلك أمهات النبيين يَرَيْن » .
وأخرج أحمد وابن سعد والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن أبي أمامة قال : قلت « يا رسول الله ما كان بدء أمرك؟ قال : دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام » .
وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنا دعوة إبراهيم . قال وهو يرفع القواعد من البيت { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم } حتى أتم الآيه » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العاليه في قوله { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم } يعني أمة محمد . فقيل له : قد استجيب لك وهو كائن في آخر الزمان .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وابعث فيهم رسولاً منهم } قال : هو محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { ويعلمهم الكتاب والحكمة } قال : السنة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { ويعلمهم الكتاب والحكمة } قال : الحكمة السنة . قال : ففعل ذلك بهم ، فبعث فيهم رسولاً منهم يعرفون اسمه ونسبه ، يخرجهم من الظلمات إلى النور ، ويهديهم إلى صراط مستقيم .
وأخرج أبو داود في مراسيله عن مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « آتاني الله القرآن ومن الحكمة مِثْلَيْه » .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله { ويزكيهم } قال : يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { العزيز الحكيم } قال : عزيز في نقمته إذا انتقم حكيم في أمره .(1/268)
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { ومن يرغب عن ملة إبراهيم } قال : رغبت اليهود والنصارى عن ملته ، واتخذوا اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله ، وتركوا ملة إبراهيم الإِسلام ، وبذلك بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بملة إبراهيم .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { إلا من سفه نفسه } قال : إلا من أخطأ حظه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { ولقد اصطفيناه } قال : اخترناه .(1/269)
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن أسد بن يزيد قال : في مصحف عثمان { ووصَّى } بغير ألف .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ووصى بها إبراهيم بنيه } قال : وصاهم بالإِسلام ، ووصى يعقوب بنيه مثل ذلك .
وأخرج الثعلبي عن فضيل بن عياض في قوله { فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } أي محسنون بربكم الظن .
وأخرج ابن سعد عن الكلبي قال : ولد لإِبراهيم اسمعيل وهو أكبر ولده وأمه هاجر وهي قبطية ، وإسحق وأمه سارة ، ومدن ومدين ، وبيشان وزمران ، وأشبق وشوح وأمهم قنطوراء من العرب العاربة ، فأما بيشان فلحق بنوه بمكة وأقام مدين بأرض مدين فسميت به ، ومضى سائرهم في البلاد وقالوا لإِبراهيم : يا أبانا أنزلت إسمعيل وإسحق معك وأمرتنا أن ننزل أرض الغربة والوحشة؟ قال : بذلك أمرت . فعلمهم اسماً من أسماء الله ، فكانوا يستسقون به ويستنصرون .(1/270)
أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { أم كنتم شهداء } يعني أهل مكة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت } الآية . قال : يقول لم تشهد اليهود ولا النصارى ولا أحد من الناس يعقوب إذ أخذ على بنيه الميثاق إذ حضره الموت ألا تعبدوا إلا إياه ، فأقروا بذلك وشهد عليهم أن قد أقروا بعبادتهم ، وأنهم مسلمون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس . أنه كان يقول : الجد أب ، ويتلو { قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } .
وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في الآية قال : يقال بدأ بإسمعيل لأنه أكبر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال : سمى العم أبا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال : الخال والد والعم والد ، وتلا { قالوا نعبد إلهك وإله آبائك . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه كان يقرأ { نعبد إلهك وإله أبيك } على معنى الواحد .(1/271)
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { تلك أمة قد خلت } قال : يعني إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط .(1/272)
وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال عبد الله بن صوريا الأعور للنبي صلى الله عليه وسلم « ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد ، وقالت النصارى مثل ذلك ، فأنزل الله فيهم { وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا } الآية » .
وأما قوله تعالى : { حنيفاً } .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { حنيفاً } قال : حاجاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال : الحنيف المستقيم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { حنيفاً } قال : متبعاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن خصيف قال : الحنيف المخلص .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي قلابة قال : الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم .
وأخرج ابن المنذر عن السدي قال : ما كان في القرآن حنيفاً مسلماً ، وما كان في القرآن حنفاء مسلمين حجاجاً .
وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « بعثت بالحنيفية السمحة » .
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن المنذر عن ابن عباس قال « قيل : يا رسول الله أي الأديان أحب إلى الله؟ قال : الحنيفية السمحة » .
وأخرج أبو الترس في الغرائب والحاكم في تاريخه وأبو موسى المديني في الصحابة وابن عساكر عن سعد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة » .(1/273)
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)
أخرج ابن أبي حاتم عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « آمنوا بالتوراة والزبور والإِنجيل ، وليسعكم القرآن » .
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما الآية التي في البقرة { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا . . . } الآية . كلها ، وفي الآخرة ب { آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون } [ آل عمران : 52 ] » .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال « أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم . . . } الآية . وفي الثانية { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة . . . } [ آل عمران : 64 ] » .
وأخرج وكيع عن الضحاك قال : علموا نساءكم وأولادكم وخدمكم أسماء الأنبياء المسمين في الكتاب ليؤمنوا بهم ، فإن الله أمر بذلك فقال { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا } إلى قوله { ونحن له مسلمون } .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : الأسباط بنو يعقوب ، كانوا اثني عشر رجلاً ، كل واحد منهم ولد سبطاً أمة من الناس .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : الأسباط بنو يعقوب : يوسف ، وبنيامين ، وروبيل ، ويهوذا وشمعون ، ولاوي ، ودان ، وقهات ، وكوذ ، وباليوق .
وأخرج الطبراني وأبو نعيم وابن عساكر عن عبد الله بن عبد الثمالي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « لو حلفت لبررت أنه لا يدخل الجنة قبل الرعيل الأوّل من أمتي إلا بضعة عشر إنساناً : إبراهيم ، وإسمعيل ، وإسحق ، ويعقوب ، والأسباط ، وموسى ، وعيسى بن مريم » .(1/274)
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : لا تقولوا { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به } فإن الله لا مثل له ، ولكن قولوا : فإن آمنوا بالذي آمنتم به .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف والخطيب في تاريخه عن أبي جمرة قال : كان ابن عباس يقرأ { فإن آمنوا بالذي آمنتم به } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { فإنما هم في شقاق } قال : فراق .
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال : كنت قاعداً إذ أقبل عثمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم « يا عثمان تقتل وأنت تقرأ سورة البقرة ، فتقع قطرة من دمك على { فسيكفيكهم الله } » قال الذهبي في مختصر المستدرك : هذا كذب بحت ، وفي إسناده أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي ، وهو المتهم به .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف وأبو القاسم بن بشران في أماليه وأبو نعيم في المعرفة وابن عساكر عن أبي سعيد مولى بني أسد قال : لما دخل المصريون على عثمان والمصحف بين يديه فضربوه بالسيف على يديه ، فجرى الدم على { فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } فمد يده وقال : والله لإِنها أوّل يد خطت المفصل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن نافع بن أبي نعيم قال : أرسل إلي بعض الخلفاء بمصحف عثمان بن عفان فقلت له : إن الناس يقولون : إن مصحفه كان في حجره حين قتل ، فوقع الدم على { فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } فقال نافع : بصرت عيني بالدم على هذه الآية . وقد تقدم .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عمرة بنت أرطاة العدوية قال : خرجت مع عائشة سنة قتل عثمان إلى مكة ، فمررنا بالمدينة ورأينا المصحف الذي قتل وهو في حجره ، وكانت أوّل قطرة من دمه على هذه الآية { فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } قالت عمرة : فما مات منهم رجل سوياً .(1/275)
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { صبغة الله } قال : دين الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { صبغة الله } قال : فطرة الله التي فطر الناس عليها .
وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن بني إسرائيل قالوا : يا موسى هل يصبغ ربك؟ فقال : اتقوا الله . فناداه ربه : يا موسى سألوك هل يصبغ ربك فقل : نعم ، أنا أصبغ الألوان الأحمر والأبيض والأسود ، والألوان كلها في صبغتي ، وأنزل الله على نبيه { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة } وأخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس موقوفاً » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال : إن اليهود تصبغ أبناءها يهود ، وإن النصارى تصبغ أبناءها نصارى ، وإن صبغة الله الإِسلام ، ولا صبغة أحسن من صبغة الله الإِسلام ولا أطهر ، وهو دين الله الذي بعث به نوحاً ومن كان بعده من الأنبياء .
وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد عن ابن عباس في قوله { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة } قال : البياض .(1/276)
قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { أتحاجوننا في الله } قال : أتخاصموننا؟
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { أتحاجوننا } تجادلوننا؟
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله } قال : في قول يهود لإِبراهيم وإسمعيل ومن ذكر معهما أنهم كانوا يهوداً أو نصارى ، فيقول الله لهم : لا تكتموا مني شهادة إن كانت عندكم ، وقد علم الله أنهم كاذبون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { ومن أظلم ممن كتم شهادة . . . } الآية . قال : أولئك أهل الكتاب كتموا الإِسلام وهم يعلمون أنه دين الله ، واتخذوا اليهودية والنصرانية وكتموا محمداً وهم يعلمون أنه رسول الله .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله } قال : كان عند القوم من الله شهادة أن أنبياءه برآء من اليهودية والنصرانية .
وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله { تلك أمة قد خلت } قالا : يعني إبراهيم وإسمعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي المليح قال : الأمة ما بين الأربعين إلى المائة فصاعداً .(1/277)
سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)
أخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود في ناسخه والترمذي والنسائي وابن جرير وابن حبان والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أخواله من الأنصار ، وأنه صلى إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً ، وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت ، وأن أول صلاة صلاها صلاة العصر ، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه ، فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال : أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل الكعبة ، فداروا كما هم قبل البيت ثم أنكروا ذلك ، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحوّل قبل البيت رجالاً وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله { وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم } [ البقرة : 143 ] .
وأخرج ابن إسحاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن البراء قال » كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله ، فأنزل الله { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام } [ البقرة : 144 ] فقال رجال من المسلمين : وددنا لو علمنا من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة ، وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس؟ فأنزل الله { وما كان الله ليضيع إيمانكم } [ البقرة : 143 ] وقال السفهاء من الناس وهم من أهل الكتاب : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله { سيقول السفهاء من الناس . . . } إلى آخر الآية « .
وأخرج الترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي عن البراء قال » كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً ، وكان يحب أن يصلي نحو الكعبة ، فكان يرفع رأسه إلى السماء ، فأنزل الله { قد نرى تقلب وجهك . . . } [ البقرة : 144 ] الآية . فوجه نحو الكعبة ، وقال السفهاء من الناس وهم اليهود ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله { قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } « .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي عن ابن عباس قال إن أول ما نسخ في القرآن القبلة ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم ، وكان يدعو الله وينظر إلى السماء ، فأنزل الله { قد نرى تقلب وجهك } إلى قوله { فولوا وجوهكم شطره } يعني نحوه ، فارتاب من ذلك اليهود وقالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله { قل لله المشرق والمغرب } وقال :(1/278)
{ أينما تولوا فثم وجه الله } [ البقرة : 115 ] « .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس » أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه ، وبعدها تحول إلى المدينة ستة عشر شهراً ، ثم صرفه الله إلى الكعبة « .
وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس قال : أوّل ما نسخ من القرآن القبلة ، وذلك أن محمداً كان يستقبل صخرة بيت المقدس وهي قبلة اليهود ، فاستقبلها سبعة عشر شهراً ليؤمنوا به وليتبعوه وليدعوا بذلك الأميين من العرب . فقال الله { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } وقال { قد نرى تقلب وجهك } الآية » .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة مرسلاً .
وأخرج أبو داود في ناسخه عن أبي العالية « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر نحو بيت المقدس فقال لجبريل » وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها؟ « فقال له جبريل : إنما أنا عبد مثلك ، ولا أملك لك شيئاً إلا ما أمرت ، فادع ربّك وسله ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل ، فأنزل الله { قد نرى تقلب وجهك في السماء } [ البقرة : 144 ] يقول : إنك تديم النظر إلى السماء للذي سألت { فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام } يقول فحوّل وجهك في الصلاة نحو المسجد الحرام { وحيثما كنتم } يعني من الأرض { فولوا وجوهكم } في الصلاة { شطره } نحو الكعبة » .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : « صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة في رجب ، على رأس سبعة عشر شهراً من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس ، وقردم بن عمرو ، وكعب بن الأشرف ، ونافع بن أبي نافع ، والحجاج بن عمرو ، حليف كعب بن الأشرف ، والربيع بن أبي الحقيق ، وكنانة بن أبي الحقيق ، فقالوا له : يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك ، وإنما يريدون فتنته عن دينه . فأنزل الله { سيقول السفهاء من الناس } إلى قوله { إلاَّ لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } أي ابتلاء واختباراً { وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } [ البقرة : 143 ] أي ثبت الله { وما كان الله ليضيع إيمانكم } يقول : صلاتكم بالقبلة الأولى ، وتصديقكم نبيكم ، واتباعكم اياه إلى القبلة الآخرة ، أي ليعطينكم أجرهما جميعاً { إن الله بالناس لرؤوف رحيم } إلى قوله { فلا تكونن من الممترين } .(1/279)
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء في قوله { سيقول السفهاء من الناس } قال : اليهود .
وأخرج أبو داود في ناسخه من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : أول آية نسخت من القرآن القبلة ، ثم الصلاة الأولى .
وأخرج الطبراني عن ابن عبّاس قال « صلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً ، ثم حوّلت القبلة بعد » .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن الزهري قال : « صرفت القبلة نحو المسجد الحرام في رجب على رأس ستة عشر شهراً من مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء وهو يصلي نحو بيت المقدس ، فأنزل الله حين وجهه إلى البيت الحرام { سيقول السفهاء من الناس } وما بعدها من الآيات ، فأنشأت اليهود تقول : قد اشتاق الرجل إلى بلده وبيت أبيه ، وما لهم حتى تركوا قبلتهم يصلون مرة وجهاً ومرة وجهاً آخر ، وقال رجال من الصحابة : فكيف بمن مات منا وهو يصلي قبل بيت المقدس؛ وفرح المشركون وقالوا : إن محمداً قد التبس عليه أمره ، ويوشك أن يكون على دينكم ، فأنزل الله في ذلك هؤلاء الآيات » .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام اختلف الناس فيها فكانوا أصنافاً ، فقال المنافقون : ما بالهم كانوا على قبلة زماناً ثم تركوها وتوجهوا غيرها؟ وقال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس هل يقبل الله منا ومنهم أم لا؟ وقال اليهود : إن محمداً اشتاق إلى بلد أبيه ومولده ، ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر ، وقال المشركون من أهل مكة : تحير على محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم وعلم أنكم كنتم أهدى منه ، ويوشك أن يدخل في دينكم ، فأنزل الله في المنافقين { سيقول السفهاء من الناس } إلى قوله { إلا على الذين هدى الله } ، وأنزل في الآخرين الآيات بعدها .
وأخرج مالك وأبو داود في ناسخه وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن المسيب « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهراً نحو بيت المقدس ، ثم تحوّلت القبلة إلى الكعبة قبل بدر بشهرين » .
وأخرج ابن عدي والبيهقي في السنن والدلائل من طريق سعيد بن المسيب قال : سمعت سعد بن أبي وقاص يقول « صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما قدم المدينة ستة عشر شهراً نحو بيت المقدس ، ثم حوّل بعد ذلك قبل المسجد الحرام قبل بدر بشهرين » .(1/280)
وأخرج أبو داود في ناسخه عن سعيد بن عبد العزيز « أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس من شهر ربيع الأول إلى جمادى الآخرة » .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب « أن الأنصار صلت للقبلة الأولى قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بثلاث حجج ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى للقبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهراً » .
وأخرج ابن جرير عن معاذ بن جبل « أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى للقبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهراً » .
وأخرج ابن جرير عن معاذ بن جبل « أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهراً » .
وأخرج البزار وابن جرير عن أنس قال « صلى النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر ، فبينما هو قائم يصلي الظهر بالمدينة وقد صلى ركعتين نحو بيت المقدس انصرف بوجهه إلى الكعبة ، فقال السفهاء : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ » .
وأخرج البخاري عن أنس قال : لم يبق ممن صلى للقبلتين غيري .
وأخرج أبو داود في ناسخه وأبو يعلى والبيهقي في سننه عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس ، فلما نزلت هذه الآية { فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام } [ البقرة : 144 ] مر رجل من بني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس ألا إنَّ القبلة قد حوّلت إلى الكعبة مرتين ، فمالوا كما هم ركوع إلى الكعبة » .
وأخرج مالك وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود في ناسخه والنسائي عن ابن عمر قال : بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة » .
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن عثمان بن عبد الرحمن قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي انتظر أمر الله في القبلة ، وكان يفعل أشياء لم يؤمر بها ولم ينه عنها من فعل أهل الكتاب ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر في مسجده ، قد صلى ركعتين إذ نزل عليه جبريل ، فأشار له أنْ صل إلى البيت وصلى جبريل إلى البيت ، وأنزل الله(1/281)
{ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فوِّل وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } [ البقرة : 144 ] . و { وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون } [ البقرة : 144 ] قال : فقال المنافقون : حن محمد إلى أرضه وقومه ، وقال المشركون : أراد محمد أن يجعلنا له قبلة ويجعلنا له وسيلة ، وعرف أن ديننا أهدى من دينه . وقال اليهود للمؤمنين : ما صرفكم إلى مكة وترككم به القبلة ، قبلة موسى ويعقوب والأنبياء ، والله إن أنتم إلا تفتنون . وقال المؤمنون : لقد ذهب منا قوم ماتوا ما ندري أكنا نحن وهم على قبلة أو لا؟ قال : فأنزل الله عز وجل في ذلك { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } إلى قوله { إن الله بالناس لرؤوف رحيم } « .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال » كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص ، صلت الأنصار نحو الكعبة حولين قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلى نبي الله بعد قدومه المدينة نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً ، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام فقال في ذلك قائلون من الناس : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها لقد اشتاق الرجل إلى مولده؟! قال الله عز وجل { قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } وقال أناس من أناس : لقد صرفت القبلة إلى البيت الحرام فكيف أعمالنا التي عملنا في القبلة الأولى؟ فأنزل الله { وما كان الله ليضيع إيمانكم } [ البقرة : 143 ] وقد يبتلي الله عباده بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، وكل ذلك مقبول في درجات في الإِيمان بالله والاخلاص ، والتسليم لقضاء الله « .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن عمارة بن أوس الأنصاري قال : صلينا إحدى صلاتي العشي ، فقام رجل على باب المسجد ونحن في الصلاة ، فنادى أن الصلاة قد وجبت نحو الكعبة ، فحوّل أو انحرف أمامنا نحو الكعبة والنساء والصبيان .
وأخرج ابن أبي شيبة والبزار عن أنس بن مالك قال : جاءنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال » إن القبلة قد حوّلت إلى بيت الله الحرام ، وقد صلى الإِمام ركعتين فاستداروا ، فصلوا الركعتين الباقيتين نحو الكعبة « .
وأخرج ابن سعد عن محمد بن عبد الله بن جحش قال » صلّيت القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرفت القبلة إلى البيت ونحن في صلاة الظهر ، فاستدار رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا فاستدرنا معه « .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } قال : يهديهم إلى المخرج من الشبهات والضلالات والفتن .(1/282)
وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنهم - يعني أهل الكتاب - لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى قولنا خلف الإِمام آمين » .
وأخرج الطبراني عن عثمان بن حنيف قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم من مكة يدعو الناس إلى الإِيمان بالله في تصديق به قولاً بلا عمل ، والقبلة إلى بيت المقدس ، فلما هاجر إلينا نزلت الفرائض ، ونسخت المدينة مكة والقول فيها ، ونسخ البيت الحرام بيت المقدس ، فصار الإِيمان قولاً وعملاً » .
وأخرج البزار والطبراني عن عمرو بن عوف قال « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهراً ، ثم حولت إلى الكعبة » .(1/283)
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)
أخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي والنسائي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والإِسماعيلي في صحيحه والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } قال : عدلاً .
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { جعلناكم أمة وسطاً } قال : عدلاً .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { جعلناكم أمة وسطاً } قال : جعلكم أمة عدلاً .
وأخرج ابن سعد عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قال رجل لابن عمر : من أنتم؟ قال : ما تقولون؟ قال : نقول إنكم سبط ، وتقول إنكم وسط . فقال : سبحان الله . . . ! إنما كان السبط في بني إسرائيل ، والأمة الوسط أمة محمد جميعاً .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يدعى نوح يوم القيامة فيقال له : هل بلغت؟ فيقول : نعم . فيدعو قومه فيقال لهم : هل بلغكم؟ فيقولون : ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد . فيقال لنوح : من يشهد لك؟ فيقول : محمد وأمته ، فذلك قوله { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } قال : والوسط العدل ، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم » .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي وابن ماجة والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك ، فيدعى قومه فيقال لهم : هل بلغكم هذا؟ فيقولون : لا . فيقال له : هل بلغت قومك؟ فيقول نعم . فيقال له : من يشهد لك؟ فيقول : محمد وأمته . فيدعى محمد وأمته . فيقال لهم : هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون : نعم . فيقال : وما علمكم؟ فيقولون : جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا . فذلك قوله { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } قال : عدلاً { لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق ، ما من الناس أحد إلا ودّ أنه منا ، وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه بلغ رسالة ربه » .
وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد في قوله { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس } بأن الرسل قد بلغوا { ويكون الرسول عليكم شهيداً } بما عملتم .
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن جابر قال : « شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة في بني سلمة وكنت إلى جانبه ، فقال بعضهم : والله يا رسول الله لنعم المرء كان ، لقد كان عفيفاً مسلماً وكان ، وأثنوا عليه خيراً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت الذي تقول؟فقال : يا رسول الله ذلك بدا لنا والله أعلم بالسرائر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجبت . قال : وكنا معه في جنازة رجل من بني حارثة أو من بني عبد الأشهل ، فقال رجل : بئس المرء ما علمنا أن كان لفظاً غليظاً أن كان . . . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت الذي تقول؟ فقال : يا رسول الله ، الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال : وجبت ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس } » .(1/284)
وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال : « مروا بجنازة فأثني عليه خير فقال النبي صلى الله عليه وسلم » وجبت وجبت وجبت « ، ومر بجنازة فأثني عليه بشر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وجبت وجبت . فسأله عمر . . . ؟ فقال : من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة ، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار ، أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض . زاد الحكيم الترمذي ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس } » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن عمر : أنه مرت به جنازة فأثني على صاحبها خير فقال : وجبت وجبت ، ثم مر بأخرى فأثني شر فقال عمر : وجبت . فقال أبو الأسود : وما وجبت؟ قال : قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة . فقلنا : وثلاثة . . . ؟ فقال : وثلاثة . فقلنا : واثنان . . . ؟ فقال : واثنان ، ثم لم نسأله عن الواحد » .
وأخرج أحمد وابن ماجة والطبراني والبغوي والحاكم في الكنى والدارقطني في الافراد والحاكم في المستدرك والبيهقي في سننه عن أبي زهير الثقفي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبناوة يقول « يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم . قال : بم يا رسول الله؟ قال : بالثناء الحسن والثناء السيء ، أنتم شهداء الله في الأرض » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال « أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة يصلي عليها فقال الناس : نعم الرجل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وجبت . وأتي بجنازة أخرى فقال الناس : بئس الرجل . فقال : وجبت . قال أبي بن كعب : ما قولك؟ فقال : قال الله تعالى { لتكونوا شهداء على الناس } » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإِيمان والضياء في المختارة عن أنس(1/285)
« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من مسلم يموت فتشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيراً إلا قال الله : قد قبلت شهادتكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون » .
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن جرير والطبراني عن سلمة بن الأكوع قال « مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل من الأنصار ، فأثني عليها خيراً فقال : وجبت . ثم مر عليه بجنازة أخرى ، فأثني عليها دون ذلك فقال : وجبت فقال : يا رسول الله وما وجبت؟ قال : الملائكة شهود الله في السماء وأنتم شهود الله في الأرض » .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من مسلم يموت فيشهد له رجلان من جيرانه الأدنين فيقولان اللهم لا نعلم إلا خيراً إلا قال الله للملائكة : اشهدوا أني قد قبلت شهادتهما وغفرت ما لا يعلمان » .
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن كعب قال : أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال لم يعطها إلا الأنبياء ، كان النبي يقال له : بلغ ولا حرج ، وأنت شهيد على قومك ، وادع اجبك . وقل لهذه الأمة { ما جعل عليكم في الدين من حرج } [ الحج : 78 ] وقال { لتكونوا شهداء على الناس } وقال { ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ] .
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أن الأمم يقولون يوم القيامة : والله لقد كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء كلهم لما يرون الله أعطاهم .
وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن جرير عن حبان بن أبي جبلة يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى إسرافيل ، فيقول له ربه : ما فعلت في عهدي هل بلغت عهدي؟ فيقول : نعم ، رب قد بلغته جبريل . فيدعى جبريل فيقال : هل بلغك إسرافيل عهدي؟ فيقول : نعم . فيخلى عن إسرافيل ، ويقول لجبريل : هل بلغت عهدي؟ فيقول : نعم ، قد بلغت الرسل ، فتدعى الرسل فيقال لهم : هل بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون : نعم . فيخلى جبريل ، ثم يقال للرسل : هل بلغتم عهدي؟ فيقولون : نعم ، بلغناه الأمم . فتدعى الأمم فيقال لهم : هل بلغتكم الرسل عهدي؟ فمنهم المكذب ومنهم المصدق . فتقول الرسل : إن لنا عليهم شهداء . فيقول : من؟ فيقولون : أمة محمد . فتدعى أمة محمد فيقال لهم : أتشهدون أن الرسل قد بلغت الأمم؟ فيقولون : نعم . فتقول الأمم : يا ربنا كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول الله : كيف تشهدون عليهم ولم تدركوهم؟ فيقولون : يا ربنا أرسلت إلينا رسولاً ، وأنزلت علينا كتاباً ، وقصصت علينا فيه أن قد بلغوا ، فنشهد بما عهدت إلينا . فيقول الرب : صدقوا ، فذلك قوله { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } والوسط العدل { لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } » .(1/286)
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية عن أبي كعب في الآية قال { لتكونوا شهداء على الناس } يوم القيامة ، كانوا شهداء على نوح ، وعلى قوم هود ، وعلى قوم صالح ، وعلى قوم شعيب ، وعندهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم . قال أبو العالية : وهي في قراءة أبي { لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله { ويكون الرسول عليكم شهيداً } قال : يشهد أنهم قد آمنوا بالحق إذ جاءهم وقبلوه وصدقوا به .
وأخرج عبد بن حميد عن عبيد بن عمير قال : يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه ليس معه أحد ، فتشهد له أمة محمد أنه قد بلغهم .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : يقال : يا نوح قد بلغت؟ قال : نعم يا رب . قال : فمن يشهد لك؟ قال : رب أحمد وأمته . قال : فكلما دعي نبي كذبه قومه شهدت له هذه الأمة بالبلاغ ، فإذا سأل عن هذه الأمة لم يسأل عنها إلا نبيها .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن حبان بن أبي جبلة قال : بلغني أن ترفع أمة محمد على كوم بين يدي الله تشهد للرسل على أممها بالبلاغ ، فإنما يشهد منهم يومئذ من لم يكن في قلبه أحنة على أخيه المسلم .
وأخرج مسلم وأبو داود والحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة » .
وأما قوله تعالى : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } الآية .
أخرج ابن جرير عن عطاء في قوله { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } قال : يعني بيت المقدس { إلا لنعلم من يتبع الرسول } قال : يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { إلا لنعلم } قال : إلا لنميز أهل اليقين من أهل الشك { وإن كانت لكبيرة } يعني تحويلها عن أهل الشك والريب .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : بلغني أن أناساً من الذين أسلموا رجعوا فقالوا مرة ههنا ومرة ههنا .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { وإن كانت لكبيرة } يقول : ما أمر به من التحوّل إلى الكعبة من بيت المقدس .
وأخرج وكيع والفريابي والطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير والمنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة قالوا : يا رسول الله فكيف بالذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله { وما كان الله ليضيع إيمانكم } .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب في قوله { وما كان الله ليضيع إيمانكم } قال : صلاتكم نحو بيت المقدس .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وما كان الله ليضيع إيمانكم } يقول : صلاتكم التي صليتم من قبل أن تكون القبلة ، وكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلى منهم أن لا يقبل صلاتهم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { رؤوف } قال : يرأف بكم .(1/287)
قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)
أخرج ابن ماجة عن البراء قال « صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهراً ، وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله إلى المدينة بشهرين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى إلى بيت المقدس أكثر تقلب وجهه في السماء ، وعلم الله من قلب نبيه أنه يهوى الكعبة ، فصعد جبريل فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره وهو يصعد بين السماء والأرض ينظر ما يأتيه به ، فأنزل الله { قد نرى تقلب وجهك في السماء . . . } الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جبريل كيف حالنا في صلاتنا إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله { وما كان الله ليضيع إيمانكم } [ البقرة : 143 ] » .
وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل قال « صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً ، ثم أنزل الله أنه أمره فيها بالتحوّل إلى الكعبة فقال { قد نرى تقلب وجهك في السماء . . . } الآية » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته إلى بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء ، فأنزل الله { قد نرى تقلب وجهك . . . } الآية » .
وأخرج النسائي والبزار وابن المنذر والطبراني عن أبي سعيد بن المعلى قال « كنا نغدو إلى المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنمر على المسجد فنصلي فيه ، فمررنا يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر ، فقلت : لقد حدث أمر . . . ! فجلست . فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { قد نرى تقلب وجهك في السماء } حتى فرغ من الآية ، فقلت لصاحبي : تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنكون أول من صلى فتوارينا فصلينا ، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى للناس الظهر يومئذ إلى الكعبة » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها } قال : هو يومئذ يصلي نحو بيت المقدس ، وكان يهوى قبلة نحو البيت الحرام ، فولاه الله قبلة كان يهواها ويرضاها { فول وجهك شطر المسجد الحرام } قال : تلقاء المسجد الحرام .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : قالت اليهود : يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا . . . ! فقال : يدعو الله ويستفرض القبلة ، فنزلت { قد نرى تقلب وجهك في السماء . . . } الآية فانقطع قول يهود حين وجه للكعبة ، وحوّل الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأحمد بن منيع في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو في قوله { فلنولينك قبلة ترضاها } قال : قبلة إبراهيم نحو الميزاب .(1/288)
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن البراء في قوله { فول وجهك شطر المسجد الحرام } قال : قبله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدينوري في المجالسة والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن علي في قوله { فول وجهك شطر المسجد الحرام } قال : شطره قبله .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال : شطره نحوه .
وأخرج آدم والدينوري في المجالسة والبيهقي عن مجاهد في قوله { شطره } يعني نحوه .
وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والدينوري عن أبي العالية في قوله { شطر المسجد الحرام } قال : تلقاءه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن رفيع قال { شطره } تلقاءه بلسان الحبش .
وأخرج أبو بكر بن أبي داود في المصاحف عن أبي رزين قال : في قراءة عبد الله ( وحيثما كنتم فولوا وجوهكم قبله ) .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : البيت كله قبلة وقبلة البيت الباب .
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس مرفوعاً « البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي » .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { وإن الذين أوتوا الكتاب } قال : أنزل ذلك في اليهود .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم } قال : يعني بذلك القبلة .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي العالية في قوله { وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق } يقول : ليعلمون أن الكعبة كانت قبلة إبراهيم والأنبياء ولكنهم تركوها عمداً { وأن فريقاً منهم ليكتمون الحق } [ البقرة : 146 ] يقول : يكتمون صفة محمد وأمر القبلة .(1/289)
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)
أخرج ابن جرير عن السدي في قوله { وما بعضهم بتابع قبلة بعض } يقول : لا اليهود بتابعي قبلة النصارى ولا النصارى بتابعي قبلة اليهود .(1/290)
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { الذين آتيناهم الكتاب } قال : اليهود والنصارى { يعرفونه } أي يعرفون رسول الله في كتابهم { كما يعرفون أبناءهم } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } قال : يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة .
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } قال : يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة التي أمروا بها { وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق } يعني القبلة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { وإن فريقاً منهم } قال : أهل الكتاب { ليكتمون الحق وهم يعلمون } قال : يكتمون محمداً وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإِنجيل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه } قال : زعموا أن بعض أهل المدينة من أهل الكتاب ممن أسلم قال : والله لنحن أعرف به منا بأبنائنا من الصفة والنعت الذي نجده في كتابنا ، وأما ابناؤنا فلا ندري ما أحدث النساء .
وأخرج الثعلبي من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن ابن عباس قال : « لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن سلام : قد أنزل الله على نبيه { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } فكيف يا عبد الله هذه المعرفة؟ فقال عبد الله بن سلام : يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني إذا رأيته مع الصبيان ، وأنا أشد معرفة بمحمد مني بإبني . فقال عمر : كيف ذلك؟ قال : إنه رسول الله حق من الله ، وقد نعته الله في كتابنا ولا أدري ما تصنع النساء . فقال له عمر : وفقك الله يا ابن سلام » .
وأخرج الطبراني عن سلمان الفارسي قال : خرجت أبتغي الدين ، فوقعت في الرهبان بقايا أهل الكتاب ، قال الله تعالى { يعرفونه كما يعرفون أبناءهم } فكانوا يقولون : هذا زمان نبي قد أظل يخرج من أرض العرب له علامات ، من ذلك شامة مدوّرة بين كتفيه خاتم النبوّة .(1/291)
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)
أخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي العالية قال : قال الله لنبيه { الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } يقول : لا تكونن في شك يا محمد أن الكعبة هي قبلتك ، وكانت قبلة لأنبياء قبلك .(1/292)
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولكل وجهة } يعني بذلك أهل الأديان . يقول : لكل قبلة يرضونها ووجه الله حيث توجه المؤمنون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ { ولكل وجهة هو موليها } مضاف قال : مواجهها قال : صلوا نحو بيت المقدس مرة ونحو الكعبة قبله .
وأخرج أبو داود في ناسخه عن قتادة { ولكل وجهة هو موليها } قال : هي صلاتهم إلى بيت المقدس وصلاتهم إلى الكعبة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي داود في المصاحف عن منصور قال : نحن نقرأها ( ولكل جعلنا قبلة يرضونها ) .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { ولكل وجهة هو موليها } قال : لكل صاحب ملة قبلة وهو مستقبلها .
وأخرج أبو داود في ناسخة عن أبي العالية { ولكل وجهة هو موليها } قال : لليهود وجهة هو موليها ، وللنصارى وجهة هو موليها فهداكم الله أنتم ايتها الأمة القبلة التي هي القبلة .
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ { ولكل وجهة هو مولاها } .
وأما قوله تعالى : { فاستبقوا الخيرات } الآية .
أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله { فاستبقوا الخيرات } يقول : لا تغلبن على قبلتكم .
وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في قوله { فاستبقوا الخيرات } قال : فسارعوا في الخيرات { أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً } قال : يوم القيامة .
وأخرج البخاري والنسائي والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صلى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فذلك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله ، فلا تخفروا الله في ذمته » .(1/293)
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)
أخرج ابن جرير من طريق السدي عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا : لما صرف النبي صلى الله عليه وسلم نحو الكعبة بعد صلاته إلى بيت المقدس قال المشركون من أهل مكة : تحير محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم ، وعلم أنكم اهدى منه سبيلاً ، ويوشك أن يدخل في دينكم . فأنزل الله { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { لئلا يكون للناس عليكم حجة } قال : يعني بذلك أهل الكتاب ، قالوا حين صرف نبي الله إلى الكعبة البيت الحرام : اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { لئلا يكون للناس عليكم حجة } قال : حجتهم قولهم : قد راجعت قبلتنا .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ومجاهد في قوله { إلا الذين ظلموا منهم } قال : هم مشركو العرب ، قالوا حين صرفت القبلة إلى الكعبة : قد رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { إلا الذين ظلموا منهم } قال : الذين ظلموا منهم مشركو قريش ، إنهم سيحتجون بذلك عليكم ، واحتجوا على نبي الله بانصرافه إلى البيت الحرام ، وقالوا : سيرجع محمد إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا ، فأنزل الله في ذلك كله { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين } [ البقرة : 153 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { لئلا يكون للناس عليكم حجة } قال : يعني بذلك أهل الكتاب { إلا الذين ظلموا منهم } بمعنى مشركي قريش .(1/294)
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم } يقول : كما فعلت فاذكروني .(1/295)
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله { فاذكروني أذكركم } قال : اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي .
وأخرج أبو الشيخ والديلمي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فاذكروني أذكركم } يقول : اذكروني يا معاشر العباد بطاعتي أذكركم بمغفرتي » .
وأخرج ابن لال والديلمي وابن عساكر عن أبي هند الداري « عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله : اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي ، فمن ذكرني وهو مطيع فحق علي أن أذكره بمغفرتي ، ومن ذكرني وهو لي عاص فحق علي أن أذكره بمقت » .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله { اذكروني أذكركم } قال : قال ابن عباس : يقول الله « ذكري لكم خير من ذكركم لي » .
وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو نعيم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله « يا ابن آدم إنك إذا ما ذكرتني شكرتني ، وإذا ما نسيتني كفرتني » .
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن زيد بن أسلم . أن موسى عليه السلام قال : يا رب أخبرني كيف أشكرك؟ قال « تذكرني ولا تنساني ، فإن ذكرتني شكرتني ، وإذا نسيتني فقد كفرتني » .
وأخرج الطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أعطى أربعاً أعطي أربعاً ، وتفسير ذلك في كتاب الله من أعطي الذكر ذكره الله لأن الله يقول { اذكروني أذكركم } ، ومن أعطي الدعاء أعطي الإِجابة لأن الله يقول { ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ] ، ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة لأن الله يقول { لئن شكرتم لأزيدنكم } [ إبراهيم : 7 ] ، ومن أعطي الاستغفار أعطي المغفرة لأن الله يقول { استغفروا ربكم إنه كان غفاراً } [ نوح : 10 ] » .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله تعالى { فاذكروني أذكركم } قال : ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمة ، ولا يذكره كافر إلا ذكره بعذاب .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال : أوحى الله إلى داود « قل للظلمة لا يذكروني فإن حقاً عليّ أذكر من ذكرني ، وأن ذكري إياهم أن ألعنهم » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر . أنه قيل له : أرأيت قاتل النفس وشارب الخمر والزاني يذكر الله وقد قال الله { فاذكروني أذكركم } ؟ قال : إذا ذكر الله هذا ذكره الله بلعنته حتى يسكت .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن خالد بن أبي عمران قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/296)
« من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ، ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يقول الله : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ، وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة » .
وأخرج أحمد والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : يا ابن آدم إذا ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي ، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملائكة . أو قال : في ملأ خير منهم ، وإن دنوت مني شبراً دنوت منك باعاً ، وإن أتيتني تمشي أتيتك بهرولة » .
وأخرج الطبراني عن معاذ بن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قال الله عز وجل ذكره : لا يذكرني أحد في نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي ، ولا يذكرني في ملأ إلا ذكرته في الرفيق الأعلى » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر والبزار والبيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « قال الله : يا ابن آدم إذا ذكرتني خالياً ذكرتك خالياً ، وإذا ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير من الذين تذكرني فيهم وأكثر » .
وأخرج ابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله عز وجل يقول : أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الله بن بسر « أن رجلاً قال : يا رسول الله إن شرائع الإِسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أستن به ، قال : » لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله « .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار وابن حبان والطبراني والبيهقي عن مالك بن يخامر ، أن معاذ بن جبل قال لهم » إن آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قلت : أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال : أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله « .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي المخارق قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم » مررت ليلة أسري بي برجل في نور العرش قلت : من هذا ، ملك؟! قيل : لا . قلت : نبي . . ؟ قيل : لا . قلت : من هذا؟ قال : هذا رجل كان في الدنيا لسانه رطب من ذكر الله ، وقلبه معلق بالمساجد ، ولم يستسب لوالديه « .(1/297)
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا عن سالم بن أبي الجعد قال : قيل لأبي الدرداء : إن رجلاً اعتق مائة نسمة قال : إن مائة نسمة من مال رجل لكثير ، وأفضل من ذلك وأفضل إيمان ملزوم بالليل والنهار أن لا يزال لسان أحدكم رطباً من ذكر الله .
وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجة وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا اعداءكم فتضربوا أعناقهم؟ قالوا : بلى . قال : ذكر الله » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول « إن لكل شيء صقالة وإن صقالة القلوب ذكر الله ، وما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله . قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال : ولو أن يضرب بسيفه حتى ينقطع » .
وأخرج البزار والطبراني والبيهقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من عجز منكم عن الليل أن يكابده ، وبخل بالمال أن ينفقه ، وحين غدر العدوان يجاهده فليكثر ذكر الله » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما عمل آدمي عملاً أنجى له من العذاب من ذكر الله . قيل : ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والطبراني والبيهقي عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة : قلب شاكر ، ولسان ذاكر ، وبدن على البلاء صابر ، وزوجة لا تبغيه خوناً في نفسها وماله » .
وأخرج ابن حبان عن أبي سعيد الخدري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليذكرن الله أقوام في الدنيا على الفرش الممهدة ، يدخلهم الله الدرجات العلى » .
وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي عن أبي موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما من يوم وليلة إلا ولله عز وجل فيه صدقة من بها على من يشاء من عباده ، وما من الله على عبد بأفضل من أن يلهمه ذكره » .(1/298)
وأخرج ابن أبي شيبة عن خالد بن معدان قال : إن الله يتصدق كل يوم بصدقة ، فما تصدق على عبده بشيء أفضل من ذكره .
وأخرج الطبراني عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو أن رجلاً في حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر الله لكان الذاكر لله أفضل » .
وأخرج الطبراني والبيهقي عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكر الله تعالى فيها » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عائشة « أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها بخير إلا تحسر عليها يوم القيامة » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة وأبي سعيد « أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لأهل ذكر الله أربعاً . ينزل عليهم السكينة ، وتغشاهم الرحمة ، وتحف بهم الملائكة ، ويذكرهم الرب في ملأ عنده » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي الدرداء « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يقول : أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس مرفوعاً قال الله « عبدي أنا عند ظنك بي ، وأنا معك إذا ذكرتني » .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عمر قال : ذكر الله بالغداة والعشي أعظم من حطم السيوف في سبيل الله ، وإعطاء المال سخاء .
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال : لو أن رجلين أحدهما يحمل على الجياد في سبيل الله ، والآخر يذكر الله لكان الذاكر أعظم وأفضل أجراً .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سلمان الفارسي قال : لو بات رجل يعطي القناة البيض . ولفظ أحمد : يطاعن الأقران ، وبات آخر يقرأ القرآن أو يذكر الله لرأيت أن ذاكر الله أفضل .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمرو لو أن رجلين أقبل أحدهما من المشرق والآخر من المغرب ، مع أحدهما ذهب لا يضع منه شيئاً إلا في حق ، والآخر يذكر الله حتى يلتقيا في طريق كان الذي يذكر الله أفضلهما .
وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/299)
« إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم ، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء ، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء ، فيسألهم ربهم - وهو يعلم - من أين جئتم؟ فيقولون : جئنا من عند عباد لك يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك . فيقول : هل رأوني؟ فيقولون : لا . فيقول : كيف لو رأوني؟ فيقولون : لو رأوك كانوا أشد لك عبادة ، وأشد لك تمجيداً ، وأكثر لك تسبيحاً . فيقول : فما يسألون؟ فيقولون : يسألونك الجنة . فيقول : وهل رأوها؟ فيقولون : لا . فيقول : فكيف لو رأوها؟ فيقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة . قال : فمم يتعوّذون؟ فيقولون : يتعوّذون من النار . فيقول : وهل رأوها؟ فيقولون : لا . فيقول : فكيف لو رأوها؟ فيقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافة . فيقول : أشهدكم أني غفرت لهم . فيقول ملك من الملائكة : فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة . قال : هم القوم لا يشقى بهم جليسهم » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن معاوية « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال : ما أجلسكم؟ قالوا : جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإِسلام ومن به علينا . قال آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا : آلله ما أجلسنا إلا ذلك . قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة » .
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد الخدري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله يوم القيامة : سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم . فقيل : ومن أهل الكرم يا رسول الله؟ قال : أهل مجالس الذكر » .
وأخرج أحمد عن أنس قال : كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تعال نؤمن بربنا ساعة . فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم « يرحم الله ابن رواحة أنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة » .
وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى والطبراني عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفوراً لكم ، قد بدلت سيئاتكم حسنات » .
وأخرج الطبراني عن سهل بن الحنظلية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله عز وجل فيه فيقومون حتى يقال لهم : قوموا قد غفرت لكم وبدلت سيئاتكم حسنات » .(1/300)
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله إلا ناداهم مناد من السماء : قوموا مغفوراً لكم ، قد بدلت سيئاتكم حسنات ، وما من قوم اجتمعوا في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله إلا كان ذلك عليهم حسرة يوم القيامة » .
وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما عمل آدمي عملاً قط أنجى له من عذاب القبر من ذكر الله » وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا أخبركم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من تعاطي الذهب والفضة ، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : ذكر الله » .
وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل « أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإِيمان؟ قال : أن تحب لله وتبغض لله ، وتعمل لسانك في ذكر الله . قال : وماذا؟ قال : وأن تحب للناس ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ، وأن تقول خيراً أو تصمت » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أبي برزة الأسلمي قال : لو أن رجلاً في حجره دنانير يعطيها وآخر ذاكر الله عز وجل لكان الذاكر أفضل .
وأخرج عبد الله بن أحمد عن أبي الدرداء قال : اذكر الله عند كل حجيرة وشجيرة ومدرة ، واذكره في سرائك تذكر في ضرائك .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال : إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة بذكر الله تبارك وتعالى يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك .
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال : لأن أكبر مائة تكبيرة أحب إلي من أن أتصدق بمائة دينار .
وأخرج عبد الله ابنه عن عبد الله بن عمرو قال : ما اجتمع ملأ يذكرون الله إلا ذكرهم الله في ملأ أعز منه وأكرم ، وما تفرق قوم لم يذكروا الله في مجلسهم إلا كان حسرة عليهم يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال : التكبيرة خير من الدنيا وما فيها .
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من النار من ذكر الله . قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلاَّ أن تضرب بسيفك حتى ينقطع ، ثم تضرب بسيفك حتى ينقطع ، ثم تضرب حتى ينقطع » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال : لأن أذكر الله من غدوة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أحمل على الجياد في سبيل الله من غدوة حتى تطلع الشمس .(1/301)
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبادة بن الصامت قال : لأن أكون في قوم يذكرون الله من حين يصلون الغداة إلى حين تطلع الشمس أحب إلي من أن أكون على متون الخيل أجاهد في سبيل الله إلى أن تطلع الشمس ، ولأن أكون في قوم يذكرون من حين يصلون العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أكون على متون الخيل أجاهد في سبيل الله حتى تغرب الشمس .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان قال : إذا كان العبد يحمد الله في السراء ويحمده في الرخاء فأصابه ضر دعا الله قالت الملائكة : صوت معروف من امرىء ضعيف فيشفعون له ، فإذا كان العبد لا يذكر الله في السراء ولا يحمده في الرخاء فأصابه ضر فدعا الله قالت الملائكة : صوت منكر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أشد الأعمال ثلاثة ، ذكر الله على كل حال ، والإنصاف من نفسك ، والمواساة في المال » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال : إن أهل السماء ليرون بيوت أهل الذكر تضيء لهم كما يضيء الكوكب لأهل الأرض .
وأخرج البزار عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر ، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم ، ثم بعثوا رائدهم إلى السماء إلى رب العزة تبارك وتعالى فيقولون : ربنا أتينا على عباد من عبادك يعظمون آلاءك ، ويتلون كتابك ، ويصلون على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، ويسألونك لآخرتهم ودنياهم . فيقول تبارك وتعالى : غشوهم برحمتي ، فهم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم » .
وأخرج أحمد عن ابن عمر قال : « قلت : يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر؟؟ قال : غنيمة مجالس الذكر الجنة » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار وأبو يعلى والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الدعوات عن جابر قال « خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس إن لله سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر ، فارتعوا في رياض الجنة . قالوا : وأين رياض الجنة؟ قال : مجالس الذكر ، فاغدوا وروحوا في ذكر الله وذكروه أنفسكم ، من كان يحب أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده ، فإن الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه » .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا . قال : وما رياض الجنة؟ قال : حلق الذكر » .
وأخرج الطبراني عن عمرو بن عبسة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، يغشي بياض وجوههم نظر الناظرين ، يغبطهم النبيون والشهداء بمقعدهم وقربهم من الله . قيل : يا رسول الله من هم؟ قال : هم جماع من نوازع القبائل ، يجتمعون على ذكر الله تعالى فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل التمر أطايبه » .(1/302)
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء قال « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليبعثن الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ، ليسوا بأنبياء ولا شهداء . فقال أعرابي : يا رسول الله صفهم لنا نعرفهم؟ قال : هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى ، يجتمعون على ذكر الله يذكرونه » .
وأخرج الخرائطي في الشكر عن خليد العقري قال : إن لكل بيت زينة ، وزينة المساجد الرجال على ذكر الله .
وأخرج البيهقي في الدعوات عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : أتحبون أيها الناس أن تجتهدوا في الدعاء؟ قالوا : نعم . قال : قولوا : اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك » .
وأخرج أحمد في الزهد عن عمرو بن قيس قال : أوحى الله إلى داود أنك إن ذكرتني ذكرتك وإن نسيتني تركتك ، واحذر أن أجدك على حال لا أنظر إليك فيه .
وأخرج عبد الله ابنه في زوائده عن معاوية بن قرة عن أبيه أنه قال له : يا بني إذا كنت في قوم يذكرون الله فبدت لك حاجة فسلم عليهم حين تقوم ، فإنك لا تزال لهم شريكاً ما داموا جلوساً .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي جعفر قال : ما من شيء أحب إلى الله من الذكر والشكر .
أما قوله تعالى { واشكروا لي ولا تكفرون } .
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن المنكدر قال : كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم « اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك » .
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن أبي الدنيا والبيهقي عن معاذ قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم « إني أحبك لا تدعن أن تقول في دبر كل صلاة : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك » .
وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي الجلد قال : قرأت في مساءلة موسى عليه السلام . أنه قال : يا رب كيف لي أن أشكرك وأصغر نعمة وأعتها عندي من نعمك لا يجازي بها عملي كله؟ فأتاه الوحي : أن يا موسى الآن شكرتني .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن سليمان التيمي قال : إن الله عز وجل أنعم على العباد على قدره ، وكلفهم الشكر على قدرهم .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الملك بن مروان قال : ما قال عبد كلمة أحب إليه وأبلغ في الشكر عنده من أن يقول : الحمد لله الذي أنعم علينا وهدانا للإِسلام .(1/303)
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الأصبغ بن نباتة قال : كان علي رضي الله عنه إذا دخل الخلاء قال : بسم الله الحافظ من المؤذي ، وإذا خرج مسح بيده على بطنه ثم قال : يا لها من نعمة لو يعلم العباد شكرها .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال : إن الله ليمنع النعمة ما شاء ، فإذا لم يشكر قلبها عذاباً .
وأخرج ابن أبي الدنيا والخرائطي كلاهما في كتاب الشكر والحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما أنعم الله على عبد من نعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده ، وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر له ذلك قبل أن يستغفره ، إن الرجل ليشتري الثوب بالدينار فيلبسه فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن علي رضي الله عنه قال : من قال حين يصبح : الحمد لله على حسن المساء ، والحمد لله على حسن المبيت ، والحمد لله على حسن الصباح ، فقد أدى شكر ليلته ويومه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والبيهقي عن عبد الله : أدى شكر ليلته ويومه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والبيهقي عن عبد الله بن سلام قال : قال موسى عليه السلام : يا رب ما الشكر الذي ينبغي لك؟ قال : لا يزال لسانك رطباً من ذكري . قال : فإنا نكون من الحال على حال نجلك إن نذكرك عليها ، قال : ما هي؟ قال : الغائط ، واهراق الماء من الجنابة ، وعلى غير وضوء . قال : كلا . قال : يا رب كيف أقول؟ قال : تقول سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت ، فجنبني الأذى سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت فقني من الأذى .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة ، أن رجلاً كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له ، فجاء يوماً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم « كيف أنت يا فلان؟ قال : بخير إن شكرت . فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الرجل : يا نبي الله كنت تسألني وتدعو لي ، وإنك سألتني اليوم فلم تدع لي؟ قال : إني كنت أسألك فتشكر الله ، وإني سألتك اليوم فشككت في الشكر » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي قلابة قال : لا تضركم دنيا إذا شكرتموها .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه . أنه كان يقول في دعائه : أسألك تمام النعمة في الأشياء كلها ، والشكر لك عليها حتى ترضى وبعد الرضا .(1/304)
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي حازم ، أن رجلاً قال له : ما شكر العينين؟ قال : إن رأيت بهما خيراً أعلنته ، وإن رأيت بهما شراً سترته . قال : فما شكر الأذنين؟ قال : إن سمعت خيراً وعيته ، وإن سمعت بهما شراً أخفيته . قال : فما شكر اليدين؟ قال : لا تأخذ بهما ما ليس لهما ، ولا تمنع حقاً لله عز وجل هو فيهما . قال : فما شكر البطن؟ قال : أن يكون أسفله طعاماً ، وأعلاه علماً . قال : فما شكر الفرج؟ قال : كما قال الله عز وجل { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } [ المؤمنون : 6 ] إلى قوله { فأولئك هم العادون } قال : فما شكر الرجلين؟ قال : إن رأيت حياً غبطته بهما عملته ، وإن رأيت ميتاً مقته كففتهما عن عمله وأنت شاكر لله عز وجل ، فاما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه ، فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر .
وأخرج البيهقي في الشعب عن علي بن المديني قال : قيل لسفيان بن عيينة : ما حد الزهد؟ قال : أن تكون شاكراً في الرخاء صابراً في البلاء ، فإذا كان كذلك فهو زاهد . قيل لسفيان : ما الشكر؟ قال : إن تجتنب ما نهى الله عنه .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عمر بن عبد العزيز قال : قيِّدوا نعم الله بالشكر لله عز وجل ، وشكر الله ترك المعصية .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن محمد بن لوط الأنصاري قال : كان يقال : الشكر ترك المعصية .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مخلد بن حسين قال : كان يقال : الشكر ترك المعاصي .
وأخرج البيهقي عن الجنيد قال : قال السري يوماً : ما الشكر؟ فقلت له : الشكرعندي أن لا يستعان على المعاصي بشيء من نعمه .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن سفيان بن عيينة قال : قيل للزهري ما الزاهد؟ قال : من لم يغلب الحرام صبره ، ولم يمنع الحلال شكره .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال : الشكر يأخذ بجرم الحمد وأصله وفرعه ، فلينظر في نعم من الله في بدنه وسمعه وبصره ويديه ورجليه وغير ذلك ، ليس من هذا شيء إلا وفيه نعمة من الله حق على العبد أن يعمل بالنعم اللاتي هي في يديه لله عز وجل في طاعته ونعم أخرى في الرزق ، وحق عليه أن يعمل لله فيما أنعم به عليه من الرزق في طاعته ، فمن عمل بهذا كان أخذ بجرم الشكر وأصله وفرعه .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عامر قال : الشكر نصف الإِيمان ، والصبر نصف الإِيمان ، واليقين الإِيمان كله . وقال البيهقي : أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : سئل الأستاذ أبو سهل محمد بن سليمان الصعلوكي عن الشكر والصبر أيهما أفضل؟ فقال : هما في محل الاستواء ، فالشكر وظيفة السراء ، والصبر فريضة الضراء .(1/305)
وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر » .
وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال : من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه ، فقد قل عمله وحضر عذابه .
وأخرج البيهقي عن الفضيل بن عياض قال : عليكم بالشكر فإنه قل قوم كانت عليهم من الله نعمة فزالت عنهم ثم عادت إليهم .
وأخرج البيهقي عن عمارة بن حمزة قال : إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر .
وأخرج البيهقي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من نظر في الدين إلى من فوقه وفي الدنيا إلى من تحته كتبه الله صابراً شاكراً ، ومن نظر في الدين إلى من تحته ونظر في الدنيا إلى من فوقه لم يكتبه الله صابراً ولا شاكراً » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خصلتان من كانتا فيه كتبه الله صابراً شاكراً ، ومن لم يكونا فيه لم يكتبه الله صابراً ولا شاكراً ، من نظر في دينه إلى من فوقه فاقتدى به ، ومن نظر في دنياه إلى من هو دونه ، ونظر إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته لم يكتبه الله شاكراً ولا صابراً » .
وأخرج مسلم والبيهقي عن صهيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « عجباً لأمر المؤمن كله خير إن أصابته سراء فشكر كان خيراً ، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً » .
وأخرج النسائي والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « عجبت للمؤمن أن أعطي قال : الحمد لله فشكر ، وإن ابتلي قال : الحمد لله فصبر ، فالمؤمن يؤجر على كل حال ، حتى اللقمة يرفعها إلى فيه » .
وأخرج البيهقي وضعفه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كانت فيه ثلاث أدخله الله في رحمته ، وأراه محبته ، وكان في كنفه : من إذا أعطي شكر ، وإذا قدر غفر ، وإذا غضب فتر » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي وضعفه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاث من كن فيه آواه الله في كنفه ، وستر عليه برحمته ، وأدخله في محبته . قيل : وما هن يا رسول الله؟ قال : من إذا أعطي شكر ، وإذا قدر غفر ، وإذا غضب فتر » .
وأخرج أبو داود والنسائي وابن أبي الدنيا في الشكر والفريابي في الذكر والمعمري في عمل اليوم والليلة والطبراني في الدعاء وابن حبان والبيهقي والمستغفري كلاهما في الدعوات عن عبد الله بن غنام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/306)
« من قال حين يصبح : اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه ، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن السري بن عبد الله أنه كان على الطائف ، فأصابهم مطر ، فخطب الناس فقال : يا أيها الناس احمدوا الله على ما وضع لكم من رزقه ، فإنه بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال « إذا أنعم الله عز وجل على عبده بنعمة فحمده عندها فقد أدّى شكرها » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والخرائطي كلاهما في كتاب الشكر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من رأى صاحب بلاء فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني عليك وعلى جميع خلقه تفضيلاً فقد أدى شكر النعمة » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن كعب قال : ما أنعم الله عز وجل على عبد نعمة في الدنيا فشكرها لله عز وجل وتواضع بها لله إلا أعطاه نفعها في الدنيا ورفع له بها درجة في الآخرة ، وما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فلم يشكرها لله عز وجل ولم يتواضع بها لله إلا منعه الله عز وجل نفعها في الدنيا وفتح له طبقاً من النار ، فعذبه إن شاء أو تجاوز عنه .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما من عبد يشرب من ماء القراح فيدخل بغير أذى ويجري بغير أذى إلا وجب عليه الشكر .
وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه عن أبي بكرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسره خرّ ساجداً لله عز وجل شكراً لله » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن عوف « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : إني لقيت جبريل عليه السلام فبشرني ، وقال : إن الله يقول لك : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه ، فسجدت لله شكراً » .
وأخرج الخرائطي في الشكر عن جابر « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى صاحب بلاء خرّ ساجداً » .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والخرائطي في الشكر عن شداد بن أوس « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكثروا هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، وأسألك شكر نعمتك ، وأسألك حسن عبادتك ، وأسألك قلباً سليماً ، ولساناً صادقاً ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب » .(1/307)
وأخرج الخرائطي عن جابر بن عبد الله « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أفضل الذكر لا إلا إله إلا الله ، وأفضل الشكر الحمد لله » .
وأخرج الخرائطي والبيهقي في الدعوات عن منصور بن صفية قال : « مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل وهو يقول : الحمد لله الذي هداني للإِسلام وجعلني من أمة محمد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لقد شكرت عظيماً « » .
وأخرج الخرائطي عن محمد بن كعب القرظي قال : يا هؤلاء احفظوا اثنتين ، شكر النعمة واخلاص الإِيمان .
وأخرج الخرائطي عن أبي عمر الشيباني قال : قال موسى عليه السلام يوم الطور : يا رب إن أنا صليت فمن قبلك ، وإن أنا تصدقت فمن قبلك ، وإن أنا بلغت رسالاتك فمن قبلك ، فكيف أشكرك؟ قال : يا موسى الآن شكرتني .
وأخرج ابن أبي الدنيا والخرائطي والبيهقي في شعب الإِيمان عن عبد الله بن قرط الأزدي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إنما تثبت النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم » .
وأخرج الخرائطي عن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب قال : أشكر المنعم عليك ، فإنه لا نفاد للنعم إذا شكرت ، ولا بقاء لها إذا كفرت ، والشكر زيادة في النعم ، وأمان من الغير .
وأخرج الخرائطي عن خالد الربعي قال : كان يقال : إن من أجدر الأعمال أن تعجل عقوبته : الأمانة تخان ، والرحم يقطع ، والإِحسان يكفر .
وأخرج الخرائطي عن كعب الأحبار قال : شر الحديث التجديف قال أبو عبيد : قال الأصمعي : التجديف هو الكفر بالنعم ، وقال الأموي : هو استقلال ما أعطاه الله عز وجل .(1/308)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)
أخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال : غشي على عبد الرحمن بن عوف في وجعه غشية ظنوا أنه قد فاضت نفسه فيها حتى قاموا من عنده وجللوه ثوباً ، وخرجت أم كلثوم بنت عقبة امرأته إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة ، فلبثوا ساعة وهو في غشيته ثم أفاق .(1/309)
وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)
أخرج ابن منده في المعرفة من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : قتل تميم بن الحمام ببدر وفيه وفي غيره نزلت { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات . . . } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { لمن يقتل في سبيل الله } قال : في طاعة الله ، في قتال المشركين .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي العالية في قوله { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء } قال : يقول : هم أحياء في صور طير خضر ، يطيرون في الجنة حيث شاؤوا ، ويأكلون من حيث شاؤوا .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير عن عكرمة في قوله تعالى { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات . . . } الآية . قال : أرواح الشهداء طير بيض فقاقيع في الجنة .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في البعث والنشور عن كعب قال : جنة المأوى فيها طير خضر ترتقي فيها أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ، وأولاد المؤمنين الذين لم يبلغوا الحنث عصافير من عصافير الجنة ترعى وتسرح .
وأخرج عبد الرزاق عن معمرعن قتادة قال « بلغنا أن أرواح الشهداء في صور طير بيض تأكل من ثمار الجنة ، وقال الكلبي عن النبي صلى الله عليه وسلم : في صورة طير بيض تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون } قال : ذكر لنا أن أرواح الشهداء تعارف في طير بيض تأكل من ثمار الجنة ، وان مساكنهم السدرة ، وان الله أعطى المجاهد ثلاث خصال من الخير : من قتل في سبيل الله كان حياً مرزوقاً ، ومن غلب آتاه الله أجراً عظيماً ، ومن مات رزقه الله رزقاً حسناً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { بل أحياء } قال : كان يقول : من ثمر الجنة ، ويجدون ريحها وليسوا فيها .
وأخرج مالك وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن كعب بن مالك « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلق من ثمر الجنة أو شجر الجنة » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبد الله بن كعب بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أرواح الشهداء في صور طير خضر معلقة في قناديل الجنة حتى يرجعها الله يوم القيامة » .
وأخرج النسائي والحاكم وصححه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول الله له : يا ابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول : أي رب خير منزل . فيقول : سل وتمنّ . فيقول : وما أسألك وأتمنى ، أسألك أن تردني إلى الدنيا فاقتل في سبيل الله عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة » .(1/310)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله { ولنبلونكم . . . } الآية . قال : أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء ، وأنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر ، وبشرهم فقال { وبشر الصابرين } . وأخبر أن المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة كتب الله له ثلاث خصال من الخير : الصلاة من الله ، والرحمة ، وتحقيق سبل الهدى . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته ، وأحسن عقباه ، وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء في قوله { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع } قال : هم أصحاب محمد عليه السلام .
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن جويبر قال : كتب رجل إلى الضحاك يسأله عن هذه الآية { إنا لله وإنا إليه راجعون } أخاصة هي أم عامة؟ فقال : هي لمن أخذ بالتقوى ، وأدى الفرائض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ولنبلونكم } قال : ولنبتلينكم يعني المؤمنين { وبشر الصابرين } قال : على أمر الله في المصائب ، يعني بشرهم بالجنة { أولئك عليهم } يعني على من صبر على أمر الله عند المصيبة { صلوات } يعني مغفرة { من ربهم ورحمة } يعني رحمة لهم وأمنة من العذاب { وأولئك هم المهتدون } يعني من المهتدين بالاسترجاع عند المصيبة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة في قوله : ونقص من الثمرات . قال : يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة فيه إلا تمرة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق رجاء بن حيوة عن كعب . مثله .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « اعطيت أمتي شيئاً لم يعطه أحد من الأمم ، أن يقولوا عند المصيبة { إنا لله وإنا إليه راجعون } » .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن سعيد بن جبير قال : لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة شيئاً لم تعطه الأنبياء قبلهم ، ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب إذ يقول : يا أسفى على يوسف { إنا لله وإنا إليه راجعون } لفظ البيهقي قال : لم يعط أحد من الأمم الاسترجاع غير هذه الأمة ، أما سمعت قول يعقوب؟ : يا أسفي على يوسف .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون } قال : من استطاع أن يستوجب لله في مصيبته ثلاثاً الصلاة والرحمة والهدى فليفعل ولا قوة إلا بالله ، فإنه من استوجب على الله حقاً بحق أحقه الله له ، ووجد الله وفياً .(1/311)
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب العزاء وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عمر بن الخطاب قال : نعم العدلان ونعم العلاوة { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة } نعم العدلان { وأولئك هم المهتدون } نعم العلاوة .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال : أربع من كن فيه بنى الله له بيتاً في الجنة : من كان عصمة أمره لا إله إلا الله ، وإذا أصابته مصيبة قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وإذا أعطي شيئاً قال : الحمد لله ، وإذا أذنب ذنباً قال : استغفر الله .
وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلثمائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء والأرض » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء عن يونس بن يزيد قال : سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن ما منتهى الصبر؟ قال : يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الاعتبار عن عمر بن عبد العزيز . أن سليمان بن عبد الملك قال له عند موت ابنه : أيصبر المؤمن حتى لا يجد لمصيبته ألماً؟ قال : يا أمير المؤمنين لا يستوي عندك ما تحب وما تكره ، ولكن الصبر معول المؤمن .
وأخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي في شعب الإِيمان عن الحسين بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها ، فيحدث لذلك استرجاعاً إلا حدد الله له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب » .
وأخرج سعيد بن منصور والعقيلي في الضعفاء من حديث عائشة . مثله .
وأخرج الحكيم الترمذي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من نعمة وإن تقادم عهدها فيجدد لها العبد الحمد إلا جدد الله له ثوابها ، وما من مصيبة وإن تقادم عهدها فيجدد لها العبد الاسترجاع إلا جدد الله له ثوابها وأجرها » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء عن سعيد بن المسيب رفعه « من استرجع بعد أربعين سنة أعطاه الله ثواب مصيبته يوم أصيبها » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن كعب قال : ما من رجل تصيبه مصيبة فيذكرها بعد أربعين سنة فيسترجع إلا أجرى الله له أجرها تلك الساعة ، كما أنه لو استرجع يوم أصيب .(1/312)
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإِيمان عن أم سلمة قالت : أتاني أبو سلمة يوماً من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً سررت به قال « لا يصيب أحداً من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ، ثم يقول : اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا فعل ذلك به . قالت أم سلمة : فحفظت ذلك منه ، فلما توفي أبو سلمة استرجعت ، فقلت : اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ، ثم رجعت إلى نفسي وقلت من أين لي خير من أبي سلمة؟ فأبدلني الله بأبي سلمة خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج مسلم عن أم سلمة قالت « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها . قالت : فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخلف الله لي خيراً منه ، رسول الله صلى الله عليه وسلم » .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته : قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون : نعم . فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون : نعم . فيقول : ماذا قال عبدي؟ فيقولون : حمدك واسترجع ، فيقول الله ، ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة ، وسموه بيت الحمد » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن للموت فزعاً ، فإذا أتى أحدكم وفاة أخيه فليقل : إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا إلى ربنا لمنقلبون » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء عن أبي بكر بن أبي مريم سمعت أشياخنا يقولون : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن أهل المصيبة لتنزل بهم فيجزعون وتسور عنهم فيمر بها مار من الناس ، فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فيكون فيها أعظم أجراً من أهلها » .
وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن أبي أمامة قال « انقطع قبال النبي صلى الله عليه وسلم فاسترجع فقالوا : مصيبة يا رسول الله؟ فقال : ما أصاب المؤمن مما يكره فهو مصيبة » .
وأخرج البزار بسند ضعيف والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إذا انقطع شسع أحدكم فليسترجع فإنها من المصائب » .
وأخرج البزار بسند ضعيف عن شداد بن أوس مرفوعاً . مثله .
وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء عن شهر بن حوشب رفعه قال « من انقطع شسعه فليقل إنا لله وإنا إليه راجعون ، فإنها مصيبة » .(1/313)
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن عوف بن عبد الله قال : من انقطع شسعه فليقل إنا لله وإنا إليه راجعون ، فإنها مصيبة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن عوف بن عبد الله قال : كان ابن مسعود يمشي فانقطع شسعه فاسترجع فقيل : يسترجع على مثل هذا؟ قال : مصيبة .
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وهناد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن عمر بن الخطاب . إنه انقطع شسعه فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون . فقيل له : ما لك؟! فقال : انقطع شسعي فساءني ، وما ساءك فهو لك مصيبة .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الأمل والديلمي عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً اتخذ قبالاً من حديد فقال : أما أنت أطلت الأمل ، إن أحدكم إذا انقطع شسعه فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون كان عليه من ربه الصلاة والهدى والرحمة ، وذلك خير له من الدنيا » .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في العزاء عن عكرمة قال « طفىء سراج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون . فقيل : يا رسول الله أمصيبة هي؟ قال : نعم ، وكل ما يؤذي المؤمن فهو مصيبة له وأجر » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد العزيز بن أبي رواد قال « بلغني أن المصباح طفىء فاسترجع النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل ما ساءك مصيبة » .
وأخرج الطبراني وسمويه في فوائده عن أبي أمامة قال « خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقطع شسع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون . فقال له رجل : هذا الشسع؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها مصيبة » .
وأخرج ابن السني في عمل يوم وليلة عن أبي ادريس الخولاني قال « بينا النبي صلى الله عليه وسلم يمشي هو وأصحابه إذا انقطع شسعه فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون . قال : ومصيبة هذه؟! قال : نعم ، كل شيء ساء المؤمن فهو مصيبة » .
وأخرج الديلمي عن عائشة قالت « أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لدغته شوكة في ابهامه ، فجعل يسترجع منها ويمسحها ، فلما سمعت استرجاعه دنوت منه فنظرت ، فإذا أثر حقير فضحكت! ، فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أكل هذا الاسترجاع من أجل هذه الشوكة؟! فتبسم ثم ضرب على منكبي فقال : يا عائشة إن الله عز وجل إذا أراد أن يجعل الصغير كبيراً جعله ، وإذا أراد أن يجعل الكبير صغيراً جعله » .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : إذا فاتتك صلاة في جماعة فاسترجع ، فإنها مصيبة .(1/314)
وأخرج عبد بن حميد عن سواد بن داود . أن سعيد بن المسيب جاء وقد فاتته الصلاة في الجماعة ، فاسترجع حتى سمع صوته خارجاً من المسجد .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصبر عند الصدمة الأولى ، والعبرة لا يملكها ابن آدم صبابة المرء إلى أخيه » .
وأخرج ابن سعد عن خيثمة قال : لما جاء عبد الله بن مسعود نعي أخيه عتبة دمعت عيناه فقال : إن هذه رحمة جعلها الله لا يملكها ابن آدم .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة تبكي على صبي لها فقال لها : اتقي الله واصبري . فقالت : وما تبالي أنت مصيبتي؟ فلما ذهب قيل لها : إنه رسول الله ، فأخذها مثل الموت ، فأتت بابه فلم تجد عليه بوابين فقالت : لم أعرفك يا رسول الله! فقال : إنما الصبر عند أوّل صدمة » .
وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن ماجة والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أيما مسلمين مضى لهما ثلاثة من أولادهما لم يبلغوا حنثاً كانوا لهما حصناً حصيناً من النار . قال : أبو ذر مضى لي اثنان . قال : واثنان . قال أبو المنذر سيد القراء : مضى لي واحد يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وواحد وذلك في الصدمة الأولى » .
وأخرج عبد بن حميد عن كريب بن حسان قال : توفي رجل منا فوجد به أبوه أشد الوجد ، فقال له رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له حوشب : ألا أحدثكم بمثلها شهدتها من النبي صلى الله عليه وسلم ، كان رجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له توفي ، فوجد به أبوه أشد الوجد . قال النبي صلى الله عليه وسلم « ما فعل فلان؟ قالوا : يا رسول الله توفي ابنه الذي كان يختلف معه إليك . فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا فلان أيسرك أن ابنك عندك كأجرى الغلمان جرياً ، يا فلان أيسرك أن ابنك عندك كأنشط الغلمان نشاطاً ، يا فلان أيسرك أن ابنك عندك كأجود الكهول كهلاً ، أو يقال لك أدخل الجنة ثواب ما أخذ معك » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن معاوية بن قرة عن أبيه قال « كان رجل يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه بني له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم : أتحبه؟ قال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبك الله كما أحبه . ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما فعل ابن فلان؟ قالوا : مات . قال : فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أما تحب أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة تستفتحه إلا جاء يسعى حتى يفتحه لك؟ قالوا : يا رسول الله أله وحده أم لكلنا؟ قال : بل لكلكم » .(1/315)
وأخرج البخاري عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ، ثم احتسبه إلا الجنة » .
وأخرج مالك في الموطأ والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما يزال المؤمن يصاب في ولده وحاجته حتى يلقى الله وليست له خطيئة » .
وأخرج أحمد والطبراني عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله وجبت له الجنة » .
وأخرج البزار والحاكم وصححه عن بريدة قال « كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فبلغه أن امرأة من الأنصار مات ابن لها فجزعت عليه ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه ، فلما دخل عليها قال : أما أنه قد بلغني أنك جزعت؟ فقالت : ما لي لا أجزع وأنا رقوب لا يعيش لي ولد؟! فقال : إنما الرقوب التي يعيش ولدها ، إنه لا يموت لامرأة مسلمة ثلاثة من الولد فتحتسبهم إلا وجبت لها الجنة . فقال عمر : واثنين؟ قال : واثنين » .
وأخرج مالك في الموطأ عن أبي النضر السلمي « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار . فقالت امرأة : أو اثنان . . . ؟ قال : أو اثنان » .
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإِيمان عن جابر « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم دخل الجنة . فقالت امرأة : واثنين . . . ؟ قال : واثنين » .
وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم . فقالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اثنان . . . ؟ قال : أو اثنان . قالوا : أو واحد . . . ؟ قال أو واحد . ثم قال : والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته » .
وأخرج الطبراني عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من دفن ثلاثة فصبر عليهم واحتسب وجبت له الجنة . فقالت أم أيمن : واثنين . . . ؟ قال : واثنين . قالت : أو واحد . . . ؟ فسكت ثم قال : وواحد » .(1/316)
وأخرج أحمد وابن قانع في معجم الصحابة وابن منده في المعرفة عن حوشب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من مات له ولد فصبر واحتسب قيل له : ادخل الجنة بفضل ما أخذنا منك » .
وأخرج النسائي وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي سلمة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والولد الصالح يتوفى للمرء فيحتسبه » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في العزاء والبيهقي عن أنس قال « توفي ابن لعثمان بن مظعون فاشتد حزنه عليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن للجنة ثمانية أبواب وللنار سبعة أبواب ، أفما يسرك أن لا تأتي باباً منها إلا وجدت ابنك إلى جنبك ، آخذاً بحجزتك يشفع لك إلى ربك؟ قال : بلى . قال المسلمون : يا رسول الله ولنا في افراطنا ما لعثمان؟ قال : نعم ، لمن صبر منكم واحتسب » .
وأخرج النسائي عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر واحتسب بثواب دون الجنة » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي سعيد الخدري « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قسم الله العقل على ثلاثة أجزاء ، فمن كن فيه فهو العاقل ومن لم يكن فيه فلا عقل له : حسن المعرفة بالله ، وحسن الطاعة لله ، وحسن الصبر لله » .
وأخرج ابن سعد عن مطرف بن عبد الله بن الشخير . أنه مات ابنه عبد الله فخرج وهو مترجل في ثياب حسنة ، فقيل له في ذلك؟ فقال : قد وعدني الله على مصيبتين ثلاث خصال ، كل خصلة منها أحب إليّ من الدنيا كلها . قال الله { الذين إذا أصابتهم مصيبة } إلى قوله { المهتدون } أفأستكين لها بعد هذا؟(1/317)
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)
أخرج مالك في الموطأ وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن أبي داود وابن الأنباري في المصاحف معاً وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن عن عائشة « أن عروة قال لها : أرأيت قول الله تعالى { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما } فما أرى على أحد جناحاً أن يطوّف بهما؟ فقالت عائشة : بئسما قلت يا ابن أختي ، إنها لو كانت على ما أوّلتها كانت فلا جناح عليه أن لا يطوّف بهما ، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها ، وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة ، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية ، فأنزل الله { إن الصفا والمروة من شعائر الله . . . } الآية . قالت عائشة : ثم قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما ، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما » .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري والترمذي وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم وابن السكن والبيهقي عن أنس . أنه سئل عن الصفا والمروة قال : كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية ، فلما جاء الإِسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله { إن الصفا والمروة من شعائر الله } .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت : نزلت هذه الآية في الأنصار ، كانوا في الجاهلية إذا أحرموا لا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، فلما قدمنا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { إن الصفا والمروة من شعائر الله } .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت : نزلت هذه الآية في الأنصار ، كانوا في الجاهلية إذا أحرموا لا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، فلما قدمنا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { إن الصفا والمروة من شعائر الله } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كانت الشياطين في الجاهلية تعزف الليل أجمع بين الصفا والمروة ، فكانت فيها آلهة لهم أصنام ، فلما جاء الإِسلام قال المسلمون : يا رسول الله ألا نطوف بين الصفا والمروة فإنه شيء كنا نصنعه في الجاهلية؟ فأنزل الله { فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما } يقول : ليس عليه اثم ولكن له أجر .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال : قالت الأنصار : إن السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية ، فأنزل الله { إن الصفا والمروة من شعائر الله .(1/318)
. . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن حبيش قال : سألت ابن عمر عن قوله { إن الصفا والمروة . . . } الآية . فقال : انطلق إلى ابن عباس فاسأله ، فإنه أعلم من بقي بما أنزل على محمد . فأتيته فسألته فقال : إنه كان عندهما أصنام ، فلما أسلموا امسكوا عن الطواف بينهما حتى أنزلت { إن الصفا والمروة . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { إن الصفا والمروة من شعائر الله . . . } الآية . وذلك أن ناساً تحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، فأخبر الله أنهما من شعائره الطواف بينهما أحب إليه ، فمضت السنة بالطواف بينهما .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عامر الشعبي قال : « كان وثن بالصفا يدعى أساف ووثن بالمروة يدعى نائلة ، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت يسعون بينهما ويمسحون الوثنين ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله إن الصفا والمروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين وليس الطواف بهما من الشعائر! فأنزل الله { إن الصفا والمروة . . . } الآية . فذكر الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه ، وأُنِّثَتْ المروة من أجل الوثن الذي كان عليه مؤنثاً » .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : قالت الأنصار إنما السعي بين هذين الحجرين من عمل أهل الجاهلية ، فأنزل الله { إن الصفا والمروة من شعائر الله } قال : من الخير الذي أخبرتكم عنه فلم يحرج من لم يطف بهما { ومن تطوّع خيراً فهو خير له } فتطوّع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت من السنن ، فكان عطاء يقول : يبدل مكانه سبعين بالكعبة إن شاء .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال « كان ناس من أهل تهامة في الجاهلية لا يطوفون بين الصفا والمروة ، فأنزل الله { إن الصفا والمروة من شعائر الله } وكان من سنة إبراهيم وإسمعيل الطواف بينهما .
وأخرج عبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت : كان رجال من الأنصار ممن كان يهل لمناة في الجاهلية ، ومناة صنم بين مكة والمدينة . قالوا : يا نبي الله إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيماً لمناة فهل علينا من حرج أن نطوف بهما؟ فأنزل الله { إن الصفا والمروة من شعائر الله . . . } الآية . قال عروة : فقلت لعائشة : ما أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة! قال الله { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } فقالت : يا ابن أختي ألا ترى أنه يقول { إن الصفا والمروة من شعائر الله } قال الزهري : فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام فقال : هذا العلم .(1/319)
قال أبو بكر : ولقد سمعت رجالاً من أهل العلم يقولون : لما أنزل الله الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين الصفا والمروة ، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة ، وأن الله قد ذكر الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بين الصفا والمروة ، فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما؟ فأنزل الله { إن الصفا والمروة من شعائر الله . . . } الآية كلها . قال أبو بكر : فاسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما ، فيمن طاف وفيمن لمن يطف « .
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وعبد بن حميد ومسلم وابن ماجة وابن جرير عن عائشة قالت : لعمري ما أتم الله حج من لم يسع بين الصفا والمروة ولا عمرته ، ولأن الله قال { إن الصفا والمروة من شعائر الله } .
وأخرج عبد بن حميد ومسلم عن أنس قال : كانت الأنصار يكرهون السعي بين الصفا والمروة حتى نزلت هذه الآية { إن الصفا والمروة من شعائر الله } فالطواف بينهما تطوّع .
وأخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وابن الأنباري عن ابن عباس . أنه كان يقرأ { فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عطاء قال : في مصحف ابن مسعود ( فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ) .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن حماد قال : وجدت في مصحف أبي ( فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ) .
وأخرج ابن أبي داود عن مجاهد . أنه كان يقرأ { فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما } .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس . أنه قرأ { فلا جناح عليه أن يطوّف } مثقلة ، فمن ترك فلا بأس .
وأخرج سعيد بن منصور والحاكم وصححه عن ابن عباس . أنه أتاه رجل فقال : أبدأ بالصفا قبل المروة ، وأصلي قبل أن أطوف ، أو أطوف قبل . وأحلق قبل أن أذبح ، أو أذبح قبل أن أحلق؟ فقال ابن عباس : خذوا ذلك من كتاب الله فإنه أجدر أن يحفظ ، قال الله { إن الصفا والمروة من شعائر الله } فالصفا قبل المروة ، وقال { لا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } [ البقرة : 196 ] فالذبح قبل الحلق . وقال { وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود } [ الحج : 26 ] والطواف قبل الصلاة .
وأخرج وكيع عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس لم بدىء بالصفا قبل المروة؟ قال : لأن الله قال : إن الصفا والمروة من شعائر الله .
وأخرج مسلم والترمذي وابن جرير والبيهقي في سننه عن جابر قال » لما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصفا في حجته قال : إن الصفا والمروة من شعائر الله ، ابدأوا بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقي عليه « .(1/320)
وأخرج الشافعي وابن سعد وأحمد وابن المنذر وابن قانع والبيهقي عن حبيبة بنت أبي بحران قالت « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى ، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره ، وهو يقول : اسعوا فإن الله عز وجل كتب عليكم السعي » .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : « سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا » .
وأخرج وكيع عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : سألت ابن عباس عن السعي بين الصفا والمروة قال : فعله إبراهيم عليه السلام .
وأخرج الطبراني والبيهقي عن أبي الطفيل قال « قلت لابن عباس يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة وإن ذلك سنة ، قال : صدقوا أن إبراهيم لما أمر بالمناسك اعترض عليه الشيطان عند المسعى ، فسابقه فسبقه إبراهيم » .
وأخرج الحاكم عن ابن عباس . أنه رآهم يطوفون بين الصفا والمروة فقال : هذا مما أورثتكم أم إسمعيل .
وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن سعيد بن جبير قال : أقبل إبراهيم ومعه هاجر وإسمعيل عليهم السلام ، فوضعهم عند البيت فقالت : الله أمرك بهذا؟ قال : نعم . قال : فعطش الصبي فنظرت فإذا أقرب الجبال إليها الصفا ، فسعت فرقت عليه ، فنظرت فلم تر شيئاً ، ثم نظرت فإذا أقرب الجبال إليها المروة ، فنظرت فلم تر شيئاً ، قال : فهي أول من سعى بين الصفا والمروة ، ثم أقبلت فسمعت حفيفاً أمامها قال : قد أسمع فإن يكن عندك غياث فهلم ، فإذا جبريل أمامها يركض زمزم بعقبه فنبع الماء ، فجاءت بشيء لها تقري فيه الماء فقال لها : تخافين العطش؟ هذا بلد ضيفان الله لا تخافون العطش .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنما جعل الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار لاقامة ذكر الله لا لغيره » .
وأخرج الأزرقي عن أبي هريرة قال : السنة في الطواف بين الصفا والمروة أن ينزل من الصفا ، ثم يمشي حتى يأتي بطن المسيل ، فإذا جاءه سعى حتى يظهر منه ، ثم يمشي حتى يأتي المروة .
وأخرج الأزرقي من طريق مسروق عن ابن مسعود أنه خرج إلى الصفا فقام إلى صدع فيه فلبى فقلت له : إن ناساً ينهون عن الإِهلال ههنا قال : ولكني آمرك به هل تدري ما الإِهلال؟ إنما هي استجابة موسى لربه ، فلما أتى الوادي رمل وقال : رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم .
وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن مسعود . أنه قام على الصدع الذي في الصفا وقال : هذا ، والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة .(1/321)
أما قوله تعالى : { ومن تطوّع خيراً } .
أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة عبد الله { ومن تطوع بخير } .
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر « أنه كان يدعو على الصفا والمروة يكبر ثلاثاً ، سبع مرات يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون . وكان يدعو بدعاء كثير حتى يبطئنا وإنا لشباب ، وكان من دعائه : اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ويحب رسلك ويحب عبادك الصالحين ، اللهم حببني إليك ، وإلى ملائكتك ، وإلى رسلك ، وإلى عبادك الصالحين ، اللهم يسرني لليسرى ، وجنبني للعسرى ، واغفر لي في الآخرة والأولى ، واجعلني من الأئمة المتقين ومن ورثة جنة النعيم ، واغفر لي خطيئتي يوم الدين . اللهم إنك قلت { ادعوني أستجب لكم } ، وإنك لا تخلف الميعاد . اللهم إذ هديتني للإِسلام فلا تنزعه مني ولا تنزعني منه حتى توفاني على الإِسلام وقد رضيت عني . اللهم لا تقدمني للعذاب ولا تؤخرني لسيء الفتن » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب قال : من قدم منكم حاجاً فليبدأ بالبيت فليطف به سبعاً ، ثم ليصل ركعتين عند مقام إبراهيم ، ثم ليأت الصفا فليقم عليه مستقبل الكعبة ، ثم ليكبر سبعاً بين كل تكبيرتين حمد الله وثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأله لنفسه ، وعلى المروة مثل ذلك .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس قال : ترفع الأيدي في سبعة مواطن : إذا قام إلى الصلاة ، وإذا رأى البيت ، وعلى الصفا والمروة ، وفي عرفات ، وفي جمع ، وعند الجمرات .
وأخرج الشافعي في الأم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ترفع الأيدي في الصلاة ، وإذا رأى البيت ، وعلى الصفا والمروة ، وعلى عرفات وبجمع ، وعند الجمرتين ، وعلى الميت » .
أما قوله تعالى { فإن الله شاكر عليم } .
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : لا شيء أشكر من الله ، ولا أجزي بخير من الله عز وجل .(1/322)
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة ، وسعد بن معاذ أخو بني الأشهل ، وخارجة بن زيد أخو الحرث بن الخزرج ، نفراً من أحبار اليهود عن بعض ما في التوراة ، فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم ، فأنزل الله فيهم { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى } قال : هم أهل الكتاب .
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى . . . } الآية . قال : أولئك أهل الكتاب كتموا الإِسلام وهو دين الله ، وكتموا محمداً ، وهم { يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإِنحيل } [ الأعراف : 157 ] { ويلعنهم اللاعنون } قال : من ملائكة الله المؤمنين .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال : هم أهل الكتاب كتموا محمداً ونعته ، وهم يجدونه مكتوباً عندهم حسداً وبغياً .
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : زعموا أن رجلاً من اليهود كان له صديق من الأنصار يقال له ثعلبة بن غنمة ، قال له : هل تجدون محمداً عندكم؟ قال : لا .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله { أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } قال : الجن والإِنس ، وكل دابة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله { ويلعنهم اللاعنون } قال : إذا أجدبت البهائم دعت على فجار بني آدم . فقالت : تحبس عنا الغيث بذنوبهم .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن مجاهد في قوله { ويلعنهم اللاعنون } قال : إن البهائم إذا اشتدت عليهم السنة قالت : هذا من أجل عصاة بني آدم ، لعن الله عصاة بني آدم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في قوله { ويلعنهم اللاعنون } قال : دواب الأرض العقارب والخنافس يقولون : إنما منعنا القطر بذنوبهم فليعنونهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة في قوله { ويلعنهم اللاعنون } قال : يلعنهم كل شيء حتى الخنافس والعقارب ، يقولون : منعنا القطر بذنوب بني آدم .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي جعفر في قوله { ويلعنهم اللاعنون } قال : كل شيء حتى الخنفساء .
وأخرج ابن ماجة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب قال : كنا في جنازة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « إن الكافر يضرب ضربتين بين عينيه فيسمعه كل دابة غير الثقلين ، فتلعنه كل دابة سمعت صوته ، فذلك قول الله { ويلعنهم اللاعنون } يعني دواب الأرض » .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { ويلعنهم اللاعنون } قال : قال البراء بن عازب : إن الكافر إذا وضع في قبره أتته دابة كأن عينيها قدران من نحاس معها عمود من حديد ، فتضربه ضربة بين كتفيه فيصيح لا يسمع أحد صوته إلا لعنه ، ولا يبقى شيء إلا سمع صوته إلا الثقلين الجن والإِنس .(1/323)
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { ويلعنهم اللاعنون } قال : الكافر إذا وضع في حفرته ضرب ضربة بمطرق ، فيصيح صيحة يسمع صوته كل شيء إلا الثقلين الجن والإِنس ، فلا يسمع صيحته شيء إلا لعنه .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن عبد الوهاب بن عطاء في قوله { إن الذين يكتمون . . . } الآية . قال : سمعت الكلبي يقول : هم اليهود . قال : ومن لعن شيئاً ليس هو بأهل رجعت اللعنة على يهودي ، فذلك قوله { ويلعنهم اللاعنون } .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان من طريق محمد بن مروان ، أخبرني الكلبي عن أبي صالح عن ابن مسعود في هذه الآية قال : هو الرجل يلعن صاحبه في أمر يرى أن قد أتى إليه ، فترتفع اللعنة في السماء سريعاً ، فلا تجد صاحبها التي قيلت له أهلاً ، فترجع إلى الذي تكلم بها فلا تجده لها أهلاً ، فتنطلق فتقع على اليهود فهو قوله { ويلعنهم اللاعنون } فمن تاب منهم ارتفعت عنهم اللعنة ، فكانت فيمن بقي من اليهود وهو قوله { إلا الذين تابوا . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من سئل عن علم عنده فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة » .
وأخرج ابن ماجة عن أنس بن مالك « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار » .
وأخرج ابن ماجة والمرهبي في فضل العلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كتم علماً مما ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار » .
وأخرج ابن ماجة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا لعن آخر هذه الأمة أولها ، فمن كتم حديثاً فقد كتم ما أنزل الله » .
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أيما عبد آتاه الله علماً فكتمه لقي الله يوم القيامة ملجماً بلجام من نار » .
واخرج أبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من سئل عن علم فكتمه جاء يوم القيامه ملجماً بلجام من نار » .
وأخرج الطبراني من حديث ابن عمر وابن عمرو مثله .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة(1/324)
« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سلمان قال : علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه .
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد والبخاري وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن أبي هريرة قال : لولا آية في كتاب الله ما حدثت أحداً بشيء أبداً ، ثم تلا هذه الآية { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى . . . . . } الآية .
وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى } إلى قوله { اللاعنون } ثم استثنى فقال { إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء { إلا الذين تابوا وأصلحوا } قال : ذلك كفارة له .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { إلا الذين تابوا وأصلحوا } قال : أصلحوا ما بينهم وبين الله { وبينوا } الذي جاءهم من الله ولم يكتموه ولم يجحدوا به .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { أتوب عليهم } يعني أتجاوز عنهم .
أما قوله تعالى : { وأنا التوّاب } .
أخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن أبي زرعة عمرو بن جرير قال : إن أول شيء كتب أنا التواب أتوب على من تاب .(1/325)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ، ثم تلعنه الملائكة ، ثم يلعنه الناس أجمعون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } قال : يعني بالناس أجمعين المؤمنين .
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : لا يتلاعن إثنان مؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما : لعن الله الظالم إلا رجعت تلك اللعنة على الكافر لأنه ظالم ، فكل أحد من الخلق يلعنه .
وأخرج عبد بن حميد عن جرير بن حازم قال : سمعت الحسن يقرأها { أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعون } .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله { خالدين فيها } يقول : خالدين في جهنم في اللعنة . وفي قوله { ولا هم ينظرون } ويقول : لا ينظرون فيعتذرون .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولا هم ينظرون } قال : لا يؤخرون .(1/326)
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجة وأبو مسلم الكجي في السنن وابن الضريس وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال « اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } و { الم ، الله لا إله إلا هو الحي القيوم } [ آل عمران : 1 - 2 ] » .
وأخرج الديلمي عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس شيء أشد على مردة الجن من هؤلاء الآيات التي في سورة البقرة { وإلهكم إله واحد . . . } الآيتين » .
وأخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن وثمة قال : الآيات التي يدفع الله بهن من اللمم من لزمهن في كل يوم ذهب عنه ما يجد { وإلهكم إله واحد . . . } الآية . وآية الكرسي ، وخاتمة البقرة ، و { إن ربكم الله } [ الأعراف : 54 ] إلى المحسنين ، وآخر الحشر ، بلغنا إنهن مكتوبات في زوايا العرش ، وكان يقول : اكتبوهن لصبيانكم من الفزع واللمم .(1/327)
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : « ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهباً نتقوّى به على عدوّنا ، فأوحى الله إليه : إني معطيهم فأجعل لهم الصفا ذهباً ، ولكن إن كفروا بعد ذلك عذبتهم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين . فقال : رب دعني وقومي فادعوهم يوماً بيوم ، فأنزل الله هذه الآية { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر } وكيف يسألونك الصفا وهم يرون من الآيات ما هو أعظم من الصفا » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال : سألت قريش اليهود فقالوا : حدثونا عما جاءكم به موسى من الآيات ، فأخبروهم أنه كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله . فقالت قريش عند ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم « ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهباً فنزداد به يقيناً ونتقوّى به على عدونا ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه . فأوحى الله إليه : إني معطيكم ذلك ، ولكن إن كذبوا بعد عذبتهم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين . فقال : ذرني وقومي فأدعوهم يوماً بيوم ، فأنزل الله عليه { إن في خلق السماوات والأرض . . . } الآية . فخلق السموات والأرض ، واختلاف الليل والنهار أعظم من أن أجعل الصفا ذهباً » .
وأخرج وكيع والفريابي وآدم بن أبي أياس وسعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي الضحى قال : لما نزلت { وإلهكم إله واحد } [ البقرة : 163 ] عجب المشركون ، وقالوا : إن محمداً يقول : وإلهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان من الصادقين! فأنزل الله { إن في خلق السماوات والأرض . . . } الآية يقول : إن في هذه الآيات { لآيات لقوم يعقلون } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء قال : نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } [ البقرة : 163 ] فقال كفار قريش بمكة : كيف يسع الناس إله واحد؟! فأنزل الله { إن في خلق السماوات والأرض } إلى قوله { لقوم يعقلون } فبهذا يعلمون أنه إله واحد ، وأنه إله كل شيء ، وخالق كل شيء .
أما قوله تعالى : { واختلاف الليل والنهار } .
أخرج أبو الشيخ في العظمة عن سلمان قال : الليل موكل به ملك يقال له شراهبل ، فإذا حان وقت الليل أخذ خرزة سوداء فدلاها من قبل المغرب ، فإذا نظرت إليها الشمس وجبت في أسرع من طرفة عين ، وقد أمرت الشمس أن لا تغرب حتى ترى الخرزة ، فإذا غربت جاء الليل ، فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيء ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء فيعلقها من قبل المطلع ، فإذا رآها شراهيل مد إليه خرزته وترى الشمس الخرزة البيضاء فتطلع ، وقد أمرت أن لا تطلع حتى تراها ، فإذا طلعت جاء النهار .(1/328)
أما قوله تعالى : { والفلك التي تجري في البحر } .
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله { والفلك } قال : السفينة .
أما قوله تعالى : { وبث فيها من كل دابة } .
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وبث فيها من كل دابة } قال : بث خلق .
وأخرج الحاكم وصححه عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أقلوا الخروج إذا هدأت الرجل ، إن الله يبث من خلقه بالليل ما شاء » .
أما قوله تعالى : { وتصريف الرياح } .
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وتصريف الرياح } قال : إذا شاء جعلها رحمة للسحاب ونشراً بين يدي رحمته ، وإذا شاء جعلها عذاباً ريحاً عقيماً لا تلقح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال : كل شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة ، وكل شيء في القرآن من الريح فهو عذاب .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي بن كعب قال : لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن . قوله { وتصريف الرياح والسحاب المسخر } ولكن قولوا : اللهم أن نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، ونعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال : الريح من روح الله ، فإذا رأيتموها فاسألوا الله من خيرها وتعوذوا بالله من شرها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدة عن أبيها قال : إن من الرياح رحمة ومنها رياح عذاب ، فإذا سمعتم الرياح فقولوا : اللهم اجعلها رياح رحمة ولا تجعلها رياح عذاب .
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال : الماء والريح جندان من جنود الله ، والريح جند الله الأعظم .
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال : الريح لها جناحان وذنب .
وأخرج أبو عبيد وابن أبي الدنيا في كتاب المطر وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عمرو قال : الرياح ثمان : أربع منها رحمة ، وأربع عذاب ، فأما الرحمة فالناشرات ، والمبشرات ، والمرسلات ، والذاريات . وأما العذاب فالعقيم ، والصرصر وهما في البر ، والعاصف ، والقاصف ، وهما في البحر .
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : الريح ثمان : أربع رحمة ، وأربع عذاب . الرحمة المنتشرات ، والمبشرات ، والمرسلات ، والرخاء . والعذاب العاصف ، والقاصف ، وهما في البحر ، والعقيم ، والصرصر وهما في البر .
وأخرج أبو الشيخ عن عيسى ابن أبي عيسى الخياط قال : بلغنا أن الرياح سبع : الصبا ، والدبور ، والجنوب ، والشمال ، والخروق ، والنكباء ، وريح القائم .(1/329)
فأما الصبا فتجيء من المشرق ، وأما الدبور فتجيء من المغرب ، وأما الجنوب فيجيء عن يسار القبلة ، وأما الشمال فتجيء عن يمين القبلة ، وأما النكباء فبين الصبا والجنوب ، وأما الخروق فبين الشمال والدبور ، وأما ريح القائم فأنفاس الخلق .
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال : جعلت الرياح على الكعبة ، فإذا أردت أن تعلم ذلك فاسند ظهرك إلى باب الكعبة ، فإن الشمال عن شمالك وهي مما يلي الحجر ، والجنوب عن يمينك وهو مما يلي الحجر الأسود ، والصبا مقابلك وهي مستقبل باب الكعبة ، والدبور من دبر الكعبة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن حسين بن علي الجعفي قال : سألت إسرائيل بن يونس عن أي شيء سميت الريح؟ قال : على القبلة . شماله الشمال ، وجنوبه الجنوب ، والصبا ما جاء من قبل وجهها ، والدبور ما جاء من خلفها .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ضمرة بن حبيب قال : الدبور والريح الغريبة ، والقبول الشرقية ، والشمال الجنوبية ، واليمان القبلية ، والنكباء تأتي من الجوانب الأربع .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : الشمال ما بين الجدي ، والدبور ما بين مغرب الشمس إلى سهيل .
وأخرج أبو الشيخ عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الجنوب من ريح الجنة » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب السحاب ، وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ريح الجنوب من الجنة وهي من اللواقح وفيها منافع للناس ، والشمال من النار تخرج فتمر بالجنة ، فتصيبها نفحة من الجنة فبردها من ذلك » .
وأخرج ابن أبي شيبة وإسحق بن راهويه في مسنديهما والبخاري في تاريخه والبزار وأبو الشيخ عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله خلق في الجنة ريحاً بعد الريح بسبع سنين من دونها باب مغلق ، وإنما يأتيكم الروح من خلل ذلك الباب ، ولو فتح ذلك الباب لأذرت ما بين السماء والأرض ، وهي عند الله الأزيب وعندكم الجنوب » .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : الجنوب سيدة الأرواح واسمها عند الله الأزيب ، ومن دونها سبعة أبواب ، وإنما يأتيكم منها ما يأتيكم من خللها ، ولو فتح منها باب واحد لأذرت ما بين السماء والأرض .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : الشمال ملح الأرض ، ولولا الشمال لأنتنت الأرض .
وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد وأبو الشيخ في العظمة عن كعب قال : لو احتبست الريح عن الناس ثلاثة أيام لأنتن ما بين السماء والأرض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن المبارك قال : إن للريح جناحاً ، وأن القمر يأوي إلى غلاف من الماء .(1/330)
وأخرج أبو الشيخ عن عثمان الأعرج قال : إن مساكن الرياح تحت أجنحة الكروبيين حملة العرش ، فتهيج فتقع بعجلة الشمس فتعين الملائكة على جرها ، ثم تهيج من عجلة الشمس فتقع في البحر ، ثم تهيج في البحر فتقع برؤوس الجبال ، ثم تهيج من رؤوس الجبال فتقع في البر ، فأما الشمال فإنها تمر بجنة عدن فتأخذ من عرف طيبها ، ثم تأتي الشمال وحدها من كرسي بنات نعش إلى مغرب الشمس ، وتأتي الدبور وحدها من مغرب الشمس إلى مطلع الشمس إلى كرسي بنات نعش ، فلا تدخل هذه ولا هذه في حد هذه .
وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال : أخذت لنا الريح بطريق مكة ، وعمر حاج ، فاشتدت فقال عمر لمن حوله : ما بلغكم في الريح؟ فقلت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « الريح من روح الله تأتي بالرحمة وبالعذاب ، فلا تسبوها وسلوا الله من خيرها ، وعوذوا بالله من شرها » .
وأخرج الشافعي عن صفوان بن سليم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تسبوا الريح ، وعوذوا بالله من شرها » .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس « أن رجلاً لعن الريح فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لا تلعن الريح فإنها مأمورة ، وأنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه » .
وأخرج الشافعي وأبو الشيخ والبيهقي في المعرفة عن ابن عباس قال « ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه ، وقال : اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً ، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً » قال ابن عباس : والله إن تفسير ذلك في كتاب الله { أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً } [ القمر : 19 ] . { أرسلنا عليهم الريح العقيم } [ النازعات : 41 ] وقال { وأرسلنا الرياح لواقح } [ الحجر : 22 ] . { أن يرسل الرياح مبشرات } [ الروم : 46 ] .
وأخرج الترمذي والنسائي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تسبوا الريح فإنها من روح الله تعالى ، وسلوا الله خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وتعوذوا بالله من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : هاجت ريح فسبوها . فقال ابن عباس : لا تسبوها فإنها تجيء بالرحمة وتجيء بالعذاب ، ولكن قولوا : اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن عمر . أنه كان إذا عصفت الريح فدارت يقول : شدوا التكبير فإنها مذهبة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تسبوا الليل والنهار ولا الشمس ولا القمر ولا الريح ، فأنها تبعث عذاباً على قوم ورحمة على آخرين » .(1/331)
أما قوله تعالى : { والسحاب المسخر بين السماء والأرض } .
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن معاذ بن عبد الله بن حبيب الجهني قال : رأيت ابن عبّاس سأل تبيعا ابن امرأة كعب هل سمعت كعباً يقول في السحاب شيئاً؟ قال : نعم ، سمعته يقول : إن السحاب غربال المطر ، ولولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض . قال : وسمعت كعباً يذكر أن الأرض تنبت العام وتنبت نباتاً عاماً قابلاً غيره . وسمعته يقول : إن البذر ينزل من السماء مع المطر فيخرج في الأرض . قال ابن عباس : صدقت ، وأنا قد سمعت ذلك من كعب .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء قال : السحاب تخرج من الأرض .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن خالد بن معدان قال : أن في الجنة شجرة تثمر السحاب ، فالسوداء منها الثمرة التي قد نضجت التي تحمل المطر ، والبيضاء الثمرة التي لا تنضج لا تحمل المطر .
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس عن أبي المثنى أن الأرض قالت : رب أروني من الماء ، ولا تنزله علي منهمراً كما أنزلته علي يوم الطوفان . قال : سأجعل لك السحاب غربالاً .
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب المطر وأبو الشيخ عن الغفاري « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ينشىء السّحاب فتنطق أحسن المنطق ، وتضحك أحسن الضحك » .
وأخرج أبو الشيخ عن عائشة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا أنشأت بحرية ثم تشامت فتلك عين ، أو عام غديقة يعني مطراً كثيراً » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي رضي الله عنه قال : أشد خلق ربك عشرة : الجبال ، والحديد ينحت الجبال ، النار تأكل الحديد ، والماء يطفىء النار ، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يحمل الماء ، والريح تنقل السحاب ، والإِنسان يتقي الريح بيده ويذهب فيها لحاجته ، والسكر يغلب الإِنسان ، والنوم يغلب السكر ، والهم يمنع النوم ، فأشد خلق ربك الهم .
أخرج أبو الشيخ عن الحسن . أنه كان إذا نظر إلى السحاب قال فيه : والله رزقكم ولكنكم تحرمونه بذنوبكم .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن عائشة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى سحاباً ثقيلاً من أفق من آفاق ترك ما هو فيه وإن كان في صلاة حتى يستقبله ، فيقول : اللهم إنا نعوذ بك من شر ما أرسل به فإن أمطر . قال : اللهم سيبان نافعاً مرتين أو ثلاثاً ، وإن كشفه الله ولم يمطر حمد الله على ذلك » .(1/332)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله } قال : مباهاة ومضارة للحق بالأنداد { والذين آمنوا أشد حباً لله } قال : من الكفار لآلهتهم .
وأخرج ابن جريرعن السدي في الآية قال : الأنداد من الرجال يطيعونهم كما يطيعون الله إذا أمر ، وهم أطاعوهم وعصوا الله .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة { ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً } أي شركاء { يحبونهم كحب الله } أي يحبون آلهتهم كحب المؤمنين لله { والذين آمنوا أشد حباً لله } قال : من الكفار لآلهتهم أي لأوثانهم .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { يحبونهم كحب الله } قال : يحبونهم أوثانهم كحب الله ، والذين آمنوا أشد حباً لله من الكفار لأوثانهم .
وأخرج ابن جرير عن الزبير في قوله { ولو ترى الذين ظلموا } قال : ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم ، فاتخذوا من دوني أنداداً يحبونهم كحبكم إياي حين يعاينون عذابي يوم القيامة الذي أعددت لهم ، لعلمتم أن القوة كلها إليّ دون الأنداد ، والآلهة لا تغني عنهم هنالك شيئاً ولا تدفع عنهم عذاباً ، أحللت بهم وأيقنتهم أني شديد عذابي لمن كفرني ، وادعى معي إلهاً غيري .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد قال : كان في خاتم { أن القوة لله جميعاً } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { إذ تبرأ الذين اتبعوا } قال : هم الجبابرة والقادة والرؤوس في الشر والشرك { من الذين اتبعوا } وهم الأتباع والضعفاء .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { إذ تبرأ الذين اتبعوا } قال : هم الشياطين تبرأوا من الإِنس .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { وتقطعت بهم الأسباب } قال : المودّة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وتقطعت بهم الأسباب } قال : المنازل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وتقطعت بهم الأسباب } قال : الأرحام .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد في قوله { وتقطعت بهم الأسباب } قال : الأوصال التي كانت بينهم في الدنيا والمودة .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح في قوله { وتقطعت بهم الأسباب } قال : الأعمال .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الربيع { وتقطعت بهم الأسباب } قال : أسباب المنازل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { وتقطعت بهم الأسباب } قال : أسباب الندامة يوم القيامة ، والأسباب المواصلة التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها ويتحابون بها ، فصارت عداوة يوم القيامة يلعن بعضهم بعضاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة } قال : رجعة إلى الدنيا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم } يقول : صارت أعمالهم الخبيثة حسرة عليهم يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { وما هم بخارجين من النار } قال : أولئك أهلها الذين هم أهلها .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الأوزاعي قال : سمعت ثابت بن معبد قال : ما زال أهل النار يأملون الخروج منها حتى نزلت { وما هم بخارجين من النار } .(1/333)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال « تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً } فقام سعد بن أبي وقاص فقال : يا رسول الله أدع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة . فقال : يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه فما يتقبل منه أربعين يوماً ، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } قال : عمله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ما خالف القرآن فهو من خطوات الشيطان .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } قال : خطاه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } نزعات الشيطان .
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله { خطوات الشيطان } قال : تزيين الشيطان .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال : كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : ما كان من يمين أو نذر في غضب فهو من خطوات الشيطان ، وكفارته كفارة يمين .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود . أنه أتى بضرع وملح فجعل يأكل ، فاعتزل رجل من القوم فقال ابن مسعود : ناولوا صاحبكم . فقال : لا أريد . فقال : أصائم أنت؟ قال : لا . قال : فما شأنك؟ قال : حرمت أن آكل ضرعاً أبداً . فقال ابن مسعود : هذا من خطوات الشيطان ، فاطعم وكفر عن يمينك .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مجلز في قوله { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } قال : النذور في المعاصي .
وأخرج عبد بن حميد عن عيسى بن عبد الرحمن السلمي قال : جاء رجل إلى الحسن فسأله وأنا عنده فقال له : حلفت إنْ لم أفعل كذا وكذا أن أحج حبواً . فقال : هذا من خطوات الشيطان ، فحج واركب وكفر عن يمينك .
وأخرج عبد بن حميد عن عثمان بن غياث قال : سألت جابر بن زيد عن رجل نذر أن يجعل في أنفه حلقة من ذهب فقال : هي من خطوات الشيطان ، ولا يزال عاصياً لله فليكفر عن يمينه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : إنما سمي الشيطان لأنه يشيطن .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { إنما يأمركم بالسوء } قال : المعصية { والفحشاء } قال : الزنا { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } قال : هو ما كانوا يحرمون من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي ، ويزعمون أن الله حرم ذلك .(1/334)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال « دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإِسلام ورغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته . فقال له رافع بن خارجة ، ومالك بن عوف : بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخيراً منا ، فأنزل الله في ذلك { وإذ قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا . . . } الآية » .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { ما ألفينا } قال : يعني وجدنا . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول نابغة بن ذبيان :
فحسبوه فألفوه كما زعمت ... تسعاً وتسعين لم ينقص ولم يزد
وأخرج ابن جرير عن الربيع وقتادة في قوله { ألفينا } قالا : وجدنا .(1/335)
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع } قال : كمثل البقر والحمار والشاة ، إنْ قلت لبعضهم كلاماً لم يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك ، وكذلك الكافر إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : مثل الدابة تنادي فتسمع ولا تعقل ما يقال لها ، كذلك الكافر يسمع الصوت ولا يعقل .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { كمثل الذي ينعق بما لا يسمع } قال : شبه الله أصوات المنافقين والكفار بأصوات البهم ، أي بأنهم لا يعقلون . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت بشر بن أبي حازم وهو يقول :
هضيم الكشح لم يغمز ببوس ... ولم ينعق بناحية الرياق
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { كمثل الذي ينعق } قال : الراعي { بما لا يسمع } قال : البهائم { إلا دعاء ونداء } قال : كمثل البعير والشاة تسمع الصوت ولا تعقل .
وأخرج وكيع عن عكرمة في قوله { ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } مثل الكافر مثل البهيمة تسمع الصوت ولا تعقل .
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : قال لي عطاء في هذه الآية : هم اليهود الذين أنزل الله فيهم { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب } [ البقرة : 174 ] إلى قوله { فما أصبرهم على النار } [ البقرة : 175 ] .(1/336)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)
أخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم } [ المؤمنون : 51 ] وقال { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنَّى يستجاب لذلك » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { كلوا من طيبات } قال : من الحلال .
وأخرج ابن سعد عن عمر بن عبد العزيز . أنه قال يوماً : إني أكلت حمصاً وعدساً فنفخني . فقال له بعض القوم : يا أمير المؤمنين إن الله يقول في كتابه { كلوا من طيبات ما رزقناكم } فقال عمر ، هيهات ذهبت به إلى غير مذهبه ، إنما يريد به طيب الكسب ولا يريد به طيب الطعام .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { يا أيها الذين آمنوا } يقول : صدقوا { كلوا من طيبات ما رزقناكم } يعني اطعموا من حلال الرزق الذي أحللناه لكم بتحليلي إياه لكم مما كنتم تحرمونه أنتم ، ولم أكن حرمته عليكم من المطاعم والمشارب { واشكروا لله } يقول : أثنوا على الله بما هو أهل له على النعم التي رزقكم وطيبها لكم .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي أمية { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } قال فلم يوجد من الطيبات شيء أحل ولا أطيب من الولد وماله .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة ويشرب الشربة فيحمد الله عليها » .(1/337)
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)
أخرج أحمد وابن ماجة والدارقطني والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أحلت لنا ميتتان ودمان : السمك والجراد ، والكبد والطحال » .
أما قوله تعالى : { وما أهل به } الآية .
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وما أهل } قال : ذبح .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { وما أهل به لغير الله } يعني ما أهلّ للطواغيت .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { وما أهل } قال : ما ذبح لغير الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية { وما أهل به لغير الله } يقول : ما ذكر عليه اسم غير الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فمن اضطر } يعني إلى شيء مما حرم { غير باغ ولا عاد } يقول : من أكل شيئاً من هذه وهو مضطر فلا حرج ، ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { غير باغ } قال : في الميتة . قال : في الأكل .
وأخرج سفيان بن عيينة وآدم بن أبي إياس وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في المعرفة وفي السنن عن مجاهد في قوله { غير باغ ولا عاد } قال : غير باغ على المسلمين ولا متعد عليهم ، من خرج يقطع الرحم ، أو يقطع السبيل ، أو يفسد في الأرض ، أو مفارقاً للجماعة والأئمة ، أو خرج في معصية الله ، فاضطر إلى الميتة لم تحل له .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } قال : العادي الذي يقطع الطريق لا رخصة له { فلا إثم عليه } يعني في أكله حين اضطر إليه { إن الله غفور } يعني لما أكل من الحرام { رحيم } به إذ أحل له الحرام في الاضطرار .
وأخرج وكيع عن إبراهيم والشعبي قالا : إذا اضطر إلى الميتة أكل منها قدر ما يقيمه .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن مسروق قال : من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فتركه تقذراً ولم يأكل ولم يشرب ثم مات دخل النار .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } قال : غير باغ في أكله ولا عاد بتعدي الحلال إلى الحرام ، وهو يجد عنه بلغة ومندوحة .(1/338)
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)
أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله { إِن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب } والتي في آل عمران { إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمناً قليلاً } [ آل عمران : 77 ] نزلتا جميعاً في يهود .
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخذوا عليه طمعاً قليلاً .
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب } قال : أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم في كتابهم من الحق ، والهدى ، والإِسلام ، وشأن محمد ونعته { أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار } يقول : ما أخذوا عليه من الأجر فهو نار في بطونهم .
وأخرج الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس قال : سألت الملوك اليهود قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ما الذي يجدون في التوراة؟ قالوا : إنا نجد في التوراة أن الله يبعث نبياً من بعد المسيح يقال له محمد بتحريم الزنا ، والخمر ، والملاهي ، وسفك الدماء ، فلما بعث الله محمداً ونزل المدينة قالت الملوك لليهود : هذا الذي تجدون في كتابكم؟ فقالت : اليهود طمعاً في أموال الملوك : ليس هذا بذاك النبي . فأعطاهم الملوك الأموال ، فأنزل الله هذه الآية اكذاباً لليهود .
وأخرج الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في رؤساء اليهود وعلمائهم ، كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والفضل ، وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم ، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم ، فعمدوا إلى صفة محمد فغيروها ، ثم أخرجوها إليهم وقالوا : هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان لا يشبه نعت هذا النبي ، فإذا نظرت السفلة إلى النعت المغير وجدوه مخالفاً لصفة محمد فلم يتبعوه ، فأنزل الله { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب } .(1/339)
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى . . . } الآية . قال : اختاروا الضلالة على الهدى ، والعذاب على المغفرة { فما أصبرهم على النار } قال : ما أجرأهم على عمل النار .
وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد في قوله { فما أصبرهم على النار } قال : والله ما لهم عليها من صبر ولكن يقول : ما أجرأهم على النار .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في { فما أصبرهم } قال : ما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { فما أصبرهم على النار } قال : هذا على وجه الاستفهام يقول : ما الذي أصبرهم على النار؟ وفي قوله { وإن الذين اختلفوا في الكتاب } قال : هم اليهود والنصارى { لفي شقاق بعيد } قال : في عداوة بعيدة .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية قال : إثنان ما أشدهما عليّ ، ومن يجادل في القرآن { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا } [ غافر : 4 ] { وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد } .(1/340)
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)
أخرج ابن أبي حاتم وصححه عن أبي ذر « أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإِيمان فتلا { ليس البر أن تولوا وجوهكم } حتى فرغ منها ، ثم سأله أيضاً فتلاها ، ثم سأله فتلاها وقال : وإذا عملت حسنة أحبها قلبك ، وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك » .
وأخرج إسحق بن راهويه في مسنده وعبد بن حميد وابن مردويه عن القاسم بن عبد الرحمن قال « جاء رجل إلى أبي ذر فقال : ما الإِيمان؟ فتلا عليه هذه الآية { ليس البر أن تولوا وجوهكم } حتى فرغ منها . فقال الرجل : ليس عن البر سألتك . فقال أبو ذر : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألتني ، فقرأ عليه هذه الآية فأبى أن يرضى كما أبيت أن ترضى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادن . فدنا فقال : المؤمن إذا عمل الحسنة سرته رجاء ثوابها ، وإذا عمل السيئة أحزنته وخاف عقابها » .
وأخرج عبد الرزاق وابن راهويه وعبد بن حميد عن عكرمة قال : سئل الحسن بن علي مقبلة من الشام عن الإِيمان ، فقرأ { ليس البر . . . } الآية .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة قال : كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق ، فنزلت { ليس البر أن تولوا وجوهكم . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ليس البر أن تولوا وجوهكم } يعني في الصلاة . يقول : ليس البر أن تصلوا ولا تعلموا ، فهذا حين تحوّل من مكه إلى المدينة ، ونزلت الفرائض وحد الحدود ، فأمر الله بالفرائض والعمل بها .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هذه الآيه نزلت بالمدينة { ليس البر أن تولوا وجوهكم } يعني الصلاة ، تبدل ليس البر أن تصلوا ولكن البر ما ثبت في القلب من طاعة الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { ليس البر . . . } الآية . قال : ذكر لنا أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن البر ، فأنزل الله هذه الآية ، فدعا الرجل فتلاها عليه ، وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ثم مات على ذلك يرجى له في خير ، فأنزل الله { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب } وكانت اليهود توجهت قبل المغرب والنصارى قبل المشرق { ولكن البر من آمن بالله . . . } الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق ، فنزلت { ليس البر أن تولوا وجوهكم . . . } الآية .
وأخرج أبو عبيد في فضائله والثعلبي من طريق هرون عن ابن مسعود وأبي بن كعب أنهما قرآ ( ليس البر أن تولوا ) .(1/341)
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي ميسرة قال : من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإِيمان { ليس البر . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر } ما ثبت في القلوب من طاعة الله .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءتنا مكان ليس البر أن تولوا ولا تحسبن أن البر .
أما قوله تعالى : { ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين } .
أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم والآجري في الشريعة واللالكائي في السنة وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عمر بن الخطاب « أنهم بينما هم جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل يمشي ، حسن الشعر عليه ثياب بياض ، فنظر القوم بعضهم إلى بعض ما نعرف هذا وما هذا بصاحب سفر! ثم قال : يا رسول الله آتيك؟ قال : نعم . فجاءه فوضع ركبتيه عند ركبتيه ويديه على فخذيه فقال : ما الإِسلام؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، قال : فما الإِيمان؟ قال : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، ولفظ ابن مردويه : أن تؤمن بالله ، واليوم الآخر ، والملائكة ، والكتاب ، والنبيين ، والجنة ، والنار ، والبعث بعد الموت ، والقدر كله . قال : فما الإِحسان؟ قال : أن تعمل لله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . قال : فمتى الساعة؟ قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل! قال : فما اشراطها؟ قال : إذا العراة الحفاة العالة رعاء الشاء تطاولوا في البنيان ، وولدت الإِماء أربابهن ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بالرجل فطلبوه فلم يروا شيئاً ، فمكث يومين أو ثلاثة ثم قال : يا ابن الخطاب أتدري من السائل كذا وكذا؟ قال : الله ورسوله أعلم . . . ! قال : ذاك جبريل جاءكم ليعلمكم دينكم » .
وأخرج أحمد والبزارعن ابن عباس قال « جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً ، فأتاه جبريل فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً كفيه على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا رسول الله حدثني عن الإِسلام؟ قال : الإِسلام أن تسلم وجهك لله عز وجل ، وأن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله . قال : فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت . قال : يا رسول الله حدثني عن الإِيمان؟ قال : الإِيمان أن تؤمن بالله ، واليوم الآخر ، والملائكة ، والكتاب ، والنبيين ، والموت ، والحياة بعد الموت ، وتؤمن بالجنة ، والنار ، والحساب ، والميزان ، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره . قال : فإذا فعلت ذلك فقد آمنت . قال : يا رسول الله حدثني ما الإِحسان؟ قال : الإِحسان أن تعمل لله كأنك تراه فإن لا تراه فإنه يراك » .(1/342)
وأخرج البزار عن أنس قال « بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه إذا جاءه رجل ليس عليه ثياب السفر يتخلل الناس حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع يده على ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ما الإِسلام؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً . قال : فإذا فعلت فأنا مؤمن؟ قال : نعم . قال : صدقت . قال : يا محمد ما الإِحسان؟ قال : أن تخشى الله كأنك تراه فإن لم تره فإنه يراك . قال : فإذا فعلت ذلك فأنا محسن؟ قال : نعم . قال : صدقت . قال : يا محمد متى الساعة؟ قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل! وأدبر الرجل فذهب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليّ بالرجل ، فاتبعوه يطلبونه فلم يروا شيئاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك جبريل جاءكم ليعلمكم دينكم » .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة وأبي ذرٍّ قالا : « إنا لجلوس ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في مجلسه محتب إذ أقبل رجل من أحسن الناس وجهاً ، وأطيب الناس ريحاً ، وأنقى الناس ثوباً ، فقال : يا محمد ما الإِسلام؟ قال : أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتحج البيت ، وتصوم رمضان ، قال : فإذا فعلت هذا فقد أسلمت؟ قال : نعم . قال : صدقت . فقال : يا محمد أخبرني ما الإِيمان؟ قال : الإِيمان بالله ، وملائكته ، والكتاب ، والنبيين ، وتؤمن بالقدر كله . قال : فإذا فعلت ذلك فقد آمنت؟ قال : نعم . قال : صدقت » .
وأخرج أحمد والنسائي عن معاوية بن حيدة قال « قلت يا رسول الله ما الذي بعثك الله به؟ قال : بعثني الله بالإِسلام! قلت : وما الإِسلام؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة » .
أما قوله تعالى : { وآتى المال على حبه } .
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وآتى المال } يعني أعطى المال { على حبه } يعني على حب المال .
وأخرج ابن المبارك في الزهد ووكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن مسعود { وآتى المال على حبه } قال : يعطي وهو صحيح شحيح يأمل العيش ويخاف الفقر .
وأخرج الحاكم عن ابن مسعود مرفوعاً . مثله .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن المطلب « أنه قيل : يا رسول الله ما آتى المال على حبه فكلنا نحبه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تؤتيه حين تؤتيه ونفسك حين تحدثك بطول العمر والفقر » .(1/343)
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن حبان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر ولا تمهل ، حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا إلا وقد كان لفلان » .
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « مثل الذي ينفق أو يتصدق عند الموت مثل الذي يهدي إذا شبع » .
أما قوله تعالى : { ذوي القربى } .
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ذوي القربى } يعني قرابته .
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح » .
وأخرج أحمد والدارمي والطبراني عن حكيم بن حزام « أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصدقات أيها أفضل؟ قال : على ذي الرحم الكاشح » .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه عن ميمونة أم المؤمنين قالت « أعتقت جارية لي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما إنك لو أعطيتها بعض أخوالك كان أعظم لأجرك » .
وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن ابن عباس « أن ميمونة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في جارية تعتقها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطيها أختك ترعى عليها وصلي بها رحماً ، فإنه خير لك » .
وأخرج ابن المنذر عن فاطمة بنت قيس « أنها قالت : يا رسول الله إن لي مثقالاً من ذهب . قال : اجعليها في قرابتك » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي في سننه عن سلمان بن عامر الضبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصدقة على المسكين صدقة ، وعلى ذي الرحم إثنتان ، صدقة وصلة » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتجزىء عني من الصدقة النفقة على زوجي وأيتام في حجري؟ قال : لك أجران : أجر الصدقة ، وأجر القرابة » .
أما قوله تعالى : { وابن السبيل } .
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : ابن السبيل الذي يمر عليك وهو مسافر .
أما قوله تعالى : { والسائلين } .(1/344)
أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله { والسائلين } قال : السائل الذي يسألك .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن أبي حاتم عن الحسين بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « للسائل حق وإن جاء على فرس » .
وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اعطوا السائل وإن كان على فرس » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد قال : قال عيسى بن مريم : للسائل حق وإن جاء على فرس مطوّق بالفضة .
وأخرج ابن سعد والترمذي وصححه وابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد الرحمن بن بجيد عن جدته أم بجيد وكانت ممن تابع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت « يا رسول الله إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد شيئاً أعطيه إياه؟! فقال لها : إنْ لم تجدي إلا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه » ولفظ ابن خزيمة : « ولا تردي سائلك ولو بظلف » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد من طريق عمرو بن معاذ الأنصاري عن جدته حواء قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ردوا السائل ولو بظلف محرق » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حميد بن عبد الرحمن قال : كان يقال : ردوا السائل ولو بمثل رأس القطاة .
وأخرج أبو نعيم والثعلبي والديلمي والخطيب في رواة مالك بسند واه عن ابن عمر مرفوعاً « هدية الله للمؤمن السائل على بابه » .
وأخرج ابن شاهين وابن النجار في تاريخه عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا أدلكم على هدايا الله عز وجل إلى خلقه؟ قلنا : بلى . قال : الفقير هو هدية الله قبل ذلك أو ترك » .
قوله تعالى { وفي الرقاب } .
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { وفي الرقاب } يعني فكاك الرقاب .
أما قوله تعالى : { وأقام الصلاة وآتى الزكاة } .
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { وأقام الصلاة } يعني وأتم الصلاة المكتوبة { وآتى الزكاة } يعني الزكاة المفروضة .
وأخرج الترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والدارقطني وابن مردويه عن فاطمة بنت قيس قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « في المال حق سوى الزكاة ، ثم قرأ { ليس البر أن تولوا وجوهكم . . . } الآية » .
وأخرج البخاري في تاريخه عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل في المال حق بعد الزكاة؟ قال : نعم . تحمل على النجيبة » .
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي . أنه سئل هل على الرجل في ماله حق سوى الزكاة؟ قال : نعم . وتلا هذه الآية { وآتى المال على حبه ذوي القربى .(1/345)
. . } إلى آخر الآية « .
وأخرج عبد بن حميد عن ربيعة بن كلثوم قال : حدثني أبي قال لي مسلم بن يسار : إن الصلاة صلاتان ، وإن الزكاة زكاتان ، والله إنه لفي كتاب الله أقرأ عليك به قرآناً . قلت له : اقرأ . قال : فإن الله يقول في كتابه { ليس البر أن تولوا وجوهكم } إلى قوله { وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } فهذا ما دونه تطوّع كله { وأقام الصلاة } على الفريضة { وآتى الزكاة } فهاتان فريضتان .
أما قوله تعالى : { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا } .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا } قال : فمن أعطى عهد الله ثم نقضه فالله ينتقم منه ، ومن أعطى ذمة النبي صلى الله عليه وسلم ثم غدر بها فالنبي صلى الله عليه وسلم خصمه يوم القيامة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا } يعني فيما بينهم وبين الناس .
أما قوله تعالى : { والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس } .
أخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن مسعود في الآية قال { البأساء والضراء } السقم { وحين البأس } حين القتال .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كنا نحدث أن البأساء البؤس والفقر ، وأن الضراء السقم والوجع ، وحين البأس عند مواطن القتال .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق سأله عن البأساء والضراء قال : البأساء الخصب ، والضراء الجدب . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول زيد بن عمرو :
إن الإِله عزيز واسع حكم ... بكفه الضر والبأساء والنعم
أما قوله تعالى : { أولئك الذين صدقوا } الآية .
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { أولئك } يعني الذين فعلوا ما ذكر الله في هذه الآية هم الذين صدقوا .
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله { أولئك الذين صدقوا } قال : تكلموا بكلام الإِيمان ، فكانت حقيقته العمل صدقوا الله قال : وكان الحسن يقول : هذا كلام الإِيمان وحقيقته العمل ، فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء .
وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي عامر الأشعري قال : قلت يا رسول الله ما تمام البرِّ قال » تعمل في السر عمل العلانية « .
وأخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي شيبان قال : سألت زيد بن رفيع فقلت : يا أبا جعفر ما تقول في الخوارج في تكفيرهم الناس؟ قال : كذبوا بقول الله عز وجل { ليس البر أن تولوا وجوهكم . . . } الآية . فمن آمن بهن فهو مؤمن ومن كفر بهن فهو كافر .(1/346)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : إن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإِسلام بقليل ، فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء ، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا ، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال ، فحلفوا أن لا يرضوا حتى بالعبد من الحر منهم ، وبالمرأة من الرجل منهم ، فنزل فيهم { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة ، فأنزل الله { النفس بالنفس } [ المائدة : 45 ] فجعل الأحرار في قصاص سواء فيما بينهم من العَمْد رجالهم ونساؤهم في النفس وما دون النفس ، وجعل العبيد مستوين في العمد النفس وما دون النفس رجالهم ونساؤهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا قتال عمية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يقتل بعبدنا فلان ابن فلان ، ونقتل بأمتنا فلانة بنت فلانة . فأنزل الله { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي مالك قال : كان بين حيين من الأنصار قتال كان لأحدهما على الآخر الطول ، فكأنهم طلبوا الفضل ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بينهم ، فنزلت هذه الآية { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } قال ابن عباس : نسختها { النفس بالنفس } [ المائدة : 45 ] .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : لم يكن لمن كان قبلنا دية إنما هو القتل والعفو ، فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم ، فكانوا إذا قتل من الكثير عبد قالوا : لا نقتل به إلا حراً ، وإذا قتلت منهم امرأة قالوا : لا نقتل بها إلا رجلاً ، فأنزل الله { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وأبو القاسم الزجاجي في أماليه والبيهقي في سننه عن قتادة في الآية قال : كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان ، فكان الحي منهم إذا كان فيهم عدد فقتل لهم عبداً عبد قوم آخرين فقالوا : لن نقتل به إلا حراً تعززاً وتفضلاً على غيرهم في أنفسهم ، وإذا قتلت لهم أنثى قتلتها امرأة قالوا : لن نقتل بها إلا رجلاً ، فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن العبد بالعبد إلى آخر الآية ، نهاهم عن البغي ، ثم أنزل سورة المائدة فقال { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } [ المائدة : 45 ] الآية .
وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } . قال : نسختها { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } الآية .
أما قوله تعالى : { فمن عفي له } الآية .(1/347)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس { فمن عفي له } قال : هو العمد يرضى أهله بالدية { فاتباع بالمعروف } أمر به الطالب { وأداء إليه بإحسان } قال : يؤدى المطلوب بإحسان { ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } مما كان على بني إسرائيل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { فمن عفي له من أخيه شيء } بعد أخذ الدية بعد استحقاق الدم وذلك العفو { فاتباع بالمعروف } يقول : فعلى الطالب اتباع بالمعروف إذا قبل الدية { وأداء إليه بإحسان } من القاتل في غير ضرر ولا فعلة المدافعة { ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } يقول : رفق .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن حبان والبيهقي عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال الله لهذه الأمة { كتب عليكم القصاص في القتلى } إلى قوله { فمن عفي له من أخيه شيء } فالعفو أن تقبل الدية في العمد { فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } يتبع الطالب بالمعروف ويؤدي إليه المطلوب بإحسان { ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } مما كتب على من كان قبلكم { فمن اعتدى بعد ذلك } قتل بعد قبول الدية { فله عذاب أليم } .
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : كانت بنو إسرائيل إذا قتل فيهم القتيل عمداً لا يحل لهم إلا القود ، وأحل الله الدية لهذه الأمة ، فأمر هذا أن يتبع بمعروف ، وأمر هذا أن يؤدي بإحسان { ذلك تخفيف من ربكم } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : كان على بني إسرائيل القصاص في القتلى ، ليس بينهم دية في نفس ولا جرح ، وذلك قول الله { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس . . . . } [ المائدة : 45 ] الآية .
فخفف الله عن أمة محمد ، فجعل عليهم الدية في النفس وفي الجراحة ، وهو قوله { ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } .
وأخرج ابن جرير والزجاجي في أماليه عن قتادة في قوله { ورحمة } قال : هي رحمة رحم الله بها هذه الأمة أطعمهم الدية وأحلها لهم ولم تحل لأحد قبلهم ، فكان في أهل التوراة إنما هو القصاص أو العفو ليس بينهما أرش ، فكان أهل الإِنجيل إنما هو عفو أمروا به ، وجعل الله لهذه الأمة القتل والعفو الدية إن شاؤوا أحلها لهم ولم يكن لأمة قبلهم .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن شريح الخزاعي « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أصيب بقتل أو جرح فإنه يختار إحدى ثلاث : إما أن يقتص ، وإما أن يعفو ، وإما أن يأخذ الدية ، فإن أراد رابعة فخذوا على يديه ، ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالداً فيها أبداً » .(1/348)
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه { فمن اعتدى بعد ذلك } بأن قتل بعد أخذه الدية { فله عذاب أليم } قال : فعليه القتل لا يقبل منه الدية ، وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لا أعافي رجلاً قتل بعد أخذ الدية » .
وأخرج سمويه في فوائده عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا أعافي رجلاً قتل بعد أخذ الدية » .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير ن الحسن في قوله { فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } قال : كان الرجل في الجاهلية إذا قتل قتيلاً ينضم إلى قومه فيجيء قومه فيصالحون عنه بالدية ، فيخرج الفار وقد أمن في نفسه فيقتله ويرمي إليه بالدية ، فذلك الاعتداء .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة . في رجل قتل بعد أخذ الدية قال : يقتل ، أما سمعت الله يقول { فله عذاب أليم } .(1/349)
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)
أخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله { ولكم في القصاص حياة } يعني نكالاً وعظة إذا ذكره الظالم المعتدي كف عن القتل .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : جعل الله هذا القصاص حياة وعبرة لأولي الألباب ، وفيه عظة لأهل الجهل والسفه ، كم من رجل قد هم بداهية لولا مخافة القصاص لوقع بها ، ولكن الله حجز عباده بها بعضهم عن بعض ، وما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر صلاح في الدنيا والآخرة ، وما نهى الله عن أمر قط إلا وهو أمر فساد ، والله أعلم بالذي يصلح خلقه .
وأخرج ابن جرير عن السدي { في القصاص حياة } قال : بقاء لا يقتل القاتل إلا بجناية .
وأخرج سفيان بن عيينة عن مجاهد في قوله { ولكم في القصاص حياة } قال : يناهي بعضهم عن بعض .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب } يعني من كان له لب أو عقل يذكر القصاص فيحجزه خوف القصاص عن القتل { لعلكم تتقون } لكي تتقوا الدماء مخافة القصاص .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي الجوزاء . أنه قرأ { ولكم في القصاص حياة } قال : قصص القرآن .
وأخرج آدم والبيهقي في سننه عن أبي العالية { فمن اعتدى } قتل بعد أخذه الدية { ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } يقول : حين أعطيتم الدية ولم تحل لأهل التوراة إنما هو قصاص أو عفو ، وكان أهل الإِنجيل إنما هو عفو وليس غيره ، فجعل الله لهذه الأمة القود والدية والعفو { ولكم في القصاص حياة } يقول : جعل الله القصاص حياة ، فكم من رجل يريد أن يقتل فيمنعه منه مخافة أن يقتل .(1/350)
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إن ترك خيراً } قال : مالاً .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { إن ترك خيراً } قال : الخير المال .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : الخير في القرآن كله المال { إن ترك خيراً } . { لحب الخير } [ العاديات : 8 ] . { أحببت حب الخير } [ ص : 32 ] . { إن علمتم فيهم خيراً } [ النور : 33 ] .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله { إن ترك خيراً الوصية } قال : من لم يترك ستين ديناراً لم يترك خيراً .
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في سننه عن عروة . أن علي بن أبي طالب دخل على مولى لهم في الموت ، وله سبعمائة درهم أو ستمائة درهم فقال : ألا أوصي قال : لا إنما قال الله { إن ترك خيراً } وليس لك كثير مال ، فدع مالك لورثتك .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي عن عائشة . أن رجلاً قال لها : إني أريد أن أوصي ، قالت : كم ما لك . . . ؟ قال : ثلاثة آلاف . قالت : كم عيالك؟ قال : أربعة . قالت : قال الله { إن ترك خيراً } وهذا شيء يسير فاتركه لعيالك فهو أفضل .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس قال : إن ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز قال : الوصية على من ترك خيراً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال : جعل الله الوصية حقاً مما قل منه ومما كثر .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ما حق امرىء مسلم تمر عليه ثلاث ليال إلا ووصيته عنده . قال ابن عمر : فما مرت عليّ ثلاث قط إلا ووصيتي عندي » .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أيها الناس ابتاعوا أنفسكم من ربكم ، إلا أنه ليس لامرىء شيء إلا عرف أمراً بخل بحق الله فيه ، حتى إذا حضر الموت أخذ يوزّع ماله ههنا وههنا » ثم يقول قتادة : ويلك يا ابن آدم اتق الله ولا تجمع إساءتين ، مالك إساءة في الحياة وإساءة عند الموت ، انظر إلى قرابتك الذين يحتاجون ولا يرثون فأوص لهم من مالك بالمعروف .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عبيد الله بن عبد الله بن معمر قاضي البصرة قال : من أوصى فسمى أعطينا من سمى ، وإن قال : ضعها حيث أمر الله ، أعطيناها قرابته .(1/351)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن طاوس قال : من أوصى لقوم وسماهم وترك ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت على قرابته .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الحسن قال : إذا أوصى في غير أقاربه بالثلث جاز لهم ثلث الثلث ويرد على أقاربه ثلثي الثلث .
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في الناسخ وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن محمد بن سيرين قال : خطب ابن عباس فقرأ سورة البقرة ، فبين ما فيها حتى مر على هذه الآية { إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين } فقال : نسخت هذه الآية .
وأخرج أبو داود والنحاس معاً في الناسخ وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الوصية ، { للوالدين والأقربين } قال : كان ولد الرجل يرثونه وللوالدين الوصية ، فنسختها { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } [ النساء : 7 ] الآية .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان لا يرث مع الوالدين غيرهما إلا وصية الأقربين ، فأنزل الله آية الميراث ، فبين ميراث الوالدين ، وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت .
وأخرج أبو داود في سننه وناسخه والبيهقي عن ابن عباس في قوله { إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين } قال : فكانت الوصية لذلك حين نسختها آية الميراث .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : نسخ من يرث ، ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر . أنه سئل عن هذه الآية { الوصية للوالدين والأقربين } قال : نسختها آية الميراث .
وأخرج ابن جرير عن قتادة عن شريح في الآية قال : كان الرجل يوصي بماله كله حتى نزلت آيات الميراث .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في الآية قال : كان الميراث للولد والوصية للوالدين والأقربين ، فهي منسوخة .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال : الخير المال ، كان يقال ألف فما فوق ذلك ، فأمر أن يوصي للوالدين وقرابته ، ثم نسخ الوالدين وألحق لكل ذي ميراث نصيبه منها وليست لهم منه وصية ، فصارت الوصية لمن لا يرث من قريب أو غير قريب .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن خارجة « أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم على راحلته فقال : إن الله قد قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث ، فلا تجوز لوارث وصية » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبيهقي في سننه عن أبي أمامة الباهلي « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في خطبته يقول : إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث » .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا وصية لوارث إلا أن تجيزه الورثة » .(1/352)
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه } وقد وقع أجر الموصي على الله وبرىء من اثمه في وصيته ، أو حاف فيها فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب .
وأخرج ابن جرير عن قتاده في قوله { فمن بدله } قال : من بدل الوصيه بعدما سمعها ، فإثم ما بدل عليه .
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { فمن بدله } يقول : للأوصياء من بدل وصية الميت { من بعد ما سمعه } يعني من بعد ما سمع من الميت فلم يمض وصيته إذا كان عدلاً { فإنما إثمه } يعني إثم ذلك { على الذين يبدلونه } يعني الوصي وبرىء منه الميت { إن الله سميع } يعني للوصية { عليم } بها { فمن خاف } يقول : فمن علم { من موص } يعني من الميت { جنفاً } ميلاً { أو إثماً } يعني أو خطأ فلم يعدل { فأصلح بينهم } رد خطأه إلى الصواب { إن الله غفور } للوصي حيث أصلح بين الورثة { رحيم } به رخص له في خلاف جور وصية الميت .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { جنفاً } قال : الجور والميل في الوصية قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول عدي بن زيد وهو يقول :
وأمك يا نعمان في اخواتها ... يأتين ما يأنينه جنفا
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { جنفاً أو إثماً } قال : الجنف الخطأ ، والإثم العمد .
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله { جنفاً أو إثماً } قال : خطأ أو عمداً .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله { جنفاً } قال : حيفاً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { فمن خاف من موص . . . } الآية . قال : هذا حين يحضر الرجل وهو يموت ، فإذا أسرف أمره بالعدل وإذا قصر عن حق قالوا له : افعل كذا وكذا ، واعط فلاناً كذا وكذا .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { خاف من موص . . . } الآية . قال : من أوصى بحيف أو جار في وصية فيردها ولي الميت أو إمام من أئمة المسلمين إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه كان له ذلك .
وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : الجنف في الوصية ، والإِضرار فيها من الكبائر .
وأخرج أبو داود في مراسيله وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يرد من صدقة الجانف في حياته ما يرد من وصية المجنف عند موته » .
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري في قوله { فمن بدله بعدما سمعه } قال : بلغنا أن الرجل إذا أوصى لم تغير وصيته حتى نزلت { فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم } فرده إلى الحق .(1/353)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)
أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « بني الإِسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، والحج » .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن معاذ بن جبل قال : « أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال ، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال . فأما أحوال الصلاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس ، ثم أن الله أنزل عليه { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها . . . } [ البقرة : 144 ] الآية فوجهه الله إلى مكة هذا حول ، قال : وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضاً حتى نفسوا أو كادوا ، ثم أن رجلاً من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم ، ولو قلت أني لم أكن نائماً لصدقت ، إني بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصاً عليه ثوبان أخضران ، فاستقبل القبلة فقال : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مثنى مثنى حتى فرغ الأذان ، ثم أمهل ساعة ثم قال مثل الذي قال : غير أنه يزيد في ذلك قد قامت الصلاة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علمها بلالاً فليؤذن بها . فكان بلال أوّل من أذن بها قال : وجاء عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله إنه قد طاف بي مثل الذي طاف به غير أنه سبقني فهذان حولان .
قال : وكانوا يأتون الصلاة قد سبقهم النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها ، فكان الرجل يسر إلى الرجل كم صلى فيقول واحدة أو اثنين فيصليهما ، ثم يدخل مع القوم في صلاتهم ، فجاء معاذ فقال : لا أجده على حال أبداً إلا كنت عليها ثم قضيت ما سبقتني ، فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها فثبت معه ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قام فقضى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سن لكم معاذ فهكذا فاصنعوا . فهذه ثلاثة أحوال .
وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، وصام عاشوراء ، ثم إن الله فرض عليه الصيام ، وأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } إلى قوله { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكيناً فاجزأ ذلك عنه ، ثم إن الله أنزل الآية الأخرى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس } [ البقرة : 185 ] إلى قوله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ، ورخص فيه للمريض والمسافر ، وثبت الإِطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام ، فهذان حولان .
قال : وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا ، ثم إن رجلاً من الأنصار يقال له صرمة كان يعمل صائماً حتى إذا أمسى ، فجاء إلى أهله فصلَّى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح صائماً ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهداً شديداً فقال : » ما لي أراك قد جهدت جهداً شديداً؟ « قال : يا رسول الله إني عملت أمس ، فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت ، فأصبحت حين أصبحت صائماً قال : وكان عمر قد أصاب النساء بعد ما نام ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فأنزل الله { أحل لكم ليلة الصيام الرفث } [ البقرة : 187 ] إلى قوله { ثم أتموا الصيام إلى الليل } » .(1/354)
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كما كتب على الذين من قبلكم } يعني بذلك أهل الكتاب .
وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال : إن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا ، فكانوا ربما صاموه في القيظ فحولوه إلى الفصل ، وضاعفوه حتى صار إلى خمسين يوماً ، فذلك قوله { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { كما كتب على الذين من قبلكم } قال : الذين من قبلنا هم النصارى كتب عليهم رمضان ، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا ينكحوا في شهر رمضان . فاشتد على النصارى صيام رمضان فاجتمعوا فجعلوا صياماً في الفصل بين الشتاء والصيف ، وقالوا : نزيد عشرين يوماً نكفر بها ما صنعنا ، فلم تزل المسلمون يصنعون كما تصنع النصارى حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان ، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى قبيل طلوع الفجر .
وأخرج ابن حنظلة في تاريخه والنحاس في ناسخه والطبراني عن معقل بن حنظلة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « كان على النصارى صوم شهر رمضان ، فمرض ملكهم فقالوا : لئن شفاه الله لنزيدن عشراً ، ثم كان آخر فأكل لحماً فأوجع فوه ، فقالوا : لئن شفاه الله لنزيدن سبعة ، ثم كان عليهم ملك آخر فقالوا : ما تدع من هذه الثلاثة أيام شيئاً أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع ، ففعل فصارت خمسين يوماً » .
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } قال كتب عليهم الصيام من العتمة إلى العتمة .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { كما كتب على الذين من قبلكم } قال : أهل الكتاب .(1/355)
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { لعلكم تتقون } من الطعام والشراب والنساء مثل ما اتقوا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله { أياماً معدودات } قال : وكان هذا صيام الناس ثلاثة أيام من كل شهر ولم يسم الشهر أياماً معدودات . قال : وكان هذا صيام الناس قبل ذلك ، ثم فرض الله عليهم شهر رمضان .
وأخرج سعيد بن منصور عن أبي جعفر قال : نسخ شهر رمضان كل صوم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { أياماً معدودات } يعني أيام رمضان ثلاثين يوماً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كتب عليكم الصيام } قال : كان ثلاثة أيام من كل شهر ، ثم نسخ بالذي أنزل الله من صيام شهر رمضان ، فهذا الصوم الأول من العتمة وجعل الله فيه فدية طعام مسكين ، فمن شاء من مسافر أو مقيم يطعم مسكيناً ويفطر وكان ذلك رخصة له ، فأنزل الله في الصوم الآخر { فعدة من أيام أخر } ولم يذكر الله في الأخر فدية طعام مسكين ، فنسخت الفدية وثبت في الصوم الأخر { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وهو الافطار في السفر وجعله عدة من أيام أخر .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } قال : هو شهر رمضان كتبه الله على من كان قبلكم ، وقد كانوا يصومون من كل شهر ثلاثة أيام ، ويصلون ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي حتى افترض عليهم شهر رمضان .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : كان الصوم الأول صامه نوح فمن دونه حتى صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وكان صومهم من شهر ثلاثة أيام إلى العشاء ، وهكذا صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : لقد كتب الصيام على كل أمة خلت كما كتب علينا شهراً كاملاً .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : كتب على النصارى الصيام كما كتب عليكم ، وتصديق ذلك في كتاب الله { كتب عليكم } الآية . قال : فكان أوّل أمر النصارى أن قدموا يوماً قالوا : حتى لا نخطىء ، ثم قدموا يوماً وأخروا يوماً قالوا : لا نخطىء ، ثم إن آخر أمرهم صاروا إلى أن قالوا : نقدم عشراً ونؤخر عشراً حتى لا نخطىء فضلوا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : أنزلت { كتب عليكم الصيام . . . } الآية . كتب عليهم أن أحدهم إذا صلى العتمة ونام حرم عليه الطعام والشراب والنساء إلى مثلها .(1/356)
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله { كتب عليكم الصيام . . . } الآية . قال : كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم شيئاً لم يحل له أن يطعم إلى القابلة ، والنساء عليهم حرام ليلة الصيام وهو ثابت عليهم ، وقد رخص لكم في ذلك .
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة قالت : كان عاشوراء يصام ، فلما نزل رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر .
وأخرج سعيد وابن عساكر عن ابن عباس في قوله { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام . . . } الآية . يعني بذلك أهل الكتاب ، وكان كتابه على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : أن الرجل يأكل ويشرب وينكح ما بينه وبين أن يصلي العتمة أو يرقد ، فإذا صلى العتمة أو رقد منع من ذلك إلى مثلها من القابلة ، فنسختها هذه الآية { أحل لكم ليلة الصيام } .
وأما قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية } .
أخرج عبد بن حميد عن ابن سيرين قال : كان ابن عباس يخطب فقرأ هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه فدية } قال : قد نسخت هذه الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه فدية } فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكيناً ، ثم نزلت هذه الآية { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فنسخت الأولى إلا الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكيناً وأفطر .
وأخرج أبو داود عن ابن عباس { وعلى الذين يطيقونه فدية } ومن شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتم له صومه ، فقال { ومن تطوّع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم } وقال { فمن شهد منكم الشهر فليصمه . . . } الآية .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال : كانت مرخصة الشيخ الكبير والعجوز ، وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً ، ثم نسخت بعد ذلك فقال الله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وأثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان أن يفطرا ويطعما ، وللحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا مكان كل يوم مسكيناً ، ولا قضاء عليهما .
وأخرج الدارمي والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن خزيمة وأبو عوانة وابن أبي حاتم والنحاس وابن حبان والطبراني والحاكم والبيهقي في سننه عن سلمة بن الأكوع قال : لما نزلت هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } من شاء منا صام ومن شاء أن يفطر ويفتدي فعل ذلك ، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } .
وأخرج ابن حبان عن سلمة بن الأكوع قال : كنا في رمضان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى ، حتى نزلت هذه الآية { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } .(1/357)
وأخرج البخاري عن أبي ليلى قال « نبأ أصحاب منا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل رمضان فشق عليهم ، فكان من أطعم كل يوم مسكيناً ترك رمضان ، فشق عليهم ترك الصوم ممن يطيقونه ورخص لهم في ذلك ، فنسختها { وأن تصوموا خير لكم } فأمروا بالصوم » .
وأخرج ابن جرير عن أبي ليلى « نبأ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوّعاً من غير فريضة ، ثم نزل صيام رمضان وكانوا قوماً لم يتعودوا الصيام فكان مشقة عليهم ، فكان من لم يصم أطعم مسكيناً ، ثم نزلت هذه الآية { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } فكانت الرخصة للمريض والمسافر ، وأمرنا بالصيام » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عامر الشعبي قال : لما نزلت هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه فدية } افطر الأغنياء واطعموا وجعلوا الصوم على الفقراء ، فأنزل الله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فصام الناس جميعاً .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن أبي ليلى قال : دخلت على عطاء بن أبي رباح في شهر رمضان وهو يأكل ، فقلت له : أتأكل؟! قال : إن الصوم أول ما نزل كان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكيناً كل يوم ، فلما نزلت { فمن تطوّع خيراً فهو خير له } كان من تطوّع أطعم مسكينين ، فلما نزلت { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وجب الصوم على كل مسلم إلا مريضاً ، أو مسافراً أو الشيخ الكبير الفاني مثلي ، فإنه يفطر ويطعم كل يوم مسكيناً .
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف والبخاري وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عمر . أنه كان يقرأ { فدية طعام مسكين } وقال : هي منسوخة نسختها الآية التي بعدها { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } .
وأخرج وكيع وسفيان وعبد الرزاق والفريابي والبخاري وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والطبراني والدارقطني والبيهقي من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ « وعلى الذين يطوقونه » مشددة قال : يكلفونه ولا يطيقونه ، ويقول : ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير الهرم ، والعجوز الكبيرة الهرمة ، يطعمون لكل يوم مسكيناً ولا يقضون .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم وصححاه والبيهقي عن ابن عباس { وعلى الذين يطيقونه } قال : يكلفونه ، فدية طعام مسكين واحد { فمن تطوّع خيراً } زاد طعام مسكين آخر { فهو خير له وأن تصوموا خير لكم } قال : فهذه ليست منسوخة ، ولا يرخص إلا للكبير الذي لا يطيق الصوم ، أو مريض يعلم أنه لا يشفى .(1/358)
وأخرج ابن جرير والبيهقي عن عائشة كانت تقرأ ( يطوقونه ) .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سعيد بن جبير أنه قرأ ( وعلى الذين يطوقونه ) .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن الأنباري عن عكرمة أنه كان يقرأ ( وعلى الذين يطوقونه ) قال : يكلفونه . وقال : ليس هي منسوخة ، الذين يطيقونه يصومونه ، والذين يطوقونه عليهم الفدية .
وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عن ابن عباس أنه قرأ { وعلى الذين يطيقونه } قال : يتجشمونه يتكلفونه .
وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن عكرمة أنه كان يقرأها { وعلى الذين يطيقونه } وقال : ولو كان يطيقونه إذن صاموا .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : نزلت { وعلى الذين يطيقونه فدية } في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ، فرخص له أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي عن ابن عباس { وعلى الذين يطيقونه فدية } قال : ليست بمنسوخة ، هو الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام يفطر ، ويتصدق لكل يوم نصف صاع من برٍ مداً لطعامه ومداً لأدامه .
وأخرج ابن سعد في طبقاته عن مجاهد قال : هذه الآية نزلت في مولى قيس بن السائب { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فأفطر وأطعم لكل يوم مسكيناً .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { وعلى الذين يطيقونه } قال : من لم يطق الصوم إلا على جهد فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكيناً ، والحامل ، والمرضع ، والشيخ الكبير ، والذي سقمه دائم .
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله { وعلى الذين يطيقونه } قال : الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم يفطر ، ويطعم مكان كل يوم مسكيناً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن المنذر والدارقطني والبيهقي عن أنس بن مالك . أنه ضعف عن الصوم عاماً قبل موته ، فصنع جفنة من ثريد ، فدعا ثلاثين مسكيناً فأطعمهم .
وأخرج الطبراني عن قتادة : أن انساناً ضعف عن الصوم قبل موته عاماً ، فافطر وأطعم كل يوم مسكيناً .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والدارقطني وصححه عن ابن عباس . أنه قال لأم ولد له حامل أو مرضع : أنت بمنزلة الذين لا يطيقون الصوم ، عليك الطعام ولا قضاء عليك .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والدارقطني عن نافع قال : أرسلت إحدى بنات ابن عمر إلى ابن عمر تسأله عن صوم رمضان وهي حامل ، قال : تفطر وتطعم كل يوم مسكيناً .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال : تفطر الحامل التي في شهرها ، والمرضع التي تخاف على ولدها يفطران ، ويطعمان كل يوم مسكيناً كل واحد منهما ، ولا قضاء عليهما .(1/359)
وأخرج عبد بن حميد عن عثمان بن الأسود قال : سألت مجاهداً عن امرأتي وكانت حاملاً وشق عليها الصوم ، فقال : مرها فلتفطر ولتطعم مسكيناً كل يوم ، فإذا صحت فلتقض .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : المرضع إذا خافت أفطرت وأطعمت ، والحامل إذا خافت على نفسها أفطرت وقضت ، وهي بمنزلة المريض .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الحسن قال : يفطران ويقضيان صياماً .
وأخرج عبد بن حميد عن النخعي قال : الحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا ، وقضتا مكان ذلك صوماً .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال : إذا خشي الإِنسان على نفسه في رمضان فليفطر .
وأما قوله تعالى : { طعام مسكين } .
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن سيرين قال : قرأ ابن عباس سورة البقرة على المنبر ، فلما أتى على هذه الآية قرأ { طعام مسكين } .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { فدية طعام مسكين } قال : واحد .
وأخرج وكيع عن عطاء في قوله { فدية طعام مسكين } قال : مد بمد أهل مكة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عكرمة قال : سألت طاوساً عن أمي وكان أصابها عطاش فلم تستطع أن تصوم ، فقال : تفطر وتطعم كل يوم مداً من بر . قلت : بأي مد؟ قال : بمد أرضك .
وأخرج الدارقطني عن أبي هريرة قال : من أدركه الكبر فلم يستطع أن يصوم رمضان فعليه كل يوم مد من قمح .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن سفيان قال : ما الصدقات والكفارات إلا بمد النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما قوله تعالى { فمن تطوّع خيراً فهو خير له } .
وأخرج وكيع عن مجاهد في قوله { فمن تطوّع خيراً } قال : أطعم المسكين صاعاً .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله { فمن تطوّع خيراً } قال : اطعم مسكينين .
وأخرج عبد بن حميد عن طاوس { فمن تطوّع خيراً } قال : اطعام مساكين .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن أنس . أنه أفطر في رمضان ، وكان قد كبر وأطعم أربعة مساكين لكل يوم .
وأخرج الدارقطني في سننه من طريق مجاهد قال : سمعت قيس بن السائب يقول : إن شهر رمضان يفتديه الإِنسان أن يطعم لكل يوم مسكيناً ، فاطعموا عني مسكينين .
قوله تعالى { وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون } .
أخرج ابن جرير عن ابن شهاب في قوله { وأن تصوموا خير لكم } أي أن الصيام خير لكم من الفدية .
وأخرج مالك وأحمد وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، قال الله عز وجل : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ، للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك » .(1/360)
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يقول الله تعالى : الصوم لي وأنا أجزي به ، وللصائم فرحتان . إذا أفطر فرح ، وإذا لقي ربه فجازاه فرح ، ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك » .
وأخرج أحمد والبيهقي عن جابر « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال ربنا : الصيام جنة يستجن بها العبد من النار ، وهو لي وأنا أجزي به . قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : الصيام جنة حصينة من النار » .
وأخرج البيهقي عن أيوب بن حسان الواسطي قال « سمعت رجلاً سأل سفيان بن عيينة فقال : يا أبا محمد فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به . فقال ابن عيينة : هذا من أجود الأحاديث وأحكمها ، إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم ، فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة » .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قال الله عز وجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جنة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، وان سابه أو شاتمه أحد فليقل إني امرؤ صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عن الله من ريح المسك ، للصائم فرحتان يفرح بهما : إذا أفطر فرح ، وإذا لقي ربه فرح بصومه » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن خزيمة والبيهقي عن سهل بن سعد . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « للجنة ثمانية أبواب ، فيها باب يسمى الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل معهم أحد غيرهم يقال : أين الصائمون؟ فيدخلون منه ، فإذا دخل آخرهم أغلق ، فلم يدخل منه أحد » زاد ابن خزيمة « ومن دخل منه شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً » .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصيام لا رياء فيه . قال الله : هو لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه من أجلي » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(1/361)
« من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه » .
وأخرج النسائي والبيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة » .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن أبي أوفى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله مضاعف ، ودعاؤه مستجاب ، وذنبه مغفور » .
وأخرج ابن عدي في الكامل وأبو الحسن محمد بن أحمد بن جميع الغساني ، وأبو سعيد بن الأعرابي والبيهقي عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ما من عبد أصبح صائماً إلا فتحت له أبواب السماء ، وسبحت أعضاؤه ، واستغفر له أهل السماء الدنيا إلى أن توارى بالحجاب ، فإن صلى ركعة أو ركعتين أضاءت له السموات نوراً ، وقال أزواجه من الحور العين اللهم اقبضه إلينا فقد اشتقنا إلى رؤيته ، وإن هلل أو سبح أو كبر تلقاه سبعون ألف ملك ، يكتبون ثوابها إلى أن توارى بالحجاب » .
وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من منعه الصيام من الطعام والشراب يشتهيه أطعمه الله من ثمار الجنة ، وسقاه من شرابها » .
وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول » إن الله أوحى إلى نبي من بني إسرائيل : أخبر قومك أن ليس عبد يصوم يوما ابتغاء وجهي إلا صححت جسمه وأعظمت أجره « .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي موسى الأشعري قال : بينما نحن في البحر غزاة إذ مناد ينادي : يا أهل السفينة خبروا بخبركم . قال أبو موسى : قلت : ألا ترى الريح لنا طيبة ، والشراع لنا مرفوعة ، والسفينة تجري لنا في لجة البحر؟ قال : أفلا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه؟ قلت : بلى . قال : فإن الله قضى على نفسه أيما عبد عطش نفسه لله في الدنيا يوماً فإن حقاً على الله أن يرويه يوم القيامة .
وأخرج أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامة قال » قلت : يا رسول الله مرني بعمل آخذه عنك ينفعني الله به . قال : عليك بالصوم فإنه لا مثل له « .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن أبي رباح قال : توضع الموائد يوم القيامة للصائمين ، فيأكلون والناس في كرب الحساب .
وأخرج البيهقي عن كعب الأحبار قال : ينادي يوم القيامة مناد : ان كل حارث يعطى بحرثه ويزاد غير أهل القرآن والصيام ، يعطون أجورهم بغير حساب .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/362)
« لكل أهل عمل باب من أبواب الجنة يدعون منه بذلك العمل ، ولأهل الصيام باب يقال له الريان » .
وأخرج مالك في الموطأ وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصيام جنة » .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة « أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول يروي ذلك عن ربه عز وجل : قال ربكم : الصوم جنة ، يجتن بها عبدي من النار » .
وأخرج أحمد والبيهقي عن أبي هريرة قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الصيام جنة وحصن حصينة من النار » .
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والبيهقي عن عثمان بن أبي العاصي الثقفي قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال » .
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن خزيمة والبيهقي عن عبيدة قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الصيام جنة ما لم يخرقها » .
وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصيام جنة ما لم يخرقها . قيل وبم يخرقها؟ قال : بكذب أو غيبة » .
وأخرج الترمذي والبيهقي عن رجل من بني سليم « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده فقال : سبحان الله نصف الميزان ، والحمد لله تملأ الميزان ، والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض ، والوضوء نصف الميزان ، والصيام نصف الصبر » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصيام نصف الصبر ، وأن لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصيام » .
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لكل شيء زكاة ، وزكاة الجسد الصوم » .
وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أم عمارة بنت كعب « أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها ، فقربت إليه طعاماً فقال : كلي . فقالت : إني صائمة . فقال : إن الصائم إذا أكل عنده صلت عليه الملائكة حتى يفرغوا أو يقضوا » .
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن بريدة قال : دخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتغذّى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تغذّى يا بلال . قال : إني صائم يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » نأكل رزقنا وفضل رزق بلال في الجنة ، أشعرت يا بلال أن الصائم تسبح عظامه ، وتستغفر له الملائكة ما أكل عنده؟! « » .(1/363)
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر قال : الصائم إذا أكل عنده صلت عليه الملائكة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : الصائم إذا أكل عنده صلت عليه الملائكة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : الصائم إذا أكل عنده سبحت مفاصله .
وأخرج ابن أبي شيبة عن يزيد بن خليل مثله .
وأخرج أبو يعلى والطبراني والبيهقي عن سلمة بن قيصر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من صام يوماً ابتغاء وجه الله بعده الله من جهنم كبعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرماً » .
وأخرج أحمد والبزار من حديث أبي هريرة . مثله .
وأخرج البزار والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم ، ودعوة المسافر ، ودعوة المظلوم » .
وأخرج البيهقي عن أنس قال « خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وفيه فئة من أصحابه فقال : من كان عنده طول فلينكح ، وإلا فعليه بالصوم فإن له وجاء ومجسمة للعرق » .
وأخرج الترمذي وابن ماجة عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « في الجنة باب يدعى الريان يدعى له الصائمون ، فمن كان من الصائمين دخله ، ومن دخله لا يظمأ أبداً » .
وأخرج ابن ماجة والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن عمرو « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد » .
وأخرح البزار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن للصوّام يوم القايمة حوضاً ما يرده غير الصوّام » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى في سرية في البحر ، فبينما هم كذلك قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة إذا هاتف من فوقهم يهتف : يا أهل السفينة قفوا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه . قال أبو موسى : أخبرنا إن كنت مخبراً ، قال : إن الله قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف سقاه الله يوم العطش » .
وأخرج ابن سعد والترمذي وصححه والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الدعوات عن الحرث الأشعري « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ، وأنه كاد أن يبطىء بها فقال عيسى : إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ، فإما تأمرهم وإما أن آمرهم ، فقال يحيى : أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذب ، فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ ، وقعد على الشرف فقال : إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن ، وأمركم أن تعملوا بهن . أولهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، وأن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق فقال : هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إلي ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده ، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وأن الله أمركم بالصلاة ، فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت ، وأمركم بالصيام ، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجبه ريحها ، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وأمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ ولفوا يده إلى عنقه ، وقدموه ليضربوا عنقه فقال : أفدي نفسي منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم ، وأمركم أن تذكروا الله ، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى به على حصن حصين فاحرز نفسه منهم ، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله » .(1/364)
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اغزوا تغنموا ، وصوموا تصحوا ، وسافروا تستغنوا » .
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع والطبراني والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفِّعْني فيه ، قال : فيشفعان » .
وأخرج أبو يعلى والطبراني عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو أن رجلاً صام يوماً تطوعاً ثم أعطى ملء الأرض ذهباً لم يستوف ثوابه دون يوم الحساب » .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً » .
وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض » .
وأخرج الطبراني عن عمرو بن عبسة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صام يوماً في سبيل الله بعدت من النار مسيرة مائة عام » .
وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفاً » .(1/365)
وأخرح الترمذي عن أبي أمامة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض » .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر ، والإِمام العادل ، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ، ويفتح لها أبواب السماء ، ويقول الرب : وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصائمون تنفح من أفواههم ريح المسك ، وتوضع لهم يوم القيامة مائدة تحت العرش ، فيأكلون منها والناس في شدة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله جعل مائدة عليها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، لا يقعد عليها إلا الصائمون » .
وأخرج أبو الشيخ بن حبان في الثواب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا كان يوم القيامة تخرج الصوّام من قبورهم يعرفون برياح صيامهم ، أفواههم أطيب من ريح المسك ، فيلقون بالموائد والأباريق مختمة بالمسك ، فيقال لهم : كلوا فقد جعتم ، واشربوا فقد عطشتم ، ذروا الناس واستريحوا فقد أعييتم إذ استراح الناس ، فيأكلون ويشربون ويستريحون والناس في عناء وظمأ » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال عن مغيب بن سمي قال : تركد الشمس فوق رؤوسهم على أذرع ، وتفتح أبواب جهنم فتهب عليهم لفحها وسمومها ، وتخرج عليهم نفحاتها حتى تجري الأرض من عرقهم أنتن من الجيف ، والصائمون في ظل العرش .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب من طريق أحمد بن أبي الحواري أنبأنا أبو سليمان قال : جاءني أبو علي الأصم بأحسن حديث سمعته في الدنيا قال : توضع للصوّام مائدة يأكلون والناس في الحساب ، فيقولون : يا رب نحن نحاسب وهؤلاء يأكلون؟! فيقول « طالما صاموا وأفطرتم ، وقاموا ونمتم » .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله لمن ألان الكلام ، وأطعم الطعام ، وتابع الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام » .
وأخرج البيهقي عن نافع قال ابن عمر : كان يقال : إن لكل مؤمن دعوة مستجابة عند إفطاره ، إما أن تعجل له في دنياه أو تدخر له في آخرته ، فكان ابن عمر يقول عند افطاره : يا واسع المغفرة اغفر لي .
وأخرج أحمد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ذات يوم(1/366)
« من شهد منكم جنازة؟ قال عمر : أنا . قال : من عاد مريضاً؟ قال عمر : أنا . قال : من تصدق بصدقة؟ قال عمر : أنا . قال : من أصبح صائماً؟ قال عمر : أنا قال : وجبت وجبت » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن رباح قال : خرجنا إلى معاوية فمررنا براهب فقال : توضع الموائد فأوّل من يأكل منها الصائمون .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه عنه صوم الدهر كله وإن صامه » .
وأخرج الدارقطني عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر فعليه صوم شهر » .
وأخرج الدارقطني عن رجاء بن جميل قال : كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول : من أفطر يوماً من رمضان صام اثني عشر يوماً ، لأن الله رضي من عباده شهراً من اثني عشر شهراً .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني أفطرت يوماً من رمضان ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم « تصدق واستغفر الله وصم يوماً مكانه » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : من أفطر يوماً من رمضان متعمداً من غير سفر ولا مرض لم يقضه أبداً وإن صام الدهر كله .
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال : من أفطر يوماً من رمضان متعمداً لم يقضه أبداً طول الدهر .(1/367)
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عدي والبيهقي في سننه والديلمي عن أبي هريرة مرفوعاً وموقوفاً « لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله ، ولكن قولوا شهر رمضان » .
وأخرج وكيع وابن جرير عن مجاهد قال : لا تقل رمضان ، فإنك لا تدري ما رمضان ، لعله اسم من أسماء الله عز وجل ولكن قل شهر رمضان كما قال الله عز وجل .
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر قال : إنما سمي رمضان لأن الذنوب ترمض فيه ، وإنما سمي شوّالاً لأنه يشول الذنوب كما تشول الناقة ذنبها .
وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنما سمي رمضان لأن رمضان يرمض الذنوب » .
وأخرج ابن مردويه والأصبهاني عن عائشة قالت : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم « يا رسول الله ما رمضان؟ قال : ارمض الله فيه ذنوب المؤمنين ، وغفرها لهم . قيل : فشوال؟ قال : شالت فيه ذنوبهم فلم يبق فيه ذنب إلا غفره » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة » .
وأخرج البزار والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإِيمان وضعفه عن أنس « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل رجب قال : اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان » .
وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن طلحة بن عبيد الله « أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال : يا رسول الله أخبرني بما فرض الله عليّ من الصيام؟ فقال : شهر رمضان إلا أن تطوّع . فقال : أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإِسلام . قال : والذي أكرمك لا أتطوّع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله عليّ شيئاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلح إن صدق ، أو دخل الجنة إن صدق » .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب جهنم ، وسلسلت الشياطين » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي والبيهقي عن عرفجة قال : كنا عند عتبة بن فرقد وهو يحدثنا عن رمضان ، إذ دخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسكت عتبة بن فرقد قال : يا أبا عبد الله حدثنا عن رمضان كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(1/368)
« رمضان شهر مبارك تفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب السعير ، وتصفد فيه الشياطين ، وينادي مناد كل ليلة : يا باغي الخير هلم ، ويا باغي الشر أقصر ، حتى ينقضي رمضان » .
وأخرج أحمد والطبراني والبيهقي عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لله عند كل فطر عتقاء من النار » .
وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر » .
وأخرج ابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صام رمضان ، وعرف حدوده ، وحفظ مما ينبغي أن يحفظ منه ، كفر ما قبله » .
وأخرج ابن ماجة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لله عند كل فطر عتقاء ، وذلك في كل ليلة » .
وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتح أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي مناد كل ليلة : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر . ولله عز وجل عتقاء من النار ، وذلك عند كل ليلة » .
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : نبشركم قد جاءكم رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم » .
وأخرج أحمد والبزار وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أعطيت أمتي في شهر رمضان خمس خصال لم تعط أمة قبلهم : خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ، ويزين الله كل يوم جنته ، ثم قال : يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك ، وتصفد فيه الشياطين ، ولا يخلصون فيه إلى ما يخلصون في غيره ، ويغفر لهم آخر ليلة . قيل : يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال : لا ، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله » .
وأخرج البيهقي والأصبهاني عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أعطيت أمتي في شهر رمضان خمساً لم يعطهن نبي قبلي : أما واحدة فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إليهم ، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبداً ، وأما الثانية فإنه خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك ، وأما الثالثة فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة ، وأما الرابعة فإن الله يأمر جنته فيقول لها استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي ، وأما الخامسة فإذا كان آخر ليلة غفر لهم جميعاً . فقال رجل من القوم : أهي ليلة القدر؟ فقال : لا ، ألم تر إلى العمال يعملون ، فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم؟ » .(1/369)
وأخرج البيهقي في الشعب والأصبهاني في الترغيب عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لله في كل ليلة من رمضان ستمائة ألف عتيق من النار ، فإذا كان آخر ليلة أعتق بعدد من مضى » .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إذا كان أول ليلة من شهر رمضان فتحت أبواب الجنان فلم يغلق منها باب واحد الشهر كله ، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب واحد الشهر كله ، وغلت عتاة الجن ونادى مناد من كل ليلة إلى انفجار الصبح : يا باغي الخير تمم وابشر ، ويا باغي الشر أقصر وابصر السماء ، هل من مستغفر نغفر له؟ هل من تائب نتوب عليه؟ هل من داع نستجيب له؟ هل من سائل نعطي سؤاله؟ ولله عند كل فطر من شهر رمضان كل ليلة عتقاء من النار ستون ألفاً ، فإذا كان يوم الفطر أعتق مثل ما أعتق في جميع الشهر ثلاثين مرة ستين ألفاً ستين ألفاً » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أظلكم شهركم هذا - يعني شهر رمضان - بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما مر على المسلمين شهر خير لهم منه ، ولا يأتي على المنافقين شهر شر لهم منه ، بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يكتب أجره وثوابه من قبل أن يدخل ، ويكتب وزره وشقاءه قبل أن يدخل ، وذلك أن المؤمن يعد فيه النفقة للقوّة في العبادة ، ويعد فيه المنافق اغتياب المؤمنين واتباع عوراتهم ، فهو غنم للمؤمنين وغرم على الفاجر » .
وأخرج العقليلي وضعفه وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي والخطيب والأصبهاني في الترغيب عن سلمان الفارسي قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال « يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوّعاً ، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة وشهر يزاد في رزق المؤمن ، من فطر فيه صائماً كان له مغفرة لذنوبه ، وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء . قلنا : يا رسول الله كلنا نجد ما يفطر الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على مذقة لبن ، أو تمرة ، أو شربة من ماء ، ومن أشبع صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة ، وهو شهر أوّله وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ، من خفف عن مملوكه فيه غفر له وأعتقه من النار ، فاستكْثروا فيهِ مِنْ أَرْبعَ خِصَالٍ : خَصْلَتَان تُرْضُونَ بِهمَا رَبَّكُمْ ، وَخَصْلَتَانِ لاَ غِنَى بِكُمْ عَنْهُمَا . فَأمَّا الْخَصْلَتَانِ اللَّتَان تُرْضُونَ بِهِما رَبَّكُمْ فَشَهَادَةُ أنْ لاَ إلهَ إلا اللهُ وَتسْتَغْفِرونَهُ ، وَأمَّا اللَّتَانِ لاَ غِنَى بِكُمْ عَنْهُما فَتَسْأَلُونَ الْجنَّةَ وتَعُوذونَ بِهِ مِنَ النَّار » .(1/370)
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عبد الرحمن بن عوف قال « ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فقال : شهر فرض الله عليكم صيامه وسننت أنا قيامه ، فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه » .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الصلاة المكتوبة إلى الصلاة التي تليها كفارة ، والجمعة إلى الجمعة التي تليها كفارة ما بينهما ، والشهر إلى الشهر يعني شهر رمضان إلى شهر رمضان كفارة ما بينهما إلا من ثلاث : الإِشراك بالله ، وترك السنة ، ونكث الصفقة . فقلت : يا رسول الله أما الاشراك بالله فقد عرفناه فما نكث الصفقة وترك السنة؟ قال : أما نكث الصفقة فأن تبايع رجلاً بيمينك ثم تخالف إليه فتقاتله بسيفك ، وأما ترك السنة فالخروج من الجماعة » .
وأخرج ابن خزيمة والبيهقي والأصبهاني عن أنس بن مالك قال : لما أقبل شهر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سبحان الله . ! ماذا تستقبلون وماذا يستقبلكم؟ قال عمر بن الخطاب : بأبي أنت وأمي يا رسول الله! وحي نزل أو عدوّ حضر؟ قال : لا ولكن شهر رمضان يغفر الله في أول ليلة لكل أهل هذه القبلة ، وفي القوم رجل يهز رأسه فيقول : بخ بخ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : كأن ضاق صدرك بما سمعت . قال : لا والله يا رسول الله ولكن ذكرت المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم : المنافق كافر وليس للكافر في ذا شيء » .
وأخرج البيهقي عن جابر بن عبد الله قال :(1/371)
« لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر جعل له ثلاث عتبات ، فلما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم العتبة الأولى قال : آمين ، ثم صعد العتبة الثانية فقال : آمين ، حتى إذا صعد العتبة الثالثة قال : آمين . فقال المسلمون : يا رسول الله رأيناك تقول آمين آمين آمين ولا نرى أحداً؟! فقال : إن جبريل صعد قبلي العتبة الأولى فقال : يا محمد . فقلت : لبيك وسعديك . فقال : من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يغفر له فابعده الله . قل آمين . فقلت : آمين . فلما صعد العتبة الثانية قال : يا محمد قلت : لبيك وسعديك . قال : من أدرك شهر رمضان وصام نهاره وقام ليله ثم مات ولم يغفر له فدخل النار فابعده الله ، فقل آمين . فقلت : آمين . فلما صعد العتبة الثالثة قال : يا محمد . قلت : لبيك وسعديك . قال : من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات ولم يغفر له فدخل النار فابعده الله ، قل آمين . فقلت : آمين » .
وأخرج الحاكم وصححه من طريق سعد بن إسحق بن كعب بن عجرة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « احضروا المنبر فحضرنا ، فلما ارتقى درجة قال : آمين . فلما ارتقى الثانية قال : آمين . ثم لما ارتقى الثالثة قال : آمين . فلما نزل قلنا : يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه؟! قال : إن جبريل عرض لي فقال : بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له . قلت : آمين . فلما رقيت الثانية قال : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك . فقلت : آمين . فلما رقيت الثالثة قال : بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة . فقلت : آمين » .
وأخرج ابن حبان عن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده « فلما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ، فلما رقى عتبة قال : آمين . ثم رقى أخرى قال : آمين . ثم رقى عتبة ثالثة فقال : آمين . ثم قال : أتاني جبريل فقال : يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فابعده الله . فقلت : آمين . قال : ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فابعده الله . فقلت : آمين . قال : ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله . فقلت : آمين . » .
وأخرج ابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال : آمين آمين آمين . قيل : يا رسول الله إنك صعدت المنبر فقلت آمين آمين آمين؟! فقال : إن جبريل أتاني فقال : من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله ، قل آمين . فقلت : آمين » .
وأخرج البيهقي عن عائشة قالت « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان شد مئزره ، ثم لم يأت فراشه حتى ينسلخ » .(1/372)
وأخرج البيهقي والأصبهاني عن عائشة قالت « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان تغير لونه ، وكثرت صلاته ، وابتهل في الدعاء وأشفق منه » .
وأخرج البزار والبيهقي عن ابن عباس قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير ، وأعطى كل سائل » .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن في رمضان ينادي مناد بعد الثلث الأوّل أو ثلث الليل الآخر ، ألا سائل يسأل فيعطى ألا مستغفر يستغفر فيغفر له ، ألا تائب يتوب فيتوب الله عليه » .
وأخرج البيهقي والأصبهاني عن أنس قال : قيل يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال : « صدقة في رمضان » .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن الجنة لتزين من الحول إلى الحول لشهر رمضان ، وإن الحور لتزين من الحول إلى الحول لصوّام رمضان ، فإذا دخل رمضان قالت الجنة : اللهم اجعل لي في هذا الشهر من عبادك ، ويقول الحور : اللهم اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجاً . فمن لم يقذف مسلماً فيه ببهتان ، ولم يشرب مسكراً ، كفر الله عنه ذنوبه ، ومن قذف فيه مسلماً ، أو شرب فيه مسكراً ، أحبط الله عمله لسنة ، فاتقوا شهر رمضان فإنه شهر الله ، جعل الله لكم أحد عشر شهراً تأكلون فيها وتشربون وتتلذذون وجعل لنفسه شهراً ، فاتقوا شهر رمضان فإنه شهر الله » .
وأخرج الدارقطني في الأفراد والطبراني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي وابن عساكر عن ابن عمرو « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الجنة لتزخرف لرمضان من رأس الحول إلى حول قابل ، فإذا كان أوّل يوم من رمضان هبت ريح تحت العرش ، من ورق الجنة على الحور العين فيقلن : يا رب اجعل لنا من عبادك أزواجاً تقر بهم أعيننا وتقر أعينهم بنا » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن خزيمة وأبو الشيخ في الثواب وابن مردويه والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن أبي مسعود الأنصاري قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأهل رمضان فقال : لو يعلم العباد ما رمضان لتمنت أمتي أن يكون السنة كلها . فقال رجل : يا نبي الله حدثنا ، فقال : إن الجنة لتزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول ، فإذا كان أوّل يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش ، فصفقت ورق الجنة ، فتنظر الحور العين إلى ذلك ، فيقلن : يا رب اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجاً تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا . فيقال : فما من عبد يصوم يوماً من رمضان إلا زوّج زوجة من الحور العين ، في خيمة من درة مما نعت الله { حور مقصورات في الخيام } [ الرحمن : 72 ] على كل امرأة منهن سبعون حلة ، ليس منها حلة على لون أخرى ويعطى سبعين لوناً من الطيب ، ليس منه لون على ريح الآخر ، لكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجتها وسبعون ألف وصيف ، مع كل وصيفة صحفة من ذهب فيها لون طعام ، يجد لآخر لقمة منها لذة لم يجدها لأوّله ، لكل امرأة منهن سبعون سريراً من ياقوتة حمراء ، على كل سرير سبعون فراشاً بطائنها من استبرق ، فوق كل فراش سبعون أريكة ، ويعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر موشحاً بالدر عليه سواران من ذهب ، هذا بكل يوم صامه من رمضان سوى ما عمل من الحسنات » .(1/373)
وأخرج البيهقي والأصبهاني عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب السماء فلا يغلق منها باب حتى يكون آخر ليلة من رمضان ، وليس من عبد مؤمن يصلي في ليلة منها إلا كتب الله له ألفاً وخمسمائة حسنة بكل سجدة ، وبنى له بيتاً في الجنة من ياقوتة حمراء لها ستون ألف باب ، فيها قصر من ذهب موشح بياقوتة حمراء ، فإذا صام أول يوم من رمضان غفر له ما تقدم من ذنبه إلى مثل ذلك اليوم من شهر رمضان ، واستغفر له كل يوم سبعون ألف ملك من صلاة الغداة إلى أن توارى بالحجاب ، وكان له بكل سجدة يسجدها في شهر رمضان بليل أو نهار شجرة يسير الراكب في ظلها خمسمائة عام » .
وأخرج البزار والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سيد الشهور شهر رمضان ، وأعظمها حرمة ذو الحجة » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن مسعود قال : سيد الشهور رمضان ، وسيد الأيام الجمعة .
وأخرج البيهقي عن كعب قال : إن الله اختار ساعات الليل والنهار فجعل منهن الصلوات المكتوبة ، واختار الأيام فجعل منهن الجمعة ، واختار الشهور فجعل منهن شهر رمضان ، واختار الليالي فجعل منهن ليلة القدر ، واختار البقاع فجعل منها المساجد « .
وأخرج أبو الشيخ في الثّواب والبيهقي والأصبهاني عن ابن عباس » أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الجنة لتعد وتزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان ، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة ، تصفق ورق الجنة وحلق المصاريع ، يسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه ، فيثب الحور العين حتى يشرفن على شرف الجنة ، فينادين : هل من خاطب إلى الله فيزوّجه؟ ثم يقول الحور العين : يا رضوان الجنة ما هذه الليلة؟ فيجيبهن بالتلبية ، ثم يقول : هذه أول ليلة من شهر رمضان ، فتحت أبواب الجنة على الصائمين من أمة محمد ، ويا جبريل اهبط إلى الأرض فاصفد مردة الشياطين وغلهم بالأغلال ، ثم اقذفهم في البحار حتى لا يفسدوا على أمة محمد حبيبي صيامهم ، ويقول الله عز وجل في ليلة من شهر رمضان لمناد ينادي ثلاث مرات : هل من سائل فاعطيه سؤله؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ من يقرض المليء غير المعدم؟ والوفي غير الظلوم؟ قال : وله في كل يوم من شهر رمضان عند الإِفطار ألف ألف عتيق من النار كلهم قد استوجبوا النار ، فإذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أول الشهر إلى آخره .
وإذا كان ليلة القدر يأمر الله جبريل فيهبط في كبكبة من الملائكة إلى الأرض ومعهم لواء أخضر ، فيركز اللواء على ظهر الكعبة وله ستمائة جناح ، منها جناحان لا ينشرهما إلا في تلك الليلة ، فينشرهما في تلك الليلة فتجاوز المشرق إلى المغرب ، فيحث جبريل الملائكة في هذه الليلة فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصل وذاكر ، يصافحونهم ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر ينادي جبريل : معاشر الملائكة الرحيل الرحيل . . . فيقولون : يا جبريل فما صنع الله في حوائج المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فيقول جبريل : نظر الله إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم وغفر لهم إلا أربعة . قلنا : يا رسول الله من هم؟ قال : رجل مدمن خمر ، وعاق لوالديه ، وقاطع رحم ، ومشاحن ، قلنا : يا رسول الله ما المشاحن؟ قال : هو المصارم .
فإذا كانت ليلة الفطر سميت تلك الليلة ليلة الجائزة ، فإذا كانت غداة الفطر بعث الله الملائكة في كل بلاد ، فيهبطون إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك ، فينادون بصوت يسمع من خلق الله إلا الجن والإِنس ، فيقولون : يا أمة محمد اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويعفو عن العظيم ، فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله للملائكة : ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ فتقول الملائكة : إلهنا وسيدنا جزاؤه أن يوفيه أجره . فيقول : فإني أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم شهر رمضان وقيامه رضاي ومغفرتي . ويقول : يا عبادي سلوني ، فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئاً في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم ، ولا لدنياكم إلا نظرت لكم ، فوعزتي لأسترن عليكم عثراتكم ما راقبتموني ، وعزتي لا أخزيكم ولا أفضحكم بين يدي أصحاب الحدود انصرفوا مغفوراً لكم ، قد أرضيتموني ورضيت عنكم . فتفرح الملائكة ويستغفرون بما يعطي الله هذه الأمة إذا أفطروا من شهر رمضان « .(1/374)
وأخرج البيهقي في الشعب عن كعب الأحبار قال : أوحى الله إلى موسى عليه السلام : إني افترضت على عبادي الصيام وهو شهر رمضان .(1/375)
يا موسى من وافى القيامة وفي صحيفته عشر رمضانات فهو من الابدال ، ومن وافى القيامة وفي صحيفته عشرون رمضاناً فهو من المخبتين ، ومن وافى القيامة وفي صحيفته ثلاثون رمضاناً فهو من أفضل الشهداء عندي ثواباً ، يا موسى إني آمر حملة العرش إذا دخل شهر رمضان أن يمسكوا عن العبادة ، فكلما دعا صائمو رمضان بدعوة ، وأن يقولوا آمين ، وإني أوجبت على نفسي أن لا أرد دعوة صائمي رمضان .
يا موسى إني ألهم في رمضان السموات والأرض والجبال والدواب والهوام أن يستغفروا لصائمي رمضان . يا موسى اطلب ثلاثة ممن يصوم رمضان فصل معهم ، وكل واشرب معهم ، فإني لا أنزل عقوبتي ولا نقمتي في بقعة فيها ثلاثة ممن يصوم رمضان . يا موسى إن كنت مسافراً فاقدم ، وإن كنت مريضاً فمرهم أن يحملوك ، وقل للنساء والحيض والصبيان الصغار أن يبرزوا معك حيث يبرز صائمو رمضان عند صوم رمضان ، فإني لو أذنت لسمائي وأرضي لسلمتا عليهم ولكلمتاهم ولبشرتاهم بما أجيزهم ، إني أقول لعبادي الذين صاموا رمضان ارجعوا إلى رحالكم فقد أرضيتموني ، وجعلت ثوابكم من صيامكم أن أعتقكم من النار ، وأن احاسبكم حساباً يسيراً ، وأن أقيل لكم العثرة ، وأن أخلف لكم النفقة ، وأن لا أفضحكم بين يدي أحد ، وعزتي لا تسألوني شيئاً بعد صيام رمضان وموقفكم هذا من آخرتكم إلا أعطيتكم ، ولا تسألوني شيئاً من أمر دنياكم إلا نظرت لكم .
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي والأصبهاني عن عمر بن الخطاب قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ذاكر الله في رمضان مغفور ، وسائل الله فيه لا يخيب » .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي في الشمائل والنسائي والبيهقي عن ابن عباس قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه جبريل كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ ، يعرض النبي صلى الله عليه وسلم عليه القرآن ، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة » .
وأخرج ابن ماجة عن أنس قال : دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرمها فقد الحرم الخير كله ، ولا يحرم خيرها إلا محروم » .
وأخرج البزار عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة من رمضان ، وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة » .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا كان أوّل ليلة من شهر رمضان نظر الله إلى خلقه ، وإذا نظر الله إلى عبده لم يعذبه أبداً ، ولله في كل يوم ألف ألف عتيق من النار ، فإذا كانت ليلة تسع وعشرين أعتق الله فيها مثل جميع ما أعتق في الشهر كله ، فإذا كانت ليلة الفطر ارتجت الملائكة وتجلى الجبار بنوره مع أنه لا يصفه الواصفون ، فيقول لملائكته وهم في عيدهم من الغد : يا معشر الملائكة ما جزاء الأجير إذا وفى عمله؟ تقول الملائكة : يوفى أجره . فيقول الله : أشهدكم أني قد غفرت لهم » .(1/376)
وأخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً وحضر رمضان : أتاكم شهر بركة يغشاكم الله فيه ، فتنزل الرحمة وتحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ، ينظر الله إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته ، فأروا الله من أنفسكم خيراً ، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل » .
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط عن أنس قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هذا رمضان قد جاء تفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب النار ، وتغل فيه الشياطين ، بعداً لمن أدرك رمضان فلم يغفر له إذا لم يغفر له فيه فمتى » .
وأخرج أبو الشيخ في الثواب عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن شهر رمضان شهر أمتي يمرض مريضهم فيعودونه ، فإذا صام مسلم لم يكذب ، ولم يغتب ، وفطره طيب ، ويسعى إلى العتمات محافظاً على فرائضه ، خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها » .
وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في ترغيبه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من صام يوماً من رمضان فسلم من ثلاث ضمنت له الجنة . فقال أبو عبيدة بن الجراح : يا رسول الله على ما فيه سوى الثلاث؟ قال : على ما فيه سوى الثلاث . لسانه ، وبطنه ، وفرجه » .
وأخرج الأصبهاني عن الزهري قال : تسبيحة في شهر رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره .
وأخرج الأصبهاني عن معلى بن الفضل قال : كانوا يدعون الله عز وجل ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ، ويدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم .
وأخرج الأصبهاني عن البراء بن عازب قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فضل الجمعة في شهر رمضان على سائر أيامه كفضل رمضان على سائر الشهور » .
وأخرج الأصبهاني عن إبراهيم النخعي قال : صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم ، وتسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة ، وركعة في رمضان أفضل من ألف ركعة « .
وأخرج الأصبهاني عن عائشة قالت : قال رسول الله » إذا سلم رمضان سلمت السنة ، وإذا سلمت الجمعة سلمت الأيام « .(1/377)
وأخرج الأصبهاني من طريق الأوزاعي عن مكحول والقاسم بن مخيمرة وعبدة بن أبي لبابة قالوا : سمعنا أبا لبابة الباهلي ، وواثلة بن الأسقع ، وعبدالله بن بشر ، سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إن الجنة لتزين من الحول إلى الحول لشهر رمضان ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صان نفسه ودينه في شهر رمضان زوّجه الله من الحور العين ، وأعطاه قصراً من قصور الجنة ، ومن عمل سيئة ، أو رمى بها مؤمناً ببهتان ، أو شرب مسكراً في شهر رمضان أحبط الله عمله سنة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتقوا شهر رمضان لأنه شهر الله جعل لكم أحد عشر شهراً تشبعون فيها وتروون ، وشهر رمضان شهر الله فاحفظوا فيه أنفسكم » .
وأخرج الأصبهاني عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أمتي لن يخزوا أبداً ما أقاموا شهر رمضان ، فقال رجل من الأنصار : وما خزيهم من إضاعتهم شهر رمضان؟ فقال : انتهاك المحارم . من عمل سوءاً ، أو زنى ، أو سرق ، لم يقبل منه شهر رمضان ، ولعنة الرب والملائكة إلى مثلها من الحول ، فإن مات قبل شهر رمضان فليبشر بالنار ، فاتقوا شهر رمضان فإن الحسنات تضاعف فيه ، وكذلك السيئات » .
وأخرج الأصبهاني عن علي قال : لما كان أوّل ليلة من رمضان قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثنى على الله وقال : « أيها الناس قد كفاكم الله عدوكم من الجنة ووعدكم الاجابة ، وقال { ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ] أَلا وقد وكل الله بكل شيطان مريد سبعة من الملائكة ، فليس بمحلول حتى ينقضي شهر رمضان ، أَلا وأبواب السماء مفتحة من أول ليلة منه إلى آخر ليلة منه ، أَلا والدعاء فيه مقبول حتى إذا كان أول ليلة من العشر شمر وشد المئزر ، وخرج من بيته واعتكفهن وأحيا الليل . قيل : وما شد المئزر؟ قال : كان يعتزل النساء فيهن » .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن اسحق بن أبي اسحق . أن أبا هريرة قال لكعب : تجدون رمضان عندكم؟ قال : نجده حطة .
وأخرج أحمد والبزار وابن خزيمة وابن حبان وابن مردويه والبيهقي عن عمرو بن مرة الجهني قال « جاء رجل من قضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت أن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس ، وصمت رمضان وقمته ، وآتيت الزكاة ، فمن أنا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا - ونصب أصبعيه - ما لم يعق والديه » .
وأخرج البيهقي عن علي . أنه كان يخطب إذا حضر رمضان ، ثم يقول : هذا الشهر المبارك الذي فرض الله صيامه ولم يفرض قيامه ، ليحذر الرجل أن يقول : أصوم إذا صام فلان وأفطر إذا أفطر فلان ، ألا إن الصيام ليس من الطعام والشراب ولكن من الكذب والباطل واللغو ، ألا لا تقدموا الشهر إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فافطروا ، فإن غم عليكم فأتموا العدة .(1/378)
وأما قوله تعالى : { الذي أنزل فيه القرآن } .
أخرج أحمد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الإِيمان والأصبهاني في الترغيب عن واثلة بن الأسقع « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، وأنزل الانجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان ، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان ، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان » .
وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : أنزل الله صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان ، وأنزل التوراة على موسى لست خلون من رمضان ، وأنزل الزبور على داود لاثنتي عشرة خلت من رمضان ، وأنزل الانجيل على عيسى لثماني عشرة خلت من رمضان ، وأنزل الفرقان على محمد لأربع وعشرين خلت من رمضان .
وأخرج ابن الضريس عن أبي الجلد قال : أنزل الله صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان ، وأنزل الإِنجيل لثماني عشرة خلون من شهر من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين ليلة خلت من رمضان ، وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال « أعطيت السبع الطوال مكان التوراة ، وأعطيت المبين مكان الانجيل ، وأعطيت المثاني مكان الزبور ، وفضلت بالمفصل » .
وأخرج محمد بن نصر عن عائشة قالت : أنزلت الصحف الأولى في أول يوم من رمضان ، وأنزلت التوراة في ست من رمضان ، وأنزل الإِنجيل في اثنتي عشرة من رمضان ، وأنزل الزبور في ثماني عشرة من رمضان ، وأنزل القرآن في أربع وعشرين من رمضان .
وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن مقسم قال : سأل عطية بن الأسود ابن عباس فقال : إنه قد وقع في قلبي الشك قول الله { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } وقوله { إنا أنزلناه في ليلة القدر } [ القدر : 1 ] وقوله { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } [ الدخان : 3 ] وقد أنزل في شوّال ، وذي القعدة ، وذي الحجة ، والمحرم ، وشهر ربيع الأول ، فقال ابن عباس : في رمضان ، وفي ليلة القدر ، وفي ليلة مباركة جملة واحدة ، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجم مرسلاً في الشهور والأيام .
وأخرج الفريابي وابن جرير ومحمد بن نصر والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : نزل القرآن جملة . وفي لفظ : فصل القرآن من الذكر لاربعة وعشرين من رمضان ، فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا ، فجعل جبريل ينزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتله ترتيلاً .(1/379)
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : شهر رمضان ، والليلة المباركة ، وليلة القدر ، فإن ليلة القدر هي الليلة المباركة ، وهي في رمضان ، نزل القرآن جملة واحدة من الذكر إلى البيت المعمور ، وهو موقع النجوم في السماء الدنيا حيث وقع القرآن ، ثم نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في الأمر والنهي ، وفي الحروب رسلاً رسلاً .
وأخرج ابن الضريس والنسائي ومحمد بن نصر وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : أنزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئاً أنزله منه حتى جمعه .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : نزل القرآن جملة واحدة على جبريل في ليلة القدر ، فكان لا ينزل منه إلا ما أمر به .
وأخرج ابن الضريس عن سعيد بن جبير قال : نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان في ليلة القدر ، فجعل في بيت العزة ، ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة جواب كلام الناس .
وأخرج أبو يعلى وابن عساكر عن الحسن بن علي . أنه لما قتل علي قام خطيباً فقال : والله لقد قتلتم الليلة رجلاً في ليلة نزل فيها القرآن ، وفيها رفع عيسى ابن مريم ، وفيها قتل يوشع بن نون ، وفيها تيب على بني إسرائيل .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : بلغني أنه كان ينزل فيه من القرآن حتى انقطع الوحي وحتى مات محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان ينزل من القرآن في ليلة القدر كل شيء ينزل من القرآن في تلك السنة ، فينزل ذلك من السماء السابعة على جبريل في السماء الدنيا ، فلا ينزل جبريل من ذلك على محمد إلا بما أمره ربه .
وأخرج عبد بن حميد وابن الضريس عن داود بن أبي هند قال : قلت لعامر الشعبي : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، فهل كان نزل عليه في سائر السنة إلا ما في رمضان؟ قال : بلى ، ولكن جبريل كان يعارض محمداً ما أنزل في السنة في رمضان ، فيحكم الله ما يشاء ، ويثبت ما يشاء ، وينسخ ما ينسخ ، وينسيه ما يشاء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } يقول : الذي أنزل صومه في القرآن .
وأما قوله تعالى : { هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } .
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله { هدى للناس } قال : يهتدون به { وبينات من الهدى } قال : فيه الحلال والحرام والحدود .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { وبينات من الهدى والفرقان } قال : بينات من الحلال والحرام .(1/380)
وأما قوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } .
أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال : كان يوم عاشوراء يصام قبل أن ينزل شهر رمضان ، فلما نزل رمضان ترك .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن جابر بن سمرة قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده ، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا عنه ولم يتعاهدنا عنده » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في قوله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } قال : هو هلاكه بالدار .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } قال : من كان مسافراً في بلد مقيم فليصمه .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } قال : إذا كان مقيماً .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن علي قال : من أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر فقد لزمه الصوم ، لأن الله يقول { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } .
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر في قوله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } قال : من أدركه رمضان في أهله ثم أراد السفر فليصم .
وأخرج الدارقطني بسند ضعيف عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من أفطر يوماً من شهر رمضان في الحضر فليهد بدنة ، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعاً من تمر للمساكين » .
وأما قوله تعالى : { ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } .
أخرج ابن جرير عن الحسن وإبراهيم النخعي قالا : إذا لم يستطع المريض أن يصلي قائماً أفطر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : الصيام في السفر مثل الصلاة ، تقصر إذا أفطرت ، وتصوم إذا وفيت الصلاة .
وأخرج سفيان بن عيينة وابن سعد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك القشيري . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله وضع عن المسافر الصوم ، وشطر الصلاة ، وعن الحبلى والمرضع » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس . أنه سئل عن الصوم في السفر ، فقال : يسر وعسر ، فخذ بيسر الله .
وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة « أن حمزة الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر ، فقال : إن شئت فصم ، وإن شئت فافطر » .
وأخرج الدارقطني وصححه عن حمزة بن عمرو الأسلمي « أنه قال : يا رسول الله إني أجد قوّة على الصيام في السفر فهل عليّ جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي رخصة من الله تعالى ، من أخذ بها فحسن ، وإن أحب أن يصوم فلا جناح عليه » .(1/381)
وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم عن الصوم في السفر فقال : إن شئت أن تصوم فصم ، وإن شئت أن تفطر فافطر .
وأخرج عبد بن حميد والدارقطني عن عائشة قالت « كل قد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، قد صام وأفطر ، وأتم وقصر في السفر » .
وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن معاذ بن جبل قال « صام النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أنزلت عليه آية الرخصة في السفر » .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي عياض قال « خرج النبي صلى الله عليه وسلم مسافراً في رمضان ، فنودي في الناس : من شاء صام ومن شاء أفطر . فقيل لأبي عياض : كيف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : صام ، وكان أحقهم بذلك » .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : لا أعيب على من صام ، ولا على من أفطر في السفر .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب وعامر « أنهما اتفقا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون في رمضان ، فيصوم الصائم ويفطر المفطر ، فلا يعيب المفطر على الصائم ولا الصائم على المفطر » .
وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود عن أنس بن مالك قال : « سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام بعضنا وأفطر بعضنا ، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم » .
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري قال : « كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ، فمنا الصائم ومنا المفطر ، فلا يجد المفطر على الصائم ولا الصائم على المفطر ، وكانوا يرون أنه من وجد قوّة فصام محسن ، ومن وجد ضعفاً فأفطر محسن » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي عن جابر بن عبدالله . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ليس من البر الصيام في السفر » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن كعب بن عاصم الأشعري « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس من البر الصيام في السفر » .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر قال : لأن أفطر في رمضان في السفر أحب إليّ من أن أصوم .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عمر قال : الإِفطار في السفر صدقة تصدق الله بها على عباده .(1/382)
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر . أنه سئل عن الصوم في السفر فقال : رخصة نزلت من السماء ، فإن شئتم فردوها .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عمر . أنه سئل عن الصوم في السفر فقال : لو تصدقت بصدقة فردت ألم تكن تغضب ، إنما هو صدقة صدقها الله عليكم .
وأخرج النسائي وابن ماجة وابن جرير عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عباس قال : الإِفطار في السفر كالمفطر في الحضر .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عباس قال : الإِفطار في السفر عزمة .
وأخرج عبد بن حميد عن محرز بن أبي هريرة . أنه كان في سفر فصام رمضان ، فلما رجع أمره أبو هريرة أن يقضيه .
وأخرج عبد بن حميد عن عبدالله بن عامر بن ربيعة : أن عمر أمر رجلاً صام رمضان في السفر أن يعيد .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن عامر بن عبد العزيز . أنه سئل عن الصوم في السفر ، فقال : إن كان أهون عليك فصم . وفي لفظ : إذا كان يسر فصوموا ، وإن كان عسر فافطروا . قال الله { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } .
وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير عن خيثمة قال : سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر فقال : يصوم ، قلت : فأين هذه الآية { فعدة من أيام أخر } ؟ قال : إنها نزلت يوم نزلت ونحن نرتحل جياعاً وننزل على غير شبع ، واليوم نرتحل شباعاً وننزل على شبع .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أنس قال : من أفطر فهي رخصة ومن صام فهو أفضل .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم وسعيد بن جبير ومجاهد أنهم قالوا في الصوم في السفر : إن شئت فافطر وإن شئت فصم ، والصوم أفضل .
وأخرج عبد بن حميد من طريق العوام عن مجاهد قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ويفطر في السفر ، ويرى أصحابه أنه يصوم ويقول : كلوا إني أظل يطعمني ربي ويسقيني . قال العوام : فقلت لمجاهد : فأي ذلك يرى؟ قال : صوم في رمضان أفضل من صوم في غير رمضان » .
وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي البختري قال : قال عبيدة : إذا سافر الرجل وقد صام في رمضان فليصم ما بقي ، ثم قرأ هذه الآية { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } قال : وكان ابن عباس يقول : من شاء صام ومن شاء أفطر .
وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين سألت عبيدة قلت : أسافر في رمضان؟ قال : لا .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال : إذا أدرك الرجل رمضان فلا يخرج ، فإن خرج وقد صام شيئاً منه فليصمه في السفر ، فإنه ان يقضه في رمضان أحب إلي من أن يقضيه في غيره .(1/383)
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز قال : إذا دخل شهر رمضان فلا يسافرن الرجل ، فإن أبى إلا أن يسافر فليصم .
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الرحمن بن القاسم . أن إبراهيم بن محمد جاء إلى عائشة يسلم عليها وهو في رمضان فقالت : أين تريد؟ قال : العمرة . قالت : قعدت حتى دخل هذا الشهر ، لا تخرج . قال : فإن أصحابي وأهلي قد خرجوا ، قالت : وإن ، فردهم ثم أقم حتى تفطر .
وأخرج عبد بن حميد عن أم درة قالت : كنت عند عائشة ، فجاء رسول الي وذلك في رمضان ، فقالت لي عائشة : ما هذا؟ فقلت : رسول أخي يريد أن نخرج . قالت : لا تخرجي حتى ينقضي الشهر ، فإن رمضان لو أدركني وأنا في الطريق لأقمت .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : لا بأس أن يسافر الرجل في رمضان ، ويفطر إن شاء .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : لم يجعل الله رمضان قيداً .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : من أدركه شهر رمضان فلا بأس أن يسافر ، ثم يفطر .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود عن سنان بن سلمة بن محبق الهذلي عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كانت له حمولة تأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه » .
وأخرج ابن سعد عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله تصدق بفطر رمضان على مريض أمتي ومسافرها » .
وأخرج الطبراني عن أنس بن مالك عن رجل من كعب قال « أغارت علينا خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانتهيت إليه وهو يأكل فقال : اجلس فأصب من طعامنا هذا . فقلت : يا رسول الله إني صائم . قال : اجلس أحدثك عن الصلاة وعن الصوم : إن الله عز وجل وضع شطر الصلاة عن المسافر ، ووضع الصوم عن المسافر والمريض والحامل » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة { فعدة من أيام أخر } قال : إن شاء وصل وإن شاء فرق .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قضاء رمضان قال : إن شاء تابع وإن شاء فرق ، لأن الله تعالى يقول { فعدة من أيام أخر } .
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن ابن عباس في قضاء رمضان . صم كيف شئت ، وقال ابن عمر : صمه كما أفطرته .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : يصوم شهر رمضان متتابعاً من أفطره من مرض أو سفر .
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن أنس . أنه سئل عن قضاء رمضان فقال : إنما قال الله { فعدة من أيام أخر } فإذا أحصى العدة فلا بأس بالتفريق .(1/384)
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن أبي عبيدة بن الجراح . أنه سئل عن قضاء رمضان متفرقاً فقال : إن الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه ، فاحصر العدة واصنع ما شئت .
وأخرج الدارقطني عن رافع بن خديج قال : احصر العدة وصم كيف شئت .
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن معاذ بن جبل . أنه سئل عن قضاء رمضان فقال : احصر العدة وصم كيف شئت .
وأخرج الدارقطني عن عمرو بن العاص قال : فرق قضاء رمضان إنما قال الله { فعدة من أيام أخر } .
وأخرج وكيع وابن أبي حاتم عن أبي هريرة . أن امرأة سألته كيف تقضي رمضان فقال : صومي كيف شئت واحصي العدة ، فإنما { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } .
وأخرج ابن المنذر والدارقطني وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة قالت : نزلت { فعدة من أيام أخر متتابعات } فسقطت متتابعات . قال البيهقي : أي نسخت .
وأخرج الدارقطني وضعفه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يفرقه » .
وأخرج الدارقطني وضعفه عن عبد الله بن عمرو « سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قضاء رمضان فقال : يقضيه تباعاً ، وان فرقه أجزأه » .
وأخرج الدارقطني عن ابن عمر « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : في قضاء رمضان إن شاء فرق وإن شاء تابع » .
وأخرج الدارقطني من حديث ابن عباس . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن محمد بن المنكدر قال « بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء صيام شهر رمضان فقال : ذاك إليك ، أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ، ألم يكن قضاء؟! فالله تعالى أحق أن يقضى ويغفر » قال الدارقطني : اسناده حسن إلا أنه مرسل ، ثم رواه من طريق آخر موصولاً عن جابر مرفوعاً وضعفه « .
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } قال : الإِفطار في السفر ، والعسر الصوم في السفر .
وأخرج ابن مردويه عن محجن بن الأدرع » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي فتراءاه ببصره ساعة فقال : أتراه يصلي صادقاً؟ قلت : يا رسول الله هذا أكثر أهل المدينة صلاة . ! فقال : لا تسمعه فتهلكه ، وقال : إن الله إنما أراد بهذه الأمة اليسر ولا يريد بهم العسر « .
وأخرج أحمد عن الأعرج » أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره « .
وأخرج ابن سعد وأحمد وأبو يعلى والطبراني وابن مردويه عن عروة التميمي قال(1/385)
« سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم هل علينا حرج في كذا؟ فقال : أيها الناس إن دين الله يسر ثلاثاً يقولها » .
وأخرج البزار عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يسروا ولا تعسروا ، وسكنوا ولا تنفروا » .
وأخرج أحمد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق » .
وأخرج البزار عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى » .
وأخرج أحمد عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « الإِسلام ذلول لا يركب إلا ذلولاً » .
وأخرج البخاري والنسائي والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة قال « سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : الدين يسر ، ولن يغالب الدين أحد إلا غلبه ، سددوا وقاربوا ، وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة » .
وأخرج الطيالسي وأحمد والبيهقي عن بريدة قال « أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فانطلقنا نمشي جميعاً ، فإذا رجل بين أيدينا يصلي يكثر الركوع والسجود ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تراه مرائياً؟ قلت : الله ورسوله أعلم . ؟ فأرسل يدي فقال : عليكم هدياً قاصداً ، فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه » .
وأخرج البيهقي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباده ، فإن المنبت لا يقطع سفراً ولا يستبقي ظهراً » .
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك ، فإن المنبت لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى ، فاعمل عمل امرىء يظن أن لن يموت أبداً ، واحذر حذراً تخشى أن تموت غداً » .
وأخرج الطبراني والبيهقي عن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن جده « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تشددوا على أنفسكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم ، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات » .
وأخرج البيهقي من طريق معبد الجهني عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « العلم أفضل من العمل ، وخير الأعمال أوساطها ، ودين الله بين القاسي والغالي ، والحسنة بين الشيئين لا ينالها إلا بالله ، وشر السير الحقحقة » .
وأخرج ابن عبيد والبيهقي عن إسحق بن سويد قال : تعبّد عبد الله بن مطرف فقال له مطرف : يا عبد الله! العلم أفضل من العمل والحسنة بين الشيئين ، وخير الأمور أوساطها ، وشر السير الحقحقة « .(1/386)
وأخرج أبو عبيد والبيهقي عن تميم الداري قال : خذ من دينك لنفسك ، ومن نفسك لدينك حتى يستقيم بك الأمر على عبادة تطيقها .
وأخرج البيهقي عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه » .
وأخرج البزار والطبراني وابن حبان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم « إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه » .
وأخرج أحمد والبزار وابن خزيمة وابن حبان والطبراني في الأوسط والبيهقي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما لا يحب أن تؤتى معصيته » .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس قال « سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأديان أحب إلى الله؟ قال : الحنيفية السمحة » .
وأخرج الطبراني عن ابن عمر . أن رجلاً قال له : إني أقوى على الصيام في السفر ، فقال ابن عمر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الاثم مثل جبال عرفة » .
وأخرج الطبراني عن عبد الله بن يزيد بن أديم قال : حدثني أبو الدرداء ، وواثلة بن الأسقع ، وأبو أمامة ، وأنس بن مالك « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله يحب أن تقبل رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه » .
وأخرج أحمد عن عائشة قالت « وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبه لأنظر زفن الحبشة حتى كنت الذي مللت وانصرفت عنهم قالت : وقال يومئذ : لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ، أي أرسلت بحنيفية سمحة » .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن الحسن قال : إن دين الله وضع دون الغلو وفوق التقصير .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال : لا تعب على من صام في السفر ولا على من أفطر ، خذ بأيسرهما عليك . قال الله تعالى { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } .
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال : خذ بأيسرهما عليك ، فإن الله لم يرد إلا اليسر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { ولتكملوا العدة } قال : عدة رمضان .
وأخرج أبو داود والنسائي وابن المنذر والدارقطني في سننه عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثلاثين ، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثلاثين » .(1/387)
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم ، ولا تصوموا حتى تروه ، ثم صوموا حتى تروه ، فإن حال دونه غمام فأتموا العدة ثلاثين ، ثم افطروا » .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم الشهر فأكملوا العدة » وفي لفظ : « فعدوا ثلاثين » .
وأخرج الدارقطني عن رافع بن خديج قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « احصوا عدة شعبان لرمضان ولا تقدموا الشهر بصوم ، فإذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فافطروا ، فإن غم عليكم فاكملوا العدة ثلاثين يوماً ثم افطروا ، فإن الشهر هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وهكذا ، وحبس ابهامه في الثالثة » .
وأخرج الدارقطني عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال : إنا صحبنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وانهم حدثونا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن أغمى عليكم فعدوا ثلاثين ، فإن شهد ذو عدل فصوموا وافطروا وانسكوا » .
وأخرج الدارقطني عن أبي مسعود الأنصاري « أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح صائماً لتمام الثلاثين من رمضان ، فجاء أعرابيان فشهدا أن لآ إله إلا الله وأنهما أهلاه بالأمس ، فأمرهم فأفطروا » .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله { ولتكملوا العدة } قال : عدة ما أفطر المريض والمسافر .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والمروزي في كتاب العيدين عن زيد بن أسلم في قوله { ولتكبروا الله على ما هداكم } قال : لتكبروا يوم الفطر .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوّال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم ، لأن الله يقول { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله } .
وأخرج الطبراني في المعجم الصغير عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « زينوا أعيادكم بالتكبير » .
وأخرج المروزي والدارقطني والبيهقي في السنن عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى ، يعني في التكبير .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن الزهري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى حيث تقضى الصلاة ، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير . وأخرجه البيهقي من وجه آخر موصولاً عن الزهري عن سالم عن ابن عمر وضعفه » .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان من طريق نافع عن عبد الله « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى العيدين رافعاً صوته بالتهليل والتكبير » .(1/388)
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : إن من السنة أن تكبر يوم العيد .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والمروزي عن ابن مسعود أنه كان يكبر الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، ولله الحمد .
وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي والبيهقي في سننه عن ابن عباس ، أنه كان يكبر الله أكبر كبيراً ، الله أكبر كبيراً ، الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر وأجل على ما هدانا .
وأخرج البيهقي عن أبي عثمان النهدي قال : كان عثمان يعلمنا التكبير الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً ، اللهم أنت أعلى وأجل من أن يكون لك صاحبة ، أو يكون لك ولد ، أو يكون لك شريك في الملك ، أو يكون لك ولي من الذل وكبره تكبيراً ، اللهم اغفر لنا اللهم ارحمنا .(1/389)
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
أخرج ابن جرير والبغوي في معجمه وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق الصلت بن حكيم عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده قال « جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي } إذا أمرتهم أن يدعوني فدعوني أستجيب لهم » .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن قال « سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أين ربنا؟ فأنزل الله { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . . . } الآية .
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال » سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أين ربنا؟ قال : في السماء على عرشه ، ثم تلا { الرحمن على العرش استوى } [ طه : 5 ] وأنزل الله { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . . . } الآية « .
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لا تعجزوا عن الدعاء فإن الله أنزل عليَّ { ادعوني أستجب لكم } فقال رجل : يا رسول الله ربنا يسمع الدعاء أم كيف ذلك؟ فأنزل الله { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . . . } الآية « .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح . أنه بلغه لما أنزلت { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ] قالوا : لو نعلم أي ساعة ندعو؟ فنزلت { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } إلى قوله { يرشدون } .
وأخرج سفيان بن عيينة في تفسيره وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد من طريق سفيان عن أبي قال » قال المسلمون يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } الآية « .
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أنه لما أنزل الله { ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ] قال رجال : كيف ندعو يا نبي الله؟ فأنزل الله { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عبد الله بن عبيد قال : لما نزلت هذه الآية { ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ] قالوا : كيف لنا به أن نلقاه حتى ندعوه؟ فأنزل الله { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . . . } الآية . فقالوا : صدق ربنا وهو بكل مكان .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : قال المسلمون : أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت { فليستجيبوا لي } ليطيعوني والاستجابة هي الطاعة { وليؤمنوا بي } ليعلموا { إني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } .(1/390)
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : مفتاح البحار السفن ، ومفتاح الأرض الطرق ، ومفتاح السماء الدعاء .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد عن كعب قال : قال موسى : أي رب! . . أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ قال : يا موسى أنا جليس من ذكرني ، قال : يا رب فإنا نكون من الحال على حال نعظمك أو نجلك أن نذكرك عليها؟ قال : وما هي؟ قال : الجنابة والغائط . قال : يا موسى اذكرني على كل حال .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري قال « كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة ، فجعلنا لا نصعد شرفاً ولا نهبط وادياً إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير ، فدنا منا فقال : يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ، إنما تدعون سميعاً بصيراً ، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته » .
وأخرج أحمد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يقول الله : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني » .
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن ربكم حي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً . وفي لفظ : يستحي أن يبسط العبد إليه فيردهما خائبين » .
وأخرج البيهقي عن سلمان قال : إني أجد في التوراة . أن الله حي كريم يستحي أن يرد يدين خائبتين يسأل بهما خيراً .
وأخرج عبد الرزاق والحاكم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن ربكم حي كريم يستحي إذا رفع العبد يديه إليه أن يردهما حتى يجعل فيهما خيراً » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله جواد كريم يستحي من العبد المسلم إذا دعاه أن يرد يديه صفراً ليس فيهما شيء » .
وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله حي كريم يستحي أن يرفع العبد يديه فيردهما صفراً لا خير فيهما ، فإذا رفع أحدكم يديه فليقل : يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت ، يا أرحم الراحمين ثلاث مرات ، ثم إذا رد يديه فليفرغ الخير على وجهه » .
وأخرج الطبراني عن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما رفع قوم أكفهم إلى الله عز وجل يسألونه شيئاً إلا كان حقاً على الله أن يضع في أيديهم الذي سألوه » .(1/391)
وأخرج الطبراني في الأوسط عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله عز وجل حيي كريم يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفراً ليس فيهما شيء » .
وأخرج الطبراني في الدعاء عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا أحدكم فرفع يديه فإن الله جاعل في يديه بركة ورحمة ، فلا يردهما حتى يمسح بهما وجهه » .
وأخرج البزار والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يقول الله تعالى : يا ابن آدم واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة فيما بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين عبادي . فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئاً ، وأما التي لك فما عملت من شيء أو من عمل وفيتكه ، وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعليّ الاجابة ، وأما التي بينك وبين عبادي فارض لهم ما ترضى لنفسك » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم عن أبي سعيد . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها اثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال ، إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها . قالوا : إذاً نكثر قال الله أكثر » .
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول : دعوت فلم يستجب لي » .
وأخرج الحاكم عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يغني حذر من قدر ، والدعاء ينفع ممّا نزل ومما لم ينزل ، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة » .
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجة والحاكم عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر » .
وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، فعليكم عباد الله بالدعاء » .
وأخرج الترمذي وابن أبي حاتم والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم « ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة ، واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاهٍ » .
وأخرج الحاكم عن أنس مرفوعاً « لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد » .
وأخرج الحاكم عن جابر مرفوعاً « يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه فيقول : عبدي إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أن أستجيب لك فهل كنت تدعوني؟ فيقول : نعم يا رب . فيقول : أما أنك لم تدعني بدعوة إلا أستجيب لك ، أليس دعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك ففرجت عنك؟ فيقول : بلى يا رب . فيقول : فإني عجلتها لك في الدنيا . ودعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك فلم تر فرجاً ، فيقول : نعم يا رب . فيقول : إني ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا . ودعوتني في حاجة قضيتها لك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فلا يدعو الله عبده المؤمن إلا بين له إما أن يكون عجل له في الدنيا ، وإما أن يكون ادخر له في الآخرة . فيقول المؤمن في ذلك المقام : يا ليته لم يكن عجل له شيء من دعائه » .(1/392)
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً « ما من عبد ينصب وجهه إلى الله في مسألة إلا أعطاه الله إياها ، إما أن يعجلها له في الدنيا ، وإما أن يدخرها في الآخرة » .
وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ، أو يستعجل فيقول : دعوت فلا أرى تستجيب لي ، فيدع الدعاء » .
وأخرج أحمد عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل . قالوا : وكيف يستعجل؟ قال : يقول قد دعوت ربكم فلم يستجب لي » .
وأخرج أحمد في الزهد عن مالك بن دينار قال : قال الله تبارك وتعالى على لسان نبي من بني إسرائيل : قل لبني إسرائيل « تدعوني بألسنتكم وقلوبكم بعيدة مني باطل ما تدعوني ، وقال : تدعوني وعلى أيديكم الدم ، اغسلوا أيديكم من الدم ، أي من الخطايا هلموا نادوني » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يقل أحدكم اغفر لي إن شئت ، وليعزم في المسألة فإنه لا مكره له » .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن عبادة بن الصامت « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها ، أو كف عنه من السوء مثلها ، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم » .
وأخرج أحمد عن جابر « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل ، وكف عنه من السوء مثله ، ما لم يدع باثم أو قطيعة رحم » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/393)
« إن الله إذا أراد أن يستجيب لعبد أذن له في الدعاء » .
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا سأل أحدكم ربه مسألة فتعرف الاستجابة فليقل : الحمد لله الذي بعزته تتم الصالحات ، ومن أبطأ عليه من ذلك شيء فليقل الحمد لله على كل حال » .
وأخرج الحكيم الترمذي عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لو عرفتم الله حق معرفته لزالت لدعائكم الجبال » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي ذر قال : يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح « .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن شبيب قال : صليت إلى جنب سعيد بن المسيب المغرب ، فرفعت صوتي بالدعاء ، فانتهرني وقال : ظننت أن الله ليس بقريب منك .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » من فتح له في الدعاء منكم فتحت له أبواب الاجابة . ولفظ الترمذي : من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة ، وما سئل شيئاً أحب إليه من أن يسأل العافية « .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم التيمي قال : كان يقال : إذا بدأ الرجل بالثناء قبل الدعاء فقد استوجب ، وإذا بدأ بالدعاء قبل الثناء كان على رجاء .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان قال : لما خلق الله آدم قال : واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة بيني وبينك ، فمنك المسألة والدعاء وعليّ الإِجابة .
وأخرج ابن مردويه عن نافع بن معد يكرب قال : كنت أنا وعائشة فقالت » سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية { أجيب دعوة الداع إذا دعان } قال : يا رب مسألة عائشة ، فهبط جبريل فقال : الله يقرئك السلام هذا عبدي الصالح بالنية الصادقة وقلبه تقي يقول : يا رب فأقول . لبيك ، فاقضي حاجته « .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الدعاء وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات والأصبهاني في الترغيب والديلمي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : حدثني جابر بن عبد الله » أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . . . } الآية . فقال : « اللهم إني أمرت بالدعاء وتكفلت بالاجابة ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك لا شريك لك ، اللهم أشهد أنك فرد أحد صمد ، لم تلد ولم تولد ، ولم يكن لك كفواً أحد ، وأشهد أن وعدك حق ، ولقاءك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة آتية لا ريب فيها ، وأنك تبعث من في القبور » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس في قوله { فليستجيبوا لي } قال : ليدعوني { وليؤمنوا بي } انهم إذا دعوني أستجيب لهم .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد { فليستجيبوا لي } قال : فليطيعوني .
وأخرج ابن جرير عن عطاء الخراساني { فليستجيبوا لي } قال : فليدعوني { وليؤمنوا بي } يقول : إني أستجيب لهم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الربيع في قوله { لعهم يرشدون } قال : يهتدون .(1/394)
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
أخرج وكيع وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والترمذي والنحاس في ناسخه وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب قال « كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإِفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي ، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً ، فكان يومه ذاك يعمل في أرضه ، فلما حضر الإِفطار أتى امرأته فقال : هل عندك طعام؟ قالت : لا ، ولكن أنطلق فأطلب لك فغلبته عينه فنام ، وجاءت امرأته فلما رأته نائماً قالت : خيبة لك أنمت؟ فلما انتصف النهار غشي عليه ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية { أحل لكم ليلة الصيام الرفث } إلى قوله { من الفجر } ففرحوا بها فرحاً شديداً » .
وأخرج البخاري عن البراء قال : لمَّا نزل صوم شهر رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله ، فكان رجال يخونون أنفسهم ، فأنزل الله { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم } .
وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم بسند حسن عن كعب بن مالك قال « كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد ، فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده ، فوجد امرأته قد نامت ، فأيقظها وأرادها فقالت : إني قد نمت فقال : ما نمت ثم وقع بها . وصنع كعب بن مالك مثل ذلك ، فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فأنزل الله { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } » .
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال : كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الآية إذا صلوا العشاء الآخرة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء حتى يفطروا ، وأن عمر أصاب أهله بعد صلاة العشاء ، وأن صرمة بن قيس غلبته عينه بعد صلاة المغرب فنام فلم يشبع من الطعام ، ولم يستيقظ حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ، فقام فأكل وشرب ، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ، فأنزل { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } يعني بالرفث مجامعة النساء { كنتم تختانون أنفسكم } يعني تجامعون النساء ، وتأكلون وتشربون بعد العشاء { فالآن باشروهن } يعني جامعوهن { وابتغوا ما كتب الله لكم } يعني الولد { وكلوا واشربوا } فكان ذلك عفواً من الله ورحمة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس « أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة ، ثم إن ناساً من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { أحل لكم ليلة الصيام } إلى قوله { فالآن باشروهن } يعني انكحوهن » .(1/395)
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال « كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه حتى إذا أمسى طعم من الطعام حتى يمسي من الليلة القابلة ، وأن عمر بن الخطاب بينما هو نائم إذ سوّلت له نفسه فأتى أهله ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي هذه الخاطئة ، فإنها زينت لي فواقعت أهلي ، هل تجد لي من رخصة؟ قال : لم تكن حقيقاً بذلك يا عمر . فلم بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن ، وأمر الله رسوله أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة ، فقال { أحل لكم ليلة الصيام } إلى قوله { تختانون أنفسكم } يعني بذلك الذي فعل عمر ، فأنزل الله عفوه فقال { فتاب عليكم } إلى قوله { من الخيط الأسود } فأحل لهم المجامعة والأكل والشرب حتى يتبين لهم الصبح » .
وأخرج ابن جرير عن ثابت « أن عمر بن الخطاب واقع أهله ليلة في رمضان فاشتد ذلك عليه ، فأنزل الله { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } » .
وأخرج أبو داود والبيهقي في سننه عن ابن عباس { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } قال : فكان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة ، فاختان رجل نفسه فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر ، فأراد الله أن يجعل ذلك تيسيراً لمن بقي ورخصة ومنفعة ، فقال { علم الله أنكم كنتم تختانون . . . } الآية . فرخص لهم ويسر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج { وكلوا واشربوا } قال : نزلت في أبي قيس بن صرمة من بني الخزرج .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال « كانوا إذا صاموا فنام أحدهم قبل أن يطعم لم يأكل شيئاً إلى مثلها من الغد ، وإذا نام قبل أن يجامع لم يجامع إلى مثلها ، فانصرف شيخ من الأنصار يقال له صرمة بن مالك ذات ليلة إلى أهله وهو صائم ، فقال : عشوني . فقالوا : حتى نجعل لك طعاماً سخناً تفطر عليه ، فوضع الشيخ رأسه فغلبته عيناه فنام ، فجاؤوا بالطعام وقد نام فقالوا : كل . فقال : قد كنت نمت ، فترك الطعام وبات ليلته يتقلب ظهراً لبطن ، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله إني أردت أهلي البارحة على ما يريد الرجل أهله ، فقالت : إنها قد نامت ، فظننتها تعتل فواقعتها ، فأخبرتني أنها كانت نامت ، فأنزل الله في صرمة بن مالك { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } ونزل في عمر بن الخطاب { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } إلى آخر الآية » .(1/396)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم } قال : كان هذا قبل صوم رمضان ، أمروا بصيام ثلاثة أيام من كل شهر من كل عشرة أيام يوماً ، وأمروا بركعتين غدوة وركعتين عشية ، فكان هذا بدء الصلاة والصوم ، فكانوا في صومهم هذا وبعد ما فرض الله رمضان إذا رقدوا لم يمسوا النساء والطعام إلى مثلها من القابلة ، وكان أناس من المسلمين يصيبون من النساء والطعام بعد رقادهم ، وكانت تلك خيانة القوم أنفسهم ، فأنزل الله في ذلك القرآن { علم الله أنكم كنتم تختانون . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : كان أصحاب محمد يصوم الصائم في شهر رمضان ، فإذا أمسى أكل وشرب وجامع النساء ، فإذا رقد حرم ذلك عليه حتى مثلها من القابلة ، وكان منهم رجال يختانون أنفسهم في ذلك ، فعفا الله عنهم ، أحل لهم ذلك بعد الرقاد وقبله في الليل كله .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال : كان المسلمون في أول الإِسلام يفعلون كما يفعل أهل الكتاب ، إذا نام أحدهم لم يطعم حتى يكون القابلة ، فنزلت { وكلوا واشربوا } إلى آخر الآية .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمرو بن العاص « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر » .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عن ابن عباس قال : الرفث الجماع .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر قال : الرفث الجماع .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : الدخول ، والتغشي ، والإِفضاء ، والمباشرة ، والرفث ، واللمس ، والمس ، والمسيس : الجماع ، والرفث في الصيام : الجماع ، والرفث في الحج : الإِغراء به .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } قال : هن سكن لكم وأنتم سكن لهن .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل { هن لباس لكم } قال : هن سكن لكم تسكنون إليهن بالليل والنهار قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت نابغة بن ذبيان وهو يقول :
إذا ما الضجيع ثنى عطفها ... تثنت عليه فكانت لباسا(1/397)
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن يحيى بن العلاء عن ابن أنعم « أن سعد بن مسعود الكندي قال : أتى عثمان بن مظعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني لأستحيي أن ترى أهلي عورتي . قال : لم ، وقد جعلك الله لهم لباساً وجعلهم لك؟!قال : أكره ذلك . قال : فإنهم يرونه مني وأراه منهم . قال : أنت رسول الله؟ قال : أنا . قال : أنت فمن بعدك إذاً؟! فلما أدبر عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ابن مظعون لحيي ستير » .
وأخرجه ابن سعد عن سعد بن مسعود وعمارة بن غراب اليحصبي .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { تختانون } فال : تقعون عليهن خيانة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { فالآن باشروهن } قال : انكحوهن .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي من طرق عن ابن عباس قال : المباشرة الجماع ، ولكن الله كريم يستكني .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : المباشرة في كل كتاب الله الجماع .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : الولد .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وقتادة والضحاك . مثله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : ليلة القدر .
وأخرج البخاري في تاريخه عن أنس في قوله { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : ليلة القدر .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله { وابتغوا ما كتب الله لكم } قال : وابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء قال : قلت لابن عباس كيف تقرأ هذه الآية { وابتغوا ما كتب الله لكم } ، أو واتبعوا ، قال : أيتهما شئت عليك بالقراءة الأولى .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن عائشة قالت « قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من أهله ، ثم يغتسل ويصوم » .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أم سلمة « أنها سئلت عن الرجل يصبح جنباً ، أيصوم؟ فقالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع غير احتلام في رمضان ، ثم يصوم » .
وأخرج مالك والشافعي ومسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة « أن رجلاً قال : يا رسول الله إني أصبح جنباً وأنا أريد الصيام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وأنا أصبح جنباً وأريد الصيام فأغتسل وأصوم ذلك اليوم؟فقال الرجل : إنك لست مثلنا ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فغضب وقال : والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي » .(1/398)
وأخرج أبو بكر بن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء والطستي في مسائله عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } ، قال : بياض النهار من سواد الليل وهو الصبح إذ قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أمية؟ :
الخيط الأبيض ضوء الصبح منغلق ... والخيط الأسود لون الليل مكموم
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن سهل بن سعد قال : أنزلت { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } ولم ينزل من الفجر ، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما ، فأنزل الله بعد { من الفجر } فعلموا إنما يعني الليل والنهار .
وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن عدي بن حاتم قال « لما أنزلت هذه الآية { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض فجعلتهما تحت وسادتي ، فجعلت أنظر إليهما فلا يتبين لي الأبيض من الأسود ، فلما أصبحت غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته بالذي صنعت فقال : إن وسادك إذا لعريض ، إنما ذاك بياض النهار من سواد الليل » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم قال « أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمني الإِسلام ، ونعت لي الصلوات الخمس كيف أصلي كل صلاة لوقتها ، ثم قال : إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، ثم أتم الصيام إلى الليل ، ولم أدر ما هو! ففتلت خيطين من أبيض وأسود ، فنظرت فيهما عند الفجر فرأيتهما سواء ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله كل شيء أوصيتني قد حفظت غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، قال : وما منعك يا ابن حاتم؟ وتبسم كأنه قد علم ما فعلت . قلت : فتلت خيطين من أبيض وأسود ، فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رؤي نواجذه ، ثم قال : ألم أقل لك من الفجر؟ إنما هو ضوء النهار من ظلمة الليل » .
وأخرج عبد بن حميد والبخاري وابن جرير عن عدي بن حاتم قال « قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان؟ فقال : إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ، ثم قال : لا ، بل هو سواد الليل وبياض النهار » .(1/399)
وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر الجعدي « أنه سأل عن هذه الآيه { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } يعني الليل والنهار .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن علي بن أبي طالب أنه قال حين طلع الفجر : الآن حين تبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن أبي الضحى . أن رجلاً قال لابن عباس : متى أدع السحور؟ فقال رجل : إذا شككت ، فقال ابن عباس : كل ما شككت حين يتبين لك .
وأخرج وكيع عن أبي الضحى قال : كانوا يرون أن الفجر المستفيض في السماء .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن عباس قال : هما فجران ، فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئاً ، ولكن الفجر الذي يستبين على رؤوس الجبال هو الذي يحرم الشراب .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لايمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ، ولكن الفجر المستظهر في الأفق « .
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة » أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يمنعكم أذان بلال من سحوركم فإنه ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم ، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر « .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه عن طلق بن علي » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كلوا واشربوا ولا يمنعكم الساطع المصعد ، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر « .
وأخرج أحمد : ليس الفجر المستطيل في الأفق ولكنه المعترض الأحمر .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن جرير والدارقطني والبيهقي عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان » أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الفجر فجران ، فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئاً ولا يحرمه ، وأما المستطيل الذي يأخذ الأفق فانه يحل الصلاة ويحرم الطعام ، وأخرجه الحاكم من طريقه عن جابر موصولاً « .
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس » أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الفجر فجران ، فجر يحرم فيه الطعام والشراب ويحل فيه الصلاة ، وفجر يحل فيه الطعام ويحرم فيه الصلاة « .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » من أراد أن يصوم فليتسحر ولو بشيء « وأخرج { ثم أتموا الصيام إلى الليل } .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/400)
« إذا أقبل الليل من ههنا ، وأدبر النهار من ههنا ، وغربت الشمس ، فقد أفطر الصائم » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد . فيمن أفطر ثم طلعت الشمس ، قال : يقضي ، لأن الله يقول { أتموا الصيام إلى الليل } .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي أمامة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي ، فأتياني جبلاً وعراً فقالا لي : اصعد . فقلت : إني لا أطيقه . فقالا : إنا سنسهله لك ، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة! فقلت : ما هذه الأصوات؟! قالوا : هذا عواء أهل النار ، ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دماً . قلت : من هؤلاء؟! قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم » .
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني عن ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت « أردت أن أصوم يومين مواصلة ، فمنعني بشير وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ، وقال : إنما يفعل ذلك النصارى ولكن صوموا كما أمركم الله ، وأتموا الصيام إلى الليل ، فإذا كان الليل فافطروا » .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن عساكر عن أبي ذر « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل يومين وليلة ، فأتاه جبريل فقال : إن الله قد قبل وصالك ولا يحل لأحد بعدك ، وذلك بأن الله قال : وأتموا الصيام إلى الليل » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن قتادة قال : قالت عائشة { ثم أتموا الصيام إلى الليل } يعني أنها كرهت الوصال .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي العالية . أنه ذكر عنده الوصال فقال : فرض الله الصوم بالنهار فقال { ثم أتموا الصيام إلى الليل } فإذا جاء الليل فأنت مفطر ، فإن شئت فكل وإن شئت فلا .
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر ، إن اليهود والنصارى يؤخرون » .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي عن سهل بن سعد « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر » .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال قالوا : إنك تواصل؟ قال : لست مثلكم إني أطعم وأسقى » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا تواصلوا . قالوا : إنك تواصل؟ قال : إني لست كأحد منكم ، إني أبيت أطعم وأسقى » .(1/401)
وأخرج البخاري وأبو داود عن أبي سعيد « أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا تواصلوا ، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر . قالوا : فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال : إني لست كهيئتكم ، إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني » .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة قالت « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم فقالوا : إنك تواصل؟ قال : إني لست كهيئتكم ، إني يطعمني ربي ويسقيني » .
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري والنسائي عن أبي هريرة قال « نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم ، فقال له رجل من المسلمين : إنك تواصل يا رسول الله؟ قال : وأيكم مثلي . إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث ، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل : إني صائم ، إني صائم » .
وأخرج البخاري والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من لم يدع » وفي لفظ : « إذا لم يدع الصائم قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رب قائم حظه من القيام السهر ، ورب صائم حظه من الصيام الجوع والعطش » .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : الغيبة تخرق الصوم والاستغفار يرقعه ، فمن استطاع منكم أن يجيء غداً بصومه مرقعاً فليفعل .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الخادم ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك ، ولا تجعل فطرك وصومك سواء .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن طلق بن قيس قال : قال أبو ذر : إذا صمت فتحفظ ما استطعت ، فكان طلق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلا للصلاة .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن مجاهد قال : خصلتان من حفظهما يسلم له صومه ، الغيبة والكذب .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي العالية قال : الصائم في عبادة ما لم يغتب .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما صام من ظل يأكل لحوم الناس » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : كانوا يقولون : الكذب يفطر الصائم .
وأخرج البيهقي عن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لايقولن أحدكم : إني قمت رمضان كله وصمته . فلا أدري أكره التزكية أو قال : لا بد من نومة أو رقدة » .(1/402)
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون } قال : المباشرة الملامسة ، والمس الجماع ، ولكن الله يكني ما شاء بما يشاء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولا تباشروهن } الآية . قال : هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غير رمضان ، فحرم الله عليه أن ينكح النساء ليلاً أو نهاراً حتى يقضي اعتكافه .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قال : كانوا يجامعون وهم معتكفون حتى نزلت { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال : كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء ، فنزلت .
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : كان ناس يصيبون نساءهم وهم عاكفون ، فنهاهم الله عن ذلك .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلى الغائط جامع امرأته ثم اغتسل ثم رجع إلى اعتكافه ، فنهوا عن ذلك .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال . نهى عن جماع النساء في المساجد كما كانت الأنصار تصنع .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال : إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه ويستأنف .
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم في معتكف وقع بأهله قال : يستقبل اعتكافه ، ويستغفر الله ، ويتوب إليه ، ويتقرب ما استطاع .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد في المعتكف إذا جامع قال : يتصدق بدينارين .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن في رجل غشي امرأته وهو معتكف أنه بمنزلة الذي غشي في رمضان ، عليه ما على الذي غشي في رمضان .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري قال : من أصاب امرأته وهو معتكف فعليه من الكفارة مثل ما على الذي يصيب في رمضان .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : لا يقبل المعتكف ولا يباشر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : المعتكف لا يبيع ولا يبتاع .
قوله تعالى { وأنتم عاكفون في المساجد } .
أخرج الدارقطني والبيهقي في شعب الإِيمان من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب وعن عروة عن عائشة « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ، ثم اعتكف أزواجه من بعده ، والسنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإِنسان ، ولا يتبع جنازة ، ولا يعود مريضاً ، ولا يمس امرأة ، ولا يباشرها ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ، والسنة إلى آخره . فقد قيل : أنه من قول عروة وقال الدارقطني : هو من كلام الزهري ، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم » .
وأخرج ابن ماجة والبيهقي وضعفه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(1/403)
« في المعتكف أنه معتكف الذنوب ويجري له من الأجر كأجر عامل الحسنات كلها » .
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وصححه والبيهقي وضعفه والخطيب في تاريخه عن ابن عباس « أنه كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه رجل في حاجة فقام معه ، وقال : سمعت صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم يقول » من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيراً من اعتكاف عشر سنين ، ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين « .
وأخرج البيهقي وضعفه عن علي بن حسين عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » من اعتكف عشراً في رمضان كان كحجتين و عمرتين « .
وأخرج البيهقي عن الحسن قال : للمعتكف كل يوم حجة ، قال البيهقي : لا يقوله الحسن إلا عن بلاغ بلغه .
وأخرج البيهقي عن زياد بق السكن قال : كان زبيد اليامي وجماعة إذا كان يوم النيروز ويوم المهرجان اعتكفوا في مساجدهم ، ثم قالوا : إن هؤلاء قد اعتكفوا على كفرهم واعتكفنا على إيماننا ، فاغفر لنا .
وأخرج البيهقي عن عطاء الخراساني قال : إن مثل المعتكف مثل المحرم ألقى نفسه بين يدي الرحمن . فقال : والله لا أبرح حتى ترحمني .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب قضاء الجوائج عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى الحسين بن علي فسأله أن يذهب معه في حاجة فقال : إني معتكف ، فأتى الحسن فأخبره فقال الحسن : لو مشي معك لكان خيراً له من اعتكافه ، والله لأن أمشي معك في حاجتك أحب إليّ من أن اعتكف شهراً .
وأخرج البخاري في جزء التراجم بسند ضعيف جداً عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إليّ من أن اعتكف شهراً في مسجدي هذا ، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يقضيها ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام « .
وأخرج عبد الرزاق عن محمد بن واسع الأزدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » من أعان أخاه يوماً كان خيراً له من اعتكاف شهر « .
وأخرج الدارقطني عن حذيفة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » كل مسجد له مؤذن وإمام فالاعتكاف فيه يصلح « .
وأخرج ابن أبي شيبة عن المسيب قال : لا اعتكاف إلا في مسجد .
وأخرج الدارقطني والحاكم عن عائشة » أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا اعتكاف إلا بصيام « .
وأخرج مالك عن القاسم بن محمد ونافع مولى ابن عمر قالا : لا اعتكاف إلا بصيام لقول الله تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض } إلى قوله { وأنتم عاكفون في المساجد } فإنما ذكر الله عز وجل الاعتكاف مع الصيام .(1/404)
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : المعتكف عليه الصوم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال : لا اعتكاف إلا بصوم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة من وجه آخر عن علي وابن مسعود قالا : المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشرطه على نفسه .
وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه » .
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن علي رضي الله عنه قال : المعتكف يعود المريض ، ويشهد الجنازة ، ويأتي الجمعة ، ويأتي أهله ، ولا يجالسهم .
وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة قالت « إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل عليّ رأسه وهو في المسجد فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن ابن عمر قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان » .
وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة قال « كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين » .
وأخرج مالك عن أهل الفضل والدين ، أنهم كانوا إذا اعتكفوا العشر الأواخر من شهر رمضان ، لا يرجعون إلى أهليهم حتى يشهدوا العيد مع الناس .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : كانوا يستحبون للمعتكف أن يبيت ليلة الفطر حتى يكون غدوه منه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مجلز قال : بت ليلة الفطر في المسجد الذي اعتكفت فيه حتى يكون غدوّك إلى مصلاك منه .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « نظر الرجل إلى أخيه على شوق خير من اعتكاف سنة في مسجدي هذا » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة « أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت مستحاضة وهي عاكف » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { تلك حدود الله } يعني طاعة الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك { تلك حدود الله } قال : معصية الله ، يعني المباشرة في الاعتكاف .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل { تلك حدود الله فلا تقربوها } يعني الجماع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { كذلك } يعني هكذا يبين الله .(1/405)
وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام } قال : هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بينة ، فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه ، وقد علم أنه إثم أكل حرام .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام } قال : لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم .
وأخرج ابن المنذر عن قتادة في الآية قال : لا تدل بمال أخيك إلى الحكام وأنت تعلم أنك ظالم ، فإن قضاءه لا يحل لك شيئاً كان حراماً عليك .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } يعني بالظلم ، وذلك أن امرأ القيس بن عابس وعبدان بن أشوع الحضرمي اختصما في أرض وأراد امرؤ القيس أن يحلف ، ففيه نزلت { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } وفي قوله { لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإِثم } يعني طائفة { وأنتم تعلمون } يعني تعلمون أنكم تدعون الباطل .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إليّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه ، فإنما أقطع له قطعة من النار » .
وأخرج أحمد عن أبي حميد الساعدي « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل لامرىء أن يأخذ مال أخيه بغير حقه ، وذلك لما حرم الله مال المسلم على المسلم » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس « أنه كان يكره أن يبيع الرجل الثوب ويقول لصاحبه : إن كرهته فرد معه ديناراً » ، فهذا مما قال الله { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال : قلت لعبد الله بن عمرو : هذا ابن عمك يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، وأن نقتل أنفسنا وقد قال الله { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام } إلى آخر الآية . فجمع يديه فوضعهما على جبهته ثم قال : أطعه في طاعة الله ، واعصه في معصية الله .(1/406)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
أخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عباس في قوله { يسألونك عن الأهلة } قال : نزلت في معاذ بن جبل ، وثعلبة بن غنمة ، وهما رجلان من الأنصار قالا : يا رسول الله ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقاً مثل الخيط ، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير ، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان لا يكون على حال واحد؟ فنزلت { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس } في محل دينهم ، ولصومهم ، ولفطرهم ، وعدة نسائهم ، والشروط التي تنتهي إلى أجل معلوم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال « سألوا النبي صلى الله عليه وسلم : لم جعلت الأهلة؟ فأنزل الله { يسألونك عن الأهلة } الآية . فجعلها لصوم المسلمين ، ولإِفطارهم ، ولمناسكهم ، وحجهم ، ولعدة نسائهم ، ومحل دينهم في أشياء ، والله أعلم بما يصلح خلقه » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال « ذكر لنا أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لم خلقت الأهلة؟ فأنزل الله { يسألونك عن الأهلة } الآية . جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين ، وإفطارهم ، ولحجهم ، ومناسكهم ، ولعدة نسائهم ، ومحل دينهم » .
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس مثله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال « سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهلة ، فنزلت هذه الآية { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس } يعلمون بها حل دينهم ، وعدة نسائهم ، ووقت حجهم » .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس } قال : لحجكم ، وصومكم ، وقضاء ديونكم ، وعدة نسائكم .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { مواقيت للناس } قال : في عدة نسائهم ، ومحل دينهم ، وشروط الناس ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول الشاعر وهو يقول :
والشمس تجري على وقت مسخرة ... إذا قضت سفراً استقبلت سفرا
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « جعل الله الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته ، وافطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوماً » .
وأخرج أحمد والطبراني وابن عدي والدارقطني بسند ضعيف عن طلق بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « جعل الله الأهلة مواقيت للناس فإذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين » .
وأما قوله تعالى : { وليس البر بأن تأتوا البيوت } الآية .
أخرج وكيع والبخاري وابن جرير عن البراء قال : كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره ، فأنزل الله { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها } .(1/407)
وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء . كانت الأنصار إذا حجوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها ، فجاء رجل من الأنصار فدخل من بابه ، فقيل له في ذلك ، فنزلت هذه الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن جابر قال « كانت قريش تدعي الحمس ، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإِحرام ، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإِحرام ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان إذ خرج من بابه ، وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا : يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر ، وإنه خرج معك من الباب فقال له : ما حملك على ما صنعت؟ قال : رأيتك فعلته ففعلته كما فعلت . قال : إني رجل أحمس . قال له : فإن ديني دينك . فأنزل الله { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس « أن رجالاً من أهل المدينة كانوا إذا خاف أحدهم من عدوّه شيئاً آخر فأمن ، فإذا أحرم لم يلج من باب بيته واتخذ نقباً من ظهر بيته ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كان بها رجل محرم كذلك ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بستاناً ، فدخله من بابه ودخل معه ذلك المحرم ، فناداه رجل من ورائه : يا فلان إنك محرم وقد دخلت مع الناس . فقال : يا رسول الله إن كنت محرماً فأنا محرم ، وإن كنت أحمس فأنا أحمس . فأنزل الله { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها } إلى آخر الآية . فأحل للمؤمنين أن يدخلوا من أبوابها » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قيس بن جبير النهشلي « أن الناس كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا حائطاً من بابه ولا داراً من بابها ، وكانت الحمس يدخلون البيوت من أبوابها ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه داراً ، وكان رجل من الأنصار يقال له رفاعة بن تابوت فتسوّر الحائط ، ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما خرج من باب الدار خرج معه رفاعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما حملك على ذلك؟ قال : يا رسول الله رأيتك خرجت منه فخرجت منه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني رجل أحمس . فقال : إن تكن رجلاً أحمس فإن ديننا واحد ، فأنزل الله { وليس البر . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير عن الزهري قال « كان ناس من الأنصار إذا أهلوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء يتحرجون من ذلك ، وكان الرجل يخرج مهلاً بالعمرة فتبدو له الحاجة فيرجع ولا يدخل من باب الحجرة من أجل سقف الباب أن يحول بينه وبين السماء ، فيفتح الجدار من ورائه ، ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته فتخرج إليه من بيته ، حتى بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل زمن الحديبية بالعمرة ، فدخل حجرة ، فدخل رجل على أثره من الأنصار من بني سلمة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إني أحمس . وكان الحمس لا يبالون ذلك ، فقال الأنصاري : وأنا أحمس . يقول : وأنا على دينك . فأنزل الله { وليس البر . . . } الآية » .(1/408)
وأخرج ابن جرير عن السدي قال « إن ناساً من العرب كانوا إذا حجوا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها كانوا ينقبون في أدبارها ، فلما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوادع أقبل يمشي ومعه رجل من أولئك وهو مسلم ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم باب البيت احتبس الرجل خلفه وأبى أن يدخل . قال : يا رسول الله إني أحمس . وكان أولئك الذين يفعلون ذلك يسمون الحمس ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا أيضاً أحمس فادخل ، فدخل الرجل ، فأنزل الله { وأتوا البيوت من أبوابها } » .
وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي في الآية قال : كان الرجل من أهل الجاهلية إذا أتى البيت من بيوت بعض أصحابه أو ابن عمه رفع البيت من خلفه أي بيوت الشعر ثم يدخل ، فنهوا عن ذلك وأمروا أن يأتوا البيوت من أبوابها ، ثم يسلموا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت ، فأنزل الله { وليس البر } الآية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا البيوت من ظهورها ، ويرون أن ذلك أدنى إلى البر ، فأنزل الله الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في الآية قال : كان الرجل في الجاهلية يهم بالشيء يصنعه فيحبس عن ذلك ، فكان لا يأتي بيته من قبل بابه حتى يأتي الذي كان هم به وأراده .(1/409)
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)
أخرج آدم بن أبي أياس في تفسيره وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } قال : لأصحاب محمد أمروا بقتال الكفار .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولا تعتدوا } يقول : لا تقتلوا النساء والصبيان ، ولا الشيخ الكبير ، ولا من ألقى السلم وكف يده ، فإن فعلتم فقد اعتديتم .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن عمر قال « وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس قال « كنا إذا استنفرنا نزلنا بظهر المدينة حتى يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول انطلقوا بسم الله وفي سبيل الله تقاتلون أعداء الله ، لا تقتلوا شيخاً فانياً ، ولا طفلاً صغيراً ، ولا امرأة ، ولا تغلوا » .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن يحيى بن يحيى الغساني قال : كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن هذه الآية { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } فكتب إلي أن ذلك في النساء والذرية من لم ينصب لك الحرب منهم .(1/410)
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله { واقتلوهم حيث ثقفتموهم . . . } الآية . قال : عنى الله بهذا المشركين .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله { ثقفتموهم } قال : وجدتموهم . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت قول حسان :
فإما يثقفن بني لؤي ... جذيمة إن قتلهم دواء
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { والفتنة أشد من القتل } قال : الشرك أشد .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { والفتنة أشد من القتل } قال : الفتنة التي أنتم مقيمون عليها أكبر من القتل .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { والفتنة أشد من القتل } قال : ارتداد المؤمن إلى الوثن أشد عليه من أن يقتل محقاً .
وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم } كلها بالألف { فاقتلوهم } آخرهن بغير ألف .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي الأحوص قال : شمعت أبا إسحق يقرأهن كلهن بغير ألف .
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش قال : كان أصحاب عبد الله يقرأونها كلّهن بغير ألف .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة في قوله { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه } قال : حتى يبدأوا بالقتال ، ثم نسخ بعد ذلك فقال : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } [ البقرة : 193 ] .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والنحاس معاً في الناسخ عن قتادة قوله { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } وقوله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } [ البقرة : 217 ] فكان كذلك حتى نسخ هاتين الآيتين جميعاً في براءة قوله { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] . { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } [ التوبة : 36 ] .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { فإن انتهوا } قال : فإن تابوا .(1/411)
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس في قوله { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } يقول : شرك بالله { ويكون الدين } ويخلص التوحيد لله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } قال : الشرك { فإن انتهوا فلا عدوان إلى على الظالمين } قال : لا تقاتلوا إلا من قاتلكم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن قتادة ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ، فكان هذا كذا حتى نسخ ، فأنزل الله { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } أي شرك { ويكون الدين لله } قال : حتى يقال : لا إله إلا الله ، عليها قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإليها دعا . وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول « إن الله أمرني أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله { فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين } قال : وإن الظالم الذي أبى أن يقول : لا إله إلا الله ، يقاتل حتى يقول : لا إله إلا الله » .
وأخرج ابن جرير عن الربيع { ويكون الدين لله } يقول : حتى لا يعبد إلا الله .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة { فلا عدوان إلا على الظالمين } قال : هم من أبى أن يقول لا إله إلا الله .
وأخرج البخاري وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر أنه أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا : إن الناس صنعوا ، وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، فما يمنعك أن تخرج؟ قال : يمنعني إن الله حرم دم أخي . قالا : ألم يقل الله { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } قال : قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله ، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله .(1/412)
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)
أخرج البخاري عن نافع . أن رجلاً أتى ابن عمر فقال : ما حملك على أن تحج عاماً وتعتمر عاماً وتترك الجهاد في سبيل الله ، وقد علمت ما رغب الله فيه؟ قال : يا ابن أخي : بني الإِسلام على خمس : إيمان بالله ورسوله ، والصلاة الخمس ، وصيام رمضان ، وأداء الزكاة ، وحج البيت . قال : ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه؟ : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } [ الحجرات : 9 ] { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } قال : فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإِسلام قليلاً ، وكان الرجل يفتن في دينه ، إما قتلوه وإما عذبوه حتى كثر الإِسلام ، فلم تكن فتنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي ظبيان قال : جاء رجل إلى سعد فقال له : ألا تخرج تقاتل مع الناس حتى لا تكون فتنة؟ فقال سعد : قد قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم تكن فتنة ، فأما أنت وذا البطين تريدون أن أقاتل حتى تكون فتنة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال « لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمراً في سنة ست من الهجرة ، وحبسه المشركون عن الدخول والوصول إلى البيت ، وصدوه بمن معه من المسلمين في ذي القعدة وهو شهر حرام حتى قاضاهم على الدخول من قابل ، فدخلها في السنة الآتية هو ومن كان معه من المسلمين وأقصه الله منهم ، نزلت هذه الآية { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص } » .
وأخرج الواحدي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال « نزلت هذه الآية في صلح الحديبية ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صد عن البيت ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه القابل ، فلما كان العام القابل تجهز وأصحابه لعمرة القضاء ، وخافوا أن لا تفي قريش بذلك ، وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم ، وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام ، فأنزل الله ذلك » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال « أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأحرموا بالعمرة في ذي القعدة ومعهم الهدي ، حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع ، ثم يقدم عاماً قابلاً فيقيم بمكة ثلاثة أيام ولا يخرج معه بأحد من أهل مكة ، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الهدي بالحديبية ، وحلقوا أو قصروا ، فلما كان عام قابل أقبلوا حتى دخلوا مكة في ذي القعدة ، فاعتمروا وأقاموا بها ثلاثة أيام ، وكان المشركون قد فخروا عليه حين صدوه يوم الحديبية ، فقص الله له منهم فادخله مكة في ذلك الشهر الذي ردوه فيه ، فقال { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص } » .(1/413)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص } قال « فخرت قريش بردها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية محرماً في ذي القعدة عن البلد الحرام ، فأدخله الله مكة من العام المقبل ، فقضى عمرته وأقصه ما حيل بينه وبين يوم الحديبية » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال « أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه معتمرين في ذي القعدة ومعهم الهدي ، حتى إذا كانوا بالحديبية فصدهم المشركون ، فصالحهم نبي الله أن يرجع عامه ذلك حتى يرجع من العام المقبل ، فيكون بمكة ثلاث ليال ولا يدخلوها إلا بسلاح الراكب ، ولا يخرج بأحد من أهل مكة ، فنحروا الهدي بالحديبية وحلقوا وقصروا حتى إذا كان من العام المقبل ، أقبل نبي الله وأصحابه معتمرين في ذي القعدة حتى دخلوا فأقام ثلاث ليال ، وكان المشركون قد فخروا عليه حين ردوه يوم الحديبية ، فأقصه الله منهم وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي كانوا ردوه فيه في ذي القعدة ، فقال الله { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص } » .
وأخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن ابن جرير قال « قلت لعطاء : قول الله عز وجل { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص } فقال : هذا يوم الحديبية صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام وكان معتمراً ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة التي بعدها معتمراً مكة ، فعمرة في الشهر الحرام بعمره في الشهر الحرام » .
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة وابن شهاب قالا « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام القابل من عام الحديبية معتمراً في ذي القعدة سنة سبع ، وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام ، وأنزل الله في تلك العمرة { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص } فاعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام الذي صد فيه » .
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس « في قوله { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقوله { وجزاء سيئة سيئة مثلها } [ الشورى : 40 ] وقوله { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } [ الشورى : 41 ] وقوله { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } [ النحل : 126 ] قال : هذا ونحوه نزل بمكة ، والمسلمون يومئذ قليل فليس لهم سلطان يقهر المشركين ، فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى ، فأمر الله المسلمين من يتجازى منهم أن يتجازى بمثل ما أوتي إليه أو يصبر أو يعفو ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأعز الله سلطانه أمر الله المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم ، ولا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية ، فقال(1/414)
{ ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً } [ الإسراء : 33 ] الآية . يقول : ينصره السلطان حتى ينصفه من ظالمه ، ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف ، قد عمل بحمية الجاهلية ولم يرض بحكم الله تعالى « .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } قال : فقاتلوهم فيه كما قاتلوكم .
وأخرج أحمد وابن جرير والنحاس في ناسخه عن جابر عن عبد الله قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى ويغزو ، فإذا حضره أقام حتى ينسلخ .(1/415)
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)
أخرج وكيع وسفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حذيفة في قوله { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } قال : هو ترك النفقة في سبيل الله مخافة العيلة .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد والبيهقي عن ابن عباس في قوله { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } قال : ترك النفقة في سبيل الله ، أنفق ولو مشقصاً .
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : ليس التهلكة أن يقتل الرجل في سبيل الله ولكن الإِمساك عن النفقة في سبيل الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة في قوله { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } قال : نزلت في النفقات في سبيل الله .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن مجاهد قال : إنما أنزلت هذه الآية { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } في النفقة في سبيل الله .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : كان القوم في سبيل الله فيتزوّد الرجل ، فكان أفضل زاداً من الآخر ، أنفق اليابس من زاده حتى لا يبقى من زاده شيء أحب أن يواسي صاحبه ، فأنزل الله { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال : كانوا يسافرون ويقترون ولا ينفقون من أموالهم ، فأمرهم أن ينفقوا في مغازيهم في سبيل الله .
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في الشعب عن الحسن في قوله { بأيديكم إلى التهلكة } قال : هو البخل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال : كان رجال يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير نفقة ، فإما يقطع بهم وإما كانوا عيالاً ، فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة ، والتهلكة أن يهلك رجال من الجوع والعطش ومن المشي ، وقال لمن بيده فضل { وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } .
وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير والبغوي في معجمه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن قانع والطبراني عن الضحاك بن أبي جبيرة أن الأنصار كانوا ينفقون في سبيل الله ويتصدقون ، فأصابتهم سنة فساء ظنهم وأمسكوا عن ذلك ، فأنزل الله { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } .
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد بن حميد عن مجاهد { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } قال : لا يمنعنكم النفقة في حق خيفة العيلة .
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أسلم أبي عمران قال : كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر ، وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد ، فخرج صف عظيم من الروم ، فصففنا لهم فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ، فصاح الناس وقالوا : سبحان الله! يلقي بيديه إلى التهلكة ، فقام أبو أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أيها الناس إنكم تتأوّلون هذه الآية هذا التأويل ، وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار ، إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أموالنا قد ضاعت ، وإن الله قد أعز الإِسلام وكثر ناصروه ، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع فيها ، فأنزل الله على نبيه يرد علينا ما قلنا { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } فكانت التهلكة الإِقامة في الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو .(1/416)
وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن البراء بن عازب أنه قيل له { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } هو الرجل يلقى العدّو فيقاتل حتى يقتل قال : لا ، ولكن هو الرجل يذنب فيلقي بيديه فيقول : لا يغفر الله لي أبداً .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والطبراني والبيهقي في الشعب عن النعمان بن بشير قال : كان الرجل يذنب فيقول : لا يغفر الله لي . فأنزل الله { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن عبيدة السلماني في قوله { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } قال : القنوط .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ، قال : التهلكة عذاب الله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنهم حاصروا دمشق ، فأسرع رجل إلى العدوّ وحده ، فعاب ذلك عليه المسلمون ورفعوا حديثه إلى عمرو بن العاص ، فأرسل إليه فرده وقال : قال الله { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } .
وأخرج ابن جرير عن رجل من الصحابة في قوله { وأحسنوا } قال : أدوا الفرائض .
وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحق . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة في قوله { وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } قال : أحسنوا الظن بالله .(1/417)
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
أخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل وابن عبد البر في التمهيد عن يعلى بن أمية قال « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبّة وعليه أثر خلوق ، فقال : كيف تأمرني يا رسول الله أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله { وأتموا الحج والعمرة لله } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين السائل عن العمرة؟ فقال : هذا أنا ذا . قال : اخلع الجبة واغسل عنك أثر الخلوق ، ثم ما كنت صانعاً في حجك فاصنعه في عمرتك » .
وأخرج الشافعي وأحمد وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن يعلى بن أمية قال « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق فقال : كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال : فأنزل على النبي صلى الله عليه وسلم فتستر بثوب ، وكان يعلى يقول : وددت أني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي . فقال عمر : أيسرك أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي؟ ، فرفع طرف الثوب فنظرت إليه له غطيط كغطيط البكر ، فلما سري عنه قال : أين السائل عن العمرة؟ اغسل عنك أثر الخلوق ، واخلع عنك جبتك ، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك » .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن علي { وأتموا الحج والعمرة لله } قال : أن تحرم من دويرة أهلك .
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « في قوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } إن تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله { و أتموا الحج والعمرة لله } قال : من تمامهما أن يفرد كل واحد منهما عن الآخر ، وأن يعتمر في غير أشهر الحج .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عبّاس في الآية قال : من أحرم بحج أو عمرة فليس له أن يحل حتى يتمها تمام الحج يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة وزار البيت فقد حل ، وتمام العمرة إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة إذا حل .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : تمامهما ما أمر الله فيهما .
وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن علقمة وإبراهيم قالا : في قراءة ابن مسعود { وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت } لا يجاوز بالعمرة البيت ، الحج المناسك ، والعمرة البيت والصفا والمروة .(1/418)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن علي أنه قرأ { وأقيموا الحج والعمرة للبيت } ثم قال : هي واجبة مثل الحج .
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في سننه والأصبهاني في الترغيب عن ابن مسعود قال : أمرتم بإقامة أربع . أقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأقيموا الحج ، والعمرة إلى البيت . والحج الأكبر ، والعمرة الحج الأصغر .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن يزيد بن معاوية قال : إني لفي المسجد زمن الوليد بن عقبة في حلقة فيها حذيفة وليس إذ ذاك حجزة ولا جلاوزة ، إذ هتف هاتف : من كان يقرأ على قراءة أبي موسى فليأت الزاويه التي عند أبواب كندة ومن كان يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود فليأت هذه الزاوية التي عند دار عبد الله ، واختلفا في آية في سورة البقرة قرأ هذا ( وأتموا الحج والعمرة للبيت ) وقرأ هذا { وأتمو الحج والعمرة لله } فغضب حذيفة واحمرت عيناه ، ثم قام - وذلك في زمن عثمان - فقال : إما أن تركب إلى أمير المؤمنين وإما أن أركب ، فهكذا كان من قبلكم ، ثم أقبل فجلس فقال : إن الله بعث محمداً فقاتل بمن أقبل من أدبر حتى أظهر الله دينه ، ثم إن الله قبضه فطعن الناس في الإِسلام طعنة جواد ، ثم إن الله استخلف أبا بكر وكان ما شاء الله ، ثم إن الله قبضه فطعن الناس في الإِسلام طعنة جواد ، ثم إن الله استخلف عمر فنزل وسط الإِسلام ، ثم إن الله قبضه فطعن الناس في الإِسلام طعنة جواد ، ثم إن الله استخلف عثمان . وأيم الله ليوشكن أن تطعنوا فيه طعنة تحلقونه كله .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن الشعبي أنه قرأها { وأتموا الحج } ثم قطع ، ثم قال { والعمرة لله } يعني برفع التاء ، وقال : هي تطوع .
وأخرج سفيان بن عيينة والشافعي والبيهقي في سننه عن طاوس قال : قيل لابن عباس أتأمر بالعمرة قبل الحج والله تعالى يقول { وأتموا الحج والعمرة لله } ؟ فقال ابن عباس : كيف تقرأون { من بعد وصية يوصي بها أو دين } [ النساء : 11 ] ؟ فبأيهما تبدأون؟ قالوا : بالدين . قال : فهو ذاك .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والدارقطني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال : العمرة واجبة كوجوب الحج من استطاع إليه سبيلاً .
وأخرج سفيان بن عيينة والشافعي في الأم والبيهقي عن ابن عباس قال : والله إنها لقرينتها في كتاب الله { وأتموا الحج والعمرة لله } .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة كلاهما في المصنف وعبد بن حميد عن مسروق قال : أمرتم في القرآن بإقامة أربع : أقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأقيموا الحج ، والعمرة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : العمرة الحجة الصغرى .(1/419)
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود أنه قرأ ( وأقيموا الحج والعمرة للبيت ) ثم قال : والله لولا التحرج إني لم أسمع فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لقلنا أن العمرة واجبة مثل الحج .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عمر قال : العمرة واجبة ليس أحد من خلق الله إلا عليه حجة وعمرة ، واجبتان من استطاع إلى ذلك سبيلاً .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن طاوس قال : العمرة على الناس كلهم إلا على أهل مكة فإنها ليست عليهم عمرة ، إلا أن يقدم أحد منهم من أفق من الآفاق .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء قال : ليس أحد من خلق الله إلا عليه حجة وعمرة ، واجبتان من استطاع إلى ذلك سبيلاً كما قال الله حتى أهل بوادينا ، إلا أهل مكة فإن عليهم حجّة وليست عليهم عمرة من أجل أنهم أهل البيت ، وإنما العمرة من أجل الطواف .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : الحج والعمرة فريضتان على الناس كلهم إلا أهل مكة فإن عمرتهم طوافهم ، فمن جعل بينه وبين الحرم بطن واد فلا يدخل مكة إلا بإحرام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : ليس على أهل مكة عمرة إنما يعتمر من زار البيت ليطوف به ، وأهل مكة يطوفون متى شاؤوا .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن ابن مسعود قال : الحج فريضة والعمرة تطوّع .
وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي صالح ماهان الحنفي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الحج جهاد والعمرة تطوّع » .
وأخرج ابن ماجة عن طلحة بن عبيد الله « أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الحج جهاد ، والعمرة تطوّع » .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه عن جابر بن عبد الله « أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال : لا ، وإن تعتمروا خير لكم » .
وأخرج الحاكم عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت » .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن ابن سيرين « أن زيد بن ثابت سئل عن العمرة قبل الحج ، قال : صلاتان . وفي لفظ » نسكان لله عليك لا يضرك بأيهما بدأت « .
وأخرج الشافعي في الأم عن عبد الله بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم(1/420)
« إن العمرة هي الحج الأصغر » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر قال « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أوصني ، قال : تعبد الله ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم شهر رمضان ، وتحج ، وتعتمر ، وتسمع ، وتطيع ، وعليك بالعلانية ، وإياك والسر » .
وأخرج ابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أفضل الأعمال عند الله إيمان لا شك فيه ، وغزو لا غلول فيه ، وحج مبرور » .
وأخرج مالك في الموطأ وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة » .
وأخرج أحمد عن عامر بن ربيعة مرفوعاً . مثله .
وأخرج البيهقي في الشعب والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما سبح الحاج من تسبيحة ، ولا هلل من تهليلة ، ولا كبر من تكبيرة ، إلا بشر بها تبشيرة » .
وأخرج مسلم وابن خزيمة عن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الإِسلام يهدم ما كان قبله ، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وإن الحج يهدم ما كان قبله » .
وأخرج الطبراني عن الحسن بن علي قال « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني جبان وإني وضعيف . فقال : هلم إلى جهاد لا شوكة فيه : الحج » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن علي بن حسين قال « سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد فقال : ألا أدلك على جهاد لا شوكة فيه؟ الحج » .
وأخرج عبد الرزاق عن عبد الكريم الجزري قال « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رجل جبان ولا أطيق لقاء العدوّ . فقال : ألا أدلك على جهاد لا قتال فيه؟ قال : بلى يا رسول الله . قال : عليك بالحج والعمرة » .
وأخرج البخاري عن عائشة قالت « قلت : يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل ، أفلا نجاهد؟ فقال : لكن أفضل الجهاد حج مبرور » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي داود في المصاحف وابن خزيمة عن عائشة قالت « قلت : يا رسول الله! . . . هل على النساء من جهاد؟ قال : عليهن جهاد لا قتال فيه . الحج والعمرة » .
وأخرج النسائي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « جهاد الكبير والضعيف والمرأة : الحج والعمرة » .
وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(1/421)
« الإِسلام : أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتحج وتعتمر ، وتغتسل من الجنابة ، وأن تتم الوضوء ، وتصوم رمضان » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الحج جهاد كل ضعيف » .
وأخرج أحمد والطبراني عن عمرو بن عبسة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أفضل الأعمال حجة مبرورة أو عمرة مبرورة » .
وأخرج أحمد والطبراني عن ماعز عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه سئل أي الأعمال أفضل؟ قال : إيمان بالله وحده ، ثم الجهاد ، ثم حجة برة تفضل سائر الأعمال ، كما بين مطلع الشمس ومغربها » .
وأخرج أحمد وابن خزيمة والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة . قيل : وما بره؟ قال : إطعام الطعام ، وطيب الكلام » وفي لفظ « وإفشاء السلام » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن جراد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « حجوا فإن الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن » .
وأخرج البزار عن أبي موسى رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال « الحاج يشفع في أربعمائة من أهل بيته ، ويخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة « سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : من جاء يؤم البيت الحرام ، فركب بعيره فما يرفع البعير خفاً ولا يضع خفاً إلا كتب الله له بها حسنة ، وحط عنه بها خطيئة ، ورفع له بها درجة ، حتى إذا انتهى إلى البيت فطاف وطاف بين الصفا والمروة ، ثم حلق أو قصر ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فليستأنف العمل » .
وأخرج الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « وفد الله ثلاثة : الغازي ، والحاج ، والمعتمر » .
وأخرج البزار عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم » .
وأخرج ابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الحجاج والعمار وفد الله ، إن دعوه أجابهم ، وإن استغفروه غفر لهم » .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : لو يعلم المقيمون ما للحجاج عليهم من الحق لأتوهم حين يقدمون حتى يقبلوا رواحلهم ، لأنهم وفد الله من جميع الناس .
وأخرج البزار وابن خزيمة والطبراني في الصغير والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يغفر للحجاج ولمن استغفر له الحجاج »(1/422)
وفي لفظ : « اللهم اغفر للحجاج ولمن استغفر له الحاج » .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسدد في مسنده عن عمر قال : يغفر للحاج ولمن يستغفر له الحاج بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وعشراً من ربيع الأول .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر ، أنه خطب عند باب الكعبة فقال : ما من أحد يجيء إلى هذا البيت لا ينهزه غير صلاة فيه حتى يستلم الحجر إلا كفر عنه ما كان قبل ذلك .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال : من حج هذا البيت لا يريد غيره خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
وأخرج الحاكم وصححه عن أم معقل « أن زوجها جعل بكراً في سبيل الله وأنها أرادت العمرة ، فسألت زوجها البكر فأبى عليها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيها وقال : إن الحج والعمرة لمن سبيل الله ، وأن عمرة في رمضان تعدل حجة أو تجزىء بحجة » .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال « أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج فقالت امرأة لزوجها : حج بي . قال : ما عندي ما أحج بك عليه . قالت : فحج بي على ناضحك . قال : ذاك نعتقبه أنا وولدك . قالت : فحج بي على جملك فلان . قال : ذاك احتبس في سبيل الله ، قالت : فبع تمر رفك . قال : ذلك قوتي وقوتك . فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة أرسلت إليه زوجها فقالت : اقرىء رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وسله ما يعدل حجة معك ، فأتى زوجها النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : أما أنك لو كنت حججت بها على الجمل الحبيس كان في سبيل الله ، وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً من حرصها على الحج ، وقال : أقرئها مني السلام ورحمة الله وأخبرها أنها تعدل حجة معي عمرة في رمضان » .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها : « إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حبيب . أن قوماً مروا بأبي ذر بالربذة فقال لهم : ما أنصبكم إلا الحج ، استأنفوا العمل .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم : أن ابن مسعود قال لقوم ذلك .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حبيب بن الزبير قال : قلت لعطاء : أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : استقبلوا العمل بعد الحج ، قال : لا ، ولكن عثمان وأبو ذر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب أنه رأى قوماً من الحجاج فقال : لو يعلم هؤلاء ما لهم بعد المغفرة لقرت عيونهم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال : إذا كبر الحاج والمعتمر والغازي كبر المرتفع الذي يليه ، ثم الذي يليه حتى ينقطع في الأفق .(1/423)
وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أراد الحج فليتعجل ، فإنه قد تضل الضالة ويمرض المريض وتكون الحاجة » .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له » .
وأخرج الأصبهاني عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من عبد يدع الحج لحاجة من حوائج الدنيا إلا رأى المخلفين قبل أن يقضي تلك الحاجة ، وما من عبد يدع المشي في حاجة أخيه المسلم قضيت أو لم تقض إلا ابتلى بعونه من يأثم عليه ولا يؤجر فيه » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي ذر « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن داود عليه السلام قال : إلهي ما لعبادك إذا هم زاروك في بيتك؟ قال : لكل زائر حق على المزور حقاً ، يا داود إن لهم أن أعافيهم في الدنيا ، وأغفر لهم إذا لقيتهم » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما راح مسلم في سبيل الله مجاهداً أو حاجاً ، مهلاً أو ملبياً إلا غربت الشمس بذنوبه وخرج منها » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « الحجاج والعمار وفد الله إن سألوا أعطوا ، وإن دعوا أجيبوا ، وإن أنفقوا أخلف لهم ، والذي نفس أبي القاسم بيده ما كبر مكبر على نشز ، ولا أهل مهل على شرف ، إلا أهل ما بين يديه وكبر حتى ينقطع منه منقطع التراب » .
وأخرج البيهقي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الحجاج والعمار وفد الله يعطيهم ما سألوا ، ويستجيب لهم ما دعوا ، ويخلف عليهم ما أنفقوا الدرهم بألف ألف » .
وأخرج البزار والطبراني في الأوسط والبيهقي عن جابر بن عبد الله يرفعه « قال : ما أمعر حاج قط » . قيل لجابر : وما الإِمعار؟ قال : ما افتقر .
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن خزيمة وابن حبان عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة ، وما من مؤمن يظل يومه محرماً إلا غابت الشمس بذنوبه » .(1/424)
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وابن جرير والبيهقي عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « تابعوا بين الحج والعمرة ، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد » .
وأخرج البزار عن جابر مرفوعاً . مثله .
وأخرج الحرث بن أبي أسامة في مسنده عن ابن عمر مرفوعاً . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عامر بن ربيعة مرفوعاً . مثله .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ما أهل مهل قط ولا كبر مكبر قط إلا بشر . قيل : يا رسول الله بالجنة؟ قال : نعم » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما أهل مهل قط إلا آبت الشمس بذنوبه » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : ما أتى هذا البيت طالب حاجة لدين أو دنيا إلا رجع بحاجته .
وأخرج أبو يعلى والطبراني والدارقطني والبيهقي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من خرج في هذا الوجه لحج أو عمرة فمات فيه لم يعرض ولم يحاسب ، وقيل له ادخل الجنة » قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله يباهي بالطائفين » .
وأخرج الحرث بن أبي أسامة في مسنده والأصبهاني في الترغيب عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من مات في طريق مكة ذاهباً أو راجعاً لم يعرض ولم يحاسب » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن أم سلمة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من أهل بالحج والعمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم وما تأخر ، ووجبت له الجنة » .
وأخرج البيهقي وضعفه عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « إذا خرج الحاج من أهله فسار ثلاثة أيام أو ثلاث ليال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وكان سائر أيامه درجات ، ومن كفن ميتاً كساه الله من ثياب الجنة ، ومن غسل ميتاً خرج من ذنوبه ، ومن حثى عليه التراب في قبره كانت له بكل هباة أثقل من ميزانه من جبل من الجبال » .
وأخرج البيهقي عن ابن عمر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول « ما ترفع ابل الحاج رجلاً ولا تضع يداً إلا كتب الله له بها حسنة ، أو محا عنه سيئة ، أو رفعه بها درجة » .
وأخرج البيهقي عن حبيب بن الزبير الأصبهاني قال : قلت لعطاء بن أبي رباح : أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يستأنفون العمل ، يعني الحجاج؟ قال : لا ، ولكن بلغني عن عثمان بن عفان وأبي ذر الغفاري أنهما قالا : يستقبلون العمل .(1/425)
وأخرج البيهقي من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة . أن رجلاً مر بعمر بن الخطاب وقد قضى نسكته فقال له عمر : أحججت؟ قال : نعم . فقال له : اجتنبت ما نهيت عنه؟ فقال : ما ألوت . قال عمر : استقبل عملك .
وأخرج البيهقي عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله عز وجل ليدخل بالحجة الواحدة ثلاثة نفر الجنة : الميت ، والحاج عنه ، والمنفذ ذلك . يعني الوصي » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة في مسنده وأبو يعلى والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يقول تبارك وتعالى : إن عبداً صححت له جسمه ، وأوسعت له في رزقه ، يأتي عليه خمسين سنين لا يفد إليَّ لمحروم » .
وأخرج أبو يعلى عن خباب بن الأرت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله يقول : إن عبداً أصححت له جسمه ، وأوسعت عليه في الرزق ، يأتي عليه خمس حجج لم يأت إليَّ فيهن لمحروم » .
وأخرج الشافعي عن ابن عباس قال : في كل شهر عمرة .
وأخرج عبد الرزاق عن عمر قال : إذا وضعتم السروج فشدوا الرحال إلى الحج والعمره ، فإنهما أحد الجهادين .
وأخرج ابن أبي شيبه عن جابر بن زيد قال : الصوم والصلاة يجهدان البدن ولا يجهدان المال ، والصدقة تجهد المال ولا تجهد البدن ، وإني لا أعلم شيئاً أجهد للمال والبدن من الحج .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { فإن أحصرتم } يقول : من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عدو يحبسه فعليه ذبح ما استيسر من الهدي شاة فما فوقها ، فإن كانت حجة الإِسلام فعليه قضاؤها ، وإن كانت بعد حجة الفريضه فلا قضاء عليه { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } فإن كان أحرم بالحج فمحله يوم النحر ، وإن كان أحرم بعمرة فمحل هدبه إذا أتى البيت .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { فإن أحصرتم . . . } الآية . قال : هو الرجل من أصحاب محمد كان يحبس عن البيت فيهدي إلى البيت ويمكث على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ، فإن بلغ الهدي محله حلق رأسه .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود في قوله { فإن أحصرتم . . . } الآية . يقول : إذا أهل الرجل بالحج فأحصر بعث بما استيسر من الهدي ، فإن هو عجل قبل أن يبلغ الهدي محله فحلق رأسه ، أو مس طيباً ، أو تداوى بدواء ، كان عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك ، والصيام ثلاثة أيام ، والصدقة ثلاثة أصوع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، والنسك شاة { فإذا أمنتم } يقول : فإذا برئ فمضى من وجهه ذلك إلى البيت كان عليه حجة وعمرة ، فإن رجع متمتعاً في أشهر الحج كان عليه ما استيسر من الهدي شاة ، فإن هو لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم .(1/426)
قال إبراهيم : فذكرت هذا الحديث لسعيد بن جبير فقال : هكذا قال ابن عباس في هذا الحديث كله .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : الحصر حبس كله .
وأخرج مالك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن علي في قوله { فما استيسر من الهدي } قال : شاة .
وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عمر { فما استيسر من الهدي } قال : بقرة أو جزور . قيل : أو ما يكفيه شاة؟ قال : لا .
وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن عباس { فما استيسر من الهدي } قال : ما يجد ، قد يستيسر على الرجل الجزور والجزوران .
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في الآية قال : من الأزواج الثمانية من الإِبل والبقر والضأن والمعز على قدر الميسرة ، وما عظمت فهو أفضل .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس { فما استيسر من الهدي } قال : عليه هدي إن كان موسراً فمن الإِبل ، وإلا فمن البقر ، وإلا فمن الغنم .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق القاسم عن عائشة يقول : ما استيسر من الهدي شاة .
وأخرج سفيان بن عيينة والشافعي في الأم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال : لا حصر إلا حصر العدوّ ، فاما من أصابه مرض ، أو وجع ، أو ضلال ، فليس عليه شيء . إنما قال الله { فإذا أمنتم } فلا يكون الأمن إلا من الخوف .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : لا إحصار إلا من عدوّ .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري قال : لا إحصار إلا من الحرب .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : لا إحصار إلا من مرض ، أو عدوّ ، أو أمر حابس .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة قال : كل شيء حبس المحرم فهو إحصار .
وأخرج البخاري والنسائي عن نافع . أن عبيد الله بن عبد الله ، وسلام بن عبد الله ، أخبراه : أنهما كلما عبد الله بن عمر ليالي نزل الجيش بابن الزبير فقال : لا يضرك أن لا تحج العام ، إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت .(1/427)
فقال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرين فحال كفار قريش دون البيت ، فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه ، وحلق رأسه .
وأخرج البخاري عن ابن عباس قال « قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه ، وجامع نساءه ، ونحر هديه ، حتى اعتمر عاماً قابلاً » .
أما قوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } .
أخرج البخاري عن المسور « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق ، وأمر أصحابه بذلك » .
وأخرج البخاري تعليقاً عن ابن عباس قال : إنما البدل على من نقص حجة بالتذاذ ، وأما من حبسه عذر أو غير ذلك فإنه لا يحل ولا يرجع ، وإن كان معه هدي وهو محصر نحره إن كان لا يستطيع أن يبعث به ، وإن استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدي محله « .
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال : إن أهل الحديبية أمروا بابدال الهدي في العام الذي حلوا فيه فابدلوا ، وعزت الإِبل فرخص لهم فيمن لا يجد بدنة في اشتراء بقرة .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي حاصر الحميري قال : خرجت معتمراً عام حوصر ابن الزبير ومعي هدي ، فمنعنا أن ندخل الحرم فنحرت الهدي مكاني وأحللت ، فلما كان العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي ، أتيت ابن عباس فسألته فقال : أبدل الهدي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : إذا حلق قبل أن يذبح اهرق لذلك دماً ، ثم قرأ { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } .
وأخرج ابن جرير عن الأعرج أنه قرأ { حتى يبلغ الهدي محله } { وهدياً بالغ الكعبة } [ المائدة : 95 ] بكسر الدال مثقلاً .
أما قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } .
أخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير والطبراني والبيهقي في سننه عن كعب بن عجرة قال » كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون وقد حصرنا المشركون ، وكانت لي وفرة فجعلت الهوام تساقط على وجهي ، فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت : نعم . فأمرني أن أحلق قال : ونزلت هذه الآية { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صم ثلاثة أيام ، أو تصدق بفرق بين ستة ، أو انسك مما تيسر « .(1/428)
وأخرج أبو داود في ناسخة عن ابن عباس { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } ثم استثنى فقال { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } .
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي عن عبد الله بن مغفل قال : « قعدت إلى كعب بن عجرة فسألته عن هذه الآية { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } فقال : نزلت فيَّ ، كان بي أذى من رأسي ، فحملت إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال : ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا! أما تجد شاة؟ قلت : لا . قال : صم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام ، واحلق رأسك . فنزلت فيّ خاصة ، وهي لكم عامة » .
وأخرج الترمذي وابن جرير عن كعب بن عجرة قال « لفيّ نزلت وإياي عني بها { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه } قال لي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية وهو عند الشجرة : أيؤذيك هوامك؟ قلت : نعم . فنزلت » .
وأخرج ابن مردويه والواحدي عن ابن عباس قال « لما نزلنا الحديبية جاء كعب بن عجرة ينتر هوام رأسه على وجهه فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القمل قد أكلني؟ فأنزل الله في ذلك الموقف { فمن كان منكم مريضاً . . . } الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : النسك شاة ، والصيام ثلاثة أيام ، والطعام فرق بين ستة مساكين » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فمن كان منكم مريضاً } يعني من اشتد مرضه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { فمن كان منكم مريضاً } يعني بالمرض أن يكون برأسه أذى أو قروح ، أو به أذى من رأسه . قال : الأذى هو القمل .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما أذى من رأسه؟ قال : القمل وغيره الصداع ، وما كان في رأسه .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : النشك أن يذبح شاة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة : « أيؤذيك هوام رأسك؟ قال : نعم . قال : فاحلقه وافتد إما صوم ثلاثة أيام ، وإما أن تطعم ستة مساكين ، أو نسك شاة » .
وأخرج ابن جرير عن علي أنه سئل عن هذه الآية فقال : الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة ثلاثة أصوع على ستة مساكين ، والنسك شاة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : كل شيء في القرآن ( أو أو ) فصاحبه مخير ، فإذا كان { فمن لم يجد } فهو الأوّل فالأوّل .(1/429)
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : كل شيء في القرآن ( أو أو ) فهو خيار .
وأخرج الشافعي في الأم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال : كل شيء في القرآن ( أو أو ) له أية شاء . قال ابن جريج : إلا قوله تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } [ المائدة : 33 ] . فليس بمخيَّر فيها .
وأخرج الشافعي وعبد بن حميد عن عطاء قال : كل شيء في القرآن ( أو أو ) يختار منه صاحبه ما شاء .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة وإبراهيم . مثله .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد والضحاك . مثله .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } يقول : من أحرم بالعمرة في أشهر الحج .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال : التمتع الاعتمار في أشهر الحج .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن الزبير أنه خطب فقال : يا أيها الناس والله ما التمتع بالعمرة إلى الحج كما تصنعون ، إنما التمتع أن يهل الرجل بالحج فيحصره عدوّ أو مرض أو كسر ، أو يحبسه أمر حتى يذهب أيام الحج فيقدم فيجعلها عمرة ، فيتمتع تحلة إلى العام المقبل ، ثم يحج ويهدي هدياً ، فهذا التمتع بالعمرة إلى الحج .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء قال : كان ابن الزبير يقول : إنما المتعة لمن أحصر وليست لمن خلي سبيله . وقال ابن عباس : وهي لمن أحصر وليست لمن خلي سبيله . وقال ابن عباس : وهي لمن أحصر ومن خليت سبيله .
وأخرج ابن جرير عن علي في قوله { فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } قال : فإن أخر العمرة حتى يجمعها مع الحج فعليه الهدي .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عطاء قال : إنما سميت المتعة لأنهم كانوا يتمتعون من النساء والثياب . وفي لفظ يتمتع بأهله وثيابه .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال : كان أهل الجاهلية إذا حجوا قالوا : إذا عفا الوبر ، وتولى الدبر ، ودخل صفر ، حلت العمرة لمن اعتمر . فأنزل الله التمتع بالعمرة تغييراً لما كان أهل الجاهلية يصنعون وترخيصاً للناس .
وأخرج ابن المنذر عن أبي جمرة . أن رجلاً قال لابن عباس : تمتعت بالعمرة إلى الحج ولي أربعون درهماً ، فيها كذا وفيها كذا وفيها نفقة . فقال : صم .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن علي بن أبي طالب { فصيام ثلاثة أيام في الحج } قال : قبل التروية يوم ، ويوم التروية ، ويوم عرفة فإن فاتته صامهن أيام التشريق .(1/430)
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر في قوله { فصيام ثلاثة أيام في الحج } قال : يوم قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، وإذا فاته صيامها صامها أيام منى ، فإنهن من الحج .
وأخرج ابن أبي شيبة عن علقمة ومجاهد وسعيد بن جبير . مثله .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : الصيام للمتمتع ما بين إحرامه إلى يوم عرفة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : إذا لم يجد التمتع بالعمرة هدياً فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة ، وإن كان يوم عرفة الثالث فقد تم صومه ، وسبعة إذا رجع إلى أهله .
وأخرج مالك والشافعي عن عائشة قالت : الصيام لمن يتمتع بالعمرة إلى الحج لمن لم يجد هدياً ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة ، فإن لم يصم صام أيام منى .
وأخرج مالك والشافعي عن ابن عمر . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن جرير والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر وعائشة قالا : لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمتمتع لم يجد هدياً .
وأخرج ابن جرير والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر قال « رخص النبي صلى الله عليه وسلم للتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم حتى فاتته أيام العشر أن يصوم أيام التشريق مكانها » .
وأخرج الدارقطني عن عائشة « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » من لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام قبل يوم النحر ، ومن لم يكن صام تلك الثلاثة أيام فليصم أيام التشريق أيام منى « .
وأخرج مالك وابن جرير عن الزهري قال » بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة بن قيس ، فنادى في أيام التشريق فقال : إن هذه أيام أكل وشرب وذكر الله ، إلا من كان عليه صوم من هدي « .
وأخرج الدارقطني من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن حذافة » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره في رهط أن يطوفوا في منى في حجة الوداع ، فينادوا إن هذه أيام أكل وشرب وذكر الله ، فلا صوم فيهن إلا صوماً في هدي « .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر قال : لا يجزئه صوم ثلاثة أيام وهو متمتع إلا أن يحرم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة قال : لا يصوم متمتع إلا في العشر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن أبي نجيح قال : قال مجاهد يصوم المتمتع إن شاء يوماً من شوّال وإن شاء يوماً من ذي القعدة قال : وقال طاووس وعطاء : لا يصوم الثلاثة إلا في العشر .(1/431)
وقال مجاهد . لا بأس أن يصومهن في أشهر الحج .
وأخرج البخاري والبيهقي عن ابن عباس . أنه سئل عن متعة الحاج فقال أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهللنا ، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي ، فطفنا بالبيت ، وبالصفا والمروة ، وأتينا النساء ، ولبسنا الثياب . وقال : من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج ، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت ، وبالصفا والمروة ، وأتينا النساء ، ولبسنا الثياب . وقال : من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، ثم أمرنا عشية الترويه أن نهل بالحج ، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة ، وقد تم حجنا وعلينا الهدي كما قال الله { فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } إلى أمصاركم والشاة تجزىء ، فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة ، فإن الله أنزله في كتابه وسنة نبيه ، وأباحه للناس غير أهل مكة . قال الله تعالى { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } وأشهر الحج التي ذكر الله شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، فمن تمتع في هذه الأشهر فعليه دم أو صوم والرفث الجماع ، والفسوق المعاصي ، والجدال المراء » .
وأخرج مالك وعبد بن حميد والبيهقي عن ابن عمر قال : من اعتمر في أشهر الحج في شوّال أو ذي القعدة أو ذي الحجة فقد استمتع ووجب عليه الهدي ، أو الصيام إن لم يجد هدياً .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال : من اعتمر في شوّال أو في ذي القعدة ، ثم قام حتى يحج فهو متمتع عليه ما استيسر من الهدي ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله ، ومن اعتمر في أشهر الحج ثم رجع فليس بمتمتع ، ذاك من أقام ولم يرجع .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتمروا في أشهر الحج ثم لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : قال عمر : إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع ، فإن رجع فليس بمتمتع .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : من اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع ، فإن رجع فليس بمتمتع .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء قال : من اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ثم حج من عامه فليس بمتمتع ، ذاك من أقام ولم يرجع .(1/432)
وأخرج الحاكم عن أبي أنه كان يقرأها ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) .
وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عمر في قوله { وسبعة إذا رجعتم } قال : إلى أهليكم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة { وسبعة إذا رجعتم } قال : إذا رجعتم إلى أمصاركم .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { وسبعة إذا رجعتم } قال : إلى بلادكم حيث كانت .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { وسبعة إذا رجعتم } قال : إنما هي رخصة إن شاء صامهن في الطريق ، وإن شاء صامها بعدما رجع إلى أهله ، ولا يفرق بينهن .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء والحسن { وسبعة إذا رجعتم } قال عطاء : في الطريق إن شاء . وقال الحسن : إذا رجعتم إلى مصره .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال : إن أقام صامهن بمكة إن شاء .
وأخرج وكيع عن عطاء { وسبعة إذا رجعتم } قال : إذا قضيتم حجكم ، وإذا رجع إلى أهله أحب إلي .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن طاوس { وسبعة إذا رجعتم } قال : إن شاء فرق .
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله { تلك عشرة كاملة } قال : كاملة من الهدي .
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر قال « تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوادع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج ، فتمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل لشيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج ، فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن عمران بن حصين قال « نزلت آية المتعة في كتاب الله وفعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لم ينزل آية تنسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها حتى مات . قال رجل برأيه ما شاء .
وأخرج مسلم عن أبي نضرة قال : كان ابن عباس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها . فذكر ذلك لجابر بن عبد الله فقال : على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قام عمر قال : إن الله كان يحل لرسول الله ما شاء مما شاء ، وإن القرآن قد نزل منازله ، فاتموا الحج والعمرة كما أمركم الله ، وافصلوا حجكم عن عمرتكم ، فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم » .(1/433)
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي موسى قال « قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاء فقال : بم أهللت؟ قلت : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال : هل سقت من هدي؟ قلت : لا . قال : طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل . فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي ، فكنت أفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر ، فإني لقائم بالموسم إذا جاءني رجل فقال : إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك . فقلت : أيها الناس من كنا أفتيناه بشيء فليتئد فهذا أمير المؤمنين قادم عليكم فبه فائتموا ، فلما قدم قلت : يا أمير المؤمنين ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك؟ قال : أنْ نأخذ بكتاب الله ، فإن الله قال { وأتموا الحج والعمرة لله } وأن نأخذ بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى نحر الهدي » .
وأخرج إسحق بن راهويه في مسنده وأحمد عن الحسن . أن عمر بن الخطاب هم أن ينهى عن متعة الحج فقام إليه أبي بن كعب فقال : ليس ذلك لك ، قد نزل بها كتاب الله واعتمرناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل عمر .
وأخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق قال : كان عثمان ينهى عن المتعة وكان علي يأمر بها . فقال عثمان لعلي كلمة فقال علي : لقد علمت أنا قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أجل ولكنا كنا خائفين .
وأخرج إسحق بن راهويه عثمان بن عفان ، أنه سئل عن المتعة في الحج فقال : كانت لنا ليست لكم .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن أبي ذر قال : كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة .
وأخرج مسلم عن أبي ذر قال : لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة ، يعني متعة النساء ومتعة الحج .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن سعيد بن المسيب قال : اختلق علي وعثمان وهما بعسفان في المتعة ، فقال علي : ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعاً .
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي جمرة قال : سألت ابن عباس عن المتعة فأمرني بها ، وسألته عن الهدي فقال : فيها جزور ، أو بقرة ، أو شاة ، أو شرك في دم قال : وكان ناس كرهوها فنمت فرأيت في المنام كأن انساناً ينادي حج مبرور ومتعة متقبلة ، فأتيت ابن عباس فحدثته فقال : الله أكبر سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .
وأخرج الحاكم وصححه من طريق مجاهد وعطاء عن جابر قال : « كثرت القالة من الناس ، فخرجنا حجاجاً حتى إذا لم يكن بيننا وبين أن نحل إلا ليالٍ قلائل أمرنا بالإِحلال ، قلنا : أيروح أحدنا إلى عرفة وفرجه يقطر منياً؟ فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام خطيباً فقال » أبالله تعلموني أيها الناس ، فانا والله أعلمكم بالله وأتقاكم له ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هدياً ولحللت كما أحلوا ، فمن لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، ومن وجد هدياً فلينحر « ، فكنا ننحر الجزور عن سبعة قال عطاء : قال ابن عباس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم يومئذ في أصحابه غنماً ، فأصاب سعد بن أبي وقاص تيس ، فذبحه عن نفسه » .(1/434)
وأخرج مالك عن ابن عمر قال : لأن اعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أن اعتمر بعد الحج في ذي الحجة .
أما قوله تعالى : { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } .
أخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عطاء في قوله { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } قال : ست قربات : عرفة ، وعرنة ، والرجيع ، والنخلتان ، ومر الظهران ، وضجنان . وقال مجاهد : هم أهل الحرم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { حاضري المسجد الحرام } قال : هم أهل الحرم .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال : الحرم كله هو المسجد الحرام .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والأزرقي عن عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن المسجد الحرام قال : هو الحرم أجمع .
وأخرج الأزرقي عن عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن المسجد الحرام قال : هو الحرم أجمع .
وأخرج الأزرقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أساس المسجد الحرام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام من الحزورة إلى المسعى إلى مخرج سيل جياد .
وأخرج الأزرقي عن أبي هريرة قال : إنا لنجد في كتاب الله أن حد المسجد الحرام من الحزور إلى المسعى .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال : ليس لأحد حاضري المسجد الحرام رخصة في الإِحصار ، لأن الرجل إذا مرض حمل ووقف به بعرفة ، ويطاف به محمولاً .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عروة { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } عنى بذلك أهل مكة ، ليست لهم متعة وليس عليهم إحصار لقربهم من المشعر .
وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : من له المتعة؟ فقال : قال الله { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } فاما القرى الحاضرة المسجد الحرام التي لا تتمتع أهلها ، فالمطمئنة بمكة المطلة عليها نخلتان ، ومر الظهران ، وعرفة ، وضجنان ، والرجيع ، وأما القرى ، التي ليست بحاضرة المسجد الحرام التي يتمتع أهلها إن شاؤوا فالسفر ، والسفر ما يقصر إليه الصلاة عسفان وجدة ورهاط واشباه ذلك .(1/435)
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس قال : المتعة للناس إلا لأهل مكة هي لمن لم يكن أهله في الحرم ، وذلك قول الله { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس . أنه كان يقول : يا أهل مكة إنه لا متعة لكم أحلت لأهل الآفاق وحرمت عليكم ، إنما يقطع أحدكم وادياً ثم يهل بعمرة { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر . أنه سئل عن امرأة صرورة أتعتمر في حجتها؟ قال : نعم ، إن الله جعلها رخصة إن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال : ليس على أهل مكة هدي في متعة ، ثم قرأ { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال : ليس على أهل مكة متعة ، ثم قرأ { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : ليس على أهل مكة متعة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ميمون بن مهران قال : ليس لأهل مكة ، ولا من توطن مكة متعة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال : المتعة للناس أجمعين إلا أهل مكة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري قال : ليس على أهل مكة متعة ولا إحصار ، إنما يغشون حتى يقضوا حجهم .
وأما قوله تعالى { واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب } .
أخرج ابن أبي حاتم عن مطرف أنه تلا قوله تعالى { إن الله شديد العقاب } قال : لو يعلم الناس قدر عقوبة الله ، ونقمة الله ، وبأس الله ، ونكال الله ، لما رقأ لهم دمع ، وما قرت أعينهم بشيء .(1/436)
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)
أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « في قوله { الحج أشهر معلومات } شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الحج أشهر معلومات شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة » .
وأخرج الخطيب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « في قوله تعالى { الحج أشهر معلومات } شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عمر بن الخطاب { الحج أشهر معلومات } قال : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة .
وأخرج الشافعي في الأم وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن نافع . أنه سئل أسمعت عبد الله بن عمر يسمي شهور الحج؟ فقال : نعم ، كان يسمّي شوالاً ، وذا القعدة ، وذا الحجة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وعطاء والضحاك . مثله .
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عمر { الحج أشهر معلومات } قال : شوال ، وذو القعدة ، وعشر ليال من ذي الحجة .
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن مسعود { الحج أشهر معلومات } قال شوال ، وذو القعدة ، وعشر ليال من ذي الحجة .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي من طرق عن ابن عباس { الحج أشهر معلومات } قال : شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة ، لا يفرض الحج إلا فيهن .
وأخرج ابن المنذر والدارقطني والطبراني والبيهقي عن عبد الله بن الزبير { الحج أشهر معلومات } قال : شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن ومحمد وإبراهيم . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود . أنه سئل عن العمرة في أشهر الحج فقال : الحج أشهر معلومات ، ليس فيهن عمرة .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن محمد بن سيرين قال : ما أحد من أهل العلم شك أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : قال عمر : افصلوا بين حجكم وعمرتكم ، اجعلوا الحج في أشهر واجعلوا العمرة في غير أشهر الحج ، أتم لحجكم ولعمرتكم .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عون قال : سئل القاسم عن العمرة في أشهر الحج؟ فقال : كانوا لا يرونها تامة .(1/437)
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عمر في قوله { فمن فرض فيهن الحج } قال : من أهلَّ فيهن الحج .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال : الفرض الإِحرام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير { فمن فرض فيهن الحج } قال : الإِهلال .
وأخرح ابن المنذر والدارقطني والبيهقي عن ابن الزبير قال : فرض الحج الإِحرام .
وأخرح ابن المنذر عن ابن عباس قال : الفرض الإِهلال .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري قال : الإِهلال الحج .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { فمن فرض فيهن الحج } يقول : من أحرم بحج أو عمرة .
وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول الله { الحج أشهر معلومات } .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس قال : لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج ، فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج .
وأخرج ابن مردويه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج » .
وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي شيبة والبيهقي عن جابر موقوفا . مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء أنه قال لرجل قد أحرم بالحج في غير أشهر الحج : اجعلها عمرة فإنه ليس لك حج ، فإن الله يقول { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس : فمن فرض فيهن الحج فلا ينبغي أن يلبي بالحج ثم يقيم بأرض .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر { فمن فرض فيهن الحج } قال : التلبية والإِحرام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود { فمن فرض فيهن الحج } قال : التلبية .
وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس { فمن فرض فيهن الحج } قال : التلبية .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء وإبراهيم . مثله .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه عن خلاد بن السائب عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالاهلال والتلبية فإنها شعار الحج » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه عن زيد بن خالد الجهني . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « جاءني جبريل فقال : مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية ، فإنها من شعار الحج » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير قال : التلبية زينة الحج .(1/438)
وأخرج الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه عن أبي بكر الصديق « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ قال : العج والثلج » .
وأخرج الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا عن يمينه وشماله » .
وأخرج أحمد وابن ماجة عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من محرم يضحي لله يومه ، يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كما ولدته أمه » .
وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر « أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك ، والملك لا شريك لك » وكان ابن عمر يزيد فيها لبيك لبيك وسعديك ، والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل .
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس . أن رجلاً أوقصته راحلته وهو محرم فمات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً » .
وأخرج الشافعي عن جابر بن عبد الله قال : ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلبيته حجاً قط ولا عمرة .
وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم « لبيك إله الخلق لبيك » .
وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة عن سعد بن أبي وقاص . أنه سمع بعض بني أخيه وهو يلبي : يا ذا المعارج . فقال سعد : إنه لذو المعارج ، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرج الشافعي عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه كان إذا فرغ من تلبية سأل الله رضوانه والجنة ، واستعاذه برحمته من النار .
وأخرج الشافعي عن محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من التلبية .
أما قوله تعالى : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } .
أخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » في قوله { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } قال : الرفث الاعرابة والتعريض للنساء بالجماع ، والفسوق المعاصي كلها ، والجدال جدال الرجل لصاحبه « .
وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أبي أمامة قال » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث } قال : لا جماع ولا فسوق . قال : المعاصي والكذب « .(1/439)
وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عباس في الآية : الرفث الجماع ، والفسوق المعاصي ، والجدال المراء . وفي لفظ : أن تماري صاحبك حتى يغضبك أو تغضبه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : الرفث غشيان النساء والقبل والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ، والفسوق معاصي الله كلها ، والجدال المراء والملاحاة .
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن طاوس قال : سألت ابن عباس عن قوله { فلا رفث } قال : الرفث الذي ذكر هنا ليس الرفث الذي ذكر في { أحل لكم ليلة الصيام الرفث } [ البقرة : 187 ] ذاك الجماع ، وهذا العراب بكلام العرب ، والتعريض بذكر النكاح .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي العالية قال : كنت أمشي مع ابن عباس وهو محرم وهو يرتجز بالإِبل ويقول :
وهن يمشين بنا هميساً ... إن صدق الطير ننك لميسا
فقلت : أترفث وأنت محرم؟ قال : إنما الرفث ما روجع به النساء .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر في الآية قال : الرفث الجماع ، والفسوق المعاصي ، والجدال السباب والمنازعة .
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط عن ابن عمر في قوله { فلا رفث } قال : غشيان النساء { ولا فسوق } قال : السباب { ولا جدال } قال : المراء .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر في الآية فقال : الرفث اتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم ، والفسوق اتيان معاصي الله في الحرم ، والجدال السباب ، والمراء والخصومات .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : كان ابن عمر يقول للحادي : لا تعرض بذكر النساء .
وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس أن عبد الله بن الزبير قال : إياكم والنساء فإن الاعراب من الرفث . قال طاوس : وأخبرت بذلك ابن عباس فقال : صدق ابن الزبير .
وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس . أنه كره الاعراب للمحرم قيل : وما الاعراب؟ قال : أن يقول لو أحللت قد أصبتك .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية قال : الرفث اتيان النساء ، والجدال تماري صاحبك حتى تغضبه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والشيرازي في الألقاب عن ابن عباس في الآية قال : الرفث الجماع ، والفسوق والمنابزة بالألقاب تقول لأخيك : يا ظالم يا فاسق ، والجدال أن تجادل صاحبك حتى تغضبه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد وعكرمة قالا : الرفث الجماع ، والفسوق المعاصي ، والجدال المراء .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك وعطاء .(1/440)
مثله .
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : الرفث اتيان النساء ، والفسوق السباب ، والجدال المماراة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال : الرفث الغشيان ، والفسوق السباب ، والجدال الاختلاف في الحج .
وأخرج الطبراني عن عبد الله بن الزبير في قوله { فلا رفث } قال : لا جماع { ولا فسوق } لا سباب { ولا جدال } لا مراء .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي في قوله { ولا جدال في الحج } قال : الجدال كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء : حجنا أتم من حجكم . وقال هؤلاء : حجنا أتم من حجكم .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { ولا جدال في الحج } قال : كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون كلهم يدعي أن موقفه موقف إبراهيم ، فقطعه الله حين أعلم نبيه بمناسكهم .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { ولا جدال في الحج } قال : « لا شبهة في الحج ولا شك في الحج قد بين وعلم وقته ، كانوا يحجون في ذي الحجة عامين وفي المحرم عامين ، ثم حجوا في صفر من أجل النسيء الذي نسأ لهم أبو يمامة حين وافقت حجة أبي بكر في ذي القعدة قبل حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم من قابل في ذي الحجة ، فذلك حين يقول : إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض » .
وأخرج سفيان بن عيينة وابن أبي شيبة عن مجاهد في قوله { ولا جدال في الحج } قال : صار الحج في ذي الحجة فلا شهر ينسىء .
وأخرج سفيان وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر » .
وأخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة . مثله .
وأخرج عبد بن حميد في مسنده عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قضى نسكه وقد سلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه » .
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما عمل أحبّ إلى الله من جهاد في سبيله ، وحجة مبرورة متقبلة لا رفث ولا فسوق ولا جدال » .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من عمل بين السماء والأرض بعد الجهاد في سبيل الله أفضل من حجة مبرورة ، لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال » .(1/441)
وأخرج الحاكم وصححه عن أسماء بنت أبي بكر قالت « خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجاً ، وكانت زاملتنا مع غلام أبي بكر ، فجلسنا ننتظر حتى تأتينا ، فاطلع الغلام يمشي ما معه بعيره فقال أبو بكر : أين بعيرك؟ قال : أضلني الليلة ، فقام أبو بكر يضربه ، ويقول : بعير واحد أضلك وأنت رجل؟ فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن تبسم وقال : انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع » .
وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال : لا ينظر المحرم في المرآة ولا يدعو على أحد ، وإن ظلمه .
وأما قوله تعالى : { وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب } .
أخرج عبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن المنذر وابن حبان والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزوّدون ، يقولون : نحن متوكلون ، ثم يقدمون فيسألون الناس ، فأنزل الله { وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان ناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة يقولون : نحج بيت الله ولا يطعمنا . فقال الله { وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى } ما يكف وجوهكم عن الناس .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال : كانوا إذا أحرموا ومعهم أزوادهم رموا بها واستأنفوا زاداً آخر ، فأنزل الله { وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى } فنهوا عن ذلك ، وأمروا أن يتزوّدوا الكعك والدقيق والسويق .
وأخرج الطبراني عن الزبير قال : كان الناس يتوكل بعضهم على بعض في الزاد ، فأمرهم الله أن يتزوّدوا فقال { وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى } . وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال : كان الناس من الأعراب يحجون بغير زاد ويقولون : نتوكل على الله ، فأنزل الله { وتزوّدوا . . . } الآية .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى } قال : كان أناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزوّدون ، فأمرهم الله بالزاد والنفقة في سبيل الله ، وأخبرهم أن خير الزاد التقوى .
وأخرج سفيان بن عيينة وابن أبي شيبة عن عكرمة في قوله { وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى } قال : كان أناس يقدمون مكة بغير زاد في أيام الحج ، فأمروا بالزاد .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير { وتزوّدوا } قال : السويق والدقيق والكعك .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير { وتزوّدوا } قال : الخشكناتج والسويق .
وأخرج سفيان بن عيينة عن سعيد بن جبير { وتزوّدوا } قال : هو الكعك والزيت .
وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الشعبي قال { وتزوّدوا } قال : الطعام التمر والسويق .(1/442)
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان قال « لما نزلت هذه الآية { وتزوّدوا } قام رجل من فقراء المسلمين فقال : يا رسول الله ما نجد زاداً نتزوّده . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تزوّد ما تكف به وجهك عن الناس ، وخير ما تزودتم به التقوى » .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سفيان قال : في قراءة عبد الله { وتزوّدوا وخير الزاد التقوى } .
وأخرج الطبراني عن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من يتزوّد في الدنيا ينفعه في الآخرة » .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن الزبير بن العوّام « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : العباد عباد الله والبلاد بلاد الله ، فحيث وجدت خيراً فأقم واتق الله » .
وأخرج أحمد والبغوي في معجمه والبيهقي في سننه والأصبهاني عن رجل من أهل البادية قال « أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله ، فكان فيما حفظت عنه أن قال : إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله إلا أعطاك الله خيراً منه » .
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب والترمذي وصححه وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال : تقوى الله وحسن الخلق ، وسئل ما أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال : الأجوفان : الفم والفرج » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن رجل من بني سليط قال « أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يظلمه ، التقوى ههنا التقوى ههنا وأومأ بيده إلى صدره » .
وأخرج الأصبهاني عن قتادة بن عياش قال « لما عقد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومي أتيته مودعاً له فقال : جعل الله التقوى زادك ، وغفر ذنبك ، ووجهك للخير حيث تكون » .
وأخرج الترمذي والحاكم عن أنس قال « جاء رجل فقال : يا رسول الله إني أريد سفراً فزوّدني ، فقال : زوّدك الله التقوى قال : زدني . قال : وغفر ذنبك . قال : زدني بأبي أنت وأمي . قال : ويسر لك الخير حيثما كنت » .
وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال « جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد سفراً فقال : أوصني . قال : أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف ، فلما مضى قال : اللهم ازو له الأرض ، وهوّن عليه السفر » .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي بكر الصديق . أنه قال في خطبته : الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، أكيس الكيس التقى ، وأنوك النوك الفجور .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن عمر بن الخطاب .(1/443)
أنه كتب إلى ابنه عبد الله : أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله ، فإنه من اتقاه وفاه ، ومن أقرضه جزاه ، ومن شكره زاده ، واجعل التقوى نصب عينيك ، وجلاء قلبك ، واعلم أنه لا عمل لمن لا نية له ، ولا أجر لمن لا حسنة له ، ولا مال لمن لا رفق له ، ولا جديد لمن لا خلق له .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال : سألت الحسن ما زين القرآن؟ قال : التقوى .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة قال : مكتوب في التوراة : ابن آدم اتق الله ونم حيث شئت .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن وهب بن منبه قال : الإِيمان عريان ولباسه التقوى ، وزينته الحياء ، وماله العفة .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن داود بن هلال قال : كان يقال : الذي يقيم به العبد وجهه عند الله التقوى ، ثم يتبعه الورع .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عروة قال : كتبت عائشة إلى معاوية . أما بعد فاتق الله فإنك إذا اتقيت الله كفاك الناس ، وإذا اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئاً .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي حازم قال : ترصدني أربعة عشر عدواً ، أما أربعة منها فشيطان يضلني ، ومؤمن يحسدني ، وكافر يقاتلني ، ومنافق يبغضني . وأما العشرة منها فالجوع ، والعطش ، والحر ، والبرد ، والعري ، والهرم ، والمرض ، والفقر ، والموت ، والنار ، ولا أطيقهن إلا بسلاح تام ، ولا أجد لهم سلاحاً أفضل من التقوى .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ابن أبي نجيح قال : قال سليمان بن داود عليهما السلام : أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يؤتوا ، وعلمنا مما علم الناس وما لم يعلموا ، فلم نجد شيئاً هو أفضل من تقوى الله في السر والعلانية ، والعدل في الرضا والغضب ، والقصد في الغنى والفقر .
وأخرج الأصبهاني عن زيد بن أسلم قال : كان يقال : من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا .(1/444)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)
أخرج سفيان وسعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية ، فتأثموا أن يتجروا في الموسم ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فنزلت { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم } في مواسم الحج .
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير عن ابن عباس قال : كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج ، ويقولون أيام ذكر الله ، فنزلت { ليس عليكم جناح . . . } الآية .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي من طريق عبيد بن عمير عن ابن عباس : في أوّل الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج ، فخافوا البيع وهم حرم ، فانزل الله ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج ) فحدث عبيد بن عمير أنه كان يقرأها في المصحف .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامة التميمي قال « قلت لابن عمر : إنا ناس نكتري فهل لنا من حج؟ قال : أليس تطوفون بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، وتأتون المعرف ، وترمون الجمار ، وتحلقون رؤوسكم؟ قلت : بلى . فقال ابن عمر : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه ، فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم } فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه الآية وقال : أنتم حجاج » .
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي الزبير . أنه قرأ « ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج } .
وأخرج وكيع وأبو عبيد في فضائله وابن أبي شيبة والبخاري وعبد بن حميد وابن جرير و ابن المنذر عن ابن عباس . أنه كان يقرأ { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج } .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن عطاء قال : نزلت » لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج « وفي قراءة ابن مسعود » في مواسم الحج فابتغوا حينئذ « .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ليس عليكم جناح } يقول : لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الاحرام وبعده .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد قال : كان ناس لا يتجرون أيام الحج ، فنزلت فيهم { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم } .(1/445)
وأخرج أبو داود عن مجاهد ، أن ابن عباس قرأ هذه الآية { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم } قال : كانوا لا يتجرون بمنى ، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات .
وأخرج سفيان بن عيينة وابن جرير عن مجاهد في قوله { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم } قال : التجارة في الدنيا والأجر في الآخرة .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال : كان ناس من أهل الجاهلية يسمون ليلة النفر ليلة الصدر ، وكانوا لا يعرجون على كسير ولا ضالة ولا لحاجة ولا يبتغون فيها تجارة ، فأحل الله ذلك كله للمؤمنين أن يعرجوا على حاجاتهم ويبتغوا من فضل الله .
أما قوله تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات } .
أخرج وكيع وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : إنما تسمى عرفات لأن جبريل كان يقول لإِبراهيم عليهما السلام : هذا موضع كذا ، وهذا موضع كذا . فيقول : قد عرفت قد عرفت ، فلذلك سميت عرفات .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال : إنما سميت عرفات لأنه قيل لإبراهيم حين أري المناسك عرفت .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن علي . مثله .
وأخرج الحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن المسور بن مخرمة قال « خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد - وكان إذا خطب قال أما بعد - فإن هذا اليوم الحج الأكبر ، ألا وأن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ههنا قبل أن تغيب الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها ، وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس ، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها ، وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس مخالفاً هدينا لهدي أهل الشرك » .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من أفاض من عرفات قبل الصبح فقد تم حجه ، ومن فاته فقد فاته الحج » . وأخرج البخاري عن ابن عباس قال : يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالاً حتى يهل بالحج ، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هديه من الإِبل أو البقر أو الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء ، وإن لم يتيسر له فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة ، فإذا كان آخر يوم من الأيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه ، ثم لينطلق حتى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى أن يكون الظلام ، ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعاً للذي يبيتون به ، ثم ليذكروا الله كثيراً وأكثروا التكبير والتهاليل قبل أن تصبحوا ، ثم أفيضوا فإن الناس كان يفيضون وقال الله(1/446)
{ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } [ البقرة : 199 ] حتى ترموا الجمرة .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبال عرفة إلى ملتقى وصيق ووادي عرفة .
وأخرج أبو داود وابن ماجة عن جابر بن عبد الله « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل عرفة موقف ، وكل منى منحر ، وكل المزدلفة موقف ، وكل فجاج مكة طريق ومنحر » .
وأخرج مسلم عن جابر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ، ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ، ووقفت ههنا وجمع كلها موقف » .
وأخرج أحمد عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « كل عرفات موقف وارفعوا عن عرفة وكل جمع موقف ، وارفعوا عن محسر وكل فجاج مكة منحر ، وكل أيام التشريق ذبح » .
وأخرج أبو داود والترمذي واللفظ له وصححه وابن ماجة عن علي قال : « وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال : هذه عرفة وهو الموقف وعرفة كلها موقف ، ثم أفاض حين غربت الشمس وأردف أسامة بن زيد ، وجعل يشير بيده على هينته والناس يضربون يميناً وشمالاً ، يلتفت إليهم يقول : يا أيها الناس عليكم السكينة . ثم أتى جمعاً فصلى بهم الصلاتين جميعاً ، فلما أصبح أتى قزح وقف عليه وقال : هذا قزح وهو الموقف وجمع كلها موقف ، ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر ففزع ناقته فخبب حتى جازوا الوادي فوقف وأردف الفضل ، أم أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال : هذا المنحر ومنى كلها منحر » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن يزيد بن شيبان قال : أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن وقوف بالموقف فقال : إني رسول رسول الله إليكم . يقول : كونوا على مشاعركم فإنكم على ارث من ارث إبراهيم .
وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال : أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وعليه السكينة ورديفه أسامة ، فقال : يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بايجاف الخيل والإِبل . قال : فما رأيتها رافعة يديها عادية حتى أتى جمعاً ، ثم أردف الفضل بن العباس فقال : أيها الناس إن البر ليس بايجاف الخيل والإِبل فعليكم بالسكينة . قال : فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى منى « .
وأخرج البخاري عن ابن عباس » أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجراً شديداً وضرباً للإِبل ، فأشار بسوطه إليهم وقال : يا أيها الناس عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس بالإِيضاع « .(1/447)
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال « إنما كان بدء الإِيضاع من أهل البادية ، كانوا يقفون حافتي الناس قد علقوا العقاب والعصي ، فإذا أفاضوا تقعقعوا ، فانفرت الناس فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن ظفري ناقته لا يمس الأرض حاركها ، وهو يقول : يا أيها الناس عليكم بالسكينة » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أسامة بن زيد « أنه سأل كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حين أفاض من عرفة؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفات قال : كان يسير العنق ، فإذا وجد فجوة نص » .
وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس ، فأقبل يكبر الله ويهلله ويعظمه ويمجده حتى انتهى إلى المزدلفة » .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفات وهو يقول : »
إليك تعدو قلقاً وضينها ... مخالفاً دين النصارى دينها
وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور عن عروة بن الزبير ، أن عمر بن الخطاب حين دفع من عرفة قال :
إليك تعدو قلقاً وضينها ... مخالفاً دين النصارى دينها
وأخرج عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبي بكر قال : رأيت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، وأبا سلمة بن سفيان ، واقفين على طرف بطن عرفة فوقفت معهما ، فلما دفع الإِمام دفعاً وقالا :
إليك تعدو قلقاً وضينها ... أمخالفاً دين النصارى دينها
يكثران من ذلك ، وزعم أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولها إذا دفع .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس « أن أسامة بن زيد كان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة ، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى ، فكلاهما قال : لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة » .
وأخرج مسلم عن أسامة بن زيد « أنه كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفة ، فلما جاء الشعب أناخ راحلته ثم ذهب إلى الغائط ، فلما رجع جئت إليه بالأداوه فتوضأ ، ثم ركب حتى أتى المزدلفة فجمع بها بين المغرب والعشاء » .
وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثاً ، والعشاء ركعتين ، باقامة واحدة .
أما قوله تعالى : { فاذكروا الله عند المشعر الحرام } .
أخرج وكيع وسفيان وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والأزرقي في تاريخ مكة والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو .(1/448)
أنه سئل عن المشعر الحرام ، فسكت حتى إذا هبطت أيدي الرواحل بالمزدلفة قال : هذا المشعر الحرام .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عمر قال : المشعر الحرام مزدلفة كلها .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عمر . أنه رأى الناس يزدحمون على قزح فقال : علام يزدحم هؤلاء؟ كل ما ههنا مشعر .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عمر في قوله { فاذكروا الله عند المشعر الحرام } قال : هو الجبل وما حوله .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس . مثله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : ما بين الجبلين اللذين بجمع مشعر .
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : ما بين جبلي مزدلفة فهو المشعر الحرام .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن الأسود قال : لم أجد أحداً يخبرني عن المشعر الحرام .
وأخرج مالك وابن جرير عن عبد الله بن الزبير قال : عرفة كلها موقف إلا بطن عُرَنة والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر .
وأخرج الأزرقي والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ارفعوا عن بطن عرنة ، وارفعوا عن بطن محسر » .
وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أين المزدلفة؟ قال : المزدلفة إذا أفضت من مأزمي عرفة فذلك إلى محسر ، وليس المأزمان مأزما عرفة من المزدلفة ولكن مفضاهما قال : قف بأيهما شئت وأحب إلي أن تقف دون قزح .
وأخرج الحاكم وصححه عن جابر . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين وقف بعرفة « هذا الموقف وكل عرفة موقف . وقال حين وقف على قزح : هذا الموقف وكل المزدلفة موقف » .
وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقف عند المشعر الحرام ، ويقف الناس يدعون الله ، ويكبرونه ، ويهللونه ، ويمجدونه ، ويعظمونه ، حتى يدفع إلى منى » .
وأخرج الأزرقي عن نافع قال : كان ابن عمر يقف بجمع كلما حج على قزح نفسه لا ينتهي حتى يتخلص عنه ، فيقف عليه الامام كلما حج .
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر . أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل ، فيذكرون الله ما بدا لهم ، ثم يدفعون قبل أن يقف الإِمام وقبل أن يدفع ، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك ، فإذا قدموا رموا الجمرة ، وكان ابن عمر يقول : رخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم .(1/449)
وأخرج أبو داود والطيالسي وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن ميمون قال : سمعت عمر بن الخطاب بجمع بعدما صلى الصبح ، وقف فقال : إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ، ويقولون : أشرق ثبير . وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل طلوع الشمس .
وأخرج الأزرقي عن كليب الجهني قال : « رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في حجته وقد دفع من عرفة إلى جمع ، والنار توقد بالمزدلفة وهو يؤمها حتى نزل قريباً منها .
وأخرج الأزرقي عن ابن عمر قال : كانت النار توقد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان .
وأخرج الأزرقي عن إسحق بن عبد الله بن خارجة عن أبيه قال : لما أفاض سليمان بن عبد الملك بن مروان من المأزمين نظر إلى النار التي على قزح فقال لخارجة بن زيد : يا أبا زيد من أوّل من صنع النار ههنا؟ قال خارجة : كانت في الجاهلية وضعها قريش ، وكانت لا تخرج من الحرم إلى عرفة وتقول : نحن أهل الله قال خارجة : فاخبرني رجال من قومي أنهم رأوها في الجاهلية وكانوا يحجون ، منهم حسان بن ثابت في عدة من قومي قالوا : كان قصي بن كلاب قد أوقد بالمزدلفة ناراً حيث وقف بها حتى يراها من دفع من عرفات .
وأخرج البخاري واللفظ له ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد قال : خرجت مع عبد الله إلى مكة ، ثم قدمنا جمعاً فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بآذان وإقامة والعشاء بينهما ، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر وقائل يقول : طلع الفجر ، وقائل يقول : لم يطلع الفجر ، ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال » إن هاتين الصلاتين حوّلتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء ، فلا يقدم الناس جمعاً حتى يعتموا ، وصلاة الفجر هذه الساعة « ثم وقف حتى اسفر ، ثم قال : لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة ، فما أدري أقوله كان أسرع أم دفع عثمان ، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر .
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن ابن الزبير قال : من سنة الحج أن يصلي الإِمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى ، ثم يغدو إلى عرفة فيقيل حيث قضى له ، حتى إذا زالت الشمس خطب الناس ثم صلى الظهر والعصر جميعاً ، ثم وقف بعرفات حتى تغيب الشمس ثم يفيض ، فإذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه عن عروة بن مضرس قال » أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بجمع فقلت : جئتك من جبل طيىء وقد أكلت مطيتي وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلى وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال : من صلى معنا هذه الصلاة في هذا المكان ، ثم وقف هذا الموقف حتى يفيض الإِمام ، وكان وقف قبل ذلك من عرفات ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه « .(1/450)
وأخرج الشافعي عن ابن عمر قال : من أدرك ليلة النحر من الحاج فوقف بجبل عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج ، ومن لم يدرك عرفة فيقف بها قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج ، فليأت البيت فليطف به سبعاً ، ويطوف بين الصفا والمروة سبعاً ، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء ، وإن كان معه هديه فلينحره قبل أن يحلق ، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله ، فإن أدركه الحج قابلاً فليحج إن استطاع وليهد بدنة ، فإن لم يجد هدياً فليصم عنه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله .
وأخرج مسلم والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد . أن عبد الله بن مسعود لبى حين أفاض من جمع فقال أعرابي : من هذا؟ قال عبد الله : انسي الناس أم ضلوا؟ سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المكان « لبيك اللهم لبيك » .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن الزبير في قوله { واذكروه كما هداكم } قال : ليس هذا بعام هذا لأهل البلد كانوا يفيضون من جمع ، ويفيض سائر الناس من عرفات ، فأبى الله لهم ذلك ، فأنزل الله { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } .
وأخرج عبد بن حميد عن سفيان { وإن كنتم من قبله } قال : من قبل القرآن .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { وإن كنتم من قبله لمن الضالين } قال : لمن الجاهلين .
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن جابر قال « رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول : لتأخذوا مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : « دخلنا على جابر بن عبد الله فقلت : أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج ، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل بمثل عمله ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، ثم ركب القصواء حتى استوت به ناقته على البيداء ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله ، فما عمل به من شيء عملنا به ، فأهل التوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، وأهل الناس بهذا الذي تهلون به ، فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً منه .(1/451)
ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته حتى أتينا البيت معه ، استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } فجعل المقام بينه وبين البيت ، فصلى ركعتين يقرأ فيهما بقل هو الله أحد ، وبقل يا أيها الكافرون ، ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ { إن الصفا والمروة من شعائر الله } [ البقرة : 158 ] فبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فكبر الله وحده وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك وقال : مثل هذا ثلاث مرات .
ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه رمل في بطن الوادي حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة ، فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا حتى إذا كان آخر الطواف على المروة قال : إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة ، فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي ، فلما كان يوم التروية وجهوا إلى منى أهلوا بالحج ، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت بنمرة .
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فاجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا غربت الشمس أمر بالقصواء فرحلت ، فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فقال : إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة وأول دم أضعه دم عثمان بن ربيعة بن الحرث بن المطلب ، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله ، اتقوا الله في النساء أخذتموهن بامانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف .(1/452)
وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ، وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت قال : اللهم اشهد ، ثم أذن بلال ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً ، ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل جبل المشاة بين يديه ، فاستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حين غاب القرص ، وأردف أسامة خلفه فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد شنق للقصواء الزمام حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله وهو يقول بيده اليمنى : السكينة أيها الناس كلما أتى جبلاً من الجبال أرخى لها قليلاً حتى صعد حتى أتى المزدلفة ، فجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً ، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر ، فصلى الفجر حين تبين له الصبح .
ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام ، فرقى عليه فاستقبل الكعبة فحمد الله وكبره وَوَحَّدَهُ ، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً ، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى محسراً ، فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى الذي تخرجك إلى الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها ، فرمى بطن الوادي ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنحر ، فنحر بيده ثلاثاً وستين ، وأمر علياً ما غبر وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت ، فأكلا من لحمها وشربا من مرقتها ثم ركب ، ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت فصلى بمكة الظهر ، ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ، فأدلوه دلواً فشرب منه « .(1/453)
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في سننه عن عائشة قالت : كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة ، وكانوا يسمون الحمس وكانت سائر العرب يقفون بعرفات ، فلما جاء الإِسلام أمر نبيه أن يأتي عرفات ثم يقفون بها ثم يفيض منها ، فذلك قوله { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } .
وأخرج البخاري ومسلم عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس والحمس قريش وما ولدت ، كانوا يطوفون عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثياباً ، فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء ، وكانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة ، وكان الناس كلهم يبلغون عرفات قال هشام : فحدثني أبي عن عائشة قال : كانت الحمس الذين أنزل الله فيهم { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } قالت : كان الناس يفيضون من عرفات وكان الحمس يفيضون من المزدلفة ، يقولون : لا نفيض إلا من الحرم . فلما نزلت { أفيضوا من حيث أفاض الناس } رجعوا إلى عرفات .
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت : قالت قريش : نحن قواطن البيت لا نجاوز الحرم فقال الله { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } .
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والطبراني عن جبير بن مطعم قال : أضللت بعيراً لي فذهبت أطلبه يوم عرفة ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً مع الناس بعرفة ، فقلت والله إن هذا لمن الحمس فما شأنه ههنا؟ وكانت قريش تعد من الحمس . وزاد الطبراني وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم : إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس حرمكم ، وكانوا لا يخرجون من الحرم .
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جبير بن مطعم قال : كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة ويقولن : نحن الحمس فلا نخرج من الحرم وقد تركوا الموقف على عرفة ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له ، ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم ، ثم يدفع إذا دفعوا .
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن جبير بن مطعم قال : « لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه وأنه لواقف على بعير له بعرفات مع الناس يدفع معهم منها ، وما ذاك إلا توفيق من الله » .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كانت العرب تقف بعرفة وكانت قريش دون ذلك بالمزدلفة ، فأنزل الله { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } .
وأخرج ابن المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت : كانت قريش يقفون بالمزدلفة ويقف الناس بعرفة إلا شيبة بن ربيعة ، فأنزل الله { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } .(1/454)
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : كانت قريش وكل ابن أخت لهم وحليف لا يفيضون مع الناس من عرفات أنما يفيضون من المغمس ، كانوا يقولون : إنما نحن أهل الله فلا نخرج من حرمه ، فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس ، وكانت سنة إبراهيم وإسمعيل الإِفاضة من عرفات .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { من حيث أفاض الناس } قال : إبراهيم .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } قال : عرفة ، كانت قريش تقول : إنما نحن حمس أهل الحرم لا يخلف الحرم المزدلفة ، أمروا أن يبلغوا عرفة .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال : كان الناس يقفون بعرفة إلا قريشاً وأحلافها وهي الحمس ، فقال بعضهم : لا تعظموا إلا الحرم فإنكم إن عظمتم غير الحرم أوشك أن تتهاونوا بحرمكم ، فقصروا عن مواقف الحق فوقفوا بجمع ، فأمرهم الله أن يفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات .
أما قوله تعالى : { واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } .
أخرج ابن جرير عن مجاهد قال : إذا كان يوم عرفة هبط الله إلى السماء الدنيا في الملائكة ، فيقول لهم : عبادي آمنوا بوعدي وصدقوا رسلي ما جزاؤهم؟ فيقال : أن يغفر لهم . فذلك قوله { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } .
وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة وابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي والحاكم عن عائشة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وأنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراده هؤلاء » .
وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم : انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً » .
وأخرج البزار وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي عن جابر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أفضل أيام الدنيا أيام العشر - يعني عشر ذي الحجة - قيل : وما مثلهن في سبيل الله؟ قال : ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب ، وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ، ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء ، فيقول : انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً ضاحين ، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ويستعيذون من عذابي ولم يروه ، فلم ير يوماً أكثر عتيقاً وعتيقة من النار منه » .
وأخرج أحمد والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص « أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة فيقول : انظروا عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين من كل فج عميق ، أشهدكم أني قد غفرت لهم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فما من يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة » .(1/455)
وأخرج مالك والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن طلحة بن عبيد الله بن كريز « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أحقر ولا ادحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة ، وما ذاك إلا مما يرى فيه من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر . قالوا : يا رسول الله وما الذي رأى يوم بدر؟ قال : رأى جبريل يزع الملائكة » .
وأخرج البيهقي عن الفضل بن عباس « أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ، وكان الفتى يلاحظ النساء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ببصره هكذا وصرفه ، وقال يا ابن أخي : هذا يوم من ملك فيه بصره إلا من حق ، وسمعه إلا من حق ، ولسانه إلا من حق ، غفر له » .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل قولي وقول الأنبياء قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير » .
وأخرج البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال « كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير » .
وأخرج الترمذي وابن خزيمة والبيهقي عن علي بن أبي طالب قال « كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة : اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيراً مما نقول : اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك رب تدآبي ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر ، اللهم إني أسألك من خير ما تجيء به الريح وأعوذ بك من شر ما تجيء به الريح » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من مسلم يقف عشية عرفة بالموقف فيستقبل القبلة بوجهه ، ثم يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة ، ثم يقرأ { قل هو الله أحد } [ الإِخلاص : 1 ] مائة مرة ، ثم يقول : اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وعلينا معهم مائة مرة إلا قال الله تعالى : يا ملائكتي ما جزاء عبدي هذا سبحني وهللني وكبرني وعظمني وعرفني وأثنى عليَّ وصلى على نبيي ، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له وشفعته في نفسه ، ولو سألني عبدي هذا لشفعته في أهل الموقف كلهم . قال البيهقي : هذا متن غريب ، وليس إسناده من ينسب إلى الوضع » .(1/456)
وأخرج البيهقي في الشعب عن بكير بن عتيق قال : حججت فتوسمت رجلاً أقتدي به إذا سالم بن عبد الله في الموقف يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله إلهاً واحداً ونحن له مسلمون ، لا إله إلا الله ولو كره المشركون ، لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأوّلين . فلم يزل يقول هذا حتى غابت الشمس ، ثم نظر إلي وقال : حدثني أبي عن جدي عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « يقول الله تبارك وتعالى : من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين » .
وأخرج ابن أبي شيبة والجندي في فضائل مكة عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، اللهم اجعل في سمعي نوراً ، وفي بصري نوراً ، وفي قلبي نوراً ، اللهم اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، وأعوذ بك من وسواس الصدور ، وتشتت الأمور ، وعذاب القبر ، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل ، وشر ما يلج في النهار ، وشر ما تهب به الرياح ، شر بوائق الدهر » .
وأخرج الجندي عن ابن جريج قال : بلغني أنه كان يؤمر أن يكون أكثر دعاء المسلم في الموقف : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي وابن أبي عاصم والطبراني معاً في الدعاء والبيهقي في الدعوات عن عبد الله بن مسعود قال « ما من عبد ولا أمة دعا الله ليلة عرفة بهذه الدعوات - وهي عشر كلمات - ألف مرة إلا ولم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه إلا قطيعة رحم أو اثماً . سبحان الذي في السماء عرشه ، سبحان الذي في الأرض موطنه ، سبحان الذي في البحر سبيلة ، سبحان الذي في النار سلطانه ، سبحان الذي في الجنة رحمته ، سبحان الذي في القبور قضاؤه ، سبحان الذي في الهواء روحه ، سبحان الذي رفع السماء ، سبحان الذي وضع الأرض ، سبحان الذي لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه .(1/457)
قيل له : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم « .
وأخرج ابن أبي شيبة عن صدقة بن يسار قال : سألت مجاهداً عن قراءة القرآن أفضل يوم عرفة أم الذكر؟ قال : لا بل قراءة القرآن .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي عن علي بن أبي طالب أنه قال وهو بعرفات : لا أدع هذا الموقف ما وجدت إليه سبيلاً ، لأنه ليس في الأرض يوم أكثر عتقاً للرقاب فيه من يوم عرفة ، فأكثروا في ذلك اليوم من قول : اللهم اعتق رقبتي من النار ، وأوسع لي في الرزق ، واصرف عني فسقة الجن والإِنس ، فإنه عامة ما أدعوك به .
وأخرج الطبراني في الدعاء عن ابن عباس قال : كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة » اللهم أنك ترى مكاني ، وتسمع كلامي ، وتعلم سري وعلانيتي ، ولا يخفى عليك شيء من أمري ، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه ، أسألك مسألة المساكين ، وابتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ، وادعوك دعاء الخائف المضرور من خضعت لك رقبته ، وفاضت لك عيناه ، ونحل لك جسده ورغم أنفه ، اللهم لا تجعلني بدعائك شقياً ، وكن بي رؤوفاً رحيماً يا خير المسؤولين ويا خير المعطين « .
وأخرج الطبراني في الدعاء عن ابن عمر . أنه كان يرفع صوته عشية عرفة يقول : اللهم اهدنا بالهدي ، وزينا بالتقوى ، واغفر لنا في الآخرة والأولى ، ثم يخفض صوته بقوله : اللهم إني أسألك من فضلك رزقاً طيباً مباركاً ، اللهم إني أمرت بالدعاء وقضيت على نفسك بالإِجابة ، وإنك لا تخلف وعدك ولا تنكث عهدك ، اللهم ما أحببت من خير فحببه إلينا ويسره لنا ، وما كرهت من شر فكرهه إلينا وجنبناه ، ولا تنزع منا الإِسلام بعد إذ أعطيتناه .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو ذر الهروي في المناسك عن أبي مجلز قال : شهدت ابن عمر بالموقف بعرفات ، فسمعته يقول : الله أكبر ولله الحمد ثلاث مرات ، ثم يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مرة واحدة ، ثم يقول : اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً ويسكت قدر ما يقرأ فاتحة الكتاب ، ثم يعود فيقول مثل ذلك حتى أفاض .
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي سليمان الداراني عن عبد الله بن أحمد بن عطية قال : سئل علي بن أبي طالب عن الوقوف بالجبل ولِمَ لم يكن في الحرم؟ قال : لأن الكعبة بيت الله والحرم باب الله ، فلما قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرعون . قيل : يا أمير المؤمنين فالوقوف بالمشعر؟ قال : لأنه لما أذن لهم بالدخول وقفهم بالحجاب الثاني وهو المزدلفة ، فلما أن طال تضرعهم أذن لهم بتقريب قربانهم بمنى ، فلما أن قضوا تفثهم وقربوا قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت لهم أذن لهم بالوفادة إليه على الطهارة .(1/458)
قيل : يا أمير المؤمنين فمن أين حرم صيام أيام التشريق؟ قال : لأن القوم زوار الله وهم في ضيافته ، ولا يجوز للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه . قيل : يا أمير المؤمنين فتعلق الرجل بأستار الكعبة لأي معنى هو؟ قال : مثل الرجل بينه وبين سيده جناية فتعلق بثوبه وتنصل إليه وتحدى له ليهب له جنايته .
وأخرج ابن زنجويه والأزرقي والجندي ومسدد والبزار في مسنديهما وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أنس بن مالك قال : « كنت قاعداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف أتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف ، فسلما عليه ثم قالا : يا رسول الله جئنا نسألك . قال : إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه ، وإن شئتما سألتماني . قال : أخبرنا يا رسول الله نزداد إيماناً ويقيناً! قال للأنصاري : جئت تسأل عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه ، وعن طوافك وما لك فيه ، وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما ، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه ، وعن وقوفك بعرفة وما لك فيه ، وعن رميك الجمار وما لك فيه ، وعن طوافك بالبيت وما لك فيه ، يعني الإِفاضة . قال : والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأسألك عن ذلك .
وقال : أما مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن ناقتك لا ترفع خفاً ولا تضعه إلا كتب الله لك به حسنة ومحا به عنك خطيئة ، وأما طوافك بالبيت فإنك لا ترفع قدماً ولا تضعها إلا كتب الله لك بها حسنة ومحا عنك بها خطيئة ورفع لك بها درجة ، وأما ركعتاك بعد طوافك فكعتق رقبة من بني إسمعيل ، وأما طوافك بين الصفا والمروة فكعتق سبعين رقبة ، وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله تعالى يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة ، ويقول : انظروا إلى عبادي جاؤوني من كل فج عميق شعثاً غبراً يرجون رحمتي ومغفرتي ، فلو كانت ذنوبهم مثل الرمل ، وعدد القطر ، ومثل زبد البحر ، ومثل نجوم السماء ، لغفرتها لهم ويقول : أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم فيه ، وأما رميك الجمار فإن الله يغفر لك بكل حصاة رميتها كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات ، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك ، وأما طوافك بالبيت - يعني الافاضة - فإنك تطوف ولا ذنب عليك ، ويأتيك ملك فيضع يده بين كتفيك ويقول : اعمل لما بقي فقد كفيت ما مضى » .
وأخرج البزار والطبراني وابن حبان عن ابن عمر قال « كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد منى ، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف ، فسلما ثم قالا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم جئناك نسألك فقال : إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه فعلت ، وإن شئتما أن أمسك وتسألاني فعلت . فقالا : أخبرنا يا رسول الله! فقال الثقفي للأنصاري : سل . فقال : اخبرني يا رسول الله . فقال : جئتني تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام وما لك فيه ، وعن ركعتيك بعد الطواف وما لك فيهما ، وعن طوافك بين الصفا والمروة وما لك فيه ، وعن وقوفك عشية عرفة وما لك فيه ، وعن رميك الجمار وما لك فيه ، وعن نحرك وما لك فيه مع الإِفاضة . فقال : والذي بعثك بالحق لعن هذا جئت أسألك .
قال : فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لا تضع ناقتك خفاً ولا ترفعه إلا كتب لك به حسنة ومحى عنك خطيئة ، وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسمعيل ، وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة ، وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة ، فيقول : عبادي جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون جنتي ، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل ، أو كقطر المطر ، أو كزبد البحر لغفرتها ، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم له ، وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات ، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة ويمحى عنك بها خطيئة ، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك ، يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيك فيقول : اعمل فيما يستقبل فقد غفر لك ما مضى » .(1/459)
وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فقال : « أيها الناس إن الله تطوّل عليكم في مقامكم هذا ، فقبل من محسنكم وأعطى محسنكم ما سأل ، ووهب مسيئكم لمحسنكم إلا التبعات فيما بينكم ، أفيضوا على اسم الله .
فلما كان غداة جمع قال : أيها الناس إن الله قد تطوّل عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنكم ، ووهب مسيئكم لمحسنكم ، والتبعات بينكم عوضها من عنده أفيضوا على اسم الله فقال أصحابه : يا رسول الله أفضت بنا الأمس كئيباً حزيناً ، وأفضت بنا اليوم فرحاً مسروراً؟ فقال : إني سألت ربي بالأمس شيئاً لم يجد لي به سألته التبعات فأبى علي ، فلما كان اليوم أتاني جبريل فقال : إن ربك يقرئك السلام ويقول ضمنت التبعات وعوّضتها من عندي » .
وأخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة « أيها الناس إن الله تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم ، ووهب مسيئكم لمحسنكم ، وأعطى محسنكم ما سأل فادفعوا باسم الله ، فلما كان بجمع قال : إن الله قد غفر لصالحيكم ، وشفع لصالحيكم في طالحيكم ، تنزل الرحمة فتعمهم ، ثم يفرق المغفرة في الأرض فيقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده ، وإبليس وجنوده بالويل والثبور » .(1/460)
وأخرج ابن ماجة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير والطبراني والبيهقي في سننه والضياء المقدسي في المختارة عن العباس بن مرداس السلمي « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء ، فأوحى الله إليه : إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضاً ، وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها . فقال : يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيراً من مظلمته وتغفر لهذا الظالم . فلم يجبه تلك العشية ، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء ، فأجابه الله أني قد غفرت لهم . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أصحابه؟ قال : تبسمت من عدوّ الله إبليس ، إنه لما علم أن الله قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور ، ويحثو التراب على رأسه » .
وأخرج ابن أبي الدنيا في الأضاحي وأبو يعلى عن أنس « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله تطوّل على أهل عرفات يباهي بهم الملائكة ، فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق ، فاشهدكم أني قد أجبت دعاءهم ، وشفعت رغبتهم ، ووهبت مسيئهم لمحسنهم ، وأعطيت لمحسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم ، فإذا أفاض القوم إلى جمع ووقفوا وعادوا في الرغبة والطلب إلى الله ، فيقول : يا ملائكتي عبادي وقفوا فعادوا في الرغبة والطلب ، فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم ، وشفعت رغبتهم ، ووهبت مسيئهم لمحسنهم ، وأعطيت محسنيهم جميع ما سألوني ، وكفلت عنهم التبعات التي بينهم » .
وأخرج ابن المبارك عن أنس بن مالك قال « وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال : يا بلال أنصت لي الناس . فقام بلال فقال : انصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فنصت الناس فقال : يا معاشر الناس أتاني جبريل آنفاً فأقرأني من ربي السلام وقال : إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات ، وأهل المشعر ، وضمن عنهم التبعات . فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال : هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة . فقال عمر بن الخطاب : كثر خير الله وطاب » .
وأخرج ابن ماجة عن بلال بن رباح « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له غداة جمع : أنصت الناس . ثم قال : إن الله تطاول عليكم في جمعكم هذا ، فوهب مسيئكم لمحسنكم ، وأعطى محسنكم ما سأل ، ادفعوا باسم الله » .(1/461)
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما عائدان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه ، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أم الفضل بنت الحرث « أن ناساً اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم : هو صائم . وقال بعضهم : ليس بصائم . فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه » .
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن أبي الدنيا في الأضاحي والحاكم وصححه عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة » .
وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي نجيح قال : سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة فقال : حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ، ومع عمر فلم يصمه ، ومع عثمان فلم يصمه ، وأنا لا أصومه ، ولا آمر به ، ولا أنهى عنه .
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي قتادة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده » .
وأخرج مالك في الموطأ من طريق القاسم بن محمد عن عائشة . أنها كانت تصوم يوم عرفة قال القاسم : ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع الإِمام وتقف حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض ، ثم تدعو بالشراب فتفطر .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عائشة قالت : ما من يوم من السنة أصومه أحب إليّ من يوم عرفة .
وأخرج البيهقي عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم » .
وأخرج البيهقي عن مسروق أنه دخل على عائشة يوم عرفة فقال : اسقوني . فقالت عائشة « وما أنت يا مسروق بصائم . فقال : لا ، إني أتخوّف أن يكون يوم أضحى . فقالت عائشة : ليس كذلك يوم عرفة ، يوم يعرف الإِمام ، ويوم النحر يوم ينحر الإِمام ، أو ما سمعت يا مسروق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدله بصوم ألف يوم »؟ .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي والبيهقي عن أنس بن مالك قال : كان يقال في أيام العشر : بكل يوم ألف يوم ، ويوم عرفة عشرة آلاف يوم ، يعني في الفضل .
وأخرج البيهقي عن الفضل بن عبّاس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من حفظ لسانه وسمعه وبصره يوم عرفة غفر له من عرفة إلى عرفة » .(1/462)
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال « كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن أخي أن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له » .
وأخرج المروزي في كتاب العيدين عن محمد بن عباد المخزومي قال : لا يستشهد مؤمن حتى يكتب اسمه عشية عرفة فيمن يستشهد .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في الأضاحي والمروزي عن إبراهيم . أنه سئل عن التعريف بالأمصار فقال : إنما التعريف بعرفات .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي عوانة قال : رأيت الحسن البصري يوم عرفة بعد العصر جلس ، فذكر الله ودعا واجتمع إليه الناس .
وأخرج المروزي عن مبارك قال : رأيت الحسن ، وبكر بن عبد الله ، وثابتاً البناني ومحمد بن واسع ، وغيلان بن جرير ، يشهدون عرفة بالبصرة .
وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي عن موسى بن أبي عائشة قال : رأيت عمرو بن حريث في المسجد يوم عرفة والناس مجتمعون إليه .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والمروزي عن الحسن قال : إن أول من عرف البصرة ابن عباس .
وأخرج المروزي عن الحكم قال : أول من فعل ذلك بالكوفة مصعب بن الزبير .
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن أبي الدنيا في الأضاحي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإِسلام ، وهن أيام أكل وشرب » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن جابر بن عبد الله قال « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة الغداة يوم عرفة وسلم جثا على ركبتيه فقال : الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، إلى آخر أيام التشريق يكبر في العصر » .
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي من طريق أبي الطفيل عن علي وعمار « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم ويقنت في الفجر ، وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة ، ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والمروزي في العيدين والحاكم عن عبيد بن عمير قال : كان عمر يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة الظهر أو العصر من آخر أيام التشريق .
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن شقيق قال : كان يكبر بعد الفجر غداة عرفة ، ثم لا يقطع حتى يصلي العصر من آخر أيام التشريق .
وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي والحاكم عن ابن عباس : أنه كان يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والحاكم عن عمير بن سعد قال : قدم علينا ابن مسعود ، فكان يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه كان يقول : من يصحبني منكم من ذكر أو انثى فلا يصومن يوم عرفة ، فإنه يوم أكل وشرب وتكبير .(1/463)
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)
أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء { فإذا قضيتم مناسككم } قال : حجكم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { فإذا قضيتم مناسككم } قال : حجكم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { فإذا قضيتم مناسككم } قال : اهراقه الدماء { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } قال : تفاخر العرب بينها بفعال آبائها يوم النحر حين يفزعون ، فامروا بذكر الله مكان ذلك .
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال : كان المشركون يجلسون في الحج فيذكرون أيام آبائهم وما يعدون من أنسابهم يومهم أجمع ، فأنزل الله على رسوله في الإِسلام { فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً } .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم يقول الرجل منهم : كان أبي يطعم ويحمل الحملات ويحمل الديات ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم ، فأنزل الله { فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً } .
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عبد الله بن الزبير قال : كانوا إذا فزعوا من حجهم تفاخروا بالآباء ، فأنزل الله { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : كانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا عند الجمرة فذكروا آباءهم وذكروا أيامهم في الجاهلية وفعال آبائهم ، فنزلت هذه الآية .
وأخرج الفاكهي عن أنس قال : كانوا في الجاهلية يذكرون آباءهم فيقول أحدهم ، كان أبي يطعم الطعام . ويقول الآخر : كان أبي يضرب بالسيف . ويقول الآخر : كان أبي يجز النواصي . فنزلت { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } .
وأخرج وكيع وابن جرير عن سعيد بن جبير وعكرمة قالا : كانوا يذكرون فعل آبائهم في الجاهلية إذا وقفوا بعرفة ، فنزلت { فاذكروا الله كذكركم آباءكم } .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن عطاء قال : كان أهل الجاهلية إذا نزلوا منى تفاخروا بآبائهم ومجالسهم ، فقال هذا : فعل أبي كذا وكذا . وقال هذا : فعل أبي كذا وكذا . فذلك قوله { فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح في قوله { فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً } قال : هو قول الصبي أوّل ما يفصح في الكلام أباه وأمه .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس . أنه قيل له : قول الله { كذكركم آباءكم } أن الرجل ليأتي عليه اليوم وما يذكر أباه ، قال : إنه ليس بذاك ولكن يقول : تغضب لله إذا عصي أشد من غضبك إذا ذكر والديك بسوء .
أما قوله تعالى : { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا } الآيات .
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون : اللهم اجعله عام غيث ، وعام خصب ، وعام ولاد حسن ولا يذكرون من أمر الآخرة شيئاً ، فأنزل فيهم { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } ويجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } فأنزل الله فيهم { أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب } .(1/464)
وأخرج الطبراني عن عبد الله بن الزبير قال : كان الناس في الجاهلية إذا وقفوا عند المشعر الحرام دعوا فقال أحدهم : اللهم ارزقني ابلاً . وقال الآخر : اللهم ارزقني غنماً ، فأنزل الله { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا } إلى قوله { سريع الحساب } .
وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك في قوله { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا } قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون : اللهم اسقنا المطر ، وأعطنا على عدونا الظفر ، وردنا صالحين إلى صالحين .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : كانوا يقولون : ربنا آتنا رزقاً ونصراً ، ولا يسألون لآخرتهم شيئاً فنزلت .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأبو يعلى عن أنس قال كان أكثر دعوة يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم « اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار » .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن حبان وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غادر رجلاً من المسلمين قد صار مثل الفرخ المنتوف ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل كنت تدعو الله بشيء؟ قال : نعم ، كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله . ! إذن لا تطيق ذلك ولا تستطيعه ، فهلا قلت ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؟ ودعا له فشفاه الله » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب وابن أبي حاتم عن أنس . أن ثابتاً قال له : إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم . فقال : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . فأعاد عليه فقال : تريدون أن أشقق لكم الأمور إذا أتاكم الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقاكم عذاب النار ، فقد آتاكم الخير كله .
وأخرج الشافعي وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن السائب . أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين الركن اليماني والحجر(1/465)
« ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار » .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما مررت على الركن إلا رأيت عليه ملكاً يقول آمين ، فإذا مررتم عليه فقولوا : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار » .
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن ابن عباس . أن ملكاً موكلاً بالركن اليماني منذ خلق الله السموات والأرض يقول : آمين آمين . فقولوا : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
وأخرج ابن ماجة والجندي في فضائل مكة عن عطاء بن أبي رباح سئل عن الركن اليماني وهو في الطواف فقال : حدثني أبو هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وكل به سبعون ملكاً فمن قال : اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . قال : آمين » .
وأخرج الأزرقي عن ابن أبي نجيح قال : كان أكثر كلام عمر وعبد الرحمن بن عوف في الطواف : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن حبيب بن صهبان الكاهلي قال : كنت أطوف بالبيت وعمر بن الخطاب يطوف ما له إلا قوله : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، ما له هجيري غيرها .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة . أنه كان يستحب أن يقال في أيام التشريق : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : ينبغي لكل من نفر أن يقول حين ينفر متوجهاً إلى أهله : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : كانوا أصنافاً ثلاثة في تلك المواطن يومئذ : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمؤمنون ، وأهل الكفر ، وأهل النفاق { فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق } إنما حجوا للدنيا والمسألة لا يريدون الآخرة ولا يؤمنون بها { ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } والصنف الثالث { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } [ البقرة : 204 ] .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن أنس قال « جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال : تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ، ثم أتاه من الغد فقال : يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال : تسأل ربك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ، ثم أتاه من الغد فقال : يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال : تسأل ربك العفو والعافية ، ثم أتاه من اليوم الرابع فقال : يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال : تسأل ربك العفو والعافية ، في الدنيا والآخرة ، فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ثم أعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت » .(1/466)
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } قال : عافية { وفي الآخرة حسنة } قال : عافية .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والذهبي في فضل العلم والبيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن في قوله { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } قال : الحسنة في الدنيا العلم والعبادة ، وفي الآخرة الجنة .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : حسنة الدنيا المال ، وحسنة الآخرة الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } قال : الرزق الطيب ، والعلم النافع .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في الآية قال : المرأة الصالحة من الحسنات .
وأخرج ابن المنذر عن سالم بن عبد الله بن عمر { ربنا آتنا في الدنيا حسنة } قال : الثناء .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء { أولئك لهم نصيب مما كسبوا } قال : مما عملوا من الخير .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد { والله سريع الحساب } قال : سريع الإِحصاء .
وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس ، إن رجلاً قال له : إني أجرت نفسي من قومي على أن يحملوني ، ووضعت لهم من أجرتي على أن يدعوني أحج معهم ، أفيجزىء ذلك عني؟ قال : أنت من الذين قال الله { أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب } .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سفيان قال : أصحاب عبد الله يقرأونها { أولئك لهم نصيب مما اكتسبوا } .(1/467)
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)
أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال : الأيام المعدودات ثلاثة أيام : يوم الأضحى ، ويومان بعده ، إذبح في أيها شئت ، وأفضلها أولها .
وأخرج الفريابي وابن أبي الدنيا وابن المنذر عن ابن عمر في قوله { واذكروا الله في أيام معدودات } قال : ثلاثة أيام ، أيام التشريق . وفي لفظ : هي الثلاثة الأيام بعد يوم النحر .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والمروزي في العيدين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة من طرق عن ابن عباس قال : الأيام المعلومات أيام العشر ، والأيام المعدودات أيام التشريق .
وأخرج الطبراني عن عبدالله بن الزبير { واذكروا الله في أيام معدودات } قال : هن أيام التشريق يذكر الله فيهن بتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد .
وأخرج ابن أبي الدنيا والمحاملي في أماليه والبيهقي عن مجاهد قال : الأيام المعلومات العشر ، والأيام المعدودات أيام التشريق .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الأيام المعدودات أربعة أيام : يوم النحر ، وثلاثة أيام بعده .
وأخرج المروزي عن يحيى بن كثير في قوله { واذكروا الله في أيام معدودات } قال : هو التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر . أنه كان يكبر تلك الأيام بمنى ويقول : التكبير واجب ، ويتأوّل هذه الآية { واذكروا الله في أيام معدودات } .
وأخرج المروزي وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عمرو بن دينار قال : رأيت ابن عباس يكبر يوم النحر ويتلو { واذكروا الله في أيام معدودات } .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { واذكروا الله في أيام معدودات } قال : التكبير أيام التشريق ، يقول في دبر كل صلاة : الله أكبر الله أكبر الله أكبر .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر . أنه كان يكبر ثلاثاً ثلاثاً وراء الصلوات بمنى : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
وأخرج المروزي عن الزهري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر أيام التشريق كلها .
وأخرج سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : « سمعت ابن عباس يكبر يوم الصدر ويأمر من حوله أن يكبر ، فلا أدري تأوّل قوله تعالى { واذكروا الله في أيام معدودات } أو قوله { فإذا قضيتم مناسككم } الآية » .
وأخرج مالك عن يحيى بن سعيد ، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج الغد من يوم النحر بمنى حتى ارتفع النهار شيئاً ، فكبر وكبر الناس بتكبيره حتى بلغ تكبيرهم البيت ، ثم خرج الثالثة من يومه ذلك حين زاغت الشمس ، فكبر وكبر الناس بتكبيره ، فعرف أن عمر قد خرج يرمي .(1/468)
وأخرج البيهقي في سننه عن سالم بن عبد الله بن عمر « أنه رمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة الله أكبر الله أكبر ، اللهم اجعله حجاً مبروراً ، وذنباً مغفوراً ، وعملاً مشكوراً ، وقال : حدثني أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كلما رمى بحصاة يقول مثل ما قلت » .
وأخرج البخاري والنسائي وابن ماجة عن ابن عمر « أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على كل حصاة ثم يتقدم حتى يسهل ، فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلاً ويدعو ، ويرفع يديه ويقوم طويلاً ، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ، ولا يقف عندها ، ثم ينصرف ويقول : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله » .
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت « أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ، ثم رجع فمكث بمنى ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس ، كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ويقف عند الأولى وعند الثانية ، فيطيل القيام ويتضرع ، ثم يرمي الثالثة ولا يقف عندها » .
وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة « هات القط لي حصيات من حصى الخذف ، فلما وضعن في يده قال : بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين ، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين » .
وأخرج الحاكم عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً » .
وأخرج الأزرقي عن ابن الكلبي قال : إنما سميت الجمار جمار لأن آدم كان يرمي إبليس فيتجمر بين يديه ، والإِجمار الإِسراع .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري قال : ما يقبل من حصى الجمار رفع .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الطفيل قال : قلت لابن عباس : رمى الناس في الجاهلية والإِسلام . فقال : ما تقبل منه رفع ، ولولا ذلك كان أعظم من ثبير .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس أنه سئل هذه الجمار ترمى في الجاهلية والإِسلام ، كيف لا تكون هضاباً تسد الطريق؟ فقال : إن الله وكل بها ، ملكاً فما يقبل منه رفع ولم يقبل منه ترك .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : والله ما قبل الله من امرىء حجه إلا رفع حصاه .
وأخرج الأزرقي عن ابن عمر أنه قيل له : ما كنا نتراءى في الجاهلية من الحصى والمسلمون اليوم أكثر ، إنه لضحضاح؟ فقال : إنه - والله - ما قبل الله من امرىء حجه إلا رفع حصاه .
وأخرج الأزرقي عن سعيد بن جبير قال : إنما الحصى قربان فما يقبل منه رفع ، وما لم يتقبل منه فهو الذي يبقى .(1/469)
وأخرج الطبراني في الأوسط والدارقطني والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال « قلنا : يا رسول الله هذه الأحجار التي يرمى بها كل سنة فنحسب أنها تنقص! . . . قال : ما يقبل منها يرفع ، ولولا ذلك لرأيتموها مثل الجبال » .
وأخرج الطبراني عن ابن عمر أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن رمي الجمار وما لنا فيه؟ فسمعته يقول : « تجد ذلك عند ربك أحوج ما تكون إليه » .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس . أنه سئل عن منى وضيقه في غير الحج فقال : إن منى تتسع بأهلها كما يتسع الرحم للولد .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مثل منى كالرحم هي ضيقة ، فإذا حملت وسعها الله » .
وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : إنما سميت منى منى لأن جبريل حين أراد أن يفارق آدم قال له : تمن . قال : أتمنى الجنة ، فسميت منى لأنها منية آدم « .
وأخرج الأزرقي عن عمر بن مطرف قال : إنما سميت منى لما يمنى بها من الدماء .
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت » قيل : يا رسول الله ألا نبني لك بناء يظلك؟ قال : لا ، منى مناخ من سبق « .
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ونحن بمنى : » لو يعلم أهل الجمع بمن حلوا لاستبشروا بالفضل بعد المغفرة « .
وأخرج مسلم والنسائي عن نبيشة الهدبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله « .
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى ، لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى « .
وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت : » نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق ، وقال : هي أيام أكل وشرب وذكر الله « .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي الشعثاء قال : » دخلنا على ابن عمر في اليوم الأوسط من أيام التشريق ، فأتى بطعام فتنحى ابن له فقال : ادن فاطعم قال : إني صائم . قال : أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « هذه أيام طعم وذكر »
وأخرج الحاكم وصححه عن مسعود بن الحكم الزرقي عن أمه أنها حدثته قالت « كأني أنظر إلى عليّ على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء في شعب الأنصار ، وهو يقول : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنها ليست أيام صيام ، إنها أيام أكل وشرب وذكر » .(1/470)
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر بن خلدة الأنصاري عن أمه قالت « بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً أيام التشريق ينادي : إنها أيام أكل وشرب وبعال » .
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجة عن بشر بن شحيم « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أيام التشريق فقال : لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب » .
وأخرج مسلم عن كعب بن مالك « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق ، فنادى : أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، وأيام منى أيام أكل وشرب » .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وابن أبي الدنيا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أيام منى أيام أكل وشرب » .
وأخرج أبو داود وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه عن أبي مرة مولى أم هانىء ، أنه دخل مع عبد الله على أبيه عمرو بن العاص ، فقرب إليهما طعاماً فقال : كل ، فقال : إني صائم . قال عمرو : كل فهذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بإفطارها وينهانا عن صيامها . قال مالك : وهن أيام التشريق .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام ستة أيام من السنة : يوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وأيام التشريق ، واليوم الذي يشك فيه من رمضان » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الله بن عمر « أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام التشريق ، وقال : إنها أيام أكل وشرب » .
وأخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة أنه سئل عن أيام التشريق ، لأي شيء سميت التشريق؟ فقال : كانوا يشرقون لحوم ضحاياهم وبدنهم ، يشرقون القديد .
أما قوله تعالى : { فمن تعجل في يومين } الآية .
أخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } قال : في تعجيله { ومن تأخر فلا إثم عليه } في تأخيره .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } قال : فلا ذنب له { ومن تأخر فلا إثم عليه } قال : فلا حرج عليه لمن اتقى . يقول : اتقى معاصي الله .
وأخرج الفريابي وابن جرير عن ابن عمر قال : أحلَّ النفر في يومين لمن اتقى .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : من غابت له الشمس في اليوم الذي قال الله فيه { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } وهو منى ، فلا ينفرن حتى يرمى الجمار من الغد .(1/471)
وأخرج سفيان بن عيينة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لمن اتقى } قال : لمن اتقى الصيد وهو محرم .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : هي في مصحف عبد الله ( لمن اتقى الله ) .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عبد الله بن يعمر الديلمي « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بعرفة وأتاه أناس من أهل مكة فقالوا : يا رسول الله كيف الحج؟ فقال : الحج عرفات ، الحج عرفات ، فمن أدرك ليلة جمع قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك أيام منى ثلاثة أيام { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } ثم أردف رجلاً خلفه ينادي بهن » .
وأخرج ابن جرير عن علي في قوله { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } قال : غفر له { ومن تأخر فلا إثم عليه } قال : غفر له .
وأخرج وكيع والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } قال : مغفور له { ومن تأخر فلا إثم عليه } قال : مغفور له .
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال : من تعجل في يومين غفر له ، ومن تأخر إلى ثلاثة أيام غفر له .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } قال : رجع مغفوراً له .
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في الآية قال : رخص الله أن ينفروا في يومين إن شاؤوا ، ومن تأخر إلى اليوم الثالث فلا إثم عليه لمن اتقى . قال قتادة : يرون أنها مغفورة له .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن مجاهد { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } قال : إلى قابل { ومن تأخر فلا إثم عليه } قال : إلى قابل .
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال : لا والذي نفس الضحاك بيده إن نزلت هذه الآية { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } في الإِقامة والظعن ، ولكنه برئ من الذنوب .
وأخرج سفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن مسعود { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } قال : خرج من الإِثم كله { ومن تأخر فلا إثم عليه } قال : برىء من الإِثم كله .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله { لمن اتقى } قال : لمن اتقى في حجه . قال قتادة : وذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول : من اتقى في حجه غفر له ما تقدم من ذنبه .(1/472)
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال : كانت امرأة من المهاجرات تحج ، فإذا رجعت مرت على عمر فيقول لها : أتقيت؟ فتقول : نعم . فيقول لها : استأنفي العمل .
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد . أن عمر قال لقوم حجاج : أنهزكم إليه غيره؟ قالوا : لا . قال : أتقيتم؟ قالوا : نعم . قال : أما لا فاستأنفوا العمل .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } قال : قد غفر له إنهم يتأولونها على غير تأويلها ، إن العمرة لتكفر ما معها من الذنوب ، فكيف بالحج؟! .
وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن معاوية بن مرة المزني { فلا إثم عليه } قال : خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال : إنما جعل الله هذه المناسك ليكفر بها خطايا بني آدم .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله { فلا إثم عليه لمن اتقى } قال : ذهب إثمه كله إن اتقى فيما بقي من عمره .
وأخرج البيهقي في الشعب عن الحسن . أنه قيل له : الناس يقولون : إن الحاج مغفور له ، قال إنه ذلك أن يدع سيء ما كان عليه .
وأخرج البيهقي عن خيثمة بن عبد الرحمن قال : إذا قضيت حجك فسل الله الجنة فلعله .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن إبراهيم قال : كان يقال : صافحوا الحجاج قبل أن يتلطخوا بالذنوب .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال : تلقوا الحجاج والعمار والغزاة ، فليدعوا لكم قبل أن يتدنسوا .
وأخرج ابن أبي شيبة عن حبيب بن أبي ثابت قال : كنا نلتقي الحجاج فنصافحهم قبل أن يفارفوا .
وأخرج الأصبهاني عن الحسن . أنه قيل له ما الحج المبرور؟ قال : أن يرجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة .
وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أقضى أحدكم حجه فليعجل الرحلة إلى أهله ، فإنه أعظم لأجره » .
وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزوة أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ، ثم يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده » .
وأخرج ابن حبان في الضعفاء وابن عدي في الكامل والدارقطني في العلل عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من حج ولم يزرني فقد جفاني » .
وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى والطبراني وابن عدي والدارقطني والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/473)
« من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي » .
وأخرج الحكيم الترمذي والبزار وابن خزيمة وابن عدي والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من زار قبري وجبت له شفاعتي » .
وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من جاءني زائراً لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقاً علي أن أكون له شفيعاً يوم القيامة » .
وأخرج الطيالسي والبيهقي في الشعب عن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من زار قبري كنت له شفيعاً أو شهيداً ، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله في الآمنين يوم القيامة » .
وأخرج البيهقي عن حاطب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة » .
وأخرج العقيلي في الضعفاء والبيهقي في الشعب عن رجل من آل الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « من زارني متعمداً كان في جواري يوم القيامة ، ومن سكن المدينة وصبر على بلائها كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة ، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين يوم القيامة » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أنس بن مالك « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة » .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من عبد يسلم عليّ عند قبري إلا وكل الله به ملكاً يبلغني ، وكفى أمر آخرته ودنياه ، وكنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة » .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من مسلم يسلم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتى أردّ عليه السلام » .
وأخرج البيهقي عن ابن عمر « أنه كان يأتي القبر فيسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يمس القبر ، ثم يسلم على أبي بكر ثم على عمر » .
وأخرج البيهقي عن محمد بن المنكدر قال : رأيت جابراً وهو يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : ههنا تسكب العبرات ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة » .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن منيب بن عبد الله بن أبي أمامة قال : رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوقف ، فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة ، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف .(1/474)
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن سليمان بن سحيم قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم قلت : يا رسول الله هؤلاء الذين يأتونك فيسلّمون عليك أتفقه سلامهم؟ قال : نعم ، وأرد عليهم .
وأخرج البيهقي عن حاتم بن مروان قال : كان عمر بن عبد العزيز يوجه بالبريد قاصداً إلى المدينة ليقرىء عنه النبي صلى الله عليه وسلم السلام .
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي فديك قال : سمعت بعض من أدركت يقول : بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فتلا هذه الآية { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً } [ الأحزاب : 56 ] صلى الله عليك يا محمد حتى يقولها سبعين مرة فأجابه ملك : صلى الله عليك يا فلان لم تسقط لك حاجة .
وأخرج البيهقي عن أبي حرب الهلالي قال : حج أعرابي ، فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته ، فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ، ووقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، جئتك مثقلاً بالذنوب والخطايا ، مستشفعاً بك على ربك لأنه قال في محكم كتابه { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً } [ النساء : 64 ] وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلاً بالذنوب والخطايا ، استشفع بك على ربك أن يغفر لي ذنوبي وأن تشفع فيَّ ، ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول :
يا خير من دفنت في الترب أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر . أنه كان يقول للحاج إذا قدم : تقبل نسكك ، وأعظم أجرك ، وأخلف نفقتك .
وأخرج البيهقي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا قدم أحدكم على أهله من سفر فليهد لأهله ، فليطرفهم ولو كان حجارة » .(1/475)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)
أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما أصيبت السرية التي فيها عاصم ومرثد قال رجال من المنافقين : يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا ، لا هم قعدوا في أهلهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم . ! فأنزل الله { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } أي لما يظهر من الإِسلام بلسانه { ويشهد الله على ما في قلبه } أنه مخالف لما يقوله بلسانه { وهو ألد الخصام } أي ذو جدال إذا كلمك راجعك { وإذا تولى } [ البقرة : 205 ] خرج من عندك { سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد } [ البقرة : 205 ] أي لا يحب عمله ولا يرضى به { ومن الناس من يشري نفسه . . . } [ البقرة : 207 ] الآية . الذين شروا أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله والقيام بحقه حتى هلكوا في ذلك ، يعني بهذه السرية .
وأخرج ابن المنذر عن أبي إسحق قال : كان الذين اجلبوا على خبيب في قتله نفر من قريش عكرمة بن أبي جهل ، وسعيد بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود ، والأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة ، وعبيدة بن حكيم بن أمية بن عبد شمس ، وأمية ابن أبي عتبة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ومن الناس من يعجبك } الآية . قال « نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف لبني زهرة ، أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وقال : جئت أريد الإِسلام ، ويعلم الله أني لصادق . فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه فذلك قوله { ويشهد الله على ما في قلبه } ثم خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر ، فاحترق الزرع وعقر الحمر ، فأنزل الله { وإذا تولى سعى في الأرض } [ البقرة : 205 ] الآية » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الكلبي قال : كنت جالساً بمكة فسألوني عن هذه الآية { ومن الناس من يعجبك قوله . . . } الآية . قلت : هو الأخنس بن شريق ومعنا فتى من ولده ، فلما قمت اتبعني فقال : إن القرآن إنما أنزل في أهل مكة ، فإن رأيت أن لا تسمي أحداً حتى تخرج منها فافعل .
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد المقبري . أنه ذاكر محمد بن كعب القرظي فقال : إن في بعض كتب الله : إن لله عباداً ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمرّ من الصبر ، لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين ، يجترون الدنيا بالدين . قال الله تعالى : أعلي يجترئون؟ وبي يغترون؟ وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران . فقال محمد بن كعب : هذا في كتاب الله { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } الآية .(1/476)
فقال سعيد : قد عرفت فيمن أنزلت . فقال محمد بن كعب : إن الآية تنزل في الرجل تكون عامة بعد .
وأخرج أحمد في الزهد عن الربيع بن أنس قال : أوحى الله إلى نبي من الأنبياء : ما بال قومك يلبسون جلود الضأن ، ويتشبهون بالرهبان ، كلامهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر؟ أبي يغترون أم لي يخادعون؟ ، وعزتي لأتركنّ العالم منهم حيراناً ، ليس مني من تكهن أو تُكُهِّنَ له ، أو سحر أو سُحِرَ له ، من آمن بي فليتوكل عليّ ، ومن لم يؤمن فليتبع غيري .
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب . « أن الرب تبارك وتعالى قال لعلماء بني إسرائيل : يفقهون لغير الدين ، ويعلمون لغير العمل ، ويبتغون الدنيا بعمل الآخرة ، يلبسون مسوك الضأن ويخفون أنفس الذباب ، ويتّقوى القذى من شرابكم ، ويبتلعون أمثال الجبال من المحارم ، ويثقلون الدين على الناس أمثال الجبال ولا يعينونهم برفع الخناصر ، يبيضون الثياب ويطيلون الصلاة ، ينتقصون بذلك مال اليتيم والأرملة ، فبعزتي حلفت لأضربنكم بفتنة يضل فيها رأي ذي الرأي ، وحكمة الحكيم » .
وأما قوله تعالى : { وهو ألد الخصام } .
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وهو ألد الخصام } قال : شديد الخصومة .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق سأله قوله { وهو ألد الخصام } قال : الجدل المخاصم في الباطل . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول مهلهل :
إن تحت الأحجار حزماً وجوداً ... وخصيماً ألد ذا مغلاق
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { وهو ألد الخصام } قال : ظالم لا يستقيم .
وأخرج وكيع وأحمد والبخاري وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها . إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر » .
وأخرج الترمذي والبيهقي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كفى بك آثماً أن لا تزال مخاصماً » .
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال : « كفى بك آثماً أن لا تزال ممارياً ، وكفى بك ظالماً أن لا تزال مخاصماً ، وكفى بك كاذباً أن لا تزال محدثاً الأحاديث في ذات الله عز وجل » .
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال : من كثر كلامه كثر كذبه ، ومن كثر حلفه كثر إثمه ، ومن كثرت خصومته لم يسلم دينه .
وأخرج البيهقي في الشعب عن عبد الكريم الجزري قال : ما خاصم ورع قط .
وأخرج البيهقي عن ابن شبرمة قال : من بالغ في الخصومة أثم ، ومن قصر فيها خصم ، ولا يطيق الحق من تألى على من به دار الأمر ، وفضل الصبر التصبر ، ومن لزم العفاف هانت عليه الملوك والسوق .
وأخرج البيهقي عن الأحنف بن قيس قال : ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة : حليم من أحمق ، وبر من فاجر .
وأخرج البيهقي عن ابن عمرو بن العلاء قال : ما تشاتم رجلان قط إلا غلب أَلأمُهُمَا .(1/477)
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)
أخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { وإذا تولى سعى في الأرض } قال : عمل في الأرض { ويهلك الحرث } قال : نبات الأرض { والنسل } نسل كل شيء من الحيوان : الناس والدواب .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد . أنه سئل عن قوله { وإذا تولى سعى في الأرض } قال : يلي في الأرض فيعمل فيها بالعدوان والظلم ، فيحبس الله بذلك القطر من السماء ، فهلك بحبس القطر الحرث والنسل { والله لا يحب الفساد } ثم قرأ مجاهد { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس . . . } [ الروم : 41 ] الآية .
وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه سئل عن قوله { ويهلك الحرث والنسل } قال : الحرث الزرع ، والنسل نسل كل دابة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : النسل نسل كل دابة والناس أيضاً .
وأخرج الطستي عن ابن عباس . أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله { الحرث والنسل } قال : النسل الطائر والدواب . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم . أما سمعت الشاعر يقول :
كهولهم خير الكهول ونسلهم ... كنسل الملوك لا ثبور ولا تخزي
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة قال : يتخفف المحرم إذا لم يجد نعلين . قيل أشقهما؟ قال : إن الله لا يحب الفساد .(1/478)
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)
أخرج وكيع وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إن من أكبر الذنب عند الله أن يقول الرجل لأخيه : اتق الله . فيقول : عليك بنفسك ، أنت تأمرني؟! .
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في الشعب عن سفيان قال : قال رجل لمالك بن مغول : اتق الله فقط ، فوضع خده على الأرض تواضعاً لله .
وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن . أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : اتق الله ، فذهب الرجل فقال عمر : وما فينا خير إن لم يقل لنا ، وما فيهم خير إن لم يقولوها لنا .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولبئس المهاد } قال : بئس ما مهدوا لأنفسهم .(1/479)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)
أخرج ابن مردويه عن صهيب قال « لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش : يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك ، وتخرج أنت ومالك والله لا يكون ذلك أبداً ، فقلت لهم : أرأيتم إن دفعت لكم مالي تخلون عني؟ قالوا : نعم . فدفعت إليهم مالي فخلوا عني ، فخرجت حتى قدمت المدينة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ربح البيع صهيب مرتين » .
وأخرج ابن سعد والحرث بن أبي أسامة في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال « أقبل صهيب مهاجراً نحو النبي صلى الله عليه وسلم ، فاتبعه نفر من قريش ، فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال : يا معشر قريش قد علمتم إني من أرماكم رجلاً ، وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي فيه شيء ، ثم افعلوا ما شئتم ، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي . قالوا : نعم . فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال : ربح البيع ، ربح البيع . ونزلت { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد } » .
وأخرج الطبراني وابن عساكر عن ابن جريج في قوله { ومن الناس من يشري نفسه } قال : نزلت في صهيب بن سنان وأبي ذر .
وأخرج ابن جرير والطبراني عن عكرمة في قوله { ومن الناس من يشري نفسه . . . } الآية . قال « نزلت في صهيب بن سنان ، وأبي ذر الغفاري ، وجندب بن السكن أحد أهل أبي ذر ، أما أبو ذر فانفلت منهم ، فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رجع مهاجراً عرضوا له وكانوا بمر الظهران ، فانفلت أيضاً حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما صهيب فأخذه أهله فافتدى منهم بماله ، ثم خرج مهاجراً فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان ، فخرج ممَّا بقي من ماله وخلى سبيله » .
وأخرج الطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن صهيب قال : لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هممت بالخروج ، فصدني فتيان من قريش ثم خرجت ، فلحقني منهم أناس بعد ما سرت ليردوني ، فقلت لهم : هل لكم أن أعطيكم أواقي من ذهب وتخلوا سبيلي؟ ففعلوا . فقلت : احفروا تحت أسكفة الباب فإن تحتها الأواقي ، وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء قبل أن يتحوّل منها ، فلما رآني قال : يا أبا يحيى ربح البيع ، ثم تلا هذه الآية .
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله { ومن الناس من يشري نفسه .(1/480)
. . } الآية . قال : هم المهاجرون والأنصار .
وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن المغيرة بن شعبة قال : كنا في غزاة فتقدم رجل فقاتل حتى قتل ، فقالوا : ألقى بيده إلى التهلكة . فكتب فيه إلى عمر ، فكتب عمر : ليس كما قالوا ، هو من الذين قال الله فيهم { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن سيرين قال : حمل هشام بن عامر على الصف حتى خرقه ، فقالوا : ألقى بيده . فقال أبو هريرة { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } .
وأخرج البيهقي في سننه عن مدركة بن عوف الأحمسي . أنه كان جالساً عند عمر فذكروا رجلاً شرى نفسه يوم نهاوند ، فقال : ذاك خالي زعم الناس أنه ألقى بنفسه إلى التهلكة . فقال عمر : كذب أولئك ، بل هو من الذين اشتروا الآخرة بالدنيا .
وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } قال : نزلت صهيب ، وفي نفر من أصحابه ، أخذهم أهل مكة فعذبوهم ليردوهم إلى الشرك بالله منهم : عمار ، وأمية ، وسمية ، وأبو ياسر ، وبلال ، وخباب ، وعباس مولى حويطب بن عبد العزى .
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن صهيب « أن المشركين لما أطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبلوا على الغار وأدبروا قال : واصهيباه ولا صهيب لي . فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج بعث أبا بكر مرتين أو ثلاثاً إلى صهيب ، فوجده يصلي فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم : وجدته يصلي ، فكرهت أن أقطع عليه صلاته . فقال : أصبت وخرجا من ليلتهما ، فلما أصبح خرج حتى أتى أم رومان زوجة أبي بكر ، فقالت : ألا أراك ههنا وقد خرج أخواك ووضعا لك شيئاً من زادهما؟ قال صهيب : فخرجت حتى دخلت على زوجتي أم عمرو ، فأخذت سيفي وجعبتي وقوسي حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأجده وأبا بكر جالسين ، فلما رآني أبو بكر قام إلي فبشرني بالآية التي نزلت فيّ ، وأخذ بيدي فلمته بعض اللائمة ، فاعتذر وربحني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ربح البيع أبا يحيى » .
وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن مصعب بن عبد الله قال « هرب صهيب من الروم ومعه مال كثير ، فنزل بمكة فعاقد عبد الله بن جدعان وحالفه ، وإنما أخذت الروم صهيباً بن رضوى ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه صهيب ، فقالت له قريش : لا تلحقه بأهلك ومالك فدفع إليهم ماله ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ربح البيع . وأنزل الله في أمره { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } وأخوه مالك بن سنان » .(1/481)
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كنت قاعداً عند عمر إذ جاءه كتاب : أن أهل الكوفة قد قرأ منهم القرآن كذا وكذا فكبر ، فقلت : اختلفوا . قال : من أي شيء عرفت؟ قال : قرأت { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا . . . } الآيتين فإذا فعلوا ذلك لم يصبر صاحب القرآن ، ثم قرأت { وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإِثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد } [ البقرة : 206 ] { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } قال : صدقت والذي نفسي بيده .
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : بينما ابن عباس مع عمر وهو آخذ بيده فقال عمر : أرى القرآن قد ظهر في الناس؟ قلت : ما أحب ذلك يا أمير المؤمنين . قال : لم؟ قلت : لأنهم متى يقرأوا ينفروا ، ومتى نفروا يختلفوا ، ومتى ما يختلفوا يضرب بعضهم رقاب بعض . فقال عمر : إن كنت لأكتمها الناس .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أن ابن عباس قرأ هذه الآية عند عمر بن الخطاب فقال : اقتتل الرجلان فقال له عمر : ماذا؟ قال : يا أمير المؤمنين أرى ههنا من إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإِثم ، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله ، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإِثم قال هذا : وأنا أشري نفسي فقاتله ، فاقتتل الرجلان فقال عمر : لله درك يا ابن عباس!
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة . أن عمر بن الخطاب كان تلا هذه الآية { ومن الناس من يعجبك قوله } إلى قوله { ومن الناس من يشري نفسه } قال : اقتتل الرجلان .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن أبي حاتم والخطيب عن علي بن أبي طالب . أنه قرأ هذه الآية فقال : اقتتلا ورب الكعبة .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن صالح أبي خليل قال : سمع عمر إنساناً يقرأ هذه الآية { وإذا قيل له اتق الله } إلى قوله { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } فاسترجع فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قام الرجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال : أنزلت هذه الآية في المسلم الذي لقي كافراً فقال له : قل لا إله إلا الله ، فإذا قلتها عصمت مني دمك ومالك إلا بحقهما ، فأبى أن يقولها ، فقال المسلم : والله لأشرين نفسي لله فتقدم ، فقاتل حتى قتل .(1/482)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } كذا قرأها بالنصب يعني مؤمني أهل الكتاب ، فإنهم كانوا مع الإِيمان بالله مستمسكين ببعض أمر التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم يقول : ادخلوا في شرائع دين محمد ولا تدعوا منها شيئاً ، وحسبكم بالإِيمان بالتوراة وما فيها .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } قال : نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام ، وابن يامين ، وأسد وأسيد ابني كعب ، وسعيد بن عمرو ، وقيس بن زيد ، كلهم من يهود قالوا : يا رسول الله يوم السبت يوم كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه ، وأن التوراة كتاب الله ، فدعنا فلنقم بها بالليل ، فنزلت .
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله { ادخلوا في السلم } قال : يعني أهل الكتاب ، و { كافة } : جميعاً .
وأخرج ابي أبي حاتم عن ابن عباس قال : السلم الطاعة ، وكافة يقول : جميعاً .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : السلم الإِسلام ، والزلل ترك الإِسلام .
وأخرج ابن جرير عن السدي { فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات } قال : فإن ضللتم من بعد ما جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية { فاعلموا أن الله عزيز حكيم } يقول : عزيز في نقمته إذا انتقم ، حكيم في أمره .(1/483)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)
أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياماً ، شاخصة أبصارهم إلى السماء ينظرون فصل القضاء ، وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن عبد الله بن عمرو في هذه الآية قال : يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب ، منها النور والظلمة والماء ، فيصوّت الماء في تلك الظلمة صوتاً تنخلع له القلوب .
وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال : يأتي الله يوم القيامة في ظلل من السحاب قد قطعت طاقات .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قوله { في ظلل من الغمام } قال : هو غير السحاب ولم يكن قط إلا لبني إسرائيل في تيههم ، وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ، وهو الذي جاءت فيه الملائكة .
وأخرج ابن جرير والديلمي عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفاً بالملائكة ، وذلك قوله { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام } » .
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية قال : في قراءة أبي بن كعب ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام ) قال : يأتي الملائكة في ظلل من الغمام ، وهو كقوله { يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً } [ الفرقان : 25 ] .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة { في ظلل من الغمام } قال : طاقات { والملائكة } قال : الملائكة حوله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، وتأتيهم الملائكة عند الموت .
وأخرج عن عكرمة { وقضي الأمر } يقول : قامت الساعة .(1/484)
سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { سل بني إسرائيل } قال : هم اليهود { كم آتيناهم من آية بينة } ما ذكر الله في القرآن وما لم يذكر { ومن يبدل نعمة الله } قال : يكفر بها .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال : آتاهم الله آيات بينات : عصا موسى ، ويده ، وأقطعهم البحر ، وأغرق عدوّهم وهم ينظرون ، وظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى { ومن يبدل نعمة الله } يقول : من يكفر بنعمة الله .(1/485)
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله { زين للذين كفروا الحياة الدنيا } قال : الكفار يبتغون الدنيا ويطلبونها { ويسخرون من الذين آمنوا } في طلبهم الآخرة . قال : ابن جرير لا أحسبه إلا عن عكرمة قال : قالوا : لو كان محمد نبياً لاتبعه ساداتنا وأشرافنا ، والله ما اتبعه إلا أهل الحاجة مثل ابن مسعود وأصحابه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة { زين للذين كفروا الحياة الدنيا } قال : هي همهم وسدمهم وطلبتهم ونيتهم { ويسخرون من الذين آمنوا } ويقولون : ما هم على شيء ، استهزاء وسخرية { والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة } هناكم التفاضل .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة { والذين اتقوا فوقهم } قال : فوقهم في الجنة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : سألت ابن عباس عن هذه الآية { والله يرزق من يشاء بغير حساب } فقال : تفسيرها ليس على الله رقيب ولا من يحاسبه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير { بغير حساب } قال : لا يحاسب الرب .
وأخرج ميمون بن مهران بغير حساب قال : غدقاً .
وأخرج عن الربيع بن أنس بغير حساب قال : لا يخرجه بحساب يخاف أن ينقص ما عنده ، إن الله لا ينقص ما عنده .(1/486)
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال { كان الناس أمة واحدة } قال : على الإِسلام كلهم .
وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال : كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق ، فاختلفوا فبعث الله النبيين قال : وكذلك هي في قراءة عبد الله { كان الناس أمة واحدة فاختلفوا } .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال : كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم ، ففطرهم الله على الإِسلام وأقروا له بالعبودية ، فكانوا أمة واحدة مسلمين ، ثم اختلفوا من بعد آدم .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { كان الناس أمة واحدة } قال : آدم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي أنه كان يقرأها { كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين } وإن الله إنما بعث الرسل ، وأنزل الكتاب ، بعد الاختلاف { وما اختلف فيه إلاَّ الذين أوتوه } يعني بني إسرائيل أوتوا الكتاب والعلم { بغياً بينهم } يقول : بغياً على الدنيا وطلب ملكها وزخرفها أيهم يكون له الملك والمهابة في الناس ، فبغى بعضهم على بعض ، فضرب بعضهم رقاب بعض ، { فهدى الله الذين آمنوا } يقول : فهداهم الله عند الاختلاف أنهم أقاموا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف ، أقاموا على الإِخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، واعتزلوا الاختلاف ، فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة ، على قوم نوح ، وقوم هود ، وقوم صالح ، وقوم شعيب ، وآل فرعون ، وأن رسلهم بلغتهم ، وأنهم كذبوا رسلهم .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { كان الناس أمة واحدة } قال : كفاراً .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه } قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم « نحن الأولون والآخرون . الأوّلون يوم القيامة ، وأول الناس دخولاً الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق ، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله ، فالناس لنا فيه تبع ، فغداً لليهود ، وبعد غد للنصارى ، وهو في الصحيح بدون الآية » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : كان بين آدم ونوح عشرة أنبياء ، ونشر من آدم الناس فبعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة قال : ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الهدى وعلى شريعة من الحق ، ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله نوحاً ، وكان أول رسول أرسله الله إلى الأرض ، وبعث عند الاختلاف من الناس وترك الحق ، فبعث الله رسله وأنزل كتابه يحتج به على خلقه .(1/487)
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه } فاختلفوا في يوم الجمعة فأخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد ، فهدى الله أمة محمد بيوم الجمعة . واختلفوا في القبلة ، فاستقبلت النصارى المشرق ، واليهود بيت المقدس ، وهدى الله أمة محمد للقبلة ، واختلفوا في الصلاة ، فمنهم من يركع ولا يسجد ، ومنهم من يسجد ولا يركع ، ومنهم من يصلي وهو يتكلم ، ومنهم من يصلي وهو يمشي ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في الصيام ، فمنهم من يصوم النهار ، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في إبراهيم ، فقالت اليهود : كان يهودياً ، وقالت النصارى : كان نصرانياً . وجعله الله حنيفاً مسلماً ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في عيسى ، فكذبت به اليهود وقالوا لأمه بهتاناً عظيماً ، وجعلته النصارى إلهاً وولداً ، وجعله الله روحه وكلمته ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال في قراءة ابن مسعود : { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا عنه } يقول : اختلفوا عن الإِسلام .
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : في قراءة أبي بن كعب { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا من الحق فيه بإذنه ليكونوا شهداء على الناس يوم القيامة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } فكان أبو العالية يقول : في هذه الآية يهديهم للمخرج من الشبهات والضلالات والفتن .(1/488)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { أم حسبتم . . . } الآية قال : نزلت في يوم الأحزاب ، أصاب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وأصحابه بلاء وحصر .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس قال : أخبر الله المؤمن أن الدنيا دار بلاء ، وأنه مبتليهم فيها ، وأخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال { مستهم البأساء والضراء } فالبأساء الفتن ، والضراء السقم { وزلزلوا } بالفتن وأذى الناس إياهم .
وأخرج أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي عن خباب بن الأرت قال « قلنا يا رسول الله ألا تستنصر لنا ، ألا تدعو الله لنا؟ فقال : إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه ، ثم قال : والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون » .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ولما يأتكم مثل الذين خلوا } أصابهم هذا يوم الأحزاب حتى قال قائلهم { ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } [ الأحزاب : 12 ] .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة { مثل الذين خلوا } يقول : سنن الذين خلوا من قبلكم { مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول } خيرهم وأصبرهم وأعلمهم بالله { متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } فهذا هو البلاء والنغص الشديد ، ابتلى الله به الأنبياء والمؤمنين قبلكم ليعلم أهل طاعته من أهل معصيته .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله ليجرب أحدكم بالبلاء وهو أعلم به كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار ، فمنهم من يخرج كالذهب الإِبريز فذلك الذي نجاه الله من السيئات ، ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي افتتن » .(1/489)
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { يسألونك ماذا ينفقون . . . } الآية . قال : يوم نزلت هذه الآية لم يكن زكاة ، وهي النفقة ينفقها الرجل على أهله ، والصدقة يتصدق بها فنسختها الزكاة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : سأل المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يضعون أموالهم؟ فنزلت { يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير . . . } الآية . فذلك النفقة في التطوّع ، والزكاة سوى ذلك كله .
وأخرج ابن المنذر عن ابن حبان قال « إن عمرو بن الجموح سأل النبي صلى الله عليه وسلم : ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها؟ فنزلت { يسألونك ماذا ينفقون . . . } الآية . فهذا مواضع نفقة أموالكم » .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذرعن قتادة قال « همتهم النفقة فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { ما أنفقتم من خير . . . } الآية » .
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { يسألونك ماذا ينفقون } قال : سألوه ما لهم في ذلك؟ { قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين . . . } الآية . قال : ههنا يا ابن آدم فضع كدحك وسعيك ولا تنفح بها هذا وذاك وتدع ذوي قرابتك وذوي رحمك .
وأخرج الدارمي والبزار وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس قال : ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض ، كلهن في القرآن ، منهن { يسألونك عن الخمر والميسر } [ البقرة : 219 ] و { يسألونك عن الشهر الحرام } [ البقرة : 217 ] و { يسألونك عن اليتامى } [ البقرة : 220 ] و { يسألونك عن المحيض } [ البقرة : 222 ] و { يسألونك عن الأنفال } [ الأنفال : 1 ] و { يسألونك ماذا ينفقون } ما كانوا يسألونك إلا عما كان ينفعهم .(1/490)
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : إن الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بمكة بالتوحيد ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأن يكفوا أيديهم عن القتال ، فلما هاجر إلى المدينة نزلت سائر الفرائض وأذن لهم في القتال ، فنزلت { كتب عليكم القتال } يعني فرض عليكم ، وأذن لهم بعد ما كان نهاهم عنه { وهو كره لكم } يعني القتال وهو مشقة لكم { وعسى أن تكرهوا شيئاً } يعني الجهاد قتال المشركين { وهو خير لكم } ويجعل الله عاقبته فتحاً وغنيمة وشهادة { وعسى أن تحبوا شيئاً } يعني القعود عن الجهاد { وهو شر لكم } فيجعل الله عاقبته شراً فلا تصيبوا ظفراً ولا غنيمة .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما تقول في قوله { كتب عليكم القتال } أواجب الغزو على الناس من أجلها؟ قال : لا ، كتب على أولئك حينئذ .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن شهاب في الآية قال : الجهاد مكتوب على كل أحد غزا أو قعد ، فالقاعد إن استعين به أعان ، وإن استغيث به أغاث ، وإن استغني عنه قعد .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { وهو كره لكم } قال « نسختها هذه الآية { وقالوا سمعنا وأطعنا } [ البقرة : 285 ] وأخرجه ابن جرير موصولاً عن عكرمة عن ابن عباس » .
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق علي عن ابن عباس قال : عسى من الله واجب .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : كل شيء في القرآن عسى ، فإن عسى من الله واجب .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قال : كل شيء من القرآن عسى فهو واجب ، إلا حرفين : حرف التحريم { عسى ربه إن طلقكن } [ التحريم : 5 ] وفي بني إسرائيل { عسى ربكم أن يرحمكم } [ الإِسراء : 8 ] .
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : عسى على نحوين : أحدهما في أمر واجب قوله { فعسى أن يكون من المفلحين } [ القصص : 67 ] وأما الآخر فهو أمر ليس بواجب كله قال الله { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم } ليس كل ما يكره المؤمن من شيء هو خير له ، وليس كل ما أحب هو شر له .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « يا ابن عباس . . ارض عن الله بما قدر وإن كان خلاف هواك ، فإنه مثبت في كتاب الله . قلت : يا رسول الله فأين وقد قرأت القرآن؟ قال { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون } » .(1/491)
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي في الشعب عن أبي ذر « أن رجلاً قال : يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال : إيمان بالله ، وجهاد في سبيل الله ، قال : فأي العتاقة أفضل؟ قال : أنفسها . قال : أفرأيت إن لم أجد؟ قال : فتعين الصانع وتصنع لا خرق . أفرأيت إن لم أستطع؟ قال : تدع الناس من شرك ، فإنها صدقة تصدق بها على نفسك » .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال « سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال : الإِيمان بالله ورسوله . قيل : ثم ماذا؟ قال : الجهاد في سبيل الله . قيل : ثم ماذا؟ قال : ثم حج مبرور » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أفضل الأعمال الصلاة لوقتها ، والجهاد في سبيل الله » .
وأخرج مالك وعبد الرزاق في المصنف والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم الخاشع الراكع الساجد ، وتكفل الله للمجاهد في سبيله أن يتوفاه فيدخله الجنة ، أو يرجعه سالماً بما نال من أجر وغنيمة » .
وأخرج البخاري والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : علمني عملاً يعدل الجهاد ، قال : لا أجده حتى تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجداً فتقوم ولا تفتر ، وتصوم ولا تفطر ، قال : لا أستطيع ذاك؟ قال أبو هريرة : إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات » .
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال « قيل : يا رسول الله ، أخبرنا بما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال : لا تستطيعونه . قال : بلى يا رسول الله . قال : مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القائم الصائم البائت بآيات الله ، لا يفتر من صيام وصلاة حتى يرجع المجاهد إلى أهله » .
وأخرج الترمذي وحسنه والبزار والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال « إن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشعب فيه عيينة ماء عذب ، فأعجبه طيبه فقال : لو أقمت في هذا الشعب واعتزلت الناس لن أفعل حتى استأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في أهله ستين عاماً ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة؟ اغزوا في سبيل الله ، من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة » .(1/492)
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال « أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أي الناس أفضل؟ فقال : مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله . قال : ثم من؟ قال : مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ويدع الناس من شره » .
وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان عن ابن عباس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : رجل أخذ برأس فرسه في سبيل الله حتى يموت أو يقتل ، ألا أخبركم بالذي يليه؟ قالوا : بلى . قال : امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس ، ألا أخبركم بشر الناس؟ قالوا : بلى . قال : الذي يسأل بالله ولا يعطي » .
وأخرج الطبراني عن فضالة بن عبيد « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الإِسلام ثلاثة : سفلى ، وعليا ، وغرفة ، فأما السفلى فالإِسلام دخل فيه عامة المسلمين ، فلا تسأل أحداً منهم إلا قال : أنا مسلم . وأما العليا فتفاضل أعمالهم بعض المسلمين أفضل من بعض . وأما الغرفة العليا فالجهاد في سبيل الله لا ينالها إلا أفضلهم » .
وأخرج البزار عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الإِسلام ثمانية أسهم : الإِسلام سهم ، والصلاة سهم ، والزكاة سهم ، والصوم سهم ، وحج البيت سهم ، والأمر بالمعروف سهم ، والنهي عن المنكر سهم ، والجهاد في سبيل الله سهم ، وقد خاب من لا سهم له » .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن علي مرفوعاً . مثله .
وأخرج أحمد والطبراني عن عبادة بن الصامت « أن رجلاً قال : يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال : إيمان بالله ، وجهاد في سبيله ، وحج مبرور ، فلما ولى الرجل قال : وأهون عليك من ذلك إطعام الطعام ، ولين الكلام ، وحسن الخلق ، فلما ولى الرجل قال : وأهون عليك من ذلك لا تتهم الله على شيء قضاه عليك » .
وأخرج أحمد والطبراني والحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « جاهدوا في سبيل الله فإن الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة ، ينجي الله به من الهم والغم » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن أبي امامة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : عليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة ، يذهب الله به الهم والغم » .
وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مثل الجهاد في سبيل الله كمثل الصائم نهاره القائم ليله حتى يرجع متى رجع » .
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(1/493)
« من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو ، مات على شعبة من النفاق » .
وأخرج النسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن عثمان بن عفان « أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه » .
وأخرج أحمد والطبراني والحاكم وصححه عن معاذ بن أنس « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأتته امرأة فقالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك بعثت هذه السرية ، وإن زوجي خرج فيها وقد كنت أصوم بصيامه ، وأصلي بصلاته ، وأتعبد بعبادته ، فدلني على عمل أبلغ به عمله؟ قال : تصلين فلا تقعدين ، وتصومين فلا تفطرين ، وتذكرين فلا تفترين . قالت : وأطيق ذلك يا رسول الله؟ قال : ولو طوّقت ذلك - والذي نفسي بيده - ما بلغت العشير من عمله » .
وأخرج الطبراني عن أبي هريرة قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا خرج الغازي في سبيل الله جعلت ذنوبه جسراً على باب بيته ، فإذا خلف ذنوبه كلها فلم يبق عليه منها مثل جناح بعوضة ، وتكفل الله له بأربع : بأن يخلفه فيما يخلف من أهل ومال ، وأي ميتة مات بها أدخله الجنة ، فإن رده سالماً بما ناله من أجر أو غنيمة ، ولا تغرب شمس إلا غربت بذنوبه » .
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يجمع الله في جوف رجل غباراً في سبيل الله ودخان جهنم ، ومن اغبرت قدماه في سبيل الله حرم الله سائر جسده على النار ، ومن صام يوماً في سبيل الله ختم له بخاتم الشهداء ، تأتي يوم القيامة لونها مثل لون الزعفران ، وريحها مثل المسك ، يعرفه بها الأولون والآخرون يقولون : فلان عليه طابع الشهداء . ومن قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة » .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي مالك الأشعري « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من نصل في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد ، أو رفصه فرسه أو بعيره ، أو لدغته هامة ، أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد ، وإن له الجنة » .
وأخرج البزار عن أبي هند ، رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مثل المجاهد في سبيل الله مثل الصائم القائم القانت ، لا يفتر من صيام ولا صلاة ولا صدقة » .
وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن أبي عبس عبد الرحمن بن جبر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار » .(1/494)
وأخرج البزار عن أبي بكر الصديق « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار » .
وأخرج البزار عن عثمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من اغبرّت قدماه في سبيل الله حرم الله عليه النار » .
وأخرج أحمد من حديث مالك بن عبد الله النخعي . مثله .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم بخير الناس منزلة؟ قالوا : بلى . قال : رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله حتى يقتل أو يموت ، ألا أخبركم بالذي يليه؟ رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، ويشهد أن لا إله إلا الله » .
وأخرج ابن سعد عن أم بشر بنت البراء بن معرور قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « ألا أنبئكم بخير الناس بعده؟ قالوا : بلى . قال : رجل في غنمه يقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، يعلم حق الله في ماله ، قد اعتزل شرور الناس » .
وأخرج النسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس عام تبوك وهو مضيف ظهره إلى نخلة فقال : ألا أخبركم بخير الناس؟ إن من خير الناس رجلاً عمل في سبيل الله على ظهر فرسه ، أو على ظهر بعيره ، أو على قدميه حتى يأتيه الموت ، وإن من شر الناس رجلاً فاجراً جريئاً يقرأ كتاب الله ولا يرعوي إلى شيء منه » .
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاثة كلهم ضامن على الله : رجل خرج غازياً في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة ، أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة ، ورجل دخل بيته بالسلام فهو ضامن على الله » .
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن الخصاصية قال « أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه على الإِسلام ، فاشترط عليّ : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وتصلي الخمس ، وتصوم رمضان ، وتؤدي الزكاة ، وتحج ، وتجاهد في سبيل الله . قلت : يا رسول الله أما اثنتان فلا أطيقهما ، أما الزكاة فما لي إلا عشر ذودهن رسل أهلي وحمولتهم ، وأما الجهاد فيزعمون أن من ولى فقد باء بغضب من الله ، فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي . فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ، ثم حركها ثم قال : لا صدقة ولا جهاد ، فبم تدخل الجنة؟! ثم قلت : يا رسول الله أبايعك فبايعني عليهن كلهن » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/495)
« أعين لا تمسها النار . عين فقئت في سبيل الله ، وعين حرست في سبيل الله ، وعين بكت من خشية الله » .
وأخرج أحمد والنسائي والطبراني والحاكم وصححه عن أبي ريحانة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « حرمت النار على عين دمعت من خشية الله ، حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله ، وعين غضت عن محارم الله ، وعين فقئت في سبيل الله » .
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » أظلتكم فتن كقطع الليل المظلم ، أنجى الناس منها صاحب شاهقة يأكل من رسل غنمه ، أو رجل من وراء الدروب آخذ بعنان فرسه يأكل من فيء سيفه « » .
وأخرج ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « المجاهد في سبيل الله مضمون على الله إما أن يلقيه إلى مغفرته ورحمته ، وإما أن يرجعه بأجر وغنيمة . ومثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الذي لا يفتر حتى يرجع » .
وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عثمان بن عفان قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله » .
وأخرج أبو يعلى والطبراني في الأوسط عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « عينان لا تمسهما النار أبداً . عين باتت تكلأ في سبيل الله ، وعين بكت من خشية الله » .
وأخرج الطبراني عن معاوية بن حيدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاثة لا ترى أعينهم النار : عين حرست في سبيل الله ، وعين بكت من خشية الله ، وعين غضت عن محارم الله » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ألا أنبئكم بليلة القدر؟ حارس حرس في أرض خوف لعله أن لا يرجع إلى أهله » .
وأخرج الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كل عين باكية يوم القيامة إلا عيناً غضت عن محارم الله ، وعيناً سهرت في سبيل الله ، وعيناً خرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله » .
وأخرج ابن ماجة عن أنس « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : حرس ليلة في سبيل الله أفضل من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة ، السنة ثلثمائة يوم ، اليوم كألف سنة » .
وأخرج ابن ماجة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من راح روحة في سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسك يوم القيامة » .(1/496)
وأخرج عبد الرزاق عن مكحول قال : حدثنا بعض الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من قاتل في سبيل الله فواق ناقة قتل أو مات دخل الجنة ، ومن رمى بسهم بلغ العدوّ أو قصر كان عدل رقبة ، ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة ، ومن كلم كلمة جاءت يوم القيامة ريحها مثل المسك ولونها مثل الزعفران » .
وأخرج البيهقي عن أكيدر بن حمام قال : أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : « جلسنا يوماً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلنا لفتى فينا : اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله ما يعدل الجهاد؟ فأتاه فسأله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » لا شيء « ، ثم أرسلناه الثانية ، فقال مثلها ، ثم قلنا إنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث ، فإن قال : لا شيء فقل : ما يقرب منه؟ فأتاه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا شيء . فقال : ما يقرب منه يا رسول الله؟ قال : طيب الكلام ، وادامة الصيام ، والحج كل عام ، ولا يقرب منه شيء بعد » .
وأخرج النسائي وابن حبان والحاكم وصححه عن فضالة بن عبيد « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أنا زعيم - والزعيم الحميل - لمن آمن بي وأسلم ، وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة ، وبيت في وسط الجنة ، وبيت في أعلى غرف الجنة ، فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلباً ، ولا من الشر مهرباً ، يموت حيث شاء أن يموت » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عمران بن حصين « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل عند الله من عبادة الرجل ستين سنة » .
وأخرج أحمد والبزار عن معاذ بن جبل أنه قال : « يا نبي الله حدثني بعمل يدخلني الجنة ، قال : بخ بخ لقد سألت لعظيم ، لقد سألت لعظيم ، لقد سألت لعظيم ، وأنه ليسير على من أراد الله به الخير ، تؤمن بالله ، وباليوم الآخر ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتعبد الله وحده لا تشرك به شيئاً حتى تموت وأنت على ذلك ، ثم قال : إن شئت يا معاذ حدثتك برأس هذا الأمر ، وقوام هذا الأمر وذروة السنام ، فقال معاذ . بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : إن رأس هذا الأمر أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن قوام هذا الأمر الصلاة والزكاة ، وأن ذروة السنام منه الجهاد في سبيل الله ، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، ويشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده ما شجت وجه ولا اغبرت قدم في عمل يبتغى به درجات الآخرة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله ، ولا ثقل ميزان عبد كدابة ينفق عليها في سبيل الله ، أو يحمل عليها في سبيل الله » .(1/497)
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ذروة سنام الإِسلام الجهاد لا يناله إلا أفضلهم » .
وأخرج أبو داود وابن ماجة عن أبي أمامة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من لم يغز ولم يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة » .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من أهل بيت لا يخرج منهم غاز ، أو يجهزون غازياً ، أو يخلفونه في أهله ، إلا أصابهم الله بقارعة قبل الموت » .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن معاذ بن جبر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قاتل فواق ناقة فقد وجبت له الجنة ، ومن سأل الله القتل من نفسه صادقاً ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد ، ومن جرح جرحاً في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت ، لونها لون الزعفران ، وريحها ريح المسك ، ومن جرح في سبيل الله فإن عليه طابع الشهداء » .
وأخرج النسائي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه قال « أيما عبد من عبادي خرج مجاهداً في سبيل الله ابتغاء مرضاتي ضمنت له إن رجعته ارجعه بما أصاب من أجر أو غنيمة ، وإن قبضته غفرت له » .
وأخرج الطبراني والبيهقي عن أبي أمامة « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من رجل يغبر وجهه في سبيل الله إلا آمنه الله دخان النار يوم القيامة ، وما من رجل تغبر قدماه في سبيل الله إلا أمن الله قدميه من النار » .
وأخرج أبو داود في مراسيله عن ربيع بن زياد « بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير إذ هو بغلام من قريش معتزل عن الطريق يسير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس ذاك فلاناً؟ قالوا : بلى . قال : فادعوه ، فدعوه قال : ما بالك اعتزلت الطريق؟! فقال : يا رسول الله كرهت الغبار . قال : فلا تعتزله ، فوالذي نفس محمد بيده إنه لذريرة الجنة » .(1/498)
وأخرج أبو يعلى وابن حبان والبيهقي عن جابر بن عبد الله « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار » .
وأخرج الترمذي عن أم مالك البهزية قالت « ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها قلت : من خير الناس فيها؟ قال : رجل في ماشية يؤدي حقها ويعبد ربه ، ورجل أخذ برأس فرسه يخيف العدو ويخيفونه » .
وأخرج الترمذي وصححه والنسائي والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبداً » .
وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين أو أثرين ، قطرة دمع من خشية الله ، وقطرة دم تهرق في سبيل الله ، وأما الأثران : فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضة من فرائض الله » .
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الغزو غزوان . فأما من ابتغى به وجه الله ، وأطاع الإِمام ، وأنفق الكريمة ، وياسر الشريك ، واجتنب الفساد ، فإن نومه ونبهه أجر كله . وأما من غزا فخراً ، ورياء ، وسمعة ، وعصى الإِمام ، وأفسد في الأرض ، فإنه لن يرجع بالكفاف » .
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما من سرية تغزو في سبيل الله فيسلمون ويصيبون الغنيمة إلاَّ تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث ، وما من سرية تخفق وتخوّف وتصاب إلا تم لهم أجرهم » .
وأخرج أبو داود عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم » .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة قال « أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرية أن تخرج ، قالوا : يا رسول الله أتخرج الليلة أم تمكث حتى تصبح؟ قال : أفلا تحبون أن تبيتوا هكذا في خريف من خراف الجنة ، والخريف الحديقة » .
وأخرج الطبراني عن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا رجف قلب المؤمن في سبيل الله تحات عنه خطاياه كما يتحات عذق النخلة » .
وأخرج البزار عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/499)
« حجة خير من أربعين غزوة ، وغزوة خير من أربعين حجة ، يقول : إذا حج الرجل حجة الإِسلام فغزوة خير له من أربعين حجة ، وحجة الإِسلام خير من أربعين غزوة » .
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « حجة لمن لم يحج خير من عشر غزوات ، وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج ، وغزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر ، ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها ، والمائد فيه كالمتشحط في دمه » .
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لحجة أفضل من عشر غزوات ، ولغزوة أفضل من عشر حجات » .
وأخرج أبو داود في المراسيل عن مكحول قال « كثر المستأذنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج في غزوة تبوك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم » غزوة لمن قد حج أفضل من أربعين حجة « .
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر قال : لسفرة في سبيل الله أفضل من خمسين حجة .
وأخرج مسلم والترمذي والحاكم عن أبي موسى الأشعري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف « .
وأخرج الترمذي وصححه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » يقول الله : المجاهد في سبيلي هو علي ضامن إن قبضته أورثته الجنة ، وإن رجعته رجعته بأجر أو غنيمة « .
وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال » من جاهد في سبيل الله كان ضامناً على الله ، ومن عاد مريضاً كان ضامناً على الله ، ومن غدا إلى مسجد أو راح كان ضامناً على الله ، ومن دخل على إمام بغزوة كان ضامناً على الله ، ومن جلس في بيته لم يغتب إنساناً كان ضامناً على الله « .
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن حبشي الخثعمي » أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ قال : إيمان لا شك فيه ، وجهاد لا غلول فيه ، وحجة مبرورة . قيل : فأي الصدقة أفضل؟ قال : جهد المقل . قيل : فأي الهجرة أفضل؟ قال : من هجر ما حرم الله . قيل : فأي الجهاد أفضل؟ قال : من جاهد المشركين بنفسه وماله . قيل : فأي القتل أشرف؟ قال : من أهرق دمه وعقر جواده « .
وأخرج مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال » من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من أبواب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة . فقال أبو بكر : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما علي من دعي من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم « .(1/500)
وأخرج مالك وعبد الرزاق في المصنف والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي ، وإيمان بي ، وتصديق برسلي ، فهو ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة ، والذي نفس محمد بيده ما كلم بكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم ، لونه لون دم وريحه ريح مسك ، والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله أبداً ، ولكن لأجد ما أحملهم عليه ولا يجدون ما يتحملون عليه فيخرجون ، ويشق عليهم أن يتخلفوا بعدي ، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فاقتل ، ثم أحيا فاقتل ، ثم أحيا فاقتل » .
وأخرج ابن سعد عن سهيل بن عمر « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مقام أحدكم في سبيل الله ساعة خير من عمله عمره في أهله » .
وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال « خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية من سراياه ، فمر رجل بغار فيه شيء من ماء ، فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الماء فيتقوّت مما كان فيه من ماء ، ويصيب مما حوله من البقل ، ويتخلى من الدنيا ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ولكني بعثت بالحنيفية السمحة ، والذي نفس محمد بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ، ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة » .
وأخرج أحمد عن عمرو بن العاص قال « قال رجل : يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال : إيمان بالله ، وتصديق ، وجهاد في سبيله ، وحج مبرور . قال الرجل : أكثرت يا رسول الله . فقال : فلين الكلام ، وبذل الطعام ، وسماح ، وحسن الخلق ، قال الرجل : أريد كلمة واحدة . قال له : اذهب فلا تتهم الله على نفسك » .
وأخرج أحمد عن الشفاء بنت عبد الله وكانت من المهاجرات « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الإِيمان ، فقال : ايمان بالله ، وجهاد في سبيل الله ، وحج مبرور » .(2/1)
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن الحسن قال : بني الإِسلام على عشرة أركان : الاخلاص لله وهي الفطرة ، والصلاة وهي الملة ، والزكاة وهي الطهرة ، والصيام وهو الجنة ، والحج وهو الشريعة ، والجهاد وهو العزة ، والأمر بالمعروف وهو الحجة ، والنهي عن المنكر وهو الواقية ، والطاعة وهي العصمة ، والجماعة وهي الألفة « .
وأخرج أحمد عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال » من قاتل في سبيل الله فواق ناقة حرم الله وجهه على النار « .
وأخرج الطبراني عن أبي المنذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » من جاهد في سبيل الله وجبت له الجنة « .
وأخرج أحمد والطبراني عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول » ما خالط قلب امرىء رهج في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار « .
وأخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » من لقي الله بغير أثر من جهاد لقيه وفيه ثلمة « .
وأخرج الطبراني عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب « .
وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول » إذا ضن الناس بالدينار والدرهم ، وابتغوا أذناب البقر ، وتركوا الجهاد في سبيل الله ، وتبايعوا بالعين ، أنزل الله عليهم البلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم « .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والبيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال » لعدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها « .
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال » الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها « .
وأخرج مسلم والنسائي عن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت « .
وأخرج البزار عن عمران بن حصين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : » غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها « .
وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال » غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها « .
وأخرج أحمد من حديث معاوية بن جريج . مثله .
وأخرج عبد الرزاق عن اسحق بن رافع قال : بلغني عن المقداد أن الغازي إذا خرج من بيته عدد ما خلف وراءه من أهل القبلة وأهل الذمة والبهائم ، يجري عليه بعدد كل واحد منهم قيراط ، قيراط كل ليلة مثل الجبل ، أو قال : مثل أحد .
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم » على النساء ما على الرجال إلا الجمعة ، والجنائز ، والجهاد « .(2/2)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في سننه بسند صحيح عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه بعث رهطاً وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح ، أو عبيدة بن الحرث ، فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس وبعث مكانه عبد الله بن جحش ، وكتب له كتاباً وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا ، وقال : لا تكرهن أحداً على السير معك من أصحابك ، فلما قرأ الكتاب استرجع وقال : سمعاً وطاعة لله ولرسوله ، فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب ، فرجع رجلان ومضى بقيتهم ، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى ، فقال المشركون للمسلمين : قتلتم في الشهر الحرام ، فأنزل الله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه . . . } الآية . فقال بعضهم إن لم يكونوا أصابوا وزراً فليس لهم أجر ، فأنزل الله { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } » .
وأخرج البزار عن ابن عباس في قوله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن فلان في سرية ، فلقوا عمرو بن الحضرمي ببطن نخلة ، فذكر الحديث .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال « إن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وردوه عن المسجد الحرام في شهر حرام ، ففتح الله على نبيه في شهر حرام من العام المقبل ، فعاب المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال في شهر حرام ، فقال الله { قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله } من القتال فيه ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث سرية ، فلقوا عمرو بن الحضرمي وهو مقبل من الطائف في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب ، وأن أصحاب محمد كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى ، وكانت أول رجب ولم يشعروا ، فقتله رجل منهم وأخذوا ما كان معه ، وأن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك ، فقال الله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } وغيره أكبر منه { وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام } وإخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر من الذي أصاب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، والشرك أشد منه » .
وأخرج ابن إسحق حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزل فيما كان من مصاب عمرو بن الحضرمي { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه .(2/3)
. . } إلى آخر الآية .
وأخرج ابن منده وابن عساكر من طريق عكرمة عن ابن عباس « أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث صفوان بن بيضاء في سرية عبد الله بن جحش قبل الأبواء ، فغنموا وفيهم نزلت { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه . . . } الآية » .
وأخرج ابن جرير من طريق السدي « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وكانوا سبعة نفر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي ، وفيهم عمار بن ياسر ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وسعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان السلمي حليف لبني نوفل ، أو سهيل بن بيضاء ، وعامر بن فهيرة ، وواقد بن عبد الله اليربوعي حليف لعمر بن الخطاب ، وكتب مع ابن جحش كتاباً وأمره أن لا يقرأه حتى ينزل ملل ، فلما نزل ببطن ملل فتح الكتاب ، فإذا فيه أن سر حتى تنزل بطن نخلة . قال لأصحابه : من كان يريد الموت فليمض وليوص فإني موص وماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسار وتخلف عنه سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان ، أضلا راحلة لهما وسار ابن جحش إلى بطن نخلة ، فإذا هم بالحكم بن كيسان ، وعبد الله بن المغيرة بن عثمان ، وعمرو الحضرمي ، فاقتتلوا فأسروا الحكم بن كيسان ، وعبد الله بن المغيرة ، وانقلب المغيرة وقتل عمرو الحضرمي قتله واقد بن عبد الله ، فكانت أول غنيمة غنمها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما رجعوا إلى المدينة بالأسيرين وما غنموا من الأموال قال المشركون : محمد يزعم أنه يتبع طاعة الله وهو أول من استحل الشهر الحرام ، فأنزل الله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } لا يحل وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم بالله وصددتم عنه محمداً { والفتنة } وهي الشرك أعظم عند الله من القتل في الشهر الحرام ، فذلك قوله { وصد عن سبيل الله وكفر به . . . } الآية » .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال « إن رجلاً من بني تميم أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في سرية ، فمر بابن الحضرمي يحمل خمراً من الطائف إلى مكة فرماه بسهم فقتله ، وكان بين قريش ومحمد عقد فقتله في آخر يوم من جمادى الآخرة وأول يوم من رجب . فقالت قريش : في الشهر الحرام ولنا عهد؟ فأنزل الله { قل قتال فيه كبير . . . } الآية . يقول : كفر به وعبادة الأوثان أكبر من قتل ابن الحضرمي » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي مالك الغفاري قال « بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش ، فلقي ناساً من المشركين ببطن نخلة والمسلمون يحسبون أنه آخر يوم من جمادى وهو أول يوم من رجب ، فقتل المسلمون ابن الحضرمي .(2/4)
فقال المشركون : ألستم تزعمون أنكم تحرمون الشهر الحرام والبلد الحرام ، وقد قتلتم في الشهر الحرام؟ فأنزل الله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } إلى قوله { أكبر عند الله } من الذي استكبرتم من قتل ابن الحضرمي { والفتنة } التي أنتم عليها مقيمون يعني الشرك { أكبر من القتل } .
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق الزهري عن عروة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية من المسلمين ، وأمر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي ، فانطلقوا حتى هبطوا نخلة ، فوجدوا فيها عمرو بن الحضرمي في عبر تجارة لقريش في يوم بقي من الشهر الحرام ، فاختصم المسلمون فقال قائل منهم : هذه غرة من عدوّ وغنم رزقتموه ، ولا ندري أمن الشهر الحرام هذا اليوم أم لا . وقال قائل : لا نعلم اليوم إلا من الشهر الحرام ولا نرى أن تستحلوه لطمع أشفقتم عليه ، فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا فشدوا على ابن الحضرمي فقتلوه وغنموا عيره ، فبلغ ذلك كفار قريش وكان ابن الحضرمي أوّل قتيل قتل بين المسلمين والمشركين ، فركب وفد كفار قريش حتى قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقالوا : أتحل القتال في الشهر الحرام؟ فأنزل الله عز وجل { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله . . . } إلى آخر الآية . فحدثهم الله في كتابه : إن القتال في الشهر الحرام حرام كما كان ، وإن الذين يستحلون من المؤمنين هو أكبر من ذلك ، فمن صدهم عن سبيل الله حين يسخمونهم ويعذبونهم ويحبسونهم أن يهاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكفرهم بالله وصدهم للمسلمين عن المسجد الحرام في الحج والعمرة والصلاة فيه ، وإخراجهم أهل المسجد الحرام وهم سكانه من المسلمين وفتنتهم إياهم عن الدين ، فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم عقل ابن الحضرمي وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه ، حتى أنزل الله عز وجل { براءة من الله ورسوله } [ التوبة : 1 ] .
وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري ومقسم قالا » لقي واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي أوّل ليلة من رجب وهو يرى أنه من جمادى فقتله ، فأنزل الله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه . . . } الآية . قال الزهري : فكان النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام ، ثم أحل بعد « .
وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق يزيد بن رومان عن عروة قال » بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش إلى نخلة فقال له : كن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش ولم يأمره بقتال وذلك في الشهر الحرام ، وكتب له كتاباً قبل أن يعلمه أنه يسير فقال : اخرج أنت وأصحابك حتى إذا سرت يومين فافتح كتابك وانظر فيه ، فما أمرتك به فامض له ولا تستكرهن أحداً من أصحابك على الذهاب معك ، فلما سار يومين فتح الكتاب فإذا فيه : أن امض حتى تنزل نخلة فتأتينا من أخبار قريش بما اتصل إليك منهم .(2/5)
فقال لأصحابه حين قرأ الكتاب : سمعاً وطاعة من كان منكم له رغبة في الشهادة فلينطلق معي فإني ماضٍ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن كره ذلك منكم فليرجع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاني أن أستكره منكم أحداً ، فمضى معه القوم حتى إذا كانوا بنجران أضل سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان ، بعيراً لهما كانا يتعقبانه ، فتخلفا عليه يطلبانه .
ومضى القوم حتى نزلوا نخلة فمر بهم عمرو بن الحضرمي ، والحكم بن كيسان ، وعثمان ، والمغيرة بن عبد الله ، معهم تجارة قد مروا بها من الطائف أدم وزيت ، فلما رآهم القوم أشرف لهم واقد بن عبد الله وكان قد حلق رأسه ، فلما رأوه حليقاً قال عمار : ليس عليكم منهم بأس وائتمر القوم بهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخر يوم من جمادى ، فقالوا : لئن قتلتموهم إنكم لتقتلونهم في الشهر الحرام ، ولئن تركتموهم ليدخلن في هذه الليلة حرم مكة فيمتنعن منكم . فأجمع القوم على قتلهم ، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، واستأسر عثمان بن عبد الله ، والحكم بن كيسان ، وهرب المغيرة فاعجزهم .
واستاقوا العير فقدموا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : والله ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام ، فأوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسيرين والعير فلم يأخذ منها شيئاً ، فلما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد سقط في أيديهم ، وظنوا أن قد هلكوا وعنفهم اخوانهم من المسلمين ، وقالت قريش حين بلغهم أمر هؤلاء : قد سفك محمد الدم الحرام ، وأخذ المال ، وأسر الرجال ، واستحل الشهر الحرام ، فأنزل الله في ذلك { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه . . . } الآية . فلما نزل ذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير ، وفدى الأسيرين .
فقال المسلمون : يا رسول الله أنطمع أن يكون لنا غزوة؟ فأنزل الله { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله } وكانوا ثمانية وأميرهم التاسع عبد الله بن جحش « .
وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } قال : يقول : يسألونك عن قتال فيه قال : وكذلك كان يقرأها { عن قتال فيه } .
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة عبد الله { يسألونك عن الشهر الحرام عن قتال فيه } .(2/6)
وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة . أنه كان يقرأ هذا الحرف { قتل فيه } .
وأخرج عن عطاء بن ميسرة قال : أحل القتال في الشهر الحرام في براءة في قوله { فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة } [ التوبة : 36 ] .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري . أنه سئل عن هذه الآية فقال : هذا شيء منسوخ ، ولا بأس بالقتال في الشهر الحرام .
وأخرج النحاس في ناسخه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : قوله { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } أي في الشهر الحرام . قال { قتال فيه كبير } أي عظيم ، فكان القتال محظوراً حتى نسخة آية السيف في براءة { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] فأبيح القتال في الأشهر الحرم وفي غيرها .
وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر { والفتنة أكبر من القتل } قال : الشرك .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد { ولا يزالون يقاتلونكم } قال : كفار قريش .
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله { أولئك يرجون رحمة الله } قال : هؤلاء خيار هذه الأمة ، ثم جعلهم الله أهل رجاء . إنه من رجا طلب ، ومن خاف هرب .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال : هؤلاء خيار هذه الأمة ، جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون .(2/7)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي والضياء المقدسي في المختارة عن عمر . أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فإنها تذهب المال والعقل ، فنزلت { يسألونك عن الخمر والميسر } التي في سورة البقرة ، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فنزلت الآية التي في سورة النساء { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } [ النساء : 43 ] فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربن الصلاة سكران ، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فنزلت الآية التي في المائدة ، فدعي عمر فقرئت عليه ، فلما بلغ { فهل أنتم منتهون } [ المائدة : 91 ] قال عمر : انتهينا انتهينا .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال : كنا نشرب الخمر ، فأنزلت { يسألونك عن الخمر والميسر . . . } الآية . فقلنا : نشرب منها ما ينفعنا . فأنزلت في المائدة { إنما الخمر والميسر } [ المائدة : 90 ] . الآية . فقالوا : اللهم قد انتهينا .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن عائشة قال « لما نزلت سورة البقرة ، نزل فيها تحريم الخمر فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك » .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال : إنما سميت الخمر لأنها صفاء صفوها وسفل كدرها .
وأخرج أبو عبيد والبخاري في الأدب المفرد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : الميسر القمار .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : الميسر القمار ، وإنما سمي الميسر لقولهم أيسر جزوراً ، كقولك ضع كذا وكذا .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله { يسألونك عن الخمر والميسر } قال : الميسر القمار ، كان الرجل في الجاهلية يخاطر عن أهله وماله ، فأيهما قهر صاحبه ذهب بأهله وماله . وفي قوله { قل فيهما إثم كبير } يعني ما ينقص من الدين عند شربها { ومنافع للناس } يقول : فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها { وإثمهما أكبر من نفعهما } يقول : ما يذهب من الدين والاثم فيه أكبر مما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها ، فأنزل الله بعد ذلك { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى . . . } [ النساء : 43 ] الآية . فكانوا لا يشربونها عند الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوها ، فما يأتي الظهر حتى يذهب عنهم السكر ، ثم إن ناساً من المسلمين شربوها فقاتل بعضهم بعضاً ، وتكلموا بما لا يرضي الله من القول . فأنزل الله { إنما الخمر والميسر والأنصاب } [ المائدة : 90 ] الآية . فحرم الخمر ونهى عنها .(2/8)
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله { يسألونك عن الخمر . . . } الآية . قال : نسخها { إنما الخمر والميسر . . . } [ المائده : 90 ] الآية .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { قل فيهما إثم كبير } قال : هذا أول ما عيبت به الخمر { ومنافع للناس } قال : ثمنها وما يصيبون من السرور .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } قال : منافعهما قبل التحريم ، وإثمهما بعدما حرما .
وأما قوله تعالى : { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } .
أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن ابن عباس « أن نفراً من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا ، فما ننفق منها؟ فأنزل الله { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } وكان قبل ذلك ينفق ماله حتى لا يجد ما يتصدق به ، ولا ما لا يأكل حتى يتصدق عليه » .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبان عن يحيى « أنه بلغه أن معاذ بن جبل ، وثعلبة ، أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : يا رسول الله إن لنا ارقاء وأهلين ، فما ننفق من من أموالنا؟ فأنزل الله { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } » .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } قال : هو ما لا يتبين في أموالكم ، وكان هذا قبل أن تفرض الصدقة .
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والطبراني والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } قال : ما يفضل عن أهلك ، وفي لفظ قال : الفضل من العيال .
وأخرج ابن المنذر عن عطاء بن دينار الهذلي . أن عبد الملك بن مروان كتب إلى سعيد بن جبير يسأله عن العفو . فقال : العفو على ثلاثة أنحاء : نحو تجاوز عن الذنب ، ونحو في القصد في النفقة { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } ، ونحو في الاحسان فيما بين الناس { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } [ البقرة : 237 ] .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله { قل العفو } قال : ذلك أن لا تجد مالك ثم تقعد تسأل الناس .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله { قل العفو } قال : الفضل .
وأخرج عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح عن طاوس قال : العفو اليسر من كل شيء ، قال : وكان مجاهد يقول { العفو } الصدقة المفروضة .
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { قل العفو } قال : لم تفرض فيه فريضة معلومة ، ثم قال(2/9)
{ خذ العفو وأمر بالعرف } [ الأعراف : 199 ] ثم نزلت الفرائض بعد ذلك مسماة .
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { قل العفو } قال : هذا نسخته الزكاة .
وأخرج البخاري والنسائي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أفضل الصدقة ما ترك غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول تقول المرأة : إما أن تطعمني وأما أن تطلقني ، ويقول العبد ، اطعمني واستعملني ، ويقول الابن : اطعمني إلى من تدعني » .
وأخرج ابن خزيمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « خير الصدقة ما أبقت غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعود تقول المرأة : انفق عليّ أو طلقني ، ويقول مملوكك : انفق علي أو بعني . ويقول ولدك : إلى من تكلني » .
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، وابدأ بمن تعول » .
وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : « أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقال رجل : يا رسول الله عندي دينار . قال : تصدق به على نفسك . قال : عندي آخر . قال : تصدق به على ولدك ، قال : عندي آخر . قال : تصدق به على زوجتك . قال : عندي آخر . قال : تصدق به على خادمك . قال : عندي آخر . قال : أنت أبصر » .
وأخرج ابن سعد وأبو داود والحاكم وصححه عن جابر بن عبد الله قال « كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل ، وفي لفظ : قدم أبو حصين السلمي بمثل بيضة من الحمامة من ذهب فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها ، فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتاه من خلفه ، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها ، فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته . فقال : يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس ، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول » .
وأخرج البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول ، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، ومن يستعف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله » .
وأخرج مسلم والنسائي عن جابر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل : ابدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك ، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك ، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء ، فهكذا وهكذا » .(2/10)
وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الأيدي ثلاث . فيد الله العليا ، ويد المعطي التي تليها ، ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة ، فاستعفف عن السؤال وعن المسألة ما استطعت ، فإن أعطيت خيراً فليُرَ عليك ، وابدأ بمن تعول ، وارضخ من الفضل ، ولا تلام على الكفاف » .
وأخرج أبو داود وابن حبان والحاكم عن مالك بن نضلة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الأيدي ثلاث . فيد الله العليا ، ويد المعطي التي تليها ، ويد السائل السفلى ، فاعط الفضل ولا تعجز عن نفسك » .
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال « دخل رجل المسجد ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يطرحوا أثواباً فطرحوا فأمر له منها بثوبين ، ثم حث على الصدقة فجاء فطرح أحد الثوبين ، فصاح به وقال : خذ ثوبك » .
وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت » .
وأخرج البزار عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول » .
وأخرج أحمد ومسلم والترمذي عن أبي أمامة « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا ابن آدم إنك ان تبذل الفضل خير لك ، وان تمسكه شر لك ، ولا تلام على كفاف ، وابدأ بمن تعول ، واليد العليا خير من اليد السفلى » .
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « يا ابن عوف إنك من الأغنياء ولن تدخل الجنة إلا زحفاً ، فاقرض الله يطلق لك قدميك . قال : وما الذي أقرض يا رسول الله؟ قال : تبرأ مما أمسيت فيه . قال : أمن كله أجمع يا رسول الله؟ قال : نعم . فخرج وهو يهم بذلك ، فأتاه جبريل فقال : مر ابن عوف فليضف الضيف ، وليطعم المساكين ، وليعط السائل ، وليبدأ بمن يعول ، فإنه إذا فعل ذلك كان تزكية مما هو فيه » .
وأخرج البيهقي في الشعب عن ركب المصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « طوبى لمن تواضع من غير منقصة ، وذل في نفسه من غير مسكنة ، وانفق مالاً جمعه في غير معصية ، ورحم أهل الذلة والمسكنة ، وخالط أهل العفة والحكمة ، طوبى لمن ذل في نفسه ، وطاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وكرمت علانتيه ، وعزل عن الناس شره ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله » .
وأخرج البزار عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله(2/11)
« ما تقول في الصلاة؟ قال : تمام العمل . قلت : يا رسول الله أسألك عن الصدقة؟ قال : شيء عجيب ، قلت : يا رسول الله تركت أفضل عمل في نفسي أو خيره قال : ما هو؟ قلت : الصوم . قال : خير وليس هناك . قلت : يا رسول الله وأي الصدقة؟ قال : تمرة . قلت : فإن لم أفعل؟ قال : بكلمة طيبة . قلت : فإن لم أفعل؟ قال : تريد أن لا تدع فيك من الخير شيئاً » .
وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أفضل دينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله ، قال أبو قلابة : وبدأ بالعيال ، ثم قال أبو قلابة : وأي رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم أو ينفعهم الله به ويعينهم؟ » .
وأخرج مسلم والنسائي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله « دينار انفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار انفقته على أهلك ، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك » .
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن كدير الضبي قال : « أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : نبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار . قال : تقول العدل ، وتعطي الفضل ، قال : هذا شديد لا أستطيع أن أقول العدل كل ساعة ، ولا أن أعطي فضل مالي . قال : فاطعم الطعام ، وأفش السلام ، قال : هذا شديد والله! قال : هل لك من إبل؟قال : نعم . قال : انظر بعيراً من ابلك وسقاء فاسق أهل بيت لا يشربون إلاَّ غبا فلعلك أن لا يهلك بعيرك ، ولا ينخرق سقاؤك ، حتى تجب لك الجنة . قال : فانطلق يكبر ، ثم أنه استشهد بعد » .
وأخرج ابن سعد عن طارق بن عبد الله قال : « أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب ، فسمعت من قوله : تصدقوا فإن الصدقة خير لكم ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول ، أمك وأباك وأختك وأخاك ، ثمَّ أدناك فأدناك » .
وأخرج مسلم عن خيثمة قال : كنا جلوساً مع عبد الله بن عمرو إذ جاءه قهرمان له ، فدخل فقال : أعطيت الرقيق قوتهم؟ قال : لا . قال : فانطلق فاعطهم ، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته » .
أما قوله تعالى : { كذلك يبين الله لكم الآيات } الآية .
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون } في الدنيا والآخرة ، يعني في زوال الدنيا وفنائها ، واقبال الآخرة وبقائها .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله { لعلكم تتفكرون } في الدنيا والآخرة .(2/12)
يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله { لعلكم تتفكرون } في الدنيا والآخرة . قال : لتعلموا فضل الآخرة على الدنيا .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الصعق بن حزن التميمي قال : شهدت الحسن وقرأ هذه الآية من البقرة { لعلكم تتفكرون } في الدنيا والآخرة . قال : هي والله لمن تفكرها ، ليعلمن أن الدنيا دار بلاء ، ثم دار فناء ، وليعلمن أن الآخرة دار جزاء ، ثم دار بقاء .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال : من تفكر في الدنيا عرف فضل احداهما على الأخرى ، عرف أن الدنيا دار بلاء ، ثم دار فناء ، وأن الآخرة دار بقاء ، ثم دار جزاء ، فكونوا ممن يصرم حاجة الدنيا لحاجة الآخرة .(2/13)
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
أخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال « لما أنزل الله { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } [ الإِسراء : 34 ] و { إن الذين يأكلون أموال اليتامى } [ النساء : 10 ] الآيتين انطلق من كان عنده يتيم ، فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيجلس له حتى يأكله أو يفسد فيرمي به ، واشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم } فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم » .
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : لما نزل في اليتيم ما نزل اجتنبهم الناس فلم يؤاكلوهم ولم يشاربوهم ولم يخالطوهم ، فأنزل الله { ويسألونك عن اليتامى . . . } الآية . فخالطهم الناس في الطعام وفيما سوى ذلك .
وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري والنحاس عن قتادة في قوله { ويسألونك عن اليتامى . . . } الآية . قال : كان أنزل قبل ذلك في سورة بني إسرائيل { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } [ الإِسراء : 34 ] فكانوا لا يخالطونهم في مطعم ولا غيره ، فاشتد ذلك عليهم ، فأنزل الله الرخصة { وإن تخالطوهم فإخوانكم } .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً . . . } [ النساء : 10 ] الآية . أمسك الناس ولم يخالطوا الأيتام في الطعام والأموال حتى نزلت { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير } الآية .
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال « كان أهل البيت يكون عندهم الأيتام في حجورهم ، فيكون لليتيم الصرمة من الغنم ويكون الخادم لأهل البيت ، فيبعثون خادمهم فيرعى غنم الأيتام ، أو يكون لأهل اليتيم الصرمة من الغنم ويكون الخادم للأيتام ، فيبعثون خادم الأيتام فيرعى غنمهم ، فإذا كان الرسل وضعوا أيديهم جميعاً أو يكون الطعام للأيتام ويكون الخادم لأهل البيت ، فيأمرون خادمهم فيصنع الطعام ويكون الطعام لأهل البيت ، ويكون الخادم للأيتام فيأمرون خادم الأيتام أن يصنع الطعام فيضعون أيديهم جميعاً ، فلما نزلت هذه الآية { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً . . . } [ النساء : 10 ] الآية . قالوا : هذه موجبة فاعتزلوهم وفرقوا ما كان من خلطتهم ، فشق عليهم ذلك ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الغنم قد بقيت ليس لها راع ، والطعام ليس له من يصنعه . فقال : قد سمع الله قولكم فإن شاء أجابكم . فنزلت هذه الآية { ويسألونك عن اليتامى } ونزل أيضاً { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى . . . } [ النساء : 3 ] الآية . فقصروا على أربع فقال : كما خشيتم أن لا تقسطوا في اليتامى وتحرجتم من مخالطتهم حتى سألتم عنها ، فهلا سألتم عن العدل في جمع النساء » .(2/14)
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وإن تخالطوهم } قال : المخالطة أن يشرب من لبنك وتشرب من لبنه ، ويأكل في قصعتك وتأكل في قصعته وتأكل من ثمرته { والله يعلم المفسد من المصلح } قال : يعلم من يتعمد أكل مال اليتيم ومن يتحرج منه ولا يألو عن اصلاحه { ولو شاء لأعنتكم } يقول : لو شاء ما أحل لكم ما أصبتم مما لا تتعمدون .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : إن الله لما أنزل { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً . . . } الآية . كره المسلمون أن يضموا اليتامى وتحرجوا أن يخالطوهم في شيء ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم . . . ولو شاء الله لأعنتكم } يقول : لأحرجكم وضيق عليكم ، ولكنه وسع ويسر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ { وإن تخالطوهم فاخوانكم في الدين } .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { والله يعلم المفسد من المصلح } قال : الله يعلم حين تخلط مالك بماله أتريد أن تصلح ماله أو تفسده فتأكله بغير حق .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولو شاء الله لأعنتكم } قال لو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً .
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { ولو شاء الله لأعنتكم } قال : لو شاء الله لأعنتكم فلم تؤدوا فريضة ، ولم تقوموا بحق .
وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن الأسود قال : قالت عائشة : اخلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابي ، فإني أكره أن يكون مال اليتيم عندي كالعيرة .(2/15)